الخميس، 11 مايو 2023

ج1.,[2. الفروق أو أنوار البروق في أنواء الفروق -أبو العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي سنة الولادة بلا/ سنة الوفاة 684هـ

ج1. الفروق أو أنوار البروق في أنواء الفروق (مع الهوامش )
أبو العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي
سنة الولادة بلا/ سنة الوفاة 684هـ

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وسلم
الحمد لله فالق الإصباح وفارق أهل الغي من أهل الصلاح وسائق السحاب الثقال بهبوب الرياح ومنزل الفرقان على عبده يوم الكفاح ببيض الصفاح محذرا من دار البوار وحاثا على دار الفلاح المنزه في عظيم علائه عن مشابهة الأرواح ومشاكلة الأشباح وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة زاكية الأرباح يوم القداح
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله والحرمات تستباح وحزب الكفر قد عم الفجاج والبطاح فلم يزل صلى الله عليه وسلم يرشد إلى الحق بالحجاج الوضاح وسمهرية الرماح حتى أعلن مناديه في ناديه وباح وظهر دين الله على جميع الأديان فطار في الآفاق بقادمة كقادمة الجناح صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه ومحبيه ما أزال الظلم الحنادس ضوء الصباح صلاة نحوز بها أعلى رتب النجاح ونخلص بها من دركات الإثم والجناح
أما بعد فإن الشريعة المعظمة المحمدية زاد الله تعالى منارها شرفا وعلوا اشتملت
هامش أنوار البروق
قال الشيخ الفقيه العلامة المتكلم الأستاذ الأوحد أبو القاسم قاسم بن عبد الله بن محمد بن محمد الأنصاري المعروف بابن الشاط رحمه الله تعالى آمين
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله المنفرد بالجلال والكمال المنزه عن الأكفاء والنظراء والأشباه والأمثال والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد المصطفى من الإرسال وعلى آله وصحبه خير صحب وخير آل
أما بعد فإني لما طالعت كتاب الإمام شهاب الدين أبي العباس أحمد بن إدريس القرافي
هامش إدرار الشروق
بسم الله الرحمن الرحيم حمدا لمن أنزل الفرقان على سيدنا محمد سيد ولد عدنان فارقا به بين الحق الموجب للرضوان والباطل الموجب للخسران ولم يزل يرشد إلى الحق المبين به وبما بلغه من واضح البراهين حتى ظهر دين الله على جميع الأديان صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطاهرين وأصحابه الباذلين نفوسهم في تشييد قواعد الدين ومعالم الإيمان
أما بعد فيقول تراب أقدام السادة العلماء والقادة النجباء الأتقياء العبد الحقير المعترف بذنبه المفتقر إلى عفو ربه محمد علي بن حسين المكي المالكي إن كتاب أنوار البروق في أنواء الفروق للعلامة
____________________

(1/5)


على أصول وفروع وأصولها قسمان أحدهما المسمى بأصول الفقه وهو في غالب أمره ليس فيه إلا قواعد الأحكام الناشئة عن الألفاظ العربية خاصة وما يعرض لتلك الألفاظ من النسخ والترجيح ونحو الأمر للوجوب والنهي للتحريم والصيغة الخاصة للعموم ونحو ذلك وما خرج عن هذا النمط إلا كون القياس حجة وخبر الواحد وصفات المجتهدين والقسم الثاني قواعد كلية فقهية جليلة كثيرة العدد عظيمة المدد مشتملة على أسرار الشرع وحكمه لكل قاعدة من الفروع في الشريعة ما لا يحصى ولم يذكر منها شيء في أصول الفقه
وإن اتفقت الإشارة إليه هنالك على سبيل الإجمال فبقي تفصيله لم يتحصل وهذه القواعد مهمة في الفقه عظيمة النفع وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه ويشرف ويظهر رونق الفقه ويعرف وتتضح مناهج الفتاوى وتكشف فيها تنافس العلماء وتفاضل الفضلاء وبرز القارح على الجذع وحاز قصب السبق من فيها برع ومن جعل يخرج
هامش أنوار البروق
المالكي رحمه الله تعالى المسمى بأنوار البروق في أنواء الفروق ألفيته قد حشد فيه وحشر وطوى ونشر وسلك السهول والنجود وورد البحور والثمود خلا أنه ما استكمل التصويب والتنقيب ولا استعمل التهذيب والترتيب فانتسب بسبب ذينك الأمرين إلى الإخلال بواجبين واحتجب لا مع بروقه منها بحاجبين ولما كان الأول منهما في مرتبة الضروريات والثاني في درجة الحاجيات وضعت كتابي هذا لما اشتمل عليه من الصواب مصححا ولما عدل به عن صوبه منقحا وأضربت عما سوى ذلك مؤثرا للضروري على الحاجي ومرجحا ولما شرفت أنوار هذا المجموع وأشرقت فلاحت كالشمس المضحية في الوضوح ووقفت أمامها لوامع الخلب من تلك البروق لما ضمنه من
هامش إدرار الشروق
شهاب الدين أبي العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي المشهور بالقرافي بين الناس لما امتاز بوضعه في الفروق بين القواعد لا في الفروق بين الفروع كما هو عادة الفضلاء الأماجد لما له على غيره من شرف السماء ما للأصول على الفروع من شرف الارتقاء إلا أنه لم يستكمل التصويب والتنقيب ولم يستعمل التهذيب والترتيب فوفق الله الإمام العلامة أبا القاسم المعروف بابن الشاط قاسم بن عبد الله الأنصاري الحقيق بالاغتباط لتنقيح ما عدل به عن صوب الصواب وتصحيح ما اشتمل عليه من صواب في حاشية إدرار الشروق على أنواء الفروق عن لي وإن كنت لست أهلا لذلك ولا من رجال هذه المهامه والمسالك أن ألخصه مع التهذيب والترتيب والتوضيح مراعيا ما حرره ذلك المفضال من التصحيح والتنقيح لقول أهل التحري والاحتياط عليك بفروق القرافي
ولا تقبل منها إلا ما قبله ابن الشاط كما في ضوء الشموع للعلامة الأمير على شرحه على المجموع مع ما يفتح الله به علي مما تتم به الإفادة من جواب إشكال ترك جوابه أو زيادة رجاء من مفيض الإحسان أن يجعله سببا للعفو والغفران
____________________

(1/6)


الفروع بالمناسبات الجزئية دون القواعد الكلية تناقضت عليه الفروع واختلفت وتزلزلت خواطره فيها واضطربت وضاقت نفسه لذلك وقنطت واحتاج إلى حفظ الجزئيات التي لا تتناهى وانتهى العمر ولم تقض نفسه من طلب مناها ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات لاندراجها في الكليات واتحد عنده ما تناقض عند غيره
هامش أنوار البروق
الخروج عن صوب الصواب والمروق موقف المفضوح سميته بكتاب إدرار الشروق على أنواء الفروق ليوافق اللفظ المعنى ويطابق الاسم المسمى والله تعالى أرجو أن يجعله من أليم العتاب يوم الحساب آمنا ولجسيم الثواب عند المآب ضامنا بمنه وكرمه
قال شهاب الدين
هامش إدرار الشروق
وسميتها بتهذيب الفروق والقواعد السنية في الأسرار الفقهية ورتبته على مقدمة وعلى فروق تشتمل على نحو خمسمائة وثمانية وأربعين قاعدة موضحة بما يناسبها من الفروع ليزداد انشراح القلب لغيرها فتتم الفائدة وتلك الفروق منها ما هو واقع بين فرعين يحصل بيانه بذكر ما هو المقصود من قاعدة أو قاعدتين ومنها ما هو واقع بين قاعدتين مقصود تحقيقهما بالسؤال عن الفرق بينهما نظرا لكون تحقيقهما بذلك أولى بلا إباء من تحقيقهما بغير ذلك لدى النبلاء لأن لضده الثناء وبضدها تتميز الأشياء
مقدمة في فائدتين الأولى اعلم أن الشريعة المعظمة المحمدية قد اشتملت على أصول قسمان أحدهما المسمى بأصول الفقه وهو غالب أمره ليس فيه إلا قواعد الأحكام الناشئة عن الألفاظ العربية خاصة وما يعرض لتلك الألفاظ من النسخ والترجيح ونحو الأمر للوجوب والنهي للتحريم والصيغة الخاصة للعموم ونحو ذلك وما خرج عن هذا النمط إلا كون القياس حجة وخبرا لواحد وصفات المجتهدين كما في الأصل
قلت وتوضيح ذلك أن الطرق التي منها تلقيت الأحكام عن النبي عليه الصلاة والسلام وإن كانت ثلاثة لفظا وفعلا وإقرارا إلا أن غالب قواعد أصول الفقه إنما نشأت من طريق اللفظ لأن الألفاظ التي تتلقى منها الأحكام أربعة أصناف ثلاثة متفق عليها الأول لفظ عام يحمل على عمومه أو خاص يحمل على خصوصه والثاني لفظ عام يراد به الخصوص والثالث لفظ خاص يراد به العموم وفي هذا يدخل التنبيه بالمساوي على المساوي وبالأعلى على الأدنى وبالأدنى على الأعلى كقوله تعالى فلا تقل لهما أف فقد فهم منه تحريم الضرب والشتم وما فوق ذلك
وهذه الأصناف الثلاثة إما أن تأتي بصيغة الأمر أو بصيغة الخبر يراد به الأمر فتستدعي الفعل وفي حمل هذا الاستدعاء على الوجوب إن فهم منه الجزم وتعلق العقاب بالترك أو على الندب إن فهم منه الثواب على الفعل وانتفاء العقاب مع الترك أو يتوقف حتى يدل الدليل على أحدهما خلاف بين العلماء مذكور في كتب أصول الفقه وإما أن تأتي بصيغة النهي أو بصيغة الخبر يراد به النهي فتستدعي الترك وفي حمل هذا الاستدعاء على التحريم إن فهم منه الجزم وتعلق العقاب بالفعل أو على الكراهة إن فهم منه الحث على تركه من غير تعلق العقاب بفعله أو يتوقف حتى يدل الدليل على أحدهما خلاف كذلك
والأعيان التي يتعلق بها الحكم إما أن يدل عليها بلفظ يدل على معنى واحد فقط وهو الذي يعرف في أصول الفقه بالنص
____________________

(1/7)


وتناسب
وأجاب الشاسع البعيد وتقارب وحصل طلبته في أقرب الأزمان وانشرح صدره لما أشرق فيه من البيان فبين المقامين شأو بعيد وبين المنزلتين تفاوت شديد وقد ألهمني الله تعالى بفضله أن وضعت في أثناء كتاب الذخيرة من هذه القواعد شيئا كثيرا مفرقا في أبواب الفقه كل قاعدة في بابها وحيث تبنى عليها فروعها
ثم أوجد الله تعالى في نفسي أن تلك القواعد لو اجتمعت في كتاب وزيد في تلخيصها وبيانها والكشف عن أسرارها وحكمها لكان ذلك أظهر لبهجتها ورونقها وتكيفت نفس الواقف عليها بها مجتمعة أكثر مما إذا رآها مفرقة وربما لم يقف إلا على اليسير منها هنالك لعدم استيعابه
هامش أنوار البروق
فارغة
هامش إدرار الشروق
ولا خلاف في وجوب العمل به وإما أن يدل عليها بلفظ يدل على أكثر من معنى واحد وهذا إما أن تكون دلالته على تلك المعاني بالسواء وهو الذي يعرف في أصول الفقه بالمجمل ولا خلاف في أنه لا يوجب حكما وإما أن تكون دلالته على بعض تلك المعاني أكثر من بعض ويسمى بالإضافة إلى البعض الأكثر ظاهرا وإلى البعض الأقل محتملا ويحمل على البعض الأكثر إذا ورد مطلقا ولا يحمل على البعض الأقل إلا بدليل فيعرض حينئذ خلاف الفقهاء في أقاويل الشارع من قبل ثلاثة معان من قبل الاشتراك في لفظ العين الذي علق به الحكم ومن قبل الاشتراك في الألف واللام المقرونة بجنس ذلك العين هل أريد بها الكل أو البعض ومن قبل الاشتراك الذي في ألفاظ الأوامر والنواهي وصنف رابع مختلف فيه وهو أن يفهم من إيجاب الحكم لشيء ما نفى ذلك عما عدا ذلك الشيء ومن نفى الحكم لشيء ما إيجابه لما عدا ذلك الشيء الذي نفى عنه
وهو الذي يعرف بدليل الخطاب مثل قوله عليه الصلاة والسلام في سائمة الغنم الزكاة فإن قوما فهموا منه أن لا زكاة في غير السائمة أو نشأت مما يعرض لتلك الألفاظ من النسخ أي جوازه وكونه ينقسم إلى أقسام أحدها نسخ الكتاب بالكتاب كحكم والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج بحكم والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا لتأخرها نزولا وإن تقدمت تلاوة وثانيها نسخ السنة بالسنة كحديث كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها
وثالثها السنة بالكتاب كحكم استقبال بيت المقدس الثابت بالسنة الفعلية باستقبال الكعبة الثابت بقوله تعالى فول وجهك شطر المسجد الحرام ورابعها الكتاب بالسنة ولو آحادا على الصحيح خلافا لمن منعه إما لأن القطعي متن القرآن لا دلالته وإما لأنه لا مانع من نسخه بالآحاد وإن كانت دلالته قطعية كآية الاستقبال نعم الحق أنه لم يقع إلا بالسنة المتواترة كجواز الوصية للوالدين والأقربين بحديث لا وصية لوارث وينقسم أيضا إلى ما نسخت تلاوته وحكمه جميعا نحو عشر رضعات محرمات كان مما يتلى فنسخت بخمس معلومات وما نسخت تلاوته دون حكمه نحو الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالا من الله والله عزيز حكيم كان مما يتلى فرجم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم المحصنين وما نسخ حكمه دون تلاوته كآية والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا الآية نسخ بأربعة أشهر وعشرا
وينقسم أيضا إلى النسخ إلى بدل كما في آيتي الأنفال وإلى غير بدل
____________________

(1/8)


لجميع أبواب الفقه وأينما يقف على قاعدة ذهب عن خاطره ما قبلها بخلاف اجتماعها وتظافرها فوضعت هذا الكتاب للقواعد خاصة وزدت قواعد كثيرة ليست في الذخيرة وزدت ما وقع منها في الذخيرة بسطا وإيضاحا فإني في الذخيرة رغبت في كثرة النقل للفروع لأنه أخص بكتب الفروع وكرهت أن أجمع بين ذلك وكثرة البسط في المباحث والقواعد فيخرج الكتاب إلى حد يعسر على الطلبة تحصيله أما هنا فالعذر زائل والمانع ذاهب فأستوعب ما يفتح الله به إن شاء الله تعالى وجعلت مبادئ المباحث في القواعد بذكر الفروق والسؤال عنها بين فرعين أو قاعدتين فإن وقع السؤال عن الفرق بين الفرعين فبيانه بذكر قاعدة أو قاعدتين يحصل بهما الفرق
وهما المقصودتان وذكر الفرق وسيلة لتحصيلهما وإن وقع السؤال عن الفرق بين
هامش أنوار البروق
فارغة
هامش إدرار الشروق
كقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة فإن وجوب تقديم الصدقة على الفقراء بما تيسر على مناجاته صلى الله تعالى عليه وسلم تقربا إلى الله تعالى ليطهره حتى يكون أهلا لمناجاته صلى الله تعالى عليه وسلم ونسخ بلا بدل لاستلزامه قلة الأسئلة فإن في السكوت رحمة كما ورد اتركوني ما تركتكم إن الله سكت عن أشياء رحمة لكم وقد شدد بنو إسرائيل في السؤال عن البقرة فشدد عليهم بضيق صفاتها حتى غلت
والحق أن هذا القسم لم يقع وفاقا للشافعي رضي الله تعالى عنه والبدل في هذه الآية الجواز المطلق الصادق بالإباحة والاستحباب ومما يعرض لها من الترجيح عند تعارض الأمور الخمسة التي تخل بالفهم اليقيني المنظومة مع إضافة النسخ إليها في قول بعضهم مرجحا التجوز على الإضمار على خلاف الأصح من استوائهما تجوز ثم إضمار وبعدهما نقل تلاه اشتراك فهو يخلفه وأرجح الكل تخصيص وآخرها نسخ فما بعده قسم يخلفه ولو جرى على الأصح من استواء التجوز والإضمار لقال تجوز مثل إضمار وبعدهما إلخ ويتحصل في تعارضها عشر صور هي تعارض التخصيص والتجوز تعارض التخصيص والإضمار تعارض التخصيص والنقل تعارض التخصيص والاشتراك فيقدم التخصيص في هذه الأربع لأنه أولى تعارض التجوز والاشتراك تعارض الإضمار والاشتراك تعارض النقل والاشتراك فيقدم كل من التجوز والإضمار والنقل على الاشتراك في هذه الثلاث تعارض التجوز والإضمار تعارض التجوز والنقل تعارض الإضمار والنقل والأصح استواء التجوز والإضمار وتقديمهما على النقل في هذه الثلاث وأمثلتها تطلب من كتب الأصول
والفرق بين المنقول والمشترك مع تعدد المعنى والوضع في كل أن المشترك ما وضع لمعنييه مثلا على السواء بأن وضع لهذا كما وضع لذاك من غير اعتبار النقل من أحدهما إلى الآخر وفي جواز حمله عليهما عند الإطلاق فيسمى مشتركا مطلقا وعدم جوازه فلا يسمى مشتركا إلا بالنسبة إلى المعنيين مثلا
وأما بالنسبة إلى أحدهما فيسمى مجملا خلاف والمنقول ما لم يوضع لمعنييه مثلا على السواء بل وضع أولا لأحدهما ثم نقل إلى الآخر لمناسبة بينهما مع هجر المعنى الأول والمراد بالتجوز التجوز الاصطلاحي الذي هو استعمال اللفظ في غير ما وضع له إلخ فلا يشمل الإضمار وجعل التخصيص مقابلا للتجوز لا نوعا منه مبني على ما اختاره تقي الدين السبكي من أن العام إذا خص يكون حقيقة في الباقي لا على قول الأكثر أنه يكون مجازا فيه وإنما تعرضوا
____________________

(1/9)


القاعدتين فالمقصود تحقيقهما ويكون تحقيقهما بالسؤال عن الفرق بينهما أولى من تحقيقهما بغير ذلك فإن ضم القاعدة إلى ما يشاكلها في الظاهر ويضادها في الباطن أولى لأن الضد يظهر حسنة الضد وبضدها تتميز الأشياء وتقدم قبل هذا كتاب لي سميته كتاب الأحكام في الفرق بين الفتاوى والأحكام وتصرف القاضي والإمام ذكرت في هذا الفرق أربعين مسألة جامعة لأسرار هذه الفروق وهو كتاب مستقل يستغنى به عن الإعادة هنا فمن
هامش أنوار البروق
فارغة
هامش إدرار الشروق
لتعارض هذه الخمسة فقط لأنها من عوارض اللفظ دون النسخ فإنه من عوارض الحكم وأيضا قال العطار على محلي جمع الجوامع ولهم خمسة أخرى تخل بالفهم وهي النسخ والتقديم والتأخير وتغير الإعراب والتصريف والمعارض العقلي واقتصر الشارح كالمصنف على الخمسة الأولى لكثرة وقوعها ولقوة الظن مع انتفائها
ا ه ومما يعرض لها أيضا من كون المعاني المتداولة المتأدية من هذه الأصناف اللفظية إجمالا إما أمر بشيء فيكون للوجوب أو للندب على ما مر وإما نهي عن شيء فيكون للتحريم أو للكراهة على ما مر أيضا وإما تخيير فيه وهو المباح فأصناف الأحكام الشرعية المتلقاة من هذه الأصناف اللفظية خمسة ومن كون أسباب الاختلاف في تأدية هذه الأحكام من الأصناف اللفظية ستة أحدها تردد الألفاظ بين هذه الأصناف الأربعة أي كون اللفظ عاما يراد به الخاص أو خاصا يراد به العام أو عاما يراد به العام أو خاصا يراد به الخاص أو يكون له دليل الخطاب أو لا يكون له والثاني الاشتراك الحاصل إما في اللفظ المفرد كالقرء يطلق على الأطهار والحيض والأمر يحمل على الوجوب أو الندب والنهي يحمل على التحريم أو الكراهة
وأما في اللفظ المركب مثل قوله تعالى إلا الذين تابوا يحتمل أن يعود على الفاسق فقط أو عليه وعلى الشاهد معا فتكون التوبة رافعة للفسق ومجيزة لشهادة القاذف والثالث اختلاف الإعراب والرابع تردد اللفظ بين حمله على الحقيقة أو على نوع من أنواع المجاز التي هي إما الحذف وإما الزيادة وإما التأخير وإما التقديم وإما تردده على الحقيقة أو الاستعارة والخامس إطلاق اللفظ تارة وتقييده تارة مثل إطلاق الرقبة في العتق تارة وتقييدها بالإيمان تارة والسادس التعارض في الشيئين في جميع أصناف الألفاظ التي يتلقى منها الشرع الأحكام بعضها مع بعض ومن كون هذه الصيغة الخاصة للعموم ونحو ذلك وما خرج عن هذا النمط أي عن هذه القواعد التي طريقها اللفظ العربي خاصة إلا كون القياس حجة فيما سكت عنه الشارع من الأحكام كما للجمهور
ويشهد لثبوته دليل العقل وهو أن الوقائع بين أشخاص الأناسي غير متناهية والنصوص والأفعال والإقرارات متناهية ومحال أن يقابل ما لا يتناهى بما يتناهى فسقط قول أهل الظاهر القياس في الشرع باطل وما سكت عنه الشارع فلا حكم له وكون القياس الشرعي إلحاق الحكم الواجب لشيء ما بالشرع بالشيء المسكوت عنه لشبهه بالشيء الذي أوجب الشرع له ذلك الحكم أو لعلة جامعة بينهما فهو نوعان قياس شبه وقياس علة وكونه وإن شارك اللفظ الخاص يراد به العام في إلحاق المسكوت عنه بالمنطوق به يفارقه من جهة أن الإلحاق فيه من جهة الشبه الذي بينهما لا من جهة دلالة اللفظ وفي الخاص يراد به
____________________

(1/10)


شاء طالع ذلك الكتاب فهو حسن في بابه وعوائد الفضلاء وضع كتب الفروق بين الفروع وهذا في الفروق بين القواعد وتلخيصها فله من الشرف على تلك الكتب شرف الأصول على الفروع وسميته لذلك أنوار البروق في أنواء الفروق ولك أن تسميه كتاب الأنوار والأنواء أو كتاب الأنوار والقواعد السنية في الأسرار الفقهية كل ذلك لك وجمعت فيه من القواعد خمسمائة وثمانية وأربعين قاعدة أوضحت كل قاعدة بما يناسبها من الفروع حتى يزداد انشراح القلب لغيرها
فائدة سمعت بعض مشايخي الفضلاء يقول فرقت العرب بين فرق بالتخفيف وفرق بالتشديد الأول في المعاني والثاني في الأجسام ووجه المناسبة فيه أن كثرة الحروف عند العرب تقتضي كثرة المعنى أو زيادته أو قوته والمعاني لطيفة والأجسام كثيفة فناسبها
هامش أنوار البروق
فارغة
هامش إدرار الشروق
العام من جهة دلالة اللفظ عليه وكون تعارضها في أنفسها وتعارضها مع الطرق الثلاث أعني معارضة القول أو الفعل أو الإقرار للقياس تكون سببا للاختلاف في تأدية هذه الأحكام من هذه الطرق الأربع
وكون خبر الواحد لا يحتج به إلا إذا اشتهر بعمل عند من يشترط اشتهار العمل فيما نقل من طريق الآحاد وبخاصة في المدينة كما هو المعلوم من مذهب مالك وبيان صفات المجتهدين
وأما طريقا الفعل والإقرارات فلا ينشأ من واحد منهما شيء من قواعد الأحكام المذكورة لأن البحث عن الفعل في كتب الأصول من حيث إنه عند الأكثر من الطرق التي تتلقى منها الأحكام الشرعية ومن حيث الخلاف في نوع الحكم الذي يدل عليه الفعل هل الوجوب أو الندب والمختار عند المحققين أنه إن أتى بيانا لمجمل واجب دل على الوجوب أو لمجمل مندوب دل على الندب وإن لم يأت بيانا لمجمل فإن كان من جنس القربة دل على الندب أو من جنس المباحات دل على الإباحة
والبحث عن الإقرارات فيها من حيث إنها تدل على الجواز ومن حيث إن معارضة القول أو الفعل له كمعارضته للقياس ومعارضة القول للفعل تكون سببا للاختلاف في تأدية الأحكام من الطرق الأربع المذكورة لتلقيها عن النبي عليه الصلاة والسلام وأما الإجماع فلا يكون إلا مستندا لأحد هذه الطرق الأربع لأنه لو كان أصلا مستقلا لاقتضى إثبات شرع زائد بعد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم واللازم باطل ا ه ملخصا من بداية المجتهد لحفيد ابن رشد وعبد السلام والأمير على الجوهرة ورسالة الصبان البيانية والأنبابي عليها
والقسم الثاني قواعد كلية فقهية جليلة كثيرة العدد عظيمة المدد مشتملة على أسرار الشرع وحكمه لكل قاعدة من الفروع ما لا يحصى ولم يذكر شيء منها في أصول الفقه على سبيل التفصيل وإنما أتفقت الإشارة إليه هنالك على سبيل الإجمال وقد وضع المحققون لتفصيله كتب القواعد مهتمين بتحصيله اهتمامهم بتحصيل الأصول بل هذه القواعد مهمة عظيمة النفع في الفقه بقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه ويظهر رونق الفقه بلا تمويه وتتضح مناهج الفتاوى وتنكشف ويحوز قصب السبق من بالبراعة فيها يتصف نعم في حاشية الرهوني على شرح عبق على خليل أن صاحب الديباج عند ترجمة ابن بشير بن الطاهر إبراهيم بن عبد الصمد قال ما نصه وكان رحمه الله يستنبط أحكام الفروع من قواعد أصول الفقه
____________________

(1/11)


التشديد وناسب المعاني التخفيف مع أنه قد وقع في كتاب الله تعالى خلاف ذلك قال الله تعالى وإذ فرقنا بكم البحر فخفف في البحر وهو جسم
وقال تعالى فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين وجاء على القاعدة قوله تعالى وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وقوله تعالى فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه و تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ولا نكاد نسمع من الفقهاء إلا قولهم ما الفارق بين المسألتين ولا يقولون ما الفرق بينهما بالتشديد ومقتضي هذه القاعدة أن يقول السائل افرق لي بين المسألتين ولا يقول فرق لي ولا بأي شيء تفرق مع أن كثيرا يقولونه في الأفعال دون اسم الفاعل وقد آن الشروع في الكتاب مستعينا بالله تعالى على خلوص النية وحصول البغية وأسأله بعظيم جلاله وكمال علائه أن يجعله نافعا لي ولعباده وأن ييسر ذلك علي وعليهم بمنه وكرمه إنه على كل شيء قدير
الفرق الأول بين الشهادة والرواية ابتدأت بهذا الفرق بين هاتين القاعدتين لأني أقمت أطلبه نحو ثمان سنين فلم أظفر به وأسأل الفضلاء عن الفرق بينهما وتحقيق ماهية كل واحدة منهما فإن كل واحدة منهما
هامش أنوار البروق
الفرق الأول بين الشهادة والرواية قال حاكيا عن الإمام أبي عبد الله المازري الشهادة والرواية خبران غير أن المخبر عنه إن كان أمرا عاما لا يختص بمعين فهو الرواية كقوله عليه السلام إنما الأعمال بالنيات والشفعة فيما لا يقسم لا
هامش إدرار الشروق
وعلى هذا مشى في كتابة التنبيه وهي طريقة نبه الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد على أنها غير مخلصة والفروع لا يطرد تخريجها على القواعد الأصلية ا ه بلفظه فتنبه
الفائدة الثانية الغالب استعمال العرب فرق بالتخفيف في المعاني وفرق بالتشديد في الأجسام نظرا لكون كثرة الحروف عندهم تقتضي كثرة المعنى أو زيادته أو قوته غالبا والمعاني لطيفة يناسبها التخفيف والأجسام كثيفة يناسبها التشديد فمن الغالب قوله تعالى وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وقوله تعالى فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وقوله تعالى تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ولا تكاد تسمع من الفقهاء إلا قولهم ما الفارق بين المسألتين ولا يقولون ما المفرق بينهما بالتشديد ومن غير الغالب قوله تعالى فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين وقوله تعالى وإذ فرقنا بكم البحر فخفف في الأجسام وكثيرا ما يقول الفقهاء في الأفعال دون اسم الفاعل فرق لي بين المسألتين ولا يقولون أفرق لي بينهما ويقولون بأي شيء نفرق بينهما بالتشديد ولا يقولون بأي شيء نفرق بينهما بالتخفيف والله سبحانه وتعالى أعلم
الفرق الأول بين الشهادة والرواية ببيان معناهما أما لغة فالشهادة مصدر شهد ولشهد في لسان العرب ثلاثة معان أحدها حضر يقال شهد بدرا وشهدنا صلاة العيد قال أبو علي معنى قوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه من حضر
____________________

(1/12)


خبر فيقولون الفرق بينهما أن الشهادة يشترط فيها العدد والذكورية والحرية بخلاف الرواية فإنها تصح من الواحد والمرأة والعبد فأقول لهم اشتراط ذلك فيها فرع تصورها وتمييزها عن الرواية فلو عرفت بأحكامها وآثارها التي لا تعرف إلا بعد معرفتها لزم الدور وإذا وقعت لنا حادثة غير منصوصة من أين لنا أنها شهادة حتى يشترط فيها ذلك فلعلها من باب الرواية التي لا يشترط فيها ذلك فالضرورة داعية لتمييزهما وكذلك إذا رأينا الخلاف في إثبات شهر رمضان هل يكتفى فيه بشاهد أم لا بد من شاهدين ويقول الفقهاء في تصانيفهم منشأ الخلاف في ذلك هل هو من باب الرواية أو من باب الشهادة
وكذلك إذا أخبره عدل بعدد ما صلى قالوا ذلك بعينه وأجروا الخلاف فيهما لم تتصور حقيقة الشهادة والرواية وتميز كل واحدة منهما عن الأخرى لا يعلم اجتماع الشائبتين منهما في هذه الفروع ولا يعلم أي الشائبتين أقوى حتى يرجح مذهب القائل
هامش أنوار البروق
يختص بشخص معين بل ذلك على جميع الخلق في جميع الأعصار والأمصار بخلاف قول العدل عند الحاكم لهذا عند هذا دينار إلزام لمعين لا يتعداه إلى غيره فهذا هو الشهادة المحضة والأول هو الرواية المحضة ثم تجتمع الشوائب بعد ذلك قلت لم يقتصر الإمام في مفتتح كلامه الذي نقل منه الشهاب ما نقل على الفرق بالعموم والخصوص ولكنه ذكر مع الخصوص قيدا آخر وهو إمكان الترافع إلى الحكام والتخاصم وطلب فصل القضاء ثم اقتصر في مختتم كلامه على الخصوص والعموم والأصح اعتبار القيد المذكور ويتضح ذلك بتقسيم حاصر وهو أن الخبر إما أن يقصد به أن يترتب عليه فصل قضاء وإبرام حكم وإمضاء أو لا فإن قصد به ذلك فهو الشهادة
وإن لم يقصد به ذلك فإما أن يقصد به ترتب دليل حكم شرعي أو لا فإن قصد به ذلك فهو الرواية وإلا فهو سائر أنواع الخبر ولا حاجة بنا إلى بيان تفاصيلها لأن المقصود إنما هو بيان ما يجوز في اصطلاح
هامش إدرار الشروق
منكم المصر في الشهر فليصمه أو من حضر منكم الشهر في المصر فليصمه فإن الصوم لا يلزم المسافر فالمقصود إنما هو المقيم الحاضر وثانيها أخبر يقال شهد عند الحاكم أي أخبر فيما يعتقده في حق المشهود له وعليه وثالثها علم قال الله تعالى والله على كل شيء شهيد أي عليم ووقع التردد لبعض العلماء في كون شهد في قوله تعالى شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم بمعنى علم لأن الله يعلم ذلك أو بمعنى أخبر لأن الله تعالى أخبر عباده عن ذلك فهو محتمل للأمرين والرواية مصدر روى بمعنى حمل وتحمل فراوي الحديث حمله وتحمله عن شيخه فلذا قال بعض أهل اللغة إن إطلاق الراوية على المزادة التي يحمل فيها الماء على الجمل مجاز مرسل لعلاقة المجاورة لأن الراوية بهاء المبالغة اسم في أصل اللغة للبعير الذي كثر حمل الماء عليه ففي المصباح روى البعير الماء يرويه من باب رمى حمله فهو راوية الهاء فيه للمبالغة ثم أطلقت الراوية على كل دابة يستقى الماء عليها ا ه
وهذا هو الموافق لكون راوية إنما يأتي من الثلاثي قلت وفي حاشية الأنبابي على بيانية الصبان ومفاد قول ابن سيده الراوية المزاد فيها الماء ويسمى البعير راوية على تسمية الشيء باسم الشيء لقربه منه ا ه
إن الراوية حقيقة في المزادة مجاز في البعير لعلاقة المجاورة فهو من باب أروى
____________________

(1/13)


بترجيحها ولعل أحد القائلين ليس مصيبا وليس في الفروع إلا إحدى الشائبتين أو أحد الشبهين والآخر منفي أو الشبهان معا منفيان والقول بتردد هذه الفروع بينهما ليس صوابا بل يكون الفرع مخرجا على قاعدة أخرى غير هاتين وهذا جميعه إنما يتلخص إذا علمت حقيقة كل واحدة منهما من حيث هي هي فحينئذ يتصور هنا اشتراط العدد ولا يقبل في ذلك الفرع العدل الواحد ويعتقد أنه مخرج على الشبهين المذكورين وأي القولين أرجح إما مع الجهل بحقيقتهما فلا يتأتى شيء من ذلك وتبقى هذه الفروع مظلمة ملتبسة علينا ولم أزل كذلك كثير القلق والتشوف إلى معرفته ذلك حتى طالعت شرح البرهان للمازري رضي الله عنه فوجدته ذكر هذه القاعدة وحققها وميز بين الأمرين من حيث هما واتجه تخريج تلك الفروع اتجاها حسنا
وظهر أي الشبهين أقوى وأي القولين أرجح وأمكننا من قبل أنفسنا إذا وجدنا خلافا محكيا ولم يذكر سبب الخلاف فيه أن
هامش أنوار البروق
الفقهاء والأصوليين واعتباراتهم ودليل صحة اعتبار القيد المذكور أن المخبر بأن لزيد قبل عمرو دينارا غير قاصد بذلك الخبر أن يترتب عليه فصل قضاء لا يسمى في عرف الفقهاء والأصوليين شاهدا على جهة الحقيقة بل يسمى مخبرا وكذلك المخبر عن الأمور الواقعة التي لا يستفاد منها تعريف دليل حكم شرعي لا يسمى عندهم على جهة الحقيقة راويا وإن سمي كما في الأقاصيص ونحوها فهو مجاز من جهة أنهم لا يشترطون فيه من صفات الرواة ما يشترطون في رواة تعريف أدلة الأحكام
قال شهاب الدين ما معناه إن المناسبة بين اشتراط العدد في الشهادة وعدم اشتراطه في الرواية أن الشهادة لما كان مقتضاها إلزاما لمعين وهو ربما كانت بينه وبين الشاهد عداوة باطنية لا يطلع الحاكم عليها والعداوة ربما بعثت على إلزام العدو وعدوه ما لا يلزمه احتاط الشارع باشتراط العدد إبعادا لهذا الاحتمال قلت هذا الذي ذكره مما يؤكده ما قلته من لزوم اعتبار القيد المذكور من جهة أنه
هامش إدرار الشروق
الرباعي شذوذا إذ قياس اسم الفاعل من أروى مرو لا راوية وظاهر صنيع صاحب القاموس أنها حقيقة فيهما حيث قال الراوية المزادة فيها الماء والبعير والبغل والحمار يستسقى عليه الماء ا ه
نعم من اصطلاحاته أنه لا يفرق بين الحقيقة والمجاز فلعل أقوال أهل اللغة فيها ثلاثة كما يشعر به كلام ابن الطيب في حواشي القاموس
وأما اصطلاحا ففي شرح البرهان للمازري ما يفيد أن الشهادة خبر خاص قصد به ترتيب فصل القضاء عليه كقول العدل عند الحاكم لهذا عند هذا دينار والرواية خبر عام قصد به تعريف دليل حكم شرعي كقوله عليه الصلاة والسلام إنما الأعمال بالنيات والشفعة فيما لا يقسم فلا يسمى في عرف الفقهاء والأصوليين قول المخبر لزيد قبل عمرو دينار غير قاصد به أن يترتب فصل قضاء عليه شهادة ولا هو شاهد على جهة الحقيقة بل يسمى خبرا وقائله مخبرا
وكذلك المخبر عن الأمور الواقعة لا يسمى شاهدا كما لا يسمى في عرفهم راويا على جهة الحقيقة وإن سمي كما في الأقاصيص ونحوها فهو مجاز من جهة أنه لا يشترطون فيه من صفات الرواية ما يشترطون في رواة تعريف أدلة الأحكام والشهادة بالوقف على الفقراء والمساكين إلى يوم القيامة والنسب المتفرع بين الأنساب إلى يوم القيامة ونحوهما من النظائر إنما جاء العموم فيها بطريق العرض
والتبع المقصود بالذات فيها جزئي هو
____________________

(1/14)


نخرجه على وجود الشبهين فيه إن وجدناهما ونشترط ما نشترطه ونسقط ما نسقطه ونحن على بصيرة في ذلك كله فقال رحمه الله الشهادة والرواية خبران غير أن المخبر عنه إن كان أمرا عاما لا يختص بمعين فهو الرواية كقوله عليه الصلاة والسلام إنما الأعمال بالنيات والشفعة فيما لا يقسم لا يختص بشخص معين بل ذلك على جميع الخلق في جميع الأعصار والأمصار بخلاف قول العدل عند الحاكم لهذا عند هذا دينار إلزام لمعين لا يتعداه إلى غيره فهذا هو الشهادة المحضة والأول هو الرواية المحضة ثم تجتمع الشوائب بعد ذلك ووجه المناسبة بين الشهادة واشتراط العدد حينئذ وبقية الشروط أن إلزام المعين تتوقع فيه عداوة باطنية لم يطلع عليها الحاكم فتبعث العدو على إلزام عدوه ما لم يكن لازما له
فاحتاط الشارع لذلك واشترط معه آخر إبعادا لهذا الاحتمال فإذا اتفقا في المقال قرب الصدق جدا بخلاف الواحد ويناسب أيضا اشتراط الذكورية من وجهين
هامش أنوار البروق
إذا لم يكن القصد بالإخبار أن يترتب عليه حكم ولا فصل قضاء لا يحصل مقصود العدو في عدوه من إلزامه ما لا يلزمه
قال شهاب الدين ويناسب أيضا اشتراط الذكورية من وجهين أحدهما أن إلزام المعين سلطان قهر تأباه النفوس الأبية وهو من النساء أشد نكاية فخفف ذلك على النفوس بدفع الأنوثة قلت هذا مناسب كما قال غير أنه يرد عليه النقض بشهادة الأنثى في الأموال وفي المواطن التي يتعذر فيها اطلاع الرجال لكنه يجاب عنه بإلجاء الضرورة إلى ذلك والقواعد يستثنى منها محال الضرورات ثم إن الشرع جعل المرأة كالرجل في محل تعذر اطلاعه الإطلاقي وجعلها مثله بشرط الاستظهار بأخرى في محل تعذر اطلاعه الاتفاقي لأن إذعان النفوس لمقتضى الضرورات الإطلاقية أشد من إذعانها لمقتضى الضرورات الاتفاقية
والله أعلم

هامش إدرار الشروق
في الوقف الواقف وإثبات ذلك عليه وليس من لوازم الوقف أن يكون في الموقوف عليه عموما إذ قد يكون الوقف على معين كعلى ولده أو على زيد ثم من بعده لغيره فالعموم أمر عارضي ليس متقررا شرعا في أصل هذا وهو في النسب الإلحاق بالشخص المعين أو استحقاق الميراث للشخص المعين ثم تفرعه بعد ذلك إنما هو من الأحكام الشرعية التابعة للمقصود بالشهادة كما أن الشهادة إذا وقعت بأن هذا رقيق لزيد قبل فيه الشاهد واليمين وإن تبع ذلك لزوم القيمة لمن قتله دون الدية وسقوط العبادات عنه واستحقاق أكسابه للسيد مع أن الشاهد لم يقصد سقوط العبادات عنه وليس سقوطها مما تدخل فيه الشهادة فضلا عن الشاهد واليمين وكذلك الشهادة بتزويج زيد المرأة المعينة شهادة بحكم جزئي على المرأة لزوجها المشهود له وهو جزئي وإن تبع ذلك تحريمها على غيره وإباحة وطئها له مع أن التحريم والإباحة شأنها الرواية دون الشهادة على غير ذلك من النظائر وبالجملة فالخبر إما أن يقصد به أن يترتب عليه فصل قضاء وإلزام حكم وإمضاء أو لا فإن قصد به ذلك فهو الشهادة وإن لم يقصد به ذلك فإما أن يقصد به تعريف دليل حكم شرعي أو لا فإن قصد به ذلك فهو الرواية وإلا فهو سائر أنواع الخبر ولا حاجة بنا إلى بيان تفاصيلها لأن المقصود إنما هو بيان ما يجوز في اصطلاح الفقهاء والأصوليين واعتباراتهم

____________________

(1/15)


أحدهما أن إلزام المعين سلطان وغلبة وقهر واستيلاء تأباه النفوس الأبية وتمنعه الحمية وهو من النساء أشد نكاية لنقصانهن فإن استيلاء الناقص أشد في ضرر الاستيلاء فخفف ذلك عن النفوس بدفع الأنوثة الثاني أن النساء ناقصات عقل ودين فناسب أن لا ينصبن نصبا عاما في موارد الشهادات لئلا يعم ضررهن بالنسيان والغلط بخلاف الرواية لأن الأمور العامة تتأسى فيها النفوس ويتسلى بعضها ببعض فيخف الألم وتقع المشاركة غالبا في الرواية لعموم التكليف والحاجة فيروى مع المرأة غيرها فيبعد احتمال الغلط ويطول الزمان في الكشف عن ذلك إلى يوم القيامة فيظهر مع طول السنين خلل إن كان بخلاف الشهادة تنقضي بانقضاء زمانها وتنسى بذهاب أوانها فلا يطلع على غلطها ونسيانها ولا يتهم أحد في عداوة جميع الخلق إلى يوم القيامة فلا يحتاج إلى الاستظهار بالغير فيكفي الواحد
وأما
هامش أنوار البروق
قال شهاب الدين الثاني أن النساء ناقصات عقل ودين فناسب أن لا ينصبن نصبا عاما في موارد الشهادات لئلا يعم ضررهن بالنسيان والغلط بخلاف الرواية لأن الأمور العامة تتأسى فيها النفوس ويتسلى بعضها ببعض فيخف الألم وتقع المشاركة غالبا في الرواية لعموم التكليف والحاجة فيروي مع المرأة غيرها فيبعد احتمال الغلط ويطول الزمان في الكشف عن ذلك إلى يوم القيامة فيظهر مع طول السبر خلل إن كان بخلاف الشهادة تنقضي بانقضاء زمانها وتنسى بذهاب أوانها فلا يطلع على غلطها ونسيانها قلت كلامه في هذا الفصل ضعيف أما قوله فناسب أن لا ينصبن نصبا عاما لئلا يعم ضررهن بالنسيان والغلط بخلاف الرواية فلا فرق بين الشهادة والرواية في ذلك من جهة أن نقصان عقلهن ودينهن ثابت لهن في حال الرواية كما أنه ثابت في حال الشهادة ولا يفيد قوله لعموم التكليف فإن
هامش إدرار الشروق
قلت وقد اشترطوا في الشهادة دون الرواية العدد والذكورية والحرية وجعلوا العدالة المتضمنة الإسلام والعقل والبلوغ شرطا فيهما
قال التسولي في شرحه على العاصمية ولا يخفى أن العدالة تتضمن الإسلام والعقل والبلوغ إذ كل عدل مطلقا كان عدل رواية أو شهادة لا بد فيه منها وقت الأداء والإخبار ا ه
وقبول شهادة الصبيان وكذا رواية الكافر والصبي كما سيأتي عن ابن القصار عن مالك على خلاف الأصل لإلجاء الضرورة إلى ذلك من جهة لزوم المشقة على تقدير عدم التجويز والقواعد يستثنى منها محال الضرورات كما سيأتي على أنه يندر الخلو عن قرائن تحصل الظن فافهم
والمناسبة في اشتراط العدد في الشهادة دون الرواية من جهة أن إلزام المعين وهو الغالب في الشهادة تتوقع فيه عداوة باطنية لم يطلع عليها الحاكم فينبعث العدو على إلزام عدوه ما لم يكن لازما له فاحتاط الشارع لذلك واشترط معه آخر إبعادا لهذا الاحتمال فإذا اتفقا في المقال قرب الصدق جدا بخلاف الواحد والرواية من حيث عموم مقتضاها غالبا يكفي فيها الواحد إذ لا يتهم أحد في عداوة جميع الخلق إلى يوم القيامة فلا يحتاج إلى الاستظهار بالغير فباب الرواية بعيد عن التهم جدا ألا ترى أن العبد العدل إذا روى حديثا يتضمن عتقه أنه تقبل روايته فيه وإن تضمنت نفعه نظرا لكون العموم موجبا
____________________

(1/16)


الحرية فلأن النفوس الأبية تأبى قهرها بالعبيد الأدنى ويخف ذلك عليها بالأحرار وسراة الناس ولأن الرق يوجب الضغائن والأحقاد بسبب ما فات من الحرية والاستقلال بالكسب والمنافع فربما بعثه ذلك على الكذب على المعين وإذايته وذلك للخلائق يبعد القصد إليه في مجاري العادات فهذا تحقيق البابين
ووجه المناسبة في الاشتراط في الشهادة دون الرواية وحينئذ نقول الخبر ثلاثة أقسام رواية محضة كالأحاديث النبوية وشهادة محضة كإخبار الشهود عن الحقوق على المعينين عند الحاكم ومركب من الشهادة والرواية وله صور أحدها الإخبار عن رؤية هلال رمضان من جهة أن الصوم لا يختص بشخص معين بل عام على جميع المصر أو أهل الآفاق على الخلاف في أنه هل يشترط في كل قوم رؤيتهم أم لا فهو من هذا الوجه رواية لعدم الاختصاص بمعين وعموم الحكم ومن جهة
هامش أنوار البروق
عموم التكليف شامل ولازم في تحمل الشهادة وأدائها كما أنه شامل ولازم في تحمل الرواية وأدائها هذا إن أراد عموم التكليف بالرواية نفسها وإن أراد عموم مقتضاها دون مقتضى الشهادة فذلك متجه والله أعلم ولا يفيده
قوله أيضا فيروي مع المرأة غيرها فإنه كما يروي معها غيرها كذلك يشهد معها غيرها بل ليس بلازم في الرواية أن يروي معها غيرها ولازم في الشهادة أن يشهد معها غيرها ولا يفيده أيضا قوله لطول الزمان فإن اشتراط طول الزمان في العمل بالرواية ليس بصحيح ولا أعلمه قولا لأحد بل الرواية كالشهادة في العمل بموجبها عند توفر الشروط هذا إن أراد اشتراط طول الزمان وإن لم يرده فلا فائدة في وقوع ذلك بعد العمل بمقتضى الرواية في حق من لم يطلع على ذلك وإن كانت له فائدة فيما بعد في حق المطلع

هامش إدرار الشروق
لعدم التهمة في الخصوص مع وازع العدالة كما رآه بعض مشايخ القرافي المعتبرين منقولا
والمناسبة في اشتراط الذكورية في الشهادة دون الرواية من وجهين أحدهما أن إلزام المعين سلطان وغلبة وقهر واستيلاء تأباه النفوس الأبية وتمنعه الحمية وهو من النساء أشد نكاية لنقصانهن فإن استيلاء الناقص أشد في ضرر الاستيلاء فخفف ذلك عن النفوس بدفع الأنوثة وقبول شهادة الأنثى في الأموال وفي المواطن التي يتعذر فيها اطلاع الرجال إنما كان لإلجاء الضرورة إلى ذلك والقواعد يستثنى منها محال الضرورات ثم إن الشرع جعل المرأة كالرجل في محل تعذر اطلاعه الإطلاقي وجعلها مثله بشرط الاستظهار بأخرى في محل تعذر اطلاعه الاتفاقي لأن إذعان النفوس بمقتضى الضرورات الإطلاقية أشد من إذعانها بمقتضى الضرورات الاتفاقية والله أعلم
الثاني أن الشهادة من حيث خصوص مقتضاها والنساء ناقصات عقل ودين ناسب أن لا ينصبن نصبا عاما في مواردها لئلا يعم ضررهن بالنسيان والغلط بخلاف مقتضى الرواية فإنه عام والأمور العامة تتأسى فيها النفوس ويتسلى بعضها ببعض فيخف الألم وأيضا قد مر أنه لا يتهم أحد في عداوة جميع الخلق إلى يوم القيامة فافهم
والمناسبة في اشتراط الحرية في الشهادة دون الرواية من وجهين أيضا
____________________

(1/17)


أنه حكم يختص بهذا العام دون ما قبله وما بعده وبهذا القرن من الناس دون القرون الماضية والآتية صار فيه خصوص وعدم عموم فأشبه الشهادة
وحصل الشبهان فجرى الخلاف وأمكن ترجيح أحد الشبهين على الآخر واتجه الفقه في المذهبين فإن عضد أحد الشبهين حديث أو قياس تعين المصير إليه وثانيها القائف في إثبات الأنساب بالخلق هل يشترط فيه العدد أم لا قولان لحصول الشبهين من جهة أنه يخبر أن زيدا ابن عمر وليس ابن خالد وهو حكم جرى على شخص معين لا يتعداه إلى غيره فأشبه الشهادة فيشترط العدد ومن جهة أن القائف منتصب انتصابا عاما للناس أجمعين أشبه الرواية فيكفي الواحد غير أن شبه الشهادة هنا أقوى للقضاء على المعين وتوقع العداوة والتهمة في الشخص المعين وكونه منتصبا انتصابا عاما مشترك بينه وبين الشاهد فإنه منتصب لكل من تتعين عليه شهادة يؤديها عند الحاكم فهذا الشبه
هامش أنوار البروق
قال شهاب الدين ولا يتهم أحد في عداوة جميع الخلق إلى يوم القيامة فلا يحتاج إلى الاستظهار بالغير فيكفي الواحد قلت هذا صحيح وهو الفرق بين الشهادة والرواية قال شهاب الدين وأما الحرية فلأن النفوس الأبية تأبى قهرها بالعبيد الأدنى ويخفف ذلك عليها بالأحرار وسراة الناس ولأن الرق يوجب الضغائن والأحقاد بسبب ما فات من الحرية والاستقلال بالكسب والمنافع فربما بعثه ذلك على الكذب على المعين وإذايته وذلك للخلائق يبعد القصد إليه في مجاري العادات قلت كلامه الأول صحيح مستقل بالتعليل كما في المرأة بل أولى والثاني يحتمل أن يكون تعليلا مستقلا أيضا لعدم قبول شهادة العبد ويحتمل أن يكون غير مستقل من جهة أن احتمال العداوة لم
هامش إدرار الشروق
أحدهما أن النفوس الأبية تأبى قهرها بالعبيد الأدنى كما تأباه بالنساء بل أولى ويخف ذلك عليها بالأحرار وسراة الناس
الثاني أن في العبد تحقق العداوة بسبب ما فاته من الحرية والاستقلال بالكسب والمنافع وليس في الحر إلا مجرد احتمال العداوة فربما بعث العبد رقه الموجب للضغائن والأحقاد بسبب ما ذكر على الكذب على المعين وإذايته وذلك لعموم الخلائق يبعد القصد إليه في مجاري العادات هذا وقد علمت مما مر أن الخبر ثلاثة أقسام أحدها رواية محضة كالأحاديث النبوية ومنه الخبر المفتي لأنه ناقل عن الله تعالى لخلقه كالراوي للسنة ولأنه وارث للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم في ذلك وقول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يكفي فيه وحده فكذلك وارثه فلذا لم يعلم خلاف في أنه يكفي فيه الواحد وظاهر كلام الأصحاب في الساعي أنه يكفي فيه الواحد أيضا لكونه في معنى الحاكم
والثاني شهادة محضة كإخبار الشهود عن الحقوق على المعينين عند الحاكم والثالث سائر أنواع الخبر لكن المقصود من هذا هنا ما اختلف الفقهاء والأصوليون في إعطائه حكم الشهادة من اشتراط العدد أو حكم الرواية من الاكتفاء بالواحد نظرا لما فيه من شبه كل منهما باعتبارين

____________________

(1/18)


ضعيف فإن قلت الفرق بينه وبين الشاهد أن القائف يختص بقبيلة معينة وهم بنو مدلج فينصب الحاكم منهم من يراه أهلا لذلك فدخول نصب الحاكم لذلك واجتهاده وتوسط نظره يبعد احتمال العداوة ويخفف الضغينة في قلب المحكوم عليه بخلاف الشاهد فإن من تعينت عليه شهادة أداها وإن كان مجهولا عند الحاكم ويأتي من يزكيه وينفذ الحكم ولا يتوسط نظر الحاكم فتقوى داعية العداوة وتنفر النفوس من سلطنة المخبر عليها بالإلزام قلت هو فرق حسن وهو المستند لمعتقدي ترجيح شبه الرواية غير أن الفرق قد رجح في النفس إضافة الحكم إلى المشترك دونه لقوته ألا ترى أن القائف قد يقبل قوله من غير نصب الإمام لذلك الشخص كما قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قول مجزز المدلجي في نسب أسامة بن زيد ولم ينقل لنا أنه نصبه لذلك ولو وجد من الناس أو من القبائل في عصر من الأعصار من يودعه الله تعالى تلك الخاصية التي أودعها في بني مدلج قبل قوله أيضا
هامش أنوار البروق
يثبت علة في عدم قبول الشهادة في الحر ولقائل أن يقول إن بين الحر والعبد فرقا من جهة أن في الحر مجرد احتمال العداوة وفي العبد تحقق سبب العداوة والله أعلم
قال شهاب الدين الخبر ثلاثة أقسام إلى قوله وله صور أحدها الإخبار عن رؤية هلال رمضان ثم قال ما معناه إنه رواية من جهة أنه لا يختص بمعين وشهادة من جهة أنه خاص بهذا العام وبهذا القرن قلت أما قوله إنه رواية فإن أراد أن حكمه حكم الرواية في الاكتفاء فيه بالواحد عند من قال بذلك فصحيح وإن أراد أنه رواية حقيقة فذلك غير صحيح لأنه لم يتقرر ذلك في إطلاق أحد فيما علمت
وأما قوله إنه شهادة فإن أراد أيضا أن حكمه حكم الشهادة عند بعض العلماء في اشتراط العدد فذلك صحيح وإن أراد أنه شهادة حقيقة فليس كذلك لأنه قد تقرر أن لفظ الشهادة إنما
هامش إدرار الشروق
وله صور أحدها القائف في إثبات الأنساب بالخلق قيل له حكم الرواية في الاكتفاء بالواحد لما فيه من شبهها من جهة أنه منتصب انتصابا عاما للناس أجمعين وأنه يختص بقبيلة معينة وهم بنو مدلج فينصب الحاكم منهم من يراه أهلا لذلك ودخول نصب الحاكم لذلك واجتهاده وتوسط نظره يبعد احتمال العداوة ويخفف الضغينة في قلب المحكوم عليه ولا يخفى أنه ضعيف لأنه مشترك بينه وبين الشاهد فإنه منتصب لكل من يتعين عليه شهادة يؤديها عند الحاكم ولأنه قد يقبل قوله من غير نصب الإمام لذلك الشخص كما قبل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قول مجزز المدلجي في نسب أسامة بن زيد ولم ينقل لنا أنه نصبه لذلك ولو وجد من الناس أو من القبائل من يودعه الله تعالى تلك الخاصية التي أودعها في بني مدلج لقبل قوله أيضا والصحيح بلا خفاء القول بأنه من نوع الشهادة يشترط فيه العدد لأنه يخبر أن زيدا ابن عمرو وليس ابن خالد وهو حكم جزئي على شخص معين لا يتعداه إلى غيره ويتطرق إليه من الاحتمال الموجب للعداوة ما يتطرق في فصل القضاء الدنيوي
وثانيها المترجم للفتاوى والخطوط قال مالك يكفي الواحد قيل لأن فيه شبه الرواية من جهة أنه نصب نصبا عاما للناس أجمعين لا يختص نصبه بمعين وأن ترجمة ما ذكر إنما تكون بنصب الحاكم
____________________

(1/19)


فعلمنا أن عند كثرة البحث والكشف تقوى شائبة الشهادة وهذا البحث كله وهذا الترجيح إنما تمكنا منه عند معرفتنا بحقيقة الشهادة والرواية من حيث هما ولو لم يحصل كلام المازري صعب علينا ذلك وانسد الباب وانحسم الفقه ورجعنا إلى التقليد الصرف الذي لا يعقل معناه وثالثها المترجم للفتاوى والخطوط
قال مالك يكفي الواحد وقيل لا بد من اثنين ومنشأ الخلاف حصول الشبهين أما شبه الرواية فلأنه نصب نصبا عاما للناس أجمعين لا يختص نصبه بمعين
وأما شبه الشهادة فلأنه يخبر عن معين من الفتاوى والخطوط لا يتعدى إخباره ذلك الخط المعين أو الكلام المعين ويأتي السؤال بالفارق المتقدم والبحث بعينه في القائف ورابعها المقوم للسلع وأروش الجنايات والسرقات والغصوب وغيرها
قال مالك يكفي الواحد في التقويم إلا أن يتعلق بالقيم حد كالسرقة فلا بد من اثنين وروي لا بد من اثنين في كل موضع ومنشأ الخلاف
هامش أنوار البروق
يطلق حقيقة في عرف الفقهاء والأصوليين على الخبر الذي يقصد به أن يترتب عليه حكم وفصل قضاء قلت والذي يقوى في النظر أن مسألة الهلال حكمها حكم الرواية في الاكتفاء بالواحد وليست رواية حقيقة ولا شهادة أيضا وإنما هي من نوع آخر من أنواع الخبر وهو الخبر عن وجود سبب من أسباب الأحكام الشرعية ولا خفاء في أنه لا يتطرق إليه من الاحتمال الموجب للعداوة ما يتطرق في فصل القضاء الدنيوي
قال شهاب الدين وثانيها القائف فيه قولان قلت ذكر فيه شبه الشهادة ولا خفاء على ما تقرر قبل في أنه من نوع الشهادة وذكر شبه الرواية وهو ضعيف لا خفاء به وذكر السؤال الذي أورده وهو ضعيف أيضا وذكر الجواب عنه وهو صحيح لا ريب فيه
هامش إدرار الشروق
من يراه أهلا لذلك إلى آخر ما مر في القائف وقد علمت ضعفه
وقال بعض الأصحاب لا بد فيه من اثنين لأن فيه شبه الشهادة من جهة أنه يخبر عن معين من الفتاوى والخطوط لا يتعدى إخباره ذلك الخط المعين أو الكلام المعين ولا خفاء في ضعف هذا الشبه أيضا والصحيح فيه التفصيل وهو أن الترجمة تابعة لما هي ترجمة عنه فإن كان من نوع الرواية فحكمه حكمها وإن كان من نوع الشهادة فكذلك وثالثها المقوم للسلع وأروش الجنايات والسرقات والغصوب وغيرها
قال مالك يكفي الواحد في التقويم إلا أن يتعلق بالقيم حد كالسرقة فلا بد من اثنين قيل لما فيه من شبه الرواية لأنه متصد لما لا يتناهى كما تقدم في المترجم والقائف وقد قدمنا تضعيفه ومن شبه الحكم لأن حكمه ينفذ في القيمة والحاكم ينفذه وهو وإن كان أظهر من شبه الرواية إلا أنه ضعيف أيضا ولما فيه من شبه الشهادة لأنه إلزام لمعين وهو ظاهر فيراعى فيه شبها الرواية والحكم ما لا يتعلق بإخباره حد فيتعين مراعاة الشهادة لقوة ما يفضي إليه هذا الإخبار وينبني عليه من إباحة عضو آدمي معصوم وروي ولا بد في التقويم من اثنين في كل موضع وذلك لأنه من نوع الشهادة على الصحيح لترتب فصل القضاء بإلزام ذلك القدر المعين من العوض عليه والله أعلم

____________________

(1/20)


حصول ثلاثة أشباه شبه الشهادة لأنه إلزام لمعين وهو ظاهر وشبه الرواية لأن المقوم متصد لما لا يتناهى كما تقدم في المترجم والقائف وهو ضعيف لأن الشاهد كذلك وشبه الحاكم لأن حكمه ينفذ في القيمة والحاكم ينفذه وهو أظهر من شبه الرواية فإن تعلق بإخباره حد تعين مراعاة الشهادة لوجهين أحدهما قوة ما يفضي إليه هذا الإخبار وينبني عليه من إباحة عضو آدمي معصوم وثانيهما أن الخلاف في كونه رواية أو شهادة شبهة يدرأ بها الحد وخامسها القاسم قال مالك يكفي الواحد والأحسن اثنان
وقال أبو إسحاق التونسي لا بد من اثنين وللشافعية في ذلك قولان ومنشأ الخلاف شبه الحكم أو الرواية أو الشهادة والأظهر شبه الحكم لأن الحاكم استنابه في ذلك وهو المشهور عندنا وعند الشافعية أيضا وسادسها إذا أخبره عدل بعدد ما صلى هل يكتفى فيه بالواحد أم لا بد من اثنين وشبه الحاكم هنا منتف فإن قضايا الحاكم لا تدخل في العبادات بل شبه الرواية
هامش أنوار البروق
قال شهاب الدين وثالثها المترجم قلت لم يحرر الكلام في هذا الضرب فإنه أطلق القول فيه والصحيح التفصيل وهو أن الترجمة تابعة لما هي ترجمة عنه فإن كان من نوع الرواية فحكمه حكمها وإن كان من نوع الشهادة فكذلك وهذا واضح بناء على ما تقرر قبل وما ذكر فيه من شبه الرواية لنصبه نصبا عاما فضعيف وكذلك ما ذكره من شبه الشهادة بكونه يخبر عن معين من الفتاوى والخطوط وما ذكره من ورود السؤال والبحث فيه كما في القائف صحيح
قال شهاب الدين ورابعها المقوم ذكر فيه شبه الرواية وهو ضعيف كما قال وشبه الحكم وهو ضعيف أيضا والصحيح أنه من نوع الشهادة لترتب فصل القضاء بإلزام ذلك القدر المعين من العوض عليه وما ذكره من كون الخلاف في كونه رواية أو شهادة فشبهة يدرأ بها الحد ضعيف من
هامش إدرار الشروق
ورابعها القاسم قال مالك يكفي الواحد والأحسن اثنان وقال أبو إسحاق التونسي لا بد من اثنين ومثله قول ابن القاسم لا يقبل قول القاسم لأنه شاهد وللشافعية في ذلك قولان ومنشأ ذلك حصول شبه الحكم لأن الحاكم استنابه في ذلك فيكفي الواحد وهو المشهور عندنا وعند الشافعية أيضا أو شبه التقويم قد تقدم أن تقويم المقوم من نوع الشهادة على الصحيح وعليه فيشترط العدد وفي معنى القاسم الخارص وإن أطلق الأصحاب القول بأنه يكفي فيه الواحد
وخامسها مخبر المصلي بعدد ما صلى هل يكتفى فيه بالواحد أم لا بد فيه من اثنين والأظهر الأول لأنه من سائر أنواع الخبر وشبهه بالرواية ظاهر نعم يمكن أن يقال ليس للمكلف أن يخرج عن عهدة ما كلف به إلا بتعيين فلا يكفي الواحد إلا مع قرائن توجب القطع وكذلك في الاثنين فما فوقهما لكن نقول طلب اليقين في كل موطن مما يشق ويحرج والحرج مرفوع شرعا وفي ذلك نظر وفي معنى مخبر المصلي المخبر عن نجاسة الماء وإن أطلق الأصحاب أنه يكفي فيه الواحد فافهم
وسادسها الإخبار عن رؤية هلال رمضان قيل له حكم الشهادة فيشترط فيه اثنان لما فيه من شبهها من جهة أنه حكم يختص بهذا العام دون ما قبله وما بعده وبهذا القرن من الناس دون القرون الماضية
____________________

(1/21)


أو الشهادة
أما الرواية فلأنه لم يخبره عن إلزام حكم لمخلوق عليه بل الحق لله تعالى فأشبه إخباره عن السنن والشرائع وأما شبه الشهادة فلأنه إلزام لمعين لا يتعداه وهو الأظهر وسابعها أطلق الأصحاب القول في المخبر عن نجاسة الماء أنه يكفي فيه الواحد وكذلك الخارص وقال مالك يقبل قول القاسم بين اثنين
وقال ابن القاسم لا يقبل قول القاسم لأنه شاهد على فعل نفسه ويقلد المؤذن الواحد في الإخبار عن الوقت وكذلك الملاح ومن صناعته في الصحراء في الإخبار عن القبلة إذا كان عدلا يغلب في هذه الفروع شبه الرواية أما المخبر عن النجاسة فلشبهه بالمفتي والمفتي لم أعلم فيه خلافا أنه يكفي فيه الواحد لأنه ناقل عن الله تعالى لخلقه كالراوي للسنة ولأنه وارث للنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وقول النبي صلى الله عليه وسلم يكفي وحده وكذلك وارثه فالمخبر عن النجاسة أو الصلاة كذلك مبلغ عن النبي صلى الله عليه وسلم غير أن هاهنا فرقا وهو أن المفتي لا يخبر عن وقوع السبب الموجب للحكم
هامش أنوار البروق
جهة أنه لو فرض أن سارقا ثبتت سرقته لما قومه عدلان عارفان بربع دينار فلا شك أن الخلاف في مثل هذا الفرض مرتفع والحد لازم مع أن احتمال كون المقوم كالراوي أو كالشاهد في هذا الفرض قائم
قال شهاب الدين وخامسها القاسم وذكر فيه أن منشأ الخلاف شبه الحكم أو الرواية قلت ليس ذلك عندي بصحيح بل منشأ الخلاف شبه الحكم أو التقويم وقد تقدم أن الصحيح أنه من نوع الشهادة فمن نظر إلى أن القسم من نوع الحكم اكتفى بالواحد ومن نظر إلى أنه من نوع التقويم وبنى على الأصح اشترط العدد والله أعلم
قال شهاب الدين وسادسها مخبر المصلي بعدد ما صلى قلت ذكر أن شبه الحكم فيه منتف وذلك صحيح وذكر شبه الرواية وهو محتمل وذكر شبه الشهادة وقال إنه الأظهر وليس ما قاله بصحيح بل الأظهر أنه ليس من نوع الرواية ولا من نوع
هامش إدرار الشروق
والآتية والذي يقوى في النظر أن له حكم الرواية في الاكتفاء بالواحد لأنه وإن لم يكن رواية حقيقية لعدم تعريف دليل حكم شرعي به ولا شهادة حقيقة لعدم ترتب حكم وفصل قضاء عليه وإنما هو نوع آخر من أنواع الخبر وهو الخبر عن وجود سبب من أسباب الأحكام الشرعية إلا أنه لا خفاء في أنه لا يتطرق إليه من الاحتمال الموجب للعداوة ما يتطرق في فصل القضاء الدنيوي مع عدم الاختصاص بمعين لعموم الحكم فيه جميع الحضر أو أهل الآفاق على الخلاف في أنه هل يشترط في كل قوم رؤيتهم أو لا
وسابعها المؤذن يخبر عن الوقت والملاح ومن صناعته في الصحراء يخبر كل منهما عن القبلة هل يكفي في ذلك واحد عدل أو لا بد من اثنين
والأول هو الأصح نقلا ونظرا لأنه ظاهر المذهب ولأن الخبر عن الوقت وعن القبلة وإن كان خبرا عن وقوع سبب الصلاة إلا أنه لا يتطرق إليه من احتمال قصد العدو إلزام عدوه ما لا يلزمه والتشفي منه بذلك ما يتطرق إلى خبر المخبر عن وقوع سبب الملك من البيع والهبة وغيرهما حتى يكون في معنى الشهادة لا يقبل فيه إلا اثنان لا يقال قد يفرق بين المؤذن والمخبر عن القبلة بأن الثاني مخبر بحكم متأبد فإن نصب جهة الكعبة المعظمة قياما للناس أمر عام في جميع الأعصار والأمصار لا يختلف بخلاف المؤذن لا يتعدى حكمه وإخباره ذلك الوقت فيكون الأول أشبه بالرواية من الثاني لأنا نقول لا يصلح ما ذكر فارقا بل الحق أن كل واحد منهما لا يخلو إما أن
____________________

(1/22)


بل عن الحكم من حيث هو حكم الذي يعم الخلائق إلى يوم القيامة والمخبر عن النجاسة أو الصلاة مخبر عن وقوع سبب جزئي في شخص جزئي
وهذا شبه شديد بالشهادة أمكن ملاحظته وكذلك الخارص إن جعل حاكما يتجه لا راويا والحاكم يكفي فيه الواحد وهو ظاهر كلام الأصحاب فيه وفي الساعي أن تصرفهما تصرف الحاكم والقاسم أيضا كذلك إن استنابه الحاكم فشائبة الحاكم ظاهرة وإن انتدبه الشريكان أمكن أن يقال إنه من باب التحكيم والمؤذن مخبر عن وقوع السبب وهو أوقات الصلوات فإنها أسبابها فأشبه المخبر عن وقوع سبب الملك من البيع والهبة وغيرهما فمن هذا الوجه فارق المفتي
وكان ينبغي أن لا يقبل إلا اثنان ويغلب شائبة الشهادة لأنها إخبار عن سبب جزئي في وقت جزئي غير أني لم أره مشترطا وهو حجة حسنة للشافعية في الاكتفاء في هلال رمضان
هامش أنوار البروق
الشهادة ولكنه من سائر أنواع الخبر وشبهه بالرواية ظاهر غير أنه لقائل أن يقول ليس للمكلف أن يخرج عن عهدة ما كلف به إلا بيقين فلا يكفي الواحد إلا مع قرائن توجب القطع وكذلك في الاثنين وما فوقهما ونقول طلب اليقين في كل موطن مما يشق ويحرج والحرج مرفوع شرعا وفي ذلك نظر
قال شهاب الدين وسابعها المخبر عن نجاسة الماء والخارص وذكر إطلاق الأصحاب أنه يكفي فيهما الواحد قال وقال مالك يقبل قول القاسم بين اثنين وقال ابن القاسم لا يقبل قلت قد تقدم القول في القاسم وأما المخبر عن نجاسة الماء والخارص فالأولى الفرق بينهما من جهة أن الخارص في معنى القاسم والمخبر عن نجاسة الماء في معنى مخبر المصلي
قال شهاب الدين أو يقلد المؤذن الواحد والملاح ومن صناعته في الصحراء في الإخبار عن القبلة يغلب في هذه الفروع شبه الرواية قلت ما ذكره من أنه يغلب في هذه الفروع شبه الرواية كان الأولى أن يفرق بين المخبر عن نجاسة الماء والخارص وبين المؤذن والمخبر عن القبلة وقد تقدم القول في الأولين وأما الأخيران فشبه الرواية فيهما ظاهر كما قال
هامش إدرار الشروق
يخبر عن مشاهدة أو اجتهاد فإن أخبر عن مشاهدة فلا فرق وإن أخبر عن اجتهاد فالفرق في ذلك مبني على جواز تقليد المجتهد في الوقت وفي القبلة أو عدم جوازه فيهما أو جوازه في أحدهما دون الآخر والأصح نقلا ونظرا جوازه فيهما وهنا إشكالان على المالكية أحدهما الإجماع على اختصاص أوقات الصلاة بأقطارها ولم يجعل المالكية والحنفية والحنابلة لكل قوم رؤيتهم هلال رمضان كما قاله الشافعية بل عمموا رؤيته في قطر جميع أهل الأرض مع أن الجميع يختلف باختلاف الأقطار عند علماء هذا الشأن فقد يطلع الهلال في بلد دون غيره بسبب البعد عن المشرق والقرب منه فإن البلد الأقرب إلى المشرق هو بصدد أن لا يرى فيه الهلال ويرى في البلد الغربي بسبب مزيد السير الموجب لتخلص الهلال من شعاع الشمس وذلك أن البلد المشرقية إذا كان الهلال فيها في الشعاع وبقيت الشمس تتحرك مع القمر إلى الجهة الغربية فما تصل الشمس إلى أفق المغرب إلا وقد خرج الهلال من الشعاع فيراه أهل المغرب ولا يراه أهل المشرق هذا أحد أسباب اختلاف رؤية الهلال وله
____________________

(1/23)


بالواحد فإنها إخبار عن سبب جزئي في وقت جزئي يعمان أهل البلد والأذان لا يعم أهل الأقطار بل لكل قوم زوالهم وفجرهم وغروبهم وهو أولى باعتبار شائبة الشهادة بخلاف هلال رمضان عممه المالكية والحنفية في جميع أهل الأرض ولم يجعلوا لكل قوم رؤيتهم كما قاله الشافعية فالمخبر عن رؤية الهلال على قاعدة المالكية أشبه بالرواية من المؤذن فينبغي أن يقبل الواحد قياسا على المؤذن بطريق الأولى لتوفر العموم في الهلال وهنا سؤالان مشكلان على المالكية أحدهما التفرقة بين المؤذن يقبل فيه الواحد وبين المخبر عن هلال رمضان لا يقبل فيه الواحد
وقد تقدم تقريره وثانيهما حصول الإجماع في أوقات الصلوات على أنها مختصة بأقطارها بخلاف الأهلة مع أن الجميع يختلف باختلاف الأقطار عند العلماء بهذا الشأن فقد يطلع الهلال في بلد دون غيره بسبب البعد عن المشرق
هامش أنوار البروق
شهاب الدين أما المخبر عن النجاسة فلشبهه بالمفتي إلى قوله وكذلك وارثه قلت ما ذكره في هذا الفصل ظاهر صحيح غير ما ذكره من شبه المخبر عن النجاسة بالمفتي وقد عطف بعد ذلك على ذكر الفرق فقال غير أن هاهنا فرقا وهو أن المفتي لا يخبر عن وقوع السبب الموجب للحكم بل عن الحكم والمخبر عن النجاسة أو الصلاة مخبر عن وقوع سبب جزئي في شخص جزئي وهذا شبه شديد بالشهادة أمكن ملاحظته قلت إضرابه عن مراعاة قيد فصل القضاء في الشهادة أوقعه في اعتقاد قوة الشبه هنا بالشهادة وقد تقدم في مخبر المصلي أن الأظهر شبه الرواية بخلاف ما اختاره
قال شهاب الدين وكذلك الخارص إن جعل حاكما يتجه لا راويا والحاكم يكفي فيه الواحد وهو ظاهر كلام الأصحاب فيه وفي الساعي أن تصرفهما تصرف الحاكم والقاسم أيضا كذلك إن استنابه الحاكم فشائبة الحاكم ظاهرة وإن انتدبه الشريكان أمكن أن يقال إنه من باب التحكيم
هامش إدرار الشروق
أسباب أخر مذكورة في علم الهيئة لا يليق ذكرها هنا ولهذا ما من زوال لقوم إلا وهو غروب لقوم وطلوع لقوم ونصف الليل لقوم وكل درجة تكون الشمس فيها فهي متضمنة لجميع أوقات الليل والنهار لأقطار مختلفة فإذا قاست الشافعية الهلال على أوقات الصلاة اتجه القياس وعسر الفرق على المالكية والحنفية والحنابلة ولا ينفع في دفعه أن الأذان عدل به عن صيغة الخبر إلى صيغة العلامة على الوقت فكما كفى ميل واحد للظل وزيادة واحدة له وآلة واحدة من آلات الأوقات كالاصطرلاب والميزان لأن ذلك علامة مفيدة كذلك الأذان يكفي فيه الواحد لأنه علامة لوجهين أحدهما أن دلالة ميل الظل وزيادته على دخول الوقت قطعية ودلالة الأذان غير قطعية ولا خفاء في أن ما دلالته قطعية لا حاجة فيه إلى الاستظهار بخلاف ما دلالته غير قطعية
وثانيهما أن دلالة الأذان بجملته دلالة عرفية شرعية بالمطابقة لأنه لذلك وضعه الشارع مع أن كل جزء من أجزائه دال على مقتضاه دلالة لغوية بالمطابقة أيضا ومعنى حي على الصلاة وكذا حي على الفلاح في اللغة بالمطابقة أقبلوا إليها وهو يدل التزاما على دخول وقتها فيكون تقليد المؤذن في دخول الوقت إذا أذن كتقليده على ظاهر المذهب وصحيح النظر إذا قال لنا من غير أذان طلع الفجر وهو خبر صرف فافهم نعم قال ابن الشاط لقائل أن يقول إنما ثبت في ظاهر المذهب وصحيح النظر تقليد المؤذن في دخول
____________________

(1/24)


والقرب منه فإن البلد الأقرب إلى المشرق هو بصدد أن لا يرى فيه الهلال ويرى في البلد الغربي بسبب مزيد السير الموجب لتخلص الهلال من شعاع الشمس فقد لا يتخلص في البلد الشرقي فإذا كثر سيره ووصل إلى الآفاق الغربية تخلص فيه فيرى الهلال في المغرب دون المشرق وهذا مبسوط في كتب هذا العلم ولهذا ما من زوال لقوم إلا وهو غروب لقوم وطلوع الشمس عند قوم ونصف الليل عند قوم وكل درجة تكون الشمس فيها فهي متضمنة لجميع أوقات الليل والنهار لأقطار مختلفة فإذا قاست الشافعية الهلال على أوقات الصلوات اتجه القياس وعسر الفرق وهو مشكل والحق أنه يعتبر لكل قوم رؤيتهم وهلالهم كما يعتبر لكل قوم فجرهم وزوالهم فإن قلت الجواب عن الأول أن المعاني الكلية قد يستثنى منها بعض أفرادها بالسمع وقد ورد الحديث الصحيح بقوله عليه السلام إذا شهد عدلان فصوموا وأفطروا وانسكوا فاشترط عدلين في وجوب الصوم ومع
هامش أنوار البروق
قلت قد تقدم أن الأظهر أن القسم متردد بين أن يكون من نوع الحكم ومن نوع التقويم والخرص في معناه وأما الساعي فهو في معنى الحاكم
قال شهاب الدين والمؤذن مخبر عن وقوع السبب وهو أوقات الصلوات فإنها أسبابها فأشبه المخبر عن وقوع سبب الملك من البيع والهبة وغيرهما فمن هذا الوجه فارق المفتي وكان ينبغي أن لا يقبل إلا اثنان ويغلب شائبة الشهادة لأنها إخبار عن سبب جزئي في وقت جزئي غير أني لم أره مشترطا قلت إضرابه عن مراعاة قيد فصل القضاء حمله على تسويته بين الخبر عن وقوع سبب الصلاة وما في معناها وبين الخبر عن وقوع سبب البيع وما في معناه ولا خفاء بالفرق فإن الأول لا يتطرق
هامش إدرار الشروق
الوقت إذا أذن أما إذا أخبر بدخوله من غير أذان فالصحيح عندي ههنا أن لا تقليد لأن الشرع نصب دليلا معينا فلا يتعدى ما نصب ا ه
فتأمل قلت لكن يؤخذ دفع هذا الإشكال من قول العلامة ابن رشد الحفيد في بداية المجتهد وإذا قلنا إن الرؤية تثبت بالخبر في حق من لم يره فهل يتعدى ذلك من بلد إلى بلد بأن يجب على أهل بلد لم يروه أن يأخذوا في ذلك برؤية بلد آخر وهو ما رواه ابن القاسم والمصريون عن مالك أم لكل بلد رؤية إلا أن يكون الإمام يحمل الناس على ذلك وهو ما رواه المدنيون عنه وبه قال ابن الماجشون والمغيرة من أصحاب مالك وأجمعوا على أنه لا يراعى ذلك في البلدان النائية كالأندلس والحجاز وسبب هذا الخلاف تعارض الأثر والنظر فروى مسلم عن كريب أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام فقال قدمت الشام فقضيت حاجتها واستهل علي رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس ثم ذكر الهلال فقال متى رأيتم الهلال فقلت رأيته ليلة الجمعة فقال أنت رأيته فقلت نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية قال لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين يوما أو نراه فقلت ألا تكتفي برؤية معاوية فقال لا هكذا أمرنا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فظاهر هذا الأثر يقتضي أن لكل بلد رؤيته قرب أو بعد والنظر يعطي الفرق بين البلاد النائية كالأندلس والحجاز لا يجب أن يحمل بعضها على بعض لاختلاف مطالعها اختلافا كثيرا وبخاصة ما كان نأيه
____________________

(1/25)


تصريح صاحب الشرع باشتراط عدلين لا يلزمنا بالعدل الواحد شيء ولا يسمع الاستدلال بالمناسبات في إبطال النصوص الصريحة وعن الثاني أن الأذان عدل به عن صيغة الخبر إلى صفة العلامة على الوقت
ولذلك كان المؤذن لا يقول دخل وقت الصلاة بل يقول كلمات أخر جعلها صاحب الشرع علامة ودليلا على دخول الوقت فأشبهت ميل الظل وزيادته من دلالتهما على دخول الوقت فكما لا يشترط ميلان في الظل ولا زيادتان لا يشترط عدلان ولا مؤذنان وكذلك آلة واحدة من آلات الأوقات تكفي ولا يقول أحد إنه يشترط أسطرلابان ولا ميزانان للشمس لأن ذلك علامة مفيدة وكذلك الأذان يكفي فيه الواحد لأنه علامة قلت هذا بحث حسن غير أن الجواب عن الأول أنه يدل بمفهومه لا بمنطوقه فإن منطوقه أن الشاهدين يجب عندهما ومفهومه أن أحدهما لا يكفي من جهة مفهوم الشرط وإذا كان الاستدلال به إنما هو من جهة المفهوم فنقول القياس الجلي
هامش أنوار البروق
إليه من احتمال قصد العدو إلزام عدوه ما لا يلزمه والتشفي منه بذلك ما يتطرق إلى الثاني فالصحيح أن الأول في معنى الرواية والثاني من نوع الشهادة
قال شهاب الدين وهو حجة حسنة للشافعية إلى قوله والحق أنه يعتبر لكل قوم رؤيتهم وهلالهم كما يعتبر لكل قوم فجرهم وزوالهم قلت جميع ما ذكره في هذا الفصل مبني على مقتضى علم آخر فإن صح في ذلك العلم ما ذكره من استواء الأمر في الأهلة والأوقات فما بني عليه من استواء الحكم صحيح وإلا فلا
قال شهاب الدين فإن قلت الجواب عن الأول إلى قوله ولم يظهر التفاوت فيها بين القريب والبعيد قلت من مضمن هذا الفصل موافقته لمورد السؤال على استواء الأذان وميل الظل وزيادته في
هامش إدرار الشروق
العرض كثيرا وبين القريبة يجب أن يحمل بعضها على بعض لأنها في قياس الأفق الواحد إذا لم تختلف مطالعها كل الاختلاف
ا ه بتلخيص وتصرف وذلك أنه يفيد أن المالكية لم يعمموا رؤية الهلال في قطر جميع أهل الأرض كما زعم المعترض بل أجمعوا على أن رؤيته في قطر كالحجاز لا توجب حكما على من لم يره بقطر ناء عن الحجاز كالأندلس لاختلاف المطلعين اختلافا كثيرا بحيث يكون الغروب في الحجاز زوالا في الأندلس أو نحو ذلك وإنما روى ابن القاسم والمصريون عن مالك وجوب الحكم برؤيته في الحجاز على من لم يره بقطر غير ناء كالمدينة ومصر بحيث لا يخالف مطلعه مطلع الحجاز كثيرا بل بنحو الدرجة والدرجتين وعدم اعتبار هذا الاختلاف اليسير في وجوب الصوم واعتباره في وجوب الصلاة نظرا لكون اعتباره في وجوب الصلاة يؤدي للصلاة قبل الوقت بخلافه في وجوب الصوم فتأمل بإنصاف بل قد استدل السادة الحنابلة على قولهم بأن رؤية الهلال بمكان قريبا كان أو بعيدا إذا ثبتت لزم الناس كلهم الصوم وأن حكم من لم يره حكم من رآه ولو اختلفت المطالع نصا قال أحمد الزوال في الدنيا واحد بقوله صلى الله تعالى عليه وسلم صوموا لرؤيته وهو خطاب للأمة كافة وبأن الشهر في الحقيقة ما بين الهلالين
وقد ثبت أن هذا اليوم منه في جميع الأحكام فكذا الصوم ولو فرض الخطاب في الخبر للذين رأوه فالغرض
____________________

(1/26)


مقدم على منطوق اللفظ على أحد القولين لمالك وغيره من العلماء فينبغي أن يقدم على المفهوم قولا واحدا لأن القاضي أبا بكر وغيره يقول المفهوم ليس بحجة مطلقا
وهو ضعيف جدا فلا يندفع به القياس الجلي وعن الثاني بأنه يشكل بما إذا قال لنا المؤذن من غير أذان طلع الفجر فإنا نقلده وهو خبر صرف مع أن قوله في الأذان حي على الصلاة معناه أقبلوا إليها فهو يدل بالالتزام على دخول وقتها وكذلك حي على الفلاح
وأما المخبر بالقبلة فليس مخبرا عن وقوع سبب بل عن حكم متأبد فإن نصب جهة الكعبة المعظمة قياما للناس أمر عام في جميع الأعصار والأمصار لا يختلف بخلاف المؤذن لا يتعدى حكمه وإخباره ذلك الوقت فالمخبر عن القبلة أشبه بالرواية من المؤذن فتأمل هذه الفروق وهذه الترجيحات فهي حسنة وكلها إنما ظهرت بعد معرفة حقيقة الشهادة والرواية فلو خفيتا ذهبت هذه المباحث جملتها ولم يظهر التفاوت بين القريب منها
هامش أنوار البروق
الدلالة على دخول الوقت والفرق بينهما ظاهر لأن ميل الظل دلالته قطعية والأذان دلالته غير قطعية ولا خفاء بأن ما دلالته قطعية لا حاجة فيه إلى الاستظهار بخلاف ما دلالته غير قطعية ومن مضمنه جوابه عن الجواب الأول بأنه يدل بمفهومه لا بمنطوقه
وما قاله في هذا الجواب صحيح ومن مضمنه جوابه عن الجواب الثاني بأنه يشكل بما إذا قال لنا المؤذن من غير أذان طلع الفجر فإنا نقلده وهو خبر صرف قلت قوله فإنا نقلده إن أراد إنا نقلده باتفاق فذلك ليس بصحيح فإن الخلاف في التقليد في الأوقات معروف وإن أراد فإنا نقلده على ظاهر المذهب وهو الأصح فذلك صحيح ولقائل أن يقول إنما ثبت في ظاهر المذهب وصحيح النظر تقليد المؤذن في دخول الوقت إذا أذن لا إذا أخبر بدخوله من غير أذان والأصح عندي هاهنا أن لا تقليد لأن الشرع نصب دليلا معينا فلا يتعدى ما نصب والله أعلم
ومن مضمنه قوله أن قول المؤذن حي على الصلاة يدل بالالتزام على
هامش إدرار الشروق
حاصل لأن من صور المسألة وفوائدها ما إذا رآه جماعة ببلد ثم سافروا إلى بلد بعيد فلم ير الهلال به في آخر الشهر مع غيم أو صحو فلا يحل لهم الفطر ولا لأهل ذلك البلد عن المخالف وعن صورها ما إذا رآه جماعة ثم سارت بهم ريح في سفينة فوصلوا إلى بلد بعيد في آخر الليل لم يلزمهم الصوم في أول الشهر ولم يحل لهم الفطر في آخره عندهم وهذا كله مصادم لقوله عليه الصلاة والسلام صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته وأجابوا عن خبر كريب المذكور بأنه دل على أنهم لا يفطرون بقول كريب وحده ونحن نقول به وإنما الخلاف في وجوب قضاء اليوم الأول وليس هو في الحديث قالوا
وأجاب القاضي عن قول المخالف الهلال يجري مجرى طلوع الشمس وغروبها وقد ثبت أن لكل بلد حكم نفسه فكذا الهلال بأن الشمس تتكرر مراعاتها في كل يوم فيؤدي قضاء العبادات إلى كبير المشقة والهلال في السنة مرة فليس في قضاء يوم كبير مشقة ودليل المسألة من العموم يقتضي التسوية كذا في كشاف القناع شرح الإقناع مع المتن بتصرف والله أعلم
الإشكال الثاني التفرقة بين المؤذن يقبل فيه الواحد وبين المخبر عن هلال رمضان لا يقبل فيه الواحد مع أن المخبر عن رؤية الهلال على قاعدة المالكية من عموم رؤيته في قطر جميع أهل الأرض خبره أشبه بالرواية من المؤذن فكان ينبغي أن يقبل الواحد قياسا على المؤذن بطريق الأولى ولا ينفع في دفعه أن المعاني
____________________

(1/27)


للقواعد والبعيد وثامنها المخبر عن قدم العيب أو حدوثه في السلع عند التحاكم في الرد بالعيب أطلق الأصحاب القول فيه أنه شهادة وأنه يشترط فيه العدد لأنه حكم جزئي على شخص معين لشخص معين وأنه متجه غير أن ذلك يعكر على قولهم أنه إذا لم يوجد المسلمون قبل فيه أهل الذمة من الأطباء ونحوهم قاله القاضي أبو الوليد وغيره قالوا لأن هذا طريقه الخبر فيما ينفردون بعلمه
وهذا مشكل من وجهين أحدهما أن الكفار لا مدخل لهم في الشهادة على أصولنا خلافا لأبي حنيفة في الوصية في السفر وشهادة بعضهم على بعض وكذلك لا مدخل لهم في الرواية فكيف يصرحون بالشهادة مع قبول الكفرة فيها وثانيهما أن قولهم إن هذا أمر ينفردون بعلمه لا عذر فيه حاصل فإن كل شاهد إنما يخبر عما علمه مع إمكان مشاركة غيره له فيه وهؤلاء الكفار يعلمون هذه الأمراض مع إمكان مشاركة غيرهم معهم في العلم بذلك فما أدري وجه المناسبة بين قبول قولهم وبين هذا
هامش أنوار البروق
دخول الوقت قلت ذلك صحيح لكنه أغفل دلالة الأذان بجملته على دخول الوقت وهي دلالة عرفية للشرع بالمطابقة لأنه لذلك وضعه الشارع مع أن كل جزء من أجزائه دال على مقتضاه دلالة لغوية بالمطابقة أيضا ومن مضمنه قوله إن المخبر عن القبلة مخبر عن حكم متأبد وأنه أشبه بالرواية من المؤذن قلت لقائل أن يقول الفرق بينهما أن كل واحد منهما لا يخلو إما أن يخبر عن مشاهدة أو اجتهاد فإن أخبر عن مشاهدة فلا فرق
وما ذكر من الفرق بأن المخبر عن القبلة مخبر بحكم متأبد بخلاف المؤذن فإنه مخبر بحكم غير متأبد لا يصلح فارقا وإن أخبر عن اجتهاد فالفرق في ذلك مبني على جواز تقليد المجتهد في القبلة وفي الوقت أو عدم جوازه أو جوازه في أحدهما دون الآخر والأصح نقلا ونظرا جوازه فيهما والله أعلم

هامش إدرار الشروق
الكلية قد يستثنى منها بعض أفرادها بالسمع
وقد ورد الحديث الصحيح بقوله عليه الصلاة والسلام إذا شهد عدلان فصوموا وأفطروا وانسكوا فاشترط عدلين في وجوب الصوم ومع تصريح صاحب الشرع باشتراط عدلين لا يلزمنا بالعدل الواحد شيء ولا يسمع الاستدلال بالمناسبات في إبطال النصوص الصريحة لأنا لا نسلم أن الحديث المذكور يدل بمنطوقه على اشتراط العدلين في وجوب الصوم إنما يدل بمفهومه فإن منطوقه أن الشاهدين يجب عندهما ما ذكر ومفهومه من جهة الشرط أن أحدهما لا يكفي والقياس الجلي مقدم على منطوق اللفظ في أحد القولين لمالك وغيره من العلماء فينبغي أن يقدم على المفهوم قولا واحدا لأن القاضي أبا بكر وغيره يقول المفهوم ليس بحجة مطلقا وهو ضعيف جدا فلا يندفع به القياس الجلي وثامنها المخبر عن قدم العيب أو حدوثه في السلع عند التحاكم في الرد بالعيب أطلق الأصحاب القول فيه أنه شهادة وأنه يشترط فيه العدد لأنه حكم جزئي على شخص لشخص معين وهو متجه إلا أنه يعكر على قولهم أنه إذا لم يوجد المسلمون قبل فيه أهل الذمة من الأطباء ونحوهم قاله القاضي أبو الوليد وغيره ونص خليل وقبل للتعذر غير عدول وإن مشركين ا ه
قالوا ويكفي الواحد لأن هذا طريقه الخبر فيما ينفردون بعلمه إذ كيف يصرحون بالشهادة مع قبول الكفرة فيها والكفار لا مدخل لهم فيها على أصولنا خلافا لأبي حنيفة في الوصية في السفر وشهادة بعضهم على بعض بل لا مدخل لهم في الرواية أيضا ولا
____________________

(1/28)


المعنى مع أن كل شاهد كذلك فتأمل ذلك وتاسعها قال ابن القصار قال مالك يجوز تقليد الصبي والأنثى والكافر الواحد في الهدية والاستئذان مع أنه إخبار يتعلق بجزئي في الهدية والمهدي والمهدى إليه فهو على خلاف القواعد ووقع هذا الفرع عند الشافعية وخرجوه بأن المعتمد في هذه الصور ليس هذه الإخبارات بمجردها بل هي مع ما يحتف بها من القرائن ولربما وصلت إلى حد القطع وهذه إشارة منهم إلى أنه من باب الشهادة غير أنه استثني منها لوجود القرائن التي تنوب مناب العدول مع عموم البلوى في ذلك ودعوى الضرورة إليه فلو كان أحدنا لا يدخل بيت صديقه حتى يأتي بعدلين يشهدان له بإذنه له في ذلك أو لا يبعث بهديته إلا مع عدلين لشق ذلك على الناس ولا غرو في الاستثناء من القواعد لأجل الضرورات وعاشرها نقل ابن حزم في مراتب الإجماع له
هامش أنوار البروق
قال شهاب الدين وثامنها المخبر عن قدم العيب أو حدوثه إلى قوله فتأمل ذلك
قلت ما حكاه عن الأصحاب من أنه شهادة صحيح وما استشكل من قبول بعضهم أهل الذمة مشكل كما
قال شهاب الدين وتاسعها قال ابن القصار قال مالك يجوز تقليد الصبي والأنثى والكافر في الهدية والاستئذان مع أنه إخبار يتعلق بجزئي إلى قوله لأجل الضرورات قلت ليس هذا من نوع الشهادة لأنه لا يقصد به فصل قضاء فهو في حكم الرواية وجوز فيه ما لا يجوز في الرواية من قبول خبر الصبي والكافر لإلجاء الضرورة إلى ذلك من جهة لزوم المشقة على تقدير عدم التجويز مع ندور الخلو عن قرائن تحصل الظن
قال شهاب الدين وعاشرها نقل ابن حزم في مراتب الإجماع له إجماع الأمة على قبول قول المرأة في إهداء الزوجة لزوجها ليلة العرس إلى آخر الفصل
هامش إدرار الشروق
نسلم حصول العذر بقولهم إن هذا أمر ينفردون بعلمه فإن هؤلاء الكفار يعلمون هذه الأمراض مع إمكان مشاركة غيرهم معهم في العلم بذلك كما أن كل شاهد إنما يخبر عما علمه مع إمكان مشاركة غيره له فيه فتأمل ذلك
وتاسعها خبر المخبر في الهدية والاستئذان وإن تعلق بجزئي في الهدية والإذن والمهدي والآذن والمهدى إليه والمأذون له إلا أنه في معنى الرواية لا الشهادة لأنه لا يقصد به فصل قضاء وإنما جوز فيه مالك ما لا يجوز في الرواية من قبول خبر الصبي والكافر في قول ابن القصار قال مالك يجوز تقليد الصبي والأنثى والكافر الواحد في الهدية والاستئذان لإلجاء الضرورة إلى ذلك من جهة لزوم المشقة على تقدير عدم التجويز إذ لو كان أحدنا لا يدخل بيت صديقه حتى يأتي بعدل يشهد له بإذنه له في ذلك أو لا يبعث بهديته إلا مع عدل لشق ذلك على الناس مع ندور الخلو عن قرائن تحصيل الظن والقواعد يستثنى منها محال الضرورات كما مر غير مرة وعاشرها خبر المخبر في إهداء الزوجة لزوجها ليلة العرس وإن كان إخبارا عن تعيين مباح جزئي إلا أنه في معنى الرواية لا الشهادة لأنه لا يقصد به فصل قضاء فمن هنا نقل ابن حزم في مراتب الإجماع له إجماع الأمة على قبول قول المرأة الواحدة فيه

____________________

(1/29)


إجماع الأمة على قبول قول المرأة الواحدة في إهداء الزوجة لزوجها ليلة العرس مع أنه إخبار عن تعيين مباح جزئي لجزئي
ومقتضاه أن لا يقبل فيه إلا رجلان لأنها شهادة تتعلق بالنكاح الذي هو من أحكام الأبدان التي لا يقبل فيها النساء إلا لضرورة غير أن هذه الصورة اجتمع فيها قرائن الأحوال من اجتماع الأهل والأقارب وندرة التدليس والغلط في مثل هذا مع شهرته وعدم المسامحة فيه ودعوى ضرورات الناس إلى ذلك كما تقدم في الاستئذان والهدية فهذه عشر مسائل تحرر قاعدتي الشهادة والرواية بوجود أشباههما فيها وتؤكد ذلك تأكدا واضحا في نفس الفقيه بحيث يسهل عليه بعد ذلك تخريج جميع فروع القاعدتين عليهما ومعرفة الفرع القريب من القاعدة من البعيد عنها ولنقتصر على هذه العشر خشية الإطالة
تنبيه قال ابن القصار قال مالك يقبل قول القصاب في الذكاة ذكرا كان أو أنثى مسلما أو كتابيا ومن مثله يذبح وليس هذا من باب الرواية أو الشهادة بل القاعدة الشرعية أن كل أحد مؤتمن على ما يدعيه فإذا قال الكافر هذا مالي أو هذا العبد رقيق لي صدق في ذلك كله وكذلك إذا قال هذه ذكية فهو مؤتمن فيه كما لو ادعى أي سبب من الأسباب المقررة للملك من الإرث والاكتساب بالصناعة والزراعة وغير ذلك فهو مؤتمن إذ كل أحد مؤتمن على ما يدعيه مما هو تحت يده في أنه مباح له أو ملكه لأنه لا يروي لنا دينا ولا يشهد عندنا في إثبات حكم بل هذا من باب التأمين المطلق كما أن المسلم إذا قال هذا ملكي أو هذه أمتي لم نعده راويا لحكم شرعي وإلا لاشترطنا فيه العدالة ولا شاهدا بل نقبله منه
وإن كان أفسق الناس فليس هذا من الفروع المترددة بين القاعدتين فتأمل ذلك فإن قلت ما قررته من أن الشهادة حقيقتها التعلق بجزئي والرواية حقيقتها التعلق بكلي لا يطرد ولا ينعكس أما الشهادة المجمع عليها من غير اجتماع شبه الرواية معها فقد تقع في الأمر الكلي العام الذي لا يختص بأحد كالشهادة بالوقف على الفقراء والمساكين إلى يوم القيامة والنسب المتفرع بين الأنساب إلى يوم القيامة وكون
هامش أنوار البروق
قلت هذه المسألة في معنى التي قبلها كما ذكر
قال شهاب الدين تنبيه قال ابن القصار قال مالك يقبل قول القصاب إلى قوله فليس هذا من الفروع المترددة بين القاعدتين فتأمل ذلك قلت هذه المسألة وإن لم تكن من تينك القاعدتين فهي من جنس المسألتين قبلها وما ذكره في أثناء كلامه من أن كل واحد مؤتمن على ما يدعيه مما هو تحت يده إنما المعنى بأنه مؤتمن أو مصدق أنه لا
هامش إدرار الشروق
قلت والظاهر قبول خبر الصبي والكافر فيه أيضا لإلجاء ضرورات الناس إلى تجويز ذلك مع ما اجتمع في هذه الضرورة من قرائن الأحوال من اجتماع الأهل والأقارب وندرة التدليس والغلط في مثل هذا مع شهرته وعدم المسامحة فيه كما تقدم الاستئذان والهدية

____________________

(1/30)


الأرض عنوة أو صلحا ينبني عليها أحكام الصلح أو أحكام العنوة من كونها طلقا إلى يوم القيامة أو وقفا إلى يوم القيامة كما قاله مالك إلى غير ذلك من النظائر كما اختصت الشهادة بجزئي وأما الرواية فقد بينا أنها في الأمور الجزئية في الإخبار عن النجاسة وأوقات الصلوات وغيرها مما تقدم بيانه
وإذا وقع كل واحد منهما في الجزئي والكلي لم تكن نسبة أحدهما إلى الجزئي أو الكلي أولى من العكس فتفسد الضوابط ويعود اللبس والسؤال كما تقدم قلت أما ما ذكر من فروع الشهادة فالعموم فيها إنما جاء بطريق العرض والتبع ومقصودها الأول إنما هو جزئي أما الوقف فالمقصود بالشهادة فيه الواقف وإثبات ذلك عليه وهو شخص معين ينتزع منه مال معين فكان ذلك شهادة ثم اتفق أن الموقوف عليه فيه عموم وليس ذلك من لوازم الوقف فإن الوقف قد يكون على معين كما لو وقف على ولده أو زيد ثم من بعده لغيره فالعموم أمر عارض ليس متقررا شرعا في أصل هذا الحكم
وأما النسب فالمقصود به إنما هو الإلحاق بالشخص المعين أو استحقاق الميراث للشخص المعين ثم تفرعه بعد ذلك ليس مقصود الشهادة إنما هو من الأحكام الشرعية التابعة للمقصود بالشهادة كما أن الشهادة إذا وقعت بأن هذا رقيق لزيد قبل فيه الشاهد واليمين وإن تبع ذلك لزوم القيمة لمن قتله دون الدية وسقوط العبادات عنه واستحقاق إكسابه للسيد مع أن الشاهد لم يقصد سقوط العبادات عنه وليس سقوط العبادات مما تدخل فيه الشهادات فضلا عن الشاهد واليمين وكذلك الشهادة بتزويج زيد المرأة المعينة شهادة بحكم جزئي على المرأة لزوجها المشهود له وهو جزئي وإن تبع ذلك تحريمها على غيره وإباحة وطئها له مع أن التحريم والإباحة شأنهما الرواية دون الشهادة وغير ذلك من النظائر فقد يثبت على سبيل التبع ما لا يثبت متأصلا فلا يضر
هامش أنوار البروق
يتعرض له برفع يده عنه وليس المعنى بذلك أنه محق عندنا في دعواه ومسألة القصاب مع ذلك ليست من هذه القاعدة بل هي من جنس المسألتين اللتين قبلها كما تقدم ذكره لأن المقصود من هذه المسألة ليس تركه وما يدعيه بالنسبة إلى ملك ما تحت يده بل المقصود منها هل يستباح أكلها بناء على خبره أم لا فلا أعلم لتجويز الاستباحة بناء على ذلك إلا إلجاء الضرورة إلى ذلك للزوم المشقة عن عدم التجويز مع ندور الخلو عن القرائن المحصلة للظن كما سبق والله أعلم
قال شهاب الدين فإن قلت ما قررته من أن الشهادة حقيقتها التعلق بجزئي والرواية حقيقتها التعلق بكلي لا يطرد ولا ينعكس إلى قوله وأما ما تقدم من النقوض على الرواية فقد تقدم تخريجها والجواب عنها
هامش إدرار الشروق
وحادي عشرها خبر القصاب في الذكاة هو في معنى الرواية لأنه لا يقصد به فصل قضاء وإنما جوز فيه مالك قبول خبر الكتابي في قول ابن القصار قال مالك يقبل قول القصاب في الذكاة ذكرا كان أو أنثى مسلما أو كتابيا ومن مثله يذبح ا ه لإلجاء الضرورة إلى ذلك للزوم المشقة عند عدم التجويز مع ندور الخلو عن القرائن المحصلة للظن كما سبق في
____________________

(1/31)


ذلك في الضوابط المذكورة في الشهادة والرواية وأما كون الأرض عنوة أو صلحا فهذا لم أر لأصحابنا فيه نقلا فيما أظن
وأمكن أن يقال فيه إنه يكفي فيه خبر الواحد وإنه من باب الرواية لعدم الاختصاص في المحكوم عليه وأمكن أن يقال إنه من باب الشهادة لخصوص المحكوم فيه وهو الأرض فإنها جزئية لا يتعداها الحكم إلى غيرها فقد اجتمع فيهما الشبهان وأمكن التردد وأما ما تقدم من النقوض على الرواية فقد تقدم تخريجها والجواب عنها
مسألة أخبرني بعض شيوخي المعتبرين أنه رأى منقولا أنه إذا روى العدل العبد حديثا يتضمن عتقه أنه تقبل روايته فيه وإن تضمنت نفعه لأن العموم موجب لعدم التهمة في الخصوص مع وازع العدالة وهذه المسألة تنبه على أن باب الرواية بعيد عن التهم جدا وأنه سبب عدم اشتراط العدد في باب الرواية مسألة قال أصحابنا وغيرهم من العلماء إذا تعارضت البينتان في الشهادة يقبل الترجيح بالعدالة وهل ذلك مطلقا أو في أحكام الأموال خاصة وهو المشهور أو لا يقضى بذلك مطلقا ثلاث أقوال والمشهور أنه لا يرجح بكثرة العدد
والفرق أن الحكومات إنما شرعت لدرء الخصومات ورفع التظالم والمنازعات فلو رجحنا بكثرة العدد لأمكن للخصم أن يقول أنا أزيد في عدد بينتي فنمهله حتى يأتي بعدد آخر فإذا أتى به قال خصمه أنا أزيد في العدد الأول فنمهله حتى يأتي بعدد آخر أيضا فيطول النزاع وينتشر الشغب ويبطل مقصود الحكم
أما الترجيح بالأعدلية فلا يمكن الخصم أن يسعى في أن تصير بينته أعدل
هامش أنوار البروق
قلت جميع ما ذكره في هذا الفصل صحيح غير قوله في الخبر بالعنوة أو الصلح أن فيه شبه
هامش إدرار الشروق
المسألتين قبلها فليس المقصود من هذه المسألة ترك القصاب وما يدعيه بالنسبة إلى ملك ما تحت يده حتى تكون من قبيل قاعدة إن كل أحد مؤتمن على ما يدعيه فإذا قال الكافر هذا مالي أو هذا العبد رقيق لي صدق في ذلك كله كما أن المسلم إذا قال هذا ملكي أو هذه أمتي لم نعده راويا لحكم شرعي وإلا لاشترطنا فيه العدالة ولا شاهدا بل نقبله منه وإن كان أفسق الناس بل المقصود منها هل يستباح أكلها بناء على خبر القصاب بتذكيتها أم لا فافهم قلت ومن قبيل قول القصاب في الذكاة قول القبطان ونحوه بالوابور في محاذاة الحجاج للميقات الشرعي فيجب عليهم الإحرام بقوله ولو كافرا عند تعذر غيره لإلجاء الضرورة إلى ذلك إلخ وإن لم أر من نص عليه بخصوصه فانظره وثاني عشرها الخبر بكون الأرض عنوة أو صلحا فيترتب على ذلك أحكام الصلح أو أحكام العنوة من كونها طلقا إلى يوم القيامة أو وقفا إلى يوم القيامة كما قاله مالك الظاهر أن فيه شبه الرواية لا شبه الشهادة لأنه من جنس الخبر عن وقوع سبب من أسباب الأحكام الشرعية فيكفي فيه الواحد
قال شهاب الدين مسألة أخبرني بعض شيوخي إلخ قلت ما ذكره في المسألة من تنبيهها على أن باب الرواية تبعد عنه التهم صحيح
تتمة في مهمين
____________________

(1/32)


من بينة خصمه بالديانة والعلم والفضيلة فلا تنتشر الخصومات ولا يطول زمانها لانسداد الباب عليه وأما العدد فليس بابه منسدا فيقدر أن يأتي بمن يشهد له ولو بالزور والحاكم لا يعلم ذلك والأعدلية لا تستفاد إلا من الحاكم فلا تسلط للخصم على زيادتها فانسد الباب
فائدة الشهادة خبر والرواية خبر والدعوى خبر والإقرار خبر والنتيجة خبر والمقدمة خبر والتصديق خبر فما الفرق بين هذه الحقائق وبأي شيء تتميز مع اشتراكها كلها في مطلق الخبرية
والجواب أما الشهادة والرواية فقد تقدم الكلام عليهما وإما الدعوى فهي خبر عن حق يتعلق بالمخبر على غيره والإقرار خبر عن حق يتعلق بالمخبر ويضر به وحده عكس الدعوى الضارة لغيره
ولذلك أن الإقرار متى أضر بغير المخبر أسقطنا من ذلك الوجه كإقراره بأن عبده وعبد غيره حران ويسمى الإقرار المركب والنتيجة هي خبر نشأ عن دليل وقبل أن يحصل عليه يسمى مطلوبا والمقدمة هي خبر هو جزء دليل والتصديق هو القدر المشترك بين هذه الصورة كلها يسمى بأحسن عارضيه لفظا لأنه يقال لقائله صدقت أو كذبت فكان يمكن أن يسمى تكذيبا غير أنه سمي بأحسن عارضيه لفظا فائدة معنى شهد في لسان العرب ثلاثة أمور متباينة شهد بمعنى حضر ومنه شهد بدرا أو شهدنا صلاة العيد قال أبو علي ومنه قوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه قال معناه من حضر منكم المصر في الشهر فليصمه أو من حضر منكم الشهر في المصر فليصمه فإن الصوم لا يلزم المسافر فالمقصود إنما هو الحاضر المقيم فهذا أحد مسميات شهد والمعنى الثاني شهد بمعنى أخبر ومنه شهد عند الحاكم أي أخبر بما يعتقد في حق المشهود له وعليه والمعنى الثالث شهد بمعنى علم ومنه قوله تعالى والله على كل شيء شهيد أي عليم ووقع التردد لبعض العلماء في قوله تعالى شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط
هامش أنوار البروق
الرواية وشبه الشهادة فإن الظاهر أن فيه شبه الرواية دون شبه الشهادة لأنه من جنس الخبر عن وقوع سبب من أسباب الأحكام الشرعية كما تقدم ذكره والله أعلم
قال شهاب الدين مسألة أخبرني بعض شيوخي إلخ قلت ما ذكره في المسألة من تنبيهها على أن باب الرواية تبعد عنه التهم صحيح

هامش إدرار الشروق
المهم الأول إذا تعارضت البينات في الشهادة ففي قبول الترجيح بالعدالة مطلقا ثالثها في أحكام الأموال خاصة وهو المشهور أقوال لأصحابنا وغيرهم من العلماء ولا ترجيح بكثرة العدد على المشهور
والفرق أن العدد ليس بابه منسدا فيقدر الخصم أن يأتي بمن يشهد له ولو بالزور والحاكم لا يعلم ذلك فلو رجحنا بكثرة العدد لطال النزاع وانتشر الشغب وبطل مقصود الشارع بشرع الحكومات من درء
____________________

(1/33)


لا إله إلا هو العزيز الحكيم هل هو من باب العلم لأن الله يعلم ذلك أو من باب الخبر لأن الله تعالى أخبر عباده عن ذلك فهو محتمل للأمرين فهذه الثلاثة هي معاني شهد
فائدة معنى روى حمل وتحمل فراوي الحديث تحمله وحمله عن شيخه ولذلك قال العلماء إن إطلاق الراوية على المزادة التي يحمل فيها الماء على الجمل مجاز من باب مجاز المجاورة لأن الراوية بناء مبالغة لمن كثر منه الحمل والذي يحمل ويكثر منه الحمل إنما هو الجمل فهذا الاسم إنما يستحقه حقيقة ولغة الجمل وإطلاقه على المزادة مجاز من باب مجاز المجاورة لما بينها وبين الجمل من المجاورة وليس هو من باب أروى الرباعي حتى يستحقه الماء دون الجمل لأن اسم
هامش أنوار البروق
قال شهاب الدين مسألة قال أصحابنا وغيرهم من العلماء إذا تعارضت البينتان في الشهادة يقبل الترجيح بالعدالة إلى آخر الفصل قلت ما ذكره من الفرق بين الترجيح بالعدالة والترجيح بالعدد ظاهر صحيح والله أعلم
وذكر ثلاث فوائد في اختتام هذا الفرق وما ذكره فيها ظاهر
قال شهاب الدين
هامش إدرار الشروق
الخصومات ورفع المظالم والمنازعات إذ يمكن للخصم حينئذ أن يقول أنا أزيد في عدد بينتي فنمهله حتى يأتي بعدد آخر فإذا أتى به قال خصمه أنا أزيد في العدد الأول فنمهله حتى يأتي بعدد آخر أيضا وهكذا والأعدلية لا تستفاد إلا من الحاكم فلا تسلط للخصم على زيادته فانسد الباب ولم تنتشر الخصومات ولم يطل زمانها
المهم الثاني كما أن كلا من الشهادة والرواية خبر مقيد بما ذكرنا كذلك الدعوى خبر عن حق يتعلق بالمخبر على غيره والإقرار خبر عن حق يتعلق بالمخبر ويضر به وحده عكس الدعوى الضارة لغيره ولذلك لا نعتبر من الإقرار المركب من إضرار المخبر وإضرار غيره كإقراره بأن عبده وعبد غيره حران إلا الوجه الأول ونسقط منه الوجه الثاني والنتيجة خبر ينشأ عن دليل وقبل أن ينشأ عنه يسمى مطلوبا والمقدمة خبر هو جزء دليل والتصديق هو القدر المشترك بين هذه الصور كلها وكان يمكن أن يسمى تكذيبا كما يسمى تصديقا لأنه يقال لقائله صدقت أو كذبت إلا أنه سمي بأحسن عارضيه لفظا والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(1/34)


الفاعل منه مرو لا راوية وإنما يأتي راوية من الثلاثي فهذه فوائد لفظية تتعلق بلفظي الشهادة والرواية حسن ذكرها بعد تحقيق معناهما
الفرق الثاني بين قاعدتي الإنشاء والخبر الذي هو جنس الشهادة والرواية والدعوى وما ذكرها معها فيما تقدم أما الخبر فهو المحتمل للتصديق والتكذيب لذاته والتصديق هو قولنا له صدقت والتكذيب هو قولنا له كذبت وهما غير الصدق والكذب فإن التصديق والتكذيب هو قول وجودي مسموع والصدق يرجع إلى مطابقة الخبر والكذب يرجع إلى عدم مطابقته فهما نسبة وإضافة والنسب والإضافات عدمية فوقع الفرق بينهما بالوجود والعدم ومن وجه آخر إن الصدق والكذب هو المخبر عنه في التصديق والتكذيب لأن الصدق والكذب تابع للخبر والتصديق والتكذيب تابع للصدق والكذب فيقع الفرق بينهما فرق ما بين المخبر عنه والخبر والمتعلق والمتعلق به
وقولنا لذاته احتراز من تعذر الصدق أو الكذب فيه لأجل المخبر به أو المخبر عنه فالأول كخبر الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم أو خبر مجموع
هامش أنوار البروق
الفرق الثاني بين قاعدتي الإنشاء والخبر ثم قال أما الخبر فهو المحتمل للتصديق والتكذيب لذاته والتصديق هو قولنا صدقت والتكذيب هو قولنا كذبت وهما غير الصدق والكذب فإن التصديق والتكذيب قول وجودي مسموع والصدق يرجع إلى مطابقة الخبر والكذب يرجع إلى عدم مطابقته فهما نسبة وإضافة والنسب والإضافات عدمية فوقع الفرق بينهما بالوجود والعدم
ومن وجه آخر إن الصدق والكذب
هامش إدرار الشروق
الفرق الثاني بين قاعدتي الإنشاء والخبر الذي هو جنس الشهادة والرواية والدعوى وما ذكر معها أما الخبر فمجاز في الإشارات الحالية والدلائل المعنوية كما في قولهم عيناك تخبرني بكذا والغراب يخبر بكذا وحقيقته قول يلزمه الصدق أو الكذب
قلت قال الآمدي والأشبه أن القول في اللغة حقيقة في الصيغة كقولك قام زيد وقعد عمر ولتبادرها إلى الفهم من إطلاق لفظ الخبر وقد يطلق على المعنى القائم بالنفس المعبر عنه بالصيغة والصدق والكذب معلوم لنا بالضرورة فلا يفتقر إلى الخبر على أن الصدق هو مطابقة النسبة الكلامية للخارجية
والكذب عدمها وليس الصدق الخبر المطابق للواقع ولا الكذب الخبر الغير المطابق له حتى يلزم الدور والحكم في الحد المذكور بلزوم الخبر لأحد هذين الأمرين من غير تعيين جازم لا تردد فيه وهو المأخوذ في التحديد وإنما التردد في اتصاف الخبر بلزوم أحدهما عينا وهو غير داخل في الحد فافهم ا ه
بتصرف وزيادة فالقول جنس قريب يشمل القول التام وهو ما يفيد المخاطب فائدة يحسن السكوت عليها خبرا كان أو إنشاء والناقص وهو ما لم يفد ذلك إضافيا كان كغلام زيد أو تقييديا كالحيوان الصاهل أو لا ولا كمجموع المتعاطفين وقيد يلزمه الصدق أو الكذب فصل يخرج القول الناقص والإنشاءات نعم الظاهر احتياج الحد
____________________

(1/35)


الأمة فإنه لا يقبل الكذب والثاني كقولنا الواحد نصف الاثنين فإنه لا يقبل الكذب أو الواحد نصف العشرة فإنه لا يقبل الصدق ولكن جميع هذه الإخبارات بالنظر إلى ذاتها مع قطع النظر عن المخبر به أو المخبر عنه تقبلهما من حيث هي إخبار فهذا هو حد الخبر الضابط له فإن قلت الصدق والكذب ضدان والضدان يستحيل اجتماعهما فلا يقبل محلهما إلا أحدهما أما هما معا فلا وإذا كان المحل لا يقبل إلا أحدهما كان المتعين في الحد هو صيغة أو التي هي لأحد الشيئين دون الواو التي هي للشيئين معا وهذا هو اختيار إمام الحرمين والأول اختيار القاضي أبي بكر ولأن الصدق والكذب نوعان للخبر والنوع لا يعرف إلا بعد معرفة الجنس فلو عرف الجنس به لزم الدور
قلت الجواب عن الأول أن الصواب هو
هامش أنوار البروق
هو المخبر عنه في التصديق والتكذيب فيقع الفرق بينهما فرق ما بين المخبر عنه والخبر والمتعلق والمتعلق به وقولنا لذاته احتراز من تعذر الصدق أو الكذب فيه لأجل المخبر به أو المخبر عنه فالأول كخبر الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم أو خبر مجموع الأمة فإنه لا يقبل الكذب والثاني كقولنا الواحد نصف الاثنين فإنه لا يقبل الكذب أو الواحد نصف العشرة فإنه لا يقبل الصدق ولكن جميع هذه الإخبارات بالنظر إلى ذاتها مع قطع النظر عن المخبر به أو المخبر عنه تقبلهما من حيث هي أخبار فهذا هو حد الخبر الضابط له قلت تفريقه بين التصديق والتكذيب والصدق والكذب بأن أولهما وجودي والآخر عدمي بناء على أنه إضافي غفلة شديدة وهل ما يلحق خبر المخبر من تصديق المصدق أو تكذيب المكذب إلا أمر إضافي وهل خبر المخبر إلا متعلق لتصديق المصدق أو تكذيب المكذب ومتعلقات الكلام بأسرها لا يلحقها من الكلام إلا أمر إضافي فقد وقع فيما منه فرق وقوله فإن التصديق والتكذيب قول وجودي مسموع لا يفيده فإنه ليس موجودا في خبر المخبر فيكون وصفا حقيقيا للخبر بل هو موجود في لسان المصدق والمكذب
وما وجوده في غير المحدود لا يصلح للتحديد به بل الصحيح حد
هامش إدرار الشروق
المذكور لزيادة قيد لذاته ليخرج ما يلزمه الصدق أو الكذب لا لذاته بل للازمه نحو غلام زيد المستلزم لذاته خبرا وهو زيد له غلام ونحو اسقني الماء المستلزم لذاته خبرا وهو أنا طالب للماء أو المخاطب مطلوب منه الماء أو الماء مطلوب وكذا ما لا يلزمه صدق ولا كذب بالنظر لعدم قصد المتكلم به إخبار أحد كصيغة الحمد لله إذا جعلت باقية على خبريتها ولم يقصد بها إلا تحصيل الحمد كبقية صيغ الأذكار والتنزيهات فلا يرد حينئذ ما نقله ياسين في حواشي الصغرى عن العلامة علاء الدين النجاري من أن الجمل الخبرية لا يلزمها الإخبار أي احتمال الصدق والكذب بل قد تكون للتحسر والتحزن كما في حاشية العطار على محلي جمع الجوامع فافهم وأما الإنشاء ففي اللغة الخلق والابتداء ووضع الحديث ففي المصباح أنشأه الله خلقه وأنشأ يفعل كذا أي ابتدأ وفلان ينشئ الأحاديث أي يصفها
ا ه المراد وفي الاصطلاح قول بحيث يوجب به مدلوله في نفس الأمر إذا صدر قصدا ممن هو أهل لذلك
فالقول جنس قريب وقيد بحيث يوجب به مدلوله فصل أول
____________________

(1/36)


اختيار القاضي أبي بكر رحمه الله في صيغة الواو لأنه لا يلزم من تنافي المقبولين تنافي القبولين ألا ترى أن الممكن قابل للوجود والعدم لذاته وهما نقيضان متنافيان والقبولان يجب اجتماعهما له لأنه لو وجد أحد القبولين دون الآخر للزم من نفي ذلك القبول ثبوت استحالة ذلك المقبول الآخر فإن كان ذلك المستحيل هو الوجود لزم أن يكون ذلك الممكن مستحيلا والمقرر أنه ممكن هذا خلف
وإن كان المستحيل هو العدم لزم أن يكون ذلك الممكن واجب الوجود لا ممكن الوجود هذا خلف فلا يتصور الإمكان إلا باجتماع القبولين وإن تنافى المقبولان فتتعين الواو وإنما الشبهة التي وقعت لإمام الحرمين التباس القبولين بالمقبولين وأنه يلزم من تعذر اجتماع المقبولين تعذر اجتماع القبولين وليس كذلك ولذلك نقول كل جسم قابل لجميع الأضداد وقبولاته كلها مجتمعة له وإنما المتعاقبة على سبيل البدل هي المقبولات لا القبولات فتأمل ذلك ويتقوى ذلك ويتضح بأن الإمكان والوجوب والاستحالة أحكام واجبة الثبوت لمحالها لازمة لها والإلزام انقلاب الممكن واجبا أو مستحيلا وبالعكس وذلك محال وإذا كانت لازمة
هامش أنوار البروق
الخبر أو رسمه بأنه قول يلزمه الصدق أو الكذب فإنه لا ينفك عن ذلك ألبتة في ظاهر الأمر وقد ينفك عن التصديق والتكذيب المسموعين لنا إما للغفلة عن سماع الخبر وإما للإضراب عن التصديق والتكذيب مع سماع الخبر وإما لعدم الموجب لرجحان أحد الاحتمالين عند السماع والحد والرسم لا يصح إلا بما هو لازم فإن كان ذلك اللازم وصفا حقيقيا ذاتيا فالقول المتضمن له حد وإن لم يكن ذاتيا فالقول المتضمن له رسم وقوله من وجه آخر إن الصدق والكذب هو المخبر عنه في التصديق والتكذيب قلت فإذا كان صدق الخبر أو كذبه متعلق التصديق أو التكذيب فالصدق والكذب أسبق لحوقا بالخبر المصدق أو المكذب من جهة أن كونه صدقا أو كذبا هو السبب في تصديقه أو تكذيبه فقد لزمه من قوله هذا الاعتراف بأن الصدق والكذب أولى بالخبر وأحق من التصديق والتكذيب
هامش إدرار الشروق
مخرج لقول القائل السفر علي واجب لأن الوجوب فيه لم يثبت بهذا اللفظ بل بإيجاب الشارع عليه عقوبة عليه وقيد في نفس الأمر فصل ثان مخرج للخبر كقام زيد فإنه لا يوجب مدلوله في نفس الأمر بل ولا في اعتقاد السامع إلا عند اعتقاده صدق المخبر وقيد إذا صدر قصدا أي مقصودا إنشاء لفظه فصل ثالث مخرج لنحو قول القائل لزوجته أنت طالق على وجه الغلط مريدا أنت حائض فلا يلزمه به طلاق في الفتوى وكذلك إذا قال لمن طلقها رجعيا في العدة أنت طالق مخبرا بأنها طالق في الحال وإنما يلزمه إذا قصد الإنشاء وإن لم يقترن بالوفاء بالعقود والتزام مقتضياتها وفيه ممن هو أهل لذلك فصل رابع مخرج لصيغ الإنشاء إذا صدرت من سفيه أو فاقد الأهلية لعدم ترتب مدلولها عليها حينئذ وزيادة أو متعلقة في الحد عطفا على مدلوله وإن كانت لأجل أن تندرج فيه الإنشاءات بكلام النفس فإن كلام النفس لا دلالة فيه ولا مدلول وإنما فيه متعلق ومتعلق خاصة وسيأتي بيانه في مسائل الإنشاء إلا أنه يلزم على هذه الزيادة الجمع في الحد بين حقيقتين مختلفتين وهما القول اللساني والقول النفساني وذلك خلل في الحد كما بين في محله
____________________

(1/37)


لمحالها واللازم لا يفارق الملزوم فالمقبولات لا تفارقها فهي مجتمعة فيها والجواب عن الثاني أن المقصود بالحد إنما هو شرح لفظ المحدود وبيان نسبته إليه فإن قولنا الإنسان هو الحيوان الناطق حد صحيح مع أن السامع يجب أن يكون عالما بالحيوان وبالناطق إلا لكان حدنا وقع بالمجهول والتحديد بالمجهول لا يصح فهو حينئذ عالم بالحيوان وبالناطق ومتى كان عالما بهما كان عالما بالإنسان فإنه لا معنى للإنسان إلا هما وإذا كان عالما بالإنسان تعين انصراف التعريف والحد إلى بيان نسبة اللفظ لأنه إذا سمع لفظ الإنسان فعلم أن له مسمى ما مجملا لم يعلم تفصيله فبسطنا نحن ذلك المسمى أو قلنا له هو الحيوان الناطق الذي أنت تعرفه فلم يحصل له بالحد إلا بيان نسبة اللفظ وخروجه من حيز الإجمال إلى حيز التفصيل والبيان كذلك هاهنا يعلم السامع معنى
هامش أنوار البروق
وأن التصديق أو التكذيب إنما لحقاه لصدقه أو كذبه وقد نص هو بعد هذا في المسألة الأولى من المسائل التي ذيل بها الكلام على الخبر على أن الصدق والكذب خصيصة من خصائص الخبر وبالجملة فكلامه كله في هذا الفصل ضعيف ساقط واضح الضعف والسقوط
وقوله وقولنا لذاته احتراز من تعذر الصدق أو الكذب فيه لأجل المخبر به أو المخبر عنه إلى آخر الفصل قلت قد تقدم أن الأولى الحد أو الرسم بأن الخبر قول يلزمه الصدق أو الكذب ولزوم أحدهما له لا يمكن سواء فقوله لذاته بمعنى أنه لا يمكن غير ذلك ظاهر وقوله احتراز من تعذر الصدق أو الكذب فيه لأجل المخبر به أو المخبر عنه قلت إذا حد أو رسم بلزوم الصدق أو الكذب لم يحتج إلى التحرز من هذا الوجه وإنما حمله على ذلك حده الخبر بأنه القول المحتمل للتصديق والتكذيب وقوله لكن جميع هذه الإخبارات بالنظر إلى ذاتها تقبلهما من حيث هي أخبار قلت هذا الذي ذكره من قبول الخبر الصدق والكذب من حيث هو خبر مقتضاه أن خبر الله تعالى من حيث هو خبر يقبل الكذب لذاته وما هو ذاتي لا يتبدل وهذا ليس بصحيح بل خبر الله تعالى لا يصح أن يكون كذبا ولا يصح أن يقبل الكذب وكذلك قول القائل الواحد نصف الاثنين لا يصح أن يكون كذبا ولا يصح أن يقبل
هامش إدرار الشروق
فافهم
وبعبارة أخرى الكلام إن كان للنسبة المفهومة منه الحاصلة في الذهن خارج عن مدلوله أي حاصل بين الطرفين مع قطع النظر عن دلالة اللفظ والفهم منه محتمل لأن تطابقه النسبة أو لا تطابقه فخبر
وإن لم يكن كذلك بأن لا يكون له خارج أصلا كأقسام الطلب فإنها دالة على صفات نفسية قائمة بالنفس قيام العرض بالمحل ليس لها متعلق خارجي أو يكون له خارج لكن لا يحتمل المطابقة واللامطابقة كصيغ العقود فإن لها نسبا خارجية توجد بهذه الصيغ وليست لها نسبة محتملة لأن تطابقها النسبة المدلولة أو لا تطابقها لأنها لحصولها بها مطابقة قطعا فإنشاء وهذا أقرب الحدود وأخصرها كما في تقريرات الشربيني على حواشي محلي جمع الجوامع فعلى هذا البيان يقع الفرق بين الخبر والإنشاء من أربعة أوجه الوجه الأول أن الإنشاء سبب لمدلوله بخلاف الخبر
الوجه الثاني أن الإنشاءات يتبعها مدلولها فلا يقع الطلاق والملك إلا بعد صدور صيغة الطلاق والبيع ممن هو أهل والأخبار تتبع مدلولاتها بمعنى أن الخبر تابع لتقرير مخبره في زمانه ماضيا كان أو حاضرا أو
____________________

(1/38)


التصديق والتكذيب ولا يعلم مدلول لفظ الخبر فبسطناه نحن له وفصلناه وقلنا له مدلول هذا اللفظ هو الذي يدخله التصديق والتكذيب اللذان تعرفهما فانشرح له ما كان مجملا
ولذلك قال العلماء في حد الحد هو القول الشارح وعلى هذا يزول الدور عن جميع الحدود إذا كان مدركها هذا المدرك نحو قولهم العلم معرفة المعلوم على ما هو به مع توقف المعلوم على العلم لأنه مشتق منه والأمر هو القول المقتضي طاعة المأمور بفعل المأمور به مع أن المأمور والمأمور به مشتقان من الأمر فهذا آخر القول في حد الخبر
وأما حد الإنشاء وبيان حقيقته فهو القول الذي بحيث يوجد به مدلوله في نفس الأمر أو متعلقه فقولنا يوجد به مدلوله احتراز مما إذا قال قائل السفر علي واجب فيوجبه الله تعالى عليه عقوبة له فإن الوجوب في هذه الصورة لم
هامش أنوار البروق
الكذب وليس الخبر بالنسبة إلى قبول الصدق والكذب كالجوهر بالنسبة إلى قبول السواد والبياض وسائر الألوان فإن الخبر الأظهر أنه لا يعرى ألبتة عن أن يكون صدقا أو كذبا فما ثبت صدقه لا يصح كذبه بعد وما ثبت كذبه لا يصح صدقه بعد لاستحالة ارتفاع الواقع والجوهر إما أن يكون عروة جائزا وإما ممتنعا وإما مشكوكا على حسب اضطراب الناس في ذلك وما ثبت سواده يصح بياضه بعد وما ثبت بياضه يصح سواده بعد فما قاله هنا ليس بصحيح
قال شهاب الدين فإن قلت الصدق والكذب ضدان يستحيل اجتماعهما فلا يقبل محلهما إلا أحدهما وإذا كان لا يقبل إلا أحدهما كان المتعين في الحد صيغة أو دون الواو وهذا اختيار إمام الحرمين والأول اختيار القاضي أبي بكر ولأن التصديق والتكذيب نوعان للخبر
والنوع لا يعرف إلا بعد معرفة الجنس فلو عرف الجنس به لزم الدور
قال قلت الجواب عن الأول أن الصواب هو اختيار القاضي لأنه لا يلزم من تنافي المقبولين تنافي القبولين ألا ترى أن الممكن قابل للوجود والعدم لذاته وهما نقيضان متنافيان والقبولان يجب اجتماعهما له لأنه لو وجد أحد القبولين دون الآخر للزم من نفي ذلك القبول ثبوت استحالة ذلك المقبول الآخر فإن كان ذلك المستحيل هو الوجود لزم أن يكون ذلك
هامش إدرار الشروق
مستقبلا فقولنا قام زيد تبع لقيامه في الزمان الماضي ولو قلنا هو قائم تبع لقيامه في الحال وقولنا سيقوم الساعة تبع لتقرير قيامه في الاستقبال لا بمعنى أنه تابع لمخبره في الوجود وإلا لما صدق ذلك إلا في الماضي فقط فإن الحاضر مقارن فلا تبعية لحصول المساواة
ووجود المستقبل بعد الخبر فهو متبوع لا تابع وكذلك ينبغي أن يفهم معنى قولهم العلم تابع لمعلومه أنه تابع لتقرره في زمانه ماضيا كان المعلوم أو حاضرا أو مستقبلا فإنا نعلم الحاضرات والمستقبلات كما نعلم الماضيات والعلم في الجميع تبع لمعلومه فالعلم بأن الشمس تطلع غدا فرع وتابع لتقرر طلوعها في مجاري العادات
الوجه الثالث أن الإنشاء لا يلزمه الصدق والكذب لذاته وإن لزمه للازمه كما عرفت فلا يحسن أن يقال لمن قال لامرأته أنت طالق ثلاثا صدق ولا كذب إلا إذا أراد به الإخبار عن طلاق امرأته بخلاف الخبر
الوجه الرابع أن الخبر يكفي فيه الوضع الأول في جميع صوره والإنشاء لا يقع إلا منقولا عن أصل الوضع في صيغ العقود والطلاق والعتاق ونحوها فقول الرجل لامرأته أنت طالق ثلاثا يفيد طلاقها
____________________

(1/39)


يثبت بهذا اللفظ بل بإيجاب الشارع بخلاف إزالة العصمة بالطلاق والملك بالبيع وغير ذلك من صيغ الإنشاء فإنها توجب مدلولاتها
وإن لم تقترن بها نية ولا أمر آخر من قبل الشارع وقولنا هو القول الذي بحيث يوجد ولم نقل يوجب احتراز من صيغ الإنشاء إذا صدرت من سفيه أو فاقد الأهلية فإنها في تلك الصورة لا يترتب عليها مدلولها ولا توجب حكما ولكن ذلك لأمر خارج عنها لكنها بالنظر إلى ذاتها مع قطع النظر عن الأمور الخارجية توجد مدلولاتها فلذلك قلنا بحيث يوجد أي شأنها ذلك ما لم يمنع مانع أو يعارض معارض وقولنا في نفس الأمر احتراز من الخبر فإنه يوجب مدلوله في اعتقاد السامع فإن القائل إذا قال قام زيد أفادنا هذا القول اعتقاد أنه قام ولم يفد هذا القول القيام في نفس
هامش أنوار البروق
الممكن مستحيلا والمقرر أنه ممكن هذا خلف وإن كان المستحيل هو العدم لزم أن يكون ذلك الممكن واجب الوجود لا ممكن الوجود هذا خلف فلا يتصور الإمكان إلا باجتماع القبولين وإن تنافى المقبولان فتتعين الواو وإنما الشبهة التي وقعت لإمام الحرمين التباس القبولين بالمقبولين وأنه يلزم من تعذر اجتماع المقبولين تعذر اجتماع القبولين وليس كذلك ولذلك نقول كل جسم قابل لجميع الأضداد وقبولاتها كلها مجتمعة له وإنما المتعاقبة على سبيل البدل هي المقبولات لا القبولات فتأمل ذلك
ويتقوى ذلك ويتضح بأن الإمكان والوجوب والاستحالة أحكام واجبة الثبوت لمحالها لازمة لها وإلا لزم انقلاب الممكن واجبا أو مستحيلا وبالعكس وذلك محال وإذا كانت لازمة لمحالها واللازم لا يفارق الملزوم فالقبولات لا تفارقها فهي مجتمعة فيها قلت قد تقدم أن ما هو صدق لا يصح أن يصير كذبا
وما هو كذب لا يصح أن يصير صدقا فليس الصدق والكذب بالنسبة إلى الخبر كالسواد والبياض بالنسبة إلى الجوهر فلا يصح في الخبر أن يقال إنه قابل للصدق والكذب كما لا يصح ذلك في الحيوان فيقال هو قابل للنطق وغيره بل لا يكون إلا ناطقا أو غير ناطق وما يكون ناطقا لا يكون غير ناطق وما يكون غير ناطق لا يكون
هامش إدرار الشروق
بالوضع الأول وإنما صار يفيد الطلاق بسبب النقل العرفي للإنشاء عن الإخبار عن طلاقها ثلاثا كما يتفق له في بعض أحواله إذا سألته امرأته بعد الطلاق فيقول لها أنت طالق ثلاثا إعلاما لها بتقدم الطلاق فلا يلزمه شيء والقول بأنه يفيد كلا من الإخبار والإنشاء بطريق الاشتراك يضعفه رجحان المجاز على الاشتراك وقد يقع الإنشاء لإنشاء الطلب بالوضع اللغوي الأول كالأوامر والنواهي
فصل ينقسم الإنشاء إلى مجمع عليه في الجاهلية والإسلام ومختلف فيه والمجمع عليه أربعة أقسام الأول القسم كقولنا أقسم بالله لقد قام زيد اتفق أهل اللسان من الجاهلية والإسلام على أن قائله أنشأ به القسم لا أنه أخبر به عن وقوع في المستقبل فجميع لوازم الإنشاء موجودة فيه ولا يلزمه الصدق ولا الكذب فلذلك قال بعض فضلاء النحاة القسم جملة إنشائية يؤكد بها جملة خبرية
القسم الثاني الأوامر والنواهي نحو قولنا افعل لا تفعل اتفق الجاهلية والإسلام على أنه إنشاء لأنه يتبعه إلزام الفعل أو الترك ويترتب عليه ويلزمه جميع لوازم الإنشاء ولا يلزمه الصدق ولا الكذب

____________________

(1/40)


الأمر بخلاف صيغ الإنشاء فإنها تفيد مدلولاتها في نفس الأمر وفي اعتقاد السامع فصارت خصيصتها هي الإفادة في نفس الأمر أما في اعتقاد السامع فهو أمر مشترك بينها وبين الخبر ولا يحصل به التمييز وقولنا أو متعلقه لتندرج الإنشاءات بكلام النفس فإن كلام النفس لا دلالة فيه ولا مدلول وإنما فيه متعلق ومتعلق خاصة وسيأتي بيانه في مسائل الإنشاء فيقع الفرق على هذا البيان بين الخبر والإنشاء من أربعة أوجه
والوجه الأول أن الإنشاء سبب لمدلوله والخبر ليس سببا لمدلوله فإن العقود أسباب لمدلولاتها ومتعلقاتها بخلاف الأخبار
الوجه الثاني أن الإنشاءات يتبعها مدلولها والأخبار تتبع مدلولاتها أما تبعية مدلول الإنشاءات فإن الطلاق والملك مثلا إنما يقعان بعد صدور صيغة الطلاق والبيع
وأما أن الخبر تابع لمخبره فنعني بالتبعية أنه تابع لتقرر مخبره في زمانه ماضيا كان
هامش أنوار البروق
ناطقا وإنما يقال في الشيء أنه قابل أو غير قابل بالنسبة إلى ما يصح اتصافه به وعدم اتصافه به ويصح فيه تبدل ذلك الاتصاف وليس الأمر في الصدق والكذب كذلك فالصحيح ما اختاره إمام الحرمين والله أعلم
قال شهاب الدين والجواب عن الثاني أن المقصود بالحد إنما هو شرح لفظ المحدود إلى آخر الجواب قلت هذا الذي ذهب إليه من أن الحد إنما هو شرح لفظ المحدود يعني اسمه هو رأي الإمام الفخر وقد خولف في ذلك وفي المسألة نظر يفتقر إلى بسط يطول ويعسر وصحة الجواب مبنية على ذلك
قال شهاب الدين وأما حد الإنشاء فهو القول الذي بحيث يوجد مدلوله به في نفس الأمر أو متعلقه فقولنا يوجد مدلوله به احتراز مما إذا قال قائل السفر علي واجب فيوجبه الله تعالى عليه عقوبة له فإن الوجوب في هذه الصورة لم يثبت بهذا اللفظ بل بإيجاب الشارع بخلاف إزالة العصمة بالطلاق والملك بالبيع وغير ذلك من صيغ الإنشاء فإنها توجب مدلولاتها وإن لم تقترن بها نية ولا أمر آخر من قبل الشارع
هامش إدرار الشروق
القسم الثالث الترجي نحو لعل الله يأتينا بخير والتمني نحو ليت لي مالا فأنفق منه والعرض نحو ألا تنزل عندنا فتصيب خيرا
والتحضيض وصيغه أربع وهي ألا بالتشديد نحو ألا تشتغل بالعلم وهلا ولو ما ولولا نحو هلا أو لو ما أو لولا اشتغلت به فإن هذه الصيغ كلها إما للطلب أو يتبعها الطلب ويترتب عليها ولا يلزمها صدق ولا كذب فهي كالأوامر والنواهي إنشاء
القسم الرابع النداء نحو يا زيد اتفق أنه إنشاء لأنه طلب لحضور المنادى والطلب إنشاء نحو الأوامر والنواهي وإنما اختلف النحاة في أن المفيد للنداء الحرف وحده أو فعل مضمر تقديره أنادي زيدا
قال المبرد وهذا الفعل المضمر لا يلزمه الصدق ولا الكذب حتى يكون خبرا فهو إنشاء لطلب حضور المنادى والمختلف فيه قسمان أحدهما صيغ العقود كبعت واشتريت وأنت حر وامرأتي طالق
قالت الأحناف إنها إخبارات على أصلها اللغوي وقال غيرهم إنها إنشاءات منقولة عن الخبر إليه محتجين أولا بأمر يمكن فيه ادعاء القطع ولا يتأتى للأحناف الجواب عنه إلا بالمكابرة وهو أن الإنشاء هو المتبادر في العرف إلى الفهم فوجب أن يكون منقولا إليه كسائر المنقولات وذلك أن المبادرة للإنشاء والعدول إلى
____________________

(1/41)


أو حاضرا أو مستقبلا فقولنا قام زيد تبع لقيامه في الزمان الماضي وقولنا هو قائم تبع لقيامه في الحال وقولنا سيقوم الساعة تبع لتقرر قيامه في الاستقبال وليس المراد بالتبعية التبعية في الوجود وإلا لما صدق ذلك إلا في الماضي فقط فإن الحاضر مقارن فلا تبعية لحصول المساواة والمستقبل وجوده بعد الخبر فكان متبوعا لا تابعا فكذا ينبغي أن يفهم معنى قول الفضلاء الخبر تابع لمخبره ومثله قولهم العلم تابع لمعلومه أي تابع لتقرره في زمانه ماضيا كان المعلوم أو حاضرا أو مستقبلا فإنا نعلم الحاضرات والمستقبلات كما نعلم الماضيات والعلم في الجميع تبع لمعلومه فالعلم بأن الشمس تطلع غدا فرع وتابع لتقرر طلوعها في مجاري العادات
الوجه الثالث أن الإنشاء لا يقبل التصديق والتكذيب فلا يحسن أن يقال لمن قال لامرأته أنت طالق ثلاثا صدق ولا كذب إلا أن
هامش أنوار البروق
قلت
أما قوله وإن لم تقترن بها نية فلا بد من النية وإلا فقول القائل لزوجه أنت طالق على وجه الغلط وإنما أراد أن يقول لها أنت حائض لا يلزمه به طلاق في الفتوى وكذلك إذا قال لها أنت طالق مخبرا بأنها طالق في الحال إذا كانت في العدة من الطلاق الرجعي
وأما قوله ولا أمر آخر من قبل الشارع فإن كان أراد بذلك الأمر بالوفاء بالعقود والتزام مقتضياتها فذلك صحيح وإلا فلا أدري ما أراد بذلك قال وقولنا هو القول الذي بحيث يوجد ولم نقل يوجب احتراز من صيغ الإنشاء إذا صدرت من سفيه أو فاقد الأهلية فإنها في تلك الصورة لا يترتب عليها مدلولها ولا توجب حكما ولكن ذلك لأمر خارج عنها لكنها بالنظر إلى ذاتها مع قطع النظر عن الأمور الخارجية توجب مدلولاتها فلذلك قلنا بحيث يوجد أي شأنها ذلك ما لم يمنع مانع أو يعارض معارض قلت تضمن كلامه هذا أن هذه الصيغ توجد بها مدلولاتها لذاتها ما لم يمنع مانع وما هو ذاتي لا يصح أن يمنعه مانع فكلامه هذا ضعيف وكان الأولى أن يتحرز بذكر قيد صدور هذه الصيغ ممن هو أهل لذلك قال شهاب الدين
وقولنا في نفس الأمر احتراز من الخبر فإنه يوجب ذلك في اعتقاد السامع فإن القائل إذا قال قام زيد أفادنا هذا القول اعتقاد أنه قام ولم يفد هذا القول القيام في نفس الأمر
هامش إدرار الشروق
الخبر مدرك لنا بالعقول بالضرورة ولا نجد في أنفسنا أن القائل لامرأته أنت طالق أنه يحسن تصديقه أو تكذيبه والمصنف يعتمد الوجدان ومن لم ينصف يقل ما شاء وثانيا بخمسة أمور مبنية على تقدير أن المراد الظن لا القطع
أحدها أنها لو كانت إخبارا لكانت كاذبة لأنه لم يبع قبل ذلك الوقت ولم يطلق والكذب لا عبرة به لكنها معتبرة فدل ذلك على أنها ليست إخبارا بل إنشاء لحصول لزوم الإنشاء فيها من استتباعاته لمدلولاتها وغير ذلك
وأجاب الأحناف بأن صاحب الشرع قدر في هذه الصيغ تقدم مدلولاتها قبل النطق بها بالزمن الفرد لضرورة تصديق المتكلم بها والإضمار أولى من النقل لما تقرر في علم الأصول ولأن جواز الإضمار في الكلام مجمع عليه والنقل مختلف فيه والمجمع عليه أولى ومتى كان المدلول مقدرا قبل الخبر كان الخبر صادقا فلا يلزم الكذب ولا النقل للإنشاء وبقيت إخبارات على موضوعاتها اللغوية وعملنا بالأصل في عدم النقل وأنتم خالفتموه وفيه نظر بوجهين الوجه الأول أن بناءه على إلجاء ضرورة صدق المتكلم بها إلى تقدير تقدم مدلولاتها لا يصح لأن صدق المتكلم مبني على أن كلامه خبر وهو محل النزاع

____________________

(1/42)


يريد به الإخبار عن طلاق امرأته
وكذلك لمن قال لعبده أنت حر وغير ذلك من صيغ الإنشاء بخلاف الخبر فإنه قابل للتصديق والتكذيب وقد تقدم تقريره في حد الخبر
الوجه الرابع أن الإنشاء لا يقع إلا منقولا عن أصل الوضع في صيغ العقود والطلاق والعتاق ونحوها وقد يقع إنشاء في الوضع الأول كالأوامر والنواهي فإنها تنشئ الطلب بالوضع اللغوي الأول والخبر يكفي فيه الوضع الأول في جميع صوره فقول الرجل لامرأته أنت طالق ثلاثا لا يفيد طلاق امرأته بالوضع الأول بل أصل هذه الصيغة أنه أخبر عن طلاقها ثلاثا وأن لا يلزمه شيء كما يتفق له في بعض أحواله إذا سألته امرأته بعد الطلاق فيقول لها أنت طالق ثلاثا إعلاما لها بتقدم الطلاق فهذا هو أصل الصيغة وإنما صارت تفيد الطلاق بسبب النقل العرفي عن الإخبار إلى الإنشاء وكذلك جميع هذه الصيغ
هامش أنوار البروق
بخلاف صيغ الإنشاء فإنها تفيد مدلولتها في نفس الأمر وفي اعتقاد السامع فصارت خصيصتها هي الإفادة في نفس الأمر أما في اعتقاد السامع فهو أمر مشترك بينها وبين الخبر ولا يحصل به التمييز قلت هذا الاحتراز صحيح وما قاله في هذا الفصل كله مستقيم غير قوله في الخبر أنه يوجب مدلوله في اعتقاد السامع فإن ذلك ليس بلازم إلا عند اعتقاد السامع صدق المخبر
وأما عند اعتقاده كذبه فلا يوجب ذلك قال وقولنا أو متعلقة لتندرج الإنشاءات بكلام النفس إلى قوله وسيأتي بيانه في مسائل الإنشاء قلت يلزم عن قوله هذا أنه جمع في الحد بين حقيقتين مختلفتين وهما القول اللساني والقول النفساني وذلك خلل في الحدود قال فيقع الفرق على هذا البيان بين الخبر والإنشاء من أربعة أوجه إلى آخر كلامه في الوجه الثالث قلت كلامه في هذه الأوجه ظاهر مستقيم
قال الوجه الرابع أن الإنشاء لا يقع إلا منقولا عن أصل الوضع في صيغ العقود والطلاق والعتاق ونحوها وقد يقع إنشاء بالوضع الأول كالأوامر والنواهي فإنها تنشئ الطلب بالوضع اللغوي الأول والخبر يكفي فيه الوضع الأول في جميع صوره فقول الرجل لامرأته أنت طالق ثلاثا
هامش إدرار الشروق
الوجه الثاني أنا لا نسلم أن ما نحن فيه من الإضمار المتفق عليه ضرورة أنه مفتقر إلى تقدير وقوع ما لم يقع ثم إضماره أو إلى تقدير وقوعه دون إضماره وتقدير وقوع ما لم يقع ليس هو الإضمار وثانيها أنها لو كانت إخبارا لكانت إما كاذبة ولا عبرة بها أو صادقة فتكون متوقفة على تقدم أحكامها فحينئذ إما أن تتوقف عليها أيضا فيلزم الدور أو لا تتوقف عليها فيلزم أن يطلق امرأته أو يعتق عبده وهو ساكت وذلك خلاف الإجماع
وأجاب الأحناف بأن الدور غير لازم لأن النطق باللفظ لا يتوقف على شيء وبعده يقدر تقدم المدلول وبعد تقدير المدلول يحصل الصدق ويلزم الحكم فالصدق
____________________

(1/43)


تنبيه اعتقد جماعة من الفقهاء أن قولنا في حد الخبر أنه المحتمل للصدق والكذب أن هذا الاحتمال لهما استفاده الخبر من الوضع اللغوي وأن الوضع اقتضى ذلك وليس كذلك بل لا يحتمل الخبر من حيث الوضع إلا الصدق خاصة وتقريره أن العرب إنما وضعت الخبر للصدق دون الكذب لإجماع النحاة والمتحدثين على اللسان أن معنى قولنا قام زيد حصول القيام في الزمان الماضي ولم يقل أحد أن معناه صدور القيام أو عدمه بل جزم الجميع بالصدور
وكذلك جميع الأفعال الماضية وكذلك الأفعال المستقبلة نحو قولنا سيقوم زيد معناه صدور القيام عنه في الزمن المستقبل عينا لا أن معناه صدور القيام أو عدمه وكذلك أسماء الفاعلين والمفعولين كقولنا زيد قائم معناه أنه موصوف بالقيام عينا وكذلك المجرورات نحو زيد في الدار معناه لغة استقراره فيها دون عدم استقراره لم
هامش أنوار البروق
لا يفيد طلاق امرأته بالوضع الأول بل أصل هذه الصيغة أنه أخبر عن طلاقها ثلاثا وأن لا يلزمه شيء كما يتفق له في بعض أحواله إذا سألته امرأته بعد الطلاق فيقول لها أنت طالق ثلاثا إعلاما لها بتقدم الطلاق قلت لقائل أن يقول بل يقع غير منقول على وجه الاشتراك لكن يترجح قول المؤلف برجحان المجاز على الاشتراك
قال شهاب الدين تنبيه اعتقد جماعة من الفقهاء أن قولنا في حد الخبر أنه المحتمل للصدق والكذب أن هذا الاحتمال لهما استفادة الخبر من الوضع اللغوي وأن الوضع اقتضى له ذلك وليس كذلك بل لا يحتمل الخبر من حيث الوضع إلا الصدق خاصة وتقريره أن العرب إنما وضعت الخبر للصدق دون الكذب لإجماع النحاة والمتحدثين على اللسان أن معنى قولنا قام زيد حصول القيام في الزمن الماضي ولم يقل أحد إن معناه صدور القيام أو عدمه بل جزم الجميع بالصدور وكذلك جميع الأفعال الماضية وكذلك الأفعال المستقبلة نحو قولنا سيقوم زيد معناه صدور القيام عنه في الزمن المستقبل عينا لا أن معناه صدور القيام أو عدمه
وكذلك أسماء الفاعلين والمفعولين كقولنا زيد قائم
هامش إدرار الشروق
متوقف مطلقا على التقدير والمتوقف عليه التقدير مطلقا اللفظ فالثلاثة أمور مترتبة بعضها على بعض ترتب الابن والأب والجد وليس فيها ما هو قبل الآخر وبعده وفيه أنه لا يحصل بعد تقدير المدلول إلا تقدير الصدق إذ كيف تحصل حقيقة الصدق بناء على تقدير وقوع ما لم يقع
وثالثها أنها لو كانت إخبارا فإما أن تكون خبرا عن الماضي أو الحاضر فيتعذر تعليقها عن الشرط حينئذ إذ من شرط الشرط أن لا يتعلق بمستقبل أو تكون خبرا عن المستقبل فيصح تعليقها على الشرط لكن لا يزيد على التصريح بذلك حينئذ وهو لو صرح وقال لامرأته ستصيرين طالقا لم تطلق بهذا اللفظ وكذلك ما في معناه
وأجاب الأحناف بالتزام أنها إخبارات عن الماضي ومنع تعذر التعليق عن الماضي مطلقا بل على خصوص الماضي المحقق لا المقدر كما هنا وذلك لأن معنى التعليق توقيف أمر في دخوله في الوجود على دخول أمر آخر في الوجود وهو الشرط وما دخل في الوجود وتحقق لا يمكن توقيف دخوله في الوجود على غيره بخلاف ما كان دخوله في الوجود غير محقق بل مقدر فإنه يمكن
____________________

(1/44)


يختلف في ذلك اثنان من أئمة العربية فعلمنا أن اللغة إنما هي الصدق دون الكذب فإن قلت فما معنى قولكم إنه يحتمل الصدق والكذب على هذا التقرير الذي اقتضى أن الصدق متعين له فلا يحتمل إلا إياه قلت معناه أن ذلك يأتيه من جهة المتكلم لا من جهة الوضع فإن المتكلم قد يستعمله صدقا على وفق الوضع وقد يستعمله كذبا على خلاف مطابقة الوضع وقولنا في الشيء إنه يحتمل الشيء الفلاني أعم من كونه يحتمله من جهة مخصوصة معينة بل إذا احتمله من أي جهة كانت فقد احتمله فإذا احتمله من جهة المتكلم فقد احتمله من حيث الجملة كقولنا في الممكن إنه قابل للوجود والعدم لا نريد أنه يقبل الوجود من سبب معين بل من أي جهة كانت وأي سبب كان كذلك هاهنا ونظير قولنا في الخبر أنه يحتمل الصدق والكذب قولنا في الكلام إنه يحتمل الحقيقة والمجاز وأجمعنا على أن المجاز ليس من الوضع الأول وكذلك الكذب فالمجاز والكذب إنما
هامش أنوار البروق
معناه أنه موصوف بالقيام عينا وكذلك المجرورات نحو زيد في الدار معناه لغة استقراره فيها دون عدم استقراره لم يختلف في ذلك اثنان من أئمة العربية فعلمنا أن اللغة إنما هي الصدق دون الكذب فإن قلت فما معنى قولكم إنه يحتمل الصدق والكذب على هذا التقرير الذي اقتضى أن الصدق متعين له فلا يحتمل إلا إياه قلت معناه أن ذلك يأتيه من جهة المتكلم لا من جهة الوضع فإن المتكلم قد يستعمله صدقا على وفق الوضع وقد يستعمله كذبا على خلاف مطابقة الوضع
وقولنا في الشيء إنه يحتمل الأمر الفلاني أعم من كونه يحتمله من جهة مخصوصة معينة بل إذا احتمله من أي جهة كانت فقد احتمله فإذا احتمله من جهة المتكلم فقد احتمله من حيث الجملة كقولنا في الممكن إنه القابل للوجود والعدم لا نريد أنه يقبل الوجود من سبب معين بل من أي جهة كانت وأي سبب كان كذلك هنا ونظير قولنا في الخبر إنه يحتمل الصدق والكذب قولنا إنه يحتمل الحقيقة والمجاز
وأجمعنا على أن المجاز ليس من الوضع الأول وكذلك الكذب فالمجاز والكذب إنما يأتيان من جهة المتكلم لا من الوضع والذي للوضع هو الصدق والحقيقة
هامش إدرار الشروق
توقيف دخوله في الوجود على غيره فإذا قال لامرأته أنت طالق إن دخلت الدار فقد أخبر عن ارتباط طلاق امرأته بدخول الدار فيقدر صاحب الشرع هذا الارتباط قبل نطقه به بالزمن الفرد لضرورة تصديقه وإذا قدر الارتباط قبل النطق صار الإخبار عن الارتباط ماضيا لأن حقيقة الماضي هو الذي مخبره قبل خبره وهذا كذلك بالتقدير فيكون ماضيا مع التعليق فقد اجتمع المضي والتعليق بهذا التفسير ولم يناف المضي التعليق فتأمله فهو دقيق في باب التقديرات وفيه أنه مبني على ضرورة صدق المتكلم وضرورة الصدق مبنية على كون كلامه خبرا وهو محل النزاع كما تقدم في الجواب عن الاحتجاج الأول
ورابعها أن لزوم طلقة أخرى لمن قال لمطلقته الرجعية أنت طالق بلا خلاف مع أن إخباره صادق باعتبار الطلقة المتقدمة دليل على أن هذه الصيغة منشئة للطلاق
وأجاب الأحناف بأن قائل ذلك لمطلقته الرجعية إن أراد الإخبار عن الطلقة الماضية لم تلزمه طلقة ثانية وإن قصد الإخبار عن طلقة ثانية فهو إخبار كاذب لعدم تقدم وقوع ثانية فيحتاج للتقدير لضرورة التصديق فيلزمه الثانية بالتقدير كالأولى فالمطلقة
____________________

(1/45)


يأتيان من جهة المتكلم لا من جهة الوضع والذي للوضع هو الصدق والحقيقة فتأمل ذلك
تنبيه قولنا في حد الخبر إنه المحتمل للتصديق والتكذيب إنما يصح على مذهب الجمهور الذين لا يشترطون في حقيقة الكذب القصد إليه بل يكتفون بعدم مطابقته للمخبر عنه في نفس الأمر
وقال الجاحظ وغيره يشترط في حقيقة الكذب القصد إليه وعدم المطابقة فعلى رأي هؤلاء ينقسم الخبر إلى صدق وهو المطابق وكذب وهو غير المطابق الذي قصد إلى عدم مطابقته وإلى ما ليس بصدق ولا كذب وهو غير المطابق الذي لم يقصد إلى عدم مطابقته فهذا القسم الثالث لا يكون عندهم صدقا ولا كذبا ولا يحتملهما مع أنه خبر فيصير الحد غير جامع عندهم فيكون فاسدا لنا
قوله عليه الصلاة
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله في هذا التنبيه خطأ فاحش لا أعلم أحدا من منتحلي شيء من علوم اللسان ذهب إليه ولا قال أحد قط إن كل كاذب متجوز في إطلاقه لفظه على معناه وما بناه على قوله هذا من السؤال والجواب بناء على شفا جرف هار وما اغتر به من كون لفظة قام وضعت للإخبار عن وقوع القيام ممن أسند إليه لا يغتر به إلا من قصر فهمه وقل علمه
قال شهاب الدين تنبيه قولنا في حد الخبر أنه المحتمل للتصديق والتكذيب إنما يصح على مذهب الجمهور الذين لا يشترطون في حقيقة الكذب القصد إليه بل يكتفون بعدم مطابقته للمخبر عنه في نفس الأمر
وقال الجاحظ وغيره يشترط في حقيقة الكذب القصد إلى الكذب وعدم المطابقة فعلى رأي هؤلاء ينقسم الخبر إلى صدق وهو المطابق وكذب وهو غير المطابق الذي قصد إلى عدم مطابقته وإلى ما ليس بصدق ولا كذب وهو غير المطابق الذي لم يقصد
فهذا القسم الثالث لا يكون عندهم صدقا ولا كذبا ولا يحتملهما مع أنه خبر فيصير الحد غير جامع عندهم لنا قوله صلى الله عليه وسلم كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع فجعله إذا حدث بما سمعه كاذبا لأنه فيه غير مطابق في الغالب وإن كان لم يعرفه حتى يقصد إليه فدل ذلك على عدم اعتبار القصد في الكذب وقوله صلى الله عليه وسلم
هامش إدرار الشروق
الرجعية وغيرها سواء في عدم الاستغناء عن التقدير وإنما يلزم الفرق بينها إذا كان قوله أنت طالق إخبارا عن الطلقة الأولى وليس كذلك وهذا الجواب أيضا مبني على ضرورة الصدق وفيه ما في الجوابين عن الاحتجاج الأول والثالث فلا تغفل
وخامسها قوله تعالى فطلقوهن لعدتهن أمر بالطلاق والأمر به لا يمكن أن يكون عائدا على التحريم فإن التحريم صفة من صفات الله تعالى وكلامه النفساني لا يتعلق به كسب ولا اختراع فتعين صرفه لأمر آخر يستلزمه توفيته باللفظ الدال على الطلب وما ذلك الأمر إلا قول القائل أنت طالق فدل ذلك على أن هذه الصيغة سبب التحريم ويترتب عليها التحريم ولا نعني بكونها إنشاء إلا ذلك
وأجاب الأحناف بأن الأمر عندنا متعلق بإيجاد خبر يقدر الشرع قبله الطلاق فيلزم الطلاق لا بإيجاد إنشاء الطلاق
____________________

(1/46)


والسلام كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع فجعله إذا حدث بكل ما سمعه كاذبا لأنه فيه غير مطابق في الغالب وإن كان لم يعرفه حتى يقصد إليه فدل ذلك على عدم اعتبار القصد في الكذب وقوله عليه الصلاة والسلام من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار مفهومه أن من كذب غير متعمد لا يستحق النار فدل ذلك على تصور حقيقة الكذب من غير قصد إليه وهو المطلوب احتجوا بقوله تعالى أفترى على الله كذبا أم به جنة فقسم الكفار قوله عليه الصلاة والسلام إلى الكذب وإلى الجنون الذي لا يتصور معه القصد مع اعتقادهم عدم المطابقة في القسمين فدل ذلك على أنه لا يسمى كذبا إلا إذا قصد لعدم مطابقته
والجواب لا نسلم أنهم قسموا قوله عليه الصلاة والسلام إلى مطلق الكذب والجنون بل إلى الافتراء وهو أخص من الكذب فإن الكذب قد يكون مخترعا
هامش أنوار البروق
من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار مفهومه أن من كذب غير متعمد لا يستحق النار فدل ذلك على تصور حقيقة الكذب من غير قصد إليه
وهو المطلوب احتجوا بقوله تعالى أفترى على الله كذبا أم به جنة فقسم الكفار قوله صلى الله عليه وسلم إلى الكذب وإلى الجنون الذي لا يتصور معه القصد مع اعتقادهم عدم المطابقة في القسمين فدل ذلك على أنه لا يسمى كذبا إلا إذا قصد لعدم مطابقته
والجواب لا نسلم أنهم قسموا كلامه عليه الصلاة والسلام إلى مطلق الكذب والجنون بل إلى الافتراء وهو أخص من الكذب فإن الكذب قد يكون مخترعا من جهة الكاذب لم يسمعه من غيره فهذا هو الافتراء وما يتبع غيره فيه فلا يقال له افتراء فهم قسموا الكذب إلى نوعيه المفترى وغيره لا أنهم قسموا الكلام إلى الكذب وغيره فلا يحصل مقصود الخصم وهذا كقولنا في زيد هو تعمد الكذب أم لم يتعمده أو نقول هو افترى هذا الكذب واخترعه أو اتبع فيه غيره أو نطق به غفلة من غير قصد ومعلوم أنه إذا صرح بمثل هذا لا يدل على اشتراط القصد في حقيقة الكذب قلت ما قاله من أن حد الخبر بالمحتمل للتصديق والتكذيب إنما يصح على مذهب الجمهور ليس بصحيح بل يصح على كل مذهب على تسليم صحة حده فإن خبر المخبر غير القاصد للكذب قابل
هامش إدرار الشروق
حتى يكون اللفظ سببا كما ذكرتموه بل خبرا صرفا مع التقدير وهذا أمر ممكن متصور فلا حاجة إلى مخالفة الأصل بالنقل والعدول عن اللغة الصريحة ومقتضى هذا الجواب إبداء احتمال في متعلق الأمر وهو وإن كان أشبه أجوبتهم وغير مدفوع إلا أنه مرجوح بصحة الاحتجاجات الخمسة السابقة ومتروك بالاحتجاج الذي قبل الخمسة إن صح قاطعا إذ يكفي في متونته أنه لم يذكر لهم عنه جواب وأن صحة الجواب عنه لا تتأتى إلا بالمكابرة فافهم
والقسم الثاني صيغ الحمد والذكر والتنزيه ونحوها قال العلامة الشربيني رأيت عن بعضهم فيها حكاية قولين لزوم القصد أي قصد الإنشاء وعدمه ولعل الأول مبني على عدم تسليم النقل فيها بناء على ما قاله بعض إن القول بأنه مشترك بين الإخبار والإنشاء كصيغ العقود لا يلتفت إليه لأن صيغ العقود نقلها الشرع إلى الإنشاء لمصلحة الأحكام وإثبات النقل لما نحن فيه أي من نحو صيغ الحمد بلا ضرورة داعية مشكل جدا فالحق أنها أخبار استعملت في الإنشاء مجازا لأن قصد الإخبار بها بعيد ا ه

____________________

(1/47)


من جهة الكاذب لم يسمعه من غيره فهذا هو الافتراء وما تبع فيه غيره لا يقال له افتراء فهم قسموا الكذب إلى نوعيه المفترى وغيره لا أنهم قسموا الكلام إلى الكذب وغيره فلا يحصل مقصود الخصم وهذا كقولنا في زيد هو تعمد الكذب أم لم يتعمده أو نقول هو ابتدأ هذا الكذب وتعمده أو اتبع فيه غيره أو نطق به غفلة من غير قصد ومعلوم أنه إذا صرح بمثل هذا لا يدل على اشتراط القصد في حقيقة الكذب
فصل الإنشاء ينقسم إلى ما اتفق الناس عليه وإلى ما اختلفوا فيه فالمجمع عليه أربعة أقسام القسم الأول القسم نحو قولنا أقسم بالله لقد قام زيد ونحوه فإن مقتضى هذه الصيغة أنه أخبر بالفعل المضارع أنه سيكون منه قسم في المستقبل فكان ينبغي أن لا تلزمه
هامش أنوار البروق
للتصديق والتكذيب كما أن خبر المخبر القاصد للكذب قابل لذلك وإنما أوقعه فيما قاله ذهاب وهمه إلى الصدق والكذب عوض التصديق والتكذيب وهو قد أبى الحد بهما ولا تلازم بين الصدق والتصديق والكذب والتكذيب فقد يصدق الكاذب ويكذب الصادق من ليس بعالم بالغيب ولا يلزم أن لا يكذب من لا يعلم الغيب إلا من قصد الكذب ومن أين يطلع على قصده لذلك
واستدلاله بما استدل به على صحة مذهب الجمهور صحيح على تقدير أن المرام في المسألة الظن
وأما على تقدير أن المرام فيها القطع فلا وما أجاب به عن احتجاجهم بقوله تعالى أفترى على الله كذبا أم به جنة حيث قال فهم قسموا الكذب إلى نوعيه المفترى وغيره لا أنهم قسموا الكلام إلى الكذب وغيره لا يصح على تقدير أن المرام الظن من جهة أن ما قالوه هو الظاهر دون ما قاله وأما إن كان المرام القطع فقد يصح على بعد احتمال ما قاله فإن نسبة الجنون إلى من اتبع غيره في قوله الكاذب في غاية البعد والله أعلم
قال شهاب الدين فصل الإنشاء ينقسم إلى ما اتفق الناس عليه إلى آخر كلامه في القسم الرابع قلت جميع ما قاله في ذلك ظاهر صحيح غير قوله في القسم الأول فإن مقتضى هذه الصيغة أنه
هامش إدرار الشروق
والمجاز إما مرسل بنقل لفظ الجملة من الإثبات على وجه الإخبار إلى مطلق الإثبات ثم استعماله في الإثبات على وجه الإنشاء إما من جهة كونه فردا فيكون بمرتبة للتقييد أو من جهة خصوصه فيكون بمرتبتين أي نقلتين للتقييد ثم الإطلاق أو بالاستعارة المركبة الغير التمثيلية بتشبيه الإنشاء بالخبر إما بناء على التضاد المنزل منزلة التناسب وإما في تحقق الوقوع حتى كأنه واقع ويستحق الإخبار عنه لما للعصام من أن التجوز هنا باعتبار الهيئة التركيبية وفي التمثيلية باعتبار مجموع مادة المركب الموضوع للهيئة المعنوية الحاصلة من اجتماع معاني مفرداته في الذهن
قال العطار وعلى تقدير خبريتها أي صيغة الحمد يقال إن هذه الجملة لم يقصد بها إخبار أحد بل قصد بها تحصيل الحمد كبقية صيغ الأذكار والتنزيهات وكيف لا تكون كذلك ومن الذي قصد إخباره حتى تكون الإفادة له ولو فرض مخاطب قصد إخباره لكان الإخبار به كالإخبار بقولنا السماء فوقنا وقد مر عن علاء الدين النجاري أن الجمل الخبرية لا يلزمها الإخبار بل قد تكون للتحسر والتحزن فيجوز أن يكون الغرض من هذه القضية الثناء على الله
____________________

(1/48)


كفارة بهذا القول لأنه وعد بالقسم لا قسم كقول القائل أعطيك درهما فإنه وعد بالإعطاء لكن لما وقع الاتفاق على أنه بهذا اللفظ أقسم وأن موجب القسم يلزمه دل ذلك على أنه أنشأ به القسم لا أنه أخبر به عن وقوعه في المستقبل وهذا أمر اتفق عليه الجاهلية والإسلام ولذلك لا يحتمل التصديق والتكذيب وجميع لوازم الإنشاء موجودة فيه فدل ذلك على أنه إنشاء ولذلك يقول فيه من أحاط بذلك من فضلاء النحاة القسم جملة إنشائية يؤكد بها جملة خبرية
القسم الثاني الأوامر والنواهي إنشاء متفق عليه في الجاهلية والإسلام فإن قول القائل افعل لا تفعل يتبعه إلزام الفعل أو الترك ويترتب عليه ولا يحتمل التصديق والتكذيب ولا يقبل لوازم الخبر ويلزمه جميع لوازم الإنشاء فيكون إنشاء
القسم الثالث الترجي نحو لعل الله يأتينا بخير والتمني نحو ليت لي مالا فأنفق منه والعرض نحو ألا تنزل عندنا فتصيب خيرا والتحضيض وصيغه أربع وهي ألا وهلا ولو ما ولولا نحو ألا تشتغل بالعلم وهلا اشتغلت به ولو ما اشتغلت به فإن هذه الصيغ كلها للطلب ويتبعها الطلب ويترتب عليها ولا تقبل التصديق ولا التكذيب فهي كالأوامر والنواهي إنشاء كما تقدم

هامش أنوار البروق
أخبر بالفعل المضارع أنه سيكون منه قسم في المستقبل فإنه ليس بصحيح مع تسليم ما حكاه من الإجماع عن أهل الجاهلية والإسلام أنه بهذا اللفظ أنشأ القسم وإذا كان الأمر كما قال عندهم وهم جميع أهل اللسان فكون تلك الصيغة مقتضاها الإخبار إنما يكون عند غير أهل اللسان ولا اعتبار بهم ولا حجة فيهم

هامش إدرار الشروق
والتحميد فيكون قائلها حامدا كما كانت امرأة عمران متحسرة ولا تخرج بذلك عن كونها محتملة للصدق والكذب لأنها إذا نظر لمجرد مفهومها تحتملها وهذا هو الفاصل للخبر عن الإنشاء
ا ه بتغيير وتصرف قلت وعلى هذا فصيغة الحمد والذكر والتنزيه ونحوها من قبيل الكناية إما بمعنى اللفظ المستعمل في غير ما وضع له لملاحظة علاقته مع جواز إرادته معه أو بمعنى اللفظ المستعمل فيما وضع له لكن لا ليكون مقصودا بالذات بل لينتقل منه إلى لازمه المقصود بالذات لما بينهما من العلاقة على الطريقتين فيها من كونه واسطة بين الحقيقة والمجاز أو حقيقة كما في رسالة الصبان البيانية وفي حاشية الأنبابي عليها ما حاصله أن الجملة الخبرية كثيرا ما تورد مرادا بها معناها أي مفهومها المحتمل للصدق والكذب لأغراض أخر سوى إفادة الحكم أي الإعلام بمضمونها أو لازمه أي كون المتكلم عالما به كالتحسر ونحوه من المعاني الإنشائية بدون استعمالها في ذلك الغرض بل يراد بطريق الكناية فيما فيه علاقتها من اللزوم
____________________

(1/49)


القسم الرابع النداء نحو يا زيد اختلف فيه النحاة هل فيه فعل مضمر تقديره أنادي زيدا أو الحرف وحده مفيد للنداء فقيل على الأول لو كان الفعل مضمرا والتقدير أنادي زيدا لقبل التصديق والتكذيب أجاب المبرد عن ذلك بأن الفعل مضمر ولا يلزم قبوله التصديق والتكذيب لأنه إنشاء والإنشاء لا يقبلهما ويؤكد الإنشاء في النداء أنه طلب لحضور المنادى والطلب إنشاء نحو الأوامر والنواهي فهو مما اتفق على أنه إنشاء لكن الخلاف في الإضمار وعدمه فقط فهذه الأقسام متفق عليها في الجاهلية والإسلام
وأما المختلف فيه هل هو إنشاء أو خبر فهي صيغ العقود نحو بعت واشتريت وأنت حر وامرأتي طالق ونحو ذلك
قالت الحنفية إنها إخبارات على أصلها اللغوي وقال غيرهم إنها إنشاءات منقولة عن الخبر إليه احتج هؤلاء بأمور أحدها أنها لو كانت إخبارا لكانت كاذبة لأنه لم يبع قبل ذلك الوقت ولم يطلق والكذب لا عبرة به لكنها معتبرة فدل ذلك على أنها ليست إخبارا بل إنشاء لحصول لوازم الإنشاء فيها من استتباعاته لمدلولاتها وغير ذلك من اللوازم
وثانيها أنها لو كانت إخبارا لكانت إما كاذبة ولا عبرة بها أو صادقة فتكون متوقفة
هامش أنوار البروق
قال وأما المختلف فيه هل هو إنشاء أو خبر فهي صيغ العقود نحو بعت واشتريت وأنت حر وامرأتي طالق ونحو ذلك قالت الحنفية إنها إخبارات على أصلها اللغوي
وقال غيرهم إنها إنشاءات منقولة عن الخبر إليه احتج هؤلاء بأمور أحدها أنها لو كانت إخبارا لكانت كاذبة لأنه لم يبع قبل ذلك الوقت ولم يطلق
والكذب لا عبرة به لكنها معتبرة فدل ذلك على أنها ليست إخبارا بل إنشاء
هامش إدرار الشروق
الخاص أو بطريق التعريض في غيره أي فهي حينئذ جملة خبرية خارجة عن الأصل في الخبر من الإعلام بمضمونه يقال للمتكلم بها مخبر لا معلم لأن الإعلام في العرف التلفظ بالجملة الخبرية مرادا بها معناه وإن لم يحصل بها العلم ولذا يعتق الكل فيما إذا قال من أخبرني بقدوم زيد فهو حر وأخبروه على التعاقب كما صرح به السعد في شرح الكشاف فصل في ست مسائل حسنة في بابها توضح الإنشاء المسألة الأولى يعتقد الفقهاء أن قول القائل لامرأته أنت علي كظهر أمي إنشاء للظهار كما أن قوله لها أنت طالق إنشاء للطلاق محتجين بثلاثة أوجه أحدها أن كتب المحدثين والفقهاء متظافرة على أن الظهار كان طلاقا في الجاهلية فجعله الله تعالى في الإسلام تحريما تحله الكفارة كما تحل الرجعة تحريم الطلاق كما ورد في ذلك حديث أبي داود وهو أن خويلة بنت شريك قالت ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت فأتيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أشكو إليه وهو عليه السلام يجادلني فيه ويقول اتق الله فإنه ابن عمك فما برحت حتى نزل قوله تعالى قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها الآية فقال ليعتق رقبة قالت لا يجد قال فيصوم شهرين متتابعين قالت يا رسول الله إنه شيخ كبير ما به من صيام قال فليطعم ستين مسكينا قالت ما عنده من شيء يتصدق به قال فإني سأعينه بفرق من تمر قلت يا رسول الله وأنا سأعينه بفرق آخر قال أحسنت فاذهبي وأطعمي عنه ستين مسكينا وارجعي إلى ابن عمك لاقتضاء هذا الحديث
____________________

(1/50)


على تقدم أحكامها فحينئذ إما أن تتوقف عليها أيضا فيلزم الدور أو لا تتوقف عليها فيلزم أن يطلق امرأته أو يعتق عبده وهو ساكت وذلك خلاف الإجماع
وثالثها أنها لو كانت إخبارا فإما أن تكون خبرا عن الماضي أو الحاضر وحينئذ يتعذر تعليقها على الشرط لأن من شرط الشرط أن لا يتعلق إلا بمستقبل أو خبر عن المستقبل وحينئذ لا يزيد على التصريح بذلك وهو لو صرح وقال لامرأته ستصيرين طالقا لم تطلق بهذا اللفظ وكذلك ما في معناه
ورابعها أنه لو قال للمطلقة الرجعية أنت طالق لزمه طلقة أخرى مع أن إخباره صادق باعتبار الطلقة المتقدمة فلا حاجة إلى طلقة أخرى لكن لما لزمه طلقة أخرى دل ذلك على أن هذه الصيغة منشئة للطلاق
وخامسها قوله تعالى فطلقوهن لعدتهن والأمر بالطلاق لا يمكن أن يكون عائدا على التحريم فإن التحريم صفة من صفات الله تعالى وكلامه النفساني لا يتعلق به كسب ولا اختراع فتعيين صرفه لأمر آخر يقتضيه ويستلزمه توفية باللفظ الدال على الطلب وما ذلك إلا قول القائل أنت طالق فدل ذلك على أن هذه الصيغة سبب التحريم ويترتب عليها التحريم ولا نعني بكونها إنشاء إلا ذلك
وسادسها أن الإنشاء هو المتبادر في العرف إلى الفهم فوجب أن يكون منقولا إليه كسائر المنقولات
هامش أنوار البروق
لحصول لوازم الإنشاء فيها من استتباعها لمدلولاتها وغير ذلك من اللوازم وثانيها أنها لو كانت إخبارا لكانت إما كاذبة ولا عبرة بها أو صادقة فتكون متوقفة على تقدم أحكامها وحينئذ إما أن تتوقف عليها أيضا فيلزم الدور أو لا تتوقف عليها فيلزم أن يطلق امرأته أو يعتق عبده
وهو ساكت وذلك خلاف الإجماع وثالثها أنها لو كانت إخبارا فإما أن تكون خبرا عن الماضي أو الحاضر وحينئذ يتعذر تعليقها
هامش إدرار الشروق
أن الحال قبل نزول الآية كان يقتضي أنها لا ترجع إليه بطريق من الطرق وهذا هو الطلاق المؤبد والطلاق إنشاء فيكون الظهار كذلك لأنه كان عندهم طلاقا والأصل عدم النقل والتغيير ومن ادعاه فعليه الدليل وثانيها أنه لفظ يترتب عليه التحريم فيكون سببا لمدلوله الذي هو التحريم وكل ما كان سببا لمدلوله فهو إنشاء فيكون إنشاء كالطلاق
وثالثها أن خروج هذا اللفظ عن صنيع الإنشاء بعيدا جدا لأن استتباعه أحكاما تترتب عليه من التحريم والكفارة وغيرهما يوجب أن يكون إنشاء مثل الطلاق والعتاق من صيغ الإنشاء لا سيما وقد نص الفقهاء على أن له صريحا وكناية كالطلاق وغيره والحق أنه خبر لا إنشاء لأن من خصائص الإنشاء عدم قبوله للتصديق والتكذيب وقد كذب الله سبحانه المظاهرين بقوله تعالى الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا في ثلاثة مواطن
____________________

(1/51)


والجواب قالت الحنفية أما الأول فإنما يلزم أن يكون كذبا أن لو لم يقدر فيها صاحب الشرع تقدم مدلولاتها قبل النطق بها بالزمن الفرد لضرورة تصديق المتكلم بها لكن الإضمار أولى من النقل لما تقرر في علم الأصول ولأن جواز الإضمار في الكلام مجمع عليه والنقل مختلف فيه والمجمع عليه أولى ومتى كان المدلول مقدرا قبل الخبر كان الخبر صادقا فلا يلزم الكذب ولا النقل للإنشاء وبقيت إخبارات على موضوعاتها اللغوية وعملنا بالأصل في عدم النقل وأنتم خالفتموه
وعن الثاني أن الدور غير لازم لأن النطق باللفظ لا يتوقف على شيء وبعده يقدر تقدم المدلول وبعد تقدير المدلول يحصل الصدق ويلزم الحكم فالصدق متوقف مطلقا واللفظ متوقف عليه مطلقا والتقدير متوقف على النطق ويتوقف عليه الصدق فههنا ثلاثة أمور مترتبة بعضها على بعض وليس فيها ما هو قبل الآخر وبعده حتى يلزم الدور بل هي كالابن والأب والجد في الترتيب والتوقف فاندفع الدور
وعن الثالث أنا نلتزم أنها إخبارات عن الماضي ولا يتعذر التعليق وبيانه أن الماضي له تفسير أن أحدهما ماض تقدم مدلوله قبل النطق به من غير تقدير فهذا يتعذر تعليقه لأن معنى التعليق توقيف أمر في دخوله في الوجود على دخول أمر آخر في الوجود وهو
هامش أنوار البروق
على الشرط لأن من شرط الشرط أن لا يتعلق إلا بمستقبل أو خبر عن مستقبل وحينئذ لا يزيد على التصريح بذلك وهو لو صرح وقال لامرأته ستصيرين طالقا لم تطلق بهذا اللفظ
وكذلك ما في معناه ورابعها أنه لو قال للمطلقة الرجعية أنت طالق لزمه طلقة أخرى مع أن إخباره صادق باعتبار الطلقة المتقدمة فلا حاجة إلى طلقة أخرى لكن لما لزمه طلقة أخرى دل ذلك على أن هذه الصيغة منشئة للطلاق وخامسها قوله تعالى فطلقوهن لعدتهن والأمر بالطلاق لا يمكن أن يكون عائدا على
هامش إدرار الشروق
@ 52 الأول بنفي ما أثبتوه بقوله تعالى ما هن أمهاتهم ولا يحسن أن يقال لمن قال لامرأته أنت طالق ما هي مطلقة وإنما يحسن ذلك إذا أخبره عن تقدم طلاقها ولم يتقدم فيها طلاق
والثاني بجعل قولهم منكرا بقوله تعالى وإنهم ليقولون منكرا من القول والإنشاء للتحريم لا يكون منكرا بدليل الطلاق وإنما يكون منكرا إذا جعلناه خبرا فإنه حينئذ كذب والكذب منكر
والثالث بجعل قولهم زورا بقوله تعالى وزورا والزور هو الخبر الكذب فيكون قولهم كذبا وهو المطلوب وإذا كذبهم الله في هذه المواطن دل ذلك على أن قولهم خبر لا إنشاء ولا حجة لهم في الوجه الأول لأن قولهم أنه كان طلاقا في الجاهلية لا يقتضي إلا أن العصمة في الجاهلية تزول عند النطق به وزوالها يجوز أن يكون لأنه إنشاء كما قلتم أو لأنه كذب وجرت عادتهم أن من أخبر بهذا الخبر الكذب لا تبقى امرأته في عصمته متى التزم بجاهليتهم وليس في حال الجاهلية ما ينفي ذلك بل لعلهم في أحوالهم أكثر من ذلك فقد التزموا أن الناقة إذا جاءت بعشرة من الولد تصير سائبة فجاز أن يلتزموا ذهاب العصمة عند كذب خاص والاحتمال الأول وإن كان ظاهرا أو قريبا إلا أن القرآن الكريم يقوي الاحتمال الثاني بقوله تعالى ما هن أمهاتهم الآية فإن التكذيب كما تقدم من خصائص الخبر فيكون ظهارهم خبرا كذبا
____________________

(1/52)


الشرط وما دخل في الوجود وتحقق لا يمكن توقيف دخوله في الوجود على غيره فلأجل ذلك تعذر تعليق الماضي المحقق وثانيهما ماض بالتقدير لا بالتحقيق فهذا يصح تعليقه وتقديره أنه إذا قال لامرأته أنت طالق إن دخلت الدار فقد أخبر عن ارتباط طلاق امرأته بدخول الدار فيقدر صاحب الشرع هذا الارتباط قبل نطقه به بالزمن الفرد لضرورة تصديقه وإذا قدر الارتباط قبل النطق صار الإخبار عن الارتباط ماضيا لأن حقيقة الماضي هو الذي مخبره قبل خبره وهذا كذلك بالتقدير فيكون ماضيا مع التعليق فقد اجتمع المضي والتعليق بهذا التفسير ولم يناف المضي التعليق فتأمله فهو دقيق في باب التقديرات وعن الرابع أن المطلقة الرجعية إذا قال لها أنت طالق إن أراد الإخبار عن الطلقة الماضية لم تلزمه طلقة ثانية
وإن لزم الإخبار عن طلقة ثانية فهو إخبار كاذب لعدم تقدم وقوع ثانية فيحتاج للتقدير لضرورة التصديق فتلزمه الثانية بالتقدير كالأولى فقولكم إن المطلقة الرجعية تستغني عن التقدير غير مسلم بل هي وغيرها سواء وإنما يلزم الفرق بينها وبين غيرها إذا كان قوله أنت طالق إخبارا عن الطلقة الأولى وليس كذلك وعن الخامس أن الأمر عندنا متعلق بإيجاد خبر يقدر الشرع قبله الطلاق فيلزم الطلاق لا إنشاء الطلاق حتى يكون اللفظ سببا كما ذكرتموه بل خبرا صرفا مع التقدير وهذا أمر ممكن
هامش أنوار البروق
التحريم فإن التحريم صفة من صفات الله تعالى وكلامه النفساني لا يتعلق به كسب ولا اختراع فتعين صرفه لأمر آخر يقتضيه ويستلزمه توفية باللفظ الدال على الطلب وما ذلك إلا قول القائل أنت طالق فدل ذلك على أن هذه الصيغة سبب التحريم ويترتب عليها التحريم
ولا نعني بكونها إنشاء إلا ذلك وسادسها أن الإنشاء هو المتبادر في العرف إلى الفهم فوجب أن يكون منقولا إليه كسائر المنقولات
والجواب قالت الحنفية أما الأول فإنما يلزم أن يكون كذبا إن لو لم يقدر فيها صاحب الشرع تقدم مدلولاتها قبل النطق بها بالزمن الفرد لضرورة تصديق المتكلم بها لكن الإضمار أولى من
هامش إدرار الشروق
التزموا عقيبه ذهاب العصمة كسائر ملتزماتهم الباطلة وقد عدها العلماء نحو عشرين نوعا من التحريمات التزموها بغير سبب يقتضيها من جهة الشرائع وهي مبسوطة في غير هذا الكتاب والآية المذكورة وإن كان الفعل فيها مضارعا لا ماضيا لا نسلم أنها خاصة بمن يفعل ذلك في المستقبل بعد نزولها أو حال نزولها لأمور
أحدها أن العرب قد تستعمل الفعل المضارع للحالة المستمرة كقولهم يعطي ويمنع ويصل ويقطع تريد هذا شأنه أبدا في الماضي والحال والاستقبال ومنه قول خديجة رضي الله تعالى عنها لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إن الله لن يخزيك أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق أي هذا شأنك وسجيتك في جميع عمرك وعلى هذا تنتظم الآية
والثاني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم تناول الآية للمظاهرة الماضية أيضا وأدخل المظاهرة الماضية في عمومها من أوس بن الصامت وإلا لما فعل ذلك عليه الصلاة والسلام

____________________

(1/53)


متصور فلا حاجة إلى مخالفة الأصل بالنقل والعدول عن اللغة الصريحة فهذه أجوبة حسنة للحنفية وأما الوجه السادس فلا يتأتى الجواب عنه إلا بالمكابرة فإن المبادرة للإنشاء والعدول عن الخبر مدرك لنا بالعقول بالضرورة ولا نجد في أنفسنا أن القائل لامرأته أنت طالق أنه يحسن تصديقه وتكذيبه بما ذكروه من التقدير والبحث في هذا المقام يعتمد التناصف في الوجدان فمن لم ينصف يقل ما شاء
وأما الأجوبة المتقدمة عن بقية الوجوه فمتجهة صحيحة والسادس هو العمدة المحققة والله أعلم
فهذا تلخيص هذه المباحث من الجهتين على أتم الوجوه ولم أرها لأحد من الحنفية والشافعية ولا غيرهم على هذا الوجه وكل ذلك من فضل الله تعالى
ثم أوشح ما تقدم بمسائل جليلة ومباحث جميلة وهي ست المسألة الأولى مما يتوهم أنه إنشاء وليس كذلك وهو الظهار في قول القائل لامرأته أنت علي كظهر أمي يعتقد الفقهاء أنه إنشاء للظهار كقوله أنت طالق إنشاء للطلاق فإن البابين في الإنشاء سواء وليس كذلك وبيانه من وجوه أحدها أنه قد تقدم أن من
هامش أنوار البروق
النقل لما تقرر في علم الأصول ولأن جواز الإضمار في الكلام مجمع عليه والنقل مختلف فيه والمجمع عليه أولى
ومتى كان المدلول مقدرا قبل الخبر كان الخبر صادقا فلا يلزم الكذب ولا النقل للإنشاء وبقيت إخبارات على موضوعاتها اللغوية وعملنا بالأصل في عدم النقل وأنتم خالفتموه وعن الثاني أن الدور غير لازم لأن النطق باللفظ لا يتوقف على شيء وبعده يقدر تقدم المدلول وبعد تقدير المدلول يحصل الصدق ويلزم الحكم فالصدق متوقف مطلقا واللفظ متوقف عليه مطلقا والتقدير متوقف على النطق ويتوقف عليه الصدق فههنا ثلاثة أمور مترتبة بعضها بعد بعض وليس فيها ما هو قبل الآخر وبعده حتى يلزم الدور بل هي كالابن والأب والجد في الترتيب والتوقف فاندفع الدور وعن
هامش إدرار الشروق
والثالث أن قول العلماء أنه كان طلاقا فأقر تحريما تحله الكفارة صريح في أنه عين ما في الجاهلية لا باب آخر تجدد في الشريعة غير ما تقدم كما هو كذلك على فرض تسليم ما ذكر فافهم ولا حجة لهم أيضا في الوجه الثاني
أما أولا فلأنا لا نسلم ترتب التحريم على الظهار إذ الذي في الآية تقديم الكفارة على الوطء كتقديم الطهارة على الصلاة فإذا قال الشارع تطهر قبل أن تصلي لا يقال الصلاة محرمة بل ذلك نوع من الترتيب كتقديم الإيمان على الفروع وتقديم الإيمان بالصانع على تصديق الرسل
وأما ثانيا فلأنا لو سلمنا ذلك الترتيب لا نسلم أن التحريم اقتضاء لفظ الظهار بدلالته عليه كالطلاق مع تحريم الوطء حتى يكون إنشاء لجواز أن يقتضي لفظ الظهار التحريم والكفارة لا بدلالته عليه بل بالوضع الشرعي أي جعله شرعا سبب ذلك عقوبة كما ترتب تحريم الإرث على القاتل عمدا وليس القتل إنشاء لتحريم الإرث وكما ترتب التعزير وإسقاط العدالة والعزل من الولاية وغير ذلك من الأحكام على
____________________

(1/54)


خصائص الإنشاء عدم قبوله للتصديق والتكذيب والله سبحانه وتعالى يقول الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا فكذبهم الله في ثلاثة مواطن بقوله تعالى ما هن أمهاتهم فنفى تعالى ما أثبتوه ومن قال لامرأته أنت طالق لا يحسن أن يقال له ما هي مطلقة وإنما يحسن ذلك إذا أخبر عن تقدم طلاقها ولم يتقدم فيها طلاق فدل ذلك على أن قول المظاهر خبر لا إنشاء والموطن الثاني في قوله تعالى وإنهم ليقولون منكرا من القول والإنشاء للتحريم لا يكون منكرا بدليل الطلاق وإنما يكون منكرا إذا جعلناه خبرا فإنه حينئذ كذب والكذب منكر والموطن الثالث قوله تعالى وزورا والزور هو الخبر الكذب فيكون قولهم كذبا وهو المطلوب وإذا كذبهم الله في هذه المواطن دل ذلك على أن قولهم خبر لا إنشاء
وثانيها أنا أجمعنا على أن الظهار محرم وليس للتحريم مدرك إلا أنه كذب والكذب
هامش أنوار البروق
الثالث أنا نلتزم أنها إخبارات عن الماضي ولا يتعذر التعليق وبيانه أن الماضي له تفسير أن أحدهما ماض تقدم مدلوله قبل النطق به من غير تقدير فهذا يتعذر تعليقه لأن معنى التعليق توقيف أمر في دخوله في الوجود على دخول أمر آخر في الوجود وهو الشرط وما دخل في الوجود وتحقق لا يمكن توقيف دخوله في الوجود على غيره فلذلك تعذر تعليق الماضي المحقق وثانيهما ماض بالتقدير لا بالتحقيق فهذا يصح تعليقه
وتقديره أنه إذا قال لامرأته أنت طالق إن دخلت الدار فقد أخبر عن
هامش إدرار الشروق
الخبر الكذب فلا يكون إنشاء إذ الإنشاء إنما هو أن يكون ذلك اللفظ وضع لذلك التحريم ويدل عليه كصيغ العقود وبالجملة فكونه سببا بالقول أعم من كونه سببا بالإنشاء بدليل ما يترتب على الإخبارات الكاذبة من الأحكام الشرعية بسبب أن الشارع نصبها أسبابا لتلك الأحكام والأعم لا يستلزم الأخص فلا يستدل بمطلق السببية عن الإنشاء ولا يقاس ترتب التحريم والكفارة على الظهار على ترتب التحريم على الطلاق لأن جهة الأول العقوبة على الكذب وجهة الثاني دلالة اللفظ عليه فافهم ولا حجة لهم أيضا في الوجه الثالث
أما أولا فلأنه قياس في الأسباب فلا يصح وعلى صحته فهو قياس على خلاف النص الصريح من القرآن المخبر عن كونه كذبا والكذب بالضرورة لا يكون في الإنشاء وإذا كان على خلاف نص القرآن لا يسمع نعم لقائل أن يقول إن المتبادر إلى الفهم عرفا أنه إنشاء فإن ثبت هذا الفرق على السلف أعني الصحابة رضي الله تعالى عنهم وانتهى الأمر فيه إلى القطع تعين تأويل القرآن وإلا بقيت المسألة محتملة
وأما ثانيا فلأن قول الفقهاء للظاهر صريح وكناية ليس بمساو لقولهم إن للطلاق صريحا وكناية في الرجوع إلى تفاوت الدلالة على التحريم في البابين حتى يكون فيه دلالة على أن الظهار إنشاء بل الأول إشارة إلى تفاوت مراتب الكذب فالصريح منه أقبح وأشنع فيكون أولى بترتب الأحكام عليه والثاني يرجع إلى تفاوت الدلالة على التحريم فالبابان مختلفان وليس كل ما له صريح وكناية إنشاء ألا ترى أن القذف فيه
____________________

(1/55)


لا يكون إلا في الخبر فيكون خبرا فإن قلت الطلاق الثلاث إنشاء وهو محرم فلا يستدل بالتحريم على الخبر قلت الطلاق محرم لا للفظه بل للجمع بين الطلقات الثلاث من غير ضرورة وأما تحريم الظهار فلأجل اللفظ وليس في اللفظ ما يقتضي التحريم إلا كونه كذبا لأن الأصل عدم غيره ومتى كان كذبا كان خبرا لأن التكذيب من خصائص الخبر
وثالثها أن الله تعالى شرع فيه الكفارة وأصل الكفارة أن تكون زاجرة ماحية للذنب فدل ذلك على التحريم وإنما يثبت التحريم إذا كان كذبا كما تقدم من بقية التقرير
ورابعها قول الله تعالى بعد ذكر الكفارة ذلكم توعظون به والوعظ إنما يكون عن المحرمات فإذا جعلت الكفارة وعظا دل ذلك على أنها زاجرة لا ساترة وأنه حصل هنالك ما يقتضي الوعظ وما ذلك إلا الظهار المحرم فيكون محرما لكونه كذبا فيكون خبرا كما تقدم في التقرير
وخامسها قوله تعالى في الآية وإن الله لعفو غفور والعفو والمغفرة إنما يكونان في المعاصي فدل ذلك على أنه معصية ولا مدرك للمعصية إلا كونه كذبا والكذب لا يكون إلا في الخبر فيكون خبرا وهو المطلوب
فإن قلت بل هو إنشاء من وجوه
هامش أنوار البروق
ارتباط طلاق امرأته بدخول الدار فيقدر صاحب الشرع هذا الارتباط قبل نطقه بالزمن الفرد لضرورة تصديقه وإذا قدر الارتباط قبل النطق صار الإخبار عن الارتباط ماضيا لأن حقيقة الماضي هو الذي مخبره قبل خبره وهذا كذلك بالتقدير فيكون ماضيا مع التعليق فقد اجتمع التعليق والمضي بهذا التفسير ولم يناف المضي التعليق فتأمله وعن الرابع أن المطلقة الرجعية إذا قال لها أنت طالق إن أراد الإخبار عن الطلقة الماضية لم يلزمه طلقة ثانية وإن قصد الإخبار عن طلقة ثانية فهو إخبار كاذب لعدم تقدم وقوع ثانية فيحتاج للتقدير لضرورة التصديق فتلزمه الثانية بالتقدير كالأولى فقولكم إن المطلقة
هامش إدرار الشروق
الصريح كقوله أنت زنيت بفلانة وهو ليس بإنشاء خبر صرف إجماعا إما كاذب أو صادق وفيه الكناية كالتعريض مثل قوله ما أنا بزان ولا أمي بزانية فكذلك هاهنا لفظ الظهار منه ما هو صريح وهو ما جمع بين ظهر ومؤبد تحريمها كقوله أنت كظهر أمي مما هو صريح في الإخبار عن التشبيه الذي نفاه الله تعالى وجعله كذبا وزورا ومنه ما هو كناية يشير إلى هذا التشبيه وهو ما لم يجمع بين الظهر ومؤبدة التحريم كقوله أنت كأمي أو كظهر الأجنبية ودعوى أن قولهم ينصرف صريح الظهار وكنايته للطلاق ولا ينصرف صريح الطلاق وكنايته للظهار يدل على أن للظهار أصلا ينصرف عنه للطلاق وما ذلك الأصل إلا نقل العرف الظهار من الإخبار إلى الإنشاء غير مسموعة على أن انصراف صريح كل منهما للآخر وكناية كل منهما للآخر وعدم
____________________

(1/56)


أحدها أن كتب المحدثين والفقهاء متظافرة على أن الظهار كان طلاقا في الجاهلية فجعله الله تعالى في الإسلام تحريما تحله الكفارة كما تحل الرجعة تحريم الطلاق والحديث في أبي داود ورد في ذلك وهو أن خويلة بنت مالك قالت ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشكو إليه وهو عليه السلام يجادلني فيه ويقول اتقي الله فإنه ابن عمك فما برحت حتى نزل قوله تعالى قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها الآية فقال ليعتق رقبة قالت لا يجد قال فيصوم شهرين متتابعين قالت يا رسول الله إنه شيخ كبير ما به من صيام قال فيطعم ستين مسكينا قالت ما عنده من شيء يتصدق به قال فإني سأعينه بفرق من تمر قلت يا رسول الله وأنا سأعينه بفرق آخر قال قد أحسنت فاذهبي وأطعمي عنه ستين مسكينا وارجعي إلى ابن عمك وروي في بعض طرق هذا الحديث أنها قالت إنه قد أكل شبابي ونثرت له بطني فلما كبرت سني ظاهر مني ولي صبية صغار إن ضمهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إلي جاعوا قوله عليه السلام أطعمي وارجعي إلى ابن عمك يقتضي أنه قبل نزول الآية كان الحال يقتضي أنها لا ترجع إليه بطريق من الطرق وهذا هو الطلاق المؤبد
والطلاق إنشاء فيكون الظهار كذلك لأنه كان عندهم طلاقا والأصل عدم النقل والتغيير ومن ادعاه فعليه الدليل
وثانيها أنه مندرج في حد الإنشاء فيكون إنشاء لأنه لفظ يترتب عليه التحريم فيكون
هامش أنوار البروق
الرجعية تستغني عن التقدير غير مسلم بل هي وغيرها سواء وإنما يلزم الفرق بينها وبين غيرها إذا كان قوله أنت طالق إخبارا عن الطلقة الأولى وليس كذلك وعن الخامس أن الأمر عندنا متعلق بإيجاد خبر يقدر الشرع قبله الطلاق فيلزم الطلاق لا إنشاء الطلاق حتى يكون اللفظ سببا كما ذكرتموه بل خبرا صرفا مع التقدير
وهذا أمر ممكن متصور فلا حاجة إلى مخالفة الأصل بالنقل والعدول عن
هامش إدرار الشروق
انصرافهما ليس بمتفق عليهما فقد قال خليل في صريح الظهار ولا ينصرف للطلاق وهل يؤخذ بالطلاق إن نواه مع قيام البينة كأنت حرام كظهر أمي أو كأمي تأويلان
ا ه البناني والأحسن ما أصلح به ابن عاشر عبارته بقوله ولا ينصرف للطلاق وتؤولت بالانصراف لكن يؤخذ بهما في القضاء
ا ه لإفادته أن عدم الانصراف مطلقا أرجح وقد نقل في التوضيح عن المازري أن المشهور وكذا قال أبو إبراهيم الأعرج المشهور في المذهب أن صريح الظهار لا ينصرف إلى الطلاق وأن كل كلام له حكم في نفسه لا يصح أن يضمر به غيره كالطلاق فإنه لو أضمر به غيره لم يصح ولم يكن يخرج عن الطلاق
ا ه ونقله هكذا أبو الحسن عن ابن محرز وزاد عنه وكذلك لو حلف بالله وقال أردت بذلك طلاقا أو ظهارا لم يكن ذلك له ولا يلزمه إلا ما حلف به وهو اليمين بالله تعالى ا ه بلفظه ا ه
وقوله وإن كل كلام إلخ إشارة إلى القاعدة المشهورة وهو أن كل ما هو صريح في باب لا ينصرف إلى غيره بالنية لأن النية أثرها إنما هو تخصيص العمومات أو تقييد المطلقات فهي إنما تدخل في المحتملات وإذا نقلت صريحا عن بابه فهو نسخ وإبطال بالكلية والنسخ لا يكون بالنية ولا يتجه قول ابن يونس وقد قصد الناس في أول الإسلام الطلاق فصرفه الله تعالى إلى الظهار بإنزال الآية ا ه
لأن ذلك ابتداء شرع ولم يكن تصرفا في مشروع إذ
____________________

(1/57)


سببا له والإنشاء من خصائصه أنه سبب لمدلوله وثبوت خصيصية الشيء يقتضي ثبوته فيكون إنشاء كالطلاق
وثالثها أنه لفظ يستتبع أحكاما تترتب عليه من التحريم والكفارة وغيرهما فوجب أن يكون إنشاء كالطلاق والعتاق وغير ذلك من صيغ الإنشاء فإن خروج هذا اللفظ عن باب الإنشاء بعيد جدا لا سيما وقد نص الفقهاء على أن له صريحا وكناية كالطلاق وغيره
والجواب عن الأول أن قولهم أنه كان طلاقا في الجاهلية لا يقتضي أنهم كانوا ينشئون الطلاق بل يقتضي ذلك أن العصمة في الجاهلية تزول عند النطق به فمجاز أن يكون زوالها لأنه إنشاء كما قلتم أو لأنه كذب وجرت عادتهم أن من أخبر بهذا الخبر الكذب
هامش أنوار البروق
اللغة الصريحة فهذه أجوبة حسنة للحنفية وأما الوجه السادس فلا يتأتى الجواب عنه إلا بالمكابرة فإن المبادرة للإنشاء والعدول عن الخبر مدرك لنا بالعقول بالضرورة ولا نجد في أنفسنا أن القائل لامرأته أنت طالق أنه يحسن تصديقه بما ذكروه من التقدير
والبحث في هذا المقام يعتمد التناصف في الوجدان فمن لم ينصف يقل ما شاء قلت أما احتجاجات غير الحنفية فصحيحة على تقدير أن المرام الظن حاشا الأخير منها فهو قوي يمكن فيه ادعاء القطع وأما جوابات الحنفية فضعيفة أما الأول فمبني على إلجاء ضرورة صدق المتكلم بها إلى تقدير تقدم مدلولاتها وصدق المتكلم مبني على أن كلامه خبر وهو محل النزاع وقولهم في هذا الجواب ولأن جواز الإضمار متفق عليه والنقل مختلف فيه والمجمع عليه أولى مسلم لكن ليس ما نحن فيه من ذلك فإن ما نحن فيه مفتقرا إلى تقدير وقوع ما لم يقع ثم إضماره أو إلى تقدير وقوعه دون إضماره وتقدير وقوع ما لم يقع ليس هو الإضمار فعلى كلا الوجهين ليس ما نحن فيه من
هامش إدرار الشروق
المتقدم ليس شرعا إنما هو اعتقاد الجاهلية ونحن نتكلم في صريح شرعي يصرف عن بابه بعد مشروعيته ولما قصد أولئك الطلاق لم يتعرضوا لمشروع لأن الشرع جاء بعد ذلك بنزول الآية فليس هذا من هذا الباب قال الأمير في شرح مجموعه وعلى تأويل عدم الانصراف يخصص به قولهم في الطلاق وإن نواه بأي كلام لزم ا ه
وقال في ضوء شموعه والتأويل بالانصراف نظر إلى أن قاعدة ما كان صريحا في باب إلخ ليست كلية ولا متفقا عليها فقد قال عبد الباقي إلا ما نصوا عليه أي من إعمال صريح العتق بالطلاق ومعلوم أن أكثر قواعد الفقه أغلبية ا ه من موضعين بتصرف ما وتوضيح
وقال عبد الباقي في صريح الطلاق وكنايته عند قول خليل في باب الظهار ولزم أي الظهار بأي كلام نواه به ما نصه قال أحمد المصنف شامل لما إذا أراده بصريح الطلاق أو كنايته الظاهرة
وقال بعض من تكلم على المدونة أنه لا يلزمه بالكناية الظاهرة ا ه
وإذا لم يلزم بها فأجرى الصريح كما أنه لا يلزم الطلاق بصريح الظهار على ما تقدم ا ه أي في قوله وهل
____________________

(1/58)


لا تبقى امرأته في عصمته متى التزم بجاهليتهم وليس في حال الجاهلية ما يأبى ذلك بل لعبهم في أحوالهم أكثر من ذلك فقد التزموا أن الناقة إذا جاءت بعشرة من الولد تصير سائبة فمجاز أن يلتزموا ذهاب العصمة عند كذب خاص ويقوي هذا الاحتمال القرآن الكريم بقوله تعالى ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم الآية كما تقدم فإن التكذيب من خصائص الخبر فيكون ظهارهم خبرا كذبا التزموا عقيبه ذهاب العصمة كسائر ملتزماتهم الباطلة وقد عدها العلماء نحو عشرين نوعا من التحريمات التزموها بغير سبب يقتضيها من جهة الشرائع
وذلك مبسوط في غير هذا الكتاب فإن قلت الآية لا تؤكد هذا الاحتمال فإن الفعل فيها مضارع لا ماض فقال يظاهرون ولم يقل ظاهروا بصيغة الماضي حتى يتناول الجاهلية بل هو خاص بمن يفعل ذلك في المستقبل بعد نزول الآية أو حال نزولها
قلت بل يتناول الجميع لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم ذلك وأدخل المظاهر الماضية في
هامش أنوار البروق
الإضمار المتفق عليه وأما الجواب الثاني فقولهم فيه وبعد تقدير المدلول يحصل الصدق ليس بصحيح بل لا يحصل إلا تقدير الصدق
وأما الصدق فلا وكيف تحصل حقيقة الصدق بناء على تقدير وقوع ما لم يقع هذا واضح السقوط والبطلان وأما الجواب الثالث فمبني على ضرورة صدق المتكلم وضرورة الصدق مبنية على كون كلامه خبرا وهو محل النزاع كما تقدم في الجواب الأول وأما الجواب الرابع فمبني أيضا على ضرورة الصدق وفيه ما في الأول والثالث
وأما الجواب الخامس فهو أشبه أجوبتهم ومقتضاه إبداء احتمال في متعلق الأمر وهو غير مدفوع لكنه مرجوح بصحة الاحتجاجات السابقة ومتروك بالاحتجاج السادس إن صح قاطعا وأما السادس من الاحتجاجات فلم يذكر لهم عنه جوابا فكفى فيه المؤنة
وما قاله من أن الجواب عن هذا الاحتجاج لا يتأتى إلا بالمكابرة صحيح والله أعلم

هامش إدرار الشروق
يؤخذ بالطلاق معه إلخ ا ه البناني ومراد أحمد ببعض من تكلم على المدونة هو الوانوغي في حاشيته عليها جعل الكناية كالصريح نقله عنه في تكميل التقييد وسلمه وما ذكره من عدم لزومه بصريح الطلاق هو الذي تقدم عند قوله ولا ينصرف للطلاق إلخ عن أبي إبراهيم وذكر ابن رشد في المقدمات أن مذهب ابن القاسم أن الرجل إذا قال لامرأته أنت طالق وقال أردت بذلك الظهار ألزم الظهار بما أقر به من نيته والطلاق بما ظهر من لفظه ا ه نقله الحطاب عند قوله ولا ينصرف للطلاق ا ه
قلت فالقول بعدم انصراف صريح الطلاق له نظر للقاعدة وعليه فيخصص به قولهم في الظهار وإن نواه بأي كلام لزم والقول بالانصراف نظر إلى كونها أغلبية لا كلية فاستثناه منها ويلزمه القول بانصراف كناية الطلاق الظاهرة له بالأولى وقول الوانوغي بعدم انصرافها له نظر إلى أنها بالظهور قربت من الصراحة فتنبه وقال أبو الظاهر في كناية الظهار إن عري لفظ الظهار عن النية جرى على الخلاف في انعقاد اليمين بغير نية أما إن شبه بمحرمة لا على التأبيد وذكر الظهر فهل يكون الطلاق قصرا للظهار على مورده أو ظهارا قياسا على ذوات الأرحام قولان وإن لم يذكر الظهر فأربعة أقوال ظهار وإن أراد الطلاق وعكسه وظهار إلا إن أريد الطلاق فيكون طلاقا وعكسه ا ه

____________________

(1/59)


عموم الآية من أوس بن الصامت ولو لم يكن للماضي والمستقبل لما فعل ذلك عليه السلام ولقول العلماء إنه كان طلاقا فأقر تحريما تحله الكفارة وعلى ما يقوله السائل يكون بابا آخر تجدد في الشريعة غير ما تقدم في الجاهلية والعرب قد تستعمل الفعل المضارع للحالة المستمرة كقولهم يعطي ويمنع ويصل ويقطع تريد هذا شأنه أبدا في الماضي والحال والاستقبال ومنه قول خديجة رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله لن يخزيك أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق أي هذا شأنك وسجيتك في جميع عمرك وعلى هذا تنتظم الآية على الجميع
وعن الثاني أن ترتب التحريم على الظهار ممنوع بل الذي في الآية تقديم الكفارة على الوطء كتقديم الطهارة على الصلاة فإذا قال الشارع تطهر قبل أن تصلي لا يقال الصلاة محرمة بل ذلك نوع من الترتيب كتقديم الإيمان على الفروع وتقديم الإيمان بالصانع
هامش أنوار البروق
قال شهاب الدين المسألة الأولى مما يتوهم أنه إنشاء وليس كذلك وهو الظهار في قول القائل لامرأته أنت علي كظهر أمي يعتقد الفقهاء أنه إنشاء للظهار كقول القائل أنت طالق إنشاء للطلاق فإن البابين في الإنشاء سواء وليس كذلك وبيانه من وجوه أحدها أنه قد تقدم أن من خصائص الإنشاء عدم قبوله للتصديق والتكذيب والله سبحانه وتعالى يقول الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا فكذبهم الله تعالى في ثلاثة مواطن بقوله تعالى ما هن أمهاتهم فنفى تعالى ما أثبتوه ومن قال لامرأته أنت طالق لا يحسن أن يقال له ما هي مطلقة وإنما يحسن ذلك إذا أخبره عن تقدم طلاقها ولم يتقدم فيها طلاق فدل ذلك أن قول المظاهر خبرا لا إنشاء والموطن الثاني في قوله تعالى وإنهم ليقولون منكرا من القول والإنشاء للتحريم لا يكون منكرا بدليل الطلاق وإنما يكون منكرا إذا جعلناه خبرا فإنه حينئذ كذب والكذب منكر
والموطن الثالث قوله تعالى وزورا والزور هو الخبر الكذب فيكون قولهم كذبا وهو المطلوب وإذا كذبهم الله تعالى في هذه المواطن دل على أن قولهم خبر لا إنشاء
هامش إدرار الشروق
ومراده بالنية في قوله إن عري إلخ الكلام النفساني أي يتكلم بكلامه النفساني في نفسه كما يتكلم بلسانه والقول بأنه إذا لم يذكر الظهر من الأجنبية وإن أراد الطلاق بناء على قربه من الصراحة فلا ينصرف للطلاق وعكسه لأن الطلاق شأن الأجنبية فإنها لا تحرم إلا بالطلاق وهذه الملاحظة هي التي توجب القولين الآخرين غير أنه قدم النية على اللفظ لضعف اللفظ بعدم ذكر الظهر فعدمت الصراحة فعملت النية والله سبحانه وتعالى أعلم
المسألة الثانية صريح الطلاق لفظه وما اشتق منه كطلقت وطالق أو مطلقة بفتح الطاء واللام المشددة لا ما كان فيه الحروف الثلاثة الطاء واللام والقاف وإن اقتضاه كلام الفقهاء لشموله الانطلاق وما اشتق منه كمنطلقة ومطلوقة وهي مشكل كما في التوضيح عن القرافي لأن الانطلاق وإن وافق لفظ الطلاق في تلك المادة إلا أنه لغة بمعنى السير لا بمعنى إزالة عصمة النكاح بخلاف الطلاق فلزوم الطلاق منتف عن الانطلاق لمغايرة حقيقة الطلاق لحقيقة الانطلاق فإذا قال القائل أنت طالق فهو إما إخبار عن زوال العصمة أو
____________________

(1/60)


على تصديق الرسل سلمنا أن الظهار يترتب عليه تحريم لكن التحريم عقيب الشيء قد يكون لأن ذلك الشيء اقتضاه بدلالته عليه كالطلاق مع تحريم الوطء وهذا هو الإنشاء وقد يكون ترتب التحريم عقب القول أو الفعل لا بدلالة اللفظ عليه بل عقوبة كما ترتب تحريم الإرث على القاتل عمدا أو ليس القتل إنشاء لتحريم الإرث وترتب التعزير على الخبر الكذب وإسقاط العدالة والعزل من الولاية وغير ذلك من الأحكام فهذا الترتيب كله بالوضع الشرعي لا بدلالة اللفظ والإنشاء إنما هو أن يكون ذلك اللفظ وضع لذلك التحريم ويدل عليه كصيغ العقود فسببية القول أعم من كونه سببا بالإنشاء فكل إنشاء سبب وليس كل سبب من القول إنشاء بدليل ما يترتب على الإخبارات الكاذبة من الأحكام الشرعية وقد نصب الشارع تلك الإخبارات أسبابا لتلك الأحكام وإذا كانت السببية أعم لا يستدل بمطلق السببية على الإنشاء فإن الأعم لا يستلزم الأخص فظهر الفرق بين ترتب التحريم على الطلاق وبين ترتبه على الظهار فتأمل ذلك
فإن الجهات مختلفة جدا ونحن نقول التحريم والكفارة الكل عقوبة على الكذب في الظهار
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله في هذا الوجه ظاهر متجه قال وثانيها أنا أجمعنا على أن الظهار محرم وليس للتحريم مدرك إلا أنه كذب والكذب لا يكون إلا في الخبر فيكون خبرا قلت لا نسلم أنه ليس للتحريم مدرك إلا أنه كذب بل له مدرك غيره كما في الطلاق الثلاث كما قاله المجيب
وجوابه للمجيب بأن الطلاق الثلاث هو المحرم لا لفظه به ليس بصحيح فإن المطلق ثلاثا في لفظ واحد لم يصدر منه ما يتعلق به التحريم غير ذلك اللفظ ولم يجمع بين الطلقات إلا به ولا يتجه الجمع بين الطلقات إلا باللفظ أما بغيره فلا يتجه ولا يتأتى بل يكون على قول من يلزمه بمجرد النية وقوله وأما تحريم الظهار فلأجل اللفظ قلت هذه دعوى وقوله وليس في اللفظ ما يقتضي التحريم إلا كونه كذبا قلت هذه أيضا أخرى وقوله لأن الأصل عدم غيره قلت هذا ممنوع ولا يصح إلا على أن الظهار خبر وهو غير المذهب فكيف ينبني عليه الدليل
قال وثالثها أن الله تعالى شرع فيه الكفارة وأصلها أن تكون زاجرة ماحية للذنب فدل ذلك على التحريم وإنما سبب التحريم إذا كان كذبا كما تقدم من بقية التقرير قلت على تسليم أن الكفارة زاجرة ماحية لا يلزم أن الذنب كونه كذبا وباقي كلامه فيه مبني على قوله في الوجه الذي قبله وقد سبق ما
هامش إدرار الشروق
إنشاء له وإذا قال أنت منطلقة فهو إخبار عن المسير ويسوغ استعماله إنشاء للأمر به إن قلنا إن استعمال الألفاظ الخبرية في الإنشاء قياس وإلا فيتوقف ذلك على السماع والمتبادر إلى الفهم في بادئ الرأي أن هذا الصريح يفيد الطلاق بالوضع بخلاف الكناية وهو وإن أمكن توجهه بأن الطلاق وإزالة العصمة ليس أمرا مختصا بالشريعة بل العرب كانت تنكح وتطلق وقد كانت تطلق بالظهار ولفظ الطلاق معروف عند العرب قبل البعثة فتكون إزالة العصمة بالوضع اللغوي السابق على الشريعة لا بأمر يتجدد بعد الشريعة إلا أن الحق أنه يفيد ذلك بالوضع العرفي لوجوه

____________________

(1/61)


وعن الثالث أنه قياس في الأسباب فلا يصح سلمنا صحته لكنه قياس على خلاف النص الصريح من القرآن المخبر عن كونه كذبا والكذب بالضرورة لا يكون في الإنشاء وإذا كان على خلاف نص القرآن لا يسمع
وأما قول الفقهاء له صريح وكناية كما قالوه في الطلاق فذلك إشارة إلى تفاوت مراتب الكذب فالصريح منه أقبح وأشنع فيكون أولى بترتب الأحكام عليه وهذا بخلاف تفرقتهم بين الصريح والكناية في الطلاق فإن ذلك يرجع إلى تفاوت الدلالة على التحريم فالبابان مختلفان فتأمل ذلك
فإن قلت فقد قالوا إن صريح الظهار وكنايته ينصرف للطلاق بخلاف صريح الطلاق وكنايته لا ينصرف للظهار فدل على أن ثم أصلا ينصرف عنه إلى الطلاق وما
هامش أنوار البروق
فيه قال ورابعها قول الله تعالى بعد ذكر الكفارة ذلكم توعظون به والوعظ إنما يكون عن المحرمات فإذا جعلت الكفارة وعظا دل ذلك على أنها زاجرة لا ساترة وأنه حصل هنالك ما يقتضي الوعظ وما ذلك إلا الظهار المحرم فيكون محرما لكونه كذبا فيكون خبرا لما تقدم من التقرير
قلت هذا أيضا مبني على ما تقدم من ادعاء تعلق التحريم بكونه كذبا قال وخامسها قوله تعالى في الآية وإن الله لعفو غفور والعفو والمغفرة إنما يكون في المعاصي فدل على أن ذلك معصية ولا مدرك للمعصية إلا كونه كذبا والكذب لا يكون إلا في الخبر فيكون خبرا وهو المطلوب
قلت وهذا أيضا مبني على تلك الدعوى فإن قلت بل هو إنشاء من وجوه أحدها أن كتب الفقهاء والمحدثين متظافرة على أن الظهار كان طلاقا في الجاهلية فجعله الله تعالى في الإسلام تحريما تحله الكفارة كما تحل الرجعة تحريم الطلاق قلت جميع ما قاله في هذا الوجه ظاهر صحيح قال شهاب الدين وثانيها أنه مندرج في حد الإنشاء إلى آخره قلت وهذا الوجه أيضا ظاهر
قال وثالثها أنه لفظ يستتبع إلى آخره قلت وهذا أيضا ظاهر
قال والجواب عن الأول إلى قوله عند كذب خاص قلت ذلك محتمل لكن الظاهر خلافه

هامش إدرار الشروق
الوجه الأول رجحان دعوى المجاز على دعوى الاشتراك
الوجه الثاني أن هذا اللفظ إنما وضع لغة للخبر عن كونها طالقا وهو إذا أخبر عن كونها طالقا له لم يلزمه طلاق قصد الكذب أو الصدق ألا ترى أنه لو تقدم طلاقها فسأل عنها هل هي مطلقة أو باقية في العصمة فقال هي طالق جوابا لهذا السؤال لم يلزمه به طلقة ثانية
وإن كانت رجعية في العدة وإنما يلزم الطلاق بقوله أنت طالق بالإنشاء الذي هو وضع عرفي لا لغوي

____________________

(1/62)


ذلك الأصل إلا النقل العرفي الذي نقل الظهار من الإخبار إلى الإنشاء وهذا هو ظاهر قولهم يفهم عنهم ذلك في الظهار كما يفهم في الطلاق
قلت النقل في هذا الموضع مختلف قال ابن يونس إذا نوى بالظهار الطلاق فهو ظهار دون الطلاق وقد قصد الناس في أول الإسلام الطلاق فصرفه الله تعالى إلى الظهار بإنزال الآية قال محمد إنما هو فيمن سمى الظهر عند مالك وإلا فيلزمه ما نوى وإن لم ينو فظهار ولا ينوي عند عبد الملك من شبه بالأجنبية
وإن نوى الظهار قال ابن القاسم تحريم ذوات المحارم متأبد فلا يكون التشبيه به أضعف من الأجنبية وقال أبو الطاهر إن عري لفظ الظهار عن النية جرى على الخلاف في انعقاد اليمين بغير نية أما إن شبه بمحرمة لا على التأبيد وذكر الظهر فهل يكون طلاقا قصرا للظهار على مورده أو ظهارا قياسا على ذوات الأرحام قولان وإن لم يذكر الظهر فأربعة أقوال ظهار وإن أراد الطلاق
هامش أنوار البروق
قال ويقوي هذا الاحتمال القرآن الكريم إلى آخر الجواب قلت جميع ما قاله ظاهر متجه وجوابه عن الوارد حسن قال وعن الثاني إن ترتب التحريم على الظهار ممنوع إلى آخر ما قاله فيه قلت جميع ما قاله محتمل ظاهر
قال وعن الثالث أنه قال إنه قياس في الأسباب إلى قوله تأمل ذلك قلت ما قاله أيضا ظاهر متجه ومآل الأمر فيه إلى الاحتجاج بظاهر القرآن وليس له حجة سواه
قال فإن قلت فقد قالوا إن صريح الظهار وكنايته ينصرف للطلاق بخلاف صريح الطلاق وكنايته إلى آخر كلامه على المسألة قلت جميع ما قاله في ذلك ظاهر مستقيم غير أنه لقائل أن يقول إن المتبادر إلى الفهم عرفا أنه إنشاء فإن ثبت هذا العرف عن السلف أعني الصحابة رضي الله تعالى عنهم وانتهى الأمر فيه إلى القطع تعين تأويل القرآن وإلا بقيت المسألة محتملة والله أعلم
قال شهاب الدين المسألة الثانية إذا قال لامرأته أنت طالق ولا نية له المتبادر إلى الفهم في بادي الرأي أنه يلزمه الطلاق بالوضع اللغوي وأن صريح الطلاق يفيد الطلاق بالوضع اللغوي بخلاف
هامش إدرار الشروق
الوجه الثالث أنا وإن سلمنا أن الطلاق وإزالة العصمة كانا معلومين قبل البعثة النبوية عند العرب إلا أنا نقول الإنشاءات عند العرب أيضا تتقدم على الشريعة وتكون عرفية أما أولا فلأن العوائد قد تحدث مع طول الأيام بعث الله نبينا أم لا فالجاهلية تحدث لها عوائد كما تحدث لنا
وأما ثانيا فلأن العرب كانت تستعمل قبل البعثة الراوية والبحر والغائط والخلا ومع ذلك قد نص أئمة اللغة على أنها مجازات لغوية وحقائق عرفية فلا تنافي بين قولنا الطلاق إنشاء عرفي وبين كونه في الجاهلية قبل الإسلام وإنما القصد أن يعلم أن لفظ الطلاق إنما أزال العصمة بغير الوضع اللغوي بل بالوضع العرفي وإنما هو مجاز عن اللغة لا حقيقة ومن قبيل لفظ الطلاق في كونه مجازا عن اللغة لا حقيقة بناء على رجحان المجاز على الاشتراك في عقود المعاوضات والقسم كانت العرب في الجاهلية يتداولونها إنشاءات وألفاظا عرفية منقولة
فالعرف يتبدل من اللغة كما يتبدل من عرف آخر قبله وإلزام العقود من الطلاق وغيره ينبني في الفتوى على نية المتكلم
____________________

(1/63)


وعكسه وظهار إلا أن يريد الطلاق فيكون طلاقا وعكسه وفي الجواهر إن نوى بالصريح الطلاق فعن ابن القاسم يكون طلاقا ثلاثا ولا ينوي في أقل من ذلك
وقال سحنون ينوي وأما الكناية الظاهرة فظهار إلا أن يريد التحريم فتحريم ولا يقبل قوله لم أرد ظهارا ولا طلاقا لأجل الظهور والكناية الخفية ظهار إن أراده وإلا فلا قال ابن يونس قال مالك إن نوى بقوله أنت كأمي أو مثل أمي أو أنت أمي الطلاق واحدة وهي البتة وإن لم تكن له نية فظهار وقال الأبهري كنايات الظهار تنصرف للطلاق لأنه أقوى منه وكنايات الطلاق لا تنصرف للظهار لضعفه لأنه تحريم ينحل بالكفارة
وقال محمد لا ينصرف الظهار في الأمة إلا أن يكون ينصرف في الزوجة إلى الطلاق وقال في الجلاب لا ينصرف صريح الطلاق وكناياته بالنية إلى الظهار ولا ينصرف صريح الظهار بالنية إلى الطلاق وتنصرف كنايات الظهار بالنية إلى الطلاق فهذه نصوص القوم كما ترى أما قول ابن يونس
هامش أنوار البروق
الكناية وليس كذلك بل إنما يفيد ذلك بالوضع العرفي وهذا اللفظ إنما وضع لغة للخبر عن كونها طالقا وهو إذا أخبر عن كونها طالقا له لم يلزمه طلاق قصد الكذب أو الصدق ألا ترى أنه لو تقدم طلاقها فسأل عنها هل هي مطلقة أو باقية في العصمة فقال هي طالق جوابا لهذا السؤال لم يلزمه به طلقة ثانية وإن كانت رجعية في العدة وإنما يلزم الطلاق بقوله أنت طالق بالإنشاء الذي هو وضع عرفي لا لغوي ألا ترى أن لفظ الطلاق الطاء واللام والقاف موضوعة في اللغة لإزالة مطلق القيد يقال لفظ مطلق ووجه طلق وحلال طلق وأطلق فلان من الحبس وانطلق بطنه وإزالة قيد العصمة أحد أنواع القيد فكان ينبغي إذا أتى اللفظ الدال على إزالة القيد العام المطلق أن يزول الخاص كما إذا زال الحيوان زال الإنسان ومع ذلك فقد فرق الفقهاء بين قوله أنت طالق وبين قوله أنت منطلقة فألزموا بالأول الطلاق من غير نية ولم يلزموا بالثاني إلا بالنية ولم يكتفوا بالوضع
قلت لا نسلم له أن قول القائل لامرأته أنت طالق عبارة عن إزالة مطلق القيد بل الظاهر من اللغة أنه لفظ موضوع فيها لإزالة قيد عصمة النكاح أو للإخبار عن ذلك وما استدل به من أن لفظ الطاء واللام والقاف موضوعة في اللغة لإزالة مطلق القيد لا يسلم أيضا وهو دعوى ذلك هو المسمى
هامش إدرار الشروق
أو على عرفه لا على اللغة ولا على عرف غيره وفي القضاء لمنازعة غيره له إنما ينبني على عرفه لا على نيته لاحتمال كذبه فيما يدعيه من النية فالحكم مترتب على العرف سواء كان ذلك العرف ناقلا عن اللغة أم عن عرف سابق عليه ناقل عن اللغة
وبالجملة فالاعتبار بالاستعمال الجاري في زمن وقوع العقد فإن كان لغة جرى الحكم بحسبه وإن كان عرفا ناسخا لها أو لعرف ناسخ لها فكذلك والله أعلم
المسألة الثالثة الأصل والقاعدة المعتمدة في العقود كلها إنما هي النية والقصد مع اللفظ المشعر بذلك أو ما يقوم مقامه من إشارة وشبهها ثم اللفظ إما أن لا يشعر بالمقصود لغة ولا عرفا فلا بد من التنويه في الفتوى والقضاء معا وإما أن يشعر بالمقصود لغة أو عرفا والعرف لغوي وشرعي ووقتي حادث فيحمل في القضاء دون تنويه على ما يشعر به من عرفي وقتي فشرعي فعرفي لغوي فلغوي أصلي وفي الفتوى على التنويه فالعرف الوقتي فالشرعي فالعرفي اللغوي فاللغوي الأصلي فإن اجتمع في اللفظ الأصلي والعرفي
____________________

(1/64)


إذا نوى بالظهار الطلاق يكون ظهارا فهو بناء على قاعدة وهي أن كل ما هو صريح في باب لا ينصرف إلى غيره بالنية لأن النية أثرها إنما هو تخصيص العمومات أو تقييد المطلقات فهي إنما تدخل في المحتملات وإذا نقلت صريحا عن بابه فهو نسخ وإبطال بالكلية والنسخ لا يكون بالنية وأما قوله قد قصد الناس بالظهار الطلاق في أول الإسلام فجعله الله ظهارا فغير متجه لأن ذلك ابتداء شرع ولم يكن تصرفا في مشروع
والمتقدم ليس شرعا إنما هو اعتقاد الجاهلية ونحن نتكلم في صريح شرعي يصرف عن بابه بعد مشروعيته ولما قصد أولئك الطلاق لم يتعرضوا لمشروع لأن الشرع جاء بعد ذلك بنزول الآية فليس هذا من هذا الباب
وقول أبي الطاهر إن عري لفظ الظهار من النية جرى على الخلاف في انعقاد اليمين بغير نية يريد بالنية هنا الكلام النفساني أي يتكلم بكلامه النفساني في نفسه كما يتكلم بلسانه وأما قوله إن لم يذكر الظهر من الأجنبية فأقوال أربعة
هامش أنوار البروق
عند النحاة بالاشتقاق الكبير وليس بالقوي عند المحققين وما قاله من أن لفظ أنت طالق دلالته على إنشاء إزالة قيد العصمة عرفية لا لغوية يتجه لرجحان دعوى المجاز على دعوى الاشتراك قال وما ذلك إلا أن لفظ طالق نقل للإنشاء ولم ينقل منطلقة له فلو اتفق زمان ينعكس الحال فيه وتصير منطلقة موضوعة للإنشاء وطالق لا يستعمل إلا على الندرة لم يلزمه الطلاق بطالق إلا بالنية وألزمناه بمنطلقة بغير نية عكس ما نحن عليه اليوم فعلمنا أن لفظ الطلاق لم يوجب إزالة العصمة بالوضع اللغوي بل بالعرف الإنشائي
قلت كلامه هذا مبني على دعوى اتحاد معنى كل لفظ تصرف من الطاء واللام والقاف وهي غير مسلمة كما سبق قال فإن قلت إلى قوله في آخر الجواب وأنه مجاز عن اللغة لا حقيقة قلت جميع ما قاله في ذلك ظاهر صحيح وما قاله في أثناء الفصل من أن ألفاظ عقود المعاوضات عرفية منقوله مبني على رجحان المجاز على الاشتراك كما سبق
قال وفائدة الفرق أنه إذا كان يفيد إزالة قيد العصمة بالعرف والعوائد وأنها مدرك أفادته كذلك بتنقلها معها كيف تنقلت لأنها المدرك وإذا كان الموجب هو الوضع اللغوي وجب الثبوت معه وإلزام الطلاق به حتى يطرأ الناسخ المبطل
هامش إدرار الشروق
والشرعي والوقتي فالمعتبر الوقتي في القضاء والفتوى فإذا تقرر ذلك فالألفاظ التي ذكر الفقهاء أن المراد بها مطلق الطلاق أو مقيده لا تخلو من أن تكون إرادة ذلك بها باللغة أو بعرف اللغة أو بعرف الشرع أو بعرف حادث بعد فإن كانت لغوية وضعا أو عرفا أو شرعية فالذي يقتضيه النظر أنها محمولة على مقتضاها في كل زمان وبكل مكان ومستند ذلك أن كل لفظ ورد علينا من جهة الشارع فإنا نحمله على عرفه أو على اللغة أو عرفها
وإن كانت عرفية بعرف حادث فهذه هي التي ينتقل الحكم بها بانتقال العرف كبتة وحبلك على غاربك
قال مالك ومن وافقه من العلماء يلزم القائل ذلك الثلاث ولا ينوي دخل أو لا بناء على أن اللفظ نقله عرف ذلك الوقت إلى العدد المعين وهو الثلاث حتى صار من أسماء الأعداد
والمجاز لا يدخل في النصوص كأسماء العدد بل في الظواهر كأسماء الأجناس وصيغ العموم وهذه قاعدة لغوية وكل لفظ لا يجوز
____________________

(1/65)


أحدها أنه ظهار وإن أراد الطلاق وعكسه فهما بناء على قربه من الصراحة فلا ينصرف للطلاق أو طلاق لأنه شأن الأجنبية فإنها لا تحرم إلا بالطلاق وهذه الملاحظة هي التي توجب القولين الآخرين غير أنه قدم النية على اللفظ لضعف اللفظ بعدم ذكر الظهر فعدمت الصراحة فعملت النية
وأما قول ابن القاسم ينوي في الصريح ويكون طلاقا ثلاثا فبناء منه على أن الظهار تحريم ومن ألفاظ الطلاق الثلاث عنده أنت حرام وهو عنده يلزم به الثلاث ولا ينوي فيه وهو ضعيف على ما يأتي تقريره وهذا أشد منه ضعفا لأن المدرك هنالك إنما هو الوضع العرفي وإن العادة اقتضت أنهم إنما يستعملون الحرام في الثلاث
وأما هاهنا فليس ثم عادة في استعمال الظهار في الطلاق الثلاث وإذا انتفى الوضع العادي انتفت الصراحة المانعة من إعمال النية فالتسوية بين البابين باطلة والصواب قول سحنون وتقبل نيته فيما أراده من الطلاق وهاتان الروايتان خلاف المذهب الذي عليه الفتيا ومشهور قول
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله هنا ليس بصحيح فإنه كما يتبدل العرف من العرف كذلك يتبدل العرف من اللغة وإلزام العقود من الطلاق وغيره مبني على نية المتكلم أو على عرفه لا على اللغة ولا على عرف غيره هذا فيما يرجع إلى الفتوى
وأما ما يرجع إلى الحكم فأمر آخر لمنازعة غيره له فإنما يحكم بعرفه لا بنيته لاحتمال كذبه فيما يدعيه من النية فالحكم مترتب على العرف سواء كان ذلك العرف ناقلا عن اللغة أم عن عرف سابق عليه ناقل عن اللغة وعلى الجملة فالاعتبار بالاستعمال الجاري في زمن وقوع العقد فإن كان لغة جرى الحكم بحسبه وإن كان عرفا ناسخا لها أو لعرف ناسخ لها فكذلك هذا إن لم يرد ما رأيته فإن لفظة فيه احتمال
قال شهاب الدين وإذا قلنا إنها توجب بالعادة كان الأصل هو عدم اللزوم من قبل اللغة حتى يثبت اللزوم من جهة العرف كما في منطلقة ليس فيها إلا مجرد اللغة فلا جرم لا يزال ينفي عنه اللزوم حتى يتحقق النقل العرفي ويظهر أثر هذا الفرق فيما يتنازع فيه من ألفاظ الطلاق صريحا أو كناية فيكون الحق في صورة النزاع هو عدم اللزوم حتى يثبته النقل العرفي فلا يلزم طلاق بخلاف ما لو
هامش إدرار الشروق
دخول المجاز فيه لا تؤثر النية في صرفه عن موضوعه وهذه قاعدة شرعية محمدية بنيت على الأولى
وقال الشافعي وأبو حنيفة في حبلك على غاربك إن نوى الثلاث لزمه الثلاث أو واحدة فواحدة بائنة
وقال ابن حنبل يقع الطلاق بالبتة والبتلة وحبلك على غاربك بغير نية لشهرتها ويلزم بحبلك على غاربك الثلاث وقال ابن العربي من أصحابنا في كتاب القبس له الصحيح أن حبلك على غاربك والبائن والخلي والبرية والبتلة والبتة واحدة لا تزيد على قولك أنت طالق وفي الترمذي عن ابن كنانة عن أبيه عن جده قال أتيت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقلت يا رسول الله إني طلقت امرأتي ألبتة فقال ما أردت فقلت واحدة فقال هي ما أردت فردها إلي
قلت قال الأمير في ضوء الشموع وقد تعارف الآن حبلك على غاربك في مطلق الإهمال حتى يخاطب الرجل ابنه مثلا انتهى أي فعليه يكون كالكناية الخفية يجري على قولهم وإن قصده بأي كلام لزم
____________________

(1/66)


ابن القاسم والمنقول عن مالك أنه لا ينصرف للطلاق بالنية شيء على القاعدة المتقدمة
وأما قول مالك إن نوى بقوله أنت كأمي الطلاق واحدة فهي البتة يريد الثلاث فبناء على لفظ التحريم وأنه موضوع للثلاث وقد تقدم ضعفه
وأما قول الأبهري وابن الجلاب أن كناية الأضعف تنصرف للأقوى من غير عكس فضعيف لأن النية ليس من شرطها أن تنقل للأقوى بل من شأنها النقل للأضعف والأقوى ألا ترى أنها تخصص العموم وثبوته أقوى لعموم الحنث فلا يصير يحنث إلا بالبعض
وهذه توسعة وتخفيف وكذلك نقيد المطلق فإذا قال والله لا ألبس ثوبا ونوى كتانا لا يبر به وقد كان قبل النية يبر بغيره وهو تضييق ومقتضى الفقه اعتبار النية في الأقوى والأضعف لقوله عليه الصلاة والسلام إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ولم يفرق بين الأقوى وغيره فهو لو نوى بالصريح من الطلاق طلق الولد أو من الوثاق أفادته نيته في الفتوى مطلقا وفي القضاء إن صدقته القرينة
هامش أنوار البروق
قلنا باللغة كان الحق في المتنازع فيه هو اللزوم حتى يثبت الناسخ وهذا فرق عظيم وأثر عظيم يحتاج إليه الفقيه فيما يعرض له من الألفاظ
قلت قوله ذلك وتمثيله بقوله كما في منطلقة ليس فيه إلا مجرد اللغة كل ذلك مبني على دعواه أن كل لفظ تصرف من مادة الطاء واللام والقاف فهو دال على إزالة مطلق القيد وليس ذلك بمسلم ولا صحيح بل لفظة طالق وإن كانت من تلك المادة هي دالة على إزالة عصمة النكاح لغة ولفظة منطلقة وإن كانت من تلك المادة أيضا فهي دالة على المسير وهما معنيان متغايران فلم ينتف لزوم الطلاق عن لفظة منطلقة لأنها ليس فيها إلا مجرد اللغة بل انتفى لمغايرة حقيقة الطلاق لحقيقة الانطلاق فإذا قال القائل أنت طالق فهو إما إخبار عن زوال العصمة أو إنشاء له وإذا قال أنت منطلقة فهو إخبار عن المسير ويسوغ استعماله إنشاء للأمر به إن قلنا بأن استعمال الألفاظ الخبرية في الإنشاء قياس وإلا فيتوقف ذلك على السماع قال شهاب الدين المسألة الثالثة وقع لمالك رحمه الله في المذهب ولأصحابه في كتاب التهذيب وغيره أن قول القائل حبلك على غاربك إلى منتهى قول الإمام وعلى هذه القاعدة تتخرج الفتاوى في الألفاظ

هامش إدرار الشروق
كاسقني فلا يحل لأحد الآن أن يفتي فيه بالطلاق من غير نية إلا إذا تجدد بذلك عرف وكحرام قال ابن عبد الحكم لا شيء على قائله إذا كان في بلد لا يريدون به الطلاق وقال ابن القاسم إن أراد بقوله أنت حرام الكذب بالإخبار عن كونها حراما وهي حلال حرمت ولا ينوي قال صاحب الاستذكار في الحرام أحد عشر قولا قال مالك يلزمه الثلاث في المدخول بها وينوي في غيرها وقال الشافعي لا يلزمه شيء حتى ينوي واحدة فتكون رجعية
وإن نوى تحريمها بغير طلاق لزمه كفارة يمين ولا يكون موليا وقال أبو حنيفة إن نوى الطلاق فواحدة
وإن نوى اثنتين أو الثلاث فواحدة بائنة وإن لم ينو فكفارة يمين وهو مول وإن نوى الكذب فليس بشيء
____________________

(1/67)


مع أن طلق الولد أسقط عنه الحكم بالكلية والإسقاط بالكلية أخف من النقل عن الطلاق إلى الظهار فقد نقلت النية إلى الأخف
وعدم الحكم بالكلية إذا تقررت الأقوال والقريب منها للفقه والبعيد منه فأقول ليس في قولهم إن الظهار له صريح وكناية أنه إنشاء ألا ترى أن القذف فيه الصريح والكناية مع أن صريح القذف إنما هو خبر صرف إجماعا فإن قوله أنت زنيت بفلانة ليس إنشاء للزنى بل إخبارا عنه إما كاذب أو صادق ومع ذلك فهو صريح فكذلك هاهنا لفظ الظهار خبر وهو صريح في الإخبار عن التشبيه الذي نفاه الله تعالى وجعله كذبا وزورا ومن اللفظ ما يشير إلى هذا التشبيه من غير تصريح فهو الكناية كالتعريض في القذف مثل قوله ما أنا بزان ولا أمي بزانية
فهذا آخر البحث في هذه المسألة ولم أر أحدا في المذهب تعرض لها على هذا الوجه بل ظاهر كلامهم أن الظهار إنشاء كالطلاق والله أعلم بمرادهم غير أن الذي تقتضيه القواعد أوضحته لك غاية الإيضاح

هامش أنوار البروق
قلت جميع ذلك نقل لا كلام فيه قال قلت معنى التحريم في اللغة المنع فقوله أنت علي حرام معناه الإخبار عن كونها ممنوعة فهو كذب لا يلزمه فيه إلا التوبة في الباطن والتعزير في الظاهر كسائر أنواع الكذب ليس في مقتضاها لغة إلا ذلك وكذلك خلية معناه في اللغة الإخبار عن الخلاء وأنها فارغة وأما مم هي فارغة فلم يتعرض اللفظ وكذلك بائن معناه المفارقة في الزمان أو المكان وليس فيه تعرض لزوال العصمة فهي إخبارات صرفة ليس فيها تعرض للطلاق ألبتة من جهة اللغة فهي إما كاذبة وهو الغالب وإما صادقة إن كانت مفارقة له في المكان ولا يلزم بذلك طلاق كما لو صرح
وقال لها أنت في مكان غير مكاني وحبلك على غاربك معناه الإخبار عن كونها حبلها على كتفها وأصله أن الإنسان إذا كان يرعى بقرة وقصد التوسعة عليها في المرعى ترك حبلها من يده ووضعه على كتفها فتنتقل في المرعى كيف شاءت فإذا لم تكن هناك نية كان إخباره عن كون المرأة كذلك كذبا

هامش إدرار الشروق
وقال سفيان إن نوى واحدة فبائنة أو الثلاث فالثلاث أو يمينا فيمين ولا فرقة ولا يمين بكذبة لا شيء فيها وقال الأوزاعي له ما نوى وإلا فيمين تكفر وقال إسحاق كفارة الظهار ولا يطؤها حتى يكفر وقيل يمين يكفرها ما يكفر اليمين لقول الله تعالى يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك إلى قوله قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم وكان عليه الصلاة والسلام قد حرم سريته مارية وقال الشعبي تحريم المرأة كتحريم المال لا شيء فيه أي إلا الاستغفار لقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم وقيل واحدة بائنة

____________________

(1/68)


المسألة الثانية إذا قال لامرأته أنت طالق ولا نية له المتبادر إلى الإفهام في بادئ الرأي أنه يلزمه الطلاق بالوضع اللغوي وأن صريح الطلاق يفيد الطلاق بالوضع اللغوي بخلاف الكنايات وليس كذلك بل إنما يفيد ذلك بالوضع العرفي وهذا اللفظ إنما وضع لغة للخبر عن كونها طالقا وهو لو أخبر عن كونها طالقا لم يلزمه طلاق قصد الكذب أو الصدق ألا ترى أنه لو تقدم طلاقها فسأل عنها هل هي مطلقة أو باقية في العصمة فقال هي طالق جوابا لهذا السؤال لم يلزمه بهذا طلقة ثانية وإن كانت رجعية في العدة وإنما يلزم الطلاق بقوله أنت طالق بالإنشاء الذي هو وضع عرفي لا لغوي ألا ترى أن لفظ الطلاق الطاء واللام والقاف موضوعة في اللغة لإزالة مطلق القيد يقال لفظ مطلق ووجه طلق وحلال طلق وأطلق فلان من الحبس وانطلقت بطنه وإزالة قيد العصمة أحد أنواع القيد فكان ينبغي إذا أتى اللفظ الدال على إزالة القيد العام المطلق أن يزول الخاص كما إذا
هامش أنوار البروق
قلت الأصل والقاعدة المعتمدة في العقود كلها إنما هو النية والقصد مع اللفظ المشعر بذلك أو ما يقوم مقام اللفظ من إشارة وشبهها ثم اللفظ إما أن يشعر بالقصد لغة أو عرفا وعلى كلا الوجهين هو محمول على ما يشعر به في القضاء دون تنوية وفي الفتوى هما وإما ما لا يشعر بالمقصود لغة ولا عرفا فلا بد من التنوية في الفتوى والقضاء معا وبعد تقرير ذلك لا تخلو الألفاظ المذكورة بأن المراد بها مطلق الطلاق أو مقيده من أن تكون إرادة ذلك بها باللغة أو بعرف اللغة أو بعرف الشرع أو بعرف حادث بعد فأما إن كانت لغوية وضعا أو عرفا أو شرعية فالذي يقتضيه النظر أنها محمولة على مقتضاها في كل زمان وبكل مكان ومستند ذلك أن كل لفظ ورد علينا من جهة الشارع فإنا نحمله على عرفه أو على اللغة أو عرفها وأما إن كانت عرفية بعرف حادث فهذه هي التي ينتقل الحكم بها بانتقال العرف والله أعلم
قال وإن قصد الاستعارة والمجاز والتشبيه بينها وبين البقرة في أنها تصير مطلقة التصرف لا حجر عليها من قبل الأزواج بسبب زوال العصمة كما تبقى البقرة في مرعاها كذلك فهذا لا يتحقق إلا مع النية كسائر المجازات إلى قوله وكذلك جميع ما ذكر من ألفاظ الطلاق
هامش إدرار الشروق
وقال سعيد بن جبير عتق رقبة وقال ابن عباس يمين مغلظة ا ه
قلت وقال الأمير في شرح المجموع وضوء الشموع شيخنا سمعت من المشايخ ورأيت في المنقول من الكتب أن العمل بالمغرب جرى في الحرام بطلقة بائنة وقد نقله البناني وأشار إليه في نظم العمل الفاسي كما في كنون بقوله وطلقة بائنة في التحريم وحلف به لعرف الإقليم لكنه ربما خالف عرف مصر فإنه شاع في ألسنتهم الحرام مجمع الثلاث
وهنا مهمة وهو أنه قد يقع على الشخص الحرام فيراجعها على مذهب الشافعي ثم يطلقها ثلاثا فيفتيه بعض المالكية بعدم لزوم الثلاث بناء على أن الحرام طلقة بائنة والبائن لا يرتدف عليه طلاق فيجدد له عليها عقد وهذا خطأ فإنه لما راجعها على مذهب الشافعي صار معها في نكاح مختلف فيه
والطلاق يلحق
____________________

(1/69)


زال الحيوان زال الإنسان ومع ذلك فقد فرق الفقهاء بين قوله أنت طالق وبين قوله أنت منطلقة وألزموا بالأول الطلاق من غير نية ولم يلزموا بالثاني إلا بالنية ولم يكتفوا بالوضع الأول وما ذلك إلا أن لفظ طالق نقل للإنشاء ولم ينقل منطلقة له فلو اتفق زمان ينعكس الحال فيه ويصير منطلقة موضوعا للإنشاء وطالق مهجورا لا يستعمل إلا على الندرة لم يلزمه الطلاق بطالق إلا بالنية وألزمناه بمنطلقة بغير نية عكس ما نحن عليه اليوم فعلمنا أن لفظ الطلاق لم يوجب إزالة العصمة بالوضع اللغوي بل بالعرف الإنشائي فإن قلت ليس الطلاق وإزالة العصمة أمرا اختص به بالشريعة بل العرب كانت تنكح وتطلق وقد كانت تطلق بالظهار ولفظ الطلاق معروف عند العرب قبل البعثة فتكون إزالة العصمة بالوضع اللغوي السابق على الشريعة لا بأمر يتجدد بعد الشريعة
قلت مسلم أن الطلاق وإزالة العصمة كانا معلومين قبل البعثة النبوية عند العرب
هامش أنوار البروق
قلت قوله هذا صحيح مستقيم على تقدير أن تلك الألفاظ لم تصر عرفا قال فحينئذ إنما تصير هذه الألفاظ موجبة لما ذكره مالك رحمه الله تعالى بنقل العرف لها في رتب أحدها أن ينقلها العرف عن الإخبار إلى الإنشاء وثانيها أن ينقلها لرتبة أخرى وهي إنشاء زوال العصمة الذي هو إنشاء خاص أخص من مطلق الإنشاء لأنها لا يلزم من نقلها للإنشاء أن تفيد زوال العصمة لأن أصل الإنشاء أعم من زوال العصمة فقد يصدق بإنشاء البيع أو العتق أو غير ذلك
والقاعدة أن الدال على الأعم غير دال على الأخص فلا تدل بنقلها إلى أصل الإنشاء على زوال العصمة بل لا بد من نقلها إلى خصوصه فتفيد زوال العصمة حينئذ
قلت كلامه هذا يوهم أن هذه الألفاظ يتأتى أن تدل على مطلق الإنشاء دون خصوصه وذلك غير متجه بل لا بد أن تدل على إنشاء خاص فالنقل إذا ليس له رتب غايته أن يكون نقله لغير زوال العصمة أو لزوالها
قال شهاب الدين وثالثها أن ينقلها العرف إلى الرتبة الخاصة من العدد إلى قوله أو أصل الطلاق
قلت وهذا كما تقدم في الرتبة الثانية
هامش إدرار الشروق
في المختلف فيه بل ولو لم يراجعها وعاشرها معاشرة الأزواج فالقواعد تقتضي لحوق الطلاق مراعاة لقول الشافعي أنه رجعي مع قول بعض الأئمة كالحنفية أن الجماع يكون رجعة من غير نية الرجعة وهو قول عندنا أيضا كيف وهناك من يقول الحرام لا يخرجها عن عصمته غايته يستغفر الله تعالى ولا شيء عليه كما تقدم ونعوذ بالله تعالى من رقة الدين ا ه
بزيادة وبالجملة فأصل اختلاف الأصحاب في ألفاظ الطلاق كما قال المازري أن اللفظ إن تضمن البينونة والعدد نحو أنت طالق ثلاثا لزم الثلاث ولا ينوي اتفاقا في المدخول بها وغيرها أي لا يصدق في أنه قصد أقل من الثلاث فيهما لا في القضاء ولا في الفتوى نعم يصدق قوله أنه أراد أنها طلقت ثلاث مرات من الولد في الفتوى دون القضاء نظرا للقاعدتين اللغوية والشرعية السابقتين فقبلوا النية في رفع الطلاق بجملته لتحويله لجنس آخر نظرا لجواز دخول المجاز في أسماء الأجناس لأنها من الظواهر ولم يقبلوها في رفع بعض الطلاق نظرا لكون أسماء الأعداد نصوصا لا يدخل فيها المجاز وإن كان الظاهر في بادئ الرأي بطلان ذلك وأن النية إذا قبلت في رفع الكل فأولى أن
____________________

(1/70)


والإنشاءات عند العرب أيضا تتقدم على الشريعة وتكون عرفية ألا ترى أن الرواية والبحر والغائط والخلا ألفاظ كانت العرب تستعملها قبل البعثة ومع ذلك فقد نص أئمة اللغة على أنها مجازات لغوية وحقائق عرفية فإن العوائد قد تحدث مع طول الأيام بعث الله نبينا أم لا فالجاهلية تحدث لها عوائد كما تحدث لنا ومن هذا عقود المعاوضات كانوا يتداولونها إنشاءات وألفاظ عرفية منقولة ومن ذلك القسم إنشاء عرفي وهو متقدم في الجاهلية فلا تنافي بين قولنا الطلاق إنشاء عرفي وبين كونه في الجاهلية قبل الإسلام وإنما القصد أن يعلم أن لفظ الطلاق إنما أزال العصمة بغير الوضع اللغوي بل بالوضع العرفي وإنما هو مجاز عن اللغة لا حقيقة وفائدة الفرق أنه إنما يفيد زوال العصمة بالعرف والعوائد وأنها مدرك إفادته كذلك لتنقلنا معها كيف تنقلت لأنها المدرك وإذا كان الموجب هو الوضع اللغوي وجب الثبوت معه وإلزام الطلاق به حتى تطرأ عادة
هامش أنوار البروق
قال غير أنه قد بقيت في القاعدة التي أشار إليها أغوار لم يفصح بها وهو يريدها وهي أمور أحدها أن هذه الإفادة عرفية إلى قوله فهذا ضابط في النقل لا بد منه قلت ما قاله في ذلك صحيح ظاهر قال فإذا أحطت به علما ظهر لك الحق في هذه الألفاظ إلى قوله فحينئذ يحسن إلزام الطلاق الثلاث بذلك اللفظ قلت وما قاله في هذا الفصل أيضا صحيح قال وإياك أن تقول إنا لا نفهم منه إلا الطلاق الثلاث لأن مالكا قاله أو لأنه مسطور في كتب الفقه لأن ذلك غلط بل لا بد أن يكون ذلك الفهم حاصلا لك من جهة الاستعمال والعادة كما يحصل لسائر العوام إلى قوله بل المسطر في الكتب تابع لاستعمال الناس فافهم ذلك قلت قد تقدم أن المعتمد في قاعدة العقود كلها القصد إليها مع اللفظ المشعر بها وإشعار اللفظ لغوي أصلي أو لغوي عرفي أو شرعي أو عرفي حادث وقتي ففي الفتوى المعتبر النية فإن لم تكن فالوقتي فإن لم تكن فالشرعي فإن لم يكن فاللغوي العرفي فإن لم يكن فاللغوي الأصلي فإن اجتمع في
هامش إدرار الشروق
تقبل في رفع البعض وإن لم يدل إلا على البينونة نظر هل تمكن البينونة بالواحدة أو تتوقف على الثلاث إذا لم تكن معارضة فيه خلاف أو يدل على عدد غالبا
ويستعمل في غيره نادرا فيحمل على الغالب عند عدم النية وعلى النادر مع وجودها في الفتوى وإن تساوى الاستعمال أو تقارب قبلت نيته مع الفتوى والقضاء فإن عدمت النية فقيل يحمل على الأقل استصحابا للبراءة الأصلية وقيل على الأكثر احتياطا والمشهور في الحرام أنها تدل على البينونة وأنها لا تحصل في المدخول بها إلا بالثلاث وفي غيرها بالواحدة ولكونها غالبة في الثلاث حملت قبل الدخول على الثلاث وينوي في الأقل
والقول بعدم البينونة بناء على عدم ثبوتها ووضعها للثلاث في العرف كقوله أنت طالق ثلاثا والقول بالواحدة البائنة مطلقا بناء على حصول البينونة قبل الدخول وبعد الدخول بها وأنها لا تفيد عددا أو نقل عن ابن مسلمة واحدة رجعية بناء على أنها كالطلاق قال وعلى هذه القاعدة تتخرج الفتاوى في الألفاظ ا ه وهو يشير إلى أمور
____________________

(1/71)


ناسخة لاقتضاء ذلك فيكون اللزوم هو الأصل حتى يطرأ الناسخ المبطل وإذا قلنا إنها توجب بالعادة كان الأصل هو عدم اللزوم من قبل اللغة حتى يثبت اللزوم من جهة العرف كما في منطلقة ليس فيه إلا مجرد اللغة فلا جرم لا يزال ينفى عنه اللزوم حتى يتحقق النقل العرفي ويظهر أثر هذا الفرق فيما يتنازع فيه من ألفاظ الطلاق صريحا أو كناية فيكون الحق في صورة النزاع هو عدم اللزوم حتى يثبته النقل العرفي فلا يلزمه طلاق بخلاف ما لو قلنا باللغة كان الحق في المتنازع فيه هو اللزوم حتى يثبت الناسخ وهذا فرق عظيم وأثر عظيم يحتاج إليه الفقيه فيما يعرض له من الألفاظ
المسألة الثالثة وقع في المذهب لمالك رحمه الله ولأصحابه في كتاب التهذيب وغيره أن قول القائل حبلك على غاربك قال فيها مالك يلزمه الطلاق الثلاث ولا تقبل نيته إن أراد أقل منها وخلية وبرية وبائنة قال مني أو منك أو لم يقل أو أبنتك أو رددتك قال
هامش أنوار البروق
اللفظ الأصلي والعرفي والشرعي والوقتي فالمعتبر الوقتي وفي الحكم لا تعتبر النية ويعتبر على ما عداها على ذلك الترتيب والله أعلم
قال شهاب الدين إذا تقرر ذلك فيجب علينا أمور أحدها أن نعتقد أن مالكا أو غيره من العلماء إنما أفتى في هذه الألفاظ بهذه الأحكام إلى قوله تغير الحكم بإجماع المسلمين وحرمت الفتيا بالأولى قلت ما قاله ظاهر صحيح والله أعلم
قال شهاب الدين وإذا وضح لك ذلك اتضح لك أن ما عليه المالكية وغيرهم من الفقهاء في هذه الألفاظ من الفتيا بالطلاق الثلاث هو خلاف الإجماع إلى قوله فتأمل ذلك قلت المستعمل لهذه الألفاظ إن كان استعماله إياها وفيها عرف وقتي لزم حملها عليه وإلا فعلى الشرعي وإلا فعلى العرفي وإلا فعلى اللغوي فإن أفتى الفقيه الوقتي بهذا الترتيب عند وجود العرفي الوقتي فهو مصيب وإن أفتى عند وجود العرفي الوقتي باعتبار العرف الشرعي أو اللغوي العرفي أو اللغوي الأصلي وألغى العرف الوقتي فهو مخطئ
هامش إدرار الشروق
أحدها أن نحو الحرام من الألفاظ التي لم تستعمل في أصل اللغة ولا في عرفها ولا في عرف الشرع في إزالة العصمة إما أن ينقله العرف الحادث الوقتي من موضوعه إلى البينونة فقط أو مع العدد أو أصل الطلاق فتكون إفادتها ذلك بالعرف لا بالوضع اللغوي
وثانيها أن مجرد الاستعمال من غير تكرر لا يكفي في النقل بل لا بد من تكرر الاستعمال بحيث يفهم المنقول إليه بغير قرينة ويكون هو السابق إلى الفهم دون غيره وهذا هو المجاز الراجح فقد يتكرر اللفظ في مجازه ولا يكون منقولا ولا مجازا راجحا ألبتة كاستعمال لفظ الأسد في الرجل الشجاع والبحر في العالم أو السخي والضحى أو الشمس أو القمر أو الغزال في جميل الصورة
وذلك يتكرر على ألسنة الناس تكرارا كثيرا ومع ذلك التكرار الذي لا يحصى عدده لم يقل أحد أن هذه الألفاظ صارت منقولة بل لا تحمل عند الإطلاق إلا على الحقائق اللغوية حتى يدل دليل على أنها أريد بها هذه المجازات ولا بد في كل مجاز منها من النية والقصد إلى استعمال اللفظ فيه فهذا ضابط في النقل لا بد منه فإذا أحطت به
____________________

(1/72)


ابن عبد العزيز ثلاث في المدخول بها ولا ينوي في أقل منها وينوي في غير المدخول بها في طلقة فأكثر فإن لم ينو فثلاث
وقال ربيعة الخلية والبرية والبائن ثلاث في المدخول بها وواحدة في غير المدخول بها قال ابن القاسم وأما قوله أنا منك بائن أو أنت مني بائنة فلا ينوي قبل الدخول ولا بعده بل يلزمه الثلاث وإذا قال في الخلية والبرية والبائن لم أرد طلاقا فإن تقدم من كلامه ما يكون هذا جوابا له صدق وإلا فلا فهذا كله نقل التهذيب
وقال الشافعي النية نافعة فيما ينويه من تعدد وقال أبو حنيفة إن نوى الثلاث لزمه الثلاث أو واحدة فواحدة بائنة وكذلك قولاهما في حبلك على غاربك
وقال ابن حنبل يقع الطلاق بالخلية والبرية والبائن وحبلك على غاربك والحقي بأهلك والبتة والبتلة بغير نية لشهرتها ويلزم بالخلية والبرية والحرام والحقي بأهلك وحبلك على غاربك ولا سبيل لي عليك وأنت علي حرام واذهبي
هامش أنوار البروق
قال شهاب الدين ومن الأغوار التي لم ينبه عليها الإمام أبو عبد الله إلى قوله إن اختلفت السكتان قلت ما قاله هنا صحيح ظاهر والله أعلم قال فهذه قاعدة لا بد من ملاحظتها وبالإحاطة بها يظهر لك غلط كثير من الفقهاء المفتين فإنهم يجرون المسطورات في كتب أئمتهم على أهل الأمصار في سائر الأعصار إلى قوله واختلاف أحوالها قلت إن كانوا فعلوا ذلك مع وجود عرف وقتي ففعلهم خطأ كما قال وإن كانوا فعلوه مع عدم العرف الوقتي فليس بخطأ والله أعلم
قال شهاب الدين فالحق حينئذ أن أكثر هذه الألفاظ التي تقدم ذكرها ليس فيها إلا الوضع اللغوي وإنها كنايات خفية لا يلزم بها طلاق ولا غيره إلا بالنية إلى قوله فهذا هو دين الله تعالى الحق الصريح والفقه الصحيح
قلت ليس الأمر في تلك الألفاظ كما قال بل فيها عرف شرعي أو لغوي فيلزم بها الطلاق من غير تنوية والله أعلم
قال شهاب الدين قاعدة المجاز لا يدخل في النصوص إلى قوله وأسماء الأعداد نصوص لا يجوز دخول المجاز فيها ألبتة
هامش إدرار الشروق
علما ظهر لك الحق في هذه الألفاظ
وهو أنا لا نجد أحدا في زماننا يقول لامرأته عند إرادة تطليقها حبلك على غاربك ولا أنت بريئة ولا وهبتك لأهلك بل هذا لم نسمعه قط من المطلقين ولو سمعناه وتكرر ذلك على سمعنا لم يكف ذلك في اعتقادنا أن هذه الألفاظ منقولة كما تقدم تقريره فالمستعمل لهذه الألفاظ إن كان استعماله إياها وليس فيها عرف وقتي بل كانت لغوية وضعا أو عرفا أو شرعية لزم حملها على مقتضاها الشرعي فاللغوي العرفي فالأصلي في كل زمان وبكل مكان إن كان استعماله إياها وفيها عرف وقتي لزم حملها عليه إن كان عرفا للمستعمل وإلا فالشرعي وإلا فاللغوي العرفي وإلا فاللغوي الأصلي فإن أفتى الفقيه عند وجود العرف الوقتي باعتبار العرف الشرعي أو اللغوي العرفي أو اللغوي الأصلي وألغى العرف الوقتي فهو مخطئ وإن أفتى بالترتيب المذكور عند وجود العرف الوقتي فهو مصيب
وثالثها أن المفتي إذا جاءه رجل يستفتيه عن لفظة من هذه الألفاظ وكان عرف بلد المفتي في هذه
____________________

(1/73)


فتزوجي وغطي شعرك وأنت حرة الثلاث
قال أبو حنيفة في ذلك كله واحدة بائنة قال ابن العربي من أصحابنا في كتاب القبس له الصحيح أن حبلك على غاربك والبائن والخلية والبرية والبتلة والبتة واحدة ولا تزيد على قولك أنت طالق وفي الترمذي عن ابن كنانة عن أبيه عن جده قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إني طلقت امرأتي ألبتة فقال ما أردت فقلت واحدة فقال هي ما أردت فردها إليه قال ابن يونس قال ابن القاسم إن قال وهبت لك صداقك يلزمه ألبتة ولا ينوي
وقال مالك في الكتاب إذا قال بائن مني أو بريء أو خلية لا يصدق في عدم إرادته الطلاق إلا بقرينة تصدقه وإذا قال كل حلال علي حرام تحرم عليه أزواجه نواهن أم لا إلا أن يخرجهن بنيته أو بلفظه ولا يحرم عليه غيرهن قال ابن يونس قال أصبغ الحلال علي حرام أو حرام علي ما أحله الله أو كل ما
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله صحيح ظاهر
قال قاعدة كل لفظ لا يجوز دخول المجاز فيه لا تؤثر النية في صرفه عن موضوعه إلى قوله وهي قاعدة شرعية محمدية قلت ما قاله أيضا صحيح والله أعلم
قال وعلى هاتين القاعدتين ترتب قول مالك ومن وافقه من العلماء بأن القائل أنت حرام أو ألبتة أو غير ذلك من الألفاظ لا ينوي في أقل من الثلاث إلى قوله للقاعدتين المتقدمتين قلت ما قاله هنا صحيح ويلزم عن ذلك أن لفظ أنت حرام وطالق ألبتة ثبت فيها عرف إما شرعي أو لغوي بخلاف ما قاله قبل
قال وبهذا يظهر لك الفرق بين قول القائل أنت طالق ثلاثا ويريد اثنتين لا تسمع نيته في القضاء ولا في الفتيا أو يريد أنها طلقت ثلاث مرات من الولد فتسمع نيته في الفتيا دون القضاء لأن الأول أدخل النية في لفظ العدد فامتنع والثاني أدخل النية في اسم جنس الطلاق فحوله لطلق الولد وبقي العدد في ذلك الجنس الذي تحول إليه اللفظ لم يتعرض له بالنية إلى قوله والسر ما تقدم تقريره
هامش إدرار الشروق
الألفاظ الطلاق الثلاث أو غيره من الأحكام لا يفتيه بحكم بلده بل يسأله هل هو من بلد أهل المفتي فيفتيه حينئذ بحكم ذلك البلد أو هو من بلد آخر فيسأله حينئذ عن المشتهر في ذلك البلد فيفتيه به
ويحرم عليه أن يفتيه بحكم بلده كما لو وقع التعامل ببلد غير بلد الحاكم حرم على الحاكم أن يلزم المشتري بسكة بلده بل بسكة بلد المشتري إن اختلف السكتان فهذه قاعدة لا بد من ملاحظتها وبالإحاطة بها يظهر لك أن إجراء الفقهاء المفتين للمسطورات في كتب أئمتهم على أهل الأمصار في سائر الأعصار إن كانوا فعلوا ذلك مع وجود عرف وقتي ففعلهم خطأ على خلاف الإجماع وهم عصاة آثمون عند الله تعالى غير معذورين بالجهل لدخولهم في الفتوى وليسوا أهلا لها ولا عالمين بمداركها وشروطها واختلاف أحوالها وإن كانوا فعلوه مع عدم العرف الوقتي فليس بخطأ وسبب اختلاف الصحابة رضي الله تعالى عنهم في هذه الألفاظ ومن بعدهم من العلماء هو اختلافهم في تحقيق وقوع النقل العرفي هل وجد فيتبع أم لم يوجد فيتبع
____________________

(1/74)


انقلب إليه حرام كله تحريم
وقال ابن عبد الحكم في حرام لا شيء عليه إذا كان في بلد لا يريدون به الطلاق وقال ابن القاسم إن أراد بقوله أنت حرام الكذب بالإخبار عن كونها حراما وهي حلال حرمت ولا ينوي
قال صاحب الاستذكار في الحرام أحد عشر قولا قال مالك يلزمه الثلاث في المدخول بها وينوي في غير المدخول بها وقال الشافعي لا يلزمه شيء حتى ينوي واحدة فتكون رجعية
وإن نوى تحريمها بغير طلاق لزمه كفارة يمين ولا يكون موليا وقال أبو حنيفة إن نوى الطلاق فواحدة وإن نوى اثنتين أو الثلاث فواحدة بائنة وإن لم ينو فكفارة يمين وهو مول وإن نوى الكذب فليس بشيء وقال سفيان إن نوى واحدة فبائنة أو الثلاث فالثلاث أو يمينا فيمين ولا فرقة ولا يمين بكذبة لا شيء فيها
وقال الأوزاعي له ما نوى وإلا فيمين تكفر وقال إسحاق كفارة الظهار ولا يطؤها حتى يكفر وقيل يمين يكفرها ما يكفر اليمين لقول الله تعالى يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك إلى قوله قد فرض الله لكم تحلة
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله هنا صحيح أيضا والله أعلم
قال شهاب الدين فإن قلت ما ذكرته من الحق متعين اتباعه فما سبب اختلاف الصحابة رضوان الله تعالى عليهم في هذه الألفاظ إلى قوله فلا تنافي بين صحة هذه المدارك وبين اختلافهم في وجودها وترتيب الأحكام عليها قلت ما قاله هنا متجه وممكن أن يكون ما ذكره سبب اختلافهم والله أعلم
قال فإن قلت فلعل مدرك مالك رحمه الله نص أو قياس فتستمر فتاويه في جميع الأعصار والأمصار إلى آخر الجواب قلت قد سبق القول في ذلك وأن المعتبر العرف الوقتي إن كان وإلا فالشرعي وإلا فاللغوي وإلا فالأصلي فإن أراد ذلك فما قاله صحيح
قال المسألة الرابعة أن الإنشاء كما يكون بالكلام اللساني يكون بالكلام النفساني ولذلك صور الأولى أن الله سبحانه وتعالى أنشأ السبب في زوال الشمس لوجوب الظهر وأنزل القرآن الكريم دالا على ما قام بذاته
هامش إدرار الشروق
موجب اللغة وإذا وجد النقل فهل وجد في أصل الطلاق فقط أو فيه مع البينونة أو مع العدد كما تقدم تقريره وإذا لم يوجد نقل عرفي وبقي موجب اللغة فهل يلاحظ نصوص اقتضت الكفارة في مثل هذه أو لا أو القياس على بعض الأحكام فيكون المدرك هو القياس لا النص فقد اتفقوا على هذه المدارك غير أنه لم يتضح وجودها عند بعضهم واتضح عند البعض الآخر وقع اختلافهم في الحكم فلو وقع اتفاقهم على وجودها لوقع الاتفاق على الحكم وارتفع الخلاف فلا تنافي بين صحة هذه المدارك وبين اختلافهم في وجودها وترتب الحكم عليها وكذلك مدرك من بعدهم من العلماء كالإمام مالك وسائر الأئمة وهو اعتبار العرف الوقتي إن كان وإلا فالشرعي وإلا فاللغوي وإلا فالأصلي لا القياس ولا النص بالاستقراء
____________________

(1/75)


أيمانكم وكان عليه السلام قد حرم سريته مارية وقال الشعبي تحريم المرأة كتحريم المال لا شيء فيه لقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم وقيل واحدة بائنة وقال سعيد بن جبير عتق رقبة وقال ابن عباس يمين مغلظة وفي الجواهر المشهور لزوم الثلاث وينوي في غير المدخول بها
وقال عبد الملك لا ينوي وقال ابن عبد الحكم ينوي واحدة في غير المدخول بها وعن مالك واحدة بائنة وإن كانت مدخولا بها
قال الإمام أبو عبد الله المازري وأصل اختلاف الأصحاب في الألفاظ أن اللفظ إن تضمن البينونة والعدد نحو أنت طالق ثلاثا لزم الثلاث ولا ينوي اتفاقا في المدخول بها وغير المدخول بها أو يدل على البينونة فقط فينظر هل تمكن البينونة بالواحدة أو تتوقف على الثلاث إذا لم تكن معارضة فيه خلاف أو يدل على عدد غالبا ويستعمل في غيره نادرا فيحمل على الغالب عند عدم النية وعلى
هامش أنوار البروق
من هذا الإنشاء بقوله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى قوله وفي حق الله تعالى قديم قلت ما قاله في ذلك صحيح
قال فإن قلت كيف يتصور الإنشاء القديم وليس في الأزل من يطلب منه شيء إلى آخر الجواب الأول قلت قوله في هذا الجواب على تقدير وجوده إن أراد بتقدير الوجود الاحتمال الذي يلزمه التردد كما في حقنا فليس ذلك بصحيح وإن أراد مجرد الإمكان فذلك صحيح والمراد أن التكليف لا يتعلق إلا بمن يمكن وجوده وليس المراد أن يتحقق وجوده وحينئذ يتعلق به التكليف
قال وعن الثاني أن ذلك الفرق إنما هو في الإنشاء والخبر اللغويين باعتبار الوضع اللغوي إلى قوله فلا تلزم منافاة الأزل للإنشاء النفساني ولا الحدوث قلت ما قاله في هذا الجواب صحيح
قال فإن قلت لم يجوز أن تكون هذه الأمور إخبارات عن إرادة وقوع العقاب إلى آخر جوابه عن هذا السؤال
هامش إدرار الشروق
والإجماع
أما الاستقراء فله وجهان أحدهما أنه لا يمكن أن يكون مدركهم في حملهم هذه الألفاظ على ما ذكروه من الإنشاء لا على ما تقتضيه اللغة من الخبر وهو القياس أو النص فإنا نعلم مسائل الطلاق وشرائط القياس وليس فيها ما يقتضي القياس على ما ذكروه ولا فيها آية من كتاب الله تعالى تقتضي أكثر مما قاله القائلون بالكفارة التي دلت عليها آية التحريم ولم نجد أحدا من العلماء في كتب الفقه والخلاف روى في هذه الأحكام حديثا عن أحد من الصحابة أو التابعين وقد وقعت هذه المسألة بينهم رضي الله تعالى عنهم بلا شبهة
وثانيهما أن قاعدة الفقهاء وعوائد الفضلاء أنهم يجعلون ما ظفروا به وفقدوا غيره من المدرك المناسب للفرع معتمدا لذلك الفرع في حق الإمام المجتهد الأول الذي أفتى بذلك الفرع وفي حقهم أيضا في الفتيا والتخريج ونحن قد استقرأنا هذه المسائل فلم نجد لها مدركا مناسبا إلا اعتبار العرفي الوقتي إلخ فوجب
____________________

(1/76)


النادر مع وجودها في الفتوى وإن تساوى الاستعمال أو تقارب قبلت نيته في الفتوى والقضاء فإن عدمت النية فقيل يحمل على الأقل استصحابا للبراءة الأصلية وقيل على الأكثر احتياطا والمشهور في الحرام أنها تدل على البينونة وأنها لا تحصل في المدخول بها إلا بالثلاث وفي غيرها بالواحدة ولكونها غالبة في الثلاث حملت قبل الدخول على الثلاث وينوي في الأقل والقول بعدم البينونة بناء على عدم ثبوتها ووضعها للثلاث في العرف كقوله أنت طالق ثلاثا والقول بالواحدة البائنة مطلقا بناء على حصول البينونة قبل الدخول وبعد الدخول وأنها لا تفيد عددا
ونقل عن ابن مسلمة واحدة رجعية بناء على أنها كالطلاق قال وعلى هذه القاعدة تتخرج الفتاوى في الألفاظ قلت معنى التحريم في اللغة المنع فقوله أنت علي حرام معناه الإخبار عن كونها ممنوعة فهو كذب لا يلزم فيه إلا التوبة في الباطن والتعزير في الظاهر
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله في ذلك صحيح واضح قال الصورة الثالثة قوله تعالى في جزاء الصيد يحكم به ذوا عدل منكم إلى آخر المسألة قلت ما قاله في ترجيح المذهب والفرق بين الفتوى والحكم وتخريج الجواب على ذلك ظاهر والله أعلم
قال المسألة الخامسة اختلف العلماء في الطلاق بالقلب من غير نطق إلى آخر المسألة قلت ما قاله في ذلك صحيح ظاهر
قال المسألة السادسة في بيان الفرق بين الصيغ التي يقع بها الإنشاء الواقع اليوم في العادة إن الشهادة تصح بالمضارع إلى آخر المسألة قلت ما قاله في هذه المسألة من اعتبار معينات الألفاظ مبني على مذهب من يشترطها كما قال فيصح تنقل العادات فيها بحسب العرف الحادث كما ذكر والله أعلم
قال شهاب الدين فصل قد تقدم تذييل الإنشاء بمسائل توضحه وهي حسنة في بابها فنذيل الخبر أيضا بثمان مسائل غريبة مستحسنة في بابها تكون طرفة للواقف
المسألة الأولى إذا قال كل ما قلته في هذا البيت كذب ولم يكن قال شيئا في ذلك البيت قيل هذا القول يلزم منه أمران محالان
هامش إدرار الشروق
جعل ذلك مدرك الأئمة إفتاء وتخريجا وعدم العدول عن ذلك كما يشهد لذلك أن مما أجمع عليه الفقهاء القياسون وأهل النظر والرأي والاعتبار أنا في كلام الشرع إذا ظفرنا بالمناسبة جزمنا بإضافة الحكم إليها مع تجويز أن لا يكون الحكم كذلك عقلا لأن الاستقراء أوجب لنا أن لا نعرج على غير ما وجدناه ولا نلتزم التعبد مع وجود المناسب فأولى أن نفعل ذلك في كلام غير صاحب الشريعة بل نحمل كلام العلماء على المناسب لتلك الفتاوى السالم عن المعارض نعم إذا وجدنا مناسبين تعارضا أو مدركين تقابلا فحينئذ يحسن التوقف
وأما الإجماع فقد قدمنا لك كلام الإمام أبي عبد الله المازري إمام الفقه وأصوله وحافظ متقن لعلم الحديث وفنونه وله في جميع ذلك اليد البيضاء والرتبة العالية المفيد أن سبب الخلاف في هذه المسألة ما ذكر فكفى به قدوة في مدرك هذه الفروع ومتعمدا في ضوابطها وتلخيصها وقد تابعه على ذلك جماعة من الشيوخ والمصنفين ولم نجد لهم مخالفا فكان ذلك إجماعا من أئمة المذهب فالتشكيك بعد ذلك إنما هو
____________________

(1/77)


كسائر أنواع الكذب ليس في مقتضاها لغة إلا ذلك وكذلك خلية معناه في اللغة الإخبار عن الخلاء وأنها فارغة وأما مم هي فارغة فلم يتعرض اللفظ له وكذلك بائن معناه لغة المفارقة في الزمان أوالمكان وليس فيه تعرض لزوال العصمة فهي إخبارات صرفة ليس فيها تعرض للطلاق ألبتة من جهة اللغة فهي إما كاذبة وهو الغالب وإما صادقة إن كانت مفارقة له في المكان ولا يلزم بذلك طلاق كما لو صرح وقال لها أنت في مكان غير مكاني وحبلك على غاربك معناه الإخبار عن كونها حبلها على كتفها وأصله أن الإنسان إذا كان يرعى بقرة وقصد التوسعة عليها في المرعى ترك حبلها من يده ووضعه على غاربها وهو كتفها فتنتقل في المرعى كيف شاءت فإذا لم تكن هناك نية كان إخباره عن كون المرأة كذلك كذبا وإن قصد الاستعارة والمجاز والتشبيه بينها وبين البقرة في أنها تصير مطلقة التصرف لا
هامش أنوار البروق
عقلا أحدهما ارتفاع الصدق والكذب عن الخبر وهما خصيصة من خصائصه وارتفاع خصيصة الشيء عنه مع بقائه محال إلى آخر كلامه في كلا الأمرين بتقرير الإشكال قلت ما قاله من لزوم ارتفاع الصدق والكذب عن هذا الكلام ظاهر
قال والجواب أنا نختار أن هذا الخبر كذب وتقريره أن الكذب هو القول الذي ليس بمطابق إلى منتهى قوله وكذلك نجيب عن ارتفاع النقيضين بأن نقول الواقع منهما عدم المطابقة بالتفسير العام المتقدم ذكره قلت هو جواب حسن غير أنه يبقى إشكال آخر وهو ما إذا قال كل ما قلته في هذا البيت فهو كذب ثم قال كل ما قلته في هذا البيت فهو صدق فإن الصدق والكذب خبران وقد أخبر بهما عن مخبر واحد فلا بد أن يصدق أحد خبريه ويكذب الآخر وإلا أدى ذلك إلى اجتماع الضدين وقياس الجواب الذي ذكره يقتضي أنه إذا قال كل ما قلته في هذا البيت فهو صدق أن خبره ذلك كذب إذا كان لم يقل في ذلك البيت شيئا فلازم ذلك أن إخباره عما قاله في البيت بأنه صدق وبأنه كذب إخبار كذب فقد اجتمع الضدان
والجواب عن هذا الإشكال أن الضدين لم يجتمعا في
هامش إدرار الشروق
طلب للجهل الوبيل وسبيل لغواية التضليل والله أعلم
المسألة الرابعة يكون الإنشاء بالكلام النفساني كما يكون بالكلام اللساني ولذلك ثلاث صور الصورة الأولى الأسباب والشروط والموانع الشرعية إن شاء الله تعالى في إفرادها وما ورد من الكتاب والسنة في ذلك إنما هو أدلة على ما قام بذات الله تعالى من هذه الإنشاءات لا نفسها وإلا يلزم اتحاد الدليل والمدلول فأنشأ تعالى السببية في زوال الشمس لوجوب الظهر وأنزل قوله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس دالا على ما قام بذاته من هذا الإنشاء وكذلك إنشاء الشرطية في الزكاة وفي الحول وفي الصلاة في الطهارة والمانعية من الميراث في الكفر ومن الصلاة في الحدث وجعل ما ورد في ذلك دالا على ما قام بذاته من هذه الإنشاءات
الصورة الثانية الأحكام الخمسة الشرعية وهي الوجوب والندب والتحريم والكراهة والإباحة كلها قائمة بذاته تعالى عند أهل الحق والكتاب والسنة وغير ذلك من أدلة الشرع إنما هي أدلة على ما قام بذاته تعالى من ذلك وكذلك الواحد منا إذا قال لغلامه اسقني فقد أنشأ في نفسه إيجابا وطلبا للماء قبل
____________________

(1/78)


حجر عليها من قبل الأزواج بسبب زوال العصمة كما تبقى البقرة في مرعاها كذلك فهذا لا يتحقق إلا مع النية كسائر المجازات إذا فقدت فيها النية كان اللفظ منصرفا بالوضع للحقيقة فيصير كذبا
وكذلك جميع ما ذكر من ألفاظ الطلاق فحينئذ إنما تصير هذه الألفاظ موجبة لما ذكره مالك رحمه الله بنقل العرف لها في رتب أحدها أن ينقلها العرف عن الإخبار إلى الإنشاء
وثانيها أن ينقلها لرتبة أخرى وهي زوال العصمة بالإنشاء الذي هو إنشاء خاص أخص من مطلق الإنشاء لأنه لا يلزم من نقلها للإنشاء أن تفيد زوال العصمة لأن أصل الإنشاء أعم من زوال العصمة فقد يصدق بإنشاء البيع أو العتق أو غير ذلك
والقاعدة أن الدال على الأعم غير دال على الأخص فلا تدل بنقلها إلى أصل الإنشاء على زوال العصمة بل لا بد من نقلها إلى خصوصه فتفيد زوال العصمة حينئذ
هامش أنوار البروق
ثبوت وذلك هو الاجتماع الممتنع وأما الاجتماع في النفي فغير ممتنع وكون كلا الخبرين كذبا نفي لكن يبقى أن يقال اجتماع الضدين في الانتفاء غير ممتنع إذا كانا غير منحصرين بل يكون لهما ضد ثالث أما إذا كانا منحصرين فهما كالنقيضين لا يصح اجتماعهما في ثبوت ولا انتفاء والصدق والكذب منحصران فلا يصح ثبوتهما لخبر واحد ولا انتفاؤهما معا وبالجملة المسألة مشكلة بناء على كون الخبر لا بد أن يكون صدقا أو كذبا أما إذا قال قائل يكون في الإخبار ما ليس بصدق ولا كذب فقول القائل كل ما قلته في هذا البيت كذب أو كل ما قلته في هذا البيت صدق من هذا الضرب الذي تعرى عن الصدق والكذب فلا يلزم على مقتضي قوله إشكال ويكون الخبر ثلاثة أقسام صدق وكذب ولا صدق ولا كذب وتقرير ذلك بأن الخبر إما أن يكون عن مخبره لا بالوقوع ولا بعدم الوقوع وإما أن يكون بالوقوع أو بعدم الوقوع فإن كان الخبر عن مخبره لا بالوقوع ولا بعدم الوقوع فهذا الخبر لا يتصف لا بالصدق ولا بالكذب وإن كان الخبر عن مخبره بالوقوع أو بعدم الوقوع فإما أن يطابق أو لا يطابق فإن طابق فهو الصدق
وإن لم يطابق فهو الكذب وبهذا التقرير تصح القسمة المنحصرة ويبطل حينئذ حد الخبر أو رسمه بأنه القول الذي يلزمه الصدق أو الكذب ويحد أو
هامش إدرار الشروق
الدلالة عليه بلفظه
وكذلك النهي وغير ذلك غير أن إنشاء الخلق لهذه الأمور حادث وفي حق الله تعالى قديم بمعنى أن الله تعالى في الأزل يوجب مثلا على من يمكن وجوده مجتمع الشرائط مزال الموانع فيتقدم منه تعالى الطلب على وجود المطلوب كما أن أحدنا يجد في نفسه طلب تحصيل العلم والفضائل من ولدان رزقه وهو الآن لا ولد له فيتقدم منا الطلب على وجود المطلوب وكون الإنشاء لا بد وأن يكون طارئا على الخبر كما مر إنما هو في الإنشاء والخبر اللغويين أما الكلام النفسي فواحد يختلف باختلاف متعلقاته فإن تعلق بأحد النقيضين الوجود أو العدم على وجه التبع فهو الخبر وإن تعلق بأحدهما على وجه الترجيح فإن كان طرف الوجود فهو الإيجاب أو في طرف العدم فهو التحريم أو تعلق بالتسوية بينهما فهو
____________________

(1/79)


وثالثها أن ينقلها العرف إلى الرتبة الخاصة من العدد وهي الثلاث فإن زوال العصمة أعم من زوالها بالعدد الثالث فهذه رتب ثلاث لا بد من نقل العرف اللفظ إليها حتى يفيد اللفظ الثلاث فهذه الرتب التي أشار إليها الإمام أبو عبد الله المازري رحمه الله بقوله إما أن يكون اللفظ يفيد البينونة أو البينونة مع العدد أو أصل الطلاق غير أنه قد بقيت في القاعدة التي أشار إليها أغوار لم يفصح بها وهو يريدها وهي أمور أحدها أن هذه الألفاظ عرفية لا لغوية وأنها تفيد بالنقل العرفي لا بالوضع اللغوي وثانيها أن مجرد الاستعمال من غير تكرر لا يكفي في النقل بل لا بد من تكرر الاستعمال إلى غاية يصير المنقول إليه يفهم بغير قرينة
ويكون هو السابق إلى الفهم دون غيره وهذا هو المجاز الراجح فقد يتكرر اللفظ في مجازه ولا يكون منقولا ولا مجازا راجحا ألبتة كاستعمال لفظ الأسد في الرجل الشجاع والبحر في العالم أو السخي
هامش أنوار البروق
يرسم بأنه القول الذي يقصد قائله به تعريف المخاطب بأمر إما هذا أو ما يشبهه أو يقاربه فإن قيل التعريف هو الإخبار ففيه حد الشيء بنفسه فالجواب أن هذه الرسوم تقريب لا تحقيق والتحقيق أن الخبر معروف وغيره وهو المسمى بالإنشاء معروف والله أعلم
قال شهاب الدين ومثل هذا الخبر قوله كل ما تكلمت به في جميع عمري كذب وكان لم يكذب قط فهذا الخبر كذب قطعا لأنه إن أراد الأخبار المتقدمة في عمره فهو كاذب لأنها كانت صدقا قلت ما قاله في ذلك صحيح
قال وإن أراد هذا الخبر الأخير وحده فهو ليس بصدق لعدم خبر آخر يطابقه قلت ما ذكره من احتمال إرادة هذا الخبر بعيد جدا لأن لفظه كل ما للعموم وهي نص فيه لا سيما مع اقترانها بقوله في جميع عمري والذي يتجه أن يقال إن أراد أن كل ما قاله ما عدا هذا الخبر فهو كاذب لصدقه فيما قال وإن أراد حتى هذا الخبر فهو كاذب أيضا لا لعدم خبر يطابقه هذا الخبر
هامش إدرار الشروق
الإباحة ولا ترتيب بين هذه الأنواع بل بينها وبين أصل الكلام رتبة عقلية لا زمانية لأن العقل يقضي بتقديم العام على الخاص بالرتبة تقديما عقليا لا زمانيا فلا تلزم منافاة الأزل للكلام النفساني ولا الحدوث وكون هذه الأحكام إنشاءات لا إخبارات عن إرادة وقوع العقاب على من خالف وعصى يتضح بوجهين أحدهما أنها لا تقبل التصديق والتكذيب
وثانيهما أنها لو كانت إخبارات عن إرادة العقاب للزم إما وجوب عقاب كل عاص وإما الخلف والثاني محال على الله تعالى والأول باطل لإجماعنا على حصول العفو في كثير من الصور التي لا تحصى وللنصوص الدالة على ذلك من الكتاب والسنة قال الله تعالى وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات وقال عليه الصلاة والسلام الندم توبة والإسلام يجب ما قبله وللصورة الثالثة اختلفت أقوال الأئمة في قوله تعالى جزاء الصيد يحكم به ذوا عدل منكم والصحيح قول مالك رحمه الله تعالى الواجب في الصيد مثله من النعم بطريق الأصالة ثم يقوم الصيد ويقع التخيير بين المثل والإطعام والصوم كما تقرر في كتب الفقه
وأما قول الشافعي رضي الله تعالى عنه
____________________

(1/80)


والضحى أو الشمس والقمر والغزال في جميل الصورة وذلك يتكرر على ألسنة الناس تكرارا كثيرا ومع ذلك التكرار الذي لا يحصى عدده لم يقل أحد إن هذه الألفاظ صارت منقولة بل لا تحمل عند الإطلاق إلا على الحقائق اللغوية حتى يدل دليل على أنها أريد بها هذه المجازات ولا بد في كل مجاز منها من النية والقصد إلى استعمال اللفظ فيه فعلمنا حينئذ أن النقل لا بد أن يكون بتكرر الاستعمال فيه إلى حد يصير المتبادر منه للذهن والفهم هو المجاز الراجح المنقول إليه دون الحقيقة اللغوية فهذا ضابط في النقل لا بد منه فإذا أحطت به علما ظهر لك الحق في هذه الألفاظ وهو أنا لا نجد أحدا في زماننا يقول لامرأته عند إرادة تطليقها حبلك على غاربك ولا أنت برية ولا وهبتك لأهلك هذا لم نسمعه قط من المطلقين ولو سمعناه وتكرر ذلك على سمعنا لم يكف ذلك في اعتقادنا أن هذه الألفاظ منقولة كما تقدم تقريره وأما لفظ الحرام فقد اشتهر في زماننا في
هامش أنوار البروق
بل لإخباره بقضية كلية تقتضي شمول الكذب جميع أقواله في جميع عمره وقد فرض صادقا فيما عدا هذا الخبر
قال شهاب الدين وهو قد أخبر أنه غير مطابق لنفسه فهو مخبر أن خبره هذا الأخير خبران أحدهما غير مطابق للآخر وهو ليس خبرين فيكون كذبا قطعا سواء أراد الأخبار المتقدمة أو أراد هذا الأخير هذا الذي اعتمده فخر الدين وغيره قلت لا يلزم من إخباره أن هذا الخبر غير مطابق لنفسه أن يكون مخبرا أن خبره هذا خبران قال والذي أعتقده أن هذا الخبر لا يقطع بكذبه لجواز أن يريد الخبر الأخير وحده ويكون عدم مطابقته لعدم ما تمكن المطابقة معه فهو غير مطابق بالمعنى الأعم كما تقدم تقريره فقوله إنه كذب صدق على هذا التقرير فلا يقطع بكذب هذا الخبر لهذا الاحتمال قلت قد سبق أن هذا الاحتمال كالممتنع مع أن فيه أمرا آخر وهو أن هذا الخبر بعينه صدق وكذب معا وذلك لا يصح أصلا وما سبب هذا الارتباك والتخبط الذي لا يعقل إلا التزام أن الخبر لا يخلو عن الصدق والكذب أما إذا قلنا يخلو عنهما ارتفع الإشكال لا محالة

هامش إدرار الشروق
لا يتصور الحكم فيما أجمع عليه الصحابة رضوان الله تعالى عليهم فإن الحكم لا بد فيه من الاجتهاد والاجتهاد من مواقع الإجماع لا يصح لأنه سعي في تخطئة المجمعين فيكون العام مخصوصا بصور الإجماع فجوابه أن الحكمين في زماننا ينشئان الإلزام على قاتل الصيد ويكون مدركهما في ذلك هو الإجماع في الصورة المجمع عليها والنصوص والأقيسة في الصورة التي لم يجمع عليها فالحكم في زماننا عام في الجميع والنص باق على العموم ولا حاجة لتخصيصه ويوضح ذلك ما تقرر من الفرق بين الفتوى والحكم وبين المفتي والحاكم من أن الحكم إنشاء لنفس ذلك الإلزام إن كان الحكم فيه أو لنفس تلك الإباحة والإطلاق إن كان الحكم فيها كحكم الحاكم بأن الموات إذا بطل إحياؤه صار مباحا لجميع الناس والفتوى بذلك إخبار صرف عن صاحب الشرع وأن الحاكم ملزم والمفتي مخبر وأن نسبتهما لصاحب الشرع كنسبة نائب الأحكام والمترجم عنه فنائبه ينشئ أحكاما لم تقرر عند مستنيبه بل ينشئها على قواعده كما ينشئها
____________________

(1/81)


أصل إزالة العصمة فيفهم من قول القائل أنت علي حرام أو الحرام يلزمني أنه طلق امرأته أما أنه طلقها ثلاثا فإنا لا نجد في أنفسنا أنهم يريدون ذلك في الاستعمال هذا قوله فيما يتعلق بمصر والقاهرة
فإن كان هناك بلد آخر تكرر الاستعمال عندهم في الحرام أو غيره من الألفاظ الثلاث حتى صار هذا العدد هو المتبادر من اللفظ فحينئذ يحسن إلزام الطلاق الثلاث بذلك اللفظ وإياك أن تقول إنا لا نفهم منه إلا الطلاق الثلاث لأن مالكا رحمه الله قاله أو لأنه مسطور في كتب الفقه لأن ذلك غلط بل لا بد أن يكون ذلك الفهم حاصلا لك من جهة الاستعمال والعادة كما يحصل لسائر العوام كما في لفظ الدابة والبحر والرواية فالفقيه والعامي في هذه الألفاظ سواء في الفهم لا يسبق إلى إفهامهم إلا المعاني المنقول إليها فهذا هو الضابط لا فهم ذلك من كتب الفقه فإن النقل إنما يحصل باستعمال الناس لا بتسطير ذلك في الكتب بل المسطر في الكتب تابع لاستعمال الناس فافهم ذلك إذا تقرر ذلك فيجب علينا أمور أحدها أن نعتقد أن مالكا أو غيره من العلماء إنما أفتى في هذه الألفاظ بهذه الأحكام لأن زمانهم كان فيه عوائد اقتضت نقل هذه الألفاظ للمعاني
هامش أنوار البروق
قال فإن كذب في جملة عمره أو في جميع ما قاله في هذا البيت ثم قال كل ما تكلمت به في عمري صدق أو جميع ما قلته في هذا البيت صدق إلى منتهى قوله أمكننا أن نجعل الخبر الواحد كذبا ولم يمكنا أن نجعله صدقا قلت ما قاله في ذلك ظاهر ومبني على الفرق الذي قرره بين الصدق والكذب وأن الصدق لا بد فيه من المطابقة فيلزم سبق مخبر عنه بخلاف الكذب لا يشترط فيه عدم المطابقة بل ذلك أو عدم مخبر عنه ألبتة
قال فتأمل هذا الفرق ولاحظ فيه أن الكذب أعم والأعم قد يوجد حيث لا يوجد الأخص فأما الإمام فخر الدين وغيره فقد سوى بين البابين إلى آخر المسألة قلت الأصح ما قاله الفخر وغيره والله أعلم
وتتضح المسألة بالتقسيم الحاضر فنقول لا يخلو قائل كل ما تكلمت به في جميع عمري كذب أن يكون تكلم قبل هذا الكلام أو لم يتكلم فإن تكلم فلا يخلو أن يكون تكلم بكذب أو بصدق وكذب فإن كان تكلم بكذب لا غير فكلامه هذا صادق
هامش إدرار الشروق
الأصل
ولا يحسن من مستنيبه أن يصدقه فيما حكم به ولا يكذبه بل يخطئه أو يصوبه باعتبار المدرك الذي اعتمده والمترجم يخبر عما قاله الحاكم لمن لا يعرف كلام الحاكم لعجمته أو لغير ذلك من موانع الفهم فللحاكم أن يصدقه إن صدق ويكذبه إن كذب وقد وضع الأصل في هذا الفرق كتابا نفيسا فيه أربعون مسألة تتعلق بتحققه سماه بالأحكام في الفرق بين الفتاوى والأحكام وتصرف القاضي والإمام وأما قول أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه النص باق على عمومه غير أن الواجب في الصيد إنما هو القيمة على طريق الفاصل الشاهد مستدلا بأربعة أمور أحدها أن الجزاء جعله قوله تعالى فجزاء مثل ما قتل من النعم للمثل لا للصيد نفسه فالنعم واجبة في المثل الذي هو القيمة لا للصيد نفسه
____________________

(1/82)


التي أفتوا بها فيها صونا لهم عن الزلل وثانيها أنا إذا وجدنا زماننا عريا عن ذلك وجب علينا أن لا نفتي بتلك الأحكام في هذه الألفاظ لأن انتقال العوائد يوجب انتقال الأحكام كما نقول في النقود وفي غيرها فإنا نفتي في زمان معين بأن المشتري تلزمه سكة معينة من النقود عند الإطلاق لأن تلك السكة هي التي جرت العادة بالمعاملة بها في ذلك الزمان فإذا وجدنا بلدا آخر وزمانا آخر يقع التعامل فيه بغير تلك السكة تغيرت الفتيا إلى السكة الثانية وحرمت الفتيا بالأولى لأجل تغير العادة
وكذلك القول في نفقات الزوجات والذرية والأقارب وكسوتهم تختلف بحسب العوائد وتنتقل الفتوى فيها وتحرم الفتوى بغير العادة الحاضرة وكذلك تقدير العواري بالعوائد وقبض الصدقات عند الدخول أو قبله أو بعده في عادة نفتي أن القول قول الزوج في الإقباض لأنه العادة وتارة بأن القول قول المرأة في عدم القبض إذا تغيرت العادة أو كانوا من أهل بلد ذلك عادتهم وتحرم الفتيا
هامش أنوار البروق
وإن كان تكلم بصدق لا غير أو بصدق وكذب فكلامه هذا كذب وإن لم يتكلم قبل هذا الكلام فكلامه هذا كذب على ما سلك الشهاب ولا صدق ولا كذب على ما سلك غيره والله أعلم
قال شهاب الدين المسألة الثانية وعد الله تعالى ووعيده وقع لابن نباتة في خطبة الحمد لله الذي إذا وعد وفى وإذا أوعد تجاوز وعفا إلى آخر المسألة قلت جزم الشهاب بخطأ ابن نباتة ويمكن أن يخرج لكلامه وجه وهو أن وعد الله لا يخصصه إلا الردة لا غير ووعيده يخصصه الإيمان وهو نظير الردة والتوبة والشفاعة والمغفرة ولا مقابل لها في جهة الوعد فلما كان الوعد مخصصاته أقل من مخصصات الوعيد صح أن يفرق بينهما بناء على ذلك وما ذكره من إيهام العفو عمن أريد بالوعيد ليس من الإيهام الممنوع والله أعلم
قال شهاب الدين المسألة الثالثة إذا فرضنا رجلا صادقا على الإطلاق وهو زيد فقلنا زيد ومسيلمة صادقان أو كاذبان استحال ذلك إلى آخر تقرير الإشكال ثم ذكر جواب الفخر بأنه في قوة خبرين أحدهما صادق والآخر كاذب ورد الجواب بتضييق الفرض في السؤال عن المجموع أو يقول المتكلم
هامش إدرار الشروق
وثانيها أنه يلزم على جعل الجزاء للمثل لا للصيد أن قوله تعالى لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم عام في جميع أنواع الصيد لا خاص بما لا مثل له من النعم كالعصافير والنمل وغيرها بخلاف جعل الجزاء للصيد لا للمثل وعدم التخصيص أولى
وثالثها أن الله تعالى اشترط الحكمين وذلك إنما يتأتى باقيا على عمومه إذا جعلنا الجزاء للمثل لا إذا جعلناه للصيد إذ لا يلزم من إجماع الصحابة رضوان الله تعالى عليهم على تقويم صيد أن لا نقومه نحن بعد ذلك لاختلاف القيمة في أفراد النوع الواحد ولا يغني تقويم عن تقويم فيبقى العموم على عمومه في الصحابة ومن بعدهم
ويلزم بعد إجماع الصحابة على أن في الضبع شاة وفي البقرة الوحشية بقرة وفي النعامة بدنة وغير ذلك من الصور التي يفرض حصول الاجتماع فيها أن ذلك يتعين ولا يبقى للحكم منا والاجتهاد بعد ذلك معنى ألبتة إلا في الصور التي لم يجمع فيها الصحابة كالفيل وغيره من أفراد الصيد فيلزم التخصيص وهو على خلاف الأصل
____________________

(1/83)


لهم بغير عادتهم ومن أفتى بغير ذلك كان خارقا للإجماع فإن الفتيا بغير مستند مجمع على تحريمها وكذلك التلوم للخصوم في تحصيل الديون للغرماء وغير ذلك مما هو مبني على العوائد مما لا يحصى عدده متى تغيرت فيه العادة تغير الحكم بإجماع المسلمين وحرمت الفتيا بالأول وإذا وضح لك ذلك اتضح لك أن ما عليه المالكية وغيرهم من الفقهاء من الفتيا من هذه الألفاظ بالطلاق الثلاث هو خلاف الإجماع وأن من توقف منهم عن ذلك ولم يجر المسطورات في الكتب على ما هي عليه بل لاحظ تنقل العوائد في ذلك أنه على الصواب سالم من هذه الورطة العظيمة فتأمل ذلك ومن الأغوار التي لم ينبه عليها الإمام أبو عبد الله المازري أن المفتي إذا جاءه رجل يستفتيه عن لفظة من هذه الألفاظ وعرف بلد المفتي في هذه الألفاظ الطلاق الثلاث أو غيره من الأحكام لا يفتيه بحكم بلده بل يسأله هل هو من أهل بلد المفتي فيفتيه حينئذ بحكم
هامش أنوار البروق
أردت المجموع
وأجاب بأنه خبر كاذب وأنه إن أراد كل واحد منهما فهو خبر كاذب وإن أراد المجموع فكذلك لأن الحقيقة الكلية تنتفي بانتفاء جزئها قلت ما قاله جواب حسن بناء على أن الخبر لا بد أن يكون صدقا أو كذبا وأما أنه لا يخلو عنهما فلا إشكال
قال شهاب الدين المسألة الرابعة إذا قلنا الإنسان وحده ناطق وكل ناطق حيوان فإنه ينتج الإنسان وحده حيوان وهذا كذب قلت أجاب بأن قول القائل الإنسان وحده ناطق في قوة مقدمتين موجبة وسالبة وأكمل جوابه بناء على ذلك وهو جواب حسن ولقائل أن يجيب بأن المقدمة الأولى لما قيد موضوعها بوحده كان يجب أن يذكر الموضوع في الثانية مقيدا بقيده ولو ذكر كذلك لظهر الفساد في المقدمة الثانية إذ ليس الإنسان وحده حيوانا بل هو وغيره ففساد النتيجة لفساد إحدى المقدمتين وهذا الجواب مغن عن الجواب الأول مع أنه حسن
قال شهاب الدين المسألة الخامسة تقول الفول يغذو الحمام والحمام يغذو البازي إلى آخر المسألة
هامش إدرار الشروق
ورابعها أن الصيد متلف يوم المتلفات فتجب فيه القيمة كسائر المتلفات فجوابه عن الأمر الأول أن الآية كما قرئت فجزاء مثل بالإضافة فصارت محتملة لما ذكرناه ولما ذكرتموه كذلك قرئت فجزاء بالتنوين و مثل ما قتل من النعم نعت له فتكون صريحة فيما ذكرناه من كون الجزاء للصيد للمثل فيجب حملها على ما ذكرناه جمعا بين القراءتين
وهو أولى من التعارض وعن الأمر الثاني أن الضمير في قوله تعالى ومن قتله يحمل على الخصوص ويبقى الظاهر وهو مرجعه في قوله تعالى لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم على عمومه من غير تخصيص كما في قوله تعالى إلا أن يعفون خاص بالرشيدات والمطلقات مرجعه على عمومه من غير تخصيص وكذلك قوله تعالى وبعولتهن أحق بردهن خاص بالرجعيات مع بقاء المطلقات مرجعه على عمومه وعن الأمر الثالث ما تقدم من أن الحكمين ينشئان الإلزام وأنه لا ينافي حكم الصحابة رضوان الله تعالى عليهم إذ لو نافاه وكان ردا لحكمهم لكان حكمهم أيضا ردا على رسول الله
____________________

(1/84)


ذلك البلد
أو هو من بلد آخر فيسأله حينئذ عن المشتهر في ذلك البلد فيفتيه به ويحرم عليه أن يفتيه بحكم بلده كما لو وقع التعامل ببلد غير بلد الحاكم حرم على الحاكم أن يلزم المشتري بسكة بلده بل بسكة بلد المشتري إن اختلفت السكتان فهذه قاعدة لا بد من ملاحظتها وبالإحاطة بها يظهر لك غلط كثير من الفقهاء المفتين فإنهم يجرون المسطورات في كتب أئمتهم على أهل الأمصار في سائر الأعصار وذلك خلاف الإجماع وهم عصاة آثمون عند الله تعالى غير معذورين بالجهل لدخولهم في الفتوى وليسوا أهلا لها ولا عالمين بمدارك الفتاوى وشروطها واختلاف أحوالها فالحق حينئذ أن أكثر هذه الألفاظ التي تقدم ذكرها ليس فيها إلا الوضع اللغوي وأنها كنايات خفية لا يلزم بها طلاق ولا غيره إلا بالنية وإن لم تكن له نية لم يلزمه شيء حتى يحصل فيها نقل عرفي كما تقدم بيانه فيجب اتباع ذلك النقل على حسب ما نقل اللفظ إليه من بينونة أو عدد أو غير ذلك فهذا هو دين الله تعالى الحق الصريح والفقه الصحيح

هامش أنوار البروق
قلت جوابه ظاهر صحيح المسألة الخامسة كذب نتيجة المقدمتين الصادقتين في الشكل الأول المنتظم بنحو قولك الفول يغذو الحمام والحمام يغذو البازي ينتج الفول يغذو البازي وهذا خبر كاذب إذ البازي لا يأكل إلا اللحم إنما هو من جهة فوات شرط الإنتاج الذي هو اتحاد الوسط فإن ضابط اتحاده في الشكل الأول أن تأخذ عين خبر المقدمة الأولى فتجعله مبتدأ في الثانية وهنا لم تأخذه بل أخذت مفعوله وجعلته مبتدأ في الثانية ونظيره أن تقول زيد مكرم خالدا وخالد مكرم عمرا ينتج زيد مكرم عمرا وذلك غير لازم لجواز أن يكون زيد عدوا لعمرو فلم يكرمه فظهر أنه متى أخذت مفعول الوسط بطل الإنتاج ومتى أخذته نفسه فهو الذي يحصل به الإنتاج ويصدق معه الخبر الناشئ من القياس
قال المسألة السادسة تقول كل زوج عدد والعدد إما زوج أو فرد إلى آخر المسألة قلت ما ذكره من الجواب صحيح ظاهر قال المسألة السابعة تقول الوتد في الحائط والحائط في الأرض فالوتد في الأرض إلخ قلت ما ذكره في الجواب أيضا صحيح ظاهر الأقولة وكقوله تعالى وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو إنما يعبد فوق ظهرهما فاللفظ حقيقة فإن الفوقية الحقيقية تقتضي الاستقرار والاستقرار يقتضي المماسة وذلك من صفات الحوادث فإن كان أراد ظاهر ذلك اللفظ فهو خطأ
قال المسألة الثامنة قولنا هذا الجبل ذهب لأن كل من قال إنه ذهب قال إنه جسم وكل من قال إنه جسم صادق ينتج أن كل من قال إنه ذهب صادق إلى آخر أجوبته قلت أجوبته صحيحة غير أنه كان الأولى الجواب بأن شرط الإنتاج غير موجود وهو اشتراك
هامش إدرار الشروق
صلى الله تعالى عليه وسلم فإنه عليه الصلاة والسلام حكم في الضبع بشاة أيضا وعن الأمر الرابع أن جزاء الصيد ليس من باب الجوابر بل من باب الكفارات لأنه تعالى سماه كفارة في قوله سبحانه وتعالى أو كفارة طعام مساكين فبطل القياس إذا تقرر هذا كله وثبت أن حكم ذوي العدل منكم في الصيد من مسائل الإنشاء لا الخبر لم يبق إشكال بين إجماع الصحابة السابق والحكم اللاحق فتفطن والله سبحانه وتعالى أعلم
قال المسألة الخامسة اختلف العلماء في الطلاق بالقلب من غير نطق إلى آخر المسألة قلت ما قاله في ذلك صحيح ظاهر
المسألة الخامسة اختلف العلماء في الطلاق بالقلب من غير نطق واختلفت عبارات الفقهاء فيه والعبارة الحسنة ما في الجواهر من أن معنى ذلك الكلام النفساني يعني أنه إذا أنشأ الطلاق بقلبه بكلامه النفساني ولم يلفظ به بلسانه فهو موضع الخلاف لا ما في عبارة الجمهور من أن معناه أن في الطلاق بالنية قولين وما في عبارة الجلاب من أن معناه أن من اعتقد الطلاق بقلبه ولم يلفظ به بلسانه ففيه قولان فإن من
____________________

(1/85)


قاعدة المجاز لا يدخل في النصوص بل في الظواهر فقط فمن أطلق العشرة وأراد السبعة فهو مخطئ لغة ومن أطلق صيغ العموم وأراد الخصوص فهو مصيب لغة لأنها ظواهر وأسماء الأعداد عندهم نصوص لا يجوز دخول المجاز فيها ألبتة
قاعدة كل لفظ لا يجوز دخول المجاز فيه لا تؤثر النية في صرفه عن موضوعه لأن النية لا تصرف اللفظ إلى معنى إلا إذا كان يجوز الصرف إليه لغة هذه قاعدة شرعية والأولى قاعدة لغوية فبنيت الشرعية على اللغوية وهي القاعدة الشرعية المحمدية وعلى هاتين القاعدتين ترتب قول مالك ومن وافقه من العلماء بأن القائل أنت حرام أو ألبتة أو غير ذلك من الألفاظ لا ينوي في أقل من الثلاث بناء على أن اللفظ نقل إلى العدد المعين وهو الثلاث فصار من جملة أسماء الأعداد وأسماء الأعداد لا يدخلها المجاز فلا تسمع فيها النية للقاعدتين المتقدمتين
وبهذا يظهر لك الفرق بين قول القائل أنت طالق ثلاثا ويريد اثنتين لا تسمع نيته في القضاء ولا في الفتوى أو يريد أنها طلقت ثلاث مرات من الولد فتسمع نيته في الفتيا دون القضاء لأن الأول أدخل النية في لفظ العدد فامتنع والثاني أدخل النية في اسم جنس الطلاق فحوله لطلق الولد وبقي العدد في ذلك الجنس الذي تحول إليه اللفظ لم يتعرض له بالنية فدخل المجاز في اسم الجنس لا في العدد والمجاز في أسماء الأجناس جائز بخلاف أسماء الأعداد فقبلت النية في رفع الطلاق بجملته لتحويله لجنس آخر ولم تقبل في رفع بعضه
وهذا يظهر في بادئ الرأي بطلانه وأن النية إذا قبلت في رفع الكل أولى أن تقبل في رفع البعض والسر ما تقدم تقريره

هامش أنوار البروق
المقدمتين في الوسط ولم يشتركا في هذا القول في الوسط ففات شرط الإنتاج ولزمه بفوته الخطأ والكذب
قال شهاب الدين من صفحة 87 إلى 104 فارغه
هامش إدرار الشروق
نوى طلاق امرأته وعزم عليه وصمم ثم بدا له لا يلزمه طلاق إجماعا وكذلك من اعتقد أن امرأته مطلقة وجزم بذلك ثم تبين له خلاف ذلك لم يلزمه طلاق إجماعا
قلت فمن هنا نقل البناني عن التوضيح ما نصه الخلاف إنما هو إذا أنشأ الطلاق بقلبه بكلامه النفساني والقول بعدم اللزوم لمالك في الموازية وهو اختيار ابن عبد الحكم وهو الذي ينصره أهل المذهب القرافي وهو المشهور والقول باللزوم لمالك في العتبية قال في البيان والمقدمات وهو الصحيح وقال ابن رشد هو الأشهر ابن عبد السلام والأول أظهر لأن الطلاق حل للعصمة المنعقدة بالنية والقول فوجب أن يكون حلها كذلك إنما يكتفى بالنية في التكاليف المتعلقة بالقلب لا فيما بين الآدميين
ا ه ولذا اقتصر على الأول العلامة الأمير في مجموعه حيث قال لا بالكلام النفسي على الراجح وقال القاضي أبو الوليد بن رشد إن اجتمع النفساني واللساني لزم الطلاق فإن انفرد أحدهما عن صاحبه فقولان ا ه فالنية في اصطلاح أرباب المذهب تطلق بالاشتراك اللفظي على القصد وعلى الكلام النفساني فإنهم يقولون صريح الطلاق لا
____________________

(1/86)


فإن قلت ما ذكرته من الحق متعين اتباعه فما سبب اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في هذه الألفاظ ومن بعدهم من العلماء وكيف ساغ الخلاف مع وضوح هذا المدرك وقلت سبب اختلافهم رضي الله عنهم اختلافهم في تحقيق وقوع النقل العرفي هل وجد فيتبع أو لم يوجد فيتبع موجب اللغة وإذا وجد النقل فهل وجد في أصل الطلاق فقط أو فيه مع البينونة أو مع العدد كما تقدم تقريره وإذا لم يوجد نقل عرفي وبقي موجب اللغة فهل يلاحظ نصوص اقتضت الكفارة في مثل هذا أم لا أو القياس على بعض الأحكام فيكون المدرك هو القياس لا النص فهذا هو سبب اختلافهم رضي الله عنهم مع اتفاقهم على هذه المدارك المذكورة غير أنه لم يتضح وجودها عند بعضهم واتضح عند البعض الآخر
وأما لو وقع الاتفاق على وجودها وقع الاتفاق على الحكم وارتفع الخلاف فلا تنافي بين صحة هذه المدارك وبين اختلافهم في وجودها وترتب الحكم عليها فإن قلت فلعل مدرك مالك نص أو قياس فتستمر فتاويه في بعض الأعصار والأمصار ولا يلزم تغييرها بتغير العوائد فإن ذلك إنما يلزم فيما مدركه العوائد أما ما هو بالنصوص أو الأقيسة فيتأبد فيكون المفتي بموجبات المنقولات في الكتب مصيبا لا مخطئا ولا يجتمع بمالك حتى يسأله عما في نفسه ومع الاحتمال لا تتعين التخطئة
ويجب اتباع موجب المنقولات عن الأئمة من غير اعتراض لأنا مقلدون لهم رضي الله عنهم لا معترضون عليهم ومتى وجدنا فتاويهم وجهلنا مدركها نقلناها كما وجدناها لمن يسألنا عن المذهب فإنا مقلدون لا مجتهدون
قلت الجواب عن هذا السؤال من وجوه الأول الاستقراء فإنا لسنا جاهلين باللغة إلى
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
يحتاج إلى النية إجماعا وهو يحتاج إلى النية إجماعا وفي احتياجه إلى النية قولان وظاهره التناقض لكنهم يريدون بالأول قصد استعمال اللفظ في موضعه فإن ذلك لا يحتاج إليه إلا في الكناية دون التصريح ويريدون بالثاني القصد للنطق بصيغة التصريح احترازا عن النائم ومن يسبقه لسانه
ويريدون بالثالث الكلام النفساني وكما وقع الخلاف في انعقاد الطلاق بإنشاء كلام النفس وحده أو لا بد من اللفظ كذلك وقع الخلاف في اليمين ومن هنا يظهر أن ما في الجلاب وغيره من قياس لزوم الطلاق بكلام النفس عن الإيمان والكفر فإنه يكفي فيهما كلام النفس فاسد من وجوه أحدها أن الطلاق إنشاء وهما لا يقعان إلا بالإخبار والاعتقاد
وثانيها أن الاعتقاد من باب العلوم والظنون لا من باب الكلام والبابان مختلفان فلا يقاس أحدهما على الآخر
وثالثها أنه على الصحيح من أن الإيمان لا يكفي فيه مجرد الاعتقاد بل لا بد معه من النطق باللسان مع الإمكان على مشهور مذهب العلماء كما حكاه القاضي عياض في الشفاء وغيره كان اللازم أن يقال في القياس على فرض تسليم أن البابين واحد يجب أن يفتقر الطلاق إلى اللفظ قياسا على الإيمان بالله تعالى
قال المسألة السادسة في بيان الفرق بين الصيغ التي يقع بها الإنشاء الواقع اليوم في العادة إن الشهادة تصح بالمضارع إلى آخر المسألة قلت ما قاله في هذه المسألة من اعتبار معينات الألفاظ مبني على مذهب من يشترطها كما قال فيصح تنقل العادات فيها بحسب العرف الحادث كما ذكر والله أعلم

____________________

(1/87)


حد لا نعلم مدلول هذه الألفاظ لغة مع أنها من الألفاظ المشهورة لا من الحوشية وقد تقدم أن اللغة إنما تقتضي الخبر لا ما ذكروه من الإنشاء ولا يمكن أن يكون مدركهم القياس فإنا نعلم مسائل الطلاق وشرائط القياس وليس فيها ما يقتضي القياس على ما ذكروه وليس فيها آية من كتاب تقتضي أكثر مما قاله القائلون بالكفارة التي دل عليها آية التحريم والأحاديث لم نجد أحدا من العلماء روى في هذه الأحكام حديثا
وقد وقعت هذه المسألة بين الصحابة وبين التابعين رضي الله عنهم ولم نجد أحدا في كتب الفقه والخلاف روى عن أحد منهم أنه روى في ذلك حديثا فلم يبق سوى العوائد الثاني أن الإمام أبا عبد الله المازري إمام الفقه وأصوله وحافظ متقن العلم الحديث وفنونه وله في جميع ذلك اليد البيضاء والرتبة العالية وقد تقدم ما قاله في هذه المسألة من القواعد وأشار إلى أن سبب الخلاف فيها نقل العوائد كما تقدم بسطه فكفى به قدوة في مدرك هذه الشروع ومعتمدا في ضوابطها وتلخيصها وقد تابعه في ذلك جماعة من الشيوخ والمصنفين ولم نجد لهم مخالفا فكان ذلك إجماعا من أئمة المذهب فالتشكيك بعد ذلك في المدرك إنما هو طلب للجهل وسبيل لغواية التضليل
الثالث أن قاعدة الفقهاء وعوائد الفضلاء أنهم إذا ظفروا للنوع بمدرك مناسب وفقدوا غيره جعلوه معتمدا لذلك الفرع في حق الإمام المجتهد الأول الذي أفتى بذلك الفرع وفي حقهم أيضا في الفتيا والتخريج واستقراء أحوال الفقهاء في مسلك النظر
وتحرير الفروع يقتضي الجزم بذلك فكذلك يجب هاهنا ونحن استقرينا هذه المسائل فلم نجد لها مدركا
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
المسألة السادسة فرق الفقهاء بين الشهادة تصح بالمضارع دون الماضي واسم الفاعل فيقبل قول الشاهد أشهد بكذا دون قوله شهدت بكذا وأنا شاهد بكذا وبين البيع والطلاق ينعقد الأول بالماضي كبعتك بكذا ولا ينعقد بالمضارع كأبيعك بكذا أو أبايعك بكذا عند من يعتمد على مراعاة الألفاظ كالشافعي لا عند من يقول بانعقاد البيع بمجرد المعاطاة ويقع إنشاء الثاني بالماضي نحو طلقتك ثلاثا واسم الفاعل نحو أنت طالق ثلاثا دون المضارع نحو أطلقك ثلاثا سببه النقل العرفي من الخبر إلى الإنشاء فأي شيء نقلته العادة لمعنى صار صريحا في العادة لذلك المعنى بالوضع العرفي فيعتمد الحاكم عليه كما يستفتى المفتي عن طلب النية معه لصراحته وما لم تنقله العادة لإنشاء ذلك المعنى يتعذر الاعتماد عليه لعدم الدلالة اللغوية والعرفية فنقلت العادة في الشهادة المضارع وحده وفي الطلاق والعتاق اسم الفاعل والماضي فإن اتفق تجدد عادة أخرى في وقت آخر تقتضي نسخ هذه العادة اتبعنا الثانية وتركنا الأولى ويصير الماضي في البيع والمضارع في الشهادة على حسب ما تجدده العادة وبهذا يظهر أن مالكا رحمه الله تعالى في قوله ما عده الناس بيعا فهو بيع نظر إلى أن المدرك هو تجدد العادة نعم للشافعية أن يقولوا إن ذلك مسلم ولكن يشترط وجود اللفظ المنقول أما مجرد الفعل والمعاطاة الذي يقصده مالك فممنوع وصل في ثمان مسائل مستحسنة في بابها توضح الخبر
____________________

(1/88)


مناسبا إلا العوائد فوجب جعلها مدرك الأئمة إفتاء وتخريجا والعدول عن ذلك بعد ذلك إنما هو التزام للجهالة من غير معنى مناسب ويؤيد ذلك أنا في كلام الشرع إذا ظفرنا بالمناسبة جزمنا بإضافة الحكم إليها مع تجويز أن لا يكون الحكم كذلك عقلا لكن الاستقراء أوجب لنا ذلك ولا نعرج على غير ما وجدناه ولا نلتزم التعبد مع وجود المناسب هذا مما أجمع عليه الفقهاء القياسون وأهل النظر والرأي والاعتبار فأولى أن نفعل ذلك في كلام غير صاحب الشريعة بل نحمل كلام العلماء على المناسب لتلك الفتاوى السالم عن المعارض نعم إذا وجدنا مناسبين تعارضا أو مدركين تقابلا فحينئذ يحسن التوقف وهذا تقرير ظاهر في دفع هذا السؤل
المسألة الرابعة إن الإنشاء كما يكون بالكلام اللساني يكون بالكلام النفساني ولذلك صور الصورة الأولى أن الله سبحانه وتعالى أنشأ السببية في زوال الشمس لوجوب الظهر وأنزل القرآن الكريم دالا على ما قام بذاته من هذا الإنشاء بقوله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس فإن الكتب المنزلة عندنا أدلة الأحكام لا نفس الأحكام وإلا يلزم اتحاد الدليل والمدلول وقس على ذلك جميع الأسباب الشرعية وكذلك القول في الشروط كالحول في الزكاة والطهارة في الصلاة وكذلك الموانع الشرعية كالكفر من الميراث والحدث من الصلاة وغير ذلك من الموانع وما ورد من الكتاب والسنة في ذلك إنما هو أدلة على ما قام بذات الله تعالى
الصورة الثانية الأحكام الخمسة الشرعية وهي
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
المسألة الأولى قد قدمنا أن الصدق مطابقة النسبة الكلامية للنسبة الخارجية والكذب عدمها وقد وقع الخلاف في المراد بعدمها فذهب الأصل إلى أن المراد عدم المطابقة بالفعل بأن يوجد في نفس الأمر المخبر عنه على خلاف ما في الخبر كمن قال زيد قائم وهو ليس بقائم أو بالقوة بأن لا يوجد في نفس الأمر شيء ألبتة فيصدق أيضا عدم المطابقة لكن لا لمخالفته لما وجد كما في الأول بل لعدم ما يطابقه الخبر نظرا إلى أن السالبة تصدق مع عدم وجود الموضوع فافهم وذهب الفخر الرازي وغيره إلى أن المراد عدم المطابقة بالفعل قال ابن الشاط وهذا هو الأصح وثمرة الخلاف أن من قال كل ما تكلمت به في جميع عمري كذب لا يخلو إما أن يكون تكلم قبل هذا الكلام أو لم يتكلم فإن تكلم فلا يخلو إما أن يكون تكلم بكذب فقط أو بصدق فقط أو بصدق وكذب معا فإن كان تكلم بكذب فقط فكلامه هذا صادق قطعا وإن كان تكلم بصدق فقط أو بصدق وكذب معا فكلامه هذا كاذب قطعا سواء أراد أن كل ما قاله ما عدا هذا الخبر وهو ظاهر أو أراد حتى هذا الخبر لإخباره بقضية كلية تقتضي شمول الكذب جميع أقواله في جميع عمره
وهو قد فرض صادقا فقط فيما عدا هذا الخبر أو صادقا وكاذبا معا لا كاذبا فقط وإن لم يتكلم قبل هذا الكلام فكلامه هذا كذب على الأول ولا صدق ولا كذب على الثاني وكذلك إذا قال كل ما قلته في هذا البيت كذب ولم يقل شيئا في ذلك البيت قبل هذا القول يكون كلامه هذا كذبا على الأول ولا صدقا ولا كذبا على الثاني
____________________

(1/89)


الوجوب والندب والتحريم والكراهة والإباحة كلها قائمة بذات الله تعالى عند أهل الحق والكتاب والسنة وغير ذلك من أدلة الشرع إنما هي أدلة على ما قام بذات الله تعالى من ذلك وكذلك الواحد منا إذا قال لغلامه اسرج الدابة فقد أنشأ في نفسه إيجابا وطلبا للإسراج قبل الدلالة عليه بلفظه وكذلك النهي وغير ذلك غير أن إنشاء الخلق لهذه الأمور حادث وفي حق الله تعالى قديم فإن قلت كيف يتصور الإنشاء القديم وليس في الأزل من يطلب منه شيء ولأنك قررت في الفرق بين الإنشاء والخبر أن الإنشاء لا بد وأن يكون طارئا على الخبر ووصف الطروء يأبى الأزلية
قلت الجواب عن الأول أن الله تعالى يوجب في الأزل على زيد المعين على تقدير وجوده مجتمع الشرائط مزال الموانع وذلك غير ممتنع كما يجد أحدنا في نفسه طلب تحصيل العلم والفضائل من ولدان رزقه وهو الآن لا ولد له فيتقدم منا الطلب على وجود المطلوب وتقدم الطلب على المطلوب منه لا غرو فيه وعن الثاني أن ذلك الفرق إنما هو بين الإنشاء والخبر اللغويين باعتبار الوضع اللغوي أما في الكلام النفساني فلا ترتيب بينهما بل هما نوعان لمطلق الكلام النفسي فإنه واحد ويختلف باختلاف متعلقاته فإن تعلق بأحد النقيضين الوجود أو العدم على وجه التبع فهو الخبر وإن تعلق بأحدهما على وجه الترجيح فإن كان في طرف الوجود فهو الإيجاب أو العدم فهو التحريم أو تعلق بالتسوية بينهما فهو الإباحة ولا ترتيب بين هذه الأنواع بل بينها وبين أصل الكلام رتبة
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
فعلى الثاني تثبت الواسطة ويكون في الإخبار ما ليس بصدق ولا كذب ويبطل حينئذ حد الخبر أو رسمه بما مر من أنه القول الذي يلزمه الصدق أو الكذب لأنه غير جامع لعدم شموله الواسطة فيرسم بنحو القول الذي يقصد قائله تعريف المخاطب بأمر ما وإن كان فيه حد الشيء بنفسه لأن التعريف هو الإخبار نظرا لكون هذه الرسوم تقريبا لا تحقيقا إذ التحقيق أن كلا من الإنشاء والخبر معروف لا يحتاج لتعريف وعلى الأول لا تثبت الواسطة ويكون حد الخبر أو رسمه بما مر جامعا مانعا نعم قد يقال بثبوت الواسطة على الأول إذا قال كل ما قلته في هذا البيت كذب ولم يقل شيئا في هذا البيت قبل هذا القول ثم قال كل ما قلته في هذا البيت صدق وذلك أن الأول يقتضي أنه إذا قال كل ما قلته في هذا البيت صدق يكون خبره ذلك كاذبا إذ الفرض أنه لم يقل في ذلك البيت شيئا ويلزم ذلك أن إخباره عما قاله في البيت بأنه صدق وبأنه كذب إخبار كذب مع أن الصدق والكذب خبران وقد أخبر بهما عن مخبر واحد فلا بد أن يصدق أحد خبريه ويكذب الآخر وإلا أدى ذلك إلى اجتماع الضدين
ولا يتأتى الجواب بأن إجماعهما هنا لم يكن في ثبوت حتى يمتنع بل في نفي والاجتماع في النفي غير ممتنع إلا بإثبات الواسطة ضرورة أن الضدين المنحصرين كالنقيضين لا يصح اجتماعهما في ثبوت ولا انتفاء
ا ه كلام ابن الشاط فتأمله وما تقدم من الاكتفاء في حقيقة الكذب بعدم المطابقة للمخبر عنه في كلا القولين وإن لم يقصد إلى عدم مطابقته هو مذهب الجمهور وذهب الجاحظ وغيره إلى أن حقيقة الكذب يشترط فيها القصد إليه وعدم
____________________

(1/90)


عقلية لا زمانية لأن العقل يقضي بتقديم العام على الخاص بالرتبة تقديما عقليا لا زمانيا فلا تلزم منافاة الأزل للإنشاء النفساني ولا الحدوث فإن قلت لم لا يجوز أن تكون هذه الأمور إخبارات عن إرادة وقوع العقاب على من خالف وعصى ولا تكون إنشاءات
قلت ذلك باطل لوجوه أحدها أن الخبر يقبل التصديق والتكذيب وهذه الأمور لا تحتملها فهي إنشاءات وثانيها أنها لو كانت إخبارات للزم الخلف فيها لحصول العفو عن العصاة إما تفضلا من الله تعالى من غير سبب من المكلف أو بسبب هو التوبة لكن ذلك محال على الله تعالى فلا يكون خبرا عن ذلك وثالثها أنه قد تقرر في علم الكلام أن إرادة الله تعالى واجبة النفوذ فلو كانت إخبارات عن إرادة العقاب لوجب عقاب كل عاص وليس كذلك لإجماعنا على حصول العفو في كثير من الصور التي لا تحصى والنصوص الدالة على ذلك من الكتاب والسنة لقوله تعالى وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ولقوله عليه السلام الندم توبة والإسلام يجب ما قبله الصورة الثالثة قوله تعالى في جزاء الصيد يحكم به ذوا عدل منكم فاختلف العلماء فيها فقال الشافعي رضي الله عنه لا يتصور الحكم فيما أجمع عليه الصحابة رضوان الله عليهم فإن الحكم لا بد فيه من الاجتهاد ولا اجتهاد في مواقع
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
المطابقة فالخبر على رأي هؤلاء ثلاثة أقسام صدق وهو المطابقة وكذب وهو غير المطابقة الذي قصد إلى عدم مطابقته وواسطة بينهما وهو غير المطابق الذي لم يقصد إلى عدم مطابقته وهذا القسم لا يلزمه عندهم صدق ولا كذب فلا يشمله تعريف الخبر السابق لنا على أن المراد في المسألة الظن
قوله صلى الله تعالى عليه وسلم كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع فدل جعله كاذبا إذا حدث بكل ما سمعه مع كونه غير مطابق في الغالب وإن كان لم يعرفه حتى يقصد إليه على أن القصد في الكذب غير معتبر وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار فدل من حيث إن مفهومه أن من كذب غير متعمد لا يستحق النار على تصور حقيقة الكذب من غير قصد إليه وهو المطلوب وعلى أن المراد في المسألة القطع لا حجة لهم في قوله تعالى أفترى على الله كذبا أم به جنة فإن الكفار قسموا قوله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى نوعي الكذب وهما المفترى الذي اخترعه الكاذب من نفسه ولم يسمعه من غيره وغير المفترى الذي تبع فيه غيره لا أنهم قسموا الكلام إلى كذب وغيره حتى يحصل مقصود الخصم نعم نسبة الجنون إلى من اتبع غيره في قوله الكاذب في غاية البعد فافهم قلت والتحقيق أن المبالغة في نحو قولك جئتك ألف ألف مرة كذب ولو على غير مذهب الجمهور إن قصد بها ظاهر الكلام لأنها لم تطابق الواقع وصدق إن قصد بها المبالغة في الكثرة أو
____________________

(1/91)


الإجماع لأنه سعي في تخطئة المجمعين فيكون العام مخصوصا بصور الإجماع
وقال أبو حنيفة رضي الله عنه النص باق على عمومه غير أن الواجب في الصيد إنما هو القيمة على طريق الفاصل الشاهد ويدل على ذلك أمور أحدها قوله تعالى فجزاء مثل ما قتل من النعم فجعل الجزاء للمثل لا للصيد نفسه فالنعم واجبة في المثل الذي هو القيمة لا للصيد نفسه وثانيها أنه لو حمل الجزاء على الصيد نفسه لزم التخصيص وعلى ما ذكرنا لا يلزم التخصيص
وذلك لأن قوله تعالى لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم عام في جميع أنواع الصيد فلو حمل الجزاء على الصيد خرج منه ما لا مثل له من النعم كالعصافير والنمل وغيرها وإذا قلنا بالقيمة وجب في جميع ذلك القيمة فلا تخصيص وهو أولى فيجب المصير إليه وثالثها أن الله تعالى اشترط الحكمين وذلك إنما يتأتى إذا قلنا بالقيمة فإنه لا يلزم إجماع الصحابة رضوان الله عليهم على تقويم صيد أن لا نقومه نحن بعد ذلك فإن أفراد النوع الواحد تختلف قيمتها ولا يغني تقويم عن تقويم فيبقى العموم على عمومه في الصحابة ومن بعدهم أما لو جعلنا في الصيد الجزاء مع أنهم قد أجمعوا على أن في الضبع شاة وفي البقرة الوحشية بقرة وفي النعامة بدنة وغير ذلك من الصور التي يفرض حصول الإجماع فيها فإن ذلك يتعين ولا يبقى للحكم منا والاجتهاد بعد ذلك معنى ألبتة إلا في الصور التي لم يقع فيها إجماع كالفيل وغيره من أفراد الصيد فيلزم التخصيص وهو على
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
استعمل لفظها في مطلق الكثرة مجازا لعلاقة الخصوصية أما على الثاني فظاهر على الراجح من وضع المجاز لمعناه وأما على الأول فلأن مرادهم أن الصدق مطابقة حكم الخبر الذي تضمنه المعنى المراد للواقع لا خصوص المعنى الوضعي فتدبر
المسألة الثانية قال الإمام فخر الدين في باب الإخبار إن قولك إذا فرضت صدق زيد مثلا على الإطلاق زيد ومسيلمة الحنفي صادقان أو كاذبان في قوة خبرين تقديرهما على الأول زيد صادق ومسيلمة صادق وعلى الثاني زيد كاذب ومسيلمة كاذب فيصدق مفهوم الكذب في مسيلمة ويكذب في زيد ومفهوم الصدق بالعكس لا خبر واحد حتى يلزمه ارتفاع الصدق والكذب لاستحالة أن يكون صادقا وإلا لصدق مسيلمة في قولك هما صادقان أو لكذب زيد في قولك هما كاذبان وأن يكون كاذبا وإلا لصدق مسيلمة على الأول أو لكذب زيد على الثاني
ا ه ولا يخفى أنه يبطل بتضييق الفرض بأن نقول المجموع صادق أو كاذب ونجعل الخبر عن المجموع وهو مفرد في اللفظ أو يقول المتكلم أردت المجموع والإخبار عنه ولم أرد الإخبار عن كل واحد منهما فالحق كما أشار إليه الفخر أن نلتزم في هما صادقان أو هما كاذبان أن الخبر كذب لأن المتكلم أخبر في الأول عن حصول المطابقة في المجموع وفي كل واحد منهما وفي الثاني عن ثبوت عدم المطابقة في المجموع وفي كل واحد منهما وليس الأمر كذلك لانتفاء حقيقة كل من الصدق والكذب بانتفاء جزئها فتنتفي المطابقة في المجموع بنفيها في أحدهما وكذلك ينتفي ثبوت عدم المطابقة في المجموع بنفيه في أحدهما ولا شك في انتفاء المطابقة أو ثبوت عدمها في واحد
____________________

(1/92)


خلاف الأصل ورابعها أنه متلف من المتلفات فتجب فيه القيمة كسائر المتلفات وقال مالك رحمه الله الواجب في الصيد مثله من النعم بطريق الأصالة ثم يقوم الصيد ويقع التخيير بين المثل والإطعام والصوم كما تقرر في كتب الفقه وهذا هو الصحيح
والجواب عما قاله الشافعي رضي الله عنه ما تقرر من الفرق بين الفتوى والحكم وبين المفتي والحاكم من أن الحكم إنشاء لنفس ذلك الإلزام إن كان الحكم فيه أو لنفس تلك الإباحة والإطلاق إن كان الحكم فيها كحكم الحاكم بأن الموات إذا بطل إحياؤه صار مباحا لجميع الناس والفتوى بذلك إخبار صرف عن صاحب الشرع وأن الحاكم ملزم والمفتي مخبر وأن نسبتهما لصاحب الشرع كنسبة نائب الحاكم والمترجم عنه فنائبه ينشئ أحكاما لم تتقرر عند مستنيبه بل ينشئها على قواعده كما ينشئها الأصل ولا يحسن من مستنيبه أن يصدقه فيما حكم به ولا يكذبه بل يخطئه أو يصوبه باعتبار المدرك الذي اعتمده والمترجم يخبر عما قاله الحاكم لمن لا يعرف كلام الحاكم لعجمة أو لغير ذلك من موانع الفهم فللحاكم أن يصدقه إن صدق ويكذبه إن كذب وهذا المترجم لا ينشئ حكما بل يخبر عن الحاكم فقط وقد وضعت في هذا الفرق كتابا سميته بالأحكام في الفرق بين الفتاوى والأحكام وتصرف القاضي والإمام وفيه أربعون مسألة تتعلق بتحقيق هذا الفرق وهو كتاب نفيس إذا تقرر معنى الحكم فالحكمان في زماننا ينشئان الإلزام على قاتل الصيد فإن كانت الصورة مجمعا عليها كان الإجماع مدركا له ومع ذلك فهم منشئون وإن لم يكن فيها إجماع فهو أظهر ويعتمدون على النصوص والأقيسة فلا حاجة
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
منهما فيكون الحق نفي ذلك في المجموع إذ لا فرق بين مجموع الوجودين ومجموع العدمين في قولك الوجود يشمل زيدا وعمرا وقولك العمد يشمل زيدا وعمرا في كون كل ينتفي بانتفاء جزئه بأن يعدم أحدهما في الأول ويوجد في الثاني فيكون الخبر كذبا فافهم والله أعلم
المسألة الثالثة الفرق بين وعد الله تعالى ووعيده محال عقلا سواء أريد بهما صورة اللفظ وما دل عليه بوضعه اللغوي من العموم أو أريد بهما من أريد بالخطاب ومن قصد بالإخبار عنه بالنعيم أو العقاب أما على الأول فإنهما سواء في جواز دخول التخصيص فيها فجميع إخبارات الوعيد والوعد يخرج منها من لم يرد باللفظ
ويبقى المراد ألا ترى أنه كما دخل التخصيص في وعيده تعالى بقوله تعالى ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره بمن عفي عنه تفضلا أو بالتوبة أو غير ذلك فلم ير شرا مع عمله له كذلك دخل التخصيص في وعده تعالى بقوله فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره بمن حبط عمله بردته وسوء خاتمته أو أخذت أعماله في الظلامات بالقصاص وغيره فلم ير خيرا مع أنه عمله
وأما على الثاني فلأنه يستحيل أن لا يقع مخبره تعالى من وعيد أو وعد على من أراده تعالى بخبره وإلا لحصل الخلف المستحيل عقلا على الله تعالى بل يجب حصول النعيم أو العذاب لمن أراده الله تعالى بالإخبار عن نعيمه أو عقابه لئلا يلزم الخلف نعم يمكن أن يراد بالوعيد صورة العموم فيكون قابلا للتخصيص وبالوعد من أريد بالخطاب فيتعين فيه الوفاء بذلك الموعود وعليه يندفع المحال في الفرق بينهما ويصح ما وقع لابن نباتة في خطبة
____________________

(1/93)


إلى التخصيص بل يبقى النص على عمومه والحكم في زماننا عام في الجميع والجواب عما قاله أبو حنيفة أن الآية قرئت فجزاء بالتنوين فيكون الجزاء للصيد و مثل ما قتل من النعم نعت له
ويكون الواجب هو المثل من النعم والقراءتان منزلتان في كتاب الله تعالى غير أن قراءة التنوين صريحة فيما ذكرناه وقراءة الإضافة محتملة لما ذكرناه ولما ذكرتموه فيجب حملها على ما ذكرناه جمعا بين القراءتين وهو أولى من التعارض وعن الثاني أن الضمير في قوله تعالى ومن قتله يحمل على الخصوص ويبقى الظاهر على عمومه من غير تخصيص كما في قوله تعالى إلا أن يعفون خاص بالرشيدات والمطلقات على عمومه من غير تخصيص وكذلك قوله تعالى وبعولتهن أحق بردهن خاص بالرجعيات مع بقاء المطلقات على عمومه وعن الثالث ما تقدم من أن الحكمين ينشئان الإلزام وأنه لا ينافي حكم الصحابة رضوان الله عليهم ولولا ذلك لكان حكم الصحابة رضي الله عنهم ردا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه عليه السلام حكم في الضبع بشاة وقد حكم فيها الصحابة أيضا فلولا ما ذكرناه لامتنع حكمهم وعن الرابع أن جزاء الصيد ليس من باب الجوابر بل من باب الكفارات لقوله تعالى أو كفارة طعام مساكين فسماه كفارة فبطل القياس إذا تقررت المذاهب والمدارك وأجوبتها وتعين فيها الحق وأنه إنشاء في الجميع كانت هذه المسألة من مسائل الإنشاء فتفطن لها
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
الحمد لله الذي إذا وعد وفى وإذا أوعد تجاوز وعفا نظرا لما جرت العوائد به من التمدح بالوفاء في الوعد والعفو في الوعيد كما في قول الشاعر وإني إذا أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي إذ يمكن أن يخرج لكلامه وجه وهو أن وعد الله لا يخصصه إلا الردة لا غير ووعيده يخصصه الإيمان وهو نظير الردة والتوبة والشفاعة والمغفرة ولا مقابل لها في جهة الوعد فلما كانت مخصصات الوعد أقل من مخصصات الوعيد صح أن يفرق بينهما بما ذكر وليس من الإيهام الممنوع إيهام مثل هذا أن الله تعالى يعفو عمن أريد بالوعيد ولا يقتصر المفهوم على التخصيص فقط كما جرت به العادة من التمدح بالعفو وإن أكذب أحدنا نفسه كما قال الشاعر لمخلف إيعادي فإن الكذب جائز علينا ونمدح به ويحسن منا في مواطن وهو محال على الله تعالى فبطلت كليته الكبرى التي هي شرط إنتاج الشكل الأول في القياس القائل مثل قول ابن نباتة المذكور إطلاق لما يوهم محالا على الله تعالى وإطلاق ما يوهم محالا على الله تعالى حرام فمثل قول ابن نباتة المذكور حرام فافهم والله أعلم
قال شهاب الدين المسألة الرابعة إذا قلنا الإنسان وحده ناطق وكل ناطق حيوان فإنه ينتج الإنسان وحده حيوان وهذا كذب قلت أجاب بأن قول القائل الإنسان وحده ناطق في قوة مقدمتين موجبة وسالبة وأكمل جوابه بناء على ذلك وهو جواب حسن ولقائل أن يجيب بأن المقدمة الأولى لما قيد موضوعها بوحده كان يجب أن يذكر الموضوع في الثانية مقيدا بقيده ولو ذكر كذلك لظهر الفساد في المقدمة الثانية إذ ليس الإنسان وحده حيوانا بل هو وغيره ففساد النتيجة لفساد إحدى المقدمتين وهذا الجواب مغن عن الجواب الأول مع أنه حسن
المسألة الرابعة إنما كذبت نتيجة المقدمتين الصادقتين في الشكل الأول المنتظم بنحو قولك الإنسان وحده ناطق وكل ناطق حيوان ينتج الإنسان وحده حيوان وهذا خبر كاذب إذ ليس الإنسان وحده حيوانا بل هو وغيره لأحد أمرين
____________________

(1/94)


فهي مشكلة جدا ومن لم يحط علما بحقيقة حكم الحاكم ويعلم الفرق بينه وبين المفتي علما واضحا أشكلت عليه هذه المسألة وتعذر عليه الجواب عن إجماع الصحابة وكيف يجمع بين الإجماع السابق والحكم اللاحق
المسألة الخامسة اختلف العلماء في الطلاق بالقلب من غير نطق واختلفت عبارات الفقهاء فيه فمنهم من يقول في الطلاق بالنية قولان وهم الجمهور ومنهم من يقول اعتقد الطلاق بقلبه ولم يلفظ به بلسانه ففيه قولان وهذه عبارة صاحب الجلاب والعبارتان غير مفصحتين عن المسألة فإن من نوى طلاق امرأته وعزم عليه وصمم ثم بدا له لا يلزمه طلاق إجماعا فقولهم في الطلاق بالنية قولان متروك الظاهر إجماعا وكذلك من اعتقد أن امرأته مطلقة وجزم بذلك ثم تبين له خلاف ذلك لم يلزمه طلاق إجماعا وإنما العبارة الحسنة ما أتى بها صاحب الجواهر وذكر أن ذلك معناه الكلام النفساني ومعناه إذا أنشأ الطلاق بقلبه بكلامه النفساني ولم يلفظ به بلسانه فهو موضع الخلاف وكذلك أشار إليه القاضي أبو الوليد بن رشد وقال إنهما إن اجتمعا أعني النفساني
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
الأول أن المقدمة الأولى في الشكل المذكور مقدمتان موجبة وهي الإنسان ناطق وسالبة وهي مدلول وحده لغة وهي غير الإنسان غير ناطق فباعتبار مجموع المقدمتين والسالبة فقط في صغرى القياس المذكور صار كذب النتيجة لعدم إيجاب الصغرى الذي هو من شرط إنتاج الشكل الأول أما على اعتبار السالبة فقط فظاهر
وأما على اعتبار المجموع فلأن الإيجاب مع النفي غير الإيجاب وحده إذ الشيء مع غيره في نفسه على أنه لا قياس عن ثلاث مقدمات واعتبار الموجبة فقط يقتضي عدم ذكر وحده في النتيجة فافهم الأمر الثاني أن المقدمة الأولى لما قيد موضوعها بوحده كان يجب أن يقيد موضوع الثانية بقيد موضوع الأولى أيضا ولو قيد كذلك لظهر فساد الثانية إذ ليس الإنسان وحده حيوانا بل هو وغيره ففساد النتيجة لفساد إحدى المقدمتين قلت وهذا الأمر الثاني أولى من الأمر الأول إذ ربما قيل على الأول بعدم تسليم كون مدلول وحده لغة الذي هو غير الإنسان غير ناطق قضية سالبة بل هي موجبة معدولة الطرفين فافهم المسألة الخامسة كذب نتيجة المقدمتين الصادقتين في الشكل الأول المنتظم بنحو قولك الفول يغذو الحمام والحمام يغذو البازي ينتج الفول يغذو البازي وهذا خبر كاذب إذ البازي لا يأكل إلا اللحم إنما هو من جهة فوات شرط الإنتاج الذي هو اتحاد الوسط فإن ضابط اتحاده في الشكل الأول أن تأخذ عين خبر المقدمة الأولى فتجعله مبتدأ في الثانية وهنا لم تأخذه بل أخذت مفعوله وجعلته مبتدأ في الثانية ونظيره أن تقول زيد مكرم خالدا وخالد مكرم عمرا ينتج زيد مكرم عمرا وذلك غير لازم لجواز أن يكون زيد عدوا لعمرو فلم يكرمه فظهر أنه متى أخذت مفعول الوسط بطل الإنتاج ومتى أخذته نفسه فهو الذي يحصل به الإنتاج ويصدق معه الخبر الناشئ من القياس
قال المسألة السادسة تقول كل زوج عدد والعدد إما زوج أو فرد إلى آخر المسألة قلت ما ذكره من الجواب صحيح ظاهر المسألة السادسة كذب نتيجة المقدمتين الصادقتين في الشكل الأول المنتظم بنحو قولك كل زوج عدد والعدد إما زوج أو فرد ينتج الزوج إما زوج أو فرد وهذا خبر كاذب إذ الشيء لا ينقسم إلى نفسه وغيره
____________________

(1/95)


واللساني لزم الطلاق
فإن انفرد أحدهما عن صاحبه فقولان فصارت النية لفظا مشتركا فيه بين معان مختلفة في اصطلاح أرباب المذهب يطلق على القصد والكلام النفساني فيقولون صريح الطلاق لا يحتاج إلى النية إجماعا وهو يحتاج إلى النية إجماعا وفي احتياجه إلى النية قولان وهو تناقض ظاهر لكنهم يريدون بالأول قصد استعمال اللفظ في موضوعه فإن ذلك إنما يحتاج إليه في الكناية دون الصريح ويريدون بالثاني القصد للنطق بصيغة الصريح احترازا عن النائم ومن يسبقه لسانه ويريدون بالثالث الكلام النفساني وقد بسطت هذه المباحث في كتاب الأمنية في إدراك النية إذا تقرر أن الطلاق ينشأ بالكلام النفساني فقد صارت هذه المسألة من مسائل الإنشاء في كلام النفس وكذلك اليمين أيضا وقع الخلاف فيها هل تنعقد بإنشاء كلام النفس وحده أو لا بد من اللفظ وبهذا التقرير يظهر فساد قياس من قاس لزوم الطلاق بكلام النفس عن الكفر والإيمان فإنه يكفي فيهما كلام النفس وقع ذلك في الجلاب وغيره
ووجه الفساد أن هذا إنشاء والكفر لا يقع بالإنشاء وإنما يقع بالإخبار والاعتقاد وكذلك الإيمان والاعتقاد من باب العلوم والظنون لا من باب الكلام وهما بابان مختلفان فلا يقاس أحدهما على الآخر ومن وجه آخر هو أن الصحيح في الإيمان أنه لا يكفي فيه مجرد الاعتقاد بل لا بد من النطق باللسان مع الإمكان على مشهور مذاهب العلماء كما حكاه القاضي عياض في الشفاء وغيره فينعكس هذا القياس على قائسه على هذا التقرير ويقول وجب أن يفتقر إلى اللفظ قياسا على الإيمان بالله تعالى إن سلم له أن البابين واحد فكيف وهما مختلفان والقياس إنما يجري في المتماثلات
المسألة السادسة في بيان الفرق بين الصيغ التي يقع بها الإنشاء الواقع اليوم في العادة أن
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
إنما هو من جهة أنك إن أردت بلفظ العدد في المقدمة الثانية العدد في أي حالة كان معنى كلامك العدد حالة كونه زوجا أو حالة كونه فردا هو منقسم إلى الزوج والفرد وقد علمت أن الشيء لا ينقسم إلى نفسه وغيره فهذه المقدمة كاذبة ضرورة على هذا التقدير وإن أردت بلفظ العدد العدد من حيث الجملة كان إشارة إلى القدر المشترك بين جميع الأعداد وانقسام القدر المشترك إلى أنواع صادق فصدقت المقدمة الثانية على هذا التقدير إلا أنها جزئية فإن المشترك يكفي في تحققه صورة واحدة ولأن كلية المنفصلة إنما تكون عند أرباب المنطق إذا سورت بما يشير إلى أن ذلك الحكم ثابت لذلك المحكوم عليه في جميع الأحوال وعلى جميع التقادير وشرط الإنتاج كلية المقدمة الثانية فظهر أن كذب النتيجة إما لكذب المقدمة الثانية وإما لفوات شرط الإنتاج الذي هو كليتها قال المسألة السابعة تقول الوتد في الحائط والحائط في الأرض فالوتد في الأرض إلخ قلت ما ذكره في الجواب أيضا صحيح ظاهر الأقولة وكقوله تعالى وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو إنما يعبد فوق ظهرهما فاللفظ حقيقة فإن الفوقية الحقيقية تقتضي الاستقرار والاستقرار يقتضي المماسة وذلك من صفات الحوادث فإن كان أراد ظاهر ذلك اللفظ فهو خطأ
المسألة السابعة إذا قلنا إن معنى تسمية الزمان والمكان ظرفين ليس هو غيبة المظروف فيهما وإحاطتهما به كما هو مقتضى ما يعتقده كثير من النحاة من الظرفية الحقيقية نظرا إلى أن معنى الزمان إما اقتران حادث بحادث والاقتران نسبة وإضافة لم تحط بزيد كإحاطة ثوبه إنما هي في ذينك الحادثين لا تتعداهما وإما حركات الأفلاك والحركة قائمة في الفلك لم تحط بزيد وغيره من حوادث الأرض بل المحيط هو الفلك
____________________

(1/96)


الشهادة تصح بالمضارع دون الماضي واسم الفاعل فيقول الشاهد أشهد بكذا عندك أيدك الله ولو قال شهدت بكذا أو أنا شاهد بكذا لم يقبل منه والبيع يصح بالماضي دون المضارع عكس الشهادة فلو قال أبيعك بكذا أو قال أبايعك بكذا لم ينعقد البيع عند من يعتمد على مراعاة الألفاظ كالشافعي ومن لا يعتبرها لا كلام معه وإنشاء الطلاق يقع بالماضي نحو طلقتك ثلاثا واسم الفاعل نحو أنت طالق ثلاثا دون المضارع نحو أطلقك ثلاثا وسبب هذه الفروق بين الأبواب النقل العرفي من الخبر إلى الإنشاء فأي شيء نقلته العادة لمعنى صار صريحا في العادة لذلك المعنى بالوضع العرفي فيعتمد الحاكم عليه لصراحته ويستغني المفتي عن طلب النية معه لصراحته أيضا وما هو لم تنقله العادة لإنشاء ذلك المعنى يتعذر الاعتماد عليه لعدم الدلالة اللغوية والعرفية فنقلت العادة في الشهادة المضارع وحده وفي الطلاق والعتاق اسم الفاعل والماضي فإن اتفق وقت آخر تحدث فيه عادة أخرى تقتضي نسخ هذه العادة وتجدد عادة أخرى اتبعنا الثانية وتركنا الأولى ويصير الماضي في البيع والمضارع في الشهادة على حسب ما تجدده العادة فتأمل ذلك واضبطه فمن لم يعرف الحقائق العرفية وأحكامها يشكل عليه الفرق وبهذا التقرير يظهر قول مالك رحمه الله ما عده الناس بيعا فهو بيع نظرا إلى أن المدرك هو تجدد العادة غير أن للشافعية
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
وحده وأن نحو زيد عندك حقيقة وإن لم يغب في المكان الذي أنت فيه والمراد بقوله تعالى له ما في السماوات وما في الأرض له ما على ظهرهما كان الخبر الناشئ من المقدمتين في نحو قولك الوتد في الحائط والحائط في الأرض ينتج الوتد في الأرض صادقا لا إشكال فيه وإن قلنا معنى ذلك غيبة المظروف فيهما وإحاطتهما به كما يقتضيه الظرفية الحقيقية كان الخبر المذكور كاذبا فإن الوتد ليس في الأرض إلا أن كذبه من جهة فوات شرط الإنتاج الذي هو اتحاد الوسط فإنك هنا لم تأخذ عين خبر المقدمة الأولى فتجعله مبتدأ في الثانية كما هو ضابط الاتحاد بل مفعوله بواسطة حرف الجر وجعلته مبتدأ في الثانية على أنا لا نسلم كذب الخبر الناشئ عن المقدمتين المذكورتين على هذا التقدير بل هو صادق لأن المقدمة الثانية وهي الحائط في الأرض إن كانت حقيقة وإن كانت جملة الحائط في الأرض كان الوتد في الأرض خبرا حقا كقولنا المال في الصندوق الناشئ عن قولك المال في الكيس والكيس في الصندوق وإن كانت مجازا من باب إطلاق الكل على الجزء من حيث إن الحائط لم يغب بجملته في الأرض بل أبعاضه كان الخبر المذكور وهو الوتد في الأرض مجازا أيضا لعلاقة المجاورة فافهم المسألة الثامنة بغياب شرط الإنتاج الذي هو اشتراك المقدمتين في الوسط لزم كذب النتيجة مع صدق المقدمتين فيما يستدل به على أن كل ما في العالم ذهب وياقوت وحيوان وكذا على قولنا هذا الجبل ذهب بنحو لأن كل من قال إنه ذهب قال إنه جسم وكل من قال إنه جسم صادق ينتج أن كل من قال إنه ذهب
____________________

(1/97)


أن يقولوا إن ذلك مسلم ولكن يشترط وجود اللفظ المنقول أما مجرد الفعل والمعاطاة الذي يقصده مالك فممنوع
فصل قد تقدم تذييل الإنشاء بمسائل توضحه وهي حسنة في بابها فنذيل الخبر أيضا بثمان مسائل غريبة مستحسنة في بابها تكون طرفة للواقف
المسألة الأولى إذا قال كل ما قلته في هذا البيت كذب ولم يقل شيئا في ذلك البيت قيل هذا القول يلزم منه أمران محالان عقلا أحدهما ارتفاع الصدق والكذب عن الخبر وهما خصيصة من خصائصه وارتفاع خصيصة الشيء عنه مع بقائه محال بيانه أن هذا الخبر لا يكون صدقا لأن الصدق هو الخبر المطابق والمطابقة أمر نسبي لا يكون إلا بين شيئين ولم يتقدم له في هذا البيت خبر آخر حتى تقع المطابقة بينه وبين هذا الخبر فلا يكون صدقا
وأما أنه ليس بكذب فلأن الكذب هو عدم المطابقة بين الخبر والمخبر عنه وعدم المطابقة بين الشيئين فرع تقررهما
ولم يتقدم في هذا البيت خبر صدق حتى يكون الإخبار عنه بأنه كذب كذبا فلا يكون هذا الخبر صدقا ولا كذبا وهو محال لأنه خبر والخبر لا بد أن يكون صدقا أو كذبا والمحال الثاني أنه لا يلزم من هذا الخبر ارتفاع النقيضين وارتفاعهما محال عقلا لأنه خبر والخبر لا بد أن يكون صدقا أو كذبا بيانه أن الصدق عبارة عن المطابقة والكذب عبارة عن عدم المطابقة والمطابقة وعدمها نقيضان وقد تقدم أن هذا الخبر ليس بصدق ولا كذب فيكون النقيضان قد ارتفعا عنه وهو محال وهذا الإشكال من الأسئلة الصعبة الدقيقة التي يحتاج الجواب عنها إلى فكر دقيق ونظر عويص
والجواب أن نختار أن هذا الخبر كذب وتقريره أن الكذب هو القول الذي ليس بمطابق وعدم المطابقة يصدق بطريقين أحدهما أن يوجد في نفس الأمر المخبر عنه على
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
صادق فلم يلزم بكذبها المحال وهو إنتاج الصادق الخبر الكاذب المؤدي لبطلان باب الاستدلال على أنا لو قلنا في الاستدلال المذكور لأن القائل بأنه ذهب قائل بأنه جسم صادق ينتج أن كل قائل بأنه ذهب صادق وسلمنا عدم فوات شرط الإنتاج المذكور حينئذ أجيب بوجوه ثلاثة أحدها أن الكلام مبني على التقدير لا على نفس الأمر ولا محذور في التزام أن الجبل ذهب على سبيل الفرض ولا في كون المحال في النتيجة نشأ عنه وثانيها أنا لا نسلم أن القائل بأنه ذهب قائل بأنه جسم إذ يجوز في المحال أن يلزمه المحال وهو كون الذهب ليس بجسم فتبطل المقدمة الأولى فلا تلزم النتيجة
وثالثها أنا وإن سلمنا أنه صادق إلا أنا لا نسلم صحة المقدمات ضرورة أنه ليس بصادق في كل من قوله أنه ذهب وقوله أنه جسم بل هو صادق في الثاني دون الأول فلم يحصل مقصود السائل من أنه صادق في قوله إنه ذهب لا سيما وقولنا صادق لفظ مطلق يصدق بفرد وصورة واحدة وهي قوله إنه جسم فاندفع الإشكال والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(1/98)


خلاف ما في الخبر كمن قال زيد قائم وهو ليس بقائم فهذا كذب لأنه قول غير مطابق وثانيهما أن لا يوجد في نفس الأمر شيء ألبتة فيصدق أيضا عدم المطابقة لعدم ما يطابقه الخبر لا لمخالفته لما وجد كما أن الله تعالى لو خلق زيدا وحده في العالم صدق عليه أنه لم يوافق أحدا في معتقده
وأنه لم يخالف أحدا في معتقده فإن الموافقة والمخالفة للغير فرع وجود ذلك الغير فإذا لم يوجد ذلك الغير انتفت الموافقة له والمخالفة كذلك نقول هاهنا لما لم يوجد خبر آخر في هذا البيت صدق على هذا الخبر وهو قوله كل ما قلته في هذا البيت كذب أنه غير مطابق لانتفاء ما تقع المطابقة معه فهو كذب جزما وكذلك ينبغي لك أن تفهم من قولنا أن الكذب هو القول الذي ليس بمطابق هذا المعنى العام الذي يصدق بطريقين وجد شيء يخالفه الخبر أو لم يوجد شيء ألبتة غير أن غالب الاستعمال هو القسم الأول والمذهب المشهور أنه لا واسطة بين الصدق والكذب بناء على هذا المعنى العام وكذلك نجيب عن ارتفاع النقيضين بأن نقول الواقع منهما عدم المطابقة بالتفسير العام المتقدم ذكره ومثل هذا الخبر قوله كل ما تكلمت به في جميع عمري كذب وكان لم يكذب قط فهذا الخبر كذب قطعا لأنه إن أراد الأخبار المتقدمة في عمره فهو كاذب لأنها كانت صدقا وإن أراد هذا الأخير وحده فهو ليس بصدق لعدم خبر آخر يطابقه وهو قد أخبر أنه غير مطابق لنفسه فهو مخبر أن خبره هذا الأخير خبران أحدهما غير مطابق للآخر وهو ليس خبرين فيكون كذبا قطعا سواء أراد الأخبار المتقدمة أو أراد هذا الخبر هذا الذي اعتمده الإمام فخر الدين وغيره والذي أعتقده أن هذا الخبر لا يقطع بكذبه لجواز أن يريد الخبر الأخير وحده ويكون عدم مطابقته لعدم ما تمكن المطابقة معه فهو غير مطابق بالمعنى الأعم كما تقدم تقريره
فقوله إنه كذب صدق على هذا التقرير فلا يقطع بكذب هذا الخبر لهذا الاحتمال فإن كذب في جملة عمره أو في جميع ما قاله في هذا البيت ثم قال كل ما تكلمت به في عمري صدق أو جميع ما قلته في هذا البيت صدق فإن أراد ما تقدم منه قبل هذا الخبر فهو كاذب وإن أراد هذا الخبر فهو كاذب أيضا فإن الصدق مطابقة الخبر لغيره والخبر عن الخبر بأنه صدق يقتضي تقدم رتبة المخبر عنه عن الخبر وتأخر الشيء عن نفسه بالرتبة محال وإن أراد المجموع من الأخبار المتقدمة وهذا الخبر فالمطابقة لم تحصل أيضا في الجميع فهو كذب أيضا وكذب ولم يتأت هنا في الخبر الأخير ما تأتى لنا فيه إذا قال أنا كاذب فيه لأن الصدق يشترط فيه المطابقة فيحتاج فيه إلى شيئين حتى تحصل المطابقة بينهما أما إذا قال أنا كاذب فيه فقد ادعى عدم المطابقة وهي تصدق
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق

____________________

(1/99)


بطريقين إما بمخبر عنه غير مطابق وإما بعدم المخبر عنه بالكلية كما تقدم تقريره فلا جرم أمكننا أن نجعل الخبر الواحد كذبا ولم يمكنا أن نجعله صدقا فتأمل هذا الفرق ولاحظ فيه أن الكذب أعم والأعم قد يوجد حيث لا يوجد الأخص وأما الإمام فخر الدين وغيره فقد سوى بين البابين وقصر الكذب في عدم المطابقة على أحد قسميه وقال إذا قال أنا كاذب في الخبر الأخير هو كاذب لتأخر الخبر عن المخبر عنه بالرتبة وتأخر الشيء عن نفسه محال لكن الكذب أعم مما ادعاه كما تقدم بيانه فلا يلزم ما قاله
المسألة الثانية وعد الله تعالى ووعيده وقع لابن نباتة في خطبة الحمد لله الذي إذا وعد وفى وإذا أوعد تجاوز وعفا وحسن ذلك عنده ما جرت العوائد به من التمدح بالوفاء في الوعد والعفو في الوعيد
قال الشاعر وإني إذا أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي تمدح بهما وقد أنكر العلماء على ابن نباتة ذلك وتقرير الإنكار أن كلامه هذا يشعر بثبوت الفرق بين وعد الله تعالى ووعيده
والفرق بينهما محال عقلا لأنه إن أريد بالوعد والوعيد صورة اللفظ وما دل عليه بوضعه اللغوي من العموم فإنهما سواء في جواز دخول التخصيص فيهما فكما دخل التخصيص في قوله تعالى ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره بمن عفي عنه تفضلا أو بالتوبة أو غير ذلك فلم ير شرا مع عمله له فكذلك دخل التخصيص في قوله تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره بمن حبط عمله بردته وسوء خاتمته أو أخذت أعماله في الظلامات بالقصاص وغيره فلم ير خيرا مع أنه عمله وكذلك جميع إخبارات الوعيد والوعد يخرج منها من لم يرد باللفظ ويبقى المراد فلا فرق بينهما من هذا الوجه وإن أريد بالوعد والوعيد من أريد بالخطاب ومن قصد بالإخبار عنه بالنعيم أو العقاب فيستحيل أن من أراده الله تعالى بالخبر أن لا يقع مخبره
وإلا لحصل الخلف المستحيل عقلا على الله تعالى بل يجب حصول النعيم لمن أراده الله تعالى بالإخبار عن نعيمه وحصول العقاب لمن أراده الله تعالى بالإخبار عن عقابه لئلا يلزم الخلف فحينئذ لا فرق بينهما أيضا فإن قلت إن أريد بالوعيد صورة العموم وهو قابل للتخصيص وبالوعد من أريد بالخطاب فإنه يتعين فيه الوفاء بذلك الموعود يندفع المحال وتصح هذه العبارة قلت هذا يمكن غير أنه يوهم أن الله تعالى يعفو عمن أريد بالوعيد ولا يقتصر المفهوم على التخصيص فقط كما جرت به العادة من التمدح بالعفو وإن أكذب أحدنا نفسه كما قال
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق

____________________

(1/100)


الشاعر فإن الكذب جائز علينا ونمدح به ويحسن منا في مواطن وهو محال على الله تعالى وإذا أوهم مثل هذا حرم إطلاقه لأن إطلاق ما يوهم محالا على الله تعالى حرام
المسألة الثالثة إذا فرضنا رجلا صادقا على الإطلاق وهو زيد فقلنا زيد ومسيلمة الحنفي صادقان أو كاذبان استحال في هذا الخبر أن يكون صادقا وإلا لصدق مسيلمة في قولنا هما صادقان أو لكذب زيد في قولنا هما كاذبان
ويستحيل أيضا أن يكون هذا الخبر كاذبا للزوم صدق مسيلمة في قولنا هما كاذبان أو كذب زيد في قولنا هما صادقان لكن كذب زيد محال لأن الفرض خلافه وإذا ارتفع عنه الصدق والكذب لزم ارتفاع النقيضين كما تقدم تقريره قبل هذا فيمن قال أنا كاذب في بيت لم يتكلم فيه إلا بهذا الكلام وقد تقدم مبسوطا ويلزم أيضا وجود الخبر بدون خصيصته وهو قبول الصدق والكذب وهو محال أيضا
والجواب قال الإمام فخر الدين في باب الإخبار أن هذا الخبر في قوة خبرين فإذا قلنا زيد ومسيلمة صادقان فتقديره زيد صادق ومسيلمة صادق والأول خبر صادق والثاني خبر كاذب وكذلك إذا قلنا كاذبان صدق مفهوم الكذب في مسيلمة وكذب في زيد وهذا الجواب يبطل بتضييق الفرض بأن نقول المجموع صادق أو كاذب ونجعل الخبر عن المجموع وهو مفرد في اللفظ أو يقول المتكلم أردت المجموع والإخبار عنه ولم أرد الإخبار عن كل واحد منهما فيبطل هذا الجواب
والجواب الحق أن نلتزم في قولنا هما صادقان أنه كذب وتقريره أن الكذب نقيض الصدق كما تقدم تقريره فإنه عدم المطابقة الذي هو نقيض المطابقة والمتكلم أخبر عن حصول المطابقة في المجموع وفي كل واحد منهما وليست كذلك لأن الحقيقة تنتفي بانتفاء جزئها فتنتفي المطابقة في المجموع بنفيها في أحدهما ولا نشك أنها منفية في أحدهما فيكون الحق نفي المطابقة في المجموع فيكون الخبر كذبا وكذلك إذا قلنا هما كاذبان فإنا أخبرنا عن ثبوت عدم المطابقة في كل واحد منهما وإذا قال قائل العدم يشمل زيدا وعمرا كذب خبره هذا بوجود أحدهما فإن مجموع العدمين ينتفي بانتفاء جزئه كما ينتفي مجموع الثبوت وقد أشار فخر الدين إلى أن الخبر يكون كذبا غير أنه لم يبسط تقريره
المسألة الرابعة إذا قلنا الإنسان وحده ناطق وكل ناطق حيوان فإنه ينتج الإنسان وحده حيوان وهذا خبر كاذب مع أن متقدماته صحيحة فكيف ينتج الصادق الخبر الكاذب وذلك إن جوزناه يبطل علينا باب الاستدلال
والجواب أن الفساد إنما جاء من جهة أن المقدمة الأولى هي مقدمتان التفت إحداهما بالأخرى إحداهما سالبة والأخرى موجبة فإن
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق

____________________

(1/101)


قولنا الإنسان وحده ناطق معناه أنه ناطق وغيره غير ناطق هذا هو مدلول وحده لغة فإن جعلنا مقدمة الدليل هي الموجبة وحدها صح الكلام فإنه يصير الإنسان ناطقا وكل ناطق حيوان فينتج كل إنسان حيوان ولا محال في هذا
وإن جعلنا مقدمة القياس هي السالبة لم يصح الإنتاج لفوات شرطه وهو أن الشكل الأول من شرطه أن تكون صغراه موجبة وهذه سالبة فلا يصح ألا ترى أنك إذا قلت لا شيء من الإنسان بحجر وكل حجر جسم كانت النتيجة لا شيء من الإنسان بجسم وهو باطل فلا بد أن تكون مقدمة القياس في هذا الشكل موجبة إذا كانت صغرى وهذا الكلام قد جعلت فيه سالبة فلذلك حصل فيه أمر محال وإن جعلنا مجموع المقدمتين مقدمة واحدة امتنع أيضا فإنه لا قياس عن ثلاث مقدمات ويلزم الفساد من كون إحداهما سالبة كما تقدم
المسألة الخامسة نقول الفول يغذو الحمام والحمام يغذو البازي فالفول يغذو البازي المقدمتان صادقتان والخبر الذي أنتجتاه كاذب وهو قولنا الفول يغذو البازي فإنه لا يأكل إلا اللحم فكيف ينتج الصادق الكاذب وذلك يخل بنظام الاستدلال
والجواب أن الفساد جاء من جهة عدم اتحاد الوسط فإن قلنا الفول يغذو الحمام الأصل أن نقول وكل ما يغذو الحمام يغذو البازي ولم نأخذه بل أخذنا مفعول المحمول وضابط اتحاد الوسط الذي هو شرط الإنتاج أن تأخذ عين الخبر في المقدمة الأولى فنجعله مبتدأ في الثانية وهنا لم تأخذه بل أخذت مفعوله وجعلته مبتدأ في الثانية فلم يتحد الوسط وإذا لم يتحد الوسط لم يحصل الإنتاج ونظيره أن تقول زيد مكرم خالدا وخالد مكرم عمرا ينتج زيد مكرم عمرا وذلك غير لازم لجواز أن يكون زيد عدوا لعمرو فلم يكرمه وعلى هذا السؤال متى أخذت مفعول الوسط بطل الإنتاج ومتى أخذته نفسه فهو الذي يحصل به الإنتاج ويصدق معه الخبر فتأمل المسألة السادسة تقول كل زوج عدد والعدد إما زوج أو فرد ينتج الزوج إما زوج أو فرد والإخبار عن كون الزوج منقسما إلى الزوج والفرد كاذب فإن المنقسم إلى شيئين لا بد وأن يكون مشتركا بينهما والزوج ليس مشتركا فيه بين الزوج والفرد فالمقدمات صادقة والخبر الذي أنتجته كاذب فيلزم المحال كما تقدم
والجواب أن المحال إنما نشأ من جهة أن المقدمة الثانية في هذا الشكل من شرطها أن تكون كلية وقولنا العدد إما زوج أو فرد قضية منفصلة نص أرباب المنطق على أنها إنما تكون كلية بأزمانها وأوضاعها فإن لم تقع الإشارة إلى أن ذلك الحكم ثابت لذلك المحكوم عليه في جميع الأحوال وعلى جميع
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق

____________________

(1/102)


التقادير وإلا لم تكن كلية إذا تقرر هذا فنقول ما تريد بقولك العدد إما زوج أو فرد تريد العدد في أي حالة كان أو من حيث الجملة فإن أردت الأول كان معنى كلامك العدد في حالة كونه زوجا هو منقسم إلى الزوج والفرد وذلك كاذب وإن وقع حالة كونه فردا انقسم إليهما أيضا وذلك كاذب أيضا فهذه المقدمة كاذبة ضرورة على هذا التقدير وإن أردت بالعدد العدد من حيث الجملة فهو إشارة إلى القدر المشترك بين جميع الأعداد فإن القدر المشترك ينقسم إلى أنواع وذلك صادق غير أنها إذا صدقت المقدمة على هذا التقدير كانت جزئية فإن المشترك يكفي في تحققه صورة واحدة وإذا كانت جزئية بطل شرط الإنتاج وهو كون المقدمة الثانية كلية فظهر حينئذ أن هذه المقدمة الثانية إما كاذبة أو فات فيها شرط الإنتاج وعلى التقديرين لا تصح النتيجة ولا يوثق بالخبر الناشئ من هذا التركيب
المسألة السابعة تقول الوتد في الحائط والحائط في الأرض ينتج قوله الوتد في الأرض وهو خبر كاذب فإن الوتد ليس في الأرض فقد أنتج الصادق الكاذب فيلزم المحال كما تقدم
والجواب أن هذا الكلام فيه توسع وهو قولك الحائط في الأرض فإنه لم يغب بجملته في الأرض بل أبعاضه فهو مجاز من باب إطلاق الجزء على الكل فلو كان اللفظ حقيقة وأن جملة الحائط في الأرض كان الوتد في الأرض خبرا وكان الخبر حقا كقولنا المال في الكيس والكيس في الصندوق فالمال في الصندوق وهذا خبر حق لأنه ليس فيه توسع بخلاف الحائط في الأرض فإن قلت ظرف الزمان والمكان ليس من شرطه الإحاطة كقوله تعالى له ما في السماوات وما في الأرض والمراد ما على ظهرهما وكقوله تعالى وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو إنما يعبد فوق ظهرهما فاللفظ حقيقة وكذلك إذا قلنا زيد عندك حقيقة وإن لم يغب في المكان الذي أنت فيه وكذلك زيد في الزمان ليس معناه الإحاطة لأن معنى الزمان هو اقتران حادث بحادث والاقتران نسبة وإضافة لم تحط بزيد كإحاطة ثوبه إنما هي في تينك الحادثين لا يتعداهما وكذلك إذا فسرنا الزمان بحركات الأفلاك فإن الحركة قائمة في الفلك لم تحط بزيد وغيره من حوادث الأرض بل المحيط هو الفلك وحده فظهر حينئذ أن تسمية الزمان والمكان ظرفين ليس معنى ذلك الغيبة فيهما وإحاطتهما بالمظروف فبطل ما ذكرتموه من التوسع وبطل أيضا ما يعتقده كثير من النحاة من الظرفية الحقيقية
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق

____________________

(1/103)


قلت إذا ألزمت هذا أقول الوتد في الأرض حقيقة ويكون الخبر صادقا ولا محال حينئذ والسؤال والإشكال إنما جاء من قبل أن الوتد ليس مغيبا في الأرض أما على هذا التقدير فلا يلزم إشكال ولا يضرنا إلزام ما ذكرته فالسؤال ذاهب على كل تقدير وهو المقصود
المسألة الثامنة قولنا هذا الجبل ذهب لأن كل من قال إنه ذهب قال إنه جسم وكل من قال إنه جسم صادق ينتج أن كل من قال إنه ذهب صادق وهذا الخبر كاذب مع صدق المقدمات وبهذا النمط يستدل على أن كل ما في العالم ذهب وياقوت وحيوان وجميع أنواع المحالات تقريرها بهذا الدليل وهذه مغلطة عظيمة
والجواب عنها من وجوه أحدها أن قول القائل إن هذا الجبل ذهب محال وكذب المحال يلزمه المحال فيكون المحال في النتيجة إنما نشأ من هذا المحال فنحن نلتزم أنه ذهب على هذا التقدير المحال ولا محذور وإنما المحذور كونه ذهبا في نفس الأمر وثانيها أنا لا نسلم أنه يقول إنه جسم فإن قوله هو ذهب محال والمحال يجوز أن يلزمه المحال وهو كون الذهب ليس بجسم فتبطل المقدمة الأولى فلا تلزم النتيجة وثالثها أنا لا نسلم صحة المقدمات ونسلم أنه صادق لكنه قد تقدم من قوله أمران أحدهما قوله إنه ذهب والآخر قوله إنه جسم فهو صادق في قوله إنه جسم لا في قوله إنه ذهب فلا يحصل المقصود للسائل ولا سيما وقولنا صادق لفظ مطلق يصدق بفرد وصورة واحدة وقد بيناها فاندفع الإشكال فهذه نبذة من الأخبار مشكلة لا يتحدث فيها إلا الفضلاء النبلاء لتوقف سؤالها وجوابها على دقائق من العلوم وقد تذكر في سياق المغلطات فيعسر الجواب عنها وقد اتضح منها جملة هاهنا توجب الإعانة على فهم غيرها والله المستعان لا رب غيره

هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
فارغه
____________________

(1/104)


الفرق الثالث بين الشرط اللغوي وغيره من الشروط العقلية والشرعية والعادية فإن أكثر الناس يعتقدون أن الكل معنى واحد وأن اللفظ مقول عليها بالتواطؤ وأن المعنى واحد وليس كذلك بل للشروط اللغوية قاعدة مباينة لقاعدة الشروط الأخر ولا يظهر الفرق بين القاعدتين إلا بيان حقيقة الشرط والسبب والمانع أما السبب فهو الذي يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم لذاته أما القيد الأول فاحتراز من الشرط فإنه لا يلزم من وجوده شيء إنما يؤثر عدمه في العدم والقيد الثاني احتراز من المانع فإن المانع لا يلزم من عدمه شيء إنما يؤثر وجوده في العدم والقيد الثالث احتراز من مقارنة وجود السبب عدم الشرط أو وجود المانع فلا يلزم الوجود أو إخلافه بسبب آخر حالة عدمه فلا يلزم العدم وأما الشرط فهو الذي يلزم من
هامش أنوار البروق
الفرق الثالث بين الشرط اللغوي وغيره من الشروط العقلية والشرعية والعادية قلت كان حقه كما فرق بين الشرط اللغوي وغيره أن يفرق بين سائر الشروط فإن الشرط العقلي ارتباطه بالمشروط عقلي ومعنى ذلك أن من حقيقة المشروط ارتباط ذلك الشرط به والشرط الشرعي ارتباطه بالمشروط شرعي ومعنى ذلك أن الله تعالى ربط هذا الشرط ومشروطه بكلامه الذي نسميه خطاب الوضع والشرط العادي ارتباطه بالمشروط عادي ومعنى ذلك أن الله تعالى ربط هذا الشرط بمشروطه بقدرته ومشيئته والشرط اللغوي ربطه بمشروطه واضع اللغة أي جعل هذا الربط اللفظي دالا على ارتباط معنى اللفظ بعضه ببعض هذه فروق بين هذه الشروط واضحة وأما الفرق الذي ذكره فمبني على اصطلاح أصولي ولذلك احتاج في بيانه إلى ذكر الفرق بين الشرط والسبب والمانع عند أهل الأصول وليس ذلك بمتفق عليه فقد ذهب الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني إلى خلافه وما ذكره من رسوم السبب والشرط والمانع لا بأس به وما ذكره من أن الشروط اللغوية أسباب فبناء على ذلك الاصطلاح وما ذكره من احتمال تسمية جميع تلك الشروط شروطا باعتبار قدر مشترك بينها وهو توقف الوجود على الوجود مع قطع النظر عما عدا ذلك صحيح ظاهر
هامش إدرار الشروق
الفرق الثالث بين قاعدة الشروط اللغوية وقاعدة غيرها من الشروط العقلية والشرعية والعادية وبين كل واحد منها مع الآخر منها فالمقصود هنا جهتان الجهة الأولى الفرق بين سائر الشروط وهو أن ارتباط الشرط بالمشروط إن كان معناه أنه من حقيقة المشروط ارتباط ذلك الشرط به فهو الشرط العقلي كالحياة مع العلم أو أن الله ربط هذا الشرط ومشروطه بكلامه الذي نسميه خطاب الوضع فهو الشرط الشرعي كالطهارة مع الصلاة أو أن الله تعالى ربط هذا الشرط بمشروطه بقدرته ومشيئته فهو الشرط العادي كالسلم مع صعود السطح أو أن واضع اللغة ربط هذا الشرط بمشروطه أي جعل هذا الربط اللفظي دالا على ارتباط معنى اللفظ بعضه ببعض فهو الشرط اللغوي كالدخول المعلق عليه الطلاق في نحو إن دخلت الدار فأنت طالق والجهة الثانية الفرق بين
____________________

(1/105)


عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته ولا يشتمل على شيء من المناسبة في ذاته بل في غيره فالقيد الأول احتراز من المانع فإنه لا يلزم من عدمه شيء والقيد الثاني احتراز من السبب فإنه يلزم من وجوده الوجود والقيد الثالث احتراز من مقارنة وجوده لوجود السبب فيلزم الوجود ولكن ليس ذلك لذاته بل لأجل السبب أو قيام المانع فيلزم العدم لأجل المانع لا لذات الشرط والقيد الرابع احتراز من جزء العلة فإنه يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم غير أنه مشتمل على جزء المناسبة فإن جزء المناسب مناسبة
وأما المانع فهو الذي يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته فالقيد الأول احتراز من السبب فإنه يلزم من وجوده الوجود والقيد الثاني احتراز من الشرط والقيد الثالث احتراز من مقارنة عدمه لعدم الشرط فيلزم العدم أو وجود السبب فيلزم
هامش أنوار البروق
قال ثم إن الشرط اللغوي يمكن التعويض عنه والإخلاف والبدل قلت ما قاله في ذلك صحيح أيضا قال والشروط العقلية لا يقتضي وجودها وجودا ولا تقبل البدل والإخلاف
هامش إدرار الشروق
القاعدتين المذكورتين المبني على اصطلاح أصولي يفتقر لبيان الفرق بين الشرط والسبب والمانع عند الأصوليين وليس ذلك بمتفق عليه فقد ذهب الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني إلى خلافه فالسبب يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم لذاته فخرج بقيد من وجوده الوجود الشرط إذ لا يلزم من وجوده شيء وبقيد ومن عدمه العدم المانع إذ لا يلزم من عدمه شيء وبقيد لذاته السبب المقارن وجوده لعدم الشرط أو لوجود المانع فلا يلزم الوجود أو الذي أخلفه حال عدم سبب آخر فلا يلزم العدم والشرط ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته ولا يشتمل على شيء من المناسبة في ذاته بل في غيره فخرج بقيد يلزم من عدمه العدم المانع فلا يلزم من عدمه شيء وبقيد ولا يلزم من وجوده إلخ السبب إذ يلزم من وجوده الوجود وبقيد لذاته الشرط المقارن وجوده لوجود السبب فيلزم الوجود لأجل السبب لا لذات الشرط أو لقيام المانع فيلزم العدم لأجل المانع لا لذات الشرط وبقيد ولا يشتمل على شيء إلخ جزء العلة فهو وإن كان يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم أيضا إلا أنه مشتمل على جزء المناسبة فإن جزء المناسب مناسب والمانع ما يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه وجوده ولا عدم لذاته فخرج بقيد يلزم من وجوده العدم بسبب وبقيد ولا يلزم إلخ الشرط وبقيد لذاته المانع المقارن عدمه لعدم الشرط فيلزم العدم أو الوجود السبب فيلزم الوجود ولا
____________________

(1/106)


الوجود لكن بالنظر لذاته لا يلزم شيء من ذلك إذا تقرر ذلك يظهر أن المعتبر من المانع وجوده ومن الشرط عدمه ومن السبب وجوده وعدمه والثلاثة تصلح الزكاة مثالا لها فالسبب النصاب والحول شرط والدين مانع إذا ظهرت حقيقة كل واحد من السبب والشرط والمانع يظهر أن الشروط اللغوية أسباب بخلاف غيرها من الشروط العقلية كالحياة مع العلم أو الشرعية كالطهارة مع الصلاة أو العادية كالسلم مع صعود السطح فإن هذه الشروط يلزم من عدمها العدم في المشروط ولا يلزم من وجودها وجود ولا عدم فقد يوجد المشروط عند وجودها كوجوب الزكاة عند دوران الحول الذي هو شرط وقد يعدم لمقارنة الدين لدوران الحول مع وجود النصاب
وأما الشروط اللغوية التي هي التعاليق كقولنا إن دخلت الدار فأنت طالق يلزم من الدخول الطلاق ومن عدم الدخول عدم الطلاق إلا أن يخلفه سبب آخر كالإنشاء بعد التعليق وهذا هو شأن السبب أن يلزم من عدمه العدم إلا أن يخلفه سبب آخر فإذا ظهر أن الشروط اللغوية أسباب دون غيرها فإطلاق اللفظ على القاعدتين أمكن أن يقال بطريق
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله صحيح أيضا
قال ولا تقبل إبطال الشرطية إلا الشرعية خاصة قلت جميع الشروط تقبل الإبدال والإخلاف والإبطال ما عدا العقلية خاصة فإن ما عدا العقلي من الشروط ربطه بالوضع فلا يمتنع رفع ذلك الربط

هامش إدرار الشروق
يلزمه لذاته شيء من ذلك فالمعتبر من المانع وجوده ومن الشرط عدمه ومن السبب وجوده وعدمه والزكاة تصلح مثالا للثلاثة فالنصاب سبب والحول شرط والدين مانع وبظهور هذه الحقائق الثلاثة يظهر أن قاعدة الشرط اللغوية التي هي التعاليق كقولنا إن دخلت الدار فأنت طالق أنها أسباب يلزم من وجودها كالدخول في المثال وجود مشروطها كالطلاق ويلزم من عدمها عدم المشروط أي من عدم الدخول عدم الطلاق إلا أن يخلفه سبب آخر كالإنشاء بعد التعليق كما هو شأن السبب وقاعدة كل من الشروط العقلية كالحياة مع العلم والشرعية كالطهارة مع الصلاة والعادية كالسلم مع صعود السطح أنه يلزم من عدمها عدم مشروطها ولا يلزم من وجودها وجود ولا عدم لمشروطها فقد يوجد مشروطها عند وجودها كوجوب الزكاة عند دوران الحول الذي هو شرط وقد يعلم لمقارنة الدين لدوران الحول مع وجود النصاب فإطلاق لفظ الشرط على ما عدا اللغوية حقيقة قطعا وعلى اللغوية يمكن أن يقال حقيقة أيضا بطريق الاشتراك لأن الأصل في الاستعمال الحقيقة وأن يقال مجازا لأنه أرجح من الاشتراك وأن يقال بطريق التواطؤ بأن يدعي وضعه للقدر المشترك بين الجميع وهو توقف الوجود على الوجود مع قطع النظر عما عدا ذلك فإن كلا من المشروط العقلي والشرعي والعادي يتوقف دخوله في الوجود على وجود شرطه ووجود شرطه لا يقتضيه المشرط اللغوي يتوقف وجوده على وجود شرطه ووجود شرطه يقتضيه ثم إن ما عدا العقلي من الشروط من حيث إن ربطها بمشروطها بالوضع تقبل الإبدال والإخلاف والإبطال إذ لا يمتنع رفع ذلك الربط فمثال الإبدال والإخلاف في
____________________

(1/107)


الاشتراك لأنه مستعمل فيهما والأصل في الاستعمال الحقيقة وأمكن أن يقال بطريق المجاز في أحدهما لأن المجاز أرجح من الاشتراك وأمكن أن يقال بطريق التواطؤ باعتبار قدر مشترك بينها وهو توقف الوجود على الوجود مع قطع النظر عما عدا ذلك فإن المشروط العقلي وغيره يتوقف دخوله في الوجود على وجود شرطه ووجود شرطه لا يقتضيه والمشروط اللغوي يتوقف وجوده على وجود شرطه ووجود شرطه يقتضيه ثم إن الشرط اللغوي يمكن التعويض عنه والإخلاف والبدل كما إذا قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا ثم يقول لها أنت طالق ثلاثا فيقع الثلاث بالإنشاء بدلا عن الثلاث المعلقة وكقوله إن أتيتني بعبدي الآبق فلك هذا الدينار ولك أن تعطيه إياه قبل أن يأتي بالعبد هبة فتخلف الهبة استحقاقه إياه بالإتيان بالعبد ويمكن إبطال شرطيته كما إذ أنجز الطلاق فإن التنجيز إبطال للتعليق وكما إذا اتفقنا على فسخ الجعالة والشروط العقلية لا يقتضي وجودها وجودا ولا تقبل البدل والإخلاف ولا تقبل إبطال الشرطية إلا الشرعية خاصة فإن الشرع قد يبطل شرطية الطهارة والستارة عند معارضة التعذر أو غيره فهذه ثلاثة فروق اقتضاء الوجود والبدل والإبطال إذا تخلص الفرق بين القاعدتين وتميزت كل
هامش أنوار البروق
قال شهاب الدين إذا تخلص الفرق بين القاعدتين وتميزت كل واحدة منهما عن الأخرى فنوشح ذلك بذكر مسائل من الشروط اللغوية إلى آخر المسألة قلت ما ذكره في ذلك وفي المسألة بجملتها صحيح والله أعلم

هامش إدرار الشروق
الشرط اللغوي أن يقول لزوجته إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا يقول لها أنت طالق ثلاثا فتقع الثلاث بالإنشاء بدلا عن الثلاث المعلقة أو تقول لشخص إن أتيتني بعبدي الآبق فلك هذا الدينار ثم تعطيه الدينار قبل أن يأتي بالعبد هبة فتخلف الهبة استحقاقه إياه بالإتيان بالعبد ومثال الإبطال فيه أن ينجز الطلاق إبطالا للتعليق أن يتفق الجاعل والمجعول له على فسخ الجعالة وقس على ذلك العادي والشرعي فإن كلا من العادة والشرع قد يبطل الشرطية في نحو السلم والطهارة والستارة عند معارضة التعذر أو غيره وقد أخلف الشرع الطهارة المائية بالترابية وأخلفت العادة السلم برفع الشخص في التابوت بآلة جذب الأثقال والشرط العقلي من حيث إن ربطه بمشروطه ذاتي لا بالوضع لا يقبل البدل والإخلاف ولا إبطال الشرطية كما لا يقتضي وجوده وجود المشروط بخلاف اللغوي فالفرق بين اللغوي وغيره من الشروط ثلاثة اقتضاؤه الوجود والبدل والإبطال بخلاف غيره فإنه قد لا يقتضي الثلاثة وقد لا يقتضي الوجود وإن اقتضى البدل والإبطال فافهم
فصل في ثمانية مسائل من الشروط اللغوية فيها مباحث دقيقة وأمور غامضة وإشارات شريفة تتضح بها قاعدة الشروط اللغوية تمام الاتضاح المسألة الأولى أنشد بعض الأفاضل ما يقول الفقيه أيده الله ولا زال عنده إحسان في فتى علق الطلاق بشهر قبل ما قبل قبله رمضان والبيت الثاني وإن كان بيتا واحدا إلا أنه من نوادر الأبيات فإنه مع صعوبة
____________________

(1/108)


واحدة منهما عن الأخرى فنوشح ذلك بذكر مسائل من الشروط اللغوية فيها مباحث دقيقة وأمور غامضة وإشارات شريفة تكون الإحاطة بها حلية للفضلاء وجمالا للعلماء ولنقتصر من ذلك على ثمان مسائل
المسألة الأولى أنشد بعض الفضلاء ما يقول الفقيه أيده الله ولا زال عنده إحسان في فتى علق الطلاق بشهر قبل ما قبل قبله رمضان اعلم أن هذا البيت من نوادر الأبيات وأشرفها معنى وأدقها فهما وأغربها استنباطا لا يدرك معناه إلا العقول السليمة والأفهام المستقيمة والفكر الدقيقة من أفراد الأذكياء وآحاد الفضلاء والنبلاء بسبب أنه بيت واحد وهو مع صعوبة معناه ودقة مغزاه مشتمل على ثمانية أبيات في الإنشاد بالتغيير والتقديم والتأخير بشرط استعمال الألفاظ في حقائقها دون مجازاتها مع التزام صحة الوزن على القانون اللغوي وكل بيت مشتمل على مسألة من الفقه في التعاليق الشرعية والألفاظ اللغوية وتلك المسألة صعبة المغزى
وعرة المرتقى ومشتمل
هامش أنوار البروق
قال شهاب الدين المسألة الثانية قال اللخمي في كتاب الظهار إذا قال أنت طالق اليوم إن كلمت فلانا غدا إلى قوله وهذا هو الذي صرح لي به أعيانهم ومشايخهم المعاصرون في تقرير هذه المسألة
قلت جميع ذلك نقل لا كلام فيه
هامش إدرار الشروق
معناه ودقة مغزاه إما أن يلتزم فيه صحة الوزن على القانون اللغوي واستعمال ألفاظه في حقائقها دون مجازاتها فيكون مشتملا على ثمانية أبيات في الإنشاد بالتغيير والتقديم والتأخير كل بيت منها يشتمل على مسألة من الفقه في التعاليق الشرعية والألفاظ اللغوية وتلك المسألة صعبة المغزى وعرة المرتقى وأما أن يلتزم المجاز في ألفاظه دون الحقائق مع الإعراض عن ضابط الوزن وقانون الشعر بأن يطول البيت نحوا من ضعفه فيكون مشتملا على سبعمائة وعشرين مسألة من المسائل الفقهية
والتعاليق اللغوية تحصل من هذه الألفاظ الثلاث وتبديلها بأضدادها واستعمالها في مجازاتها وتنقلها في التقديم والتأخير مفترقة ومجتمعة على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى فاحتاج بيانه إلى مقاصد المقصد الأول في تقرير البيت على طريقة التزام استعمال ألفاظه في حقائقها مع صحة الوزن على القانون اللغوي وفيه ثلاثة مباحث
المبحث الأول هذا البيت ثمانية أبيات في التصوير أحدها أصل وهو اجتماع ثلاث قبلات وسبع تتفرع عنه بأن يبدل الجميع بالبعدات نحو ما بعد بعده وهذه الصورة الثانية أو يبدل من قبل الأخيرة فقط نحو قبل ما قبل بعده وهذه الصورة الثالثة أو يبدل من الثاني والثالث دون الأول نحو قبل ما بعد بعده وهذه الصورة الرابعة أو يبدل من الثاني فقط دون الأول والثالث نحو قبل ما بعده قبله وهذه الصورة الخامسة أو يبدل من الأول والثاني دون الثالث نحو بعد ما بعد قبله وهذه الصورة السادسة أو يبدل من الأول فقط دون الثاني والثالث نحو بعد ما قبل قبله وهذه الصورة السابعة أو يبدل من الأول
____________________

(1/109)


على سبعمائة مسألة وعشرين مسألة من المسائل الفقهية والتعاليق اللغوية بشرط التزام المجاز في الألفاظ وإطراح الحقائق والإعراض عن ضابط الوزن وقانون الشعر بأن يطول البيت نحوا من ضعفه ويحصل هذا العدد العظيم من هذه اللفظات الثلاث وتبديلها بأضدادها واستعمالها في مجازاتها وتنقلها في التقديم والتأخير مفترقة ومجتمعة على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى وقد وقع هذا البيت لشيخنا الإمام الصدر العالم جمال الفضلاء رئيس زمانه في العلوم وسيد وقته في التحصيل والمفهوم جمال الدين الشيخ أبي عمرو بأرض الشام وأفتى فيه وتفنن وأبدع فيه ونوع رحمه الله وقدس روحه الكريمة وها أنا قائل لك لفظه الذي وقع لي بفصه ونصه ثم أذكر بعد ذلك ما وهبه الله تعالى لي من فضله قال رحمه الله هذا البيت من المعاني الدقيقة الغريبة التي لا يعرفها في مثل هذا الزمان أحد وقد سئلت عن هذه المسألة بمصر وأجبت بما فيه كفاية ثم سئلت عنها بدمشق فقلت هذا البيت ينشد على ثمانية أوجه لأن ما بعد قبل الأول قد يكون قبلين وقد يكون بعدين
وقد يكون مختلفين فهذه أربعة أوجه كل منها قد يكون قبله قبل وقد
هامش أنوار البروق
قال قلت والحق في هذه المسألة وقوع الطلاق متقدما على القدوم الذي جعل شرطا وعلى لفظ التعليق في زمانه وقولهم حكم اللفظ لا يتقدم عليه لا يتم وقياسهم على قوله أنت طالق أمس لا يصح قلت ما قاله عندي صحيح لكنه مناقض لما حكي من الإجماع على استمرار العصمة وإباحة
هامش إدرار الشروق
والثالث دون الثاني نحو بعد ما قبل بعده
وهذه الصورة الثامنة المبحث الثاني ينبني تفسير الشهر المراد في جميع هذه الصور الذي أفتى به شيخ القرافي الشيخ أبو عمر ولما سئل عن ذلك بمصر ثم بدمشق على أمور أحدها ما مر من التزام استعمال ألفاظ البيت في حقائقها لا في مجازاتها الثاني أن هذه القبلات والبعدات وإن كانت ظروفا زمانية
والقاعدة تقتضي أن مظروفها يحتمل أن يكون شهرا تاما وأن يكون يوما واحدا من الشهر المراد إذ يصدق على رمضان بطريق الحقيقة اللغوية لا المجاز اللغوي أنه قبل شوال وأنه قبل يوم عيد الفطر إلا أن المظروف ها هنا شهر تام بقرينة السياق بل ذلك ضروري ها هنا أما بالنسبة لما صحبه الضمير العائد على الشهر المسئول عنه فلأنه إذا كان الشهر شوالا لا يمكن حمل المظروف على بعضه كيوم عيد الفطر وحده إلا على المجاز والتفاسير المفتى بها في صور هذا البيت مبنية على الحقيقة كما علمت وأما بالنسبة لما لم يصحبه ضمير الشهر كقبل المتوسط فلأن رمضان إذا كان قبل قبل الشهر المسئول عنه وتعين أن مظروف أحد القبلين وهو المضاف إلى الضمير شهر تعين أن مظروف القبل المتوسط شهر أيضا لأنه ليس بين شهرين من جميع الشهور أقل من شهر يصدق عليه أنه قبل شهر وبعد شهر بل لا يوجد بين شهرين عربيين إلا شهر فتعين أن مظروف هذه الظروف شهور تامة وأما الأشهر القبطية فإن أيام النسيء تتوسط بين مسرى وتوت
الأمر الثالث أن قاعدة الإضافة عند العرب وإن كانت على أنه يكفي فيها أدنى ملابسة كقول أحد حاملي الخشبة خذ طرفك فجعل طرف الخشبة طرفا له لأجل الملابسة
وأضيف الكوكب للخرقاء في
____________________

(1/110)


يكون قبله بعد صارت ثمانية فاذكر قاعدة ينبني عليها تفسير الجميع وهي أن كل ما اجتمع فيه قبل وبعد فألغهما لأن كل شهر حاصل بعد ما هو قبله وحاصل قبل ما هو بعده فلا يبقى حينئذ إلا بعده رمضان فيكون شعبان أو قبله رمضان فيكون شوالا فلم يبق إلا ما جميعه قبل أو جميعه بعد فالأول هو الشهر الرابع من رمضان لأن معنى ما قبل قبله رمضان شهر تقدم رمضان قبل شهرين قبله وذلك ذو الحجة والثاني هو الرابع أيضا ولكن على العكس لأن معنى بعد ما بعد بعده رمضان شهر تأخر رمضان بعد شهرين بعده وذلك جمادى الأخيرة فإذا تقرر ذلك فقبل ما قبل قبله رمضان ذو الحجة وقيل ما بعد بعده رمضان شعبان لأن المعنى بعده رمضان وذلك شعبان وبعد ما قبل قبله رمضان شوال لأن المعنى قبله رمضان وذلك شوال وقبل ما بعد قبله رمضان شوال لأن المعنى أيضا قبله رمضان وذلك شوال فهذه الأربعة الأول ثم اجر الأربعة الأخر على ما تقدم فإن بعد ما قبل قبله رمضان شوال لأن المعنى قبله رمضان وذلك شوال وبعد ما بعد بعده رمضان وذلك جمادى الأخيرة لأن ما بعد بعده شعبان وبعده رمضان فهو جمادى
هامش أنوار البروق
الوطء إلى قدوم زيد والذي أظنه أن ذلك الإجماع لا يصح وأنها لا يباح وطؤها في تلك المدة لاحتمال وقوع الشرط بل تحرم على كل حال فإن قدم زيد تبين أن لنا تحريمها للطلاق وإن لم يقدم تبين أن تحريمها للإشكال والاحتمال كما في اختلاط المنكوحة بالأجنبية الأجنبية حرام لأنها أجنبية والمنكوحة حرام للاختلاط

هامش إدرار الشروق
قوله إذا كوكب الخرقاء لاح بسحره لأنها كانت تقوم لعملها عند طلوعه واحتملت هذه القبلات والبعدات المضاف بعضها إلى بعض من حيث اللغة أن يكون كل ظرف أضيف لمجاوره أو لمجاور مجاوره أو لمجاور مجاور مجاوره على رتب ثلاث أو أكثر من ذلك فيكون الشهر الذي قبل رمضان هو ربيع فإن ربيعا قبل رمضان على سبيل الحقيقة بالضرورة إلا أن الظروف التي في البيت حملت على المجاور الأول لأنه الأسبق إلى الفهم وإن كان غيره حقيقة أيضا فهذه الملاحظة لا بد منها في تفسير هذا البيت المفتى بها
الأمر الرابع أن تعلم أنك إذا قلت قبل ما قبل قبله رمضان أو بعد ما بعد بعده رمضان فالقبل الأول والبعد الأول هو رمضان لأنه مستقر في ذلك الظرف ومتى كان القبل الأول والبعد الأول هو رمضان فالقبلان الكائنان بعد ذلك القبل الذي هو رمضان شهران آخران يتقدمان على الشهر المسئول عنه والبعدان الأخيران شهران آخران يتأخران عن الشهر المسئول عنه فالرتب دائما في البيت أربع الشهر المسئول عنه وثلاثة ظروف لغيره هذا لا بد منه
الأمر الخامس أنه وإن احتمل فيما إذا قلنا قبل ما بعد بعده رمضان أو قلنا بعد ما قبل قبله رمضان أن تكون هذه الظروف المنطوق بها مرتبة على ما هي عليه في اللفظ فيتعين أن يكون الشهر المسئول عنه في
____________________

(1/111)


الأخيرة وبعد ما قبل بعده رمضان شعبان لأن المعنى بعده رمضان وذلك شعبان وبعد ما بعد قبله رمضان شعبان لأن المعنى بعده رمضان وذلك شعبان قلت هذا نص ما وجدته مكتوبا عنه رحمه الله في تعليق علق عنه في مسائله النادرة التي سئل عنها
وبقيت أمور لم يتعرض لها الشيخ رحمه الله فينبغي زيادتها وإيضاحها ليتكمل بذلك بيان المسألة إن شاء الله تعالى أحدها زيادة إيضاح كون البيت ثمانية في التصوير فإنه للبيت أصل وفرع فأصله اجتماع ثلاث قبلات وتفرع سبعة أخرى أحدها أن يبدل الجميع بالبعدات نحو بعد ما بعد بعده فهذه الصورة الثانية
الثالثة أن يبدل من قبل الأخيرة فقط نحو قبل ما قبل بعده
الرابعة أن يبدل من الثاني والثالث دون الأول نحو قبل ما بعد بعده
الخامسة أن يوسط البعد بين قبلين
السادسة أن يعمد إلى البعدات الثلاثة فيعمل فيها كما عملنا في القبلات فنقول بعد ما بعد قبله
السابعة أن يبدل من البعدين الأخيرين دون الأول نحو بعد ما قبل قبله
الثامنة أن يوسط القبل بين البعدين كما وسطنا البعد بين القبلين
هامش أنوار البروق
قال وبيان ذلك ببيان ثلاث قواعد القاعدة الأولى أن الأسباب الشرعية قسمان إلى آخر بيان القاعدة قلت جميع ما قاله في ذلك صحيح غير قوله ولو قال جعلته سببا من غير تعليق لم ينفذ ذلك قلت هذا إنما يجري على قول الشافعية في تعيين الألفاظ وأما على قول أهل المذهب في عدم تعيينها فلا والله أعلم

هامش إدرار الشروق
المسألتين هو رمضان لا أنه في الأولى شوال وفي الثانية شعبان كما في تفاسير صور البيت الآتية المفتى بها وذلك لأن كل شيء فرض له أبعاد كثيرة متأخرة عنه فهو قبل جميعها وكل شيء فرض له قبلات كثيرة متقدمة عنه فهو بعد جميعها فرمضان يصدق عليه أنه قبل بعده وبعد بعده وجميع ما يفرض من ذلك إلى الأبد فهو قبل تلك الظروف كلها ويصدق عليه أنه بعد قبله وقبل قبله وجميع ما يفرض من ذلك إلى الأبد فهو بعد تلك الظروف كلها
لكن باعتبار إضافتين لا إضافة واحدة حتى يقال اجتماع الضدين في الشيء الواحد محال فهو قبل باعتبار شوال وبعد باعتبار شعبان إلا أن مقتضى اللغة خلاف هذا الاحتمال وهو أن لا تكون هذه الظروف المنطوق بها مرتبة على ما هي عليه في اللفظ بل تكون بعد الأولى المتوسطة بين قبل وبعد في قولنا قبل ما بعد بعده متأخرة في المعنى وقبل المتقدمة متوسطة بين البعدين منطبقة على بعد الأخيرة التي هي الأولى وتكون بعد الأخيرة بعد وقبل معا بالنسبة إلى شهرين واعتبارين كما علمت ويكون الشهر المسئول عنه في قولنا المذكور شعبان كما سيأتي في التفسير المفتى به لأن شعبان بعده رمضان وبعد بعده شوال وقبل مضاف إلى المعنى للبعد الثاني الذي هو شوال ومتأخر عنه وكل من قبل وبعد الأخيرة التي هي الأولى يصدقان على رمضان ومنطبقان عليه بالنسبة للشهرين شوال وشعبان وليس لنا شهر بعده بعد أن رمضان قبل البعد الثاني وعين البعد الأول إلا شعبان وبيان ذلك أن العرب إذا قالت غلام غلام غلامي أو صاحب صاحب صاحبي فالمبدوء به هو أبعد الثلاثة عنك والأقرب إليك هو
____________________

(1/112)


فيكون بعد ما قبل بعده فحدث لنا عن القبلات الثلاث أربع مسائل وعن البعدات الثلاث أربع مسائل بالإبدال على التدريج والتوسط كما تقدم تمثيله
وثانيها أن ما في البيت لم يتحدث الشيخ رحمه الله عليها ولا على إعرابها وهل تختلف هذه الفتاوى مع بعض التقادير فيها أم لا فأقول إن ما يصح فيها ثلاثة أوجه أن تكون زائدة وموصولة ونكرة موصوفة ولا تختلف الفتاوى مع شيء من ذلك بل تبقى الأحكام على حالها فالزائدة نحو قولنا قبل قبل قبله رمضان فلا يعتد بها أصلا وتبقى الفتاوى كما تقدم والموصولة تقديرها قبل الذي استقر قبل قبله رمضان فيكون الاستقرار العامل في قبل الذي بعد ما هو صلتها والفتاوى على حالها وتقدير النكرة الموصوفة قبل شيء استقر قبل قبله رمضان فيكون الاستقرار العامل في الظرف الكائن بعد ما هو صفة لها وهي نكرة مقدرة بشيء فهذا تقدير ما في البيت وإعرابها
وثالثها أن هذه القبلات والبعدات ظروف زمان ومظروفاتها الشهور هاهنا ففي كل قبل أو بعد شهر هو المستقر فيه مع أن اللغة تقبل غير هذه المظروفات لأن القاعدة أنا إذا قلنا قبله رمضان احتمل أن يكون شوالا فإن رمضان قبله واحتمل أن يكون يوما واحدا من شوال فإن رمضان قبله فلو قال القائل رمضان قبل يوم عيد الفطر لصدق ذلك وكان حقيقة لغوية لا مجازا لكن هذه المسائل بنيت على أن
هامش أنوار البروق
قال القاعدة الثانية أن المقدرات لا تنافي المحققات إلى آخر ما قاله في هذه المسألة قلت ما قاله في ذلك صحيح غير قوله كقربات الكفار والمرتدين موجودة حقيقة ومعدومة حكما فإنه إن أراد أن قرباتهم في حال الكفر والارتداد فذلك غير صحيح وإن أراد في حال الإسلام قبل الارتداد فذلك صحيح والله أعلم
هامش إدرار الشروق
الأخير والمتوسط متوسط فالغلام الأخير هو عبدك الأول الذي ملكته فملك هو عبدا آخر وهو المتوسط وملك المتوسط العبد المقدم ذكره فالمقدم ذكره هو الذي ملكه عبد عبد عبدك لا أنه عبدك وقس الأمر السادس مما ينبني عليها تفسير جميع صور البيت المفتى به
قاعدة وهي أن كل ما اجتمع فيه قبل وبعد فالغهما لأن كل شهر حاصل بعد ما هو قبله وقبل ما هو بعده فلا يبقى حينئذ إلا بعده رمضان فيكون شعبان أو قبله رمضان فيكون شوال وأما ما جميعه قبل أو جميعه بعد
فالجواب في الأول هو الرابع الذي هو ذو الحجة لأن معنى قبل ما قبل قبله رمضان شهر تقدم رمضان قبل شهرين قبله وفي الثاني هو الرابع أيضا لكن على العكس وهو جمادى الآخرة لأن معنى بعد ما بعد بعده رمضان شهر تأخر رمضان بعد شهرين بعده فجميع الأجوبة الثمانية منحصرة في أربعة أشهر طرفان وواسطة فالطرفان جمادى الأخيرة وذو الحجة والوسط شوال وشعبان وتقريب ضبطها أن جميع البيت إن كان قبل فالجواب بذي الحجة وإن كان بعد فالجواب بجمادى الأخيرة وإن تركب من قبل وبعد فمتى وجدت في الآخر قبل بعده أو بعد قبله فما تقدمت فيه قبل فجوابه شوال لأن المعنى قبله رمضان وما تقدمت فيه بعد فالجواب شعبان لأن التقدير بعده رمضان ومتى وجدت في آخر قبلين أو بعدين وقبلهما مخالفا لهما ففي البعدين شعبان وفي القبلين شوال فشوال ثلاثة وشعبان ثلاثة وهذه الستة هي الواسطة المتوسطة بين جمادى الأخيرة وذي الحجة

____________________

(1/113)


المظروف شهر تام بقرينة السياق ولضرورة الضمير في قبله العائد على الشهر المسئول عنه فإذا كان شوالا وهو قد قال قبله رمضان تعذر أن يحمل على بعض الشهر إلا على المجاز فإن بعض الشهر أو يوم الفطر وحده ليس هو شوالا بل بعض شوال فيلزم المجاز لكن الفتاوى في هذا البيت مبنية على الحقيقة هذا تقرير قبله الأخير الذي صحبه الضمير وأما قبل المتوسط فليس معه ضمير يضطرنا إلى ذلك بل علمنا أن مظروفه شهر بالدليل العقلي لأن رمضان إذا كان قبل قبل الشهر المسئول عنه وتعين أن أحد القبلين وهو الذي أضيف إلى الضمير مظروفه شهر تعين أن مظروف القبل المتوسط شهر أيضا لأنه ليس بين شهرين من جميع الشهور أقل من شهر يصدق عليه أنه قبل شهر وبعد شهر بل لا يوجد بين شهرين عربيين إلا شهر فلذلك تعين أن مظروف هذه الظروف شهور تامة وقولي عربيين احتراز من القبطية فإن أيام النسيء تتوسط بين مسرى وتوت ورابعها أن قاعدة العرب أن الإضافة يكفي فيها أدنى ملابسة كقول أحد حاملي الخشبة مثل طرفك فجعل طرف الخشبة طرفا له لأجل الملابسة قاله صاحب المفصل وأنشد في هذا المعنى إذا كوكب الخرقاء لاح بسحره
هامش أنوار البروق
قال وثانيها أنه إذا قال أعتق عبدك عني فأعتقه فإنا نقدر دخوله في ملكه قبل عتقه بالزمن الفرد تحقيقا للعتق عنه وثبوت الولاء له إلى آخر المسألة قلت لا حاجة إلى التقدير للملك في هذه المسألة فإنه لا مانع من عتق الإنسان عبده عن غيره من غير تقدير ملك ذلك الغير للعبد ولا تحقيقه والله أعلم

هامش إدرار الشروق
المبحث الثالث لفظة ما في البيت يصح فيها ثلاثة أوجه أحدها أن تكون زائدة فلا يعتد بها بل يكون التقدير قبل قبل قبله رمضان مثلا
وثانيها أن تكون موصولة والتقدير قبل الذي استقر قبل قبله رمضان فيكون الاستقرار العامل في قبل الذي بعد ما هو صلتها
وثالثها أن تكون نكرة موصوفة والتقدير قبل شيء استقر قبل قبله رمضان فيكون الاستقرار العامل في الظرف الكائن بعد ما المقدرة بشيء هو صفة لها ولا تختلف التفاسير المفتى بها المذكورة مع شيء من ذلك بل تبقى الأحكام على حالها المقصد الثاني في تقرير البيت على طريقة التزام الحقيقة في الألفاظ وعدم النظم بل يكون الكلام نثرا اعلم أن الكلام حينئذ يجري على الضابط المتقدم أيضا فإذا زدنا على قولنا قبل ما بعد بعده في لفظ بعد لفظة أخرى منه فقلنا قبل ما بعد بعد بعده رمضان تعين أن يكون الشهر المسئول عنه رجبا وإن جعلنا البعدات أربعة تعين أن يكون جمادى الأخيرة أو خمسة تعين أن يكون جمادى الأولى أو ستة تعين أن يكون ربيعا الآخر وهكذا كلما زدت بعد انتقلت إلى شهر قبل فإن هذه الظروف
____________________

(1/114)


فأضاف الكوكب إليها لأنها كانت تقوم لعملها عند طلوعه ونحو ذلك من الإضافات ومنه قوله تعالى ولا نكتم شهادة الله أضيف الشهادة إليه بسبب أنه تعالى شرعها لا لأنه شاهد ولا مشهود عليه
وكذلك دين الله ونفخنا فيه من روحنا ولله على الناس حج البيت فالإضافة في الجميع مختلفة المعاني وهي حقيقية في الجميع باعتبار معنى عام وهو كما قال صاحب المفصل بأدنى ملابسة إذا تقررت هذه القاعدة فهذه القبلات والبعدات المضاف بعضها إلى بعض تحتمل من حيث اللغة أن يكون كل ظرف أضيف لمجاوره أو لمجاور مجاوره أو لمجاور مجاور مجاوره على رتب ثلاث أو أكثر من ذلك فيكون الشهر الذي قبل رمضان هو ربيع فإن ربيعا قبل رمضان بالضرورة ويومنا هذا قبل يوم القيامة بالضرورة وهو كله حقيقة غير أن الظروف التي في البيت حملت على المجاور الأول لأنه الأسبق إلى الفهم مع أن غيره حقيقة أيضا فهذه الملاحظة لا بد منها في هذه الفتاوى وخامسها أن تعلم أنك إذا قلت قبل ما قبل قبله رمضان فالقبل الأول هو عين رمضان لأنه مستقر في ذلك الظرف
هامش أنوار البروق
قال وثالثها دية الخطأ إلى آخر المسألة قلت ما قاله فيها من لزوم تقدير ملك الدية وعدم تحقيقه ليس بصحيح بل الصحيح أنه يملك الدية تحقيقا عند إنفاذ مقاتله وقبل زهوق نفسه ولا مانع من ذلك وإنما يحتاج إلى تقدير الملك في دية العمد لتعذر تحقيقه بكون الدية موقوفة على اختيار الأولياء وذلك إنما يكون بعد موته والميت لا يملك والله أعلم

هامش إدرار الشروق
شهور كما تقدم تقريره فيخرج لك على هذا الضابط مسائل غير متناهية غير المسائل الثمانية التي في البيت وإذا وصلت إلى أكثر من اثني عشر ظرفا فقد دارت السنة معك فربما عدت
إلى عين الشهر الذي كنت قلته في المسألة ولكن من سنة أخرى وهكذا يكون الحال في السنين إذا كثرت فتأمل ذلك وإذا زدنا على قولنا بعد ما قبل قبله في لفظ قبل لفظة أخرى فقلنا بعد ما قبل قبل قبله رمضان كان الشهر المسئول عنه هو ذو القعدة فإن رمضان أضيف لقبل قبل قبلين وهما شوال وذو القعدة
وإن جعلنا لفظ قبل أربعا كان ذا الحجة أو خمسا كان المحرم كما تقدم تقريره في لفظ بعد غير أنك تنتقل في لفظ بعد تقدما وفي لفظ قبل تأخرا فإن بعد للاستقبال فكلما كثرت كثر الاستقبال ورمضان مضاف للآخر منه فيتعين بعد الشهر المسئول عنه في الماضي حتى يتأخر رمضان في الاستقبال فيضاف للبعد الأخير وينتقل في لفظ قبل إذا كثر متأخرا لأن قبل للماضي ورمضان مضاف للقبل المجاور له دون الشهر المسئول عنه فيكون للشهر المسئول عنه قبلات كثيرة رمضان بعد الأول فيها وبقية القبلات بين رمضان والشهر المسئول عنه فيتعين الانتقال للاستقبال بحسب كثرة لفظات قبل وإذا زدنا لفظة قبل على قولنا قبل ما قبل قبله فقلنا قبل ما قبل قبل قبله رمضان تعين المحرم لأن السائل قد نطق بأربع من لفظ قبل فقبل المحرم ذو الحجة وقبل ذي الحجة ذو القعدة وقبل ذي القعدة شوال وقبل شوال رمضان وهو ما قاله السائل وهكذا يتعين الانتقال للاستقبال بحسب كثرة لفظات قبل وإذا زدنا لفظة بعد على قولنا بعد ما بعد بعده فقلنا بعد ما بعد بعد بعده
____________________

(1/115)


وكذلك بعد ما بعد بعده رمضان فالبعد الأول هو رمضان لأنه مستقر فيه ومتى كان القبل الأول هو رمضان فالقبلان الكائنان بعده شهران آخران يتقدمان على الشهر المسئول عنه
وكذلك في بعد ما بعد بعده رمضان البعدان الأخيران شهران آخران يتأخران عن الشهر المسئول عنه فالرتب دائما في البيت أربع الشهر المسئول عنه وثلاثة ظروف لغيره هذا لا بد منه ثم ها هنا نظر آخر وهو أنا إذا قلنا قبل ما بعد بعده رمضان فهل نجعل هذه الظروف متجاورة على ما نطق بها في اللفظ فيتعين أن يكون الشهر المسئول عنه هو رمضان فإن كل شيء فرض له أبعاد كثيرة متأخرة عنه فهو قبل جميعها فرمضان قبل بعده وبعد بعده وجميع ما يفرض من ذلك إلى الأبد فهو قبل تلك الظروف كلها الموصوفة ببعد وإن كانت غير متناهية وكذلك يصدق أيضا أنه بعد قبله وقبل قبله إلى الأزل وما لا يتناهى من القبلات فيكون رمضان أيضا ويبطل ما قاله الشيخ رضي الله عنه فإنه عين في الأول شوالا وفي الثاني شعبان ومقتضى ما ذكرته لك من النظر أن يكون الشهر المسئول عنه هو رمضان في المسألتين أو نقول مقتضى اللغة خلاف هذا التقرير وأن لا تكون هذه الظروف المنطوق
هامش أنوار البروق
قال ورابعها أن صوم التطوع يصح عندهم بنية من الزوال إلى آخر قوله فظهر أن المقدرات لا تنافي المحققات قلت ما قاله في ذلك صحيح

هامش إدرار الشروق
رمضان تعين جمادى الأولى لأن السائل قد نطق بأربع من لفظ بعد فبعد جمادى الأولى جمادى الأخيرة وبعد جمادى الأخيرة رجب وبعد رجب شعبان وبعد شعبان رمضان وهو ما قاله السائل وهكذا يتعين الانتقال للماضي بحسب كثرة لفظات بعد وبالقياس على ما ذكر يعلم حكم باقي الصور والله أعلم
المقصد الثالث في تقرير البيت على طريقة التزام المجاز في ألفاظه وعدم النظم بل يكون الكلام نثرا فتصير المسائل والأجوبة سبعمائة وعشرين مسألة وتقرير ذلك بتقديم الكلام على أربعين ألفا وثلثمائة
وعشرين بيتا من الشعر اشتمل عليها بيت نظمه الفقيه العلامة زين الدين المغربي ولخص حساب عدده وهو قوله بقلبي حبيب مليح ظريف بديع جميل رشيق لطيف وهو من بحر المتقارب ثمانية أجزاء على فعيل كل جزء منها في كلمة يمكن أن ينطق بها مكان صاحبتها فتجعل كل كلمة في ثمانية مواضع من البيت فالكلمتان الأوليان يتصور منهما صورتان بالتقديم والتأخير ثم تأخذ الثالثة فتحدث منها مع الأولين ستة أشكال بأن تعملها قبل الأولين وبعدهما ثم تقلبهما وتعملها قبلهما وبعدهما ثم تعملها بينهما على التقديم والتأخير فتحدث الستة فيكون السر فيه ضربنا الأولين في مخرج الثالث واثنان في ثلاثة بستة ثم تأخذ الرابع وتورده على هذه الستة الصور وكل واحد من الستة له ثلاث كلمات يحصل بعمل الرابع قبل كل ثلاثة وبعد أولها وبعد ثانيها وبعد ثالثها أربع صور فتصير الستة أربعة وعشرين وكذلك تفعل بالخامس والسادس والسابع والثامن ومتى حدثت صورة أضفنا إليها بقية
____________________

(1/116)


بها مرتبة على ما هي عليه في اللفظ بل قولنا ما بعد بعده فبعد الأولى المتوسطة بين قبل وبعد متأخرة في المعنى وقبل المتقدمة متوسطة بين البعدين منطبقة على بعد الأخيرة
وتكون بعد الأخيرة بعد وقبل معا وليس ذلك محالا لأنه بالنسبة إلى شهرين واعتبارين وتقرير ذلك أن العرب إذا قالت غلام غلام غلامي فهؤلاء الأرقاء منعكسون في المعنى فالغلام الأول المقدم ذكره هو الغلام الأخير الذي ملكه عبد عبد عبدك لا أنه عبدك والغلام الأخير هو عبدك الأول الذي ملكته فملك هو عبدا آخر ملك ذلك العبد الآخر العبد المقدم ذكره وكذلك إذا قلت صاحب صاحب صاحبي فالمبدوء به هو أبعد الثلاثة عنك والأقرب إليك هو الأخير والمتوسط متوسط هذا هو مفهوم اللغة في هذه الإضافات على هذا الترتيب إذا عرفت هذا فنقول قولنا قبل ما بعد بعده رمضان هو شعبان وهو كما قال الشيخ رحمه الله لأن شعبان بعده رمضان وبعد بعده شوال فقولنا قبل مجاور لبعده الأخيرة لأنه لم يقل قبل بعده بل قبل بعد بعده فجعل قبل مضافا في المعنى لبعد ومتأخرا عن بعد وهو البعد الثاني فيكون رمضان قبل البعد الثاني والبعد الثاني هو شوال فالواقع قبله رمضان وليس لنا شهر بعده بعدان رمضان قبل البعد الأخير إلا شعبان فإن قلت
هامش أنوار البروق
قال القاعدة الثالثة أن الحكم كما يجب تأخره عن سببه يجب تأخره عن شرطه ومن فرق بينهما فقد خالف الإجماع قلت ربط الحكم بسببه وشرطه وضعي والأمور الوضعية لا يلزم فيها على التعيين وجه واحد بل هي بحسب ما وضعت له فلو أن الحكم وضع على وجه التأخر عن سببه كان على ما وضع عليه
هامش إدرار الشروق
البيت فتبقى الأولى ثمانية وكذلك بقية الصور فيأتي العدد المذكور من الآلاف بيوتا تامة كل بيت فيها ثمانية وبيان ذلك أن تضرب أربعة وعشرين في مخرج الخامس وهو خمسة تكون مائة وعشرين تضربها في مخرج السادس وهو ستة تكون سبعمائة وعشرين تضربها في مخرج السابع وهو سبعة تكون خمسة آلاف وأربعين تضربها في مخرج الثامن وهو ثمانية تكون أربعين ألفا وثلاثمائة وعشرين بيتا من الشعر وهو المطلوب فإذا تقررت هذه الطريقة من الحساب والضرب فنقول معنا في البيت ثلاثة من لفظ قبل وثلاثة من لفظ بعد فنجمع بين الستة ويبطل الوزن حينئذ لطول البيت ولعدم صورة الشعر فنقول قبل ما قبل قبله بعد ما بعد بعده رمضان ثم لنا أن ننوي بكل قبل وبكل بعد شهرا من شهور السنة أي شهر كان من غير مجاورة ولا التفات إلى ما بينهما من عدد الشهور
ويكون الكلام مجازا عربيا فإن أي شهر أخذته فبينه وبين الشهر الآخر الذي نسبته إليه بالقبلية أو البعدية علاقة من جهة أنه من شهور السنة معه أو هو قبله من حيث الجملة أو هو بعده من حيث الجملة أو هو شبيه بما قبله من جهة أنه شهر وغير ذلك من العلاقات المصححة للمجاز ثم إنا نعمد إلى هذه الستة فنأخذ منها اثنين فتحدث منها صورتان ونعتبرهما شهرين من شهور السنة فتظهر نسبتهما إلى رمضان ويظهر من ذلك الشهر المسئول عنه ثم نورد عليهما لفظة أخرى من لفظ قبل وبعد إلى آخر السنة ومتى أفضى الأمر إلى التداخل بين صورتين في شهر نوينا به شهرا آخر من شهور السنة حتى تحصل المغايرة فيحصل لنا من هذه الستة الألفاظ ما يحصل لنا من ستة أجزاء من
____________________

(1/117)


فرمضان حينئذ هو قبل البعد الأخير وهو شوال باعتبار البعد الأول كما بينته فيلزم أن يكون قبل وبعد وهو محال لأن القبل والبعد ضدان واجتماع الضدين في الشيء الواحد محال قلت مسلم أنهما ضدان وأنهما اجتمعا في شيء واحد وهو رمضان ولكن باعتبار إضافتين فيكون رمضان قبل باعتبار شوال وبعد باعتبار شعبان كما يكون المسلم صديقا للمؤمنين عدوا للكافرين فتجتمع فيه الصداقة والعداوة باعتبار فريقين وذلك ممكن وليس بمحال إنما المحال لو اتحدت الإضافة ولم تتحد إذا تقرر لك هذا فتيقن أن لو زدنا في لفظ بعد لفظة أخرى منه فقلنا قبل ما بعد بعد بعده رمضان تعين أن يكون الشهر المسئول عنه رجبا وإن جعلنا البعدات أربعة تعين أن يكون جمادى الأخيرة أو خمسة تعين أن يكون جمادى الأولى أو ستة تعين أن يكون ربيعا الآخر
وكذلك كلما زدت بعد انتقلت إلى شهر قبل فإن هذه الظروف شهور كما تقدم تقريره فيخرج لك على هذا الضابط مسائل غير متناهية غير المسائل الثمانية التي في البيت وإذا وصلت إلى أكثر من اثني عشر ظرفا فقد دارت السنة معك فربما عدت إلى عين الشهر الذي كنت قلته في المسألة ولكن من سنة أخرى
هامش أنوار البروق
ولو أنه وضع على وجه التقدم على سببه كان كذلك ولو أنه وضع على وجه أن يكون مع سببه لا متقدما عليه ولا متأخرا عنه كان كذلك أيضا لكن الواقع من ذلك فيما علمت تأخر الحكم عن سببه وشرطه كما حكي فيه الإجماع وذلك في الأمور الشرعية المفتقرة للشرع أما التي وكلت إلى قصد المكلف فهي بحسب قصده والله أعلم

هامش إدرار الشروق
البيت وهي سبعمائة وعشرون مسألة وإن زدت في لفظ القبل أو البعد كما تقدم في المقصد الثاني وصل الكلام إلى أربعين ألف مسألة أو أكثر على حسب الزيادة فتأمل ذلك فهو من طرف الفضائل والفضلاء ونوادر الأذكياء والنبهاء
خاتمة في مهمين المهم الأول أكثر الفقهاء يبحث عن ترتيب الوضوء وتنكيسه ولا يعلم كم يحصل من صور الوضوء مرتبا ومنكسا والمتحصل من ذلك أربعة وعشرون وضوءا مرتبا ومنكسا على سبيل الحصر من غير زيادة وتقريره بالطريق المتقدم في بيت العلامة زين الدين المغربي أن تقول الوجه واليدان يتصور فيهما صورتان بالتقديم والتأخير ثم تأخذ الرأس فيحدث منه مع الوجه واليدين ستة وضوآت بأن تعمل الرأس قبل الوجه واليدين وبعدهما ثم تقلبهما وتعمله قبلهما وبعدهما ثم تعمل الرأس بين الوجه واليدين على التقديم والتأخير فيحدث ستة وضوآت بأن تضيف لكل صورة تحدث الرجلين حتى يكمل الوضوء وهو من ضرب الاثنين في مخرج الثالث واثنان في ثلاثة بستة ثم تأخذ الرجلين تضمهما إلى هذه الستة الوضوآت وكل واحد من الستة له ثلاث أعضاء يحصل بعمل الرجلين قبل الثلاثة الأعضاء وبعد الأول وبعد الثاني وبعد الثالث أربع صور
في كل صورة من الستة فتصير الستة أربعة وعشرين وذلك هو جميع ما يتصور في الوجود للوضوء من الصور المهم الثاني سأل الشيخ عثمان الراضي المكي الشيخ إبراهيم الأسكوبي المدني بقوله
____________________

(1/118)


وكذلك يكون الحال في السنين إذا كثرت فتأمل ذلك هذا كله إذا قلنا قبل ما بعد بعده رمضان فإن عكسنا وقلنا بعد ما قبل قبله رمضان فمقتضى جعلنا الظروف متجاورة على ما هي عليه في اللفظ يكون الشهر المسئول عنه رمضان فإن كل شيء بعد جميع ما هو قبله وبعد قبلاته وإن كثرت والشيخ رحمه الله قد قال أنه شوال بناء على ما تقدم وهو أن القبل الأول متقدم على البعد الأول والبعد الأول متوسط مضاف للبعد الأخير المضاف للضمير العائد على الشهر المسئول عنه فنفرض شهرا وهو شوال فقبله رمضان وقبل رمضان شعبان والسائل قد قال إن رمضان بعد أحد القبلين والقبل الآخر بعده وليس لنا شهر قبله شهران الثاني منهما رمضان إلا شوالا فيتعين ويكون رمضان موصوفا بأنه بعد باعتبار شعبان وبأنه قبل باعتبار شوال ولا تضاد كما تقدم جوابه فإن زدنا في لفظة قبل لفظة أخرى فقلنا بعد ما قبل قبله رمضان كان الشهر المسئول عنه هو ذو القعدة فإن رمضان أضيف لقبل قبل قبلين وهما شوال وذو القعدة فإن جعلنا لفظ قبل أربعا كان ذا الحجة أو خمسا كان المحرم كما تقدم تقريره في لفظ بعد غير أنك تنتقل في لفظ بعد تقدما وفي لفظ قبل تأخرا فإن بعد للاستقبال
فكلما كثرت كثر الاستقبال
هامش أنوار البروق
قال فلفظ التعليق سبب مسببه ارتباط الطلاق بقدوم زيد إلى قوله امتنع التقديم أيضا قلت قوله وعلى هذا يكون أضعف من السبب المباشر إن أراد أن سبب السبب في كونه سببا للسبب أضعف من السبب في كونه سببا للمسبب فذلك ممنوع وإن أراد أن سبب السبب في كونه سببا
هامش إدرار الشروق
يا إماما للعلم والتدريس وهماما قد جل عن تقييس ذا العلا إبراهيم الأسكوبي أولى من يرجى لكشف خطب عميس البديع النفيس والماهر المبدع في صنعة البديع النفيس طبت غرسا في روضة هي طابت من حمى طيبة المنيع الأنيس أنت شمس تضيء في كل علم بك تجلى غياهب التلبيس حزت كل العلوم كسبا ووهبا وأجدت الفنون عن تأسيس لك فهم لا يعتريه سقام وذكاء يدري بما في النفوس ما يقول الإمام في بيتي الحلي الصفي المحكمين بالتجنيس وعدت في الخميس وصلا ولكن شاهدت حولنا العدا كالخميس أخلفت في الخميس وعدي وجاءت بعد ما قبل بعد يوم الخميس أي يوم جاءته من بعد خلف فأبينوا المعقول بالمحسوس فلقد جلت فيهما سيدي مع أحمد الشهم يا فقيه الرئيس واضطربنا في فهم معناهما حتى ضربنا التخميس في التسديس ثم درنا في كل يوم من الدور فتهنا عن يومها المرموس واختلفنا وما اتفقنا برأي وأقمنا في ذاك حرب البسوس
____________________

(1/119)


ورمضان هو مضاف للآخر منه فيتعين بعد الشهر المسئول عنه في الماضي حتى يتأخر رمضان في الاستقبال فيضاف للبعد الأخير وينتقل في لفظ قبل إذا كثر متأخرا لأن قبل للماضي ورمضان مضاف للقبل المجاور له دون الشهر المسئول عنه فيكون للشهر المسئول عنه قبلات كثيرة رمضان بعد الأول منها وبقية القبلات بين رمضان والشهر المسئول عنه فيتعين الانتقال للاستقبال بحسب كثرة لفظات قبل وإذا قلنا بعد ما بعد بعده رمضان يتعين جمادى الآخرة لأن السائل قد نطق بثلاث بعدات غير الشهر المسئول عنه فرجب البعد الأول وشعبان البعد الثاني ورمضان البعد الثالث والرابع هو الشهر المسئول عنه المتقدم عليها وذلك جمادى الآخرة وإذا قلنا قبل ما قبل قبله رمضان تعين ذو الحجة لأن السائل قد نطق بثلاث من لفظ قبل فقبل ذي الحجة ذو القعدة وقبل ذي القعدة شوال وقبل شوال رمضان وهو ما قاله السائل وأما قبل ما بعد بعده أو بعد ما قبل قبله فقد تقدم أن كل شيء هو قبل ما هو بعده وبعد ما هو قبله وإذا اتحد العين صار معنى الكلام بعده رمضان أو قبله رمضان فيكون المسئول عنه شعبان في الأول وشوال
هامش أنوار البروق
للمسبب أضعف من السبب في كونه سببا للمسبب فمسلم ووجه ضعفه كونه غير مباشر لكن مع تسليم ذلك لا يلزم أن يكون جواز تقديم المسبب عليه أولى بل لقائل أن يقول إن جواز تقديم المسبب على السبب المباشر أولى من تقديمه على غير المباشر أو يقول لا أولوية بل الأمر فيهما على السواء فما قاله في ذلك دعوى لم يأت عليها بحجة

هامش إدرار الشروق
فارتضيناك آخر الأمر فينا حكما إذ لا عطر بعد عروس ثم بعض الثقات في الفن يروي وهو فيما أظن عن تهجيس قبل ما بعد قبل يوم الخميس هكذا راح مثبتا في الطروس وهو عندي لا يطابق معنى ما أراد الصفي بعد الخميس فتأمل في ذا وذا غير مأمور وحقق وقيت هم العكوس وأبن لي هل ذا صحيح وإلا باطل أو كلاهما بنفيس وابق وأسلم في يمن حظ وأمن يا إماما للعلم والتدريس
فأجابه بقوله يا عليما بكل معنى نفيس وصديقي ومطلبي وأنيسي أنت من في رفيع مجد وفضل ومقال له مقام الرئيس لك من أسهم البيان المعلى في شذوذ فاوضت أو في مقيس ولك السابق المجلى إذا ما رمت سبقا بحلبة التدريس من كعثمان راضيا راقيا أو ج المعالي بطيب خيم وسوس أو لم يكفك الجواهر حتى جئت بالزهر في قيود الطروس أسفرت عن لثامها بنت فكر منك رامت بلطفها تأنيسي وأدارت على المسامع منها خمر معنى أشهى من الحندريس
____________________

(1/120)


في الثاني وسادسها في تقريب أجوبة المسائل اعلم أن جميع الأجوبة الثانية منحصرة في أربعة أشهر طرفان وواسطة فالطرفان جمادى الأخيرة وذو الحجة والوسط شوال وشعبان وتقريب ضبطها أن جميع البيت إن كان قبل فالجواب بذي الحجة أو بعد فالجواب جمادى الأخيرة
أو تركب من قبل وبعد فمتى وجدت في الآخر قبل بعده أو بعد قبله فالشهر مجاور لرمضان فإن كل شيء هو قبل بعده وبعد قبله فالكلمة الأولى إن كانت حينئذ قبل فهو شوال لأن المعنى قبله رمضان أو بعد فهو شعبان لأن التقدير بعده رمضان هذا إن اجتمع آخر البيت قبل وبعد فإن اجتمع قبلان أو بعدان وقبلهما مخالف لهما ففي البعدين شعبان وفي القبلين شوال فشوال ثلاثة وشعبان ثلاثة هذه الستة هي الواسطة المتوسطة بين جمادى وذي الحجة
فصل هذا تقرير البيت على هذه الطريقة من التزام الحقيقة والوزن وأما على خلافهما من التزام المجاز وعدم النظم بل يكون الكلام نثرا فتصير المسائل والأجوبة سبعمائة وعشرين مسألة وتقرير ذلك بتقديم بيت من الشعر مشتمل على أربعين ألف بيت من الشعر
هامش أنوار البروق
قال إذا تقررت هذه القواعد فنقول ليس في تقديم الطلاق على زمن اللفظ وزمن القدوم تقديم للمسبب على السبب ولا المشروط على الشرط لأن عند وجود الشرط الذي هو القدوم مثلا يترتب عليه مشروطه بوصف الانعطاف على الأزمنة التي قبله على حسب ما علقه إلى منتهى قوله فالانعطاف على الزمن الماضي يتأخر عن الشرط وسببه
هامش إدرار الشروق
وأشارت إلى لطائف دارت بين خلين تزدري بالكؤوس ما على يا فقيه أحمد زيد إن ذاك الجليس خير جليس قد تسابقتما الفضائل حتى نلتما أقصى كل معنى نفيس فكلا الفاضلين أحرز فضلا ليس يخفى عليه معنى الشموس إن بيت الصفي لا شك مبنى لعمري بني على تأسيس بيد أن أكثر الظروف لقصد رام منه غرابة التلبيس أو يخفى عيد وعيد وعيد عم بيوم العروبة المأنوس إن هذا المراد إن قال جاءت بعد ما قبل بعد يوم الخميس صح من قال قبل ما بعد لكن نكس اليوم غاية التنكيس أين يوم الربوع من يوم عيد من يرد السعيد للمنحوس دمتما في لبوس صحة نعمى من أجل الملبوس غير لبيس قلت وهذا الجواب لا يخالف الضابط المتقدم وإن كان ظاهر قوله أو يخفى عيد إلخ وقوله صح من قال قبل ما بعد إلخ أنه على عكس ما مر لأمرين الأمر الأول أن الصفي لم يقل بعده يوم الخميس بل قال بعد يوم الخميس ولا شك في صدق الأول بيوم الربوع كما مر وصدق الثاني بيوم الجمعة كما قال الأسكوبي
____________________

(1/121)


وثلاثمائة بيت وعشرين بيتا من الشعر نظمه الفقيه الإمام الفاضل المتقن العلامة زين الدين المغربي ونبه على هذا المعنى فيه ولخص حساب عدده وهو قوله بقلبي حبيب مليح ظريف بديع جميل رشيق لطيف وهو من بحر المتقارب ثمانية أجزاء كل جزء منها في كلمة يمكن أن ينطق بها مكان صاحبتها فتجعل كل كلمة في ثمانية مواضع من البيت فالكلمتان الأوليان يتصور منهما صورتان بالتقديم والتأخير
ثم تأخذ الثالثة فتحدث منها مع الأوليين ستة أشكال بأن تعملها قبل الأوليين وبعدهما ثم تقلبهما وتعملها قبلهما وبعدهما ثم تعملها بينهما على التقديم والتأخير فتحدث الستة فيكون السر فيه أنا ضربنا الاثنين الأولين في مخرج الثالث واثنان في ثلاثة بستة ثم تأخذ الرابع وتورده على هذه الستة وكل واحد منها ثلاثة فيحصل من كل صورة منها أربعة بأن تعمل الرابع قبل كل ثلاثة وبعد أولها وبعد ثانيها وبعد ثالثها فتصير الستة أربعة وعشرين وكذلك تفعل بالخامس والسادس إلى الثامن ومتى حدثت صورة أضفنا إليها بقية البيت فتبقى الأولى ثمانية وكذلك بقية الصور فيأتي العدد المذكور من الآلاف بيوتا تامة كل بيت منها ثمانية
هامش أنوار البروق
قلت كيف يكون الانعطاف متأخرا عن الشرط وهو القدوم وقد كان لفظ التعليق السابق على القدوم يقتضيه فإن زعم أنه لا يريد بالانعطاف كون اللفظ يقتضيه بل يريد لزوم الطلاق المعلق على القدوم قيل له أتريد لزومه في نفس الأمر أم تريد في علمنا فليس ذلك من التعليق بسبب بل هو
هامش إدرار الشروق
الأمر الثاني أن قوله بيد أن أكثر الظروف إلخ موافق للقاعدة المتقدمة من أن كل ما اجتمع فيه
قبل وبعد فألغهما لأن كل شيء حاصل بعد ما هو قبله وقبل ما هو بعده فلا يبقى حينئذ إلا بعد يوم الخميس فيكون يوم الجمعة نعم الفاء بعد ما قبل في بيت الموصلي لكونه مبدلا منه والمبدل منه في نية الطرح أو لكون بعد يوم الخميس عطف بيان له لا لما مر في القاعدة فافهم والله أعلم
المسألة الثانية أصل مالك تقدم وقوع المعلق من طلاق وعتق على المعلق عليه الذي جعل شرطا وعلى لفظ التعليق وزمانه وأصل الشافعي عدم تقدمه على ذلك فلذا قال العلامة خليل في مختصره في إن لم أطلقك رأس الشهر ألبتة فأنت طالق ألبتة ويقع أي يحكم بوقوع طلاق ألبتة ناجزا ولو مضى زمنه وليس لتعليقه بالأيام وجه ا ه بتوضيح من عبق
وقال الأمير في مجموعه وإن قال إن لم أطلقك واحدة بعد شهر فأنت طالق ألبتة قيل له أما نجزتها أي الواحدة ولا يقع عليك شيء بعد الشهر وإلا فالبتة وطالق اليوم إن فعل غدا ثم فعل أي أثناء الغد لزم من أول يوم الحنث أي لا من يوم التعليق لأنه يعد قوله اليوم لغوا والمعتبر وجود المعلق عليه فإن لم يفعل أصلا أو فعل بعد غد لم تطلق ا ه بتوضيح من عبق
وفي الجواهر إذا قال أنت طالق يوم يقدم فلان فيقدم نصف النهار تطلق من أوله ولم يحك خلافا فإن كان المعلق عليه القدوم فهو تقديم الحكم على شرطه أو اليوم فلا قال ابن يونس قول ابن عبد الحكم في طالق اليوم إن كلم فلانا غدا إن كلمه اليوم حنث وغدا لا يحنث لأن وقوع الطلاق بكلام غد بعد أن كانت اليوم زوجة يقتضي اجتماع العصمة وعدمها فإذا كلمه اليوم اجتمع
____________________

(1/122)


وبيان ذلك أن تضرب أربعة وعشرين في مخرج الخامس وهو خمسة تكون مائة وعشرين تضربها في مخرج السادس وهو ستة تكون سبعمائة وعشرين تضربها في مخرج السابع وهو سبعة تكون خمسة آلاف وأربعين تضربها في مخرج الثامن وهو ثمانية تكون أربعين ألفا وثلاثمائة وعشرين بيتا من الشعر وهو المطلوب
مسألة هي فائدة حسنة أكثر الفقهاء يبحث عن ترتيب الوضوء وتنكيسه ولا يعلم كم يحصل من صور الوضوء مرتبا ومنكسا والمتحصل من ذلك أربعة وعشرون وضوءا مرتبا ومنكسا على سبيل الحصر من غير زيادة وتقريره بالطريق المتقدم في البيت بأن تقول الوجه واليدان يتصور فيهما صورتان بالتقديم والتأخير ثم تأخذ الرأس فيحدث منه مع الوجه واليدين ستة وضوآت بأن تعمل الرأس قبل الوجه واليدين وبعدهما ثم تقلبهما وتعمله قبلهما وبعدهما ثم تعمل الرأس بين الوجه واليدين على التقديم والتأخير فيحدث ستة وضوآت بأن تضيف لكل صورة تحدث الرجلين حتى يكمل الوضوء وهو من ضرب الاثنين في مخرج الثالث واثنان في ثلاثة بستة ثم تأخذ الرجلين تضمهما إلى هذه الستة
هامش أنوار البروق
أمر لزم عن وقوع القدوم المعلق عليه الطلاق وبالجملة يقال له هل وقع الطلاق قبل القدوم أم لا فإن قال لم يقع فلا طلاق فإن التعليق على القدوم إنما يقتضي بحسب نص التعليق تقديم الطلاق عليه فإن لم يقع على ذلك الوجه فلا موجب لوقوعه وإن قال قد وقع فقد اعترف بتقديم المشروط على الشرط والله أعلم

هامش إدرار الشروق
الشرط والمشروط في ظرف واحد فيمكن ترتب أحدهما على الآخر ا ه نقله الشيخ أبو الحسن اللخمي في تبصرته عنه هو خلاف أصل مالك بل يلزمه الطلاق بكلام غد ا ه بتوضيح للمراد
وفي البناني على عبق عند قول خليل ويقع ولو مضى زمنه كطالق اليوم إن كلمت فلانا غدا قصد بقوله ويقع ولو مضى زمنه وبما بعده الاستظهار على مخالفة ابن عبد السلام حيث قال في إن لم أطلقك رأس الشهر ألبتة فأنت طالق ألبتة لا يلزمه شيء لأن الطلاق لا يقع إذا مضى زمنه قال في التوضيح وما قاله يأتي على ما لابن عبد الحكم فيمن قال لزوجته أنت طالق اليوم إن كلمت فلانا غدا لكن قال أبو محمد قول ابن عبد الحكم خلاف أصل مالك وليس لتعليق الطلاق بالأيام وجه ا ه نج انظر غ ا ه بتوضيح ما
فعلم من هذه النصوص أمران أحدهما أن مشهور مذهب مالك اللزوم خلاف ما نقله اللخمي عن ابن عبد الحكم الثاني أنها تطلق من أول النهار كما تقدم النقل في الجواهر فيتقدم الطلاق على لفظ التعليق وعلى الشرط معا وقال الغزالي في وسيطه إذا قال أنت طالق بالأمس وقال قصدت إيقاع الطلاق بالأمس لم يقع لأن حكم اللفظ لا يتقدم عليه وقيل يقع في الحال لأن وقوعه بالأمس يقتضي وقوعه في الحال فيسقط المتعذر ويثبت الحال وقيل لا يقع شيء لأن حكم اللفظ لا يتقدم عليه وإن قال إن مات فلان فأنت طالق قبله بشهر إن مات قبل مضي شهر لم يقع طلاق لئلا يتقدم الحكم على اللفظ أو بعد شهر فيقع الطلاق قبله بشهر وكذلك إذا قال إن قدم فلان أو دخلت الدار فأنت طالق قبله بشهر
قال وقال أبو حنيفة يلزم الطلاق في الموت دون الدخول والقدوم قال وهو تحكم قال الشيخ أبو إسحاق في المهذب إذا قال إن قدم زيد فأنت طالق ثلاثا قبل قدومه بشهر ثم
____________________

(1/123)


وضوآت وكل واحد منها ثلاثة أعضاء فتصير كل صورة منها أربعة بأن تعمل الرجلين قبل الثلاثة وبعد الأول وبعد الثاني وبعد الثالث فتصير الستة أربعة وعشرين
وذلك هو جميع ما يتصور من الوضوء وصوره في الوجود فإذا تقررت هذه الطريقة من الحساب والضرب فنقول معنا في البيت ثلاثة من لفظ قبل وثلاثة من لفظ بعد فنجمع بين الستة ويبطل الوزن حينئذ لطول البيت ولعدم صورة الشعر فنقول قبل ما قبل قبل بعد ما بعد بعده رمضان ثم لنا أن ننوي بكل قبل وبكل بعد شهرا من شهور السنة أي شهر كان من غير مجاورة ولا التفات إلى ما بينهما من عدد الشهور ويكون الكلام مجازا عربيا فإن أي شهر أخذته فبينه وبين الشهر الآخر الذي نسبته إليه بالقبلية أو البعدية علاقة من جهة أنه من شهور السنة معه أو هو قبله من حيث الجملة أو بعده من حيث الجملة أو هو شبيه بما قبله من جهة أنه شهر وغير ذلك من العلاقات المصححة للمجاز ثم إنا نعمد إلى هذه الستة فنأخذ منها اثنين فتحدث منهما صورتان ونعتبرهما شهرين من شهور السنة فتظهر نسبتهما إلى رمضان ويظهر من ذلك الشهر المسئول عنه ثم نورد عليهما لفظة أخرى من لفظ قبل وبعد إلى آخر السنة ومتى أفضى الأمر إلى التداخل بين صورتين في شهر نوينا به شهرا آخر من
هامش أنوار البروق
قال ولا يقال في المنعطفات إنا تبينا تقدم الطلاق حقيقة في الماضي إلى آخر قوله والعدة التي أجمعنا عليها هي التي تتبع المحقق لا المقدر قلت إذا لم يلزم في المنعطفات وقوع حقيقة فلا انعطاف ولا منعطف وإذا لم يكن
هامش إدرار الشروق
خالعها ثم قدم زيد بطل الخلع لأنا تيقنا تقدم الطلاق الثلاث عليه ثم أنهم أردفوا ذلك بأن قالوا إذا قال لها إن قدم زيد فأنت طالق قبل قدومه بسنة فقدم بعد ذلك بسنة أن العدة تنقضي عند حصول الشرط أو قبله ولا تعتد بعد ذلك لأنا تبينا وقوع الطلاق من سنة كما لو ثبت أنه طلقها من سنة فإنها لا تستأنف عدة هذا ما صرح به أعيانهم ومشايخهم في تقرير هذه المسألة ويقتضي قولهم أن يرجع عليها بما كان ينفقه عليها إن كان الطلاق بائنا أو مما أنفقه بعد انقضاء العدة على زعمهم إن كان رجعيا والحق في هذه المسألة وقوع الطلاق متقدما على القدوم الذي جعل شرطا وعلى لفظ التعليق وزمانه كما هو أصل مالك وإجماع الأمة على استمرار العصمة وإباحة الوطء إلى قدوم زيد قال ابن الشاط الذي أظنه أن هذا الإجماع لا يصح وأنها لا يباح وطؤها في تلك المدة لاحتمال وقوع الشرط بل تحرم على كل حال فإن قدم زيد تبين لنا أن تحريمها للطلاق
وإن لم يقدم تبين أن تحريمها للإشكال والاحتمال كما في اختلاط المنكوحة بالأجنبية الأجنبية حرام لأنها أجنبية والمنكوحة حرام للاختلاط وقولهم حكم اللفظ لا يتقدم عليه لا يتم وقياسهم على قوله أنت طالق أمس لا يصح لوجود الفارق ويتضح لك ذلك ببيان ثلاث قواعد القاعدة الأولى أن الأسباب الشرعية قسمان قسم قدره الله تعالى في أصل شرعه وقدر له مسببا معينا فليس لأحد فيه زيادة ولا نقص كالهلال لوجوب الصوم وأوقات الصلوات والعصم والأملاك في الرقيق والبهائم لوجوب النفقات وعقود البياعات والهبات والصدقات لإنشاء الأملاك وغير ذلك من الأسباب والمسببات وقسم وكله الله تعالى لخيرة المكلفين فإن شاءا جعلوه سببا وحصر جعلهم لذلك في طريق
____________________

(1/124)


شهور السنة حتى تحصل المغايرة فيحصل لنا من هذه الستة ألفاظ ما يحصل لنا من ستة أجزاء من البيت وهي سبعمائة وعشرون مسألة وإن زدت في لفظ القبل أو البعد كما تقدم في بسط الكلام على البيت وصل الكلام إلى أربعين ألف مسألة وأكثر على حسب الزيادة فتأمل ذلك فهو من طرف الفضائل والفضلاء ونوادر الأذكياء والنبهاء
المسألة الثانية قال الشيخ أبو الحسن اللخمي المالكي في كتاب الظهار من تبصرته إذا قال أنت طالق اليوم إن كلمت فلانا غدا قال ابن عبد الحكم أن كلمة اليوم حنث وغدا لا يحنث لأن وقوع الطلاق بكلام غد بعد إن كانت اليوم زوجة يقتضي اجتماع العصمة وعدمها فإذا كلمه اليوم اجتمع الشرط والمشروط في ظرف واحد فيمكن ترتب أحدهما على الآخر وقيل يلزمه الحنث إن كلمه غدا ويقدر تقدم الطلاق في زمن عدمه فيمكن ترتب أحدهما على الآخر وقال ابن القاسم إذا قال إن تزوجتك فأنت طالق غدا فإنه إن تزوجها قبل الغد طلقت عليه أو بعده لم تطلق لفوات يوم الطلاق وفي الجواهر إذا قال أنت طالق يوم يقدم فلان فيقدم نصف النهار تطلق من أوله ولم يحك خلافا فإن كان
هامش أنوار البروق
منعطف فلا طلاق وإذا لم يكن طلاق فقد بطل مقتضى التعليق المفروض فإن قال بثبوت طلاق فهو طلاق لا موجب له إذ لم يصدر من الناطق بالتعليق إلا لفظ التعليق
قال ومن الأمور الصعبة التي ألزموها أن الوطء الواقع قبل الانعطاف وطء شبهة لا إباحة محققة إلى آخر قوله وإذا عقلوا ذلك في مواضع فليعقلوها في البقية
هامش إدرار الشروق
واحد وهو التعليق كدخول الدار وقدوم زيد فنحو دخول الدار لم يجعله الله سببا لطلاق امرأة أحد ولا لعتق عبده بل المكلف هو الذي جعل ذلك سببا للطلاق والعتق بالتعليق عليه خاصة فلو قال المكلف جعلته سببا من غير تعليق فعلى قول الشافعية بتعين الألفاظ لم ينفذ ذلك ولم يعتبر وعلى قول أهل المذهب بعدم تعينها ينفذ ويعتبر فهذا القسم خير الله تعالى فيه وفي مسببه أي شيء شاء المكلف جعله من طلاق أو عتق كثيرا أو قليلا قريب الزمان أو بعيده بخلاف الأول ومنه أنت طالق أمس فافهم
القاعدة الثانية المقدرات لا تنافي المحققات بل يجتمعان ويثبت مع كل واحد منهما لوازمه وأحكامه ويشهد لذلك مسألتان أحدهما أن الأمة إذا اشتراها الشخص شراء صحيحا أبيح له وطؤها بالإجماع إلى حين الاطلاع على العيب والرد به مع أنا نقول الرد بالعيب نقض للعقد من أصله ومقتضاه ارتفاع الإباحة المترتبة عليه مع أن كلا من العقد والإباحة واقع بالإجماع ورفع الواقع محال عقلا والمحال عقلا لا يرد الشرع بوقوعه فيتعين أن يكون معنى هذا الارتفاع جاريا على قاعدة التقادير الشرعية من إعطاء الموجود حكم المعدوم بأن يحكم صاحب الشرع بأن العقد الموجود والإباحة المترتبة عليه وجميع آثاره في حكم العدم كما حكم بأن قربات المرتدين في حال الإسلام قبل الارتداد وإن كانت موجودة حقيقة هي معدومة حكما أو إعطاء المعدوم حكم الموجود كما في النية والإيمان والإخلاص وغيرها في الصلاة إلى
____________________

(1/125)


المعلق عليه القدوم فهو تقديم الحكم على شرطه أو اليوم فلا قال ابن يونس قول ابن عبد الحكم خلاف أصل مالك بل يلزمه الطلاق إذا قال أنت طالق اليوم إن كلمت فلانا غدا كما تقدم قلت ومقتضى قول ابن يونس أمران أحدهما أن المشهور اللزوم خلاف ما نقله اللخمي الثاني أنها تطلق من أول النهار كما تقدم النقل في الجواهر فيتقدم الطلاق على لفظ التعليق وعلى الشرط معا هذه نصوص مذهبنا في هذه المسألة
وقال الغزالي في الوسيط له إذا قال أنت طالق بالأمس وقال قصدت إيقاع الطلاق بالأمس لم يقع لأن حكم اللفظ لا يتقدم عليه وقيل يقع في الحال لأن وقوعه بالأمس يقتضي وقوعه في الحال فيسقط المتعذر ويثبت الحال وقيل لا يقع شيء لأن حكم اللفظ لا يتقدم عليه
وإن قال إن مات فلان فأنت طالق قبله بشهر إن مات قبل مضي شهر لم يقع طلاق لئلا يتقدم الحكم على اللفظ أو بعد شهر فيقع الطلاق قبله بشهر وكذلك إذا قال إن قدم فلان أو دخلت الدار فأنت طالق قبله بشهر قال وقال أبو حنيفة يلزم الطلاق في الموت دون الدخول والقدوم قال وهو تحكم قال الشيخ أبو إسحاق في المهذب إذا قال إن قدم زيد فأنت طالق ثلاثا قبل قدومه بشهر ثم خالعها ثم قدم زيد
هامش أنوار البروق
قلت فإذا لم يعارض التقدير العقد في اقتضائه الإباحة فأي معنى للانعطاف وأين مقتضى اللفظ
قال وأما قياسهم على قوله أنت طالق منذ شهر فالفرق أن الأسباب الموضوعة في أصل الشرع استقل صاحب الشرع بمسبباتها ولم يجعل فيها انعطافات إلى آخر المسألة
هامش إدرار الشروق
آخرها يحكم صاحب الشرع بوجودها حكما وإن عدمت عدما حقيقيا كما بسط ذلك الأصل في كتابه المنية في إدراك أحكام النية وثانيتهما أن صوم التطوع يصح عندهم بنية من الزوال وتنعطف هذه النية تقديرا إلى الفجر مع أن الواقع عدم النية ولا يقال تبينا أنه كان نوى قبل الفجر إذ الفرض خلافه ولذلك نظائر كثيرة ذكرها الأصل في كتابه الأمنية
القاعدة الثالثة الحكم وإن كان ربطه بسببه وشرطه وضعيا وأن الأمور الوضعية بحسب ما وضعت له واقتضى ذلك أن الحكم لو وضع على وجه التأخر عن سببه وشرطه أو على وجه التقدم على سببه وشرطه أو على وجه أن يكون مع سببه وشرطه لا متقدما عليه ولا متأخرا عنه لكان على حسب ما وضع عليه إلا أن الواقع من ذلك تأخره عن سببه وشرطه بدون فرق بينهما إجماعا نعم ذلك إنما هو في الأمور الشرعية المفتقرة للشرع أما التي وكلت إلى قصد المكلف فهي بحسب قصده في التقدم والتأخر وعدمهما وقد علمت أن المكلف دون الشارع هو الذي ربط الطلاق بالقدوم وجعله هو السبب المباشر للطلاق وجعل ارتباط الطلاق به مسببا عن لفظ التعليق فاللفظ هو سبب السبب فيكون كل من القدوم ولفظ التعليق سببا على حسب قصد المكلف في تقدمه أو تأخره عن مسببه أو حصوله مع مسببه الذي هو الطلاق إذا تقررت هذه القواعد ظهر أنه لا وجه لإنكارهم تقدم الطلاق على كل من الشرط الذي هو القدوم ومن لفظ التعليق تقدما تقديريا تحقيقيا حتى ينافي العقد ويعارضه في اقتضائه الإباحة مع قولنا
____________________

(1/126)


بطل الخلع لأنا تيقنا تقدم الطلاق الثلاث عليه ثم إنهم أردفوا ذلك بأن قالوا إذا قال لها إن قدم زيد فأنت طالق قبل قدومه بسنة فقدم بعد ذلك بسنة أن العدة تنقضي عند حصول الشرط أو قبله ولا تعتد بعد ذلك لأنا تبينا وقوع الطلاق من سنة كما لو ثبت أنه طلقها من سنة فإنها لا تستأنف عدة ويقتضي قولهم أن يرجع عليها بما كان ينفقه عليها إن كان الطلاق بائنا أو بما أنفقه بعد انقضاء العدة على زعمهم إن كان رجعيا مع أن الأمة مجمعة على أنها زوجة مستقرة العصمة مباحة الوطء إلى حين قدوم زيد
وهذا هو الذي صرح لي به أعيانهم ومشايخهم المعاصرون في تقرير هذه المسألة قلت والحق في هذه المسألة وقوع الطلاق متقدما على القدوم الذي جعل شرطا وعلى لفظ التعليق وزمانه وقولهم حكم اللفظ لا يتقدم عليه لا يتم وقياسهم على قوله أنت طالق أمس لا يصح وبيان ذلك ببيان ثلاث قواعد
القاعدة الأولى أن الأسباب الشرعية قسمان قسم قدره الله تعالى في أصل شرعه وقدر له مسببا معينا فليس لأحد فيه زيادة ولا نقص كالهلال لوجوب الصوم وأوقات الصلوات
هامش أنوار البروق
قلت تريد أن لفظ أنت طالق منذ شهر ليس تعليقا ولكنه مما وضعه الشارع سببا وما وضعه الشارع لم يجعل فيه انعطافا بخلاف ما وكله إلى خيرة المكلف وذلك صحيح وكذلك ما ذكره من نقضهم أصلهم والله أعلم
قال شهاب الدين المسألة الثالثة مسألة الدور قال أصحابنا إذا قال إن وقع عليك طلاقي فأنت
هامش إدرار الشروق
العدة التي أجمعنا عليها من حيث إنها تتبع المحقق لا المقدر إنما تعتبر من يوم القدوم لأنه يوم لزوم الطلاق وتحريم الفرج أما قبل ذلك فالإباحة بالإجماع على ما فيه وكيف ينكرون ذلك وهم يقولون الرد بالعيب نقض للعقد من أصله مع أن الرد بالعيب سبب للنقض وقد تقدم قبله على سبيل التقدير وإذا عقلوا ذلك في مواطن فليعقلوه في البقية وأما قياسهم على قوله أنت طالق منذ شهر فالفرق أن هذا القول ليس تعليقا حتى يكون مما وكله الشارع إلى خيرة المكلف كالمقيس ولكنه مما وضعه الشارع سببا وما وضعه الشارع لم يقع مسببه إلا متأخرا عنه كما علمت على أنهم نقضوا أصلهم في المسألة نفسها بتقديم الطلاق على القدوم والقدوم سبب أو شرط قريب له فما وجه منعهم مع ذلك تقديمه على سببه البعيد الذي هو لفظ التعليق فتأمل بإنصاف
المسألة الثالثة قال أصحابنا إذا قال إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا وطلق دون الثلاث لزمه الثلاث أي عدد طلاقه منجزا إلغاء للقبلية كما لو قال أنت طالق أمس ولم يلتفتوا للدور الحكمي الذي قاعدته أن كل شيء تضمن إثباته نفيه انتفى من أصله وقال الغزالي في وسيطه لا يلزمه شيء عند ابن الحداد لأنه لو وقع لوقع مشروطه وهو تقدم الثلاث ولو وقع مشروطه لمنع وقوعه لأن الثلاث تمنع ما بعدها فيؤدي إثباته إلى نفيه فلا يقع وقال أبو زيد يقع المنجز ولا يقع المعلق لأنه علق محالا وقيل يقع في المدخول بها الثلاث أي شيء نجزه تنجز وكمل من المعلق قال ومن صور الدور أن يقول إن طلقتك طلقة أملك بها الرجعة فأنت طالق قبله طلقتين وإن وطئتك وطئا مباحا فأنت طالق قبله ثلاثا
وإن أبنتك أو ظاهرت منك
____________________

(1/127)


والعصم والأملاك في الرقيق والبهائم لوجوب النفقات وعقود البياعات والهبات والصدقات لإنشاء الأملاك وغير ذلك من الأسباب والمسببات
وقسم وكله الله تعالى لخيرة المكلفين
فإن شاءوا جعلوه سببا وإن شاءوا لم يجعلوه سببا وحصر جعلهم لذلك في طريق واحد وهو التعليق كدخول الدار وقدوم زيد لم يجعل الله ذلك سببا لطلاق امرأة أحد ولا لعتق عبده والمكلف جعل ذلك سببا للطلاق والعتق بالتعليق عليه خاصة فلو قال جعلته سببا من غير تعليق لم ينفذ ذلك ولم يعتبر فهذا القسم خير الله تعالى فيه وفي مسببه أي شيء شاء المكلف جعله من طلاق أو عتق كثيرا أو قليلا قريب الزمان أو بعيده بخلاف الأول
القاعدة الثانية المقدرات لا تنافي المحققات بل يجتمعان ويثبت مع كل واحد منهما لوازمه وأحكامه ويشهد لذلك مسائل أحدها أن الأمة إذا اشتراها شراء صحيحا أبيح وطؤها بالإجماع إلى حين الاطلاع على العيب والرد به
وإن قلنا الرد بالعيب نقض للعقد من أصله ارتفعت الإباحة المترتبة عليه مع أنها واقعة بالإجماع وكذلك العقد واقع أيضا ورفع الواقع محال عقلا والمحال عقلا لا يرد الشرع بوقوعه فيتعين أن يكون معنى هذا
هامش أنوار البروق
طالق قبله ثلاثا فطلقها لزمه الثلاث أي عدد طلقه منجزا كملنا عليه الثلاث إلى آخر المسألة قلت ما قال فيها إلى آخرها صحيح والله أعلم
قال المسألة الرابعة قال الغزالي في الوسيط إذا قال إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال إن
هامش إدرار الشروق
أو فسخت نكاحك أو راجعتك فأنت طالق قبله ثلاثا أو يقول لأمته إن تزوجتك فأنت حرة قبله لأنه يخاف أن يعتقها فلا يتزوج بها ولا تجبر على ذلك فتعلق الحرية على العقد مع أن العقد متوقف على الحرية فعلى تصحيح الدور تنحسم هذه التصرفات ويمتنع وقوعها في الوجود والمقصود من المسائل المسألة الأولى وإلغاء أصحابنا فيه القبلية نظرا لاتصاف المحل بالحلية إلى زمن حصول المعلق عليه وفي زمن المعلق عليه قد مضى قبله والزمن الماضي على الحل لا ترتفع الحلية فيه بالثلاث بعد مضيه حتى يلزم أن الطلاق لم يصادف محلا فلا يلزمه شيء أصلا كما قال ابن الحداد ومن وافقه من الشافعية كابن سريج حتى عرفت بالمسألة السريجية كما نقله الشيخ حجازي عن العلامة الأمير وعدم التفاتهم للدور الحكمي نظرا لما يلزم الالتفات إليه هنا كما قال ابن الحداد ومن وافقه من مخالفة إحدى قواعد ثلاث
القاعدة الأولى أن إمكان الاجتماع مع المشروط من شرط الشرط لأن حكمته ليست في ذاته كالسبب بل في غيره فلا تحصل حكمته فيه إذا لم يجتمع مع ذلك الغير
القاعدة الثانية إذا دار اللفظ بين المعهود في الشرع وبين غيره حمل على المعهود في الشرع لأنه الظاهر فنحمله في نحو إن صليت فأنت طالق مثلا على الصلاة الشرعية دون الدعاء
القاعدة الثالثة أن من تصرف فيما يملك وفيما لا يملك لم ينفذ تصرفه إلا فيما يملك فمن قال لامرأته وامرأة جاره أنتما طالقتان تطلق امرأته وحدها ولعبده وعبد زيد أنتما حران يعتق عبده وحده وبيان المخالفة لإحدى هذه القواعد على الالتفات للدور الحكمي هنا أن قوله إن طلقتك إما أن يحمل على اللفظ
____________________

(1/128)


الارتفاع تقديرا لا تحقيقا لأن قاعدة التقادير الشرعية إعطاء الموجود حكم المعدوم أو المعدوم حكم الموجود فيحكم صاحب الشرع بأن العقد الموجود والإباحة المترتبة عليه وجميع آثاره في حكم العدم وإن كانت موجودة ولا تنافي بين ثبوت الشيء حقيقة وعدمه حكما كقربات الكفار والمرتدين موجودة حقيقة ومعدومة حكما والنية في الصلاة إلى آخرها موجودة حكما ومعدومة حقيقة عكس الأول وكذلك الإيمان والإخلاص وغيرهما يحكم بوجودهما وإن عدما عدما حقيقيا وقد بسطت ذلك في كتاب الأمنية في إدراك أحكام النية فظهر أن المقدرات لا تنافي المحققات
وثانيها أنه إذا قال له أعتق عبدك عني فأعتقه فإنا نقدر دخوله في ملكه قبل عتقه بالزمن الفرد تحقيقا للعتق عنه وثبوت الولاء له مع أن الواقع عدم ملكه له إلى كمال العتق ولم يقل أحد إنا تبينا أنه كان يملكه قبل العتق
وثالثها دية الخطأ تورث عن المقتول ومن ضرورة الإرث ثبوت الملك في الموروث للموروث المقتول فيقدر ملكه للدية قبل موته بالزمن الفرد ليصح الإرث ونحن نقطع بعدم ملكه للدية حال حياته فقد اجتمع الملك المقدر وعدمه المحقق ولم يتنافيا ولا نقول إنا
هامش أنوار البروق
دخلت الدار فأنت طالق طلقت في الحال لأن تعليقه على الدخول حلف بخلاف إذا طلعت الشمس لم يكن هذا حلفا لأن الحلف ما يتصور فيه منع واستحثاث قال قلت كما قال عليه السلام الطلاق والعتاق من أيمان الفساق ونص العلماء على أن تعليق الطلاق منهي عنه ولم يفصلوا ومقتضى ذلك أن يحنث في الحالين
هامش إدرار الشروق
أو على المعنى الذي هو التحريم فإن حمل على اللفظ خالف القاعدة الثانية لأنه على خلاف الظاهر المعهود في الشرع وإن حمل على التحريم وأبقينا التعليق على صورته خالف القاعدة الأولى لتعذر اجتماع الشرط مع مشروطه حينئذ وإن حمل على التحريم ولم يبق التعليق على صورته بل أسقط من المشروط الذي هو الثلاث المتقدمة ما به وقع التباين بين الثلاث المتقدمة والشرط الذي أوقعه لأنه لا يملكه شرعا للقاعدة الأولى فلا ينفذ تصرفه فيه كعبد زيد وامرأة الجار للقاعدة الثالثة بأن نسقط واحدة حيث أوقع واحدة لأن اثنتين تجتمعان مع واحدة واثنتين حيث أوقع اثنتين لأن واحدة تجتمع مع اثنتين وافق القواعد الثلاث ووجب بعد إسقاط المنافي أن يلزمه الباقي فتكمل الثلاث وبلزوم المخالفة لإحدى هذه القواعد الثلاث لرأي ابن الحداد ومن وافقه من الشافعية مع كون القائلين بهذا الرأي من الشافعية لا يتجاوزون الثلاثة عشر منهم فلا ينعقد الإجماع بهم بالنسبة إلى عدد من قال بخلاف هذا الرأي لأنهم مئون بل آلاف كان الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله تعالى يقول هذه المسألة لا يصح التقليد فيها لابن الحداد ومن وافقه وتقليدهم فيها فسوق لأن القاعدة أن قضاء القاضي ينقضي إذا خالف أحد أربعة أشياء الإجماع أو القواعد أو النصوص أو القياس الجلي وما لا نقره شرعا إذا تأكد بقضاء القاضي أولى بأن لا نقره شرعا إذا لم يتأكد
وإذا لم نقره شرعا حرم التقليد فيه لأن التقليد في غير شرع ضلال فافهم هذا يظهر لك الحكم في بقية مسائل الدور التي هي من هذا الجنس
فائدة تقييد الدور بالحكمي لتعلقه بالأحكام أخرج الدور الكوني والدور الحسابي فالدور الكوني
____________________

(1/129)


بينا تقدم الملك للدية قبل الموت ورابعها أن صوم التطوع يصح عندهم بنية من الزوال وتنعطف هذه النية تقديرا إلى الفجر مع أن الواقع عدم النية ولا يقال تبينا أنه كان نوى قبل الفجر لأن الفرض خلافه ونظائر ذلك كثيرة مذكورة في كتاب الأمنية فظهر أن المقدرات لا تنافي المحققات
القاعدة الثالثة أن الحكم كما يجب تأخره عن سببه يجب تأخره عن شرطه ومن فرق بينهما فقد خالف الإجماع فلفظ التعليق هو سبب مسببه ارتباط الطلاق بقدوم زيد فالقدوم هو السبب المباشر للطلاق واللفظ هو سبب السبب وعلى هذا يكون أضعف من السبب المباشر فإذا جوزوا تقديمه على السبب القوي فليجز على السبب الضعيف بطريق الأولى وإن جعلوا القدوم شرطا امتنع التقدم أيضا
إذا تقررت هذه القواعد فنقول ليس في تقديم الطلاق على زمن اللفظ وزمن القدوم تقديم للمسبب على السبب ولا المشروط على الشرط لأن عند وجود الشرط الذي هو القدوم مثلا يترتب عليه مشروطه بوصف الانعطاف على الأزمنة التي قبله على حسب ما علقه فهذا الانعطاف متأخر عن الشرط ولفظ التعليق كما أن انعطاف النية عندهم على النصف الأول من النهار إذا وقعت نصف
هامش أنوار البروق
قلت إن صح الحديث الذي ذكره فما قاله من لزوم الحنث في الحالين صحيح وإلا فالصحيح ما قاله الغزالي والله أعلم
قال المسألة الخامسة قال الشافعية إذا قال إن بدأتك بالكلام فأنت طالق وقالت إن بدأتك
هامش إدرار الشروق
المتعلق بالكون والوجود توقف كون كل من الشيئين على كون الآخر وهو الواقع في فن التوحيد والمستحيل منه السبقي وهو ما يقتضي كون الشيء سابقا مسبوقا كما لو فرضنا أن زيدا أوجد عمرا وأن عمرا أوجد زيدا فإنه يقتضي أن كلا منهما سابق من حيث كونه مؤثرا مسبوق من حيث كونه أثرا بخلاف المعي كالأبوة مع البنوة والدور الحسابي المتعلق بالحساب توقف العلم بأحد المقدارين على العلم الآخر ولذلك يقال له الدور العلمي أيضا وهذا دور في الظاهر فقط لجواز أن يحصل العلم بشيء آخر غيرهما ففي الحقيقة لا دور إلا إذا أردت علم أحدهما من الآخر ومثال ذلك ما إذا وهب أحد مريضين للآخر عبدا فوهبه الثاني للأول ولا مال لهما غيره وماتا فلا يعلم ما صح فيه هبة كل منهما وقدر ما يرجع إليه إلا بعد العلم بالآخر لأن هبة الأول صحت في ثلث العبد فصار مالا للثاني ولما وردت عليه هبة الثاني صحت في ثلث الثلث فصار ثلث الثلث المذكور من مال الأول فتسري إليه الهبة فليرد ثلثه للثاني بالهبة ثم يرد بهبة الثاني ثلث ما رد لسريان هبته فيه وهكذا فلا يقف على حد في الترداد بينهما ويحصل بطريق الجبر والمقابلة وبيانه أن نقول صحت هبة الأول في شيء من العبد فبقي عنده عبد إلا شيئا وصحت هبة الثاني في ثلث ذلك الشيء فصار مع الأول عبدا إلا ثلثي شيء لأن ثلث الشيء رجع له بهبة الثاني فبقي عنده ثلثا الشيء ويضم ثلث الشيء لما عند الأول فيكون معه عبد إلا ثلثي شيء
ومعلوم أنه لا بد من أن يكون الباقي مع الواهب يعدل ضعف ما صحت فيه هبته وقد قلنا صحت هبة الأول في شيء مجهول من العبد بقطع النظر عن هبة الثاني وحينئذ فنقول ما بقي مع الأول وهو عبد إلا ثلثي شيء يعدل شيئين هما ضعف
____________________

(1/130)


النهار متأخر عن إيقاعها فالانعطاف على الزمان الماضي متأخر عن الشرط وسببه ولا يقال في المنعطفات إنا تبينا تقدم الطلاق حقيقة في الماضي بل لم يكشف الغيب عن طلاق حقيقي في الماضي ألبتة وإنما يحسن ذلك حيث نجهل أمرا حقيقيا ثم نعلمه كما حكمنا بوجوب النفقة بناء على ظهور الحمل ثم ظهر أنه نفخ أو حكمنا بوفاة المفقود ثم علمنا حياته ونحو ذلك أما الانعطافات فليست من هذا القبيل بل نجزم بعد الانعطاف بعدم المنعطف حقيقة في الزمن الذي انعطف فيه وإنما هو ثابت فيه تقريرا وبهذا التقرير يظهر أن العدة من يوم القدوم لأنه يوم لزوم الطلاق وتحريم الفرج أما قبل ذلك فالإباحة بالإجماع والعدة التي أجمعنا عليها هي التي تتبع المحقق لا المقدر
ومن الأمور الصعبة التي ألزموها أن الوطء الواقع قبل الانعطاف وطء شبهة لا إباحة محققة ووجود السبب المبيح السالم عن معارضة الطلاق يأبى ذلك فإن قالوا تقدير الطلاق يمنع ثبوت الزوجية للإباحة قلنا المقدرات لا تنافي المحققات والتقدير لا ينافي العقد ولا يعارضه في اقتضائه الإباحة فظهر أنه لم يتقدم على الشرط ولا على اللفظ وكيف ينكرون ذلك وهم يقولون الرد بالعيب نقض للعقل من أصله مع أن الرد بالعيب
هامش أنوار البروق
بالكلام فعبدي حر فكلمها وكلمته لم تطلق ولم يعتق لأن يمينه انحلت بيمينها ويمينها انحلت بكلامه فلم تبدأ بشيء ولا هو بكلام قلت سكت عن الكلام على قولهم وهو دليل قبوله لما قالوه وقولهم صحيح والله أعلم
المسألة الخامسة إذا قال إن بدأتك بالكلام فأنت طالق وقالت هي إن بدأتك بالكلام فعبدي حر فكلمها وكلمته لم تطلق ولم يعتق العبد عندنا وعند الشافعية لأن يمينه انحلت بيمينها ويمينها انحلت بكلامه فلم تبدأ هي ولا هو بكلام كما قاله الشافعي في المهذب وغيره

هامش إدرار الشروق
ما صحت فيه هبته أي يساويهما وبعد ذلك فأجبر كلا من الطرفين بإزالة النقص بأن ترد المستثنى على الجانبين فتجعل الطرف الأول وهو ما بقي مع الأول عبدا كاملا وتجعل الطرف الثاني شيئين وثلثي شيء فنقول عبد كامل يقابل شيئين وثلثي شيء ثم تبسط الشيئين أثلاثا من جنس الكسر أعني ثلثي شيء فصار هذا الطرف ثمانية كل واحد منهما ثلث شيء وبعد ذلك فاقسم الطرف الأول وهو العبد الكامل على الثمانية التي كل واحد منها ثلث شيء يخرج لكل ثلث شيء ثمن العبد فيعلم أن ثلث الشيء ثمن العبد وأن الشيء ثلاثة أثمان العبد فيكون معنى قولنا صحت هبة الأول في الشيء أنها صحت في ثلاثة أثمان العبد ومعنى قولنا فبقي عنده عبد إلا شيئا أنه بقي عنده خمسة أثمان العبد ومعنى قولنا صحت هبة الثاني في ثلث ذلك الشيء أنها صحت في ثلث الثلاثة الأثمان وهو ثمن ومعنى قولنا فصار مع الأول عبد إلا ثلثي شيء أنه صار مع الأول ستة أثمان وهي ضعف ما صحت فيه هبته لأنها صحت في ثلاثة أثمان وضعفها ستة أثمان ومعنى قولنا فبقي عنده أي الثاني ثلثا الشيء أنه بقي عنده ثمنان وهو ضعف ما صحت فيه الهبة لأنها صحت في ثمن وضعفه ثمنان فقد بقي لورثة كل من المريضين ضعف ما صحت فيه هبته أفاده الباجوري عن الأمير في حواشي الشنشوري
المسألة الرابعة إذا قال إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال إن دخلت الدار فأنت طالق طلقت في الحال لأن تعليقه على الدخول حلف اتفاقا بخلاف إذا طلعت الشمس فأنت طالق ففي كونه حلفا فيحنث به أيضا كما هو مقتضى حديث الطلاق والعتاق من أيمان الفساق مع نص العلماء على أن تعليق الطلاق
____________________

(1/131)


سبب للنقض وقد تقدم قبله على سبيل الانعطاف وإذا عقلوا ذلك في مواطن فليعقلوها في البقية وأما قياسهم على قوله أنت طالق منذ شهر فالفرق أن الأسباب الموضوعة في أصل الشرع استقل صاحب الشرع بمسبباتها ولم يجعل فيها انعطافات بل كل سبب يترتب عليه مسببه بعده والتعاليق موكولة لخيرة المكلف ومقتضى التفويض لخيرة المكلف أن له أن يجعل فيها الانعطاف فلا يلزم من التزام الانعطاف حيث خير المكلف أن يلزمه حيث الحجر عليه فلو قال له بعتك من شهر لم يتقدم الملك شهرا وكذلك بقية الأسباب كما تقدم تقريره في القواعد ولا يلزم من مخالفة اللفظ حيث الحجر أن لا يجري اللفظ على ظاهره ويعمل بمقتضاه حيث عدم المعارض فما ذكرناه أرجح بالأصل ثم إنهم نقضوا أصلهم في المسألة نفسها بتقديمه على القدوم وهو سبب أو شرط للطلاق بل هو السبب القريب واللفظ هو السبب البعيد والجرأة على البعيد أولى
المسألة الثالثة مسألة الدور قال أصحابنا إذا قال إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا فطلقها لزمه الثلاث أي عدد طلقه منجزا كملنا عليه الثلاث وقال الغزالي في
هامش أنوار البروق
قال المسألة السادسة في التهذيب لمالك رحمه الله أنت طالق إن شاء الله يلزمه الطلاق الآن بخلاف إن شاء هذا الحجر ونحوه وسوى أبو حنيفة والشافعي في عدم اللزوم وقال سحنون يلزم في الحجر ونحوه لأنه يعد نادما أو هازلا وهذه المسألة مبنية على أربع قواعد إلى آخر قوله في القاعدتين الأولى والثانية
هامش إدرار الشروق
منهي عنه ولم يفصلوا أولا فلا يحنث به لأن الحلف ما يتصور فيه منع واستحثاث قولا الأصل والغزالي في وسيطه والصحيح الأول إن صح الحديث المذكور وإلا فالثاني
المسألة الخامسة إذا قال إن بدأتك بالكلام فأنت طالق وقالت هي إن بدأتك بالكلام فعبدي حر فكلمها وكلمته لم تطلق ولم يعتق العبد عندنا وعند الشافعية لأن يمينه انحلت بيمينها ويمينها انحلت بكلامه فلم تبدأ هي ولا هو بكلام كما قاله الشافعي في المهذب وغيره
المسألة السادسة في لزوم الطلاق الآن في أنت طالق إن شاء الله كأن شاء الجن أو الملك وهو الصحيح المفتى به في المذهب فلذا اقتصر عليه خليل في مختصره والأمير في مجموعه وعدم لزومه وهو قول أبي حنيفة والشافعي قولان لمالك وابن القاسم ولعبد الملك مبنيان على أنه إذا وقع الشك في العصمة هل يعتبر ويقع الطلاق له وهو أصل ابن القاسم أو يلغى وتستصحب العصمة وهو أصل عبد الملك أما الشك في إن شاء الجن أو الملك فظاهر
وأما إن شاء الله فلأن متعلق المشيئة الذي هو الطلاق وحل العصمة أمر اعتباري لا وجود له في الخارج حتى تعلم فيه مشيئة الله عز وجل بأنه أراد الطلاق على التعيين أم لا وليس لنا طريق إلى التوصل إلى ذلك وأما التوصل إلى علم مشيئة البشر فبوجوه منها إخباره بذلك مع قرائن توجب حصول العلم وكون غاية خبر البشر أن يفيد الظن إنما هو عند عدم القرائن على
____________________

(1/132)


الوسيط لا يلزمه شيء عند ابن الحداد لأنه لو وقع لوقع مشروطه وهو تقدم الثلاث ولو وقع مشروطه لمنع وقوعه لأن الثلاث تمنع ما بعدها فيؤدي إثباته إلى نفيه فلا يقع وقال أبو زيد يقع المنجز ولا يقع المعلق لأنه علق محالا وقيل يقع في المدخول بها الثلاث أي شيء نجزه تنجز وكمل من المعلق قال ومن صور الدور أن يقول إن طلقتك طلقة أملك بها الرجعة فأنت طالق قبلها طلقتين وإن وطئتك وطئا مباحا فأنت طالق قبله ثلاثا وإن أبنتك أو ظاهرت منك أو فسخت نكاحك أو راجعتك فأنت طالق قبله ثلاثا أو يقول لأمته إن تزوجتك فأنت حرة قبله لأنه يخاف أن يعتقها فلا يتزوج بها ولا تجبر على ذلك فتعلق الحرية على العقد مع أن العقد متوقف على الحرية فعلى تصحيح الدور تنحسم هذه التصرفات ويمتنع وقوعها في الوجود
والمقصود من المسائل المسألة الأولى فنقول البحث فيها مبني على قواعد ثلاث القاعدة الأولى أن من شرط الشرط إمكان اجتماعه مع المشروط لأن حكمة السبب في ذاته وحكمة الشرط في غيره فإذا لم يمكن اجتماعه معه لا تحصل فيه حكمته
القاعدة الثانية أن اللفظ إذا دار بين المعهود في الشرع وبين غيره حمل على
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله في ذلك صحيح ظاهر والله أعلم
قال القاعدة الثالثة مشيئة الله تعالى واجبة النفوذ إلى آخر القاعدة قلت ما قاله في هذه القاعدة من كون مشيئة الله معلومة قطعا بمعنى أنه ما من وجود ممكن ولا
هامش إدرار الشروق
أنه يحتمل أن يقال بالاكتفاء هنا بالظن لأنه الغالب هذا هو المراد من قول مالك وغيره ممن روي عنه أنه يلزمه الطلاق الآن في أنت طالق إن شاء الله لأنه علقه على مشيئة من لا يعلم مشيئته فقول من قال إن القول بأن مشيئة الله تعالى لا يمكن اطلاعنا عليها يضاهي قول القدرية بحدوث الإرادة وأن بعض الأمور على خلاف مشيئة الله تعالى ويخالف قاعدة أهل السنة أن مشيئة الله واجبة النفوذ فكل عدم ممكن يعلم وقوعه نعلم أن الله تعالى أراده وكل وجود ممكن يعلم وقوعه نعلم أن الله تعالى أراده ليس بصحيح كما نقله الشيخ محمد كنون في حاشيته على حواشي عبق عن العلامة ابن المبارك مع زيادة قلت ويظهر لنا على ذلك ثلاثة أمور الأمر الأول أنه لا يحتاج حينئذ إلى قول العلامة الأمير في ضوء الشموع الصواب إما أن يقال إن قوله أنت طالق إن شاء الله تعالى تعليق بمحقق إن قصد إن كان شاء الله ذلك يعني في الماضي فإن بنطقه بالطلاق علم أنه شاء وقاعدة أن الشرط وجوابه لا يتعلقان إلا بمعدوم مستقبل وطلاق لم يقع قبل التعليق أغلبية لا كلية وإلا يقصد ذلك بل قصد إن شاء ذلك في المستقبل ولو قلنا إن الحكم يتعدد عند الله تعالى لأننا إنما نفتي بما غلب على ظننا وحصول المحكوم به هنا ليس من مجرد الحكم حتى يرد أنه تعالى قد يأمر ولا يريد فلا يلزم من الحكم حصول المحكوم به بل حصوله هنا من حيث تحقق السبب وهو نطقه بالصيغة فتدبر
وأما أن يقال إن جعل مالك ذلك مثالا لما لا يمكن الاطلاع عليه منظورا فيه للمشيئة في حد ذاتها فلا ينافي أنها تعلم بتحقق المشيء ا ه بحذف وزيادة وتصرف

____________________

(1/133)


المعهود في الشرع لأنه الظاهر كما لو قال إن صليت فأنت طالق فإنا نحمله على الصلاة الشرعية دون الدعاء وكذلك نظائره
القاعدة الثالثة من القواعد أن من تصرف فيما يملك وفيما لا يملك نفذ تصرفه فيما يملك دون ما لا يملك إذا تقررت هذه القواعد فنقول قوله إن طلقتك إما أن يحمل على اللفظ أو على المعنى الذي هو التحريم فإن حمل على اللفظ فهو خلاف الظاهر والمعهود في الشرع وهو مخالف للقاعدة الثانية وإن حمل على التحريم وأبقينا التعليق على صورته تعذر اجتماع الشرط مع مشروطه فيلزم مخالفة القاعدة الأولى فيسقط من الثلاثة المتقدمة التي هي المشروط ما به وقع التباين فإن أوقع واحدة أسقطنا واحدة لأن اثنتين تجتمعن مع واحدة أو أوقع اثنتين أسقطنا اثنتين لأن واحدة تجتمع مع اثنتين فإذا أسقطنا المنافي وجب أن يلزمه الباقي فتكمل الثلاث فمن قال لامرأته وامرأة جاره أنتما طالقتان تطلق امرأته وحده أو عبده وعبد زيد حران يعتق عبده وحده فينفذ تصرفه في جميع ما يملكه مما يتناوله لفظه كذلك ها هنا الذي ينافي به الشرط لا يملكه شرعا للقاعدة الأولى فسقط كامرأة الغير وعبده وينفذ تصرفه فيما يملكه مما تناوله لفظه فيلزمه جميع الباقي بعد
هامش أنوار البروق
عدمه إلا مستند إلى مشيئته فمشيئته على هذا الوجه معلومة عندنا صحيح وليس ذلك مراد مالك وغيره ممن روي عنه إذا قال أنت طالق إن شاء الله يلزمه الطلاق لأنه علقه على مشيئة من لا يعلم مشيئته بل مراد من قال ذلك أنه لا يعلم هل أراد الطلاق على التعيين أم لا وليس لنا طريق إلى
هامش إدرار الشروق
الأمر الثاني أن هذا الذي نقله كنون عن ابن المبارك هو الذي يشير إليه قول ابن الشاط مراد من قال يلزمه الطلاق الآن في أنت طالق إن شاء الله لأنه علقه على مشيئة من لا يعلم مشيئته هو أنه لا يعلم هل أراد الطلاق على التعيين أو لا وليس لنا طريق إلى التوصل إلى ذلك ا ه
قلت وتوضيح ذلك أن مطلق لفظ الطلاق وإن وضعه الشارع لحل العصمة إلا أن لفظه المعين الواقع في قوله أنت طالق إن شاء الله معلق على مشيئة الله تعالى لما كان معناه إن شاء الله جعل هذا اللفظ بخصوصه سببا في حل العصمة وجعله بخصوصه سببا في حلها أمر اعتباري لا وجود له في الخارج حتى تعلم فيه مشيئة الله عز وجل صح جعل ذلك القول مثالا لما لا يمكن الاطلاع عليه وليس معناه أن مطلق لفظ الطلاق الذي منه هذا اللفظ المعين مقيد بالشرط الذي هو مشيئة الله تعالى حتى يقال إن قصد إن كان شاء الله ذلك يعني في الماضي فهو تعليق بمحقق إذ بنطقه بالطلاق علم أنه شاء لوضعه شرعا ضمن المطلق لحل العصمة وإن قصد إن شاءه في المستقبل فهو لاغ إلخ
الأمر الثالث وسننقله بعد عن كنون عن ابن المبارك أيضا أنه لا فرق هنا بين إن شاء وإلا أن يشاء فكما أن معنى إن شاء الله ما ذكر كذلك إلا أن يشاء الله معناه إلا أن يشاء الله عدم جعل هذا اللفظ بخصوصه سببا في حل العصمة وعدم الجعل المذكور أمر اعتباري لا وجود له في الخارج حتى تعلم فيه
____________________

(1/134)


إسقاط المنافي فيلزمه الثلاث للقاعدة الثالثة وعلى رأي ابن الحداد فتلزمه مخالفة إحدى هذه الثلاث قواعد
وهذه المسألة هي المعروفة بالسريجية ويحسبها بعضهم إجماعا فإنها قال بها ثلاثة عشر من أصحاب الشافعي وهو ساقط لأن ثلاثة عشر غير منعقد بهم بالنسبة إلى عدد من قال بخلافهم لأنهم مئون بل آلاف وكان الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله يقول هذه المسألة لا يصح التقليد فيها والتقليد فيها فسوق لأن القاعدة أن قضاء القاضي ينقض إذا خالف أحد أربعة أشياء الإجماع أو القواعد أو النصوص أو القياس الجلي وما لا نقره شرعا إذا تأكد بقضاء القاضي أولى بأن لا نقره شرعا إذا لم يتأكد وإذا لم نقره شرعا حرم التقليد فيه لأن التقليد في غير شرع ضلال وهذه المسألة على خلاف ما تقدم من القواعد فلا يصح التقليد فيها وهذا بيان حسن ظاهر وبه يظهر الحكم في بقية مسائل الدور التي هي من هذا الجنس
المسألة الرابعة قال الغزالي في الوسيط إذا قال إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم
هامش أنوار البروق
التوصل إلى ذلك وأما التوصل إلى علم مشيئة البشر فبوجوه منها إخباره بذلك مع قرائن توجب حصول العلم وقوله غاية خبره أن يفيد الظن إنما ذلك عند عدم القرائن مع أنه يحتمل أن يقال بالاكتفاء هنا بالظن لأنه الغالب والله أعلم فقوله إن الأمر بعكس ما قاله مالك وغيره ليس بصحيح وقوله فظهر بطلان ما يروى عن مالك قول باطل لا خفاء ببطلانه ولو لم يظهر وجه بطلان قوله لكانت مخالفته لمالك كافية في سوء الظن بقوله لتفاوت ما بينهما في العلم
هامش إدرار الشروق
مشيئة الله تعالى وكما جرى في الأول خلاف ابن القاسم وعبد الملك كذلك يجري في الثاني فينجز عليه الطلاق عند ابن القاسم للشك ولا شيء عليه عند عبد الملك لإلغاء الشك بدليل أن صاحب المشيئة لو كان ممن تعلم مشيئته كما في إن شاء أو إلا أن يشاء زيد لسئل هل شاء أن يجعل هذا اللفظ بخصوصه سببا لحل العصمة فيقع الطلاق أو لا فلا يقع فكل من إن شاء وإلا أن يشاء هنا للتقييد والاحتراز عن صورة مفهوم الصيغة لا لكونه رافعا لحكم الصيغة كما في اليمين بالله وكما في أنت طالق إن شاء الله على مذهب الشافعي وأبي حنيفة لقاعدتين
القاعدة الأولى كل من له عرف يحمل كلامه على عرفه كقوله عليه الصلاة والسلام لا يقبل الله صلاة بغير طهور يحمل على الصلاة في عرفه عليه الصلاة والسلام دون الدعاء وقوله عليه الصلاة والسلام من حلف واستثنى عاد كمن لم يحلف يحمل على الحلف الشرعي وهو الحلف بالله تعالى لأن الحلف بالطلاق والعتاق جعلهما عليه الصلاة والسلام من أيمان الفساق فلا يحمل الحديث المتقدم عليهما
القاعدة الثانية كما شرع الله تعالى الأحكام شرع مبطلاتها وروافعها فشرع الإسلام وعقد الذمة سببان لعصمة الدماء والردة والحرابة وزنى المحصن وحرابة الذمي روافع والسبي سبب الملك والعتق رافع له ولا يلزم من شرعه رافعا لحكم سبب أن يرفع حكم غيره فالاستثناء بالمشيئة شرعه رافعا لحكم اليمين لقوله عليه الصلاة والسلام عاد كمن لم يحلف فلا يلزم أن يكون رافعا لحكم العتق والطلاق والتعليق كما أن التطليق رافع لحكم النكاح ولا يرفع حكم اليمين وكذلك سائر الروافع وليس إطلاق اليمين على البابين
____________________

(1/135)


قال إن دخلت الدار فأنت طالق طلقت في الحال لأن تعليقه على الدخول حلف بخلاف إذا طلعت الشمس لم يكن هذا حلفا لأن الحلف ما يتصور فيه منع واستحثاث قلت كما قال عليه الصلاة والسلام الطلاق والعتاق من أيمان الفساق ونص العلماء على أن تعليق الطلاق منهي عنه ولم يفصلوا ومقتضى ذلك أن يحنث في الحالين
المسألة الخامسة قال الشافعي في المهذب وغيره إذا قال إن بدأتك بالكلام فأنت طالق وقالت هي إن بدأتك بالكلام فعبدي حر فكلمها وكلمته لم تطلق ولم يعتق العبد لأن يمينه انحلت بيمينها ويمينها انحلت بكلامه فلم تبدأ هي ولا هو بكلام
المسألة السادسة في التهذيب لمالك رحمه الله أنت طالق إن شاء الله يلزمه الطلاق الآن بخلاف إن شاء هذا الحجر ونحوه وسوى أبو حنيفة والشافعي في عدم اللزوم وقال سحنون يلزمه في الحجر ونحوه لأنه يعد نادما أو هازلا وهذه المسألة مبنية على أربع قواعد القاعدة الأولى كل من له عرف يحمل كلامه على عرفه كقوله عليه السلام لا يقبل الله صلاة بغير طهور يحمل على الصلاة في عرفه عليه السلام دون الدعاء وكذلك قوله
هامش أنوار البروق
قال القاعدة الرابعة الشرط وجوابه لا يتعلقان إلا بمعدوم مستقبل قلت ليس ذلك بمطرد لازم ولكنه الغالب والأكثر
قال فإذا قال إن دخلت الدار فأنت طالق يحمل على دخول مستقبل وطلاق لم يقع قبل التعليق إجماعا
هامش إدرار الشروق
بالتواطؤ حتى يعم الحكم بل بالاشتراك والمجاز في التعليق بالطلاق وغيره والذي يسمى يمينا حقيقة إنما هو القسم ولو أقسم بالطلاق ونحوه لم يلزمه شيء
وإذا كان البابان مختلفين فلا يعم الحكم هذا تحقق المقام وفي لزوم الطلاق منجزا في أنت طالق إن شاء هذا الحجر ونحوه لأنه يعد نادما وهازلا إذ مشيئة الحجر أمر ممتنع كلمس السماء فيستوي مع إن لم يكن هذا الحجر حجرا في كونه هزلا إلا لقرينة صلابة ونحوها وعدم اللزوم نظرا لكون مشيئة الحجر وإن كانت أمرا ممتنعا أيضا إلا أنه غير عريق في اللغو لكون امتناعه عاديا فقط بخلاف إن لم يكن هذا الحجر حجرا فإنه عريق في اللغو لأنه قلب حقائق فهو ممتنع عقلا وعادة روايتان ذكرهما عبد الوهاب الثانية لابن القاسم في المدونة وبها قال أبو حنيفة والشافعي والأولى لابن القاسم في النوادر وبها قال سحنون وهي الأصح لأن المدار على تحقق اللغو كما يشهد له قولهم بالتنجيز في لمست السماء على أن الفرق بالعراقة وعدمها كما قال الأمير مبني على ما اشتهر عند المناطقة من تباين حقائق أنواع الجواهر وأكثر المتكلمين على تماثل الحقيقة الجوهرية في الكل وأن الاختلاف بالعوارض كما في حواشي الكبرى ثم المستحيل قلب الحقيقة بأن تصير حقيقة الحجر نفسها هي حقيقة الذهبية للتناقض أما إن زالت الذهبية وخلفها الحجرية فقلب أعيان جائز نقله حجازي عنه في حاشيته على عبق انظره
المسألة السابعة اختلف إذا علق المشيئة على معلق عليه ووجد نحو إن دخلت الدار إن شاء الله فأنت طالق أو أنت طالق إن دخلت الدار إن شاء الله وحصل الدخول فقال مالك وابن القاسم لا ينفعه وهو المشهور وقال عبد الملك وغير واحد ينفعه وروي أيضا عن مالك وفي اتفاق القولين في المثالين مع دعواه في
____________________

(1/136)


عليه السلام من حلف واستثنى عاد كمن لم يحلف يحمل على الحلف الشرعي وهو الحلف بالله تعالى لأن الحلف بالطلاق والعتاق جعلهما عليه السلام من أيمان الفساق فلا يحمل الحديث المتقدم عليها
القاعدة الثانية كما شرع الله تعالى الأحكام شرع مبطلاتها ودوافعها فشرع الإسلام وعقد الذمة سببين لعصمة الدماء والردة والحرابة وزنى المحصن وحرابة الذمي روافع والسبي سبب الملك والعتق رافع له ولا يلزم من شرعه رافع لحكم سبب أن يرفع حكم غيره فالاستثناء بالمشيئة شرعه رافعا لحكم اليمين لقوله عليه السلام عاد كمن لم يحلف فلا يلزم أن يكون رافعا لحكم العتق والتعليق كما أن التطليق رافع لحكم النكاح ولا يرفع حكم اليمين وكذلك سائر الروافع وليس إطلاق لفظ اليمين على البابين بالتواطؤ حتى يعم الحكم بل بالاشتراك أو المجاز في التعليق بالطلاق وغيره والذي يسمى يمينا حقيقة إنما هو القسم ولو أقسم بالطلاق ونحوه لم يلزمه شيء وإذا كان البابان مختلفين لا يعم الحكم

هامش أنوار البروق
قلت ذلك هو الغالب قال والمشيئة قد جعلت شرطا ولا بد لها من مفعول والتقدير إن شاء الله طلاقك فأنت طالق فمفعولها إما أن يكون الطلاق الذي صدر منه في الحال أو طلاقا في المستقبل فإن كان الأول فنحن نقطع أن الله تعالى أراده في الأزل فقد تحقق الشرط في الأزل وهذه الشروط أسباب يلزم من وجودها
هامش إدرار الشروق
الثاني رد الاستثناء للفعل لا الطلاق بأن يوفق بينهما بما حاصله أنه لو جزم بجعل الفعل المعلق عليه سببا للطلاق لم ينفعه الاستثناء كما قال ابن القاسم ولو لم يجزم بجعله سببا نفعه كما قال غيره إذ الفعل من أسباب الأحكام التي لم يكلها لخيرتهم كالزوال ورؤية الهلال والطلاق أو اختلافهما في المثالين أو اختلافهما إن احتمل كالمثال الثاني وقامت عليه بنية أقوال الأول للقرافي وتبعه المقري في قواعده قائلا وهو تفسير عند المحققين وحكاه ابن عبد السلام عن بعض شيوخ المشارقة وقال لا يلتفت إليه ا ه
وقال ابن عرفة إنه ساقط لمخالفته فهم الأشياخ في حملهم المشيئة على الخلاف والثاني للأكثر مع المقدمات لابن رشد والثالث للبيان لابن رشد وعلى الثاني ففي كون المراد رجوعها للمعلق عليه من حيث ذاته أو من حيث التعليق والربط طريقتان الطريقة الأولى لابن رشد في المقدمات والناصر وابن الشاط وعليها ففي كون إن شاء الله شرطا على بابه لتقييد المعلق عليه نفسه أو بمعنى الاستثناء رافع للمعلق عليه نفسه كما في اليمين بالله قولان الثاني لابن رشد في المقدمات فقد قال فيها الحق عدم اللزوم قياسا على اليمين بالله تعالى إذا أعاد الاستثناء على الفعل فيكون قول ابن القاسم مبنيا على مذهب القدرية والمقابل مبنيا على مذهب أهل السنة لأن قول القائل أنت طالق إن لم أدخل الدار إن شاء الله إذا صرف المشيئة إلى المعلق عليه هو إن امتنعت من الدخول بمشيئة الله تعالى فلا شيء علي وكذلك قوله أنت طالق إن دخلت الدار إن شاء الله هو إن شاء الله دخولي فلا شيء علي وقد علم في السنة أن كل واقع في الوجود بمشيئة الله تعالى
____________________

(1/137)


القاعدة الثالثة مشيئة الله تعالى واجبة النفوذ فلذلك كل عدم ممكن يعلم وقوعه نعلم أن الله تعالى أراده وكل وجود ممكن يعلم وقوعه نعلم أن الله تعالى أراده فتكون مشيئة الله تعالى معلومة قطعا وأما مشيئة غيره فلا تعلم غايته أن يخبرنا وخبره إنما يفيد الظن فظهر بطلان ما يروى عن مالك وجماعة من العلماء من أنه علق الطلاق على مشيئة من لم تعلم مشيئته بخلاف التعليق على مشيئة البشر ويجعل ذلك سبب عدم لزوم الطلاق والأمر بالعكس
القاعدة الرابعة الشرط وجوابه لا يتعلقان إلا بمعدوم مستقبل فإذا قال إن دخلت الدار فأنت طالق يحمل على دخول مستقبل وطلاق لم يقع قبل التعليق إجماعا والمشيئة قد جعلت شرطا ولا بد لها من مفعول والتقدير إن شاء الله طلاقك فأنت طالق فمفعولها إما أن يكون الطلاق الذي صدر منه في الحال أو طلاقا في المستقبل فإن كان الأول فنحن نقطع أن الله تعالى أراده في الأزل فقد تحقق الشرط في الأزل وهذه الشروط أسباب يلزم من وجودها الوجود فيلزم أن تطلق في أول أزمنة الإمكان وقبول المحل عند أول النكاح ولم يقل به أحد

هامش أنوار البروق
الوجود فيلزم أن تطلق في أول أزمنة الإمكان وقبول المحل عند أول النكاح ولم يقل به أحد قلت تجويزه احتمال أن يكون الطلاق الذي يكون مفعول المشيئة هو الذي صدر منه مناقض لما
هامش إدرار الشروق
فامتناعه إذا من الدخول في الوجه الأول ودخوله في الثاني بمشيئة الله تعالى فلا يلزمه طلاق لأن ذلك هو الذي التزمه وأما القول بلزوم الطلاق فمقتضاه أن الدخول وعدمه وقع
على خلاف المشيئة وهو محال عند أهل السنة ا ه واختار هذا القول الرهوني كما ستقف على كلامه والقول الأول أعني كون إن شاء الله شرطا على بابه لتقييد المعلق عليه نفسه للناصر وابن الشاط قال الناصر إنما يتضح اعتراض ابن رشد على ابن القاسم في إلا أن يشاء الله إذ معناه أنت طالق إن دخلت الدار إلا أن يشاء الله أن أدخلها فلا طلاق فإذا طلق عليه بالدخول كان مقتضيا لوقوعه بدون المشيئة وكذا أنت طالق لأدخلن الدار إلا أن يشاء الله معناه إلا أن يشاء الله عدم الدخول فإذا طلق عليه بعدم الدخول كان مقتضيا أنه بدون المشيئة وأما في إن فالظاهر قول ابن القاسم لأن أنت طالق إن دخلت الدار إن شاء الله تعالى معناه إن دخلت الدار دخولا مقرونا بالمشيئة فإذا طلقت عليه بالدخول كان ذلك لأن الدخول المقرون بالمشيئة قد وقع وإن لم تطلق كان لانتفاء ذلك ومعلوم أن الدخول وقع فالمنفي إنما هو المشيئة وهذا بعينه مذهب القدرية أي القائلين بأن العبد خالق لأفعاله ا ه
وقال ابن الشاط الحق اللزوم في قوله إن فعلت كذا فعلي الطلاق إن شاء الله لأنه إن عاد الاستثناء إلى الطلاق المعلق على ذلك فقد سبق في مسألة أنت طالق إن شاء الله أن الصحيح لزوم الطلاق وأن الاستثناء لا ينفعه وهذا المعلق كذلك
وإن أعاده إلى الفعل المعلق عليه الطلاق فمعناه الظاهر إن شاء الله تعالى أن أفعل ذلك الفعل فإذا فعله فقد شاء الله تعالى فعليه فيلزم الطلاق كما قال مالك ومن وافقه والقياس الذي ذكره ابن رشد ليس بصحيح للفرق بينهما وهو أن القائل إذا قال والله لأفعلن إن شاء الله
____________________

(1/138)


وإن كان المفعول طلاقا مستقبلا فيكون التقدير إن شاء الله طلاقك في المستقبل فأنت طالق فالمشروط لهذا الشرط يلزم أن يكون مستقبلا لأن المرتب على المستقبل مستقبل فلا تطلق في الحال وإن كان المعنى إن شاء الله طلاقك في المستقبل بعد هذا الطلاق الملفوظ به الآن فلا ينفذ طلاق حتى يلفظ بالطلاق مرة أخرى فينفذ هذا وعلى التقديرين لا تطلق الآن فإن قلت هذا لازم في مشيئة زيد إذا لم يحصل بلفظ في المستقبل لا ينفذ هذا قلت الفرق أن مشيئة الله تعالى مؤثرة في حدوث مفعولها فإذا لم يحدث لفظ الطلاق انقطع بعدم مشيئة الله تعالى ومشيئة زيد غير مؤثرة بل هي كدخول الدار فكما إذا تجدد دخول الدار نفذ الطلاق كذلك إذا تجددت مشيئة زيد فإن قلت لم لا يجوز أن يكون مفعول المشيئة نفوذ هذا الطلاق لا لفظا آخر يحدث في المستقبل قلت يجوز ذلك من حيث اللغة وهو مفعول صحيح غير أنه يلزم من ذلك لزوم الطلاق ونفوذه أول أزمنة الإمكان من أول النكاح ولم يقله أحد فإن الله تعالى شرع
هامش أنوار البروق
قال قبل من أن الشرط وجوابه لا يتعلقان إلا بمستقبل مع أن هذا الاحتمال بعيد لا يكاد يخطر ببال ولو قصده بمعنى أنه إن شاء الله أن أتكلم بهذا الكلام المتضمن تعليق الطلاق على مشيئة الله هذا الكلام للزمه الطلاق عند قوله ذلك الكلام لا في أول زمن النكاح كما قاله لأن لزوم الطلاق عند أول أزمنة
هامش إدرار الشروق
ورد الاستثناء إلى الفعل فإذا فعل ذلك الفعل فقد شاء الله تعالى وبر في يمينه وإن لم يفعله فهو بار أيضا لأنه علق المحلوف عليه على المشيئة للفعل ولم يقع الفعل فلن تتعلق به المشيئة والقائل إذا قال إن فعلت كذا فعلي الطلاق وإن شاء الله تعالى ورد الاستثناء إلى الفعل فإذا فعل ذلك الفعل فقد شاء الله فإنه لا يقع شيء إلا بمشيئته ويلزم مقتضى التعليق لوقوع المعلق عليه ا ه
وخلاصة الفرق أن إن شاء الله في اليمين استثناء رافع له وقع المحلوف عليه أم لا وفي الطلاق شرط مقيد للمحلوف عليه فإذا وقع المحلوف عليه فقد شاء الله وبوقوعه لزم الطلاق المعلق الطريقة الثانية أعني رجوع المشيئة للمعلق عليه من حيث الربط والتعليق لا من حيث ذاته لخاتمة المحققين العلامة ابن المبارك رحمه الله تعالى فقد قال ما توضيحه أنه قد علم في علم الميزان أن الإيجاب والسلب والصدق والكذب والتقييد والإطلاق إذا وقعت في القضية الشرطية انصرفت إلى الربط واللزوم الذي فيها ولا تنصرف إلى أطرافها وقولنا أنت طالق إن دخلت الدار إن شاء الله قضية شرطية
وقولنا في تلك القضية إن شاء الله قيد من القيود التي يجب ردها إلى الربط ولا يصح رده إلى الدخول المعلق عليه لأنه طرف قضية شرطية والطرف لا يرجع إليه تقييد ولا غيره من الأمور السابقة فقولهم أنه راجع إلى المعلق عليه أي من حيث التعليق فهو راجع إلى التعليق في الحقيقة والتعليق الذي بين الشرط والجزاء أمر اعتباري لا يقبل الوجود في الخارج ولا العدم فيه وما لا يقبلهما كالنسب والاعتبارات ومن الربط الذي بين الشرط والجواب فمشيئة الله تعالى فيه لا تعلم ولا يمكن اطلاعنا عليها إذ الاطلاع عليها إنما هو
____________________

(1/139)


الأسباب ليرتب عليها مسبباتها فمن باع وقال إن شاء الله نفوذ هذا البيع نفذ قلنا له قد شاء الله ذلك في الأزل وينفذ البيع إجماعا فكذلك ها هنا وقال القاضي عبد الوهاب هذه المسألة مخرجة على استثناء الكل من الكل بجامع أنه مبطل على رأي الشافعي فيلغو الجميع والفرق أن الشرط لم يتعين العبث فيه واللغو لأن التعليق على الممتنع من غرض العقلاء وإن بطلت جملة المشروط قال الله تعالى لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط قلت أما استثناء الكل من الكل فعبث فظهر بهذه القواعد وبهذا التقدير أن الحق في هذه المسألة عدم لزوم الطلاق في الحال لا بسبب ما قاله الشافعي أن الاستثناء رافع لليمين بل لما ذكرناه من مقتضى هذا التعليق وتفاصيله
المسألة السابعة قال مالك في التهذيب إذا قال إن فعلت كذا فعلي الطلاق إن شاء الله لا ينفعه الاستثناء قال ابن يونس قال عبد الملك إن أعاده على الفعل دون الطلاق نفعه وأنت طالق إلا أن يبدو لي لا ينفعه الاستثناء وأنت طالق إن فعلت كذا إلا أن يبدو لي
هامش أنوار البروق
الإمكان لا موجب له فإن مراده بالمشيئة إنما هو وقوع المراد بالمشيئة لا تحقق المشيئة في الأزل لأن مشيئة وجود هذا الكلام من قائله معلومة متحققة الوقوع ولا أرى أن يخالف في ذلك مخالف وأما كونه لم يقل به أحد فلما تقرر من أن المراد بقوله إن شاء الله أي إن وقع مفعول المشيئة وهو قوله ذلك الكلام والله أعلم
قال وإن كان المفعول طلاقا مستقبلا فيكون التقدير إن شاء الله طلاقك في المستقبل فأنت طالق
هامش إدرار الشروق
بوجود متعلقها في الخارج ومتعلقها هنا لا يقبل الوجود في الخارج ولا العدم فيه أصلا فبعدم قبوله للوجود لم يعلم أنه تعالى أراد وجوده وبعدم قبوله للعدم لم يعلم أنه تعالى أراد عدمه وإذا وقع الفعل المعلق عليه كالدخول وقد قيد جعله سببا في الطلاق بمشيئة من لا تعلم مشيئته وهو الله تعالى كما إذا قيد ذلك بمشيئة الجن أو الملك لا فرق بين كون المشيئة بلفظ إن شاء الله أو إلا أن يشاء وقع الخلل في العصمة بحصول الشك فيها وأصل ابن القاسم أنه إذا وقع الشك في العصمة اعتبر ووقع الطلاق له وأصل عبد الملك أن الشك المذكور يلغى وتستصحب العصمة فابن القاسم يلزم الطلاق إذا وقع الدخول وعبد الملك لا يلزمه بناء من كل واحد على أصله فهذا توجيه المذهبين في مشيئة الله تعالى وفي مشيئة الجن والملك وأما إذا وقع الفعل المعلق عليه كالدخول وقد قيد بمشيئة من تعلم مشيئته كزيد فإنه يسأل صاحب المشيئة هل شاء أن يجعله سببا في الطلاق فيقع أم لا فلا يقع قال الأمير ولا شيء إن لم يعلم
ومنه الميت ا ه قال حجازي كان بعد اليمين أو قبله ولو عالما بموته على أقوى القولين لأن شأنه الاطلاع عليه بخلاف مشيئة الله والملائكة ا ه
هذا هو الحق الذي لا شك فيه فظهر أن على ابن رشد في كلامه السابق دركا من وجهين أحدهما ظنه أن الشرط راجع للدخول وليس كذلك بل هو راجع للربط الثاني ظنه أن إن شاء ليس شرطا على بابه بل بمعنى الاستثناء أعني إلا أن يشاء الله في الرفع لحكم التعليق كرفعه لحكم اليمين
____________________

(1/140)


فذلك له إن أراد الفعل خاصة وفي الجلاب إن كلمت زيدا فعلي المشي إلى بيت الله إن شاء الله لا ينفعه الاستثناء إن أعاده على الحج وإن أعاده على كلام زيد نفعه قلت اعلم أن هذه المواضع لا يدرك حقيقتها إلا الفحول من العلماء أو من يفتح الله عليه من نفس فضله وسعة رحمته ما شاء وما الفرق بين إعادة الإرادة القديمة والحادثة على الفعل أو غيره وها أنا أكشف لك عن السر في هذه المسائل ببيان قاعدة وهي أن الله تعالى شرع بعض أسباب الأحكام في أصل الشريعة ولم يكله إلى مكلف كالزوال ورؤية الهلال والإتلاف للضمان ومنها ما وكله لخيرة خلقه فإن شاءوا جعلوه سببا وإلا فلا يكون سببا وهي التعليقات كلها فدخول الدار ليس سببا لطلاق امرأة أحد ولا لعتق عبده في أصل الشرع إلا أن يريد المكلف ذلك فيجعله سببا بالتعليق عليه وكل ما وكل للمكلف سببيته لا يكون سببا إلا بجعله وجزمه بذلك الجعل
إذا تقررت هذه القاعدة فنقول قول عبد الملك إن أعاده على الفعل نفعه معناه إن أراد أن ذلك الفعل المعلق عليه لم أجزم بجعله سببا للطلاق بل فوضت وجعلت سببيته إلى مشيئة الله تعالى إن شاء جعله سببا وإلا فلا وعلى هذا التقدير لا يكون الفعل سببا فلا يلزم به شيء إجماعا ولا يكون هذا خلافا
هامش أنوار البروق
فالمشروط لهذا الشرط يلزم أن يكون مستقبلا لأن المرتب على المستقبل مستقبل فلا تطلق في الحال وإن كان المعنى إن شاء الله طلاقك في المستقبل بعد هذا الطلاق الملفوظ به الآن فلا ينفذ طلاق حتى يتلفظ بالطلاق مرة أخرى فينفذها وعلى التقديرين لا تطلق الآن
هامش إدرار الشروق
وليس كذلك لأنه مع ما فيه من تكلف إخراج إن عن بابه بلا داع هو مخالف للقاعدتين السابقتين في المسألة السادسة فقول الرهوني والحق ما قاله ابن رشد وما ردوا به عليه من الأمثلة كله ساقط إذ الشرط فيها كلها على بابه قطعا أي جيء به التقييد والاحتراز عن صورة المفهوم وأما الشرط في مسألتنا فلا يمكن أن يكون على بابه على مذهب أهل السنة وإنما هو في المعنى كالاستثناء كما في اليمين بالله الذي هو الأصل وقد قال اللخمي عن ابن المواز الاستثناء كل ما كان فيه إن مثل إن شاء الله وكل ما كان فيه إلا ا ه
وهو نص في أن إن شاء الله كالاستثناء الحقيقي ا ه هو غير صحيح إذ كيف يكون هو الحق مع خروج اللفظ عليه عن مدلوله ومع ما يلزم عليه من جري ابن القاسم على خلاف مذهب أهل السنة وحاش من هو أدنى منه بمراتب من ذلك وفي قوله وما ردوا به عليه إلخ نظر من وجهين الأول أن كونه على بابه ممكن على مذهب أهل السنة فأنه جيء به للتقييد والاحتراز عن صورة المفهوم بدليل أن صاحب المشيئة لو كان ممن تعلم مشيئته لسئل هل شاء أن يجعل الدخول مثلا سببا للطلاق فيقع أم لا فلا يقع كما مر
الثاني إن جعل إن شاء في اليمين بالله بمعنى الاستثناء حمل له على غير مدلوله لعارض شرعي فلا يقاس عليه غيره كما أشار له غ في تكميله في رده اعتراض ابن رشد المذكور وكلام ابن المواز يحتمل تخصيصه باليمين بالله بل هو الظاهر للقاعدتين السابقتين فلا دليل فيه وعلى الناصر في كلامه السابق دركا من وجهين أيضا وكذا ابن الشاط الأول ظنه أن الشرط على بابه راجع للدخول للربط
____________________

(1/141)


لمالك وابن القاسم مع أن صاحب المقدمات أبا الوليد بن رشد حكاه خلافا وقال الحق عدم اللزوم قياسا على اليمين بالله تعالى إذا أعاد الاستثناء على الفعل وهذا يشعر بأن ابن القاسم يوافق في اليمين بالله تعالى ويخالف في الطلاق فيكون هذا إشكالا آخر أما إذا حمل قول عبد الملك على ما ذكرته فلا إشكال ويصير المدرك مجمعا عليه وإلا فلا تعقل المسألة ألبتة ولا يصير لها حقيقة
وقوله أنت طالق إلا أن يبدو لي لا ينفعه لأن الطلاق جعله الله تعالى سببا لقطع العصمة في أصل الشرع فقد زالت العصمة بتحققه كره المكلف أو أحب فمشيئته لغو وإذا علق الطلاق على فعل وأعاد قوله إلا أن يبدو لي عليه خاصة ومعناه أني لم أصمم على جعل الفعل سببا بل الأمر موقوف على إرادة تحدث في المستقبل فذلك ينفعه لما تقدم أن كل سبب موكول إلى إرادته لا يكون إلا بتصميمه على مشيئته وإرادته لذلك وكذلك قول صاحب الجلاب إن أعاد الاستثناء على كلام زيد نفعه وعلى الحج لم ينفعه معناه أني لم أجزم بجعل كلام زيد سببا للزوم الحج بل ذلك موكول لمشيئة الله تعالى فلا يكون سببا فلا يلزم الحج بكلامه فإذا أعاده على
هامش أنوار البروق
قلت قد سبق أنها تطلق الآن على التقدير الأول
قال فإن قلت هذا لازم في مشيئة زيد إذا لم تحصل بلفظ في المستقبل لا ينفذ هذا قال قلت الفرق أن مشيئة الله تعالى مؤثرة في حدوث مفعولها إلى آخر قوله بخلاف مشيئة زيد قلت قوله فإذا لم يحدث لفظ الطلاق انقطع بعدم مشيئة الله تعالى غلط في اللفظ فإن مشيئة الله
هامش إدرار الشروق
والأمر بالعكس الثاني ظنه أن إلا أن يشاء الله في مسألتنا ليس للتقييد والاحتراز عن صورة المفهوم بل لرفع الحكم بالتعليق كما في اليمين وليس كذلك للقاعدتين السابقتين وبالجملة فمذهبا ابن قاسم وعبد الملك في كون إن شاء الله في المثالين المارين لا تنفعه أو تنفعه إما أن يحملا على الوفاق مطلقا ولو احتمل المثال رجوعه للمعلق عليه وادعاه مع البنية وهو ما للقرافي ومن تبعه أو على الاختلاف فيما احتمل ذلك وادعاه وقامت عليه بينته وهو ما في البيان لابن رشد أو على الاختلاف مطلقا وهو قول الأكثر مع المقدمات لابن رشد وهو المعتبر وعليه فهل إن شاء الله بمعنى الاستثناء راجع للمعلق عليه نفسه وهو ما لابن رشد واختاره الرهوني أو هو شرط على بابه راجع للمعلق عليه أيضا وهو ما للناصر وابن الشاط ولا خلاف في كون إلا أن يشاء الله استثناء رافعا لحكم التعليق كما في اليمين أو هو شرط على بابه قيد للتعليق كإلا أن يشاء الله وهو ما لابن المبارك وهو الحق هذا خلاصة ما في حاشية كنون على حواشي عبق بتوضيح وزيادة وهو غاية تحقيق المقام فاحفظه قلت ولا فرق على قول ابن المبارك بين صرف المشيئة بإن شاء الله أو إلا أن يشاء الله للدخول أو للطلاق أو لم تكن له نية بصرفها بشيء ووجه الدخول في كل ضرورة أنها قيد يجب رده للربط لا إلى طرف من طرفي القضية الشرطية فينجز عليه عند ابن القاسم للشك ولا شيء عليه عند عبد الملك لإلغاء الشك
وإذا قال أنت طالق إلا أن يبدو لي أو إلا أن أشاء أو إلا أن أرى خيرا منه أو إلا أن يغير الله ما في خاطري ونحو ذلك لا ينفعه وإذا قال أنت طالق إن دخلت الدار إلا أن يبدو لي ونحوه أو إن دخلت الدار إلا أن يبدو لي فأنت طالق نفعه لأن معناه أني لم أصمم على جعل دخول الدار سببا
____________________

(1/142)


الحج فقد جزم بسببية كلام زيد فترتب عليه مسببه والاستثناء لا يكون رافعا كما تقدم فهذا سر هذه المسائل وهو من نفائس العلم فافهمه
المسألة الثامنة في الجواهر أنت طالق إن كلمت زيدا إن دخلت الدار وهو تعليق التعليق فإن كلمت زيدا أولا تعلق طلاقها بالدخول لأنه شرط في اعتبار الشرط الأول قال الشيخ أبو إسحاق في المهذب هذا يسميه أهل النحو اعتراض الشرط على الشرط فإن دخلت الدار ثم كلمت زيدا طلقت وإن كلمت زيدا أولا ثم دخلت الدار لم تطلق لأنه جعل دخول الدار شرطا في كلام زيد فوجب تقديمه عليه وإن قال إن أعطيتك إن وعدتك إن سألتني فأنت طالق لم تطلق حتى يوجد السؤال ثم الوعد ثم العطاء لأنه شرط في الوعد بالعطية وشرط في العطية السؤال وكان معناه إن سألتني فوعدتك فأعطيتك فأنت طالق ووافقه الغزالي على ذلك في الوسيط ولم يحكيا خلافا وذكر إمام الحرمين المسألة في النهاية واختار مذهبنا وأن التعليق مع عدم الواو يكون كالعطف بالواو وضابط مذهب الشافعي أن الشروط إن وقعت كما نطق بها لم تطلق وإن عكسها المتقدم متأخر والمتأخر متقدم طلقت ولم أر هذا لأصحابنا بل ما تقدم وفي المسألة غور بعيد
هامش أنوار البروق
تعالى لا تعدم وصواب الكلام أن يقال بمشيئة الله تعالى عدم ذلك اللفظ وقوله فكما إذا تجدد دخول الدار نفذ الطلاق كذلك إذا تجددت مشيئة زيد مناقض لما قاله قبل من أن الأمر بعكس ما قاله مالك من لزوم الطلاق في مشيئة الله تعالى لا في مشيئة زيد
هامش إدرار الشروق
لطلاقك بل الأمر موقوف على إرادتي في المستقبل فإن شئت جعلت دخول الدار سببا لوقوعه وإن شئت لم أجعله سببا فلذا نفعه في الدخول دون الطلاق لما مر في قاعدة الشرط اللغوي أنه سبب وكل إلى إرادته وكل سبب كذلك لا يكون سببا إلا بتصميمه على جعله سببا بخلاف السبب الشرعي الذي لا اختيار له فيه كالطلاق فافهم وقد شبه العلامة الأمير في مجموعه العتق والنذر بالطلاق في جميع ما يتعلق به فقال ونجز أي الطلاق إن أتى بمشيئة الله ولو لمعلق عليه كمشيئته إلا أن يعلق عليها أو يستثني بها من المعلق عليه فقط كإلا أن يبدو لي ومشيئة الغير مطلقا أي علق عليها واستثنى بها أو رجعها للمعلق أو المعلق عليه كالعتق والنذر ا ه قال حجازي أي ينجز إن أتى بمشيئة الله ولو لمعلق عليه كمشيئته إلخ فهو تشبيه في جميع ما مر ا ه
وقول صاحب الجلاب في قوله إن كلمت زيدا فعلى المشي إلى بيت الله إن شاء الله إن أعاد الاستثناء على كلام زيد نفعه وعلى الحج لم ينفعه ا ه
وإن قال القرافي معناه أني لم أجزم بجعل كلام زيد سببا للزوم الحج بل ذلك موكول لمشيئة الله تعالى فلا يكون سببا فلا يلزم الحج بكلامه فإذا أعاده على الحج فقد جزم بسببية كلام زيد فترتب عليه مسببه والاستثناء لا يكون رافعا كما تقدم ا ه إلا أن ابن الشاط قال إن قوله بل ذلك موكول لمشيئة الله تعالى فلا يكون سببا فلا يلزم الحج بكلامه غير صحيح بل الصحيح أن قوله إن كنت كلمت زيدا فعلي المشي إلى الحج إن قال عقبه إن شاء الله فإنه يلزمه كما سبق وإن قال عقبه إلا أن يبدو لي فإنه لا يلزمه لأنه يتعين هنا حمل كلامه على رد الاستثناء إلى جعل ذلك الفعل سببا ا ه
يعني أن
____________________

(1/143)


مبني على قاعدتين يظهر منهما مذهب الشافعي فنذكرهما ونذكر ما وقع في القرآن الكريم من ذلك وفي كلام العرب ليتضح الحق في هذه المسألة فهي من أطاريف المسائل القاعدة الأولى من الشروط اللغوية أسباب يلزم من وجودها الوجود ومن عدمها العدم فإن قوله إن دخلت الدار فأنت طالق يلزم من دخولها الدار الطلاق ومن عدم دخولها عدم الطلاق وهذا هو حقيقة السبب كما تقدم بيانه بخلاف الشروط العقلية كالحياة مع العلم
والشرعية كالطهارة مع الصلاة والعادية كنصب السلم مع صعود السطح لا يلزم من وجودها شيء ويلزم من عدمها العدم فالحي قد يعلم وقد لا يعلم والمتطهر قد تصح صلاته وقد لا تصح وإذا نصب السلم فقد يصعد للسطح وقد لا يصعد نعم يلزم من عدم هذه الشروط عدم هذه المشروطات
وإذا تقرر أن الشروط اللغوية أسباب فنقول القاعدة الثانية أن تقدم المسبب على سببه لا يعتبر كالصلاة قبل الزوال وإذا تقررت القاعدتان فنقول إذا قال إن كلمت زيدا إن دخلت الدار معناه عند الشافعية أني جعلت كلام زيد سبب طلاقك وشرطه اللغوي غير أني قد جعلت سبب اعتباره والشرط فيه
هامش أنوار البروق
قال فإن قلت لم لا يجوز أن يكون مفعول المشيئة نفوذ الطلاق لا لفظا آخر يحدث في المستقبل قال قلت يجوز ذلك من حيث اللغة وهو مفعول صحيح غير أنه يلزم من ذلك لزوم الطلاق ونفوذه أول أزمنة الإمكان في أول النكاح ولم يقله أحد فإن الله تعالى شرع الأسباب لتترتب عليها مسبباتها فمن باع وقال إن شاء الله نفوذ هذا البيع نفذ قلنا له قد شاء الله ذلك في الأزل وينفذ البيع إجماعا فكذلك ها هنا قلت قوله أنه يلزم من ذلك لزوم الطلاق من أول أزمنة الإمكان بناء منه ذلك على تعلق المشيئة
هامش إدرار الشروق
كلام صاحب الجلاب الذي وجهه القرافي بما ذكر كما هو مذهب عبد الملك خلاف الصحيح لأن مقتضى عدم لزوم الحج عند عود المشيئة لكلام زيد وقد وقع أن وقوعه على خلاف المشيئة وهو بعينه مذهب القدرية والصحيح اللزوم مطلقا ولو عادت المشيئة لكلام زيد كما هو مذهب ابن القاسم إذ بوقوع كلام زيد صار مقرونا بالمشيئة إذ قد علم في السنة أن كل واقع في الوجود بمشيئة الله تعالى وبتحقق وقوع الكلام المقرون بالمشيئة تحقق وقوع المعلق عليه لزوم الحج فيلزم فكلام ابن الشاط هذا وكذا كلام الأمير مبني على أن إن شاء الله شرط على بابه لتقييد المعلق عليه نفسه كما هو مذهبه ومذهب الناصر قلت والظاهر أن مذهب ابن المبارك كما في الطلاق كذلك يأتي في النذر والعتق لأن جعل إن شاء الله شرطا على بابه لتقييد التعليق يقتضي وقوع الشك في العتق والنذر كما علمت وفي اعتبار الشك فيهما كالطلاق عن ابن القاسم وهو الصحيح فلا يلغى بل يقتضى لزومهما أما العتق فلتشوف الشارع للحرية ولم ينظر والاحتياط في الفروج كما في شرح الأمير على مجموعه وعتق وأما النذر فكذلك على الظاهر لكونه قربة
____________________

(1/144)


دخول الدار فإن وقع الكلام أولا فلا تطلق به لأنه وقع قبل سبب اعتباره فيلغى كالصلاة قبل الزوال فلا بد من إيقاعه بعد دخول الدار حتى يقع بعد سببه فيعتبر كالصلاة بعد الزوال هذا مدركهم وهو مدرك حسن وأصحابنا وإمام الحرمين يلاحظ أنا أجمعنا على أن المعطوف بالواو يستوي الحال فيه تقدم أو تأخر وكذلك عند عدمه لأن الإنسان قد يعطف الكلام بعضه على بعض من غير حرف عطف ويكون في معنى حرف العطف كقولنا جاء زيد جاء عمرو وسيأتي في الاستشهاد ما يعضد ذلك
فهذا سر فقه الفريقين وأما ما يشهد لهم من القرآن الكريم فقوله تعالى في سورة هود ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون فإرادة الله تعالى متقدمة على إرادة البشر من الأنبياء وغيرهم فالمتقدم لفظا متأخر وقوعا ولا يمكن خلاف ذلك فهذه الآية تشهد لمذهب الشافعي رضي الله عنه وقوله تعالى وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها فالظاهر أن إرادة رسول الله صلى الله عليه وسلم متأخرة عن هبتها فإنها تجري مجرى القبول في العقود وهبتها لنفسها إيجاب كما تقول من وهبك شيئا للمكافأة لزمك أن تكافئه عليه إن أردت قبول
هامش أنوار البروق
في الأزل ليس بلازم ونحن نقول إنه لم يقل به أحد كما قال وإنما اللازم لزوم الطلاق الآن عند هذا الكلام وذلك هو مراد مالك ومن وافقه والله أعلم
قال قال القاضي عبد الوهاب إلى آخر كلامه في المسألة قلت ما قاله في هذه المسألة من أن الحق فيها عدم لزوم الطلاق في الحال ليس بصحيح بل الصحيح لزومه في الحال كما سبق والله أعلم

هامش إدرار الشروق
أوجبها على نفسه أو إلغائه فيها كالطلاق فلا يحكم بواحد فيها لمجرد احتمال خلاف نعم جريان قول عبد الملك بإلغاء الشك وإن ظهر في غير الطلاق لا يظهر في الطلاق لأن الشك فيه على خمسة أوجه كما في البيان لابن رشد نظمها بعضهم بقوله ذو الشك في الحنث بلا مستند لا أمر لا جبر اتفاقا قيد لا جبر بل يؤمر من سيستند بالاتفاق قال من يعتمد من شك في الحنث وفي أن حلفا لا جبر بل في أمر هذا اختلفا ثم الذي في جبره يختلف ذو المشي والعدد والحيض اعرفوا ذو الشك في الزوجة فعل أمس بالاتفاق أجبره دون لبس وصورة الوجه الأول أن يحلف الرجل على الرجل أن لا يفعل فعلا ثم يقول لعله قد فعله من غير سبب يوجب عليه الشك في ذلك وصورة الوجه الثاني أن يحلف أن لا يفعل ثم يشك هل حنث أم لا
____________________

(1/145)


تلك الهبة ويحتمل أن تكون إرادة رسول الله صلى الله عليه وسلم متقدمة وإذا فهمت المرأة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصد ذلك منها وهبت نفسها له فهذه الآية محتملة للمذهبين وهي ظاهرة في مذهب مالك وإمام الحرمين وأما الشعر فقول ابن دريد فإن عثرت بعدها إن والت نفسي من هاتا فقولا لا لعا
ومعلوم أن العثور مرة ثانية إنما يكون بعد الخلوص من الأولى فالمتقدم لفظا متأخر وقوعا كما قاله الشافعية وكذلك أنشد ابن مالك النحوي في هذا الباب إن تستغيثوا بنا إن تذعروا تجدوا منا معاقل عز زانها كرم والاستغاثة إنما تكون بعد الذعر فالمتقدم لفظا متأخر معنى فالبيتان يشهدان للشافعية
ولو قال القائل إن تتجر إن تربح في تجارتك فتصدق بدينار لكان كلاما عربيا مع أن المتقدم في اللفظ متقدم في الوقوع وكذلك إن طلقت المرأة إن انقضت عدتها حل لها الزواج فالمتقدم لفظا متقدم في الوقوع ولما كانت المواد تختلف في ذلك والجميع كلام عربي جعله مالك سواء لأن الأصل عدم سببية الثاني في الأول بل الثاني لا بد منه في وقوع ذلك المشروط تقدم أو تأخر

هامش أنوار البروق
قال المسألة السابعة قال مالك في التهذيب إن فعلت كذا فعلي الطلاق إن شاء الله لا ينفعه الاستثناء قال ابن يونس قال عبد الملك إن أعاده على الفعل دون الطلاق نفعه إلى آخر نقل الأقوال قلت ذلك نقل لا كلام فيه

هامش إدرار الشروق
لسبب أدخل عليه الشك وصورة الوجه الثالث أن يشك هل طلق أم لا وهل حلف وحنث أو لم يحلف لسبب أدخل عليه الشك فقال ابن القاسم يؤمر بالطلاق
وقال أصبغ لا يؤمر به وصورة الوجه الرابع أن يطلق فلا يدري إن كان طلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا أو يحلف ويحنث ولا يدري إن كان حلف بطلاق أو بمشي أو يقول امرأتي طالق إن كانت فلانة حائضا فتقول لست بحائض أو إن كان فلان يبغضني فيقول أنا أحبك ويزعم أنه قد صدقه ولا يدري حقيقة ذلك والخلاف في المسألة الأولى من قول ابن القاسم ومن قول ابن الماجشون وفي الثانية بين ابن القاسم وأصبغ وصورة الوجه الخامس أن يقول امرأتي طالق إن كان أمس كذا وكذا لشيء يمكن أن يكون وأن لا يكون ولا طريق إلى استعلامه وأن يشك في أي امرأة من امرأتيه طلق فإنه يجبر على فراقهما جميعا ولا يجوز له أن يقيم على واحدة منها والشك في مسألتنا من قبيل هذا الوجه الخامس كما لا يخفى فانظر كيف يتأتى فيه جريان أصل عبد الملك من إلغاء الشك واستصحاب العصمة مع حكاية ابن رشد في البيان الاتفاق فيه على الجبر على الطلاق فتأمل ذلك بإنصاف وحرر والله سبحانه وتعالى أعلم
المسألة الثامنة لتعدد الشرط اللغوي مع اتحاد الجواب ثلاثة أقسام القسم الأول تعدده كذلك بدون عطف مع تكرر حرف الشرط ويسميه الفقهاء تعليق التعليق والنحاة اعتراض الشرط على الشرط وقد أفرد بالتأليف نحو أنت طالق إن كلمت زيدا إن دخلت الدار وهو يحتمل كما قال ابن الحاجب أربعة أوجه
____________________

(1/146)


فائدة قال ابن مالك في شرح مقدمته لما ذكر هذه المادة وهي اعتراض الشرط على الشرط قال الشرط الثاني لا جواب له وإنما الجواب للأول خاصة والثاني جرى مع الأول مجرى الفضلة والتتمة كالحال وغيرها من الفضلات وصدق رحمه الله فإن هذا الشرط الثاني إنما اعتباره في الأول لا في الطلاق الذي جعل مشروطا فذكر الشرط الأول سد مسد جوابه
فائدة فإن نسق هذا النسق عشرة شروط فأكثر فعلى رأي الشافعية لا بد أن ينعكس هذا العدد كله على ترتيبه كما تقدم في السؤال والوعد والعطية لأن العاشر سبب في التاسع فيقع قبله والتاسع سبب في الثامن فيقع قبله والثامن سبب في السابع فيقع قبله وكذلك البقية فلا بد أن يكون وقوعها هكذا العاشر ثم التاسع ثم الثامن ثم السابع
هامش أنوار البروق
قال اعلم أن هذه المواضع لا يدرك حقيقتها إلا الفحول من العلماء أو من يفتح الله عليه من نفس فضله وسعة رحمته قلت ما قاله في ذلك صحيح والله أعلم
قال إذا تقررت هذه القاعدة فنقول قول عبد الملك إن أعاده على الفعل نفعه معناه إن أراد أن ذلك الفعل المعلق عليه لم أجزم بجعله سببا إلى قوله فلا يلزم به شيء إجماعا
قلت قول القائل إن فعلت كذا فعلي الطلاق إن شاء الله لا يخلو من أن يريد إعادة الاستثناء إلى الطلاق المعلق على ذلك أو إلى الفعل فإن أعاده على الطلاق فقد سبق في مسألة أنت طالق إن شاء الله أن الصحيح لزوم الطلاق وأن الاستثناء لا ينفعه وهذا المعلق كذلك وإن أعاده إلى الفعل المعلق عليه الطلاق فإن أراد معناه الظاهر وهو إن شاء الله تعالى أن أفعل ذلك الفعل فإذا فعله فقد شاء الله تعالى فعله فيلزم الطلاق كما قال مالك ومن وافقه وإن أراد ما قاله شهاب الدين وتأوله على عبد الملك وزعم أنه لا يلزمه شيء إجماعا فليس بالظاهر بل هو معنى متكلف ومع ذلك فلقائل أن يقول إنه استثناء لا يفيد عدم لزوم الطلاق بل يفيد لزومه من جهة أن معنى الكلام أن ذلك تفويض سببية هذا الكلام إلى مشيئة الله تعالى وقد جعله الله تعالى سببا بتسويغه للمتكلم أن يجعله سببا
هامش إدرار الشروق
الوجه الأول أن يجعل الجواب لهما معا ولا سبيل إليه لما يلزم من اجتماع عاملين على معمول واحد الوجه الثاني أن لا يجعل جوابا لواحد منهما ولا سبيل إليه لما يلزم من الإتيان بما لا دخل له في الكلام وترك ما له دخل وهو عبث الوجه الثالث أن يجعل جوابا للثاني دون الأول ولا سبيل إليه لأنه يلزم أن يكون الثاني وجوابه جوابا للأول وحينئذ يلزم الإتيان بالفاء الرابطة ولا فاء الوجه الرابع وهو المتعين أن يكون جوابا للأول وهو وجوابه دليل جواب الثاني وهو رأي الفراء واقتصر في المغني وابن مالك في التسهيل عليه
وذكر ابن هشام النحوي في حواشي الألفية عن الفراء أنه سأل الفقهاء عن هذه المسألة فاختلفوا عليه فقال بعضهم لا تطلق إلا بوقوع الشرطين مرتين كترتيبهما في
____________________

(1/147)


ثم السادس ثم الخامس إلى الأول فيقع آخرا ومتى اختل ذلك في الوقوع اختل المشروط وعلى رأي المالكية لا بد من وقوع الجميع كيفما وقعت يقع
تفريع أذكر فيه المعطوفات من الشروط فإن قال إن أكلت وإن لبست فأنت طالق فلا ترتيب بين هذين الشرطين باتفاق الفرق بل أيهما وقع قبل صاحبه اعتبر ولا بد من وقوع الآخر بعده فإنهما معا جعلا شرطين في الطلاق ولم يجعل أحدهما شرطا في الآخر
والجواب لهما معا بخلاف القسم الأول الجواب للأول فقط فإن قال إن أكلت فلبست فأنت طالق تعين أن يكون المتأخر متأخرا والمتقدم متقدما عكس المنسوق بغير حرف العطف وهو كقوله تعالى فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب فالزنى منهن متأخر كما هو في اللفظ وكذلك إن أكلت ثم لبست وإن أكلت حتى إن لبست يقتضي اللفظ تأخير اللبس مع تكرر الأكل قبله لأن القاعدة أن المغيا لا بد أن يثبت قبل الغاية ويتكرر إليها وإن أكلت بل إن لبست فأنت طالق لا يلزمه الطلاق إلا باللبس وقد ألغي الأكل بالإضراب عنه ببل والشرط الثاني
هامش أنوار البروق
وقد جعله كذلك بالتعليق عليه كما سوغ له وما أرى عبد الملك راعى هذا المعنى المتكلف بل رأى أن استثناء مشيئة الله تعالى يكون رافعا لحكم التعليق كرفعه لحكم اليمين والله أعلم
قال ولا يكون هذا خلافا لمالك وابن القاسم مع أن صاحب المقدمات حكاه خلافا قلت صاحب المقدمات أمس بتحقيق هذا العلم ومعرفة الخلاف فيه من الوفاق

هامش إدرار الشروق
الذكر وقيل بشرط انعكاس الترتيب وقيل تطلق بهما مطلقا وقيل بوقوع أي شرط كان واختار الفراء الثاني ووجهه بالوجه الرابع الذي رآه والحق أن الوجه الرابع يصلح توجيها لكل من القول الثاني وهو مذهب الشافعي والقول الثالث وهو مذهب الإمام مالك واختاره إمام الحرمين من الشافعية وذلك لأن مذهب الشافعي مبني على أن استقبال الفعل الأول باعتبار زمن الثاني لتوقفه عليه ومذهبنا مبني على أن استقبال كل من الفعلين باعتبار زمن التكلم وهو الظاهر لأن المتوقف على الثاني إنما هو لزوم حكم التعليق لا المعلق عليه كما في البناني على عبق
وضابط مذهب الشافعي أن الشروط إن وقعت كما نطق بها لم تطلق وأن عكسها المتقدم متأخر والمتأخر متقدم طلقت قال الشيخ أبو إسحاق في المهذب في المثال المار إن دخلت الدار ثم كلمت زيدا طلقت وإن كلمت زيدا أولا ثم دخلت الدار لم تطلق لأنه جعل دخول الدار شرطا في كلام زيد فوجب تقديمه عليه وإن قال إن أعطيتك إن وعدتك إن سألتني فأنت طالق لم تطلق حتى يوجد السؤال ثم الوعد ثم العطاء لأنه شرط في الوعد العطية وشرط في العطية السؤال وكان معناه إن سألتني فوعدتك فأعطيتك فأنت طالق وافقه الغزالي على ذلك في الوسيط ولم يحكيا خلافا وعليه إذا نسق هذا النسق عشرة شروط فأكثر فلا بد في لزوم الطلاق من أن يقع العاشر أولا ثم التاسع إلى الأول فيقع آخرا لأن العاشر سبب في التاسع فيقع قبله وهكذا ومتى اختل ذلك في الوقوع اختل المشروط فلا يقع ومدركهم قاعدتان الأولى أن الشروط اللغوية أسباب يلزم من وجودها الوجود ومن عدمها العدم
والقاعدة الثانية أن تقدم المسبب على سببه لا يعتبر كالصلاة قبل الزوال فإذا قال إن كلمت زيدا إن دخلت
____________________

(1/148)


وحده وإن لم تأكلي لكن إن لبست فأنت طالق فالشرط الثاني وحده وقد ألغي الأول بلكن لأنها للاستدراك وإن أكلت لا إن لبست فأنت طالق فالشرط الأول وحده ولا تطلق إلا به لأن لا لإبطال الثاني وإن أكلت أو لبست فأنت طالق فالشرط أحدهما لا بعينه فأيهما وقع لزم به الطلاق وكذلك أنت طالق أما إن أكلت وأما إن شربت أي تعليق طلاقه متنوع بهذين النوعين فيلزم الطلاق بأحدهما ولم يبق من حروف العطف إلا أم وهي متعذرة في هذا الباب لأنها للاستفهام والمستفهم غير جازم بشيء والمعلق لا بد أن يكون جازما فالجمع بينهما محال وقد ذكر الشيخ أبو إسحاق في المهذب هذه الفروع بالواو والفاء وثم وصرح في الواو بأنها تطلق بكل واحد منهما طلقة قال لأن حروف الشرط قد تكرر
هامش أنوار البروق
قال وقال الحق عدم اللزوم قياسا على اليمين بالله تعالى إذا أعاد الاستثناء على الفعل قلت بل الحق اللزوم كما سبق والقياس الذي ذكره ليس بصحيح للفرق بينهما وهو أن القائل إذا قال والله لأفعلن إن شاء الله ورد الاستثناء إلى الفعل فإذا فعل ذلك الفعل فقد شاء الله تعالى وبر في يمينه وإن لم يفعله فهو بار أيضا لأنه علق المحلوف عليه على المشيئة للفعل ولم يقع الفعل فلم تتعلق به المشيئة والقائل إذا قال إن فعلت كذا فعلي الطلاق إن شاء الله ورد الاستثناء إلى الفعل فإذا فعل ذلك الفعل فقد شاء الله فإنه لا يقع شيء إلا بمشيئته ويلزم مقتضى التعليق لوقوع المعلق عليه والله أعلم
قال وهذا يشعر بأن ابن القاسم يوافق في اليمين بالله تعالى ويخالف في الطلاق فيكون هذا إشكالا آخر
هامش إدرار الشروق
الدار فمعناه عندهم أني جعلت كلام زيد سبب طلاقك وشرطه اللغوي غير أني قد جعلت سبب اعتباره والشرط فيه دخول الدار فإن وقع الكلام أولا فلا تطلق به لأنه وقع قبل سبب اعتباره فيلغى كالصلاة قبل الزوال فلا بد من إيقاعه بعد دخول الدار حتى يقع بعد سببه فيعتبر كالصلاة بعد الزوال
ويشهد لمذهبهم من القرآن قوله تعالى في سورة هود ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون فإن إرادة الله تعالى متقدمة على إرادة البشر من الأنبياء وغيرهم فالمتقدم لفظا متأخر وقوعا ولا يمكن خلاف ذلك ومن الشعر قول ابن دريد فإن عثرت بعدها إن والت نفسي من هاتا فقولا لا لعا وقول الشاعر إن تستغيثوا بنا إن تذعروا تجدوا منا معاقل عز زانها كرم إذ معلوم أن العثور مرة ثانية إنما يكون بعد الخلوص من الأول فالمتقدم لفظا متأخر وقوعا وأن الاستغاثة إنما تكون بعد الذعر فالمتقدم لفظا متأخر معنى وضابط مذهبنا وإمام الحرمين أن الشروط إذا وقعت معا على ترتيبها في التعليق أو على عكسه طلقت قال خليل في مختصره وإن قال إن كلمت إن دخلت لم تطلق إلا بهما قال عبق أي معا على ترتيبهما في التعليق أو على عكسه ا ه فإذا قال إن أعطيتك إن وعدتك إن سألتني فأنت طالق طلقت بوجود الثلاثة على الترتيب أو على عكسه وإذا نسق هذا النسق عشرة شروط
____________________

(1/149)


فوجب لكل واحد منهما جزاء فتطلق بكل واحد منهما طلقة وما قاله غير لازم بل يكون حرف العطف يقتضي مشاركة الثاني للأول في أنه شرط في هذا الجزاء والتشريك بالعاطف إنما يقتضي أصل المعنى دون متعلقاته وظروفه وأحواله فإذا قلت مررت بز