ج1. الفروق
أو أنوار البروق في أنواء الفروق (مع الهوامش )
أبو العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي
سنة الولادة بلا/ سنة الوفاة 684هـ
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وسلم
الحمد لله فالق الإصباح وفارق أهل الغي من أهل الصلاح وسائق السحاب الثقال بهبوب
الرياح ومنزل الفرقان على عبده يوم الكفاح ببيض الصفاح محذرا من دار البوار وحاثا
على دار الفلاح المنزه في عظيم علائه عن مشابهة الأرواح ومشاكلة الأشباح وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة زاكية الأرباح يوم القداح
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله والحرمات تستباح وحزب الكفر قد عم الفجاج
والبطاح فلم يزل صلى الله عليه وسلم يرشد إلى الحق بالحجاج الوضاح وسمهرية الرماح
حتى أعلن مناديه في ناديه وباح وظهر دين الله على جميع الأديان فطار في الآفاق
بقادمة كقادمة الجناح صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه ومحبيه ما أزال
الظلم الحنادس ضوء الصباح صلاة نحوز بها أعلى رتب النجاح ونخلص بها من دركات الإثم
والجناح
أما بعد فإن الشريعة المعظمة المحمدية زاد الله تعالى منارها شرفا وعلوا اشتملت
هامش أنوار البروق
قال الشيخ الفقيه العلامة المتكلم الأستاذ الأوحد أبو القاسم قاسم بن عبد الله بن
محمد بن محمد الأنصاري المعروف بابن الشاط رحمه الله تعالى آمين
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله المنفرد بالجلال والكمال المنزه عن الأكفاء
والنظراء والأشباه والأمثال والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد
المصطفى من الإرسال وعلى آله وصحبه خير صحب وخير آل
أما بعد فإني لما طالعت كتاب الإمام شهاب الدين أبي العباس أحمد بن إدريس القرافي
هامش إدرار الشروق
بسم الله الرحمن الرحيم حمدا لمن أنزل الفرقان على سيدنا محمد سيد ولد عدنان فارقا
به بين الحق الموجب للرضوان والباطل الموجب للخسران ولم يزل يرشد إلى الحق المبين
به وبما بلغه من واضح البراهين حتى ظهر دين الله على جميع الأديان صلى الله وسلم
عليه وعلى آله الطاهرين وأصحابه الباذلين نفوسهم في تشييد قواعد الدين ومعالم
الإيمان
أما بعد فيقول تراب أقدام السادة العلماء والقادة النجباء الأتقياء العبد الحقير
المعترف بذنبه المفتقر إلى عفو ربه محمد علي بن حسين المكي المالكي إن كتاب أنوار
البروق في أنواء الفروق للعلامة
____________________
(1/5)
على أصول وفروع وأصولها قسمان أحدهما المسمى بأصول الفقه
وهو في غالب أمره ليس فيه إلا قواعد الأحكام الناشئة عن الألفاظ العربية خاصة وما
يعرض لتلك الألفاظ من النسخ والترجيح ونحو الأمر للوجوب والنهي للتحريم والصيغة
الخاصة للعموم ونحو ذلك وما خرج عن هذا النمط إلا كون القياس حجة وخبر الواحد
وصفات المجتهدين والقسم الثاني قواعد كلية فقهية جليلة كثيرة العدد عظيمة المدد
مشتملة على أسرار الشرع وحكمه لكل قاعدة من الفروع في الشريعة ما لا يحصى ولم يذكر
منها شيء في أصول الفقه
وإن اتفقت الإشارة إليه هنالك على سبيل الإجمال فبقي تفصيله لم يتحصل وهذه القواعد
مهمة في الفقه عظيمة النفع وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه ويشرف ويظهر رونق
الفقه ويعرف وتتضح مناهج الفتاوى وتكشف فيها تنافس العلماء وتفاضل الفضلاء وبرز
القارح على الجذع وحاز قصب السبق من فيها برع ومن جعل يخرج
هامش أنوار البروق
المالكي رحمه الله تعالى المسمى بأنوار البروق في أنواء الفروق ألفيته قد حشد فيه
وحشر وطوى ونشر وسلك السهول والنجود وورد البحور والثمود خلا أنه ما استكمل
التصويب والتنقيب ولا استعمل التهذيب والترتيب فانتسب بسبب ذينك الأمرين إلى
الإخلال بواجبين واحتجب لا مع بروقه منها بحاجبين ولما كان الأول منهما في مرتبة
الضروريات والثاني في درجة الحاجيات وضعت كتابي هذا لما اشتمل عليه من الصواب
مصححا ولما عدل به عن صوبه منقحا وأضربت عما سوى ذلك مؤثرا للضروري على الحاجي
ومرجحا ولما شرفت أنوار هذا المجموع وأشرقت فلاحت كالشمس المضحية في الوضوح ووقفت
أمامها لوامع الخلب من تلك البروق لما ضمنه من
هامش إدرار الشروق
شهاب الدين أبي العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي المشهور بالقرافي بين الناس لما
امتاز بوضعه في الفروق بين القواعد لا في الفروق بين الفروع كما هو عادة الفضلاء
الأماجد لما له على غيره من شرف السماء ما للأصول على الفروع من شرف الارتقاء إلا
أنه لم يستكمل التصويب والتنقيب ولم يستعمل التهذيب والترتيب فوفق الله الإمام
العلامة أبا القاسم المعروف بابن الشاط قاسم بن عبد الله الأنصاري الحقيق
بالاغتباط لتنقيح ما عدل به عن صوب الصواب وتصحيح ما اشتمل عليه من صواب في حاشية
إدرار الشروق على أنواء الفروق عن لي وإن كنت لست أهلا لذلك ولا من رجال هذه
المهامه والمسالك أن ألخصه مع التهذيب والترتيب والتوضيح مراعيا ما حرره ذلك
المفضال من التصحيح والتنقيح لقول أهل التحري والاحتياط عليك بفروق القرافي
ولا تقبل منها إلا ما قبله ابن الشاط كما في ضوء الشموع للعلامة الأمير على شرحه
على المجموع مع ما يفتح الله به علي مما تتم به الإفادة من جواب إشكال ترك جوابه
أو زيادة رجاء من مفيض الإحسان أن يجعله سببا للعفو والغفران
____________________
(1/6)
الفروع بالمناسبات الجزئية دون القواعد الكلية تناقضت عليه
الفروع واختلفت وتزلزلت خواطره فيها واضطربت وضاقت نفسه لذلك وقنطت واحتاج إلى حفظ
الجزئيات التي لا تتناهى وانتهى العمر ولم تقض نفسه من طلب مناها ومن ضبط الفقه
بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات لاندراجها في الكليات واتحد عنده ما تناقض
عند غيره
هامش أنوار البروق
الخروج عن صوب الصواب والمروق موقف المفضوح سميته بكتاب إدرار الشروق على أنواء
الفروق ليوافق اللفظ المعنى ويطابق الاسم المسمى والله تعالى أرجو أن يجعله من
أليم العتاب يوم الحساب آمنا ولجسيم الثواب عند المآب ضامنا بمنه وكرمه
قال شهاب الدين
هامش إدرار الشروق
وسميتها بتهذيب الفروق والقواعد السنية في الأسرار الفقهية ورتبته على مقدمة وعلى
فروق تشتمل على نحو خمسمائة وثمانية وأربعين قاعدة موضحة بما يناسبها من الفروع
ليزداد انشراح القلب لغيرها فتتم الفائدة وتلك الفروق منها ما هو واقع بين فرعين
يحصل بيانه بذكر ما هو المقصود من قاعدة أو قاعدتين ومنها ما هو واقع بين قاعدتين
مقصود تحقيقهما بالسؤال عن الفرق بينهما نظرا لكون تحقيقهما بذلك أولى بلا إباء من
تحقيقهما بغير ذلك لدى النبلاء لأن لضده الثناء وبضدها تتميز الأشياء
مقدمة في فائدتين الأولى اعلم أن الشريعة المعظمة المحمدية قد اشتملت على أصول قسمان
أحدهما المسمى بأصول الفقه وهو غالب أمره ليس فيه إلا قواعد الأحكام الناشئة عن
الألفاظ العربية خاصة وما يعرض لتلك الألفاظ من النسخ والترجيح ونحو الأمر للوجوب
والنهي للتحريم والصيغة الخاصة للعموم ونحو ذلك وما خرج عن هذا النمط إلا كون
القياس حجة وخبرا لواحد وصفات المجتهدين كما في الأصل
قلت وتوضيح ذلك أن الطرق التي منها تلقيت الأحكام عن النبي عليه الصلاة والسلام
وإن كانت ثلاثة لفظا وفعلا وإقرارا إلا أن غالب قواعد أصول الفقه إنما نشأت من
طريق اللفظ لأن الألفاظ التي تتلقى منها الأحكام أربعة أصناف ثلاثة متفق عليها
الأول لفظ عام يحمل على عمومه أو خاص يحمل على خصوصه والثاني لفظ عام يراد به
الخصوص والثالث لفظ خاص يراد به العموم وفي هذا يدخل التنبيه بالمساوي على المساوي
وبالأعلى على الأدنى وبالأدنى على الأعلى كقوله تعالى فلا تقل لهما أف فقد فهم منه
تحريم الضرب والشتم وما فوق ذلك
وهذه الأصناف الثلاثة إما أن تأتي بصيغة الأمر أو بصيغة الخبر يراد به الأمر
فتستدعي الفعل وفي حمل هذا الاستدعاء على الوجوب إن فهم منه الجزم وتعلق العقاب
بالترك أو على الندب إن فهم منه الثواب على الفعل وانتفاء العقاب مع الترك أو
يتوقف حتى يدل الدليل على أحدهما خلاف بين العلماء مذكور في كتب أصول الفقه وإما
أن تأتي بصيغة النهي أو بصيغة الخبر يراد به النهي فتستدعي الترك وفي حمل هذا
الاستدعاء على التحريم إن فهم منه الجزم وتعلق العقاب بالفعل أو على الكراهة إن
فهم منه الحث على تركه من غير تعلق العقاب بفعله أو يتوقف حتى يدل الدليل على
أحدهما خلاف كذلك
والأعيان التي يتعلق بها الحكم إما أن يدل عليها بلفظ يدل على معنى واحد فقط وهو
الذي يعرف في أصول الفقه بالنص
____________________
(1/7)
وتناسب
وأجاب الشاسع البعيد وتقارب وحصل طلبته في أقرب الأزمان وانشرح صدره لما أشرق فيه
من البيان فبين المقامين شأو بعيد وبين المنزلتين تفاوت شديد وقد ألهمني الله
تعالى بفضله أن وضعت في أثناء كتاب الذخيرة من هذه القواعد شيئا كثيرا مفرقا في
أبواب الفقه كل قاعدة في بابها وحيث تبنى عليها فروعها
ثم أوجد الله تعالى في نفسي أن تلك القواعد لو اجتمعت في كتاب وزيد في تلخيصها
وبيانها والكشف عن أسرارها وحكمها لكان ذلك أظهر لبهجتها ورونقها وتكيفت نفس
الواقف عليها بها مجتمعة أكثر مما إذا رآها مفرقة وربما لم يقف إلا على اليسير
منها هنالك لعدم استيعابه
هامش أنوار البروق
فارغة
هامش إدرار الشروق
ولا خلاف في وجوب العمل به وإما أن يدل عليها بلفظ يدل على أكثر من معنى واحد وهذا
إما أن تكون دلالته على تلك المعاني بالسواء وهو الذي يعرف في أصول الفقه بالمجمل
ولا خلاف في أنه لا يوجب حكما وإما أن تكون دلالته على بعض تلك المعاني أكثر من
بعض ويسمى بالإضافة إلى البعض الأكثر ظاهرا وإلى البعض الأقل محتملا ويحمل على
البعض الأكثر إذا ورد مطلقا ولا يحمل على البعض الأقل إلا بدليل فيعرض حينئذ خلاف
الفقهاء في أقاويل الشارع من قبل ثلاثة معان من قبل الاشتراك في لفظ العين الذي
علق به الحكم ومن قبل الاشتراك في الألف واللام المقرونة بجنس ذلك العين هل أريد
بها الكل أو البعض ومن قبل الاشتراك الذي في ألفاظ الأوامر والنواهي وصنف رابع
مختلف فيه وهو أن يفهم من إيجاب الحكم لشيء ما نفى ذلك عما عدا ذلك الشيء ومن نفى
الحكم لشيء ما إيجابه لما عدا ذلك الشيء الذي نفى عنه
وهو الذي يعرف بدليل الخطاب مثل قوله عليه الصلاة والسلام في سائمة الغنم الزكاة
فإن قوما فهموا منه أن لا زكاة في غير السائمة أو نشأت مما يعرض لتلك الألفاظ من
النسخ أي جوازه وكونه ينقسم إلى أقسام أحدها نسخ الكتاب بالكتاب كحكم والذين
يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج بحكم والذين
يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا لتأخرها نزولا وإن
تقدمت تلاوة وثانيها نسخ السنة بالسنة كحديث كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها
وثالثها السنة بالكتاب كحكم استقبال بيت المقدس الثابت بالسنة الفعلية باستقبال
الكعبة الثابت بقوله تعالى فول وجهك شطر المسجد الحرام ورابعها الكتاب بالسنة ولو
آحادا على الصحيح خلافا لمن منعه إما لأن القطعي متن القرآن لا دلالته وإما لأنه
لا مانع من نسخه بالآحاد وإن كانت دلالته قطعية كآية الاستقبال نعم الحق أنه لم
يقع إلا بالسنة المتواترة كجواز الوصية للوالدين والأقربين بحديث لا وصية لوارث
وينقسم أيضا إلى ما نسخت تلاوته وحكمه جميعا نحو عشر رضعات محرمات كان مما يتلى
فنسخت بخمس معلومات وما نسخت تلاوته دون حكمه نحو الشيخ والشيخة إذا زنيا
فارجموهما ألبتة نكالا من الله والله عزيز حكيم كان مما يتلى فرجم النبي صلى الله
تعالى عليه وسلم المحصنين وما نسخ حكمه دون تلاوته كآية والذين يتوفون منكم ويذرون
أزواجا الآية نسخ بأربعة أشهر وعشرا
وينقسم أيضا إلى النسخ إلى بدل كما في آيتي الأنفال وإلى غير بدل
____________________
(1/8)
لجميع أبواب الفقه وأينما يقف على قاعدة ذهب عن خاطره ما
قبلها بخلاف اجتماعها وتظافرها فوضعت هذا الكتاب للقواعد خاصة وزدت قواعد كثيرة
ليست في الذخيرة وزدت ما وقع منها في الذخيرة بسطا وإيضاحا فإني في الذخيرة رغبت
في كثرة النقل للفروع لأنه أخص بكتب الفروع وكرهت أن أجمع بين ذلك وكثرة البسط في
المباحث والقواعد فيخرج الكتاب إلى حد يعسر على الطلبة تحصيله أما هنا فالعذر زائل
والمانع ذاهب فأستوعب ما يفتح الله به إن شاء الله تعالى وجعلت مبادئ المباحث في
القواعد بذكر الفروق والسؤال عنها بين فرعين أو قاعدتين فإن وقع السؤال عن الفرق
بين الفرعين فبيانه بذكر قاعدة أو قاعدتين يحصل بهما الفرق
وهما المقصودتان وذكر الفرق وسيلة لتحصيلهما وإن وقع السؤال عن الفرق بين
هامش أنوار البروق
فارغة
هامش إدرار الشروق
كقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة
فإن وجوب تقديم الصدقة على الفقراء بما تيسر على مناجاته صلى الله تعالى عليه وسلم
تقربا إلى الله تعالى ليطهره حتى يكون أهلا لمناجاته صلى الله تعالى عليه وسلم
ونسخ بلا بدل لاستلزامه قلة الأسئلة فإن في السكوت رحمة كما ورد اتركوني ما تركتكم
إن الله سكت عن أشياء رحمة لكم وقد شدد بنو إسرائيل في السؤال عن البقرة فشدد
عليهم بضيق صفاتها حتى غلت
والحق أن هذا القسم لم يقع وفاقا للشافعي رضي الله تعالى عنه والبدل في هذه الآية
الجواز المطلق الصادق بالإباحة والاستحباب ومما يعرض لها من الترجيح عند تعارض
الأمور الخمسة التي تخل بالفهم اليقيني المنظومة مع إضافة النسخ إليها في قول
بعضهم مرجحا التجوز على الإضمار على خلاف الأصح من استوائهما تجوز ثم إضمار
وبعدهما نقل تلاه اشتراك فهو يخلفه وأرجح الكل تخصيص وآخرها نسخ فما بعده قسم
يخلفه ولو جرى على الأصح من استواء التجوز والإضمار لقال تجوز مثل إضمار وبعدهما
إلخ ويتحصل في تعارضها عشر صور هي تعارض التخصيص والتجوز تعارض التخصيص والإضمار
تعارض التخصيص والنقل تعارض التخصيص والاشتراك فيقدم التخصيص في هذه الأربع لأنه
أولى تعارض التجوز والاشتراك تعارض الإضمار والاشتراك تعارض النقل والاشتراك فيقدم
كل من التجوز والإضمار والنقل على الاشتراك في هذه الثلاث تعارض التجوز والإضمار
تعارض التجوز والنقل تعارض الإضمار والنقل والأصح استواء التجوز والإضمار
وتقديمهما على النقل في هذه الثلاث وأمثلتها تطلب من كتب الأصول
والفرق بين المنقول والمشترك مع تعدد المعنى والوضع في كل أن المشترك ما وضع
لمعنييه مثلا على السواء بأن وضع لهذا كما وضع لذاك من غير اعتبار النقل من أحدهما
إلى الآخر وفي جواز حمله عليهما عند الإطلاق فيسمى مشتركا مطلقا وعدم جوازه فلا
يسمى مشتركا إلا بالنسبة إلى المعنيين مثلا
وأما بالنسبة إلى أحدهما فيسمى مجملا خلاف والمنقول ما لم يوضع لمعنييه مثلا على
السواء بل وضع أولا لأحدهما ثم نقل إلى الآخر لمناسبة بينهما مع هجر المعنى الأول
والمراد بالتجوز التجوز الاصطلاحي الذي هو استعمال اللفظ في غير ما وضع له إلخ فلا
يشمل الإضمار وجعل التخصيص مقابلا للتجوز لا نوعا منه مبني على ما اختاره تقي
الدين السبكي من أن العام إذا خص يكون حقيقة في الباقي لا على قول الأكثر أنه يكون
مجازا فيه وإنما تعرضوا
____________________
(1/9)
القاعدتين فالمقصود تحقيقهما ويكون تحقيقهما بالسؤال عن
الفرق بينهما أولى من تحقيقهما بغير ذلك فإن ضم القاعدة إلى ما يشاكلها في الظاهر
ويضادها في الباطن أولى لأن الضد يظهر حسنة الضد وبضدها تتميز الأشياء وتقدم قبل
هذا كتاب لي سميته كتاب الأحكام في الفرق بين الفتاوى والأحكام وتصرف القاضي
والإمام ذكرت في هذا الفرق أربعين مسألة جامعة لأسرار هذه الفروق وهو كتاب مستقل
يستغنى به عن الإعادة هنا فمن
هامش أنوار البروق
فارغة
هامش إدرار الشروق
لتعارض هذه الخمسة فقط لأنها من عوارض اللفظ دون النسخ فإنه من عوارض الحكم وأيضا
قال العطار على محلي جمع الجوامع ولهم خمسة أخرى تخل بالفهم وهي النسخ والتقديم
والتأخير وتغير الإعراب والتصريف والمعارض العقلي واقتصر الشارح كالمصنف على
الخمسة الأولى لكثرة وقوعها ولقوة الظن مع انتفائها
ا ه ومما يعرض لها أيضا من كون المعاني المتداولة المتأدية من هذه الأصناف اللفظية
إجمالا إما أمر بشيء فيكون للوجوب أو للندب على ما مر وإما نهي عن شيء فيكون
للتحريم أو للكراهة على ما مر أيضا وإما تخيير فيه وهو المباح فأصناف الأحكام
الشرعية المتلقاة من هذه الأصناف اللفظية خمسة ومن كون أسباب الاختلاف في تأدية
هذه الأحكام من الأصناف اللفظية ستة أحدها تردد الألفاظ بين هذه الأصناف الأربعة
أي كون اللفظ عاما يراد به الخاص أو خاصا يراد به العام أو عاما يراد به العام أو
خاصا يراد به الخاص أو يكون له دليل الخطاب أو لا يكون له والثاني الاشتراك الحاصل
إما في اللفظ المفرد كالقرء يطلق على الأطهار والحيض والأمر يحمل على الوجوب أو
الندب والنهي يحمل على التحريم أو الكراهة
وأما في اللفظ المركب مثل قوله تعالى إلا الذين تابوا يحتمل أن يعود على الفاسق
فقط أو عليه وعلى الشاهد معا فتكون التوبة رافعة للفسق ومجيزة لشهادة القاذف
والثالث اختلاف الإعراب والرابع تردد اللفظ بين حمله على الحقيقة أو على نوع من أنواع
المجاز التي هي إما الحذف وإما الزيادة وإما التأخير وإما التقديم وإما تردده على
الحقيقة أو الاستعارة والخامس إطلاق اللفظ تارة وتقييده تارة مثل إطلاق الرقبة في
العتق تارة وتقييدها بالإيمان تارة والسادس التعارض في الشيئين في جميع أصناف
الألفاظ التي يتلقى منها الشرع الأحكام بعضها مع بعض ومن كون هذه الصيغة الخاصة
للعموم ونحو ذلك وما خرج عن هذا النمط أي عن هذه القواعد التي طريقها اللفظ العربي
خاصة إلا كون القياس حجة فيما سكت عنه الشارع من الأحكام كما للجمهور
ويشهد لثبوته دليل العقل وهو أن الوقائع بين أشخاص الأناسي غير متناهية والنصوص
والأفعال والإقرارات متناهية ومحال أن يقابل ما لا يتناهى بما يتناهى فسقط قول أهل
الظاهر القياس في الشرع باطل وما سكت عنه الشارع فلا حكم له وكون القياس الشرعي
إلحاق الحكم الواجب لشيء ما بالشرع بالشيء المسكوت عنه لشبهه بالشيء الذي أوجب
الشرع له ذلك الحكم أو لعلة جامعة بينهما فهو نوعان قياس شبه وقياس علة وكونه وإن
شارك اللفظ الخاص يراد به العام في إلحاق المسكوت عنه بالمنطوق به يفارقه من جهة
أن الإلحاق فيه من جهة الشبه الذي بينهما لا من جهة دلالة اللفظ وفي الخاص يراد به
____________________
(1/10)
شاء طالع ذلك الكتاب فهو حسن في بابه وعوائد الفضلاء وضع
كتب الفروق بين الفروع وهذا في الفروق بين القواعد وتلخيصها فله من الشرف على تلك
الكتب شرف الأصول على الفروع وسميته لذلك أنوار البروق في أنواء الفروق ولك أن
تسميه كتاب الأنوار والأنواء أو كتاب الأنوار والقواعد السنية في الأسرار الفقهية
كل ذلك لك وجمعت فيه من القواعد خمسمائة وثمانية وأربعين قاعدة أوضحت كل قاعدة بما
يناسبها من الفروع حتى يزداد انشراح القلب لغيرها
فائدة سمعت بعض مشايخي الفضلاء يقول فرقت العرب
بين فرق بالتخفيف وفرق بالتشديد الأول في المعاني والثاني في الأجسام ووجه
المناسبة فيه أن كثرة الحروف عند العرب تقتضي كثرة المعنى أو زيادته أو قوته
والمعاني لطيفة والأجسام كثيفة فناسبها
هامش أنوار البروق
فارغة
هامش إدرار الشروق
العام من جهة دلالة اللفظ عليه وكون تعارضها في أنفسها وتعارضها مع الطرق الثلاث
أعني معارضة القول أو الفعل أو الإقرار للقياس تكون سببا للاختلاف في تأدية هذه
الأحكام من هذه الطرق الأربع
وكون خبر الواحد لا يحتج به إلا إذا اشتهر بعمل عند من يشترط اشتهار العمل فيما
نقل من طريق الآحاد وبخاصة في المدينة كما هو المعلوم من مذهب مالك وبيان صفات
المجتهدين
وأما طريقا الفعل والإقرارات فلا ينشأ من واحد منهما شيء من قواعد الأحكام
المذكورة لأن البحث عن الفعل في كتب الأصول من حيث إنه عند الأكثر من الطرق التي
تتلقى منها الأحكام الشرعية ومن حيث الخلاف في نوع الحكم الذي يدل عليه الفعل هل
الوجوب أو الندب والمختار عند المحققين أنه إن أتى بيانا لمجمل واجب دل على الوجوب
أو لمجمل مندوب دل على الندب وإن لم يأت بيانا لمجمل فإن كان من جنس القربة دل على
الندب أو من جنس المباحات دل على الإباحة
والبحث عن الإقرارات فيها من حيث إنها تدل على الجواز ومن حيث إن معارضة القول أو
الفعل له كمعارضته للقياس ومعارضة القول للفعل تكون سببا للاختلاف في تأدية
الأحكام من الطرق الأربع المذكورة لتلقيها عن النبي عليه الصلاة والسلام وأما
الإجماع فلا يكون إلا مستندا لأحد هذه الطرق الأربع لأنه لو كان أصلا مستقلا لاقتضى
إثبات شرع زائد بعد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم واللازم باطل ا ه ملخصا من
بداية المجتهد لحفيد ابن رشد وعبد السلام والأمير على الجوهرة ورسالة الصبان
البيانية والأنبابي عليها
والقسم الثاني قواعد كلية فقهية جليلة كثيرة العدد عظيمة المدد مشتملة على أسرار الشرع
وحكمه لكل قاعدة من الفروع ما لا يحصى ولم يذكر شيء منها في أصول الفقه على سبيل
التفصيل وإنما أتفقت الإشارة إليه هنالك على سبيل الإجمال وقد وضع المحققون
لتفصيله كتب القواعد مهتمين بتحصيله اهتمامهم بتحصيل الأصول بل هذه القواعد مهمة
عظيمة النفع في الفقه بقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه ويظهر رونق الفقه بلا
تمويه وتتضح مناهج الفتاوى وتنكشف ويحوز قصب السبق من بالبراعة فيها يتصف نعم في
حاشية الرهوني على شرح عبق على خليل أن صاحب الديباج عند ترجمة ابن بشير بن الطاهر
إبراهيم بن عبد الصمد قال ما نصه وكان رحمه الله يستنبط أحكام الفروع من قواعد
أصول الفقه
____________________
(1/11)
التشديد وناسب المعاني التخفيف مع أنه قد وقع في كتاب الله
تعالى خلاف ذلك قال الله تعالى وإذ فرقنا بكم البحر فخفف في البحر وهو جسم
وقال تعالى فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين وجاء على القاعدة قوله تعالى وإن
يتفرقا يغن الله كلا من سعته وقوله تعالى فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء
وزوجه و تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ولا نكاد نسمع من الفقهاء إلا قولهم ما
الفارق بين المسألتين ولا يقولون ما الفرق بينهما بالتشديد ومقتضي هذه القاعدة أن
يقول السائل افرق لي بين المسألتين ولا يقول فرق لي ولا بأي شيء تفرق مع أن كثيرا
يقولونه في الأفعال دون اسم الفاعل وقد آن الشروع في الكتاب مستعينا بالله تعالى
على خلوص النية وحصول البغية وأسأله بعظيم جلاله وكمال علائه أن يجعله نافعا لي
ولعباده وأن ييسر ذلك علي وعليهم بمنه وكرمه إنه على كل شيء قدير
الفرق الأول بين الشهادة والرواية ابتدأت بهذا
الفرق بين هاتين القاعدتين لأني أقمت أطلبه نحو ثمان سنين فلم أظفر به وأسأل
الفضلاء عن الفرق بينهما وتحقيق ماهية كل واحدة منهما فإن كل واحدة منهما
هامش أنوار البروق
الفرق الأول بين الشهادة والرواية قال حاكيا عن
الإمام أبي عبد الله المازري الشهادة والرواية خبران غير أن المخبر عنه إن كان
أمرا عاما لا يختص بمعين فهو الرواية كقوله عليه السلام إنما الأعمال بالنيات
والشفعة فيما لا يقسم لا
هامش إدرار الشروق
وعلى هذا مشى في كتابة التنبيه وهي طريقة نبه الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد على
أنها غير مخلصة والفروع لا يطرد تخريجها على القواعد الأصلية ا ه بلفظه فتنبه
الفائدة الثانية الغالب استعمال العرب فرق بالتخفيف في المعاني وفرق بالتشديد في
الأجسام نظرا لكون كثرة الحروف عندهم تقتضي كثرة المعنى أو زيادته أو قوته غالبا
والمعاني لطيفة يناسبها التخفيف والأجسام كثيفة يناسبها التشديد فمن الغالب قوله
تعالى وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وقوله تعالى فيتعلمون منهما ما يفرقون به
بين المرء وزوجه وقوله تعالى تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ولا تكاد تسمع من
الفقهاء إلا قولهم ما الفارق بين المسألتين ولا يقولون ما المفرق بينهما بالتشديد
ومن غير الغالب قوله تعالى فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين وقوله تعالى وإذ فرقنا
بكم البحر فخفف في الأجسام وكثيرا ما يقول الفقهاء في الأفعال دون اسم الفاعل فرق
لي بين المسألتين ولا يقولون أفرق لي بينهما ويقولون بأي شيء نفرق بينهما بالتشديد
ولا يقولون بأي شيء نفرق بينهما بالتخفيف والله سبحانه وتعالى أعلم
الفرق الأول بين الشهادة والرواية ببيان معناهما أما لغة فالشهادة مصدر شهد ولشهد
في لسان العرب ثلاثة معان أحدها حضر يقال شهد بدرا وشهدنا صلاة العيد قال أبو علي
معنى قوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه من حضر
____________________
(1/12)
خبر فيقولون الفرق بينهما أن الشهادة يشترط فيها العدد
والذكورية والحرية بخلاف الرواية فإنها تصح من الواحد والمرأة والعبد فأقول لهم
اشتراط ذلك فيها فرع تصورها وتمييزها عن الرواية فلو عرفت بأحكامها وآثارها التي
لا تعرف إلا بعد معرفتها لزم الدور وإذا وقعت لنا حادثة غير منصوصة من أين لنا
أنها شهادة حتى يشترط فيها ذلك فلعلها من باب الرواية التي لا يشترط فيها ذلك
فالضرورة داعية لتمييزهما وكذلك إذا رأينا الخلاف في إثبات شهر رمضان هل يكتفى فيه
بشاهد أم لا بد من شاهدين ويقول الفقهاء في تصانيفهم منشأ الخلاف في ذلك هل هو من
باب الرواية أو من باب الشهادة
وكذلك إذا أخبره عدل بعدد ما صلى قالوا ذلك بعينه وأجروا الخلاف فيهما لم تتصور
حقيقة الشهادة والرواية وتميز كل واحدة منهما عن الأخرى لا يعلم اجتماع الشائبتين
منهما في هذه الفروع ولا يعلم أي الشائبتين أقوى حتى يرجح مذهب القائل
هامش أنوار البروق
يختص بشخص معين بل ذلك على جميع الخلق في جميع الأعصار والأمصار بخلاف قول العدل
عند الحاكم لهذا عند هذا دينار إلزام لمعين لا يتعداه إلى غيره فهذا هو الشهادة
المحضة والأول هو الرواية المحضة ثم تجتمع الشوائب بعد ذلك قلت لم يقتصر الإمام في
مفتتح كلامه الذي نقل منه الشهاب ما نقل على الفرق بالعموم والخصوص ولكنه ذكر مع
الخصوص قيدا آخر وهو إمكان الترافع إلى الحكام والتخاصم وطلب فصل القضاء ثم اقتصر
في مختتم كلامه على الخصوص والعموم والأصح اعتبار القيد المذكور ويتضح ذلك بتقسيم
حاصر وهو أن الخبر إما أن يقصد به أن يترتب عليه فصل قضاء وإبرام حكم وإمضاء أو لا
فإن قصد به ذلك فهو الشهادة
وإن لم يقصد به ذلك فإما أن يقصد به ترتب دليل حكم شرعي أو لا فإن قصد به ذلك فهو
الرواية وإلا فهو سائر أنواع الخبر ولا حاجة بنا إلى بيان تفاصيلها لأن المقصود
إنما هو بيان ما يجوز في اصطلاح
هامش إدرار الشروق
منكم المصر في الشهر فليصمه أو من حضر منكم الشهر في المصر فليصمه فإن الصوم لا
يلزم المسافر فالمقصود إنما هو المقيم الحاضر وثانيها أخبر يقال شهد عند الحاكم أي
أخبر فيما يعتقده في حق المشهود له وعليه وثالثها علم قال الله تعالى والله على كل
شيء شهيد أي عليم ووقع التردد لبعض العلماء في كون شهد في قوله تعالى شهد الله أنه
لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم
بمعنى علم لأن الله يعلم ذلك أو بمعنى أخبر لأن الله تعالى أخبر عباده عن ذلك فهو
محتمل للأمرين والرواية مصدر روى بمعنى حمل وتحمل فراوي الحديث حمله وتحمله عن
شيخه فلذا قال بعض أهل اللغة إن إطلاق الراوية على المزادة التي يحمل فيها الماء
على الجمل مجاز مرسل لعلاقة المجاورة لأن الراوية بهاء المبالغة اسم في أصل اللغة
للبعير الذي كثر حمل الماء عليه ففي المصباح روى البعير الماء يرويه من باب رمى
حمله فهو راوية الهاء فيه للمبالغة ثم أطلقت الراوية على كل دابة يستقى الماء عليها
ا ه
وهذا هو الموافق لكون راوية إنما يأتي من الثلاثي قلت وفي حاشية الأنبابي على
بيانية الصبان ومفاد قول ابن سيده الراوية المزاد فيها الماء ويسمى البعير راوية
على تسمية الشيء باسم الشيء لقربه منه ا ه
إن الراوية حقيقة في المزادة مجاز في البعير لعلاقة المجاورة فهو من باب أروى
____________________
(1/13)
بترجيحها ولعل أحد القائلين ليس مصيبا وليس في الفروع إلا
إحدى الشائبتين أو أحد الشبهين والآخر منفي أو الشبهان معا منفيان والقول بتردد
هذه الفروع بينهما ليس صوابا بل يكون الفرع مخرجا على قاعدة أخرى غير هاتين وهذا
جميعه إنما يتلخص إذا علمت حقيقة كل واحدة منهما من حيث هي هي فحينئذ يتصور هنا
اشتراط العدد ولا يقبل في ذلك الفرع العدل الواحد ويعتقد أنه مخرج على الشبهين
المذكورين وأي القولين أرجح إما مع الجهل بحقيقتهما فلا يتأتى شيء من ذلك وتبقى
هذه الفروع مظلمة ملتبسة علينا ولم أزل كذلك كثير القلق والتشوف إلى معرفته ذلك
حتى طالعت شرح البرهان للمازري رضي الله عنه فوجدته ذكر هذه القاعدة وحققها وميز
بين الأمرين من حيث هما واتجه تخريج تلك الفروع اتجاها حسنا
وظهر أي الشبهين أقوى وأي القولين أرجح وأمكننا من قبل أنفسنا إذا وجدنا خلافا
محكيا ولم يذكر سبب الخلاف فيه أن
هامش أنوار البروق
الفقهاء والأصوليين واعتباراتهم ودليل صحة اعتبار القيد المذكور أن المخبر بأن
لزيد قبل عمرو دينارا غير قاصد بذلك الخبر أن يترتب عليه فصل قضاء لا يسمى في عرف
الفقهاء والأصوليين شاهدا على جهة الحقيقة بل يسمى مخبرا وكذلك المخبر عن الأمور
الواقعة التي لا يستفاد منها تعريف دليل حكم شرعي لا يسمى عندهم على جهة الحقيقة
راويا وإن سمي كما في الأقاصيص ونحوها فهو مجاز من جهة أنهم لا يشترطون فيه من
صفات الرواة ما يشترطون في رواة تعريف أدلة الأحكام
قال شهاب الدين ما معناه إن المناسبة بين اشتراط العدد في الشهادة وعدم اشتراطه في
الرواية أن الشهادة لما كان مقتضاها إلزاما لمعين وهو ربما كانت بينه وبين الشاهد
عداوة باطنية لا يطلع الحاكم عليها والعداوة ربما بعثت على إلزام العدو وعدوه ما
لا يلزمه احتاط الشارع باشتراط العدد إبعادا لهذا الاحتمال قلت هذا الذي ذكره مما
يؤكده ما قلته من لزوم اعتبار القيد المذكور من جهة أنه
هامش إدرار الشروق
الرباعي شذوذا إذ قياس اسم الفاعل من أروى مرو لا راوية وظاهر صنيع صاحب القاموس
أنها حقيقة فيهما حيث قال الراوية المزادة فيها الماء والبعير والبغل والحمار
يستسقى عليه الماء ا ه
نعم من اصطلاحاته أنه لا يفرق بين الحقيقة والمجاز فلعل أقوال أهل اللغة فيها
ثلاثة كما يشعر به كلام ابن الطيب في حواشي القاموس
وأما اصطلاحا ففي شرح البرهان للمازري ما يفيد أن الشهادة خبر خاص قصد به ترتيب فصل
القضاء عليه كقول العدل عند الحاكم لهذا عند هذا دينار والرواية خبر عام قصد به
تعريف دليل حكم شرعي كقوله عليه الصلاة والسلام إنما الأعمال بالنيات والشفعة فيما
لا يقسم فلا يسمى في عرف الفقهاء والأصوليين قول المخبر لزيد قبل عمرو دينار غير
قاصد به أن يترتب فصل قضاء عليه شهادة ولا هو شاهد على جهة الحقيقة بل يسمى خبرا
وقائله مخبرا
وكذلك المخبر عن الأمور الواقعة لا يسمى شاهدا كما لا يسمى في عرفهم راويا على جهة
الحقيقة وإن سمي كما في الأقاصيص ونحوها فهو مجاز من جهة أنه لا يشترطون فيه من
صفات الرواية ما يشترطون في رواة تعريف أدلة الأحكام والشهادة بالوقف على الفقراء
والمساكين إلى يوم القيامة والنسب المتفرع بين الأنساب إلى يوم القيامة ونحوهما من
النظائر إنما جاء العموم فيها بطريق العرض
والتبع المقصود بالذات فيها جزئي هو
____________________
(1/14)
نخرجه على وجود الشبهين فيه إن وجدناهما ونشترط ما نشترطه
ونسقط ما نسقطه ونحن على بصيرة في ذلك كله فقال رحمه الله الشهادة والرواية خبران
غير أن المخبر عنه إن كان أمرا عاما لا يختص بمعين فهو الرواية كقوله عليه الصلاة
والسلام إنما الأعمال بالنيات والشفعة فيما لا يقسم لا يختص بشخص معين بل ذلك على
جميع الخلق في جميع الأعصار والأمصار بخلاف قول العدل عند الحاكم لهذا عند هذا
دينار إلزام لمعين لا يتعداه إلى غيره فهذا هو الشهادة المحضة والأول هو الرواية
المحضة ثم تجتمع الشوائب بعد ذلك ووجه المناسبة بين الشهادة واشتراط العدد حينئذ وبقية
الشروط أن إلزام المعين تتوقع فيه عداوة باطنية لم يطلع عليها الحاكم فتبعث العدو
على إلزام عدوه ما لم يكن لازما له
فاحتاط الشارع لذلك واشترط معه آخر إبعادا لهذا الاحتمال فإذا اتفقا في المقال قرب
الصدق جدا بخلاف الواحد ويناسب أيضا اشتراط الذكورية من وجهين
هامش أنوار البروق
إذا لم يكن القصد بالإخبار أن يترتب عليه حكم ولا فصل قضاء لا يحصل مقصود العدو في
عدوه من إلزامه ما لا يلزمه
قال شهاب الدين ويناسب أيضا اشتراط الذكورية من وجهين أحدهما أن إلزام المعين
سلطان قهر تأباه النفوس الأبية وهو من النساء أشد نكاية فخفف ذلك على النفوس بدفع
الأنوثة قلت هذا مناسب كما قال غير أنه يرد عليه النقض بشهادة الأنثى في الأموال
وفي المواطن التي يتعذر فيها اطلاع الرجال لكنه يجاب عنه بإلجاء الضرورة إلى ذلك
والقواعد يستثنى منها محال الضرورات ثم إن الشرع جعل المرأة كالرجل في محل تعذر
اطلاعه الإطلاقي وجعلها مثله بشرط الاستظهار بأخرى في محل تعذر اطلاعه الاتفاقي
لأن إذعان النفوس لمقتضى الضرورات الإطلاقية أشد من إذعانها لمقتضى الضرورات
الاتفاقية
والله أعلم
هامش إدرار الشروق
في الوقف الواقف وإثبات ذلك عليه وليس من لوازم الوقف أن يكون في الموقوف عليه
عموما إذ قد يكون الوقف على معين كعلى ولده أو على زيد ثم من بعده لغيره فالعموم
أمر عارضي ليس متقررا شرعا في أصل هذا وهو في النسب الإلحاق بالشخص المعين أو
استحقاق الميراث للشخص المعين ثم تفرعه بعد ذلك إنما هو من الأحكام الشرعية
التابعة للمقصود بالشهادة كما أن الشهادة إذا وقعت بأن هذا رقيق لزيد قبل فيه
الشاهد واليمين وإن تبع ذلك لزوم القيمة لمن قتله دون الدية وسقوط العبادات عنه
واستحقاق أكسابه للسيد مع أن الشاهد لم يقصد سقوط العبادات عنه وليس سقوطها مما
تدخل فيه الشهادة فضلا عن الشاهد واليمين وكذلك الشهادة بتزويج زيد المرأة المعينة
شهادة بحكم جزئي على المرأة لزوجها المشهود له وهو جزئي وإن تبع ذلك تحريمها على
غيره وإباحة وطئها له مع أن التحريم والإباحة شأنها الرواية دون الشهادة على غير
ذلك من النظائر وبالجملة فالخبر إما أن يقصد به أن يترتب عليه فصل قضاء وإلزام حكم
وإمضاء أو لا فإن قصد به ذلك فهو الشهادة وإن لم يقصد به ذلك فإما أن يقصد به
تعريف دليل حكم شرعي أو لا فإن قصد به ذلك فهو الرواية وإلا فهو سائر أنواع الخبر
ولا حاجة بنا إلى بيان تفاصيلها لأن المقصود إنما هو بيان ما يجوز في اصطلاح الفقهاء
والأصوليين واعتباراتهم
____________________
(1/15)
أحدهما أن إلزام المعين سلطان وغلبة وقهر واستيلاء تأباه
النفوس الأبية وتمنعه الحمية وهو من النساء أشد نكاية لنقصانهن فإن استيلاء الناقص
أشد في ضرر الاستيلاء فخفف ذلك عن النفوس بدفع الأنوثة الثاني أن النساء ناقصات
عقل ودين فناسب أن لا ينصبن نصبا عاما في موارد الشهادات لئلا يعم ضررهن بالنسيان
والغلط بخلاف الرواية لأن الأمور العامة تتأسى فيها النفوس ويتسلى بعضها ببعض فيخف
الألم وتقع المشاركة غالبا في الرواية لعموم التكليف والحاجة فيروى مع المرأة
غيرها فيبعد احتمال الغلط ويطول الزمان في الكشف عن ذلك إلى يوم القيامة فيظهر مع
طول السنين خلل إن كان بخلاف الشهادة تنقضي بانقضاء زمانها وتنسى بذهاب أوانها فلا
يطلع على غلطها ونسيانها ولا يتهم أحد في عداوة جميع الخلق إلى يوم القيامة فلا
يحتاج إلى الاستظهار بالغير فيكفي الواحد
وأما
هامش أنوار البروق
قال شهاب الدين الثاني أن النساء ناقصات عقل ودين فناسب أن لا ينصبن نصبا عاما في
موارد الشهادات لئلا يعم ضررهن بالنسيان والغلط بخلاف الرواية لأن الأمور العامة
تتأسى فيها النفوس ويتسلى بعضها ببعض فيخف الألم وتقع المشاركة غالبا في الرواية
لعموم التكليف والحاجة فيروي مع المرأة غيرها فيبعد احتمال الغلط ويطول الزمان في
الكشف عن ذلك إلى يوم القيامة فيظهر مع طول السبر خلل إن كان بخلاف الشهادة تنقضي
بانقضاء زمانها وتنسى بذهاب أوانها فلا يطلع على غلطها ونسيانها قلت كلامه في هذا
الفصل ضعيف أما قوله فناسب أن لا ينصبن نصبا عاما لئلا يعم ضررهن بالنسيان والغلط
بخلاف الرواية فلا فرق بين الشهادة والرواية في ذلك من جهة أن نقصان عقلهن ودينهن
ثابت لهن في حال الرواية كما أنه ثابت في حال الشهادة ولا يفيد قوله لعموم التكليف
فإن
هامش إدرار الشروق
قلت وقد اشترطوا في الشهادة دون الرواية العدد والذكورية والحرية وجعلوا العدالة
المتضمنة الإسلام والعقل والبلوغ شرطا فيهما
قال التسولي في شرحه على العاصمية ولا يخفى أن العدالة تتضمن الإسلام والعقل
والبلوغ إذ كل عدل مطلقا كان عدل رواية أو شهادة لا بد فيه منها وقت الأداء
والإخبار ا ه
وقبول شهادة الصبيان وكذا رواية الكافر والصبي كما سيأتي عن ابن القصار عن مالك
على خلاف الأصل لإلجاء الضرورة إلى ذلك من جهة لزوم المشقة على تقدير عدم التجويز
والقواعد يستثنى منها محال الضرورات كما سيأتي على أنه يندر الخلو عن قرائن تحصل
الظن فافهم
والمناسبة في اشتراط العدد في الشهادة دون الرواية من جهة أن إلزام المعين وهو
الغالب في الشهادة تتوقع فيه عداوة باطنية لم يطلع عليها الحاكم فينبعث العدو على
إلزام عدوه ما لم يكن لازما له فاحتاط الشارع لذلك واشترط معه آخر إبعادا لهذا
الاحتمال فإذا اتفقا في المقال قرب الصدق جدا بخلاف الواحد والرواية من حيث عموم
مقتضاها غالبا يكفي فيها الواحد إذ لا يتهم أحد في عداوة جميع الخلق إلى يوم
القيامة فلا يحتاج إلى الاستظهار بالغير فباب الرواية بعيد عن التهم جدا ألا ترى
أن العبد العدل إذا روى حديثا يتضمن عتقه أنه تقبل روايته فيه وإن تضمنت نفعه نظرا
لكون العموم موجبا
____________________
(1/16)
الحرية فلأن النفوس الأبية تأبى قهرها بالعبيد الأدنى ويخف
ذلك عليها بالأحرار وسراة الناس ولأن الرق يوجب الضغائن والأحقاد بسبب ما فات من
الحرية والاستقلال بالكسب والمنافع فربما بعثه ذلك على الكذب على المعين وإذايته
وذلك للخلائق يبعد القصد إليه في مجاري العادات فهذا تحقيق البابين
ووجه المناسبة في الاشتراط في الشهادة دون الرواية وحينئذ نقول الخبر ثلاثة أقسام
رواية محضة كالأحاديث النبوية وشهادة محضة كإخبار الشهود عن الحقوق على المعينين
عند الحاكم ومركب من الشهادة والرواية وله صور أحدها الإخبار عن رؤية هلال رمضان
من جهة أن الصوم لا يختص بشخص معين بل عام على جميع المصر أو أهل الآفاق على
الخلاف في أنه هل يشترط في كل قوم رؤيتهم أم لا فهو من هذا الوجه رواية لعدم
الاختصاص بمعين وعموم الحكم ومن جهة
هامش أنوار البروق
عموم التكليف شامل ولازم في تحمل الشهادة وأدائها كما أنه شامل ولازم في تحمل
الرواية وأدائها هذا إن أراد عموم التكليف بالرواية نفسها وإن أراد عموم مقتضاها
دون مقتضى الشهادة فذلك متجه والله أعلم ولا يفيده
قوله أيضا فيروي مع المرأة غيرها فإنه كما يروي معها غيرها كذلك يشهد معها غيرها
بل ليس بلازم في الرواية أن يروي معها غيرها ولازم في الشهادة أن يشهد معها غيرها
ولا يفيده أيضا قوله لطول الزمان فإن اشتراط طول الزمان في العمل بالرواية ليس
بصحيح ولا أعلمه قولا لأحد بل الرواية كالشهادة في العمل بموجبها عند توفر الشروط
هذا إن أراد اشتراط طول الزمان وإن لم يرده فلا فائدة في وقوع ذلك بعد العمل
بمقتضى الرواية في حق من لم يطلع على ذلك وإن كانت له فائدة فيما بعد في حق المطلع
هامش إدرار الشروق
لعدم التهمة في الخصوص مع وازع العدالة كما رآه بعض مشايخ القرافي المعتبرين
منقولا
والمناسبة في اشتراط الذكورية في الشهادة دون الرواية من وجهين أحدهما أن إلزام
المعين سلطان وغلبة وقهر واستيلاء تأباه النفوس الأبية وتمنعه الحمية وهو من
النساء أشد نكاية لنقصانهن فإن استيلاء الناقص أشد في ضرر الاستيلاء فخفف ذلك عن
النفوس بدفع الأنوثة وقبول شهادة الأنثى في الأموال وفي المواطن التي يتعذر فيها
اطلاع الرجال إنما كان لإلجاء الضرورة إلى ذلك والقواعد يستثنى منها محال الضرورات
ثم إن الشرع جعل المرأة كالرجل في محل تعذر اطلاعه الإطلاقي وجعلها مثله بشرط الاستظهار
بأخرى في محل تعذر اطلاعه الاتفاقي لأن إذعان النفوس بمقتضى الضرورات الإطلاقية
أشد من إذعانها بمقتضى الضرورات الاتفاقية والله أعلم
الثاني أن الشهادة من حيث خصوص مقتضاها والنساء ناقصات عقل ودين ناسب أن لا ينصبن
نصبا عاما في مواردها لئلا يعم ضررهن بالنسيان والغلط بخلاف مقتضى الرواية فإنه
عام والأمور العامة تتأسى فيها النفوس ويتسلى بعضها ببعض فيخف الألم وأيضا قد مر
أنه لا يتهم أحد في عداوة جميع الخلق إلى يوم القيامة فافهم
والمناسبة في اشتراط الحرية في الشهادة دون الرواية من وجهين أيضا
____________________
(1/17)
أنه حكم يختص بهذا العام دون ما قبله وما بعده وبهذا القرن
من الناس دون القرون الماضية والآتية صار فيه خصوص وعدم عموم فأشبه الشهادة
وحصل الشبهان فجرى الخلاف وأمكن ترجيح أحد الشبهين على الآخر واتجه الفقه في
المذهبين فإن عضد أحد الشبهين حديث أو قياس تعين المصير إليه وثانيها القائف في
إثبات الأنساب بالخلق هل يشترط فيه العدد أم لا قولان لحصول الشبهين من جهة أنه
يخبر أن زيدا ابن عمر وليس ابن خالد وهو حكم جرى على شخص معين لا يتعداه إلى غيره
فأشبه الشهادة فيشترط العدد ومن جهة أن القائف منتصب انتصابا عاما للناس أجمعين
أشبه الرواية فيكفي الواحد غير أن شبه الشهادة هنا أقوى للقضاء على المعين وتوقع
العداوة والتهمة في الشخص المعين وكونه منتصبا انتصابا عاما مشترك بينه وبين
الشاهد فإنه منتصب لكل من تتعين عليه شهادة يؤديها عند الحاكم فهذا الشبه
هامش أنوار البروق
قال شهاب الدين ولا يتهم أحد في عداوة جميع الخلق إلى يوم القيامة فلا يحتاج إلى
الاستظهار بالغير فيكفي الواحد قلت هذا صحيح وهو الفرق بين الشهادة والرواية قال
شهاب الدين وأما الحرية فلأن النفوس الأبية تأبى قهرها بالعبيد الأدنى ويخفف ذلك
عليها بالأحرار وسراة الناس ولأن الرق يوجب الضغائن والأحقاد بسبب ما فات من
الحرية والاستقلال بالكسب والمنافع فربما بعثه ذلك على الكذب على المعين وإذايته
وذلك للخلائق يبعد القصد إليه في مجاري العادات قلت كلامه الأول صحيح مستقل
بالتعليل كما في المرأة بل أولى والثاني يحتمل أن يكون تعليلا مستقلا أيضا لعدم
قبول شهادة العبد ويحتمل أن يكون غير مستقل من جهة أن احتمال العداوة لم
هامش إدرار الشروق
أحدهما أن النفوس الأبية تأبى قهرها بالعبيد الأدنى كما تأباه بالنساء بل أولى
ويخف ذلك عليها بالأحرار وسراة الناس
الثاني أن في العبد تحقق العداوة بسبب ما فاته من الحرية والاستقلال بالكسب
والمنافع وليس في الحر إلا مجرد احتمال العداوة فربما بعث العبد رقه الموجب
للضغائن والأحقاد بسبب ما ذكر على الكذب على المعين وإذايته وذلك لعموم الخلائق
يبعد القصد إليه في مجاري العادات هذا وقد علمت مما مر أن الخبر ثلاثة أقسام أحدها
رواية محضة كالأحاديث النبوية ومنه الخبر المفتي لأنه ناقل عن الله تعالى لخلقه
كالراوي للسنة ولأنه وارث للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم في ذلك وقول النبي صلى
الله تعالى عليه وسلم يكفي فيه وحده فكذلك وارثه فلذا لم يعلم خلاف في أنه يكفي فيه
الواحد وظاهر كلام الأصحاب في الساعي أنه يكفي فيه الواحد أيضا لكونه في معنى
الحاكم
والثاني شهادة محضة كإخبار الشهود عن الحقوق على المعينين عند الحاكم والثالث سائر
أنواع الخبر لكن المقصود من هذا هنا ما اختلف الفقهاء والأصوليون في إعطائه حكم
الشهادة من اشتراط العدد أو حكم الرواية من الاكتفاء بالواحد نظرا لما فيه من شبه
كل منهما باعتبارين
____________________
(1/18)
ضعيف فإن قلت الفرق بينه وبين الشاهد أن القائف يختص بقبيلة
معينة وهم بنو مدلج فينصب الحاكم منهم من يراه أهلا لذلك فدخول نصب الحاكم لذلك
واجتهاده وتوسط نظره يبعد احتمال العداوة ويخفف الضغينة في قلب المحكوم عليه بخلاف
الشاهد فإن من تعينت عليه شهادة أداها وإن كان مجهولا عند الحاكم ويأتي من يزكيه
وينفذ الحكم ولا يتوسط نظر الحاكم فتقوى داعية العداوة وتنفر النفوس من سلطنة
المخبر عليها بالإلزام قلت هو فرق حسن وهو المستند لمعتقدي ترجيح شبه الرواية غير
أن الفرق قد رجح في النفس إضافة الحكم إلى المشترك دونه لقوته ألا ترى أن القائف
قد يقبل قوله من غير نصب الإمام لذلك الشخص كما قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم
قول مجزز المدلجي في نسب أسامة بن زيد ولم ينقل لنا أنه نصبه لذلك ولو وجد من
الناس أو من القبائل في عصر من الأعصار من يودعه الله تعالى تلك الخاصية التي
أودعها في بني مدلج قبل قوله أيضا
هامش أنوار البروق
يثبت علة في عدم قبول الشهادة في الحر ولقائل أن يقول إن بين الحر والعبد فرقا من
جهة أن في الحر مجرد احتمال العداوة وفي العبد تحقق سبب العداوة والله أعلم
قال شهاب الدين الخبر ثلاثة أقسام إلى قوله وله صور أحدها الإخبار عن رؤية هلال
رمضان ثم قال ما معناه إنه رواية من جهة أنه لا يختص بمعين وشهادة من جهة أنه خاص
بهذا العام وبهذا القرن قلت أما قوله إنه رواية فإن أراد أن حكمه حكم الرواية في
الاكتفاء فيه بالواحد عند من قال بذلك فصحيح وإن أراد أنه رواية حقيقة فذلك غير
صحيح لأنه لم يتقرر ذلك في إطلاق أحد فيما علمت
وأما قوله إنه شهادة فإن أراد أيضا أن حكمه حكم الشهادة عند بعض العلماء في اشتراط
العدد فذلك صحيح وإن أراد أنه شهادة حقيقة فليس كذلك لأنه قد تقرر أن لفظ الشهادة
إنما
هامش إدرار الشروق
وله صور أحدها القائف في إثبات الأنساب بالخلق قيل له حكم الرواية في الاكتفاء
بالواحد لما فيه من شبهها من جهة أنه منتصب انتصابا عاما للناس أجمعين وأنه يختص
بقبيلة معينة وهم بنو مدلج فينصب الحاكم منهم من يراه أهلا لذلك ودخول نصب الحاكم
لذلك واجتهاده وتوسط نظره يبعد احتمال العداوة ويخفف الضغينة في قلب المحكوم عليه
ولا يخفى أنه ضعيف لأنه مشترك بينه وبين الشاهد فإنه منتصب لكل من يتعين عليه
شهادة يؤديها عند الحاكم ولأنه قد يقبل قوله من غير نصب الإمام لذلك الشخص كما قبل
رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قول مجزز المدلجي في نسب أسامة بن زيد ولم
ينقل لنا أنه نصبه لذلك ولو وجد من الناس أو من القبائل من يودعه الله تعالى تلك
الخاصية التي أودعها في بني مدلج لقبل قوله أيضا والصحيح بلا خفاء القول بأنه من
نوع الشهادة يشترط فيه العدد لأنه يخبر أن زيدا ابن عمرو وليس ابن خالد وهو حكم
جزئي على شخص معين لا يتعداه إلى غيره ويتطرق إليه من الاحتمال الموجب للعداوة ما
يتطرق في فصل القضاء الدنيوي
وثانيها المترجم للفتاوى والخطوط قال مالك يكفي الواحد قيل لأن فيه شبه الرواية من
جهة أنه نصب نصبا عاما للناس أجمعين لا يختص نصبه بمعين وأن ترجمة ما ذكر إنما
تكون بنصب الحاكم
____________________
(1/19)
فعلمنا أن عند كثرة البحث والكشف تقوى شائبة الشهادة وهذا
البحث كله وهذا الترجيح إنما تمكنا منه عند معرفتنا بحقيقة الشهادة والرواية من
حيث هما ولو لم يحصل كلام المازري صعب علينا ذلك وانسد الباب وانحسم الفقه ورجعنا
إلى التقليد الصرف الذي لا يعقل معناه وثالثها المترجم للفتاوى والخطوط
قال مالك يكفي الواحد وقيل لا بد من اثنين ومنشأ الخلاف حصول الشبهين أما شبه
الرواية فلأنه نصب نصبا عاما للناس أجمعين لا يختص نصبه بمعين
وأما شبه الشهادة فلأنه يخبر عن معين من الفتاوى والخطوط لا يتعدى إخباره ذلك الخط
المعين أو الكلام المعين ويأتي السؤال بالفارق المتقدم والبحث بعينه في القائف
ورابعها المقوم للسلع وأروش الجنايات والسرقات والغصوب وغيرها
قال مالك يكفي الواحد في التقويم إلا أن يتعلق بالقيم حد كالسرقة فلا بد من اثنين
وروي لا بد من اثنين في كل موضع ومنشأ الخلاف
هامش أنوار البروق
يطلق حقيقة في عرف الفقهاء والأصوليين على الخبر الذي يقصد به أن يترتب عليه حكم
وفصل قضاء قلت والذي يقوى في النظر أن مسألة الهلال حكمها حكم الرواية في الاكتفاء
بالواحد وليست رواية حقيقة ولا شهادة أيضا وإنما هي من نوع آخر من أنواع الخبر وهو
الخبر عن وجود سبب من أسباب الأحكام الشرعية ولا خفاء في أنه لا يتطرق إليه من
الاحتمال الموجب للعداوة ما يتطرق في فصل القضاء الدنيوي
قال شهاب الدين وثانيها القائف فيه قولان قلت ذكر فيه شبه الشهادة ولا خفاء على ما
تقرر قبل في أنه من نوع الشهادة وذكر شبه الرواية وهو ضعيف لا خفاء به وذكر السؤال
الذي أورده وهو ضعيف أيضا وذكر الجواب عنه وهو صحيح لا ريب فيه
هامش إدرار الشروق
من يراه أهلا لذلك إلى آخر ما مر في القائف وقد علمت ضعفه
وقال بعض الأصحاب لا بد فيه من اثنين لأن فيه شبه الشهادة من جهة أنه يخبر عن معين
من الفتاوى والخطوط لا يتعدى إخباره ذلك الخط المعين أو الكلام المعين ولا خفاء في
ضعف هذا الشبه أيضا والصحيح فيه التفصيل وهو أن الترجمة تابعة لما هي ترجمة عنه
فإن كان من نوع الرواية فحكمه حكمها وإن كان من نوع الشهادة فكذلك وثالثها المقوم
للسلع وأروش الجنايات والسرقات والغصوب وغيرها
قال مالك يكفي الواحد في التقويم إلا أن يتعلق بالقيم حد كالسرقة فلا بد من اثنين
قيل لما فيه من شبه الرواية لأنه متصد لما لا يتناهى كما تقدم في المترجم والقائف
وقد قدمنا تضعيفه ومن شبه الحكم لأن حكمه ينفذ في القيمة والحاكم ينفذه وهو وإن
كان أظهر من شبه الرواية إلا أنه ضعيف أيضا ولما فيه من شبه الشهادة لأنه إلزام
لمعين وهو ظاهر فيراعى فيه شبها الرواية والحكم ما لا يتعلق بإخباره حد فيتعين
مراعاة الشهادة لقوة ما يفضي إليه هذا الإخبار وينبني عليه من إباحة عضو آدمي
معصوم وروي ولا بد في التقويم من اثنين في كل موضع وذلك لأنه من نوع الشهادة على
الصحيح لترتب فصل القضاء بإلزام ذلك القدر المعين من العوض عليه والله أعلم
____________________
(1/20)
حصول ثلاثة أشباه شبه الشهادة لأنه إلزام لمعين وهو ظاهر
وشبه الرواية لأن المقوم متصد لما لا يتناهى كما تقدم في المترجم والقائف وهو ضعيف
لأن الشاهد كذلك وشبه الحاكم لأن حكمه ينفذ في القيمة والحاكم ينفذه وهو أظهر من
شبه الرواية فإن تعلق بإخباره حد تعين مراعاة الشهادة لوجهين أحدهما قوة ما يفضي
إليه هذا الإخبار وينبني عليه من إباحة عضو آدمي معصوم وثانيهما أن الخلاف في كونه
رواية أو شهادة شبهة يدرأ بها الحد وخامسها القاسم قال مالك يكفي الواحد والأحسن
اثنان
وقال أبو إسحاق التونسي لا بد من اثنين وللشافعية في ذلك قولان ومنشأ الخلاف شبه
الحكم أو الرواية أو الشهادة والأظهر شبه الحكم لأن الحاكم استنابه في ذلك وهو
المشهور عندنا وعند الشافعية أيضا وسادسها إذا أخبره عدل بعدد ما صلى هل يكتفى فيه
بالواحد أم لا بد من اثنين وشبه الحاكم هنا منتف فإن قضايا الحاكم لا تدخل في
العبادات بل شبه الرواية
هامش أنوار البروق
قال شهاب الدين وثالثها المترجم قلت لم يحرر الكلام في هذا الضرب فإنه أطلق القول
فيه والصحيح التفصيل وهو أن الترجمة تابعة لما هي ترجمة عنه فإن كان من نوع
الرواية فحكمه حكمها وإن كان من نوع الشهادة فكذلك وهذا واضح بناء على ما تقرر قبل
وما ذكر فيه من شبه الرواية لنصبه نصبا عاما فضعيف وكذلك ما ذكره من شبه الشهادة
بكونه يخبر عن معين من الفتاوى والخطوط وما ذكره من ورود السؤال والبحث فيه كما في
القائف صحيح
قال شهاب الدين ورابعها المقوم ذكر فيه شبه الرواية وهو ضعيف كما قال وشبه الحكم
وهو ضعيف أيضا والصحيح أنه من نوع الشهادة لترتب فصل القضاء بإلزام ذلك القدر
المعين من العوض عليه وما ذكره من كون الخلاف في كونه رواية أو شهادة فشبهة يدرأ
بها الحد ضعيف من
هامش إدرار الشروق
ورابعها القاسم قال مالك يكفي الواحد والأحسن اثنان وقال أبو إسحاق التونسي لا بد
من اثنين ومثله قول ابن القاسم لا يقبل قول القاسم لأنه شاهد وللشافعية في ذلك
قولان ومنشأ ذلك حصول شبه الحكم لأن الحاكم استنابه في ذلك فيكفي الواحد وهو
المشهور عندنا وعند الشافعية أيضا أو شبه التقويم قد تقدم أن تقويم المقوم من نوع
الشهادة على الصحيح وعليه فيشترط العدد وفي معنى القاسم الخارص وإن أطلق الأصحاب
القول بأنه يكفي فيه الواحد
وخامسها مخبر المصلي بعدد ما صلى هل يكتفى فيه بالواحد أم لا بد فيه من اثنين
والأظهر الأول لأنه من سائر أنواع الخبر وشبهه بالرواية ظاهر نعم يمكن أن يقال ليس
للمكلف أن يخرج عن عهدة ما كلف به إلا بتعيين فلا يكفي الواحد إلا مع قرائن توجب
القطع وكذلك في الاثنين فما فوقهما لكن نقول طلب اليقين في كل موطن مما يشق ويحرج
والحرج مرفوع شرعا وفي ذلك نظر وفي معنى مخبر المصلي المخبر عن نجاسة الماء وإن
أطلق الأصحاب أنه يكفي فيه الواحد فافهم
وسادسها الإخبار عن رؤية هلال رمضان قيل له حكم الشهادة فيشترط فيه اثنان لما فيه
من شبهها من جهة أنه حكم يختص بهذا العام دون ما قبله وما بعده وبهذا القرن من
الناس دون القرون الماضية
____________________
(1/21)
أو الشهادة
أما الرواية فلأنه لم يخبره عن إلزام حكم لمخلوق عليه بل الحق لله تعالى فأشبه
إخباره عن السنن والشرائع وأما شبه الشهادة فلأنه إلزام لمعين لا يتعداه وهو
الأظهر وسابعها أطلق الأصحاب القول في المخبر عن نجاسة الماء أنه يكفي فيه الواحد
وكذلك الخارص وقال مالك يقبل قول القاسم بين اثنين
وقال ابن القاسم لا يقبل قول القاسم لأنه شاهد على فعل نفسه ويقلد المؤذن الواحد
في الإخبار عن الوقت وكذلك الملاح ومن صناعته في الصحراء في الإخبار عن القبلة إذا
كان عدلا يغلب في هذه الفروع شبه الرواية أما المخبر عن النجاسة فلشبهه بالمفتي
والمفتي لم أعلم فيه خلافا أنه يكفي فيه الواحد لأنه ناقل عن الله تعالى لخلقه
كالراوي للسنة ولأنه وارث للنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وقول النبي صلى الله
عليه وسلم يكفي وحده وكذلك وارثه فالمخبر عن النجاسة أو الصلاة كذلك مبلغ عن النبي
صلى الله عليه وسلم غير أن هاهنا فرقا وهو أن المفتي لا يخبر عن وقوع السبب الموجب
للحكم
هامش أنوار البروق
جهة أنه لو فرض أن سارقا ثبتت سرقته لما قومه عدلان عارفان بربع دينار فلا شك أن
الخلاف في مثل هذا الفرض مرتفع والحد لازم مع أن احتمال كون المقوم كالراوي أو
كالشاهد في هذا الفرض قائم
قال شهاب الدين وخامسها القاسم وذكر فيه أن منشأ الخلاف شبه الحكم أو الرواية قلت
ليس ذلك عندي بصحيح بل منشأ الخلاف شبه الحكم أو التقويم وقد تقدم أن الصحيح أنه
من نوع الشهادة فمن نظر إلى أن القسم من نوع الحكم اكتفى بالواحد ومن نظر إلى أنه
من نوع التقويم وبنى على الأصح اشترط العدد والله أعلم
قال شهاب الدين وسادسها مخبر المصلي بعدد ما صلى قلت ذكر أن شبه الحكم فيه منتف
وذلك صحيح وذكر شبه الرواية وهو محتمل وذكر شبه الشهادة وقال إنه الأظهر وليس ما
قاله بصحيح بل الأظهر أنه ليس من نوع الرواية ولا من نوع
هامش إدرار الشروق
والآتية والذي يقوى في النظر أن له حكم الرواية في الاكتفاء بالواحد لأنه وإن لم
يكن رواية حقيقية لعدم تعريف دليل حكم شرعي به ولا شهادة حقيقة لعدم ترتب حكم وفصل
قضاء عليه وإنما هو نوع آخر من أنواع الخبر وهو الخبر عن وجود سبب من أسباب
الأحكام الشرعية إلا أنه لا خفاء في أنه لا يتطرق إليه من الاحتمال الموجب للعداوة
ما يتطرق في فصل القضاء الدنيوي مع عدم الاختصاص بمعين لعموم الحكم فيه جميع الحضر
أو أهل الآفاق على الخلاف في أنه هل يشترط في كل قوم رؤيتهم أو لا
وسابعها المؤذن يخبر عن الوقت والملاح ومن صناعته في الصحراء يخبر كل منهما عن
القبلة هل يكفي في ذلك واحد عدل أو لا بد من اثنين
والأول هو الأصح نقلا ونظرا لأنه ظاهر المذهب ولأن الخبر عن الوقت وعن القبلة وإن
كان خبرا عن وقوع سبب الصلاة إلا أنه لا يتطرق إليه من احتمال قصد العدو إلزام
عدوه ما لا يلزمه والتشفي منه بذلك ما يتطرق إلى خبر المخبر عن وقوع سبب الملك من
البيع والهبة وغيرهما حتى يكون في معنى الشهادة لا يقبل فيه إلا اثنان لا يقال قد
يفرق بين المؤذن والمخبر عن القبلة بأن الثاني مخبر بحكم متأبد فإن نصب جهة الكعبة
المعظمة قياما للناس أمر عام في جميع الأعصار والأمصار لا يختلف بخلاف المؤذن لا
يتعدى حكمه وإخباره ذلك الوقت فيكون الأول أشبه بالرواية من الثاني لأنا نقول لا
يصلح ما ذكر فارقا بل الحق أن كل واحد منهما لا يخلو إما أن
____________________
(1/22)
بل عن الحكم من حيث هو حكم الذي يعم الخلائق إلى يوم
القيامة والمخبر عن النجاسة أو الصلاة مخبر عن وقوع سبب جزئي في شخص جزئي
وهذا شبه شديد بالشهادة أمكن ملاحظته وكذلك الخارص إن جعل حاكما يتجه لا راويا
والحاكم يكفي فيه الواحد وهو ظاهر كلام الأصحاب فيه وفي الساعي أن تصرفهما تصرف
الحاكم والقاسم أيضا كذلك إن استنابه الحاكم فشائبة الحاكم ظاهرة وإن انتدبه
الشريكان أمكن أن يقال إنه من باب التحكيم والمؤذن مخبر عن وقوع السبب وهو أوقات
الصلوات فإنها أسبابها فأشبه المخبر عن وقوع سبب الملك من البيع والهبة وغيرهما
فمن هذا الوجه فارق المفتي
وكان ينبغي أن لا يقبل إلا اثنان ويغلب شائبة الشهادة لأنها إخبار عن سبب جزئي في
وقت جزئي غير أني لم أره مشترطا وهو حجة حسنة للشافعية في الاكتفاء في هلال رمضان
هامش أنوار البروق
الشهادة ولكنه من سائر أنواع الخبر وشبهه بالرواية ظاهر غير أنه لقائل أن يقول ليس
للمكلف أن يخرج عن عهدة ما كلف به إلا بيقين فلا يكفي الواحد إلا مع قرائن توجب
القطع وكذلك في الاثنين وما فوقهما ونقول طلب اليقين في كل موطن مما يشق ويحرج
والحرج مرفوع شرعا وفي ذلك نظر
قال شهاب الدين وسابعها المخبر عن نجاسة الماء والخارص وذكر إطلاق الأصحاب أنه
يكفي فيهما الواحد قال وقال مالك يقبل قول القاسم بين اثنين وقال ابن القاسم لا
يقبل قلت قد تقدم القول في القاسم وأما المخبر عن نجاسة الماء والخارص فالأولى
الفرق بينهما من جهة أن الخارص في معنى القاسم والمخبر عن نجاسة الماء في معنى
مخبر المصلي
قال شهاب الدين أو يقلد المؤذن الواحد والملاح ومن صناعته في الصحراء في الإخبار
عن القبلة يغلب في هذه الفروع شبه الرواية قلت ما ذكره من أنه يغلب في هذه الفروع
شبه الرواية كان الأولى أن يفرق بين المخبر عن نجاسة الماء والخارص وبين المؤذن
والمخبر عن القبلة وقد تقدم القول في الأولين وأما الأخيران فشبه الرواية فيهما
ظاهر كما قال
هامش إدرار الشروق
يخبر عن مشاهدة أو اجتهاد فإن أخبر عن مشاهدة فلا فرق وإن أخبر عن اجتهاد فالفرق
في ذلك مبني على جواز تقليد المجتهد في الوقت وفي القبلة أو عدم جوازه فيهما أو
جوازه في أحدهما دون الآخر والأصح نقلا ونظرا جوازه فيهما وهنا إشكالان على
المالكية أحدهما الإجماع على اختصاص أوقات الصلاة بأقطارها ولم يجعل المالكية
والحنفية والحنابلة لكل قوم رؤيتهم هلال رمضان كما قاله الشافعية بل عمموا رؤيته
في قطر جميع أهل الأرض مع أن الجميع يختلف باختلاف الأقطار عند علماء هذا الشأن
فقد يطلع الهلال في بلد دون غيره بسبب البعد عن المشرق والقرب منه فإن البلد
الأقرب إلى المشرق هو بصدد أن لا يرى فيه الهلال ويرى في البلد الغربي بسبب مزيد
السير الموجب لتخلص الهلال من شعاع الشمس وذلك أن البلد المشرقية إذا كان الهلال
فيها في الشعاع وبقيت الشمس تتحرك مع القمر إلى الجهة الغربية فما تصل الشمس إلى
أفق المغرب إلا وقد خرج الهلال من الشعاع فيراه أهل المغرب ولا يراه أهل المشرق
هذا أحد أسباب اختلاف رؤية الهلال وله
____________________
(1/23)
بالواحد فإنها إخبار عن سبب جزئي في وقت جزئي يعمان أهل
البلد والأذان لا يعم أهل الأقطار بل لكل قوم زوالهم وفجرهم وغروبهم وهو أولى
باعتبار شائبة الشهادة بخلاف هلال رمضان عممه المالكية والحنفية في جميع أهل الأرض
ولم يجعلوا لكل قوم رؤيتهم كما قاله الشافعية فالمخبر عن رؤية الهلال على قاعدة المالكية
أشبه بالرواية من المؤذن فينبغي أن يقبل الواحد قياسا على المؤذن بطريق الأولى
لتوفر العموم في الهلال وهنا سؤالان مشكلان على المالكية أحدهما التفرقة بين
المؤذن يقبل فيه الواحد وبين المخبر عن هلال رمضان لا يقبل فيه الواحد
وقد تقدم تقريره وثانيهما حصول الإجماع في أوقات الصلوات على أنها مختصة بأقطارها
بخلاف الأهلة مع أن الجميع يختلف باختلاف الأقطار عند العلماء بهذا الشأن فقد يطلع
الهلال في بلد دون غيره بسبب البعد عن المشرق
هامش أنوار البروق
شهاب الدين أما المخبر عن النجاسة فلشبهه بالمفتي إلى قوله وكذلك وارثه قلت ما
ذكره في هذا الفصل ظاهر صحيح غير ما ذكره من شبه المخبر عن النجاسة بالمفتي وقد
عطف بعد ذلك على ذكر الفرق فقال غير أن هاهنا فرقا وهو أن المفتي لا يخبر عن وقوع
السبب الموجب للحكم بل عن الحكم والمخبر عن النجاسة أو الصلاة مخبر عن وقوع سبب
جزئي في شخص جزئي وهذا شبه شديد بالشهادة أمكن ملاحظته قلت إضرابه عن مراعاة قيد
فصل القضاء في الشهادة أوقعه في اعتقاد قوة الشبه هنا بالشهادة وقد تقدم في مخبر
المصلي أن الأظهر شبه الرواية بخلاف ما اختاره
قال شهاب الدين وكذلك الخارص إن جعل حاكما يتجه لا راويا والحاكم يكفي فيه الواحد
وهو ظاهر كلام الأصحاب فيه وفي الساعي أن تصرفهما تصرف الحاكم والقاسم أيضا كذلك
إن استنابه الحاكم فشائبة الحاكم ظاهرة وإن انتدبه الشريكان أمكن أن يقال إنه من
باب التحكيم
هامش إدرار الشروق
أسباب أخر مذكورة في علم الهيئة لا يليق ذكرها هنا ولهذا ما من زوال لقوم إلا وهو
غروب لقوم وطلوع لقوم ونصف الليل لقوم وكل درجة تكون الشمس فيها فهي متضمنة لجميع
أوقات الليل والنهار لأقطار مختلفة فإذا قاست الشافعية الهلال على أوقات الصلاة
اتجه القياس وعسر الفرق على المالكية والحنفية والحنابلة ولا ينفع في دفعه أن الأذان
عدل به عن صيغة الخبر إلى صيغة العلامة على الوقت فكما كفى ميل واحد للظل وزيادة
واحدة له وآلة واحدة من آلات الأوقات كالاصطرلاب والميزان لأن ذلك علامة مفيدة
كذلك الأذان يكفي فيه الواحد لأنه علامة لوجهين أحدهما أن دلالة ميل الظل وزيادته
على دخول الوقت قطعية ودلالة الأذان غير قطعية ولا خفاء في أن ما دلالته قطعية لا
حاجة فيه إلى الاستظهار بخلاف ما دلالته غير قطعية
وثانيهما أن دلالة الأذان بجملته دلالة عرفية شرعية بالمطابقة لأنه لذلك وضعه
الشارع مع أن كل جزء من أجزائه دال على مقتضاه دلالة لغوية بالمطابقة أيضا ومعنى
حي على الصلاة وكذا حي على الفلاح في اللغة بالمطابقة أقبلوا إليها وهو يدل
التزاما على دخول وقتها فيكون تقليد المؤذن في دخول الوقت إذا أذن كتقليده على
ظاهر المذهب وصحيح النظر إذا قال لنا من غير أذان طلع الفجر وهو خبر صرف فافهم نعم
قال ابن الشاط لقائل أن يقول إنما ثبت في ظاهر المذهب وصحيح النظر تقليد المؤذن في
دخول
____________________
(1/24)
والقرب منه فإن البلد الأقرب إلى المشرق هو بصدد أن لا يرى
فيه الهلال ويرى في البلد الغربي بسبب مزيد السير الموجب لتخلص الهلال من شعاع
الشمس فقد لا يتخلص في البلد الشرقي فإذا كثر سيره ووصل إلى الآفاق الغربية تخلص
فيه فيرى الهلال في المغرب دون المشرق وهذا مبسوط في كتب هذا العلم ولهذا ما من
زوال لقوم إلا وهو غروب لقوم وطلوع الشمس عند قوم ونصف الليل عند قوم وكل درجة
تكون الشمس فيها فهي متضمنة لجميع أوقات الليل والنهار لأقطار مختلفة فإذا قاست
الشافعية الهلال على أوقات الصلوات اتجه القياس وعسر الفرق وهو مشكل والحق أنه
يعتبر لكل قوم رؤيتهم وهلالهم كما يعتبر لكل قوم فجرهم وزوالهم فإن قلت الجواب عن
الأول أن المعاني الكلية قد يستثنى منها بعض أفرادها بالسمع وقد ورد الحديث الصحيح
بقوله عليه السلام إذا شهد عدلان فصوموا وأفطروا وانسكوا فاشترط عدلين في وجوب
الصوم ومع
هامش أنوار البروق
قلت قد تقدم أن الأظهر أن القسم متردد بين أن يكون من نوع الحكم ومن نوع التقويم
والخرص في معناه وأما الساعي فهو في معنى الحاكم
قال شهاب الدين والمؤذن مخبر عن وقوع السبب وهو أوقات الصلوات فإنها أسبابها فأشبه
المخبر عن وقوع سبب الملك من البيع والهبة وغيرهما فمن هذا الوجه فارق المفتي وكان
ينبغي أن لا يقبل إلا اثنان ويغلب شائبة الشهادة لأنها إخبار عن سبب جزئي في وقت
جزئي غير أني لم أره مشترطا قلت إضرابه عن مراعاة قيد فصل القضاء حمله على تسويته
بين الخبر عن وقوع سبب الصلاة وما في معناها وبين الخبر عن وقوع سبب البيع وما في
معناه ولا خفاء بالفرق فإن الأول لا يتطرق
هامش إدرار الشروق
الوقت إذا أذن أما إذا أخبر بدخوله من غير أذان فالصحيح عندي ههنا أن لا تقليد لأن
الشرع نصب دليلا معينا فلا يتعدى ما نصب ا ه
فتأمل قلت لكن يؤخذ دفع هذا الإشكال من قول العلامة ابن رشد الحفيد في بداية
المجتهد وإذا قلنا إن الرؤية تثبت بالخبر في حق من لم يره فهل يتعدى ذلك من بلد
إلى بلد بأن يجب على أهل بلد لم يروه أن يأخذوا في ذلك برؤية بلد آخر وهو ما رواه
ابن القاسم والمصريون عن مالك أم لكل بلد رؤية إلا أن يكون الإمام يحمل الناس على
ذلك وهو ما رواه المدنيون عنه وبه قال ابن الماجشون والمغيرة من أصحاب مالك
وأجمعوا على أنه لا يراعى ذلك في البلدان النائية كالأندلس والحجاز وسبب هذا الخلاف
تعارض الأثر والنظر فروى مسلم عن كريب أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية
بالشام فقال قدمت الشام فقضيت حاجتها واستهل علي رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال
ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس ثم ذكر الهلال
فقال متى رأيتم الهلال فقلت رأيته ليلة الجمعة فقال أنت رأيته فقلت نعم ورآه الناس
وصاموا وصام معاوية قال لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين
يوما أو نراه فقلت ألا تكتفي برؤية معاوية فقال لا هكذا أمرنا النبي صلى الله
تعالى عليه وسلم فظاهر هذا الأثر يقتضي أن لكل بلد رؤيته قرب أو بعد والنظر يعطي
الفرق بين البلاد النائية كالأندلس والحجاز لا يجب أن يحمل بعضها على بعض لاختلاف
مطالعها اختلافا كثيرا وبخاصة ما كان نأيه
____________________
(1/25)
تصريح صاحب الشرع باشتراط عدلين لا يلزمنا بالعدل الواحد
شيء ولا يسمع الاستدلال بالمناسبات في إبطال النصوص الصريحة وعن الثاني أن الأذان
عدل به عن صيغة الخبر إلى صفة العلامة على الوقت
ولذلك كان المؤذن لا يقول دخل وقت الصلاة بل يقول كلمات أخر جعلها صاحب الشرع
علامة ودليلا على دخول الوقت فأشبهت ميل الظل وزيادته من دلالتهما على دخول الوقت
فكما لا يشترط ميلان في الظل ولا زيادتان لا يشترط عدلان ولا مؤذنان وكذلك آلة
واحدة من آلات الأوقات تكفي ولا يقول أحد إنه يشترط أسطرلابان ولا ميزانان للشمس
لأن ذلك علامة مفيدة وكذلك الأذان يكفي فيه الواحد لأنه علامة قلت هذا بحث حسن غير
أن الجواب عن الأول أنه يدل بمفهومه لا بمنطوقه فإن منطوقه أن الشاهدين يجب عندهما
ومفهومه أن أحدهما لا يكفي من جهة مفهوم الشرط وإذا كان الاستدلال به إنما هو من
جهة المفهوم فنقول القياس الجلي
هامش أنوار البروق
إليه من احتمال قصد العدو إلزام عدوه ما لا يلزمه والتشفي منه بذلك ما يتطرق إلى
الثاني فالصحيح أن الأول في معنى الرواية والثاني من نوع الشهادة
قال شهاب الدين وهو حجة حسنة للشافعية إلى قوله والحق أنه يعتبر لكل قوم رؤيتهم
وهلالهم كما يعتبر لكل قوم فجرهم وزوالهم قلت جميع ما ذكره في هذا الفصل مبني على
مقتضى علم آخر فإن صح في ذلك العلم ما ذكره من استواء الأمر في الأهلة والأوقات
فما بني عليه من استواء الحكم صحيح وإلا فلا
قال شهاب الدين فإن قلت الجواب عن الأول إلى قوله ولم يظهر التفاوت فيها بين
القريب والبعيد قلت من مضمن هذا الفصل موافقته لمورد السؤال على استواء الأذان
وميل الظل وزيادته في
هامش إدرار الشروق
العرض كثيرا وبين القريبة يجب أن يحمل بعضها على بعض لأنها في قياس الأفق الواحد
إذا لم تختلف مطالعها كل الاختلاف
ا ه بتلخيص وتصرف وذلك أنه يفيد أن المالكية لم يعمموا رؤية الهلال في قطر جميع
أهل الأرض كما زعم المعترض بل أجمعوا على أن رؤيته في قطر كالحجاز لا توجب حكما
على من لم يره بقطر ناء عن الحجاز كالأندلس لاختلاف المطلعين اختلافا كثيرا بحيث
يكون الغروب في الحجاز زوالا في الأندلس أو نحو ذلك وإنما روى ابن القاسم
والمصريون عن مالك وجوب الحكم برؤيته في الحجاز على من لم يره بقطر غير ناء
كالمدينة ومصر بحيث لا يخالف مطلعه مطلع الحجاز كثيرا بل بنحو الدرجة والدرجتين
وعدم اعتبار هذا الاختلاف اليسير في وجوب الصوم واعتباره في وجوب الصلاة نظرا لكون
اعتباره في وجوب الصلاة يؤدي للصلاة قبل الوقت بخلافه في وجوب الصوم فتأمل بإنصاف
بل قد استدل السادة الحنابلة على قولهم بأن رؤية الهلال بمكان قريبا كان أو بعيدا
إذا ثبتت لزم الناس كلهم الصوم وأن حكم من لم يره حكم من رآه ولو اختلفت المطالع
نصا قال أحمد الزوال في الدنيا واحد بقوله صلى الله تعالى عليه وسلم صوموا لرؤيته
وهو خطاب للأمة كافة وبأن الشهر في الحقيقة ما بين الهلالين
وقد ثبت أن هذا اليوم منه في جميع الأحكام فكذا الصوم ولو فرض الخطاب في الخبر
للذين رأوه فالغرض
____________________
(1/26)
مقدم على منطوق اللفظ على أحد القولين لمالك وغيره من
العلماء فينبغي أن يقدم على المفهوم قولا واحدا لأن القاضي أبا بكر وغيره يقول
المفهوم ليس بحجة مطلقا
وهو ضعيف جدا فلا يندفع به القياس الجلي وعن الثاني بأنه يشكل بما إذا قال لنا
المؤذن من غير أذان طلع الفجر فإنا نقلده وهو خبر صرف مع أن قوله في الأذان حي على
الصلاة معناه أقبلوا إليها فهو يدل بالالتزام على دخول وقتها وكذلك حي على الفلاح
وأما المخبر بالقبلة فليس مخبرا عن وقوع سبب بل عن حكم متأبد فإن نصب جهة الكعبة
المعظمة قياما للناس أمر عام في جميع الأعصار والأمصار لا يختلف بخلاف المؤذن لا
يتعدى حكمه وإخباره ذلك الوقت فالمخبر عن القبلة أشبه بالرواية من المؤذن فتأمل
هذه الفروق وهذه الترجيحات فهي حسنة وكلها إنما ظهرت بعد معرفة حقيقة الشهادة
والرواية فلو خفيتا ذهبت هذه المباحث جملتها ولم يظهر التفاوت بين القريب منها
هامش أنوار البروق
الدلالة على دخول الوقت والفرق بينهما ظاهر لأن ميل الظل دلالته قطعية والأذان دلالته
غير قطعية ولا خفاء بأن ما دلالته قطعية لا حاجة فيه إلى الاستظهار بخلاف ما
دلالته غير قطعية ومن مضمنه جوابه عن الجواب الأول بأنه يدل بمفهومه لا بمنطوقه
وما قاله في هذا الجواب صحيح ومن مضمنه جوابه عن الجواب الثاني بأنه يشكل بما إذا
قال لنا المؤذن من غير أذان طلع الفجر فإنا نقلده وهو خبر صرف قلت قوله فإنا نقلده
إن أراد إنا نقلده باتفاق فذلك ليس بصحيح فإن الخلاف في التقليد في الأوقات معروف
وإن أراد فإنا نقلده على ظاهر المذهب وهو الأصح فذلك صحيح ولقائل أن يقول إنما ثبت
في ظاهر المذهب وصحيح النظر تقليد المؤذن في دخول الوقت إذا أذن لا إذا أخبر
بدخوله من غير أذان والأصح عندي هاهنا أن لا تقليد لأن الشرع نصب دليلا معينا فلا
يتعدى ما نصب والله أعلم
ومن مضمنه قوله أن قول المؤذن حي على الصلاة يدل بالالتزام على
هامش إدرار الشروق
حاصل لأن من صور المسألة وفوائدها ما إذا رآه جماعة ببلد ثم سافروا إلى بلد بعيد
فلم ير الهلال به في آخر الشهر مع غيم أو صحو فلا يحل لهم الفطر ولا لأهل ذلك
البلد عن المخالف وعن صورها ما إذا رآه جماعة ثم سارت بهم ريح في سفينة فوصلوا إلى
بلد بعيد في آخر الليل لم يلزمهم الصوم في أول الشهر ولم يحل لهم الفطر في آخره
عندهم وهذا كله مصادم لقوله عليه الصلاة والسلام صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته
وأجابوا عن خبر كريب المذكور بأنه دل على أنهم لا يفطرون بقول كريب وحده ونحن نقول
به وإنما الخلاف في وجوب قضاء اليوم الأول وليس هو في الحديث قالوا
وأجاب القاضي عن قول المخالف الهلال يجري مجرى طلوع الشمس وغروبها وقد ثبت أن لكل
بلد حكم نفسه فكذا الهلال بأن الشمس تتكرر مراعاتها في كل يوم فيؤدي قضاء العبادات
إلى كبير المشقة والهلال في السنة مرة فليس في قضاء يوم كبير مشقة ودليل المسألة
من العموم يقتضي التسوية كذا في كشاف القناع شرح الإقناع مع المتن بتصرف والله
أعلم
الإشكال الثاني التفرقة بين المؤذن يقبل فيه الواحد وبين المخبر عن هلال رمضان لا
يقبل فيه الواحد مع أن المخبر عن رؤية الهلال على قاعدة المالكية من عموم رؤيته في
قطر جميع أهل الأرض خبره أشبه بالرواية من المؤذن فكان ينبغي أن يقبل الواحد قياسا
على المؤذن بطريق الأولى ولا ينفع في دفعه أن المعاني
____________________
(1/27)
للقواعد والبعيد وثامنها المخبر عن قدم العيب أو حدوثه في
السلع عند التحاكم في الرد بالعيب أطلق الأصحاب القول فيه أنه شهادة وأنه يشترط
فيه العدد لأنه حكم جزئي على شخص معين لشخص معين وأنه متجه غير أن ذلك يعكر على
قولهم أنه إذا لم يوجد المسلمون قبل فيه أهل الذمة من الأطباء ونحوهم قاله القاضي
أبو الوليد وغيره قالوا لأن هذا طريقه الخبر فيما ينفردون بعلمه
وهذا مشكل من وجهين أحدهما أن الكفار لا مدخل لهم في الشهادة على أصولنا خلافا
لأبي حنيفة في الوصية في السفر وشهادة بعضهم على بعض وكذلك لا مدخل لهم في الرواية
فكيف يصرحون بالشهادة مع قبول الكفرة فيها وثانيهما أن قولهم إن هذا أمر ينفردون
بعلمه لا عذر فيه حاصل فإن كل شاهد إنما يخبر عما علمه مع إمكان مشاركة غيره له
فيه وهؤلاء الكفار يعلمون هذه الأمراض مع إمكان مشاركة غيرهم معهم في العلم بذلك
فما أدري وجه المناسبة بين قبول قولهم وبين هذا
هامش أنوار البروق
دخول الوقت قلت ذلك صحيح لكنه أغفل دلالة الأذان بجملته على دخول الوقت وهي دلالة
عرفية للشرع بالمطابقة لأنه لذلك وضعه الشارع مع أن كل جزء من أجزائه دال على
مقتضاه دلالة لغوية بالمطابقة أيضا ومن مضمنه قوله إن المخبر عن القبلة مخبر عن
حكم متأبد وأنه أشبه بالرواية من المؤذن قلت لقائل أن يقول الفرق بينهما أن كل
واحد منهما لا يخلو إما أن يخبر عن مشاهدة أو اجتهاد فإن أخبر عن مشاهدة فلا فرق
وما ذكر من الفرق بأن المخبر عن القبلة مخبر بحكم متأبد بخلاف المؤذن فإنه مخبر
بحكم غير متأبد لا يصلح فارقا وإن أخبر عن اجتهاد فالفرق في ذلك مبني على جواز
تقليد المجتهد في القبلة وفي الوقت أو عدم جوازه أو جوازه في أحدهما دون الآخر والأصح
نقلا ونظرا جوازه فيهما والله أعلم
هامش إدرار الشروق
الكلية قد يستثنى منها بعض أفرادها بالسمع
وقد ورد الحديث الصحيح بقوله عليه الصلاة والسلام إذا شهد عدلان فصوموا وأفطروا
وانسكوا فاشترط عدلين في وجوب الصوم ومع تصريح صاحب الشرع باشتراط عدلين لا يلزمنا
بالعدل الواحد شيء ولا يسمع الاستدلال بالمناسبات في إبطال النصوص الصريحة لأنا لا
نسلم أن الحديث المذكور يدل بمنطوقه على اشتراط العدلين في وجوب الصوم إنما يدل
بمفهومه فإن منطوقه أن الشاهدين يجب عندهما ما ذكر ومفهومه من جهة الشرط أن أحدهما
لا يكفي والقياس الجلي مقدم على منطوق اللفظ في أحد القولين لمالك وغيره من
العلماء فينبغي أن يقدم على المفهوم قولا واحدا لأن القاضي أبا بكر وغيره يقول
المفهوم ليس بحجة مطلقا وهو ضعيف جدا فلا يندفع به القياس الجلي وثامنها المخبر عن
قدم العيب أو حدوثه في السلع عند التحاكم في الرد بالعيب أطلق الأصحاب القول فيه
أنه شهادة وأنه يشترط فيه العدد لأنه حكم جزئي على شخص لشخص معين وهو متجه إلا أنه
يعكر على قولهم أنه إذا لم يوجد المسلمون قبل فيه أهل الذمة من الأطباء ونحوهم
قاله القاضي أبو الوليد وغيره ونص خليل وقبل للتعذر غير عدول وإن مشركين ا ه
قالوا ويكفي الواحد لأن هذا طريقه الخبر فيما ينفردون بعلمه إذ كيف يصرحون
بالشهادة مع قبول الكفرة فيها والكفار لا مدخل لهم فيها على أصولنا خلافا لأبي
حنيفة في الوصية في السفر وشهادة بعضهم على بعض بل لا مدخل لهم في الرواية أيضا
ولا
____________________
(1/28)
المعنى مع أن كل شاهد كذلك فتأمل ذلك وتاسعها قال ابن
القصار قال مالك يجوز تقليد الصبي والأنثى والكافر الواحد في الهدية والاستئذان مع
أنه إخبار يتعلق بجزئي في الهدية والمهدي والمهدى إليه فهو على خلاف القواعد ووقع
هذا الفرع عند الشافعية وخرجوه بأن المعتمد في هذه الصور ليس هذه الإخبارات
بمجردها بل هي مع ما يحتف بها من القرائن ولربما وصلت إلى حد القطع وهذه إشارة
منهم إلى أنه من باب الشهادة غير أنه استثني منها لوجود القرائن التي تنوب مناب
العدول مع عموم البلوى في ذلك ودعوى الضرورة إليه فلو كان أحدنا لا يدخل بيت صديقه
حتى يأتي بعدلين يشهدان له بإذنه له في ذلك أو لا يبعث بهديته إلا مع عدلين لشق
ذلك على الناس ولا غرو في الاستثناء من القواعد لأجل الضرورات وعاشرها نقل ابن حزم
في مراتب الإجماع له
هامش أنوار البروق
قال شهاب الدين وثامنها المخبر عن قدم العيب أو حدوثه إلى قوله فتأمل ذلك
قلت ما حكاه عن الأصحاب من أنه شهادة صحيح وما استشكل من قبول بعضهم أهل الذمة
مشكل كما
قال شهاب الدين وتاسعها قال ابن القصار قال مالك يجوز تقليد الصبي والأنثى والكافر
في الهدية والاستئذان مع أنه إخبار يتعلق بجزئي إلى قوله لأجل الضرورات قلت ليس
هذا من نوع الشهادة لأنه لا يقصد به فصل قضاء فهو في حكم الرواية وجوز فيه ما لا
يجوز في الرواية من قبول خبر الصبي والكافر لإلجاء الضرورة إلى ذلك من جهة لزوم
المشقة على تقدير عدم التجويز مع ندور الخلو عن قرائن تحصل الظن
قال شهاب الدين وعاشرها نقل ابن حزم في مراتب الإجماع له إجماع الأمة على قبول قول
المرأة في إهداء الزوجة لزوجها ليلة العرس إلى آخر الفصل
هامش إدرار الشروق
نسلم حصول العذر بقولهم إن هذا أمر ينفردون بعلمه فإن هؤلاء الكفار يعلمون هذه
الأمراض مع إمكان مشاركة غيرهم معهم في العلم بذلك كما أن كل شاهد إنما يخبر عما
علمه مع إمكان مشاركة غيره له فيه فتأمل ذلك
وتاسعها خبر المخبر في الهدية والاستئذان وإن تعلق بجزئي في الهدية والإذن والمهدي
والآذن والمهدى إليه والمأذون له إلا أنه في معنى الرواية لا الشهادة لأنه لا يقصد
به فصل قضاء وإنما جوز فيه مالك ما لا يجوز في الرواية من قبول خبر الصبي والكافر
في قول ابن القصار قال مالك يجوز تقليد الصبي والأنثى والكافر الواحد في الهدية
والاستئذان لإلجاء الضرورة إلى ذلك من جهة لزوم المشقة على تقدير عدم التجويز إذ
لو كان أحدنا لا يدخل بيت صديقه حتى يأتي بعدل يشهد له بإذنه له في ذلك أو لا يبعث
بهديته إلا مع عدل لشق ذلك على الناس مع ندور الخلو عن قرائن تحصيل الظن والقواعد
يستثنى منها محال الضرورات كما مر غير مرة وعاشرها خبر المخبر في إهداء الزوجة
لزوجها ليلة العرس وإن كان إخبارا عن تعيين مباح جزئي إلا أنه في معنى الرواية لا
الشهادة لأنه لا يقصد به فصل قضاء فمن هنا نقل ابن حزم في مراتب الإجماع له إجماع
الأمة على قبول قول المرأة الواحدة فيه
____________________
(1/29)
إجماع الأمة على قبول قول المرأة الواحدة في إهداء الزوجة
لزوجها ليلة العرس مع أنه إخبار عن تعيين مباح جزئي لجزئي
ومقتضاه أن لا يقبل فيه إلا رجلان لأنها شهادة تتعلق بالنكاح الذي هو من أحكام
الأبدان التي لا يقبل فيها النساء إلا لضرورة غير أن هذه الصورة اجتمع فيها قرائن
الأحوال من اجتماع الأهل والأقارب وندرة التدليس والغلط في مثل هذا مع شهرته وعدم
المسامحة فيه ودعوى ضرورات الناس إلى ذلك كما تقدم في الاستئذان والهدية فهذه عشر
مسائل تحرر قاعدتي الشهادة والرواية بوجود أشباههما فيها وتؤكد ذلك تأكدا واضحا في
نفس الفقيه بحيث يسهل عليه بعد ذلك تخريج جميع فروع القاعدتين عليهما ومعرفة الفرع
القريب من القاعدة من البعيد عنها ولنقتصر على هذه العشر خشية الإطالة
تنبيه قال ابن القصار قال مالك يقبل قول القصاب في الذكاة ذكرا كان أو أنثى مسلما
أو كتابيا ومن مثله يذبح وليس هذا من باب الرواية أو الشهادة بل القاعدة الشرعية
أن كل أحد مؤتمن على ما يدعيه فإذا قال الكافر هذا مالي أو هذا العبد رقيق لي صدق
في ذلك كله وكذلك إذا قال هذه ذكية فهو مؤتمن فيه كما لو ادعى أي سبب من الأسباب
المقررة للملك من الإرث والاكتساب بالصناعة والزراعة وغير ذلك فهو مؤتمن إذ كل أحد
مؤتمن على ما يدعيه مما هو تحت يده في أنه مباح له أو ملكه لأنه لا يروي لنا دينا
ولا يشهد عندنا في إثبات حكم بل هذا من باب التأمين المطلق كما أن المسلم إذا قال
هذا ملكي أو هذه أمتي لم نعده راويا لحكم شرعي وإلا لاشترطنا فيه العدالة ولا
شاهدا بل نقبله منه
وإن كان أفسق الناس فليس هذا من الفروع المترددة بين القاعدتين فتأمل ذلك فإن قلت
ما قررته من أن الشهادة حقيقتها التعلق بجزئي والرواية حقيقتها التعلق بكلي لا
يطرد ولا ينعكس أما الشهادة المجمع عليها من غير اجتماع شبه الرواية معها فقد تقع
في الأمر الكلي العام الذي لا يختص بأحد كالشهادة بالوقف على الفقراء والمساكين
إلى يوم القيامة والنسب المتفرع بين الأنساب إلى يوم القيامة وكون
هامش أنوار البروق
قلت هذه المسألة في معنى التي قبلها كما ذكر
قال شهاب الدين تنبيه قال ابن القصار قال مالك يقبل قول القصاب إلى قوله فليس هذا
من الفروع المترددة بين القاعدتين فتأمل ذلك قلت هذه المسألة وإن لم تكن من تينك
القاعدتين فهي من جنس المسألتين قبلها وما ذكره في أثناء كلامه من أن كل واحد
مؤتمن على ما يدعيه مما هو تحت يده إنما المعنى بأنه مؤتمن أو مصدق أنه لا
هامش إدرار الشروق
قلت والظاهر قبول خبر الصبي والكافر فيه أيضا لإلجاء ضرورات الناس إلى تجويز ذلك
مع ما اجتمع في هذه الضرورة من قرائن الأحوال من اجتماع الأهل والأقارب وندرة
التدليس والغلط في مثل هذا مع شهرته وعدم المسامحة فيه كما تقدم الاستئذان والهدية
____________________
(1/30)
الأرض عنوة أو صلحا ينبني عليها أحكام الصلح أو أحكام
العنوة من كونها طلقا إلى يوم القيامة أو وقفا إلى يوم القيامة كما قاله مالك إلى
غير ذلك من النظائر كما اختصت الشهادة بجزئي وأما الرواية فقد بينا أنها في الأمور
الجزئية في الإخبار عن النجاسة وأوقات الصلوات وغيرها مما تقدم بيانه
وإذا وقع كل واحد منهما في الجزئي والكلي لم تكن نسبة أحدهما إلى الجزئي أو الكلي
أولى من العكس فتفسد الضوابط ويعود اللبس والسؤال كما تقدم قلت أما ما ذكر من فروع
الشهادة فالعموم فيها إنما جاء بطريق العرض والتبع ومقصودها الأول إنما هو جزئي
أما الوقف فالمقصود بالشهادة فيه الواقف وإثبات ذلك عليه وهو شخص معين ينتزع منه
مال معين فكان ذلك شهادة ثم اتفق أن الموقوف عليه فيه عموم وليس ذلك من لوازم
الوقف فإن الوقف قد يكون على معين كما لو وقف على ولده أو زيد ثم من بعده لغيره
فالعموم أمر عارض ليس متقررا شرعا في أصل هذا الحكم
وأما النسب فالمقصود به إنما هو الإلحاق بالشخص المعين أو استحقاق الميراث للشخص
المعين ثم تفرعه بعد ذلك ليس مقصود الشهادة إنما هو من الأحكام الشرعية التابعة
للمقصود بالشهادة كما أن الشهادة إذا وقعت بأن هذا رقيق لزيد قبل فيه الشاهد
واليمين وإن تبع ذلك لزوم القيمة لمن قتله دون الدية وسقوط العبادات عنه واستحقاق
إكسابه للسيد مع أن الشاهد لم يقصد سقوط العبادات عنه وليس سقوط العبادات مما تدخل
فيه الشهادات فضلا عن الشاهد واليمين وكذلك الشهادة بتزويج زيد المرأة المعينة
شهادة بحكم جزئي على المرأة لزوجها المشهود له وهو جزئي وإن تبع ذلك تحريمها على
غيره وإباحة وطئها له مع أن التحريم والإباحة شأنهما الرواية دون الشهادة وغير ذلك
من النظائر فقد يثبت على سبيل التبع ما لا يثبت متأصلا فلا يضر
هامش أنوار البروق
يتعرض له برفع يده عنه وليس المعنى بذلك أنه محق عندنا في دعواه ومسألة القصاب مع
ذلك ليست من هذه القاعدة بل هي من جنس المسألتين اللتين قبلها كما تقدم ذكره لأن
المقصود من هذه المسألة ليس تركه وما يدعيه بالنسبة إلى ملك ما تحت يده بل المقصود
منها هل يستباح أكلها بناء على خبره أم لا فلا أعلم لتجويز الاستباحة بناء على ذلك
إلا إلجاء الضرورة إلى ذلك للزوم المشقة عن عدم التجويز مع ندور الخلو عن القرائن
المحصلة للظن كما سبق والله أعلم
قال شهاب الدين فإن قلت ما قررته من أن الشهادة حقيقتها التعلق بجزئي والرواية
حقيقتها التعلق بكلي لا يطرد ولا ينعكس إلى قوله وأما ما تقدم من النقوض على
الرواية فقد تقدم تخريجها والجواب عنها
هامش إدرار الشروق
وحادي عشرها خبر القصاب في الذكاة هو في معنى الرواية لأنه لا يقصد به فصل قضاء
وإنما جوز فيه مالك قبول خبر الكتابي في قول ابن القصار قال مالك يقبل قول القصاب
في الذكاة ذكرا كان أو أنثى مسلما أو كتابيا ومن مثله يذبح ا ه لإلجاء الضرورة إلى
ذلك للزوم المشقة عند عدم التجويز مع ندور الخلو عن القرائن المحصلة للظن كما سبق
في
____________________
(1/31)
ذلك في الضوابط المذكورة في الشهادة والرواية وأما كون
الأرض عنوة أو صلحا فهذا لم أر لأصحابنا فيه نقلا فيما أظن
وأمكن أن يقال فيه إنه يكفي فيه خبر الواحد وإنه من باب الرواية لعدم الاختصاص في
المحكوم عليه وأمكن أن يقال إنه من باب الشهادة لخصوص المحكوم فيه وهو الأرض فإنها
جزئية لا يتعداها الحكم إلى غيرها فقد اجتمع فيهما الشبهان وأمكن التردد وأما ما
تقدم من النقوض على الرواية فقد تقدم تخريجها والجواب عنها
مسألة أخبرني بعض شيوخي المعتبرين أنه رأى
منقولا أنه إذا روى العدل العبد حديثا يتضمن عتقه أنه تقبل روايته فيه وإن تضمنت
نفعه لأن العموم موجب لعدم التهمة في الخصوص مع وازع العدالة وهذه المسألة تنبه
على أن باب الرواية بعيد عن التهم جدا وأنه سبب عدم اشتراط العدد في باب الرواية
مسألة قال أصحابنا وغيرهم من العلماء إذا تعارضت البينتان في الشهادة يقبل الترجيح
بالعدالة وهل ذلك مطلقا أو في أحكام الأموال خاصة وهو المشهور أو لا يقضى بذلك
مطلقا ثلاث أقوال والمشهور أنه لا يرجح بكثرة العدد
والفرق أن الحكومات إنما شرعت لدرء الخصومات ورفع التظالم والمنازعات فلو رجحنا
بكثرة العدد لأمكن للخصم أن يقول أنا أزيد في عدد بينتي فنمهله حتى يأتي بعدد آخر
فإذا أتى به قال خصمه أنا أزيد في العدد الأول فنمهله حتى يأتي بعدد آخر أيضا
فيطول النزاع وينتشر الشغب ويبطل مقصود الحكم
أما الترجيح بالأعدلية فلا يمكن الخصم أن يسعى في أن تصير بينته أعدل
هامش أنوار البروق
قلت جميع ما ذكره في هذا الفصل صحيح غير قوله في الخبر بالعنوة أو الصلح أن فيه
شبه
هامش إدرار الشروق
المسألتين قبلها فليس المقصود من هذه المسألة ترك القصاب وما يدعيه بالنسبة إلى
ملك ما تحت يده حتى تكون من قبيل قاعدة إن كل أحد مؤتمن على ما يدعيه فإذا قال
الكافر هذا مالي أو هذا العبد رقيق لي صدق في ذلك كله كما أن المسلم إذا قال هذا
ملكي أو هذه أمتي لم نعده راويا لحكم شرعي وإلا لاشترطنا فيه العدالة ولا شاهدا بل
نقبله منه وإن كان أفسق الناس بل المقصود منها هل يستباح أكلها بناء على خبر
القصاب بتذكيتها أم لا فافهم قلت ومن قبيل قول القصاب في الذكاة قول القبطان ونحوه
بالوابور في محاذاة الحجاج للميقات الشرعي فيجب عليهم الإحرام بقوله ولو كافرا عند
تعذر غيره لإلجاء الضرورة إلى ذلك إلخ وإن لم أر من نص عليه بخصوصه فانظره وثاني
عشرها الخبر بكون الأرض عنوة أو صلحا فيترتب على ذلك أحكام الصلح أو أحكام العنوة
من كونها طلقا إلى يوم القيامة أو وقفا إلى يوم القيامة كما قاله مالك الظاهر أن
فيه شبه الرواية لا شبه الشهادة لأنه من جنس الخبر عن وقوع سبب من أسباب الأحكام
الشرعية فيكفي فيه الواحد
قال شهاب الدين مسألة أخبرني بعض شيوخي إلخ قلت
ما ذكره في المسألة من تنبيهها على أن باب الرواية تبعد عنه التهم صحيح
تتمة في مهمين
____________________
(1/32)
من بينة خصمه بالديانة والعلم والفضيلة فلا تنتشر الخصومات
ولا يطول زمانها لانسداد الباب عليه وأما العدد فليس بابه منسدا فيقدر أن يأتي بمن
يشهد له ولو بالزور والحاكم لا يعلم ذلك والأعدلية لا تستفاد إلا من الحاكم فلا
تسلط للخصم على زيادتها فانسد الباب
فائدة الشهادة خبر والرواية خبر والدعوى خبر
والإقرار خبر والنتيجة خبر والمقدمة خبر والتصديق خبر فما الفرق بين هذه الحقائق
وبأي شيء تتميز مع اشتراكها كلها في مطلق الخبرية
والجواب أما الشهادة والرواية فقد تقدم الكلام عليهما وإما الدعوى فهي خبر عن حق
يتعلق بالمخبر على غيره والإقرار خبر عن حق يتعلق بالمخبر ويضر به وحده عكس الدعوى
الضارة لغيره
ولذلك أن الإقرار متى أضر بغير المخبر أسقطنا من ذلك الوجه كإقراره بأن عبده وعبد
غيره حران ويسمى الإقرار المركب والنتيجة هي خبر نشأ عن دليل وقبل أن يحصل عليه
يسمى مطلوبا والمقدمة هي خبر هو جزء دليل والتصديق هو القدر المشترك بين هذه
الصورة كلها يسمى بأحسن عارضيه لفظا لأنه يقال لقائله صدقت أو كذبت فكان يمكن أن
يسمى تكذيبا غير أنه سمي بأحسن عارضيه لفظا فائدة معنى شهد في لسان العرب ثلاثة
أمور متباينة شهد بمعنى حضر ومنه شهد بدرا أو شهدنا صلاة العيد قال أبو علي ومنه
قوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه قال معناه من حضر منكم المصر في الشهر
فليصمه أو من حضر منكم الشهر في المصر فليصمه فإن الصوم لا يلزم المسافر فالمقصود
إنما هو الحاضر المقيم فهذا أحد مسميات شهد والمعنى الثاني شهد بمعنى أخبر ومنه
شهد عند الحاكم أي أخبر بما يعتقد في حق المشهود له وعليه والمعنى الثالث شهد
بمعنى علم ومنه قوله تعالى والله على كل شيء شهيد أي عليم ووقع التردد لبعض
العلماء في قوله تعالى شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما
بالقسط
هامش أنوار البروق
الرواية وشبه الشهادة فإن الظاهر أن فيه شبه الرواية دون شبه الشهادة لأنه من جنس
الخبر عن وقوع سبب من أسباب الأحكام الشرعية كما تقدم ذكره والله أعلم
قال شهاب الدين مسألة أخبرني بعض شيوخي إلخ قلت
ما ذكره في المسألة من تنبيهها على أن باب الرواية تبعد عنه التهم صحيح
هامش إدرار الشروق
المهم الأول إذا تعارضت البينات في الشهادة ففي قبول الترجيح بالعدالة مطلقا
ثالثها في أحكام الأموال خاصة وهو المشهور أقوال لأصحابنا وغيرهم من العلماء ولا
ترجيح بكثرة العدد على المشهور
والفرق أن العدد ليس بابه منسدا فيقدر الخصم أن يأتي بمن يشهد له ولو بالزور
والحاكم لا يعلم ذلك فلو رجحنا بكثرة العدد لطال النزاع وانتشر الشغب وبطل مقصود
الشارع بشرع الحكومات من درء
____________________
(1/33)
لا إله إلا هو العزيز الحكيم هل هو من باب العلم لأن الله
يعلم ذلك أو من باب الخبر لأن الله تعالى أخبر عباده عن ذلك فهو محتمل للأمرين
فهذه الثلاثة هي معاني شهد
فائدة معنى روى حمل وتحمل فراوي الحديث تحمله
وحمله عن شيخه ولذلك قال العلماء إن إطلاق الراوية على المزادة التي يحمل فيها
الماء على الجمل مجاز من باب مجاز المجاورة لأن الراوية بناء مبالغة لمن كثر منه
الحمل والذي يحمل ويكثر منه الحمل إنما هو الجمل فهذا الاسم إنما يستحقه حقيقة
ولغة الجمل وإطلاقه على المزادة مجاز من باب مجاز المجاورة لما بينها وبين الجمل
من المجاورة وليس هو من باب أروى الرباعي حتى يستحقه الماء دون الجمل لأن اسم
هامش أنوار البروق
قال شهاب الدين مسألة قال أصحابنا وغيرهم من العلماء
إذا تعارضت البينتان في الشهادة يقبل الترجيح بالعدالة إلى آخر الفصل قلت
ما ذكره من الفرق بين الترجيح بالعدالة والترجيح بالعدد ظاهر صحيح والله أعلم
وذكر ثلاث فوائد في اختتام هذا الفرق وما ذكره فيها ظاهر
قال شهاب الدين
هامش إدرار الشروق
الخصومات ورفع المظالم والمنازعات إذ يمكن للخصم حينئذ أن يقول أنا أزيد في عدد
بينتي فنمهله حتى يأتي بعدد آخر فإذا أتى به قال خصمه أنا أزيد في العدد الأول
فنمهله حتى يأتي بعدد آخر أيضا وهكذا والأعدلية لا تستفاد إلا من الحاكم فلا تسلط
للخصم على زيادته فانسد الباب ولم تنتشر الخصومات ولم يطل زمانها
المهم الثاني كما أن كلا من الشهادة والرواية خبر مقيد بما ذكرنا كذلك الدعوى خبر
عن حق يتعلق بالمخبر على غيره والإقرار خبر عن حق يتعلق بالمخبر ويضر به وحده عكس
الدعوى الضارة لغيره ولذلك لا نعتبر من الإقرار المركب من إضرار المخبر وإضرار
غيره كإقراره بأن عبده وعبد غيره حران إلا الوجه الأول ونسقط منه الوجه الثاني
والنتيجة خبر ينشأ عن دليل وقبل أن ينشأ عنه يسمى مطلوبا والمقدمة خبر هو جزء دليل
والتصديق هو القدر المشترك بين هذه الصور كلها وكان يمكن أن يسمى تكذيبا كما يسمى
تصديقا لأنه يقال لقائله صدقت أو كذبت إلا أنه سمي بأحسن عارضيه لفظا والله سبحانه
وتعالى أعلم
____________________
(1/34)
الفاعل منه مرو لا راوية وإنما يأتي راوية من الثلاثي فهذه
فوائد لفظية تتعلق بلفظي الشهادة والرواية حسن ذكرها بعد تحقيق معناهما
الفرق الثاني بين قاعدتي الإنشاء والخبر الذي
هو جنس الشهادة والرواية والدعوى وما ذكرها معها فيما تقدم أما الخبر فهو المحتمل
للتصديق والتكذيب لذاته والتصديق هو قولنا له صدقت والتكذيب هو قولنا له كذبت وهما
غير الصدق والكذب فإن التصديق والتكذيب هو قول وجودي مسموع والصدق يرجع إلى مطابقة
الخبر والكذب يرجع إلى عدم مطابقته فهما نسبة وإضافة والنسب والإضافات عدمية فوقع
الفرق بينهما بالوجود والعدم ومن وجه آخر إن الصدق والكذب هو المخبر عنه في
التصديق والتكذيب لأن الصدق والكذب تابع للخبر والتصديق والتكذيب تابع للصدق
والكذب فيقع الفرق بينهما فرق ما بين المخبر عنه والخبر والمتعلق والمتعلق به
وقولنا لذاته احتراز من تعذر الصدق أو الكذب فيه لأجل المخبر به أو المخبر عنه
فالأول كخبر الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم أو خبر مجموع
هامش أنوار البروق
الفرق الثاني بين قاعدتي الإنشاء والخبر ثم قال
أما الخبر فهو المحتمل للتصديق والتكذيب لذاته والتصديق هو قولنا صدقت والتكذيب هو
قولنا كذبت وهما غير الصدق والكذب فإن التصديق والتكذيب قول وجودي مسموع والصدق
يرجع إلى مطابقة الخبر والكذب يرجع إلى عدم مطابقته فهما نسبة وإضافة والنسب
والإضافات عدمية فوقع الفرق بينهما بالوجود والعدم
ومن وجه آخر إن الصدق والكذب
هامش إدرار الشروق
الفرق الثاني بين قاعدتي الإنشاء والخبر الذي هو جنس الشهادة والرواية والدعوى وما
ذكر معها أما الخبر فمجاز في الإشارات الحالية والدلائل المعنوية كما في قولهم
عيناك تخبرني بكذا والغراب يخبر بكذا وحقيقته قول يلزمه الصدق أو الكذب
قلت قال الآمدي والأشبه أن القول في اللغة حقيقة في الصيغة كقولك قام زيد وقعد عمر
ولتبادرها إلى الفهم من إطلاق لفظ الخبر وقد يطلق على المعنى القائم بالنفس المعبر
عنه بالصيغة والصدق والكذب معلوم لنا بالضرورة فلا يفتقر إلى الخبر على أن الصدق
هو مطابقة النسبة الكلامية للخارجية
والكذب عدمها وليس الصدق الخبر المطابق للواقع ولا الكذب الخبر الغير المطابق له
حتى يلزم الدور والحكم في الحد المذكور بلزوم الخبر لأحد هذين الأمرين من غير
تعيين جازم لا تردد فيه وهو المأخوذ في التحديد وإنما التردد في اتصاف الخبر بلزوم
أحدهما عينا وهو غير داخل في الحد فافهم ا ه
بتصرف وزيادة فالقول جنس قريب يشمل القول التام وهو ما يفيد المخاطب فائدة يحسن
السكوت عليها خبرا كان أو إنشاء والناقص وهو ما لم يفد ذلك إضافيا كان كغلام زيد
أو تقييديا كالحيوان الصاهل أو لا ولا كمجموع المتعاطفين وقيد يلزمه الصدق أو
الكذب فصل يخرج القول الناقص والإنشاءات نعم الظاهر احتياج الحد
____________________
(1/35)
الأمة فإنه لا يقبل الكذب والثاني كقولنا الواحد نصف
الاثنين فإنه لا يقبل الكذب أو الواحد نصف العشرة فإنه لا يقبل الصدق ولكن جميع
هذه الإخبارات بالنظر إلى ذاتها مع قطع النظر عن المخبر به أو المخبر عنه تقبلهما
من حيث هي إخبار فهذا هو حد الخبر الضابط له فإن قلت الصدق والكذب ضدان والضدان
يستحيل اجتماعهما فلا يقبل محلهما إلا أحدهما أما هما معا فلا وإذا كان المحل لا
يقبل إلا أحدهما كان المتعين في الحد هو صيغة أو التي هي لأحد الشيئين دون الواو
التي هي للشيئين معا وهذا هو اختيار إمام الحرمين والأول اختيار القاضي أبي بكر
ولأن الصدق والكذب نوعان للخبر والنوع لا يعرف إلا بعد معرفة الجنس فلو عرف الجنس
به لزم الدور
قلت الجواب عن الأول أن الصواب هو
هامش أنوار البروق
هو المخبر عنه في التصديق والتكذيب فيقع الفرق بينهما فرق ما بين المخبر عنه
والخبر والمتعلق والمتعلق به وقولنا لذاته احتراز من تعذر الصدق أو الكذب فيه لأجل
المخبر به أو المخبر عنه فالأول كخبر الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم أو
خبر مجموع الأمة فإنه لا يقبل الكذب والثاني كقولنا الواحد نصف الاثنين فإنه لا
يقبل الكذب أو الواحد نصف العشرة فإنه لا يقبل الصدق ولكن جميع هذه الإخبارات
بالنظر إلى ذاتها مع قطع النظر عن المخبر به أو المخبر عنه تقبلهما من حيث هي أخبار
فهذا هو حد الخبر الضابط له قلت تفريقه بين التصديق والتكذيب والصدق والكذب بأن
أولهما وجودي والآخر عدمي بناء على أنه إضافي غفلة شديدة وهل ما يلحق خبر المخبر
من تصديق المصدق أو تكذيب المكذب إلا أمر إضافي وهل خبر المخبر إلا متعلق لتصديق
المصدق أو تكذيب المكذب ومتعلقات الكلام بأسرها لا يلحقها من الكلام إلا أمر إضافي
فقد وقع فيما منه فرق وقوله فإن التصديق والتكذيب قول وجودي مسموع لا يفيده فإنه
ليس موجودا في خبر المخبر فيكون وصفا حقيقيا للخبر بل هو موجود في لسان المصدق
والمكذب
وما وجوده في غير المحدود لا يصلح للتحديد به بل الصحيح حد
هامش إدرار الشروق
المذكور لزيادة قيد لذاته ليخرج ما يلزمه الصدق أو الكذب لا لذاته بل للازمه نحو
غلام زيد المستلزم لذاته خبرا وهو زيد له غلام ونحو اسقني الماء المستلزم لذاته
خبرا وهو أنا طالب للماء أو المخاطب مطلوب منه الماء أو الماء مطلوب وكذا ما لا
يلزمه صدق ولا كذب بالنظر لعدم قصد المتكلم به إخبار أحد كصيغة الحمد لله إذا جعلت
باقية على خبريتها ولم يقصد بها إلا تحصيل الحمد كبقية صيغ الأذكار والتنزيهات فلا
يرد حينئذ ما نقله ياسين في حواشي الصغرى عن العلامة علاء الدين النجاري من أن الجمل
الخبرية لا يلزمها الإخبار أي احتمال الصدق والكذب بل قد تكون للتحسر والتحزن كما
في حاشية العطار على محلي جمع الجوامع فافهم وأما الإنشاء ففي اللغة الخلق
والابتداء ووضع الحديث ففي المصباح أنشأه الله خلقه وأنشأ يفعل كذا أي ابتدأ وفلان
ينشئ الأحاديث أي يصفها
ا ه المراد وفي الاصطلاح قول بحيث يوجب به مدلوله في نفس الأمر إذا صدر قصدا ممن
هو أهل لذلك
فالقول جنس قريب وقيد بحيث يوجب به مدلوله فصل أول
____________________
(1/36)
اختيار القاضي أبي بكر رحمه الله في صيغة الواو لأنه لا
يلزم من تنافي المقبولين تنافي القبولين ألا ترى أن الممكن قابل للوجود والعدم
لذاته وهما نقيضان متنافيان والقبولان يجب اجتماعهما له لأنه لو وجد أحد القبولين
دون الآخر للزم من نفي ذلك القبول ثبوت استحالة ذلك المقبول الآخر فإن كان ذلك
المستحيل هو الوجود لزم أن يكون ذلك الممكن مستحيلا والمقرر أنه ممكن هذا خلف
وإن كان المستحيل هو العدم لزم أن يكون ذلك الممكن واجب الوجود لا ممكن الوجود هذا
خلف فلا يتصور الإمكان إلا باجتماع القبولين وإن تنافى المقبولان فتتعين الواو
وإنما الشبهة التي وقعت لإمام الحرمين التباس القبولين بالمقبولين وأنه يلزم من تعذر
اجتماع المقبولين تعذر اجتماع القبولين وليس كذلك ولذلك نقول كل جسم قابل لجميع
الأضداد وقبولاته كلها مجتمعة له وإنما المتعاقبة على سبيل البدل هي المقبولات لا
القبولات فتأمل ذلك ويتقوى ذلك ويتضح بأن الإمكان والوجوب والاستحالة أحكام واجبة
الثبوت لمحالها لازمة لها والإلزام انقلاب الممكن واجبا أو مستحيلا وبالعكس وذلك
محال وإذا كانت لازمة
هامش أنوار البروق
الخبر أو رسمه بأنه قول يلزمه الصدق أو الكذب فإنه لا ينفك عن ذلك ألبتة في ظاهر
الأمر وقد ينفك عن التصديق والتكذيب المسموعين لنا إما للغفلة عن سماع الخبر وإما
للإضراب عن التصديق والتكذيب مع سماع الخبر وإما لعدم الموجب لرجحان أحد
الاحتمالين عند السماع والحد والرسم لا يصح إلا بما هو لازم فإن كان ذلك اللازم
وصفا حقيقيا ذاتيا فالقول المتضمن له حد وإن لم يكن ذاتيا فالقول المتضمن له رسم
وقوله من وجه آخر إن الصدق والكذب هو المخبر عنه في التصديق والتكذيب قلت فإذا كان
صدق الخبر أو كذبه متعلق التصديق أو التكذيب فالصدق والكذب أسبق لحوقا بالخبر
المصدق أو المكذب من جهة أن كونه صدقا أو كذبا هو السبب في تصديقه أو تكذيبه فقد
لزمه من قوله هذا الاعتراف بأن الصدق والكذب أولى بالخبر وأحق من التصديق والتكذيب
هامش إدرار الشروق
مخرج لقول القائل السفر علي واجب لأن الوجوب فيه لم يثبت بهذا اللفظ بل بإيجاب
الشارع عليه عقوبة عليه وقيد في نفس الأمر فصل ثان مخرج للخبر كقام زيد فإنه لا
يوجب مدلوله في نفس الأمر بل ولا في اعتقاد السامع إلا عند اعتقاده صدق المخبر
وقيد إذا صدر قصدا أي مقصودا إنشاء لفظه فصل ثالث مخرج لنحو قول القائل لزوجته أنت
طالق على وجه الغلط مريدا أنت حائض فلا يلزمه به طلاق في الفتوى وكذلك إذا قال لمن
طلقها رجعيا في العدة أنت طالق مخبرا بأنها طالق في الحال وإنما يلزمه إذا قصد
الإنشاء وإن لم يقترن بالوفاء بالعقود والتزام مقتضياتها وفيه ممن هو أهل لذلك فصل
رابع مخرج لصيغ الإنشاء إذا صدرت من سفيه أو فاقد الأهلية لعدم ترتب مدلولها عليها
حينئذ وزيادة أو متعلقة في الحد عطفا على مدلوله وإن كانت لأجل أن تندرج فيه
الإنشاءات بكلام النفس فإن كلام النفس لا دلالة فيه ولا مدلول وإنما فيه متعلق
ومتعلق خاصة وسيأتي بيانه في مسائل الإنشاء إلا أنه يلزم على هذه الزيادة الجمع في
الحد بين حقيقتين مختلفتين وهما القول اللساني والقول النفساني وذلك خلل في الحد
كما بين في محله
____________________
(1/37)
لمحالها واللازم لا يفارق الملزوم فالمقبولات لا تفارقها
فهي مجتمعة فيها والجواب عن الثاني أن المقصود بالحد إنما هو شرح لفظ المحدود
وبيان نسبته إليه فإن قولنا الإنسان هو الحيوان الناطق حد صحيح مع أن السامع يجب
أن يكون عالما بالحيوان وبالناطق إلا لكان حدنا وقع بالمجهول والتحديد بالمجهول لا
يصح فهو حينئذ عالم بالحيوان وبالناطق ومتى كان عالما بهما كان عالما بالإنسان
فإنه لا معنى للإنسان إلا هما وإذا كان عالما بالإنسان تعين انصراف التعريف والحد
إلى بيان نسبة اللفظ لأنه إذا سمع لفظ الإنسان فعلم أن له مسمى ما مجملا لم يعلم
تفصيله فبسطنا نحن ذلك المسمى أو قلنا له هو الحيوان الناطق الذي أنت تعرفه فلم
يحصل له بالحد إلا بيان نسبة اللفظ وخروجه من حيز الإجمال إلى حيز التفصيل والبيان
كذلك هاهنا يعلم السامع معنى
هامش أنوار البروق
وأن التصديق أو التكذيب إنما لحقاه لصدقه أو كذبه وقد نص هو بعد هذا في المسألة
الأولى من المسائل التي ذيل بها الكلام على الخبر على أن الصدق والكذب خصيصة من
خصائص الخبر وبالجملة فكلامه كله في هذا الفصل ضعيف ساقط واضح الضعف والسقوط
وقوله وقولنا لذاته احتراز من تعذر الصدق أو الكذب فيه لأجل المخبر به أو المخبر
عنه إلى آخر الفصل قلت قد تقدم أن الأولى الحد أو الرسم بأن الخبر قول يلزمه الصدق
أو الكذب ولزوم أحدهما له لا يمكن سواء فقوله لذاته بمعنى أنه لا يمكن غير ذلك
ظاهر وقوله احتراز من تعذر الصدق أو الكذب فيه لأجل المخبر به أو المخبر عنه قلت
إذا حد أو رسم بلزوم الصدق أو الكذب لم يحتج إلى التحرز من هذا الوجه وإنما حمله
على ذلك حده الخبر بأنه القول المحتمل للتصديق والتكذيب وقوله لكن جميع هذه
الإخبارات بالنظر إلى ذاتها تقبلهما من حيث هي أخبار قلت هذا الذي ذكره من قبول
الخبر الصدق والكذب من حيث هو خبر مقتضاه أن خبر الله تعالى من حيث هو خبر يقبل
الكذب لذاته وما هو ذاتي لا يتبدل وهذا ليس بصحيح بل خبر الله تعالى لا يصح أن
يكون كذبا ولا يصح أن يقبل الكذب وكذلك قول القائل الواحد نصف الاثنين لا يصح أن
يكون كذبا ولا يصح أن يقبل
هامش إدرار الشروق
فافهم
وبعبارة أخرى الكلام إن كان للنسبة المفهومة منه الحاصلة في الذهن خارج عن مدلوله
أي حاصل بين الطرفين مع قطع النظر عن دلالة اللفظ والفهم منه محتمل لأن تطابقه
النسبة أو لا تطابقه فخبر
وإن لم يكن كذلك بأن لا يكون له خارج أصلا كأقسام الطلب فإنها دالة على صفات نفسية
قائمة بالنفس قيام العرض بالمحل ليس لها متعلق خارجي أو يكون له خارج لكن لا يحتمل
المطابقة واللامطابقة كصيغ العقود فإن لها نسبا خارجية توجد بهذه الصيغ وليست لها
نسبة محتملة لأن تطابقها النسبة المدلولة أو لا تطابقها لأنها لحصولها بها مطابقة
قطعا فإنشاء وهذا أقرب الحدود وأخصرها كما في تقريرات الشربيني على حواشي محلي جمع
الجوامع فعلى هذا البيان يقع الفرق بين الخبر والإنشاء من أربعة أوجه الوجه الأول
أن الإنشاء سبب لمدلوله بخلاف الخبر
الوجه الثاني أن الإنشاءات يتبعها مدلولها فلا يقع الطلاق والملك إلا بعد صدور
صيغة الطلاق والبيع ممن هو أهل والأخبار تتبع مدلولاتها بمعنى أن الخبر تابع
لتقرير مخبره في زمانه ماضيا كان أو حاضرا أو
____________________
(1/38)
التصديق والتكذيب ولا يعلم مدلول لفظ الخبر فبسطناه نحن له
وفصلناه وقلنا له مدلول هذا اللفظ هو الذي يدخله التصديق والتكذيب اللذان تعرفهما
فانشرح له ما كان مجملا
ولذلك قال العلماء في حد الحد هو القول الشارح وعلى هذا يزول الدور عن جميع الحدود
إذا كان مدركها هذا المدرك نحو قولهم العلم معرفة المعلوم على ما هو به مع توقف
المعلوم على العلم لأنه مشتق منه والأمر هو القول المقتضي طاعة المأمور بفعل
المأمور به مع أن المأمور والمأمور به مشتقان من الأمر فهذا آخر القول في حد الخبر
وأما حد الإنشاء وبيان حقيقته فهو القول الذي بحيث يوجد به مدلوله في نفس الأمر أو
متعلقه فقولنا يوجد به مدلوله احتراز مما إذا قال قائل السفر علي واجب فيوجبه الله
تعالى عليه عقوبة له فإن الوجوب في هذه الصورة لم
هامش أنوار البروق
الكذب وليس الخبر بالنسبة إلى قبول الصدق والكذب كالجوهر بالنسبة إلى قبول السواد
والبياض وسائر الألوان فإن الخبر الأظهر أنه لا يعرى ألبتة عن أن يكون صدقا أو
كذبا فما ثبت صدقه لا يصح كذبه بعد وما ثبت كذبه لا يصح صدقه بعد لاستحالة ارتفاع
الواقع والجوهر إما أن يكون عروة جائزا وإما ممتنعا وإما مشكوكا على حسب اضطراب
الناس في ذلك وما ثبت سواده يصح بياضه بعد وما ثبت بياضه يصح سواده بعد فما قاله
هنا ليس بصحيح
قال شهاب الدين فإن قلت الصدق والكذب ضدان يستحيل اجتماعهما فلا يقبل محلهما إلا
أحدهما وإذا كان لا يقبل إلا أحدهما كان المتعين في الحد صيغة أو دون الواو وهذا
اختيار إمام الحرمين والأول اختيار القاضي أبي بكر ولأن التصديق والتكذيب نوعان
للخبر
والنوع لا يعرف إلا بعد معرفة الجنس فلو عرف الجنس به لزم الدور
قال قلت الجواب عن الأول أن الصواب هو اختيار القاضي لأنه لا يلزم من تنافي
المقبولين تنافي القبولين ألا ترى أن الممكن قابل للوجود والعدم لذاته وهما نقيضان
متنافيان والقبولان يجب اجتماعهما له لأنه لو وجد أحد القبولين دون الآخر للزم من
نفي ذلك القبول ثبوت استحالة ذلك المقبول الآخر فإن كان ذلك المستحيل هو الوجود
لزم أن يكون ذلك
هامش إدرار الشروق
مستقبلا فقولنا قام زيد تبع لقيامه في الزمان الماضي ولو قلنا هو قائم تبع لقيامه
في الحال وقولنا سيقوم الساعة تبع لتقرير قيامه في الاستقبال لا بمعنى أنه تابع
لمخبره في الوجود وإلا لما صدق ذلك إلا في الماضي فقط فإن الحاضر مقارن فلا تبعية
لحصول المساواة
ووجود المستقبل بعد الخبر فهو متبوع لا تابع وكذلك ينبغي أن يفهم معنى قولهم العلم
تابع لمعلومه أنه تابع لتقرره في زمانه ماضيا كان المعلوم أو حاضرا أو مستقبلا
فإنا نعلم الحاضرات والمستقبلات كما نعلم الماضيات والعلم في الجميع تبع لمعلومه
فالعلم بأن الشمس تطلع غدا فرع وتابع لتقرر طلوعها في مجاري العادات
الوجه الثالث أن الإنشاء لا يلزمه الصدق والكذب لذاته وإن لزمه للازمه كما عرفت
فلا يحسن أن يقال لمن قال لامرأته أنت طالق ثلاثا صدق ولا كذب إلا إذا أراد به
الإخبار عن طلاق امرأته بخلاف الخبر
الوجه الرابع أن الخبر يكفي فيه الوضع الأول في جميع صوره والإنشاء لا يقع إلا
منقولا عن أصل الوضع في صيغ العقود والطلاق والعتاق ونحوها فقول الرجل لامرأته أنت
طالق ثلاثا يفيد طلاقها
____________________
(1/39)
يثبت بهذا اللفظ بل بإيجاب الشارع بخلاف إزالة العصمة
بالطلاق والملك بالبيع وغير ذلك من صيغ الإنشاء فإنها توجب مدلولاتها
وإن لم تقترن بها نية ولا أمر آخر من قبل الشارع وقولنا هو القول الذي بحيث يوجد
ولم نقل يوجب احتراز من صيغ الإنشاء إذا صدرت من سفيه أو فاقد الأهلية فإنها في
تلك الصورة لا يترتب عليها مدلولها ولا توجب حكما ولكن ذلك لأمر خارج عنها لكنها
بالنظر إلى ذاتها مع قطع النظر عن الأمور الخارجية توجد مدلولاتها فلذلك قلنا بحيث
يوجد أي شأنها ذلك ما لم يمنع مانع أو يعارض معارض وقولنا في نفس الأمر احتراز من
الخبر فإنه يوجب مدلوله في اعتقاد السامع فإن القائل إذا قال قام زيد أفادنا هذا
القول اعتقاد أنه قام ولم يفد هذا القول القيام في نفس
هامش أنوار البروق
الممكن مستحيلا والمقرر أنه ممكن هذا خلف وإن كان المستحيل هو العدم لزم أن يكون ذلك
الممكن واجب الوجود لا ممكن الوجود هذا خلف فلا يتصور الإمكان إلا باجتماع
القبولين وإن تنافى المقبولان فتتعين الواو وإنما الشبهة التي وقعت لإمام الحرمين
التباس القبولين بالمقبولين وأنه يلزم من تعذر اجتماع المقبولين تعذر اجتماع
القبولين وليس كذلك ولذلك نقول كل جسم قابل لجميع الأضداد وقبولاتها كلها مجتمعة
له وإنما المتعاقبة على سبيل البدل هي المقبولات لا القبولات فتأمل ذلك
ويتقوى ذلك ويتضح بأن الإمكان والوجوب والاستحالة أحكام واجبة الثبوت لمحالها
لازمة لها وإلا لزم انقلاب الممكن واجبا أو مستحيلا وبالعكس وذلك محال وإذا كانت
لازمة لمحالها واللازم لا يفارق الملزوم فالقبولات لا تفارقها فهي مجتمعة فيها قلت
قد تقدم أن ما هو صدق لا يصح أن يصير كذبا
وما هو كذب لا يصح أن يصير صدقا فليس الصدق والكذب بالنسبة إلى الخبر كالسواد
والبياض بالنسبة إلى الجوهر فلا يصح في الخبر أن يقال إنه قابل للصدق والكذب كما
لا يصح ذلك في الحيوان فيقال هو قابل للنطق وغيره بل لا يكون إلا ناطقا أو غير
ناطق وما يكون ناطقا لا يكون غير ناطق وما يكون غير ناطق لا يكون
هامش إدرار الشروق
بالوضع الأول وإنما صار يفيد الطلاق بسبب النقل العرفي للإنشاء عن الإخبار عن
طلاقها ثلاثا كما يتفق له في بعض أحواله إذا سألته امرأته بعد الطلاق فيقول لها
أنت طالق ثلاثا إعلاما لها بتقدم الطلاق فلا يلزمه شيء والقول بأنه يفيد كلا من
الإخبار والإنشاء بطريق الاشتراك يضعفه رجحان المجاز على الاشتراك وقد يقع الإنشاء
لإنشاء الطلب بالوضع اللغوي الأول كالأوامر والنواهي
فصل ينقسم الإنشاء إلى مجمع عليه في الجاهلية
والإسلام ومختلف فيه والمجمع عليه أربعة أقسام الأول القسم كقولنا أقسم بالله لقد
قام زيد اتفق أهل اللسان من الجاهلية والإسلام على أن قائله أنشأ به القسم لا أنه
أخبر به عن وقوع في المستقبل فجميع لوازم الإنشاء موجودة فيه ولا يلزمه الصدق ولا
الكذب فلذلك قال بعض فضلاء النحاة القسم جملة إنشائية يؤكد بها جملة خبرية
القسم الثاني الأوامر والنواهي نحو قولنا افعل لا تفعل اتفق الجاهلية والإسلام على
أنه إنشاء لأنه يتبعه إلزام الفعل أو الترك ويترتب عليه ويلزمه جميع لوازم الإنشاء
ولا يلزمه الصدق ولا الكذب
____________________
(1/40)
الأمر بخلاف صيغ الإنشاء فإنها تفيد مدلولاتها في نفس الأمر
وفي اعتقاد السامع فصارت خصيصتها هي الإفادة في نفس الأمر أما في اعتقاد السامع
فهو أمر مشترك بينها وبين الخبر ولا يحصل به التمييز وقولنا أو متعلقه لتندرج
الإنشاءات بكلام النفس فإن كلام النفس لا دلالة فيه ولا مدلول وإنما فيه متعلق
ومتعلق خاصة وسيأتي بيانه في مسائل الإنشاء فيقع الفرق على هذا البيان بين الخبر
والإنشاء من أربعة أوجه
والوجه الأول أن الإنشاء سبب لمدلوله والخبر ليس سببا لمدلوله فإن العقود أسباب
لمدلولاتها ومتعلقاتها بخلاف الأخبار
الوجه الثاني أن الإنشاءات يتبعها مدلولها والأخبار تتبع مدلولاتها أما تبعية
مدلول الإنشاءات فإن الطلاق والملك مثلا إنما يقعان بعد صدور صيغة الطلاق والبيع
وأما أن الخبر تابع لمخبره فنعني بالتبعية أنه تابع لتقرر مخبره في زمانه ماضيا
كان
هامش أنوار البروق
ناطقا وإنما يقال في الشيء أنه قابل أو غير قابل بالنسبة إلى ما يصح اتصافه به
وعدم اتصافه به ويصح فيه تبدل ذلك الاتصاف وليس الأمر في الصدق والكذب كذلك
فالصحيح ما اختاره إمام الحرمين والله أعلم
قال شهاب الدين والجواب عن الثاني أن المقصود بالحد إنما هو شرح لفظ المحدود إلى
آخر الجواب قلت هذا الذي ذهب إليه من أن الحد إنما هو شرح لفظ المحدود يعني اسمه
هو رأي الإمام الفخر وقد خولف في ذلك وفي المسألة نظر يفتقر إلى بسط يطول ويعسر
وصحة الجواب مبنية على ذلك
قال شهاب الدين وأما حد الإنشاء فهو القول الذي بحيث يوجد مدلوله به في نفس الأمر
أو متعلقه فقولنا يوجد مدلوله به احتراز مما إذا قال قائل السفر علي واجب فيوجبه
الله تعالى عليه عقوبة له فإن الوجوب في هذه الصورة لم يثبت بهذا اللفظ بل بإيجاب
الشارع بخلاف إزالة العصمة بالطلاق والملك بالبيع وغير ذلك من صيغ الإنشاء فإنها
توجب مدلولاتها وإن لم تقترن بها نية ولا أمر آخر من قبل الشارع
هامش إدرار الشروق
القسم الثالث الترجي نحو لعل الله يأتينا بخير
والتمني نحو ليت لي مالا فأنفق منه والعرض نحو ألا تنزل عندنا فتصيب خيرا
والتحضيض وصيغه أربع وهي ألا بالتشديد نحو ألا تشتغل بالعلم وهلا ولو ما ولولا نحو
هلا أو لو ما أو لولا اشتغلت به فإن هذه الصيغ كلها إما للطلب أو يتبعها الطلب
ويترتب عليها ولا يلزمها صدق ولا كذب فهي كالأوامر والنواهي إنشاء
القسم الرابع النداء نحو يا زيد اتفق أنه إنشاء لأنه طلب لحضور المنادى والطلب
إنشاء نحو الأوامر والنواهي وإنما اختلف النحاة في أن المفيد للنداء الحرف وحده أو
فعل مضمر تقديره أنادي زيدا
قال المبرد وهذا الفعل المضمر لا يلزمه الصدق ولا الكذب حتى يكون خبرا فهو إنشاء
لطلب حضور المنادى والمختلف فيه قسمان أحدهما صيغ العقود كبعت واشتريت وأنت حر
وامرأتي طالق
قالت الأحناف إنها إخبارات على أصلها اللغوي وقال غيرهم إنها إنشاءات منقولة عن
الخبر إليه محتجين أولا بأمر يمكن فيه ادعاء القطع ولا يتأتى للأحناف الجواب عنه
إلا بالمكابرة وهو أن الإنشاء هو المتبادر في العرف إلى الفهم فوجب أن يكون منقولا
إليه كسائر المنقولات وذلك أن المبادرة للإنشاء والعدول إلى
____________________
(1/41)
أو حاضرا أو مستقبلا فقولنا قام زيد تبع لقيامه في الزمان
الماضي وقولنا هو قائم تبع لقيامه في الحال وقولنا سيقوم الساعة تبع لتقرر قيامه
في الاستقبال وليس المراد بالتبعية التبعية في الوجود وإلا لما صدق ذلك إلا في
الماضي فقط فإن الحاضر مقارن فلا تبعية لحصول المساواة والمستقبل وجوده بعد الخبر
فكان متبوعا لا تابعا فكذا ينبغي أن يفهم معنى قول الفضلاء الخبر تابع لمخبره
ومثله قولهم العلم تابع لمعلومه أي تابع لتقرره في زمانه ماضيا كان المعلوم أو
حاضرا أو مستقبلا فإنا نعلم الحاضرات والمستقبلات كما نعلم الماضيات والعلم في
الجميع تبع لمعلومه فالعلم بأن الشمس تطلع غدا فرع وتابع لتقرر طلوعها في مجاري
العادات
الوجه الثالث أن الإنشاء لا يقبل التصديق والتكذيب فلا يحسن أن يقال لمن قال
لامرأته أنت طالق ثلاثا صدق ولا كذب إلا أن
هامش أنوار البروق
قلت
أما قوله وإن لم تقترن بها نية فلا بد من النية وإلا فقول القائل لزوجه أنت طالق
على وجه الغلط وإنما أراد أن يقول لها أنت حائض لا يلزمه به طلاق في الفتوى وكذلك
إذا قال لها أنت طالق مخبرا بأنها طالق في الحال إذا كانت في العدة من الطلاق
الرجعي
وأما قوله ولا أمر آخر من قبل الشارع فإن كان أراد بذلك الأمر بالوفاء بالعقود
والتزام مقتضياتها فذلك صحيح وإلا فلا أدري ما أراد بذلك قال وقولنا هو القول الذي
بحيث يوجد ولم نقل يوجب احتراز من صيغ الإنشاء إذا صدرت من سفيه أو فاقد الأهلية
فإنها في تلك الصورة لا يترتب عليها مدلولها ولا توجب حكما ولكن ذلك لأمر خارج
عنها لكنها بالنظر إلى ذاتها مع قطع النظر عن الأمور الخارجية توجب مدلولاتها فلذلك
قلنا بحيث يوجد أي شأنها ذلك ما لم يمنع مانع أو يعارض معارض قلت تضمن كلامه هذا
أن هذه الصيغ توجد بها مدلولاتها لذاتها ما لم يمنع مانع وما هو ذاتي لا يصح أن
يمنعه مانع فكلامه هذا ضعيف وكان الأولى أن يتحرز بذكر قيد صدور هذه الصيغ ممن هو
أهل لذلك قال شهاب الدين
وقولنا في نفس الأمر احتراز من الخبر فإنه يوجب ذلك في اعتقاد السامع فإن القائل
إذا قال قام زيد أفادنا هذا القول اعتقاد أنه قام ولم يفد هذا القول القيام في نفس
الأمر
هامش إدرار الشروق
الخبر مدرك لنا بالعقول بالضرورة ولا نجد في أنفسنا أن القائل لامرأته أنت طالق
أنه يحسن تصديقه أو تكذيبه والمصنف يعتمد الوجدان ومن لم ينصف يقل ما شاء وثانيا
بخمسة أمور مبنية على تقدير أن المراد الظن لا القطع
أحدها أنها لو كانت إخبارا لكانت كاذبة لأنه لم يبع قبل ذلك الوقت ولم يطلق والكذب
لا عبرة به لكنها معتبرة فدل ذلك على أنها ليست إخبارا بل إنشاء لحصول لزوم
الإنشاء فيها من استتباعاته لمدلولاتها وغير ذلك
وأجاب الأحناف بأن صاحب الشرع قدر في هذه الصيغ تقدم مدلولاتها قبل النطق بها
بالزمن الفرد لضرورة تصديق المتكلم بها والإضمار أولى من النقل لما تقرر في علم
الأصول ولأن جواز الإضمار في الكلام مجمع عليه والنقل مختلف فيه والمجمع عليه أولى
ومتى كان المدلول مقدرا قبل الخبر كان الخبر صادقا فلا يلزم الكذب ولا النقل
للإنشاء وبقيت إخبارات على موضوعاتها اللغوية وعملنا بالأصل في عدم النقل وأنتم
خالفتموه وفيه نظر بوجهين الوجه الأول أن بناءه على إلجاء ضرورة صدق المتكلم بها
إلى تقدير تقدم مدلولاتها لا يصح لأن صدق المتكلم مبني على أن كلامه خبر وهو محل
النزاع
____________________
(1/42)
يريد به الإخبار عن طلاق امرأته
وكذلك لمن قال لعبده أنت حر وغير ذلك من صيغ الإنشاء بخلاف الخبر فإنه قابل للتصديق
والتكذيب وقد تقدم تقريره في حد الخبر
الوجه الرابع أن الإنشاء لا يقع إلا منقولا عن أصل الوضع في صيغ العقود والطلاق
والعتاق ونحوها وقد يقع إنشاء في الوضع الأول كالأوامر والنواهي فإنها تنشئ الطلب
بالوضع اللغوي الأول والخبر يكفي فيه الوضع الأول في جميع صوره فقول الرجل لامرأته
أنت طالق ثلاثا لا يفيد طلاق امرأته بالوضع الأول بل أصل هذه الصيغة أنه أخبر عن
طلاقها ثلاثا وأن لا يلزمه شيء كما يتفق له في بعض أحواله إذا سألته امرأته بعد
الطلاق فيقول لها أنت طالق ثلاثا إعلاما لها بتقدم الطلاق فهذا هو أصل الصيغة وإنما
صارت تفيد الطلاق بسبب النقل العرفي عن الإخبار إلى الإنشاء وكذلك جميع هذه الصيغ
هامش أنوار البروق
بخلاف صيغ الإنشاء فإنها تفيد مدلولتها في نفس الأمر وفي اعتقاد السامع فصارت
خصيصتها هي الإفادة في نفس الأمر أما في اعتقاد السامع فهو أمر مشترك بينها وبين
الخبر ولا يحصل به التمييز قلت هذا الاحتراز صحيح وما قاله في هذا الفصل كله
مستقيم غير قوله في الخبر أنه يوجب مدلوله في اعتقاد السامع فإن ذلك ليس بلازم إلا
عند اعتقاد السامع صدق المخبر
وأما عند اعتقاده كذبه فلا يوجب ذلك قال وقولنا أو متعلقة لتندرج الإنشاءات بكلام
النفس إلى قوله وسيأتي بيانه في مسائل الإنشاء قلت يلزم عن قوله هذا أنه جمع في
الحد بين حقيقتين مختلفتين وهما القول اللساني والقول النفساني وذلك خلل في الحدود
قال فيقع الفرق على هذا البيان بين الخبر والإنشاء من أربعة أوجه إلى آخر كلامه في
الوجه الثالث قلت كلامه في هذه الأوجه ظاهر مستقيم
قال الوجه الرابع أن الإنشاء لا يقع إلا منقولا عن أصل الوضع في صيغ العقود
والطلاق والعتاق ونحوها وقد يقع إنشاء بالوضع الأول كالأوامر والنواهي فإنها تنشئ
الطلب بالوضع اللغوي الأول والخبر يكفي فيه الوضع الأول في جميع صوره فقول الرجل
لامرأته أنت طالق ثلاثا
هامش إدرار الشروق
الوجه الثاني أنا لا نسلم أن ما نحن فيه من الإضمار المتفق عليه ضرورة أنه مفتقر
إلى تقدير وقوع ما لم يقع ثم إضماره أو إلى تقدير وقوعه دون إضماره وتقدير وقوع ما
لم يقع ليس هو الإضمار وثانيها أنها لو كانت إخبارا لكانت إما كاذبة ولا عبرة بها
أو صادقة فتكون متوقفة على تقدم أحكامها فحينئذ إما أن تتوقف عليها أيضا فيلزم
الدور أو لا تتوقف عليها فيلزم أن يطلق امرأته أو يعتق عبده وهو ساكت وذلك خلاف
الإجماع
وأجاب الأحناف بأن الدور غير لازم لأن النطق باللفظ لا يتوقف على شيء وبعده يقدر
تقدم المدلول وبعد تقدير المدلول يحصل الصدق ويلزم الحكم فالصدق
____________________
(1/43)
تنبيه اعتقد جماعة من الفقهاء أن قولنا في حد الخبر أنه
المحتمل للصدق والكذب أن هذا الاحتمال لهما استفاده الخبر من الوضع اللغوي وأن
الوضع اقتضى ذلك وليس كذلك بل لا يحتمل الخبر من حيث الوضع إلا الصدق خاصة وتقريره
أن العرب إنما وضعت الخبر للصدق دون الكذب لإجماع النحاة والمتحدثين على اللسان أن
معنى قولنا قام زيد حصول القيام في الزمان الماضي ولم يقل أحد أن معناه صدور
القيام أو عدمه بل جزم الجميع بالصدور
وكذلك جميع الأفعال الماضية وكذلك الأفعال المستقبلة نحو قولنا سيقوم زيد معناه
صدور القيام عنه في الزمن المستقبل عينا لا أن معناه صدور القيام أو عدمه وكذلك
أسماء الفاعلين والمفعولين كقولنا زيد قائم معناه أنه موصوف بالقيام عينا وكذلك
المجرورات نحو زيد في الدار معناه لغة استقراره فيها دون عدم استقراره لم
هامش أنوار البروق
لا يفيد طلاق امرأته بالوضع الأول بل أصل هذه الصيغة أنه أخبر عن طلاقها ثلاثا وأن
لا يلزمه شيء كما يتفق له في بعض أحواله إذا سألته امرأته بعد الطلاق فيقول لها
أنت طالق ثلاثا إعلاما لها بتقدم الطلاق قلت لقائل أن يقول بل يقع غير منقول على
وجه الاشتراك لكن يترجح قول المؤلف برجحان المجاز على الاشتراك
قال شهاب الدين تنبيه اعتقد جماعة من الفقهاء أن قولنا في حد الخبر أنه المحتمل
للصدق والكذب أن هذا الاحتمال لهما استفادة الخبر من الوضع اللغوي وأن الوضع اقتضى
له ذلك وليس كذلك بل لا يحتمل الخبر من حيث الوضع إلا الصدق خاصة وتقريره أن العرب
إنما وضعت الخبر للصدق دون الكذب لإجماع النحاة والمتحدثين على اللسان أن معنى
قولنا قام زيد حصول القيام في الزمن الماضي ولم يقل أحد إن معناه صدور القيام أو
عدمه بل جزم الجميع بالصدور وكذلك جميع الأفعال الماضية وكذلك الأفعال المستقبلة
نحو قولنا سيقوم زيد معناه صدور القيام عنه في الزمن المستقبل عينا لا أن معناه
صدور القيام أو عدمه
وكذلك أسماء الفاعلين والمفعولين كقولنا زيد قائم
هامش إدرار الشروق
متوقف مطلقا على التقدير والمتوقف عليه التقدير مطلقا اللفظ فالثلاثة أمور مترتبة
بعضها على بعض ترتب الابن والأب والجد وليس فيها ما هو قبل الآخر وبعده وفيه أنه
لا يحصل بعد تقدير المدلول إلا تقدير الصدق إذ كيف تحصل حقيقة الصدق بناء على
تقدير وقوع ما لم يقع
وثالثها أنها لو كانت إخبارا فإما أن تكون خبرا عن الماضي أو الحاضر فيتعذر
تعليقها عن الشرط حينئذ إذ من شرط الشرط أن لا يتعلق بمستقبل أو تكون خبرا عن
المستقبل فيصح تعليقها على الشرط لكن لا يزيد على التصريح بذلك حينئذ وهو لو صرح
وقال لامرأته ستصيرين طالقا لم تطلق بهذا اللفظ وكذلك ما في معناه
وأجاب الأحناف بالتزام أنها إخبارات عن الماضي ومنع تعذر التعليق عن الماضي مطلقا
بل على خصوص الماضي المحقق لا المقدر كما هنا وذلك لأن معنى التعليق توقيف أمر في
دخوله في الوجود على دخول أمر آخر في الوجود وهو الشرط وما دخل في الوجود وتحقق لا
يمكن توقيف دخوله في الوجود على غيره بخلاف ما كان دخوله في الوجود غير محقق بل
مقدر فإنه يمكن
____________________
(1/44)
يختلف في ذلك اثنان من أئمة العربية فعلمنا أن اللغة إنما
هي الصدق دون الكذب فإن قلت فما معنى قولكم إنه يحتمل الصدق والكذب على هذا
التقرير الذي اقتضى أن الصدق متعين له فلا يحتمل إلا إياه قلت معناه أن ذلك يأتيه
من جهة المتكلم لا من جهة الوضع فإن المتكلم قد يستعمله صدقا على وفق الوضع وقد
يستعمله كذبا على خلاف مطابقة الوضع وقولنا في الشيء إنه يحتمل الشيء الفلاني أعم
من كونه يحتمله من جهة مخصوصة معينة بل إذا احتمله من أي جهة كانت فقد احتمله فإذا
احتمله من جهة المتكلم فقد احتمله من حيث الجملة كقولنا في الممكن إنه قابل للوجود
والعدم لا نريد أنه يقبل الوجود من سبب معين بل من أي جهة كانت وأي سبب كان كذلك
هاهنا ونظير قولنا في الخبر أنه يحتمل الصدق والكذب قولنا في الكلام إنه يحتمل
الحقيقة والمجاز وأجمعنا على أن المجاز ليس من الوضع الأول وكذلك الكذب فالمجاز
والكذب إنما
هامش أنوار البروق
معناه أنه موصوف بالقيام عينا وكذلك المجرورات نحو زيد في الدار معناه لغة
استقراره فيها دون عدم استقراره لم يختلف في ذلك اثنان من أئمة العربية فعلمنا أن
اللغة إنما هي الصدق دون الكذب فإن قلت فما معنى قولكم إنه يحتمل الصدق والكذب على
هذا التقرير الذي اقتضى أن الصدق متعين له فلا يحتمل إلا إياه قلت معناه أن ذلك
يأتيه من جهة المتكلم لا من جهة الوضع فإن المتكلم قد يستعمله صدقا على وفق الوضع
وقد يستعمله كذبا على خلاف مطابقة الوضع
وقولنا في الشيء إنه يحتمل الأمر الفلاني أعم من كونه يحتمله من جهة مخصوصة معينة
بل إذا احتمله من أي جهة كانت فقد احتمله فإذا احتمله من جهة المتكلم فقد احتمله
من حيث الجملة كقولنا في الممكن إنه القابل للوجود والعدم لا نريد أنه يقبل الوجود
من سبب معين بل من أي جهة كانت وأي سبب كان كذلك هنا ونظير قولنا في الخبر إنه
يحتمل الصدق والكذب قولنا إنه يحتمل الحقيقة والمجاز
وأجمعنا على أن المجاز ليس من الوضع الأول وكذلك الكذب فالمجاز والكذب إنما يأتيان
من جهة المتكلم لا من الوضع والذي للوضع هو الصدق والحقيقة
هامش إدرار الشروق
توقيف دخوله في الوجود على غيره فإذا قال لامرأته أنت طالق إن دخلت الدار فقد أخبر
عن ارتباط طلاق امرأته بدخول الدار فيقدر صاحب الشرع هذا الارتباط قبل نطقه به
بالزمن الفرد لضرورة تصديقه وإذا قدر الارتباط قبل النطق صار الإخبار عن الارتباط
ماضيا لأن حقيقة الماضي هو الذي مخبره قبل خبره وهذا كذلك بالتقدير فيكون ماضيا مع
التعليق فقد اجتمع المضي والتعليق بهذا التفسير ولم يناف المضي التعليق فتأمله فهو
دقيق في باب التقديرات وفيه أنه مبني على ضرورة صدق المتكلم وضرورة الصدق مبنية
على كون كلامه خبرا وهو محل النزاع كما تقدم في الجواب عن الاحتجاج الأول
ورابعها أن لزوم طلقة أخرى لمن قال لمطلقته الرجعية أنت طالق بلا خلاف مع أن
إخباره صادق باعتبار الطلقة المتقدمة دليل على أن هذه الصيغة منشئة للطلاق
وأجاب الأحناف بأن قائل ذلك لمطلقته الرجعية إن أراد الإخبار عن الطلقة الماضية لم
تلزمه طلقة ثانية وإن قصد الإخبار عن طلقة ثانية فهو إخبار كاذب لعدم تقدم وقوع
ثانية فيحتاج للتقدير لضرورة التصديق فيلزمه الثانية بالتقدير كالأولى فالمطلقة
____________________
(1/45)
يأتيان من جهة المتكلم لا من جهة الوضع والذي للوضع هو
الصدق والحقيقة فتأمل ذلك
تنبيه قولنا في حد الخبر إنه المحتمل للتصديق والتكذيب إنما يصح على مذهب الجمهور
الذين لا يشترطون في حقيقة الكذب القصد إليه بل يكتفون بعدم مطابقته للمخبر عنه في
نفس الأمر
وقال الجاحظ وغيره يشترط في حقيقة الكذب القصد إليه وعدم المطابقة فعلى رأي هؤلاء
ينقسم الخبر إلى صدق وهو المطابق وكذب وهو غير المطابق الذي قصد إلى عدم مطابقته
وإلى ما ليس بصدق ولا كذب وهو غير المطابق الذي لم يقصد إلى عدم مطابقته فهذا
القسم الثالث لا يكون عندهم صدقا ولا كذبا ولا يحتملهما مع أنه خبر فيصير الحد غير
جامع عندهم فيكون فاسدا لنا
قوله عليه الصلاة
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله في هذا التنبيه خطأ فاحش لا أعلم أحدا من منتحلي شيء من علوم اللسان
ذهب إليه ولا قال أحد قط إن كل كاذب متجوز في إطلاقه لفظه على معناه وما بناه على
قوله هذا من السؤال والجواب بناء على شفا جرف هار وما اغتر به من كون لفظة قام
وضعت للإخبار عن وقوع القيام ممن أسند إليه لا يغتر به إلا من قصر فهمه وقل علمه
قال شهاب الدين تنبيه قولنا في حد الخبر أنه المحتمل للتصديق والتكذيب إنما يصح
على مذهب الجمهور الذين لا يشترطون في حقيقة الكذب القصد إليه بل يكتفون بعدم
مطابقته للمخبر عنه في نفس الأمر
وقال الجاحظ وغيره يشترط في حقيقة الكذب القصد إلى الكذب وعدم المطابقة فعلى رأي
هؤلاء ينقسم الخبر إلى صدق وهو المطابق وكذب وهو غير المطابق الذي قصد إلى عدم
مطابقته وإلى ما ليس بصدق ولا كذب وهو غير المطابق الذي لم يقصد
فهذا القسم الثالث لا يكون عندهم صدقا ولا كذبا ولا يحتملهما مع أنه خبر فيصير
الحد غير جامع عندهم لنا قوله صلى الله عليه وسلم كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما
سمع فجعله إذا حدث بما سمعه كاذبا لأنه فيه غير مطابق في الغالب وإن كان لم يعرفه
حتى يقصد إليه فدل ذلك على عدم اعتبار القصد في الكذب وقوله صلى الله عليه وسلم
هامش إدرار الشروق
الرجعية وغيرها سواء في عدم الاستغناء عن التقدير وإنما يلزم الفرق بينها إذا كان
قوله أنت طالق إخبارا عن الطلقة الأولى وليس كذلك وهذا الجواب أيضا مبني على ضرورة
الصدق وفيه ما في الجوابين عن الاحتجاج الأول والثالث فلا تغفل
وخامسها قوله تعالى فطلقوهن لعدتهن أمر بالطلاق والأمر به لا يمكن أن يكون عائدا
على التحريم فإن التحريم صفة من صفات الله تعالى وكلامه النفساني لا يتعلق به كسب
ولا اختراع فتعين صرفه لأمر آخر يستلزمه توفيته باللفظ الدال على الطلب وما ذلك
الأمر إلا قول القائل أنت طالق فدل ذلك على أن هذه الصيغة سبب التحريم ويترتب
عليها التحريم ولا نعني بكونها إنشاء إلا ذلك
وأجاب الأحناف بأن الأمر عندنا متعلق بإيجاد خبر يقدر الشرع قبله الطلاق فيلزم
الطلاق لا بإيجاد إنشاء الطلاق
____________________
(1/46)
والسلام كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع فجعله إذا حدث
بكل ما سمعه كاذبا لأنه فيه غير مطابق في الغالب وإن كان لم يعرفه حتى يقصد إليه
فدل ذلك على عدم اعتبار القصد في الكذب وقوله عليه الصلاة والسلام من كذب علي
متعمدا فليتبوأ مقعده من النار مفهومه أن من كذب غير متعمد لا يستحق النار فدل ذلك
على تصور حقيقة الكذب من غير قصد إليه وهو المطلوب احتجوا بقوله تعالى أفترى على
الله كذبا أم به جنة فقسم الكفار قوله عليه الصلاة والسلام إلى الكذب وإلى الجنون
الذي لا يتصور معه القصد مع اعتقادهم عدم المطابقة في القسمين فدل ذلك على أنه لا
يسمى كذبا إلا إذا قصد لعدم مطابقته
والجواب لا نسلم أنهم قسموا قوله عليه الصلاة والسلام إلى مطلق الكذب والجنون بل
إلى الافتراء وهو أخص من الكذب فإن الكذب قد يكون مخترعا
هامش أنوار البروق
من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار مفهومه أن من كذب غير متعمد لا يستحق
النار فدل ذلك على تصور حقيقة الكذب من غير قصد إليه
وهو المطلوب احتجوا بقوله تعالى أفترى على الله كذبا أم به جنة فقسم الكفار قوله
صلى الله عليه وسلم إلى الكذب وإلى الجنون الذي لا يتصور معه القصد مع اعتقادهم
عدم المطابقة في القسمين فدل ذلك على أنه لا يسمى كذبا إلا إذا قصد لعدم مطابقته
والجواب لا نسلم أنهم قسموا كلامه عليه الصلاة والسلام إلى مطلق الكذب والجنون بل
إلى الافتراء وهو أخص من الكذب فإن الكذب قد يكون مخترعا من جهة الكاذب لم يسمعه
من غيره فهذا هو الافتراء وما يتبع غيره فيه فلا يقال له افتراء فهم قسموا الكذب
إلى نوعيه المفترى وغيره لا أنهم قسموا الكلام إلى الكذب وغيره فلا يحصل مقصود
الخصم وهذا كقولنا في زيد هو تعمد الكذب أم لم يتعمده أو نقول هو افترى هذا الكذب
واخترعه أو اتبع فيه غيره أو نطق به غفلة من غير قصد ومعلوم أنه إذا صرح بمثل هذا
لا يدل على اشتراط القصد في حقيقة الكذب قلت ما قاله من أن حد الخبر بالمحتمل
للتصديق والتكذيب إنما يصح على مذهب الجمهور ليس بصحيح بل يصح على كل مذهب على
تسليم صحة حده فإن خبر المخبر غير القاصد للكذب قابل
هامش إدرار الشروق
حتى يكون اللفظ سببا كما ذكرتموه بل خبرا صرفا مع التقدير وهذا أمر ممكن متصور فلا
حاجة إلى مخالفة الأصل بالنقل والعدول عن اللغة الصريحة ومقتضى هذا الجواب إبداء
احتمال في متعلق الأمر وهو وإن كان أشبه أجوبتهم وغير مدفوع إلا أنه مرجوح بصحة
الاحتجاجات الخمسة السابقة ومتروك بالاحتجاج الذي قبل الخمسة إن صح قاطعا إذ يكفي
في متونته أنه لم يذكر لهم عنه جواب وأن صحة الجواب عنه لا تتأتى إلا بالمكابرة
فافهم
والقسم الثاني صيغ الحمد والذكر والتنزيه ونحوها قال العلامة الشربيني رأيت عن
بعضهم فيها حكاية قولين لزوم القصد أي قصد الإنشاء وعدمه ولعل الأول مبني على عدم
تسليم النقل فيها بناء على ما قاله بعض إن القول بأنه مشترك بين الإخبار والإنشاء
كصيغ العقود لا يلتفت إليه لأن صيغ العقود نقلها الشرع إلى الإنشاء لمصلحة الأحكام
وإثبات النقل لما نحن فيه أي من نحو صيغ الحمد بلا ضرورة داعية مشكل جدا فالحق
أنها أخبار استعملت في الإنشاء مجازا لأن قصد الإخبار بها بعيد ا ه
____________________
(1/47)
من جهة الكاذب لم يسمعه من غيره فهذا هو الافتراء وما تبع
فيه غيره لا يقال له افتراء فهم قسموا الكذب إلى نوعيه المفترى وغيره لا أنهم
قسموا الكلام إلى الكذب وغيره فلا يحصل مقصود الخصم وهذا كقولنا في زيد هو تعمد
الكذب أم لم يتعمده أو نقول هو ابتدأ هذا الكذب وتعمده أو اتبع فيه غيره أو نطق به
غفلة من غير قصد ومعلوم أنه إذا صرح بمثل هذا لا يدل على اشتراط القصد في حقيقة
الكذب
فصل الإنشاء ينقسم إلى ما اتفق الناس عليه وإلى
ما اختلفوا فيه فالمجمع عليه أربعة أقسام القسم الأول القسم نحو قولنا أقسم بالله
لقد قام زيد ونحوه فإن مقتضى هذه الصيغة أنه أخبر بالفعل المضارع أنه سيكون منه
قسم في المستقبل فكان ينبغي أن لا تلزمه
هامش أنوار البروق
للتصديق والتكذيب كما أن خبر المخبر القاصد للكذب قابل لذلك وإنما أوقعه فيما قاله
ذهاب وهمه إلى الصدق والكذب عوض التصديق والتكذيب وهو قد أبى الحد بهما ولا تلازم
بين الصدق والتصديق والكذب والتكذيب فقد يصدق الكاذب ويكذب الصادق من ليس بعالم
بالغيب ولا يلزم أن لا يكذب من لا يعلم الغيب إلا من قصد الكذب ومن أين يطلع على
قصده لذلك
واستدلاله بما استدل به على صحة مذهب الجمهور صحيح على تقدير أن المرام في المسألة
الظن
وأما على تقدير أن المرام فيها القطع فلا وما أجاب به عن احتجاجهم بقوله تعالى
أفترى على الله كذبا أم به جنة حيث قال فهم قسموا الكذب إلى نوعيه المفترى وغيره
لا أنهم قسموا الكلام إلى الكذب وغيره لا يصح على تقدير أن المرام الظن من جهة أن
ما قالوه هو الظاهر دون ما قاله وأما إن كان المرام القطع فقد يصح على بعد احتمال
ما قاله فإن نسبة الجنون إلى من اتبع غيره في قوله الكاذب في غاية البعد والله
أعلم
قال شهاب الدين فصل الإنشاء ينقسم إلى ما اتفق الناس عليه إلى آخر كلامه في القسم
الرابع قلت جميع ما قاله في ذلك ظاهر صحيح غير قوله في القسم الأول فإن مقتضى هذه
الصيغة أنه
هامش إدرار الشروق
والمجاز إما مرسل بنقل لفظ الجملة من الإثبات على وجه الإخبار إلى مطلق الإثبات ثم
استعماله في الإثبات على وجه الإنشاء إما من جهة كونه فردا فيكون بمرتبة للتقييد
أو من جهة خصوصه فيكون بمرتبتين أي نقلتين للتقييد ثم الإطلاق أو بالاستعارة
المركبة الغير التمثيلية بتشبيه الإنشاء بالخبر إما بناء على التضاد المنزل منزلة
التناسب وإما في تحقق الوقوع حتى كأنه واقع ويستحق الإخبار عنه لما للعصام من أن
التجوز هنا باعتبار الهيئة التركيبية وفي التمثيلية باعتبار مجموع مادة المركب
الموضوع للهيئة المعنوية الحاصلة من اجتماع معاني مفرداته في الذهن
قال العطار وعلى تقدير خبريتها أي صيغة الحمد يقال إن هذه الجملة لم يقصد بها
إخبار أحد بل قصد بها تحصيل الحمد كبقية صيغ الأذكار والتنزيهات وكيف لا تكون كذلك
ومن الذي قصد إخباره حتى تكون الإفادة له ولو فرض مخاطب قصد إخباره لكان الإخبار
به كالإخبار بقولنا السماء فوقنا وقد مر عن علاء الدين النجاري أن الجمل الخبرية
لا يلزمها الإخبار بل قد تكون للتحسر والتحزن فيجوز أن يكون الغرض من هذه القضية
الثناء على الله
____________________
(1/48)
كفارة بهذا القول لأنه وعد بالقسم لا قسم كقول القائل أعطيك
درهما فإنه وعد بالإعطاء لكن لما وقع الاتفاق على أنه بهذا اللفظ أقسم وأن موجب
القسم يلزمه دل ذلك على أنه أنشأ به القسم لا أنه أخبر به عن وقوعه في المستقبل
وهذا أمر اتفق عليه الجاهلية والإسلام ولذلك لا يحتمل التصديق والتكذيب وجميع
لوازم الإنشاء موجودة فيه فدل ذلك على أنه إنشاء ولذلك يقول فيه من أحاط بذلك من
فضلاء النحاة القسم جملة إنشائية يؤكد بها جملة خبرية
القسم الثاني الأوامر والنواهي إنشاء متفق عليه
في الجاهلية والإسلام فإن قول القائل افعل لا تفعل يتبعه إلزام الفعل أو الترك
ويترتب عليه ولا يحتمل التصديق والتكذيب ولا يقبل لوازم الخبر ويلزمه جميع لوازم
الإنشاء فيكون إنشاء
القسم الثالث الترجي نحو لعل الله يأتينا بخير والتمني نحو ليت لي مالا فأنفق منه
والعرض نحو ألا تنزل عندنا فتصيب خيرا والتحضيض وصيغه أربع وهي ألا وهلا ولو ما
ولولا نحو ألا تشتغل بالعلم وهلا اشتغلت به ولو ما اشتغلت به فإن هذه الصيغ كلها
للطلب ويتبعها الطلب ويترتب عليها ولا تقبل التصديق ولا التكذيب فهي كالأوامر
والنواهي إنشاء كما تقدم
هامش أنوار البروق
أخبر بالفعل المضارع أنه سيكون منه قسم في المستقبل فإنه ليس بصحيح مع تسليم ما
حكاه من الإجماع عن أهل الجاهلية والإسلام أنه بهذا اللفظ أنشأ القسم وإذا كان
الأمر كما قال عندهم وهم جميع أهل اللسان فكون تلك الصيغة مقتضاها الإخبار إنما
يكون عند غير أهل اللسان ولا اعتبار بهم ولا حجة فيهم
هامش إدرار الشروق
والتحميد فيكون قائلها حامدا كما كانت امرأة عمران متحسرة ولا تخرج بذلك عن كونها
محتملة للصدق والكذب لأنها إذا نظر لمجرد مفهومها تحتملها وهذا هو الفاصل للخبر عن
الإنشاء
ا ه بتغيير وتصرف قلت وعلى هذا فصيغة الحمد والذكر والتنزيه ونحوها من قبيل
الكناية إما بمعنى اللفظ المستعمل في غير ما وضع له لملاحظة علاقته مع جواز إرادته
معه أو بمعنى اللفظ المستعمل فيما وضع له لكن لا ليكون مقصودا بالذات بل لينتقل
منه إلى لازمه المقصود بالذات لما بينهما من العلاقة على الطريقتين فيها من كونه
واسطة بين الحقيقة والمجاز أو حقيقة كما في رسالة الصبان البيانية وفي حاشية
الأنبابي عليها ما حاصله أن الجملة الخبرية كثيرا ما تورد مرادا بها معناها أي
مفهومها المحتمل للصدق والكذب لأغراض أخر سوى إفادة الحكم أي الإعلام بمضمونها أو
لازمه أي كون المتكلم عالما به كالتحسر ونحوه من المعاني الإنشائية بدون استعمالها
في ذلك الغرض بل يراد بطريق الكناية فيما فيه علاقتها من اللزوم
____________________
(1/49)
القسم الرابع النداء نحو يا زيد اختلف فيه النحاة هل فيه فعل مضمر
تقديره أنادي زيدا أو الحرف وحده مفيد للنداء فقيل على الأول لو كان الفعل مضمرا
والتقدير أنادي زيدا لقبل التصديق والتكذيب أجاب المبرد عن ذلك بأن الفعل مضمر ولا
يلزم قبوله التصديق والتكذيب لأنه إنشاء والإنشاء لا يقبلهما ويؤكد الإنشاء في
النداء أنه طلب لحضور المنادى والطلب إنشاء نحو الأوامر والنواهي فهو مما اتفق على
أنه إنشاء لكن الخلاف في الإضمار وعدمه فقط فهذه الأقسام متفق عليها في الجاهلية
والإسلام
وأما المختلف فيه هل هو إنشاء أو خبر فهي صيغ العقود نحو بعت واشتريت وأنت حر
وامرأتي طالق ونحو ذلك
قالت الحنفية إنها إخبارات على أصلها اللغوي وقال غيرهم إنها إنشاءات منقولة عن
الخبر إليه احتج هؤلاء بأمور أحدها أنها لو كانت إخبارا لكانت كاذبة لأنه لم يبع
قبل ذلك الوقت ولم يطلق والكذب لا عبرة به لكنها معتبرة فدل ذلك على أنها ليست
إخبارا بل إنشاء لحصول لوازم الإنشاء فيها من استتباعاته لمدلولاتها وغير ذلك من
اللوازم
وثانيها أنها لو كانت إخبارا لكانت إما كاذبة ولا عبرة بها أو صادقة فتكون متوقفة
هامش أنوار البروق
قال وأما المختلف فيه هل هو إنشاء أو خبر فهي صيغ العقود نحو بعت واشتريت وأنت حر
وامرأتي طالق ونحو ذلك قالت الحنفية إنها إخبارات على أصلها اللغوي
وقال غيرهم إنها إنشاءات منقولة عن الخبر إليه احتج هؤلاء بأمور أحدها أنها لو
كانت إخبارا لكانت كاذبة لأنه لم يبع قبل ذلك الوقت ولم يطلق
والكذب لا عبرة به لكنها معتبرة فدل ذلك على أنها ليست إخبارا بل إنشاء
هامش إدرار الشروق
الخاص أو بطريق التعريض في غيره أي فهي حينئذ جملة خبرية خارجة عن الأصل في الخبر
من الإعلام بمضمونه يقال للمتكلم بها مخبر لا معلم لأن الإعلام في العرف التلفظ
بالجملة الخبرية مرادا بها معناه وإن لم يحصل بها العلم ولذا يعتق الكل فيما إذا
قال من أخبرني بقدوم زيد فهو حر وأخبروه على التعاقب كما صرح به السعد في شرح
الكشاف فصل في ست مسائل حسنة في بابها توضح
الإنشاء المسألة الأولى يعتقد الفقهاء أن قول القائل لامرأته أنت علي كظهر أمي
إنشاء للظهار كما أن قوله لها أنت طالق إنشاء للطلاق محتجين بثلاثة أوجه أحدها أن
كتب المحدثين والفقهاء متظافرة على أن الظهار كان طلاقا في الجاهلية فجعله الله
تعالى في الإسلام تحريما تحله الكفارة كما تحل الرجعة تحريم الطلاق كما ورد في ذلك
حديث أبي داود وهو أن خويلة بنت شريك قالت ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت فأتيت رسول
الله صلى الله تعالى عليه وسلم أشكو إليه وهو عليه السلام يجادلني فيه ويقول اتق
الله فإنه ابن عمك فما برحت حتى نزل قوله تعالى قد سمع الله قول التي تجادلك في
زوجها الآية فقال ليعتق رقبة قالت لا يجد قال فيصوم شهرين متتابعين قالت يا رسول
الله إنه شيخ كبير ما به من صيام قال فليطعم ستين مسكينا قالت ما عنده من شيء
يتصدق به قال فإني سأعينه بفرق من تمر قلت يا رسول الله وأنا سأعينه بفرق آخر قال
أحسنت فاذهبي وأطعمي عنه ستين مسكينا وارجعي إلى ابن عمك لاقتضاء هذا الحديث
____________________
(1/50)
على تقدم أحكامها فحينئذ إما أن تتوقف عليها أيضا فيلزم
الدور أو لا تتوقف عليها فيلزم أن يطلق امرأته أو يعتق عبده وهو ساكت وذلك خلاف
الإجماع
وثالثها أنها لو كانت إخبارا فإما أن تكون خبرا عن الماضي أو الحاضر وحينئذ يتعذر
تعليقها على الشرط لأن من شرط الشرط أن لا يتعلق إلا بمستقبل أو خبر عن المستقبل
وحينئذ لا يزيد على التصريح بذلك وهو لو صرح وقال لامرأته ستصيرين طالقا لم تطلق
بهذا اللفظ وكذلك ما في معناه
ورابعها أنه لو قال للمطلقة الرجعية أنت طالق لزمه طلقة أخرى مع أن إخباره صادق
باعتبار الطلقة المتقدمة فلا حاجة إلى طلقة أخرى لكن لما لزمه طلقة أخرى دل ذلك
على أن هذه الصيغة منشئة للطلاق
وخامسها قوله تعالى فطلقوهن لعدتهن والأمر بالطلاق لا يمكن أن يكون عائدا على
التحريم فإن التحريم صفة من صفات الله تعالى وكلامه النفساني لا يتعلق به كسب ولا
اختراع فتعيين صرفه لأمر آخر يقتضيه ويستلزمه توفية باللفظ الدال على الطلب وما
ذلك إلا قول القائل أنت طالق فدل ذلك على أن هذه الصيغة سبب التحريم ويترتب عليها
التحريم ولا نعني بكونها إنشاء إلا ذلك
وسادسها أن الإنشاء هو المتبادر في العرف إلى الفهم فوجب أن يكون منقولا إليه
كسائر المنقولات
هامش أنوار البروق
لحصول لوازم الإنشاء فيها من استتباعها لمدلولاتها وغير ذلك من اللوازم وثانيها
أنها لو كانت إخبارا لكانت إما كاذبة ولا عبرة بها أو صادقة فتكون متوقفة على تقدم
أحكامها وحينئذ إما أن تتوقف عليها أيضا فيلزم الدور أو لا تتوقف عليها فيلزم أن
يطلق امرأته أو يعتق عبده
وهو ساكت وذلك خلاف الإجماع وثالثها أنها لو كانت إخبارا فإما أن تكون خبرا عن
الماضي أو الحاضر وحينئذ يتعذر تعليقها
هامش إدرار الشروق
أن الحال قبل نزول الآية كان يقتضي أنها لا ترجع إليه بطريق من الطرق وهذا هو
الطلاق المؤبد والطلاق إنشاء فيكون الظهار كذلك لأنه كان عندهم طلاقا والأصل عدم
النقل والتغيير ومن ادعاه فعليه الدليل وثانيها أنه لفظ يترتب عليه التحريم فيكون
سببا لمدلوله الذي هو التحريم وكل ما كان سببا لمدلوله فهو إنشاء فيكون إنشاء
كالطلاق
وثالثها أن خروج هذا اللفظ عن صنيع الإنشاء بعيدا جدا لأن استتباعه أحكاما تترتب
عليه من التحريم والكفارة وغيرهما يوجب أن يكون إنشاء مثل الطلاق والعتاق من صيغ
الإنشاء لا سيما وقد نص الفقهاء على أن له صريحا وكناية كالطلاق وغيره والحق أنه
خبر لا إنشاء لأن من خصائص الإنشاء عدم قبوله للتصديق والتكذيب وقد كذب الله
سبحانه المظاهرين بقوله تعالى الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن
أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا في ثلاثة مواطن
____________________
(1/51)
والجواب قالت الحنفية أما الأول فإنما يلزم أن يكون كذبا أن
لو لم يقدر فيها صاحب الشرع تقدم مدلولاتها قبل النطق بها بالزمن الفرد لضرورة
تصديق المتكلم بها لكن الإضمار أولى من النقل لما تقرر في علم الأصول ولأن جواز
الإضمار في الكلام مجمع عليه والنقل مختلف فيه والمجمع عليه أولى ومتى كان المدلول
مقدرا قبل الخبر كان الخبر صادقا فلا يلزم الكذب ولا النقل للإنشاء وبقيت إخبارات
على موضوعاتها اللغوية وعملنا بالأصل في عدم النقل وأنتم خالفتموه
وعن الثاني أن الدور غير لازم لأن النطق باللفظ لا يتوقف على شيء وبعده يقدر تقدم
المدلول وبعد تقدير المدلول يحصل الصدق ويلزم الحكم فالصدق متوقف مطلقا واللفظ
متوقف عليه مطلقا والتقدير متوقف على النطق ويتوقف عليه الصدق فههنا ثلاثة أمور
مترتبة بعضها على بعض وليس فيها ما هو قبل الآخر وبعده حتى يلزم الدور بل هي
كالابن والأب والجد في الترتيب والتوقف فاندفع الدور
وعن الثالث أنا نلتزم أنها إخبارات عن الماضي ولا يتعذر التعليق وبيانه أن الماضي
له تفسير أن أحدهما ماض تقدم مدلوله قبل النطق به من غير تقدير فهذا يتعذر تعليقه
لأن معنى التعليق توقيف أمر في دخوله في الوجود على دخول أمر آخر في الوجود وهو
هامش أنوار البروق
على الشرط لأن من شرط الشرط أن لا يتعلق إلا بمستقبل أو خبر عن مستقبل وحينئذ لا
يزيد على التصريح بذلك وهو لو صرح وقال لامرأته ستصيرين طالقا لم تطلق بهذا اللفظ
وكذلك ما في معناه ورابعها أنه لو قال للمطلقة الرجعية أنت طالق لزمه طلقة أخرى مع
أن إخباره صادق باعتبار الطلقة المتقدمة فلا حاجة إلى طلقة أخرى لكن لما لزمه طلقة
أخرى دل ذلك على أن هذه الصيغة منشئة للطلاق وخامسها قوله تعالى فطلقوهن لعدتهن
والأمر بالطلاق لا يمكن أن يكون عائدا على
هامش إدرار الشروق
@ 52 الأول بنفي ما أثبتوه بقوله تعالى ما هن
أمهاتهم ولا يحسن أن يقال لمن قال لامرأته أنت طالق ما هي مطلقة وإنما يحسن ذلك
إذا أخبره عن تقدم طلاقها ولم يتقدم فيها طلاق
والثاني بجعل قولهم منكرا بقوله تعالى وإنهم ليقولون منكرا من القول والإنشاء
للتحريم لا يكون منكرا بدليل الطلاق وإنما يكون منكرا إذا جعلناه خبرا فإنه حينئذ
كذب والكذب منكر
والثالث بجعل قولهم زورا بقوله تعالى وزورا والزور هو الخبر الكذب فيكون قولهم
كذبا وهو المطلوب وإذا كذبهم الله في هذه المواطن دل ذلك على أن قولهم خبر لا
إنشاء ولا حجة لهم في الوجه الأول لأن قولهم أنه كان طلاقا في الجاهلية لا يقتضي
إلا أن العصمة في الجاهلية تزول عند النطق به وزوالها يجوز أن يكون لأنه إنشاء كما
قلتم أو لأنه كذب وجرت عادتهم أن من أخبر بهذا الخبر الكذب لا تبقى امرأته في
عصمته متى التزم بجاهليتهم وليس في حال الجاهلية ما ينفي ذلك بل لعلهم في أحوالهم
أكثر من ذلك فقد التزموا أن الناقة إذا جاءت بعشرة من الولد تصير سائبة فجاز أن
يلتزموا ذهاب العصمة عند كذب خاص والاحتمال الأول وإن كان ظاهرا أو قريبا إلا أن
القرآن الكريم يقوي الاحتمال الثاني بقوله تعالى ما هن أمهاتهم الآية فإن التكذيب
كما تقدم من خصائص الخبر فيكون ظهارهم خبرا كذبا
____________________
(1/52)
الشرط وما دخل في الوجود وتحقق لا يمكن توقيف دخوله في
الوجود على غيره فلأجل ذلك تعذر تعليق الماضي المحقق وثانيهما ماض بالتقدير لا
بالتحقيق فهذا يصح تعليقه وتقديره أنه إذا قال لامرأته أنت طالق إن دخلت الدار فقد
أخبر عن ارتباط طلاق امرأته بدخول الدار فيقدر صاحب الشرع هذا الارتباط قبل نطقه
به بالزمن الفرد لضرورة تصديقه وإذا قدر الارتباط قبل النطق صار الإخبار عن
الارتباط ماضيا لأن حقيقة الماضي هو الذي مخبره قبل خبره وهذا كذلك بالتقدير فيكون
ماضيا مع التعليق فقد اجتمع المضي والتعليق بهذا التفسير ولم يناف المضي التعليق
فتأمله فهو دقيق في باب التقديرات وعن الرابع أن المطلقة الرجعية إذا قال لها أنت
طالق إن أراد الإخبار عن الطلقة الماضية لم تلزمه طلقة ثانية
وإن لزم الإخبار عن طلقة ثانية فهو إخبار كاذب لعدم تقدم وقوع ثانية فيحتاج
للتقدير لضرورة التصديق فتلزمه الثانية بالتقدير كالأولى فقولكم إن المطلقة
الرجعية تستغني عن التقدير غير مسلم بل هي وغيرها سواء وإنما يلزم الفرق بينها
وبين غيرها إذا كان قوله أنت طالق إخبارا عن الطلقة الأولى وليس كذلك وعن الخامس
أن الأمر عندنا متعلق بإيجاد خبر يقدر الشرع قبله الطلاق فيلزم الطلاق لا إنشاء
الطلاق حتى يكون اللفظ سببا كما ذكرتموه بل خبرا صرفا مع التقدير وهذا أمر ممكن
هامش أنوار البروق
التحريم فإن التحريم صفة من صفات الله تعالى وكلامه النفساني لا يتعلق به كسب ولا
اختراع فتعين صرفه لأمر آخر يقتضيه ويستلزمه توفية باللفظ الدال على الطلب وما ذلك
إلا قول القائل أنت طالق فدل ذلك على أن هذه الصيغة سبب التحريم ويترتب عليها
التحريم
ولا نعني بكونها إنشاء إلا ذلك وسادسها أن الإنشاء هو المتبادر في العرف إلى الفهم
فوجب أن يكون منقولا إليه كسائر المنقولات
والجواب قالت الحنفية أما الأول فإنما يلزم أن يكون كذبا إن لو لم يقدر فيها صاحب
الشرع تقدم مدلولاتها قبل النطق بها بالزمن الفرد لضرورة تصديق المتكلم بها لكن
الإضمار أولى من
هامش إدرار الشروق
التزموا عقيبه ذهاب العصمة كسائر ملتزماتهم الباطلة وقد عدها العلماء نحو عشرين
نوعا من التحريمات التزموها بغير سبب يقتضيها من جهة الشرائع وهي مبسوطة في غير
هذا الكتاب والآية المذكورة وإن كان الفعل فيها مضارعا لا ماضيا لا نسلم أنها خاصة
بمن يفعل ذلك في المستقبل بعد نزولها أو حال نزولها لأمور
أحدها أن العرب قد تستعمل الفعل المضارع للحالة
المستمرة كقولهم يعطي ويمنع ويصل ويقطع تريد هذا شأنه أبدا في الماضي والحال
والاستقبال ومنه قول خديجة رضي الله تعالى عنها لرسول الله صلى الله تعالى عليه
وسلم إن الله لن يخزيك أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتعين على
نوائب الحق أي هذا شأنك وسجيتك في جميع عمرك وعلى هذا تنتظم الآية
والثاني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم تناول الآية للمظاهرة الماضية أيضا
وأدخل المظاهرة الماضية في عمومها من أوس بن الصامت وإلا لما فعل ذلك عليه الصلاة
والسلام
____________________
(1/53)
متصور فلا حاجة إلى مخالفة الأصل بالنقل والعدول عن اللغة
الصريحة فهذه أجوبة حسنة للحنفية وأما الوجه السادس فلا يتأتى الجواب عنه إلا
بالمكابرة فإن المبادرة للإنشاء والعدول عن الخبر مدرك لنا بالعقول بالضرورة ولا نجد
في أنفسنا أن القائل لامرأته أنت طالق أنه يحسن تصديقه وتكذيبه بما ذكروه من
التقدير والبحث في هذا المقام يعتمد التناصف في الوجدان فمن لم ينصف يقل ما شاء
وأما الأجوبة المتقدمة عن بقية الوجوه فمتجهة صحيحة والسادس هو العمدة المحققة
والله أعلم
فهذا تلخيص هذه المباحث من الجهتين على أتم الوجوه ولم أرها لأحد من الحنفية
والشافعية ولا غيرهم على هذا الوجه وكل ذلك من فضل الله تعالى
ثم أوشح ما تقدم بمسائل جليلة ومباحث جميلة وهي ست المسألة الأولى مما يتوهم أنه
إنشاء وليس كذلك وهو الظهار في قول القائل لامرأته أنت علي كظهر أمي يعتقد الفقهاء
أنه إنشاء للظهار كقوله أنت طالق إنشاء للطلاق فإن البابين في الإنشاء سواء وليس
كذلك وبيانه من وجوه أحدها أنه قد تقدم أن من
هامش أنوار البروق
النقل لما تقرر في علم الأصول ولأن جواز الإضمار في الكلام مجمع عليه والنقل مختلف
فيه والمجمع عليه أولى
ومتى كان المدلول مقدرا قبل الخبر كان الخبر صادقا فلا يلزم الكذب ولا النقل
للإنشاء وبقيت إخبارات على موضوعاتها اللغوية وعملنا بالأصل في عدم النقل وأنتم
خالفتموه وعن الثاني أن الدور غير لازم لأن النطق باللفظ لا يتوقف على شيء وبعده
يقدر تقدم المدلول وبعد تقدير المدلول يحصل الصدق ويلزم الحكم فالصدق متوقف مطلقا
واللفظ متوقف عليه مطلقا والتقدير متوقف على النطق ويتوقف عليه الصدق فههنا ثلاثة
أمور مترتبة بعضها بعد بعض وليس فيها ما هو قبل الآخر وبعده حتى يلزم الدور بل هي
كالابن والأب والجد في الترتيب والتوقف فاندفع الدور وعن
هامش إدرار الشروق
والثالث أن قول العلماء أنه كان طلاقا فأقر تحريما تحله الكفارة صريح في أنه عين
ما في الجاهلية لا باب آخر تجدد في الشريعة غير ما تقدم كما هو كذلك على فرض تسليم
ما ذكر فافهم ولا حجة لهم أيضا في الوجه الثاني
أما أولا فلأنا لا نسلم ترتب التحريم على الظهار إذ الذي في الآية تقديم الكفارة
على الوطء كتقديم الطهارة على الصلاة فإذا قال الشارع تطهر قبل أن تصلي لا يقال
الصلاة محرمة بل ذلك نوع من الترتيب كتقديم الإيمان على الفروع وتقديم الإيمان
بالصانع على تصديق الرسل
وأما ثانيا فلأنا لو سلمنا ذلك الترتيب لا نسلم أن التحريم اقتضاء لفظ الظهار
بدلالته عليه كالطلاق مع تحريم الوطء حتى يكون إنشاء لجواز أن يقتضي لفظ الظهار
التحريم والكفارة لا بدلالته عليه بل بالوضع الشرعي أي جعله شرعا سبب ذلك عقوبة
كما ترتب تحريم الإرث على القاتل عمدا وليس القتل إنشاء لتحريم الإرث وكما ترتب
التعزير وإسقاط العدالة والعزل من الولاية وغير ذلك من الأحكام على
____________________
(1/54)
خصائص الإنشاء عدم قبوله للتصديق والتكذيب والله سبحانه
وتعالى يقول الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي
ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا فكذبهم الله في ثلاثة مواطن بقوله
تعالى ما هن أمهاتهم فنفى تعالى ما أثبتوه ومن قال لامرأته أنت طالق لا يحسن أن
يقال له ما هي مطلقة وإنما يحسن ذلك إذا أخبر عن تقدم طلاقها ولم يتقدم فيها طلاق
فدل ذلك على أن قول المظاهر خبر لا إنشاء والموطن الثاني في قوله تعالى وإنهم
ليقولون منكرا من القول والإنشاء للتحريم لا يكون منكرا بدليل الطلاق وإنما يكون
منكرا إذا جعلناه خبرا فإنه حينئذ كذب والكذب منكر والموطن الثالث قوله تعالى
وزورا والزور هو الخبر الكذب فيكون قولهم كذبا وهو المطلوب وإذا كذبهم الله في هذه
المواطن دل ذلك على أن قولهم خبر لا إنشاء
وثانيها أنا أجمعنا على أن الظهار محرم وليس للتحريم مدرك إلا أنه كذب والكذب
هامش أنوار البروق
الثالث أنا نلتزم أنها إخبارات عن الماضي ولا يتعذر التعليق وبيانه أن الماضي له
تفسير أن أحدهما ماض تقدم مدلوله قبل النطق به من غير تقدير فهذا يتعذر تعليقه لأن
معنى التعليق توقيف أمر في دخوله في الوجود على دخول أمر آخر في الوجود وهو الشرط
وما دخل في الوجود وتحقق لا يمكن توقيف دخوله في الوجود على غيره فلذلك تعذر تعليق
الماضي المحقق وثانيهما ماض بالتقدير لا بالتحقيق فهذا يصح تعليقه
وتقديره أنه إذا قال لامرأته أنت طالق إن دخلت الدار فقد أخبر عن
هامش إدرار الشروق
الخبر الكذب فلا يكون إنشاء إذ الإنشاء إنما هو أن يكون ذلك اللفظ وضع لذلك
التحريم ويدل عليه كصيغ العقود وبالجملة فكونه سببا بالقول أعم من كونه سببا
بالإنشاء بدليل ما يترتب على الإخبارات الكاذبة من الأحكام الشرعية بسبب أن الشارع
نصبها أسبابا لتلك الأحكام والأعم لا يستلزم الأخص فلا يستدل بمطلق السببية عن
الإنشاء ولا يقاس ترتب التحريم والكفارة على الظهار على ترتب التحريم على الطلاق لأن
جهة الأول العقوبة على الكذب وجهة الثاني دلالة اللفظ عليه فافهم ولا حجة لهم أيضا
في الوجه الثالث
أما أولا فلأنه قياس في الأسباب فلا يصح وعلى صحته فهو قياس على خلاف النص الصريح
من القرآن المخبر عن كونه كذبا والكذب بالضرورة لا يكون في الإنشاء وإذا كان على خلاف
نص القرآن لا يسمع نعم لقائل أن يقول إن المتبادر إلى الفهم عرفا أنه إنشاء فإن
ثبت هذا الفرق على السلف أعني الصحابة رضي الله تعالى عنهم وانتهى الأمر فيه إلى
القطع تعين تأويل القرآن وإلا بقيت المسألة محتملة
وأما ثانيا فلأن قول الفقهاء للظاهر صريح وكناية ليس بمساو لقولهم إن للطلاق صريحا
وكناية في الرجوع إلى تفاوت الدلالة على التحريم في البابين حتى يكون فيه دلالة
على أن الظهار إنشاء بل الأول إشارة إلى تفاوت مراتب الكذب فالصريح منه أقبح وأشنع
فيكون أولى بترتب الأحكام عليه والثاني يرجع إلى تفاوت الدلالة على التحريم
فالبابان مختلفان وليس كل ما له صريح وكناية إنشاء ألا ترى أن القذف فيه
____________________
(1/55)
لا يكون إلا في الخبر فيكون خبرا فإن قلت الطلاق الثلاث
إنشاء وهو محرم فلا يستدل بالتحريم على الخبر قلت الطلاق محرم لا للفظه بل للجمع
بين الطلقات الثلاث من غير ضرورة وأما تحريم الظهار فلأجل اللفظ وليس في اللفظ ما
يقتضي التحريم إلا كونه كذبا لأن الأصل عدم غيره ومتى كان كذبا كان خبرا لأن
التكذيب من خصائص الخبر
وثالثها أن الله تعالى شرع فيه الكفارة وأصل الكفارة أن تكون زاجرة ماحية للذنب
فدل ذلك على التحريم وإنما يثبت التحريم إذا كان كذبا كما تقدم من بقية التقرير
ورابعها قول الله تعالى بعد ذكر الكفارة ذلكم توعظون به والوعظ إنما يكون عن
المحرمات فإذا جعلت الكفارة وعظا دل ذلك على أنها زاجرة لا ساترة وأنه حصل هنالك
ما يقتضي الوعظ وما ذلك إلا الظهار المحرم فيكون محرما لكونه كذبا فيكون خبرا كما
تقدم في التقرير
وخامسها قوله تعالى في الآية وإن الله لعفو غفور والعفو والمغفرة إنما يكونان في
المعاصي فدل ذلك على أنه معصية ولا مدرك للمعصية إلا كونه كذبا والكذب لا يكون إلا
في الخبر فيكون خبرا وهو المطلوب
فإن قلت بل هو إنشاء من وجوه
هامش أنوار البروق
ارتباط طلاق امرأته بدخول الدار فيقدر صاحب الشرع هذا الارتباط قبل نطقه بالزمن
الفرد لضرورة تصديقه وإذا قدر الارتباط قبل النطق صار الإخبار عن الارتباط ماضيا
لأن حقيقة الماضي هو الذي مخبره قبل خبره وهذا كذلك بالتقدير فيكون ماضيا مع
التعليق فقد اجتمع التعليق والمضي بهذا التفسير ولم يناف المضي التعليق فتأمله وعن
الرابع أن المطلقة الرجعية إذا قال لها أنت طالق إن أراد الإخبار عن الطلقة
الماضية لم يلزمه طلقة ثانية وإن قصد الإخبار عن طلقة ثانية فهو إخبار كاذب لعدم
تقدم وقوع ثانية فيحتاج للتقدير لضرورة التصديق فتلزمه الثانية بالتقدير كالأولى
فقولكم إن المطلقة
هامش إدرار الشروق
الصريح كقوله أنت زنيت بفلانة وهو ليس بإنشاء خبر صرف إجماعا إما كاذب أو صادق
وفيه الكناية كالتعريض مثل قوله ما أنا بزان ولا أمي بزانية فكذلك هاهنا لفظ
الظهار منه ما هو صريح وهو ما جمع بين ظهر ومؤبد تحريمها كقوله أنت كظهر أمي مما
هو صريح في الإخبار عن التشبيه الذي نفاه الله تعالى وجعله كذبا وزورا ومنه ما هو
كناية يشير إلى هذا التشبيه وهو ما لم يجمع بين الظهر ومؤبدة التحريم كقوله أنت
كأمي أو كظهر الأجنبية ودعوى أن قولهم ينصرف صريح الظهار وكنايته للطلاق ولا ينصرف
صريح الطلاق وكنايته للظهار يدل على أن للظهار أصلا ينصرف عنه للطلاق وما ذلك
الأصل إلا نقل العرف الظهار من الإخبار إلى الإنشاء غير مسموعة على أن انصراف صريح
كل منهما للآخر وكناية كل منهما للآخر وعدم
____________________
(1/56)
أحدها أن كتب المحدثين والفقهاء متظافرة على أن الظهار كان طلاقا في الجاهلية فجعله
الله تعالى في الإسلام تحريما تحله الكفارة كما تحل الرجعة تحريم الطلاق والحديث
في أبي داود ورد في ذلك وهو أن خويلة بنت مالك قالت ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت
فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشكو إليه وهو عليه السلام يجادلني فيه ويقول
اتقي الله فإنه ابن عمك فما برحت حتى نزل قوله تعالى قد سمع الله قول التي تجادلك
في زوجها الآية فقال ليعتق رقبة قالت لا يجد قال فيصوم شهرين متتابعين قالت يا
رسول الله إنه شيخ كبير ما به من صيام قال فيطعم ستين مسكينا قالت ما عنده من شيء
يتصدق به قال فإني سأعينه بفرق من تمر قلت يا رسول الله وأنا سأعينه بفرق آخر قال
قد أحسنت فاذهبي وأطعمي عنه ستين مسكينا وارجعي إلى ابن عمك وروي في بعض طرق هذا
الحديث أنها قالت إنه قد أكل شبابي ونثرت له بطني فلما كبرت سني ظاهر مني ولي صبية
صغار إن ضمهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إلي جاعوا قوله عليه السلام أطعمي وارجعي إلى
ابن عمك يقتضي أنه قبل نزول الآية كان الحال يقتضي أنها لا ترجع إليه بطريق من
الطرق وهذا هو الطلاق المؤبد
والطلاق إنشاء فيكون الظهار كذلك لأنه كان عندهم طلاقا والأصل عدم النقل والتغيير
ومن ادعاه فعليه الدليل
وثانيها أنه مندرج في حد الإنشاء فيكون إنشاء لأنه لفظ يترتب عليه التحريم فيكون
هامش أنوار البروق
الرجعية تستغني عن التقدير غير مسلم بل هي وغيرها سواء وإنما يلزم الفرق بينها
وبين غيرها إذا كان قوله أنت طالق إخبارا عن الطلقة الأولى وليس كذلك وعن الخامس
أن الأمر عندنا متعلق بإيجاد خبر يقدر الشرع قبله الطلاق فيلزم الطلاق لا إنشاء
الطلاق حتى يكون اللفظ سببا كما ذكرتموه بل خبرا صرفا مع التقدير
وهذا أمر ممكن متصور فلا حاجة إلى مخالفة الأصل بالنقل والعدول عن
هامش إدرار الشروق
انصرافهما ليس بمتفق عليهما فقد قال خليل في صريح الظهار ولا ينصرف للطلاق وهل
يؤخذ بالطلاق إن نواه مع قيام البينة كأنت حرام كظهر أمي أو كأمي تأويلان
ا ه البناني والأحسن ما أصلح به ابن عاشر عبارته بقوله ولا ينصرف للطلاق وتؤولت
بالانصراف لكن يؤخذ بهما في القضاء
ا ه لإفادته أن عدم الانصراف مطلقا أرجح وقد نقل في التوضيح عن المازري أن المشهور
وكذا قال أبو إبراهيم الأعرج المشهور في المذهب أن صريح الظهار لا ينصرف إلى
الطلاق وأن كل كلام له حكم في نفسه لا يصح أن يضمر به غيره كالطلاق فإنه لو أضمر
به غيره لم يصح ولم يكن يخرج عن الطلاق
ا ه ونقله هكذا أبو الحسن عن ابن محرز وزاد عنه وكذلك لو حلف بالله وقال أردت بذلك
طلاقا أو ظهارا لم يكن ذلك له ولا يلزمه إلا ما حلف به وهو اليمين بالله تعالى ا ه
بلفظه ا ه
وقوله وإن كل كلام إلخ إشارة إلى القاعدة المشهورة وهو أن كل ما هو صريح في باب لا
ينصرف إلى غيره بالنية لأن النية أثرها إنما هو تخصيص العمومات أو تقييد المطلقات
فهي إنما تدخل في المحتملات وإذا نقلت صريحا عن بابه فهو نسخ وإبطال بالكلية
والنسخ لا يكون بالنية ولا يتجه قول ابن يونس وقد قصد الناس في أول الإسلام الطلاق
فصرفه الله تعالى إلى الظهار بإنزال الآية ا ه
لأن ذلك ابتداء شرع ولم يكن تصرفا في مشروع إذ
____________________
(1/57)
سببا له والإنشاء من خصائصه أنه سبب لمدلوله وثبوت خصيصية
الشيء يقتضي ثبوته فيكون إنشاء كالطلاق
وثالثها أنه لفظ يستتبع أحكاما تترتب عليه من التحريم والكفارة وغيرهما فوجب أن
يكون إنشاء كالطلاق والعتاق وغير ذلك من صيغ الإنشاء فإن خروج هذا اللفظ عن باب
الإنشاء بعيد جدا لا سيما وقد نص الفقهاء على أن له صريحا وكناية كالطلاق وغيره
والجواب عن الأول أن قولهم أنه كان طلاقا في الجاهلية لا يقتضي أنهم كانوا ينشئون
الطلاق بل يقتضي ذلك أن العصمة في الجاهلية تزول عند النطق به فمجاز أن يكون
زوالها لأنه إنشاء كما قلتم أو لأنه كذب وجرت عادتهم أن من أخبر بهذا الخبر الكذب
هامش أنوار البروق
اللغة الصريحة فهذه أجوبة حسنة للحنفية وأما الوجه السادس فلا يتأتى الجواب عنه
إلا بالمكابرة فإن المبادرة للإنشاء والعدول عن الخبر مدرك لنا بالعقول بالضرورة
ولا نجد في أنفسنا أن القائل لامرأته أنت طالق أنه يحسن تصديقه بما ذكروه من
التقدير
والبحث في هذا المقام يعتمد التناصف في الوجدان فمن لم ينصف يقل ما شاء قلت أما
احتجاجات غير الحنفية فصحيحة على تقدير أن المرام الظن حاشا الأخير منها فهو قوي
يمكن فيه ادعاء القطع وأما جوابات الحنفية فضعيفة أما الأول فمبني على إلجاء ضرورة
صدق المتكلم بها إلى تقدير تقدم مدلولاتها وصدق المتكلم مبني على أن كلامه خبر وهو
محل النزاع وقولهم في هذا الجواب ولأن جواز الإضمار متفق عليه والنقل مختلف فيه
والمجمع عليه أولى مسلم لكن ليس ما نحن فيه من ذلك فإن ما نحن فيه مفتقرا إلى
تقدير وقوع ما لم يقع ثم إضماره أو إلى تقدير وقوعه دون إضماره وتقدير وقوع ما لم
يقع ليس هو الإضمار فعلى كلا الوجهين ليس ما نحن فيه من
هامش إدرار الشروق
المتقدم ليس شرعا إنما هو اعتقاد الجاهلية ونحن نتكلم في صريح شرعي يصرف عن بابه
بعد مشروعيته ولما قصد أولئك الطلاق لم يتعرضوا لمشروع لأن الشرع جاء بعد ذلك
بنزول الآية فليس هذا من هذا الباب قال الأمير في شرح مجموعه وعلى تأويل عدم
الانصراف يخصص به قولهم في الطلاق وإن نواه بأي كلام لزم ا ه
وقال في ضوء شموعه والتأويل بالانصراف نظر إلى أن قاعدة ما كان صريحا في باب إلخ
ليست كلية ولا متفقا عليها فقد قال عبد الباقي إلا ما نصوا عليه أي من إعمال صريح
العتق بالطلاق ومعلوم أن أكثر قواعد الفقه أغلبية ا ه من موضعين بتصرف ما وتوضيح
وقال عبد الباقي في صريح الطلاق وكنايته عند قول خليل في باب الظهار ولزم أي
الظهار بأي كلام نواه به ما نصه قال أحمد المصنف شامل لما إذا أراده بصريح الطلاق
أو كنايته الظاهرة
وقال بعض من تكلم على المدونة أنه لا يلزمه بالكناية الظاهرة ا ه
وإذا لم يلزم بها فأجرى الصريح كما أنه لا يلزم الطلاق بصريح الظهار على ما تقدم ا
ه أي في قوله وهل
____________________
(1/58)
لا تبقى امرأته في عصمته متى التزم بجاهليتهم وليس في حال
الجاهلية ما يأبى ذلك بل لعبهم في أحوالهم أكثر من ذلك فقد التزموا أن الناقة إذا
جاءت بعشرة من الولد تصير سائبة فمجاز أن يلتزموا ذهاب العصمة عند كذب خاص ويقوي
هذا الاحتمال القرآن الكريم بقوله تعالى ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي
ولدنهم الآية كما تقدم فإن التكذيب من خصائص الخبر فيكون ظهارهم خبرا كذبا التزموا
عقيبه ذهاب العصمة كسائر ملتزماتهم الباطلة وقد عدها العلماء نحو عشرين نوعا من
التحريمات التزموها بغير سبب يقتضيها من جهة الشرائع
وذلك مبسوط في غير هذا الكتاب فإن قلت الآية لا تؤكد هذا الاحتمال فإن الفعل فيها
مضارع لا ماض فقال يظاهرون ولم يقل ظاهروا بصيغة الماضي حتى يتناول الجاهلية بل هو
خاص بمن يفعل ذلك في المستقبل بعد نزول الآية أو حال نزولها
قلت بل يتناول الجميع لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم ذلك وأدخل المظاهر
الماضية في
هامش أنوار البروق
الإضمار المتفق عليه وأما الجواب الثاني فقولهم فيه وبعد تقدير المدلول يحصل الصدق
ليس بصحيح بل لا يحصل إلا تقدير الصدق
وأما الصدق فلا وكيف تحصل حقيقة الصدق بناء على تقدير وقوع ما لم يقع هذا واضح
السقوط والبطلان وأما الجواب الثالث فمبني على ضرورة صدق المتكلم وضرورة الصدق
مبنية على كون كلامه خبرا وهو محل النزاع كما تقدم في الجواب الأول وأما الجواب
الرابع فمبني أيضا على ضرورة الصدق وفيه ما في الأول والثالث
وأما الجواب الخامس فهو أشبه أجوبتهم ومقتضاه إبداء احتمال في متعلق الأمر وهو غير
مدفوع لكنه مرجوح بصحة الاحتجاجات السابقة ومتروك بالاحتجاج السادس إن صح قاطعا
وأما السادس من الاحتجاجات فلم يذكر لهم عنه جوابا فكفى فيه المؤنة
وما قاله من أن الجواب عن هذا الاحتجاج لا يتأتى إلا بالمكابرة صحيح والله أعلم
هامش إدرار الشروق
يؤخذ بالطلاق معه إلخ ا ه البناني ومراد أحمد ببعض من تكلم على المدونة هو الوانوغي
في حاشيته عليها جعل الكناية كالصريح نقله عنه في تكميل التقييد وسلمه وما ذكره من
عدم لزومه بصريح الطلاق هو الذي تقدم عند قوله ولا ينصرف للطلاق إلخ عن أبي
إبراهيم وذكر ابن رشد في المقدمات أن مذهب ابن القاسم أن الرجل إذا قال لامرأته
أنت طالق وقال أردت بذلك الظهار ألزم الظهار بما أقر به من نيته والطلاق بما ظهر
من لفظه ا ه نقله الحطاب عند قوله ولا ينصرف للطلاق ا ه
قلت فالقول بعدم انصراف صريح الطلاق له نظر للقاعدة وعليه فيخصص به قولهم في
الظهار وإن نواه بأي كلام لزم والقول بالانصراف نظر إلى كونها أغلبية لا كلية
فاستثناه منها ويلزمه القول بانصراف كناية الطلاق الظاهرة له بالأولى وقول
الوانوغي بعدم انصرافها له نظر إلى أنها بالظهور قربت من الصراحة فتنبه وقال أبو
الظاهر في كناية الظهار إن عري لفظ الظهار عن النية جرى على الخلاف في انعقاد
اليمين بغير نية أما إن شبه بمحرمة لا على التأبيد وذكر الظهر فهل يكون الطلاق
قصرا للظهار على مورده أو ظهارا قياسا على ذوات الأرحام قولان وإن لم يذكر الظهر
فأربعة أقوال ظهار وإن أراد الطلاق وعكسه وظهار إلا إن أريد الطلاق فيكون طلاقا
وعكسه ا ه
____________________
(1/59)
عموم الآية من أوس بن الصامت ولو لم يكن للماضي والمستقبل
لما فعل ذلك عليه السلام ولقول العلماء إنه كان طلاقا فأقر تحريما تحله الكفارة
وعلى ما يقوله السائل يكون بابا آخر تجدد في الشريعة غير ما تقدم في الجاهلية
والعرب قد تستعمل الفعل المضارع للحالة المستمرة كقولهم يعطي ويمنع ويصل ويقطع
تريد هذا شأنه أبدا في الماضي والحال والاستقبال ومنه قول خديجة رضي الله عنها
لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله لن يخزيك أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل
وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق أي هذا شأنك وسجيتك في جميع عمرك وعلى هذا
تنتظم الآية على الجميع
وعن الثاني أن ترتب التحريم على الظهار ممنوع بل الذي في الآية تقديم الكفارة على
الوطء كتقديم الطهارة على الصلاة فإذا قال الشارع تطهر قبل أن تصلي لا يقال الصلاة
محرمة بل ذلك نوع من الترتيب كتقديم الإيمان على الفروع وتقديم الإيمان بالصانع
هامش أنوار البروق
قال شهاب الدين المسألة الأولى مما يتوهم أنه إنشاء وليس كذلك وهو الظهار في قول
القائل لامرأته أنت علي كظهر أمي يعتقد الفقهاء أنه إنشاء للظهار كقول القائل أنت
طالق إنشاء للطلاق فإن البابين في الإنشاء سواء وليس كذلك وبيانه من وجوه أحدها
أنه قد تقدم أن من خصائص الإنشاء عدم قبوله للتصديق والتكذيب والله سبحانه وتعالى
يقول الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم
وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا فكذبهم الله تعالى في ثلاثة مواطن بقوله تعالى
ما هن أمهاتهم فنفى تعالى ما أثبتوه ومن قال لامرأته أنت طالق لا يحسن أن يقال له
ما هي مطلقة وإنما يحسن ذلك إذا أخبره عن تقدم طلاقها ولم يتقدم فيها طلاق فدل ذلك
أن قول المظاهر خبرا لا إنشاء والموطن الثاني في قوله تعالى وإنهم ليقولون منكرا
من القول والإنشاء للتحريم لا يكون منكرا بدليل الطلاق وإنما يكون منكرا إذا
جعلناه خبرا فإنه حينئذ كذب والكذب منكر
والموطن الثالث قوله تعالى وزورا والزور هو الخبر الكذب فيكون قولهم كذبا وهو
المطلوب وإذا كذبهم الله تعالى في هذه المواطن دل على أن قولهم خبر لا إنشاء
هامش إدرار الشروق
ومراده بالنية في قوله إن عري إلخ الكلام النفساني أي يتكلم بكلامه النفساني في
نفسه كما يتكلم بلسانه والقول بأنه إذا لم يذكر الظهر من الأجنبية وإن أراد الطلاق
بناء على قربه من الصراحة فلا ينصرف للطلاق وعكسه لأن الطلاق شأن الأجنبية فإنها
لا تحرم إلا بالطلاق وهذه الملاحظة هي التي توجب القولين الآخرين غير أنه قدم
النية على اللفظ لضعف اللفظ بعدم ذكر الظهر فعدمت الصراحة فعملت النية والله
سبحانه وتعالى أعلم
المسألة الثانية صريح الطلاق لفظه وما اشتق منه
كطلقت وطالق أو مطلقة بفتح الطاء واللام المشددة لا ما كان فيه الحروف الثلاثة الطاء
واللام والقاف وإن اقتضاه كلام الفقهاء لشموله الانطلاق وما اشتق منه كمنطلقة
ومطلوقة وهي مشكل كما في التوضيح عن القرافي لأن الانطلاق وإن وافق لفظ الطلاق في
تلك المادة إلا أنه لغة بمعنى السير لا بمعنى إزالة عصمة النكاح بخلاف الطلاق
فلزوم الطلاق منتف عن الانطلاق لمغايرة حقيقة الطلاق لحقيقة الانطلاق فإذا قال
القائل أنت طالق فهو إما إخبار عن زوال العصمة أو
____________________
(1/60)
على تصديق الرسل سلمنا أن الظهار يترتب عليه تحريم لكن
التحريم عقيب الشيء قد يكون لأن ذلك الشيء اقتضاه بدلالته عليه كالطلاق مع تحريم
الوطء وهذا هو الإنشاء وقد يكون ترتب التحريم عقب القول أو الفعل لا بدلالة اللفظ
عليه بل عقوبة كما ترتب تحريم الإرث على القاتل عمدا أو ليس القتل إنشاء لتحريم
الإرث وترتب التعزير على الخبر الكذب وإسقاط العدالة والعزل من الولاية وغير ذلك
من الأحكام فهذا الترتيب كله بالوضع الشرعي لا بدلالة اللفظ والإنشاء إنما هو أن
يكون ذلك اللفظ وضع لذلك التحريم ويدل عليه كصيغ العقود فسببية القول أعم من كونه
سببا بالإنشاء فكل إنشاء سبب وليس كل سبب من القول إنشاء بدليل ما يترتب على
الإخبارات الكاذبة من الأحكام الشرعية وقد نصب الشارع تلك الإخبارات أسبابا لتلك
الأحكام وإذا كانت السببية أعم لا يستدل بمطلق السببية على الإنشاء فإن الأعم لا
يستلزم الأخص فظهر الفرق بين ترتب التحريم على الطلاق وبين ترتبه على الظهار فتأمل
ذلك
فإن الجهات مختلفة جدا ونحن نقول التحريم والكفارة الكل عقوبة على الكذب في الظهار
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله في هذا الوجه ظاهر متجه قال وثانيها أنا أجمعنا على أن الظهار محرم
وليس للتحريم مدرك إلا أنه كذب والكذب لا يكون إلا في الخبر فيكون خبرا قلت لا
نسلم أنه ليس للتحريم مدرك إلا أنه كذب بل له مدرك غيره كما في الطلاق الثلاث كما
قاله المجيب
وجوابه للمجيب بأن الطلاق الثلاث هو المحرم لا لفظه به ليس بصحيح فإن المطلق ثلاثا
في لفظ واحد لم يصدر منه ما يتعلق به التحريم غير ذلك اللفظ ولم يجمع بين الطلقات
إلا به ولا يتجه الجمع بين الطلقات إلا باللفظ أما بغيره فلا يتجه ولا يتأتى بل
يكون على قول من يلزمه بمجرد النية وقوله وأما تحريم الظهار فلأجل اللفظ قلت هذه
دعوى وقوله وليس في اللفظ ما يقتضي التحريم إلا كونه كذبا قلت هذه أيضا أخرى وقوله
لأن الأصل عدم غيره قلت هذا ممنوع ولا يصح إلا على أن الظهار خبر وهو غير المذهب
فكيف ينبني عليه الدليل
قال وثالثها أن الله تعالى شرع فيه الكفارة وأصلها أن تكون زاجرة ماحية للذنب فدل
ذلك على التحريم وإنما سبب التحريم إذا كان كذبا كما تقدم من بقية التقرير قلت على
تسليم أن الكفارة زاجرة ماحية لا يلزم أن الذنب كونه كذبا وباقي كلامه فيه مبني
على قوله في الوجه الذي قبله وقد سبق ما
هامش إدرار الشروق
إنشاء له وإذا قال أنت منطلقة فهو إخبار عن المسير ويسوغ استعماله إنشاء للأمر به
إن قلنا إن استعمال الألفاظ الخبرية في الإنشاء قياس وإلا فيتوقف ذلك على السماع
والمتبادر إلى الفهم في بادئ الرأي أن هذا الصريح يفيد الطلاق بالوضع بخلاف
الكناية وهو وإن أمكن توجهه بأن الطلاق وإزالة العصمة ليس أمرا مختصا بالشريعة بل
العرب كانت تنكح وتطلق وقد كانت تطلق بالظهار ولفظ الطلاق معروف عند العرب قبل
البعثة فتكون إزالة العصمة بالوضع اللغوي السابق على الشريعة لا بأمر يتجدد بعد
الشريعة إلا أن الحق أنه يفيد ذلك بالوضع العرفي لوجوه
____________________
(1/61)
وعن الثالث أنه قياس في الأسباب فلا يصح سلمنا صحته لكنه
قياس على خلاف النص الصريح من القرآن المخبر عن كونه كذبا والكذب بالضرورة لا يكون
في الإنشاء وإذا كان على خلاف نص القرآن لا يسمع
وأما قول الفقهاء له صريح وكناية كما قالوه في الطلاق فذلك إشارة إلى تفاوت مراتب
الكذب فالصريح منه أقبح وأشنع فيكون أولى بترتب الأحكام عليه وهذا بخلاف تفرقتهم
بين الصريح والكناية في الطلاق فإن ذلك يرجع إلى تفاوت الدلالة على التحريم
فالبابان مختلفان فتأمل ذلك
فإن قلت فقد قالوا إن صريح الظهار وكنايته ينصرف للطلاق بخلاف صريح الطلاق وكنايته
لا ينصرف للظهار فدل على أن ثم أصلا ينصرف عنه إلى الطلاق وما
هامش أنوار البروق
فيه قال ورابعها قول الله تعالى بعد ذكر الكفارة ذلكم توعظون به والوعظ إنما يكون
عن المحرمات فإذا جعلت الكفارة وعظا دل ذلك على أنها زاجرة لا ساترة وأنه حصل
هنالك ما يقتضي الوعظ وما ذلك إلا الظهار المحرم فيكون محرما لكونه كذبا فيكون
خبرا لما تقدم من التقرير
قلت هذا أيضا مبني على ما تقدم من ادعاء تعلق التحريم بكونه كذبا قال وخامسها قوله
تعالى في الآية وإن الله لعفو غفور والعفو والمغفرة إنما يكون في المعاصي فدل على
أن ذلك معصية ولا مدرك للمعصية إلا كونه كذبا والكذب لا يكون إلا في الخبر فيكون
خبرا وهو المطلوب
قلت وهذا أيضا مبني على تلك الدعوى فإن قلت بل هو إنشاء من وجوه أحدها أن كتب الفقهاء
والمحدثين متظافرة على أن الظهار كان طلاقا في الجاهلية فجعله الله تعالى في
الإسلام تحريما تحله الكفارة كما تحل الرجعة تحريم الطلاق قلت جميع ما قاله في هذا
الوجه ظاهر صحيح قال شهاب الدين وثانيها أنه مندرج في حد الإنشاء إلى آخره قلت
وهذا الوجه أيضا ظاهر
قال وثالثها أنه لفظ يستتبع إلى آخره قلت وهذا أيضا ظاهر
قال والجواب عن الأول إلى قوله عند كذب خاص قلت ذلك محتمل لكن الظاهر خلافه
هامش إدرار الشروق
الوجه الأول رجحان دعوى المجاز على دعوى
الاشتراك
الوجه الثاني أن هذا اللفظ إنما وضع لغة للخبر عن كونها طالقا وهو إذا أخبر عن
كونها طالقا له لم يلزمه طلاق قصد الكذب أو الصدق ألا ترى أنه لو تقدم طلاقها فسأل
عنها هل هي مطلقة أو باقية في العصمة فقال هي طالق جوابا لهذا السؤال لم يلزمه به
طلقة ثانية
وإن كانت رجعية في العدة وإنما يلزم الطلاق بقوله أنت طالق بالإنشاء الذي هو وضع
عرفي لا لغوي
____________________
(1/62)
ذلك الأصل إلا النقل العرفي الذي نقل الظهار من الإخبار إلى
الإنشاء وهذا هو ظاهر قولهم يفهم عنهم ذلك في الظهار كما يفهم في الطلاق
قلت النقل في هذا الموضع مختلف قال ابن يونس إذا نوى بالظهار الطلاق فهو ظهار دون
الطلاق وقد قصد الناس في أول الإسلام الطلاق فصرفه الله تعالى إلى الظهار بإنزال
الآية قال محمد إنما هو فيمن سمى الظهر عند مالك وإلا فيلزمه ما نوى وإن لم ينو
فظهار ولا ينوي عند عبد الملك من شبه بالأجنبية
وإن نوى الظهار قال ابن القاسم تحريم ذوات المحارم متأبد فلا يكون التشبيه به أضعف
من الأجنبية وقال أبو الطاهر إن عري لفظ الظهار عن النية جرى على الخلاف في انعقاد
اليمين بغير نية أما إن شبه بمحرمة لا على التأبيد وذكر الظهر فهل يكون طلاقا قصرا
للظهار على مورده أو ظهارا قياسا على ذوات الأرحام قولان وإن لم يذكر الظهر فأربعة
أقوال ظهار وإن أراد الطلاق
هامش أنوار البروق
قال ويقوي هذا الاحتمال القرآن الكريم إلى آخر الجواب قلت جميع ما قاله ظاهر متجه
وجوابه عن الوارد حسن قال وعن الثاني إن ترتب التحريم على الظهار ممنوع إلى آخر ما
قاله فيه قلت جميع ما قاله محتمل ظاهر
قال وعن الثالث أنه قال إنه قياس في الأسباب إلى قوله تأمل ذلك قلت ما قاله أيضا
ظاهر متجه ومآل الأمر فيه إلى الاحتجاج بظاهر القرآن وليس له حجة سواه
قال فإن قلت فقد قالوا إن صريح الظهار وكنايته ينصرف للطلاق بخلاف صريح الطلاق
وكنايته إلى آخر كلامه على المسألة قلت جميع ما قاله في ذلك ظاهر مستقيم غير أنه
لقائل أن يقول إن المتبادر إلى الفهم عرفا أنه إنشاء فإن ثبت هذا العرف عن السلف
أعني الصحابة رضي الله تعالى عنهم وانتهى الأمر فيه إلى القطع تعين تأويل القرآن
وإلا بقيت المسألة محتملة والله أعلم
قال شهاب الدين المسألة الثانية إذا قال لامرأته أنت طالق ولا نية له المتبادر إلى
الفهم في بادي الرأي أنه يلزمه الطلاق بالوضع اللغوي وأن صريح الطلاق يفيد الطلاق
بالوضع اللغوي بخلاف
هامش إدرار الشروق
الوجه الثالث أنا وإن سلمنا أن الطلاق وإزالة
العصمة كانا معلومين قبل البعثة النبوية عند العرب إلا أنا نقول الإنشاءات عند
العرب أيضا تتقدم على الشريعة وتكون عرفية أما أولا فلأن العوائد قد تحدث مع طول
الأيام بعث الله نبينا أم لا فالجاهلية تحدث لها عوائد كما تحدث لنا
وأما ثانيا فلأن العرب كانت تستعمل قبل البعثة الراوية والبحر والغائط والخلا ومع
ذلك قد نص أئمة اللغة على أنها مجازات لغوية وحقائق عرفية فلا تنافي بين قولنا
الطلاق إنشاء عرفي وبين كونه في الجاهلية قبل الإسلام وإنما القصد أن يعلم أن لفظ
الطلاق إنما أزال العصمة بغير الوضع اللغوي بل بالوضع العرفي وإنما هو مجاز عن اللغة
لا حقيقة ومن قبيل لفظ الطلاق في كونه مجازا عن اللغة لا حقيقة بناء على رجحان
المجاز على الاشتراك في عقود المعاوضات والقسم كانت العرب في الجاهلية يتداولونها
إنشاءات وألفاظا عرفية منقولة
فالعرف يتبدل من اللغة كما يتبدل من عرف آخر قبله وإلزام العقود من الطلاق وغيره
ينبني في الفتوى على نية المتكلم
____________________
(1/63)
وعكسه وظهار إلا أن يريد الطلاق فيكون طلاقا وعكسه وفي
الجواهر إن نوى بالصريح الطلاق فعن ابن القاسم يكون طلاقا ثلاثا ولا ينوي في أقل
من ذلك
وقال سحنون ينوي وأما الكناية الظاهرة فظهار إلا أن يريد التحريم فتحريم ولا يقبل
قوله لم أرد ظهارا ولا طلاقا لأجل الظهور والكناية الخفية ظهار إن أراده وإلا فلا
قال ابن يونس قال مالك إن نوى بقوله أنت كأمي أو مثل أمي أو أنت أمي الطلاق واحدة
وهي البتة وإن لم تكن له نية فظهار وقال الأبهري كنايات الظهار تنصرف للطلاق لأنه
أقوى منه وكنايات الطلاق لا تنصرف للظهار لضعفه لأنه تحريم ينحل بالكفارة
وقال محمد لا ينصرف الظهار في الأمة إلا أن يكون ينصرف في الزوجة إلى الطلاق وقال
في الجلاب لا ينصرف صريح الطلاق وكناياته بالنية إلى الظهار ولا ينصرف صريح الظهار
بالنية إلى الطلاق وتنصرف كنايات الظهار بالنية إلى الطلاق فهذه نصوص القوم كما
ترى أما قول ابن يونس
هامش أنوار البروق
الكناية وليس كذلك بل إنما يفيد ذلك بالوضع العرفي وهذا اللفظ إنما وضع لغة للخبر
عن كونها طالقا وهو إذا أخبر عن كونها طالقا له لم يلزمه طلاق قصد الكذب أو الصدق
ألا ترى أنه لو تقدم طلاقها فسأل عنها هل هي مطلقة أو باقية في العصمة فقال هي
طالق جوابا لهذا السؤال لم يلزمه به طلقة ثانية وإن كانت رجعية في العدة وإنما
يلزم الطلاق بقوله أنت طالق بالإنشاء الذي هو وضع عرفي لا لغوي ألا ترى أن لفظ
الطلاق الطاء واللام والقاف موضوعة في اللغة لإزالة مطلق القيد يقال لفظ مطلق ووجه
طلق وحلال طلق وأطلق فلان من الحبس وانطلق بطنه وإزالة قيد العصمة أحد أنواع القيد
فكان ينبغي إذا أتى اللفظ الدال على إزالة القيد العام المطلق أن يزول الخاص كما
إذا زال الحيوان زال الإنسان ومع ذلك فقد فرق الفقهاء بين قوله أنت طالق وبين قوله
أنت منطلقة فألزموا بالأول الطلاق من غير نية ولم يلزموا بالثاني إلا بالنية ولم
يكتفوا بالوضع
قلت لا نسلم له أن قول القائل لامرأته أنت طالق عبارة عن إزالة مطلق القيد بل
الظاهر من اللغة أنه لفظ موضوع فيها لإزالة قيد عصمة النكاح أو للإخبار عن ذلك وما
استدل به من أن لفظ الطاء واللام والقاف موضوعة في اللغة لإزالة مطلق القيد لا
يسلم أيضا وهو دعوى ذلك هو المسمى
هامش إدرار الشروق
أو على عرفه لا على اللغة ولا على عرف غيره وفي القضاء لمنازعة غيره له إنما ينبني
على عرفه لا على نيته لاحتمال كذبه فيما يدعيه من النية فالحكم مترتب على العرف
سواء كان ذلك العرف ناقلا عن اللغة أم عن عرف سابق عليه ناقل عن اللغة
وبالجملة فالاعتبار بالاستعمال الجاري في زمن وقوع العقد فإن كان لغة جرى الحكم
بحسبه وإن كان عرفا ناسخا لها أو لعرف ناسخ لها فكذلك والله أعلم
المسألة الثالثة الأصل والقاعدة المعتمدة في
العقود كلها إنما هي النية والقصد مع اللفظ المشعر بذلك أو ما يقوم مقامه من إشارة
وشبهها ثم اللفظ إما أن لا يشعر بالمقصود لغة ولا عرفا فلا بد من التنويه في
الفتوى والقضاء معا وإما أن يشعر بالمقصود لغة أو عرفا والعرف لغوي وشرعي ووقتي
حادث فيحمل في القضاء دون تنويه على ما يشعر به من عرفي وقتي فشرعي فعرفي لغوي
فلغوي أصلي وفي الفتوى على التنويه فالعرف الوقتي فالشرعي فالعرفي اللغوي فاللغوي
الأصلي فإن اجتمع في اللفظ الأصلي والعرفي
____________________
(1/64)
إذا نوى بالظهار الطلاق يكون ظهارا فهو بناء على قاعدة وهي
أن كل ما هو صريح في باب لا ينصرف إلى غيره بالنية لأن النية أثرها إنما هو تخصيص
العمومات أو تقييد المطلقات فهي إنما تدخل في المحتملات وإذا نقلت صريحا عن بابه
فهو نسخ وإبطال بالكلية والنسخ لا يكون بالنية وأما قوله قد قصد الناس بالظهار
الطلاق في أول الإسلام فجعله الله ظهارا فغير متجه لأن ذلك ابتداء شرع ولم يكن
تصرفا في مشروع
والمتقدم ليس شرعا إنما هو اعتقاد الجاهلية ونحن نتكلم في صريح شرعي يصرف عن بابه
بعد مشروعيته ولما قصد أولئك الطلاق لم يتعرضوا لمشروع لأن الشرع جاء بعد ذلك
بنزول الآية فليس هذا من هذا الباب
وقول أبي الطاهر إن عري لفظ الظهار من النية جرى على الخلاف في انعقاد اليمين بغير
نية يريد بالنية هنا الكلام النفساني أي يتكلم بكلامه النفساني في نفسه كما يتكلم
بلسانه وأما قوله إن لم يذكر الظهر من الأجنبية فأقوال أربعة
هامش أنوار البروق
عند النحاة بالاشتقاق الكبير وليس بالقوي عند المحققين وما قاله من أن لفظ أنت
طالق دلالته على إنشاء إزالة قيد العصمة عرفية لا لغوية يتجه لرجحان دعوى المجاز
على دعوى الاشتراك قال وما ذلك إلا أن لفظ طالق نقل للإنشاء ولم ينقل منطلقة له
فلو اتفق زمان ينعكس الحال فيه وتصير منطلقة موضوعة للإنشاء وطالق لا يستعمل إلا
على الندرة لم يلزمه الطلاق بطالق إلا بالنية وألزمناه بمنطلقة بغير نية عكس ما
نحن عليه اليوم فعلمنا أن لفظ الطلاق لم يوجب إزالة العصمة بالوضع اللغوي بل بالعرف
الإنشائي
قلت كلامه هذا مبني على دعوى اتحاد معنى كل لفظ تصرف من الطاء واللام والقاف وهي
غير مسلمة كما سبق قال فإن قلت إلى قوله في آخر الجواب وأنه مجاز عن اللغة لا
حقيقة قلت جميع ما قاله في ذلك ظاهر صحيح وما قاله في أثناء الفصل من أن ألفاظ
عقود المعاوضات عرفية منقوله مبني على رجحان المجاز على الاشتراك كما سبق
قال وفائدة الفرق أنه إذا كان يفيد إزالة قيد العصمة بالعرف والعوائد وأنها مدرك
أفادته كذلك بتنقلها معها كيف تنقلت لأنها المدرك وإذا كان الموجب هو الوضع اللغوي
وجب الثبوت معه وإلزام الطلاق به حتى يطرأ الناسخ المبطل
هامش إدرار الشروق
والشرعي والوقتي فالمعتبر الوقتي في القضاء والفتوى فإذا تقرر ذلك فالألفاظ التي
ذكر الفقهاء أن المراد بها مطلق الطلاق أو مقيده لا تخلو من أن تكون إرادة ذلك بها
باللغة أو بعرف اللغة أو بعرف الشرع أو بعرف حادث بعد فإن كانت لغوية وضعا أو عرفا
أو شرعية فالذي يقتضيه النظر أنها محمولة على مقتضاها في كل زمان وبكل مكان ومستند
ذلك أن كل لفظ ورد علينا من جهة الشارع فإنا نحمله على عرفه أو على اللغة أو عرفها
وإن كانت عرفية بعرف حادث فهذه هي التي ينتقل الحكم بها بانتقال العرف كبتة وحبلك
على غاربك
قال مالك ومن وافقه من العلماء يلزم القائل ذلك الثلاث ولا ينوي دخل أو لا بناء
على أن اللفظ نقله عرف ذلك الوقت إلى العدد المعين وهو الثلاث حتى صار من أسماء
الأعداد
والمجاز لا يدخل في النصوص كأسماء العدد بل في الظواهر كأسماء الأجناس وصيغ العموم
وهذه قاعدة لغوية وكل لفظ لا يجوز
____________________
(1/65)
أحدها أنه ظهار وإن أراد الطلاق وعكسه فهما بناء على قربه من الصراحة فلا ينصرف
للطلاق أو طلاق لأنه شأن الأجنبية فإنها لا تحرم إلا بالطلاق وهذه الملاحظة هي
التي توجب القولين الآخرين غير أنه قدم النية على اللفظ لضعف اللفظ بعدم ذكر الظهر
فعدمت الصراحة فعملت النية
وأما قول ابن القاسم ينوي في الصريح ويكون طلاقا ثلاثا فبناء منه على أن الظهار
تحريم ومن ألفاظ الطلاق الثلاث عنده أنت حرام وهو عنده يلزم به الثلاث ولا ينوي
فيه وهو ضعيف على ما يأتي تقريره وهذا أشد منه ضعفا لأن المدرك هنالك إنما هو
الوضع العرفي وإن العادة اقتضت أنهم إنما يستعملون الحرام في الثلاث
وأما هاهنا فليس ثم عادة في استعمال الظهار في الطلاق الثلاث وإذا انتفى الوضع
العادي انتفت الصراحة المانعة من إعمال النية فالتسوية بين البابين باطلة والصواب
قول سحنون وتقبل نيته فيما أراده من الطلاق وهاتان الروايتان خلاف المذهب الذي
عليه الفتيا ومشهور قول
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله هنا ليس بصحيح فإنه كما يتبدل العرف من العرف كذلك يتبدل العرف من
اللغة وإلزام العقود من الطلاق وغيره مبني على نية المتكلم أو على عرفه لا على
اللغة ولا على عرف غيره هذا فيما يرجع إلى الفتوى
وأما ما يرجع إلى الحكم فأمر آخر لمنازعة غيره له فإنما يحكم بعرفه لا بنيته
لاحتمال كذبه فيما يدعيه من النية فالحكم مترتب على العرف سواء كان ذلك العرف
ناقلا عن اللغة أم عن عرف سابق عليه ناقل عن اللغة وعلى الجملة فالاعتبار
بالاستعمال الجاري في زمن وقوع العقد فإن كان لغة جرى الحكم بحسبه وإن كان عرفا
ناسخا لها أو لعرف ناسخ لها فكذلك هذا إن لم يرد ما رأيته فإن لفظة فيه احتمال
قال شهاب الدين وإذا قلنا إنها توجب بالعادة كان الأصل هو عدم اللزوم من قبل اللغة
حتى يثبت اللزوم من جهة العرف كما في منطلقة ليس فيها إلا مجرد اللغة فلا جرم لا
يزال ينفي عنه اللزوم حتى يتحقق النقل العرفي ويظهر أثر هذا الفرق فيما يتنازع فيه
من ألفاظ الطلاق صريحا أو كناية فيكون الحق في صورة النزاع هو عدم اللزوم حتى
يثبته النقل العرفي فلا يلزم طلاق بخلاف ما لو
هامش إدرار الشروق
دخول المجاز فيه لا تؤثر النية في صرفه عن موضوعه وهذه قاعدة شرعية محمدية بنيت
على الأولى
وقال الشافعي وأبو حنيفة في حبلك على غاربك إن نوى الثلاث لزمه الثلاث أو واحدة
فواحدة بائنة
وقال ابن حنبل يقع الطلاق بالبتة والبتلة وحبلك على غاربك بغير نية لشهرتها ويلزم
بحبلك على غاربك الثلاث وقال ابن العربي من أصحابنا في كتاب القبس له الصحيح أن
حبلك على غاربك والبائن والخلي والبرية والبتلة والبتة واحدة لا تزيد على قولك أنت
طالق وفي الترمذي عن ابن كنانة عن أبيه عن جده قال أتيت النبي صلى الله تعالى عليه
وسلم فقلت يا رسول الله إني طلقت امرأتي ألبتة فقال ما أردت فقلت واحدة فقال هي ما
أردت فردها إلي
قلت قال الأمير في ضوء الشموع وقد تعارف الآن حبلك على غاربك في مطلق الإهمال حتى
يخاطب الرجل ابنه مثلا انتهى أي فعليه يكون كالكناية الخفية يجري على قولهم وإن
قصده بأي كلام لزم
____________________
(1/66)
ابن القاسم والمنقول عن مالك أنه لا ينصرف للطلاق بالنية
شيء على القاعدة المتقدمة
وأما قول مالك إن نوى بقوله أنت كأمي الطلاق واحدة فهي البتة يريد الثلاث فبناء
على لفظ التحريم وأنه موضوع للثلاث وقد تقدم ضعفه
وأما قول الأبهري وابن الجلاب أن كناية الأضعف تنصرف للأقوى من غير عكس فضعيف لأن
النية ليس من شرطها أن تنقل للأقوى بل من شأنها النقل للأضعف والأقوى ألا ترى أنها
تخصص العموم وثبوته أقوى لعموم الحنث فلا يصير يحنث إلا بالبعض
وهذه توسعة وتخفيف وكذلك نقيد المطلق فإذا قال والله لا ألبس ثوبا ونوى كتانا لا
يبر به وقد كان قبل النية يبر بغيره وهو تضييق ومقتضى الفقه اعتبار النية في
الأقوى والأضعف لقوله عليه الصلاة والسلام إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما
نوى ولم يفرق بين الأقوى وغيره فهو لو نوى بالصريح من الطلاق طلق الولد أو من
الوثاق أفادته نيته في الفتوى مطلقا وفي القضاء إن صدقته القرينة
هامش أنوار البروق
قلنا باللغة كان الحق في المتنازع فيه هو اللزوم حتى يثبت الناسخ وهذا فرق عظيم
وأثر عظيم يحتاج إليه الفقيه فيما يعرض له من الألفاظ
قلت قوله ذلك وتمثيله بقوله كما في منطلقة ليس فيه إلا مجرد اللغة كل ذلك مبني على
دعواه أن كل لفظ تصرف من مادة الطاء واللام والقاف فهو دال على إزالة مطلق القيد
وليس ذلك بمسلم ولا صحيح بل لفظة طالق وإن كانت من تلك المادة هي دالة على إزالة
عصمة النكاح لغة ولفظة منطلقة وإن كانت من تلك المادة أيضا فهي دالة على المسير
وهما معنيان متغايران فلم ينتف لزوم الطلاق عن لفظة منطلقة لأنها ليس فيها إلا
مجرد اللغة بل انتفى لمغايرة حقيقة الطلاق لحقيقة الانطلاق فإذا قال القائل أنت
طالق فهو إما إخبار عن زوال العصمة أو إنشاء له وإذا قال أنت منطلقة فهو إخبار عن
المسير ويسوغ استعماله إنشاء للأمر به إن قلنا بأن استعمال الألفاظ الخبرية في
الإنشاء قياس وإلا فيتوقف ذلك على السماع قال شهاب الدين المسألة
الثالثة وقع لمالك رحمه الله في المذهب ولأصحابه في كتاب التهذيب وغيره أن
قول القائل حبلك على غاربك إلى منتهى قول الإمام وعلى هذه القاعدة تتخرج الفتاوى
في الألفاظ
هامش إدرار الشروق
كاسقني فلا يحل لأحد الآن أن يفتي فيه بالطلاق من غير نية إلا إذا تجدد بذلك عرف
وكحرام قال ابن عبد الحكم لا شيء على قائله إذا كان في بلد لا يريدون به الطلاق
وقال ابن القاسم إن أراد بقوله أنت حرام الكذب بالإخبار عن كونها حراما وهي حلال
حرمت ولا ينوي قال صاحب الاستذكار في الحرام أحد عشر قولا قال مالك يلزمه الثلاث
في المدخول بها وينوي في غيرها وقال الشافعي لا يلزمه شيء حتى ينوي واحدة فتكون
رجعية
وإن نوى تحريمها بغير طلاق لزمه كفارة يمين ولا يكون موليا وقال أبو حنيفة إن نوى
الطلاق فواحدة
وإن نوى اثنتين أو الثلاث فواحدة بائنة وإن لم ينو فكفارة يمين وهو مول وإن نوى
الكذب فليس بشيء
____________________
(1/67)
مع أن طلق الولد أسقط عنه الحكم بالكلية والإسقاط بالكلية
أخف من النقل عن الطلاق إلى الظهار فقد نقلت النية إلى الأخف
وعدم الحكم بالكلية إذا تقررت الأقوال والقريب منها للفقه والبعيد منه فأقول ليس
في قولهم إن الظهار له صريح وكناية أنه إنشاء ألا ترى أن القذف فيه الصريح
والكناية مع أن صريح القذف إنما هو خبر صرف إجماعا فإن قوله أنت زنيت بفلانة ليس
إنشاء للزنى بل إخبارا عنه إما كاذب أو صادق ومع ذلك فهو صريح فكذلك هاهنا لفظ
الظهار خبر وهو صريح في الإخبار عن التشبيه الذي نفاه الله تعالى وجعله كذبا وزورا
ومن اللفظ ما يشير إلى هذا التشبيه من غير تصريح فهو الكناية كالتعريض في القذف
مثل قوله ما أنا بزان ولا أمي بزانية
فهذا آخر البحث في هذه المسألة ولم أر أحدا في المذهب تعرض لها على هذا الوجه بل
ظاهر كلامهم أن الظهار إنشاء كالطلاق والله أعلم بمرادهم غير أن الذي تقتضيه
القواعد أوضحته لك غاية الإيضاح
هامش أنوار البروق
قلت جميع ذلك نقل لا كلام فيه قال قلت معنى التحريم في اللغة المنع فقوله أنت علي
حرام معناه الإخبار عن كونها ممنوعة فهو كذب لا يلزمه فيه إلا التوبة في الباطن
والتعزير في الظاهر كسائر أنواع الكذب ليس في مقتضاها لغة إلا ذلك وكذلك خلية
معناه في اللغة الإخبار عن الخلاء وأنها فارغة وأما مم هي فارغة فلم يتعرض اللفظ
وكذلك بائن معناه المفارقة في الزمان أو المكان وليس فيه تعرض لزوال العصمة فهي
إخبارات صرفة ليس فيها تعرض للطلاق ألبتة من جهة اللغة فهي إما كاذبة وهو الغالب
وإما صادقة إن كانت مفارقة له في المكان ولا يلزم بذلك طلاق كما لو صرح
وقال لها أنت في مكان غير مكاني وحبلك على غاربك معناه الإخبار عن كونها حبلها على
كتفها وأصله أن الإنسان إذا كان يرعى بقرة وقصد التوسعة عليها في المرعى ترك حبلها
من يده ووضعه على كتفها فتنتقل في المرعى كيف شاءت فإذا لم تكن هناك نية كان إخباره
عن كون المرأة كذلك كذبا
هامش إدرار الشروق
وقال سفيان إن نوى واحدة فبائنة أو الثلاث فالثلاث أو يمينا فيمين ولا فرقة ولا
يمين بكذبة لا شيء فيها وقال الأوزاعي له ما نوى وإلا فيمين تكفر وقال إسحاق كفارة
الظهار ولا يطؤها حتى يكفر وقيل يمين يكفرها ما يكفر اليمين لقول الله تعالى يا
أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك إلى قوله قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم وكان
عليه الصلاة والسلام قد حرم سريته مارية وقال الشعبي تحريم المرأة كتحريم المال لا
شيء فيه أي إلا الاستغفار لقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل
الله لكم وقيل واحدة بائنة
____________________
(1/68)
المسألة الثانية إذا قال لامرأته أنت طالق ولا نية له المتبادر إلى الإفهام
في بادئ الرأي أنه يلزمه الطلاق بالوضع اللغوي وأن صريح الطلاق يفيد الطلاق بالوضع
اللغوي بخلاف الكنايات وليس كذلك بل إنما يفيد ذلك بالوضع العرفي وهذا اللفظ إنما
وضع لغة للخبر عن كونها طالقا وهو لو أخبر عن كونها طالقا لم يلزمه طلاق قصد الكذب
أو الصدق ألا ترى أنه لو تقدم طلاقها فسأل عنها هل هي مطلقة أو باقية في العصمة
فقال هي طالق جوابا لهذا السؤال لم يلزمه بهذا طلقة ثانية وإن كانت رجعية في العدة
وإنما يلزم الطلاق بقوله أنت طالق بالإنشاء الذي هو وضع عرفي لا لغوي ألا ترى أن
لفظ الطلاق الطاء واللام والقاف موضوعة في اللغة لإزالة مطلق القيد يقال لفظ مطلق
ووجه طلق وحلال طلق وأطلق فلان من الحبس وانطلقت بطنه وإزالة قيد العصمة أحد أنواع
القيد فكان ينبغي إذا أتى اللفظ الدال على إزالة القيد العام المطلق أن يزول الخاص
كما إذا
هامش أنوار البروق
قلت الأصل والقاعدة المعتمدة في العقود كلها إنما هو النية والقصد مع اللفظ المشعر
بذلك أو ما يقوم مقام اللفظ من إشارة وشبهها ثم اللفظ إما أن يشعر بالقصد لغة أو
عرفا وعلى كلا الوجهين هو محمول على ما يشعر به في القضاء دون تنوية وفي الفتوى
هما وإما ما لا يشعر بالمقصود لغة ولا عرفا فلا بد من التنوية في الفتوى والقضاء
معا وبعد تقرير ذلك لا تخلو الألفاظ المذكورة بأن المراد بها مطلق الطلاق أو مقيده
من أن تكون إرادة ذلك بها باللغة أو بعرف اللغة أو بعرف الشرع أو بعرف حادث بعد
فأما إن كانت لغوية وضعا أو عرفا أو شرعية فالذي يقتضيه النظر أنها محمولة على
مقتضاها في كل زمان وبكل مكان ومستند ذلك أن كل لفظ ورد علينا من جهة الشارع فإنا
نحمله على عرفه أو على اللغة أو عرفها وأما إن كانت عرفية بعرف حادث فهذه هي التي
ينتقل الحكم بها بانتقال العرف والله أعلم
قال وإن قصد الاستعارة والمجاز والتشبيه بينها وبين البقرة في أنها تصير مطلقة
التصرف لا حجر عليها من قبل الأزواج بسبب زوال العصمة كما تبقى البقرة في مرعاها
كذلك فهذا لا يتحقق إلا مع النية كسائر المجازات إلى قوله وكذلك جميع ما ذكر من
ألفاظ الطلاق
هامش إدرار الشروق
وقال سعيد بن جبير عتق رقبة وقال ابن عباس يمين مغلظة ا ه
قلت وقال الأمير في شرح المجموع وضوء الشموع شيخنا سمعت من المشايخ ورأيت في
المنقول من الكتب أن العمل بالمغرب جرى في الحرام بطلقة بائنة وقد نقله البناني
وأشار إليه في نظم العمل الفاسي كما في كنون بقوله وطلقة بائنة في التحريم وحلف به
لعرف الإقليم لكنه ربما خالف عرف مصر فإنه شاع في ألسنتهم الحرام مجمع الثلاث
وهنا مهمة وهو أنه قد يقع على الشخص الحرام فيراجعها على مذهب الشافعي ثم يطلقها
ثلاثا فيفتيه بعض المالكية بعدم لزوم الثلاث بناء على أن الحرام طلقة بائنة
والبائن لا يرتدف عليه طلاق فيجدد له عليها عقد وهذا خطأ فإنه لما راجعها على مذهب
الشافعي صار معها في نكاح مختلف فيه
والطلاق يلحق
____________________
(1/69)
زال الحيوان زال الإنسان ومع ذلك فقد فرق الفقهاء بين قوله
أنت طالق وبين قوله أنت منطلقة وألزموا بالأول الطلاق من غير نية ولم يلزموا
بالثاني إلا بالنية ولم يكتفوا بالوضع الأول وما ذلك إلا أن لفظ طالق نقل للإنشاء
ولم ينقل منطلقة له فلو اتفق زمان ينعكس الحال فيه ويصير منطلقة موضوعا للإنشاء
وطالق مهجورا لا يستعمل إلا على الندرة لم يلزمه الطلاق بطالق إلا بالنية وألزمناه
بمنطلقة بغير نية عكس ما نحن عليه اليوم فعلمنا أن لفظ الطلاق لم يوجب إزالة
العصمة بالوضع اللغوي بل بالعرف الإنشائي فإن قلت ليس الطلاق وإزالة العصمة أمرا
اختص به بالشريعة بل العرب كانت تنكح وتطلق وقد كانت تطلق بالظهار ولفظ الطلاق
معروف عند العرب قبل البعثة فتكون إزالة العصمة بالوضع اللغوي السابق على الشريعة
لا بأمر يتجدد بعد الشريعة
قلت مسلم أن الطلاق وإزالة العصمة كانا معلومين قبل البعثة النبوية عند العرب
هامش أنوار البروق
قلت قوله هذا صحيح مستقيم على تقدير أن تلك الألفاظ لم تصر عرفا قال فحينئذ إنما
تصير هذه الألفاظ موجبة لما ذكره مالك رحمه الله تعالى بنقل العرف لها في رتب
أحدها أن ينقلها العرف عن الإخبار إلى الإنشاء وثانيها أن ينقلها لرتبة أخرى وهي
إنشاء زوال العصمة الذي هو إنشاء خاص أخص من مطلق الإنشاء لأنها لا يلزم من نقلها
للإنشاء أن تفيد زوال العصمة لأن أصل الإنشاء أعم من زوال العصمة فقد يصدق بإنشاء
البيع أو العتق أو غير ذلك
والقاعدة أن الدال على الأعم غير دال على الأخص فلا تدل بنقلها إلى أصل الإنشاء
على زوال العصمة بل لا بد من نقلها إلى خصوصه فتفيد زوال العصمة حينئذ
قلت كلامه هذا يوهم أن هذه الألفاظ يتأتى أن تدل على مطلق الإنشاء دون خصوصه وذلك
غير متجه بل لا بد أن تدل على إنشاء خاص فالنقل إذا ليس له رتب غايته أن يكون نقله
لغير زوال العصمة أو لزوالها
قال شهاب الدين وثالثها أن ينقلها العرف إلى الرتبة الخاصة من العدد إلى قوله أو
أصل الطلاق
قلت وهذا كما تقدم في الرتبة الثانية
هامش إدرار الشروق
في المختلف فيه بل ولو لم يراجعها وعاشرها معاشرة الأزواج فالقواعد تقتضي لحوق
الطلاق مراعاة لقول الشافعي أنه رجعي مع قول بعض الأئمة كالحنفية أن الجماع يكون
رجعة من غير نية الرجعة وهو قول عندنا أيضا كيف وهناك من يقول الحرام لا يخرجها عن
عصمته غايته يستغفر الله تعالى ولا شيء عليه كما تقدم ونعوذ بالله تعالى من رقة
الدين ا ه
بزيادة وبالجملة فأصل اختلاف الأصحاب في ألفاظ الطلاق كما قال المازري أن اللفظ إن
تضمن البينونة والعدد نحو أنت طالق ثلاثا لزم الثلاث ولا ينوي اتفاقا في المدخول
بها وغيرها أي لا يصدق في أنه قصد أقل من الثلاث فيهما لا في القضاء ولا في الفتوى
نعم يصدق قوله أنه أراد أنها طلقت ثلاث مرات من الولد في الفتوى دون القضاء نظرا
للقاعدتين اللغوية والشرعية السابقتين فقبلوا النية في رفع الطلاق بجملته لتحويله
لجنس آخر نظرا لجواز دخول المجاز في أسماء الأجناس لأنها من الظواهر ولم يقبلوها
في رفع بعض الطلاق نظرا لكون أسماء الأعداد نصوصا لا يدخل فيها المجاز وإن كان
الظاهر في بادئ الرأي بطلان ذلك وأن النية إذا قبلت في رفع الكل فأولى أن
____________________
(1/70)
والإنشاءات عند العرب أيضا تتقدم على الشريعة وتكون عرفية
ألا ترى أن الرواية والبحر والغائط والخلا ألفاظ كانت العرب تستعملها قبل البعثة
ومع ذلك فقد نص أئمة اللغة على أنها مجازات لغوية وحقائق عرفية فإن العوائد قد
تحدث مع طول الأيام بعث الله نبينا أم لا فالجاهلية تحدث لها عوائد كما تحدث لنا
ومن هذا عقود المعاوضات كانوا يتداولونها إنشاءات وألفاظ عرفية منقولة ومن ذلك
القسم إنشاء عرفي وهو متقدم في الجاهلية فلا تنافي بين قولنا الطلاق إنشاء عرفي
وبين كونه في الجاهلية قبل الإسلام وإنما القصد أن يعلم أن لفظ الطلاق إنما أزال
العصمة بغير الوضع اللغوي بل بالوضع العرفي وإنما هو مجاز عن اللغة لا حقيقة
وفائدة الفرق أنه إنما يفيد زوال العصمة بالعرف والعوائد وأنها مدرك إفادته كذلك
لتنقلنا معها كيف تنقلت لأنها المدرك وإذا كان الموجب هو الوضع اللغوي وجب الثبوت
معه وإلزام الطلاق به حتى تطرأ عادة
هامش أنوار البروق
قال غير أنه قد بقيت في القاعدة التي أشار إليها أغوار لم يفصح بها وهو يريدها وهي
أمور أحدها أن هذه الإفادة عرفية إلى قوله فهذا ضابط في النقل لا بد منه قلت ما
قاله في ذلك صحيح ظاهر قال فإذا أحطت به علما ظهر لك الحق في هذه الألفاظ إلى قوله
فحينئذ يحسن إلزام الطلاق الثلاث بذلك اللفظ قلت وما قاله في هذا الفصل أيضا صحيح
قال وإياك أن تقول إنا لا نفهم منه إلا الطلاق الثلاث لأن مالكا قاله أو لأنه
مسطور في كتب الفقه لأن ذلك غلط بل لا بد أن يكون ذلك الفهم حاصلا لك من جهة
الاستعمال والعادة كما يحصل لسائر العوام إلى قوله بل المسطر في الكتب تابع
لاستعمال الناس فافهم ذلك قلت قد تقدم أن المعتمد في قاعدة العقود كلها القصد
إليها مع اللفظ المشعر بها وإشعار اللفظ لغوي أصلي أو لغوي عرفي أو شرعي أو عرفي
حادث وقتي ففي الفتوى المعتبر النية فإن لم تكن فالوقتي فإن لم تكن فالشرعي فإن لم
يكن فاللغوي العرفي فإن لم يكن فاللغوي الأصلي فإن اجتمع في
هامش إدرار الشروق
تقبل في رفع البعض وإن لم يدل إلا على البينونة نظر هل تمكن البينونة بالواحدة أو
تتوقف على الثلاث إذا لم تكن معارضة فيه خلاف أو يدل على عدد غالبا
ويستعمل في غيره نادرا فيحمل على الغالب عند عدم النية وعلى النادر مع وجودها في
الفتوى وإن تساوى الاستعمال أو تقارب قبلت نيته مع الفتوى والقضاء فإن عدمت النية
فقيل يحمل على الأقل استصحابا للبراءة الأصلية وقيل على الأكثر احتياطا والمشهور
في الحرام أنها تدل على البينونة وأنها لا تحصل في المدخول بها إلا بالثلاث وفي
غيرها بالواحدة ولكونها غالبة في الثلاث حملت قبل الدخول على الثلاث وينوي في
الأقل
والقول بعدم البينونة بناء على عدم ثبوتها ووضعها للثلاث في العرف كقوله أنت طالق
ثلاثا والقول بالواحدة البائنة مطلقا بناء على حصول البينونة قبل الدخول وبعد
الدخول بها وأنها لا تفيد عددا أو نقل عن ابن مسلمة واحدة رجعية بناء على أنها
كالطلاق قال وعلى هذه القاعدة تتخرج الفتاوى في الألفاظ ا ه وهو يشير إلى أمور
____________________
(1/71)
ناسخة لاقتضاء ذلك فيكون اللزوم هو الأصل حتى يطرأ الناسخ
المبطل وإذا قلنا إنها توجب بالعادة كان الأصل هو عدم اللزوم من قبل اللغة حتى
يثبت اللزوم من جهة العرف كما في منطلقة ليس فيه إلا مجرد اللغة فلا جرم لا يزال
ينفى عنه اللزوم حتى يتحقق النقل العرفي ويظهر أثر هذا الفرق فيما يتنازع فيه من
ألفاظ الطلاق صريحا أو كناية فيكون الحق في صورة النزاع هو عدم اللزوم حتى يثبته
النقل العرفي فلا يلزمه طلاق بخلاف ما لو قلنا باللغة كان الحق في المتنازع فيه هو
اللزوم حتى يثبت الناسخ وهذا فرق عظيم وأثر عظيم يحتاج إليه الفقيه فيما يعرض له
من الألفاظ
المسألة الثالثة وقع في المذهب لمالك رحمه الله
ولأصحابه في كتاب التهذيب وغيره أن قول القائل حبلك على غاربك قال فيها مالك يلزمه
الطلاق الثلاث ولا تقبل نيته إن أراد أقل منها وخلية وبرية وبائنة قال مني أو منك
أو لم يقل أو أبنتك أو رددتك قال
هامش أنوار البروق
اللفظ الأصلي والعرفي والشرعي والوقتي فالمعتبر الوقتي وفي الحكم لا تعتبر النية
ويعتبر على ما عداها على ذلك الترتيب والله أعلم
قال شهاب الدين إذا تقرر ذلك فيجب علينا أمور أحدها أن نعتقد أن مالكا أو غيره من
العلماء إنما أفتى في هذه الألفاظ بهذه الأحكام إلى قوله تغير الحكم بإجماع
المسلمين وحرمت الفتيا بالأولى قلت ما قاله ظاهر صحيح والله أعلم
قال شهاب الدين وإذا وضح لك ذلك اتضح لك أن ما عليه المالكية وغيرهم من الفقهاء في
هذه الألفاظ من الفتيا بالطلاق الثلاث هو خلاف الإجماع إلى قوله فتأمل ذلك قلت
المستعمل لهذه الألفاظ إن كان استعماله إياها وفيها عرف وقتي لزم حملها عليه وإلا
فعلى الشرعي وإلا فعلى العرفي وإلا فعلى اللغوي فإن أفتى الفقيه الوقتي بهذا
الترتيب عند وجود العرفي الوقتي فهو مصيب وإن أفتى عند وجود العرفي الوقتي باعتبار
العرف الشرعي أو اللغوي العرفي أو اللغوي الأصلي وألغى العرف الوقتي فهو مخطئ
هامش إدرار الشروق
أحدها أن نحو الحرام من الألفاظ التي لم تستعمل في أصل اللغة ولا في عرفها ولا في
عرف الشرع في إزالة العصمة إما أن ينقله العرف الحادث الوقتي من موضوعه إلى
البينونة فقط أو مع العدد أو أصل الطلاق فتكون إفادتها ذلك بالعرف لا بالوضع
اللغوي
وثانيها أن مجرد الاستعمال من غير تكرر لا يكفي في النقل بل لا بد من تكرر
الاستعمال بحيث يفهم المنقول إليه بغير قرينة ويكون هو السابق إلى الفهم دون غيره
وهذا هو المجاز الراجح فقد يتكرر اللفظ في مجازه ولا يكون منقولا ولا مجازا راجحا
ألبتة كاستعمال لفظ الأسد في الرجل الشجاع والبحر في العالم أو السخي والضحى أو
الشمس أو القمر أو الغزال في جميل الصورة
وذلك يتكرر على ألسنة الناس تكرارا كثيرا ومع ذلك التكرار الذي لا يحصى عدده لم
يقل أحد أن هذه الألفاظ صارت منقولة بل لا تحمل عند الإطلاق إلا على الحقائق
اللغوية حتى يدل دليل على أنها أريد بها هذه المجازات ولا بد في كل مجاز منها من
النية والقصد إلى استعمال اللفظ فيه فهذا ضابط في النقل لا بد منه فإذا أحطت به
____________________
(1/72)
ابن عبد العزيز ثلاث في المدخول بها ولا ينوي في أقل منها
وينوي في غير المدخول بها في طلقة فأكثر فإن لم ينو فثلاث
وقال ربيعة الخلية والبرية والبائن ثلاث في المدخول بها وواحدة في غير المدخول بها
قال ابن القاسم وأما قوله أنا منك بائن أو أنت مني بائنة فلا ينوي قبل الدخول ولا
بعده بل يلزمه الثلاث وإذا قال في الخلية والبرية والبائن لم أرد طلاقا فإن تقدم
من كلامه ما يكون هذا جوابا له صدق وإلا فلا فهذا كله نقل التهذيب
وقال الشافعي النية نافعة فيما ينويه من تعدد وقال أبو حنيفة إن نوى الثلاث لزمه
الثلاث أو واحدة فواحدة بائنة وكذلك قولاهما في حبلك على غاربك
وقال ابن حنبل يقع الطلاق بالخلية والبرية والبائن وحبلك على غاربك والحقي بأهلك
والبتة والبتلة بغير نية لشهرتها ويلزم بالخلية والبرية والحرام والحقي بأهلك
وحبلك على غاربك ولا سبيل لي عليك وأنت علي حرام واذهبي
هامش أنوار البروق
قال شهاب الدين ومن الأغوار التي لم ينبه عليها الإمام أبو عبد الله إلى قوله إن
اختلفت السكتان قلت ما قاله هنا صحيح ظاهر والله أعلم قال فهذه قاعدة لا بد من
ملاحظتها وبالإحاطة بها يظهر لك غلط كثير من الفقهاء المفتين فإنهم يجرون
المسطورات في كتب أئمتهم على أهل الأمصار في سائر الأعصار إلى قوله واختلاف
أحوالها قلت إن كانوا فعلوا ذلك مع وجود عرف وقتي ففعلهم خطأ كما قال وإن كانوا
فعلوه مع عدم العرف الوقتي فليس بخطأ والله أعلم
قال شهاب الدين فالحق حينئذ أن أكثر هذه الألفاظ التي تقدم ذكرها ليس فيها إلا
الوضع اللغوي وإنها كنايات خفية لا يلزم بها طلاق ولا غيره إلا بالنية إلى قوله
فهذا هو دين الله تعالى الحق الصريح والفقه الصحيح
قلت ليس الأمر في تلك الألفاظ كما قال بل فيها عرف شرعي أو لغوي فيلزم بها الطلاق
من غير تنوية والله أعلم
قال شهاب الدين قاعدة المجاز لا يدخل في النصوص إلى قوله وأسماء الأعداد نصوص لا
يجوز دخول المجاز فيها ألبتة
هامش إدرار الشروق
علما ظهر لك الحق في هذه الألفاظ
وهو أنا لا نجد أحدا في زماننا يقول لامرأته عند إرادة تطليقها حبلك على غاربك ولا
أنت بريئة ولا وهبتك لأهلك بل هذا لم نسمعه قط من المطلقين ولو سمعناه وتكرر ذلك
على سمعنا لم يكف ذلك في اعتقادنا أن هذه الألفاظ منقولة كما تقدم تقريره
فالمستعمل لهذه الألفاظ إن كان استعماله إياها وليس فيها عرف وقتي بل كانت لغوية
وضعا أو عرفا أو شرعية لزم حملها على مقتضاها الشرعي فاللغوي العرفي فالأصلي في كل
زمان وبكل مكان إن كان استعماله إياها وفيها عرف وقتي لزم حملها عليه إن كان عرفا
للمستعمل وإلا فالشرعي وإلا فاللغوي العرفي وإلا فاللغوي الأصلي فإن أفتى الفقيه
عند وجود العرف الوقتي باعتبار العرف الشرعي أو اللغوي العرفي أو اللغوي الأصلي
وألغى العرف الوقتي فهو مخطئ وإن أفتى بالترتيب المذكور عند وجود العرف الوقتي فهو
مصيب
وثالثها أن المفتي إذا جاءه رجل يستفتيه عن لفظة من هذه الألفاظ وكان عرف بلد
المفتي في هذه
____________________
(1/73)
فتزوجي وغطي شعرك وأنت حرة الثلاث
قال أبو حنيفة في ذلك كله واحدة بائنة قال ابن العربي من أصحابنا في كتاب القبس له
الصحيح أن حبلك على غاربك والبائن والخلية والبرية والبتلة والبتة واحدة ولا تزيد
على قولك أنت طالق وفي الترمذي عن ابن كنانة عن أبيه عن جده قال أتيت النبي صلى
الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إني طلقت امرأتي ألبتة فقال ما أردت فقلت واحدة
فقال هي ما أردت فردها إليه قال ابن يونس قال ابن القاسم إن قال وهبت لك صداقك
يلزمه ألبتة ولا ينوي
وقال مالك في الكتاب إذا قال بائن مني أو بريء أو خلية لا يصدق في عدم إرادته
الطلاق إلا بقرينة تصدقه وإذا قال كل حلال علي حرام تحرم عليه أزواجه نواهن أم لا
إلا أن يخرجهن بنيته أو بلفظه ولا يحرم عليه غيرهن قال ابن يونس قال أصبغ الحلال
علي حرام أو حرام علي ما أحله الله أو كل ما
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله صحيح ظاهر
قال قاعدة كل لفظ لا يجوز دخول المجاز فيه لا تؤثر النية في صرفه عن موضوعه إلى
قوله وهي قاعدة شرعية محمدية قلت ما قاله أيضا صحيح والله أعلم
قال وعلى هاتين القاعدتين ترتب قول مالك ومن وافقه من العلماء بأن القائل أنت حرام
أو ألبتة أو غير ذلك من الألفاظ لا ينوي في أقل من الثلاث إلى قوله للقاعدتين
المتقدمتين قلت ما قاله هنا صحيح ويلزم عن ذلك أن لفظ أنت حرام وطالق ألبتة ثبت
فيها عرف إما شرعي أو لغوي بخلاف ما قاله قبل
قال وبهذا يظهر لك الفرق بين قول القائل أنت طالق ثلاثا ويريد اثنتين لا تسمع نيته
في القضاء ولا في الفتيا أو يريد أنها طلقت ثلاث مرات من الولد فتسمع نيته في
الفتيا دون القضاء لأن الأول أدخل النية في لفظ العدد فامتنع والثاني أدخل النية
في اسم جنس الطلاق فحوله لطلق الولد وبقي العدد في ذلك الجنس الذي تحول إليه اللفظ
لم يتعرض له بالنية إلى قوله والسر ما تقدم تقريره
هامش إدرار الشروق
الألفاظ الطلاق الثلاث أو غيره من الأحكام لا يفتيه بحكم بلده بل يسأله هل هو من
بلد أهل المفتي فيفتيه حينئذ بحكم ذلك البلد أو هو من بلد آخر فيسأله حينئذ عن
المشتهر في ذلك البلد فيفتيه به
ويحرم عليه أن يفتيه بحكم بلده كما لو وقع التعامل ببلد غير بلد الحاكم حرم على
الحاكم أن يلزم المشتري بسكة بلده بل بسكة بلد المشتري إن اختلف السكتان فهذه
قاعدة لا بد من ملاحظتها وبالإحاطة بها يظهر لك أن إجراء الفقهاء المفتين
للمسطورات في كتب أئمتهم على أهل الأمصار في سائر الأعصار إن كانوا فعلوا ذلك مع
وجود عرف وقتي ففعلهم خطأ على خلاف الإجماع وهم عصاة آثمون عند الله تعالى غير
معذورين بالجهل لدخولهم في الفتوى وليسوا أهلا لها ولا عالمين بمداركها وشروطها
واختلاف أحوالها وإن كانوا فعلوه مع عدم العرف الوقتي فليس بخطأ وسبب اختلاف
الصحابة رضي الله تعالى عنهم في هذه الألفاظ ومن بعدهم من العلماء هو اختلافهم في
تحقيق وقوع النقل العرفي هل وجد فيتبع أم لم يوجد فيتبع
____________________
(1/74)
انقلب إليه حرام كله تحريم
وقال ابن عبد الحكم في حرام لا شيء عليه إذا كان في بلد لا يريدون به الطلاق وقال
ابن القاسم إن أراد بقوله أنت حرام الكذب بالإخبار عن كونها حراما وهي حلال حرمت
ولا ينوي
قال صاحب الاستذكار في الحرام أحد عشر قولا قال مالك يلزمه الثلاث في المدخول بها
وينوي في غير المدخول بها وقال الشافعي لا يلزمه شيء حتى ينوي واحدة فتكون رجعية
وإن نوى تحريمها بغير طلاق لزمه كفارة يمين ولا يكون موليا وقال أبو حنيفة إن نوى
الطلاق فواحدة وإن نوى اثنتين أو الثلاث فواحدة بائنة وإن لم ينو فكفارة يمين وهو
مول وإن نوى الكذب فليس بشيء وقال سفيان إن نوى واحدة فبائنة أو الثلاث فالثلاث أو
يمينا فيمين ولا فرقة ولا يمين بكذبة لا شيء فيها
وقال الأوزاعي له ما نوى وإلا فيمين تكفر وقال إسحاق كفارة الظهار ولا يطؤها حتى
يكفر وقيل يمين يكفرها ما يكفر اليمين لقول الله تعالى يا أيها النبي لم تحرم ما
أحل الله لك إلى قوله قد فرض الله لكم تحلة
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله هنا صحيح أيضا والله أعلم
قال شهاب الدين فإن قلت ما ذكرته من الحق متعين اتباعه فما سبب اختلاف الصحابة
رضوان الله تعالى عليهم في هذه الألفاظ إلى قوله فلا تنافي بين صحة هذه المدارك
وبين اختلافهم في وجودها وترتيب الأحكام عليها قلت ما قاله هنا متجه وممكن أن يكون
ما ذكره سبب اختلافهم والله أعلم
قال فإن قلت فلعل مدرك مالك رحمه الله نص أو قياس فتستمر فتاويه في جميع الأعصار
والأمصار إلى آخر الجواب قلت قد سبق القول في ذلك وأن المعتبر العرف الوقتي إن كان
وإلا فالشرعي وإلا فاللغوي وإلا فالأصلي فإن أراد ذلك فما قاله صحيح
قال المسألة الرابعة أن الإنشاء كما يكون بالكلام اللساني يكون بالكلام النفساني
ولذلك صور الأولى أن الله سبحانه وتعالى أنشأ السبب في زوال الشمس لوجوب الظهر
وأنزل القرآن الكريم دالا على ما قام بذاته
هامش إدرار الشروق
موجب اللغة وإذا وجد النقل فهل وجد في أصل الطلاق فقط أو فيه مع البينونة أو مع
العدد كما تقدم تقريره وإذا لم يوجد نقل عرفي وبقي موجب اللغة فهل يلاحظ نصوص
اقتضت الكفارة في مثل هذه أو لا أو القياس على بعض الأحكام فيكون المدرك هو القياس
لا النص فقد اتفقوا على هذه المدارك غير أنه لم يتضح وجودها عند بعضهم واتضح عند
البعض الآخر وقع اختلافهم في الحكم فلو وقع اتفاقهم على وجودها لوقع الاتفاق على
الحكم وارتفع الخلاف فلا تنافي بين صحة هذه المدارك وبين اختلافهم في وجودها وترتب
الحكم عليها وكذلك مدرك من بعدهم من العلماء كالإمام مالك وسائر الأئمة وهو اعتبار
العرف الوقتي إن كان وإلا فالشرعي وإلا فاللغوي وإلا فالأصلي لا القياس ولا النص
بالاستقراء
____________________
(1/75)
أيمانكم وكان عليه السلام قد حرم سريته مارية وقال الشعبي
تحريم المرأة كتحريم المال لا شيء فيه لقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا
طيبات ما أحل الله لكم وقيل واحدة بائنة وقال سعيد بن جبير عتق رقبة وقال ابن عباس
يمين مغلظة وفي الجواهر المشهور لزوم الثلاث وينوي في غير المدخول بها
وقال عبد الملك لا ينوي وقال ابن عبد الحكم ينوي واحدة في غير المدخول بها وعن
مالك واحدة بائنة وإن كانت مدخولا بها
قال الإمام أبو عبد الله المازري وأصل اختلاف الأصحاب في الألفاظ أن اللفظ إن تضمن
البينونة والعدد نحو أنت طالق ثلاثا لزم الثلاث ولا ينوي اتفاقا في المدخول بها
وغير المدخول بها أو يدل على البينونة فقط فينظر هل تمكن البينونة بالواحدة أو
تتوقف على الثلاث إذا لم تكن معارضة فيه خلاف أو يدل على عدد غالبا ويستعمل في
غيره نادرا فيحمل على الغالب عند عدم النية وعلى
هامش أنوار البروق
من هذا الإنشاء بقوله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى قوله وفي حق الله تعالى
قديم قلت ما قاله في ذلك صحيح
قال فإن قلت كيف يتصور الإنشاء القديم وليس في الأزل من يطلب منه شيء إلى آخر
الجواب الأول قلت قوله في هذا الجواب على تقدير وجوده إن أراد بتقدير الوجود
الاحتمال الذي يلزمه التردد كما في حقنا فليس ذلك بصحيح وإن أراد مجرد الإمكان
فذلك صحيح والمراد أن التكليف لا يتعلق إلا بمن يمكن وجوده وليس المراد أن يتحقق وجوده
وحينئذ يتعلق به التكليف
قال وعن الثاني أن ذلك الفرق إنما هو في الإنشاء والخبر اللغويين باعتبار الوضع
اللغوي إلى قوله فلا تلزم منافاة الأزل للإنشاء النفساني ولا الحدوث قلت ما قاله
في هذا الجواب صحيح
قال فإن قلت لم يجوز أن تكون هذه الأمور إخبارات عن إرادة وقوع العقاب إلى آخر
جوابه عن هذا السؤال
هامش إدرار الشروق
والإجماع
أما الاستقراء فله وجهان أحدهما أنه لا يمكن أن يكون مدركهم في حملهم هذه الألفاظ
على ما ذكروه من الإنشاء لا على ما تقتضيه اللغة من الخبر وهو القياس أو النص فإنا
نعلم مسائل الطلاق وشرائط القياس وليس فيها ما يقتضي القياس على ما ذكروه ولا فيها
آية من كتاب الله تعالى تقتضي أكثر مما قاله القائلون بالكفارة التي دلت عليها آية
التحريم ولم نجد أحدا من العلماء في كتب الفقه والخلاف روى في هذه الأحكام حديثا
عن أحد من الصحابة أو التابعين وقد وقعت هذه المسألة بينهم رضي الله تعالى عنهم
بلا شبهة
وثانيهما أن قاعدة الفقهاء وعوائد الفضلاء أنهم يجعلون ما ظفروا به وفقدوا غيره من
المدرك المناسب للفرع معتمدا لذلك الفرع في حق الإمام المجتهد الأول الذي أفتى
بذلك الفرع وفي حقهم أيضا في الفتيا والتخريج ونحن قد استقرأنا هذه المسائل فلم
نجد لها مدركا مناسبا إلا اعتبار العرفي الوقتي إلخ فوجب
____________________
(1/76)
النادر مع وجودها في الفتوى وإن تساوى الاستعمال أو تقارب
قبلت نيته في الفتوى والقضاء فإن عدمت النية فقيل يحمل على الأقل استصحابا للبراءة
الأصلية وقيل على الأكثر احتياطا والمشهور في الحرام أنها تدل على البينونة وأنها
لا تحصل في المدخول بها إلا بالثلاث وفي غيرها بالواحدة ولكونها غالبة في الثلاث
حملت قبل الدخول على الثلاث وينوي في الأقل والقول بعدم البينونة بناء على عدم
ثبوتها ووضعها للثلاث في العرف كقوله أنت طالق ثلاثا والقول بالواحدة البائنة
مطلقا بناء على حصول البينونة قبل الدخول وبعد الدخول وأنها لا تفيد عددا
ونقل عن ابن مسلمة واحدة رجعية بناء على أنها كالطلاق قال وعلى هذه القاعدة تتخرج
الفتاوى في الألفاظ قلت معنى التحريم في اللغة المنع فقوله أنت علي حرام معناه
الإخبار عن كونها ممنوعة فهو كذب لا يلزم فيه إلا التوبة في الباطن والتعزير في
الظاهر
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله في ذلك صحيح واضح قال الصورة الثالثة قوله تعالى في جزاء الصيد يحكم
به ذوا عدل منكم إلى آخر المسألة قلت ما قاله في ترجيح المذهب والفرق بين الفتوى
والحكم وتخريج الجواب على ذلك ظاهر والله أعلم
قال المسألة الخامسة اختلف العلماء في الطلاق بالقلب من غير نطق إلى آخر المسألة
قلت ما قاله في ذلك صحيح ظاهر
قال المسألة السادسة في بيان الفرق بين الصيغ التي يقع بها الإنشاء الواقع اليوم
في العادة إن الشهادة تصح بالمضارع إلى آخر المسألة قلت ما قاله في هذه المسألة من
اعتبار معينات الألفاظ مبني على مذهب من يشترطها كما قال فيصح تنقل العادات فيها
بحسب العرف الحادث كما ذكر والله أعلم
قال شهاب الدين فصل قد تقدم تذييل الإنشاء بمسائل توضحه وهي حسنة في بابها فنذيل
الخبر أيضا بثمان مسائل غريبة مستحسنة في بابها تكون طرفة للواقف
المسألة الأولى إذا قال كل ما قلته في هذا البيت كذب ولم يكن قال شيئا في ذلك
البيت قيل هذا القول يلزم منه أمران محالان
هامش إدرار الشروق
جعل ذلك مدرك الأئمة إفتاء وتخريجا وعدم العدول عن ذلك كما يشهد لذلك أن مما أجمع
عليه الفقهاء القياسون وأهل النظر والرأي والاعتبار أنا في كلام الشرع إذا ظفرنا
بالمناسبة جزمنا بإضافة الحكم إليها مع تجويز أن لا يكون الحكم كذلك عقلا لأن
الاستقراء أوجب لنا أن لا نعرج على غير ما وجدناه ولا نلتزم التعبد مع وجود
المناسب فأولى أن نفعل ذلك في كلام غير صاحب الشريعة بل نحمل كلام العلماء على
المناسب لتلك الفتاوى السالم عن المعارض نعم إذا وجدنا مناسبين تعارضا أو مدركين
تقابلا فحينئذ يحسن التوقف
وأما الإجماع فقد قدمنا لك كلام الإمام أبي عبد الله المازري إمام الفقه وأصوله
وحافظ متقن لعلم الحديث وفنونه وله في جميع ذلك اليد البيضاء والرتبة العالية
المفيد أن سبب الخلاف في هذه المسألة ما ذكر فكفى به قدوة في مدرك هذه الفروع
ومتعمدا في ضوابطها وتلخيصها وقد تابعه على ذلك جماعة من الشيوخ والمصنفين ولم نجد
لهم مخالفا فكان ذلك إجماعا من أئمة المذهب فالتشكيك بعد ذلك إنما هو
____________________
(1/77)
كسائر أنواع الكذب ليس في مقتضاها لغة إلا ذلك وكذلك خلية
معناه في اللغة الإخبار عن الخلاء وأنها فارغة وأما مم هي فارغة فلم يتعرض اللفظ
له وكذلك بائن معناه لغة المفارقة في الزمان أوالمكان وليس فيه تعرض لزوال العصمة
فهي إخبارات صرفة ليس فيها تعرض للطلاق ألبتة من جهة اللغة فهي إما كاذبة وهو
الغالب وإما صادقة إن كانت مفارقة له في المكان ولا يلزم بذلك طلاق كما لو صرح
وقال لها أنت في مكان غير مكاني وحبلك على غاربك معناه الإخبار عن كونها حبلها على
كتفها وأصله أن الإنسان إذا كان يرعى بقرة وقصد التوسعة عليها في المرعى ترك حبلها
من يده ووضعه على غاربها وهو كتفها فتنتقل في المرعى كيف شاءت فإذا لم تكن هناك
نية كان إخباره عن كون المرأة كذلك كذبا وإن قصد الاستعارة والمجاز والتشبيه بينها
وبين البقرة في أنها تصير مطلقة التصرف لا
هامش أنوار البروق
عقلا أحدهما ارتفاع الصدق والكذب عن الخبر وهما خصيصة من خصائصه وارتفاع خصيصة
الشيء عنه مع بقائه محال إلى آخر كلامه في كلا الأمرين بتقرير الإشكال قلت ما قاله
من لزوم ارتفاع الصدق والكذب عن هذا الكلام ظاهر
قال والجواب أنا نختار أن هذا الخبر كذب وتقريره أن الكذب هو القول الذي ليس
بمطابق إلى منتهى قوله وكذلك نجيب عن ارتفاع النقيضين بأن نقول الواقع منهما عدم
المطابقة بالتفسير العام المتقدم ذكره قلت هو جواب حسن غير أنه يبقى إشكال آخر وهو
ما إذا قال كل ما قلته في هذا البيت فهو كذب ثم قال كل ما قلته في هذا البيت فهو
صدق فإن الصدق والكذب خبران وقد أخبر بهما عن مخبر واحد فلا بد أن يصدق أحد خبريه
ويكذب الآخر وإلا أدى ذلك إلى اجتماع الضدين وقياس الجواب الذي ذكره يقتضي أنه إذا
قال كل ما قلته في هذا البيت فهو صدق أن خبره ذلك كذب إذا كان لم يقل في ذلك البيت
شيئا فلازم ذلك أن إخباره عما قاله في البيت بأنه صدق وبأنه كذب إخبار كذب فقد
اجتمع الضدان
والجواب عن هذا الإشكال أن الضدين لم يجتمعا في
هامش إدرار الشروق
طلب للجهل الوبيل وسبيل لغواية التضليل والله أعلم
المسألة الرابعة يكون الإنشاء بالكلام النفساني
كما يكون بالكلام اللساني ولذلك ثلاث صور الصورة الأولى الأسباب والشروط والموانع
الشرعية إن شاء الله تعالى في إفرادها وما ورد من الكتاب والسنة في ذلك إنما هو
أدلة على ما قام بذات الله تعالى من هذه الإنشاءات لا نفسها وإلا يلزم اتحاد
الدليل والمدلول فأنشأ تعالى السببية في زوال الشمس لوجوب الظهر وأنزل قوله تعالى
أقم الصلاة لدلوك الشمس دالا على ما قام بذاته من هذا الإنشاء وكذلك إنشاء الشرطية
في الزكاة وفي الحول وفي الصلاة في الطهارة والمانعية من الميراث في الكفر ومن
الصلاة في الحدث وجعل ما ورد في ذلك دالا على ما قام بذاته من هذه الإنشاءات
الصورة الثانية الأحكام الخمسة الشرعية وهي الوجوب والندب والتحريم والكراهة
والإباحة كلها قائمة بذاته تعالى عند أهل الحق والكتاب والسنة وغير ذلك من أدلة
الشرع إنما هي أدلة على ما قام بذاته تعالى من ذلك وكذلك الواحد منا إذا قال
لغلامه اسقني فقد أنشأ في نفسه إيجابا وطلبا للماء قبل
____________________
(1/78)
حجر عليها من قبل الأزواج بسبب زوال العصمة كما تبقى البقرة
في مرعاها كذلك فهذا لا يتحقق إلا مع النية كسائر المجازات إذا فقدت فيها النية
كان اللفظ منصرفا بالوضع للحقيقة فيصير كذبا
وكذلك جميع ما ذكر من ألفاظ الطلاق فحينئذ إنما تصير هذه الألفاظ موجبة لما ذكره
مالك رحمه الله بنقل العرف لها في رتب أحدها أن ينقلها العرف عن الإخبار إلى
الإنشاء
وثانيها أن ينقلها لرتبة أخرى وهي زوال العصمة بالإنشاء الذي هو إنشاء خاص أخص من
مطلق الإنشاء لأنه لا يلزم من نقلها للإنشاء أن تفيد زوال العصمة لأن أصل الإنشاء
أعم من زوال العصمة فقد يصدق بإنشاء البيع أو العتق أو غير ذلك
والقاعدة أن الدال على الأعم غير دال على الأخص فلا تدل بنقلها إلى أصل الإنشاء
على زوال العصمة بل لا بد من نقلها إلى خصوصه فتفيد زوال العصمة حينئذ
هامش أنوار البروق
ثبوت وذلك هو الاجتماع الممتنع وأما الاجتماع في النفي فغير ممتنع وكون كلا
الخبرين كذبا نفي لكن يبقى أن يقال اجتماع الضدين في الانتفاء غير ممتنع إذا كانا
غير منحصرين بل يكون لهما ضد ثالث أما إذا كانا منحصرين فهما كالنقيضين لا يصح
اجتماعهما في ثبوت ولا انتفاء والصدق والكذب منحصران فلا يصح ثبوتهما لخبر واحد
ولا انتفاؤهما معا وبالجملة المسألة مشكلة بناء على كون الخبر لا بد أن يكون صدقا
أو كذبا أما إذا قال قائل يكون في الإخبار ما ليس بصدق ولا كذب فقول القائل كل ما
قلته في هذا البيت كذب أو كل ما قلته في هذا البيت صدق من هذا الضرب الذي تعرى عن
الصدق والكذب فلا يلزم على مقتضي قوله إشكال ويكون الخبر ثلاثة أقسام صدق وكذب ولا
صدق ولا كذب وتقرير ذلك بأن الخبر إما أن يكون عن مخبره لا بالوقوع ولا بعدم الوقوع
وإما أن يكون بالوقوع أو بعدم الوقوع فإن كان الخبر عن مخبره لا بالوقوع ولا بعدم
الوقوع فهذا الخبر لا يتصف لا بالصدق ولا بالكذب وإن كان الخبر عن مخبره بالوقوع
أو بعدم الوقوع فإما أن يطابق أو لا يطابق فإن طابق فهو الصدق
وإن لم يطابق فهو الكذب وبهذا التقرير تصح القسمة المنحصرة ويبطل حينئذ حد الخبر
أو رسمه بأنه القول الذي يلزمه الصدق أو الكذب ويحد أو
هامش إدرار الشروق
الدلالة عليه بلفظه
وكذلك النهي وغير ذلك غير أن إنشاء الخلق لهذه الأمور حادث وفي حق الله تعالى قديم
بمعنى أن الله تعالى في الأزل يوجب مثلا على من يمكن وجوده مجتمع الشرائط مزال
الموانع فيتقدم منه تعالى الطلب على وجود المطلوب كما أن أحدنا يجد في نفسه طلب
تحصيل العلم والفضائل من ولدان رزقه وهو الآن لا ولد له فيتقدم منا الطلب على وجود
المطلوب وكون الإنشاء لا بد وأن يكون طارئا على الخبر كما مر إنما هو في الإنشاء
والخبر اللغويين أما الكلام النفسي فواحد يختلف باختلاف متعلقاته فإن تعلق بأحد
النقيضين الوجود أو العدم على وجه التبع فهو الخبر وإن تعلق بأحدهما على وجه
الترجيح فإن كان طرف الوجود فهو الإيجاب أو في طرف العدم فهو التحريم أو تعلق
بالتسوية بينهما فهو
____________________
(1/79)
وثالثها أن ينقلها العرف إلى الرتبة الخاصة من العدد وهي
الثلاث فإن زوال العصمة أعم من زوالها بالعدد الثالث فهذه رتب ثلاث لا بد من نقل
العرف اللفظ إليها حتى يفيد اللفظ الثلاث فهذه الرتب التي أشار إليها الإمام أبو
عبد الله المازري رحمه الله بقوله إما أن يكون اللفظ يفيد البينونة أو البينونة مع
العدد أو أصل الطلاق غير أنه قد بقيت في القاعدة التي أشار إليها أغوار لم يفصح
بها وهو يريدها وهي أمور أحدها أن هذه الألفاظ عرفية لا لغوية وأنها تفيد بالنقل
العرفي لا بالوضع اللغوي وثانيها أن مجرد الاستعمال من غير تكرر لا يكفي في النقل
بل لا بد من تكرر الاستعمال إلى غاية يصير المنقول إليه يفهم بغير قرينة
ويكون هو السابق إلى الفهم دون غيره وهذا هو المجاز الراجح فقد يتكرر اللفظ في
مجازه ولا يكون منقولا ولا مجازا راجحا ألبتة كاستعمال لفظ الأسد في الرجل الشجاع
والبحر في العالم أو السخي
هامش أنوار البروق
يرسم بأنه القول الذي يقصد قائله به تعريف المخاطب بأمر إما هذا أو ما يشبهه أو
يقاربه فإن قيل التعريف هو الإخبار ففيه حد الشيء بنفسه فالجواب أن هذه الرسوم
تقريب لا تحقيق والتحقيق أن الخبر معروف وغيره وهو المسمى بالإنشاء معروف والله
أعلم
قال شهاب الدين ومثل هذا الخبر قوله كل ما تكلمت به في جميع عمري كذب وكان لم يكذب
قط فهذا الخبر كذب قطعا لأنه إن أراد الأخبار المتقدمة في عمره فهو كاذب لأنها
كانت صدقا قلت ما قاله في ذلك صحيح
قال وإن أراد هذا الخبر الأخير وحده فهو ليس بصدق لعدم خبر آخر يطابقه قلت ما ذكره
من احتمال إرادة هذا الخبر بعيد جدا لأن لفظه كل ما للعموم وهي نص فيه لا سيما مع
اقترانها بقوله في جميع عمري والذي يتجه أن يقال إن أراد أن كل ما قاله ما عدا هذا
الخبر فهو كاذب لصدقه فيما قال وإن أراد حتى هذا الخبر فهو كاذب أيضا لا لعدم خبر
يطابقه هذا الخبر
هامش إدرار الشروق
الإباحة ولا ترتيب بين هذه الأنواع بل بينها وبين أصل الكلام رتبة عقلية لا زمانية
لأن العقل يقضي بتقديم العام على الخاص بالرتبة تقديما عقليا لا زمانيا فلا تلزم
منافاة الأزل للكلام النفساني ولا الحدوث وكون هذه الأحكام إنشاءات لا إخبارات عن
إرادة وقوع العقاب على من خالف وعصى يتضح بوجهين أحدهما أنها لا تقبل التصديق
والتكذيب
وثانيهما أنها لو كانت إخبارات عن إرادة العقاب للزم إما وجوب عقاب كل عاص وإما
الخلف والثاني محال على الله تعالى والأول باطل لإجماعنا على حصول العفو في كثير
من الصور التي لا تحصى وللنصوص الدالة على ذلك من الكتاب والسنة قال الله تعالى
وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات وقال عليه الصلاة والسلام الندم
توبة والإسلام يجب ما قبله وللصورة الثالثة اختلفت أقوال الأئمة في قوله تعالى
جزاء الصيد يحكم به ذوا عدل منكم والصحيح قول مالك رحمه الله تعالى الواجب في
الصيد مثله من النعم بطريق الأصالة ثم يقوم الصيد ويقع التخيير بين المثل والإطعام
والصوم كما تقرر في كتب الفقه
وأما قول الشافعي رضي الله تعالى عنه
____________________
(1/80)
والضحى أو الشمس والقمر والغزال في جميل الصورة وذلك يتكرر
على ألسنة الناس تكرارا كثيرا ومع ذلك التكرار الذي لا يحصى عدده لم يقل أحد إن
هذه الألفاظ صارت منقولة بل لا تحمل عند الإطلاق إلا على الحقائق اللغوية حتى يدل
دليل على أنها أريد بها هذه المجازات ولا بد في كل مجاز منها من النية والقصد إلى
استعمال اللفظ فيه فعلمنا حينئذ أن النقل لا بد أن يكون بتكرر الاستعمال فيه إلى
حد يصير المتبادر منه للذهن والفهم هو المجاز الراجح المنقول إليه دون الحقيقة
اللغوية فهذا ضابط في النقل لا بد منه فإذا أحطت به علما ظهر لك الحق في هذه
الألفاظ وهو أنا لا نجد أحدا في زماننا يقول لامرأته عند إرادة تطليقها حبلك على
غاربك ولا أنت برية ولا وهبتك لأهلك هذا لم نسمعه قط من المطلقين ولو سمعناه وتكرر
ذلك على سمعنا لم يكف ذلك في اعتقادنا أن هذه الألفاظ منقولة كما تقدم تقريره وأما
لفظ الحرام فقد اشتهر في زماننا في
هامش أنوار البروق
بل لإخباره بقضية كلية تقتضي شمول الكذب جميع أقواله في جميع عمره وقد فرض صادقا
فيما عدا هذا الخبر
قال شهاب الدين وهو قد أخبر أنه غير مطابق لنفسه فهو مخبر أن خبره هذا الأخير
خبران أحدهما غير مطابق للآخر وهو ليس خبرين فيكون كذبا قطعا سواء أراد الأخبار
المتقدمة أو أراد هذا الأخير هذا الذي اعتمده فخر الدين وغيره قلت لا يلزم من
إخباره أن هذا الخبر غير مطابق لنفسه أن يكون مخبرا أن خبره هذا خبران قال والذي
أعتقده أن هذا الخبر لا يقطع بكذبه لجواز أن يريد الخبر الأخير وحده ويكون عدم
مطابقته لعدم ما تمكن المطابقة معه فهو غير مطابق بالمعنى الأعم كما تقدم تقريره
فقوله إنه كذب صدق على هذا التقرير فلا يقطع بكذب هذا الخبر لهذا الاحتمال قلت قد
سبق أن هذا الاحتمال كالممتنع مع أن فيه أمرا آخر وهو أن هذا الخبر بعينه صدق وكذب
معا وذلك لا يصح أصلا وما سبب هذا الارتباك والتخبط الذي لا يعقل إلا التزام أن
الخبر لا يخلو عن الصدق والكذب أما إذا قلنا يخلو عنهما ارتفع الإشكال لا محالة
هامش إدرار الشروق
لا يتصور الحكم فيما أجمع عليه الصحابة رضوان الله تعالى عليهم فإن الحكم لا بد فيه
من الاجتهاد والاجتهاد من مواقع الإجماع لا يصح لأنه سعي في تخطئة المجمعين فيكون
العام مخصوصا بصور الإجماع فجوابه أن الحكمين في زماننا ينشئان الإلزام على قاتل
الصيد ويكون مدركهما في ذلك هو الإجماع في الصورة المجمع عليها والنصوص والأقيسة
في الصورة التي لم يجمع عليها فالحكم في زماننا عام في الجميع والنص باق على
العموم ولا حاجة لتخصيصه ويوضح ذلك ما تقرر من الفرق بين الفتوى والحكم وبين
المفتي والحاكم من أن الحكم إنشاء لنفس ذلك الإلزام إن كان الحكم فيه أو لنفس تلك
الإباحة والإطلاق إن كان الحكم فيها كحكم الحاكم بأن الموات إذا بطل إحياؤه صار
مباحا لجميع الناس والفتوى بذلك إخبار صرف عن صاحب الشرع وأن الحاكم ملزم والمفتي
مخبر وأن نسبتهما لصاحب الشرع كنسبة نائب الأحكام والمترجم عنه فنائبه ينشئ أحكاما
لم تقرر عند مستنيبه بل ينشئها على قواعده كما ينشئها
____________________
(1/81)
أصل إزالة العصمة فيفهم من قول القائل أنت علي حرام أو
الحرام يلزمني أنه طلق امرأته أما أنه طلقها ثلاثا فإنا لا نجد في أنفسنا أنهم
يريدون ذلك في الاستعمال هذا قوله فيما يتعلق بمصر والقاهرة
فإن كان هناك بلد آخر تكرر الاستعمال عندهم في الحرام أو غيره من الألفاظ الثلاث
حتى صار هذا العدد هو المتبادر من اللفظ فحينئذ يحسن إلزام الطلاق الثلاث بذلك
اللفظ وإياك أن تقول إنا لا نفهم منه إلا الطلاق الثلاث لأن مالكا رحمه الله قاله
أو لأنه مسطور في كتب الفقه لأن ذلك غلط بل لا بد أن يكون ذلك الفهم حاصلا لك من
جهة الاستعمال والعادة كما يحصل لسائر العوام كما في لفظ الدابة والبحر والرواية
فالفقيه والعامي في هذه الألفاظ سواء في الفهم لا يسبق إلى إفهامهم إلا المعاني
المنقول إليها فهذا هو الضابط لا فهم ذلك من كتب الفقه فإن النقل إنما يحصل
باستعمال الناس لا بتسطير ذلك في الكتب بل المسطر في الكتب تابع لاستعمال الناس
فافهم ذلك إذا تقرر ذلك فيجب علينا أمور أحدها أن نعتقد أن مالكا أو غيره من
العلماء إنما أفتى في هذه الألفاظ بهذه الأحكام لأن زمانهم كان فيه عوائد اقتضت
نقل هذه الألفاظ للمعاني
هامش أنوار البروق
قال فإن كذب في جملة عمره أو في جميع ما قاله في هذا البيت ثم قال كل ما تكلمت به
في عمري صدق أو جميع ما قلته في هذا البيت صدق إلى منتهى قوله أمكننا أن نجعل
الخبر الواحد كذبا ولم يمكنا أن نجعله صدقا قلت ما قاله في ذلك ظاهر ومبني على
الفرق الذي قرره بين الصدق والكذب وأن الصدق لا بد فيه من المطابقة فيلزم سبق مخبر
عنه بخلاف الكذب لا يشترط فيه عدم المطابقة بل ذلك أو عدم مخبر عنه ألبتة
قال فتأمل هذا الفرق ولاحظ فيه أن الكذب أعم والأعم قد يوجد حيث لا يوجد الأخص
فأما الإمام فخر الدين وغيره فقد سوى بين البابين إلى آخر المسألة قلت الأصح ما
قاله الفخر وغيره والله أعلم
وتتضح المسألة بالتقسيم الحاضر فنقول لا يخلو قائل كل ما تكلمت به في جميع عمري
كذب أن يكون تكلم قبل هذا الكلام أو لم يتكلم فإن تكلم فلا يخلو أن يكون تكلم بكذب
أو بصدق وكذب فإن كان تكلم بكذب لا غير فكلامه هذا صادق
هامش إدرار الشروق
الأصل
ولا يحسن من مستنيبه أن يصدقه فيما حكم به ولا يكذبه بل يخطئه أو يصوبه باعتبار
المدرك الذي اعتمده والمترجم يخبر عما قاله الحاكم لمن لا يعرف كلام الحاكم لعجمته
أو لغير ذلك من موانع الفهم فللحاكم أن يصدقه إن صدق ويكذبه إن كذب وقد وضع الأصل
في هذا الفرق كتابا نفيسا فيه أربعون مسألة تتعلق بتحققه سماه بالأحكام في الفرق
بين الفتاوى والأحكام وتصرف القاضي والإمام وأما قول أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه
النص باق على عمومه غير أن الواجب في الصيد إنما هو القيمة على طريق الفاصل الشاهد
مستدلا بأربعة أمور أحدها أن الجزاء جعله قوله تعالى فجزاء مثل ما قتل من النعم
للمثل لا للصيد نفسه فالنعم واجبة في المثل الذي هو القيمة لا للصيد نفسه
____________________
(1/82)
التي أفتوا بها فيها صونا لهم عن الزلل وثانيها أنا إذا
وجدنا زماننا عريا عن ذلك وجب علينا أن لا نفتي بتلك الأحكام في هذه الألفاظ لأن
انتقال العوائد يوجب انتقال الأحكام كما نقول في النقود وفي غيرها فإنا نفتي في
زمان معين بأن المشتري تلزمه سكة معينة من النقود عند الإطلاق لأن تلك السكة هي
التي جرت العادة بالمعاملة بها في ذلك الزمان فإذا وجدنا بلدا آخر وزمانا آخر يقع
التعامل فيه بغير تلك السكة تغيرت الفتيا إلى السكة الثانية وحرمت الفتيا بالأولى
لأجل تغير العادة
وكذلك القول في نفقات الزوجات والذرية والأقارب وكسوتهم تختلف بحسب العوائد وتنتقل
الفتوى فيها وتحرم الفتوى بغير العادة الحاضرة وكذلك تقدير العواري بالعوائد وقبض
الصدقات عند الدخول أو قبله أو بعده في عادة نفتي أن القول قول الزوج في الإقباض
لأنه العادة وتارة بأن القول قول المرأة في عدم القبض إذا تغيرت العادة أو كانوا
من أهل بلد ذلك عادتهم وتحرم الفتيا
هامش أنوار البروق
وإن كان تكلم بصدق لا غير أو بصدق وكذب فكلامه هذا كذب وإن لم يتكلم قبل هذا
الكلام فكلامه هذا كذب على ما سلك الشهاب ولا صدق ولا كذب على ما سلك غيره والله
أعلم
قال شهاب الدين المسألة الثانية وعد الله تعالى ووعيده وقع لابن نباتة في خطبة
الحمد لله الذي إذا وعد وفى وإذا أوعد تجاوز وعفا إلى آخر المسألة قلت جزم الشهاب
بخطأ ابن نباتة ويمكن أن يخرج لكلامه وجه وهو أن وعد الله لا يخصصه إلا الردة لا
غير ووعيده يخصصه الإيمان وهو نظير الردة والتوبة والشفاعة والمغفرة ولا مقابل لها
في جهة الوعد فلما كان الوعد مخصصاته أقل من مخصصات الوعيد صح أن يفرق بينهما بناء
على ذلك وما ذكره من إيهام العفو عمن أريد بالوعيد ليس من الإيهام الممنوع والله
أعلم
قال شهاب الدين المسألة الثالثة إذا فرضنا رجلا صادقا على الإطلاق وهو زيد فقلنا
زيد ومسيلمة صادقان أو كاذبان استحال ذلك إلى آخر تقرير الإشكال ثم ذكر جواب الفخر
بأنه في قوة خبرين أحدهما صادق والآخر كاذب ورد الجواب بتضييق الفرض في السؤال عن
المجموع أو يقول المتكلم
هامش إدرار الشروق
وثانيها أنه يلزم على جعل الجزاء للمثل لا للصيد أن قوله تعالى لا تقتلوا الصيد
وأنتم حرم عام في جميع أنواع الصيد لا خاص بما لا مثل له من النعم كالعصافير
والنمل وغيرها بخلاف جعل الجزاء للصيد لا للمثل وعدم التخصيص أولى
وثالثها أن الله تعالى اشترط الحكمين وذلك إنما يتأتى باقيا على عمومه إذا جعلنا
الجزاء للمثل لا إذا جعلناه للصيد إذ لا يلزم من إجماع الصحابة رضوان الله تعالى
عليهم على تقويم صيد أن لا نقومه نحن بعد ذلك لاختلاف القيمة في أفراد النوع
الواحد ولا يغني تقويم عن تقويم فيبقى العموم على عمومه في الصحابة ومن بعدهم
ويلزم بعد إجماع الصحابة على أن في الضبع شاة وفي البقرة الوحشية بقرة وفي النعامة
بدنة وغير ذلك من الصور التي يفرض حصول الاجتماع فيها أن ذلك يتعين ولا يبقى للحكم
منا والاجتهاد بعد ذلك معنى ألبتة إلا في الصور التي لم يجمع فيها الصحابة كالفيل
وغيره من أفراد الصيد فيلزم التخصيص وهو على خلاف الأصل
____________________
(1/83)
لهم بغير عادتهم ومن أفتى بغير ذلك كان خارقا للإجماع فإن
الفتيا بغير مستند مجمع على تحريمها وكذلك التلوم للخصوم في تحصيل الديون للغرماء
وغير ذلك مما هو مبني على العوائد مما لا يحصى عدده متى تغيرت فيه العادة تغير
الحكم بإجماع المسلمين وحرمت الفتيا بالأول وإذا وضح لك ذلك اتضح لك أن ما عليه
المالكية وغيرهم من الفقهاء من الفتيا من هذه الألفاظ بالطلاق الثلاث هو خلاف
الإجماع وأن من توقف منهم عن ذلك ولم يجر المسطورات في الكتب على ما هي عليه بل
لاحظ تنقل العوائد في ذلك أنه على الصواب سالم من هذه الورطة العظيمة فتأمل ذلك
ومن الأغوار التي لم ينبه عليها الإمام أبو عبد الله المازري أن المفتي إذا جاءه
رجل يستفتيه عن لفظة من هذه الألفاظ وعرف بلد المفتي في هذه الألفاظ الطلاق الثلاث
أو غيره من الأحكام لا يفتيه بحكم بلده بل يسأله هل هو من أهل بلد المفتي فيفتيه
حينئذ بحكم
هامش أنوار البروق
أردت المجموع
وأجاب بأنه خبر كاذب وأنه إن أراد كل واحد منهما فهو خبر كاذب وإن أراد المجموع
فكذلك لأن الحقيقة الكلية تنتفي بانتفاء جزئها قلت ما قاله جواب حسن بناء على أن
الخبر لا بد أن يكون صدقا أو كذبا وأما أنه لا يخلو عنهما فلا إشكال
قال شهاب الدين المسألة الرابعة إذا قلنا
الإنسان وحده ناطق وكل ناطق حيوان فإنه ينتج الإنسان وحده حيوان وهذا كذب قلت أجاب
بأن قول القائل الإنسان وحده ناطق في قوة مقدمتين موجبة وسالبة وأكمل جوابه بناء
على ذلك وهو جواب حسن ولقائل أن يجيب بأن المقدمة الأولى لما قيد موضوعها بوحده
كان يجب أن يذكر الموضوع في الثانية مقيدا بقيده ولو ذكر كذلك لظهر الفساد في
المقدمة الثانية إذ ليس الإنسان وحده حيوانا بل هو وغيره ففساد النتيجة لفساد إحدى
المقدمتين وهذا الجواب مغن عن الجواب الأول مع أنه حسن
قال شهاب الدين المسألة الخامسة تقول الفول يغذو الحمام والحمام يغذو البازي إلى
آخر المسألة
هامش إدرار الشروق
ورابعها أن الصيد متلف يوم المتلفات فتجب فيه القيمة كسائر المتلفات فجوابه عن
الأمر الأول أن الآية كما قرئت فجزاء مثل بالإضافة فصارت محتملة لما ذكرناه ولما
ذكرتموه كذلك قرئت فجزاء بالتنوين و مثل ما قتل من النعم نعت له فتكون صريحة فيما
ذكرناه من كون الجزاء للصيد للمثل فيجب حملها على ما ذكرناه جمعا بين القراءتين
وهو أولى من التعارض وعن الأمر الثاني أن الضمير في قوله تعالى ومن قتله يحمل على
الخصوص ويبقى الظاهر وهو مرجعه في قوله تعالى لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم على عمومه
من غير تخصيص كما في قوله تعالى إلا أن يعفون خاص بالرشيدات والمطلقات مرجعه على
عمومه من غير تخصيص وكذلك قوله تعالى وبعولتهن أحق بردهن خاص بالرجعيات مع بقاء
المطلقات مرجعه على عمومه وعن الأمر الثالث ما تقدم من أن الحكمين ينشئان الإلزام
وأنه لا ينافي حكم الصحابة رضوان الله تعالى عليهم إذ لو نافاه وكان ردا لحكمهم
لكان حكمهم أيضا ردا على رسول الله
____________________
(1/84)
ذلك البلد
أو هو من بلد آخر فيسأله حينئذ عن المشتهر في ذلك البلد فيفتيه به ويحرم عليه أن
يفتيه بحكم بلده كما لو وقع التعامل ببلد غير بلد الحاكم حرم على الحاكم أن يلزم
المشتري بسكة بلده بل بسكة بلد المشتري إن اختلفت السكتان فهذه قاعدة لا بد من
ملاحظتها وبالإحاطة بها يظهر لك غلط كثير من الفقهاء المفتين فإنهم يجرون
المسطورات في كتب أئمتهم على أهل الأمصار في سائر الأعصار وذلك خلاف الإجماع وهم
عصاة آثمون عند الله تعالى غير معذورين بالجهل لدخولهم في الفتوى وليسوا أهلا لها
ولا عالمين بمدارك الفتاوى وشروطها واختلاف أحوالها فالحق حينئذ أن أكثر هذه
الألفاظ التي تقدم ذكرها ليس فيها إلا الوضع اللغوي وأنها كنايات خفية لا يلزم بها
طلاق ولا غيره إلا بالنية وإن لم تكن له نية لم يلزمه شيء حتى يحصل فيها نقل عرفي
كما تقدم بيانه فيجب اتباع ذلك النقل على حسب ما نقل اللفظ إليه من بينونة أو عدد
أو غير ذلك فهذا هو دين الله تعالى الحق الصريح والفقه الصحيح
هامش أنوار البروق
قلت جوابه ظاهر صحيح المسألة الخامسة كذب نتيجة المقدمتين الصادقتين في الشكل
الأول المنتظم بنحو قولك الفول يغذو الحمام والحمام يغذو البازي ينتج الفول يغذو
البازي وهذا خبر كاذب إذ البازي لا يأكل إلا اللحم إنما هو من جهة فوات شرط
الإنتاج الذي هو اتحاد الوسط فإن ضابط اتحاده في الشكل الأول أن تأخذ عين خبر
المقدمة الأولى فتجعله مبتدأ في الثانية وهنا لم تأخذه بل أخذت مفعوله وجعلته
مبتدأ في الثانية ونظيره أن تقول زيد مكرم خالدا وخالد مكرم عمرا ينتج زيد مكرم
عمرا وذلك غير لازم لجواز أن يكون زيد عدوا لعمرو فلم يكرمه فظهر أنه متى أخذت
مفعول الوسط بطل الإنتاج ومتى أخذته نفسه فهو الذي يحصل به الإنتاج ويصدق معه
الخبر الناشئ من القياس
قال المسألة السادسة تقول كل زوج عدد والعدد
إما زوج أو فرد إلى آخر المسألة قلت ما ذكره من الجواب صحيح ظاهر قال المسألة
السابعة تقول الوتد في الحائط والحائط في الأرض فالوتد في الأرض إلخ قلت ما ذكره
في الجواب أيضا صحيح ظاهر الأقولة وكقوله تعالى وهو الذي في السماء إله وفي الأرض
إله وهو إنما يعبد فوق ظهرهما فاللفظ حقيقة فإن الفوقية الحقيقية تقتضي الاستقرار
والاستقرار يقتضي المماسة وذلك من صفات الحوادث فإن كان أراد ظاهر ذلك اللفظ فهو
خطأ
قال المسألة الثامنة قولنا هذا الجبل ذهب لأن كل من قال إنه ذهب قال إنه جسم وكل
من قال إنه جسم صادق ينتج أن كل من قال إنه ذهب صادق إلى آخر أجوبته قلت أجوبته
صحيحة غير أنه كان الأولى الجواب بأن شرط الإنتاج غير موجود وهو اشتراك
هامش إدرار الشروق
صلى الله تعالى عليه وسلم فإنه عليه الصلاة والسلام حكم في الضبع بشاة أيضا وعن
الأمر الرابع أن جزاء الصيد ليس من باب الجوابر بل من باب الكفارات لأنه تعالى
سماه كفارة في قوله سبحانه وتعالى أو كفارة طعام مساكين فبطل القياس إذا تقرر هذا
كله وثبت أن حكم ذوي العدل منكم في الصيد من مسائل الإنشاء لا الخبر لم يبق إشكال
بين إجماع الصحابة السابق والحكم اللاحق فتفطن والله سبحانه وتعالى أعلم
قال المسألة الخامسة اختلف العلماء في الطلاق بالقلب
من غير نطق إلى آخر المسألة قلت ما قاله في ذلك صحيح ظاهر
المسألة الخامسة اختلف العلماء في الطلاق بالقلب من غير نطق واختلفت عبارات
الفقهاء فيه والعبارة الحسنة ما في الجواهر من أن معنى ذلك الكلام النفساني يعني
أنه إذا أنشأ الطلاق بقلبه بكلامه النفساني ولم يلفظ به بلسانه فهو موضع الخلاف لا
ما في عبارة الجمهور من أن معناه أن في الطلاق بالنية قولين وما في عبارة الجلاب من
أن معناه أن من اعتقد الطلاق بقلبه ولم يلفظ به بلسانه ففيه قولان فإن من
____________________
(1/85)
قاعدة المجاز لا يدخل في النصوص بل في الظواهر فقط فمن أطلق
العشرة وأراد السبعة فهو مخطئ لغة ومن أطلق صيغ العموم وأراد الخصوص فهو مصيب لغة
لأنها ظواهر وأسماء الأعداد عندهم نصوص لا يجوز دخول المجاز فيها ألبتة
قاعدة كل لفظ لا يجوز دخول المجاز فيه لا تؤثر النية في صرفه عن موضوعه لأن النية
لا تصرف اللفظ إلى معنى إلا إذا كان يجوز الصرف إليه لغة هذه قاعدة شرعية والأولى
قاعدة لغوية فبنيت الشرعية على اللغوية وهي القاعدة الشرعية المحمدية وعلى هاتين
القاعدتين ترتب قول مالك ومن وافقه من العلماء بأن القائل أنت حرام أو ألبتة أو
غير ذلك من الألفاظ لا ينوي في أقل من الثلاث بناء على أن اللفظ نقل إلى العدد
المعين وهو الثلاث فصار من جملة أسماء الأعداد وأسماء الأعداد لا يدخلها المجاز
فلا تسمع فيها النية للقاعدتين المتقدمتين
وبهذا يظهر لك الفرق بين قول القائل أنت طالق ثلاثا ويريد اثنتين لا تسمع نيته في
القضاء ولا في الفتوى أو يريد أنها طلقت ثلاث مرات من الولد فتسمع نيته في الفتيا
دون القضاء لأن الأول أدخل النية في لفظ العدد فامتنع والثاني أدخل النية في اسم
جنس الطلاق فحوله لطلق الولد وبقي العدد في ذلك الجنس الذي تحول إليه اللفظ لم
يتعرض له بالنية فدخل المجاز في اسم الجنس لا في العدد والمجاز في أسماء الأجناس
جائز بخلاف أسماء الأعداد فقبلت النية في رفع الطلاق بجملته لتحويله لجنس آخر ولم
تقبل في رفع بعضه
وهذا يظهر في بادئ الرأي بطلانه وأن النية إذا قبلت في رفع الكل أولى أن تقبل في
رفع البعض والسر ما تقدم تقريره
هامش أنوار البروق
المقدمتين في الوسط ولم يشتركا في هذا القول في الوسط ففات شرط الإنتاج ولزمه
بفوته الخطأ والكذب
قال شهاب الدين من صفحة 87 إلى 104 فارغه
هامش إدرار الشروق
نوى طلاق امرأته وعزم عليه وصمم ثم بدا له لا يلزمه طلاق إجماعا وكذلك من اعتقد أن
امرأته مطلقة وجزم بذلك ثم تبين له خلاف ذلك لم يلزمه طلاق إجماعا
قلت فمن هنا نقل البناني عن التوضيح ما نصه الخلاف إنما هو إذا أنشأ الطلاق بقلبه
بكلامه النفساني والقول بعدم اللزوم لمالك في الموازية وهو اختيار ابن عبد الحكم
وهو الذي ينصره أهل المذهب القرافي وهو المشهور والقول باللزوم لمالك في العتبية
قال في البيان والمقدمات وهو الصحيح وقال ابن رشد هو الأشهر ابن عبد السلام والأول
أظهر لأن الطلاق حل للعصمة المنعقدة بالنية والقول فوجب أن يكون حلها كذلك إنما
يكتفى بالنية في التكاليف المتعلقة بالقلب لا فيما بين الآدميين
ا ه ولذا اقتصر على الأول العلامة الأمير في مجموعه حيث قال لا بالكلام النفسي على
الراجح وقال القاضي أبو الوليد بن رشد إن اجتمع النفساني واللساني لزم الطلاق فإن
انفرد أحدهما عن صاحبه فقولان ا ه فالنية في اصطلاح أرباب المذهب تطلق بالاشتراك
اللفظي على القصد وعلى الكلام النفساني فإنهم يقولون صريح الطلاق لا
____________________
(1/86)
فإن قلت ما ذكرته من الحق متعين اتباعه فما سبب اختلاف
الصحابة رضي الله عنهم في هذه الألفاظ ومن بعدهم من العلماء وكيف ساغ الخلاف مع
وضوح هذا المدرك وقلت سبب اختلافهم رضي الله عنهم اختلافهم في تحقيق وقوع النقل
العرفي هل وجد فيتبع أو لم يوجد فيتبع موجب اللغة وإذا وجد النقل فهل وجد في أصل
الطلاق فقط أو فيه مع البينونة أو مع العدد كما تقدم تقريره وإذا لم يوجد نقل عرفي
وبقي موجب اللغة فهل يلاحظ نصوص اقتضت الكفارة في مثل هذا أم لا أو القياس على بعض
الأحكام فيكون المدرك هو القياس لا النص فهذا هو سبب اختلافهم رضي الله عنهم مع
اتفاقهم على هذه المدارك المذكورة غير أنه لم يتضح وجودها عند بعضهم واتضح عند
البعض الآخر
وأما لو وقع الاتفاق على وجودها وقع الاتفاق على الحكم وارتفع الخلاف فلا تنافي
بين صحة هذه المدارك وبين اختلافهم في وجودها وترتب الحكم عليها فإن قلت فلعل مدرك
مالك نص أو قياس فتستمر فتاويه في بعض الأعصار والأمصار ولا يلزم تغييرها بتغير
العوائد فإن ذلك إنما يلزم فيما مدركه العوائد أما ما هو بالنصوص أو الأقيسة
فيتأبد فيكون المفتي بموجبات المنقولات في الكتب مصيبا لا مخطئا ولا يجتمع بمالك
حتى يسأله عما في نفسه ومع الاحتمال لا تتعين التخطئة
ويجب اتباع موجب المنقولات عن الأئمة من غير اعتراض لأنا مقلدون لهم رضي الله عنهم
لا معترضون عليهم ومتى وجدنا فتاويهم وجهلنا مدركها نقلناها كما وجدناها لمن
يسألنا عن المذهب فإنا مقلدون لا مجتهدون
قلت الجواب عن هذا السؤال من وجوه الأول الاستقراء فإنا لسنا جاهلين باللغة إلى
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
يحتاج إلى النية إجماعا وهو يحتاج إلى النية إجماعا وفي احتياجه إلى النية قولان
وظاهره التناقض لكنهم يريدون بالأول قصد استعمال اللفظ في موضعه فإن ذلك لا يحتاج
إليه إلا في الكناية دون التصريح ويريدون بالثاني القصد للنطق بصيغة التصريح
احترازا عن النائم ومن يسبقه لسانه
ويريدون بالثالث الكلام النفساني وكما وقع الخلاف في انعقاد الطلاق بإنشاء كلام
النفس وحده أو لا بد من اللفظ كذلك وقع الخلاف في اليمين ومن هنا يظهر أن ما في
الجلاب وغيره من قياس لزوم الطلاق بكلام النفس عن الإيمان والكفر فإنه يكفي فيهما
كلام النفس فاسد من وجوه أحدها أن الطلاق إنشاء وهما لا يقعان إلا بالإخبار
والاعتقاد
وثانيها أن الاعتقاد من باب العلوم والظنون لا من باب الكلام والبابان مختلفان فلا
يقاس أحدهما على الآخر
وثالثها أنه على الصحيح من أن الإيمان لا يكفي فيه مجرد الاعتقاد بل لا بد معه من
النطق باللسان مع الإمكان على مشهور مذهب العلماء كما حكاه القاضي عياض في الشفاء
وغيره كان اللازم أن يقال في القياس على فرض تسليم أن البابين واحد يجب أن يفتقر
الطلاق إلى اللفظ قياسا على الإيمان بالله تعالى
قال المسألة السادسة في بيان الفرق بين الصيغ التي يقع بها الإنشاء الواقع اليوم
في العادة إن الشهادة تصح بالمضارع إلى آخر المسألة قلت ما قاله في هذه المسألة من
اعتبار معينات الألفاظ مبني على مذهب من يشترطها كما قال فيصح تنقل العادات فيها
بحسب العرف الحادث كما ذكر والله أعلم
____________________
(1/87)
حد لا نعلم مدلول هذه الألفاظ لغة مع أنها من الألفاظ
المشهورة لا من الحوشية وقد تقدم أن اللغة إنما تقتضي الخبر لا ما ذكروه من
الإنشاء ولا يمكن أن يكون مدركهم القياس فإنا نعلم مسائل الطلاق وشرائط القياس وليس
فيها ما يقتضي القياس على ما ذكروه وليس فيها آية من كتاب تقتضي أكثر مما قاله
القائلون بالكفارة التي دل عليها آية التحريم والأحاديث لم نجد أحدا من العلماء
روى في هذه الأحكام حديثا
وقد وقعت هذه المسألة بين الصحابة وبين التابعين رضي الله عنهم ولم نجد أحدا في
كتب الفقه والخلاف روى عن أحد منهم أنه روى في ذلك حديثا فلم يبق سوى العوائد
الثاني أن الإمام أبا عبد الله المازري إمام الفقه وأصوله وحافظ متقن العلم الحديث
وفنونه وله في جميع ذلك اليد البيضاء والرتبة العالية وقد تقدم ما قاله في هذه
المسألة من القواعد وأشار إلى أن سبب الخلاف فيها نقل العوائد كما تقدم بسطه فكفى
به قدوة في مدرك هذه الشروع ومعتمدا في ضوابطها وتلخيصها وقد تابعه في ذلك جماعة
من الشيوخ والمصنفين ولم نجد لهم مخالفا فكان ذلك إجماعا من أئمة المذهب فالتشكيك
بعد ذلك في المدرك إنما هو طلب للجهل وسبيل لغواية التضليل
الثالث أن قاعدة الفقهاء وعوائد الفضلاء أنهم إذا ظفروا للنوع بمدرك مناسب وفقدوا
غيره جعلوه معتمدا لذلك الفرع في حق الإمام المجتهد الأول الذي أفتى بذلك الفرع
وفي حقهم أيضا في الفتيا والتخريج واستقراء أحوال الفقهاء في مسلك النظر
وتحرير الفروع يقتضي الجزم بذلك فكذلك يجب هاهنا ونحن استقرينا هذه المسائل فلم
نجد لها مدركا
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
المسألة السادسة فرق الفقهاء بين الشهادة تصح
بالمضارع دون الماضي واسم الفاعل فيقبل قول الشاهد أشهد بكذا دون قوله شهدت بكذا
وأنا شاهد بكذا وبين البيع والطلاق ينعقد الأول بالماضي كبعتك بكذا ولا ينعقد
بالمضارع كأبيعك بكذا أو أبايعك بكذا عند من يعتمد على مراعاة الألفاظ كالشافعي لا
عند من يقول بانعقاد البيع بمجرد المعاطاة ويقع إنشاء الثاني بالماضي نحو طلقتك
ثلاثا واسم الفاعل نحو أنت طالق ثلاثا دون المضارع نحو أطلقك ثلاثا سببه النقل
العرفي من الخبر إلى الإنشاء فأي شيء نقلته العادة لمعنى صار صريحا في العادة لذلك
المعنى بالوضع العرفي فيعتمد الحاكم عليه كما يستفتى المفتي عن طلب النية معه
لصراحته وما لم تنقله العادة لإنشاء ذلك المعنى يتعذر الاعتماد عليه لعدم الدلالة
اللغوية والعرفية فنقلت العادة في الشهادة المضارع وحده وفي الطلاق والعتاق اسم
الفاعل والماضي فإن اتفق تجدد عادة أخرى في وقت آخر تقتضي نسخ هذه العادة اتبعنا
الثانية وتركنا الأولى ويصير الماضي في البيع والمضارع في الشهادة على حسب ما
تجدده العادة وبهذا يظهر أن مالكا رحمه الله تعالى في قوله ما عده الناس بيعا فهو
بيع نظر إلى أن المدرك هو تجدد العادة نعم للشافعية أن يقولوا إن ذلك مسلم ولكن
يشترط وجود اللفظ المنقول أما مجرد الفعل والمعاطاة الذي يقصده مالك فممنوع وصل في
ثمان مسائل مستحسنة في بابها توضح الخبر
____________________
(1/88)
مناسبا إلا العوائد فوجب جعلها مدرك الأئمة إفتاء وتخريجا
والعدول عن ذلك بعد ذلك إنما هو التزام للجهالة من غير معنى مناسب ويؤيد ذلك أنا
في كلام الشرع إذا ظفرنا بالمناسبة جزمنا بإضافة الحكم إليها مع تجويز أن لا يكون
الحكم كذلك عقلا لكن الاستقراء أوجب لنا ذلك ولا نعرج على غير ما وجدناه ولا نلتزم
التعبد مع وجود المناسب هذا مما أجمع عليه الفقهاء القياسون وأهل النظر والرأي
والاعتبار فأولى أن نفعل ذلك في كلام غير صاحب الشريعة بل نحمل كلام العلماء على
المناسب لتلك الفتاوى السالم عن المعارض نعم إذا وجدنا مناسبين تعارضا أو مدركين
تقابلا فحينئذ يحسن التوقف وهذا تقرير ظاهر في دفع هذا السؤل
المسألة الرابعة إن الإنشاء كما يكون بالكلام
اللساني يكون بالكلام النفساني ولذلك صور الصورة الأولى أن الله سبحانه وتعالى
أنشأ السببية في زوال الشمس لوجوب الظهر وأنزل القرآن الكريم دالا على ما قام
بذاته من هذا الإنشاء بقوله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس فإن الكتب المنزلة عندنا
أدلة الأحكام لا نفس الأحكام وإلا يلزم اتحاد الدليل والمدلول وقس على ذلك جميع
الأسباب الشرعية وكذلك القول في الشروط كالحول في الزكاة والطهارة في الصلاة وكذلك
الموانع الشرعية كالكفر من الميراث والحدث من الصلاة وغير ذلك من الموانع وما ورد
من الكتاب والسنة في ذلك إنما هو أدلة على ما قام بذات الله تعالى
الصورة الثانية الأحكام الخمسة الشرعية وهي
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
المسألة الأولى قد قدمنا أن الصدق مطابقة
النسبة الكلامية للنسبة الخارجية والكذب عدمها وقد وقع الخلاف في المراد بعدمها
فذهب الأصل إلى أن المراد عدم المطابقة بالفعل بأن يوجد في نفس الأمر المخبر عنه
على خلاف ما في الخبر كمن قال زيد قائم وهو ليس بقائم أو بالقوة بأن لا يوجد في
نفس الأمر شيء ألبتة فيصدق أيضا عدم المطابقة لكن لا لمخالفته لما وجد كما في
الأول بل لعدم ما يطابقه الخبر نظرا إلى أن السالبة تصدق مع عدم وجود الموضوع
فافهم وذهب الفخر الرازي وغيره إلى أن المراد عدم المطابقة بالفعل قال ابن الشاط
وهذا هو الأصح وثمرة الخلاف أن من قال كل ما تكلمت به في جميع عمري كذب لا يخلو
إما أن يكون تكلم قبل هذا الكلام أو لم يتكلم فإن تكلم فلا يخلو إما أن يكون تكلم
بكذب فقط أو بصدق فقط أو بصدق وكذب معا فإن كان تكلم بكذب فقط فكلامه هذا صادق قطعا
وإن كان تكلم بصدق فقط أو بصدق وكذب معا فكلامه هذا كاذب قطعا سواء أراد أن كل ما
قاله ما عدا هذا الخبر وهو ظاهر أو أراد حتى هذا الخبر لإخباره بقضية كلية تقتضي
شمول الكذب جميع أقواله في جميع عمره
وهو قد فرض صادقا فقط فيما عدا هذا الخبر أو صادقا وكاذبا معا لا كاذبا فقط وإن لم
يتكلم قبل هذا الكلام فكلامه هذا كذب على الأول ولا صدق ولا كذب على الثاني وكذلك
إذا قال كل ما قلته في هذا البيت كذب ولم يقل شيئا في ذلك البيت قبل هذا القول
يكون كلامه هذا كذبا على الأول ولا صدقا ولا كذبا على الثاني
____________________
(1/89)
الوجوب والندب والتحريم والكراهة والإباحة كلها قائمة بذات
الله تعالى عند أهل الحق والكتاب والسنة وغير ذلك من أدلة الشرع إنما هي أدلة على
ما قام بذات الله تعالى من ذلك وكذلك الواحد منا إذا قال لغلامه اسرج الدابة فقد
أنشأ في نفسه إيجابا وطلبا للإسراج قبل الدلالة عليه بلفظه وكذلك النهي وغير ذلك
غير أن إنشاء الخلق لهذه الأمور حادث وفي حق الله تعالى قديم فإن قلت كيف يتصور
الإنشاء القديم وليس في الأزل من يطلب منه شيء ولأنك قررت في الفرق بين الإنشاء
والخبر أن الإنشاء لا بد وأن يكون طارئا على الخبر ووصف الطروء يأبى الأزلية
قلت الجواب عن الأول أن الله تعالى يوجب في الأزل على زيد المعين على تقدير وجوده
مجتمع الشرائط مزال الموانع وذلك غير ممتنع كما يجد أحدنا في نفسه طلب تحصيل العلم
والفضائل من ولدان رزقه وهو الآن لا ولد له فيتقدم منا الطلب على وجود المطلوب
وتقدم الطلب على المطلوب منه لا غرو فيه وعن الثاني أن ذلك الفرق إنما هو بين
الإنشاء والخبر اللغويين باعتبار الوضع اللغوي أما في الكلام النفساني فلا ترتيب
بينهما بل هما نوعان لمطلق الكلام النفسي فإنه واحد ويختلف باختلاف متعلقاته فإن
تعلق بأحد النقيضين الوجود أو العدم على وجه التبع فهو الخبر وإن تعلق بأحدهما على
وجه الترجيح فإن كان في طرف الوجود فهو الإيجاب أو العدم فهو التحريم أو تعلق
بالتسوية بينهما فهو الإباحة ولا ترتيب بين هذه الأنواع بل بينها وبين أصل الكلام
رتبة
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
فعلى الثاني تثبت الواسطة ويكون في الإخبار ما ليس بصدق ولا كذب ويبطل حينئذ حد
الخبر أو رسمه بما مر من أنه القول الذي يلزمه الصدق أو الكذب لأنه غير جامع لعدم
شموله الواسطة فيرسم بنحو القول الذي يقصد قائله تعريف المخاطب بأمر ما وإن كان
فيه حد الشيء بنفسه لأن التعريف هو الإخبار نظرا لكون هذه الرسوم تقريبا لا تحقيقا
إذ التحقيق أن كلا من الإنشاء والخبر معروف لا يحتاج لتعريف وعلى الأول لا تثبت
الواسطة ويكون حد الخبر أو رسمه بما مر جامعا مانعا نعم قد يقال بثبوت الواسطة على
الأول إذا قال كل ما قلته في هذا البيت كذب ولم يقل شيئا في هذا البيت قبل هذا
القول ثم قال كل ما قلته في هذا البيت صدق وذلك أن الأول يقتضي أنه إذا قال كل ما
قلته في هذا البيت صدق يكون خبره ذلك كاذبا إذ الفرض أنه لم يقل في ذلك البيت شيئا
ويلزم ذلك أن إخباره عما قاله في البيت بأنه صدق وبأنه كذب إخبار كذب مع أن الصدق
والكذب خبران وقد أخبر بهما عن مخبر واحد فلا بد أن يصدق أحد خبريه ويكذب الآخر
وإلا أدى ذلك إلى اجتماع الضدين
ولا يتأتى الجواب بأن إجماعهما هنا لم يكن في ثبوت حتى يمتنع بل في نفي والاجتماع
في النفي غير ممتنع إلا بإثبات الواسطة ضرورة أن الضدين المنحصرين كالنقيضين لا
يصح اجتماعهما في ثبوت ولا انتفاء
ا ه كلام ابن الشاط فتأمله وما تقدم من الاكتفاء في حقيقة الكذب بعدم المطابقة
للمخبر عنه في كلا القولين وإن لم يقصد إلى عدم مطابقته هو مذهب الجمهور وذهب
الجاحظ وغيره إلى أن حقيقة الكذب يشترط فيها القصد إليه وعدم
____________________
(1/90)
عقلية لا زمانية لأن العقل يقضي بتقديم العام على الخاص
بالرتبة تقديما عقليا لا زمانيا فلا تلزم منافاة الأزل للإنشاء النفساني ولا
الحدوث فإن قلت لم لا يجوز أن تكون هذه الأمور إخبارات عن إرادة وقوع العقاب على
من خالف وعصى ولا تكون إنشاءات
قلت ذلك باطل لوجوه أحدها أن الخبر يقبل التصديق والتكذيب وهذه الأمور لا تحتملها
فهي إنشاءات وثانيها أنها لو كانت إخبارات للزم الخلف فيها لحصول العفو عن العصاة
إما تفضلا من الله تعالى من غير سبب من المكلف أو بسبب هو التوبة لكن ذلك محال على
الله تعالى فلا يكون خبرا عن ذلك وثالثها أنه قد تقرر في علم الكلام أن إرادة الله
تعالى واجبة النفوذ فلو كانت إخبارات عن إرادة العقاب لوجب عقاب كل عاص وليس كذلك
لإجماعنا على حصول العفو في كثير من الصور التي لا تحصى والنصوص الدالة على ذلك من
الكتاب والسنة لقوله تعالى وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ولقوله
عليه السلام الندم توبة والإسلام يجب ما قبله الصورة الثالثة قوله تعالى في جزاء
الصيد يحكم به ذوا عدل منكم فاختلف العلماء فيها فقال الشافعي رضي الله عنه لا
يتصور الحكم فيما أجمع عليه الصحابة رضوان الله عليهم فإن الحكم لا بد فيه من
الاجتهاد ولا اجتهاد في مواقع
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
المطابقة فالخبر على رأي هؤلاء ثلاثة أقسام صدق وهو المطابقة وكذب وهو غير
المطابقة الذي قصد إلى عدم مطابقته وواسطة بينهما وهو غير المطابق الذي لم يقصد
إلى عدم مطابقته وهذا القسم لا يلزمه عندهم صدق ولا كذب فلا يشمله تعريف الخبر
السابق لنا على أن المراد في المسألة الظن
قوله صلى الله تعالى عليه وسلم كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع فدل جعله كاذبا
إذا حدث بكل ما سمعه مع كونه غير مطابق في الغالب وإن كان لم يعرفه حتى يقصد إليه
على أن القصد في الكذب غير معتبر وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم من كذب علي
متعمدا فليتبوأ مقعده من النار فدل من حيث إن مفهومه أن من كذب غير متعمد لا يستحق
النار على تصور حقيقة الكذب من غير قصد إليه وهو المطلوب وعلى أن المراد في
المسألة القطع لا حجة لهم في قوله تعالى أفترى على الله كذبا أم به جنة فإن الكفار
قسموا قوله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى نوعي الكذب وهما المفترى الذي اخترعه
الكاذب من نفسه ولم يسمعه من غيره وغير المفترى الذي تبع فيه غيره لا أنهم قسموا الكلام
إلى كذب وغيره حتى يحصل مقصود الخصم نعم نسبة الجنون إلى من اتبع غيره في قوله
الكاذب في غاية البعد فافهم قلت والتحقيق أن المبالغة في نحو قولك جئتك ألف ألف
مرة كذب ولو على غير مذهب الجمهور إن قصد بها ظاهر الكلام لأنها لم تطابق الواقع
وصدق إن قصد بها المبالغة في الكثرة أو
____________________
(1/91)
الإجماع لأنه سعي في تخطئة المجمعين فيكون العام مخصوصا
بصور الإجماع
وقال أبو حنيفة رضي الله عنه النص باق على عمومه غير أن الواجب في الصيد إنما هو
القيمة على طريق الفاصل الشاهد ويدل على ذلك أمور أحدها قوله تعالى فجزاء مثل ما
قتل من النعم فجعل الجزاء للمثل لا للصيد نفسه فالنعم واجبة في المثل الذي هو
القيمة لا للصيد نفسه وثانيها أنه لو حمل الجزاء على الصيد نفسه لزم التخصيص وعلى
ما ذكرنا لا يلزم التخصيص
وذلك لأن قوله تعالى لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم عام في جميع أنواع الصيد فلو حمل
الجزاء على الصيد خرج منه ما لا مثل له من النعم كالعصافير والنمل وغيرها وإذا
قلنا بالقيمة وجب في جميع ذلك القيمة فلا تخصيص وهو أولى فيجب المصير إليه وثالثها
أن الله تعالى اشترط الحكمين وذلك إنما يتأتى إذا قلنا بالقيمة فإنه لا يلزم إجماع
الصحابة رضوان الله عليهم على تقويم صيد أن لا نقومه نحن بعد ذلك فإن أفراد النوع
الواحد تختلف قيمتها ولا يغني تقويم عن تقويم فيبقى العموم على عمومه في الصحابة
ومن بعدهم أما لو جعلنا في الصيد الجزاء مع أنهم قد أجمعوا على أن في الضبع شاة
وفي البقرة الوحشية بقرة وفي النعامة بدنة وغير ذلك من الصور التي يفرض حصول
الإجماع فيها فإن ذلك يتعين ولا يبقى للحكم منا والاجتهاد بعد ذلك معنى ألبتة إلا
في الصور التي لم يقع فيها إجماع كالفيل وغيره من أفراد الصيد فيلزم التخصيص وهو
على
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
استعمل لفظها في مطلق الكثرة مجازا لعلاقة الخصوصية أما على الثاني فظاهر على
الراجح من وضع المجاز لمعناه وأما على الأول فلأن مرادهم أن الصدق مطابقة حكم
الخبر الذي تضمنه المعنى المراد للواقع لا خصوص المعنى الوضعي فتدبر
المسألة الثانية قال الإمام فخر الدين في باب
الإخبار إن قولك إذا فرضت صدق زيد مثلا على الإطلاق زيد ومسيلمة الحنفي صادقان أو
كاذبان في قوة خبرين تقديرهما على الأول زيد صادق ومسيلمة صادق وعلى الثاني زيد
كاذب ومسيلمة كاذب فيصدق مفهوم الكذب في مسيلمة ويكذب في زيد ومفهوم الصدق بالعكس
لا خبر واحد حتى يلزمه ارتفاع الصدق والكذب لاستحالة أن يكون صادقا وإلا لصدق
مسيلمة في قولك هما صادقان أو لكذب زيد في قولك هما كاذبان وأن يكون كاذبا وإلا
لصدق مسيلمة على الأول أو لكذب زيد على الثاني
ا ه ولا يخفى أنه يبطل بتضييق الفرض بأن نقول المجموع صادق أو كاذب ونجعل الخبر عن
المجموع وهو مفرد في اللفظ أو يقول المتكلم أردت المجموع والإخبار عنه ولم أرد
الإخبار عن كل واحد منهما فالحق كما أشار إليه الفخر أن نلتزم في هما صادقان أو
هما كاذبان أن الخبر كذب لأن المتكلم أخبر في الأول عن حصول المطابقة في المجموع
وفي كل واحد منهما وفي الثاني عن ثبوت عدم المطابقة في المجموع وفي كل واحد منهما
وليس الأمر كذلك لانتفاء حقيقة كل من الصدق والكذب بانتفاء جزئها فتنتفي المطابقة
في المجموع بنفيها في أحدهما وكذلك ينتفي ثبوت عدم المطابقة في المجموع بنفيه في
أحدهما ولا شك في انتفاء المطابقة أو ثبوت عدمها في واحد
____________________
(1/92)
خلاف الأصل ورابعها أنه متلف من المتلفات فتجب فيه القيمة
كسائر المتلفات وقال مالك رحمه الله الواجب في الصيد مثله من النعم بطريق الأصالة
ثم يقوم الصيد ويقع التخيير بين المثل والإطعام والصوم كما تقرر في كتب الفقه وهذا
هو الصحيح
والجواب عما قاله الشافعي رضي الله عنه ما تقرر من الفرق بين الفتوى والحكم وبين
المفتي والحاكم من أن الحكم إنشاء لنفس ذلك الإلزام إن كان الحكم فيه أو لنفس تلك
الإباحة والإطلاق إن كان الحكم فيها كحكم الحاكم بأن الموات إذا بطل إحياؤه صار
مباحا لجميع الناس والفتوى بذلك إخبار صرف عن صاحب الشرع وأن الحاكم ملزم والمفتي
مخبر وأن نسبتهما لصاحب الشرع كنسبة نائب الحاكم والمترجم عنه فنائبه ينشئ أحكاما
لم تتقرر عند مستنيبه بل ينشئها على قواعده كما ينشئها الأصل ولا يحسن من مستنيبه
أن يصدقه فيما حكم به ولا يكذبه بل يخطئه أو يصوبه باعتبار المدرك الذي اعتمده
والمترجم يخبر عما قاله الحاكم لمن لا يعرف كلام الحاكم لعجمة أو لغير ذلك من
موانع الفهم فللحاكم أن يصدقه إن صدق ويكذبه إن كذب وهذا المترجم لا ينشئ حكما بل
يخبر عن الحاكم فقط وقد وضعت في هذا الفرق كتابا سميته بالأحكام في الفرق بين
الفتاوى والأحكام وتصرف القاضي والإمام وفيه أربعون مسألة تتعلق بتحقيق هذا الفرق
وهو كتاب نفيس إذا تقرر معنى الحكم فالحكمان في زماننا ينشئان الإلزام على قاتل
الصيد فإن كانت الصورة مجمعا عليها كان الإجماع مدركا له ومع ذلك فهم منشئون وإن
لم يكن فيها إجماع فهو أظهر ويعتمدون على النصوص والأقيسة فلا حاجة
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
منهما فيكون الحق نفي ذلك في المجموع إذ لا فرق بين مجموع الوجودين ومجموع العدمين
في قولك الوجود يشمل زيدا وعمرا وقولك العمد يشمل زيدا وعمرا في كون كل ينتفي
بانتفاء جزئه بأن يعدم أحدهما في الأول ويوجد في الثاني فيكون الخبر كذبا فافهم
والله أعلم
المسألة الثالثة الفرق بين وعد الله تعالى
ووعيده محال عقلا سواء أريد بهما صورة اللفظ وما دل عليه بوضعه اللغوي من العموم
أو أريد بهما من أريد بالخطاب ومن قصد بالإخبار عنه بالنعيم أو العقاب أما على
الأول فإنهما سواء في جواز دخول التخصيص فيها فجميع إخبارات الوعيد والوعد يخرج
منها من لم يرد باللفظ
ويبقى المراد ألا ترى أنه كما دخل التخصيص في وعيده تعالى بقوله تعالى ومن يعمل
مثقال ذرة شرا يره بمن عفي عنه تفضلا أو بالتوبة أو غير ذلك فلم ير شرا مع عمله له
كذلك دخل التخصيص في وعده تعالى بقوله فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره بمن حبط عمله
بردته وسوء خاتمته أو أخذت أعماله في الظلامات بالقصاص وغيره فلم ير خيرا مع أنه
عمله
وأما على الثاني فلأنه يستحيل أن لا يقع مخبره تعالى من وعيد أو وعد على من أراده
تعالى بخبره وإلا لحصل الخلف المستحيل عقلا على الله تعالى بل يجب حصول النعيم أو
العذاب لمن أراده الله تعالى بالإخبار عن نعيمه أو عقابه لئلا يلزم الخلف نعم يمكن
أن يراد بالوعيد صورة العموم فيكون قابلا للتخصيص وبالوعد من أريد بالخطاب فيتعين
فيه الوفاء بذلك الموعود وعليه يندفع المحال في الفرق بينهما ويصح ما وقع لابن
نباتة في خطبة
____________________
(1/93)
إلى التخصيص بل يبقى النص على عمومه والحكم في زماننا عام
في الجميع والجواب عما قاله أبو حنيفة أن الآية قرئت فجزاء بالتنوين فيكون الجزاء
للصيد و مثل ما قتل من النعم نعت له
ويكون الواجب هو المثل من النعم والقراءتان منزلتان في كتاب الله تعالى غير أن
قراءة التنوين صريحة فيما ذكرناه وقراءة الإضافة محتملة لما ذكرناه ولما ذكرتموه
فيجب حملها على ما ذكرناه جمعا بين القراءتين وهو أولى من التعارض وعن الثاني أن
الضمير في قوله تعالى ومن قتله يحمل على الخصوص ويبقى الظاهر على عمومه من غير
تخصيص كما في قوله تعالى إلا أن يعفون خاص بالرشيدات والمطلقات على عمومه من غير
تخصيص وكذلك قوله تعالى وبعولتهن أحق بردهن خاص بالرجعيات مع بقاء المطلقات على
عمومه وعن الثالث ما تقدم من أن الحكمين ينشئان الإلزام وأنه لا ينافي حكم الصحابة
رضوان الله عليهم ولولا ذلك لكان حكم الصحابة رضي الله عنهم ردا على رسول الله صلى
الله عليه وسلم فإنه عليه السلام حكم في الضبع بشاة وقد حكم فيها الصحابة أيضا فلولا
ما ذكرناه لامتنع حكمهم وعن الرابع أن جزاء الصيد ليس من باب الجوابر بل من باب
الكفارات لقوله تعالى أو كفارة طعام مساكين فسماه كفارة فبطل القياس إذا تقررت
المذاهب والمدارك وأجوبتها وتعين فيها الحق وأنه إنشاء في الجميع كانت هذه المسألة
من مسائل الإنشاء فتفطن لها
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
الحمد لله الذي إذا وعد وفى وإذا أوعد تجاوز وعفا نظرا لما جرت العوائد به من
التمدح بالوفاء في الوعد والعفو في الوعيد كما في قول الشاعر وإني إذا أوعدته أو
وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي إذ يمكن أن يخرج لكلامه وجه وهو أن وعد الله لا
يخصصه إلا الردة لا غير ووعيده يخصصه الإيمان وهو نظير الردة والتوبة والشفاعة
والمغفرة ولا مقابل لها في جهة الوعد فلما كانت مخصصات الوعد أقل من مخصصات الوعيد
صح أن يفرق بينهما بما ذكر وليس من الإيهام الممنوع إيهام مثل هذا أن الله تعالى
يعفو عمن أريد بالوعيد ولا يقتصر المفهوم على التخصيص فقط كما جرت به العادة من
التمدح بالعفو وإن أكذب أحدنا نفسه كما قال الشاعر لمخلف إيعادي فإن الكذب جائز
علينا ونمدح به ويحسن منا في مواطن وهو محال على الله تعالى فبطلت كليته الكبرى
التي هي شرط إنتاج الشكل الأول في القياس القائل مثل قول ابن نباتة المذكور إطلاق
لما يوهم محالا على الله تعالى وإطلاق ما يوهم محالا على الله تعالى حرام فمثل قول
ابن نباتة المذكور حرام فافهم والله أعلم
قال شهاب الدين المسألة الرابعة إذا قلنا
الإنسان وحده ناطق وكل ناطق حيوان فإنه ينتج الإنسان وحده حيوان وهذا كذب قلت أجاب
بأن قول القائل الإنسان وحده ناطق في قوة مقدمتين موجبة وسالبة وأكمل جوابه بناء
على ذلك وهو جواب حسن ولقائل أن يجيب بأن المقدمة الأولى لما قيد موضوعها بوحده
كان يجب أن يذكر الموضوع في الثانية مقيدا بقيده ولو ذكر كذلك لظهر الفساد في
المقدمة الثانية إذ ليس الإنسان وحده حيوانا بل هو وغيره ففساد النتيجة لفساد إحدى
المقدمتين وهذا الجواب مغن عن الجواب الأول مع أنه حسن
المسألة الرابعة إنما كذبت نتيجة المقدمتين الصادقتين في الشكل الأول المنتظم بنحو
قولك الإنسان وحده ناطق وكل ناطق حيوان ينتج الإنسان وحده حيوان وهذا خبر كاذب إذ
ليس الإنسان وحده حيوانا بل هو وغيره لأحد أمرين
____________________
(1/94)
فهي مشكلة جدا ومن لم يحط علما بحقيقة حكم الحاكم ويعلم
الفرق بينه وبين المفتي علما واضحا أشكلت عليه هذه المسألة وتعذر عليه الجواب عن
إجماع الصحابة وكيف يجمع بين الإجماع السابق والحكم اللاحق
المسألة الخامسة اختلف العلماء في الطلاق بالقلب من غير نطق واختلفت عبارات
الفقهاء فيه فمنهم من يقول في الطلاق بالنية قولان وهم الجمهور ومنهم من يقول
اعتقد الطلاق بقلبه ولم يلفظ به بلسانه ففيه قولان وهذه عبارة صاحب الجلاب
والعبارتان غير مفصحتين عن المسألة فإن من نوى طلاق امرأته وعزم عليه وصمم ثم بدا
له لا يلزمه طلاق إجماعا فقولهم في الطلاق بالنية قولان متروك الظاهر إجماعا وكذلك
من اعتقد أن امرأته مطلقة وجزم بذلك ثم تبين له خلاف ذلك لم يلزمه طلاق إجماعا
وإنما العبارة الحسنة ما أتى بها صاحب الجواهر وذكر أن ذلك معناه الكلام النفساني
ومعناه إذا أنشأ الطلاق بقلبه بكلامه النفساني ولم يلفظ به بلسانه فهو موضع الخلاف
وكذلك أشار إليه القاضي أبو الوليد بن رشد وقال إنهما إن اجتمعا أعني النفساني
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
الأول أن المقدمة الأولى في الشكل المذكور مقدمتان موجبة وهي الإنسان ناطق وسالبة
وهي مدلول وحده لغة وهي غير الإنسان غير ناطق فباعتبار مجموع المقدمتين والسالبة
فقط في صغرى القياس المذكور صار كذب النتيجة لعدم إيجاب الصغرى الذي هو من شرط
إنتاج الشكل الأول أما على اعتبار السالبة فقط فظاهر
وأما على اعتبار المجموع فلأن الإيجاب مع النفي غير الإيجاب وحده إذ الشيء مع غيره
في نفسه على أنه لا قياس عن ثلاث مقدمات واعتبار الموجبة فقط يقتضي عدم ذكر وحده
في النتيجة فافهم الأمر الثاني أن المقدمة الأولى لما قيد موضوعها بوحده كان يجب
أن يقيد موضوع الثانية بقيد موضوع الأولى أيضا ولو قيد كذلك لظهر فساد الثانية إذ
ليس الإنسان وحده حيوانا بل هو وغيره ففساد النتيجة لفساد إحدى المقدمتين قلت وهذا
الأمر الثاني أولى من الأمر الأول إذ ربما قيل على الأول بعدم تسليم كون مدلول
وحده لغة الذي هو غير الإنسان غير ناطق قضية سالبة بل هي موجبة معدولة الطرفين
فافهم المسألة الخامسة كذب نتيجة المقدمتين الصادقتين في الشكل الأول المنتظم بنحو
قولك الفول يغذو الحمام والحمام يغذو البازي ينتج الفول يغذو البازي وهذا خبر كاذب
إذ البازي لا يأكل إلا اللحم إنما هو من جهة فوات شرط الإنتاج الذي هو اتحاد الوسط
فإن ضابط اتحاده في الشكل الأول أن تأخذ عين خبر المقدمة الأولى فتجعله مبتدأ في
الثانية وهنا لم تأخذه بل أخذت مفعوله وجعلته مبتدأ في الثانية ونظيره أن تقول زيد
مكرم خالدا وخالد مكرم عمرا ينتج زيد مكرم عمرا وذلك غير لازم لجواز أن يكون زيد
عدوا لعمرو فلم يكرمه فظهر أنه متى أخذت مفعول الوسط بطل الإنتاج ومتى أخذته نفسه
فهو الذي يحصل به الإنتاج ويصدق معه الخبر الناشئ من القياس
قال المسألة السادسة تقول كل زوج عدد والعدد
إما زوج أو فرد إلى آخر المسألة قلت ما ذكره من الجواب صحيح ظاهر المسألة السادسة
كذب نتيجة المقدمتين الصادقتين في الشكل الأول المنتظم بنحو قولك كل زوج عدد
والعدد إما زوج أو فرد ينتج الزوج إما زوج أو فرد وهذا خبر كاذب إذ الشيء لا ينقسم
إلى نفسه وغيره
____________________
(1/95)
واللساني لزم الطلاق
فإن انفرد أحدهما عن صاحبه فقولان فصارت النية لفظا مشتركا فيه بين معان مختلفة في
اصطلاح أرباب المذهب يطلق على القصد والكلام النفساني فيقولون صريح الطلاق لا
يحتاج إلى النية إجماعا وهو يحتاج إلى النية إجماعا وفي احتياجه إلى النية قولان
وهو تناقض ظاهر لكنهم يريدون بالأول قصد استعمال اللفظ في موضوعه فإن ذلك إنما
يحتاج إليه في الكناية دون الصريح ويريدون بالثاني القصد للنطق بصيغة الصريح
احترازا عن النائم ومن يسبقه لسانه ويريدون بالثالث الكلام النفساني وقد بسطت هذه المباحث
في كتاب الأمنية في إدراك النية إذا تقرر أن الطلاق ينشأ بالكلام النفساني فقد
صارت هذه المسألة من مسائل الإنشاء في كلام النفس وكذلك اليمين أيضا وقع الخلاف
فيها هل تنعقد بإنشاء كلام النفس وحده أو لا بد من اللفظ وبهذا التقرير يظهر فساد
قياس من قاس لزوم الطلاق بكلام النفس عن الكفر والإيمان فإنه يكفي فيهما كلام
النفس وقع ذلك في الجلاب وغيره
ووجه الفساد أن هذا إنشاء والكفر لا يقع بالإنشاء وإنما يقع بالإخبار والاعتقاد
وكذلك الإيمان والاعتقاد من باب العلوم والظنون لا من باب الكلام وهما بابان
مختلفان فلا يقاس أحدهما على الآخر ومن وجه آخر هو أن الصحيح في الإيمان أنه لا
يكفي فيه مجرد الاعتقاد بل لا بد من النطق باللسان مع الإمكان على مشهور مذاهب
العلماء كما حكاه القاضي عياض في الشفاء وغيره فينعكس هذا القياس على قائسه على
هذا التقرير ويقول وجب أن يفتقر إلى اللفظ قياسا على الإيمان بالله تعالى إن سلم
له أن البابين واحد فكيف وهما مختلفان والقياس إنما يجري في المتماثلات
المسألة السادسة في بيان الفرق بين الصيغ التي يقع بها الإنشاء الواقع اليوم في
العادة أن
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
إنما هو من جهة أنك إن أردت بلفظ العدد في المقدمة الثانية العدد في أي حالة كان
معنى كلامك العدد حالة كونه زوجا أو حالة كونه فردا هو منقسم إلى الزوج والفرد وقد
علمت أن الشيء لا ينقسم إلى نفسه وغيره فهذه المقدمة كاذبة ضرورة على هذا التقدير
وإن أردت بلفظ العدد العدد من حيث الجملة كان إشارة إلى القدر المشترك بين جميع
الأعداد وانقسام القدر المشترك إلى أنواع صادق فصدقت المقدمة الثانية على هذا
التقدير إلا أنها جزئية فإن المشترك يكفي في تحققه صورة واحدة ولأن كلية المنفصلة
إنما تكون عند أرباب المنطق إذا سورت بما يشير إلى أن ذلك الحكم ثابت لذلك المحكوم
عليه في جميع الأحوال وعلى جميع التقادير وشرط الإنتاج كلية المقدمة الثانية فظهر
أن كذب النتيجة إما لكذب المقدمة الثانية وإما لفوات شرط الإنتاج الذي هو كليتها
قال المسألة السابعة تقول الوتد في الحائط
والحائط في الأرض فالوتد في الأرض إلخ قلت ما ذكره في الجواب أيضا صحيح ظاهر
الأقولة وكقوله تعالى وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو إنما يعبد فوق
ظهرهما فاللفظ حقيقة فإن الفوقية الحقيقية تقتضي الاستقرار والاستقرار يقتضي
المماسة وذلك من صفات الحوادث فإن كان أراد ظاهر ذلك اللفظ فهو خطأ
المسألة السابعة إذا قلنا إن معنى تسمية الزمان والمكان ظرفين ليس هو غيبة المظروف
فيهما وإحاطتهما به كما هو مقتضى ما يعتقده كثير من النحاة من الظرفية الحقيقية
نظرا إلى أن معنى الزمان إما اقتران حادث بحادث والاقتران نسبة وإضافة لم تحط بزيد
كإحاطة ثوبه إنما هي في ذينك الحادثين لا تتعداهما وإما حركات الأفلاك والحركة
قائمة في الفلك لم تحط بزيد وغيره من حوادث الأرض بل المحيط هو الفلك
____________________
(1/96)
الشهادة تصح بالمضارع دون الماضي واسم الفاعل فيقول الشاهد
أشهد بكذا عندك أيدك الله ولو قال شهدت بكذا أو أنا شاهد بكذا لم يقبل منه والبيع
يصح بالماضي دون المضارع عكس الشهادة فلو قال أبيعك بكذا أو قال أبايعك بكذا لم
ينعقد البيع عند من يعتمد على مراعاة الألفاظ كالشافعي ومن لا يعتبرها لا كلام معه
وإنشاء الطلاق يقع بالماضي نحو طلقتك ثلاثا واسم الفاعل نحو أنت طالق ثلاثا دون
المضارع نحو أطلقك ثلاثا وسبب هذه الفروق بين الأبواب النقل العرفي من الخبر إلى
الإنشاء فأي شيء نقلته العادة لمعنى صار صريحا في العادة لذلك المعنى بالوضع
العرفي فيعتمد الحاكم عليه لصراحته ويستغني المفتي عن طلب النية معه لصراحته أيضا
وما هو لم تنقله العادة لإنشاء ذلك المعنى يتعذر الاعتماد عليه لعدم الدلالة
اللغوية والعرفية فنقلت العادة في الشهادة المضارع وحده وفي الطلاق والعتاق اسم
الفاعل والماضي فإن اتفق وقت آخر تحدث فيه عادة أخرى تقتضي نسخ هذه العادة وتجدد
عادة أخرى اتبعنا الثانية وتركنا الأولى ويصير الماضي في البيع والمضارع في
الشهادة على حسب ما تجدده العادة فتأمل ذلك واضبطه فمن لم يعرف الحقائق العرفية
وأحكامها يشكل عليه الفرق وبهذا التقرير يظهر قول مالك رحمه الله ما عده الناس
بيعا فهو بيع نظرا إلى أن المدرك هو تجدد العادة غير أن للشافعية
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
وحده وأن نحو زيد عندك حقيقة وإن لم يغب في المكان الذي أنت فيه والمراد بقوله
تعالى له ما في السماوات وما في الأرض له ما على ظهرهما كان الخبر الناشئ من
المقدمتين في نحو قولك الوتد في الحائط والحائط في الأرض ينتج الوتد في الأرض
صادقا لا إشكال فيه وإن قلنا معنى ذلك غيبة المظروف فيهما وإحاطتهما به كما يقتضيه
الظرفية الحقيقية كان الخبر المذكور كاذبا فإن الوتد ليس في الأرض إلا أن كذبه من
جهة فوات شرط الإنتاج الذي هو اتحاد الوسط فإنك هنا لم تأخذ عين خبر المقدمة
الأولى فتجعله مبتدأ في الثانية كما هو ضابط الاتحاد بل مفعوله بواسطة حرف الجر
وجعلته مبتدأ في الثانية على أنا لا نسلم كذب الخبر الناشئ عن المقدمتين
المذكورتين على هذا التقدير بل هو صادق لأن المقدمة الثانية وهي الحائط في الأرض
إن كانت حقيقة وإن كانت جملة الحائط في الأرض كان الوتد في الأرض خبرا حقا كقولنا
المال في الصندوق الناشئ عن قولك المال في الكيس والكيس في الصندوق وإن كانت مجازا
من باب إطلاق الكل على الجزء من حيث إن الحائط لم يغب بجملته في الأرض بل أبعاضه
كان الخبر المذكور وهو الوتد في الأرض مجازا أيضا لعلاقة المجاورة فافهم المسألة الثامنة بغياب شرط الإنتاج الذي هو اشتراك
المقدمتين في الوسط لزم كذب النتيجة مع صدق المقدمتين فيما يستدل به على أن كل ما
في العالم ذهب وياقوت وحيوان وكذا على قولنا هذا الجبل ذهب بنحو لأن كل من قال إنه
ذهب قال إنه جسم وكل من قال إنه جسم صادق ينتج أن كل من قال إنه ذهب
____________________
(1/97)
أن يقولوا إن ذلك مسلم ولكن يشترط وجود اللفظ المنقول أما
مجرد الفعل والمعاطاة الذي يقصده مالك فممنوع
فصل قد تقدم تذييل الإنشاء بمسائل توضحه وهي
حسنة في بابها فنذيل الخبر أيضا بثمان مسائل غريبة مستحسنة في بابها تكون طرفة
للواقف
المسألة الأولى إذا قال كل ما قلته في هذا البيت كذب ولم يقل شيئا في ذلك البيت
قيل هذا القول يلزم منه أمران محالان عقلا أحدهما ارتفاع الصدق والكذب عن الخبر
وهما خصيصة من خصائصه وارتفاع خصيصة الشيء عنه مع بقائه محال بيانه أن هذا الخبر
لا يكون صدقا لأن الصدق هو الخبر المطابق والمطابقة أمر نسبي لا يكون إلا بين
شيئين ولم يتقدم له في هذا البيت خبر آخر حتى تقع المطابقة بينه وبين هذا الخبر
فلا يكون صدقا
وأما أنه ليس بكذب فلأن الكذب هو عدم المطابقة بين الخبر والمخبر عنه وعدم المطابقة
بين الشيئين فرع تقررهما
ولم يتقدم في هذا البيت خبر صدق حتى يكون الإخبار عنه بأنه كذب كذبا فلا يكون هذا
الخبر صدقا ولا كذبا وهو محال لأنه خبر والخبر لا بد أن يكون صدقا أو كذبا والمحال
الثاني أنه لا يلزم من هذا الخبر ارتفاع النقيضين وارتفاعهما محال عقلا لأنه خبر
والخبر لا بد أن يكون صدقا أو كذبا بيانه أن الصدق عبارة عن المطابقة والكذب عبارة
عن عدم المطابقة والمطابقة وعدمها نقيضان وقد تقدم أن هذا الخبر ليس بصدق ولا كذب
فيكون النقيضان قد ارتفعا عنه وهو محال وهذا الإشكال من الأسئلة الصعبة الدقيقة
التي يحتاج الجواب عنها إلى فكر دقيق ونظر عويص
والجواب أن نختار أن هذا الخبر كذب وتقريره أن الكذب هو القول الذي ليس بمطابق
وعدم المطابقة يصدق بطريقين أحدهما أن يوجد في نفس الأمر المخبر عنه على
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
صادق فلم يلزم بكذبها المحال وهو إنتاج الصادق الخبر الكاذب المؤدي لبطلان باب
الاستدلال على أنا لو قلنا في الاستدلال المذكور لأن القائل بأنه ذهب قائل بأنه
جسم صادق ينتج أن كل قائل بأنه ذهب صادق وسلمنا عدم فوات شرط الإنتاج المذكور
حينئذ أجيب بوجوه ثلاثة أحدها أن الكلام مبني على التقدير لا على نفس الأمر ولا
محذور في التزام أن الجبل ذهب على سبيل الفرض ولا في كون المحال في النتيجة نشأ
عنه وثانيها أنا لا نسلم أن القائل بأنه ذهب قائل بأنه جسم إذ يجوز في المحال أن
يلزمه المحال وهو كون الذهب ليس بجسم فتبطل المقدمة الأولى فلا تلزم النتيجة
وثالثها أنا وإن سلمنا أنه صادق إلا أنا لا نسلم صحة المقدمات ضرورة أنه ليس بصادق
في كل من قوله أنه ذهب وقوله أنه جسم بل هو صادق في الثاني دون الأول فلم يحصل
مقصود السائل من أنه صادق في قوله إنه ذهب لا سيما وقولنا صادق لفظ مطلق يصدق بفرد
وصورة واحدة وهي قوله إنه جسم فاندفع الإشكال والله سبحانه وتعالى أعلم
____________________
(1/98)
خلاف ما في الخبر كمن قال زيد قائم وهو ليس بقائم فهذا كذب
لأنه قول غير مطابق وثانيهما أن لا يوجد في نفس الأمر شيء ألبتة فيصدق أيضا عدم
المطابقة لعدم ما يطابقه الخبر لا لمخالفته لما وجد كما أن الله تعالى لو خلق زيدا
وحده في العالم صدق عليه أنه لم يوافق أحدا في معتقده
وأنه لم يخالف أحدا في معتقده فإن الموافقة والمخالفة للغير فرع وجود ذلك الغير
فإذا لم يوجد ذلك الغير انتفت الموافقة له والمخالفة كذلك نقول هاهنا لما لم يوجد
خبر آخر في هذا البيت صدق على هذا الخبر وهو قوله كل ما قلته في هذا البيت كذب أنه
غير مطابق لانتفاء ما تقع المطابقة معه فهو كذب جزما وكذلك ينبغي لك أن تفهم من
قولنا أن الكذب هو القول الذي ليس بمطابق هذا المعنى العام الذي يصدق بطريقين وجد
شيء يخالفه الخبر أو لم يوجد شيء ألبتة غير أن غالب الاستعمال هو القسم الأول
والمذهب المشهور أنه لا واسطة بين الصدق والكذب بناء على هذا المعنى العام وكذلك
نجيب عن ارتفاع النقيضين بأن نقول الواقع منهما عدم المطابقة بالتفسير العام
المتقدم ذكره ومثل هذا الخبر قوله كل ما تكلمت به في جميع عمري كذب وكان لم يكذب
قط فهذا الخبر كذب قطعا لأنه إن أراد الأخبار المتقدمة في عمره فهو كاذب لأنها
كانت صدقا وإن أراد هذا الأخير وحده فهو ليس بصدق لعدم خبر آخر يطابقه وهو قد أخبر
أنه غير مطابق لنفسه فهو مخبر أن خبره هذا الأخير خبران أحدهما غير مطابق للآخر
وهو ليس خبرين فيكون كذبا قطعا سواء أراد الأخبار المتقدمة أو أراد هذا الخبر هذا
الذي اعتمده الإمام فخر الدين وغيره والذي أعتقده أن هذا الخبر لا يقطع بكذبه
لجواز أن يريد الخبر الأخير وحده ويكون عدم مطابقته لعدم ما تمكن المطابقة معه فهو
غير مطابق بالمعنى الأعم كما تقدم تقريره
فقوله إنه كذب صدق على هذا التقرير فلا يقطع بكذب هذا الخبر لهذا الاحتمال فإن كذب
في جملة عمره أو في جميع ما قاله في هذا البيت ثم قال كل ما تكلمت به في عمري صدق
أو جميع ما قلته في هذا البيت صدق فإن أراد ما تقدم منه قبل هذا الخبر فهو كاذب
وإن أراد هذا الخبر فهو كاذب أيضا فإن الصدق مطابقة الخبر لغيره والخبر عن الخبر
بأنه صدق يقتضي تقدم رتبة المخبر عنه عن الخبر وتأخر الشيء عن نفسه بالرتبة محال
وإن أراد المجموع من الأخبار المتقدمة وهذا الخبر فالمطابقة لم تحصل أيضا في
الجميع فهو كذب أيضا وكذب ولم يتأت هنا في الخبر الأخير ما تأتى لنا فيه إذا قال
أنا كاذب فيه لأن الصدق يشترط فيه المطابقة فيحتاج فيه إلى شيئين حتى تحصل
المطابقة بينهما أما إذا قال أنا كاذب فيه فقد ادعى عدم المطابقة وهي تصدق
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
____________________
(1/99)
بطريقين إما بمخبر عنه غير مطابق وإما بعدم المخبر عنه
بالكلية كما تقدم تقريره فلا جرم أمكننا أن نجعل الخبر الواحد كذبا ولم يمكنا أن
نجعله صدقا فتأمل هذا الفرق ولاحظ فيه أن الكذب أعم والأعم قد يوجد حيث لا يوجد
الأخص وأما الإمام فخر الدين وغيره فقد سوى بين البابين وقصر الكذب في عدم
المطابقة على أحد قسميه وقال إذا قال أنا كاذب في الخبر الأخير هو كاذب لتأخر
الخبر عن المخبر عنه بالرتبة وتأخر الشيء عن نفسه محال لكن الكذب أعم مما ادعاه
كما تقدم بيانه فلا يلزم ما قاله
المسألة الثانية وعد الله تعالى ووعيده وقع
لابن نباتة في خطبة الحمد لله الذي إذا وعد وفى وإذا أوعد تجاوز وعفا وحسن ذلك
عنده ما جرت العوائد به من التمدح بالوفاء في الوعد والعفو في الوعيد
قال الشاعر وإني إذا أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي تمدح بهما وقد أنكر
العلماء على ابن نباتة ذلك وتقرير الإنكار أن كلامه هذا يشعر بثبوت الفرق بين وعد
الله تعالى ووعيده
والفرق بينهما محال عقلا لأنه إن أريد بالوعد والوعيد صورة اللفظ وما دل عليه
بوضعه اللغوي من العموم فإنهما سواء في جواز دخول التخصيص فيهما فكما دخل التخصيص
في قوله تعالى ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره بمن عفي عنه تفضلا أو بالتوبة أو غير
ذلك فلم ير شرا مع عمله له فكذلك دخل التخصيص في قوله تعالى فمن يعمل مثقال ذرة
خيرا يره بمن حبط عمله بردته وسوء خاتمته أو أخذت أعماله في الظلامات بالقصاص
وغيره فلم ير خيرا مع أنه عمله وكذلك جميع إخبارات الوعيد والوعد يخرج منها من لم
يرد باللفظ ويبقى المراد فلا فرق بينهما من هذا الوجه وإن أريد بالوعد والوعيد من
أريد بالخطاب ومن قصد بالإخبار عنه بالنعيم أو العقاب فيستحيل أن من أراده الله
تعالى بالخبر أن لا يقع مخبره
وإلا لحصل الخلف المستحيل عقلا على الله تعالى بل يجب حصول النعيم لمن أراده الله
تعالى بالإخبار عن نعيمه وحصول العقاب لمن أراده الله تعالى بالإخبار عن عقابه
لئلا يلزم الخلف فحينئذ لا فرق بينهما أيضا فإن قلت إن أريد بالوعيد صورة العموم
وهو قابل للتخصيص وبالوعد من أريد بالخطاب فإنه يتعين فيه الوفاء بذلك الموعود
يندفع المحال وتصح هذه العبارة قلت هذا يمكن غير أنه يوهم أن الله تعالى يعفو عمن
أريد بالوعيد ولا يقتصر المفهوم على التخصيص فقط كما جرت به العادة من التمدح
بالعفو وإن أكذب أحدنا نفسه كما قال
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
____________________
(1/100)
الشاعر فإن الكذب جائز علينا ونمدح به ويحسن منا في مواطن
وهو محال على الله تعالى وإذا أوهم مثل هذا حرم إطلاقه لأن إطلاق ما يوهم محالا
على الله تعالى حرام
المسألة الثالثة إذا فرضنا رجلا صادقا على
الإطلاق وهو زيد فقلنا زيد ومسيلمة الحنفي صادقان أو كاذبان استحال في هذا الخبر
أن يكون صادقا وإلا لصدق مسيلمة في قولنا هما صادقان أو لكذب زيد في قولنا هما
كاذبان
ويستحيل أيضا أن يكون هذا الخبر كاذبا للزوم صدق مسيلمة في قولنا هما كاذبان أو
كذب زيد في قولنا هما صادقان لكن كذب زيد محال لأن الفرض خلافه وإذا ارتفع عنه
الصدق والكذب لزم ارتفاع النقيضين كما تقدم تقريره قبل هذا فيمن قال أنا كاذب في
بيت لم يتكلم فيه إلا بهذا الكلام وقد تقدم مبسوطا ويلزم أيضا وجود الخبر بدون
خصيصته وهو قبول الصدق والكذب وهو محال أيضا
والجواب قال الإمام فخر الدين في باب الإخبار أن هذا الخبر في قوة خبرين فإذا قلنا
زيد ومسيلمة صادقان فتقديره زيد صادق ومسيلمة صادق والأول خبر صادق والثاني خبر
كاذب وكذلك إذا قلنا كاذبان صدق مفهوم الكذب في مسيلمة وكذب في زيد وهذا الجواب
يبطل بتضييق الفرض بأن نقول المجموع صادق أو كاذب ونجعل الخبر عن المجموع وهو مفرد
في اللفظ أو يقول المتكلم أردت المجموع والإخبار عنه ولم أرد الإخبار عن كل واحد
منهما فيبطل هذا الجواب
والجواب الحق أن نلتزم في قولنا هما صادقان أنه كذب وتقريره أن الكذب نقيض الصدق
كما تقدم تقريره فإنه عدم المطابقة الذي هو نقيض المطابقة والمتكلم أخبر عن حصول
المطابقة في المجموع وفي كل واحد منهما وليست كذلك لأن الحقيقة تنتفي بانتفاء
جزئها فتنتفي المطابقة في المجموع بنفيها في أحدهما ولا نشك أنها منفية في أحدهما
فيكون الحق نفي المطابقة في المجموع فيكون الخبر كذبا وكذلك إذا قلنا هما كاذبان
فإنا أخبرنا عن ثبوت عدم المطابقة في كل واحد منهما وإذا قال قائل العدم يشمل زيدا
وعمرا كذب خبره هذا بوجود أحدهما فإن مجموع العدمين ينتفي بانتفاء جزئه كما ينتفي
مجموع الثبوت وقد أشار فخر الدين إلى أن الخبر يكون كذبا غير أنه لم يبسط تقريره
المسألة الرابعة إذا قلنا الإنسان وحده ناطق وكل ناطق حيوان فإنه ينتج الإنسان
وحده حيوان وهذا خبر كاذب مع أن متقدماته صحيحة فكيف ينتج الصادق الخبر الكاذب
وذلك إن جوزناه يبطل علينا باب الاستدلال
والجواب أن الفساد إنما جاء من جهة أن المقدمة الأولى هي مقدمتان التفت إحداهما
بالأخرى إحداهما سالبة والأخرى موجبة فإن
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
____________________
(1/101)
قولنا الإنسان وحده ناطق معناه أنه ناطق وغيره غير ناطق هذا
هو مدلول وحده لغة فإن جعلنا مقدمة الدليل هي الموجبة وحدها صح الكلام فإنه يصير
الإنسان ناطقا وكل ناطق حيوان فينتج كل إنسان حيوان ولا محال في هذا
وإن جعلنا مقدمة القياس هي السالبة لم يصح الإنتاج لفوات شرطه وهو أن الشكل الأول
من شرطه أن تكون صغراه موجبة وهذه سالبة فلا يصح ألا ترى أنك إذا قلت لا شيء من
الإنسان بحجر وكل حجر جسم كانت النتيجة لا شيء من الإنسان بجسم وهو باطل فلا بد أن
تكون مقدمة القياس في هذا الشكل موجبة إذا كانت صغرى وهذا الكلام قد جعلت فيه
سالبة فلذلك حصل فيه أمر محال وإن جعلنا مجموع المقدمتين مقدمة واحدة امتنع أيضا
فإنه لا قياس عن ثلاث مقدمات ويلزم الفساد من كون إحداهما سالبة كما تقدم
المسألة الخامسة نقول الفول يغذو الحمام
والحمام يغذو البازي فالفول يغذو البازي المقدمتان صادقتان والخبر الذي أنتجتاه
كاذب وهو قولنا الفول يغذو البازي فإنه لا يأكل إلا اللحم فكيف ينتج الصادق الكاذب
وذلك يخل بنظام الاستدلال
والجواب أن الفساد جاء من جهة عدم اتحاد الوسط فإن قلنا الفول يغذو الحمام الأصل
أن نقول وكل ما يغذو الحمام يغذو البازي ولم نأخذه بل أخذنا مفعول المحمول وضابط
اتحاد الوسط الذي هو شرط الإنتاج أن تأخذ عين الخبر في المقدمة الأولى فنجعله
مبتدأ في الثانية وهنا لم تأخذه بل أخذت مفعوله وجعلته مبتدأ في الثانية فلم يتحد
الوسط وإذا لم يتحد الوسط لم يحصل الإنتاج ونظيره أن تقول زيد مكرم خالدا وخالد
مكرم عمرا ينتج زيد مكرم عمرا وذلك غير لازم لجواز أن يكون زيد عدوا لعمرو فلم
يكرمه وعلى هذا السؤال متى أخذت مفعول الوسط بطل الإنتاج ومتى أخذته نفسه فهو الذي
يحصل به الإنتاج ويصدق معه الخبر فتأمل المسألة السادسة تقول كل زوج عدد والعدد
إما زوج أو فرد ينتج الزوج إما زوج أو فرد والإخبار عن كون الزوج منقسما إلى الزوج
والفرد كاذب فإن المنقسم إلى شيئين لا بد وأن يكون مشتركا بينهما والزوج ليس
مشتركا فيه بين الزوج والفرد فالمقدمات صادقة والخبر الذي أنتجته كاذب فيلزم
المحال كما تقدم
والجواب أن المحال إنما نشأ من جهة أن المقدمة الثانية في هذا الشكل من شرطها أن
تكون كلية وقولنا العدد إما زوج أو فرد قضية منفصلة نص أرباب المنطق على أنها إنما
تكون كلية بأزمانها وأوضاعها فإن لم تقع الإشارة إلى أن ذلك الحكم ثابت لذلك
المحكوم عليه في جميع الأحوال وعلى جميع
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
____________________
(1/102)
التقادير وإلا لم تكن كلية إذا تقرر هذا فنقول ما تريد
بقولك العدد إما زوج أو فرد تريد العدد في أي حالة كان أو من حيث الجملة فإن أردت
الأول كان معنى كلامك العدد في حالة كونه زوجا هو منقسم إلى الزوج والفرد وذلك
كاذب وإن وقع حالة كونه فردا انقسم إليهما أيضا وذلك كاذب أيضا فهذه المقدمة كاذبة
ضرورة على هذا التقدير وإن أردت بالعدد العدد من حيث الجملة فهو إشارة إلى القدر
المشترك بين جميع الأعداد فإن القدر المشترك ينقسم إلى أنواع وذلك صادق غير أنها
إذا صدقت المقدمة على هذا التقدير كانت جزئية فإن المشترك يكفي في تحققه صورة
واحدة وإذا كانت جزئية بطل شرط الإنتاج وهو كون المقدمة الثانية كلية فظهر حينئذ
أن هذه المقدمة الثانية إما كاذبة أو فات فيها شرط الإنتاج وعلى التقديرين لا تصح
النتيجة ولا يوثق بالخبر الناشئ من هذا التركيب
المسألة السابعة تقول الوتد في الحائط والحائط
في الأرض ينتج قوله الوتد في الأرض وهو خبر كاذب فإن الوتد ليس في الأرض فقد أنتج
الصادق الكاذب فيلزم المحال كما تقدم
والجواب أن هذا الكلام فيه توسع وهو قولك الحائط في الأرض فإنه لم يغب بجملته في
الأرض بل أبعاضه فهو مجاز من باب إطلاق الجزء على الكل فلو كان اللفظ حقيقة وأن
جملة الحائط في الأرض كان الوتد في الأرض خبرا وكان الخبر حقا كقولنا المال في
الكيس والكيس في الصندوق فالمال في الصندوق وهذا خبر حق لأنه ليس فيه توسع بخلاف
الحائط في الأرض فإن قلت ظرف الزمان والمكان ليس من شرطه الإحاطة كقوله تعالى له
ما في السماوات وما في الأرض والمراد ما على ظهرهما وكقوله تعالى وهو الذي في
السماء إله وفي الأرض إله وهو إنما يعبد فوق ظهرهما فاللفظ حقيقة وكذلك إذا قلنا
زيد عندك حقيقة وإن لم يغب في المكان الذي أنت فيه وكذلك زيد في الزمان ليس معناه
الإحاطة لأن معنى الزمان هو اقتران حادث بحادث والاقتران نسبة وإضافة لم تحط بزيد
كإحاطة ثوبه إنما هي في تينك الحادثين لا يتعداهما وكذلك إذا فسرنا الزمان بحركات
الأفلاك فإن الحركة قائمة في الفلك لم تحط بزيد وغيره من حوادث الأرض بل المحيط هو
الفلك وحده فظهر حينئذ أن تسمية الزمان والمكان ظرفين ليس معنى ذلك الغيبة فيهما
وإحاطتهما بالمظروف فبطل ما ذكرتموه من التوسع وبطل أيضا ما يعتقده كثير من النحاة
من الظرفية الحقيقية
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
____________________
(1/103)
قلت إذا ألزمت هذا أقول الوتد في الأرض حقيقة ويكون الخبر
صادقا ولا محال حينئذ والسؤال والإشكال إنما جاء من قبل أن الوتد ليس مغيبا في
الأرض أما على هذا التقدير فلا يلزم إشكال ولا يضرنا إلزام ما ذكرته فالسؤال ذاهب
على كل تقدير وهو المقصود
المسألة الثامنة قولنا هذا الجبل ذهب لأن كل من
قال إنه ذهب قال إنه جسم وكل من قال إنه جسم صادق ينتج أن كل من قال إنه ذهب صادق
وهذا الخبر كاذب مع صدق المقدمات وبهذا النمط يستدل على أن كل ما في العالم ذهب
وياقوت وحيوان وجميع أنواع المحالات تقريرها بهذا الدليل وهذه مغلطة عظيمة
والجواب عنها من وجوه أحدها أن قول القائل إن هذا الجبل ذهب محال وكذب المحال
يلزمه المحال فيكون المحال في النتيجة إنما نشأ من هذا المحال فنحن نلتزم أنه ذهب
على هذا التقدير المحال ولا محذور وإنما المحذور كونه ذهبا في نفس الأمر وثانيها
أنا لا نسلم أنه يقول إنه جسم فإن قوله هو ذهب محال والمحال يجوز أن يلزمه المحال
وهو كون الذهب ليس بجسم فتبطل المقدمة الأولى فلا تلزم النتيجة وثالثها أنا لا
نسلم صحة المقدمات ونسلم أنه صادق لكنه قد تقدم من قوله أمران أحدهما قوله إنه ذهب
والآخر قوله إنه جسم فهو صادق في قوله إنه جسم لا في قوله إنه ذهب فلا يحصل
المقصود للسائل ولا سيما وقولنا صادق لفظ مطلق يصدق بفرد وصورة واحدة وقد بيناها
فاندفع الإشكال فهذه نبذة من الأخبار مشكلة لا يتحدث فيها إلا الفضلاء النبلاء
لتوقف سؤالها وجوابها على دقائق من العلوم وقد تذكر في سياق المغلطات فيعسر الجواب
عنها وقد اتضح منها جملة هاهنا توجب الإعانة على فهم غيرها والله المستعان لا رب
غيره
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
فارغه
____________________
(1/104)
الفرق الثالث بين الشرط اللغوي وغيره من الشروط العقلية والشرعية والعادية فإن أكثر الناس
يعتقدون أن الكل معنى واحد وأن اللفظ مقول عليها بالتواطؤ وأن المعنى واحد وليس
كذلك بل للشروط اللغوية قاعدة مباينة لقاعدة الشروط الأخر ولا يظهر الفرق بين
القاعدتين إلا بيان حقيقة الشرط والسبب والمانع أما السبب فهو الذي يلزم من وجوده
الوجود ومن عدمه العدم لذاته أما القيد الأول فاحتراز من الشرط فإنه لا يلزم من
وجوده شيء إنما يؤثر عدمه في العدم والقيد الثاني احتراز من المانع فإن المانع لا
يلزم من عدمه شيء إنما يؤثر وجوده في العدم والقيد الثالث احتراز من مقارنة وجود
السبب عدم الشرط أو وجود المانع فلا يلزم الوجود أو إخلافه بسبب آخر حالة عدمه فلا
يلزم العدم وأما الشرط فهو الذي يلزم من
هامش أنوار البروق
الفرق الثالث بين الشرط اللغوي وغيره من الشروط
العقلية والشرعية والعادية قلت كان حقه كما فرق بين الشرط اللغوي وغيره أن
يفرق بين سائر الشروط فإن الشرط العقلي ارتباطه بالمشروط عقلي ومعنى ذلك أن من
حقيقة المشروط ارتباط ذلك الشرط به والشرط الشرعي ارتباطه بالمشروط شرعي ومعنى ذلك
أن الله تعالى ربط هذا الشرط ومشروطه بكلامه الذي نسميه خطاب الوضع والشرط العادي
ارتباطه بالمشروط عادي ومعنى ذلك أن الله تعالى ربط هذا الشرط بمشروطه بقدرته
ومشيئته والشرط اللغوي ربطه بمشروطه واضع اللغة أي جعل هذا الربط اللفظي دالا على
ارتباط معنى اللفظ بعضه ببعض هذه فروق بين هذه الشروط واضحة وأما الفرق الذي ذكره
فمبني على اصطلاح أصولي ولذلك احتاج في بيانه إلى ذكر الفرق بين الشرط والسبب
والمانع عند أهل الأصول وليس ذلك بمتفق عليه فقد ذهب الأستاذ أبو إسحاق
الإسفراييني إلى خلافه وما ذكره من رسوم السبب والشرط والمانع لا بأس به وما ذكره
من أن الشروط اللغوية أسباب فبناء على ذلك الاصطلاح وما ذكره من احتمال تسمية جميع
تلك الشروط شروطا باعتبار قدر مشترك بينها وهو توقف الوجود على الوجود مع قطع
النظر عما عدا ذلك صحيح ظاهر
هامش إدرار الشروق
الفرق الثالث بين قاعدة الشروط اللغوية وقاعدة غيرها
من الشروط العقلية والشرعية والعادية وبين كل واحد منها مع الآخر منها فالمقصود
هنا جهتان الجهة الأولى الفرق بين سائر الشروط وهو أن ارتباط الشرط بالمشروط إن
كان معناه أنه من حقيقة المشروط ارتباط ذلك الشرط به فهو الشرط العقلي كالحياة مع
العلم أو أن الله ربط هذا الشرط ومشروطه بكلامه الذي نسميه خطاب الوضع فهو الشرط
الشرعي كالطهارة مع الصلاة أو أن الله تعالى ربط هذا الشرط بمشروطه بقدرته ومشيئته
فهو الشرط العادي كالسلم مع صعود السطح أو أن واضع اللغة ربط هذا الشرط بمشروطه أي
جعل هذا الربط اللفظي دالا على ارتباط معنى اللفظ بعضه ببعض فهو الشرط اللغوي
كالدخول المعلق عليه الطلاق في نحو إن دخلت الدار فأنت طالق والجهة الثانية الفرق
بين
____________________
(1/105)
عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته ولا يشتمل
على شيء من المناسبة في ذاته بل في غيره فالقيد الأول احتراز من المانع فإنه لا
يلزم من عدمه شيء والقيد الثاني احتراز من السبب فإنه يلزم من وجوده الوجود والقيد
الثالث احتراز من مقارنة وجوده لوجود السبب فيلزم الوجود ولكن ليس ذلك لذاته بل
لأجل السبب أو قيام المانع فيلزم العدم لأجل المانع لا لذات الشرط والقيد الرابع
احتراز من جزء العلة فإنه يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم غير
أنه مشتمل على جزء المناسبة فإن جزء المناسب مناسبة
وأما المانع فهو الذي يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته
فالقيد الأول احتراز من السبب فإنه يلزم من وجوده الوجود والقيد الثاني احتراز من
الشرط والقيد الثالث احتراز من مقارنة عدمه لعدم الشرط فيلزم العدم أو وجود السبب
فيلزم
هامش أنوار البروق
قال ثم إن الشرط اللغوي يمكن التعويض عنه والإخلاف والبدل قلت ما قاله في ذلك صحيح
أيضا قال والشروط العقلية لا يقتضي وجودها وجودا ولا تقبل البدل والإخلاف
هامش إدرار الشروق
القاعدتين المذكورتين المبني على اصطلاح أصولي يفتقر لبيان الفرق بين الشرط والسبب
والمانع عند الأصوليين وليس ذلك بمتفق عليه فقد ذهب الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني
إلى خلافه فالسبب يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم لذاته فخرج بقيد من وجوده
الوجود الشرط إذ لا يلزم من وجوده شيء وبقيد ومن عدمه العدم المانع إذ لا يلزم من
عدمه شيء وبقيد لذاته السبب المقارن وجوده لعدم الشرط أو لوجود المانع فلا يلزم
الوجود أو الذي أخلفه حال عدم سبب آخر فلا يلزم العدم والشرط ما يلزم من عدمه
العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته ولا يشتمل على شيء من المناسبة في
ذاته بل في غيره فخرج بقيد يلزم من عدمه العدم المانع فلا يلزم من عدمه شيء وبقيد
ولا يلزم من وجوده إلخ السبب إذ يلزم من وجوده الوجود وبقيد لذاته الشرط المقارن
وجوده لوجود السبب فيلزم الوجود لأجل السبب لا لذات الشرط أو لقيام المانع فيلزم
العدم لأجل المانع لا لذات الشرط وبقيد ولا يشتمل على شيء إلخ جزء العلة فهو وإن
كان يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم أيضا إلا أنه مشتمل على
جزء المناسبة فإن جزء المناسب مناسب والمانع ما يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من
عدمه وجوده ولا عدم لذاته فخرج بقيد يلزم من وجوده العدم بسبب وبقيد ولا يلزم إلخ
الشرط وبقيد لذاته المانع المقارن عدمه لعدم الشرط فيلزم العدم أو الوجود السبب
فيلزم الوجود ولا
____________________
(1/106)
الوجود لكن بالنظر لذاته لا يلزم شيء من ذلك إذا تقرر ذلك
يظهر أن المعتبر من المانع وجوده ومن الشرط عدمه ومن السبب وجوده وعدمه والثلاثة
تصلح الزكاة مثالا لها فالسبب النصاب والحول شرط والدين مانع إذا ظهرت حقيقة كل
واحد من السبب والشرط والمانع يظهر أن الشروط اللغوية أسباب بخلاف غيرها من الشروط
العقلية كالحياة مع العلم أو الشرعية كالطهارة مع الصلاة أو العادية كالسلم مع صعود
السطح فإن هذه الشروط يلزم من عدمها العدم في المشروط ولا يلزم من وجودها وجود ولا
عدم فقد يوجد المشروط عند وجودها كوجوب الزكاة عند دوران الحول الذي هو شرط وقد
يعدم لمقارنة الدين لدوران الحول مع وجود النصاب
وأما الشروط اللغوية التي هي التعاليق كقولنا إن دخلت الدار فأنت طالق يلزم من
الدخول الطلاق ومن عدم الدخول عدم الطلاق إلا أن يخلفه سبب آخر كالإنشاء بعد
التعليق وهذا هو شأن السبب أن يلزم من عدمه العدم إلا أن يخلفه سبب آخر فإذا ظهر
أن الشروط اللغوية أسباب دون غيرها فإطلاق اللفظ على القاعدتين أمكن أن يقال بطريق
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله صحيح أيضا
قال ولا تقبل إبطال الشرطية إلا الشرعية خاصة قلت جميع الشروط تقبل الإبدال
والإخلاف والإبطال ما عدا العقلية خاصة فإن ما عدا العقلي من الشروط ربطه بالوضع
فلا يمتنع رفع ذلك الربط
هامش إدرار الشروق
يلزمه لذاته شيء من ذلك فالمعتبر من المانع وجوده ومن الشرط عدمه ومن السبب وجوده
وعدمه والزكاة تصلح مثالا للثلاثة فالنصاب سبب والحول شرط والدين مانع وبظهور هذه
الحقائق الثلاثة يظهر أن قاعدة الشرط اللغوية التي هي التعاليق كقولنا إن دخلت
الدار فأنت طالق أنها أسباب يلزم من وجودها كالدخول في المثال وجود مشروطها
كالطلاق ويلزم من عدمها عدم المشروط أي من عدم الدخول عدم الطلاق إلا أن يخلفه سبب
آخر كالإنشاء بعد التعليق كما هو شأن السبب وقاعدة كل من الشروط العقلية كالحياة
مع العلم والشرعية كالطهارة مع الصلاة والعادية كالسلم مع صعود السطح أنه يلزم من
عدمها عدم مشروطها ولا يلزم من وجودها وجود ولا عدم لمشروطها فقد يوجد مشروطها عند
وجودها كوجوب الزكاة عند دوران الحول الذي هو شرط وقد يعلم لمقارنة الدين لدوران
الحول مع وجود النصاب فإطلاق لفظ الشرط على ما عدا اللغوية حقيقة قطعا وعلى اللغوية
يمكن أن يقال حقيقة أيضا بطريق الاشتراك لأن الأصل في الاستعمال الحقيقة وأن يقال
مجازا لأنه أرجح من الاشتراك وأن يقال بطريق التواطؤ بأن يدعي وضعه للقدر المشترك
بين الجميع وهو توقف الوجود على الوجود مع قطع النظر عما عدا ذلك فإن كلا من
المشروط العقلي والشرعي والعادي يتوقف دخوله في الوجود على وجود شرطه ووجود شرطه
لا يقتضيه المشرط اللغوي يتوقف وجوده على وجود شرطه ووجود شرطه يقتضيه ثم إن ما
عدا العقلي من الشروط من حيث إن ربطها بمشروطها بالوضع تقبل الإبدال والإخلاف
والإبطال إذ لا يمتنع رفع ذلك الربط فمثال الإبدال والإخلاف في
____________________
(1/107)
الاشتراك لأنه مستعمل فيهما والأصل في الاستعمال الحقيقة
وأمكن أن يقال بطريق المجاز في أحدهما لأن المجاز أرجح من الاشتراك وأمكن أن يقال
بطريق التواطؤ باعتبار قدر مشترك بينها وهو توقف الوجود على الوجود مع قطع النظر عما
عدا ذلك فإن المشروط العقلي وغيره يتوقف دخوله في الوجود على وجود شرطه ووجود شرطه
لا يقتضيه والمشروط اللغوي يتوقف وجوده على وجود شرطه ووجود شرطه يقتضيه ثم إن
الشرط اللغوي يمكن التعويض عنه والإخلاف والبدل كما إذا قال لها إن دخلت الدار
فأنت طالق ثلاثا ثم يقول لها أنت طالق ثلاثا فيقع الثلاث بالإنشاء بدلا عن الثلاث
المعلقة وكقوله إن أتيتني بعبدي الآبق فلك هذا الدينار ولك أن تعطيه إياه قبل أن
يأتي بالعبد هبة فتخلف الهبة استحقاقه إياه بالإتيان بالعبد ويمكن إبطال شرطيته
كما إذ أنجز الطلاق فإن التنجيز إبطال للتعليق وكما إذا اتفقنا على فسخ الجعالة
والشروط العقلية لا يقتضي وجودها وجودا ولا تقبل البدل والإخلاف ولا تقبل إبطال
الشرطية إلا الشرعية خاصة فإن الشرع قد يبطل شرطية الطهارة والستارة عند معارضة
التعذر أو غيره فهذه ثلاثة فروق اقتضاء الوجود والبدل والإبطال إذا تخلص الفرق بين
القاعدتين وتميزت كل
هامش أنوار البروق
قال شهاب الدين إذا تخلص الفرق بين القاعدتين وتميزت كل واحدة منهما عن الأخرى
فنوشح ذلك بذكر مسائل من الشروط اللغوية إلى آخر المسألة قلت ما ذكره في ذلك وفي
المسألة بجملتها صحيح والله أعلم
هامش إدرار الشروق
الشرط اللغوي أن يقول لزوجته إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا يقول لها أنت طالق
ثلاثا فتقع الثلاث بالإنشاء بدلا عن الثلاث المعلقة أو تقول لشخص إن أتيتني بعبدي
الآبق فلك هذا الدينار ثم تعطيه الدينار قبل أن يأتي بالعبد هبة فتخلف الهبة
استحقاقه إياه بالإتيان بالعبد ومثال الإبطال فيه أن ينجز الطلاق إبطالا للتعليق
أن يتفق الجاعل والمجعول له على فسخ الجعالة وقس على ذلك العادي والشرعي فإن كلا
من العادة والشرع قد يبطل الشرطية في نحو السلم والطهارة والستارة عند معارضة
التعذر أو غيره وقد أخلف الشرع الطهارة المائية بالترابية وأخلفت العادة السلم
برفع الشخص في التابوت بآلة جذب الأثقال والشرط العقلي من حيث إن ربطه بمشروطه
ذاتي لا بالوضع لا يقبل البدل والإخلاف ولا إبطال الشرطية كما لا يقتضي وجوده وجود
المشروط بخلاف اللغوي فالفرق بين اللغوي وغيره من الشروط ثلاثة اقتضاؤه الوجود
والبدل والإبطال بخلاف غيره فإنه قد لا يقتضي الثلاثة وقد لا يقتضي الوجود وإن
اقتضى البدل والإبطال فافهم
فصل في ثمانية مسائل من الشروط اللغوية فيها
مباحث دقيقة وأمور غامضة وإشارات شريفة تتضح بها قاعدة الشروط اللغوية تمام
الاتضاح المسألة الأولى أنشد بعض الأفاضل ما يقول الفقيه أيده الله ولا زال عنده
إحسان في فتى علق الطلاق بشهر قبل ما قبل قبله رمضان والبيت الثاني وإن كان بيتا
واحدا إلا أنه من نوادر الأبيات فإنه مع صعوبة
____________________
(1/108)
واحدة منهما عن الأخرى فنوشح ذلك بذكر مسائل من الشروط اللغوية
فيها مباحث دقيقة وأمور غامضة وإشارات شريفة تكون الإحاطة بها حلية للفضلاء وجمالا
للعلماء ولنقتصر من ذلك على ثمان مسائل
المسألة الأولى أنشد بعض الفضلاء ما يقول
الفقيه أيده الله ولا زال عنده إحسان في فتى علق الطلاق بشهر قبل ما قبل قبله
رمضان اعلم أن هذا البيت من نوادر الأبيات وأشرفها معنى وأدقها فهما وأغربها
استنباطا لا يدرك معناه إلا العقول السليمة والأفهام المستقيمة والفكر الدقيقة من
أفراد الأذكياء وآحاد الفضلاء والنبلاء بسبب أنه بيت واحد وهو مع صعوبة معناه ودقة
مغزاه مشتمل على ثمانية أبيات في الإنشاد بالتغيير والتقديم والتأخير بشرط استعمال
الألفاظ في حقائقها دون مجازاتها مع التزام صحة الوزن على القانون اللغوي وكل بيت
مشتمل على مسألة من الفقه في التعاليق الشرعية والألفاظ اللغوية وتلك المسألة صعبة
المغزى
وعرة المرتقى ومشتمل
هامش أنوار البروق
قال شهاب الدين المسألة الثانية قال اللخمي في كتاب الظهار إذا قال أنت طالق اليوم
إن كلمت فلانا غدا إلى قوله وهذا هو الذي صرح لي به أعيانهم ومشايخهم المعاصرون في
تقرير هذه المسألة
قلت جميع ذلك نقل لا كلام فيه
هامش إدرار الشروق
معناه ودقة مغزاه إما أن يلتزم فيه صحة الوزن على القانون اللغوي واستعمال ألفاظه
في حقائقها دون مجازاتها فيكون مشتملا على ثمانية أبيات في الإنشاد بالتغيير
والتقديم والتأخير كل بيت منها يشتمل على مسألة من الفقه في التعاليق الشرعية
والألفاظ اللغوية وتلك المسألة صعبة المغزى وعرة المرتقى وأما أن يلتزم المجاز في
ألفاظه دون الحقائق مع الإعراض عن ضابط الوزن وقانون الشعر بأن يطول البيت نحوا من
ضعفه فيكون مشتملا على سبعمائة وعشرين مسألة من المسائل الفقهية
والتعاليق اللغوية تحصل من هذه الألفاظ الثلاث وتبديلها بأضدادها واستعمالها في
مجازاتها وتنقلها في التقديم والتأخير مفترقة ومجتمعة على ما سيأتي بيانه إن شاء
الله تعالى فاحتاج بيانه إلى مقاصد المقصد الأول في تقرير البيت على طريقة التزام
استعمال ألفاظه في حقائقها مع صحة الوزن على القانون اللغوي وفيه ثلاثة مباحث
المبحث الأول هذا البيت ثمانية أبيات في التصوير أحدها أصل وهو اجتماع ثلاث قبلات
وسبع تتفرع عنه بأن يبدل الجميع بالبعدات نحو ما بعد بعده وهذه الصورة الثانية أو
يبدل من قبل الأخيرة فقط نحو قبل ما قبل بعده وهذه الصورة الثالثة أو يبدل من
الثاني والثالث دون الأول نحو قبل ما بعد بعده وهذه الصورة الرابعة أو يبدل من
الثاني فقط دون الأول والثالث نحو قبل ما بعده قبله وهذه الصورة الخامسة أو يبدل
من الأول والثاني دون الثالث نحو بعد ما بعد قبله وهذه الصورة السادسة أو يبدل من
الأول فقط دون الثاني والثالث نحو بعد ما قبل قبله وهذه الصورة السابعة أو يبدل من
الأول
____________________
(1/109)
على سبعمائة مسألة وعشرين مسألة من المسائل الفقهية
والتعاليق اللغوية بشرط التزام المجاز في الألفاظ وإطراح الحقائق والإعراض عن ضابط
الوزن وقانون الشعر بأن يطول البيت نحوا من ضعفه ويحصل هذا العدد العظيم من هذه
اللفظات الثلاث وتبديلها بأضدادها واستعمالها في مجازاتها وتنقلها في التقديم
والتأخير مفترقة ومجتمعة على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى وقد وقع هذا البيت
لشيخنا الإمام الصدر العالم جمال الفضلاء رئيس زمانه في العلوم وسيد وقته في
التحصيل والمفهوم جمال الدين الشيخ أبي عمرو بأرض الشام وأفتى فيه وتفنن وأبدع فيه
ونوع رحمه الله وقدس روحه الكريمة وها أنا قائل لك لفظه الذي وقع لي بفصه ونصه ثم
أذكر بعد ذلك ما وهبه الله تعالى لي من فضله قال رحمه الله هذا البيت من المعاني
الدقيقة الغريبة التي لا يعرفها في مثل هذا الزمان أحد وقد سئلت عن هذه المسألة
بمصر وأجبت بما فيه كفاية ثم سئلت عنها بدمشق فقلت هذا البيت ينشد على ثمانية أوجه
لأن ما بعد قبل الأول قد يكون قبلين وقد يكون بعدين
وقد يكون مختلفين فهذه أربعة أوجه كل منها قد يكون قبله قبل وقد
هامش أنوار البروق
قال قلت والحق في هذه المسألة وقوع الطلاق متقدما على القدوم الذي جعل شرطا وعلى
لفظ التعليق في زمانه وقولهم حكم اللفظ لا يتقدم عليه لا يتم وقياسهم على قوله أنت
طالق أمس لا يصح قلت ما قاله عندي صحيح لكنه مناقض لما حكي من الإجماع على استمرار
العصمة وإباحة
هامش إدرار الشروق
والثالث دون الثاني نحو بعد ما قبل بعده
وهذه الصورة الثامنة المبحث الثاني ينبني تفسير الشهر المراد في جميع هذه الصور
الذي أفتى به شيخ القرافي الشيخ أبو عمر ولما سئل عن ذلك بمصر ثم بدمشق على أمور
أحدها ما مر من التزام استعمال ألفاظ البيت في حقائقها لا في مجازاتها الثاني أن
هذه القبلات والبعدات وإن كانت ظروفا زمانية
والقاعدة تقتضي أن مظروفها يحتمل أن يكون شهرا تاما وأن يكون يوما واحدا من الشهر
المراد إذ يصدق على رمضان بطريق الحقيقة اللغوية لا المجاز اللغوي أنه قبل شوال
وأنه قبل يوم عيد الفطر إلا أن المظروف ها هنا شهر تام بقرينة السياق بل ذلك ضروري
ها هنا أما بالنسبة لما صحبه الضمير العائد على الشهر المسئول عنه فلأنه إذا كان
الشهر شوالا لا يمكن حمل المظروف على بعضه كيوم عيد الفطر وحده إلا على المجاز
والتفاسير المفتى بها في صور هذا البيت مبنية على الحقيقة كما علمت وأما بالنسبة
لما لم يصحبه ضمير الشهر كقبل المتوسط فلأن رمضان إذا كان قبل قبل الشهر المسئول
عنه وتعين أن مظروف أحد القبلين وهو المضاف إلى الضمير شهر تعين أن مظروف القبل
المتوسط شهر أيضا لأنه ليس بين شهرين من جميع الشهور أقل من شهر يصدق عليه أنه قبل
شهر وبعد شهر بل لا يوجد بين شهرين عربيين إلا شهر فتعين أن مظروف هذه الظروف شهور
تامة وأما الأشهر القبطية فإن أيام النسيء تتوسط بين مسرى وتوت
الأمر الثالث أن قاعدة الإضافة عند العرب وإن كانت على أنه يكفي فيها أدنى ملابسة
كقول أحد حاملي الخشبة خذ طرفك فجعل طرف الخشبة طرفا له لأجل الملابسة
وأضيف الكوكب للخرقاء في
____________________
(1/110)
يكون قبله بعد صارت ثمانية فاذكر قاعدة ينبني عليها تفسير
الجميع وهي أن كل ما اجتمع فيه قبل وبعد فألغهما لأن كل شهر حاصل بعد ما هو قبله
وحاصل قبل ما هو بعده فلا يبقى حينئذ إلا بعده رمضان فيكون شعبان أو قبله رمضان
فيكون شوالا فلم يبق إلا ما جميعه قبل أو جميعه بعد فالأول هو الشهر الرابع من
رمضان لأن معنى ما قبل قبله رمضان شهر تقدم رمضان قبل شهرين قبله وذلك ذو الحجة
والثاني هو الرابع أيضا ولكن على العكس لأن معنى بعد ما بعد بعده رمضان شهر تأخر
رمضان بعد شهرين بعده وذلك جمادى الأخيرة فإذا تقرر ذلك فقبل ما قبل قبله رمضان ذو
الحجة وقيل ما بعد بعده رمضان شعبان لأن المعنى بعده رمضان وذلك شعبان وبعد ما قبل
قبله رمضان شوال لأن المعنى قبله رمضان وذلك شوال وقبل ما بعد قبله رمضان شوال لأن
المعنى أيضا قبله رمضان وذلك شوال فهذه الأربعة الأول ثم اجر الأربعة الأخر على ما
تقدم فإن بعد ما قبل قبله رمضان شوال لأن المعنى قبله رمضان وذلك شوال وبعد ما بعد
بعده رمضان وذلك جمادى الأخيرة لأن ما بعد بعده شعبان وبعده رمضان فهو جمادى
هامش أنوار البروق
الوطء إلى قدوم زيد والذي أظنه أن ذلك الإجماع لا يصح وأنها لا يباح وطؤها في تلك
المدة لاحتمال وقوع الشرط بل تحرم على كل حال فإن قدم زيد تبين أن لنا تحريمها
للطلاق وإن لم يقدم تبين أن تحريمها للإشكال والاحتمال كما في اختلاط المنكوحة
بالأجنبية الأجنبية حرام لأنها أجنبية والمنكوحة حرام للاختلاط
هامش إدرار الشروق
قوله إذا كوكب الخرقاء لاح بسحره لأنها كانت تقوم لعملها عند طلوعه واحتملت هذه
القبلات والبعدات المضاف بعضها إلى بعض من حيث اللغة أن يكون كل ظرف أضيف لمجاوره
أو لمجاور مجاوره أو لمجاور مجاور مجاوره على رتب ثلاث أو أكثر من ذلك فيكون الشهر
الذي قبل رمضان هو ربيع فإن ربيعا قبل رمضان على سبيل الحقيقة بالضرورة إلا أن
الظروف التي في البيت حملت على المجاور الأول لأنه الأسبق إلى الفهم وإن كان غيره
حقيقة أيضا فهذه الملاحظة لا بد منها في تفسير هذا البيت المفتى بها
الأمر الرابع أن تعلم أنك إذا قلت قبل ما قبل قبله رمضان أو بعد ما بعد بعده رمضان
فالقبل الأول والبعد الأول هو رمضان لأنه مستقر في ذلك الظرف ومتى كان القبل الأول
والبعد الأول هو رمضان فالقبلان الكائنان بعد ذلك القبل الذي هو رمضان شهران آخران
يتقدمان على الشهر المسئول عنه والبعدان الأخيران شهران آخران يتأخران عن الشهر
المسئول عنه فالرتب دائما في البيت أربع الشهر المسئول عنه وثلاثة ظروف لغيره هذا
لا بد منه
الأمر الخامس أنه وإن احتمل فيما إذا قلنا قبل ما بعد بعده رمضان أو قلنا بعد ما
قبل قبله رمضان أن تكون هذه الظروف المنطوق بها مرتبة على ما هي عليه في اللفظ
فيتعين أن يكون الشهر المسئول عنه في
____________________
(1/111)
الأخيرة وبعد ما قبل بعده رمضان شعبان لأن المعنى بعده
رمضان وذلك شعبان وبعد ما بعد قبله رمضان شعبان لأن المعنى بعده رمضان وذلك شعبان
قلت هذا نص ما وجدته مكتوبا عنه رحمه الله في تعليق علق عنه في مسائله النادرة
التي سئل عنها
وبقيت أمور لم يتعرض لها الشيخ رحمه الله فينبغي زيادتها وإيضاحها ليتكمل بذلك
بيان المسألة إن شاء الله تعالى أحدها زيادة إيضاح كون البيت ثمانية في التصوير
فإنه للبيت أصل وفرع فأصله اجتماع ثلاث قبلات وتفرع سبعة أخرى أحدها أن يبدل
الجميع بالبعدات نحو بعد ما بعد بعده فهذه الصورة الثانية
الثالثة أن يبدل من قبل الأخيرة فقط نحو قبل ما قبل بعده
الرابعة أن يبدل من الثاني والثالث دون الأول نحو قبل ما بعد بعده
الخامسة أن يوسط البعد بين قبلين
السادسة أن يعمد إلى البعدات الثلاثة فيعمل فيها كما عملنا في القبلات فنقول بعد
ما بعد قبله
السابعة أن يبدل من البعدين الأخيرين دون الأول نحو بعد ما قبل قبله
الثامنة أن يوسط القبل بين البعدين كما وسطنا البعد بين القبلين
هامش أنوار البروق
قال وبيان ذلك ببيان ثلاث قواعد القاعدة الأولى أن الأسباب الشرعية قسمان إلى آخر
بيان القاعدة قلت جميع ما قاله في ذلك صحيح غير قوله ولو قال جعلته سببا من غير
تعليق لم ينفذ ذلك قلت هذا إنما يجري على قول الشافعية في تعيين الألفاظ وأما على
قول أهل المذهب في عدم تعيينها فلا والله أعلم
هامش إدرار الشروق
المسألتين هو رمضان لا أنه في الأولى شوال وفي الثانية شعبان كما في تفاسير صور
البيت الآتية المفتى بها وذلك لأن كل شيء فرض له أبعاد كثيرة متأخرة عنه فهو قبل
جميعها وكل شيء فرض له قبلات كثيرة متقدمة عنه فهو بعد جميعها فرمضان يصدق عليه
أنه قبل بعده وبعد بعده وجميع ما يفرض من ذلك إلى الأبد فهو قبل تلك الظروف كلها
ويصدق عليه أنه بعد قبله وقبل قبله وجميع ما يفرض من ذلك إلى الأبد فهو بعد تلك
الظروف كلها
لكن باعتبار إضافتين لا إضافة واحدة حتى يقال اجتماع الضدين في الشيء الواحد محال
فهو قبل باعتبار شوال وبعد باعتبار شعبان إلا أن مقتضى اللغة خلاف هذا الاحتمال
وهو أن لا تكون هذه الظروف المنطوق بها مرتبة على ما هي عليه في اللفظ بل تكون بعد
الأولى المتوسطة بين قبل وبعد في قولنا قبل ما بعد بعده متأخرة في المعنى وقبل
المتقدمة متوسطة بين البعدين منطبقة على بعد الأخيرة التي هي الأولى وتكون بعد
الأخيرة بعد وقبل معا بالنسبة إلى شهرين واعتبارين كما علمت ويكون الشهر المسئول
عنه في قولنا المذكور شعبان كما سيأتي في التفسير المفتى به لأن شعبان بعده رمضان
وبعد بعده شوال وقبل مضاف إلى المعنى للبعد الثاني الذي هو شوال ومتأخر عنه وكل من
قبل وبعد الأخيرة التي هي الأولى يصدقان على رمضان ومنطبقان عليه بالنسبة للشهرين
شوال وشعبان وليس لنا شهر بعده بعد أن رمضان قبل البعد الثاني وعين البعد الأول
إلا شعبان وبيان ذلك أن العرب إذا قالت غلام غلام غلامي أو صاحب صاحب صاحبي
فالمبدوء به هو أبعد الثلاثة عنك والأقرب إليك هو
____________________
(1/112)
فيكون بعد ما قبل بعده فحدث لنا عن القبلات الثلاث أربع
مسائل وعن البعدات الثلاث أربع مسائل بالإبدال على التدريج والتوسط كما تقدم
تمثيله
وثانيها أن ما في البيت لم يتحدث الشيخ رحمه الله عليها ولا على إعرابها وهل تختلف
هذه الفتاوى مع بعض التقادير فيها أم لا فأقول إن ما يصح فيها ثلاثة أوجه أن تكون
زائدة وموصولة ونكرة موصوفة ولا تختلف الفتاوى مع شيء من ذلك بل تبقى الأحكام على
حالها فالزائدة نحو قولنا قبل قبل قبله رمضان فلا يعتد بها أصلا وتبقى الفتاوى كما
تقدم والموصولة تقديرها قبل الذي استقر قبل قبله رمضان فيكون الاستقرار العامل في
قبل الذي بعد ما هو صلتها والفتاوى على حالها وتقدير النكرة الموصوفة قبل شيء
استقر قبل قبله رمضان فيكون الاستقرار العامل في الظرف الكائن بعد ما هو صفة لها
وهي نكرة مقدرة بشيء فهذا تقدير ما في البيت وإعرابها
وثالثها أن هذه القبلات والبعدات ظروف زمان ومظروفاتها الشهور هاهنا ففي كل قبل أو
بعد شهر هو المستقر فيه مع أن اللغة تقبل غير هذه المظروفات لأن القاعدة أنا إذا
قلنا قبله رمضان احتمل أن يكون شوالا فإن رمضان قبله واحتمل أن يكون يوما واحدا من
شوال فإن رمضان قبله فلو قال القائل رمضان قبل يوم عيد الفطر لصدق ذلك وكان حقيقة
لغوية لا مجازا لكن هذه المسائل بنيت على أن
هامش أنوار البروق
قال القاعدة الثانية أن المقدرات لا تنافي المحققات
إلى آخر ما قاله في هذه المسألة قلت ما قاله في ذلك صحيح غير قوله كقربات
الكفار والمرتدين موجودة حقيقة ومعدومة حكما فإنه إن أراد أن قرباتهم في حال الكفر
والارتداد فذلك غير صحيح وإن أراد في حال الإسلام قبل الارتداد فذلك صحيح والله
أعلم
هامش إدرار الشروق
الأخير والمتوسط متوسط فالغلام الأخير هو عبدك الأول الذي ملكته فملك هو عبدا آخر
وهو المتوسط وملك المتوسط العبد المقدم ذكره فالمقدم ذكره هو الذي ملكه عبد عبد
عبدك لا أنه عبدك وقس الأمر السادس مما ينبني عليها تفسير جميع صور البيت المفتى
به
قاعدة وهي أن كل ما اجتمع فيه قبل وبعد فالغهما لأن كل شهر حاصل بعد ما هو قبله
وقبل ما هو بعده فلا يبقى حينئذ إلا بعده رمضان فيكون شعبان أو قبله رمضان فيكون
شوال وأما ما جميعه قبل أو جميعه بعد
فالجواب في الأول هو الرابع الذي هو ذو الحجة لأن معنى قبل ما قبل قبله رمضان شهر
تقدم رمضان قبل شهرين قبله وفي الثاني هو الرابع أيضا لكن على العكس وهو جمادى
الآخرة لأن معنى بعد ما بعد بعده رمضان شهر تأخر رمضان بعد شهرين بعده فجميع
الأجوبة الثمانية منحصرة في أربعة أشهر طرفان وواسطة فالطرفان جمادى الأخيرة وذو
الحجة والوسط شوال وشعبان وتقريب ضبطها أن جميع البيت إن كان قبل فالجواب بذي الحجة
وإن كان بعد فالجواب بجمادى الأخيرة وإن تركب من قبل وبعد فمتى وجدت في الآخر قبل
بعده أو بعد قبله فما تقدمت فيه قبل فجوابه شوال لأن المعنى قبله رمضان وما تقدمت
فيه بعد فالجواب شعبان لأن التقدير بعده رمضان ومتى وجدت في آخر قبلين أو بعدين
وقبلهما مخالفا لهما ففي البعدين شعبان وفي القبلين شوال فشوال ثلاثة وشعبان ثلاثة
وهذه الستة هي الواسطة المتوسطة بين جمادى الأخيرة وذي الحجة
____________________
(1/113)
المظروف شهر تام بقرينة السياق ولضرورة الضمير في قبله
العائد على الشهر المسئول عنه فإذا كان شوالا وهو قد قال قبله رمضان تعذر أن يحمل
على بعض الشهر إلا على المجاز فإن بعض الشهر أو يوم الفطر وحده ليس هو شوالا بل
بعض شوال فيلزم المجاز لكن الفتاوى في هذا البيت مبنية على الحقيقة هذا تقرير قبله
الأخير الذي صحبه الضمير وأما قبل المتوسط فليس معه ضمير يضطرنا إلى ذلك بل علمنا
أن مظروفه شهر بالدليل العقلي لأن رمضان إذا كان قبل قبل الشهر المسئول عنه وتعين
أن أحد القبلين وهو الذي أضيف إلى الضمير مظروفه شهر تعين أن مظروف القبل المتوسط
شهر أيضا لأنه ليس بين شهرين من جميع الشهور أقل من شهر يصدق عليه أنه قبل شهر
وبعد شهر بل لا يوجد بين شهرين عربيين إلا شهر فلذلك تعين أن مظروف هذه الظروف
شهور تامة وقولي عربيين احتراز من القبطية فإن أيام النسيء تتوسط بين مسرى وتوت
ورابعها أن قاعدة العرب أن الإضافة يكفي فيها أدنى ملابسة كقول أحد حاملي الخشبة
مثل طرفك فجعل طرف الخشبة طرفا له لأجل الملابسة قاله صاحب المفصل وأنشد في هذا
المعنى إذا كوكب الخرقاء لاح بسحره
هامش أنوار البروق
قال وثانيها أنه إذا قال أعتق عبدك عني فأعتقه فإنا نقدر دخوله في ملكه قبل عتقه
بالزمن الفرد تحقيقا للعتق عنه وثبوت الولاء له إلى آخر المسألة قلت لا حاجة إلى
التقدير للملك في هذه المسألة فإنه لا مانع من عتق الإنسان عبده عن غيره من غير
تقدير ملك ذلك الغير للعبد ولا تحقيقه والله أعلم
هامش إدرار الشروق
المبحث الثالث لفظة ما في البيت يصح فيها ثلاثة أوجه أحدها أن تكون زائدة فلا يعتد
بها بل يكون التقدير قبل قبل قبله رمضان مثلا
وثانيها أن تكون موصولة والتقدير قبل الذي استقر قبل قبله رمضان فيكون الاستقرار
العامل في قبل الذي بعد ما هو صلتها
وثالثها أن تكون نكرة موصوفة والتقدير قبل شيء استقر قبل قبله رمضان فيكون
الاستقرار العامل في الظرف الكائن بعد ما المقدرة بشيء هو صفة لها ولا تختلف
التفاسير المفتى بها المذكورة مع شيء من ذلك بل تبقى الأحكام على حالها المقصد
الثاني في تقرير البيت على طريقة التزام الحقيقة في الألفاظ وعدم النظم بل يكون
الكلام نثرا اعلم أن الكلام حينئذ يجري على الضابط المتقدم أيضا فإذا زدنا على
قولنا قبل ما بعد بعده في لفظ بعد لفظة أخرى منه فقلنا قبل ما بعد بعد بعده رمضان
تعين أن يكون الشهر المسئول عنه رجبا وإن جعلنا البعدات أربعة تعين أن يكون جمادى
الأخيرة أو خمسة تعين أن يكون جمادى الأولى أو ستة تعين أن يكون ربيعا الآخر وهكذا
كلما زدت بعد انتقلت إلى شهر قبل فإن هذه الظروف
____________________
(1/114)
فأضاف الكوكب إليها لأنها كانت تقوم لعملها عند طلوعه ونحو
ذلك من الإضافات ومنه قوله تعالى ولا نكتم شهادة الله أضيف الشهادة إليه بسبب أنه
تعالى شرعها لا لأنه شاهد ولا مشهود عليه
وكذلك دين الله ونفخنا فيه من روحنا ولله على الناس حج البيت فالإضافة في الجميع
مختلفة المعاني وهي حقيقية في الجميع باعتبار معنى عام وهو كما قال صاحب المفصل
بأدنى ملابسة إذا تقررت هذه القاعدة فهذه القبلات والبعدات المضاف بعضها إلى بعض
تحتمل من حيث اللغة أن يكون كل ظرف أضيف لمجاوره أو لمجاور مجاوره أو لمجاور مجاور
مجاوره على رتب ثلاث أو أكثر من ذلك فيكون الشهر الذي قبل رمضان هو ربيع فإن ربيعا
قبل رمضان بالضرورة ويومنا هذا قبل يوم القيامة بالضرورة وهو كله حقيقة غير أن
الظروف التي في البيت حملت على المجاور الأول لأنه الأسبق إلى الفهم مع أن غيره
حقيقة أيضا فهذه الملاحظة لا بد منها في هذه الفتاوى وخامسها أن تعلم أنك إذا قلت
قبل ما قبل قبله رمضان فالقبل الأول هو عين رمضان لأنه مستقر في ذلك الظرف
هامش أنوار البروق
قال وثالثها دية الخطأ إلى آخر المسألة قلت ما قاله فيها من لزوم تقدير ملك الدية
وعدم تحقيقه ليس بصحيح بل الصحيح أنه يملك الدية تحقيقا عند إنفاذ مقاتله وقبل
زهوق نفسه ولا مانع من ذلك وإنما يحتاج إلى تقدير الملك في دية العمد لتعذر تحقيقه
بكون الدية موقوفة على اختيار الأولياء وذلك إنما يكون بعد موته والميت لا يملك
والله أعلم
هامش إدرار الشروق
شهور كما تقدم تقريره فيخرج لك على هذا الضابط مسائل غير متناهية غير المسائل
الثمانية التي في البيت وإذا وصلت إلى أكثر من اثني عشر ظرفا فقد دارت السنة معك
فربما عدت
إلى عين الشهر الذي كنت قلته في المسألة ولكن من سنة أخرى وهكذا يكون الحال في
السنين إذا كثرت فتأمل ذلك وإذا زدنا على قولنا بعد ما قبل قبله في لفظ قبل لفظة
أخرى فقلنا بعد ما قبل قبل قبله رمضان كان الشهر المسئول عنه هو ذو القعدة فإن
رمضان أضيف لقبل قبل قبلين وهما شوال وذو القعدة
وإن جعلنا لفظ قبل أربعا كان ذا الحجة أو خمسا كان المحرم كما تقدم تقريره في لفظ
بعد غير أنك تنتقل في لفظ بعد تقدما وفي لفظ قبل تأخرا فإن بعد للاستقبال فكلما
كثرت كثر الاستقبال ورمضان مضاف للآخر منه فيتعين بعد الشهر المسئول عنه في الماضي
حتى يتأخر رمضان في الاستقبال فيضاف للبعد الأخير وينتقل في لفظ قبل إذا كثر
متأخرا لأن قبل للماضي ورمضان مضاف للقبل المجاور له دون الشهر المسئول عنه فيكون
للشهر المسئول عنه قبلات كثيرة رمضان بعد الأول فيها وبقية القبلات بين رمضان
والشهر المسئول عنه فيتعين الانتقال للاستقبال بحسب كثرة لفظات قبل وإذا زدنا لفظة
قبل على قولنا قبل ما قبل قبله فقلنا قبل ما قبل قبل قبله رمضان تعين المحرم لأن
السائل قد نطق بأربع من لفظ قبل فقبل المحرم ذو الحجة وقبل ذي الحجة ذو القعدة
وقبل ذي القعدة شوال وقبل شوال رمضان وهو ما قاله السائل وهكذا يتعين الانتقال
للاستقبال بحسب كثرة لفظات قبل وإذا زدنا لفظة بعد على قولنا بعد ما بعد بعده
فقلنا بعد ما بعد بعد بعده
____________________
(1/115)
وكذلك بعد ما بعد بعده رمضان فالبعد الأول هو رمضان لأنه
مستقر فيه ومتى كان القبل الأول هو رمضان فالقبلان الكائنان بعده شهران آخران
يتقدمان على الشهر المسئول عنه
وكذلك في بعد ما بعد بعده رمضان البعدان الأخيران شهران آخران يتأخران عن الشهر
المسئول عنه فالرتب دائما في البيت أربع الشهر المسئول عنه وثلاثة ظروف لغيره هذا
لا بد منه ثم ها هنا نظر آخر وهو أنا إذا قلنا قبل ما بعد بعده رمضان فهل نجعل هذه
الظروف متجاورة على ما نطق بها في اللفظ فيتعين أن يكون الشهر المسئول عنه هو
رمضان فإن كل شيء فرض له أبعاد كثيرة متأخرة عنه فهو قبل جميعها فرمضان قبل بعده
وبعد بعده وجميع ما يفرض من ذلك إلى الأبد فهو قبل تلك الظروف كلها الموصوفة ببعد
وإن كانت غير متناهية وكذلك يصدق أيضا أنه بعد قبله وقبل قبله إلى الأزل وما لا
يتناهى من القبلات فيكون رمضان أيضا ويبطل ما قاله الشيخ رضي الله عنه فإنه عين في
الأول شوالا وفي الثاني شعبان ومقتضى ما ذكرته لك من النظر أن يكون الشهر المسئول
عنه هو رمضان في المسألتين أو نقول مقتضى اللغة خلاف هذا التقرير وأن لا تكون هذه
الظروف المنطوق
هامش أنوار البروق
قال ورابعها أن صوم التطوع يصح عندهم بنية من الزوال إلى آخر قوله فظهر أن
المقدرات لا تنافي المحققات قلت ما قاله في ذلك صحيح
هامش إدرار الشروق
رمضان تعين جمادى الأولى لأن السائل قد نطق بأربع من لفظ بعد فبعد جمادى الأولى
جمادى الأخيرة وبعد جمادى الأخيرة رجب وبعد رجب شعبان وبعد شعبان رمضان وهو ما
قاله السائل وهكذا يتعين الانتقال للماضي بحسب كثرة لفظات بعد وبالقياس على ما ذكر
يعلم حكم باقي الصور والله أعلم
المقصد الثالث في تقرير البيت على طريقة التزام المجاز في ألفاظه وعدم النظم بل
يكون الكلام نثرا فتصير المسائل والأجوبة سبعمائة وعشرين مسألة وتقرير ذلك بتقديم
الكلام على أربعين ألفا وثلثمائة
وعشرين بيتا من الشعر اشتمل عليها بيت نظمه الفقيه العلامة زين الدين المغربي ولخص
حساب عدده وهو قوله بقلبي حبيب مليح ظريف بديع جميل رشيق لطيف وهو من بحر المتقارب
ثمانية أجزاء على فعيل كل جزء منها في كلمة يمكن أن ينطق بها مكان صاحبتها فتجعل
كل كلمة في ثمانية مواضع من البيت فالكلمتان الأوليان يتصور منهما صورتان بالتقديم
والتأخير ثم تأخذ الثالثة فتحدث منها مع الأولين ستة أشكال بأن تعملها قبل الأولين
وبعدهما ثم تقلبهما وتعملها قبلهما وبعدهما ثم تعملها بينهما على التقديم والتأخير
فتحدث الستة فيكون السر فيه ضربنا الأولين في مخرج الثالث واثنان في ثلاثة بستة ثم
تأخذ الرابع وتورده على هذه الستة الصور وكل واحد من الستة له ثلاث كلمات يحصل
بعمل الرابع قبل كل ثلاثة وبعد أولها وبعد ثانيها وبعد ثالثها أربع صور فتصير
الستة أربعة وعشرين وكذلك تفعل بالخامس والسادس والسابع والثامن ومتى حدثت صورة
أضفنا إليها بقية
____________________
(1/116)
بها مرتبة على ما هي عليه في اللفظ بل قولنا ما بعد بعده
فبعد الأولى المتوسطة بين قبل وبعد متأخرة في المعنى وقبل المتقدمة متوسطة بين
البعدين منطبقة على بعد الأخيرة
وتكون بعد الأخيرة بعد وقبل معا وليس ذلك محالا لأنه بالنسبة إلى شهرين واعتبارين
وتقرير ذلك أن العرب إذا قالت غلام غلام غلامي فهؤلاء الأرقاء منعكسون في المعنى
فالغلام الأول المقدم ذكره هو الغلام الأخير الذي ملكه عبد عبد عبدك لا أنه عبدك
والغلام الأخير هو عبدك الأول الذي ملكته فملك هو عبدا آخر ملك ذلك العبد الآخر
العبد المقدم ذكره وكذلك إذا قلت صاحب صاحب صاحبي فالمبدوء به هو أبعد الثلاثة عنك
والأقرب إليك هو الأخير والمتوسط متوسط هذا هو مفهوم اللغة في هذه الإضافات على
هذا الترتيب إذا عرفت هذا فنقول قولنا قبل ما بعد بعده رمضان هو شعبان وهو كما قال
الشيخ رحمه الله لأن شعبان بعده رمضان وبعد بعده شوال فقولنا قبل مجاور لبعده
الأخيرة لأنه لم يقل قبل بعده بل قبل بعد بعده فجعل قبل مضافا في المعنى لبعد
ومتأخرا عن بعد وهو البعد الثاني فيكون رمضان قبل البعد الثاني والبعد الثاني هو
شوال فالواقع قبله رمضان وليس لنا شهر بعده بعدان رمضان قبل البعد الأخير إلا
شعبان فإن قلت
هامش أنوار البروق
قال القاعدة الثالثة أن الحكم كما يجب تأخره عن سببه
يجب تأخره عن شرطه ومن فرق بينهما فقد خالف الإجماع قلت ربط الحكم بسببه
وشرطه وضعي والأمور الوضعية لا يلزم فيها على التعيين وجه واحد بل هي بحسب ما وضعت
له فلو أن الحكم وضع على وجه التأخر عن سببه كان على ما وضع عليه
هامش إدرار الشروق
البيت فتبقى الأولى ثمانية وكذلك بقية الصور فيأتي العدد المذكور من الآلاف بيوتا
تامة كل بيت فيها ثمانية وبيان ذلك أن تضرب أربعة وعشرين في مخرج الخامس وهو خمسة
تكون مائة وعشرين تضربها في مخرج السادس وهو ستة تكون سبعمائة وعشرين تضربها في
مخرج السابع وهو سبعة تكون خمسة آلاف وأربعين تضربها في مخرج الثامن وهو ثمانية
تكون أربعين ألفا وثلاثمائة وعشرين بيتا من الشعر وهو المطلوب فإذا تقررت هذه
الطريقة من الحساب والضرب فنقول معنا في البيت ثلاثة من لفظ قبل وثلاثة من لفظ بعد
فنجمع بين الستة ويبطل الوزن حينئذ لطول البيت ولعدم صورة الشعر فنقول قبل ما قبل
قبله بعد ما بعد بعده رمضان ثم لنا أن ننوي بكل قبل وبكل بعد شهرا من شهور السنة
أي شهر كان من غير مجاورة ولا التفات إلى ما بينهما من عدد الشهور
ويكون الكلام مجازا عربيا فإن أي شهر أخذته فبينه وبين الشهر الآخر الذي نسبته
إليه بالقبلية أو البعدية علاقة من جهة أنه من شهور السنة معه أو هو قبله من حيث
الجملة أو هو بعده من حيث الجملة أو هو شبيه بما قبله من جهة أنه شهر وغير ذلك من
العلاقات المصححة للمجاز ثم إنا نعمد إلى هذه الستة فنأخذ منها اثنين فتحدث منها
صورتان ونعتبرهما شهرين من شهور السنة فتظهر نسبتهما إلى رمضان ويظهر من ذلك الشهر
المسئول عنه ثم نورد عليهما لفظة أخرى من لفظ قبل وبعد إلى آخر السنة ومتى أفضى
الأمر إلى التداخل بين صورتين في شهر نوينا به شهرا آخر من شهور السنة حتى تحصل
المغايرة فيحصل لنا من هذه الستة الألفاظ ما يحصل لنا من ستة أجزاء من
____________________
(1/117)
فرمضان حينئذ هو قبل البعد الأخير وهو شوال باعتبار البعد
الأول كما بينته فيلزم أن يكون قبل وبعد وهو محال لأن القبل والبعد ضدان واجتماع
الضدين في الشيء الواحد محال قلت مسلم أنهما ضدان وأنهما اجتمعا في شيء واحد وهو
رمضان ولكن باعتبار إضافتين فيكون رمضان قبل باعتبار شوال وبعد باعتبار شعبان كما
يكون المسلم صديقا للمؤمنين عدوا للكافرين فتجتمع فيه الصداقة والعداوة باعتبار
فريقين وذلك ممكن وليس بمحال إنما المحال لو اتحدت الإضافة ولم تتحد إذا تقرر لك
هذا فتيقن أن لو زدنا في لفظ بعد لفظة أخرى منه فقلنا قبل ما بعد بعد بعده رمضان
تعين أن يكون الشهر المسئول عنه رجبا وإن جعلنا البعدات أربعة تعين أن يكون جمادى
الأخيرة أو خمسة تعين أن يكون جمادى الأولى أو ستة تعين أن يكون ربيعا الآخر
وكذلك كلما زدت بعد انتقلت إلى شهر قبل فإن هذه الظروف شهور كما تقدم تقريره فيخرج
لك على هذا الضابط مسائل غير متناهية غير المسائل الثمانية التي في البيت وإذا
وصلت إلى أكثر من اثني عشر ظرفا فقد دارت السنة معك فربما عدت إلى عين الشهر الذي
كنت قلته في المسألة ولكن من سنة أخرى
هامش أنوار البروق
ولو أنه وضع على وجه التقدم على سببه كان كذلك ولو أنه وضع على وجه أن يكون مع
سببه لا متقدما عليه ولا متأخرا عنه كان كذلك أيضا لكن الواقع من ذلك فيما علمت
تأخر الحكم عن سببه وشرطه كما حكي فيه الإجماع وذلك في الأمور الشرعية المفتقرة
للشرع أما التي وكلت إلى قصد المكلف فهي بحسب قصده والله أعلم
هامش إدرار الشروق
البيت وهي سبعمائة وعشرون مسألة وإن زدت في لفظ القبل أو البعد كما تقدم في المقصد
الثاني وصل الكلام إلى أربعين ألف مسألة أو أكثر على حسب الزيادة فتأمل ذلك فهو من
طرف الفضائل والفضلاء ونوادر الأذكياء والنبهاء
خاتمة في مهمين المهم الأول أكثر الفقهاء يبحث عن ترتيب الوضوء وتنكيسه ولا يعلم
كم يحصل من صور الوضوء مرتبا ومنكسا والمتحصل من ذلك أربعة وعشرون وضوءا مرتبا
ومنكسا على سبيل الحصر من غير زيادة وتقريره بالطريق المتقدم في بيت العلامة زين
الدين المغربي أن تقول الوجه واليدان يتصور فيهما صورتان بالتقديم والتأخير ثم
تأخذ الرأس فيحدث منه مع الوجه واليدين ستة وضوآت بأن تعمل الرأس قبل الوجه
واليدين وبعدهما ثم تقلبهما وتعمله قبلهما وبعدهما ثم تعمل الرأس بين الوجه
واليدين على التقديم والتأخير فيحدث ستة وضوآت بأن تضيف لكل صورة تحدث الرجلين حتى
يكمل الوضوء وهو من ضرب الاثنين في مخرج الثالث واثنان في ثلاثة بستة ثم تأخذ
الرجلين تضمهما إلى هذه الستة الوضوآت وكل واحد من الستة له ثلاث أعضاء يحصل بعمل
الرجلين قبل الثلاثة الأعضاء وبعد الأول وبعد الثاني وبعد الثالث أربع صور
في كل صورة من الستة فتصير الستة أربعة وعشرين وذلك هو جميع ما يتصور في الوجود
للوضوء من الصور المهم الثاني سأل الشيخ عثمان الراضي المكي الشيخ إبراهيم
الأسكوبي المدني بقوله
____________________
(1/118)
وكذلك يكون الحال في السنين إذا كثرت فتأمل ذلك هذا كله إذا
قلنا قبل ما بعد بعده رمضان فإن عكسنا وقلنا بعد ما قبل قبله رمضان فمقتضى جعلنا
الظروف متجاورة على ما هي عليه في اللفظ يكون الشهر المسئول عنه رمضان فإن كل شيء
بعد جميع ما هو قبله وبعد قبلاته وإن كثرت والشيخ رحمه الله قد قال أنه شوال بناء
على ما تقدم وهو أن القبل الأول متقدم على البعد الأول والبعد الأول متوسط مضاف
للبعد الأخير المضاف للضمير العائد على الشهر المسئول عنه فنفرض شهرا وهو شوال
فقبله رمضان وقبل رمضان شعبان والسائل قد قال إن رمضان بعد أحد القبلين والقبل
الآخر بعده وليس لنا شهر قبله شهران الثاني منهما رمضان إلا شوالا فيتعين ويكون
رمضان موصوفا بأنه بعد باعتبار شعبان وبأنه قبل باعتبار شوال ولا تضاد كما تقدم
جوابه فإن زدنا في لفظة قبل لفظة أخرى فقلنا بعد ما قبل قبله رمضان كان الشهر
المسئول عنه هو ذو القعدة فإن رمضان أضيف لقبل قبل قبلين وهما شوال وذو القعدة فإن
جعلنا لفظ قبل أربعا كان ذا الحجة أو خمسا كان المحرم كما تقدم تقريره في لفظ بعد
غير أنك تنتقل في لفظ بعد تقدما وفي لفظ قبل تأخرا فإن بعد للاستقبال
فكلما كثرت كثر الاستقبال
هامش أنوار البروق
قال فلفظ التعليق سبب مسببه ارتباط الطلاق بقدوم زيد إلى قوله امتنع التقديم أيضا
قلت قوله وعلى هذا يكون أضعف من السبب المباشر إن أراد أن سبب السبب في كونه سببا
للسبب أضعف من السبب في كونه سببا للمسبب فذلك ممنوع وإن أراد أن سبب السبب في
كونه سببا
هامش إدرار الشروق
يا إماما للعلم والتدريس وهماما قد جل عن تقييس ذا العلا إبراهيم الأسكوبي أولى من
يرجى لكشف خطب عميس البديع النفيس والماهر المبدع في صنعة البديع النفيس طبت غرسا
في روضة هي طابت من حمى طيبة المنيع الأنيس أنت شمس تضيء في كل علم بك تجلى غياهب
التلبيس حزت كل العلوم كسبا ووهبا وأجدت الفنون عن تأسيس لك فهم لا يعتريه سقام
وذكاء يدري بما في النفوس ما يقول الإمام في بيتي الحلي الصفي المحكمين بالتجنيس
وعدت في الخميس وصلا ولكن شاهدت حولنا العدا كالخميس أخلفت في الخميس وعدي وجاءت
بعد ما قبل بعد يوم الخميس أي يوم جاءته من بعد خلف فأبينوا المعقول بالمحسوس فلقد
جلت فيهما سيدي مع أحمد الشهم يا فقيه الرئيس واضطربنا في فهم معناهما حتى ضربنا
التخميس في التسديس ثم درنا في كل يوم من الدور فتهنا عن يومها المرموس واختلفنا
وما اتفقنا برأي وأقمنا في ذاك حرب البسوس
____________________
(1/119)
ورمضان هو مضاف للآخر منه فيتعين بعد الشهر المسئول عنه في
الماضي حتى يتأخر رمضان في الاستقبال فيضاف للبعد الأخير وينتقل في لفظ قبل إذا
كثر متأخرا لأن قبل للماضي ورمضان مضاف للقبل المجاور له دون الشهر المسئول عنه
فيكون للشهر المسئول عنه قبلات كثيرة رمضان بعد الأول منها وبقية القبلات بين
رمضان والشهر المسئول عنه فيتعين الانتقال للاستقبال بحسب كثرة لفظات قبل وإذا
قلنا بعد ما بعد بعده رمضان يتعين جمادى الآخرة لأن السائل قد نطق بثلاث بعدات غير
الشهر المسئول عنه فرجب البعد الأول وشعبان البعد الثاني ورمضان البعد الثالث
والرابع هو الشهر المسئول عنه المتقدم عليها وذلك جمادى الآخرة وإذا قلنا قبل ما
قبل قبله رمضان تعين ذو الحجة لأن السائل قد نطق بثلاث من لفظ قبل فقبل ذي الحجة
ذو القعدة وقبل ذي القعدة شوال وقبل شوال رمضان وهو ما قاله السائل وأما قبل ما
بعد بعده أو بعد ما قبل قبله فقد تقدم أن كل شيء هو قبل ما هو بعده وبعد ما هو قبله
وإذا اتحد العين صار معنى الكلام بعده رمضان أو قبله رمضان فيكون المسئول عنه
شعبان في الأول وشوال
هامش أنوار البروق
للمسبب أضعف من السبب في كونه سببا للمسبب فمسلم ووجه ضعفه كونه غير مباشر لكن مع
تسليم ذلك لا يلزم أن يكون جواز تقديم المسبب عليه أولى بل لقائل أن يقول إن جواز
تقديم المسبب على السبب المباشر أولى من تقديمه على غير المباشر أو يقول لا أولوية
بل الأمر فيهما على السواء فما قاله في ذلك دعوى لم يأت عليها بحجة
هامش إدرار الشروق
فارتضيناك آخر الأمر فينا حكما إذ لا عطر بعد عروس ثم بعض الثقات في الفن يروي وهو
فيما أظن عن تهجيس قبل ما بعد قبل يوم الخميس هكذا راح مثبتا في الطروس وهو عندي
لا يطابق معنى ما أراد الصفي بعد الخميس فتأمل في ذا وذا غير مأمور وحقق وقيت هم
العكوس وأبن لي هل ذا صحيح وإلا باطل أو كلاهما بنفيس وابق وأسلم في يمن حظ وأمن
يا إماما للعلم والتدريس
فأجابه بقوله يا عليما بكل معنى نفيس وصديقي ومطلبي وأنيسي أنت من في رفيع مجد
وفضل ومقال له مقام الرئيس لك من أسهم البيان المعلى في شذوذ فاوضت أو في مقيس ولك
السابق المجلى إذا ما رمت سبقا بحلبة التدريس من كعثمان راضيا راقيا أو ج المعالي
بطيب خيم وسوس أو لم يكفك الجواهر حتى جئت بالزهر في قيود الطروس أسفرت عن لثامها
بنت فكر منك رامت بلطفها تأنيسي وأدارت على المسامع منها خمر معنى أشهى من
الحندريس
____________________
(1/120)
في الثاني وسادسها في تقريب أجوبة المسائل اعلم أن جميع
الأجوبة الثانية منحصرة في أربعة أشهر طرفان وواسطة فالطرفان جمادى الأخيرة وذو
الحجة والوسط شوال وشعبان وتقريب ضبطها أن جميع البيت إن كان قبل فالجواب بذي
الحجة أو بعد فالجواب جمادى الأخيرة
أو تركب من قبل وبعد فمتى وجدت في الآخر قبل بعده أو بعد قبله فالشهر مجاور لرمضان
فإن كل شيء هو قبل بعده وبعد قبله فالكلمة الأولى إن كانت حينئذ قبل فهو شوال لأن
المعنى قبله رمضان أو بعد فهو شعبان لأن التقدير بعده رمضان هذا إن اجتمع آخر
البيت قبل وبعد فإن اجتمع قبلان أو بعدان وقبلهما مخالف لهما ففي البعدين شعبان
وفي القبلين شوال فشوال ثلاثة وشعبان ثلاثة هذه الستة هي الواسطة المتوسطة بين
جمادى وذي الحجة
فصل هذا تقرير البيت على هذه الطريقة من التزام
الحقيقة والوزن وأما على خلافهما من التزام المجاز وعدم النظم بل يكون الكلام نثرا
فتصير المسائل والأجوبة سبعمائة وعشرين مسألة وتقرير ذلك بتقديم بيت من الشعر
مشتمل على أربعين ألف بيت من الشعر
هامش أنوار البروق
قال إذا تقررت هذه القواعد فنقول ليس في تقديم الطلاق على زمن اللفظ وزمن القدوم
تقديم للمسبب على السبب ولا المشروط على الشرط لأن عند وجود الشرط الذي هو القدوم
مثلا يترتب عليه مشروطه بوصف الانعطاف على الأزمنة التي قبله على حسب ما علقه إلى
منتهى قوله فالانعطاف على الزمن الماضي يتأخر عن الشرط وسببه
هامش إدرار الشروق
وأشارت إلى لطائف دارت بين خلين تزدري بالكؤوس ما على يا فقيه أحمد زيد إن ذاك
الجليس خير جليس قد تسابقتما الفضائل حتى نلتما أقصى كل معنى نفيس فكلا الفاضلين
أحرز فضلا ليس يخفى عليه معنى الشموس إن بيت الصفي لا شك مبنى لعمري بني على تأسيس
بيد أن أكثر الظروف لقصد رام منه غرابة التلبيس أو يخفى عيد وعيد وعيد عم بيوم
العروبة المأنوس إن هذا المراد إن قال جاءت بعد ما قبل بعد يوم الخميس صح من قال قبل
ما بعد لكن نكس اليوم غاية التنكيس أين يوم الربوع من يوم عيد من يرد السعيد
للمنحوس دمتما في لبوس صحة نعمى من أجل الملبوس غير لبيس قلت وهذا الجواب لا يخالف
الضابط المتقدم وإن كان ظاهر قوله أو يخفى عيد إلخ وقوله صح من قال قبل ما بعد إلخ
أنه على عكس ما مر لأمرين الأمر الأول أن الصفي لم يقل بعده يوم الخميس بل قال بعد
يوم الخميس ولا شك في صدق الأول بيوم الربوع كما مر وصدق الثاني بيوم الجمعة كما
قال الأسكوبي
____________________
(1/121)
وثلاثمائة بيت وعشرين بيتا من الشعر نظمه الفقيه الإمام
الفاضل المتقن العلامة زين الدين المغربي ونبه على هذا المعنى فيه ولخص حساب عدده
وهو قوله بقلبي حبيب مليح ظريف بديع جميل رشيق لطيف وهو من بحر المتقارب ثمانية
أجزاء كل جزء منها في كلمة يمكن أن ينطق بها مكان صاحبتها فتجعل كل كلمة في ثمانية
مواضع من البيت فالكلمتان الأوليان يتصور منهما صورتان بالتقديم والتأخير
ثم تأخذ الثالثة فتحدث منها مع الأوليين ستة أشكال بأن تعملها قبل الأوليين
وبعدهما ثم تقلبهما وتعملها قبلهما وبعدهما ثم تعملها بينهما على التقديم والتأخير
فتحدث الستة فيكون السر فيه أنا ضربنا الاثنين الأولين في مخرج الثالث واثنان في
ثلاثة بستة ثم تأخذ الرابع وتورده على هذه الستة وكل واحد منها ثلاثة فيحصل من كل
صورة منها أربعة بأن تعمل الرابع قبل كل ثلاثة وبعد أولها وبعد ثانيها وبعد ثالثها
فتصير الستة أربعة وعشرين وكذلك تفعل بالخامس والسادس إلى الثامن ومتى حدثت صورة
أضفنا إليها بقية البيت فتبقى الأولى ثمانية وكذلك بقية الصور فيأتي العدد المذكور
من الآلاف بيوتا تامة كل بيت منها ثمانية
هامش أنوار البروق
قلت كيف يكون الانعطاف متأخرا عن الشرط وهو القدوم وقد كان لفظ التعليق السابق على
القدوم يقتضيه فإن زعم أنه لا يريد بالانعطاف كون اللفظ يقتضيه بل يريد لزوم
الطلاق المعلق على القدوم قيل له أتريد لزومه في نفس الأمر أم تريد في علمنا فليس
ذلك من التعليق بسبب بل هو
هامش إدرار الشروق
الأمر الثاني أن قوله بيد أن أكثر الظروف إلخ موافق للقاعدة المتقدمة من أن كل ما
اجتمع فيه
قبل وبعد فألغهما لأن كل شيء حاصل بعد ما هو قبله وقبل ما هو بعده فلا يبقى حينئذ
إلا بعد يوم الخميس فيكون يوم الجمعة نعم الفاء بعد ما قبل في بيت الموصلي لكونه
مبدلا منه والمبدل منه في نية الطرح أو لكون بعد يوم الخميس عطف بيان له لا لما مر
في القاعدة فافهم والله أعلم
المسألة الثانية أصل مالك تقدم وقوع المعلق من
طلاق وعتق على المعلق عليه الذي جعل شرطا وعلى لفظ التعليق وزمانه وأصل الشافعي
عدم تقدمه على ذلك فلذا قال العلامة خليل في مختصره في إن لم أطلقك رأس الشهر
ألبتة فأنت طالق ألبتة ويقع أي يحكم بوقوع طلاق ألبتة ناجزا ولو مضى زمنه وليس
لتعليقه بالأيام وجه ا ه بتوضيح من عبق
وقال الأمير في مجموعه وإن قال إن لم أطلقك واحدة بعد شهر فأنت طالق ألبتة قيل له
أما نجزتها أي الواحدة ولا يقع عليك شيء بعد الشهر وإلا فالبتة وطالق اليوم إن فعل
غدا ثم فعل أي أثناء الغد لزم من أول يوم الحنث أي لا من يوم التعليق لأنه يعد
قوله اليوم لغوا والمعتبر وجود المعلق عليه فإن لم يفعل أصلا أو فعل بعد غد لم
تطلق ا ه بتوضيح من عبق
وفي الجواهر إذا قال أنت طالق يوم يقدم فلان فيقدم نصف النهار تطلق من أوله ولم
يحك خلافا فإن كان المعلق عليه القدوم فهو تقديم الحكم على شرطه أو اليوم فلا قال
ابن يونس قول ابن عبد الحكم في طالق اليوم إن كلم فلانا غدا إن كلمه اليوم حنث
وغدا لا يحنث لأن وقوع الطلاق بكلام غد بعد أن كانت اليوم زوجة يقتضي اجتماع
العصمة وعدمها فإذا كلمه اليوم اجتمع
____________________
(1/122)
وبيان ذلك أن تضرب أربعة وعشرين في مخرج الخامس وهو خمسة
تكون مائة وعشرين تضربها في مخرج السادس وهو ستة تكون سبعمائة وعشرين تضربها في
مخرج السابع وهو سبعة تكون خمسة آلاف وأربعين تضربها في مخرج الثامن وهو ثمانية
تكون أربعين ألفا وثلاثمائة وعشرين بيتا من الشعر وهو المطلوب
مسألة هي فائدة حسنة أكثر الفقهاء يبحث عن
ترتيب الوضوء وتنكيسه ولا يعلم كم يحصل من صور الوضوء مرتبا ومنكسا والمتحصل من
ذلك أربعة وعشرون وضوءا مرتبا ومنكسا على سبيل الحصر من غير زيادة وتقريره بالطريق
المتقدم في البيت بأن تقول الوجه واليدان يتصور فيهما صورتان بالتقديم والتأخير ثم
تأخذ الرأس فيحدث منه مع الوجه واليدين ستة وضوآت بأن تعمل الرأس قبل الوجه
واليدين وبعدهما ثم تقلبهما وتعمله قبلهما وبعدهما ثم تعمل الرأس بين الوجه
واليدين على التقديم والتأخير فيحدث ستة وضوآت بأن تضيف لكل صورة تحدث الرجلين حتى
يكمل الوضوء وهو من ضرب الاثنين في مخرج الثالث واثنان في ثلاثة بستة ثم تأخذ
الرجلين تضمهما إلى هذه الستة
هامش أنوار البروق
أمر لزم عن وقوع القدوم المعلق عليه الطلاق وبالجملة يقال له هل وقع الطلاق قبل
القدوم أم لا فإن قال لم يقع فلا طلاق فإن التعليق على القدوم إنما يقتضي بحسب نص
التعليق تقديم الطلاق عليه فإن لم يقع على ذلك الوجه فلا موجب لوقوعه وإن قال قد
وقع فقد اعترف بتقديم المشروط على الشرط والله أعلم
هامش إدرار الشروق
الشرط والمشروط في ظرف واحد فيمكن ترتب أحدهما على الآخر ا ه نقله الشيخ أبو الحسن
اللخمي في تبصرته عنه هو خلاف أصل مالك بل يلزمه الطلاق بكلام غد ا ه بتوضيح
للمراد
وفي البناني على عبق عند قول خليل ويقع ولو مضى زمنه كطالق اليوم إن كلمت فلانا
غدا قصد بقوله ويقع ولو مضى زمنه وبما بعده الاستظهار على مخالفة ابن عبد السلام
حيث قال في إن لم أطلقك رأس الشهر ألبتة فأنت طالق ألبتة لا يلزمه شيء لأن الطلاق
لا يقع إذا مضى زمنه قال في التوضيح وما قاله يأتي على ما لابن عبد الحكم فيمن قال
لزوجته أنت طالق اليوم إن كلمت فلانا غدا لكن قال أبو محمد قول ابن عبد الحكم خلاف
أصل مالك وليس لتعليق الطلاق بالأيام وجه ا ه نج انظر غ ا ه بتوضيح ما
فعلم من هذه النصوص أمران أحدهما أن مشهور مذهب مالك اللزوم خلاف ما نقله اللخمي
عن ابن عبد الحكم الثاني أنها تطلق من أول النهار كما تقدم النقل في الجواهر
فيتقدم الطلاق على لفظ التعليق وعلى الشرط معا وقال الغزالي في وسيطه إذا قال أنت
طالق بالأمس وقال قصدت إيقاع الطلاق بالأمس لم يقع لأن حكم اللفظ لا يتقدم عليه
وقيل يقع في الحال لأن وقوعه بالأمس يقتضي وقوعه في الحال فيسقط المتعذر ويثبت
الحال وقيل لا يقع شيء لأن حكم اللفظ لا يتقدم عليه وإن قال إن مات فلان فأنت طالق
قبله بشهر إن مات قبل مضي شهر لم يقع طلاق لئلا يتقدم الحكم على اللفظ أو بعد شهر
فيقع الطلاق قبله بشهر وكذلك إذا قال إن قدم فلان أو دخلت الدار فأنت طالق قبله
بشهر
قال وقال أبو حنيفة يلزم الطلاق في الموت دون الدخول والقدوم قال وهو تحكم قال
الشيخ أبو إسحاق في المهذب إذا قال إن قدم زيد فأنت طالق ثلاثا قبل قدومه بشهر ثم
____________________
(1/123)
وضوآت وكل واحد منها ثلاثة أعضاء فتصير كل صورة منها أربعة
بأن تعمل الرجلين قبل الثلاثة وبعد الأول وبعد الثاني وبعد الثالث فتصير الستة
أربعة وعشرين
وذلك هو جميع ما يتصور من الوضوء وصوره في الوجود فإذا تقررت هذه الطريقة من
الحساب والضرب فنقول معنا في البيت ثلاثة من لفظ قبل وثلاثة من لفظ بعد فنجمع بين
الستة ويبطل الوزن حينئذ لطول البيت ولعدم صورة الشعر فنقول قبل ما قبل قبل بعد ما
بعد بعده رمضان ثم لنا أن ننوي بكل قبل وبكل بعد شهرا من شهور السنة أي شهر كان من
غير مجاورة ولا التفات إلى ما بينهما من عدد الشهور ويكون الكلام مجازا عربيا فإن
أي شهر أخذته فبينه وبين الشهر الآخر الذي نسبته إليه بالقبلية أو البعدية علاقة
من جهة أنه من شهور السنة معه أو هو قبله من حيث الجملة أو بعده من حيث الجملة أو
هو شبيه بما قبله من جهة أنه شهر وغير ذلك من العلاقات المصححة للمجاز ثم إنا نعمد
إلى هذه الستة فنأخذ منها اثنين فتحدث منهما صورتان ونعتبرهما شهرين من شهور السنة
فتظهر نسبتهما إلى رمضان ويظهر من ذلك الشهر المسئول عنه ثم نورد عليهما لفظة أخرى
من لفظ قبل وبعد إلى آخر السنة ومتى أفضى الأمر إلى التداخل بين صورتين في شهر
نوينا به شهرا آخر من
هامش أنوار البروق
قال ولا يقال في المنعطفات إنا تبينا تقدم الطلاق حقيقة في الماضي إلى آخر قوله
والعدة التي أجمعنا عليها هي التي تتبع المحقق لا المقدر قلت إذا لم يلزم في المنعطفات
وقوع حقيقة فلا انعطاف ولا منعطف وإذا لم يكن
هامش إدرار الشروق
خالعها ثم قدم زيد بطل الخلع لأنا تيقنا تقدم الطلاق الثلاث عليه ثم أنهم أردفوا
ذلك بأن قالوا إذا قال لها إن قدم زيد فأنت طالق قبل قدومه بسنة فقدم بعد ذلك بسنة
أن العدة تنقضي عند حصول الشرط أو قبله ولا تعتد بعد ذلك لأنا تبينا وقوع الطلاق
من سنة كما لو ثبت أنه طلقها من سنة فإنها لا تستأنف عدة هذا ما صرح به أعيانهم
ومشايخهم في تقرير هذه المسألة ويقتضي قولهم أن يرجع عليها بما كان ينفقه عليها إن
كان الطلاق بائنا أو مما أنفقه بعد انقضاء العدة على زعمهم إن كان رجعيا والحق في
هذه المسألة وقوع الطلاق متقدما على القدوم الذي جعل شرطا وعلى لفظ التعليق وزمانه
كما هو أصل مالك وإجماع الأمة على استمرار العصمة وإباحة الوطء إلى قدوم زيد قال
ابن الشاط الذي أظنه أن هذا الإجماع لا يصح وأنها لا يباح وطؤها في تلك المدة
لاحتمال وقوع الشرط بل تحرم على كل حال فإن قدم زيد تبين لنا أن تحريمها للطلاق
وإن لم يقدم تبين أن تحريمها للإشكال والاحتمال كما في اختلاط المنكوحة بالأجنبية
الأجنبية حرام لأنها أجنبية والمنكوحة حرام للاختلاط وقولهم حكم اللفظ لا يتقدم
عليه لا يتم وقياسهم على قوله أنت طالق أمس لا يصح لوجود الفارق ويتضح لك ذلك
ببيان ثلاث قواعد القاعدة الأولى أن الأسباب
الشرعية قسمان قسم قدره الله تعالى في أصل شرعه وقدر له مسببا معينا فليس لأحد فيه
زيادة ولا نقص كالهلال لوجوب الصوم وأوقات الصلوات والعصم والأملاك في الرقيق
والبهائم لوجوب النفقات وعقود البياعات والهبات والصدقات لإنشاء الأملاك وغير ذلك
من الأسباب والمسببات وقسم وكله الله تعالى لخيرة المكلفين فإن شاءا جعلوه سببا
وحصر جعلهم لذلك في طريق
____________________
(1/124)
شهور السنة حتى تحصل المغايرة فيحصل لنا من هذه الستة ألفاظ
ما يحصل لنا من ستة أجزاء من البيت وهي سبعمائة وعشرون مسألة وإن زدت في لفظ القبل
أو البعد كما تقدم في بسط الكلام على البيت وصل الكلام إلى أربعين ألف مسألة وأكثر
على حسب الزيادة فتأمل ذلك فهو من طرف الفضائل والفضلاء ونوادر الأذكياء والنبهاء
المسألة الثانية قال الشيخ أبو الحسن اللخمي
المالكي في كتاب الظهار من تبصرته إذا قال أنت طالق اليوم إن كلمت فلانا غدا قال
ابن عبد الحكم أن كلمة اليوم حنث وغدا لا يحنث لأن وقوع الطلاق بكلام غد بعد إن
كانت اليوم زوجة يقتضي اجتماع العصمة وعدمها فإذا كلمه اليوم اجتمع الشرط والمشروط
في ظرف واحد فيمكن ترتب أحدهما على الآخر وقيل يلزمه الحنث إن كلمه غدا ويقدر تقدم
الطلاق في زمن عدمه فيمكن ترتب أحدهما على الآخر وقال ابن القاسم إذا قال إن
تزوجتك فأنت طالق غدا فإنه إن تزوجها قبل الغد طلقت عليه أو بعده لم تطلق لفوات
يوم الطلاق وفي الجواهر إذا قال أنت طالق يوم يقدم فلان فيقدم نصف النهار تطلق من
أوله ولم يحك خلافا فإن كان
هامش أنوار البروق
منعطف فلا طلاق وإذا لم يكن طلاق فقد بطل مقتضى التعليق المفروض فإن قال بثبوت
طلاق فهو طلاق لا موجب له إذ لم يصدر من الناطق بالتعليق إلا لفظ التعليق
قال ومن الأمور الصعبة التي ألزموها أن الوطء الواقع قبل الانعطاف وطء شبهة لا
إباحة محققة إلى آخر قوله وإذا عقلوا ذلك في مواضع فليعقلوها في البقية
هامش إدرار الشروق
واحد وهو التعليق كدخول الدار وقدوم زيد فنحو دخول الدار لم يجعله الله سببا لطلاق
امرأة أحد ولا لعتق عبده بل المكلف هو الذي جعل ذلك سببا للطلاق والعتق بالتعليق
عليه خاصة فلو قال المكلف جعلته سببا من غير تعليق فعلى قول الشافعية بتعين
الألفاظ لم ينفذ ذلك ولم يعتبر وعلى قول أهل المذهب بعدم تعينها ينفذ ويعتبر فهذا
القسم خير الله تعالى فيه وفي مسببه أي شيء شاء المكلف جعله من طلاق أو عتق كثيرا
أو قليلا قريب الزمان أو بعيده بخلاف الأول ومنه أنت طالق أمس فافهم
القاعدة الثانية المقدرات لا تنافي المحققات بل
يجتمعان ويثبت مع كل واحد منهما لوازمه وأحكامه ويشهد لذلك مسألتان أحدهما أن
الأمة إذا اشتراها الشخص شراء صحيحا أبيح له وطؤها بالإجماع إلى حين الاطلاع على
العيب والرد به مع أنا نقول الرد بالعيب نقض للعقد من أصله ومقتضاه ارتفاع الإباحة
المترتبة عليه مع أن كلا من العقد والإباحة واقع بالإجماع ورفع الواقع محال عقلا
والمحال عقلا لا يرد الشرع بوقوعه فيتعين أن يكون معنى هذا الارتفاع جاريا على
قاعدة التقادير الشرعية من إعطاء الموجود حكم المعدوم بأن يحكم صاحب الشرع بأن
العقد الموجود والإباحة المترتبة عليه وجميع آثاره في حكم العدم كما حكم بأن قربات
المرتدين في حال الإسلام قبل الارتداد وإن كانت موجودة حقيقة هي معدومة حكما أو
إعطاء المعدوم حكم الموجود كما في النية والإيمان والإخلاص وغيرها في الصلاة إلى
____________________
(1/125)
المعلق عليه القدوم فهو تقديم الحكم على شرطه أو اليوم فلا
قال ابن يونس قول ابن عبد الحكم خلاف أصل مالك بل يلزمه الطلاق إذا قال أنت طالق
اليوم إن كلمت فلانا غدا كما تقدم قلت ومقتضى قول ابن يونس أمران أحدهما أن
المشهور اللزوم خلاف ما نقله اللخمي الثاني أنها تطلق من أول النهار كما تقدم
النقل في الجواهر فيتقدم الطلاق على لفظ التعليق وعلى الشرط معا هذه نصوص مذهبنا
في هذه المسألة
وقال الغزالي في الوسيط له إذا قال أنت طالق بالأمس وقال قصدت إيقاع الطلاق بالأمس
لم يقع لأن حكم اللفظ لا يتقدم عليه وقيل يقع في الحال لأن وقوعه بالأمس يقتضي
وقوعه في الحال فيسقط المتعذر ويثبت الحال وقيل لا يقع شيء لأن حكم اللفظ لا يتقدم
عليه
وإن قال إن مات فلان فأنت طالق قبله بشهر إن مات قبل مضي شهر لم يقع طلاق لئلا
يتقدم الحكم على اللفظ أو بعد شهر فيقع الطلاق قبله بشهر وكذلك إذا قال إن قدم
فلان أو دخلت الدار فأنت طالق قبله بشهر قال وقال أبو حنيفة يلزم الطلاق في الموت
دون الدخول والقدوم قال وهو تحكم قال الشيخ أبو إسحاق في المهذب إذا قال إن قدم
زيد فأنت طالق ثلاثا قبل قدومه بشهر ثم خالعها ثم قدم زيد
هامش أنوار البروق
قلت فإذا لم يعارض التقدير العقد في اقتضائه الإباحة فأي معنى للانعطاف وأين مقتضى
اللفظ
قال وأما قياسهم على قوله أنت طالق منذ شهر فالفرق أن الأسباب الموضوعة في أصل
الشرع استقل صاحب الشرع بمسبباتها ولم يجعل فيها انعطافات إلى آخر المسألة
هامش إدرار الشروق
آخرها يحكم صاحب الشرع بوجودها حكما وإن عدمت عدما حقيقيا كما بسط ذلك الأصل في
كتابه المنية في إدراك أحكام النية وثانيتهما أن صوم التطوع يصح عندهم بنية من
الزوال وتنعطف هذه النية تقديرا إلى الفجر مع أن الواقع عدم النية ولا يقال تبينا
أنه كان نوى قبل الفجر إذ الفرض خلافه ولذلك نظائر كثيرة ذكرها الأصل في كتابه
الأمنية
القاعدة الثالثة الحكم وإن كان ربطه بسببه
وشرطه وضعيا وأن الأمور الوضعية بحسب ما وضعت له واقتضى ذلك أن الحكم لو وضع على
وجه التأخر عن سببه وشرطه أو على وجه التقدم على سببه وشرطه أو على وجه أن يكون مع
سببه وشرطه لا متقدما عليه ولا متأخرا عنه لكان على حسب ما وضع عليه إلا أن الواقع
من ذلك تأخره عن سببه وشرطه بدون فرق بينهما إجماعا نعم ذلك إنما هو في الأمور
الشرعية المفتقرة للشرع أما التي وكلت إلى قصد المكلف فهي بحسب قصده في التقدم
والتأخر وعدمهما وقد علمت أن المكلف دون الشارع هو الذي ربط الطلاق بالقدوم وجعله
هو السبب المباشر للطلاق وجعل ارتباط الطلاق به مسببا عن لفظ التعليق فاللفظ هو
سبب السبب فيكون كل من القدوم ولفظ التعليق سببا على حسب قصد المكلف في تقدمه أو
تأخره عن مسببه أو حصوله مع مسببه الذي هو الطلاق إذا تقررت هذه القواعد ظهر أنه
لا وجه لإنكارهم تقدم الطلاق على كل من الشرط الذي هو القدوم ومن لفظ التعليق
تقدما تقديريا تحقيقيا حتى ينافي العقد ويعارضه في اقتضائه الإباحة مع قولنا
____________________
(1/126)
بطل الخلع لأنا تيقنا تقدم الطلاق الثلاث عليه ثم إنهم
أردفوا ذلك بأن قالوا إذا قال لها إن قدم زيد فأنت طالق قبل قدومه بسنة فقدم بعد
ذلك بسنة أن العدة تنقضي عند حصول الشرط أو قبله ولا تعتد بعد ذلك لأنا تبينا وقوع
الطلاق من سنة كما لو ثبت أنه طلقها من سنة فإنها لا تستأنف عدة ويقتضي قولهم أن
يرجع عليها بما كان ينفقه عليها إن كان الطلاق بائنا أو بما أنفقه بعد انقضاء
العدة على زعمهم إن كان رجعيا مع أن الأمة مجمعة على أنها زوجة مستقرة العصمة مباحة
الوطء إلى حين قدوم زيد
وهذا هو الذي صرح لي به أعيانهم ومشايخهم المعاصرون في تقرير هذه المسألة قلت
والحق في هذه المسألة وقوع الطلاق متقدما على القدوم الذي جعل شرطا وعلى لفظ
التعليق وزمانه وقولهم حكم اللفظ لا يتقدم عليه لا يتم وقياسهم على قوله أنت طالق
أمس لا يصح وبيان ذلك ببيان ثلاث قواعد
القاعدة الأولى أن الأسباب الشرعية قسمان قسم قدره الله تعالى في أصل شرعه وقدر له
مسببا معينا فليس لأحد فيه زيادة ولا نقص كالهلال لوجوب الصوم وأوقات الصلوات
هامش أنوار البروق
قلت تريد أن لفظ أنت طالق منذ شهر ليس تعليقا ولكنه مما وضعه الشارع سببا وما وضعه
الشارع لم يجعل فيه انعطافا بخلاف ما وكله إلى خيرة المكلف وذلك صحيح وكذلك ما
ذكره من نقضهم أصلهم والله أعلم
قال شهاب الدين المسألة الثالثة مسألة الدور
قال أصحابنا إذا قال إن وقع عليك طلاقي فأنت
هامش إدرار الشروق
العدة التي أجمعنا عليها من حيث إنها تتبع المحقق لا المقدر إنما تعتبر من يوم
القدوم لأنه يوم لزوم الطلاق وتحريم الفرج أما قبل ذلك فالإباحة بالإجماع على ما
فيه وكيف ينكرون ذلك وهم يقولون الرد بالعيب نقض للعقد من أصله مع أن الرد بالعيب
سبب للنقض وقد تقدم قبله على سبيل التقدير وإذا عقلوا ذلك في مواطن فليعقلوه في
البقية وأما قياسهم على قوله أنت طالق منذ شهر فالفرق أن هذا القول ليس تعليقا حتى
يكون مما وكله الشارع إلى خيرة المكلف كالمقيس ولكنه مما وضعه الشارع سببا وما
وضعه الشارع لم يقع مسببه إلا متأخرا عنه كما علمت على أنهم نقضوا أصلهم في
المسألة نفسها بتقديم الطلاق على القدوم والقدوم سبب أو شرط قريب له فما وجه منعهم
مع ذلك تقديمه على سببه البعيد الذي هو لفظ التعليق فتأمل بإنصاف
المسألة الثالثة قال أصحابنا إذا قال إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا وطلق دون
الثلاث لزمه الثلاث أي عدد طلاقه منجزا إلغاء للقبلية كما لو قال أنت طالق أمس ولم
يلتفتوا للدور الحكمي الذي قاعدته أن كل شيء تضمن إثباته نفيه انتفى من أصله وقال
الغزالي في وسيطه لا يلزمه شيء عند ابن الحداد لأنه لو وقع لوقع مشروطه وهو تقدم
الثلاث ولو وقع مشروطه لمنع وقوعه لأن الثلاث تمنع ما بعدها فيؤدي إثباته إلى نفيه
فلا يقع وقال أبو زيد يقع المنجز ولا يقع المعلق لأنه علق محالا وقيل يقع في
المدخول بها الثلاث أي شيء نجزه تنجز وكمل من المعلق قال ومن صور الدور أن يقول إن
طلقتك طلقة أملك بها الرجعة فأنت طالق قبله طلقتين وإن وطئتك وطئا مباحا فأنت طالق
قبله ثلاثا
وإن أبنتك أو ظاهرت منك
____________________
(1/127)
والعصم والأملاك في الرقيق والبهائم لوجوب النفقات وعقود
البياعات والهبات والصدقات لإنشاء الأملاك وغير ذلك من الأسباب والمسببات
وقسم وكله الله تعالى لخيرة المكلفين
فإن شاءوا جعلوه سببا وإن شاءوا لم يجعلوه سببا وحصر جعلهم لذلك في طريق واحد وهو
التعليق كدخول الدار وقدوم زيد لم يجعل الله ذلك سببا لطلاق امرأة أحد ولا لعتق
عبده والمكلف جعل ذلك سببا للطلاق والعتق بالتعليق عليه خاصة فلو قال جعلته سببا
من غير تعليق لم ينفذ ذلك ولم يعتبر فهذا القسم خير الله تعالى فيه وفي مسببه أي
شيء شاء المكلف جعله من طلاق أو عتق كثيرا أو قليلا قريب الزمان أو بعيده بخلاف
الأول
القاعدة الثانية المقدرات لا تنافي المحققات بل يجتمعان ويثبت مع كل واحد منهما
لوازمه وأحكامه ويشهد لذلك مسائل أحدها أن الأمة إذا اشتراها شراء صحيحا أبيح
وطؤها بالإجماع إلى حين الاطلاع على العيب والرد به
وإن قلنا الرد بالعيب نقض للعقد من أصله ارتفعت الإباحة المترتبة عليه مع أنها
واقعة بالإجماع وكذلك العقد واقع أيضا ورفع الواقع محال عقلا والمحال عقلا لا يرد
الشرع بوقوعه فيتعين أن يكون معنى هذا
هامش أنوار البروق
طالق قبله ثلاثا فطلقها لزمه الثلاث أي عدد طلقه منجزا كملنا عليه الثلاث إلى آخر
المسألة قلت ما قال فيها إلى آخرها صحيح والله أعلم
قال المسألة الرابعة قال الغزالي في الوسيط إذا قال إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم
قال إن
هامش إدرار الشروق
أو فسخت نكاحك أو راجعتك فأنت طالق قبله ثلاثا أو يقول لأمته إن تزوجتك فأنت حرة
قبله لأنه يخاف أن يعتقها فلا يتزوج بها ولا تجبر على ذلك فتعلق الحرية على العقد
مع أن العقد متوقف على الحرية فعلى تصحيح الدور تنحسم هذه التصرفات ويمتنع وقوعها
في الوجود والمقصود من المسائل المسألة الأولى وإلغاء أصحابنا فيه القبلية نظرا
لاتصاف المحل بالحلية إلى زمن حصول المعلق عليه وفي زمن المعلق عليه قد مضى قبله
والزمن الماضي على الحل لا ترتفع الحلية فيه بالثلاث بعد مضيه حتى يلزم أن الطلاق
لم يصادف محلا فلا يلزمه شيء أصلا كما قال ابن الحداد ومن وافقه من الشافعية كابن
سريج حتى عرفت بالمسألة السريجية كما نقله الشيخ حجازي عن العلامة الأمير وعدم
التفاتهم للدور الحكمي نظرا لما يلزم الالتفات إليه هنا كما قال ابن الحداد ومن
وافقه من مخالفة إحدى قواعد ثلاث
القاعدة الأولى أن إمكان الاجتماع مع المشروط
من شرط الشرط لأن حكمته ليست في ذاته كالسبب بل في غيره فلا تحصل حكمته فيه إذا لم
يجتمع مع ذلك الغير
القاعدة الثانية إذا دار اللفظ بين المعهود في الشرع وبين غيره حمل على المعهود في
الشرع لأنه الظاهر فنحمله في نحو إن صليت فأنت طالق مثلا على الصلاة الشرعية دون
الدعاء
القاعدة الثالثة أن من تصرف فيما يملك وفيما لا يملك لم ينفذ تصرفه إلا فيما يملك
فمن قال لامرأته وامرأة جاره أنتما طالقتان تطلق امرأته وحدها ولعبده وعبد زيد
أنتما حران يعتق عبده وحده وبيان المخالفة لإحدى هذه القواعد على الالتفات للدور
الحكمي هنا أن قوله إن طلقتك إما أن يحمل على اللفظ
____________________
(1/128)
الارتفاع تقديرا لا تحقيقا لأن قاعدة التقادير الشرعية
إعطاء الموجود حكم المعدوم أو المعدوم حكم الموجود فيحكم صاحب الشرع بأن العقد
الموجود والإباحة المترتبة عليه وجميع آثاره في حكم العدم وإن كانت موجودة ولا
تنافي بين ثبوت الشيء حقيقة وعدمه حكما كقربات الكفار والمرتدين موجودة حقيقة
ومعدومة حكما والنية في الصلاة إلى آخرها موجودة حكما ومعدومة حقيقة عكس الأول
وكذلك الإيمان والإخلاص وغيرهما يحكم بوجودهما وإن عدما عدما حقيقيا وقد بسطت ذلك
في كتاب الأمنية في إدراك أحكام النية فظهر أن المقدرات لا تنافي المحققات
وثانيها أنه إذا قال له أعتق عبدك عني فأعتقه فإنا نقدر دخوله في ملكه قبل عتقه
بالزمن الفرد تحقيقا للعتق عنه وثبوت الولاء له مع أن الواقع عدم ملكه له إلى كمال
العتق ولم يقل أحد إنا تبينا أنه كان يملكه قبل العتق
وثالثها دية الخطأ تورث عن المقتول ومن ضرورة الإرث ثبوت الملك في الموروث للموروث
المقتول فيقدر ملكه للدية قبل موته بالزمن الفرد ليصح الإرث ونحن نقطع بعدم ملكه
للدية حال حياته فقد اجتمع الملك المقدر وعدمه المحقق ولم يتنافيا ولا نقول إنا
هامش أنوار البروق
دخلت الدار فأنت طالق طلقت في الحال لأن تعليقه على الدخول حلف بخلاف إذا طلعت
الشمس لم يكن هذا حلفا لأن الحلف ما يتصور فيه منع واستحثاث قال قلت كما قال عليه
السلام الطلاق والعتاق من أيمان الفساق ونص العلماء على أن تعليق الطلاق منهي عنه
ولم يفصلوا ومقتضى ذلك أن يحنث في الحالين
هامش إدرار الشروق
أو على المعنى الذي هو التحريم فإن حمل على اللفظ خالف القاعدة الثانية لأنه على
خلاف الظاهر المعهود في الشرع وإن حمل على التحريم وأبقينا التعليق على صورته خالف
القاعدة الأولى لتعذر اجتماع الشرط مع مشروطه حينئذ وإن حمل على التحريم ولم يبق
التعليق على صورته بل أسقط من المشروط الذي هو الثلاث المتقدمة ما به وقع التباين
بين الثلاث المتقدمة والشرط الذي أوقعه لأنه لا يملكه شرعا للقاعدة الأولى فلا
ينفذ تصرفه فيه كعبد زيد وامرأة الجار للقاعدة الثالثة بأن نسقط واحدة حيث أوقع
واحدة لأن اثنتين تجتمعان مع واحدة واثنتين حيث أوقع اثنتين لأن واحدة تجتمع مع
اثنتين وافق القواعد الثلاث ووجب بعد إسقاط المنافي أن يلزمه الباقي فتكمل الثلاث
وبلزوم المخالفة لإحدى هذه القواعد الثلاث لرأي ابن الحداد ومن وافقه من الشافعية
مع كون القائلين بهذا الرأي من الشافعية لا يتجاوزون الثلاثة عشر منهم فلا ينعقد
الإجماع بهم بالنسبة إلى عدد من قال بخلاف هذا الرأي لأنهم مئون بل آلاف كان الشيخ
عز الدين بن عبد السلام رحمه الله تعالى يقول هذه المسألة لا يصح التقليد فيها لابن
الحداد ومن وافقه وتقليدهم فيها فسوق لأن القاعدة أن قضاء القاضي ينقضي إذا خالف
أحد أربعة أشياء الإجماع أو القواعد أو النصوص أو القياس الجلي وما لا نقره شرعا
إذا تأكد بقضاء القاضي أولى بأن لا نقره شرعا إذا لم يتأكد
وإذا لم نقره شرعا حرم التقليد فيه لأن التقليد في غير شرع ضلال فافهم هذا يظهر لك
الحكم في بقية مسائل الدور التي هي من هذا الجنس
فائدة تقييد الدور بالحكمي لتعلقه بالأحكام
أخرج الدور الكوني والدور الحسابي فالدور الكوني
____________________
(1/129)
بينا تقدم الملك للدية قبل الموت ورابعها أن صوم التطوع يصح
عندهم بنية من الزوال وتنعطف هذه النية تقديرا إلى الفجر مع أن الواقع عدم النية
ولا يقال تبينا أنه كان نوى قبل الفجر لأن الفرض خلافه ونظائر ذلك كثيرة مذكورة في
كتاب الأمنية فظهر أن المقدرات لا تنافي المحققات
القاعدة الثالثة أن الحكم كما يجب تأخره عن
سببه يجب تأخره عن شرطه ومن فرق بينهما فقد خالف الإجماع فلفظ التعليق هو سبب
مسببه ارتباط الطلاق بقدوم زيد فالقدوم هو السبب المباشر للطلاق واللفظ هو سبب
السبب وعلى هذا يكون أضعف من السبب المباشر فإذا جوزوا تقديمه على السبب القوي
فليجز على السبب الضعيف بطريق الأولى وإن جعلوا القدوم شرطا امتنع التقدم أيضا
إذا تقررت هذه القواعد فنقول ليس في تقديم الطلاق على زمن اللفظ وزمن القدوم تقديم
للمسبب على السبب ولا المشروط على الشرط لأن عند وجود الشرط الذي هو القدوم مثلا
يترتب عليه مشروطه بوصف الانعطاف على الأزمنة التي قبله على حسب ما علقه فهذا
الانعطاف متأخر عن الشرط ولفظ التعليق كما أن انعطاف النية عندهم على النصف الأول
من النهار إذا وقعت نصف
هامش أنوار البروق
قلت إن صح الحديث الذي ذكره فما قاله من لزوم الحنث في الحالين صحيح وإلا فالصحيح
ما قاله الغزالي والله أعلم
قال المسألة الخامسة قال الشافعية إذا قال إن بدأتك بالكلام فأنت طالق وقالت إن
بدأتك
هامش إدرار الشروق
المتعلق بالكون والوجود توقف كون كل من الشيئين على كون الآخر وهو الواقع في فن
التوحيد والمستحيل منه السبقي وهو ما يقتضي كون الشيء سابقا مسبوقا كما لو فرضنا
أن زيدا أوجد عمرا وأن عمرا أوجد زيدا فإنه يقتضي أن كلا منهما سابق من حيث كونه
مؤثرا مسبوق من حيث كونه أثرا بخلاف المعي كالأبوة مع البنوة والدور الحسابي
المتعلق بالحساب توقف العلم بأحد المقدارين على العلم الآخر ولذلك يقال له الدور
العلمي أيضا وهذا دور في الظاهر فقط لجواز أن يحصل العلم بشيء آخر غيرهما ففي
الحقيقة لا دور إلا إذا أردت علم أحدهما من الآخر ومثال ذلك ما إذا وهب أحد مريضين
للآخر عبدا فوهبه الثاني للأول ولا مال لهما غيره وماتا فلا يعلم ما صح فيه هبة كل
منهما وقدر ما يرجع إليه إلا بعد العلم بالآخر لأن هبة الأول صحت في ثلث العبد
فصار مالا للثاني ولما وردت عليه هبة الثاني صحت في ثلث الثلث فصار ثلث الثلث
المذكور من مال الأول فتسري إليه الهبة فليرد ثلثه للثاني بالهبة ثم يرد بهبة
الثاني ثلث ما رد لسريان هبته فيه وهكذا فلا يقف على حد في الترداد بينهما ويحصل
بطريق الجبر والمقابلة وبيانه أن نقول صحت هبة الأول في شيء من العبد فبقي عنده
عبد إلا شيئا وصحت هبة الثاني في ثلث ذلك الشيء فصار مع الأول عبدا إلا ثلثي شيء
لأن ثلث الشيء رجع له بهبة الثاني فبقي عنده ثلثا الشيء ويضم ثلث الشيء لما عند
الأول فيكون معه عبد إلا ثلثي شيء
ومعلوم أنه لا بد من أن يكون الباقي مع الواهب يعدل ضعف ما صحت فيه هبته وقد قلنا
صحت هبة الأول في شيء مجهول من العبد بقطع النظر عن هبة الثاني وحينئذ فنقول ما
بقي مع الأول وهو عبد إلا ثلثي شيء يعدل شيئين هما ضعف
____________________
(1/130)
النهار متأخر عن إيقاعها فالانعطاف على الزمان الماضي متأخر
عن الشرط وسببه ولا يقال في المنعطفات إنا تبينا تقدم الطلاق حقيقة في الماضي بل
لم يكشف الغيب عن طلاق حقيقي في الماضي ألبتة وإنما يحسن ذلك حيث نجهل أمرا حقيقيا
ثم نعلمه كما حكمنا بوجوب النفقة بناء على ظهور الحمل ثم ظهر أنه نفخ أو حكمنا
بوفاة المفقود ثم علمنا حياته ونحو ذلك أما الانعطافات فليست من هذا القبيل بل
نجزم بعد الانعطاف بعدم المنعطف حقيقة في الزمن الذي انعطف فيه وإنما هو ثابت فيه
تقريرا وبهذا التقرير يظهر أن العدة من يوم القدوم لأنه يوم لزوم الطلاق وتحريم
الفرج أما قبل ذلك فالإباحة بالإجماع والعدة التي أجمعنا عليها هي التي تتبع
المحقق لا المقدر
ومن الأمور الصعبة التي ألزموها أن الوطء الواقع قبل الانعطاف وطء شبهة لا إباحة
محققة ووجود السبب المبيح السالم عن معارضة الطلاق يأبى ذلك فإن قالوا تقدير الطلاق
يمنع ثبوت الزوجية للإباحة قلنا المقدرات لا تنافي المحققات والتقدير لا ينافي
العقد ولا يعارضه في اقتضائه الإباحة فظهر أنه لم يتقدم على الشرط ولا على اللفظ
وكيف ينكرون ذلك وهم يقولون الرد بالعيب نقض للعقل من أصله مع أن الرد بالعيب
هامش أنوار البروق
بالكلام فعبدي حر فكلمها وكلمته لم تطلق ولم يعتق لأن يمينه انحلت بيمينها ويمينها
انحلت بكلامه فلم تبدأ بشيء ولا هو بكلام قلت سكت عن الكلام على قولهم وهو دليل
قبوله لما قالوه وقولهم صحيح والله أعلم
المسألة الخامسة إذا قال إن بدأتك بالكلام فأنت
طالق وقالت هي إن بدأتك بالكلام فعبدي حر فكلمها وكلمته لم تطلق ولم يعتق العبد
عندنا وعند الشافعية لأن يمينه انحلت بيمينها ويمينها انحلت بكلامه فلم تبدأ هي
ولا هو بكلام كما قاله الشافعي في المهذب وغيره
هامش إدرار الشروق
ما صحت فيه هبته أي يساويهما وبعد ذلك فأجبر كلا من الطرفين بإزالة النقص بأن ترد
المستثنى على الجانبين فتجعل الطرف الأول وهو ما بقي مع الأول عبدا كاملا وتجعل
الطرف الثاني شيئين وثلثي شيء فنقول عبد كامل يقابل شيئين وثلثي شيء ثم تبسط
الشيئين أثلاثا من جنس الكسر أعني ثلثي شيء فصار هذا الطرف ثمانية كل واحد منهما
ثلث شيء وبعد ذلك فاقسم الطرف الأول وهو العبد الكامل على الثمانية التي كل واحد
منها ثلث شيء يخرج لكل ثلث شيء ثمن العبد فيعلم أن ثلث الشيء ثمن العبد وأن الشيء
ثلاثة أثمان العبد فيكون معنى قولنا صحت هبة الأول في الشيء أنها صحت في ثلاثة
أثمان العبد ومعنى قولنا فبقي عنده عبد إلا شيئا أنه بقي عنده خمسة أثمان العبد
ومعنى قولنا صحت هبة الثاني في ثلث ذلك الشيء أنها صحت في ثلث الثلاثة الأثمان وهو
ثمن ومعنى قولنا فصار مع الأول عبد إلا ثلثي شيء أنه صار مع الأول ستة أثمان وهي
ضعف ما صحت فيه هبته لأنها صحت في ثلاثة أثمان وضعفها ستة أثمان ومعنى قولنا فبقي
عنده أي الثاني ثلثا الشيء أنه بقي عنده ثمنان وهو ضعف ما صحت فيه الهبة لأنها صحت
في ثمن وضعفه ثمنان فقد بقي لورثة كل من المريضين ضعف ما صحت فيه هبته أفاده
الباجوري عن الأمير في حواشي الشنشوري
المسألة الرابعة إذا قال إن حلفت بطلاقك فأنت
طالق ثم قال إن دخلت الدار فأنت طالق طلقت في الحال لأن تعليقه على الدخول حلف
اتفاقا بخلاف إذا طلعت الشمس فأنت طالق ففي كونه حلفا فيحنث به أيضا كما هو مقتضى
حديث الطلاق والعتاق من أيمان الفساق مع نص العلماء على أن تعليق الطلاق
____________________
(1/131)
سبب للنقض وقد تقدم قبله على سبيل الانعطاف وإذا عقلوا ذلك
في مواطن فليعقلوها في البقية وأما قياسهم على قوله أنت طالق منذ شهر فالفرق أن
الأسباب الموضوعة في أصل الشرع استقل صاحب الشرع بمسبباتها ولم يجعل فيها انعطافات
بل كل سبب يترتب عليه مسببه بعده والتعاليق موكولة لخيرة المكلف ومقتضى التفويض
لخيرة المكلف أن له أن يجعل فيها الانعطاف فلا يلزم من التزام الانعطاف حيث خير
المكلف أن يلزمه حيث الحجر عليه فلو قال له بعتك من شهر لم يتقدم الملك شهرا وكذلك
بقية الأسباب كما تقدم تقريره في القواعد ولا يلزم من مخالفة اللفظ حيث الحجر أن
لا يجري اللفظ على ظاهره ويعمل بمقتضاه حيث عدم المعارض فما ذكرناه أرجح بالأصل ثم
إنهم نقضوا أصلهم في المسألة نفسها بتقديمه على القدوم وهو سبب أو شرط للطلاق بل
هو السبب القريب واللفظ هو السبب البعيد والجرأة على البعيد أولى
المسألة الثالثة مسألة الدور قال أصحابنا إذا
قال إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا فطلقها لزمه الثلاث أي عدد طلقه منجزا
كملنا عليه الثلاث وقال الغزالي في
هامش أنوار البروق
قال المسألة السادسة في التهذيب لمالك رحمه الله أنت طالق إن شاء الله يلزمه
الطلاق الآن بخلاف إن شاء هذا الحجر ونحوه وسوى أبو حنيفة والشافعي في عدم اللزوم
وقال سحنون يلزم في الحجر ونحوه لأنه يعد نادما أو هازلا وهذه المسألة مبنية على
أربع قواعد إلى آخر قوله في القاعدتين الأولى والثانية
هامش إدرار الشروق
منهي عنه ولم يفصلوا أولا فلا يحنث به لأن الحلف ما يتصور فيه منع واستحثاث قولا
الأصل والغزالي في وسيطه والصحيح الأول إن صح الحديث المذكور وإلا فالثاني
المسألة الخامسة إذا قال إن بدأتك بالكلام فأنت
طالق وقالت هي إن بدأتك بالكلام فعبدي حر فكلمها وكلمته لم تطلق ولم يعتق العبد
عندنا وعند الشافعية لأن يمينه انحلت بيمينها ويمينها انحلت بكلامه فلم تبدأ هي
ولا هو بكلام كما قاله الشافعي في المهذب وغيره
المسألة السادسة في لزوم الطلاق الآن في أنت طالق إن شاء الله كأن شاء الجن أو
الملك وهو الصحيح المفتى به في المذهب فلذا اقتصر عليه خليل في مختصره والأمير في
مجموعه وعدم لزومه وهو قول أبي حنيفة والشافعي قولان لمالك وابن القاسم ولعبد
الملك مبنيان على أنه إذا وقع الشك في العصمة هل يعتبر ويقع الطلاق له وهو أصل ابن
القاسم أو يلغى وتستصحب العصمة وهو أصل عبد الملك أما الشك في إن شاء الجن أو
الملك فظاهر
وأما إن شاء الله فلأن متعلق المشيئة الذي هو الطلاق وحل العصمة أمر اعتباري لا
وجود له في الخارج حتى تعلم فيه مشيئة الله عز وجل بأنه أراد الطلاق على التعيين
أم لا وليس لنا طريق إلى التوصل إلى ذلك وأما التوصل إلى علم مشيئة البشر فبوجوه
منها إخباره بذلك مع قرائن توجب حصول العلم وكون غاية خبر البشر أن يفيد الظن إنما
هو عند عدم القرائن على
____________________
(1/132)
الوسيط لا يلزمه شيء عند ابن الحداد لأنه لو وقع لوقع
مشروطه وهو تقدم الثلاث ولو وقع مشروطه لمنع وقوعه لأن الثلاث تمنع ما بعدها فيؤدي
إثباته إلى نفيه فلا يقع وقال أبو زيد يقع المنجز ولا يقع المعلق لأنه علق محالا
وقيل يقع في المدخول بها الثلاث أي شيء نجزه تنجز وكمل من المعلق قال ومن صور
الدور أن يقول إن طلقتك طلقة أملك بها الرجعة فأنت طالق قبلها طلقتين وإن وطئتك
وطئا مباحا فأنت طالق قبله ثلاثا وإن أبنتك أو ظاهرت منك أو فسخت نكاحك أو راجعتك
فأنت طالق قبله ثلاثا أو يقول لأمته إن تزوجتك فأنت حرة قبله لأنه يخاف أن يعتقها
فلا يتزوج بها ولا تجبر على ذلك فتعلق الحرية على العقد مع أن العقد متوقف على
الحرية فعلى تصحيح الدور تنحسم هذه التصرفات ويمتنع وقوعها في الوجود
والمقصود من المسائل المسألة الأولى فنقول البحث فيها مبني على قواعد ثلاث القاعدة الأولى أن من شرط الشرط إمكان اجتماعه مع
المشروط لأن حكمة السبب في ذاته وحكمة الشرط في غيره فإذا لم يمكن اجتماعه معه لا
تحصل فيه حكمته
القاعدة الثانية أن اللفظ إذا دار بين المعهود في الشرع وبين غيره حمل على
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله في ذلك صحيح ظاهر والله أعلم
قال القاعدة الثالثة مشيئة الله تعالى واجبة النفوذ
إلى آخر القاعدة قلت ما قاله في هذه القاعدة من كون مشيئة الله معلومة قطعا
بمعنى أنه ما من وجود ممكن ولا
هامش إدرار الشروق
أنه يحتمل أن يقال بالاكتفاء هنا بالظن لأنه الغالب هذا هو المراد من قول مالك
وغيره ممن روي عنه أنه يلزمه الطلاق الآن في أنت طالق إن شاء الله لأنه علقه على
مشيئة من لا يعلم مشيئته فقول من قال إن القول بأن مشيئة الله تعالى لا يمكن
اطلاعنا عليها يضاهي قول القدرية بحدوث الإرادة وأن بعض الأمور على خلاف مشيئة
الله تعالى ويخالف قاعدة أهل السنة أن مشيئة الله واجبة النفوذ فكل عدم ممكن يعلم
وقوعه نعلم أن الله تعالى أراده وكل وجود ممكن يعلم وقوعه نعلم أن الله تعالى
أراده ليس بصحيح كما نقله الشيخ محمد كنون في حاشيته على حواشي عبق عن العلامة ابن
المبارك مع زيادة قلت ويظهر لنا على ذلك ثلاثة أمور الأمر الأول أنه لا يحتاج
حينئذ إلى قول العلامة الأمير في ضوء الشموع الصواب إما أن يقال إن قوله أنت طالق
إن شاء الله تعالى تعليق بمحقق إن قصد إن كان شاء الله ذلك يعني في الماضي فإن
بنطقه بالطلاق علم أنه شاء وقاعدة أن الشرط وجوابه لا يتعلقان إلا بمعدوم مستقبل
وطلاق لم يقع قبل التعليق أغلبية لا كلية وإلا يقصد ذلك بل قصد إن شاء ذلك في
المستقبل ولو قلنا إن الحكم يتعدد عند الله تعالى لأننا إنما نفتي بما غلب على
ظننا وحصول المحكوم به هنا ليس من مجرد الحكم حتى يرد أنه تعالى قد يأمر ولا يريد
فلا يلزم من الحكم حصول المحكوم به بل حصوله هنا من حيث تحقق السبب وهو نطقه
بالصيغة فتدبر
وأما أن يقال إن جعل مالك ذلك مثالا لما لا يمكن الاطلاع عليه منظورا فيه للمشيئة
في حد ذاتها فلا ينافي أنها تعلم بتحقق المشيء ا ه بحذف وزيادة وتصرف
____________________
(1/133)
المعهود في الشرع لأنه الظاهر كما لو قال إن صليت فأنت طالق
فإنا نحمله على الصلاة الشرعية دون الدعاء وكذلك نظائره
القاعدة الثالثة من القواعد أن من تصرف فيما يملك وفيما لا يملك نفذ تصرفه فيما
يملك دون ما لا يملك إذا تقررت هذه القواعد فنقول قوله إن طلقتك إما أن يحمل على
اللفظ أو على المعنى الذي هو التحريم فإن حمل على اللفظ فهو خلاف الظاهر والمعهود
في الشرع وهو مخالف للقاعدة الثانية وإن حمل على التحريم وأبقينا التعليق على
صورته تعذر اجتماع الشرط مع مشروطه فيلزم مخالفة القاعدة الأولى فيسقط من الثلاثة
المتقدمة التي هي المشروط ما به وقع التباين فإن أوقع واحدة أسقطنا واحدة لأن
اثنتين تجتمعن مع واحدة أو أوقع اثنتين أسقطنا اثنتين لأن واحدة تجتمع مع اثنتين
فإذا أسقطنا المنافي وجب أن يلزمه الباقي فتكمل الثلاث فمن قال لامرأته وامرأة
جاره أنتما طالقتان تطلق امرأته وحده أو عبده وعبد زيد حران يعتق عبده وحده فينفذ
تصرفه في جميع ما يملكه مما يتناوله لفظه كذلك ها هنا الذي ينافي به الشرط لا
يملكه شرعا للقاعدة الأولى فسقط كامرأة الغير وعبده وينفذ تصرفه فيما يملكه مما
تناوله لفظه فيلزمه جميع الباقي بعد
هامش أنوار البروق
عدمه إلا مستند إلى مشيئته فمشيئته على هذا الوجه معلومة عندنا صحيح وليس ذلك مراد
مالك وغيره ممن روي عنه إذا قال أنت طالق إن شاء الله يلزمه الطلاق لأنه علقه على
مشيئة من لا يعلم مشيئته بل مراد من قال ذلك أنه لا يعلم هل أراد الطلاق على
التعيين أم لا وليس لنا طريق إلى
هامش إدرار الشروق
الأمر الثاني أن هذا الذي نقله كنون عن ابن المبارك هو الذي يشير إليه قول ابن
الشاط مراد من قال يلزمه الطلاق الآن في أنت طالق إن شاء الله لأنه علقه على مشيئة
من لا يعلم مشيئته هو أنه لا يعلم هل أراد الطلاق على التعيين أو لا وليس لنا طريق
إلى التوصل إلى ذلك ا ه
قلت وتوضيح ذلك أن مطلق لفظ الطلاق وإن وضعه الشارع لحل العصمة إلا أن لفظه المعين
الواقع في قوله أنت طالق إن شاء الله معلق على مشيئة الله تعالى لما كان معناه إن
شاء الله جعل هذا اللفظ بخصوصه سببا في حل العصمة وجعله بخصوصه سببا في حلها أمر
اعتباري لا وجود له في الخارج حتى تعلم فيه مشيئة الله عز وجل صح جعل ذلك القول
مثالا لما لا يمكن الاطلاع عليه وليس معناه أن مطلق لفظ الطلاق الذي منه هذا اللفظ
المعين مقيد بالشرط الذي هو مشيئة الله تعالى حتى يقال إن قصد إن كان شاء الله ذلك
يعني في الماضي فهو تعليق بمحقق إذ بنطقه بالطلاق علم أنه شاء لوضعه شرعا ضمن
المطلق لحل العصمة وإن قصد إن شاءه في المستقبل فهو لاغ إلخ
الأمر الثالث وسننقله بعد عن كنون عن ابن المبارك أيضا أنه لا فرق هنا بين إن شاء
وإلا أن يشاء فكما أن معنى إن شاء الله ما ذكر كذلك إلا أن يشاء الله معناه إلا أن
يشاء الله عدم جعل هذا اللفظ بخصوصه سببا في حل العصمة وعدم الجعل المذكور أمر
اعتباري لا وجود له في الخارج حتى تعلم فيه
____________________
(1/134)
إسقاط المنافي فيلزمه الثلاث للقاعدة الثالثة وعلى رأي ابن
الحداد فتلزمه مخالفة إحدى هذه الثلاث قواعد
وهذه المسألة هي المعروفة بالسريجية ويحسبها بعضهم إجماعا فإنها قال بها ثلاثة عشر
من أصحاب الشافعي وهو ساقط لأن ثلاثة عشر غير منعقد بهم بالنسبة إلى عدد من قال
بخلافهم لأنهم مئون بل آلاف وكان الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله يقول هذه
المسألة لا يصح التقليد فيها والتقليد فيها فسوق لأن القاعدة أن قضاء القاضي ينقض
إذا خالف أحد أربعة أشياء الإجماع أو القواعد أو النصوص أو القياس الجلي وما لا
نقره شرعا إذا تأكد بقضاء القاضي أولى بأن لا نقره شرعا إذا لم يتأكد وإذا لم نقره
شرعا حرم التقليد فيه لأن التقليد في غير شرع ضلال وهذه المسألة على خلاف ما تقدم
من القواعد فلا يصح التقليد فيها وهذا بيان حسن ظاهر وبه يظهر الحكم في بقية مسائل
الدور التي هي من هذا الجنس
المسألة الرابعة قال الغزالي في الوسيط إذا قال
إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم
هامش أنوار البروق
التوصل إلى ذلك وأما التوصل إلى علم مشيئة البشر فبوجوه منها إخباره بذلك مع قرائن
توجب حصول العلم وقوله غاية خبره أن يفيد الظن إنما ذلك عند عدم القرائن مع أنه
يحتمل أن يقال بالاكتفاء هنا بالظن لأنه الغالب والله أعلم فقوله إن الأمر بعكس ما
قاله مالك وغيره ليس بصحيح وقوله فظهر بطلان ما يروى عن مالك قول باطل لا خفاء
ببطلانه ولو لم يظهر وجه بطلان قوله لكانت مخالفته لمالك كافية في سوء الظن بقوله
لتفاوت ما بينهما في العلم
هامش إدرار الشروق
مشيئة الله تعالى وكما جرى في الأول خلاف ابن القاسم وعبد الملك كذلك يجري في
الثاني فينجز عليه الطلاق عند ابن القاسم للشك ولا شيء عليه عند عبد الملك لإلغاء
الشك بدليل أن صاحب المشيئة لو كان ممن تعلم مشيئته كما في إن شاء أو إلا أن يشاء
زيد لسئل هل شاء أن يجعل هذا اللفظ بخصوصه سببا لحل العصمة فيقع الطلاق أو لا فلا
يقع فكل من إن شاء وإلا أن يشاء هنا للتقييد والاحتراز عن صورة مفهوم الصيغة لا
لكونه رافعا لحكم الصيغة كما في اليمين بالله وكما في أنت طالق إن شاء الله على
مذهب الشافعي وأبي حنيفة لقاعدتين
القاعدة الأولى كل من له عرف يحمل كلامه على
عرفه كقوله عليه الصلاة والسلام لا يقبل الله صلاة بغير طهور يحمل على الصلاة في
عرفه عليه الصلاة والسلام دون الدعاء وقوله عليه الصلاة والسلام من حلف واستثنى
عاد كمن لم يحلف يحمل على الحلف الشرعي وهو الحلف بالله تعالى لأن الحلف بالطلاق
والعتاق جعلهما عليه الصلاة والسلام من أيمان الفساق فلا يحمل الحديث المتقدم
عليهما
القاعدة الثانية كما شرع الله تعالى الأحكام شرع مبطلاتها وروافعها فشرع الإسلام
وعقد الذمة سببان لعصمة الدماء والردة والحرابة وزنى المحصن وحرابة الذمي روافع
والسبي سبب الملك والعتق رافع له ولا يلزم من شرعه رافعا لحكم سبب أن يرفع حكم
غيره فالاستثناء بالمشيئة شرعه رافعا لحكم اليمين لقوله عليه الصلاة والسلام عاد
كمن لم يحلف فلا يلزم أن يكون رافعا لحكم العتق والطلاق والتعليق كما أن التطليق
رافع لحكم النكاح ولا يرفع حكم اليمين وكذلك سائر الروافع وليس إطلاق اليمين على
البابين
____________________
(1/135)
قال إن دخلت الدار فأنت طالق طلقت في الحال لأن تعليقه على
الدخول حلف بخلاف إذا طلعت الشمس لم يكن هذا حلفا لأن الحلف ما يتصور فيه منع
واستحثاث قلت كما قال عليه الصلاة والسلام الطلاق والعتاق من أيمان الفساق ونص
العلماء على أن تعليق الطلاق منهي عنه ولم يفصلوا ومقتضى ذلك أن يحنث في الحالين
المسألة الخامسة قال الشافعي في المهذب وغيره
إذا قال إن بدأتك بالكلام فأنت طالق وقالت هي إن بدأتك بالكلام فعبدي حر فكلمها
وكلمته لم تطلق ولم يعتق العبد لأن يمينه انحلت بيمينها ويمينها انحلت بكلامه فلم
تبدأ هي ولا هو بكلام
المسألة السادسة في التهذيب لمالك رحمه الله أنت طالق إن شاء الله يلزمه الطلاق
الآن بخلاف إن شاء هذا الحجر ونحوه وسوى أبو حنيفة والشافعي في عدم اللزوم وقال
سحنون يلزمه في الحجر ونحوه لأنه يعد نادما أو هازلا وهذه المسألة مبنية على أربع
قواعد القاعدة الأولى كل من له عرف يحمل كلامه على عرفه كقوله عليه السلام لا يقبل
الله صلاة بغير طهور يحمل على الصلاة في عرفه عليه السلام دون الدعاء وكذلك قوله
هامش أنوار البروق
قال القاعدة الرابعة الشرط وجوابه لا يتعلقان إلا
بمعدوم مستقبل قلت ليس ذلك بمطرد لازم ولكنه الغالب والأكثر
قال فإذا قال إن دخلت الدار فأنت طالق يحمل على دخول مستقبل وطلاق لم يقع قبل
التعليق إجماعا
هامش إدرار الشروق
بالتواطؤ حتى يعم الحكم بل بالاشتراك والمجاز في التعليق بالطلاق وغيره والذي يسمى
يمينا حقيقة إنما هو القسم ولو أقسم بالطلاق ونحوه لم يلزمه شيء
وإذا كان البابان مختلفين فلا يعم الحكم هذا تحقق المقام وفي لزوم الطلاق منجزا في
أنت طالق إن شاء هذا الحجر ونحوه لأنه يعد نادما وهازلا إذ مشيئة الحجر أمر ممتنع
كلمس السماء فيستوي مع إن لم يكن هذا الحجر حجرا في كونه هزلا إلا لقرينة صلابة
ونحوها وعدم اللزوم نظرا لكون مشيئة الحجر وإن كانت أمرا ممتنعا أيضا إلا أنه غير
عريق في اللغو لكون امتناعه عاديا فقط بخلاف إن لم يكن هذا الحجر حجرا فإنه عريق
في اللغو لأنه قلب حقائق فهو ممتنع عقلا وعادة روايتان ذكرهما عبد الوهاب الثانية
لابن القاسم في المدونة وبها قال أبو حنيفة والشافعي والأولى لابن القاسم في
النوادر وبها قال سحنون وهي الأصح لأن المدار على تحقق اللغو كما يشهد له قولهم
بالتنجيز في لمست السماء على أن الفرق بالعراقة وعدمها كما قال الأمير مبني على ما
اشتهر عند المناطقة من تباين حقائق أنواع الجواهر وأكثر المتكلمين على تماثل
الحقيقة الجوهرية في الكل وأن الاختلاف بالعوارض كما في حواشي الكبرى ثم المستحيل
قلب الحقيقة بأن تصير حقيقة الحجر نفسها هي حقيقة الذهبية للتناقض أما إن زالت الذهبية
وخلفها الحجرية فقلب أعيان جائز نقله حجازي عنه في حاشيته على عبق انظره
المسألة السابعة اختلف إذا علق المشيئة على
معلق عليه ووجد نحو إن دخلت الدار إن شاء الله فأنت طالق أو أنت طالق إن دخلت
الدار إن شاء الله وحصل الدخول فقال مالك وابن القاسم لا ينفعه وهو المشهور وقال
عبد الملك وغير واحد ينفعه وروي أيضا عن مالك وفي اتفاق القولين في المثالين مع
دعواه في
____________________
(1/136)
عليه السلام من حلف واستثنى عاد كمن لم يحلف يحمل على الحلف
الشرعي وهو الحلف بالله تعالى لأن الحلف بالطلاق والعتاق جعلهما عليه السلام من
أيمان الفساق فلا يحمل الحديث المتقدم عليها
القاعدة الثانية كما شرع الله تعالى الأحكام
شرع مبطلاتها ودوافعها فشرع الإسلام وعقد الذمة سببين لعصمة الدماء والردة
والحرابة وزنى المحصن وحرابة الذمي روافع والسبي سبب الملك والعتق رافع له ولا
يلزم من شرعه رافع لحكم سبب أن يرفع حكم غيره فالاستثناء بالمشيئة شرعه رافعا لحكم
اليمين لقوله عليه السلام عاد كمن لم يحلف فلا يلزم أن يكون رافعا لحكم العتق
والتعليق كما أن التطليق رافع لحكم النكاح ولا يرفع حكم اليمين وكذلك سائر الروافع
وليس إطلاق لفظ اليمين على البابين بالتواطؤ حتى يعم الحكم بل بالاشتراك أو المجاز
في التعليق بالطلاق وغيره والذي يسمى يمينا حقيقة إنما هو القسم ولو أقسم بالطلاق
ونحوه لم يلزمه شيء وإذا كان البابان مختلفين لا يعم الحكم
هامش أنوار البروق
قلت ذلك هو الغالب قال والمشيئة قد جعلت شرطا ولا بد لها من مفعول والتقدير إن شاء
الله طلاقك فأنت طالق فمفعولها إما أن يكون الطلاق الذي صدر منه في الحال أو طلاقا
في المستقبل فإن كان الأول فنحن نقطع أن الله تعالى أراده في الأزل فقد تحقق الشرط
في الأزل وهذه الشروط أسباب يلزم من وجودها
هامش إدرار الشروق
الثاني رد الاستثناء للفعل لا الطلاق بأن يوفق بينهما بما حاصله أنه لو جزم بجعل
الفعل المعلق عليه سببا للطلاق لم ينفعه الاستثناء كما قال ابن القاسم ولو لم يجزم
بجعله سببا نفعه كما قال غيره إذ الفعل من أسباب الأحكام التي لم يكلها لخيرتهم
كالزوال ورؤية الهلال والطلاق أو اختلافهما في المثالين أو اختلافهما إن احتمل
كالمثال الثاني وقامت عليه بنية أقوال الأول للقرافي وتبعه المقري في قواعده قائلا
وهو تفسير عند المحققين وحكاه ابن عبد السلام عن بعض شيوخ المشارقة وقال لا يلتفت
إليه ا ه
وقال ابن عرفة إنه ساقط لمخالفته فهم الأشياخ في حملهم المشيئة على الخلاف والثاني
للأكثر مع المقدمات لابن رشد والثالث للبيان لابن رشد وعلى الثاني ففي كون المراد
رجوعها للمعلق عليه من حيث ذاته أو من حيث التعليق والربط طريقتان الطريقة الأولى
لابن رشد في المقدمات والناصر وابن الشاط وعليها ففي كون إن شاء الله شرطا على
بابه لتقييد المعلق عليه نفسه أو بمعنى الاستثناء رافع للمعلق عليه نفسه كما في
اليمين بالله قولان الثاني لابن رشد في المقدمات فقد قال فيها الحق عدم اللزوم
قياسا على اليمين بالله تعالى إذا أعاد الاستثناء على الفعل فيكون قول ابن القاسم
مبنيا على مذهب القدرية والمقابل مبنيا على مذهب أهل السنة لأن قول القائل أنت
طالق إن لم أدخل الدار إن شاء الله إذا صرف المشيئة إلى المعلق عليه هو إن امتنعت
من الدخول بمشيئة الله تعالى فلا شيء علي وكذلك قوله أنت طالق إن دخلت الدار إن
شاء الله هو إن شاء الله دخولي فلا شيء علي وقد علم في السنة أن كل واقع في الوجود
بمشيئة الله تعالى
____________________
(1/137)
القاعدة الثالثة مشيئة الله تعالى واجبة النفوذ فلذلك كل عدم ممكن يعلم
وقوعه نعلم أن الله تعالى أراده وكل وجود ممكن يعلم وقوعه نعلم أن الله تعالى
أراده فتكون مشيئة الله تعالى معلومة قطعا وأما مشيئة غيره فلا تعلم غايته أن
يخبرنا وخبره إنما يفيد الظن فظهر بطلان ما يروى عن مالك وجماعة من العلماء من أنه
علق الطلاق على مشيئة من لم تعلم مشيئته بخلاف التعليق على مشيئة البشر ويجعل ذلك
سبب عدم لزوم الطلاق والأمر بالعكس
القاعدة الرابعة الشرط وجوابه لا يتعلقان إلا بمعدوم مستقبل فإذا قال إن دخلت
الدار فأنت طالق يحمل على دخول مستقبل وطلاق لم يقع قبل التعليق إجماعا والمشيئة
قد جعلت شرطا ولا بد لها من مفعول والتقدير إن شاء الله طلاقك فأنت طالق فمفعولها
إما أن يكون الطلاق الذي صدر منه في الحال أو طلاقا في المستقبل فإن كان الأول
فنحن نقطع أن الله تعالى أراده في الأزل فقد تحقق الشرط في الأزل وهذه الشروط
أسباب يلزم من وجودها الوجود فيلزم أن تطلق في أول أزمنة الإمكان وقبول المحل عند
أول النكاح ولم يقل به أحد
هامش أنوار البروق
الوجود فيلزم أن تطلق في أول أزمنة الإمكان وقبول المحل عند أول النكاح ولم يقل به
أحد قلت تجويزه احتمال أن يكون الطلاق الذي يكون مفعول المشيئة هو الذي صدر منه
مناقض لما
هامش إدرار الشروق
فامتناعه إذا من الدخول في الوجه الأول ودخوله في الثاني بمشيئة الله تعالى فلا
يلزمه طلاق لأن ذلك هو الذي التزمه وأما القول بلزوم الطلاق فمقتضاه أن الدخول
وعدمه وقع
على خلاف المشيئة وهو محال عند أهل السنة ا ه واختار هذا القول الرهوني كما ستقف
على كلامه والقول الأول أعني كون إن شاء الله شرطا على بابه لتقييد المعلق عليه
نفسه للناصر وابن الشاط قال الناصر إنما يتضح اعتراض ابن رشد على ابن القاسم في
إلا أن يشاء الله إذ معناه أنت طالق إن دخلت الدار إلا أن يشاء الله أن أدخلها فلا
طلاق فإذا طلق عليه بالدخول كان مقتضيا لوقوعه بدون المشيئة وكذا أنت طالق لأدخلن
الدار إلا أن يشاء الله معناه إلا أن يشاء الله عدم الدخول فإذا طلق عليه بعدم
الدخول كان مقتضيا أنه بدون المشيئة وأما في إن فالظاهر قول ابن القاسم لأن أنت
طالق إن دخلت الدار إن شاء الله تعالى معناه إن دخلت الدار دخولا مقرونا بالمشيئة
فإذا طلقت عليه بالدخول كان ذلك لأن الدخول المقرون بالمشيئة قد وقع وإن لم تطلق
كان لانتفاء ذلك ومعلوم أن الدخول وقع فالمنفي إنما هو المشيئة وهذا بعينه مذهب
القدرية أي القائلين بأن العبد خالق لأفعاله ا ه
وقال ابن الشاط الحق اللزوم في قوله إن فعلت كذا فعلي الطلاق إن شاء الله لأنه إن
عاد الاستثناء إلى الطلاق المعلق على ذلك فقد سبق في مسألة أنت طالق إن شاء الله
أن الصحيح لزوم الطلاق وأن الاستثناء لا ينفعه وهذا المعلق كذلك
وإن أعاده إلى الفعل المعلق عليه الطلاق فمعناه الظاهر إن شاء الله تعالى أن أفعل
ذلك الفعل فإذا فعله فقد شاء الله تعالى فعليه فيلزم الطلاق كما قال مالك ومن
وافقه والقياس الذي ذكره ابن رشد ليس بصحيح للفرق بينهما وهو أن القائل إذا قال
والله لأفعلن إن شاء الله
____________________
(1/138)
وإن كان المفعول طلاقا مستقبلا فيكون التقدير إن شاء الله
طلاقك في المستقبل فأنت طالق فالمشروط لهذا الشرط يلزم أن يكون مستقبلا لأن المرتب
على المستقبل مستقبل فلا تطلق في الحال وإن كان المعنى إن شاء الله طلاقك في
المستقبل بعد هذا الطلاق الملفوظ به الآن فلا ينفذ طلاق حتى يلفظ بالطلاق مرة أخرى
فينفذ هذا وعلى التقديرين لا تطلق الآن فإن قلت هذا لازم في مشيئة زيد إذا لم يحصل
بلفظ في المستقبل لا ينفذ هذا قلت الفرق أن مشيئة الله تعالى مؤثرة في حدوث
مفعولها فإذا لم يحدث لفظ الطلاق انقطع بعدم مشيئة الله تعالى ومشيئة زيد غير
مؤثرة بل هي كدخول الدار فكما إذا تجدد دخول الدار نفذ الطلاق كذلك إذا تجددت
مشيئة زيد فإن قلت لم لا يجوز أن يكون مفعول المشيئة نفوذ هذا الطلاق لا لفظا آخر
يحدث في المستقبل قلت يجوز ذلك من حيث اللغة وهو مفعول صحيح غير أنه يلزم من ذلك
لزوم الطلاق ونفوذه أول أزمنة الإمكان من أول النكاح ولم يقله أحد فإن الله تعالى
شرع
هامش أنوار البروق
قال قبل من أن الشرط وجوابه لا يتعلقان إلا بمستقبل مع أن هذا الاحتمال بعيد لا
يكاد يخطر ببال ولو قصده بمعنى أنه إن شاء الله أن أتكلم بهذا الكلام المتضمن
تعليق الطلاق على مشيئة الله هذا الكلام للزمه الطلاق عند قوله ذلك الكلام لا في
أول زمن النكاح كما قاله لأن لزوم الطلاق عند أول أزمنة
هامش إدرار الشروق
ورد الاستثناء إلى الفعل فإذا فعل ذلك الفعل فقد شاء الله تعالى وبر في يمينه وإن
لم يفعله فهو بار أيضا لأنه علق المحلوف عليه على المشيئة للفعل ولم يقع الفعل فلن
تتعلق به المشيئة والقائل إذا قال إن فعلت كذا فعلي الطلاق وإن شاء الله تعالى ورد
الاستثناء إلى الفعل فإذا فعل ذلك الفعل فقد شاء الله فإنه لا يقع شيء إلا بمشيئته
ويلزم مقتضى التعليق لوقوع المعلق عليه ا ه
وخلاصة الفرق أن إن شاء الله في اليمين استثناء رافع له وقع المحلوف عليه أم لا
وفي الطلاق شرط مقيد للمحلوف عليه فإذا وقع المحلوف عليه فقد شاء الله وبوقوعه لزم
الطلاق المعلق الطريقة الثانية أعني رجوع المشيئة للمعلق عليه من حيث الربط
والتعليق لا من حيث ذاته لخاتمة المحققين العلامة ابن المبارك رحمه الله تعالى فقد
قال ما توضيحه أنه قد علم في علم الميزان أن الإيجاب والسلب والصدق والكذب
والتقييد والإطلاق إذا وقعت في القضية الشرطية انصرفت إلى الربط واللزوم الذي فيها
ولا تنصرف إلى أطرافها وقولنا أنت طالق إن دخلت الدار إن شاء الله قضية شرطية
وقولنا في تلك القضية إن شاء الله قيد من القيود التي يجب ردها إلى الربط ولا يصح
رده إلى الدخول المعلق عليه لأنه طرف قضية شرطية والطرف لا يرجع إليه تقييد ولا
غيره من الأمور السابقة فقولهم أنه راجع إلى المعلق عليه أي من حيث التعليق فهو
راجع إلى التعليق في الحقيقة والتعليق الذي بين الشرط والجزاء أمر اعتباري لا يقبل
الوجود في الخارج ولا العدم فيه وما لا يقبلهما كالنسب والاعتبارات ومن الربط الذي
بين الشرط والجواب فمشيئة الله تعالى فيه لا تعلم ولا يمكن اطلاعنا عليها إذ
الاطلاع عليها إنما هو
____________________
(1/139)
الأسباب ليرتب عليها مسبباتها فمن باع وقال إن شاء الله
نفوذ هذا البيع نفذ قلنا له قد شاء الله ذلك في الأزل وينفذ البيع إجماعا فكذلك ها
هنا وقال القاضي عبد الوهاب هذه المسألة مخرجة على استثناء الكل من الكل بجامع أنه
مبطل على رأي الشافعي فيلغو الجميع والفرق أن الشرط لم يتعين العبث فيه واللغو لأن
التعليق على الممتنع من غرض العقلاء وإن بطلت جملة المشروط قال الله تعالى لا
يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط قلت أما استثناء الكل من الكل فعبث فظهر
بهذه القواعد وبهذا التقدير أن الحق في هذه المسألة عدم لزوم الطلاق في الحال لا
بسبب ما قاله الشافعي أن الاستثناء رافع لليمين بل لما ذكرناه من مقتضى هذا التعليق
وتفاصيله
المسألة السابعة قال مالك في التهذيب إذا قال
إن فعلت كذا فعلي الطلاق إن شاء الله لا ينفعه الاستثناء قال ابن يونس قال عبد
الملك إن أعاده على الفعل دون الطلاق نفعه وأنت طالق إلا أن يبدو لي لا ينفعه
الاستثناء وأنت طالق إن فعلت كذا إلا أن يبدو لي
هامش أنوار البروق
الإمكان لا موجب له فإن مراده بالمشيئة إنما هو وقوع المراد بالمشيئة لا تحقق
المشيئة في الأزل لأن مشيئة وجود هذا الكلام من قائله معلومة متحققة الوقوع ولا
أرى أن يخالف في ذلك مخالف وأما كونه لم يقل به أحد فلما تقرر من أن المراد بقوله
إن شاء الله أي إن وقع مفعول المشيئة وهو قوله ذلك الكلام والله أعلم
قال وإن كان المفعول طلاقا مستقبلا فيكون التقدير إن شاء الله طلاقك في المستقبل
فأنت طالق
هامش إدرار الشروق
بوجود متعلقها في الخارج ومتعلقها هنا لا يقبل الوجود في الخارج ولا العدم فيه
أصلا فبعدم قبوله للوجود لم يعلم أنه تعالى أراد وجوده وبعدم قبوله للعدم لم يعلم
أنه تعالى أراد عدمه وإذا وقع الفعل المعلق عليه كالدخول وقد قيد جعله سببا في
الطلاق بمشيئة من لا تعلم مشيئته وهو الله تعالى كما إذا قيد ذلك بمشيئة الجن أو
الملك لا فرق بين كون المشيئة بلفظ إن شاء الله أو إلا أن يشاء وقع الخلل في
العصمة بحصول الشك فيها وأصل ابن القاسم أنه إذا وقع الشك في العصمة اعتبر ووقع
الطلاق له وأصل عبد الملك أن الشك المذكور يلغى وتستصحب العصمة فابن القاسم يلزم
الطلاق إذا وقع الدخول وعبد الملك لا يلزمه بناء من كل واحد على أصله فهذا توجيه
المذهبين في مشيئة الله تعالى وفي مشيئة الجن والملك وأما إذا وقع الفعل المعلق
عليه كالدخول وقد قيد بمشيئة من تعلم مشيئته كزيد فإنه يسأل صاحب المشيئة هل شاء
أن يجعله سببا في الطلاق فيقع أم لا فلا يقع قال الأمير ولا شيء إن لم يعلم
ومنه الميت ا ه قال حجازي كان بعد اليمين أو قبله ولو عالما بموته على أقوى
القولين لأن شأنه الاطلاع عليه بخلاف مشيئة الله والملائكة ا ه
هذا هو الحق الذي لا شك فيه فظهر أن على ابن رشد في كلامه السابق دركا من وجهين
أحدهما ظنه أن الشرط راجع للدخول وليس كذلك بل هو راجع للربط الثاني ظنه أن إن شاء
ليس شرطا على بابه بل بمعنى الاستثناء أعني إلا أن يشاء الله في الرفع لحكم
التعليق كرفعه لحكم اليمين
____________________
(1/140)
فذلك له إن أراد الفعل خاصة وفي الجلاب إن كلمت زيدا فعلي
المشي إلى بيت الله إن شاء الله لا ينفعه الاستثناء إن أعاده على الحج وإن أعاده
على كلام زيد نفعه قلت اعلم أن هذه المواضع لا يدرك حقيقتها إلا الفحول من العلماء
أو من يفتح الله عليه من نفس فضله وسعة رحمته ما شاء وما الفرق بين إعادة الإرادة
القديمة والحادثة على الفعل أو غيره وها أنا أكشف لك عن السر في هذه المسائل ببيان
قاعدة وهي أن الله تعالى شرع بعض أسباب الأحكام في أصل الشريعة ولم يكله إلى مكلف
كالزوال ورؤية الهلال والإتلاف للضمان ومنها ما وكله لخيرة خلقه فإن شاءوا جعلوه
سببا وإلا فلا يكون سببا وهي التعليقات كلها فدخول الدار ليس سببا لطلاق امرأة أحد
ولا لعتق عبده في أصل الشرع إلا أن يريد المكلف ذلك فيجعله سببا بالتعليق عليه وكل
ما وكل للمكلف سببيته لا يكون سببا إلا بجعله وجزمه بذلك الجعل
إذا تقررت هذه القاعدة فنقول قول عبد الملك إن أعاده على الفعل نفعه معناه إن أراد
أن ذلك الفعل المعلق عليه لم أجزم بجعله سببا للطلاق بل فوضت وجعلت سببيته إلى
مشيئة الله تعالى إن شاء جعله سببا وإلا فلا وعلى هذا التقدير لا يكون الفعل سببا
فلا يلزم به شيء إجماعا ولا يكون هذا خلافا
هامش أنوار البروق
فالمشروط لهذا الشرط يلزم أن يكون مستقبلا لأن المرتب على المستقبل مستقبل فلا
تطلق في الحال وإن كان المعنى إن شاء الله طلاقك في المستقبل بعد هذا الطلاق
الملفوظ به الآن فلا ينفذ طلاق حتى يتلفظ بالطلاق مرة أخرى فينفذها وعلى التقديرين
لا تطلق الآن
هامش إدرار الشروق
وليس كذلك لأنه مع ما فيه من تكلف إخراج إن عن بابه بلا داع هو مخالف للقاعدتين
السابقتين في المسألة السادسة فقول الرهوني والحق ما قاله ابن رشد وما ردوا به
عليه من الأمثلة كله ساقط إذ الشرط فيها كلها على بابه قطعا أي جيء به التقييد
والاحتراز عن صورة المفهوم وأما الشرط في مسألتنا فلا يمكن أن يكون على بابه على
مذهب أهل السنة وإنما هو في المعنى كالاستثناء كما في اليمين بالله الذي هو الأصل
وقد قال اللخمي عن ابن المواز الاستثناء كل ما كان فيه إن مثل إن شاء الله وكل ما
كان فيه إلا ا ه
وهو نص في أن إن شاء الله كالاستثناء الحقيقي ا ه هو غير صحيح إذ كيف يكون هو الحق
مع خروج اللفظ عليه عن مدلوله ومع ما يلزم عليه من جري ابن القاسم على خلاف مذهب
أهل السنة وحاش من هو أدنى منه بمراتب من ذلك وفي قوله وما ردوا به عليه إلخ نظر
من وجهين الأول أن كونه على بابه ممكن على مذهب أهل السنة فأنه جيء به للتقييد
والاحتراز عن صورة المفهوم بدليل أن صاحب المشيئة لو كان ممن تعلم مشيئته لسئل هل
شاء أن يجعل الدخول مثلا سببا للطلاق فيقع أم لا فلا يقع كما مر
الثاني إن جعل إن شاء في اليمين بالله بمعنى الاستثناء حمل له على غير مدلوله
لعارض شرعي فلا يقاس عليه غيره كما أشار له غ في تكميله في رده اعتراض ابن رشد المذكور
وكلام ابن المواز يحتمل تخصيصه باليمين بالله بل هو الظاهر للقاعدتين السابقتين
فلا دليل فيه وعلى الناصر في كلامه السابق دركا من وجهين أيضا وكذا ابن الشاط
الأول ظنه أن الشرط على بابه راجع للدخول للربط
____________________
(1/141)
لمالك وابن القاسم مع أن صاحب المقدمات أبا الوليد بن رشد
حكاه خلافا وقال الحق عدم اللزوم قياسا على اليمين بالله تعالى إذا أعاد الاستثناء
على الفعل وهذا يشعر بأن ابن القاسم يوافق في اليمين بالله تعالى ويخالف في الطلاق
فيكون هذا إشكالا آخر أما إذا حمل قول عبد الملك على ما ذكرته فلا إشكال ويصير
المدرك مجمعا عليه وإلا فلا تعقل المسألة ألبتة ولا يصير لها حقيقة
وقوله أنت طالق إلا أن يبدو لي لا ينفعه لأن الطلاق جعله الله تعالى سببا لقطع
العصمة في أصل الشرع فقد زالت العصمة بتحققه كره المكلف أو أحب فمشيئته لغو وإذا
علق الطلاق على فعل وأعاد قوله إلا أن يبدو لي عليه خاصة ومعناه أني لم أصمم على
جعل الفعل سببا بل الأمر موقوف على إرادة تحدث في المستقبل فذلك ينفعه لما تقدم أن
كل سبب موكول إلى إرادته لا يكون إلا بتصميمه على مشيئته وإرادته لذلك وكذلك قول
صاحب الجلاب إن أعاد الاستثناء على كلام زيد نفعه وعلى الحج لم ينفعه معناه أني لم
أجزم بجعل كلام زيد سببا للزوم الحج بل ذلك موكول لمشيئة الله تعالى فلا يكون سببا
فلا يلزم الحج بكلامه فإذا أعاده على
هامش أنوار البروق
قلت قد سبق أنها تطلق الآن على التقدير الأول
قال فإن قلت هذا لازم في مشيئة زيد إذا لم تحصل بلفظ في المستقبل لا ينفذ هذا قال
قلت الفرق أن مشيئة الله تعالى مؤثرة في حدوث مفعولها إلى آخر قوله بخلاف مشيئة
زيد قلت قوله فإذا لم يحدث لفظ الطلاق انقطع بعدم مشيئة الله تعالى غلط في اللفظ
فإن مشيئة الله
هامش إدرار الشروق
والأمر بالعكس الثاني ظنه أن إلا أن يشاء الله في مسألتنا ليس للتقييد والاحتراز
عن صورة المفهوم بل لرفع الحكم بالتعليق كما في اليمين وليس كذلك للقاعدتين
السابقتين وبالجملة فمذهبا ابن قاسم وعبد الملك في كون إن شاء الله في المثالين
المارين لا تنفعه أو تنفعه إما أن يحملا على الوفاق مطلقا ولو احتمل المثال رجوعه
للمعلق عليه وادعاه مع البنية وهو ما للقرافي ومن تبعه أو على الاختلاف فيما احتمل
ذلك وادعاه وقامت عليه بينته وهو ما في البيان لابن رشد أو على الاختلاف مطلقا وهو
قول الأكثر مع المقدمات لابن رشد وهو المعتبر وعليه فهل إن شاء الله بمعنى
الاستثناء راجع للمعلق عليه نفسه وهو ما لابن رشد واختاره الرهوني أو هو شرط على
بابه راجع للمعلق عليه أيضا وهو ما للناصر وابن الشاط ولا خلاف في كون إلا أن يشاء
الله استثناء رافعا لحكم التعليق كما في اليمين أو هو شرط على بابه قيد للتعليق
كإلا أن يشاء الله وهو ما لابن المبارك وهو الحق هذا خلاصة ما في حاشية كنون على
حواشي عبق بتوضيح وزيادة وهو غاية تحقيق المقام فاحفظه قلت ولا فرق على قول ابن
المبارك بين صرف المشيئة بإن شاء الله أو إلا أن يشاء الله للدخول أو للطلاق أو لم
تكن له نية بصرفها بشيء ووجه الدخول في كل ضرورة أنها قيد يجب رده للربط لا إلى
طرف من طرفي القضية الشرطية فينجز عليه عند ابن القاسم للشك ولا شيء عليه عند عبد
الملك لإلغاء الشك
وإذا قال أنت طالق إلا أن يبدو لي أو إلا أن أشاء أو إلا أن أرى خيرا منه أو إلا
أن يغير الله ما في خاطري ونحو ذلك لا ينفعه وإذا قال أنت طالق إن دخلت الدار إلا
أن يبدو لي ونحوه أو إن دخلت الدار إلا أن يبدو لي فأنت طالق نفعه لأن معناه أني
لم أصمم على جعل دخول الدار سببا
____________________
(1/142)
الحج فقد جزم بسببية كلام زيد فترتب عليه مسببه والاستثناء
لا يكون رافعا كما تقدم فهذا سر هذه المسائل وهو من نفائس العلم فافهمه
المسألة الثامنة في الجواهر أنت طالق إن كلمت
زيدا إن دخلت الدار وهو تعليق التعليق فإن كلمت زيدا أولا تعلق طلاقها بالدخول
لأنه شرط في اعتبار الشرط الأول قال الشيخ أبو إسحاق في المهذب هذا يسميه أهل
النحو اعتراض الشرط على الشرط فإن دخلت الدار ثم كلمت زيدا طلقت وإن كلمت زيدا
أولا ثم دخلت الدار لم تطلق لأنه جعل دخول الدار شرطا في كلام زيد فوجب تقديمه
عليه وإن قال إن أعطيتك إن وعدتك إن سألتني فأنت طالق لم تطلق حتى يوجد السؤال ثم
الوعد ثم العطاء لأنه شرط في الوعد بالعطية وشرط في العطية السؤال وكان معناه إن
سألتني فوعدتك فأعطيتك فأنت طالق ووافقه الغزالي على ذلك في الوسيط ولم يحكيا
خلافا وذكر إمام الحرمين المسألة في النهاية واختار مذهبنا وأن التعليق مع عدم
الواو يكون كالعطف بالواو وضابط مذهب الشافعي أن الشروط إن وقعت كما نطق بها لم
تطلق وإن عكسها المتقدم متأخر والمتأخر متقدم طلقت ولم أر هذا لأصحابنا بل ما تقدم
وفي المسألة غور بعيد
هامش أنوار البروق
تعالى لا تعدم وصواب الكلام أن يقال بمشيئة الله تعالى عدم ذلك اللفظ وقوله فكما
إذا تجدد دخول الدار نفذ الطلاق كذلك إذا تجددت مشيئة زيد مناقض لما قاله قبل من
أن الأمر بعكس ما قاله مالك من لزوم الطلاق في مشيئة الله تعالى لا في مشيئة زيد
هامش إدرار الشروق
لطلاقك بل الأمر موقوف على إرادتي في المستقبل فإن شئت جعلت دخول الدار سببا
لوقوعه وإن شئت لم أجعله سببا فلذا نفعه في الدخول دون الطلاق لما مر في قاعدة
الشرط اللغوي أنه سبب وكل إلى إرادته وكل سبب كذلك لا يكون سببا إلا بتصميمه على
جعله سببا بخلاف السبب الشرعي الذي لا اختيار له فيه كالطلاق فافهم وقد شبه
العلامة الأمير في مجموعه العتق والنذر بالطلاق في جميع ما يتعلق به فقال ونجز أي الطلاق
إن أتى بمشيئة الله ولو لمعلق عليه كمشيئته إلا أن يعلق عليها أو يستثني بها من
المعلق عليه فقط كإلا أن يبدو لي ومشيئة الغير مطلقا أي علق عليها واستثنى بها أو
رجعها للمعلق أو المعلق عليه كالعتق والنذر ا ه قال حجازي أي ينجز إن أتى بمشيئة
الله ولو لمعلق عليه كمشيئته إلخ فهو تشبيه في جميع ما مر ا ه
وقول صاحب الجلاب في قوله إن كلمت زيدا فعلى المشي إلى بيت الله إن شاء الله إن
أعاد الاستثناء على كلام زيد نفعه وعلى الحج لم ينفعه ا ه
وإن قال القرافي معناه أني لم أجزم بجعل كلام زيد سببا للزوم الحج بل ذلك موكول
لمشيئة الله تعالى فلا يكون سببا فلا يلزم الحج بكلامه فإذا أعاده على الحج فقد
جزم بسببية كلام زيد فترتب عليه مسببه والاستثناء لا يكون رافعا كما تقدم ا ه إلا
أن ابن الشاط قال إن قوله بل ذلك موكول لمشيئة الله تعالى فلا يكون سببا فلا يلزم
الحج بكلامه غير صحيح بل الصحيح أن قوله إن كنت كلمت زيدا فعلي المشي إلى الحج إن
قال عقبه إن شاء الله فإنه يلزمه كما سبق وإن قال عقبه إلا أن يبدو لي فإنه لا
يلزمه لأنه يتعين هنا حمل كلامه على رد الاستثناء إلى جعل ذلك الفعل سببا ا ه
يعني أن
____________________
(1/143)
مبني على قاعدتين يظهر منهما مذهب الشافعي فنذكرهما ونذكر
ما وقع في القرآن الكريم من ذلك وفي كلام العرب ليتضح الحق في هذه المسألة فهي من
أطاريف المسائل القاعدة الأولى من الشروط اللغوية أسباب يلزم من وجودها الوجود ومن
عدمها العدم فإن قوله إن دخلت الدار فأنت طالق يلزم من دخولها الدار الطلاق ومن
عدم دخولها عدم الطلاق وهذا هو حقيقة السبب كما تقدم بيانه بخلاف الشروط العقلية
كالحياة مع العلم
والشرعية كالطهارة مع الصلاة والعادية كنصب السلم مع صعود السطح لا يلزم من وجودها
شيء ويلزم من عدمها العدم فالحي قد يعلم وقد لا يعلم والمتطهر قد تصح صلاته وقد لا
تصح وإذا نصب السلم فقد يصعد للسطح وقد لا يصعد نعم يلزم من عدم هذه الشروط عدم
هذه المشروطات
وإذا تقرر أن الشروط اللغوية أسباب فنقول القاعدة الثانية أن تقدم المسبب على سببه
لا يعتبر كالصلاة قبل الزوال وإذا تقررت القاعدتان فنقول إذا قال إن كلمت زيدا إن
دخلت الدار معناه عند الشافعية أني جعلت كلام زيد سبب طلاقك وشرطه اللغوي غير أني
قد جعلت سبب اعتباره والشرط فيه
هامش أنوار البروق
قال فإن قلت لم لا يجوز أن يكون مفعول المشيئة نفوذ الطلاق لا لفظا آخر يحدث في
المستقبل قال قلت يجوز ذلك من حيث اللغة وهو مفعول صحيح غير أنه يلزم من ذلك لزوم
الطلاق ونفوذه أول أزمنة الإمكان في أول النكاح ولم يقله أحد فإن الله تعالى شرع
الأسباب لتترتب عليها مسبباتها فمن باع وقال إن شاء الله نفوذ هذا البيع نفذ قلنا
له قد شاء الله ذلك في الأزل وينفذ البيع إجماعا فكذلك ها هنا قلت قوله أنه يلزم
من ذلك لزوم الطلاق من أول أزمنة الإمكان بناء منه ذلك على تعلق المشيئة
هامش إدرار الشروق
كلام صاحب الجلاب الذي وجهه القرافي بما ذكر كما هو مذهب عبد الملك خلاف الصحيح
لأن مقتضى عدم لزوم الحج عند عود المشيئة لكلام زيد وقد وقع أن وقوعه على خلاف
المشيئة وهو بعينه مذهب القدرية والصحيح اللزوم مطلقا ولو عادت المشيئة لكلام زيد
كما هو مذهب ابن القاسم إذ بوقوع كلام زيد صار مقرونا بالمشيئة إذ قد علم في السنة
أن كل واقع في الوجود بمشيئة الله تعالى وبتحقق وقوع الكلام المقرون بالمشيئة تحقق
وقوع المعلق عليه لزوم الحج فيلزم فكلام ابن الشاط هذا وكذا كلام الأمير مبني على
أن إن شاء الله شرط على بابه لتقييد المعلق عليه نفسه كما هو مذهبه ومذهب الناصر
قلت والظاهر أن مذهب ابن المبارك كما في الطلاق كذلك يأتي في النذر والعتق لأن جعل
إن شاء الله شرطا على بابه لتقييد التعليق يقتضي وقوع الشك في العتق والنذر كما
علمت وفي اعتبار الشك فيهما كالطلاق عن ابن القاسم وهو الصحيح فلا يلغى بل يقتضى
لزومهما أما العتق فلتشوف الشارع للحرية ولم ينظر والاحتياط في الفروج كما في شرح
الأمير على مجموعه وعتق وأما النذر فكذلك على الظاهر لكونه قربة
____________________
(1/144)
دخول الدار فإن وقع الكلام أولا فلا تطلق به لأنه وقع قبل
سبب اعتباره فيلغى كالصلاة قبل الزوال فلا بد من إيقاعه بعد دخول الدار حتى يقع
بعد سببه فيعتبر كالصلاة بعد الزوال هذا مدركهم وهو مدرك حسن وأصحابنا وإمام
الحرمين يلاحظ أنا أجمعنا على أن المعطوف بالواو يستوي الحال فيه تقدم أو تأخر
وكذلك عند عدمه لأن الإنسان قد يعطف الكلام بعضه على بعض من غير حرف عطف ويكون في
معنى حرف العطف كقولنا جاء زيد جاء عمرو وسيأتي في الاستشهاد ما يعضد ذلك
فهذا سر فقه الفريقين وأما ما يشهد لهم من القرآن الكريم فقوله تعالى في سورة هود
ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه
ترجعون فإرادة الله تعالى متقدمة على إرادة البشر من الأنبياء وغيرهم فالمتقدم
لفظا متأخر وقوعا ولا يمكن خلاف ذلك فهذه الآية تشهد لمذهب الشافعي رضي الله عنه
وقوله تعالى وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها فالظاهر
أن إرادة رسول الله صلى الله عليه وسلم متأخرة عن هبتها فإنها تجري مجرى القبول في
العقود وهبتها لنفسها إيجاب كما تقول من وهبك شيئا للمكافأة لزمك أن تكافئه عليه
إن أردت قبول
هامش أنوار البروق
في الأزل ليس بلازم ونحن نقول إنه لم يقل به أحد كما قال وإنما اللازم لزوم الطلاق
الآن عند هذا الكلام وذلك هو مراد مالك ومن وافقه والله أعلم
قال قال القاضي عبد الوهاب إلى آخر كلامه في المسألة قلت ما قاله في هذه المسألة
من أن الحق فيها عدم لزوم الطلاق في الحال ليس بصحيح بل الصحيح لزومه في الحال كما
سبق والله أعلم
هامش إدرار الشروق
أوجبها على نفسه أو إلغائه فيها كالطلاق فلا يحكم بواحد فيها لمجرد احتمال خلاف
نعم جريان قول عبد الملك بإلغاء الشك وإن ظهر في غير الطلاق لا يظهر في الطلاق لأن
الشك فيه على خمسة أوجه كما في البيان لابن رشد نظمها بعضهم بقوله ذو الشك في
الحنث بلا مستند لا أمر لا جبر اتفاقا قيد لا جبر بل يؤمر من سيستند بالاتفاق قال
من يعتمد من شك في الحنث وفي أن حلفا لا جبر بل في أمر هذا اختلفا ثم الذي في جبره
يختلف ذو المشي والعدد والحيض اعرفوا ذو الشك في الزوجة فعل أمس بالاتفاق أجبره
دون لبس وصورة الوجه الأول أن يحلف الرجل على الرجل أن لا يفعل فعلا ثم يقول لعله
قد فعله من غير سبب يوجب عليه الشك في ذلك وصورة الوجه الثاني أن يحلف أن لا يفعل
ثم يشك هل حنث أم لا
____________________
(1/145)
تلك الهبة ويحتمل أن تكون إرادة رسول الله صلى الله عليه
وسلم متقدمة وإذا فهمت المرأة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصد ذلك منها وهبت
نفسها له فهذه الآية محتملة للمذهبين وهي ظاهرة في مذهب مالك وإمام الحرمين وأما
الشعر فقول ابن دريد فإن عثرت بعدها إن والت نفسي من هاتا فقولا لا لعا
ومعلوم أن العثور مرة ثانية إنما يكون بعد الخلوص من الأولى فالمتقدم لفظا متأخر
وقوعا كما قاله الشافعية وكذلك أنشد ابن مالك النحوي في هذا الباب إن تستغيثوا بنا
إن تذعروا تجدوا منا معاقل عز زانها كرم والاستغاثة إنما تكون بعد الذعر فالمتقدم
لفظا متأخر معنى فالبيتان يشهدان للشافعية
ولو قال القائل إن تتجر إن تربح في تجارتك فتصدق بدينار لكان كلاما عربيا مع أن
المتقدم في اللفظ متقدم في الوقوع وكذلك إن طلقت المرأة إن انقضت عدتها حل لها
الزواج فالمتقدم لفظا متقدم في الوقوع ولما كانت المواد تختلف في ذلك والجميع كلام
عربي جعله مالك سواء لأن الأصل عدم سببية الثاني في الأول بل الثاني لا بد منه في
وقوع ذلك المشروط تقدم أو تأخر
هامش أنوار البروق
قال المسألة السابعة قال مالك في التهذيب إن فعلت كذا فعلي الطلاق إن شاء الله لا
ينفعه الاستثناء قال ابن يونس قال عبد الملك إن أعاده على الفعل دون الطلاق نفعه
إلى آخر نقل الأقوال قلت ذلك نقل لا كلام فيه
هامش إدرار الشروق
لسبب أدخل عليه الشك وصورة الوجه الثالث أن يشك هل طلق أم لا وهل حلف وحنث أو لم
يحلف لسبب أدخل عليه الشك فقال ابن القاسم يؤمر بالطلاق
وقال أصبغ لا يؤمر به وصورة الوجه الرابع أن يطلق فلا يدري إن كان طلق واحدة أو
اثنتين أو ثلاثا أو يحلف ويحنث ولا يدري إن كان حلف بطلاق أو بمشي أو يقول امرأتي
طالق إن كانت فلانة حائضا فتقول لست بحائض أو إن كان فلان يبغضني فيقول أنا أحبك
ويزعم أنه قد صدقه ولا يدري حقيقة ذلك والخلاف في المسألة الأولى من قول ابن
القاسم ومن قول ابن الماجشون وفي الثانية بين ابن القاسم وأصبغ وصورة الوجه الخامس
أن يقول امرأتي طالق إن كان أمس كذا وكذا لشيء يمكن أن يكون وأن لا يكون ولا طريق
إلى استعلامه وأن يشك في أي امرأة من امرأتيه طلق فإنه يجبر على فراقهما جميعا ولا
يجوز له أن يقيم على واحدة منها والشك في مسألتنا من قبيل هذا الوجه الخامس كما لا
يخفى فانظر كيف يتأتى فيه جريان أصل عبد الملك من إلغاء الشك واستصحاب العصمة مع
حكاية ابن رشد في البيان الاتفاق فيه على الجبر على الطلاق فتأمل ذلك بإنصاف وحرر
والله سبحانه وتعالى أعلم
المسألة الثامنة لتعدد الشرط اللغوي مع اتحاد
الجواب ثلاثة أقسام القسم الأول تعدده كذلك بدون عطف مع تكرر حرف الشرط ويسميه
الفقهاء تعليق التعليق والنحاة اعتراض الشرط على الشرط وقد أفرد بالتأليف نحو أنت
طالق إن كلمت زيدا إن دخلت الدار وهو يحتمل كما قال ابن الحاجب أربعة أوجه
____________________
(1/146)
فائدة قال ابن مالك في شرح مقدمته لما ذكر هذه المادة وهي اعتراض الشرط على الشرط
قال الشرط الثاني لا جواب له وإنما الجواب للأول خاصة والثاني جرى مع الأول مجرى
الفضلة والتتمة كالحال وغيرها من الفضلات وصدق رحمه الله فإن هذا الشرط الثاني
إنما اعتباره في الأول لا في الطلاق الذي جعل مشروطا فذكر الشرط الأول سد مسد
جوابه
فائدة فإن نسق هذا النسق عشرة شروط فأكثر فعلى رأي الشافعية لا بد أن ينعكس هذا
العدد كله على ترتيبه كما تقدم في السؤال والوعد والعطية لأن العاشر سبب في التاسع
فيقع قبله والتاسع سبب في الثامن فيقع قبله والثامن سبب في السابع فيقع قبله وكذلك
البقية فلا بد أن يكون وقوعها هكذا العاشر ثم التاسع ثم الثامن ثم السابع
هامش أنوار البروق
قال اعلم أن هذه المواضع لا يدرك حقيقتها إلا الفحول من العلماء أو من يفتح الله
عليه من نفس فضله وسعة رحمته قلت ما قاله في ذلك صحيح والله أعلم
قال إذا تقررت هذه القاعدة فنقول قول عبد الملك إن أعاده على الفعل نفعه معناه إن
أراد أن ذلك الفعل المعلق عليه لم أجزم بجعله سببا إلى قوله فلا يلزم به شيء
إجماعا
قلت قول القائل إن فعلت كذا فعلي الطلاق إن شاء الله لا يخلو من أن يريد إعادة
الاستثناء إلى الطلاق المعلق على ذلك أو إلى الفعل فإن أعاده على الطلاق فقد سبق
في مسألة أنت طالق إن شاء الله أن الصحيح لزوم الطلاق وأن الاستثناء لا ينفعه وهذا
المعلق كذلك وإن أعاده إلى الفعل المعلق عليه الطلاق فإن أراد معناه الظاهر وهو إن
شاء الله تعالى أن أفعل ذلك الفعل فإذا فعله فقد شاء الله تعالى فعله فيلزم الطلاق
كما قال مالك ومن وافقه وإن أراد ما قاله شهاب الدين وتأوله على عبد الملك وزعم
أنه لا يلزمه شيء إجماعا فليس بالظاهر بل هو معنى متكلف ومع ذلك فلقائل أن يقول
إنه استثناء لا يفيد عدم لزوم الطلاق بل يفيد لزومه من جهة أن معنى الكلام أن ذلك
تفويض سببية هذا الكلام إلى مشيئة الله تعالى وقد جعله الله تعالى سببا بتسويغه
للمتكلم أن يجعله سببا
هامش إدرار الشروق
الوجه الأول أن يجعل الجواب لهما معا ولا سبيل إليه لما يلزم من اجتماع عاملين على
معمول واحد الوجه الثاني أن لا يجعل جوابا لواحد منهما ولا سبيل إليه لما يلزم من
الإتيان بما لا دخل له في الكلام وترك ما له دخل وهو عبث الوجه الثالث أن يجعل جوابا
للثاني دون الأول ولا سبيل إليه لأنه يلزم أن يكون الثاني وجوابه جوابا للأول
وحينئذ يلزم الإتيان بالفاء الرابطة ولا فاء الوجه الرابع وهو المتعين أن يكون
جوابا للأول وهو وجوابه دليل جواب الثاني وهو رأي الفراء واقتصر في المغني وابن
مالك في التسهيل عليه
وذكر ابن هشام النحوي في حواشي الألفية عن الفراء أنه سأل الفقهاء عن هذه المسألة
فاختلفوا عليه فقال بعضهم لا تطلق إلا بوقوع الشرطين مرتين كترتيبهما في
____________________
(1/147)
ثم السادس ثم الخامس إلى الأول فيقع آخرا ومتى اختل ذلك في
الوقوع اختل المشروط وعلى رأي المالكية لا بد من وقوع الجميع كيفما وقعت يقع
تفريع أذكر فيه المعطوفات من الشروط فإن قال إن
أكلت وإن لبست فأنت طالق فلا ترتيب بين هذين الشرطين باتفاق الفرق بل أيهما وقع
قبل صاحبه اعتبر ولا بد من وقوع الآخر بعده فإنهما معا جعلا شرطين في الطلاق ولم
يجعل أحدهما شرطا في الآخر
والجواب لهما معا بخلاف القسم الأول الجواب للأول فقط فإن قال إن أكلت فلبست فأنت
طالق تعين أن يكون المتأخر متأخرا والمتقدم متقدما عكس المنسوق بغير حرف العطف وهو
كقوله تعالى فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب
فالزنى منهن متأخر كما هو في اللفظ وكذلك إن أكلت ثم لبست وإن أكلت حتى إن لبست
يقتضي اللفظ تأخير اللبس مع تكرر الأكل قبله لأن القاعدة أن المغيا لا بد أن يثبت
قبل الغاية ويتكرر إليها وإن أكلت بل إن لبست فأنت طالق لا يلزمه الطلاق إلا
باللبس وقد ألغي الأكل بالإضراب عنه ببل والشرط الثاني
هامش أنوار البروق
وقد جعله كذلك بالتعليق عليه كما سوغ له وما أرى عبد الملك راعى هذا المعنى
المتكلف بل رأى أن استثناء مشيئة الله تعالى يكون رافعا لحكم التعليق كرفعه لحكم
اليمين والله أعلم
قال ولا يكون هذا خلافا لمالك وابن القاسم مع أن صاحب المقدمات حكاه خلافا قلت
صاحب المقدمات أمس بتحقيق هذا العلم ومعرفة الخلاف فيه من الوفاق
هامش إدرار الشروق
الذكر وقيل بشرط انعكاس الترتيب وقيل تطلق بهما مطلقا وقيل بوقوع أي شرط كان
واختار الفراء الثاني ووجهه بالوجه الرابع الذي رآه والحق أن الوجه الرابع يصلح
توجيها لكل من القول الثاني وهو مذهب الشافعي والقول الثالث وهو مذهب الإمام مالك
واختاره إمام الحرمين من الشافعية وذلك لأن مذهب الشافعي مبني على أن استقبال
الفعل الأول باعتبار زمن الثاني لتوقفه عليه ومذهبنا مبني على أن استقبال كل من الفعلين
باعتبار زمن التكلم وهو الظاهر لأن المتوقف على الثاني إنما هو لزوم حكم التعليق
لا المعلق عليه كما في البناني على عبق
وضابط مذهب الشافعي أن الشروط إن وقعت كما نطق بها لم تطلق وأن عكسها المتقدم
متأخر والمتأخر متقدم طلقت قال الشيخ أبو إسحاق في المهذب في المثال المار إن دخلت
الدار ثم كلمت زيدا طلقت وإن كلمت زيدا أولا ثم دخلت الدار لم تطلق لأنه جعل دخول
الدار شرطا في كلام زيد فوجب تقديمه عليه وإن قال إن أعطيتك إن وعدتك إن سألتني
فأنت طالق لم تطلق حتى يوجد السؤال ثم الوعد ثم العطاء لأنه شرط في الوعد العطية وشرط
في العطية السؤال وكان معناه إن سألتني فوعدتك فأعطيتك فأنت طالق وافقه الغزالي
على ذلك في الوسيط ولم يحكيا خلافا وعليه إذا نسق هذا النسق عشرة شروط فأكثر فلا
بد في لزوم الطلاق من أن يقع العاشر أولا ثم التاسع إلى الأول فيقع آخرا لأن
العاشر سبب في التاسع فيقع قبله وهكذا ومتى اختل ذلك في الوقوع اختل المشروط فلا
يقع ومدركهم قاعدتان الأولى أن الشروط اللغوية أسباب يلزم من وجودها الوجود ومن
عدمها العدم
والقاعدة الثانية أن تقدم المسبب على سببه لا يعتبر كالصلاة قبل الزوال فإذا قال
إن كلمت زيدا إن دخلت
____________________
(1/148)
وحده وإن لم تأكلي لكن إن لبست فأنت طالق فالشرط الثاني
وحده وقد ألغي الأول بلكن لأنها للاستدراك وإن أكلت لا إن لبست فأنت طالق فالشرط
الأول وحده ولا تطلق إلا به لأن لا لإبطال الثاني وإن أكلت أو لبست فأنت طالق
فالشرط أحدهما لا بعينه فأيهما وقع لزم به الطلاق وكذلك أنت طالق أما إن أكلت وأما
إن شربت أي تعليق طلاقه متنوع بهذين النوعين فيلزم الطلاق بأحدهما ولم يبق من حروف
العطف إلا أم وهي متعذرة في هذا الباب لأنها للاستفهام والمستفهم غير جازم بشيء
والمعلق لا بد أن يكون جازما فالجمع بينهما محال وقد ذكر الشيخ أبو إسحاق في
المهذب هذه الفروع بالواو والفاء وثم وصرح في الواو بأنها تطلق بكل واحد منهما
طلقة قال لأن حروف الشرط قد تكرر
هامش أنوار البروق
قال وقال الحق عدم اللزوم قياسا على اليمين بالله تعالى إذا أعاد الاستثناء على
الفعل قلت بل الحق اللزوم كما سبق والقياس الذي ذكره ليس بصحيح للفرق بينهما وهو
أن القائل إذا قال والله لأفعلن إن شاء الله ورد الاستثناء إلى الفعل فإذا فعل ذلك
الفعل فقد شاء الله تعالى وبر في يمينه وإن لم يفعله فهو بار أيضا لأنه علق
المحلوف عليه على المشيئة للفعل ولم يقع الفعل فلم تتعلق به المشيئة والقائل إذا
قال إن فعلت كذا فعلي الطلاق إن شاء الله ورد الاستثناء إلى الفعل فإذا فعل ذلك
الفعل فقد شاء الله فإنه لا يقع شيء إلا بمشيئته ويلزم مقتضى التعليق لوقوع المعلق
عليه والله أعلم
قال وهذا يشعر بأن ابن القاسم يوافق في اليمين بالله تعالى ويخالف في الطلاق فيكون
هذا إشكالا آخر
هامش إدرار الشروق
الدار فمعناه عندهم أني جعلت كلام زيد سبب طلاقك وشرطه اللغوي غير أني قد جعلت سبب
اعتباره والشرط فيه دخول الدار فإن وقع الكلام أولا فلا تطلق به لأنه وقع قبل سبب
اعتباره فيلغى كالصلاة قبل الزوال فلا بد من إيقاعه بعد دخول الدار حتى يقع بعد
سببه فيعتبر كالصلاة بعد الزوال
ويشهد لمذهبهم من القرآن قوله تعالى في سورة هود ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح
لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون فإن إرادة الله تعالى متقدمة
على إرادة البشر من الأنبياء وغيرهم فالمتقدم لفظا متأخر وقوعا ولا يمكن خلاف ذلك
ومن الشعر قول ابن دريد فإن عثرت بعدها إن والت نفسي من هاتا فقولا لا لعا وقول
الشاعر إن تستغيثوا بنا إن تذعروا تجدوا منا معاقل عز زانها كرم إذ معلوم أن
العثور مرة ثانية إنما يكون بعد الخلوص من الأول فالمتقدم لفظا متأخر وقوعا وأن
الاستغاثة إنما تكون بعد الذعر فالمتقدم لفظا متأخر معنى وضابط مذهبنا وإمام
الحرمين أن الشروط إذا وقعت معا على ترتيبها في التعليق أو على عكسه طلقت قال خليل
في مختصره وإن قال إن كلمت إن دخلت لم تطلق إلا بهما قال عبق أي معا على ترتيبهما
في التعليق أو على عكسه ا ه فإذا قال إن أعطيتك إن وعدتك إن سألتني فأنت طالق طلقت
بوجود الثلاثة على الترتيب أو على عكسه وإذا نسق هذا النسق عشرة شروط
____________________
(1/149)
فوجب لكل واحد منهما جزاء فتطلق بكل واحد منهما طلقة وما
قاله غير لازم بل يكون حرف العطف يقتضي مشاركة الثاني للأول في أنه شرط في هذا
الجزاء والتشريك بالعاطف إنما يقتضي أصل المعنى دون متعلقاته وظروفه وأحواله فإذا
قلت مررت بزيد قائما وعمرو لم يلزم أنك مررت بعمرو قائما أيضا كذلك نص عليه النحاة
وكذلك مررت بزيد يوم الجمعة أو أمامك وعمرو
لا يلزم التشريك إلا في أصل المرور فقط وكذلك اشتريت هذا الثوب بدرهم والفرس لا
يلزم الاشتراك في الدرهم لأنه متعلق بل في أصل الفعل خاصة ومقتضى هذه القاعدة أن
التشريك إنما يلزم في هذه المسألة في
هامش أنوار البروق
قلت لا يكون ذلك إشكالا على ما تقرر بوجه
قال أما إذا حمل قول عبد الملك على ما ذكرته فلا إشكال ويصير المدرك مجمعا عليه
وإلا فلا تعقل المسألة ألبتة ولا يصير لها حقيقة قلت قد سبق أن ما ذكره مقصد متكلف
لم يقصده عبد الملك ولا يفيد على تقدير قصده ما ذكر بل نقيضه فلا يصير المدرك
مجمعا عليه وتعقل المسألة وتصير لها حقيقة والله أعلم
قال وقوله أنت طالق إلا أن يبدو لي لا ينفعه إلى آخر المسألة
هامش إدرار الشروق
فأكثر طلقت بوقوع الجميع على الترتيب أو على عكسه ومدرك أصحابنا وإمام الحرمين أنا
أجمعنا على أن المعطوف بالواو يستوي الحال فيه تقدم أو تأخر فكذلك عند عدمه لأن
الإنسان قد يعطف الكلام بعضه على بعض من غير حرف عطف ويكون في معنى حرف العطف
كقولنا جاء زيد جاء عمرو وأن الربط بين الشروط اللغوية ومشروطاتها وضعي كما سبق
التنبيه عليه فصفة الربط من تقدم أو تأخر أو معية كذلك وضعي والأمور الوضعية يجوز
تبدلها وتبدل أوصافها بحسب قصد الواضع لها فافهم
قالوا وما احتج به الشافعية لا حجة فيه إذ ليس كون المتأخر في الآية والبيتين
متقدما من مقتضى اللفظ بل هو من ضرورة الوجود ألا ترى أن كون الذعر سببا في
الاستغاثة ليس من مقتضى اللفظ فغاية ما في ذلك جواز أن يتقدم في اللفظ ما هو متأخر
في الوجود وقد ثبت في قوله تعالى وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي
أن يستنكحها أن مثل هذا يجيء في المحتمل للتقدم والتأخر وأيضا لا مانع من تسويغ
قول القائل إن طلقت المرأة إن انقضت عدتها حل نكاحها وقوله إن تتجر إن تربح في
تجارتك تصدق بدينار وأنه كلام عربي مع أن المتقدم في اللفظ متقدم في الوقوع فظهر
أن مثل هذا سائغ على كل وجه فالقول قول إمام الحرمين والمالكية قال الأمير في شرح
مجموعه وضوء شموعه فإن الاتصاف احتمال العكس أي إن كلمت فإن دخلت الدار فأنت طالق
والحالف لا يلزم أن يراعي العربية ويأتي بالفاء على أن الفاء قد تحذف فاحتيط أي
بأعمال كل من الاحتمالين ا ه والله أعلم
القسم الثاني تعدد الشرط اللغوي كذلك بالعطف بالواو مع تكرر حرف الشرط أو مع عدم
تكرره ففي نحو إن أكلت وإن لبست فأنت طالق يلزمه طلقة واحدة إذا وقع كل من الأكل
أو اللبس قبل صاحبه أو معه بل ولو انفرد واحد منهما لأن تكرر حرف الشرط يدل على
استقلال كل واحد بالشرطية وحرف الشرط وإن تكرر مع الفعلين إلا أنه لا يلزم أن يكون
لكل واحد منهما جزاء فتطلق بكل واحد منهما
____________________
(1/150)
أصل الشرطية دون ما بعده من الجزاء فالتزام التشريك في
الجميع التزام ما لم يلزم وبقي في الفاء وثم مراعاة التعقيب في الفاء والتراخي في
ثم لم أرهم تعرضوا له وقالوا إن لم يقع الثاني عقيب الأول في صورة الفاء لم يقع
طلاق ولا إن لم يتراخ الثاني عن الأول في
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله في ذلك صحيح غير قوله بل ذلك موكول لمشيئة الله تعالى فلا يكون سببا
فلا يلزمه الحج بكلامه فإنه يلزمه إذا كان الاستثناء بمشيئة الله تعالى بخلاف إذا
كان بمشيئته فإنه كان الاستثناء بمشيئة القائل في قوله إن كنت كلمت زيدا فعلي
المشي إلى الحج فإن قال إن شاء الله فإنه يلزمه كما سبق وإن قال إلا أن يبدو لي
فإنه لا يلزمه لأنه يتعين هنا حمل كلامه على رد الاستثناء إلى جعل ذلك الفعل سببا
قال شهاب الدين المسألة الثامنة في الجواهر أنت طالق إن كلمت زيدا إن دخلت الدار
وهو تعليق التعليق فإن كلمت زيدا أولا تعلق طلاقها بالدخول لأنه شرط في اعتبار
الشرط الأول إلى قوله من أطاريف المسائل قلت ما قاله نقل أو وعد فلا كلام فيه قال
القاعدة الأولى أن الشروط اللغوية أسباب إلى آخر قوله وعلى رأي المالكية لا بد من
وقوع الجميع كيفما وقعت يقع
هامش إدرار الشروق
طلقة كما قاله أبو إسحاق في المهذب إذ القاعدة أن التشريك بالعاطف أصل المعنى دون
متعلقاته وظروفه وأحواله
فإذا قلت مررت بزيد قائما أو يوم الجمعة أو أمامك وعمرو لم يلزم تشريك عمرو إلا في
أصل المرور وإذا قلت اشتريت هذا الثوب بدرهم والفرس لم يلزم الاشتراك في الدرهم
لأنه متعلق بل في أصل الفعل ومقتضى هذه القاعدة أن التشريك هنا في أصل الشرطية دون
ما بعده من المتعلقات فالتزام التشريك في الجميع التزام لما لا يلزم نعم يمكن أن
يقال يحتمل قصد تعدد الجواب واختصاره لفظا فيكون بمنزلة من طلق وشك في العدد فيحمل
على الثلاث احتياطا
وفي نحو إن أكلت ولبست فأنت طالق لا يلزم الطلاق إلا بمجموع الفعلين بلا ترتيب
بينهما باتفاق الفرق بل أيهما وقع قبل صاحبه اعتبر ولا بد من وقوع الآخر بعده
فإنهما معا جعلا شرطين في الطلاق ولم يجعل أحدهما شرطا في الآخر القسم الثالث تعدد
الشرط اللغوي كذلك بالعطف بغير الواو ومع عدم تكرر حرف الشرط في الفاء وثم وأو ومع
تكرره في حتى وبل ولا ولكن وأما ففي نحو إن أكلت فلبست أو ثم لبست فأنت طالق يلزمه
الطلاق بفعلهما على ترتيبهما في اللفظ وكذلك في إن أكلت حتى لبست فأنت طالق يقتضي
اللفظ تأخير اللبس مع تكرر الأكل قبله لأن القاعدة أن المغيا لا بد أن يثبت قبل
الغاية ويتكرر إليها وفي نحو إن أكلت بل إن لبست فأنت طالق لا يلزمه الطلاق إلا
باللبس لأنه هو الشرط وحده
وأما الأكل فقد ألغيت شرطيته بالإضراب عنه ببل وكذلك في نحو إن لم تأكلي لكن إن
لبست فأنت طالق الشرط هو الثاني وحده
وقد ألغي الأول بلكن لأنها للاستدراك وفي نحو إن أكلت لا إن لبست فأنت طالق لا
تطلق إلا بالأول لأنه هو الشرط وحده لأن لا لإبطال الثاني وفي نحو إن أكلت أو لبست
فأنت طالق ونحو أنت طالق أما إن أكلت وأما إن لبست يلزم الطلاق بوقوع أيهما لأن
الشرط أحدهما لا بعينه ولم يبق من حروف
____________________
(1/151)
صورة ثم لم يقع طلاق وذلك هو مقتضى اللغة غير أنهم قد
يكونون لم يعتبروا ذلك لأن العادة ألغته وأمر الأيمان مبني على العوائد
هامش أنوار البروق
قلت مذهب المالكية هو الصحيح وما احتج به للشافعية لا حجة فيه فإن كان ما ذكره من
دلالة الآية والبيتين وهو قوله تعالى ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان
الله يريد أن يغويكم وقول الشاعر فإن عثرت بعدها إن والت نفسي من هاتا فقولا لا
لعا وقول الآخر إن تستغيثوا بنا إن تذعروا تجدوا منا معاقل عز زانها كرم
قلت ليس كون المتأخر فيها متقدما من مقتضى اللفظ بل من ضرورة الوجود فغاية ما في
ذلك جواز أن يتقدم في اللفظ ما هو متأخر في الوجود وكون الذعر سببا في الاستغاثة
ليس من مقتضى اللفظ وقد ثبت في قوله تعالى وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن
أراد النبي أن يستنكحها أن مثل هذا يجيء في المحتمل للتقدم والتأخر ولا مانع من
تسويغ قول القائل إن طلقت المرأة إن انقضت عدتها حل نكاحها فظهر أن مثل هذا سائغ
على كل وجه فالقول قول إمام الحرمين والمالكية والله أعلم
قال تفريع أذكر فيه المعطوفات من الشروط إلى قوله
بخلاف القسم الأول الجواب للأول فقط قلت قوله فلا ترتيب بين هذين الشرطين
باتفاق الفرق بل أيهما وقع قبل صاحبه اعتبر صحيحا وكان حقه أن يقول أو مع صاحبه
وقوله ولا بد من وقوع الآخر بعده ليس بلازم فإنه إذا انفرد كل واحد منهما استقل
بالشرطية وإنما يلزم ما قاله لو قال إن أكلت ولبست فإن مقتضى ذلك جعل الشرط مجموع
الفعلين وإذا كان ذلك فلا بد من وقوع الآخر بعده أما إذا تكرر حرف الشرط فإنه يدل
على استقلال كل واحد بالشرطية فلا يلزم وقوع الآخر بعده وقوله بخلاف القسم الأول
يعني إن أكلت إن لبست دون حرف عطف والله أعلم
قال فإن قلت إن أكلت فلبست فأنت طالق إلى قوله والمستفهم غير جازم بشيء والمعلق لا
بد أن يكون جازما فالجمع بينهما محال قلت ما قاله في ذلك صحيح غير قوله عكس
المنسوق بغير حرف عطف يلزم أن يكون المتأخر في اللفظ متقدما في الوجود فإنه مبني
على قاعدة أن الشروط اللغوية أسباب والأسباب يلزم تقدمها على مسبباتها وذلك كله
أمر عرفي اصطلاحي والربط بين الشروط اللغوية ومشروطاتها
هامش إدرار الشروق
العطف إلا أم وهي متعذرة في هذا الباب لأنها للاستفهام والمستفهم غير جازم بشيء
والمعلق لا بد أن يكون جازما فالجمع بينهما محال ولم يتعرضوا لمراعاة التعقيب في
الفاء والتراخي في ثم بأن يقولوا إن لم يقع الثاني عقيب الأول في صورة الفاء لم
يقع طلاق ولا إن لم يتراخ الثاني عن الأول في صورة ثم لم يقع طلاق وإن كان ذلك هو
مقتضى اللغة لأن العادة لما ألغته وأمر الأيمان مبني على العوائد لم يعتبروا ذلك
والله سبحانه وتعالى أعلم
____________________
(1/152)
فارغة
هامش أنوار البروق
وضعي كما سبق التنبيه عليه فصفة الربط من تقدم أو تأخر أو معية كذلك وضعي والأمور
الوضعية يجوز تبدلها وتبدل أوصافها بحسب قصد الواضع لها فإن أراد أن المنسوق بغير
حرف عطف يلزم ذلك فيه عرفا فهو صحيح
وإن أراد غير ذلك فليس بصحيح والله أعلم قال وقد ذكر الشيخ أبو إسحاق في المهذب
هذه الفروع بالواو والفاء وثم وصرح في الواو بأنها تطلق بكل واحد من الشرطين طلقة
إلى آخر قوله وأمر الأيمان مبني على العوائد قلت ما قاله صحيح وهو الظاهر من قول
القائل إن أكلت أو لبست فأنت طالق بخلاف ما إذا قال إن أكلت فأنت طالق أو لبست
فأنت طالق الظاهر هنا تعدد الطلاق وفي كلا المثالين إن انفرد الأكل أو اللبس لزم
الطلاق وإذا قال إن أكلت ولبست فأنت طالق فلا يلزم الطلاق إلا بمجموع الأمرين
ويمكن أن يقال إذا قال إن أكلت وإن لبست فأنت طالق يحتمل قصد تعدد الجواب واختصره
لفظا فيكون بمنزلة من طلق وشك في العدد فيحمل على الثلاث احتياطا والله أعلم
قال شهاب الدين
هامش إدرار الشروق
____________________
(1/153)
الفرق الرابع بين قاعدتي إن ولو الشرطيتين
هامش أنوار البروق
الفرق الرابع بين قاعدتي إن ولو الشرطيتين
هامش إدرار الشروق
الفرق الرابع بين قاعدتي إن ولو الشرطيتين الأكثر في أن إن لا تتعلق إلا بمعدوم
مستقبل وقد تتعلق بالماضي لفظا ومعنى قياسا مطردا
مع كان نحو وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله إذ المعنى
والله أعلم وإن كنتم في ريب فيما مضى واستمر ذلك
الريب لوقت الخطاب فأتوا بسورة أي فأنتم مطالبون بما يزيله وهو المعارضة المفيدة
للجزم وبعد الواو في مقام التأكيد في نحو زيد وإن كثر ماله بخيل حيث اعتبر كون
الواو للعطف على محذوف أي إن لم يكثر ماله وإن كثر ماله وكون إن شرطية ولو لم يقدر
لها جواب إذ قولهم إن الشرطية لها شرط وجزاء غالبي لا كلي وقليلا في غير ذلك كقول
أبي العلاء المعري
____________________
(1/154)
أن إن لا تتعلق إلا بمعدوم مستقبل ولو تتعلق بالماضي تقول
إن دخلت الدار فأنت طالق فلا تريد دخولا تقدم بل مستقبلا ولا طلاقا تقدم بل
مستقبلا وإن وقع خلاف ذلك أول وتقول في لو لو جئتني أمس أكرمتك اليوم ولو جئتني
أمس أكرمتك أمس فالمعلق والمعلق عليه ماضيان وذلك متعذر في إن بل إذا وقع في شرطها
أو جوابها فعل ماض كان مجازا مؤولا بالمستقبل نحو إن جاء زيد أكرمته فهذان الفعلان
الماضيان مؤولان بمستقبل تقديره إن يجئ زيد أكرمه ثم أطرز الفرق بأربع عشرة مسألة غريبة
جليلة
المسألة الأولى قال الله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام إن كنت قلته فقد علمته
فجعل الشرط وجزاءه ماضيين
والجواب عنه من وجهين أحدهما أنه قد قال بعض المفسرين إن ذلك وقع منه في الدنيا
وأن سؤال الله تعالى له قبل أن يدعي ذلك عليه فيكون التقدير إن أكن أقله فأنت
تعلمه فهما مستقبلان لا ماضيان وقيل سؤال الله تعالى له يكون يوم القيامة وهذا
القول هو المشهور فيكونان مستقبلين لا ماضيين قال ابن السراج يجب تأويلهما بفعلين
مستقبلين تقديرهما أن يثبت في المستقبل أني قلته في الماضي يثبت أنك تعلم ذلك وكل
شيء تقرر في الماضي كان ثبوته في المستقبل معلوما فيحسن التعليق عليه ويؤكد القول
الأول أن السؤال كان في الدنيا من الآية نفسها قوله
هامش أنوار البروق
أن إن لا تتعلق إلا بمعدوم مستقبل ولو تتعلق بالماضي إلى قوله ثم أطرز الفرق بأربع
عشرة مسألة عربية جليلة
قلت قوله إن إن لا تتعلق إلا بمعدوم مستقبل ليس كذلك بل تتعلق بالماضي ولكن الأكثر
فيها تعلقها بالمستقبل وما اختاره يلزم منه دعوى المجاز في استعمالها في الماضي
هامش إدرار الشروق
فيا وطني إن فاتني بك سابق من الدهر فلينعم لساكنك البال أي إن كان زمن سابق فوت
علي الإقامة والسكنى في وطني ولم يتيسر لي الإقامة فيه وتولاه غيري فلا لوم علي
لأني تركته من غير عيب فيه وحينئذ فلتطب نفس ذلك الساكن ولينعم باله والغرض من ذلك
إظهار التحسر والتحزن على مفارقة الوطن والشاهد في قوله إن فاتني فإنه مستعمل في
الماضي لفظا ومعنى وأما لو فتتعلق بالماضي قال السعد ومذهب المبرد أنها تستعمل في
المستقبل استعمال إن وهو مع قلته ثابت ا ه
قال الدسوقي نحو قوله ولو تلتقي أصداؤنا بعد موتنا ومن دون رمسينا من الأرض سبسب
لظل صدى صوتي وإن كنت رمة لصوت صدى ليلى يهش ويطرب ولو شرطية مع الماضي ولها ثلاث
استعمالات أحدها أن تكون للترتيب الخارجي بمعنى أنها تستعمل للدلالة على أن علة
انتفاء الجزاء في الخارج وهي انتفاء مضمون الشرط من غير التفات إلى أن علة العلم
بانتفاء الجزاء ما هي فمعنى لو شاء الله لهداكم أن انتفاء الهداية إنما هو سبب
انتفاء المشيئة لأن انتفاء المشيئة علة في انتفاء الهداية في الخارج وهذا هو
الاستعمال الغالب فلذا قال سيبويه لو حرف لما كان سيقع لوقوع غيره أي يدل على أن
الجواب كان يقع فيما مضى لو وقع الشرط وقال غيره ومشى عليه المعربون حرف امتناع
لامتناع أي امتناع الجواب لامتناع الشرط فافهم
والثاني كونها للاستدلال على انتفاء الملزوم الذي هو الشرط بانتفاء اللازم الذي هو
الجزاء من غير التفات إلى أن على الجزاء في الخارج ما هي كما في قوله تعالى لو كان
فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فإن
____________________
(1/155)
تعالى وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم فصيغة إذ للماضي وقال
للماضي فإذا أخبر الله محمدا صلى الله عليه وسلم بهذين اللفظين الماضيين دل ذلك
على تقدم هذا القول في زمن عيسى عليه السلام في الدنيا والقول الثاني يتأول هذين
اللفظين بالمستقبل ويقول لما كان خبر الله تعالى واقعا في المستقبل قطعا صار من
جهة تحققه يشبه الماضي فعبر عنه بلفظ الماضي كما قاله تعالى أتى أمر الله يريد يوم
القيامة وتقديره يأتي أمر الله تعالى فائدة جميلة جليلة إذا تقرر أن الشرط وجزاءه
لا يتعلقان إلا بمستقبل معدوم فاعلم أن ذلك في لسان العرب عشر حقائق الشرط وجزاؤه
والأمر والنهي
والدعاء والوعد والوعيد والترجي والتمني والإباحة فتأمل هذه العشرة لا تجد منها
واحدا يتصور في ماض ولا حاضر سؤال كان يورده الشيخ عز الدين بن عبد السلام قدس
الله روحه في قوله صلى الله عليه وسلم لما قيل له كيف نصلي عليك فقال قولوا اللهم
صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك
حميد مجيد فكان يقول قاعدة العرب تقتضي أن المشبه بالشيء يكون أخفض رتبة منه وأعظم
أحواله أن يكون مثله وها هنا شبهنا عطية رسول الله صلى الله عليه وسلم بعطية
إبراهيم عليه السلام فإن صلاة الله سبحانه معناه الإحسان فإن الدعاء الذي هو حقيقة
اللفظ محال فتعين حمله على مجازه وهو الإحسان لأن الدعاء
هامش أنوار البروق
والمجاز على خلاف الأصل فإن قيل إذا كان تعلقها بالمستقبل هو الأكثر في الاستعمال
فاستعمالها في التعلق بالماضي
وإن كان حقيقة لغوية فهو مجاز عرفي فالجواب أن الأمر فيها لم يبلغ إلى هذا الحد من
أن استعمالها في التعلق بالمستقبل هو السابق إلى فهم السامع فيكون استعمالها في
المستقبل حقيقة
هامش إدرار الشروق
القصد به تعليم الخلق الاستدلال على الوحدانية بأن يستدلوا بالتصديق بانتفاء
الفساد على العلم بانتفاء التعدد وليس القصد به بيان أن علة انتفاء الفساد في
الخارج انتفاء التعدد لأنه وإن كان ظاهرا نظرا للأصل إلا أنه نظرا لمقام الاستدلال
إلا ظهر القصد الأول أي الاستعمال على وجه الاستدلال على انتفاء التعدد بانتفاء
الفساد
والثالث كونها للدلالة على استمرار شيء بربطه إما بأبعد النقيضين كقوله عليه
الصلاة والسلام أو قول عمر على ما قيل نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه
فالخوف وعدمه نقيضان وعدمه أبعد لعدم العصيان منه فعلق عدم العصيان على الأبعد
إشارة إلى أن عدم العصيان من صهيب مستمر وأن العصيان لا يقع منه أصلا وأما
بالمساوي كقوله صلى الله عليه وسلم في درة بضم المهملة بنت أم سلمة أي هند لما
بلغه تحدث النساء أنه يريد أن ينكحها أنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي
إنها لابنة أخي من الرضاع رواه الشيخان حيث رتب عدم حلها على عدم كونها ربيبة
المبين بكونها ابنة أخي الرضاع المناسب هو له شرعا فيترتب أيضا في قصد المرتب على
كونها ربيبة المفاد بلو المناسب هو له شرعا كمناسبته للأول سواء لمساواة حرمة
المصاهرة لحرمة الرضاع والمعنى أنها لا تحل لي أصلا لأن بها وصفين لو انفرد كل
منهما حرمت له كونها ربيبة وكونها ابنة أخي من الرضاع وأما بالأقرب كقولك فيمن عرض
عليك نكاحها لو انتفت أخوة الرضاع لما حلت للنسب حيث رتبت عدم حلها على عدم أخوتها
من الرضاع المبين بأخوتها من النسب المناسب هو لها شرعا فيترتب أيضا في قصدك على
أخوتها من ارضاع المفاد بلو المناسب هو لها
____________________
(1/156)
إحسان فيكون من مجاز التشبيه أو لأن الإحسان متعلق الدعاء
ومطلوبه فيكون من باب التعبير بالمتعلق عن المتعلق فإذا تقرر هذا فنحن نعلم أن
إحسان الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من إحسانه لإبراهيم عليه
السلام وتشبيهه به يقتضي خلاف ذلك فما وجه التشبيه وكان يجيب رحمه الله تعالى عن
هذا السؤال فيقول التشبيه وقع بين المجموعين مجموع المعطى لرسول الله صلى الله
عليه وسلم ولآله ومجموع المعطى لإبراهيم عليه السلام وآله وآل إبراهيم عليه السلام
أنبياء وآل رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسوا بأنبياء فعطية إبراهيم عليه السلام
ذلك أعني المجموع يقسم عليه وعلى آله ويقسم المجموع المعطى لرسول الله صلى الله
عليه وسلم عليه وعلى آله فتكون الأجزاء الحاصلة لآل إبراهيم عليه السلام أعظم من
الأجزاء الحاصلة لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون الفاضل لرسول الله صلى
الله عليه وسلم أعظم من الفاضل لإبراهيم عليه السلام فيكون رسول الله صلى الله
عليه وسلم أفضل من إبراهيم وهو المطلوب
ويندفع السؤال وكنا نستعظم هذا الجواب ونستحسنه ثم بعد وفاته رحمة الله عليه لما
ظهرت لي هذه القاعدة وهي أن هذه العشرة حقائق في لسان العرب لا تتعلق إلا بالمعدوم
المستقبل ظهر أن الجواب يحسن من هذه القاعدة وأن جواب الشيخ رحمه الله مستدرك
وتقريره أن الدعاء لا يتعلق إلا
هامش أنوار البروق
عرفية وفي الماضي مجازا عرفيا فإن استعمال اللفظ وإن كثر في بعض مدلولاته وقل في
بعضها لا يلزم أن يكون حقيقة عرفية فيما كثر فيه ومجازا عرفيا فيما قل فيه حتى ينتهي
إلى أن يكون هو السابق إلى الفهم ولفظة إن لم يبلغ الأمر فيها إلى هذا الحد والله
أعلم وقوله إن لو تتعلق بالماضي صحيح
سقط صفحة 155 و 156 و 157
هامش إدرار الشروق
شرعا لكن دون مناسبته للأول لأن حرمة الرضاع أدون من حرمة النسب والمعنى لا تحل لي
أصلا لأن بها وصفين لو انفرد كل منهما حرمت له أخوتها من النسب وأخوتها من الرضاع
وقد أشار العلامة السبكي لهذه الاستعمالات الثلاثة بقوله مدلول لو ربط وجود ثان
بأول في سابق الأزمان مع انتفاء ذلك المقدم حقا بلا ريب ولا توهم أما الجواب إن
يكن مناسبا وليس غير شرطه مصاحبا فاحكم له بالنفي أيضا واعلم بأن كلا داخل في
العدم أو لم يكن مناسبا فواجب من باب أولى ذاك حكم لازب وفي مناسب له إذ يفقد
مناسب سواه قد لا يوجد هذا جواب لو بتقسيم حصل ممتنع وواجب ومحتمل ومعظم المقصود
فيما يجب إثباته في كل حال يطلب مثاله نعم الذي لو لم يخف لما عصى إلهه ولا اقترف
____________________
(1/157)
بمعدوم مستقبل كسائر أنواع الطلب وقولنا اللهم صل دعاء فلا
يتعلق إلا بعطية لم تعط لرسول الله صلى الله عليه وسلم معدومة فإن طلب تحصيل
الحاصل محال فالحاصل له عليه الصلاة والسلام لم يتعلق به طلب ألبتة لكونه موجودا
حاصلا وبهذا الموجود الحاصل له عليه السلام حصل التفضيل له عليه السلام على
إبراهيم عليه السلام فيكون الواقع قبل دعائنا مواهب ربانية لرسول الله صلى الله
عليه وسلم من خير الدنيا والآخرة لم يدركها أحد من الأنبياء ولم يصل إليها ونحن
نطلب له عليه السلام زيادة على ذلك تكون تلك الزيادة مثل المواهب الحاصلة لإبراهيم
عليه السلام فنحن لو تخيلناها أقل المواهب الحاصلة لإبراهيم عليه السلام لم يلزم
من ذلك التفضيل له على رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومثال ذلك من العادات أن يعطي الملك لرجل ألف دينار ويعطي لآخر مائة ثم نطلب نحن
من الملك أن يزيد صاحب الألف على الألف مثل ما أعطى صاحب المائة فإذا فعل ذلك كان
الحاصل مع صاحب الألف ألفا ومائة ومع صاحب المائة مائة ومعلوم أن ذلك لا يخل بعطية
صاحب الألف في ألفه بل المائة زيادة على ما وقع به التفضيل أولا كذلك ها هنا فهذا
جواب حسن سديد بناء على القاعدة في أن الدعاء لا يتعلق إلا بمستقبل معدوم ولا
يحتاج إلى ذلك التعب والتفصيل الذي ذكره الشيخ مع أنه لا يصح فإنه جعل متعلق الطلب
جميع ما حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم
هامش أنوار البروق
قال المسألة الأولى قال الله تعالى حكاية عن عيسى عليه
السلام إن كنت قلته فقد علمته إلى قوله وتقديره يأتي أمر الله قلت إذا تقرر
أنها تتعلق بالماضي فلا يحتاج فيها إلى تأويل والله أعلم
هامش إدرار الشروق
ومعظم المقصود في الممتنع بيان نفي شرطه الذي ادعى كلو يكون فيهما شريك لامتنعا
فالواحد المليك أو أن ذاك النفي حقا أثرا في عدم الذي يلي بلا مرا كلو أتيتني لكنت
تكرم كرامتي لمن قلاني تعدم وقد تخرج عن الشرطية فتكون وصلة للربط مع واو الحال في
الجملة الحالية في نحو زيد ولو كثر ماله بخيل وتكون للتمني والمصدرية في نحو ربما
يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين فاستعمالاته ا ستة ا ه
بتوضيح من مختصر السعد على التلخيص وفي حاشية الشربيني على حواشي محلى جمع الجوامع
نقلا عن عبد الحكيم عن القاضي البيضاوي أن ما ذكر هو المشهور وهو يستلزم القول
بالاشتراك بناء على أنه لم يبلغ الأمر في لفظتي إن ولو إلى حد أن يكون ما كثر فيه
هو السابق منهما إلى الفهم حتى يلزم أن يكون كل منهما حقيقة عرفية فيما كثر فيه
ومجازا عرفيا فيما قل فيه بل كل منهما حقيقة لغوية وعرفية فيما كثر أو قل فيه أو
القول بالحقيقة أو المجاز بناء على أنه بلغ الأمر في لفظيهما إلى الحد المذكور
ولما كان الأصل ينفي كلا من الاشتراك والحقيقة والمجاز عدل المصنف يعني القاضي
البيضاوي عن المشهور
وقال لو من حروف الشرط وظاهرها الدلالة على انتفاء الأول لانتفاء الثاني أي إن
سائر حروف الشرط كما أنها موضوعة لمجرد تعليق من غير دلالة على انتفاء وثبوت فكذلك
كلمة لو موضوعة لمجرد تعليق حصول أمر في الماضي بحصول أمر آخر فيه من غير دلالة
على انتفاء الأول أو الثاني أو على استمرار الجزاء بل جميع هذه
____________________
(1/158)
فيلزم تعلق الطلب بالواقع وهو محال إذ يلزم عليه تحصيل
الحاصل وهو غير جائز
والجواب الحق هو هذا الثاني والعجب أنا طول أعمارنا نقول ما أمرنا به وهو اللهم صل
على محمد وصلى الله على محمد من غير تشبيه بإبراهيم ولا بغيره ومعلوم من قواعد
العرب أن الفعل في سياق الإثبات لا يتناول إلا أصل المعنى وأنه مطلق لا عام ومن
المعلوم أن أصل الإحسان ليس في الرتبة مثل الإحسان المشبه بإحسانه تعالى لإبراهيم
عليه السلام فإذا كنا نقتصر على مطلق الإحسان من غير إشكال ويكون ذلك حسنا من غير
خلل فأولى أن يحسن منا طلب الإحسان المشبه بإحسان حصل لعظيم من العظماء فإنه أضعاف
أصل الإحسان وما المحسن لطلبنا مطلق الإحسان من غير تشبيه إلا أنا نطلب الزيادة
التي لم تكن أعطيت قبل دعائنا وطلب الزيادة على الإعطاء العظيم لا يخل بصاحب
العطية العظيمة الذي نحن نسأل له الزيادة والعجب من تنبه الشيخ لإيراد السؤال في
الحديث المروي ولم يدرك أنه يرد في الصلاة المطلقة وهي أولى بإيراد السؤال فيها إن
كان صحيحا فتأمله وتأمل ما ذكرته أنا فهو حسن إن شاء الله تعالى
هامش أنوار البروق
قال فائدة جميلة إلى آخرها قلت ما قاله من أن
الأمر والنهي والدعاء والوعد والوعيد والترجي والتمني والإباحة لا تتعلق إلا
بمستقبل إلا ما قاله في أن الصحيح والله أعلم
قال سؤال كان يورده عز الدين بن عبد السلام قدس الله روحه في قوله عليه السلام لما
قيل
هامش إدرار الشروق
الأمور خارجة عن مفهومها مستفادة بمعونة القرائن كي لا يلزم القول بالاشتراك أو
الحقيقة والمجاز من غير ضرورة وأشار بقوله وظاهرها إلخ إلى ترجيح قول الشيخ ابن
الحاجب أن لو حرف يدل على امتناع تال يلزم لثبوته ثبوت تالية أي في الماضي وتزييف
المشهور من أنها حرف امتناع لامتناع يعني أنه لما كان لو من حروف الشرط ومعناها
مجرد التعليق فاللازم لمفهومها هو الدلالة على انتفاء الأول بانتفاء الثاني وكون
هذا القول لازما لمفهومها لا يستلزم الإرادة في جميع مواردها فإن الدلالة غير
الإرادة ووجه تزييف المشهور هو أنه مع توقفه على كون انتفاء الأول مأخوذا في مدلول
لو المستلزم خلاف الأصل كما عرفت يرد عليه أن المستفاد من التعليق على أمر مفروض
الحصول إبداء المانع من حصول المعلق في الماضي وأنه لم يخرج من العدم الأصلي إلى
حد الوجود وبقي على حاله لارتباط وجوده بأمر معدوم وأما أن انتفاءه بسبب لانتفائه
في الخارج فلا كيف والشرط النحوي قد يكون مسببا نحو لو كان العالم مضيئا لكانت
الشمس طالعة وقد يكون مضافا نحو لو كان زيد أبا لعمرو لكان عمرو ابنا له
وقد يكون الشرط والجزاء معلولين لعلة واحدة نحو لو كان النهار موجودا لكان العالم
مضيئا نعم انتفاء الشرط الاصطلاحي هو الذي يقتضي انتفاء المشروط في الخارج ومن هذا
ظهر جواب ما قاله السعد من أنه يدلك على أنها مستعملة لإفادة السببية الخارجية قول
أبي العلاء ولو دامت الدولات كانوا كغيرهم رعايا ولكن ما لهن دوام
____________________
(1/159)
@ 160 المسألة الثانية
قوله تعالى ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما
نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم وقاعدة لو إذا دخلت على ثبوتين عادا نفيين أو
على نفيين عادا ثبوتين أو على نفي وثبوت فالنفي ثبوت والثبوت نفي كقولنا لو جاءني
زيد لأكرمته فهما ثبوتان فما جاءك ولا أكرمته
ولو لم يستدن لم يطالب فهما نفيان والتقدير أنه استدان وطولب ولو لم يؤمن أريق دمه
والتقدير أنه آمن ولم يرق دمه وبالعكس لو آمن لم يقتل تقديره لم يؤمن فقتل
فإذا تقررت هذه القاعدة فيلزم أن تكون كلمات الله تعالى نفدت وليس كذلك لأن لو
دخلت هنا على ثبوت أولا ونفي أخيرا فيكون الثبوت الأول نفيا وهو كذلك فإن الشجر
ليست أقلاما ويلزم أن النفي الأخير ثبوت فتكون نفدت وليس كذلك ونظير هذه الآية
قوله عليه السلام نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه يقتضي أنه خاف وعصى مع
الخوف وهو أقبح فيكون ذلك ذما لكن الحديث سيق للمدح وعادة الفضلاء يتولعون بالحديث
كثيرا أما الآية فقليل من يتفطن لها وذكر الفضلاء في الحديث أجوبة أما الآية
الكريمة فلم أر لأحد فيها شيئا ويمكن تخريجها على ما قالوه في الحديث
هامش أنوار البروق
كيف نصلي عليك فقال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم
وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد إلى آخر السؤال قلت هذا السؤال مبني
على مشابهة الفعل المطلوب للفعل المشبه به في القدر والصفة وليس
هامش إدرار الشروق
وقول الخماسي ولو طارد ذو حافر قبلها لطارت ولكنه لم يطر لأن استثناء المقدم لا
ينتج وذلك لأن اللازم مما ذكره أن لا يكون مستعملا للاستدلال بانتفاء الأول على
انتفاء الثاني ولا يلزم منه أن لا تكون مستعملة لمجرد التعليق لإفادة إبداء المانع
مع قيام المقتضي كيف ولو كان معناها إفادة سببية الانتفاء للانتفاء كان الاستثناء
تأكيدا وإعادة بخلاف ما إذا كان معناها مجرد التعليق فإنه يكون إفادة وتأسيسا ا ه
قلت وعلى هذا فالفرق أن لو لمجرد التعليق في الماضي غالبا وأما إن فلمجرد التعليق
في المستقبل غالبا فافهم وهنا وصلان الوصل الأول قد علمت أن الكثير في شرط إن
وجزائه أن لا يتعلقا إلا بمستقبل معدوم والقليل تعلقهما بماض على ما فيه وشرط لو
وجزاؤه بالعكس وكذا سائر أدوات الشرط فليس الشرط والجزاء مما لا يتعلق في لسان
العرب إلا بمستقبل معدوم كالأمر والنهي والدعاء والوعد والوعيد والترجي والتمني والإباحة
بل عدم التعليق بغير المستقبل خاص في لسان العرب بهذه الثمانية فلا يتصور واحد
منها في ماض ولا حاضر وما أمرنا به في الصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم
ليس إلا الصلاة المشبهة فإنها التي وردت في قوله صلى الله تعالى عليه وسلم لما قيل
له كيف نصلي عليك فقال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم
وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد وقولنا اللهم صل دعاء فلا يتعلق إلا
بعطية لم تعط لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم معدومة والموجود الحاصل له عليه
____________________
(1/160)
غير أني ظهر لي جواب عن الجميع هو حسن سأذكره إن شاء الله
تعالى بعد ذكري لأجوبة الناس لأن من سبق أولى بالتقديم أما أجوبة الناس في الحديث
فقال الأستاذ ابن عصفور لو في الحديث بمعنى إن لمطلق الربط وأن لا يكون نفيها
ثبوتا ولا ثبوتها نفيا فيندفع الإشكال وقال شمس الدين الخسرو شاهي إن لو في أصل
اللغة لمطلق الربط وإنما اشتهرت في العرف في انقلاب ثبوتها نفيا وبالعكس والحديث
إنما ورد بمعنى اللفظ في اللغة
وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام الشيء الواحد قد يكون له سبب واحد فينتفي عند
انتفائه وقد يكون له سببان لا يلزم من عدم أحدهما عدمه لأن السبب الثاني يخلفه
السبب الأول كقولنا في زوج هو ابن عم لو لم يكن زوجا لورث أي بالتعصيب فإنهما
سببان لا يلزم من عدم أحدهما عدم الآخر وكذلك ها هنا الناس في الغالب إنما لم لم
يعصوا لأجل الخوف فإذا ذهب الخوف عنهم عصوا لاتحاد السبب في حقهم فأخبر عليه
السلام أن صهيبا رضي الله عنه اجتمع في حقه سببان يمنعانه من المعصية الخوف
والإجلال فلو انتفى الخوف في حقه لانتفى العصيان للسبب الآخر وهو الإجلال وهذا مدح
عظيم جليل لصهيب وكلام حسن
وأجاب غيرهم بأن الجواب محذوف تقديره
هامش أنوار البروق
ذلك بلازم فإن القائل إذا قال أعط زيدا كما أعطيت عمرا يحتمل أن يريد بالتشبيه أصل
العطاء من غير تعرض لشيء من صفاته من القدر وغيره وعلى هذا لا يرد السؤال لكن ربما
يسأل عن اختصاص إبراهيم فالجواب أن موجب اختصاصه بذلك اختصاصه بالنسبة إليه
بالنبوة والموافقة في معالم الملة
هامش إدرار الشروق
الصلاة والسلام قبل دعائنا لم يتعلق به طلب ألبتة لأن طلب تحصيل الحاصل محال وذلك
الموجود الحاصل مواهب ربانية لرسول الله من خيري الدنيا والآخرة لم يدركها أحد من
الأنبياء ولم يصل إليها وما نطلبه له عليه الصلاة والسلام زيادة على ذلك فلو
تخيلناه أقل من المواهب الحاصلة لإبراهيم بمقتضى قاعدة أن المشبه به أعظم من
المشبه في وجه الشبه لم يلزم منه تفضيل إبراهيم عليه السلام على رسول الله صلى
الله تعالى عليه وسلم ألا ترى أن الملك لو أعطى لرجل ألف دينار وأعطى الآخر مائة
ثم طلبنا نحن من الملك أن يزيد صاحب الألف على الألف مثل ما أعطى صاحب المائة
وأجاب الملك طلبنا لكان الحاصل مع صاحب الألف ألفا ومائة ومع صاحب المائة مائة لم
يلزم على ذلك
وإن تخيل أن مائة صاحب المائة أعظم من مائة صاحب الألف بمقتضى قاعدة التشبيه إخلال
ما بعطية صاحب الألف في ألفه بل المائة زيادة على ما وقع به التفضيل أولا فسقط ما
أورده العز بن عبد السلام على الحديث المذكور من أن قاعدة العرب تقتضي أن المشبه
بالشيء يكون أخفض رتبة منه وأعظم أحواله أن يكون مثله وها هنا شبهنا عطية رسول
الله صلى الله تعالى عليه وسلم بعطية إبراهيم عليه السلام فإن صلاة الله سبحانه
وتعالى معناها الإحسان مجازا إما بالاستعارة أو مرسلا من باب التعبير بالمتعلق لا
الدعاء الذي هو حقيقة اللفظ لاستحالته ونحن نعلم أن إحسان الله تعالى لنبيه محمد
صلى الله تعالى عليه وسلم أعظم من إحسانه لإبراهيم عليه السلام وتشبيهه به يقتضي
خلاف ذلك فما وجه التشبيه ولا حاجة لجوابه عنه بأن التشبيه وقع بين المجموعين
مجموع المعطى لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ولآله ومجموع المعطى لإبراهيم
عليه السلام ولآله وآل إبراهيم عليه السلام أنبياء وآل رسول الله صلى الله تعالى
عليه وسلم ليسوا بأنبياء فالمجموع المعطى
____________________
(1/161)
لو لم يخف الله عصمه الله ودل على ذلك قوله لم يعصه وهذه
الأجوبة تأتي في الآية غير الثالث فإن عدم نفاد كلمات الله تعالى وأنها غير
متناهية أمر ثابت لها لذاتها وما بالذات لا يعلل بالأسباب فتأمل ذلك هذا كلام
الفضلاء الذي اتصل بي والذي ظهر لي أن لو أصلها أن تستعمل للربط بين شيئين كما
تقدم ثم إنها أيضا تستعمل لقطع الربط فتكون جوابا لسؤال محقق أو متوهم وقع فيه ربط
فتقطعه أنت لاعتقادك بطلان ذلك الربط كما لو قال القائل لو لم يكن زيد زوجا لم يرث
فتقول له أنت لو لم يكن زوجا لم يحرم تريد أن ما ذكره من الربط بين عدم الزوجية
وعدم الإرث ليس بحق فمقصودك قطع ربط كلامه لا ارتباط كلامك وتقول لو لم يكن زيد
عالما لأكرم أي لشجاعته جوابا لسؤال سائل تتوهمه أو سمعته وهو يقول إنه إذا لم يكن
عالما لم يكرم فيربط بين عدم العلم وعدم الإكرام فتقطع أنت ذلك الربط وليس مقصودك
أن تربط بين عدم العلم والإكرام لأن ذلك ليس بمناسب ولا من أغراض العقلاء ولا يتجه
كلامك إلا على عدم الربط كذلك الحديث لما كان الغالب على الناس أن يرتبط عصيانهم
بعدم خوفهم وأن ذلك في الأوهام قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم هنا الربط وقال لو
لم يخف الله لم يعصه وكذلك لما كان الغالب
هامش أنوار البروق
قال وكان يجيب رحمه الله عن هذا السؤال فيقول التشبيه وقع بين المجموعين إلى قوله
والجواب الحق هو هذا الثاني قلت على تسليم أن التشبيه يستلزم المشابهة في أوصافها
فهو على تقدير إرادة المشبه ذلك يكون جواب عز الدين مستدركا كما قال شهاب الدين
وجوابه هو أصح والله أعلم
هامش إدرار الشروق
لإبراهيم عليه السلام يقسم عليه وعلى آله والمجموع المعطى لرسول الله صلى الله
تعالى عليه وسلم يقسم عليه وعلى آله فتكون الأجزاء الحاصلة لآل إبراهيم عليه
السلام أعظم من الأجزاء الحاصلة لآل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فيكون
الفاضل لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أعظم من الفاضل لإبراهيم عليه السلام
فيكون رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أفضل من إبراهيم وهو المطلوب نعم الصحيح
أن الألفاظ الثمانية من الدعاء وما معه
وإن كانت لا تتعلق في لسان العرب إلا بالمستقبل إلا أن ذلك لا يمنع كما يأتي في
الفرق الرابع والستين عن ابن الشاط من تشبيه ما يتعلق به واحد منها بغير المستقبل
ولكن مع ذلك فسؤال ابن عبد السلام المذكور ليس بلازم الورود على الحديث المذكور
وذلك لأن هذا السؤال مبني على مشابهة الفعل المطلوب للفعل المشبه به في القدر
والصفة بأن يكون مراد الداعي بقوله أعط زيدا كما أعطيت عمرا سو بينهما في مقدار
العطية وصفتها مع محاسبة زيد بما أعطيته قبل هذا وليس ذلك بلازم بل يحتمل أن يكون
الداعي أراد سو بينهما في مطلق العطية من غير تعرض لفقد التسوية في مقدار العطية
ولا في صفتها أو أراد سو بينهما في مقدار العطية وصفتها من غير محاسبة زيد بما
أعطيته قبل هذا وعلى هذين الاحتمالين لا يصح ورود السؤال من أصله نعم ربما يسأل عن
موجب اختصاص إبراهيم عليه السلام بذلك فيقال موجبه نسبة نبينا صلى الله عليه وسلم
إليه بالنبوة والموافقة في معالم الملة كما قاله ابن الشاط وعلى تقدير إرادة
الداعي الاحتمال الأول المبني عليه ورود السؤال فجواب ابن عبد السلام عنه بما ذكر
مستدرك بأن مقتضاه تعلق الطلب بالموجود الحاصل له صلى الله تعالى عليه وسلم والحال
أن طلب تحصيل الحاصل محال فافهم
____________________
(1/162)
على الأوهام أن الشجر كلها إذا صارت أقلاما والبحر المالح
مع غيره مدادا يكتب به يقول الوهم ما يكتب بهذا شيء إلا نفد وما عساه أن يكون قطع
الله تعالى هذا الربط وقال ما نفدت وهذا الجواب أصلح من الأجوبة المتقدمة من وجهين
أحدهما شموله لهذين الموضعين وبعضها لم يشمل كما تقدم بيانه وثانيهما أن لو بمعنى
أن خلاف الظاهر ومخالف للعرف وادعاء النقل خلاف الأصل والظاهر وحذف الجواب خلاف
الظاهر وما ذكرته من الجواب ليس فيه مخالفة للعرف فإن أهل العرف يستعملون ما ذكرته
ولا يفهمون غيره في تلك الموارد ويعم هذا الجواب الواجب لذاته كصفات الله وكلماته
والممكن القابل للتعليل كطاعة صهيب رضي الله عنه
المسألة الثالثة أن النحاة والأصوليين قد نصوا
على أن إن لا يعلق عليها إلا مشكوك فيه فلا نقول إن غربت الشمس فأتيني بل إذا غربت
الشمس وإذا يعلق عليها المشكوك والمعلوم فتقول إذا دخلت الدار فأنت حر وإن دخلت
الدار فأنت حر ومقتضى هذه القاعدة أن يتعذر ورودها في كتاب الله تعالى مضافة إلى
الله تعالى فإن الله تعالى بكل شيء
هامش أنوار البروق
قال والعجب أنا طول أعمارنا نقول ما أمرنا به وهو اللهم صل على محمد وصلى الله على
محمد من غير تشبيه بإبراهيم عليه السلام ولا بغيره إلى قوله وأنه مطلق لا عام قلت
ولقائل أن يقول ما أمرنا إلا بالصلاة المشبهة فإنها التي وردت في الحديث لا غيرها
وما قال من أنه مطلق لا عام صحيح
هامش إدرار الشروق
الوصل الثاني في أربع عشرة مسألة توضح القاعدتين المسألة الأولى جعل الشرط وجزائه
ماضيين في قوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام إن كنت قلته فقد علمته جاز على
القليل من تعلق إن بالماضي فلا تحتاج الآية إلى أن يدعي أولا أن هذا القول وقع في
زمن عيسى عليه السلام في الدنيا بدليل أن سؤال الله تعالى كان في الدنيا فإنه قد
أخبر الله به محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم بلفظي إذ وقال الماضيين بقوله تعالى
إذ قال الله يا عيسى ابن مريم وثانيا أن سؤاله تعالى قبل أن يدعي ذلك عليه فيكون
التقدير إن أكن أقوله فأنت تعلمه فهما مستقبلان لا ماضيان أو يقال المشهور أن
السؤال يكون يوم القيامة لكن عبر عنه بالماضي على حد قوله تعالى أتى أمر الله لأن
خبره تعالى الواقع في المستقبل كالماضي في تحقق الوقوع فيجب كما قال ابن السراج
تأويل الشرط والجزاء بفعلين مستقبلين تقديرهما إن يثبت في المستقبل أني قلته في
الماضي يثبت أنك تعلم ذلك وكل شيء تقرر في الماضي كان ثبوته في المستقبل معلوما
فيحسن التعليق عليه
المسألة الثانية لو في اللغة إنما لمجرد الربط خاصة وما توهموه فيها من أنها إذا
دخلت على ثبوتين نحو لو جاءني زيد لأكرمته عادا نفيين فما جاء زيد ولا أكرم أو على
نفيين نحو لو لم يستدن لم يطالب عادا ثبوتين فقد استدان وطولب أو على نفي وثبوت
نحو لو لم يؤمن أريق دمه أو لو آمن لم يقتل كان النفي ثبوتا والثبوت نفيا ففي
الأول آمن ولم يرق دمه وفي الثاني لم يؤمن فقتل إنما هو من قبيل مفهوم الشرط فإن
قيل به صح ذلك وإلا فلا فهي في قوله تعالى ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام
والبحر يمده من بعده سبعة
____________________
(1/163)
عليم مع أنها وردت كقوله تعالى إن كنتم إياه تعبدون وإن
كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا وغير ذلك من التعليقات وهو كثير جدا مع أن قوله
تعالى إن كنتم في ريب خطاب مع أهل الكفر فالله تعالى يعلم أنهم في ريب وهم يعلمون
ويجزمون أنهم في ريب ومع ذلك فالتعليق حسن
والجواب عن هذا السؤال أن الخصائص الإلهية لا تدخل في الأوضاع العربية بل الأوضاع
العربية مبنية على خصائص الخلق والله تعالى أنزل القرآن بلغة العرب وعلى منوالهم
فكل ما كان في عادة العرب حسنا أنزل في القرآن على ذلك الوجه أو قبيحا في لسان
العرب لم ينزل في القرآن توفية بكون القرآن عربيا وتحقيقا لذلك فيكون الضابط أن كل
ما شأنه أن يكون في العادة مشكوكا فيه بين الناس حسن تعليقه بإن من قبل الله تعالى
ومن قبل غيره سواء كان معلوما للمتكلم أو للسامع أو لا ولذلك يحسن من الواحد منا
أن يقول إن كان زيد في الدار فأكرمه مع أنه يعلم أنه في الدار لأن حصول زيد في
الدار
هامش أنوار البروق
قال ومن المعلوم أن أصل الإحسان ليس في الرتبة مثل الإحسان المشبه بإحسانه تعالى
لإبراهيم عليه السلام إلى قوله فإنه إضعاف أصل الإحسان
قلت ما قاله هنا ليس بصحيح فإن مطلق الإحسان لا يصح أن يكون إحسان ما قيد إضعافا
له وإنما يكون إضعافا لإحسان مقيد وليس هذا كلام من فهم المطلق والمقيد والفرق
بينهما على وجهه والذي حمله على هذا الخطأ استرواحه إلى قاعدة غير صحيحة قررها بعد
وهي أن الأعم يستلزم الأخص عينا إذا كان الفرق بينهما بالأقل والأكثر والمستلزم هو
الأقل
هامش إدرار الشروق
أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم وردت بمعناها اللغوي لمطلق الربط فلا
تقتضي أن كلمات الله تعالى نفدت فلا داعي إلى ما قالوه في الآية من التكلفات فافهم
قال شهاب الدين المسألة الثالثة أن النحاة والأصوليين
قد نصوا على أن إن لا يعلق عليها إلا مشكوك فيه آخر المسألة قلت ليس الأمر
كما نصوا عليه بل هي لمطلق الربط سواء كان ما دخلت عليه مشكوكا فيه أو غير مشكوك
غير أنها ليست بظرف وإذا ظرف وقد آل كلامه في جوابه عن الإشكال وجوابه بعد ذلك عن
السؤال إلى أنها تستعمل في المشكوك وغير المشكوك ودعوى المجاز على خلاف الأصل
المسألة الثالثة لا فرق بين إن وإذا في كونهما لمطلق الربط سواء كان ما دخلا عليه
مشكوكا فيه أو غير مشكوك غير أن إن ليست بظرف وإذا ظرف فلذا يقال إذا غربت الشمس
ولا يقال إن غربت ومن استعمال إن في المشكوك إن يكن الواحد نصف العشرة فالعشرة
اثنان وإن يكن نصف الخمسة فالخمسة زوج إذ المعنى متى فرض الواحد نصف العشرة أو نصف
الخمسة كان اللازم على هذا الفرض المحال هذا اللازم المحال فإن فرض المحال واقعا
جائز فيجوز أن يلزمه المحال والتعليق على المفروض من قبيل التعليق على
____________________
(1/164)
شأنه أن يكون في العادة مشكوكا فيه فهذا هو الضابط لما يعلق
على إن فلا فرق حينئذ بين ما يرد من قبل الله عز وجل في كتابه وبين ما يرد من كلام
الناس من هذا الوجه فاندفع الإشكال فإن قلت فيلزم على هذا أن لا يصح قولنا أن يكون
الواحد نصف العشرة فالعشرة اثنان وإن يكن نصف الخمسة فالخمسة زوج لأن هذه الأمور
لا يشك فيها عادة بل تقطع بأن الواحد نصف الاثنين ولا يكون نصف الخمسة مع أن هذا
الكلام عربي وملازمته صحيحة ومعنى معتبر قلت كون الواحد نصف العشرة أمر ليس في
الواقع بل أمر يفرضه العقل ويقدره الوهم ومعناه متى فرض الواحد نصف العشرة أو نصف
الخمسة كان اللازم على هذا الفرض المحال هذا اللازم المحال فإن فرض المحال واقع
جائز فيجوز أن يلزمه المحال وإذا كان التعليق إنما هو على أمر مفروض والفرض والتقدير
ليس أمرا لازما في الواقع بل يجوز أن يقع وأن لا يقع فصار من قبيل المشكوك فيه
فلأجل ذلك حسن تعليقه بإن فتأمل هذه المواضع فإنها في بادئ الرأي مشكلة ينحل
إشكالها بما قررناه
هامش أنوار البروق
قال وما المحسن لطلبنا مطلق الإحسان من غير تشبيه إلا أنا نطلب الزيادة التي لم
تكن أعطيت قبل دعائنا إلى قوله الذي نحن نسأل له الزيادة قلت ما قاله هنا صحيح
هامش إدرار الشروق
المشكوك فيه نحو إن دخلت الدار فأنت حر إذ الغرض والتقدير ليس أمرا لازما في
الواقع بل يجوز أن يقع وأن لا يقع ومن استعمالها في غير المشكوك فيه قوله تعالى إن
كنتم إياه تعبدون وقوله تعالى وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا وغير ذلك من
التعليقات الواردة في كتاب الله تعالى فلا حاجة إلى دعوى أن كونهم يعبدون الله
وكونهم في ريب مما أنزله الله تعالى على عبده ونحوهما شأنه أن يكون في العادة
مشكوكا فيه بين الناس وكل ما شأنه ذلك يحسن تعليقه بأن من قبل الله تعالى ومن قبل
غيره سواء كان معلوما للمتكلم أو للسامع أو لا فظهر أن ليس الأمر كما نص عليه
النحاة والأصوليون من أن إن لا يعلق عليها إلا المشكوك فيه وإذا يعلق عليها
المشكوك والمعلوم
المسألة الرابعة قد تقدم في الوصل الأول أن
أدوات الشرط كما تدخل على المستقبل تدخل على غير المستقبل بخلاف أنواع الطلب
الثمانية وعليه فيصح تعليق صفات الله تعالى نحو علمه وإرادته وإن كان الله تعالى
في الأزل بكل شيء عليم وقدر كل شيء في الأزل من جميع الموجودات الممكنات
والمعدومات ويستحيل أن يتأخر شيء من ذلك عن الأزل ولا داعي لتكلف الجواب عن مثل
قوله تعالى إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون وإذا أردنا أن نهلك
قرية أمرنا مترفيها إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين إن يعلم الله في قلوبكم
خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم من يرد الله به خيرا
يفقهه في الدين فتنبه
المسألة الخامسة أدوات الشرط عند المناطقة والفقهاء على قسمين ما يفهم العموم
فيقتضي تكرار
____________________
(1/165)
المسألة الرابعة مقتضى ما تقدم من أن الشرط لا يكون إلا بأمر معدوم مستقبل
وأن جزاءه أيضا كذلك وأنها أمور عشرة في لسان العرب كذلك كما تقدم تقريره أن لا
يصح تعليق صفات الله تعالى نحو علمه وإرادته فإن الله تعالى في الأزل بكل شيء عليم
وقدر كل شيء في الأزل من جميع الموجودات الممكنات والمعدومات ويستحيل أن يتأخر شيء
من ذلك عن الأزل فيستحيل تعليقه حينئذ وجعله شرطا لكنه ورد في كتاب الله تعالى
معلقا على الشرط كقوله عز وجل ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون ولو
شئنا لآتينا كل نفس هداها إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون وإذا
أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها و إن يشأ يذهبكم ويأت بآخرين و إن يعلم الله في
قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم وفي السنة من يرد الله به خيرا يفقهه في
الدين ومن ها هنا شرطية فإن قلت كيف تورد السؤال بلو مع أنك قد قدمت أن من خصائصها
أنها تدخل على الماضي فلا يكون الاستقبال فيها لازما حتى يرد بها السؤال قلت من
خصائصها أنها قد تدخل على الماضي ولكن لا يمنع دخولها على المستقبل
ونحن نعلم ها هنا أنها إنما دخلت على
هامش أنوار البروق
قال والعجب من تنبه الشيخ لا يراد السؤال في الحديث المروي ولم يدرك أنه يرد في
الصلاة المطلقة وهي أولى بإيراد السؤال فيها إن كان صحيحا قلت التنبه لإيراد
السؤال على الحديث مبني على استلزام التشبيه للمشابهة في صفات الفعل وهو
هامش إدرار الشروق
المعلق بتكرار المعلق عليه وما يفهم الإطلاق فلا يقتضي ذلك بل يقتصر من المعلق على
فرد ولو تكرر المعلق عليه إلا أن المناطقة اقتصروا فيما يفهم الإطلاق على لو وإن
وإذا وجعلوا ما عدا ذلك مما يفهم العموم والفقهاء اقتصروا فيما يفهم العموم على
كلما ومهما وجعلوا ما عدا ذلك مما يفهم الإطلاق ففي البناني على عبق
قال ابن رشد إذا قال إن تزوجت فلانة فهي طالق فلا ترجع عليه اليمين إن تزوجها
ثانية ومتى ما عند مالك مثل إن إلا أن يريد بها معنى كلما وأما مهما فتقتضي
التكرار بمنزلة كلما انظر ق ا ه
وفي مجموع الأمير وفي واحدة في واحدة أو بما لا يقتضي التكرار كمتى ما وإذا ما لا
كلما وكرر واحدة وهل كذلك طالق أبدا أو ثلاثا خلاف ا ه
وفي ضوء الشموع قوله كمتى ما تمثيل بالمتوهم إلا خفي فإن المناطقة جعلوها سورا
كليا في الشرطيات مثل كلما ولكن روعي هنا العرف من إرادة الفورية فمعنى متى ما
دخلت فأنت طالق أنها تطلق بمجرد دخولها فلا يتكرر الطلاق بتكرر الدخول إلا أن ينوي
ذلك وأما إن فعدم اقتضائها التكرار ظاهر ا ه
هذا إذا كان المعلق عليه غير طلاق كالدخول في المثال أما إذا كان طلاقا كمتى ما
وإذا ما طلقتك فأنت طالق أو متى ما أو إذا ما وقع عليك طلاقي فأنت طالق وطلقها
واحدة ففي كون متى ما وإذا ما من أدوات التكرار ككلما فيقع عليه الطلاق الثلاث في
هذه الصور كما وقع
____________________
(1/166)
المستقبل من جهة الواقع فإنه تعالى لو شاء جعلنا ملائكة
لكنا ملائكة لكنا لسنا ملائكة فعلمنا أن هذا ليس ماضيا وكذلك بقية الآيات فالسؤال
بها لازم
والجواب عنه أن تعلق إرادة الله تعالى وعلمه بالأشياء قسمان قسم واقع وقسم مقدر
مفروض ليس واقعا فالواقع هو أزلي لا يمكن جعل شيء منه شرطا ألبتة والمقدر هو الذي
جعل شرطا وتقدير الكلام في هذه المواضع متى فرض إرادتنا أن نردكم ملائكة كنتم
ملائكة ومتى فرض إرادتنا لهداية نفس اهتدت ومتى فرض إرادتنا لكون شيء كان ومتى فرض
إرادتنا لإهلاك قرية وكان السبب في إهلاكها أمر مترفيها فيفسقون ومتى فرض علم الله
تعالى بأن فيكم خيرا آتاكم خيرا مما أخذ منكم وكذلك بقية هذه النظائر فجميع المعلق
عليه من تعلق صفات الله تعالى إنما هو مفروض مقدر لا أنه واقع والفرض والتقدير أمر
متوقع في المستقبل ليس أزليا فلذلك حسن التعليق فيه على الشرط فإن قلت بل هذا
التقدير أزلي والله تعالى يعلم في الأزل أنه لو شاء لجعلنا ملائكة ولو شاء هداية
نفس لاهتدت والعلم تابع للمعلوم فيكون العلم بهذا التقدير فرع تحقق التقدير لكن
العلم بذلك أزلي فيكون التقدير أزليا فيمتنع تعليقه قلت الواقع في الأزل هو العلم
بارتباط الهداية والعلم بارتباط الشيء بالشيء لا يقتضي وقوع ذينك الشيئين ولا
أحدهما لأن الله تعالى يعلم في الأزل ارتباط
هامش أنوار البروق
مما يسبق إليه الوهم في مثل هذا الحديث وأما في مطلق الصلاة وأشباهها فلا يسبق ذلك
فيها إلى وهم من عرف حقيقة المطلق والمقيد والفرق بينهما بوجه وإنما يسبق ذلك إلى
وهم من لا يعرف حقيقتهما ولا الفرق بينهما
هامش إدرار الشروق
عليه في صورتي كلما طلقتك أو وقع عليك طلاقي فأنت طالق وطلقها واحدة لأن الثانية
لزمته بالتعليق على الأولى التي هي فعلة حقيقة فصارت الثانية فعلة التزاما لأن
فاعل السبب وهو الأولى فاعل المسبب وهو الثانية فكأنه طلقها اثنتين أي فتقع
الثالثة بمقتضى إرادة التكرار أو ليست من أدوات التكرار كان فيلزمه فيهما طلقتان
وأما الثالثة فلا تلزمه كما أن من قال إن طلقتك فأنت طالق يلزمه طلقتان لأنه لا
تكرار قولان الأول اقتصر عليه العلامة خليل في مختصره حيث قال عاطفا على ما يلزم
فيه الثلاث أو كلما أو متى ما أو إذا ما طلقتك أو وقع عليك طلاقي فأنت طالق وطلقها
واحدة ا ه
والثاني اعتمده العلامة الشيخ علي العدوي في حاشيته على الخرشي ثم قال والمعلق
عليه هنا طلاق وما تقدم من قوله أو متى ما فعلت وكرر فالمعلق عليه غير طلاق فلا
ينافي هذا ما قالوه أي من أن متى ومتى ما عند مالك مثل إن مع أن المنطقيين على أن
إن ولو وإذا للإهمال ومتى من أسوار الكلي ا ه فتحصل من هذا أن أدوات الشرط عند
فقهائنا على ثلاثة أقسام
الأول ما يفهم العموم مطلقا كإن كان المعلق عليه طلاقا أو غيره وهو كلما ومهما
الثاني ما يفهم الإطلاق مطلقا كان المعلق عليه طلاقا أو غيره وهو إن وإذا ولو
الثالث ما يفهم الإطلاق اتفاقا إذا كان المعلق عليه غير الطلاق مراعاة للعرف من
إرادة الفورية لا المعنى اللغوي من إرادة العموم ويفهم العموم مراعاة للمعنى اللغوي
أو الإطلاق مراعاة للعرف من إرادة الفورية على الخلاف إذا كان المعلق عليه طلاقا
وهو الباقي كمتى ومتى ما قلت وعلى هذا لا يتجه على نص القاضي عبد الوهاب وغيره من
العلماء على أن حيث وأين من صيغ العموم ا ه
____________________
(1/167)
الري بالشرب والشبع بالأكل فعلمه تعالى بهذه الأشياء أزلي
وهذه الأشياء حادثة كذلك ها هنا يعلم الله سبحانه في الأزل ارتباط الهداية بفرض
إرادة الله تعالى لها فيكون العلم بذلك قديما والمعلوم وهو هذان الأمران حادثان
ومعنى قولنا العلم تابع للمعلوم أي تابع لتقديره في زمانه ماضيا كان أو حاضرا أو
مستقبلا فنعلم أن القيامة تقوم فعلمنا حاضر ومعلومنا مستقبل لكن المتقدم على علمنا
بالرتبة العقلية هو تقدير المعلوم في زمانه لا ذات المعلوم فتأمل ذلك وأثبته أيضا
في قولهم الخبر تابع للمخبر بهذا التفسير فإن قلت الارتباط بين إرادة الله تعالى
الهداية والهداية أزلي فإن هذا الارتباط واجب عقلا والواجبات العقلية لا تقبل
العدم وما لا يقبل العدم أزلي فالارتباط أزلي وقد جعل شرطا مع أنه أزلي قلت لم
يجعل الارتباط شرطا بل المرتبط به خاصة وهو المشيئة المفروضة أما الارتباط بها فلم
يجعل شرطا أصلا ولا تنافي بين قدم الارتباط وحدوث المرتبط والمرتبط به ألا ترى أن
الارتباط واقع بين الأجسام والأكوان التي هي الحركة والسكون والاجتماع والافتراق
وأن هذا الارتباط واجب عقلا لا يقبل العدم ومع ذلك فالأجسام والأعراض حادثة وسره
أن الارتباط حكم ونسبة وإضافة لا تقبل الوجود
هامش أنوار البروق
قال وتأمل ما ذكرته فهو حسن والله أعلم قلت قد تبين أنه ليس بحسن والحمد لله
قال شهاب الدين المسألة الثانية قوله تعالى ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام
والبحر
هامش إدرار الشروق
ما قيل من أن مقتضى نصهم على العموم التكرير فيلزم إذا قال لها حيث وجدتك أو أين
وجدتك فأنت طالق فوجدها طلقت ثم وجدها في عدتها مرارا أن تطلق عليه ثلاثا تحقيقا
للعموم وللفرق بين المطلق والعام وإذا لم يترتب عليه مقتضاه من التكرار وقيل لا
يلزم قائل ذلك إلا طلقة واحدة فكيف يقضى به أو يستدل على تحققه بأن ظواهر النصوص
دالة عليه مثل قوله تعالى فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم لا يفهم منه إلا الأمر
بقتلهم في جميع البقاع وقوله تعالى حيث ثقفتموهم لا يفهم منه إلا ذلك وقوله تعالى
أينما تكونوا يدركم الموت معناه علمه تعالى محيط بالخلائق في أي بقعة كانوا ونظائر
ذلك كثيرة في الكتاب العزيز والسنة وكلام العرب
وإذا كان لا يفهم من هذه الصيغ إلا العموم دل ذلك على وضعها له ونحن لا نقضي
بالشيء إلا إذا ظهر أثره ألا ترى أن العموم في قول القائل كلما دخلت الدار فأنت
طالق إنما قضينا به عند ظهور أثره من تكرر الطلاق بتكرر المعلق عليه فإذا تكرر
دخولها في عدتها طلقت عليه ثلاثا وكذا إنما قضينا به في قوله من دخل داري فله درهم
عند ظهور أثره فإن كل من دخل يستحق ومن حرم استحق مانعه الذم فلو قضينا به عند عدم
ظهور أثره كما هنا للزم اتحاد أحكام المطلقات والعمومات وكان القول بالعموم في
أحدها والإطلاق في الآخر تحكما محضا والتحكم المحض لا عبرة به والعلماء براء من
ذلك ولا حاجة للجواب عنه بما حاصله أن العموم في حيث وأين مثل العموم في نحو أنت
طالق أبدا في كونه ثابتا للظرف لا للمظروف فكما أن معنى أنت طالق أبدا أنت طالق
في كل أو جميع الأزمنة كذلك معنى أنت طالق حيث أو أين جلست أنت
____________________
(1/168)
الخارجي بل الذهني فقط كالإمكان والاستحالة حكمان أزليان
والممكنات حادثة
المسألة الخامسة نص القاضي عبد الوهاب وغيره من
العلماء على أن حيث وأين من صيغ العموم فيلزم على هذا إذا قال لها حيث وجدتك أو
أين وجدتك فأنت طالق فوجدها طلقت ثم وجدها في عدتها مرارا أن تطلق عليه ثلاثا لأجل
العموم وكذلك القول في متى ولا يلزم بها إلا طلقة واحدة وهو مشكل لأن مقتضى نصهم
على العموم التكرير تحقيقا للعموم والفرق بين المطلق والعام فإن المطلق هو الذي
يقتصر منه على فرد ألا ترى أن كلما لما كانت للعموم تكرر الطلاق بتكرر المعلق عليه
في قوله كلما دخلت الدار فأنت طالق فتكرر دخولها في عدتها طلقت ثلاثا فكيف الجمع
بين العموم وأنه لا يلزم إلا طلقة واحدة وما الفرق بين متى ما وكلما وما معنى ما
فيهما
والجواب مبني على قاعدة وهي أن التعليق ينقسم إلى أربعة أقسام عام على عام ومطلق
على مطلق ومطلق على عام وعام على مطلق القسم الأول وهو تعليق عام على عام فهو نحو
كلما دخلت الدار فأنت طالق علق جميع الطلقات على جميع الدخلات على وجه التفريق
لإفراد الطلاق
هامش أنوار البروق
يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم وقاعدة لو أنها إذا
دخلت على ثبوتين عادا نفيين أو على نفيين عادا ثبوتين أو على نفي وثبوت فالنفي
ثبوت والثبوت نفي كقولنا لو جاءني زيد لأكرمته فهما ثبوتان فما جاءني زيد ولا
أكرمته ولو لم يستدن لم يطالب فهما نفيان والتقدير أنه استدان وطولب ولو لم يؤمن أريق
دمه والتقدير أنه آمن ولم يرق دمه وبالعكس لو
هامش إدرار الشروق
طالق في كل أو جميع البقاع لأمرين الأول أن أين وحيث كل واحد منهما اسم جنس للمكان
ملازم للإضافة
والقاعدة أن اسم الجنس إذا أضيف عم الثاني أن صيغ العموم إنما تعم فيما أضيفت إليه
خاصة وكما أنه لو قال أنت طالق أبدا يلزمه طلقة واحدة على المذهب كما يدل عليه
كلام ابن العربي في الأحكام بل يفيد أنه قول جميع الفقهاء كما ستقف على نصه كذلك
لو قال أنت طالق حيث أو أين جلست يلزمه طلقة واحدة فصح قول العلماء أن حيث وأين
للعموم وأن اللازم طلقة واحدة ولا يتنافى ذلك ولا يتناقض على أن في هذا الجواب
نظرا من وجوه أحدها أن أنت طالق أبدا وإن سلم أن معناه أنت طالق في جميع أو كل
الأزمنة إلا أنا لا نسلم أن قول القائل أنت طالق في جميع أو كل الأيام من صيغ
العموم فإن كل إذا أضيفت إلى المعرف لا تكون للعموم وإنما تكون في معنى جميع وجميع
لا تضاف إلا إلى المعرف فلا يقال جميع رجل في معنى كل رجل فجميع الأيام وكل الأيام
ليسا من ألفاظ العموم وإنما لفظ العموم أن يقول أنت طالق كل يوم أو كل يوم أنت فيه
طالق فمن هنا قال ابن العربي في الأحكام عند قوله تعالى لا تقم فيه أبدا قوله أبدا
ظرف زمان مبهم لا عموم له ولكنه إذا اتصل بالنهي أفاد العموم فإنه نكرة في سياق
النهي وكأنه قال لا تقم فيه في وقت من الأوقات وقد قال الفقهاء لو قال رجل لامرأته
أنت طالق أبدا طلقت طلقة واحدة ا ه
نقله الرهوني عنه في حاشيته على حواشي عبق نعم في العطار على محلى جمع الجوامع بعد
أن نقل تنظير صاحب جمع الجوامع في شرح المنهاج على عد جميع من صيغ العموم بقوله لا
أدري كيف يستفاد العموم
____________________
(1/169)
على إفراد الدخول لا على وجه اجتماع أفراد الطلاق لكل فرد
من إفراد الدخول فلا جرم لزم بكل دخلة طلقة
والقسم الثاني تعليق مطلق على مطلق نحو إن دخلت الدار فأنت طالق وإذا دخلت الدار
فأنت طالق علق مطلق الطلاق على مطلق الدخول فإذا وجد مطلق الدخول لزم مطلق الطلاق
وانحلت يمينه وإن وإذا في ذلك سواء غير أن الفرق بينهما من وجوه أخر وهو أن إذا
تدل على الزمان مطابقة والشرط يعرض لها فيلزم في بعض الصور وقد تعرى عن الشرط
وتستعمل ظرفا مجردا كقوله تعالى والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى فهي في موضع نصب
على الحال ومعناه أقسم بالليل حالة غشيانه وبالنهار حالة تجليه لأنها أكمل الحالات
والقسم تعظيم للمقسم به وتعظيم الشيء في أعظم حالاته مناسب وأما إن فتدل على الشرط
مطابقة وعلى الزمان التزاما عكس إذا فإن الدخول لا بد له من زمان بطريق اللزوم
فهما متعاكسان من هذا الوجه وإن استويا في الإطلاق وبقيت أمور أخر تختص بها إذا
نحو الأسمية وغيرها لا يناسب ذكرها هنا
القسم الثالث تعليق مطلق على عام نحو متى وأين
وحيث فهذه من صيغ العموم
هامش أنوار البروق
آمن لم يقتل تقديره لم يؤمن فقتل
فإذا تقررت هذه القاعدة فيلزم أن تكون كلمات الله تعالى نفدت وليس كذلك لأن لو
دخلت هنا على ثبوت أولا ونفي أخيرا فيكون الثبوت الأول نفيا
وهو كذلك فإن الشجر ليست أقلاما ويلزم أن النفي الأخير ثبوت فتكون نفدت وليس كذلك
ونظير هذه الآية قوله
هامش إدرار الشروق
من لفظة جميع فإنها لا تضاف إلا إلى المعرفة تقول جميع القوم وجميع قومك ولا تقول
جميع قوم ومع التعريف باللام أو الإضافة يكون التعميم مستفادا منهما لا من لفظة
جميع ا ه قال ما نصه
وأجيب بأن العموم من جميع إذا قدرت اللام في المضاف إليه للجنس لا للاستغراق أو
كان المضاف إليه معرفا بالإضافة نحو جميع غلام زيد إذ عموم أجزائه من جميع لا من
تعريف غلام بالإضافة على أن النظر منقوض بنحو جميع زيد حسن إذ المضاف إليه معرفة
ولا عموم فيه ا ه فتأمل
ثانيها أنا لا نسلم أن القاعدة أن اسم الجنس إذا أضيف عم وإنما القاعدة أن الجمع
إذا أضيف عم فقول القائل عبيدي أحرار لم يكن العموم فيه من جهة كونه اسم جنس أضيف
وإنما كان العموم لأنه جمع أضيف على أنا لو سلمنا أن القاعدة ما ذكر لا نسلمه على
إطلاقه بل مرادهم إذا أضيف لغير الجمل وكان مما ينطلق مسماه على القليل والكثير
كالماء في قوله عليه الصلاة والسلام هو الطهور ماؤه الحل ميتته ثالثها أن كون صيغ
العموم إنما تعم فيما أضيفت إليه وإن كان صحيحا لا حجة له فيه على مرامه بوجه بل
ربما اقتضى خلافه وذلك أن مرامه التسوية بين أنت طالق حيث أو أين جلست وأنت طالق
أبدا في كون العموم فيهما ثابتا للظرف الذي هو البقاع والأزمنة وهذا يقتضي عدمها
وأن العموم في الأول في المظروف وهو الجلوس لأنه هو المضاف إليه لا في الظرف كما
هو في الثاني فافهم والله أعلم
قال المسألة السادسة نص الأصحاب على أن الطلاق يتكرر
في قوله كل امرأة أتزوجها فهي طالق إلى آخر المسألة قلت بنى جوابه على ما
تقدم قبل من أن الظهار خبر وقد سبق القول في أن ذلك موضع احتمال ونظر وما ذكره
فارقا بين كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي وكلما تزوجت فالمرأة التي أتزوجها
علي كظهر أمي لا يقوى وفي تلك المسائل كلها وفي الفرق بينها نظر
المسألة السادسة السر في فرق أصحابنا بين قوله في الطلاق كل امرأة أتزوجها فهي
طالق قالوا لا يلزمه شيء للضيق بالتعميم أو كل امرأة أتزوجها من هذه البلد فهي
طالق قالوا إن الطلاق يتكرر
____________________
(1/170)
في الزمان والمكان نحو أنت طالق أبدا فإنه يلزم طلقة واحدة
فكأنه قال أنت طالق في جميع الأزمنة أو في جميع البقاع طلقة واحدة كما لو صرح
بقوله أنت طالق في جميع الأيام أو في كل الأيام طلقة واحدة وهذه الصيغ هي أبلغ صيغ
العموم ومع ذلك لو صرح بها لم تلزمه إلا طلقة واحدة وكما تقول الحج واجب في كل
العمر مرة واحدة فتصرح بالعموم في العمر وتريده ومع ذلك فمظروفه حجة واحدة
وهو مطلق الحج فكما أنه إذا حج حجة واحدة في عمره يبقى بقية عمره لا يلزمه فيها حج
كذلك إذا لزمه بزمان واحد في متى وأين أو في بقعة واحدة في حيث طلقة واحدة فتبقى
بقية الأزمنة والبقاع لا يلزمه فيها طلاق فتأمل ذلك فأمكن الجمع بين قول العلماء
أن هذه الصيغ للعموم وأنه لا يلزم فيها إلا طلقة واحدة فإن قلت فإذا لم يلزمه بإذا
إلا طلقة واحدة ولا في متى إلا طلقة واحدة فكيف يظهر أثر العموم وإذا لم يظهر أثر
العموم كيف يقضى به ونحن إنما قضينا بالعموم في قول القائل مثلا من دخل داري فله
درهم إلا بظهور أثر ذلك فإن كل من دخل يستحق ومن أحرم استحق مانعه الذم فإذا ذهبت
هذه الآثار واتحدت الأحكام بين المطلقات والعمومات وكان الطلاق في زمن غير معين
على سبيل البدل في القسمين وأن ذلك الزمان غير معين فيهما كان القول بالعموم في
أحدهما والإطلاق في الآخر تحكما محضا والتحكم المحض لا عبرة به والعلماء برآء من
ذلك ومن أين فهم العلماء العموم على هذا التقدير فعاد الإشكال قلت سؤال حسن قوي
والجواب عنه من وجهين
هامش أنوار البروق
عليه السلام نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه يقتضي أنه خاف وعصى مع الخوف
وهو أقبح فيكون ذلك ذما لكن الحديث سيق للمدح وعادة الفضلاء يتولعون بالحديث كثيرا
أما الآية فقليل من يتفطن لها
هامش إدرار الشروق
بتكرر النساء من ذلك البلد وبين قوله في الظهار كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي
قالوا لا يلغى التعميم هنا وإنما يلزمه كفارة واحدة في أول من يتزوجها مع تصريحه
بالعموم في البابين هو كما في عبق والخرشي وغيرهما أن الظهار له فيه مخرج بالكفارة
أي خروج بالكفارة أو مخرج مصور بالكفارة ينفي عنه ضيق التعميم بخلاف الطلاق وأن
الظهار كاليمين بالله فكفارة يمين واحدة كفارة عن جميع الأيمان المتعددة ضمنا لأن
قوله المذكور في قوة فلانة كظهر أمي فلانة كظهر أمي وهكذا فلا تعطى حكم الصريحة
كما أن كفارة يمين واحدة على جميع النساء كفارة عن الجميع فافهم وقيل سر الفرق هو
أن
____________________
(1/171)
أحدهما ظواهر النصوص الدالة على ذلك منها قوله تعالى
فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم لا يفهم منه إلا الأمر بقتلهم في جميع البقاع
وثانيها قوله تعالى في الآية الأخرى حيث ثقفتموهم لا يفهم منه إلا ذلك وثالثها
قوله تعالى أينما تكونوا يدركم الموت معناه في أي بقعة كنتم ورابعها قوله تعالى
وهو معكم أينما كنتم معناه علمه سبحانه وتعالى محيط بالخلائق في أي بقعة كانوا
ونظائره كثيرة في الكتاب العزيز والسنة وكلام العرب وإذا كان لا يفهم من هذه الصيغ
إلا العموم دل ذلك على وضعها له
الوجه الثاني الدال على كونها للعموم أن القاعدة في جميع صيغ العموم أن اسم الجنس
إذا أضيف عم نحو قوله عليه السلام هو الطهور ماؤه الحل ميتته لا يفهم منه إلا
الحكم بالطهورية على جميع أفراد الماء وجميع أفراد الميتة وأين وحيث كل واحد منهما
اسم جنس المكان وهما مضافان لما بعدهما بل الإضافة لازمة لهما فيكونان للعموم فإن
قلت ذلك يبطل بإذا وإذ وعند ووراء وقدام وبقية الجهات الست وغير وسوى وشبه ومثل
ونحوها مما لا يكاد يستعمل إلا مضافا فإنها ليست للعموم مع وجود
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله في ذلك ليس بصحيح لأن لو إنما هي في اللغة لمجرد الربط خاصة وما توهم
هو وغيره فيها إنما هو من قبيل مفهوم الشرط فإن قيل به صح ذلك وإلا فلا
قال وذكر الفضلاء في الحديث أجوبة أما الآية الكريمة فلم أر لأحد فيها شيئا ويمكن
تخريجها
هامش إدرار الشروق
الطلاق حكم يثبت لأفراد العموم كثبوت القتل لجميع أفراد المشركين والحل لجميع
أفراد البيع وأما الظهار فالكفارة فيه للنطق بالكلام الزور عقوبة لقائله فإذا قال
كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي فقد كذب كذبة واحدة فتجب عليه كفارة واحدة
ولا نظر للعموم الذي هو متعلق القول الكذب فكما لا تلزمه إلا كفارة واحدة إذا قال
والله إن كل إنسان جماد فإنها كذبة واحدة متعلقة بعموم أو قال والله ليس في الدار
أحد من أخوتك فوجد الجميع فيها لاتحاد اليمين والحنث كذلك ها هنا ا ه وهو مبني على
ما تقدم قبل من أن الظهار خبر لا إنشاء وهو موضع احتمال ونظر كما مر التنبيه عليه
والسر في تفرقة ابن المواز بين كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي وبين من تزوجت
من النساء فهي علي كظهر أمي وكذا أي حيث قال بعدم تعدد الكفارة في كل وبتعددها في
من وكذا أي مع أنه لا فرق بينهما في المعنى هو ما في البناني
قال ابن عرفة قال عياض الفرق أن أصل وضع من وأي للآحاد فعرض لهما العموم فعمت الآحاد
من حيث إنها آحاد وأصل وضع كل للاستغراق فكانت كاليمين على فعل أشياء يحنث بفعل
أحدها فحاصل كلام عياض أن من وأي لكل فرد لا بقيد الجمعية ومدلول كل كذلك بقيد
الجمعية منضما إلى التحنيث بالأقل ا ه
فلا دلالة لمن وأي إلا على معنى الكلية بخلاف كل فإن فيها معنى الكلية ومعنى الكل
المجموعي فلذا وقع خلاف الأصحاب في قوله لنسائه كل من دخلت الدار فهي علي كظهر أمي
وقوله لنساء أجنبيات كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي أو كلما تزوجت فالتي
أتزوجها علي كظهر أمي هل
____________________
(1/172)
الإضافة التي هي في حيث وأين قلت التزم أن الجميع للعموم
وتقريره أن كل الذي هو أقوى صيغ العموم إنما يعم فيما أضيف إليه خاصة فإذا قلت كل
رجل له درهم إنما يعم الرجال ولو قلت كل حيوان إنما عم الحيوانات كلها ولو قلنا كل
نبي اختص بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلا يتعدى العموم ما أضيف إليه إذا تقرر
هذا فنقول إذا قال القائل إذا زالت الشمس فأنت حر يقتضي العموم في زمن الزوال خاصة
ولا مانع من القول بأنه للعموم وكذلك إذا قلت آتيك إذا جاء زيد عام في جميع زمان
مجيء زيد وكذلك عندك مال يتناول جميع حوزتك وكذلك قوله تعالى ما عندكم ينفد وما
عند الله باق عام في جميع بقاعنا المشتملة على أموالنا ومملوكاتنا وكذلك وراءك
وأمامك يتناول جميع البقاع التي هي وراءك وأمامك من غير حد ولا نهاية وكذلك كل حد
أشير إليه من ذلك كان اللفظ فيه حقيقة وكان اللفظ متناولا له وكذلك بقية الجهات
الست عامة في مسمياتها وأما غير وشبه وسوى ومثل فإنها لا تتعرف بالإضافة على ما نص
عليه النحاة وما لا يتعرف بالإضافة كان وجود الإضافة فيه كعدمها فلذلك لم يعم
بخلاف أين وحيث فإن قلت لم نجد أحدا عد هذه الصيغ كلها من صيغ العموم في كتب
الأصول وكتب النحو
هامش أنوار البروق
على ما قالوه في الحديث غير أني ظهر لي جواب عن الجميع هو حسن سأذكره إن شاء تعالى
بعد ذكري لأجوبة الناس لأن من سبق أولى بالتقديم أما أجوبة الناس في الحديث فقال
الأستاذ ابن عصفور لو في الحديث بمعنى إن لمطلق الربط وأن لا يكون نفيها ثبوتا ولا
ثبوتها نفيا فيندفع
هامش إدرار الشروق
تتعدد الكفارة في كل من المسألتين نظرا لمعنى الكلية أو لا تتعدد نظرا لمعنى الكل
المجموعي
قال البناني وما ذكره خليل من عدم التعدد في كل امرأة مثله في المدونة وما ذكره من
التعدد في كل من دخلت
قال الباجي هو ظاهر المذهب نقله في التوضيح نعم قد قيل في كل من المسألتين مثل ما
درج عليه في الأخرى فكان من حقه أن يحكي الخلاف في الفرعين معا أو يقتصر على
التعدد فيهما أو عدمه وإلا فكلامه مشكل انظر التوضيح ا ه
وقال عبق وما نقله عج عن ق حيث قال لا تتعدد عليه الكفارة إذا قال كل امرأة
أتزوجها فهي علي كظهر أمي وإنما يلزمه كفارة واحدة في أول من يتزوجها ولذا لو قال
لزوجته كل من أتزوجها عليك فهي علي كظهر أمي فإنه لا يلزمه إلا كفارة واحدة بتزوج
واحدة على المعتمد كما يفيده ق ا ه هو المعتمد لا ما نقله عن الجلاب وأبي الحسن من
أنه إذا قال كلما تزوجت فالتي أتزوجها علي كظهر أمي فإنه يلزمه في كل من يتزوجها
كفارة بخلاف قوله كل امرأة أتزوجها طالق ا ه وقد
قال عبق إذا قال لنساء أجنبيات إن تزوجتكن فأنتن علي كظهر أمي فتزوجهن في عقد أو
عقود لم يلزمه غير كفارة واحدة فإن تزوج واحدة لزمته ولا يقر بها حتى يكفر فإن كفر
ثم تزوج البواقي فلا شيء عليه لأن حنث اليمين يسقطها بخلاف ما لو قال لنسائه إن
دخلتن الدار فأنتن علي كظهر أمي فدخلت واحدة أو الجميع إلا واحدة فلا شيء عليه حتى
يدخل جميعهن
قاله اللخمي عن ابن القاسم وقيل يحنث بواحدة على قاعدة التحنيث بالبعض ذكره
القرافي ولعل وجه قول ابن القاسم أنه كقول
____________________
(1/173)
قلت كفاهم في التنبيه عليها قولهم اسم الجنس إذا أضيف عم
إذا تقرر أن حيث وأين من صيغ العموم فيصير معنى أنت طالق حيث جلست مثل قوله أنت
طالق في جميع البقاع أو في كل البقاع ومعلوم أنه لو صرح بذلك للزمه طلقة واحدة
ويكون العموم ثابتا للظرف وكذلك ها هنا فصح قول العلماء أن حيث وأين للعموم وأن
اللازم طلقة واحدة ولا يتنافى ذلك ولا يتناقض القسم الرابع الذي بقي من التقسيم في
القاعدة وهو تعليق عام على مطلق فيكون معناه التزام جميع الطلاق في زمن فرد فهذا
القسم الحكم فيه أن يلزم من ذلك العموم ثلاث ويسقط ما عداها كما لو قال لها أنت
طالق طلقات لا نهاية لها في العدد إن دخلت الدار فقد صرح بالعموم مع الإطلاق في
الزمان فيلزمه ثلاث تطليقات ويسقط الباقي فهذا القسم موجود في اللغة بهذا اللفظ
ونحوه من الألفاظ المركبة ولم أجده بلفظ مفرد كما هو في كلما وأما الفرق بين كلما
ومتى وأينما وحيثما أن ما في الجميع زمانية فمعنى قوله كلما دخلت الدار فأنت طالق
كل زمان تدخلين الدار فأنت طالق في ذلك الزمان فجعل جميع الأزمنة كل فرد منها ظرفا
لحصول طلقة فيتكرر الطلاق في تلك
هامش أنوار البروق
الإشكال وقال الشيخ شمس الدين الخسرو شاهي أن لو في أصل اللغة لمطلق الربط وإنما
اشتهرت في العرف في انقلاب ثبوتها نفيا وبالعكس والحديث إنما ورد بمعنى اللفظ في
اللغة وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله الشيء الواحد قد يكون له سبب
واحد فينتفي عند انتفائه
وقد
هامش إدرار الشروق
خليل في العتق وإن قال إن دخلتما فدخلت واحدة فلا شيء عليه فيهما ا ه
والفرق بين المسألتين أنهن في المسألة الأولى أجنبيات وفي الثانية نساؤه وليس قوله
إن تزوجتكن مثل قوله من تزوجتها منكن بل يلزمه في هذه لكل من تزوجها منهن كفارة
لإيهام يمينه وخطاب كل واحدة وفي المسألة الأولى قد أوقع الظهار على جميع النساء
فأجزأته كفارة واحدة ا ه بتصرف وحذف وبالجملة فأصل مذهبنا إلحاق الظهار باليمين
بخلاف الشافعي فإن أصله إلحاقه بالطلاق ففي الرهوني قال أبو الحسن عند قول المدونة
ومن تظاهر من أربع نسوة له في كلمة واحدة فكفارة واحدة تجزئه ما نصه وقال الشافعي
عليه لكل واحدة منهن كفارة كما لو قال لهن أنتن طوالق الشيخ فهو على طرفين وواسطة
الطلاق طرف واليمين طرف والظهار وهو الواسطة فيه شائبة لشبه اليمين بالله وهو
اتحاد الظهار وشائبة لشبه الطلاق وهو تعدد المظاهر منهما ابن يونس ودليلنا قوله تعالى
والذين يظاهرون من نسائهم الآية فجميع النساء إذا ظاهر منهن الرجل فإنما عليه
كفارة واحدة ولأن الظهار يمين يكفر كالإيلاء وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم كفر
عن يمينك فدل أنه يمين كالإيلاء الشيخ ولأن المراعى قول القائل كاليمين بالله
تعالى ا ه
____________________
(1/174)
الظروف توفية باللفظ
ومقتضاه حتى يحصل في كل زمان طلقة أما متى ما فمتى للزمان المبهم لا للمعين حتى نص
النحاة على منع قولنا متى تطلع الشمس فإن زمن طلوع الشمس متعين فيمتنع السؤال عنه
بمتى بخلاف قولك متى يقدم زيد فإن زمن قدوم زيد مبهم وإذا كان معناها الزمان
المبهم وما أيضا معناها الزمان فيصير معنى الكلام زمان زمان تدخلين الدار فأنت
طالق ومعلوم أنه لو صرح بهذا لكان في معنى إعادة اللفظ وأن لا فرق بينه وبين قوله
زمان تدخلين الدار أنت فيه طالق بخلاف قولك كلما فإنها تقتضي الإحاطة والشمول
لجميع أفراد ما دخلت عليه والتكرار فيه كقولك كلما أكرمت زيدا أكرمني أي إكرامه
يتكرر بتكرر إكرامي وأما حيثما وأينما فهو مكان أضيف إلى زمان وتقديره مكان زمان
دخولك الدار أنت طالق فيه ومعلوم أنه لو صرح بهذا لم يفهم منه التكرار بل تطلق في
جميع ذلك المكان طلقة واحدة فهذا هو البحث الكاشف عن هذه الحقائق والفروق بينها
وبذلك يتضح الفقه فيها
المسألة السادسة نص الأصحاب على أن الطلاق
يتكرر في قوله كل امرأة أتزوجها من هذا البلد فهي طالق قالوا إن الطلاق يتكرر
بتكرر النساء من ذلك البلد وأن القائل كل
هامش أنوار البروق
يكون له سببان لا يلزم من عدم أحدهما عدمه لأن السبب الثاني يخلف السبب الأول
كقولنا في زوج هو ابن عم لو لم يكن زوجا لورث أي بالتعصيب فإنهما سببان لا يلزم من
عدم أحدهما عدم الآخر وكذلك هنا الناس في الغالب إنما لم يعصوا لأجل الخوف فإذا
ذهب الخوف عنهم عصوا لاتحاد
هامش إدرار الشروق
منه بلفظه ا ه
وقول الأصل والفقه يقتضي عدم التكرار في جميع ما ذكر بناء على أن الكذب هو الموجب
كما تقدم تقريره في فرق الإنشاء والإخبار لكن لما اشتهر لفظ الظهار في موجب
الكفارة لوحظت الكفارة في مقصد المظاهر كأنها حقيقة عرفية فيكون قد التزم تكرارها
في كلمة كلما وأي فإنهما للحكم على كل واحد واحد وأشار بمن فيمن دخلت منكن إلى
التبعيض فكأنه قال علي
الكفارة في كل بعض منكن وأي الأفراد وأما كل فهي ظاهرة في الإحاطة والشمول والكل
في بعض أحوالها ألا ترى أن النفي إذا تقدم عليها كان معناها الكل فمعنى ما قبضت كل
المال أنك لم تقبض الجميع بل البعض ا ه بتلخيص هو مبني أيضا على ما تقدم وقد علمت
ما فيه ولا يقوى فرق بين كلما وكل وفي تلك المسائل كلها وفي الفرق بينها نظر ظاهر
مما قدمناه فتأمل ذلك والله أعلم
قال المسألة السابعة إذا قال إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا ثم قال لها أنت طالق
ثلاثا قال مالك تنحل يمينه وقال الشافعي يبقى التعليق حتى يتزوجها بعقد ثان وعلى
مذهب مالك رحمه الله إشكالان إلى آخر المسألة قلت ما قاله وما اختاره من الجواب
صحيح والله أعلم
المسألة السابعة إذا قال إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا ثم قال لها أنت طالق ثلاثا
فعند الشافعي رحمه الله تعالى يبقى التعليق حتى يتزوجها بعقد ثان نظرا لأمرين
الأول أن وجود المشروط بدون شرطه خلاف الإجماع الثاني أن لفظ التعليق لا يقتضي
تخصيص المعلق بالطلاق المملوك ولا سيما على قاعدة مالك من صحة التعليق قبل الملك
في إن تزوجتك فأنت طالق ثلاثا وعند مالك رحمه الله تعالى لا يبقى التعليق حتى
يتزوجها بل تنحل يمينه نظرا لأمرين أيضا الأول قاعدة أن صاحب الشرع لما جعل للمكلف
التعليق على دخول الدار مثلا جعل له حل ذلك التعليق بالتنجيز خاصة فإذا نجز بطلت
شرطية الدخول للطلاق فما وجد المشروط دون شرطه قط
____________________
(1/175)
امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي أن الكفارة لا تتكرر عليه
وأنه بزواج امرأة واحدة تنحل يمينه مع تصريحه بالعموم في الصورتين وفي التهذيب إن
تزوجتكن فإنكن علي كظهر أمي لا يتكرر الظهار ومن دخلت منكن الدار فهي علي كظهر أمي
تتكرر الكفارة وكلما تزوجت فالمرأة التي أتزوجها هي علي كظهر أمي وكذلك أيتكن
كلمتها فهذه الفروع مشتركة في صيغ العموم مع اختلاف الأحكام فيحتاج إلى سر الفرق
بينها باعتبار القواعد والجواب أن الطلاق حكم يثبت لأفراد العموم كثبوت القتل
لجميع أفراد المشركين والحل لجميع أفراد البيع
وأما الظهار فالكفارة فيه للنطق بالكلام الزور عقوبة لقائله فإذا قال كل امرأة
أتزوجها فهي علي كظهر أمي فقد كذب كذبة واحدة فتجب عليه كفارة واحدة ولا نظهر إلى
العموم الذي هو متعلق القول الكذب كما لو قال والله إن كل إنسان جماد فإنها كذبة
واحدة متعلقة بعموم أو قال والله ليس في الدار أحد من إخوتك فوجد الجميع فيها
فإنما تلزمه كفارة واحدة نظرا لاتحاد اليمين والحنث فكذلك ها هنا وأما تكرر
الكفارة في كلما وقوله منكن وأيتكن فعلى خلاف القياس
والقاعدة تقتضي أن لا
هامش أنوار البروق
السبب في حقهم فأخبر عليه السلام أن صهيبا اجتمع عنده سببان يمنعانه من المعصية
الخوف والإجلال فلو انتفى الخوف في حقه لانتفى العصيان للسبب الآخر وهو الإجلال
وهذا مدح كبير وكلام حسن
وأجاب غيرهم بأن الجواب محذوف تقديره لو لم يخف الله عصمه الله ودل على ذلك قوله
لم يعصه وهذه
هامش إدرار الشروق
الثاني أن لفظ التعليق يقتضي التصرف في المملوك فقط لأن طلاق المرأة إنما يكون مما
هي موثوقة فيه وليست هي موثوقة إلا في عصمته الحاضرة دون غيرها إلا بدليل الأصل
عدمه على أنه يلزم على ما للشافعي أن يكون الزوج مالكا لست طلقات ثلاث منجزات
وثلاث معلقات والذي أجمع الناس عليه أنه إنما يملك ثلاثا فقط والأصل عدم ملكه
للزائد فإذا أجمع الناس على وقوع المنجز تعين إبطال التعليق في المعلق حتى يقع في
المعلق بعد شرط
قال المسألة الثامنة الشرط ينقسم إلى ما لا يقع إلا دفعة كالنية وإلى ما لا يقع
إلا متدرجا كالحول وقراءة السورة وإلى ما يقبل الأمرين كلفظ عشرة دراهم إلى آخر
المسألة قلت ذكر قول فخر الدين وأورد عليه سؤالين وهما واردان كما قال والله أعلم
المسألة الثامنة الشرط ثلاثة أقسام ما لا يقع إلا دفعة واحدة كالنية وما لا يقع
إلا متدرجا كالحول وقراءة السورة وما يقبل الأمرين وعلى كل إما أن يكون الشرط وجود
هذه الحقائق فيكون المعتبر من الأول اجتماع أجزائه ووجودها في زمن واحد لإمكان ذلك
ومن الثاني وجود آخر أجزائه لأن الممكن فيه أما وجود الحقيقة بجملة أجزائها فذلك
مستحيل ومن الثالث كل من الاجتماع أو الافتراق لا خصوص اجتماع جميع أجزائه في زمن
واحد خلافا للفخر الرازي في المحصول إذ لا فرق عرفا في قوله إن أعطيتني عشرة
دراهم فأنت حر بين أن يعطيها مجموعة أو درهما بعد درهم بل يعد أهل العرف والعادة
أن من أعطى كل يوم درهما فأعطى عشرة في عشرة أيام أنه معط لعشرة والأيمان محمولة
على العرف بل يصدق أيضا لغة على معطي العشرة الدراهم في عشرة أيام أنه معط لعشرة
فإن مسمى إعطائه العشرة أعم من كونه بصفة الاجتماع والافتراق وأما أن يكون الشرط
عدم هذه الحقائق فإن جعل المعلق للشرط عدمها بلم أو بلما الموضوعين لنفي الماضي أو
بما وبليس الموضوعين لنفي الحال كان
____________________
(1/176)
تتكرر عليه الكفارة غير أنه لما اشتهر لفظ الظهار في موجب
الكفارة لوحظت الكفارة في مقصد المظاهر كأنها حقيقة عرفية فيكون قد التزم تكررها
في كلمة كلما وأشار بمن إلى التبعيض فكأنه قال علي الكفارة في كل بعض منكن وأي
الأفراد فيكون قد التزم الكفارة في كل فرد وأما كل فهي ظاهرة في الإحاطة والشمول
والكل في بعض أحوالها ألا ترى أن النفي إذا تقدم عليها كان معناها الكل فلو قلت ما
قبضت كل المال لكان معنى كلامك أنك لم تقبض الجميع بل بعضه وكذلك ما كل عدد زوج
وما كل حيوان إنسان نص النحاة على أنك ناف للمجموع من حيث هو مجموع لا لكل واحد
واحد بخلاف أي فإنها للحكم على كل واحد واحد وهذه كلها تكلفات والفقه يقتضي عدم
التكرار بناء على أن الكذب هو الموجب كما تقدم تقريره في فرق الإنشاء والإخبار
المسألة السابعة إذا قال إن دخلت الدار فأنت
طالق ثلاثا ثم قال لها أنت طالق ثلاثا قال مالك رحمه الله تنحل يمينه وقال الشافعي
رضي الله عنه يبقى التعليق حتى يتزوجها بعقد ثان وعلى مذهب مالك رحمه الله إشكالان
أحدهما أنه يلزم وجود المشروط بدون شرطه وهو خلاف الإجماع
هامش أنوار البروق
الأجوبة تأتي في الآية غير الثالث فإن عدم نفاد كلمات الله تعالى وأنها غير
متناهية أمر ثابت لها لذاتها وما بالذات لا يعلل بالأسباب فتأمل ذلك هذا كلام
الفضلاء الذي اتصل بي والذي ظهر لي أن لو أصلها إن تستعمل للربط بين شيئين كما
تقدم ثم إنها أيضا تستعمل لقطع الربط فتكون جوابا لسؤال
هامش إدرار الشروق
المعتبر من جميع هذه الحقائق مطلق العدم في مطلق الزمان كما قال الرازي في المحصول
حتى عند استعمال لم في المستقبل عرفا كما إذا قال إن لم تقرأ سورة البقرة في هذه
السنة لأنه لا يفهم منه استيعابه العدم لجميع أجزاء السنة حتى لو قرأها في آخر
السنة صدق حصول قراءتها ولم يكن الشرط متحققا وإن جعل عدمها بلا أو بلن الموضوعين
لنفي المستقبل كان المعتبر من الجميع استغراق العدم لجميع أزمنة العمر أو الزمن
الذي عينه المعلق لأن مطلق العدم في مطلق الزمن خلافا للرازي في المحصول فقد نص
سيبويه وغيره على أن لا ولن موضوعان لعموم نفي المستقبل وأن لن أبلغ في عموم النفي
للمستقبل
قال المسألة التاسعة اتفق الفقهاء على الاستدلال بقوله
تعالى ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله ووجه الدليل منه
في غاية الإشكال إلى آخر المسألة قلت ما قال فيها من لزوم تقدير محذوف به يصح
والمعنى المراد صحيح وما قاله في الفرع كذلك
المسألة التاسعة وجه استدلال جميع الفقهاء بقوله تعالى ولا تقولن لشيء إني فاعل
ذلك غدا إلا أن يشاء الله على اشتراط المشيئة عند النطق بالأفعال مع أن الآية ليس
فيها ما يدل على التعليق لا مطابقة ولا التزاما فإن إلا للاستثناء لا للتعليق وأن
هي الناصبة لا الشرطية هو أن في الآية حذفا والمحذوف هو المستثنى منه والمستثنى
الذي هو حال من مقول القول عاملة في أن بعد حذف الجار الذي هو الباء لحذفه معها
كثيرا والتقدير ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا في حال من الأحوال إلا معلقا بأن
يشاء الله فيكون النهي المتقدم مع إلا المتأخرة عنه قد حصرا القول في هذه الحال
دون سائر الأحوال فتختص هذه الحال بالإباحة وغيرها بالتحريم وترك المحرم واجب وليس
هناك شيء يترك به الحرام إلا هذه الحال فتكون واجبة فهذا مدرك الوجوب وأما مدرك
التعليق فهو قولنا معلقا فإنه يدل على أنه تعلق في تلك
____________________
(1/177)
وثانيهما أنه خصص المعلق بالطلاق المملوك مع أن لفظ التعليق
لم يتقاض ذلك ولا سيما على قاعدته في صحة التعليق قبل الملك في إن تزوجتك فأنت
طالق ثلاثا
والجواب عن الأول بناء على قاعدة وهي أن صاحب الشرع لما جعل للمكلف التعليق على
دخول الدار جعل له حل ذلك التعليق بالتنجيز خاصة فإذا نجز بطلت شرطية الدخول
للطلاق فبقي غير مشروط فما وجد المشروط دون شرطه قط وعن الثاني أن لفظ التعليق
يتقاضى التصرف في المملوك فقط لأن طلاق المرأة إنما يكون مما هي موثوقة فيه وإنما
هي موثوقة في عصمته الحاضرة دون غيرها فكان الطلاق خاصا بهذه العصمة فلم يتناول
التعليق غيرها إلا بدليل الأصل عدمه ثم يتأكد ذلك بما يرد على الشافعي رضي الله
عنه من جهة أنه يلزم أن يكون الزوج مالكا لست طلقات ثلاث منجزات وثلاث معلقات
والذي أجمع الناس عليه أنه إنما يملك ثلاثا فقط والأصل عدم ملكه للزائد فإذا أجمع
الناس على وقوع المنجز تعين إبطال التعليق في المعلق حتى يقع في المعلق بعد شرط
المسألة الثامنة الشرط ينقسم إلى ما لا يقع إلا
دفعة كالنية وإلى ما لا يقع إلا متدرجا كالحول وقراءة السورة وإلى ما يقبل الأمرين
كإعطاء عشرة دراهم
قال الإمام فخر الدين في
هامش أنوار البروق
محقق أو متوهم وقع فيه ربط فتقطعه أنت لاعتقادك بطلان ذلك الربط كما لو قال القائل
لو لم يكن زيد زوجا لم يرث فتقول أنت لو لم يكن زوجا لم يحرم تريد أن ما ذكره من
الربط بين عدم الزوجية وعدم الإرث ليس بحق فمقصودك قطع ربط كلامه كذلك الحديث لما
كان الغالب على الناس أن يرتبط
هامش إدرار الشروق
الحال وأن الأمر بالتعليق على المشيئة عند الوعد بالأفعال كما أن قولك لا تخرج إلا
ضاحكا يفيد الأمر بالضحك حالة الخروج ومن هنا علم أن قوله لامرأته علقت طلاقك على
دخول الدار بمنزلة قوله لها إن دخلت الدار فأنت طالق أو أنت طالق إن دخلت الدار في
كونها تطلق بدخول الدار بخلاف قوله لها جعلت دخول الدار سببا لطلاقك فإنها لم تطلق
بدخول الدار إلا أن يريد بالجعل التعليق لأن صاحب الشرع إنما جعل له أن يجعل دخول
الدار سببا لطلاق امرأته بطريق واحد وهو التعليق خاصة فإن أراد نصبه بغير التعليق
كما جعل صاحب الشرع الزوال سببا لوجوب الظهر والهلال سببا لوجوب الصوم فليس ذلك له
فافهم ذلك
قال المسألة العاشرة قد يذكر الشرط للتعليل دون التعليق قال وضابطه أمران المناسبة
وعدم انتفاء المشروط عند انتفائه ليعلم أنه ليس بشرط مثاله قوله تعالى واشكروا
نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون إلى آخرها قلت ما قاله أيضا في هذه المسألة صحيح
المسألة العاشرة الأصل في الشرط اللغوي أن يكن للتعليق أي جعل المعلق عليه سببا في
المعلق يلزم من وجوده الوجود لذاته ومن عدمه العدم لذاته كما مر ولو لم تتحقق
بينهما مناسبة وقد يأتي للتعليل أي جعل المعلق عليه علة غائية للمعلق بحيث يوجد
المعلق لأجله ولا ينتفي المعلق عند انتفائه مع تحقق المناسبة بينهما فيعلم أنه ليس
هو الشرط في التعليق كما في قوله تعالى واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون فإن
معنى الكلام أنكم موصوفون بصفة تحث على الشكر وتبعث عليه وهي العبادة والتذلل
فافعلوا الشكر فإنه متيسر لوجود سببه عندكم والشكر واجب مع العبادة ومع عدمها وكما
في قوله عليه الصلاة والسلام من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه فإن
معناه أن تصديق الوعد والوعيد في ذلك حاث عليه وإلا فالكفار على الصحيح من خطابهم
بفروع الشريعة مأمورون بإكرام
____________________
(1/178)
كتابه المحصول فإن كان الشرط وجود هذه الحقائق اعتبر من
الأول والثالث اجتماع أجزائه ووجودها في زمن واحد لإمكان ذلك واعتبر من الثاني وجود
آخر أجزائه لأنه الممكن فيه أما وجود الحقيقة بجملة أجزائها فذلك مستحيل وإن كان
الشرط عدم هذه الحقائق اعتبره من الجميع أول أزمنة العدم لصدق العدم حينئذ على
الجميع ويرد عليه سؤالان الأول أن القائل إن أعطيتني عشرة دراهم فأنت حر لا فرق في
العرف بين أن يعطيها مجموعة أو درهما بعد درهم والأيمان محمولة على العرف فاشتراطه
اجتماع الجميع في زمن واحد غير لازم بل يعد أهل العرف والعادة أن من أعطى كل يوم
درهما فأعطى عشرة في عشرة أياما أنه معط لعشرة ويصدق ذلك أيضا لغة فإن مسمى إعطائه
العشرة أعم من كونه بصفة الاجتماع والافتراق الثاني أن جعل عدمها شرطا تارة يكون
بلم وتارة يكون بلما الموضوعين لنفي الماضي أو بما وليس الموضوعين لنفي الحال أو
بلا ولن الموضوعين لنفي المستقبل فنسلم له الاقتصار على مسمى العدم في الأربعة
الأول أما لا ولن فقد نص سيبويه وغيره على أنهما موضوعان لعموم نفي المستقبل وأن
لن أبلغ في عموم النفي للمستقبل فإذا قلنا لا يموت فيها ولا يحيى وقول الله تبارك
وتعالى لن تراني عام في سلب الموت
هامش أنوار البروق
عصيانهم بعدم خوفهم وأن ذلك في الأوهام قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا
الربط وقال لو لم يخف الله لم يعصه وكذلك لما كان الغالب على الأوهام أن الشجر
كلها إذا صارت أقلاما والبحر المالح مع غيره مدادا يكتب به يقول الوهم ما يكتب
بهذا شيء إلا نفد وما عساه أن يكون قطع الله تعالى هذا الربط وقال ما نفدت
قلت جواب أبي الحسن بن عصفور يقتضي أنها مجاز في الحديث والمجاز على خلاف الأصل
هامش إدرار الشروق
الضيف مع عدم هذا الشرط وهو كثير في الكتاب والسنة ومنه قولك أطعني إن كنت ابني إذ
لا تشك في بنوته بل تنبهه على الصفة الباعثة على الطاعة
المسألة الحادية عشر قوله تعالى يا نساء النبي
لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول يحتمل وهو الأسبق إلى الفهم أن
يكون المراد تفضيلهن بشرط التقوى والمعنى إن اتقيتن الله فلا تقسن بجماعة من
النساء فإنكن أعظم فإن اتقيتن شرط حذف جوابه لدلالة ما قبله عليه وقوله فلا تخضعن
بالقول كلام مستأنف للإرشاد والتهييج بجعل طلب الدنيا والميل إلى ما تميل إليه
النساء لبعده عن مقامهن بمنزلة الخروج من
التقوى ويحتمل وعليه جماعة من أرباب علم البيان وأهل التفسير أن يكون المراد
تفضيلهن على النساء مطلقا من غير شرط ويكون الوقف على قوله لستن كأحد من النساء
ويبدأ بالشرط ويكون جوابه ما بعده وهو قوله فلا تخضعن بالقول دون ما قبله قيل وهذا
الاحتمال أبلغ في مدحهن لأنهن متقيات وهو صحيح لو أن الآية وردت للمدح لكنها لم
ترد لذلك بل المراد منها داومهن على التقوى
قال المسألة الثانية عشر يجوز حذف جواب الشرط إذا كان في الكلام ما يدل عليه إلى
آخرها قلت ما قاله من جواز حذف جواب الشرط إذا دل عليه الدليل صحيح إذا لم يصح أن
يكون الجواب فيما بعده من الكلام المنطوق به فإن الحذف في الكتاب العزيز لا يدعى
إلا لضرورة وما قاله من أن الماضي لا يعلق على المستقبل صحيح وهو الموجب لتقدير
المحذوف والله أعلم
____________________
(1/179)
والحياة والرؤية في جميع أزمنة الاستقبال فإن جعل المعلق
للشرط عدمها بصيغة لن أو لا كان الشرط استغراق العدم لجميع أزمنة العمر أو الزمان
الذي عينه المعلق لا مطلق العدم في مطلق الزمان خلافا له فتخرج لا ولن عن دعواه مع
أن لم تستعمل في العرف لذلك فإذا قال إن لم تقرأ سورة البقرة في هذه السنة فأنت
مذموم لا يفهم منه استيعاب العدم لجميع أجزاء السنة حتى لو قرأها في آخر السنة صدق
حصول قراءتها ولم يكن الشرط متحققا
المسألة التاسعة اتفق الفقهاء على الاستدلال
بقوله تعالى ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله ووجه الدليل منه في
غاية الإشكال فإن الآية ليست للتعليق وأن المفتوحة ليست للتعليق فما بقي في الآية
شيء يدل على التعليق مطابقة ولا التزاما فكيف يصح الاستدلال بشيء لا يدل مطابقة
ولا التزاما وطول الأيام يحاولون الاستدلال بهذه الآية ولا يكاد يتفطن لوجه الدليل
منها وليس فيها إلا استثناء وأن هي الناصبة لا الشرطية ولا يتفطن أيضا لهذا
الاستثناء من أي شيء هو وما هو المستثنى منه فتأمله فهو في غاية الإشكال وهو الأصل
في اشتراط المشيئة عند النطق بالأفعال
والجواب أن تقول هذا استثناء من الأحوال والمستثنى منه حالة من الأحوال وهي محذوفة
قبل أن الناصبة وعاملة فيها أعني الحال عاملة في أن الناصبة وتقديره ولا تقولن
لشيء إني فاعل ذلك غدا في حالة من الأحوال إلا معلقا بأن يشاء الله ثم حذفت معلقا
والباء من أن وهي تحذف معها كثيرا فيكون النهي المتقدم مع إلا المتأخر قد حصرت
القول في هذه الحال دون
هامش أنوار البروق
فلا يدعى إلا عند الضرورة وأما جواب شمس الدين فهو الصحيح غير قوله إنما اشتهرت في
العرف فإن ذلك العرف الذي ادعاه لم يثبت عن اللغة ولا عن الشرع فهو عرف لغير أهل
اللغة ولغير
هامش إدرار الشروق
المسألة الثانية عشر إذا لم يصح جعل ما بعد
الشرط من الكلام المنطوق به جوابا لكونه ماضيا مثلا والماضي لا يعلق على المستقبل
كان الجواب محذوفا والمذكور دليله كما في قوله تعالى وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من
قبلك أي وإن يكذبوك فتسل فقد كذبت رسل من قبلك فتكذيب من قبله سبب لتسليته وقائم
مقامه ونظائره كثيرة في كتاب الله تعالى
قال المسألة الثالثة عشر جرت عادة الفقهاء والأصوليين بحمل العموم على عمومه دون
سببه وهو المشهور في المسألة فيستدلون أبدا بظاهر العموم وإن كان في غير مورد
السبب وقد كان الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله يقول يجب أن يستثنى من ذلك
ما إذا كان السبب شرطا إلى آخرها قلت لا يجب ذلك وما مثل به من قوله تعالى إن
تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا لا دليل له فيه بل هو على تقدير محذوف كما
سبق في المسألة قبلها نحو إن تكونوا صالحين فأبشروا فإنه كان للأوابين غفورا وكان
هنا للاستمرار فإنه أمدح وهذا الموضع موضع تمدح والله أعلم
المسألة الثالثة عشر العبرة عند الفقهاء والأصوليين بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
فيستدلون أبدا بظاهر العموم وإن كان في غير مورد سببه ففي العزيز على الجامع
الصغير عند حديث الدارقطني في السنن عن جابر بن عبد الله وصححه ابن حزم ابدءوا بما
بدأ الله به ما نصه أي في القرآن فيجب عليكم الابتداء في السعي بالصفا وذا وإن ورد
عن سبب لكن العبرة بعموم اللفظ ا ه
قال الحنفي قاله صلى الله تعالى عليه وسلم جوابا لمن سأله في السعي أنبدأ بالصفا
أو بالمروة وفي رواية أبدأ وفي أخرى
____________________
(1/180)
سائر الأحوال فتختص هذه الحال بالإباحة وغيرها بالتحريم
وترك المحرم واجب وليس هناك شيء يترك به الحرام إلا هذه الحال فتكون واجبة فهذا
مدرك الوجوب وأما مدرك التعليق فهو قولنا معلقا فإنه يدل على أنه تعلق في تلك
الحال كما إذا قال له لا تخرج إلا ضاحكا فإنه يفيد الأمر بالضحك حالة الخروج
وانتظم معلقا مع أن بالباء المحذوفة واتجه الأمر بالتعليق على المشيئة من هذه
الصيغة عند الوعد بالأفعال فافهم ذلك فإنه من المواضع العسيرة الفهم والتقدير فرع
من هذا التقدير لو قال لامرأته علقت طلاقك على دخول الدار طلقت بدخول الدار كما لو
قال لها أنت طالق إن دخلت الدار ولو قال لها جعلت دخول الدار سببا لطلاقك لم تطلق
بدخول الدار إلا أن يريد بالجعل التعليق فإن صاحب الشرع جعل له أن يجعل دخول الدار
سببا لطلاق امرأته بطريق واحد وهو التعليق خاصة فإن أراد نصبه بغير التعليق كما
جعل صاحب الشرع الزوال سببا لوجوب الظهر والهلال سببا لوجوب الصوم فليس ذلك له
فافهم ذلك
المسألة العاشرة قد يذكر الشرط للتعليل دون
التعليق وضابطه أمران المناسبة وعدم انتفاء المشروط عند انتفائه فيعلم أنه ليس
بشرط مثاله قوله تعالى واشكروا نعمة الله إن
هامش أنوار البروق
أهل الشرع ولا حجة في عرف غيرهما ولا اعتبار به في مثل هذا
وأما جواب عز الدين فغايته إن أبدى وجها لمطلق الربط وارتفاع توهم ذلك المفهوم
وأما جواب من قال بحذف الجواب فحذف المحذوف لا يثبت إلا لضرورة ولا ضرورة هنا وأما
جوابه هو فمحوج إلى تكلف سبق كلام يكون
هامش إدرار الشروق
نبدأ ا ه فيكون دليلا على وجوب البداءة بالبسملة ثم بالحمد له في الكتب العلمية
وإلا كان لفظ الأمر مستعملا في حقيقته ومجازه أو فيما يعمهما فافهم والصحيح أنه لا
يجب أن يستثنى من ذلك ما إذا كان السبب شرطا خلافا للشيخ عز الدين بن عبد السلام
القائل بذلك الوجوب مستدلا بأن الأوابين في قوله تعالى إن تكونوا صالحين فإنه كان
للأوابين غفورا وإن كان عاما في كل أواب ماضيا أو حاضرا أو مستقبلا إلا أنه يجب أن
يتخصص بنا لأن القاعدة الشرعية أن صلاحنا لا يكون سببا للمغفرة في حق غيرنا من
الأمم فيتعين أن يكون التقدير إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين منكم غفورا إذ
لا دليل له في هذه الآية لأنها من قبيل ما حذف جوابه كما في المسألة قبلها
والتقدير إن تكونوا
صالحين فأبشروا فإنه للأوابين غفورا وكان هنا للاستمرار فإنه أمدح وهذا الموضع
موضع تمدح
قال المسألة الرابعة عشر جرت عادة الفقهاء في الكفارات هل هي على التخيير أو على
الترتيب أن يقولوا إذا ورد النص بصيغة أو فهي على التخيير كقوله تعالى فكفارته
إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة وإن كان النص
بصيغة من الشرطية فهي على الترتيب كقوله تعالى فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من
قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ولا تجد فقيها ينازع في هذا وهو
غير صحيح إلى آخر المسألة
قلت ما قاله من أن الصيغة لا تقتضي الترتيب إلا بعد أن تحتف بها قرائن صحيح كما
ذكر لأن هذه الصيغة تأتي لغير قصد الترتيب كما مثل وما قاله من أنه لا يلزم من عدم
الشرط عدم المشروط إن أراد الشرط المعنوي فذلك باطل وهذا الشرط هو الذي يعني
الفقهاء أنه يلزم من عدمه عدم مشروطه وإن أراد الشرط اللغوي فهو الذي لا يلزم من
عدمه عدم المشروط أي أن هذا اللفظ وإن سمي في اصطلاح أهل اللغة والنحو شرطا لا
يلزم من ذلك أن يكون شرطا معنويا فيلزم من عدمه عدم مشروطه بل يأتي الشرط اللغوي
لغير ذلك القصد والله أعلم
المسألة الرابعة عشر الشرط اللغوي كما يستعمل في الترتيب على سبيل الحقيقة اللغوية
إذا لم يرد به الحصر فيكون شرطا معنويا يلزم من عدمه العدم بل سببا معنويا كما مر
يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم لذاته كما في إن دخلت الدار فأنت طالق كذلك
يستعمل في إثبات الحصر على سبيل الحقيقة اللغوية متى أريد به الحصر فلا يفيد
الترتيب ولا يكون شرطا معنويا يلزم من عدمه عدم المشروط بل لا يتوقف المشروط عليه حينئذ
أصلا كما في قوله تعالى فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان فقد أجمعت الأمة على
جواز شهادة الرجل والمرأتين عند وجود الرجلين وأن عدمهما ليس شرطا معنويا وكما في
قولنا وإن لم يكن العدد زوجا فهو فرد وإن لم يكن فردا فهو زوج وإن لم يكن هذا
جمادا فهو إما نبات
____________________
(1/181)
كنتم إياه تعبدون والشكر واجب مع العبادة ومع عدمها ومعنى
الكلام أنكم موصوفون بصفة تحث على الشكر وتبعث عليه وهي العبادة والتذلل فافعلوا
ذلك فإنه متيسر لوجود سببه عندكم ومنه قوله عليه الصلاة والسلام من كان يؤمن بالله
واليوم الآخر فليكرم ضيفه معناه أن تصديق الوعد والوعيد في ذلك حاث عليه وإلا
فالكفار مخاطبون بفروع الشريعة على الصحيح فيؤمرون بإكرام الضيف مع عدم هذا الشرط
وهو كثير في الكتاب والسنة ومنه قولك أطعني إن كنت ابني لست تشك في بنوته بل تنبهه
على الصفة الباعثة على الطاعة
المسألة الحادية عشر قوله تعالى يا نساء النبي
لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول قال جماعة من أرباب علم البيان
وأهل التفسير أن الوقف عند قوله لستن كأحد من النساء ويبدأ بالشرط ويكون جوابه ما
بعده وهو قوله فلا تخضعن بالقول دون ما قبله بل حكم الله تعالى بتفضيلهن على
النساء مطلقا من غير شرط وهو أبلغ في مدحهن ويكون جواب الشرط ما بعده ويستقيم
اللفظ والمعنى
المسألة الثانية عشر يجوز حذف جواب الشرط إن كان في الكلام ما يدل عليه فيجعل
هامش أنوار البروق
هذا جوابا له وتقدير ذلك وكل ذلك لا يصح في الآية أما سبق كلام يكون هذا جوابا له
فلم يكن في الأزل من يكون كلام الله تعالى جوابا له ولا يصح أن يكون كلام الله
تعالى جوابا له ولا يصح أن يكون كلام الله تعالى على تقدير سبق كلام فإن هذا
التقدير إنما معناه احتمال سبق كلام الله والله
هامش إدرار الشروق
أو حيوان وإن لم يكن هذا الحيوان ناطقا فهو بهيم فإن عدم الزوجية عن العدد وإن كان
شرطا في ثبوت الفردية له وكذلك بقية النظائر إلا أن إثبات شرطية عدم الزوجية في
الفردية وعدم الفردية في الزوجية مثلا في هذه الإطلاقات ليس هو مراد الناس بل كل
من الزوج والفرد زوج وفرد في نفسه لذاته من غير شرط وإنما مراد الناس هنا بيان
انحصار تلك المادة في المذكور بمعنى إن لم يكن الواقع من العدد ما هو زوج تعين أن
يكون الواقع ما هو فرد وبالعكس ولذا لا يقولون ذلك إلا فيما يصح فيه الحصر لا فيما
لا يصح فلا يقولون إن لم يكن إنسانا فهو فرس لعدم انحصار الباقي من الحيوان بعد
الإنسان في الفرس ولا يقصد الناس الشرطية إلا في الموطن الذي يقبل النقيض ولا يجزم
العقل بوجوب ثبوت معناه له في نفسه وجوبا ذاتيا كما هنا وعلى هذا فالمراد في آية
الشهادة إنما هو انحصار الحجة التامة من الشهادة بعد الرجلين في الرجل والمرأتين
فإنه لا حجة تامة من الشهادة في الشريعة إلا الرجلان والرجل والمرأتان هذا هو
المجمع عليه وأما شهادة الصبيان وشهادة أربع نسوة عند الشافعي وشهادة المرأتين
وحدهما فيما ينفردان فيه كالولادة فهذه الآية حجة على بطلانها إلا أن يقال أن
الآية إنما سيقت في إثبات الديون والأموال لا الأبدان وجميع هذه الصور في أحكام
الأبدان فالحصر حق في الأموال
____________________
(1/182)
الدليل نفس الجواب وليس هو الجواب كقوله تعالى وإن يكذبوك
فقد كذبت رسل من قبلك فإن تكذيب من قبله لا يتوقف على هذا الشرط بل سبق وتقدم
وتقدير الجواب وإن يكذبوك فتسل فقد كذبت رسل من قبلك فتكذيب من قبله دليل على
هامش أنوار البروق
تعالى منزه عن مثل هذا الاحتمال إذ تقرر أنه العالم بما كان وبما يكون وبما لم يكن
ولا يكون فإن قيل جاز ذلك في الآية على ما سبق في علمه من توهم من يسمع والآية
كذلك فالجواب أن ذلك تكلف يغني عنه أنها لمطلق الربط
قال وهذا الجواب أصلح من الأجوبة المتقدمة إلى آخر المسألة قلت قد تبين أنه ليس
بأصلح وفيه دعوى سبق كلام يكون هذا جوابا له أو تقدير سبق كلام والأصل عدم ذلك
قال شهاب الدين المسألة الثالثة أن النحاة والأصوليين قد نصوا على أن إن لا يعلق
عليها إلا مشكوك فيه آخر المسألة قلت ليس الأمر كما نصوا عليه بل هي لمطلق الربط
سواء كان ما دخلت عليه مشكوكا فيه أو غير مشكوك غير أنها ليست بظرف وإذا ظرف وقد
آل كلامه في جوابه عن الإشكال وجوابه بعد ذلك عن السؤال إلى أنها تستعمل في
المشكوك وغير المشكوك ودعوى المجاز على خلاف الأصل
قال المسألة الرابعة مقتضى ما تقدم من أن الشرط لا يكون إلا بأمر معدوم مستقبل وأن
جزاءه أيضا كذلك إلى آخر الأمور المشترطة التي أوردها قلت قد تقدم أن حروف الشرط
تدخل على غير المستقبل بخلاف سائر ما ذكر مع الشرط
قال فإن قلت كيف تورد السؤال بلو مع أنك قد قدمت أن من خصائصها أنها تدخل على
الماضي فلا يكون الاستقبال فيها لازما حتى يرد بها السؤال قال قلت من خصائصها أنها
قد تدخل على الماضي ولكن لا يمنع دخولها على المستقبل ونحن نعلم ها هنا أنها إنما
دخلت على المستقبل من جهة الواقع فإنه تعالى لو شاء جعلنا ملائكة لكنا ملائكة لكنا
لسنا ملائكة فعلمنا أن هذا ليس ماضيا قلت جوابه هذا ليس بصحيح فإن مشيئة الله
تعالى لا يصح أن تكون حادثة وإنما دخلت لو على ما لا يصح أن يكون مستقبلا وحمل
المشيئة على وقوع متعلقها وهو المراد الحادث خلاف الظاهر فالسؤال وارد
قال والجواب عنه أن تعلق إرادة الله تعالى وعلمه بالأشياء قسمان قسم واقع وقسم
مقدر مفروض ليس واقعا فالواقع هو أزلي لا يمكن جعل شيء منه شرطا ألبتة
قلت ما قاله ليس بصحيح بل يمكن جعل الأزلي شرطا وإنما حمله على ما قاله دعواه أن
إن لا تدخل إلا على المستقبل وقد تقدم أنه يجوز دخولها على غير المستقبل فإنها
لمطلق الربط وقد سبق من كلامه ما يشعر بتسليمه أنها لمطلق الربط
قال والمقدر هو الذي جعل شرطا وتقدير الكلام في هذه المواضع متى فرض إرادتنا أن
نردكم
هامش إدرار الشروق
ولم يخالفه
أحد ولا يدل على بطلان هذه الصور وأما الشاهد واليمين واليمين والنكول وغير ذلك
____________________
(1/183)
تسليته وسبب تسليته قائم مقامه وإلا فالماضي لا يعلق على
المستقبل ونظائره كثيرة في كتاب الله تعالى
هامش أنوار البروق
ملائكة كنتم ملائكة ومتى فرض إرادتنا لهداية نفس اهتدت ومتى فرض إرادتنا لكون شيء
كان ومتى فرض إرادتنا لإهلاك قرية كان السبب في إهلاكها أمر مترفيها فيفسقون
ومتى فرض علم الله تعالى بأن فيكم خيرا آتاكم خيرا مما أخذ منكم وكذلك بقية هذه
النظائر فجميع المعلق عليه من تعلق صفات الله تعالى إنما هو مفروض مقدر لا أنه
واقع والفرض والتقدير أمر متوقع في المستقبل ليس أزليا فلذلك حسن التعليق فيه على
الشرط قلت هذا الفرض والتقدير الذي زعم لا يخلو أن يريد أن الله تعالى هو فارض ذلك
الفرض أو يريد أن غيره هو فارض ذلك الفرض فإن أراد الأول فذلك لا يجوز في حق الله
تعالى لأنه يستلزم الجهل بالواقع وإن أراد الثاني فلا يصح تأويل مشيئة الله تعالى
بمشيئة غيره وبالجملة فكلامه هنا خطأ صراح
قال فإن قلت بل هذا التقدير أزلي إلى آخر جوابه قلت وهذا السؤال مني على جواز مثل
هذا التقدير على الله وقد سبق أنه لا يجوز فالسؤال ساقط وجوابه كذلك
قال فإن قلت الارتباط بين إرادة الله تعالى الهداية والهداية أزلي إلى آخر السؤال
قلت السؤال وارد قال قلت لم يجعل الارتباط شرطا بل المرتبط به خاصة وهو المشيئة
المفروضة أما الارتباط بها فلم يجعل شرطا أصلا
قلت المشيئة المفروضة لا تصح على الله تعالى فجوابه باطل
قال ولا تنافي بين قدم الارتباط وحدوث المرتبط والمرتبطة قلت بل ذلك متناف فإن
الحادث لا يتصف بالقديم كما أن القديم لا يتصف بالحادث
قال ألا ترى أن الارتباط واقع بين الأجسام والأكوان التي هي الحركة والسكون
والاجتماع والافتراق قلت ما قاله في هذا الفصل مبني على الوجود الذهني وأنه غير
العلم وهو من الأمور المشكوك فيها وقوله كالإمكان والاستحالة حكمان أزليان لا يصح
فإنه لا يخلو أن يكونا ذهنيين أو خارجيين فإن كانا ذهنيين فكيف يصح أن يكونا
أزليين ولا ذهن في الأزل وإن أراد خارجيين فكيف يصح والمستحيل لا بد أن يكون
معدوما فوصفه كذلك والإمكان ليس بأزلي فوصفه كذلك إلا أن يريد أنهما معلومان لله
فيعود الأمر إلى أنهما متعلقان لعلمه تعالى وليس ذلك مما نحن فيه والله أعلم
المسألة الرابعة قد تقدم في الوصل الأول أن أدوات الشرط كما تدخل على المستقبل
تدخل على غير المستقبل بخلاف أنواع الطلب الثمانية وعليه فيصح تعليق صفات الله
تعالى نحو علمه وإرادته وإن كان الله تعالى في الأزل بكل شيء عليم وقدر كل شيء في
الأزل من جميع الموجودات الممكنات والمعدومات ويستحيل أن يتأخر شيء من ذلك عن
الأزل ولا داعي لتكلف الجواب عن مثل قوله تعالى إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول
له كن فيكون وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت
بآخرين إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم وقوله صلى الله تعالى
عليه وسلم من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين فتنبه
قال شهاب الدين المسألة الخامسة نص القاضي عبد الوهاب وغيره من العلماء على أن حيث
وأين من صيغ العموم فيلزم على هذا إذا قال لها حيث وجدتك أو أين وجدتك فأنت طالق
فوجدها
هامش إدرار الشروق
فلم تكمل فيه الحجة من الشهادة بل إما لا شهادة فيه ألبتة كاليمين والنكول أو بعضه
شهادة كالشاهد
____________________
(1/184)
المسألة الثالثة عشر جرت عادة الفقهاء والأصوليين بحمل العموم على ع مومه دون
سببه وهو المشهور في المسألة فيستدلون أبدا بظاهر العموم وإن كان في غير مورد
هامش أنوار البروق
فطلقت ثم وجدها في عدتها مرارا أن تطلق عليه ثلاثا لأجل العموم وكذلك القول في متى
ما للعموم ولا يلزم بها إلا طلقة واحدة وهو مشكل إلى آخر تقريره السؤال قلت وقع في
النسخة الواقعة لي من هذا الكتاب متى ما وكان ينبغي أن تكون متى دون ما كحيث وأين
وقد قال في آخر إيراد السؤال وما الفرق بين كلما ومتى ما وما معنى ما فيهما فظهر
بذلك أن تمثيله بمتى إنما هو بإثبات ما
قال والجواب مبني على قاعدة وهي أن التعليق ينقسم إلى أربعة أقسام تعليق عام على
عام ومطلق على مطلق ومطلق على عام وعام على مطلق فأما القسم الأول فهو نحو كلما
دخلت الدار فأنت طالق إلى آخر ما قال في هذا القسم قلت إنما ينبغي له أن يأتي في
المعلق بلفظ عام مثل فأنت طالق جميع أفراد الطلاق أو كل فرد من أفراد الطلاق وما
أشبه ذلك وأما قوله فأنت طالق فليس بعام وكيف وهو أتى به بعد في مثال تعليق مطلق
على مطلق قال والقسم الثاني تعليق مطلق على مطلق نحو إن دخلت الدار فأنت طالق إلى
آخر ما قال في هذا القسم قلت قد نقص قوله أن إذا للإطلاق بعد هذا وقال إنها للعموم
وقوله في أن إنها تدل على الزمان التزاما فيه نظر والأصح أنها لا دلالة لها على
الزمان وإنما الدال الفعل الذي تدخل عليه
قال القسم الثالث تعليق مطلق على عام نحو متى وأين إلى آخر قوله ومع ذلك لو صرح
بها لم تلزمه إلا طلقة واحدة قلت زعمه أن قول القائل أنت طالق في جميع الأيام أو
في كل الأيام طلقة واحدة من ألفاظ العموم وأنه من أبلغ صيغه ليس بصحيح فإن كل إذا
أضيفت إلى المعرف لا تكون للعموم وإنما تكون في معنى جميع وجميع لا تضاف إلا إلى
المعرف فلا يقال جميع رجل في معنى كل رجل فجميع الأيام وكل الأيام ليسا من ألفاظ
العموم وإنما لفظ العموم أن يقول أنت طالق كل يوم أو كل يوم أنت فيه طالق ثم إنه
أراد تمثيل تعليق مطلق على عام فلم يأت بعام ولا مطلق فإن قوله في كل الأيام ليس
من ألفاظ العموم كما تبين
وقوله طلقة واحدة ليس من ألفاظ الإطلاق لأنه قيد لفظ الطلاق بقوله طلقة ثم أكده
بقوله واحدة
قال وكما نقول الحج واجب في كل العمر مرة إلى قوله يبقى بقية عمره لا يلزمه فيها
حج قلت جميع ما قاله غير صحيح فإن لفظ كل العمر ليس من ألفاظ العموم ولفظ مرة
واحدة ليس من ألفاظ الإطلاق
هامش إدرار الشروق
واليمين فلا توجد حجة تامة إلا بتينك الحجتين فإذا فرض عدم إحداهما تعين الحصر في
الأخرى إذا عرفت هذا عرفت أن صيغة التعليق دالة على ما يعم الترتيب وغيره فهو أعم
من الترتيب فلا تدل عليه إلا
____________________
(1/185)
السبب وقد كان الشيخ عز الدين بن عبد السلام يقول يجب أن
يستثنى من ذلك ما إذا كان السبب شرطا نحو قوله إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين
غفورا فالأوابون عام في
هامش أنوار البروق
قال كذلك إذا لزمه بزمان واحد في متى وأين أو في بقعة واحدة في حيث طلقة واحدة إلى
آخر قوله فأمكن الجمع بين قول العلماء أن هذه الصيغ للعموم وأنه لا يلزم فيها إلا
طلقة واحدة قلت مساق أين مع متى يقتضي أنها عنده للزمان وهذا غاية الخطأ وقوله
فأمكن الجمع بين قول العلماء ليس على الوجه الذي ذكر يمكن الجمع بين قول العلماء
وما أراه فهم كلامهم ولا عرف مرامهم ألبتة
قال فإن قلت إلى آخر ما جعله جوابا لهذا السؤال قلت السؤال وارد لازم وما جعله
جوابا ليس بجواب ولكنه احتجاج على أن تلك الألفاظ من ألفاظ العموم فما جعله جوابا
هو في الحقيقة عاضد للسؤال
قال فإن قلت ذلك يبطل بإذا وإذ وعند ووراء وقدام وبقية الجهات الست وغير وسوى وشبه
ومثل ونحوها مما لا يكاد يستعمل إلا مضافا فإنها ليست للعموم إلى قوله فلا يتعدى
العموم ما أضيف إليه قلت التزامه أن الجميع للعموم فيه نظر وإلا ظهر أن الأمر ليس
كما التزم وما جعله تقريرا لما التزمه من أن صيغ العموم إنما تعم فيما أضيفت إليه
وإن كان صحيحا لا حاجة له فيه على مرامه بوجه
قال إذا تقرر هذا فنقول إذا قال القائل إذا زالت الشمس فأنت حر يقتضي العموم في
زمن الزوال خاصة ولا مانع من القول بأنه للعموم قلت بل لا موجب للقول بالعموم
قال وكذلك إذا قلت آتيك إذا جاء زيد عام في جميع زمان مجيء زيد وكذلك عندك مال
يتناول جميع حوزتك قلت قوله أن ذلك للعموم دعوى بغير حجة
قال وكذلك قوله تعالى ما عندكم ينفد وما عند الله باق عام في جميع بقاعنا المشتملة
على أموالنا قلت العموم في الآية إنما هو من جهة ما
قال وكذلك وراءك وأمامك إلى قوله وكذلك بقية الجهات الست عامة في جميع مسمياتها
قلت كل ما قاله دعوى لم يأت عليها بحجة وجميع ما ادعاه عموما إنما هو عموم الحقيقة
لا عموم الاستغراق والحكم لا يلزم شموله للأفراد إلا في الألفاظ الموضوعة للعموم
الاستغراقي كما إذا قلت كل رجل فله درهم فإن ذلك يقتضي أن كل واحد من الرجال يستحق
درهما وأما إذا قلت الرجل له درهم وأردت بالألف واللام العهد في الجنس ولم ترد بها
العهد في الشخص ولا العموم الاستغراقي
هامش إدرار الشروق
بعد أن تحتف بها قرائن إذ الدال على الأعم كالحيوان لا يدل على الأخص كالإنسان فلا
يستقيم قول الفقهاء في الكفارات إذا ورد النص فيها بصيغة أو فهي على التخيير كقوله
تعالى فكفارته إطعام عشرة
____________________
(1/186)
كل أواب ماضيا أو حاضرا أو مستقبلا قال رحمه الله فيجب في
هذا العموم أن يتخصص
هامش أنوار البروق
على من قال بذلك فلا يستحق كل واحد من الرجال درهما ولكن يستحق الجنس كله درهما
خاصة
قال وأما غير وسوى وشبه ومثل إلى قوله بخلاف أين وحيث قلت قوله فلذلك لم يعم إما
أن يريد فلكون هذه الإضافة وجودها كعدمها أو لكون هذه الألفاظ لا تتعرف بالإضافة
أو لمجموع الأمرين فإن أراد الأول فليس بصحيح لأن قول القائل أكرم حسان الوجوه يعم
مع أن إضافته وجودها كعدمها وإن أراد الثاني فليس بصحيح أيضا لأن قول القائل كل
رجل له درهم يعم مع أن لفظ كل لا يتعرف بهذه الإضافة وإن أراد الثالث فليس بصحيح
أيضا لأنه لا معنى للمجموع إلا كون هذه الإضافة وجودها كعدمها والمراد بأن وجودها
كعدمها كون المضاف لا يتعرف بها فآل الأمر إلى الثاني وقد تبين بطلانه
قال فإن قلت لم نجد أحدا عد هذه الصيغ كلها من صيغ العموم في كتب الأصول وكتب
النحو قلت كفاهم في التنبيه عليها قولهم اسم الجنس إذا أضيف عم قلت لعل مرادهم إذا
أضيف لغير الجمل وكان مما ينطلق على القليل والكثير مسماه كالمال ونحوه لا كالعبد
ونحوه ومع ذلك في قولهم ذلك نظر والأصح أنه لا يعم مثل قول القائل عبدي حر لا يصح
فيه دعوى العموم وإنما يصح ذلك في إضافة الجمع كقول القائل عبيدي أحرار فلم يكن
العموم فيه من جهة كونه اسم جنس أضيف وإنما كان العموم لأنه جمع أضيف والله أعلم
قال إذا تقرر أن حيث وأين من صيغ العموم إلى قوله ولا يتنافى ذلك ولا يتناقض قلت
لم يتقرر ذلك ولو تقرر لكان معنى قول القائل حيث جلست فأنت طالق أنت طالق في كل
مكان جلست فيه فإذا جلست في أماكن عدة اقتضى اللفظ لزوم الطلاق في كل واحد واحد من
تلك الأماكن أي عدد كانت غير أن الشرع قصر الطلاق على الثلاث وقطع العصمة بها
فالزائد عليها لغو
وإذا لم يتقرر ذلك فكون كلام العلماء لم يتناف ولم يتناقض ليس لما ذكر بل لكون تلك
الصيغ ليست للعموم والله أعلم
قال القسم الرابع الذي بقي من التقسيم في القاعدة تعليق عام على مطلق فيكون معناه
التزام جميع الطلاق في زمن فرد قلت قوله فيكون معناه التزام جميع الطلاق في زمن
فرد إن أراد أن ذلك مقتضى اللفظ فليس بصحيح لأن ما يقتضي زمنا فردا ليس بمطلق
وإنما يلزم فيه الفرد لأنه أقل الممكن لا لأن لفظ الإطلاق يقتضيه وإن أراد أنه
يلزم لأنه أقل مقتضى اللفظ في ضرورة الوجود فذلك صحيح
قال فهذا القسم الحكم فيه أن يلزم من ذلك العموم الثلاث ويسقط ما عداها كما لو قال
لها أنت طالق طلقات لا نهاية لها في العدد إن دخلت الدار إلى قوله كما هو في كلما
قلت ما قاله في ذلك صحيح
قال وأما الفرق بين كلما ومتى وما وأينما وحيثما إلى آخر المسألة
هامش إدرار الشروق
مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة وإذا ورد النص فيها
بصيغة من
____________________
(1/187)
بنا لأن القاعدة الشرعية أن صلاحنا لا يكون سببا للمغفرة في
حق غيرنا من الأمم ومن تأمل القواعد قطع بذلك فيتعين أن يكون التقدير إن تكونوا
صالحين فإنه كان للأوابين منكم غفورا
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله من الفرق بين كلما ومتى ما يلزم منه نقيض قوله قبل أن متى للعموم
ويلزم من قوله أن ما للزمان أنها في هذا الموضع اسم وما أرى ذلك قولا لأحد من
النحاة ثم بنى على ذلك أن حيثما معناها مكان وزمان وليس ذلك بصحيح وقوله أن بحثه
ذلك هو البحث الكاشف عن هذه الحقائق ليس كما قال بل هو المخلط لهذه الحقائق وقوله
فبذلك يتضح الفقه فيها قد تبين أن بذلك يشكل الفقه فيها أما يتضح فلا
قال المسألة السادسة نص الأصحاب على أن الطلاق يتكرر
في قوله كل امرأة أتزوجها فهي طالق إلى آخر المسألة قلت بنى جوابه على ما
تقدم قبل من أن الظهار خبر وقد سبق القول في أن ذلك موضع احتمال ونظر وما ذكره
فارقا بين كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي وكلما تزوجت فالمرأة التي أتزوجها
علي كظهر أمي لا يقوى وفي تلك المسائل كلها وفي الفرق بينها نظر
قال المسألة السابعة إذا قال إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا ثم قال لها أنت طالق
ثلاثا قال مالك تنحل يمينه وقال الشافعي يبقى التعليق حتى يتزوجها بعقد ثان وعلى
مذهب مالك رحمه الله إشكالان إلى آخر المسألة قلت ما قاله وما اختاره من الجواب
صحيح والله أعلم
قال المسألة الثامنة الشرط ينقسم إلى ما لا يقع إلا دفعة كالنية وإلى ما لا يقع
إلا متدرجا كالحول وقراءة السورة وإلى ما يقبل الأمرين كلفظ عشرة دراهم إلى آخر
المسألة قلت ذكر قول فخر الدين وأورد عليه سؤالين وهما واردان كما قال والله أعلم
قال المسألة التاسعة اتفق الفقهاء على الاستدلال بقوله تعالى ولا تقولن لشيء إني
فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله ووجه الدليل منه في غاية الإشكال إلى آخر المسألة
قلت ما قال فيها من لزوم تقدير محذوف به يصح والمعنى المراد صحيح وما قاله في
الفرع كذلك
قال المسألة العاشرة قد يذكر الشرط للتعليل دون التعليق قال وضابطه أمران المناسبة
وعدم انتفاء المشروط عند انتفائه ليعلم أنه ليس بشرط مثاله قوله تعالى واشكروا
نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون إلى آخرها قلت ما قاله أيضا في هذه المسألة صحيح
قال المسألة الحادية عشر قوله تعالى يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن
فلا تخضعن بالقول إلى آخرها قلت ما ذكره من الوقف عند قوله لستن كأحد من النساء
محتمل وليس باللازم ويحتمل أن يكون المراد تفضيلهن بشرط التقوى ويكون ما بعد ذلك
إرشادا إلى ما كان إليهم من
هامش إدرار الشروق
الشرطية فهي على الترتيب كقوله تعالى فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن
يتماسا فمن لم يستطع فإطعام
____________________
(1/188)
المسألة الرابعة عشر جرت عادة الفقهاء في الكفارات هل هي على التخيير أو على
الترتيب أن يقولوا إذا ورد النص بصيغة أو فهي على التخيير كقوله تعالى فكفارته
إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة وإن كان النص
بصيغة من الشرطية فهي على الترتيب كقوله تعالى فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من
قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ولا تكاد تجد فقيها ينازع في هذا
وهو غير صحيح وبيانه أن مقتضى ما ذكروه أن يكون قوله تعالى فإن لم يكونا رجلين
فرجل وامرأتان أن لا تجوز شهادة رجل وامرأتين إلا عند
هامش أنوار البروق
فضل التقوى وهو الأسبق إلى الفهم وما ذكره من أن ما اختاره أهل البيان والتفسير
أبلغ في مدحهن صحيح لو أن الآية وردت للمدح لكنها لم ترد لذلك والله أعلم
المسألة الحادية عشر قوله تعالى يا نساء النبي
لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول يحتمل وهو الأسبق إلى الفهم أن
يكون المراد تفضيلهن بشرط التقوى والمعنى إن اتقيتن الله فلا تقسن بجماعة من
النساء فإنكن أعظم فإن اتقيتن شرط حذف جوابه لدلالة ما قبله عليه وقوله فلا تخضعن
بالقول كلام مستأنف للإرشاد والتهييج بجعل طلب الدنيا والميل إلى ما تميل إليه
النساء لبعده عن مقامهن بمنزلة الخروج من
التقوى ويحتمل وعليه جماعة من أرباب علم البيان وأهل التفسير أن يكون المراد
تفضيلهن على النساء مطلقا من غير شرط ويكون الوقف على قوله لستن كأحد من النساء
ويبدأ بالشرط ويكون جوابه ما بعده وهو قوله فلا تخضعن بالقول دون ما قبله قيل وهذا
الاحتمال أبلغ في مدحهن لأنهن متقيات وهو صحيح لو أن الآية وردت للمدح لكنها لم
ترد لذلك بل المراد منها داومهن على التقوى
قال المسألة الثانية عشر يجوز حذف جواب الشرط إذا كان في الكلام ما يدل عليه إلى
آخرها قلت ما قاله من جواز حذف جواب الشرط إذا دل عليه الدليل صحيح إذا لم يصح أن
يكون الجواب فيما بعده من الكلام المنطوق به فإن الحذف في الكتاب العزيز لا يدعى
إلا لضرورة وما قاله من أن الماضي لا يعلق على المستقبل صحيح وهو الموجب لتقدير
المحذوف والله أعلم
قال المسألة الثالثة عشر جرت عادة الفقهاء والأصوليين بحمل العموم على عمومه دون
سببه وهو المشهور في المسألة فيستدلون أبدا بظاهر العموم وإن كان في غير مورد السبب
وقد كان الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله يقول يجب أن يستثنى من ذلك ما إذا
كان السبب شرطا إلى آخرها قلت لا يجب ذلك وما مثل به من قوله تعالى إن تكونوا
صالحين فإنه كان للأوابين غفورا لا دليل له فيه بل هو على تقدير محذوف كما سبق في
المسألة قبلها نحو إن تكونوا صالحين فأبشروا فإنه كان للأوابين غفورا وكان هنا
للاستمرار فإنه أمدح وهذا الموضع موضع تمدح والله أعلم
قال المسألة الرابعة عشر جرت عادة الفقهاء في الكفارات هل هي على التخيير أو على
الترتيب أن يقولوا إذا ورد النص بصيغة أو فهي على التخيير كقوله تعالى فكفارته
إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة وإن كان النص
بصيغة من الشرطية فهي على الترتيب كقوله تعالى فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من
قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ولا تجد فقيها ينازع في هذا وهو
غير صحيح إلى آخر المسألة
قلت ما قاله من أن الصيغة لا تقتضي الترتيب إلا بعد أن تحتف بها قرائن صحيح كما
ذكر لأن هذه الصيغة تأتي لغير قصد الترتيب كما مثل وما قاله من أنه لا يلزم من عدم
الشرط عدم المشروط إن أراد الشرط المعنوي فذلك باطل وهذا الشرط هو الذي يعني
الفقهاء أنه يلزم من عدمه عدم مشروطه وإن أراد الشرط اللغوي فهو الذي لا يلزم من
عدمه عدم المشروط أي أن هذا اللفظ وإن سمي في اصطلاح أهل اللغة والنحو شرطا لا
يلزم من ذلك أن يكون شرطا معنويا فيلزم من عدمه عدم مشروطه بل يأتي الشرط اللغوي
لغير ذلك القصد والله أعلم
هامش إدرار الشروق
ستين مسكينا نعم قد يقال مرادهم بصيغة من الشرطية دالة على الشرط المعنوي الذي
يلزم من عدمه عدم المشروط لا مطلق الشرط اللغوي حتى يرد ما ذكر والله أعلم
____________________
(1/189)
عدم الرجلين وقد أجمعت الأمة على جوازه عند وجود الرجلين
وأن عدمهما ليس شرطا فنستفيد من هذه الآية سؤالين عظيمين أحدهما أن الصيغة لا
تقتضي الترتيب وثانيهما أن لا يلزم من عدم الشرط عدم المشروط وهو خلاف الإجماع وهو
ها هنا كذلك
وكذلك قولنا إن لم يكن العدد زوجا فهو فرد وإن لم يكن فردا فهو زوج مع أنه لا
يتوقف العدد الزوج على عدم الفرد ولا الفرد على عدم الزوج بل هو واجب الثبوت في
نفسه وجد الآخر أم لا وإذا انتفى الشرط وهو قولنا إن لم يكن العدد زوجا كانت
الخمسة فردا قطعا فإن وجود الزوجية في العدد لا ينافي الفردية فيه ووجود الفردية
فيه لا ينافي الزوجية فيه فعدم هذا الشرط لا أثر له ألبتة في عدم هذا المشروط
وكقولنا إن لم يكن هذا جمادا فهو إما نبات أو حيوان وإن لم يكن هذا الحيوان ناطقا
فهو بهيم مع أن البهيم في نفسه لا يتوقف على عدم الناطق بل إذا فرض الناطق ناطقا
كان البهيم بهيما بالضرورة وبهذا يعلم أن نظائره كثيرة جدا ولا ترتيب فيها ولم
يلزم فيها من عدم الشرط عدم المشروط بل المشروط حق في نفسه ووقع سواء وجد هذا
الشرط أم لا فإن قلت عدم الزوجية عن العدد شرط في ثبوت الفردية له فلو كان زوجا لم
تثبت له الفردية فقد لزم من عدم الشرط عدم المشروط وكذلك بقية النظائر قلت ليس
مراد الناس من هذه الإطلاقات إثبات شرطية عدم الزوجية في الفردية بل الزوج زوج في
نفسه لذاته من غير شرط وكذلك الفرد ولا نقول يشترط في كون العشرة زوجا عدم الفردية
عنها فإنها لا تقبل الفردية أيضا فكيف تتوهم الشرطية والمعترض في موطن العقل قاطع
وجازم بثبوت ذلك المعنى في نفسه وجوبا ذاتيا وإنما يقصد العقلاء في ذلك الموطن
الذي يقبل النقيض بل مقصود الناس في هذه المواطن والموارد بيان انحصار تلك المادة
في المذكور فأنت تقول إذا انتفى الفرد بقي العدد محصورا في الزوج
وإذا انتفى الزوج بمعنى إن لم يكن الواقع من العدد ما هو زوج تعين أن يكون الواقع
ما هو فرد ولأجل ذلك لا يقولون ذلك إلا في المواطن التي يصح فيها الحصر فلا يقولون
إن لم يكن إنسانا فهو فرس لعدم انحصار الباقي من الحيوان بعد الإنسان في الفرس ولو
كان المقصود ما ذكرتموه من الشرطية لكان الكلام صحيحا فإن عدم الإنسانية شرط في
الفرسية لتعذر اجتماعهما بل لما كان المقصود بيان الحصر بطل الكلام لعدم الحصر في
المذكور فتأمل هذا الموضع فهو صعب دقيق وعلى هذا يكون المراد في الآية انحصار
الحجة التامة من الشهادة بعد الرجلين في الرجل
هامش أنوار البروق
فارغه
هامش إدرار الشروق
____________________
(1/190)
والمرأتين فإنه لا حجة تامة من الشهادة في الشريعة إلا
الرجلين والرجل والمرأتين هذا هو المجمع عليه وأما شهادة الصبيان وشهادة أربع نسوة
عند الشافعي وشهادة المرأتين وحدهما فيما ينفردان فيه كالولادة فهذه الآية حجة على
بطلانها لدلالتها على الحصر في الرجل والمرأتين إلا أن يقال إن الآية إنما سيقت في
إثبات الديون والأموال لا الأبدان وجميع هذه الصور في أحكام الأبدان فالحصر حق في
الأموال ولم يخالفه أحد ولا تدل على بطلان هذه الصور وأما الشاهد واليمين والنكول
وغير ذلك فلم تكمل فيه الحجة من الشهادة بل لا شهادة فيه ألبتة كاليمين والنكول أو
بعضه شهادة فقط كالشاهد واليمين فلا توجد حجة تامة مجمع عليها إلا بتينك الحجتين
فإذا فرض عدم أحدهما تعين الحصر في الأخرى وإذا وضح لك أن الشرط كما يستعمل في
الترتيب فكذلك يستعمل في إثبات الحصر
والكل حقيقة لغوية فيكون التعليق أعم من الدلالة على الترتيب والدال على الأعم غير
دال على الأخص كالحيوان لا يدل على الإنسان والإنسان لا يدل على الرجل والرجل لا
يدل على المؤمن فلا يستقيم الاستدلال بصيغة التعليق التي هي أعم من الترتيب على
الترتيب بل لا بد من قرائن أخرى وضمائم تضاف لصيغة التعليق حتى تفيد الترتيب وأن
ضابط ما يتوقف فيه المشروط على الشرط الشرط الذي لا يراد به الحصر أما متى أريد به
الحصر فلا فافهم هذا الموضع فهو من نفائس العلم وجوهره ودقيق المباحث وفيه التنبيه
على أنه لا يلزم من عدم الشرط عدم المشروط وأن استدلال الفقهاء به على الترتيب لا
يصح كما وضح لك بيانه والله أعلم
هامش أنوار البروق
فارغه
هامش إدرار الشروق
فارغه
____________________
(1/191)
@ 192 الفرق الخامس بين قاعدتي
الشرط والاستثناء في الشريعة ولسان العرب في أن الشرط لا يجوز تأخير النطق
به في الزمان ويجوز في الاستثناء ذلك على قول وأن الاستثناء لا يجوز في الشريعة
ولا في لسان العرب أن يرفع جميع المنطوق به ويبطل حكمه نحو له عندي عشرة إلا عشرة
بالإجماع ويجوز أن يدخل الشرط في كلام يبطل جميعه بالإجماع كقوله أنتن طوالق إن
دخلتن الدار فلا تدخل واحد منهن فيبطل جميع الطلاق فيهن وأكرم بني تميم إن أطاعوا
الله أو إن جاءوك فلا يجيء أحد فيبطل جميع الأمر بسبب هذا الشرط ولولا هذا الشرط
لعم الحكم الجميع فقد باين الشرط الاستثناء في هذه الأحكام ويعم جميع الجمل
المنطوق بها بخلاف الاستثناء على قول فإنه يحمل على الجملة الأخيرة على قول نحو
أكرم بني تميم وأكرم القوم واخلع عليهم فقد
هامش أنوار البروق
قال شهاب الدين الفرق الخامس بين قاعدتي الشرط
والاستثناء في الشريعة ولسان العرب في أن الشرط لا يجوز تأخير النطق به في
الزمان ويجوز ذلك في الاستثناء على قول وأن الاستثناء لا يجوز أن يرفع جميع
المنطوق به ويبطل حكمه نحو له عندي عشرة إلا عشرة بالإجماع ويجوز أن يدخل الشرط في
كلام يبطل جميعه بالإجماع كقوله أنتن طوالق إن دخلتن الدار فلا تدخل واحدة منهن
إلى آخر ما قاله هذا الفرق قلت إنما نظير عدم النطق بالاستثناء عدم النطق بالشرط
ولا شك أنه إذا لم ينطق بالاستثناء فات مقصد وإذا لم ينطق بالشرط فات مقصد وقوله
أنهما اشتركا في أن كل واحد منهما فضلة لا حجة فيه وليس كون واحد منهما فضلة يوجب
الاستغناء عنهما وما قاله من أن الشرط إذا لم يقع بطل جميع المشروط هي حقيقة الشرط
وما قاله من أن الشرط اللغوي سبب والسبب لا بد أن يكون مناسبا وما هو كذلك فشأنه
تعجيل النطق به يقال له وكذلك الاستثناء فيلزم أن يكون شأنه التعجيل ثم
هامش إدرار الشروق
الفرق الخامس بين قاعدتي الشرط والاستثناء في الشريعة ولسان العرب وقع بالمباينة
بينهما في ثلاثة أحكام مع اشتراكهما في أن كل واحد منهما فضلة بمعنى أنه ليس بأحد
طرفي في الإسناد الحكم الأول لا يجوز تأخير النطق بالشرط في الزمان خلافا لابن
عباس في التعليق على مشيئة الله تعالى خاصة لأنه لما كانت الأشياء كلها موقوفة على
مشيئة الله سبحانه كان الظاهر والغالب من حال المتكلم إرادتها وإن تأخرت بخلاف بقية
الشروط وغيرها كما نقله العطار عن القرافي على محلى جمع الجوامع ويجوز تأخير النطق
بالاستثناء في الزمان على قول لابن عباس وغيره وإن حكى ابن رشد الإجماع على عدم
جواز ذلك وأول ما ورد عن ابن عباس من إجازة الاستثناء بعد عام لقول الرهوني لكن
ذلك غير مسلم انظر ما في ذلك من الأقوال في جمع الجوامع في أول مبحث المخصص نعم
اشتراط
____________________
(1/192)
باين الشرط الاستثناء في هذه الأحكام والفرق بين اشتراكهما
في أن كل واحد منهما فضلة في الكلام ويتم الكلام دونه فينبغي أن يمتنع إبطال جملة
الحكم فيهما تحقيقا لمقتضى اللغة أو يجوز فيهما تسوية بين البابين لكن الفرق أن
الاستثناء يخرج من الكلام ما ليس بمراد عما هو مراد فهمه من غير المراد ولعله لو
بقي مع المراد لم يختل الحكم وأما الشروط اللغوية فهي أسباب كما تقدم بيانه والسبب
متضمن لمقصد المتكلم وهو المصلحة التي لأجلها نصب شرطا وجعل عدمه مؤثرا في العدم
فإذا كان متضمنا لمقصد المتكلم والمقاصد شأنها تعجيل النطق وشأنها أن تعم جميع
الجمل تكثيرا لمصلحة ذلك المقصد بخلاف الاستثناء إذا لم يعجل به لم يفت به مقصد بل
حصل ما ليس
هامش أنوار البروق
إنه لو قال قائل أعط بني تميم عند تمام هذه السنة وفي نفسه إن أطاعوا ثم لم ينطق
به إلا عند رأس السنة عند الحاجة إليه لم يفت بذلك مقصد وكذلك في الاستثناء أعط
بني تميم عند تمام السنة وفي
هامش إدرار الشروق
الاتصال في الاستثناء متفق عليه في المذهب كما يظهر من كلامهم ا ه بتصرف
قلت بل في شرح الهداية كما نقله شارح التحرير الأصولي ما نصه واشتراط الاتصال قول
جماهير العلماء منهم الأربعة ا ه ولفظ التحرير لنا لو تأخر لم يعين
تعالى لبر أيوب عليه السلام أخذ الضغث ولم يقل صلى الله تعالى عليه وسلم فليكفر
مقتصرا إذا لم يتعين مخلصا مع اختياره الأيسر لهم دائما بلا تفصيل بين مدة ومنوي
وغيرهما وأيضا لم يجزم بطلاق وعتاق وكذب وصدق ولا عقد ودفع أبو حنيفة عتب المنصور
بلزوم عدم لزوم عقد البيعة ا ه فمن هنا قال الغزالي في المنخول والوجه تكذيب
الناقل فلا يظن به ذلك ا ه
وقول بعض الشافعية يجوز تقليد رواياته في الإيمان والتعاليق وغيرها في حق نفسه
ويجوز تعليمها للعوام ولا يجوز الإفتاء بها
قال العطار مما لا ينبلج له الصدر خصوصا في الطلاق لمزيد الاحتياط في الأنكحة
واضطراب الرواية عنه يقضي بعدم تحرير النقل وإن فرض صحته فتأمل ا ه
وقيل وسر الفرق بينهما في هذا الحكم هو أن الشروط اللغوية لما كانت أسبابا كما
تقدم بيانه والسبب متضمن لمقصد المتكلم وهو المصلحة التي لأجلها نصب شرطا وجعل
عدمه مؤثرا في العدم كان الشأن فيه تعجيل النطق بخلاف الاستثناء فإنه لما لم يتضمن
لمقصد المتكلم وإنما يخرج من الكلام ما ليس بمراد عما المراد فهمه من المستثنى منه
ولعله لو بقي مع المراد ولم يخرج لم يختل الحكم لم يكن الشأن فيه ذلك وفيه نظر من
ثلاثة وجوه الوجه الأول أنا لا نسلم أن عدم النطق بالاستثناء لا يفوت مقصدا بخلاف
عدم النطق بالشرط إذ لا شك في أنه إذا لم ينطق بالاستثناء فات مقصد فعدم النطق
بالاستثناء نظير عدم النطق بالشرط وليس كون كل واحد منهما فضلة بمعنى أنه ليس أحد
ركني الإسناد يوجب الاستغناء عنهما الوجه الثاني كما قال
إن الشرط اللغوي سبب والسبب لا بد أن يكون مناسبا وما هو كذلك
____________________
(1/193)
بمقصد وذلك فرق عظيم وأما إبطال جميع الكلام بالشرط فلأن
الإبطال حالة النطق به غير معلوم فيستتبع الشرط في الجميع فلا يبطل من الكلام شيء
وقد يفوت الشرط في الجميع
هامش أنوار البروق
نفسه إلا زيدا ثم لم ينطق به إلا عند رأس السنة لم يفت مقصد وتكون صورة النطق
بالشرط عند تمام السنة بأن يقول مثلا ما أمرتك به من إعطاء بني تميم عند رأس السنة
إنما ذلك بشرط أن يطيعوا
هامش إدرار الشروق
فشأنه تعجيل النطق به كذلك يقال في الاستثناء فيلزم أن يكون شأنه التعجيل ضرورة أن
كلا منهما يتضمن مقصد المتكلم كما علمت الوجه الثالث أنه لو قال قائل أعط بني تميم
عند تمام هذه السنة وفي نفسه إن أطاعوا ثم لم ينطق به إلا عند رأس السنة عند
الحاجة إليه لم يفت بذلك مقصد وكذلك في الاستثناء أعط بني تميم عند تمام السنة وفي
نفسه إلا زيدا ثم لم ينطق به إلا عند رأس السنة لم يفت مقصد وتكون صورة النطق
بالشرط عند تمام السنة أن يقول مثلا ما أمرتك به من إعطاء بني تميم عند رأس السنة
إنما ذلك
بشرط أن يطيعوا وصورة النطق بالاستثناء أن يقول مثلا ما أمرتك به من إعطاء بني
تميم إنما ذلك على أن تدع منهم زيدا وبالجملة فهذا الفرق ليس بالجيد الحكم الثاني
لا يجوز أن يرفع الاستثناء جميع المنطوق به ويبطل حكمه ففي نحو له عندي عشرة إلا
عشرة يلزمه عشرة بالإجماع وما نقله القرافي عن المدخل لابن طلحة المالكي فيمن قال
لامرأته أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا أنه لا يقع عليه طلاق في أحد القولين كما في
محلى جمع الجوامع
قال العطار عن شيخ الإسلام إن القرافي قال بعد نقله الأقرب أن هذا الخلاف باطل
لأنه مسبوق بالإجماع نعم صرح السيوطي في الأشباه والنظائر أنه لو قال أوصيت له
بعشرة إلا عشرة كان رجوعا عن الوصية فافهم ا ه
ويجوز أن يدخل الشرط في كلام يبطل جميعه بالإجماع كقوله أنتن طوالق إن دخلتن الدار
فلا تدخل واحدة منهن فيبطل جميع الطلاق فيهن وأكرم بني تميم إن جاءوك فلا يجيء أحد
فيبطل جميع الأمر بسبب هذا الشرط ولولا هذا الشرط لعم الحكم الجميع ووجه الفرق
بينهما في هذا الحكم هو أن الإبطال حالة النطق بالشرط غير معلوم فقد يقع الشرط في
الجميع فلا يبطل من الكلام شيء وقد يفوت الشرط في الجميع فيبطل الجميع وقد يفوت في
البعض فيبطل البعض دون البعض فهذه الأقسام كلها محتملة حالة النطق ولم يتعين منها
الإبطال لا للكل ولا للبعض بخلاف الاستثناء الوارد على جميع الكلام يعد الناطق به
نادما مقدما على الهذر من القول وما لا فائدة فيه ولا يقول أحد ذلك في الشرط لعدم
تعينه الحكم الثالث يعم الشرط جميع الجمل المنطوق بها قيل اتفاقا وقيل على الأصح
وصحح قال في جمع الجوامع وعلى ذلك الأصح هو أولى بالعود إلى الكل ا ه أي كل الجمل
المتقدمة كما في المحلي
قال العطار وأما المفردات ففي كلام ابن الحاجب وغيره ما يؤخذ منه الاتفاق فيها كما
بين ذلك العلامة البرماوي ويعرف وجه الأولوية من فرق المحلي الآتي ا ه ولا يعم
الاستثناء جميع الجمل المنطوق بها بل يحمل على الجملة الأخيرة على قول نحو أكرم
بني تميم وأكرم
____________________
(1/194)
فيبطل الجميع وقد يفوت في البعض فيبطل البعض دون البعض فهذه
الأقسام كلها محتملة حالة النطق ولم يتعين منها الإبطال لا للكل ولا للبعض بخلاف
الاستثناء الوارد على جميع الكلام يعد الناطق به نادما مقدما على الهذر من القول
وما لا فائدة فيه ولا يقول أحد ذلك في الشرط لعدم تعينه وهذا فرق عظيم بينهما في
الإبطال وعدمه فظهر الفرق بينهما في الثلاثة الأحكام الجائزة في الشرط الممتنعة في
الاستثناء لغة وشرعا
هامش أنوار البروق
وصورة النطق بالاستثناء أن يقول مثلا ما أمرتك به من إعطاء بني تميم إنما ذلك على
أن تدع منهم زيدا وبالجملة كلامه في هذا الفرق ليس بالجيد والله أعلم
هامش إدرار الشروق
القوم واخلع عليهم
إلا زيدا نظرا للقول بأن العامل في المستثنى هو العامل في المستثنى منه فلو عاد
لجميع الجمل كما قاله الشافعي للزم توارد عوامل على معمول واحد نعم وجه الشافعية
عود المستثنى المتأخر للجمل مع القول بأن العامل ما قبل إلا لا إلا بتقدير استثناء
عقب ما قبل الأخيرة ويكون حذف من أحدهما لدلالة الآخر عليه كما في العطار على محلى
جمع الجوامع ووجه الفرق بينهما على هذا الحكم قيل هو أن الشرط اللغوي سبب متضمن
لمقصد المتكلم وما هو كذلك فشأنه أن يعم جميع الجمل تكثيرا لمصلحة ذلك المقصد
بخلاف الاستثناء فإنه ليس متضمنا لمقصد المتكلم فلم يكن من شأنه أن يعم وقد علمت
ما فيه وقال المحلي على جمع الجوامع هو أن الشرط له صدر الكلام فهو مقدم تقديرا
لتوقف المشروط على تحققه وإن تأخر في اللفظ بخلاف الاستثناء فإنه متأخر في التقدير
أيضا لتوقف الإخراج على وجود المخرج منه فلا يلزم من عود الشرط إلى الجميع لتقدمه
عود الاستثناء إليه مع تأخره لأن للتقدم أثرا في عوده إلى الكل لأنه إذا كان
متقدما يكون ما عدا الأولى معطوفة على جملة تقرر لها الجزائية والعطف للمشاركة
فيناسب أن تشاركها فيما ثبت لها بخلاف الأخيرة في الاستثناء فإنها لم تعطف على ما
ثبت له الاستثناء لأن الاستثناء يذكر بعدها فلو عاد إلى الكل لصار المعطوف عليه
مشاركا للمعطوف فيما ثبت له والأمر بالعكس وضعف بأن الشرط إنما يتقدم على المقيد
به فقط أي الذي قصد تقييده به فيمكن أن المتكلم قصد أن يجعله قيدا لبعض الجمل لا لكلها
ا ه بتوضيح من العطار والله سبحانه وتعالى أعلم
____________________
(1/195)
الفرق السادس بين قاعدتي توقف الحكم على سببه
وتوقفه على شرطه فنقول الحكم إذا ورد مع
وصفين ومنع صاحب الشرع من الحكم بدونهما بأي طريق يعلم أن أحدهما سبب والأخر شرط
مع اشتراكهما في التوقف عليهما وانتفاء الحكم عند انتفاء كل واحد منهما كوجوب
الزكاة عند النصاب والحول فلم قلتم إن النصاب سبب والحول شرط ولم لا عكستم أو
سويتم
والجواب أن الفرق بينهما يعلم بأن الشرط مناسب في غيره والسبب مناسب في ذاته فإن
النصاب مشتمل على الغنى ونعمة الملك في نفسه والحول ليس كذلك بل مكمل لنعمة الملك
بالتمكن من التنمية في جميع الحول ونبسط ذلك بقاعدة وهي أن الشرع إذا رتب الحكم
عقيب أوصاف فإن كانت كلها مناسبة في ذاتها قلنا الجميع علة ولا نجعل بعضها شرطا
كورود القصاص مع القتل العمد العدوان المجموع علة وسبب لأن الجميع مناسب في ذاته
وإن كان البعض مناسبا في ذاته دون البعض
قلنا المناسب في ذاته هو السبب والمناسب في غيره هو الشرط كما تقدم مثاله فهذا
ضابط الشرط والسبب والفرق بينهما وتحريره
هامش أنوار البروق
قال الفرق السادس قلت ما قاله فيه وفي الفرق
السابع والثامن والتاسع والعاشر صحيح واضح والله أعلم
هامش إدرار الشروق
الفرق السادس بين قاعدتي توقف الحكم على سببه وتوقفه
على شرطه كوجوب الزكاة عند النصاب والحول قالوا النصاب سبب الزكاة والحول
شرطها مع اشتراكهما في توقف وجوب الزكاة عليهما وانتفائه عند انتفاء كل واحد منهما
نظرا لكون السبب كالنصاب مناسبا في ذاته لاشتماله على الغنى ونعمة الملك في نفسه
والشرط كالحول ليس مناسبا في ذاته بل في غيره لكونه مكملا لنعمة الملك بالتمكن من
التنمية في جميع الحول يوضح ذلك قاعدة أن الشرع تارة يرتب الحكم عقيب أوصاف تكون
كلها مناسبة في ذاتها كالقتل العمد العدوان رتب الشارع القصاص عقيبهما فيجعل
مجموعهما علة وسببا
لأن الجميع مناسب في ذاته وتارة يرتبه عقيب أوصاف يكون بعضها مناسبا في ذاته دون
البعض كالنصاب والحول رتب الشارع وجوب الزكاة عقيبهما فيجعل المناسب منهما في ذاته
كالنصاب هو السبب والمناسب منهما في غيره كالحول هو الشرط والله سبحانه وتعالى
أعلم
____________________
(1/196)
الفرق السابع بين قاعدتي أجزاء العلة والعلل
المجتمعة إذا ورد الحكم عقيب
أوصاف بم يعلم أنها أجزاء علة أو أنها علل مجتمعة وأي فرق بينهما
والجواب أن الحكم إذا ثبت عقيب أوصاف ينظر إن كان صاحب الشرع رتب ذلك الحكم مع كل
وصف منها إذا انفرد قلنا هي علل مجتمعة كوجوب الوضوء على من بال ولامس وأمذى فإن
كل واحد منها إذا انفرد استقل بوجوب الوضوء وكإجبار الأب لابنته البكر معلل بالصغر
والبكارة على الخلاف في ذلك فإذا اجتمعت ترتب الحكم الذي هو الإجبار وإن انفرد
الصغر وحده ترتب الحكم وأجبرت الصغيرة الثيب على الخلاف في ذلك وتجبر البكر
الكبيرة المعنسة على الخلاف
وإن وجدنا صاحب الشرع لا يرتب الحكم مع كل واحد منها قلنا هي علة واحدة مركبة من
تلك الأوصاف كالقتل العمد العدوان فبهذا يعلم الفرق بين هاتين القاعدتين وهو
ضابطهما وتحريرهما
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
الفرق السابع بين قاعدتي أجزاء العلة والعلل المجتمعة
وهو أن ما يجب وجود المعلول كالحكم عند وجود كل واحد منها بحيث يكون كل واحد منها
هو جملة أو تمام ما يتوقف عليه وجود الشيء بمعنى لا يكون وراءه شيء يتوقف عليه
ويسمى علة تامة هو العلل المجتمعة وما لا يجب وجود المعلول كالحكم عند وجود كل
واحد منها بحيث يكون وراءه شيء يتوقف عليه ويسمى علة ناقصة هي أجزاء العلة ويوضح
ذلك قاعدة أن الحكم إذا ثبت عقيب أوصاف فإن رتب صاحب الشرع ذلك الحكم مع كل وصف
منها فهي علل مجتمعة كوجوب الوضوء على من بال لامس وأمذى فإن كل واحد منها إذا
انفرد استقل بوجوب الوضوء وكإجبار الأب لابنته معللا بالصغر والبكارة على الخلاف
مع أن كل واحد منهما إذا انفرد ترتب عليه الحكم الذي هو الإجبار فتجبر الصغيرة
الثيب والبكر الكبيرة المعنسة على الخلاف وإن لم يرتب صاحب الشرع الحكم مع كل واحد
منها فهي علة واحدة مركبة من تلك الأوصاف كالقتل العمد العدوان
____________________
(1/197)
الفرق الثامن بين قاعدتي جزء العلة والشرط فإن كل واحد منهما يلزم من عدمه عدم الحكم ولا يلزم من
وجوده وجود الحكم ولا عدمه فتلتبس قاعدة جزء العلة بقاعدة الشرط والفرق بينهما أن
الشرط مناسبته في غيره كما تقدم تقريره في الحول في الزكاة وجزء العلة مناسبته في
نفسه كجزء النصاب مشتمل على جزء الغنى في ذاته وكأحد أوصاف القتل العمد العدوان
مشتمل على مناسبة العقوبة في ذاته فبهذا يعرف كل واحد منهما فيقضى عليه بأنه جزء
علة أو شرط
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
الفرق الثامن بين قاعدتي جزء العلة والشرط مع
أن كل واحد منهما يلزم من عدمه عدم الحكم ولا يلزم من وجوده وجود الحكم ولا عدمه
هو أن الشرط مناسبته في غيره كما تقدم تقريره في الحول في الزكاة وجزء العلة
مناسبته في نفسه كأحد وصفي القتل العمد العدوان فإنه مشتمل على مناسبته العقوبة في
ذاته
____________________
(1/198)
الفرق التاسع بين قاعدتي الشرط والمانع أن الشرط لا بد من تقدمه قبل الحكم وعدمه يوجب العدم في
جميع الأحوال التي هو فيها شرط وأما المانع فهو قدر وقع في الشريعة على ثلاثة
أقسام القسم الأول ما يمنع ابتداء الحكم وانتهاءه كالرضاع فإنه يمنع ابتداء النكاح
ويقطع استمراره إذا طرأ عليه بأن يتزوجها في المهد وترضع من أمه فتصير أخته فيبطل
النكاح بينهما والقسم الثاني يمنع ابتداء الحكم دون استمراره كالاستبراء فإنه يمنع
ابتداء العقد على المستبرأة فإن طرأ على النكاح بأن تكره على الزنى يجب استبراؤها
على الزوج خشية اختلاط نسبه بالمتولد من الزنى ولأنه يلاعن حينئذ إذا تبين له أن
الولد من الزنى وتجب عليه الملاعنة ولا يبطل النكاح فهذا يمنع ابتداء النكاح فقط
والقسم الثالث مختلف فيه هل يلحق بالأول فيمتنع فيهما أو بالثاني فلا يمتنع
التمادي بخلاف المبادي وله صور الصورة الأولى وجد أن الماء يمنع من التيمم ابتداء
على الصحيح
فإن طرأ الماء بعد الدخول في الصلاة فهل يبطلها أم لا فيه خلاف بين العلماء الصورة
الثانية الطول يمنع من نكاح الأمة ابتداء على الصحيح فإن طرأ الطول بعد النكاح
للأمة فهل يبطله أم لا خلاف الصورة الثالثة وضع اليد على الصيد يمنع منه الإحرام
ابتداء فإن تقدم وضع اليد على الصيد في زمن الحل ثم طرأ الإحرام المانع فهل يمنع
من استمرار وضع اليد على الصيد خلاف فقيل يجب إرساله وقيل لا يجب
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
الفرق التاسع بين قاعدتي الشرط والمانع وهو أن
الشرط لا بد من تقدمه على الحكم وعدمه يوجب عدمه في جميع الأحوال التي هو فيها شرط
والمانع في الشريعة على ثلاثة أقسام ما يمنع وجوده وجود الحكم ابتداء وانتهاء
كالرضاع يمنع ابتداء النكاح ويقطع استمراره إذا طرأ عليه بأن يتزوجها في المهد
وترضع من أمه فتصير أخته فيبطل النكاح بينهما وما يمنع وجوده وجود الحكم ابتداء
فقط كالاستبراء يمنع ابتداء العقد على المستبرأة ولا يبطل النكاح إذا طرأ عليه بأن
تكره الزوجة على الزنا فيجب استبراؤها على الزوج خشية اختلاط نسبه بالمتولد من
الزنا ولأنه يلاعن حينئذ إذا تبين له أن الولد من الزنا وتجب عليه الملاعنة وما
اختلف في كون وجوده يمنع وجود الحكم ابتداء وانتهاء كالأول أو ابتداء فقط كالثاني
وله ثلاث صور
____________________
(1/199)
الفرق العاشر بين قاعدتي الشرط وعدم المانع فإن القاعدة أن عدم المانع يعتبر في ترتيب الحكم ووجود
الشرط أيضا معتبر في ترتيب الحكم مع أن كل واحد منهما لا يلزمه منه الحكم فقد يعدم
الحيض ولا تجب الصلاة ويعدم الدين ولا تجب الزكاة لأجل الإغماء في الأول وعدم
النصاب في الثاني وكلاهما يلزمه من فقده أنه العدم ولا يلزم من تقرره وجود ولا عدم
فهما في غاية الالتباس ولذلك لم أجد فقيها إلا وهو يقول عدم المانع شرط ولا يفرق
بين عدم المانع والشرط ألبتة وهذا ليس بصحيح بل الفرق بينهما يظهر بتقرير قاعدة
وهي أن كل مشكوك فيه ملغي في الشريعة فإذا شككنا في السبب لم نرتب عليه حكما أو في
الشرط لم نرتب الحكم أيضا أو في المانع رتبنا الحكم فالأول كما إذا شك هل طلق أم
لا بقيت العصمة فإن الطلاق هو سبب زوال العصمة وقد شككنا فيه فتستصحب الحال
المتقدمة وإذا شككنا هل زالت الشمس أم لا لا تجب الظهر ونظائره كثيرة وأما الشرط
فكما إذا شككنا في الطهارة فإنا لا نقدم على الصلاة وأما المانع فكما إذا شككنا في
أن زيدا قبل وفاته ارتد أم لا فإنا
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
أحدها الماء يمنع وجوده من التيمم ابتداء وفي منعه بعد الدخول في الصلاة إذ طرأ
عليه فيبطلها أم لا فلا يبطلها خلاف الثانية الطول يمنع من نكاح الأمة ابتداء على
الصحيح وفي منعه بعد نكاح الأمة إذا طرأ عليه فيبطله أو لا فلا يبطله خلاف الثالثة
الإحرام يمنع من وضع اليد على الصيد ابتداء وفي منعه إذا طرأ على وضع اليد على
الصيد في زمن الحل فيجب إرساله أم لا فلا يجب إرساله خلاف
الفرق العاشر بين قاعدتي الشرط وعدم المانع مع
أن كل واحد من عدم المانع ووجود الشرط معتبر في ترتيب الحكم عليه ولا يلزم من
تقرره وجوده ولا عدمه ألا ترى أن الحيض مانع من الصلاة وبعدمه لا تجب لأجل الإغماء
وأن عدم الدين شرط في وجوب الزكاة ولا تجب به لعدم النصاب فكل من عدم الدين وعدم
الحيض لا يلزم من تقرره وجود ولا عدم وإن لزم من فقدانه العدم فهما في غاية
الالتباس حتى أنك لا تجد فقيها إلا وهو يقول عدم المانع شرط ولا يفرق بينهما ألبتة
وهو ليس بصحيح لما يلزم عليه من اجتماع النقيضين فيما إذا شككنا في طروء المانع
وذلك أن القاعدة أن الشك في أحد النقيضين يوجب الشك في الآخر بالضرورة فإذا شككنا
في وجود المانع فقد شككنا في عدمه بالضرورة وعدمه شرط عند هذا القائل فيجتمع الشك
في المانع والشرط والقاعدة المجمع عليها أن كل مشكوك فيه ملغى في الشريعة فإذا
شككنا في السبب أو في الشرط لم نرتب عليه حكما أو في المانع رتبنا الحكم فإذا شك
في الطلاق الذي
____________________
(1/200)
نورث منه استصحابا للأصل لأن الكفر مانع من الإرث وقد شككنا
فيه فنورث فهذه قاعدة مجمع عليها وهي أن كل مشكوك فيه يجعل كالمعدوم الذي يجزم
بعدمه فإن قلت كيف تدعي الإجماع في هذه القاعدة ومذهبك أن من شك في الحدث بعد تقرر
الطهارة أن الوضوء يجب فلم يجعل ملك المشكوك فيه كالمتحقق العدم بل هذا مذهب
الشافعي رضي الله عنهم أجمعين
قلت القاعدة مجمع عليها وإنما انعقد الإجماع هنا على مخالفتها لأجل الإجماع على
اعتبارها وبيان هذا الكلام مع أنه مستغلق متناقض الظاهر أن الإجماع منعقد على شغل
الذمة بالصلاة والبراءة للذمة من الواجب تتوقف على سبب مبرئ إجماعا والقاعدة أن
الشك في الشرط يوجب الشك في المشروط ضرورة فالشك في الطهارة يوجب الشك في الصلاة
الواقعة سببا مبرئا فإن اعتبرنا هذه الصلاة سببا مبرئا كما قاله الشافعي فقد
اعتبرنا المشكوك فيه ولم نصيره كالمحقق العدم وهو خلاف القاعدة المتفق عليها وإن
اعتبرنا هذا الحدث المشكوك فيه كما قاله مالك فقد اعتبرنا مشكوكا فيه ولم نصيره
كالمحقق العدم وهو خلاف القاعدة المجمع عليها فكلا المذهبين يلزم عليه مخالفة
القاعدة فتعين الجزم بمخالفتها وأن هذا الفرع لا يساعد على إعمالها واعتبارها من
جميع الوجوه وأنه لا بد من مخالفتها من بعض الوجوه فمالك خالفها في الحدث والشافعي
في الصلاة التي سبب براءة الذمة
لكن مذهب مالك أرجح إذ لا بد من المخالفة لهذه القاعدة فإن
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
هو سبب زوال العصمة لم نرتب عليه زوالها بل نستصحب الحال المتقدمة وكذا الشك في
زوال الشمس يقتضي عدم وجوب الظهر ونظائره كثيرة وإذا شككننا في الطهارة التي هي
شرط في صحة الصلاة لم نقدم على الصلاة
وإذا شككنا في ردة زيد قبل وفاته فإنا نلغي منع الكفر من الإرث ونورث منه استصحابا
بالأصل فيلزم حينئذ على قول هذا القائل أن نرتب الحكم ولا نرتبه
وذلك جمع بين النقيضين فبطل اعتقاد أن عدم المانع شرط ووجب أن نعتقد أنه ليس بشرط
فظهر الفرق بين عدم المانع والشرط وهو المطلوب نعم محل مراعاة قاعدة إلغاء المشكوك
فيه إجماعا من جميع الوجوه إذا لم تتعذر مراعاتها كذلك وإلا انعقد الإجماع على
مخالفتها في وجه لأجل اعتبارها بحسب الإمكان في وجه آخر وذلك كما في فرع من شك في
الحدث بعد تقرر الطهارة أوجب مالك رحمه الله تعالى فيه الوضوء ولم يجعل المشكوك
فيه كالمتحقق العدم وخالفه الشافعي في ذلك مع أن قاعدة أن الشك في الشرط كالطهارة
يوجب الشك في المشروط ضرورة كالصلاة وأن الإجماع منعقد على شغل الذمة بالصلاة
والبراءة للذمة من الواجب تتوقف على سبب مبرئ إجماعا فإن اعتبرنا هذه الصلاة
المشكوك فيها بسبب الشك في شرطها الذي هو الطهارة وجعلناها سببا مبرئا كما قاله
الشافعي فقد اعتبرنا المشكوك فيه ولم نصيره كالمحقق العدم وهو خلاف القاعدة المتفق
عليها من إلغاء كل مشكوك فيه وإن اعتبرنا هذا الحدث المشكوك فيه كما قاله مالك فقد
اعتبرنا مشكوكا فيه ولم نصيره كالمحقق العدم وهو خلاف القاعدة المجمع عليها
____________________
(1/201)
الطهارة من باب الوسائل والصلاة من باب المقاصد وانعقد
الإجماع على أن الوسائل أخفض رتبة من المقاصد فكانت العناية بالصلاة وإلغاء
المشكوك فيه وهو السبب المبرئ منها أولى من رعاية الطهارة وإلغاء الحدث الواقع لها
فظهر أن هذا الفرع لا بد فيه من مخالفة هذه القاعدة جزما فلذلك انعقد الإجماع على
مخالفتها لأجل اعتبارها بحسب الإمكان وإنما يبقى النظر على مخالفتها من أي الوجوه
أولى وقد ظهر أن مذهب مالك أرجح في مخالفتها فظهر حينئذ أن القاعدة مجمع عليها وأن
الضرورة دعت لمخالفتها في هذا الفرع وتعذرت مراعاتها فإذا تقررت هذه القاعدة فنقول
لو كان عدم المانع شرطا لاجتمع النقيضان فيما إذا شككنا في طريان المانع وبيانه أن
القاعدة أن الشك في أحد النقيضين يوجب الشك في الآخر بالضرورة فمن شك في وجود زيد
في الدار فقد شك في عدمه من الدار بالضرورة فالشك في أحد النقيضين يوجب الشك في
الآخر فإذا شككنا في وجود المانع فقد شككنا في عدمه بالضرورة وعدمه شرط عند هذا
القائل
فنقول قد شككنا في الشرط أيضا فإذا اجتمع الشك في المانع والشرط اقتضى شكنا في
الشرط الذي هو عدم المانع أن لا نرتب الحكم بناء على ما تقدم واقتضى شكنا في
المانع أن نرتب بناء على ما تقدم في القاعدة فنرتب الحكم ولا نرتبه وذلك جمع بين
النقيضين وإنما جاءنا هذا المحال من اعتقادنا أن عدم المانع شرط فيجب أن نعتقد أنه
ليس بشرط وإذا كان ليس بشرط ظهر الفرق بين عدم المانع والشرط وهو المطلوب
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
أيضا فكلا المذهبين يلزم عليه مخالفة تلك القاعدة فتعين الجزم بمخالفتها وأن هذا
الفرع لا يساعد على إعمالها واعتبارها من جميع الوجوه بل لا بد من مخالفتها من بعض
الوجوه فمالك خالفها في الحدث الرافع للطهارة والشافعي في الصلاة التي هي سبب
براءة الذمة لكن مذهب مالك أرجح لأنه لما تعينت المخالفة لهذه القاعدة
وكانت الطهارة من باب الوسائل والصلاة من باب المقاصد وقد انعقد الإجماع على أن
الوسائل أخفض رتبة من المقاصد كانت العناية بالصلاة وإلغاء المشكوك فيه وهو السبب
المبرئ منها أولى من رعاية الطهارة وإلغاء الحدث المشكوك فيه الرافع لها وبالجملة
فالقاعدة المذكورة وإن كانت مجمعا عليها إلا أن الضرورة دعت لمخالفتها في هذا
الفرع لتعذر مراعاتها فيه من جميع الوجوه فلذلك انعقد الإجماع على مخالفتها في وجه
لأجل اعتبارها بحسب الإمكان في وجه آخر وإنما يبقى النظر في أن المخالفة في أي
الوجوه أولى وقد ظهر أن مذهب مالك أرجح في مخالفتها والله أعلم
____________________
(1/202)
الفرق الحادي عشر بين قاعدتي توالي أجزاء
المشروط مع الشرط وبين توالي المسببات مع الأسباب بنصب المثال وتحقيق البحث في ذلك فإذا قال إن تزوجتك فأنت
طالق وأنت علي كظهر أمي فتزوجها لزمه الطلاق وبانت منه وحرمت عليه به ولزمه الظهار
أيضا فإذا عقد عليها لا يطؤها حتى يكفر وإذا قال لها أنت طالق ثلاثا وأنت علي كظهر
أمي لم يلزمه الظهار لأنه قد تقدمه تحريمها بالطلاق فهو صادق في لفظ التحريم
بالظهار فلا تلزمه كفارة لأن الكفارة إنما وجبت لكذبه كما تقدم أول الكتاب في الفرق
بين الإنشاء والخبر ففي الصورتين تقدم التحريم ولزمه الظهار في إحدى الصورتين دون
الأخرى والسر في ذلك الفرق بين قاعدتي ترتيب المشروطات مع الشروط وترتيب المسببات
مع الأسباب وذلك أن القائل إذا قال إن دخلت الدار فامرأتي طالق وعبدي حر فدخل
الدار فإنه لا يمكننا أن نقول لزمه الطلاق قبل العتق ولا العتق قبل الطلاق بل وقعا
مرتبين على الشرط الذي هو دخول الدار من غير ترتيب فلم يتعين تقديم أحدهما ولو قال
لعبده أنت حر ثم قال لامرأته أنت طالق لجزمنا أنه طلق بعد العتق وأن العتق متقدم
لأن تقديم سبب العتق هو قوله أنت حر اقتضى تقدم العتق لأنه مسببه فكذلك إذا قال إن
هامش أنوار البروق
قال الفرق الحادي عشر بين قاعدتي توالي أجزاء المشروط
مع الشرط وبين توالي المسببات مع الأسباب قلت جميع ما قاله في هذا الفرق
صحيح غير قوله لأنه قد تقدمه تحريمها بالطلاق فهو صادق في لفظ التحريم بالظهار فلا
تلزمه كفارة لأن الكفارة إنما وجبت لكذبه فإنه مبني على ما سبق له
من أن الظهار خبر وقد تقدم أنه فيه نظر
هامش إدرار الشروق
الفرق الحادي عشر بين قاعدتي توالي أجزاء المشروط مع
الشرط وبين توالي المسببات مع الأسباب وهو أن المشروطات المتعددة لشرط واحد
إنما يقتضيها اقتضاء واحدا بحيث لا يقتضي الترتيب بينها فهي نظير المسببات لسبب
واحد فكما تقول إذا قال أنت طالق ثلاثا إن هذا اللفظ سبب تحريمها إلا بعد زوج وسبب
لإباحة أختها ولا نقول إن أحد الحكمين متقدم على الآخر ولا بعده كذلك نقول إذا قال
إن تزوجتك فأنت طالق وأنت علي كظهر أمي فتزوجها لزمه الطلاق بائنا لأنه قبل الدخول
حرمت عليه به ولزمه الظهار أيضا فإذا عقد عليها لا يطؤها حتى يكفر ولا نقول إن
الطلاق تقدم على الظهار حتى نمنعه بخلاف المسببات لأسباب عديدة كما في قوله لزوجته
أنت طالق ثلاثا وأنت علي كظهر أمي فإنا نقول فيه إن سبب التحريم الذي هو الطلاق
الثلاث لما تقدم على سبب الكفارة الذي هو الظهار اقتضى أن
____________________
(1/203)
تزوجتك فأنت طالق وأنت علي كظهر أمي لا نقول إن الطلاق تقدم
على الظهار حتى نمنعه بل الشرط اقتضاهما اقتضاء واحدا فلا ترتيب في ذلك بخلاف قوله
أنت طالق ثلاثا وأنت علي كظهر أمي تقدم سبب التحريم الذي هو الطلاق الثلاث فقضينا
بتقدمه على الظهار فمنعه فظهر الفرق بين ترتب أجزاء الشرط ومسببات الأسباب وإنما
نظير المشروطات بشرط واحد المسببات لسبب واحد لا المسببات لأسباب عديدة كما نقول
إذا قال أنت طالق ثلاثا هذا اللفظ سبب تحريمها إلا بعد زوج وسبب لإباحة أختها ولا
نقول إن أحد الحكمين متقدم على الآخر ولا بعده
الفرق الثاني عشر بين قاعدتي الترتيب بالأدوات اللفظية
والترتيب بالحقيقة الزمانية
هامش أنوار البروق
قال الفرق الثاني عشر بين قاعدتي الترتيب بالأدوات
اللفظية والترتيب بالحقيقة الزمانية قلت ما قاله في هذا الفرق صحيح غير أنه
ذكر في مثل قاعدة ما لا يستقل بنفسه من الكلام أن له عشرة مثل فذكرها لكنه زاد عند
تعدادها التمييز والبدل ولم يذكر مثاليهما
هامش إدرار الشروق
نقضي بعدم لزوم الظهار لأنه قد تقدمه تحريمها بالطلاق فلا تلزمه كفارة إما لأن
الظهار لم يصادف محلا بناء على ما للجمهور من أن صيغته إنشاء لا خبر وإما لأنه
صادق في لفظ التحريم بالظهار بناء على ما للأصل من أن صيغته خبر لا إنشاء كما تقدم
بيانه والله أعلم
الفرق الثاني عشر بين قاعدتي الترتيب بالأدوات اللفظية
والترتيب بالحقيقة الزمانية وهو أن الترتيب بالأدوات اللفظية كالفاء وثم
وحتى والسين وسوف ولم ولا ولن وما ونحوها لا يستقل العقل به بل يستفاد من الوضع
اللغوي وربما اختلف فيه اللغات وربما تبدلت بالنقل العرفي بخلاف الترتيب بالحقيقة
الزمانية فإنه بالعقل الصرف فيقتضي ترتيب أجزاء الزمان ترتيب الأقوال والأفعال
الواقعة فيها ترتيبا لا يقبل الاختلاف ولا التبدل لأن الزمان أجزاؤه سيالة مترتبة
بذاتها عقلا مستحيلة الاجتماع فلا يتصور أن يوجد أمس الدابر مع اليوم الحاضر ولا
أول النهار مع آخره ولا جزء من أجزاء الزمان وإن قل مع غيره من الأجزاء الزمانية
والأفعال والأقوال واقعة في الزمان ومنقسمة على أجزائه
فإذا اشتمل كل جزء من أجزاء الزمان على قول أو فعل كان ذلك القول أو الفعل متقدما
على الواقع في الزمن الذي بعده ومتأخرا عن الواقع في الزمن الذي قبله ويقتضي
الترتيب المستفاد بالأدوات اللفظية ترتيب الأقوال والأفعال المقترنة بها ترتيبا
يقبل الاختلاف والتبدل بحسب اختلاف اللغات وتبدل النقل العرفي فإذا قلت قام زيد
فعمرو كان قيام زيد متقدما على قيام
____________________
(1/204)
قد التبس الفرق بينهما على جمع كثير من الفضلاء ووقعت مباحث
ردية بناء على اللبس بينهما وتقرير الفرق أن الزمان أجزاؤه سيالة مترتبة بذاتها
عقلا مستحيلة الاجتماع فلا يتصور أن يوجد أمس الدابر مع اليوم الحاضر ولا أول
النهار مع آخره ولا جزء من أجزاء الزمان وإن قل مع غيره من الأجزاء الزمانية وإذا
كان الزمان مرتب الأجزاء والأفعال والأقوال واقعة في الزمان ومنقسمة على أجزائه
فالواقع في الزمان الماضي من الأقوال والأفعال متقدم على الواقع في الحاضر
والمستقبل والواقع منها في الحاضر متأخر عن الماضي ومتقدم على المستقبل وكذلك
القول في كل جزء من أجزاء الزمان أنه إذا اشتمل على قول أو فعل كان ذلك القول أو
الفعل متقدما على الواقع في الزمان الذي بعده ومتأخرا عن الواقع في الزمن الذي
قبله فظهر أن ترتيب أجزاء الزمان يقتضي ترتيب الأقوال والأفعال الواقعة فيها وأن
الواقع في المرتب مرتب عقلا لا بوضع لغوي اقتضى ذلك بل ذلك بالعقل الصرف وأما
الترتيب بالأدوات اللفظية فهو بالفاء وثم وحتى والسين وسوف ولم ولا ولن وما ونحوها
فإذا قلت قام زيد فعمرو كان قيام زيد متقدما على قيام عمرو أو ثم عمرو فكذلك مع
تراخ أو قام القوم حتى عمرو يقتضي أيضا تأخر قيام عمرو بسبب أن حتى حرف غاية
والقاعدة أن المغيا لا بد أن يثبت قبل الغاية ثم يصل إليها كقولك سرت حتى طلع
الفجر فالسير ثابت قبل الفجر متكرر إلى طلوع الفجر وكذلك شأن جميع الغايات وإذا
كان قيام عمرو غاية وغاية الشيء طرفه وآخره فيكون متأخرا عن الأول ضرورة وإذا قلت
سيقوم زيد وسوف يقوم عمرو وكان قيام زيد قبل قيام عمرو وعمرو بعده لأن سوف أكثر
تنفيسا من السين وإذا قلت لم يقم زيد ولا يقوم عمرو ولن يقوم كان عدم قيام زيد في
الماضي وعدم قيام عمرو في المستقبل فقد ترتب العدمان بسبب أن لن ولا موضوعان لنفي
المستقبل ولم ولما موضوعان لنفي الماضي وما وليس موضوعان لنفي الحال ولما كان
الماضي والحال والمستقبل مترتبة كان اللفظ الدال على وقوع العدم في واحد منها دالا
على الترتيب بالنسبة إلى الآخر فتأمل ذلك فهذا هو الترتيب الذي لا يستقل العقل به
بل يستفاد من الوضع اللغوي وربما
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
عمرو أو ثم عمرو فكذلك مع تراخ أو قام القوم حتى عمرو اقتضى أيضا تأخر قيام عمرو
بسبب أن حتى حرف غاية بمعنى أن ما بعدها غاية لما قبلها والقاعدة أن المغيا لا بد
أن يثبت قبل الغاية ثم يصل إليها مثلا السير في قولك سرت حتى طلع الفجر ثابت قبل
الفجر متكرر إلى طلوع الفجر وإذا كان قيام عمرو غاية وغاية الشيء طرفه وآخره كان
متأخرا عن الأول ضرورة وإذا قلت سيقوم زيد وسوف يقوم عمرو كان قيام زيد قبل قيام
عمرو لأن سوف أكثر تنفيسا من السين وإذا قلت لم أو لما يقم زيد ولا يقوم عمرو أو
لن يقوم كان عدم قيام زيد في الماضي وعدم قيام عمرو في المستقبل بسبب أن لم ولما
____________________
(1/205)
اختلفت فيه اللغات وربما تبدلت بالنقل العرفي والعقل لا
يقبل الاختلاف ولا التبدل إذا تقرر الفرق بين الترتيب بالحقيقة الزمانية وبين
الترتيب بالأدوات اللفظية فأذكر ثلاث مسائل دالة على هاتين القاعدتين وأوجه الصواب
في تلك المسائل ومن وافق القواعد ومن خالفها
المسألة الأولى قال مالك رحمه الله تعالى إذا
قال لغير المدخول بها أنت طالق أنت طالق أنت طالق لزمه الطلاق الثلاث وقال الشافعي
لا يلزمه إلا طلقة واحدة وهو الحق واتفق الإمامان على أنه إذا قال أنت طالق فأنت
طالق أو ثم أنت طالق في غير المدخول بها لا يلزمه إلا طلقة واحدة قال مالك رحمه
الله
وفي النسق بالواو إشكال فحصل له فيها توقف ولم يتوقف الشافعي رضي الله عنه بل ألزم
في الواو طلقة واحدة وهو الحق بسبب أن الزمان يقتضي الترتيب كما تقدم تقريره فقد
بانت بالطلقة الأولى قبل نطقه بالطلقة الثانية فلا يلزم لأجل البينونة كما لو قال
فأنت طالق ولا ينبغي أن يثبت في الواو حينئذ إشكال أصلا بل نجزم بتقدم ما نطق به
قبلها على ما نطق به بعدها فتبين فلا يلزمه غير الأولى المعطوف عليها بالواو دون
المعطوفة بالواو فهذا هو الحق المقطوع به الذي لا تسع مخالفته وأما قول الأصحاب
إنه طلق بالأولى ثلاثا ثم فسره بعده ذلك أو بالقياس على قوله أنت طالق ثلاثا فإن
الثلاث تعتبر باتفاق ويلزمكم بقوله أنت طالق ثلاثا فإن مقتضى مذهب الشافعي أنه لا
تلزمه الثلاث لأنها بانت بقوله أنت طالق أن تبين فلا يلزمه بعد ذلك بقوله ثلاثا
شيء والجواب عن الأول أن الكلام في هذا المسألة مع عدم النية فقولهم نوى ثم فسر لا
يستقيم بل إن نوى انعقد الإجماع بين الإمامين على لزوم ما نواه فهذا المدرك باطل
قطعا
وأما القياس على قوله مع عدم نيته أنت طالق ثلاثا فباطل أيضا بسبب فرق عظيم مأخوذ
من قاعدة كلية لغوية وهو أن كل لفظ لا يستقل بنفسه إذا لحق لفظا مستقلا بنفسه صار
المستقل بنفسه غير مستقل بنفسه ولهذه القاعدة عشرة مثل المثال الأول إذا قال له
عندي عشرة إلا اثنين لا يلزمه إلا ثمانية مع أن الأقارير عند
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
موضوعان لنفي الماضي ولا ولن موضوعان لنفي المستقبل وما وليس موضوعان لنفي الحال
والماضي والحال والمستقبل مترتبة فيكون اللفظ الدال على وقوع العدم في واحد منها
دالا على الترتيب بالنسبة إلى الآخر فتأمل وصل في ثلاث مسائل يتضح بها هاتان
القاعدتان المسألة الأولى لا خلاف بين الإمام مالك والإمام الشافعي في أنه إذا قال
لغير المدخول بها أنت طالق فأنت طالق أو ثم أنت طالق لا يلزمه إلا طلقة واحدة ولم
يتوقف الإمام الشافعي في لزوم الطلقة الواحدة مع النسق بالواو أيضا وتوقف الإمام
مالك في لزوم الواحدة أو التعدد مع الواو كما أنه قال بلزوم الثلاث إذا قال لغير
المدخول بها أنت طالق أنت طالق أنت طالق بلا عطف أصلا وخالفه الشافعي قائلا
____________________
(1/206)
أبو العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي
سنة الولادة بلا/ سنة الوفاة 684هـ
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وسلم
الحمد لله فالق الإصباح وفارق أهل الغي من أهل الصلاح وسائق السحاب الثقال بهبوب
الرياح ومنزل الفرقان على عبده يوم الكفاح ببيض الصفاح محذرا من دار البوار وحاثا
على دار الفلاح المنزه في عظيم علائه عن مشابهة الأرواح ومشاكلة الأشباح وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة زاكية الأرباح يوم القداح
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله والحرمات تستباح وحزب الكفر قد عم الفجاج
والبطاح فلم يزل صلى الله عليه وسلم يرشد إلى الحق بالحجاج الوضاح وسمهرية الرماح
حتى أعلن مناديه في ناديه وباح وظهر دين الله على جميع الأديان فطار في الآفاق
بقادمة كقادمة الجناح صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه ومحبيه ما أزال
الظلم الحنادس ضوء الصباح صلاة نحوز بها أعلى رتب النجاح ونخلص بها من دركات الإثم
والجناح
أما بعد فإن الشريعة المعظمة المحمدية زاد الله تعالى منارها شرفا وعلوا اشتملت
هامش أنوار البروق
قال الشيخ الفقيه العلامة المتكلم الأستاذ الأوحد أبو القاسم قاسم بن عبد الله بن
محمد بن محمد الأنصاري المعروف بابن الشاط رحمه الله تعالى آمين
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله المنفرد بالجلال والكمال المنزه عن الأكفاء
والنظراء والأشباه والأمثال والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد
المصطفى من الإرسال وعلى آله وصحبه خير صحب وخير آل
أما بعد فإني لما طالعت كتاب الإمام شهاب الدين أبي العباس أحمد بن إدريس القرافي
هامش إدرار الشروق
بسم الله الرحمن الرحيم حمدا لمن أنزل الفرقان على سيدنا محمد سيد ولد عدنان فارقا
به بين الحق الموجب للرضوان والباطل الموجب للخسران ولم يزل يرشد إلى الحق المبين
به وبما بلغه من واضح البراهين حتى ظهر دين الله على جميع الأديان صلى الله وسلم
عليه وعلى آله الطاهرين وأصحابه الباذلين نفوسهم في تشييد قواعد الدين ومعالم
الإيمان
أما بعد فيقول تراب أقدام السادة العلماء والقادة النجباء الأتقياء العبد الحقير
المعترف بذنبه المفتقر إلى عفو ربه محمد علي بن حسين المكي المالكي إن كتاب أنوار
البروق في أنواء الفروق للعلامة
____________________
(1/5)
على أصول وفروع وأصولها قسمان أحدهما المسمى بأصول الفقه
وهو في غالب أمره ليس فيه إلا قواعد الأحكام الناشئة عن الألفاظ العربية خاصة وما
يعرض لتلك الألفاظ من النسخ والترجيح ونحو الأمر للوجوب والنهي للتحريم والصيغة
الخاصة للعموم ونحو ذلك وما خرج عن هذا النمط إلا كون القياس حجة وخبر الواحد
وصفات المجتهدين والقسم الثاني قواعد كلية فقهية جليلة كثيرة العدد عظيمة المدد
مشتملة على أسرار الشرع وحكمه لكل قاعدة من الفروع في الشريعة ما لا يحصى ولم يذكر
منها شيء في أصول الفقه
وإن اتفقت الإشارة إليه هنالك على سبيل الإجمال فبقي تفصيله لم يتحصل وهذه القواعد
مهمة في الفقه عظيمة النفع وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه ويشرف ويظهر رونق
الفقه ويعرف وتتضح مناهج الفتاوى وتكشف فيها تنافس العلماء وتفاضل الفضلاء وبرز
القارح على الجذع وحاز قصب السبق من فيها برع ومن جعل يخرج
هامش أنوار البروق
المالكي رحمه الله تعالى المسمى بأنوار البروق في أنواء الفروق ألفيته قد حشد فيه
وحشر وطوى ونشر وسلك السهول والنجود وورد البحور والثمود خلا أنه ما استكمل
التصويب والتنقيب ولا استعمل التهذيب والترتيب فانتسب بسبب ذينك الأمرين إلى
الإخلال بواجبين واحتجب لا مع بروقه منها بحاجبين ولما كان الأول منهما في مرتبة
الضروريات والثاني في درجة الحاجيات وضعت كتابي هذا لما اشتمل عليه من الصواب
مصححا ولما عدل به عن صوبه منقحا وأضربت عما سوى ذلك مؤثرا للضروري على الحاجي
ومرجحا ولما شرفت أنوار هذا المجموع وأشرقت فلاحت كالشمس المضحية في الوضوح ووقفت
أمامها لوامع الخلب من تلك البروق لما ضمنه من
هامش إدرار الشروق
شهاب الدين أبي العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي المشهور بالقرافي بين الناس لما
امتاز بوضعه في الفروق بين القواعد لا في الفروق بين الفروع كما هو عادة الفضلاء
الأماجد لما له على غيره من شرف السماء ما للأصول على الفروع من شرف الارتقاء إلا
أنه لم يستكمل التصويب والتنقيب ولم يستعمل التهذيب والترتيب فوفق الله الإمام
العلامة أبا القاسم المعروف بابن الشاط قاسم بن عبد الله الأنصاري الحقيق
بالاغتباط لتنقيح ما عدل به عن صوب الصواب وتصحيح ما اشتمل عليه من صواب في حاشية
إدرار الشروق على أنواء الفروق عن لي وإن كنت لست أهلا لذلك ولا من رجال هذه
المهامه والمسالك أن ألخصه مع التهذيب والترتيب والتوضيح مراعيا ما حرره ذلك
المفضال من التصحيح والتنقيح لقول أهل التحري والاحتياط عليك بفروق القرافي
ولا تقبل منها إلا ما قبله ابن الشاط كما في ضوء الشموع للعلامة الأمير على شرحه
على المجموع مع ما يفتح الله به علي مما تتم به الإفادة من جواب إشكال ترك جوابه
أو زيادة رجاء من مفيض الإحسان أن يجعله سببا للعفو والغفران
____________________
(1/6)
الفروع بالمناسبات الجزئية دون القواعد الكلية تناقضت عليه
الفروع واختلفت وتزلزلت خواطره فيها واضطربت وضاقت نفسه لذلك وقنطت واحتاج إلى حفظ
الجزئيات التي لا تتناهى وانتهى العمر ولم تقض نفسه من طلب مناها ومن ضبط الفقه
بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات لاندراجها في الكليات واتحد عنده ما تناقض
عند غيره
هامش أنوار البروق
الخروج عن صوب الصواب والمروق موقف المفضوح سميته بكتاب إدرار الشروق على أنواء
الفروق ليوافق اللفظ المعنى ويطابق الاسم المسمى والله تعالى أرجو أن يجعله من
أليم العتاب يوم الحساب آمنا ولجسيم الثواب عند المآب ضامنا بمنه وكرمه
قال شهاب الدين
هامش إدرار الشروق
وسميتها بتهذيب الفروق والقواعد السنية في الأسرار الفقهية ورتبته على مقدمة وعلى
فروق تشتمل على نحو خمسمائة وثمانية وأربعين قاعدة موضحة بما يناسبها من الفروع
ليزداد انشراح القلب لغيرها فتتم الفائدة وتلك الفروق منها ما هو واقع بين فرعين
يحصل بيانه بذكر ما هو المقصود من قاعدة أو قاعدتين ومنها ما هو واقع بين قاعدتين
مقصود تحقيقهما بالسؤال عن الفرق بينهما نظرا لكون تحقيقهما بذلك أولى بلا إباء من
تحقيقهما بغير ذلك لدى النبلاء لأن لضده الثناء وبضدها تتميز الأشياء
مقدمة في فائدتين الأولى اعلم أن الشريعة المعظمة المحمدية قد اشتملت على أصول قسمان
أحدهما المسمى بأصول الفقه وهو غالب أمره ليس فيه إلا قواعد الأحكام الناشئة عن
الألفاظ العربية خاصة وما يعرض لتلك الألفاظ من النسخ والترجيح ونحو الأمر للوجوب
والنهي للتحريم والصيغة الخاصة للعموم ونحو ذلك وما خرج عن هذا النمط إلا كون
القياس حجة وخبرا لواحد وصفات المجتهدين كما في الأصل
قلت وتوضيح ذلك أن الطرق التي منها تلقيت الأحكام عن النبي عليه الصلاة والسلام
وإن كانت ثلاثة لفظا وفعلا وإقرارا إلا أن غالب قواعد أصول الفقه إنما نشأت من
طريق اللفظ لأن الألفاظ التي تتلقى منها الأحكام أربعة أصناف ثلاثة متفق عليها
الأول لفظ عام يحمل على عمومه أو خاص يحمل على خصوصه والثاني لفظ عام يراد به
الخصوص والثالث لفظ خاص يراد به العموم وفي هذا يدخل التنبيه بالمساوي على المساوي
وبالأعلى على الأدنى وبالأدنى على الأعلى كقوله تعالى فلا تقل لهما أف فقد فهم منه
تحريم الضرب والشتم وما فوق ذلك
وهذه الأصناف الثلاثة إما أن تأتي بصيغة الأمر أو بصيغة الخبر يراد به الأمر
فتستدعي الفعل وفي حمل هذا الاستدعاء على الوجوب إن فهم منه الجزم وتعلق العقاب
بالترك أو على الندب إن فهم منه الثواب على الفعل وانتفاء العقاب مع الترك أو
يتوقف حتى يدل الدليل على أحدهما خلاف بين العلماء مذكور في كتب أصول الفقه وإما
أن تأتي بصيغة النهي أو بصيغة الخبر يراد به النهي فتستدعي الترك وفي حمل هذا
الاستدعاء على التحريم إن فهم منه الجزم وتعلق العقاب بالفعل أو على الكراهة إن
فهم منه الحث على تركه من غير تعلق العقاب بفعله أو يتوقف حتى يدل الدليل على
أحدهما خلاف كذلك
والأعيان التي يتعلق بها الحكم إما أن يدل عليها بلفظ يدل على معنى واحد فقط وهو
الذي يعرف في أصول الفقه بالنص
____________________
(1/7)
وتناسب
وأجاب الشاسع البعيد وتقارب وحصل طلبته في أقرب الأزمان وانشرح صدره لما أشرق فيه
من البيان فبين المقامين شأو بعيد وبين المنزلتين تفاوت شديد وقد ألهمني الله
تعالى بفضله أن وضعت في أثناء كتاب الذخيرة من هذه القواعد شيئا كثيرا مفرقا في
أبواب الفقه كل قاعدة في بابها وحيث تبنى عليها فروعها
ثم أوجد الله تعالى في نفسي أن تلك القواعد لو اجتمعت في كتاب وزيد في تلخيصها
وبيانها والكشف عن أسرارها وحكمها لكان ذلك أظهر لبهجتها ورونقها وتكيفت نفس
الواقف عليها بها مجتمعة أكثر مما إذا رآها مفرقة وربما لم يقف إلا على اليسير
منها هنالك لعدم استيعابه
هامش أنوار البروق
فارغة
هامش إدرار الشروق
ولا خلاف في وجوب العمل به وإما أن يدل عليها بلفظ يدل على أكثر من معنى واحد وهذا
إما أن تكون دلالته على تلك المعاني بالسواء وهو الذي يعرف في أصول الفقه بالمجمل
ولا خلاف في أنه لا يوجب حكما وإما أن تكون دلالته على بعض تلك المعاني أكثر من
بعض ويسمى بالإضافة إلى البعض الأكثر ظاهرا وإلى البعض الأقل محتملا ويحمل على
البعض الأكثر إذا ورد مطلقا ولا يحمل على البعض الأقل إلا بدليل فيعرض حينئذ خلاف
الفقهاء في أقاويل الشارع من قبل ثلاثة معان من قبل الاشتراك في لفظ العين الذي
علق به الحكم ومن قبل الاشتراك في الألف واللام المقرونة بجنس ذلك العين هل أريد
بها الكل أو البعض ومن قبل الاشتراك الذي في ألفاظ الأوامر والنواهي وصنف رابع
مختلف فيه وهو أن يفهم من إيجاب الحكم لشيء ما نفى ذلك عما عدا ذلك الشيء ومن نفى
الحكم لشيء ما إيجابه لما عدا ذلك الشيء الذي نفى عنه
وهو الذي يعرف بدليل الخطاب مثل قوله عليه الصلاة والسلام في سائمة الغنم الزكاة
فإن قوما فهموا منه أن لا زكاة في غير السائمة أو نشأت مما يعرض لتلك الألفاظ من
النسخ أي جوازه وكونه ينقسم إلى أقسام أحدها نسخ الكتاب بالكتاب كحكم والذين
يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج بحكم والذين
يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا لتأخرها نزولا وإن
تقدمت تلاوة وثانيها نسخ السنة بالسنة كحديث كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها
وثالثها السنة بالكتاب كحكم استقبال بيت المقدس الثابت بالسنة الفعلية باستقبال
الكعبة الثابت بقوله تعالى فول وجهك شطر المسجد الحرام ورابعها الكتاب بالسنة ولو
آحادا على الصحيح خلافا لمن منعه إما لأن القطعي متن القرآن لا دلالته وإما لأنه
لا مانع من نسخه بالآحاد وإن كانت دلالته قطعية كآية الاستقبال نعم الحق أنه لم
يقع إلا بالسنة المتواترة كجواز الوصية للوالدين والأقربين بحديث لا وصية لوارث
وينقسم أيضا إلى ما نسخت تلاوته وحكمه جميعا نحو عشر رضعات محرمات كان مما يتلى
فنسخت بخمس معلومات وما نسخت تلاوته دون حكمه نحو الشيخ والشيخة إذا زنيا
فارجموهما ألبتة نكالا من الله والله عزيز حكيم كان مما يتلى فرجم النبي صلى الله
تعالى عليه وسلم المحصنين وما نسخ حكمه دون تلاوته كآية والذين يتوفون منكم ويذرون
أزواجا الآية نسخ بأربعة أشهر وعشرا
وينقسم أيضا إلى النسخ إلى بدل كما في آيتي الأنفال وإلى غير بدل
____________________
(1/8)
لجميع أبواب الفقه وأينما يقف على قاعدة ذهب عن خاطره ما
قبلها بخلاف اجتماعها وتظافرها فوضعت هذا الكتاب للقواعد خاصة وزدت قواعد كثيرة
ليست في الذخيرة وزدت ما وقع منها في الذخيرة بسطا وإيضاحا فإني في الذخيرة رغبت
في كثرة النقل للفروع لأنه أخص بكتب الفروع وكرهت أن أجمع بين ذلك وكثرة البسط في
المباحث والقواعد فيخرج الكتاب إلى حد يعسر على الطلبة تحصيله أما هنا فالعذر زائل
والمانع ذاهب فأستوعب ما يفتح الله به إن شاء الله تعالى وجعلت مبادئ المباحث في
القواعد بذكر الفروق والسؤال عنها بين فرعين أو قاعدتين فإن وقع السؤال عن الفرق
بين الفرعين فبيانه بذكر قاعدة أو قاعدتين يحصل بهما الفرق
وهما المقصودتان وذكر الفرق وسيلة لتحصيلهما وإن وقع السؤال عن الفرق بين
هامش أنوار البروق
فارغة
هامش إدرار الشروق
كقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة
فإن وجوب تقديم الصدقة على الفقراء بما تيسر على مناجاته صلى الله تعالى عليه وسلم
تقربا إلى الله تعالى ليطهره حتى يكون أهلا لمناجاته صلى الله تعالى عليه وسلم
ونسخ بلا بدل لاستلزامه قلة الأسئلة فإن في السكوت رحمة كما ورد اتركوني ما تركتكم
إن الله سكت عن أشياء رحمة لكم وقد شدد بنو إسرائيل في السؤال عن البقرة فشدد
عليهم بضيق صفاتها حتى غلت
والحق أن هذا القسم لم يقع وفاقا للشافعي رضي الله تعالى عنه والبدل في هذه الآية
الجواز المطلق الصادق بالإباحة والاستحباب ومما يعرض لها من الترجيح عند تعارض
الأمور الخمسة التي تخل بالفهم اليقيني المنظومة مع إضافة النسخ إليها في قول
بعضهم مرجحا التجوز على الإضمار على خلاف الأصح من استوائهما تجوز ثم إضمار
وبعدهما نقل تلاه اشتراك فهو يخلفه وأرجح الكل تخصيص وآخرها نسخ فما بعده قسم
يخلفه ولو جرى على الأصح من استواء التجوز والإضمار لقال تجوز مثل إضمار وبعدهما
إلخ ويتحصل في تعارضها عشر صور هي تعارض التخصيص والتجوز تعارض التخصيص والإضمار
تعارض التخصيص والنقل تعارض التخصيص والاشتراك فيقدم التخصيص في هذه الأربع لأنه
أولى تعارض التجوز والاشتراك تعارض الإضمار والاشتراك تعارض النقل والاشتراك فيقدم
كل من التجوز والإضمار والنقل على الاشتراك في هذه الثلاث تعارض التجوز والإضمار
تعارض التجوز والنقل تعارض الإضمار والنقل والأصح استواء التجوز والإضمار
وتقديمهما على النقل في هذه الثلاث وأمثلتها تطلب من كتب الأصول
والفرق بين المنقول والمشترك مع تعدد المعنى والوضع في كل أن المشترك ما وضع
لمعنييه مثلا على السواء بأن وضع لهذا كما وضع لذاك من غير اعتبار النقل من أحدهما
إلى الآخر وفي جواز حمله عليهما عند الإطلاق فيسمى مشتركا مطلقا وعدم جوازه فلا
يسمى مشتركا إلا بالنسبة إلى المعنيين مثلا
وأما بالنسبة إلى أحدهما فيسمى مجملا خلاف والمنقول ما لم يوضع لمعنييه مثلا على
السواء بل وضع أولا لأحدهما ثم نقل إلى الآخر لمناسبة بينهما مع هجر المعنى الأول
والمراد بالتجوز التجوز الاصطلاحي الذي هو استعمال اللفظ في غير ما وضع له إلخ فلا
يشمل الإضمار وجعل التخصيص مقابلا للتجوز لا نوعا منه مبني على ما اختاره تقي
الدين السبكي من أن العام إذا خص يكون حقيقة في الباقي لا على قول الأكثر أنه يكون
مجازا فيه وإنما تعرضوا
____________________
(1/9)
القاعدتين فالمقصود تحقيقهما ويكون تحقيقهما بالسؤال عن
الفرق بينهما أولى من تحقيقهما بغير ذلك فإن ضم القاعدة إلى ما يشاكلها في الظاهر
ويضادها في الباطن أولى لأن الضد يظهر حسنة الضد وبضدها تتميز الأشياء وتقدم قبل
هذا كتاب لي سميته كتاب الأحكام في الفرق بين الفتاوى والأحكام وتصرف القاضي
والإمام ذكرت في هذا الفرق أربعين مسألة جامعة لأسرار هذه الفروق وهو كتاب مستقل
يستغنى به عن الإعادة هنا فمن
هامش أنوار البروق
فارغة
هامش إدرار الشروق
لتعارض هذه الخمسة فقط لأنها من عوارض اللفظ دون النسخ فإنه من عوارض الحكم وأيضا
قال العطار على محلي جمع الجوامع ولهم خمسة أخرى تخل بالفهم وهي النسخ والتقديم
والتأخير وتغير الإعراب والتصريف والمعارض العقلي واقتصر الشارح كالمصنف على
الخمسة الأولى لكثرة وقوعها ولقوة الظن مع انتفائها
ا ه ومما يعرض لها أيضا من كون المعاني المتداولة المتأدية من هذه الأصناف اللفظية
إجمالا إما أمر بشيء فيكون للوجوب أو للندب على ما مر وإما نهي عن شيء فيكون
للتحريم أو للكراهة على ما مر أيضا وإما تخيير فيه وهو المباح فأصناف الأحكام
الشرعية المتلقاة من هذه الأصناف اللفظية خمسة ومن كون أسباب الاختلاف في تأدية
هذه الأحكام من الأصناف اللفظية ستة أحدها تردد الألفاظ بين هذه الأصناف الأربعة
أي كون اللفظ عاما يراد به الخاص أو خاصا يراد به العام أو عاما يراد به العام أو
خاصا يراد به الخاص أو يكون له دليل الخطاب أو لا يكون له والثاني الاشتراك الحاصل
إما في اللفظ المفرد كالقرء يطلق على الأطهار والحيض والأمر يحمل على الوجوب أو
الندب والنهي يحمل على التحريم أو الكراهة
وأما في اللفظ المركب مثل قوله تعالى إلا الذين تابوا يحتمل أن يعود على الفاسق
فقط أو عليه وعلى الشاهد معا فتكون التوبة رافعة للفسق ومجيزة لشهادة القاذف
والثالث اختلاف الإعراب والرابع تردد اللفظ بين حمله على الحقيقة أو على نوع من أنواع
المجاز التي هي إما الحذف وإما الزيادة وإما التأخير وإما التقديم وإما تردده على
الحقيقة أو الاستعارة والخامس إطلاق اللفظ تارة وتقييده تارة مثل إطلاق الرقبة في
العتق تارة وتقييدها بالإيمان تارة والسادس التعارض في الشيئين في جميع أصناف
الألفاظ التي يتلقى منها الشرع الأحكام بعضها مع بعض ومن كون هذه الصيغة الخاصة
للعموم ونحو ذلك وما خرج عن هذا النمط أي عن هذه القواعد التي طريقها اللفظ العربي
خاصة إلا كون القياس حجة فيما سكت عنه الشارع من الأحكام كما للجمهور
ويشهد لثبوته دليل العقل وهو أن الوقائع بين أشخاص الأناسي غير متناهية والنصوص
والأفعال والإقرارات متناهية ومحال أن يقابل ما لا يتناهى بما يتناهى فسقط قول أهل
الظاهر القياس في الشرع باطل وما سكت عنه الشارع فلا حكم له وكون القياس الشرعي
إلحاق الحكم الواجب لشيء ما بالشرع بالشيء المسكوت عنه لشبهه بالشيء الذي أوجب
الشرع له ذلك الحكم أو لعلة جامعة بينهما فهو نوعان قياس شبه وقياس علة وكونه وإن
شارك اللفظ الخاص يراد به العام في إلحاق المسكوت عنه بالمنطوق به يفارقه من جهة
أن الإلحاق فيه من جهة الشبه الذي بينهما لا من جهة دلالة اللفظ وفي الخاص يراد به
____________________
(1/10)
شاء طالع ذلك الكتاب فهو حسن في بابه وعوائد الفضلاء وضع
كتب الفروق بين الفروع وهذا في الفروق بين القواعد وتلخيصها فله من الشرف على تلك
الكتب شرف الأصول على الفروع وسميته لذلك أنوار البروق في أنواء الفروق ولك أن
تسميه كتاب الأنوار والأنواء أو كتاب الأنوار والقواعد السنية في الأسرار الفقهية
كل ذلك لك وجمعت فيه من القواعد خمسمائة وثمانية وأربعين قاعدة أوضحت كل قاعدة بما
يناسبها من الفروع حتى يزداد انشراح القلب لغيرها
فائدة سمعت بعض مشايخي الفضلاء يقول فرقت العرب
بين فرق بالتخفيف وفرق بالتشديد الأول في المعاني والثاني في الأجسام ووجه
المناسبة فيه أن كثرة الحروف عند العرب تقتضي كثرة المعنى أو زيادته أو قوته
والمعاني لطيفة والأجسام كثيفة فناسبها
هامش أنوار البروق
فارغة
هامش إدرار الشروق
العام من جهة دلالة اللفظ عليه وكون تعارضها في أنفسها وتعارضها مع الطرق الثلاث
أعني معارضة القول أو الفعل أو الإقرار للقياس تكون سببا للاختلاف في تأدية هذه
الأحكام من هذه الطرق الأربع
وكون خبر الواحد لا يحتج به إلا إذا اشتهر بعمل عند من يشترط اشتهار العمل فيما
نقل من طريق الآحاد وبخاصة في المدينة كما هو المعلوم من مذهب مالك وبيان صفات
المجتهدين
وأما طريقا الفعل والإقرارات فلا ينشأ من واحد منهما شيء من قواعد الأحكام
المذكورة لأن البحث عن الفعل في كتب الأصول من حيث إنه عند الأكثر من الطرق التي
تتلقى منها الأحكام الشرعية ومن حيث الخلاف في نوع الحكم الذي يدل عليه الفعل هل
الوجوب أو الندب والمختار عند المحققين أنه إن أتى بيانا لمجمل واجب دل على الوجوب
أو لمجمل مندوب دل على الندب وإن لم يأت بيانا لمجمل فإن كان من جنس القربة دل على
الندب أو من جنس المباحات دل على الإباحة
والبحث عن الإقرارات فيها من حيث إنها تدل على الجواز ومن حيث إن معارضة القول أو
الفعل له كمعارضته للقياس ومعارضة القول للفعل تكون سببا للاختلاف في تأدية
الأحكام من الطرق الأربع المذكورة لتلقيها عن النبي عليه الصلاة والسلام وأما
الإجماع فلا يكون إلا مستندا لأحد هذه الطرق الأربع لأنه لو كان أصلا مستقلا لاقتضى
إثبات شرع زائد بعد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم واللازم باطل ا ه ملخصا من
بداية المجتهد لحفيد ابن رشد وعبد السلام والأمير على الجوهرة ورسالة الصبان
البيانية والأنبابي عليها
والقسم الثاني قواعد كلية فقهية جليلة كثيرة العدد عظيمة المدد مشتملة على أسرار الشرع
وحكمه لكل قاعدة من الفروع ما لا يحصى ولم يذكر شيء منها في أصول الفقه على سبيل
التفصيل وإنما أتفقت الإشارة إليه هنالك على سبيل الإجمال وقد وضع المحققون
لتفصيله كتب القواعد مهتمين بتحصيله اهتمامهم بتحصيل الأصول بل هذه القواعد مهمة
عظيمة النفع في الفقه بقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه ويظهر رونق الفقه بلا
تمويه وتتضح مناهج الفتاوى وتنكشف ويحوز قصب السبق من بالبراعة فيها يتصف نعم في
حاشية الرهوني على شرح عبق على خليل أن صاحب الديباج عند ترجمة ابن بشير بن الطاهر
إبراهيم بن عبد الصمد قال ما نصه وكان رحمه الله يستنبط أحكام الفروع من قواعد
أصول الفقه
____________________
(1/11)
التشديد وناسب المعاني التخفيف مع أنه قد وقع في كتاب الله
تعالى خلاف ذلك قال الله تعالى وإذ فرقنا بكم البحر فخفف في البحر وهو جسم
وقال تعالى فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين وجاء على القاعدة قوله تعالى وإن
يتفرقا يغن الله كلا من سعته وقوله تعالى فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء
وزوجه و تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ولا نكاد نسمع من الفقهاء إلا قولهم ما
الفارق بين المسألتين ولا يقولون ما الفرق بينهما بالتشديد ومقتضي هذه القاعدة أن
يقول السائل افرق لي بين المسألتين ولا يقول فرق لي ولا بأي شيء تفرق مع أن كثيرا
يقولونه في الأفعال دون اسم الفاعل وقد آن الشروع في الكتاب مستعينا بالله تعالى
على خلوص النية وحصول البغية وأسأله بعظيم جلاله وكمال علائه أن يجعله نافعا لي
ولعباده وأن ييسر ذلك علي وعليهم بمنه وكرمه إنه على كل شيء قدير
الفرق الأول بين الشهادة والرواية ابتدأت بهذا
الفرق بين هاتين القاعدتين لأني أقمت أطلبه نحو ثمان سنين فلم أظفر به وأسأل
الفضلاء عن الفرق بينهما وتحقيق ماهية كل واحدة منهما فإن كل واحدة منهما
هامش أنوار البروق
الفرق الأول بين الشهادة والرواية قال حاكيا عن
الإمام أبي عبد الله المازري الشهادة والرواية خبران غير أن المخبر عنه إن كان
أمرا عاما لا يختص بمعين فهو الرواية كقوله عليه السلام إنما الأعمال بالنيات
والشفعة فيما لا يقسم لا
هامش إدرار الشروق
وعلى هذا مشى في كتابة التنبيه وهي طريقة نبه الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد على
أنها غير مخلصة والفروع لا يطرد تخريجها على القواعد الأصلية ا ه بلفظه فتنبه
الفائدة الثانية الغالب استعمال العرب فرق بالتخفيف في المعاني وفرق بالتشديد في
الأجسام نظرا لكون كثرة الحروف عندهم تقتضي كثرة المعنى أو زيادته أو قوته غالبا
والمعاني لطيفة يناسبها التخفيف والأجسام كثيفة يناسبها التشديد فمن الغالب قوله
تعالى وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وقوله تعالى فيتعلمون منهما ما يفرقون به
بين المرء وزوجه وقوله تعالى تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ولا تكاد تسمع من
الفقهاء إلا قولهم ما الفارق بين المسألتين ولا يقولون ما المفرق بينهما بالتشديد
ومن غير الغالب قوله تعالى فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين وقوله تعالى وإذ فرقنا
بكم البحر فخفف في الأجسام وكثيرا ما يقول الفقهاء في الأفعال دون اسم الفاعل فرق
لي بين المسألتين ولا يقولون أفرق لي بينهما ويقولون بأي شيء نفرق بينهما بالتشديد
ولا يقولون بأي شيء نفرق بينهما بالتخفيف والله سبحانه وتعالى أعلم
الفرق الأول بين الشهادة والرواية ببيان معناهما أما لغة فالشهادة مصدر شهد ولشهد
في لسان العرب ثلاثة معان أحدها حضر يقال شهد بدرا وشهدنا صلاة العيد قال أبو علي
معنى قوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه من حضر
____________________
(1/12)
خبر فيقولون الفرق بينهما أن الشهادة يشترط فيها العدد
والذكورية والحرية بخلاف الرواية فإنها تصح من الواحد والمرأة والعبد فأقول لهم
اشتراط ذلك فيها فرع تصورها وتمييزها عن الرواية فلو عرفت بأحكامها وآثارها التي
لا تعرف إلا بعد معرفتها لزم الدور وإذا وقعت لنا حادثة غير منصوصة من أين لنا
أنها شهادة حتى يشترط فيها ذلك فلعلها من باب الرواية التي لا يشترط فيها ذلك
فالضرورة داعية لتمييزهما وكذلك إذا رأينا الخلاف في إثبات شهر رمضان هل يكتفى فيه
بشاهد أم لا بد من شاهدين ويقول الفقهاء في تصانيفهم منشأ الخلاف في ذلك هل هو من
باب الرواية أو من باب الشهادة
وكذلك إذا أخبره عدل بعدد ما صلى قالوا ذلك بعينه وأجروا الخلاف فيهما لم تتصور
حقيقة الشهادة والرواية وتميز كل واحدة منهما عن الأخرى لا يعلم اجتماع الشائبتين
منهما في هذه الفروع ولا يعلم أي الشائبتين أقوى حتى يرجح مذهب القائل
هامش أنوار البروق
يختص بشخص معين بل ذلك على جميع الخلق في جميع الأعصار والأمصار بخلاف قول العدل
عند الحاكم لهذا عند هذا دينار إلزام لمعين لا يتعداه إلى غيره فهذا هو الشهادة
المحضة والأول هو الرواية المحضة ثم تجتمع الشوائب بعد ذلك قلت لم يقتصر الإمام في
مفتتح كلامه الذي نقل منه الشهاب ما نقل على الفرق بالعموم والخصوص ولكنه ذكر مع
الخصوص قيدا آخر وهو إمكان الترافع إلى الحكام والتخاصم وطلب فصل القضاء ثم اقتصر
في مختتم كلامه على الخصوص والعموم والأصح اعتبار القيد المذكور ويتضح ذلك بتقسيم
حاصر وهو أن الخبر إما أن يقصد به أن يترتب عليه فصل قضاء وإبرام حكم وإمضاء أو لا
فإن قصد به ذلك فهو الشهادة
وإن لم يقصد به ذلك فإما أن يقصد به ترتب دليل حكم شرعي أو لا فإن قصد به ذلك فهو
الرواية وإلا فهو سائر أنواع الخبر ولا حاجة بنا إلى بيان تفاصيلها لأن المقصود
إنما هو بيان ما يجوز في اصطلاح
هامش إدرار الشروق
منكم المصر في الشهر فليصمه أو من حضر منكم الشهر في المصر فليصمه فإن الصوم لا
يلزم المسافر فالمقصود إنما هو المقيم الحاضر وثانيها أخبر يقال شهد عند الحاكم أي
أخبر فيما يعتقده في حق المشهود له وعليه وثالثها علم قال الله تعالى والله على كل
شيء شهيد أي عليم ووقع التردد لبعض العلماء في كون شهد في قوله تعالى شهد الله أنه
لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم
بمعنى علم لأن الله يعلم ذلك أو بمعنى أخبر لأن الله تعالى أخبر عباده عن ذلك فهو
محتمل للأمرين والرواية مصدر روى بمعنى حمل وتحمل فراوي الحديث حمله وتحمله عن
شيخه فلذا قال بعض أهل اللغة إن إطلاق الراوية على المزادة التي يحمل فيها الماء
على الجمل مجاز مرسل لعلاقة المجاورة لأن الراوية بهاء المبالغة اسم في أصل اللغة
للبعير الذي كثر حمل الماء عليه ففي المصباح روى البعير الماء يرويه من باب رمى
حمله فهو راوية الهاء فيه للمبالغة ثم أطلقت الراوية على كل دابة يستقى الماء عليها
ا ه
وهذا هو الموافق لكون راوية إنما يأتي من الثلاثي قلت وفي حاشية الأنبابي على
بيانية الصبان ومفاد قول ابن سيده الراوية المزاد فيها الماء ويسمى البعير راوية
على تسمية الشيء باسم الشيء لقربه منه ا ه
إن الراوية حقيقة في المزادة مجاز في البعير لعلاقة المجاورة فهو من باب أروى
____________________
(1/13)
بترجيحها ولعل أحد القائلين ليس مصيبا وليس في الفروع إلا
إحدى الشائبتين أو أحد الشبهين والآخر منفي أو الشبهان معا منفيان والقول بتردد
هذه الفروع بينهما ليس صوابا بل يكون الفرع مخرجا على قاعدة أخرى غير هاتين وهذا
جميعه إنما يتلخص إذا علمت حقيقة كل واحدة منهما من حيث هي هي فحينئذ يتصور هنا
اشتراط العدد ولا يقبل في ذلك الفرع العدل الواحد ويعتقد أنه مخرج على الشبهين
المذكورين وأي القولين أرجح إما مع الجهل بحقيقتهما فلا يتأتى شيء من ذلك وتبقى
هذه الفروع مظلمة ملتبسة علينا ولم أزل كذلك كثير القلق والتشوف إلى معرفته ذلك
حتى طالعت شرح البرهان للمازري رضي الله عنه فوجدته ذكر هذه القاعدة وحققها وميز
بين الأمرين من حيث هما واتجه تخريج تلك الفروع اتجاها حسنا
وظهر أي الشبهين أقوى وأي القولين أرجح وأمكننا من قبل أنفسنا إذا وجدنا خلافا
محكيا ولم يذكر سبب الخلاف فيه أن
هامش أنوار البروق
الفقهاء والأصوليين واعتباراتهم ودليل صحة اعتبار القيد المذكور أن المخبر بأن
لزيد قبل عمرو دينارا غير قاصد بذلك الخبر أن يترتب عليه فصل قضاء لا يسمى في عرف
الفقهاء والأصوليين شاهدا على جهة الحقيقة بل يسمى مخبرا وكذلك المخبر عن الأمور
الواقعة التي لا يستفاد منها تعريف دليل حكم شرعي لا يسمى عندهم على جهة الحقيقة
راويا وإن سمي كما في الأقاصيص ونحوها فهو مجاز من جهة أنهم لا يشترطون فيه من
صفات الرواة ما يشترطون في رواة تعريف أدلة الأحكام
قال شهاب الدين ما معناه إن المناسبة بين اشتراط العدد في الشهادة وعدم اشتراطه في
الرواية أن الشهادة لما كان مقتضاها إلزاما لمعين وهو ربما كانت بينه وبين الشاهد
عداوة باطنية لا يطلع الحاكم عليها والعداوة ربما بعثت على إلزام العدو وعدوه ما
لا يلزمه احتاط الشارع باشتراط العدد إبعادا لهذا الاحتمال قلت هذا الذي ذكره مما
يؤكده ما قلته من لزوم اعتبار القيد المذكور من جهة أنه
هامش إدرار الشروق
الرباعي شذوذا إذ قياس اسم الفاعل من أروى مرو لا راوية وظاهر صنيع صاحب القاموس
أنها حقيقة فيهما حيث قال الراوية المزادة فيها الماء والبعير والبغل والحمار
يستسقى عليه الماء ا ه
نعم من اصطلاحاته أنه لا يفرق بين الحقيقة والمجاز فلعل أقوال أهل اللغة فيها
ثلاثة كما يشعر به كلام ابن الطيب في حواشي القاموس
وأما اصطلاحا ففي شرح البرهان للمازري ما يفيد أن الشهادة خبر خاص قصد به ترتيب فصل
القضاء عليه كقول العدل عند الحاكم لهذا عند هذا دينار والرواية خبر عام قصد به
تعريف دليل حكم شرعي كقوله عليه الصلاة والسلام إنما الأعمال بالنيات والشفعة فيما
لا يقسم فلا يسمى في عرف الفقهاء والأصوليين قول المخبر لزيد قبل عمرو دينار غير
قاصد به أن يترتب فصل قضاء عليه شهادة ولا هو شاهد على جهة الحقيقة بل يسمى خبرا
وقائله مخبرا
وكذلك المخبر عن الأمور الواقعة لا يسمى شاهدا كما لا يسمى في عرفهم راويا على جهة
الحقيقة وإن سمي كما في الأقاصيص ونحوها فهو مجاز من جهة أنه لا يشترطون فيه من
صفات الرواية ما يشترطون في رواة تعريف أدلة الأحكام والشهادة بالوقف على الفقراء
والمساكين إلى يوم القيامة والنسب المتفرع بين الأنساب إلى يوم القيامة ونحوهما من
النظائر إنما جاء العموم فيها بطريق العرض
والتبع المقصود بالذات فيها جزئي هو
____________________
(1/14)
نخرجه على وجود الشبهين فيه إن وجدناهما ونشترط ما نشترطه
ونسقط ما نسقطه ونحن على بصيرة في ذلك كله فقال رحمه الله الشهادة والرواية خبران
غير أن المخبر عنه إن كان أمرا عاما لا يختص بمعين فهو الرواية كقوله عليه الصلاة
والسلام إنما الأعمال بالنيات والشفعة فيما لا يقسم لا يختص بشخص معين بل ذلك على
جميع الخلق في جميع الأعصار والأمصار بخلاف قول العدل عند الحاكم لهذا عند هذا
دينار إلزام لمعين لا يتعداه إلى غيره فهذا هو الشهادة المحضة والأول هو الرواية
المحضة ثم تجتمع الشوائب بعد ذلك ووجه المناسبة بين الشهادة واشتراط العدد حينئذ وبقية
الشروط أن إلزام المعين تتوقع فيه عداوة باطنية لم يطلع عليها الحاكم فتبعث العدو
على إلزام عدوه ما لم يكن لازما له
فاحتاط الشارع لذلك واشترط معه آخر إبعادا لهذا الاحتمال فإذا اتفقا في المقال قرب
الصدق جدا بخلاف الواحد ويناسب أيضا اشتراط الذكورية من وجهين
هامش أنوار البروق
إذا لم يكن القصد بالإخبار أن يترتب عليه حكم ولا فصل قضاء لا يحصل مقصود العدو في
عدوه من إلزامه ما لا يلزمه
قال شهاب الدين ويناسب أيضا اشتراط الذكورية من وجهين أحدهما أن إلزام المعين
سلطان قهر تأباه النفوس الأبية وهو من النساء أشد نكاية فخفف ذلك على النفوس بدفع
الأنوثة قلت هذا مناسب كما قال غير أنه يرد عليه النقض بشهادة الأنثى في الأموال
وفي المواطن التي يتعذر فيها اطلاع الرجال لكنه يجاب عنه بإلجاء الضرورة إلى ذلك
والقواعد يستثنى منها محال الضرورات ثم إن الشرع جعل المرأة كالرجل في محل تعذر
اطلاعه الإطلاقي وجعلها مثله بشرط الاستظهار بأخرى في محل تعذر اطلاعه الاتفاقي
لأن إذعان النفوس لمقتضى الضرورات الإطلاقية أشد من إذعانها لمقتضى الضرورات
الاتفاقية
والله أعلم
هامش إدرار الشروق
في الوقف الواقف وإثبات ذلك عليه وليس من لوازم الوقف أن يكون في الموقوف عليه
عموما إذ قد يكون الوقف على معين كعلى ولده أو على زيد ثم من بعده لغيره فالعموم
أمر عارضي ليس متقررا شرعا في أصل هذا وهو في النسب الإلحاق بالشخص المعين أو
استحقاق الميراث للشخص المعين ثم تفرعه بعد ذلك إنما هو من الأحكام الشرعية
التابعة للمقصود بالشهادة كما أن الشهادة إذا وقعت بأن هذا رقيق لزيد قبل فيه
الشاهد واليمين وإن تبع ذلك لزوم القيمة لمن قتله دون الدية وسقوط العبادات عنه
واستحقاق أكسابه للسيد مع أن الشاهد لم يقصد سقوط العبادات عنه وليس سقوطها مما
تدخل فيه الشهادة فضلا عن الشاهد واليمين وكذلك الشهادة بتزويج زيد المرأة المعينة
شهادة بحكم جزئي على المرأة لزوجها المشهود له وهو جزئي وإن تبع ذلك تحريمها على
غيره وإباحة وطئها له مع أن التحريم والإباحة شأنها الرواية دون الشهادة على غير
ذلك من النظائر وبالجملة فالخبر إما أن يقصد به أن يترتب عليه فصل قضاء وإلزام حكم
وإمضاء أو لا فإن قصد به ذلك فهو الشهادة وإن لم يقصد به ذلك فإما أن يقصد به
تعريف دليل حكم شرعي أو لا فإن قصد به ذلك فهو الرواية وإلا فهو سائر أنواع الخبر
ولا حاجة بنا إلى بيان تفاصيلها لأن المقصود إنما هو بيان ما يجوز في اصطلاح الفقهاء
والأصوليين واعتباراتهم
____________________
(1/15)
أحدهما أن إلزام المعين سلطان وغلبة وقهر واستيلاء تأباه
النفوس الأبية وتمنعه الحمية وهو من النساء أشد نكاية لنقصانهن فإن استيلاء الناقص
أشد في ضرر الاستيلاء فخفف ذلك عن النفوس بدفع الأنوثة الثاني أن النساء ناقصات
عقل ودين فناسب أن لا ينصبن نصبا عاما في موارد الشهادات لئلا يعم ضررهن بالنسيان
والغلط بخلاف الرواية لأن الأمور العامة تتأسى فيها النفوس ويتسلى بعضها ببعض فيخف
الألم وتقع المشاركة غالبا في الرواية لعموم التكليف والحاجة فيروى مع المرأة
غيرها فيبعد احتمال الغلط ويطول الزمان في الكشف عن ذلك إلى يوم القيامة فيظهر مع
طول السنين خلل إن كان بخلاف الشهادة تنقضي بانقضاء زمانها وتنسى بذهاب أوانها فلا
يطلع على غلطها ونسيانها ولا يتهم أحد في عداوة جميع الخلق إلى يوم القيامة فلا
يحتاج إلى الاستظهار بالغير فيكفي الواحد
وأما
هامش أنوار البروق
قال شهاب الدين الثاني أن النساء ناقصات عقل ودين فناسب أن لا ينصبن نصبا عاما في
موارد الشهادات لئلا يعم ضررهن بالنسيان والغلط بخلاف الرواية لأن الأمور العامة
تتأسى فيها النفوس ويتسلى بعضها ببعض فيخف الألم وتقع المشاركة غالبا في الرواية
لعموم التكليف والحاجة فيروي مع المرأة غيرها فيبعد احتمال الغلط ويطول الزمان في
الكشف عن ذلك إلى يوم القيامة فيظهر مع طول السبر خلل إن كان بخلاف الشهادة تنقضي
بانقضاء زمانها وتنسى بذهاب أوانها فلا يطلع على غلطها ونسيانها قلت كلامه في هذا
الفصل ضعيف أما قوله فناسب أن لا ينصبن نصبا عاما لئلا يعم ضررهن بالنسيان والغلط
بخلاف الرواية فلا فرق بين الشهادة والرواية في ذلك من جهة أن نقصان عقلهن ودينهن
ثابت لهن في حال الرواية كما أنه ثابت في حال الشهادة ولا يفيد قوله لعموم التكليف
فإن
هامش إدرار الشروق
قلت وقد اشترطوا في الشهادة دون الرواية العدد والذكورية والحرية وجعلوا العدالة
المتضمنة الإسلام والعقل والبلوغ شرطا فيهما
قال التسولي في شرحه على العاصمية ولا يخفى أن العدالة تتضمن الإسلام والعقل
والبلوغ إذ كل عدل مطلقا كان عدل رواية أو شهادة لا بد فيه منها وقت الأداء
والإخبار ا ه
وقبول شهادة الصبيان وكذا رواية الكافر والصبي كما سيأتي عن ابن القصار عن مالك
على خلاف الأصل لإلجاء الضرورة إلى ذلك من جهة لزوم المشقة على تقدير عدم التجويز
والقواعد يستثنى منها محال الضرورات كما سيأتي على أنه يندر الخلو عن قرائن تحصل
الظن فافهم
والمناسبة في اشتراط العدد في الشهادة دون الرواية من جهة أن إلزام المعين وهو
الغالب في الشهادة تتوقع فيه عداوة باطنية لم يطلع عليها الحاكم فينبعث العدو على
إلزام عدوه ما لم يكن لازما له فاحتاط الشارع لذلك واشترط معه آخر إبعادا لهذا
الاحتمال فإذا اتفقا في المقال قرب الصدق جدا بخلاف الواحد والرواية من حيث عموم
مقتضاها غالبا يكفي فيها الواحد إذ لا يتهم أحد في عداوة جميع الخلق إلى يوم
القيامة فلا يحتاج إلى الاستظهار بالغير فباب الرواية بعيد عن التهم جدا ألا ترى
أن العبد العدل إذا روى حديثا يتضمن عتقه أنه تقبل روايته فيه وإن تضمنت نفعه نظرا
لكون العموم موجبا
____________________
(1/16)
الحرية فلأن النفوس الأبية تأبى قهرها بالعبيد الأدنى ويخف
ذلك عليها بالأحرار وسراة الناس ولأن الرق يوجب الضغائن والأحقاد بسبب ما فات من
الحرية والاستقلال بالكسب والمنافع فربما بعثه ذلك على الكذب على المعين وإذايته
وذلك للخلائق يبعد القصد إليه في مجاري العادات فهذا تحقيق البابين
ووجه المناسبة في الاشتراط في الشهادة دون الرواية وحينئذ نقول الخبر ثلاثة أقسام
رواية محضة كالأحاديث النبوية وشهادة محضة كإخبار الشهود عن الحقوق على المعينين
عند الحاكم ومركب من الشهادة والرواية وله صور أحدها الإخبار عن رؤية هلال رمضان
من جهة أن الصوم لا يختص بشخص معين بل عام على جميع المصر أو أهل الآفاق على
الخلاف في أنه هل يشترط في كل قوم رؤيتهم أم لا فهو من هذا الوجه رواية لعدم
الاختصاص بمعين وعموم الحكم ومن جهة
هامش أنوار البروق
عموم التكليف شامل ولازم في تحمل الشهادة وأدائها كما أنه شامل ولازم في تحمل
الرواية وأدائها هذا إن أراد عموم التكليف بالرواية نفسها وإن أراد عموم مقتضاها
دون مقتضى الشهادة فذلك متجه والله أعلم ولا يفيده
قوله أيضا فيروي مع المرأة غيرها فإنه كما يروي معها غيرها كذلك يشهد معها غيرها
بل ليس بلازم في الرواية أن يروي معها غيرها ولازم في الشهادة أن يشهد معها غيرها
ولا يفيده أيضا قوله لطول الزمان فإن اشتراط طول الزمان في العمل بالرواية ليس
بصحيح ولا أعلمه قولا لأحد بل الرواية كالشهادة في العمل بموجبها عند توفر الشروط
هذا إن أراد اشتراط طول الزمان وإن لم يرده فلا فائدة في وقوع ذلك بعد العمل
بمقتضى الرواية في حق من لم يطلع على ذلك وإن كانت له فائدة فيما بعد في حق المطلع
هامش إدرار الشروق
لعدم التهمة في الخصوص مع وازع العدالة كما رآه بعض مشايخ القرافي المعتبرين
منقولا
والمناسبة في اشتراط الذكورية في الشهادة دون الرواية من وجهين أحدهما أن إلزام
المعين سلطان وغلبة وقهر واستيلاء تأباه النفوس الأبية وتمنعه الحمية وهو من
النساء أشد نكاية لنقصانهن فإن استيلاء الناقص أشد في ضرر الاستيلاء فخفف ذلك عن
النفوس بدفع الأنوثة وقبول شهادة الأنثى في الأموال وفي المواطن التي يتعذر فيها
اطلاع الرجال إنما كان لإلجاء الضرورة إلى ذلك والقواعد يستثنى منها محال الضرورات
ثم إن الشرع جعل المرأة كالرجل في محل تعذر اطلاعه الإطلاقي وجعلها مثله بشرط الاستظهار
بأخرى في محل تعذر اطلاعه الاتفاقي لأن إذعان النفوس بمقتضى الضرورات الإطلاقية
أشد من إذعانها بمقتضى الضرورات الاتفاقية والله أعلم
الثاني أن الشهادة من حيث خصوص مقتضاها والنساء ناقصات عقل ودين ناسب أن لا ينصبن
نصبا عاما في مواردها لئلا يعم ضررهن بالنسيان والغلط بخلاف مقتضى الرواية فإنه
عام والأمور العامة تتأسى فيها النفوس ويتسلى بعضها ببعض فيخف الألم وأيضا قد مر
أنه لا يتهم أحد في عداوة جميع الخلق إلى يوم القيامة فافهم
والمناسبة في اشتراط الحرية في الشهادة دون الرواية من وجهين أيضا
____________________
(1/17)
أنه حكم يختص بهذا العام دون ما قبله وما بعده وبهذا القرن
من الناس دون القرون الماضية والآتية صار فيه خصوص وعدم عموم فأشبه الشهادة
وحصل الشبهان فجرى الخلاف وأمكن ترجيح أحد الشبهين على الآخر واتجه الفقه في
المذهبين فإن عضد أحد الشبهين حديث أو قياس تعين المصير إليه وثانيها القائف في
إثبات الأنساب بالخلق هل يشترط فيه العدد أم لا قولان لحصول الشبهين من جهة أنه
يخبر أن زيدا ابن عمر وليس ابن خالد وهو حكم جرى على شخص معين لا يتعداه إلى غيره
فأشبه الشهادة فيشترط العدد ومن جهة أن القائف منتصب انتصابا عاما للناس أجمعين
أشبه الرواية فيكفي الواحد غير أن شبه الشهادة هنا أقوى للقضاء على المعين وتوقع
العداوة والتهمة في الشخص المعين وكونه منتصبا انتصابا عاما مشترك بينه وبين
الشاهد فإنه منتصب لكل من تتعين عليه شهادة يؤديها عند الحاكم فهذا الشبه
هامش أنوار البروق
قال شهاب الدين ولا يتهم أحد في عداوة جميع الخلق إلى يوم القيامة فلا يحتاج إلى
الاستظهار بالغير فيكفي الواحد قلت هذا صحيح وهو الفرق بين الشهادة والرواية قال
شهاب الدين وأما الحرية فلأن النفوس الأبية تأبى قهرها بالعبيد الأدنى ويخفف ذلك
عليها بالأحرار وسراة الناس ولأن الرق يوجب الضغائن والأحقاد بسبب ما فات من
الحرية والاستقلال بالكسب والمنافع فربما بعثه ذلك على الكذب على المعين وإذايته
وذلك للخلائق يبعد القصد إليه في مجاري العادات قلت كلامه الأول صحيح مستقل
بالتعليل كما في المرأة بل أولى والثاني يحتمل أن يكون تعليلا مستقلا أيضا لعدم
قبول شهادة العبد ويحتمل أن يكون غير مستقل من جهة أن احتمال العداوة لم
هامش إدرار الشروق
أحدهما أن النفوس الأبية تأبى قهرها بالعبيد الأدنى كما تأباه بالنساء بل أولى
ويخف ذلك عليها بالأحرار وسراة الناس
الثاني أن في العبد تحقق العداوة بسبب ما فاته من الحرية والاستقلال بالكسب
والمنافع وليس في الحر إلا مجرد احتمال العداوة فربما بعث العبد رقه الموجب
للضغائن والأحقاد بسبب ما ذكر على الكذب على المعين وإذايته وذلك لعموم الخلائق
يبعد القصد إليه في مجاري العادات هذا وقد علمت مما مر أن الخبر ثلاثة أقسام أحدها
رواية محضة كالأحاديث النبوية ومنه الخبر المفتي لأنه ناقل عن الله تعالى لخلقه
كالراوي للسنة ولأنه وارث للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم في ذلك وقول النبي صلى
الله تعالى عليه وسلم يكفي فيه وحده فكذلك وارثه فلذا لم يعلم خلاف في أنه يكفي فيه
الواحد وظاهر كلام الأصحاب في الساعي أنه يكفي فيه الواحد أيضا لكونه في معنى
الحاكم
والثاني شهادة محضة كإخبار الشهود عن الحقوق على المعينين عند الحاكم والثالث سائر
أنواع الخبر لكن المقصود من هذا هنا ما اختلف الفقهاء والأصوليون في إعطائه حكم
الشهادة من اشتراط العدد أو حكم الرواية من الاكتفاء بالواحد نظرا لما فيه من شبه
كل منهما باعتبارين
____________________
(1/18)
ضعيف فإن قلت الفرق بينه وبين الشاهد أن القائف يختص بقبيلة
معينة وهم بنو مدلج فينصب الحاكم منهم من يراه أهلا لذلك فدخول نصب الحاكم لذلك
واجتهاده وتوسط نظره يبعد احتمال العداوة ويخفف الضغينة في قلب المحكوم عليه بخلاف
الشاهد فإن من تعينت عليه شهادة أداها وإن كان مجهولا عند الحاكم ويأتي من يزكيه
وينفذ الحكم ولا يتوسط نظر الحاكم فتقوى داعية العداوة وتنفر النفوس من سلطنة
المخبر عليها بالإلزام قلت هو فرق حسن وهو المستند لمعتقدي ترجيح شبه الرواية غير
أن الفرق قد رجح في النفس إضافة الحكم إلى المشترك دونه لقوته ألا ترى أن القائف
قد يقبل قوله من غير نصب الإمام لذلك الشخص كما قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم
قول مجزز المدلجي في نسب أسامة بن زيد ولم ينقل لنا أنه نصبه لذلك ولو وجد من
الناس أو من القبائل في عصر من الأعصار من يودعه الله تعالى تلك الخاصية التي
أودعها في بني مدلج قبل قوله أيضا
هامش أنوار البروق
يثبت علة في عدم قبول الشهادة في الحر ولقائل أن يقول إن بين الحر والعبد فرقا من
جهة أن في الحر مجرد احتمال العداوة وفي العبد تحقق سبب العداوة والله أعلم
قال شهاب الدين الخبر ثلاثة أقسام إلى قوله وله صور أحدها الإخبار عن رؤية هلال
رمضان ثم قال ما معناه إنه رواية من جهة أنه لا يختص بمعين وشهادة من جهة أنه خاص
بهذا العام وبهذا القرن قلت أما قوله إنه رواية فإن أراد أن حكمه حكم الرواية في
الاكتفاء فيه بالواحد عند من قال بذلك فصحيح وإن أراد أنه رواية حقيقة فذلك غير
صحيح لأنه لم يتقرر ذلك في إطلاق أحد فيما علمت
وأما قوله إنه شهادة فإن أراد أيضا أن حكمه حكم الشهادة عند بعض العلماء في اشتراط
العدد فذلك صحيح وإن أراد أنه شهادة حقيقة فليس كذلك لأنه قد تقرر أن لفظ الشهادة
إنما
هامش إدرار الشروق
وله صور أحدها القائف في إثبات الأنساب بالخلق قيل له حكم الرواية في الاكتفاء
بالواحد لما فيه من شبهها من جهة أنه منتصب انتصابا عاما للناس أجمعين وأنه يختص
بقبيلة معينة وهم بنو مدلج فينصب الحاكم منهم من يراه أهلا لذلك ودخول نصب الحاكم
لذلك واجتهاده وتوسط نظره يبعد احتمال العداوة ويخفف الضغينة في قلب المحكوم عليه
ولا يخفى أنه ضعيف لأنه مشترك بينه وبين الشاهد فإنه منتصب لكل من يتعين عليه
شهادة يؤديها عند الحاكم ولأنه قد يقبل قوله من غير نصب الإمام لذلك الشخص كما قبل
رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قول مجزز المدلجي في نسب أسامة بن زيد ولم
ينقل لنا أنه نصبه لذلك ولو وجد من الناس أو من القبائل من يودعه الله تعالى تلك
الخاصية التي أودعها في بني مدلج لقبل قوله أيضا والصحيح بلا خفاء القول بأنه من
نوع الشهادة يشترط فيه العدد لأنه يخبر أن زيدا ابن عمرو وليس ابن خالد وهو حكم
جزئي على شخص معين لا يتعداه إلى غيره ويتطرق إليه من الاحتمال الموجب للعداوة ما
يتطرق في فصل القضاء الدنيوي
وثانيها المترجم للفتاوى والخطوط قال مالك يكفي الواحد قيل لأن فيه شبه الرواية من
جهة أنه نصب نصبا عاما للناس أجمعين لا يختص نصبه بمعين وأن ترجمة ما ذكر إنما
تكون بنصب الحاكم
____________________
(1/19)
فعلمنا أن عند كثرة البحث والكشف تقوى شائبة الشهادة وهذا
البحث كله وهذا الترجيح إنما تمكنا منه عند معرفتنا بحقيقة الشهادة والرواية من
حيث هما ولو لم يحصل كلام المازري صعب علينا ذلك وانسد الباب وانحسم الفقه ورجعنا
إلى التقليد الصرف الذي لا يعقل معناه وثالثها المترجم للفتاوى والخطوط
قال مالك يكفي الواحد وقيل لا بد من اثنين ومنشأ الخلاف حصول الشبهين أما شبه
الرواية فلأنه نصب نصبا عاما للناس أجمعين لا يختص نصبه بمعين
وأما شبه الشهادة فلأنه يخبر عن معين من الفتاوى والخطوط لا يتعدى إخباره ذلك الخط
المعين أو الكلام المعين ويأتي السؤال بالفارق المتقدم والبحث بعينه في القائف
ورابعها المقوم للسلع وأروش الجنايات والسرقات والغصوب وغيرها
قال مالك يكفي الواحد في التقويم إلا أن يتعلق بالقيم حد كالسرقة فلا بد من اثنين
وروي لا بد من اثنين في كل موضع ومنشأ الخلاف
هامش أنوار البروق
يطلق حقيقة في عرف الفقهاء والأصوليين على الخبر الذي يقصد به أن يترتب عليه حكم
وفصل قضاء قلت والذي يقوى في النظر أن مسألة الهلال حكمها حكم الرواية في الاكتفاء
بالواحد وليست رواية حقيقة ولا شهادة أيضا وإنما هي من نوع آخر من أنواع الخبر وهو
الخبر عن وجود سبب من أسباب الأحكام الشرعية ولا خفاء في أنه لا يتطرق إليه من
الاحتمال الموجب للعداوة ما يتطرق في فصل القضاء الدنيوي
قال شهاب الدين وثانيها القائف فيه قولان قلت ذكر فيه شبه الشهادة ولا خفاء على ما
تقرر قبل في أنه من نوع الشهادة وذكر شبه الرواية وهو ضعيف لا خفاء به وذكر السؤال
الذي أورده وهو ضعيف أيضا وذكر الجواب عنه وهو صحيح لا ريب فيه
هامش إدرار الشروق
من يراه أهلا لذلك إلى آخر ما مر في القائف وقد علمت ضعفه
وقال بعض الأصحاب لا بد فيه من اثنين لأن فيه شبه الشهادة من جهة أنه يخبر عن معين
من الفتاوى والخطوط لا يتعدى إخباره ذلك الخط المعين أو الكلام المعين ولا خفاء في
ضعف هذا الشبه أيضا والصحيح فيه التفصيل وهو أن الترجمة تابعة لما هي ترجمة عنه
فإن كان من نوع الرواية فحكمه حكمها وإن كان من نوع الشهادة فكذلك وثالثها المقوم
للسلع وأروش الجنايات والسرقات والغصوب وغيرها
قال مالك يكفي الواحد في التقويم إلا أن يتعلق بالقيم حد كالسرقة فلا بد من اثنين
قيل لما فيه من شبه الرواية لأنه متصد لما لا يتناهى كما تقدم في المترجم والقائف
وقد قدمنا تضعيفه ومن شبه الحكم لأن حكمه ينفذ في القيمة والحاكم ينفذه وهو وإن
كان أظهر من شبه الرواية إلا أنه ضعيف أيضا ولما فيه من شبه الشهادة لأنه إلزام
لمعين وهو ظاهر فيراعى فيه شبها الرواية والحكم ما لا يتعلق بإخباره حد فيتعين
مراعاة الشهادة لقوة ما يفضي إليه هذا الإخبار وينبني عليه من إباحة عضو آدمي
معصوم وروي ولا بد في التقويم من اثنين في كل موضع وذلك لأنه من نوع الشهادة على
الصحيح لترتب فصل القضاء بإلزام ذلك القدر المعين من العوض عليه والله أعلم
____________________
(1/20)
حصول ثلاثة أشباه شبه الشهادة لأنه إلزام لمعين وهو ظاهر
وشبه الرواية لأن المقوم متصد لما لا يتناهى كما تقدم في المترجم والقائف وهو ضعيف
لأن الشاهد كذلك وشبه الحاكم لأن حكمه ينفذ في القيمة والحاكم ينفذه وهو أظهر من
شبه الرواية فإن تعلق بإخباره حد تعين مراعاة الشهادة لوجهين أحدهما قوة ما يفضي
إليه هذا الإخبار وينبني عليه من إباحة عضو آدمي معصوم وثانيهما أن الخلاف في كونه
رواية أو شهادة شبهة يدرأ بها الحد وخامسها القاسم قال مالك يكفي الواحد والأحسن
اثنان
وقال أبو إسحاق التونسي لا بد من اثنين وللشافعية في ذلك قولان ومنشأ الخلاف شبه
الحكم أو الرواية أو الشهادة والأظهر شبه الحكم لأن الحاكم استنابه في ذلك وهو
المشهور عندنا وعند الشافعية أيضا وسادسها إذا أخبره عدل بعدد ما صلى هل يكتفى فيه
بالواحد أم لا بد من اثنين وشبه الحاكم هنا منتف فإن قضايا الحاكم لا تدخل في
العبادات بل شبه الرواية
هامش أنوار البروق
قال شهاب الدين وثالثها المترجم قلت لم يحرر الكلام في هذا الضرب فإنه أطلق القول
فيه والصحيح التفصيل وهو أن الترجمة تابعة لما هي ترجمة عنه فإن كان من نوع
الرواية فحكمه حكمها وإن كان من نوع الشهادة فكذلك وهذا واضح بناء على ما تقرر قبل
وما ذكر فيه من شبه الرواية لنصبه نصبا عاما فضعيف وكذلك ما ذكره من شبه الشهادة
بكونه يخبر عن معين من الفتاوى والخطوط وما ذكره من ورود السؤال والبحث فيه كما في
القائف صحيح
قال شهاب الدين ورابعها المقوم ذكر فيه شبه الرواية وهو ضعيف كما قال وشبه الحكم
وهو ضعيف أيضا والصحيح أنه من نوع الشهادة لترتب فصل القضاء بإلزام ذلك القدر
المعين من العوض عليه وما ذكره من كون الخلاف في كونه رواية أو شهادة فشبهة يدرأ
بها الحد ضعيف من
هامش إدرار الشروق
ورابعها القاسم قال مالك يكفي الواحد والأحسن اثنان وقال أبو إسحاق التونسي لا بد
من اثنين ومثله قول ابن القاسم لا يقبل قول القاسم لأنه شاهد وللشافعية في ذلك
قولان ومنشأ ذلك حصول شبه الحكم لأن الحاكم استنابه في ذلك فيكفي الواحد وهو
المشهور عندنا وعند الشافعية أيضا أو شبه التقويم قد تقدم أن تقويم المقوم من نوع
الشهادة على الصحيح وعليه فيشترط العدد وفي معنى القاسم الخارص وإن أطلق الأصحاب
القول بأنه يكفي فيه الواحد
وخامسها مخبر المصلي بعدد ما صلى هل يكتفى فيه بالواحد أم لا بد فيه من اثنين
والأظهر الأول لأنه من سائر أنواع الخبر وشبهه بالرواية ظاهر نعم يمكن أن يقال ليس
للمكلف أن يخرج عن عهدة ما كلف به إلا بتعيين فلا يكفي الواحد إلا مع قرائن توجب
القطع وكذلك في الاثنين فما فوقهما لكن نقول طلب اليقين في كل موطن مما يشق ويحرج
والحرج مرفوع شرعا وفي ذلك نظر وفي معنى مخبر المصلي المخبر عن نجاسة الماء وإن
أطلق الأصحاب أنه يكفي فيه الواحد فافهم
وسادسها الإخبار عن رؤية هلال رمضان قيل له حكم الشهادة فيشترط فيه اثنان لما فيه
من شبهها من جهة أنه حكم يختص بهذا العام دون ما قبله وما بعده وبهذا القرن من
الناس دون القرون الماضية
____________________
(1/21)
أو الشهادة
أما الرواية فلأنه لم يخبره عن إلزام حكم لمخلوق عليه بل الحق لله تعالى فأشبه
إخباره عن السنن والشرائع وأما شبه الشهادة فلأنه إلزام لمعين لا يتعداه وهو
الأظهر وسابعها أطلق الأصحاب القول في المخبر عن نجاسة الماء أنه يكفي فيه الواحد
وكذلك الخارص وقال مالك يقبل قول القاسم بين اثنين
وقال ابن القاسم لا يقبل قول القاسم لأنه شاهد على فعل نفسه ويقلد المؤذن الواحد
في الإخبار عن الوقت وكذلك الملاح ومن صناعته في الصحراء في الإخبار عن القبلة إذا
كان عدلا يغلب في هذه الفروع شبه الرواية أما المخبر عن النجاسة فلشبهه بالمفتي
والمفتي لم أعلم فيه خلافا أنه يكفي فيه الواحد لأنه ناقل عن الله تعالى لخلقه
كالراوي للسنة ولأنه وارث للنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وقول النبي صلى الله
عليه وسلم يكفي وحده وكذلك وارثه فالمخبر عن النجاسة أو الصلاة كذلك مبلغ عن النبي
صلى الله عليه وسلم غير أن هاهنا فرقا وهو أن المفتي لا يخبر عن وقوع السبب الموجب
للحكم
هامش أنوار البروق
جهة أنه لو فرض أن سارقا ثبتت سرقته لما قومه عدلان عارفان بربع دينار فلا شك أن
الخلاف في مثل هذا الفرض مرتفع والحد لازم مع أن احتمال كون المقوم كالراوي أو
كالشاهد في هذا الفرض قائم
قال شهاب الدين وخامسها القاسم وذكر فيه أن منشأ الخلاف شبه الحكم أو الرواية قلت
ليس ذلك عندي بصحيح بل منشأ الخلاف شبه الحكم أو التقويم وقد تقدم أن الصحيح أنه
من نوع الشهادة فمن نظر إلى أن القسم من نوع الحكم اكتفى بالواحد ومن نظر إلى أنه
من نوع التقويم وبنى على الأصح اشترط العدد والله أعلم
قال شهاب الدين وسادسها مخبر المصلي بعدد ما صلى قلت ذكر أن شبه الحكم فيه منتف
وذلك صحيح وذكر شبه الرواية وهو محتمل وذكر شبه الشهادة وقال إنه الأظهر وليس ما
قاله بصحيح بل الأظهر أنه ليس من نوع الرواية ولا من نوع
هامش إدرار الشروق
والآتية والذي يقوى في النظر أن له حكم الرواية في الاكتفاء بالواحد لأنه وإن لم
يكن رواية حقيقية لعدم تعريف دليل حكم شرعي به ولا شهادة حقيقة لعدم ترتب حكم وفصل
قضاء عليه وإنما هو نوع آخر من أنواع الخبر وهو الخبر عن وجود سبب من أسباب
الأحكام الشرعية إلا أنه لا خفاء في أنه لا يتطرق إليه من الاحتمال الموجب للعداوة
ما يتطرق في فصل القضاء الدنيوي مع عدم الاختصاص بمعين لعموم الحكم فيه جميع الحضر
أو أهل الآفاق على الخلاف في أنه هل يشترط في كل قوم رؤيتهم أو لا
وسابعها المؤذن يخبر عن الوقت والملاح ومن صناعته في الصحراء يخبر كل منهما عن
القبلة هل يكفي في ذلك واحد عدل أو لا بد من اثنين
والأول هو الأصح نقلا ونظرا لأنه ظاهر المذهب ولأن الخبر عن الوقت وعن القبلة وإن
كان خبرا عن وقوع سبب الصلاة إلا أنه لا يتطرق إليه من احتمال قصد العدو إلزام
عدوه ما لا يلزمه والتشفي منه بذلك ما يتطرق إلى خبر المخبر عن وقوع سبب الملك من
البيع والهبة وغيرهما حتى يكون في معنى الشهادة لا يقبل فيه إلا اثنان لا يقال قد
يفرق بين المؤذن والمخبر عن القبلة بأن الثاني مخبر بحكم متأبد فإن نصب جهة الكعبة
المعظمة قياما للناس أمر عام في جميع الأعصار والأمصار لا يختلف بخلاف المؤذن لا
يتعدى حكمه وإخباره ذلك الوقت فيكون الأول أشبه بالرواية من الثاني لأنا نقول لا
يصلح ما ذكر فارقا بل الحق أن كل واحد منهما لا يخلو إما أن
____________________
(1/22)
بل عن الحكم من حيث هو حكم الذي يعم الخلائق إلى يوم
القيامة والمخبر عن النجاسة أو الصلاة مخبر عن وقوع سبب جزئي في شخص جزئي
وهذا شبه شديد بالشهادة أمكن ملاحظته وكذلك الخارص إن جعل حاكما يتجه لا راويا
والحاكم يكفي فيه الواحد وهو ظاهر كلام الأصحاب فيه وفي الساعي أن تصرفهما تصرف
الحاكم والقاسم أيضا كذلك إن استنابه الحاكم فشائبة الحاكم ظاهرة وإن انتدبه
الشريكان أمكن أن يقال إنه من باب التحكيم والمؤذن مخبر عن وقوع السبب وهو أوقات
الصلوات فإنها أسبابها فأشبه المخبر عن وقوع سبب الملك من البيع والهبة وغيرهما
فمن هذا الوجه فارق المفتي
وكان ينبغي أن لا يقبل إلا اثنان ويغلب شائبة الشهادة لأنها إخبار عن سبب جزئي في
وقت جزئي غير أني لم أره مشترطا وهو حجة حسنة للشافعية في الاكتفاء في هلال رمضان
هامش أنوار البروق
الشهادة ولكنه من سائر أنواع الخبر وشبهه بالرواية ظاهر غير أنه لقائل أن يقول ليس
للمكلف أن يخرج عن عهدة ما كلف به إلا بيقين فلا يكفي الواحد إلا مع قرائن توجب
القطع وكذلك في الاثنين وما فوقهما ونقول طلب اليقين في كل موطن مما يشق ويحرج
والحرج مرفوع شرعا وفي ذلك نظر
قال شهاب الدين وسابعها المخبر عن نجاسة الماء والخارص وذكر إطلاق الأصحاب أنه
يكفي فيهما الواحد قال وقال مالك يقبل قول القاسم بين اثنين وقال ابن القاسم لا
يقبل قلت قد تقدم القول في القاسم وأما المخبر عن نجاسة الماء والخارص فالأولى
الفرق بينهما من جهة أن الخارص في معنى القاسم والمخبر عن نجاسة الماء في معنى
مخبر المصلي
قال شهاب الدين أو يقلد المؤذن الواحد والملاح ومن صناعته في الصحراء في الإخبار
عن القبلة يغلب في هذه الفروع شبه الرواية قلت ما ذكره من أنه يغلب في هذه الفروع
شبه الرواية كان الأولى أن يفرق بين المخبر عن نجاسة الماء والخارص وبين المؤذن
والمخبر عن القبلة وقد تقدم القول في الأولين وأما الأخيران فشبه الرواية فيهما
ظاهر كما قال
هامش إدرار الشروق
يخبر عن مشاهدة أو اجتهاد فإن أخبر عن مشاهدة فلا فرق وإن أخبر عن اجتهاد فالفرق
في ذلك مبني على جواز تقليد المجتهد في الوقت وفي القبلة أو عدم جوازه فيهما أو
جوازه في أحدهما دون الآخر والأصح نقلا ونظرا جوازه فيهما وهنا إشكالان على
المالكية أحدهما الإجماع على اختصاص أوقات الصلاة بأقطارها ولم يجعل المالكية
والحنفية والحنابلة لكل قوم رؤيتهم هلال رمضان كما قاله الشافعية بل عمموا رؤيته
في قطر جميع أهل الأرض مع أن الجميع يختلف باختلاف الأقطار عند علماء هذا الشأن
فقد يطلع الهلال في بلد دون غيره بسبب البعد عن المشرق والقرب منه فإن البلد
الأقرب إلى المشرق هو بصدد أن لا يرى فيه الهلال ويرى في البلد الغربي بسبب مزيد
السير الموجب لتخلص الهلال من شعاع الشمس وذلك أن البلد المشرقية إذا كان الهلال
فيها في الشعاع وبقيت الشمس تتحرك مع القمر إلى الجهة الغربية فما تصل الشمس إلى
أفق المغرب إلا وقد خرج الهلال من الشعاع فيراه أهل المغرب ولا يراه أهل المشرق
هذا أحد أسباب اختلاف رؤية الهلال وله
____________________
(1/23)
بالواحد فإنها إخبار عن سبب جزئي في وقت جزئي يعمان أهل
البلد والأذان لا يعم أهل الأقطار بل لكل قوم زوالهم وفجرهم وغروبهم وهو أولى
باعتبار شائبة الشهادة بخلاف هلال رمضان عممه المالكية والحنفية في جميع أهل الأرض
ولم يجعلوا لكل قوم رؤيتهم كما قاله الشافعية فالمخبر عن رؤية الهلال على قاعدة المالكية
أشبه بالرواية من المؤذن فينبغي أن يقبل الواحد قياسا على المؤذن بطريق الأولى
لتوفر العموم في الهلال وهنا سؤالان مشكلان على المالكية أحدهما التفرقة بين
المؤذن يقبل فيه الواحد وبين المخبر عن هلال رمضان لا يقبل فيه الواحد
وقد تقدم تقريره وثانيهما حصول الإجماع في أوقات الصلوات على أنها مختصة بأقطارها
بخلاف الأهلة مع أن الجميع يختلف باختلاف الأقطار عند العلماء بهذا الشأن فقد يطلع
الهلال في بلد دون غيره بسبب البعد عن المشرق
هامش أنوار البروق
شهاب الدين أما المخبر عن النجاسة فلشبهه بالمفتي إلى قوله وكذلك وارثه قلت ما
ذكره في هذا الفصل ظاهر صحيح غير ما ذكره من شبه المخبر عن النجاسة بالمفتي وقد
عطف بعد ذلك على ذكر الفرق فقال غير أن هاهنا فرقا وهو أن المفتي لا يخبر عن وقوع
السبب الموجب للحكم بل عن الحكم والمخبر عن النجاسة أو الصلاة مخبر عن وقوع سبب
جزئي في شخص جزئي وهذا شبه شديد بالشهادة أمكن ملاحظته قلت إضرابه عن مراعاة قيد
فصل القضاء في الشهادة أوقعه في اعتقاد قوة الشبه هنا بالشهادة وقد تقدم في مخبر
المصلي أن الأظهر شبه الرواية بخلاف ما اختاره
قال شهاب الدين وكذلك الخارص إن جعل حاكما يتجه لا راويا والحاكم يكفي فيه الواحد
وهو ظاهر كلام الأصحاب فيه وفي الساعي أن تصرفهما تصرف الحاكم والقاسم أيضا كذلك
إن استنابه الحاكم فشائبة الحاكم ظاهرة وإن انتدبه الشريكان أمكن أن يقال إنه من
باب التحكيم
هامش إدرار الشروق
أسباب أخر مذكورة في علم الهيئة لا يليق ذكرها هنا ولهذا ما من زوال لقوم إلا وهو
غروب لقوم وطلوع لقوم ونصف الليل لقوم وكل درجة تكون الشمس فيها فهي متضمنة لجميع
أوقات الليل والنهار لأقطار مختلفة فإذا قاست الشافعية الهلال على أوقات الصلاة
اتجه القياس وعسر الفرق على المالكية والحنفية والحنابلة ولا ينفع في دفعه أن الأذان
عدل به عن صيغة الخبر إلى صيغة العلامة على الوقت فكما كفى ميل واحد للظل وزيادة
واحدة له وآلة واحدة من آلات الأوقات كالاصطرلاب والميزان لأن ذلك علامة مفيدة
كذلك الأذان يكفي فيه الواحد لأنه علامة لوجهين أحدهما أن دلالة ميل الظل وزيادته
على دخول الوقت قطعية ودلالة الأذان غير قطعية ولا خفاء في أن ما دلالته قطعية لا
حاجة فيه إلى الاستظهار بخلاف ما دلالته غير قطعية
وثانيهما أن دلالة الأذان بجملته دلالة عرفية شرعية بالمطابقة لأنه لذلك وضعه
الشارع مع أن كل جزء من أجزائه دال على مقتضاه دلالة لغوية بالمطابقة أيضا ومعنى
حي على الصلاة وكذا حي على الفلاح في اللغة بالمطابقة أقبلوا إليها وهو يدل
التزاما على دخول وقتها فيكون تقليد المؤذن في دخول الوقت إذا أذن كتقليده على
ظاهر المذهب وصحيح النظر إذا قال لنا من غير أذان طلع الفجر وهو خبر صرف فافهم نعم
قال ابن الشاط لقائل أن يقول إنما ثبت في ظاهر المذهب وصحيح النظر تقليد المؤذن في
دخول
____________________
(1/24)
والقرب منه فإن البلد الأقرب إلى المشرق هو بصدد أن لا يرى
فيه الهلال ويرى في البلد الغربي بسبب مزيد السير الموجب لتخلص الهلال من شعاع
الشمس فقد لا يتخلص في البلد الشرقي فإذا كثر سيره ووصل إلى الآفاق الغربية تخلص
فيه فيرى الهلال في المغرب دون المشرق وهذا مبسوط في كتب هذا العلم ولهذا ما من
زوال لقوم إلا وهو غروب لقوم وطلوع الشمس عند قوم ونصف الليل عند قوم وكل درجة
تكون الشمس فيها فهي متضمنة لجميع أوقات الليل والنهار لأقطار مختلفة فإذا قاست
الشافعية الهلال على أوقات الصلوات اتجه القياس وعسر الفرق وهو مشكل والحق أنه
يعتبر لكل قوم رؤيتهم وهلالهم كما يعتبر لكل قوم فجرهم وزوالهم فإن قلت الجواب عن
الأول أن المعاني الكلية قد يستثنى منها بعض أفرادها بالسمع وقد ورد الحديث الصحيح
بقوله عليه السلام إذا شهد عدلان فصوموا وأفطروا وانسكوا فاشترط عدلين في وجوب
الصوم ومع
هامش أنوار البروق
قلت قد تقدم أن الأظهر أن القسم متردد بين أن يكون من نوع الحكم ومن نوع التقويم
والخرص في معناه وأما الساعي فهو في معنى الحاكم
قال شهاب الدين والمؤذن مخبر عن وقوع السبب وهو أوقات الصلوات فإنها أسبابها فأشبه
المخبر عن وقوع سبب الملك من البيع والهبة وغيرهما فمن هذا الوجه فارق المفتي وكان
ينبغي أن لا يقبل إلا اثنان ويغلب شائبة الشهادة لأنها إخبار عن سبب جزئي في وقت
جزئي غير أني لم أره مشترطا قلت إضرابه عن مراعاة قيد فصل القضاء حمله على تسويته
بين الخبر عن وقوع سبب الصلاة وما في معناها وبين الخبر عن وقوع سبب البيع وما في
معناه ولا خفاء بالفرق فإن الأول لا يتطرق
هامش إدرار الشروق
الوقت إذا أذن أما إذا أخبر بدخوله من غير أذان فالصحيح عندي ههنا أن لا تقليد لأن
الشرع نصب دليلا معينا فلا يتعدى ما نصب ا ه
فتأمل قلت لكن يؤخذ دفع هذا الإشكال من قول العلامة ابن رشد الحفيد في بداية
المجتهد وإذا قلنا إن الرؤية تثبت بالخبر في حق من لم يره فهل يتعدى ذلك من بلد
إلى بلد بأن يجب على أهل بلد لم يروه أن يأخذوا في ذلك برؤية بلد آخر وهو ما رواه
ابن القاسم والمصريون عن مالك أم لكل بلد رؤية إلا أن يكون الإمام يحمل الناس على
ذلك وهو ما رواه المدنيون عنه وبه قال ابن الماجشون والمغيرة من أصحاب مالك
وأجمعوا على أنه لا يراعى ذلك في البلدان النائية كالأندلس والحجاز وسبب هذا الخلاف
تعارض الأثر والنظر فروى مسلم عن كريب أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية
بالشام فقال قدمت الشام فقضيت حاجتها واستهل علي رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال
ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس ثم ذكر الهلال
فقال متى رأيتم الهلال فقلت رأيته ليلة الجمعة فقال أنت رأيته فقلت نعم ورآه الناس
وصاموا وصام معاوية قال لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين
يوما أو نراه فقلت ألا تكتفي برؤية معاوية فقال لا هكذا أمرنا النبي صلى الله
تعالى عليه وسلم فظاهر هذا الأثر يقتضي أن لكل بلد رؤيته قرب أو بعد والنظر يعطي
الفرق بين البلاد النائية كالأندلس والحجاز لا يجب أن يحمل بعضها على بعض لاختلاف
مطالعها اختلافا كثيرا وبخاصة ما كان نأيه
____________________
(1/25)
تصريح صاحب الشرع باشتراط عدلين لا يلزمنا بالعدل الواحد
شيء ولا يسمع الاستدلال بالمناسبات في إبطال النصوص الصريحة وعن الثاني أن الأذان
عدل به عن صيغة الخبر إلى صفة العلامة على الوقت
ولذلك كان المؤذن لا يقول دخل وقت الصلاة بل يقول كلمات أخر جعلها صاحب الشرع
علامة ودليلا على دخول الوقت فأشبهت ميل الظل وزيادته من دلالتهما على دخول الوقت
فكما لا يشترط ميلان في الظل ولا زيادتان لا يشترط عدلان ولا مؤذنان وكذلك آلة
واحدة من آلات الأوقات تكفي ولا يقول أحد إنه يشترط أسطرلابان ولا ميزانان للشمس
لأن ذلك علامة مفيدة وكذلك الأذان يكفي فيه الواحد لأنه علامة قلت هذا بحث حسن غير
أن الجواب عن الأول أنه يدل بمفهومه لا بمنطوقه فإن منطوقه أن الشاهدين يجب عندهما
ومفهومه أن أحدهما لا يكفي من جهة مفهوم الشرط وإذا كان الاستدلال به إنما هو من
جهة المفهوم فنقول القياس الجلي
هامش أنوار البروق
إليه من احتمال قصد العدو إلزام عدوه ما لا يلزمه والتشفي منه بذلك ما يتطرق إلى
الثاني فالصحيح أن الأول في معنى الرواية والثاني من نوع الشهادة
قال شهاب الدين وهو حجة حسنة للشافعية إلى قوله والحق أنه يعتبر لكل قوم رؤيتهم
وهلالهم كما يعتبر لكل قوم فجرهم وزوالهم قلت جميع ما ذكره في هذا الفصل مبني على
مقتضى علم آخر فإن صح في ذلك العلم ما ذكره من استواء الأمر في الأهلة والأوقات
فما بني عليه من استواء الحكم صحيح وإلا فلا
قال شهاب الدين فإن قلت الجواب عن الأول إلى قوله ولم يظهر التفاوت فيها بين
القريب والبعيد قلت من مضمن هذا الفصل موافقته لمورد السؤال على استواء الأذان
وميل الظل وزيادته في
هامش إدرار الشروق
العرض كثيرا وبين القريبة يجب أن يحمل بعضها على بعض لأنها في قياس الأفق الواحد
إذا لم تختلف مطالعها كل الاختلاف
ا ه بتلخيص وتصرف وذلك أنه يفيد أن المالكية لم يعمموا رؤية الهلال في قطر جميع
أهل الأرض كما زعم المعترض بل أجمعوا على أن رؤيته في قطر كالحجاز لا توجب حكما
على من لم يره بقطر ناء عن الحجاز كالأندلس لاختلاف المطلعين اختلافا كثيرا بحيث
يكون الغروب في الحجاز زوالا في الأندلس أو نحو ذلك وإنما روى ابن القاسم
والمصريون عن مالك وجوب الحكم برؤيته في الحجاز على من لم يره بقطر غير ناء
كالمدينة ومصر بحيث لا يخالف مطلعه مطلع الحجاز كثيرا بل بنحو الدرجة والدرجتين
وعدم اعتبار هذا الاختلاف اليسير في وجوب الصوم واعتباره في وجوب الصلاة نظرا لكون
اعتباره في وجوب الصلاة يؤدي للصلاة قبل الوقت بخلافه في وجوب الصوم فتأمل بإنصاف
بل قد استدل السادة الحنابلة على قولهم بأن رؤية الهلال بمكان قريبا كان أو بعيدا
إذا ثبتت لزم الناس كلهم الصوم وأن حكم من لم يره حكم من رآه ولو اختلفت المطالع
نصا قال أحمد الزوال في الدنيا واحد بقوله صلى الله تعالى عليه وسلم صوموا لرؤيته
وهو خطاب للأمة كافة وبأن الشهر في الحقيقة ما بين الهلالين
وقد ثبت أن هذا اليوم منه في جميع الأحكام فكذا الصوم ولو فرض الخطاب في الخبر
للذين رأوه فالغرض
____________________
(1/26)
مقدم على منطوق اللفظ على أحد القولين لمالك وغيره من
العلماء فينبغي أن يقدم على المفهوم قولا واحدا لأن القاضي أبا بكر وغيره يقول
المفهوم ليس بحجة مطلقا
وهو ضعيف جدا فلا يندفع به القياس الجلي وعن الثاني بأنه يشكل بما إذا قال لنا
المؤذن من غير أذان طلع الفجر فإنا نقلده وهو خبر صرف مع أن قوله في الأذان حي على
الصلاة معناه أقبلوا إليها فهو يدل بالالتزام على دخول وقتها وكذلك حي على الفلاح
وأما المخبر بالقبلة فليس مخبرا عن وقوع سبب بل عن حكم متأبد فإن نصب جهة الكعبة
المعظمة قياما للناس أمر عام في جميع الأعصار والأمصار لا يختلف بخلاف المؤذن لا
يتعدى حكمه وإخباره ذلك الوقت فالمخبر عن القبلة أشبه بالرواية من المؤذن فتأمل
هذه الفروق وهذه الترجيحات فهي حسنة وكلها إنما ظهرت بعد معرفة حقيقة الشهادة
والرواية فلو خفيتا ذهبت هذه المباحث جملتها ولم يظهر التفاوت بين القريب منها
هامش أنوار البروق
الدلالة على دخول الوقت والفرق بينهما ظاهر لأن ميل الظل دلالته قطعية والأذان دلالته
غير قطعية ولا خفاء بأن ما دلالته قطعية لا حاجة فيه إلى الاستظهار بخلاف ما
دلالته غير قطعية ومن مضمنه جوابه عن الجواب الأول بأنه يدل بمفهومه لا بمنطوقه
وما قاله في هذا الجواب صحيح ومن مضمنه جوابه عن الجواب الثاني بأنه يشكل بما إذا
قال لنا المؤذن من غير أذان طلع الفجر فإنا نقلده وهو خبر صرف قلت قوله فإنا نقلده
إن أراد إنا نقلده باتفاق فذلك ليس بصحيح فإن الخلاف في التقليد في الأوقات معروف
وإن أراد فإنا نقلده على ظاهر المذهب وهو الأصح فذلك صحيح ولقائل أن يقول إنما ثبت
في ظاهر المذهب وصحيح النظر تقليد المؤذن في دخول الوقت إذا أذن لا إذا أخبر
بدخوله من غير أذان والأصح عندي هاهنا أن لا تقليد لأن الشرع نصب دليلا معينا فلا
يتعدى ما نصب والله أعلم
ومن مضمنه قوله أن قول المؤذن حي على الصلاة يدل بالالتزام على
هامش إدرار الشروق
حاصل لأن من صور المسألة وفوائدها ما إذا رآه جماعة ببلد ثم سافروا إلى بلد بعيد
فلم ير الهلال به في آخر الشهر مع غيم أو صحو فلا يحل لهم الفطر ولا لأهل ذلك
البلد عن المخالف وعن صورها ما إذا رآه جماعة ثم سارت بهم ريح في سفينة فوصلوا إلى
بلد بعيد في آخر الليل لم يلزمهم الصوم في أول الشهر ولم يحل لهم الفطر في آخره
عندهم وهذا كله مصادم لقوله عليه الصلاة والسلام صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته
وأجابوا عن خبر كريب المذكور بأنه دل على أنهم لا يفطرون بقول كريب وحده ونحن نقول
به وإنما الخلاف في وجوب قضاء اليوم الأول وليس هو في الحديث قالوا
وأجاب القاضي عن قول المخالف الهلال يجري مجرى طلوع الشمس وغروبها وقد ثبت أن لكل
بلد حكم نفسه فكذا الهلال بأن الشمس تتكرر مراعاتها في كل يوم فيؤدي قضاء العبادات
إلى كبير المشقة والهلال في السنة مرة فليس في قضاء يوم كبير مشقة ودليل المسألة
من العموم يقتضي التسوية كذا في كشاف القناع شرح الإقناع مع المتن بتصرف والله
أعلم
الإشكال الثاني التفرقة بين المؤذن يقبل فيه الواحد وبين المخبر عن هلال رمضان لا
يقبل فيه الواحد مع أن المخبر عن رؤية الهلال على قاعدة المالكية من عموم رؤيته في
قطر جميع أهل الأرض خبره أشبه بالرواية من المؤذن فكان ينبغي أن يقبل الواحد قياسا
على المؤذن بطريق الأولى ولا ينفع في دفعه أن المعاني
____________________
(1/27)
للقواعد والبعيد وثامنها المخبر عن قدم العيب أو حدوثه في
السلع عند التحاكم في الرد بالعيب أطلق الأصحاب القول فيه أنه شهادة وأنه يشترط
فيه العدد لأنه حكم جزئي على شخص معين لشخص معين وأنه متجه غير أن ذلك يعكر على
قولهم أنه إذا لم يوجد المسلمون قبل فيه أهل الذمة من الأطباء ونحوهم قاله القاضي
أبو الوليد وغيره قالوا لأن هذا طريقه الخبر فيما ينفردون بعلمه
وهذا مشكل من وجهين أحدهما أن الكفار لا مدخل لهم في الشهادة على أصولنا خلافا
لأبي حنيفة في الوصية في السفر وشهادة بعضهم على بعض وكذلك لا مدخل لهم في الرواية
فكيف يصرحون بالشهادة مع قبول الكفرة فيها وثانيهما أن قولهم إن هذا أمر ينفردون
بعلمه لا عذر فيه حاصل فإن كل شاهد إنما يخبر عما علمه مع إمكان مشاركة غيره له
فيه وهؤلاء الكفار يعلمون هذه الأمراض مع إمكان مشاركة غيرهم معهم في العلم بذلك
فما أدري وجه المناسبة بين قبول قولهم وبين هذا
هامش أنوار البروق
دخول الوقت قلت ذلك صحيح لكنه أغفل دلالة الأذان بجملته على دخول الوقت وهي دلالة
عرفية للشرع بالمطابقة لأنه لذلك وضعه الشارع مع أن كل جزء من أجزائه دال على
مقتضاه دلالة لغوية بالمطابقة أيضا ومن مضمنه قوله إن المخبر عن القبلة مخبر عن
حكم متأبد وأنه أشبه بالرواية من المؤذن قلت لقائل أن يقول الفرق بينهما أن كل
واحد منهما لا يخلو إما أن يخبر عن مشاهدة أو اجتهاد فإن أخبر عن مشاهدة فلا فرق
وما ذكر من الفرق بأن المخبر عن القبلة مخبر بحكم متأبد بخلاف المؤذن فإنه مخبر
بحكم غير متأبد لا يصلح فارقا وإن أخبر عن اجتهاد فالفرق في ذلك مبني على جواز
تقليد المجتهد في القبلة وفي الوقت أو عدم جوازه أو جوازه في أحدهما دون الآخر والأصح
نقلا ونظرا جوازه فيهما والله أعلم
هامش إدرار الشروق
الكلية قد يستثنى منها بعض أفرادها بالسمع
وقد ورد الحديث الصحيح بقوله عليه الصلاة والسلام إذا شهد عدلان فصوموا وأفطروا
وانسكوا فاشترط عدلين في وجوب الصوم ومع تصريح صاحب الشرع باشتراط عدلين لا يلزمنا
بالعدل الواحد شيء ولا يسمع الاستدلال بالمناسبات في إبطال النصوص الصريحة لأنا لا
نسلم أن الحديث المذكور يدل بمنطوقه على اشتراط العدلين في وجوب الصوم إنما يدل
بمفهومه فإن منطوقه أن الشاهدين يجب عندهما ما ذكر ومفهومه من جهة الشرط أن أحدهما
لا يكفي والقياس الجلي مقدم على منطوق اللفظ في أحد القولين لمالك وغيره من
العلماء فينبغي أن يقدم على المفهوم قولا واحدا لأن القاضي أبا بكر وغيره يقول
المفهوم ليس بحجة مطلقا وهو ضعيف جدا فلا يندفع به القياس الجلي وثامنها المخبر عن
قدم العيب أو حدوثه في السلع عند التحاكم في الرد بالعيب أطلق الأصحاب القول فيه
أنه شهادة وأنه يشترط فيه العدد لأنه حكم جزئي على شخص لشخص معين وهو متجه إلا أنه
يعكر على قولهم أنه إذا لم يوجد المسلمون قبل فيه أهل الذمة من الأطباء ونحوهم
قاله القاضي أبو الوليد وغيره ونص خليل وقبل للتعذر غير عدول وإن مشركين ا ه
قالوا ويكفي الواحد لأن هذا طريقه الخبر فيما ينفردون بعلمه إذ كيف يصرحون
بالشهادة مع قبول الكفرة فيها والكفار لا مدخل لهم فيها على أصولنا خلافا لأبي
حنيفة في الوصية في السفر وشهادة بعضهم على بعض بل لا مدخل لهم في الرواية أيضا
ولا
____________________
(1/28)
المعنى مع أن كل شاهد كذلك فتأمل ذلك وتاسعها قال ابن
القصار قال مالك يجوز تقليد الصبي والأنثى والكافر الواحد في الهدية والاستئذان مع
أنه إخبار يتعلق بجزئي في الهدية والمهدي والمهدى إليه فهو على خلاف القواعد ووقع
هذا الفرع عند الشافعية وخرجوه بأن المعتمد في هذه الصور ليس هذه الإخبارات
بمجردها بل هي مع ما يحتف بها من القرائن ولربما وصلت إلى حد القطع وهذه إشارة
منهم إلى أنه من باب الشهادة غير أنه استثني منها لوجود القرائن التي تنوب مناب
العدول مع عموم البلوى في ذلك ودعوى الضرورة إليه فلو كان أحدنا لا يدخل بيت صديقه
حتى يأتي بعدلين يشهدان له بإذنه له في ذلك أو لا يبعث بهديته إلا مع عدلين لشق
ذلك على الناس ولا غرو في الاستثناء من القواعد لأجل الضرورات وعاشرها نقل ابن حزم
في مراتب الإجماع له
هامش أنوار البروق
قال شهاب الدين وثامنها المخبر عن قدم العيب أو حدوثه إلى قوله فتأمل ذلك
قلت ما حكاه عن الأصحاب من أنه شهادة صحيح وما استشكل من قبول بعضهم أهل الذمة
مشكل كما
قال شهاب الدين وتاسعها قال ابن القصار قال مالك يجوز تقليد الصبي والأنثى والكافر
في الهدية والاستئذان مع أنه إخبار يتعلق بجزئي إلى قوله لأجل الضرورات قلت ليس
هذا من نوع الشهادة لأنه لا يقصد به فصل قضاء فهو في حكم الرواية وجوز فيه ما لا
يجوز في الرواية من قبول خبر الصبي والكافر لإلجاء الضرورة إلى ذلك من جهة لزوم
المشقة على تقدير عدم التجويز مع ندور الخلو عن قرائن تحصل الظن
قال شهاب الدين وعاشرها نقل ابن حزم في مراتب الإجماع له إجماع الأمة على قبول قول
المرأة في إهداء الزوجة لزوجها ليلة العرس إلى آخر الفصل
هامش إدرار الشروق
نسلم حصول العذر بقولهم إن هذا أمر ينفردون بعلمه فإن هؤلاء الكفار يعلمون هذه
الأمراض مع إمكان مشاركة غيرهم معهم في العلم بذلك كما أن كل شاهد إنما يخبر عما
علمه مع إمكان مشاركة غيره له فيه فتأمل ذلك
وتاسعها خبر المخبر في الهدية والاستئذان وإن تعلق بجزئي في الهدية والإذن والمهدي
والآذن والمهدى إليه والمأذون له إلا أنه في معنى الرواية لا الشهادة لأنه لا يقصد
به فصل قضاء وإنما جوز فيه مالك ما لا يجوز في الرواية من قبول خبر الصبي والكافر
في قول ابن القصار قال مالك يجوز تقليد الصبي والأنثى والكافر الواحد في الهدية
والاستئذان لإلجاء الضرورة إلى ذلك من جهة لزوم المشقة على تقدير عدم التجويز إذ
لو كان أحدنا لا يدخل بيت صديقه حتى يأتي بعدل يشهد له بإذنه له في ذلك أو لا يبعث
بهديته إلا مع عدل لشق ذلك على الناس مع ندور الخلو عن قرائن تحصيل الظن والقواعد
يستثنى منها محال الضرورات كما مر غير مرة وعاشرها خبر المخبر في إهداء الزوجة
لزوجها ليلة العرس وإن كان إخبارا عن تعيين مباح جزئي إلا أنه في معنى الرواية لا
الشهادة لأنه لا يقصد به فصل قضاء فمن هنا نقل ابن حزم في مراتب الإجماع له إجماع
الأمة على قبول قول المرأة الواحدة فيه
____________________
(1/29)
إجماع الأمة على قبول قول المرأة الواحدة في إهداء الزوجة
لزوجها ليلة العرس مع أنه إخبار عن تعيين مباح جزئي لجزئي
ومقتضاه أن لا يقبل فيه إلا رجلان لأنها شهادة تتعلق بالنكاح الذي هو من أحكام
الأبدان التي لا يقبل فيها النساء إلا لضرورة غير أن هذه الصورة اجتمع فيها قرائن
الأحوال من اجتماع الأهل والأقارب وندرة التدليس والغلط في مثل هذا مع شهرته وعدم
المسامحة فيه ودعوى ضرورات الناس إلى ذلك كما تقدم في الاستئذان والهدية فهذه عشر
مسائل تحرر قاعدتي الشهادة والرواية بوجود أشباههما فيها وتؤكد ذلك تأكدا واضحا في
نفس الفقيه بحيث يسهل عليه بعد ذلك تخريج جميع فروع القاعدتين عليهما ومعرفة الفرع
القريب من القاعدة من البعيد عنها ولنقتصر على هذه العشر خشية الإطالة
تنبيه قال ابن القصار قال مالك يقبل قول القصاب في الذكاة ذكرا كان أو أنثى مسلما
أو كتابيا ومن مثله يذبح وليس هذا من باب الرواية أو الشهادة بل القاعدة الشرعية
أن كل أحد مؤتمن على ما يدعيه فإذا قال الكافر هذا مالي أو هذا العبد رقيق لي صدق
في ذلك كله وكذلك إذا قال هذه ذكية فهو مؤتمن فيه كما لو ادعى أي سبب من الأسباب
المقررة للملك من الإرث والاكتساب بالصناعة والزراعة وغير ذلك فهو مؤتمن إذ كل أحد
مؤتمن على ما يدعيه مما هو تحت يده في أنه مباح له أو ملكه لأنه لا يروي لنا دينا
ولا يشهد عندنا في إثبات حكم بل هذا من باب التأمين المطلق كما أن المسلم إذا قال
هذا ملكي أو هذه أمتي لم نعده راويا لحكم شرعي وإلا لاشترطنا فيه العدالة ولا
شاهدا بل نقبله منه
وإن كان أفسق الناس فليس هذا من الفروع المترددة بين القاعدتين فتأمل ذلك فإن قلت
ما قررته من أن الشهادة حقيقتها التعلق بجزئي والرواية حقيقتها التعلق بكلي لا
يطرد ولا ينعكس أما الشهادة المجمع عليها من غير اجتماع شبه الرواية معها فقد تقع
في الأمر الكلي العام الذي لا يختص بأحد كالشهادة بالوقف على الفقراء والمساكين
إلى يوم القيامة والنسب المتفرع بين الأنساب إلى يوم القيامة وكون
هامش أنوار البروق
قلت هذه المسألة في معنى التي قبلها كما ذكر
قال شهاب الدين تنبيه قال ابن القصار قال مالك يقبل قول القصاب إلى قوله فليس هذا
من الفروع المترددة بين القاعدتين فتأمل ذلك قلت هذه المسألة وإن لم تكن من تينك
القاعدتين فهي من جنس المسألتين قبلها وما ذكره في أثناء كلامه من أن كل واحد
مؤتمن على ما يدعيه مما هو تحت يده إنما المعنى بأنه مؤتمن أو مصدق أنه لا
هامش إدرار الشروق
قلت والظاهر قبول خبر الصبي والكافر فيه أيضا لإلجاء ضرورات الناس إلى تجويز ذلك
مع ما اجتمع في هذه الضرورة من قرائن الأحوال من اجتماع الأهل والأقارب وندرة
التدليس والغلط في مثل هذا مع شهرته وعدم المسامحة فيه كما تقدم الاستئذان والهدية
____________________
(1/30)
الأرض عنوة أو صلحا ينبني عليها أحكام الصلح أو أحكام
العنوة من كونها طلقا إلى يوم القيامة أو وقفا إلى يوم القيامة كما قاله مالك إلى
غير ذلك من النظائر كما اختصت الشهادة بجزئي وأما الرواية فقد بينا أنها في الأمور
الجزئية في الإخبار عن النجاسة وأوقات الصلوات وغيرها مما تقدم بيانه
وإذا وقع كل واحد منهما في الجزئي والكلي لم تكن نسبة أحدهما إلى الجزئي أو الكلي
أولى من العكس فتفسد الضوابط ويعود اللبس والسؤال كما تقدم قلت أما ما ذكر من فروع
الشهادة فالعموم فيها إنما جاء بطريق العرض والتبع ومقصودها الأول إنما هو جزئي
أما الوقف فالمقصود بالشهادة فيه الواقف وإثبات ذلك عليه وهو شخص معين ينتزع منه
مال معين فكان ذلك شهادة ثم اتفق أن الموقوف عليه فيه عموم وليس ذلك من لوازم
الوقف فإن الوقف قد يكون على معين كما لو وقف على ولده أو زيد ثم من بعده لغيره
فالعموم أمر عارض ليس متقررا شرعا في أصل هذا الحكم
وأما النسب فالمقصود به إنما هو الإلحاق بالشخص المعين أو استحقاق الميراث للشخص
المعين ثم تفرعه بعد ذلك ليس مقصود الشهادة إنما هو من الأحكام الشرعية التابعة
للمقصود بالشهادة كما أن الشهادة إذا وقعت بأن هذا رقيق لزيد قبل فيه الشاهد
واليمين وإن تبع ذلك لزوم القيمة لمن قتله دون الدية وسقوط العبادات عنه واستحقاق
إكسابه للسيد مع أن الشاهد لم يقصد سقوط العبادات عنه وليس سقوط العبادات مما تدخل
فيه الشهادات فضلا عن الشاهد واليمين وكذلك الشهادة بتزويج زيد المرأة المعينة
شهادة بحكم جزئي على المرأة لزوجها المشهود له وهو جزئي وإن تبع ذلك تحريمها على
غيره وإباحة وطئها له مع أن التحريم والإباحة شأنهما الرواية دون الشهادة وغير ذلك
من النظائر فقد يثبت على سبيل التبع ما لا يثبت متأصلا فلا يضر
هامش أنوار البروق
يتعرض له برفع يده عنه وليس المعنى بذلك أنه محق عندنا في دعواه ومسألة القصاب مع
ذلك ليست من هذه القاعدة بل هي من جنس المسألتين اللتين قبلها كما تقدم ذكره لأن
المقصود من هذه المسألة ليس تركه وما يدعيه بالنسبة إلى ملك ما تحت يده بل المقصود
منها هل يستباح أكلها بناء على خبره أم لا فلا أعلم لتجويز الاستباحة بناء على ذلك
إلا إلجاء الضرورة إلى ذلك للزوم المشقة عن عدم التجويز مع ندور الخلو عن القرائن
المحصلة للظن كما سبق والله أعلم
قال شهاب الدين فإن قلت ما قررته من أن الشهادة حقيقتها التعلق بجزئي والرواية
حقيقتها التعلق بكلي لا يطرد ولا ينعكس إلى قوله وأما ما تقدم من النقوض على
الرواية فقد تقدم تخريجها والجواب عنها
هامش إدرار الشروق
وحادي عشرها خبر القصاب في الذكاة هو في معنى الرواية لأنه لا يقصد به فصل قضاء
وإنما جوز فيه مالك قبول خبر الكتابي في قول ابن القصار قال مالك يقبل قول القصاب
في الذكاة ذكرا كان أو أنثى مسلما أو كتابيا ومن مثله يذبح ا ه لإلجاء الضرورة إلى
ذلك للزوم المشقة عند عدم التجويز مع ندور الخلو عن القرائن المحصلة للظن كما سبق
في
____________________
(1/31)
ذلك في الضوابط المذكورة في الشهادة والرواية وأما كون
الأرض عنوة أو صلحا فهذا لم أر لأصحابنا فيه نقلا فيما أظن
وأمكن أن يقال فيه إنه يكفي فيه خبر الواحد وإنه من باب الرواية لعدم الاختصاص في
المحكوم عليه وأمكن أن يقال إنه من باب الشهادة لخصوص المحكوم فيه وهو الأرض فإنها
جزئية لا يتعداها الحكم إلى غيرها فقد اجتمع فيهما الشبهان وأمكن التردد وأما ما
تقدم من النقوض على الرواية فقد تقدم تخريجها والجواب عنها
مسألة أخبرني بعض شيوخي المعتبرين أنه رأى
منقولا أنه إذا روى العدل العبد حديثا يتضمن عتقه أنه تقبل روايته فيه وإن تضمنت
نفعه لأن العموم موجب لعدم التهمة في الخصوص مع وازع العدالة وهذه المسألة تنبه
على أن باب الرواية بعيد عن التهم جدا وأنه سبب عدم اشتراط العدد في باب الرواية
مسألة قال أصحابنا وغيرهم من العلماء إذا تعارضت البينتان في الشهادة يقبل الترجيح
بالعدالة وهل ذلك مطلقا أو في أحكام الأموال خاصة وهو المشهور أو لا يقضى بذلك
مطلقا ثلاث أقوال والمشهور أنه لا يرجح بكثرة العدد
والفرق أن الحكومات إنما شرعت لدرء الخصومات ورفع التظالم والمنازعات فلو رجحنا
بكثرة العدد لأمكن للخصم أن يقول أنا أزيد في عدد بينتي فنمهله حتى يأتي بعدد آخر
فإذا أتى به قال خصمه أنا أزيد في العدد الأول فنمهله حتى يأتي بعدد آخر أيضا
فيطول النزاع وينتشر الشغب ويبطل مقصود الحكم
أما الترجيح بالأعدلية فلا يمكن الخصم أن يسعى في أن تصير بينته أعدل
هامش أنوار البروق
قلت جميع ما ذكره في هذا الفصل صحيح غير قوله في الخبر بالعنوة أو الصلح أن فيه
شبه
هامش إدرار الشروق
المسألتين قبلها فليس المقصود من هذه المسألة ترك القصاب وما يدعيه بالنسبة إلى
ملك ما تحت يده حتى تكون من قبيل قاعدة إن كل أحد مؤتمن على ما يدعيه فإذا قال
الكافر هذا مالي أو هذا العبد رقيق لي صدق في ذلك كله كما أن المسلم إذا قال هذا
ملكي أو هذه أمتي لم نعده راويا لحكم شرعي وإلا لاشترطنا فيه العدالة ولا شاهدا بل
نقبله منه وإن كان أفسق الناس بل المقصود منها هل يستباح أكلها بناء على خبر
القصاب بتذكيتها أم لا فافهم قلت ومن قبيل قول القصاب في الذكاة قول القبطان ونحوه
بالوابور في محاذاة الحجاج للميقات الشرعي فيجب عليهم الإحرام بقوله ولو كافرا عند
تعذر غيره لإلجاء الضرورة إلى ذلك إلخ وإن لم أر من نص عليه بخصوصه فانظره وثاني
عشرها الخبر بكون الأرض عنوة أو صلحا فيترتب على ذلك أحكام الصلح أو أحكام العنوة
من كونها طلقا إلى يوم القيامة أو وقفا إلى يوم القيامة كما قاله مالك الظاهر أن
فيه شبه الرواية لا شبه الشهادة لأنه من جنس الخبر عن وقوع سبب من أسباب الأحكام
الشرعية فيكفي فيه الواحد
قال شهاب الدين مسألة أخبرني بعض شيوخي إلخ قلت
ما ذكره في المسألة من تنبيهها على أن باب الرواية تبعد عنه التهم صحيح
تتمة في مهمين
____________________
(1/32)
من بينة خصمه بالديانة والعلم والفضيلة فلا تنتشر الخصومات
ولا يطول زمانها لانسداد الباب عليه وأما العدد فليس بابه منسدا فيقدر أن يأتي بمن
يشهد له ولو بالزور والحاكم لا يعلم ذلك والأعدلية لا تستفاد إلا من الحاكم فلا
تسلط للخصم على زيادتها فانسد الباب
فائدة الشهادة خبر والرواية خبر والدعوى خبر
والإقرار خبر والنتيجة خبر والمقدمة خبر والتصديق خبر فما الفرق بين هذه الحقائق
وبأي شيء تتميز مع اشتراكها كلها في مطلق الخبرية
والجواب أما الشهادة والرواية فقد تقدم الكلام عليهما وإما الدعوى فهي خبر عن حق
يتعلق بالمخبر على غيره والإقرار خبر عن حق يتعلق بالمخبر ويضر به وحده عكس الدعوى
الضارة لغيره
ولذلك أن الإقرار متى أضر بغير المخبر أسقطنا من ذلك الوجه كإقراره بأن عبده وعبد
غيره حران ويسمى الإقرار المركب والنتيجة هي خبر نشأ عن دليل وقبل أن يحصل عليه
يسمى مطلوبا والمقدمة هي خبر هو جزء دليل والتصديق هو القدر المشترك بين هذه
الصورة كلها يسمى بأحسن عارضيه لفظا لأنه يقال لقائله صدقت أو كذبت فكان يمكن أن
يسمى تكذيبا غير أنه سمي بأحسن عارضيه لفظا فائدة معنى شهد في لسان العرب ثلاثة
أمور متباينة شهد بمعنى حضر ومنه شهد بدرا أو شهدنا صلاة العيد قال أبو علي ومنه
قوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه قال معناه من حضر منكم المصر في الشهر
فليصمه أو من حضر منكم الشهر في المصر فليصمه فإن الصوم لا يلزم المسافر فالمقصود
إنما هو الحاضر المقيم فهذا أحد مسميات شهد والمعنى الثاني شهد بمعنى أخبر ومنه
شهد عند الحاكم أي أخبر بما يعتقد في حق المشهود له وعليه والمعنى الثالث شهد
بمعنى علم ومنه قوله تعالى والله على كل شيء شهيد أي عليم ووقع التردد لبعض
العلماء في قوله تعالى شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما
بالقسط
هامش أنوار البروق
الرواية وشبه الشهادة فإن الظاهر أن فيه شبه الرواية دون شبه الشهادة لأنه من جنس
الخبر عن وقوع سبب من أسباب الأحكام الشرعية كما تقدم ذكره والله أعلم
قال شهاب الدين مسألة أخبرني بعض شيوخي إلخ قلت
ما ذكره في المسألة من تنبيهها على أن باب الرواية تبعد عنه التهم صحيح
هامش إدرار الشروق
المهم الأول إذا تعارضت البينات في الشهادة ففي قبول الترجيح بالعدالة مطلقا
ثالثها في أحكام الأموال خاصة وهو المشهور أقوال لأصحابنا وغيرهم من العلماء ولا
ترجيح بكثرة العدد على المشهور
والفرق أن العدد ليس بابه منسدا فيقدر الخصم أن يأتي بمن يشهد له ولو بالزور
والحاكم لا يعلم ذلك فلو رجحنا بكثرة العدد لطال النزاع وانتشر الشغب وبطل مقصود
الشارع بشرع الحكومات من درء
____________________
(1/33)
لا إله إلا هو العزيز الحكيم هل هو من باب العلم لأن الله
يعلم ذلك أو من باب الخبر لأن الله تعالى أخبر عباده عن ذلك فهو محتمل للأمرين
فهذه الثلاثة هي معاني شهد
فائدة معنى روى حمل وتحمل فراوي الحديث تحمله
وحمله عن شيخه ولذلك قال العلماء إن إطلاق الراوية على المزادة التي يحمل فيها
الماء على الجمل مجاز من باب مجاز المجاورة لأن الراوية بناء مبالغة لمن كثر منه
الحمل والذي يحمل ويكثر منه الحمل إنما هو الجمل فهذا الاسم إنما يستحقه حقيقة
ولغة الجمل وإطلاقه على المزادة مجاز من باب مجاز المجاورة لما بينها وبين الجمل
من المجاورة وليس هو من باب أروى الرباعي حتى يستحقه الماء دون الجمل لأن اسم
هامش أنوار البروق
قال شهاب الدين مسألة قال أصحابنا وغيرهم من العلماء
إذا تعارضت البينتان في الشهادة يقبل الترجيح بالعدالة إلى آخر الفصل قلت
ما ذكره من الفرق بين الترجيح بالعدالة والترجيح بالعدد ظاهر صحيح والله أعلم
وذكر ثلاث فوائد في اختتام هذا الفرق وما ذكره فيها ظاهر
قال شهاب الدين
هامش إدرار الشروق
الخصومات ورفع المظالم والمنازعات إذ يمكن للخصم حينئذ أن يقول أنا أزيد في عدد
بينتي فنمهله حتى يأتي بعدد آخر فإذا أتى به قال خصمه أنا أزيد في العدد الأول
فنمهله حتى يأتي بعدد آخر أيضا وهكذا والأعدلية لا تستفاد إلا من الحاكم فلا تسلط
للخصم على زيادته فانسد الباب ولم تنتشر الخصومات ولم يطل زمانها
المهم الثاني كما أن كلا من الشهادة والرواية خبر مقيد بما ذكرنا كذلك الدعوى خبر
عن حق يتعلق بالمخبر على غيره والإقرار خبر عن حق يتعلق بالمخبر ويضر به وحده عكس
الدعوى الضارة لغيره ولذلك لا نعتبر من الإقرار المركب من إضرار المخبر وإضرار
غيره كإقراره بأن عبده وعبد غيره حران إلا الوجه الأول ونسقط منه الوجه الثاني
والنتيجة خبر ينشأ عن دليل وقبل أن ينشأ عنه يسمى مطلوبا والمقدمة خبر هو جزء دليل
والتصديق هو القدر المشترك بين هذه الصور كلها وكان يمكن أن يسمى تكذيبا كما يسمى
تصديقا لأنه يقال لقائله صدقت أو كذبت إلا أنه سمي بأحسن عارضيه لفظا والله سبحانه
وتعالى أعلم
____________________
(1/34)
الفاعل منه مرو لا راوية وإنما يأتي راوية من الثلاثي فهذه
فوائد لفظية تتعلق بلفظي الشهادة والرواية حسن ذكرها بعد تحقيق معناهما
الفرق الثاني بين قاعدتي الإنشاء والخبر الذي
هو جنس الشهادة والرواية والدعوى وما ذكرها معها فيما تقدم أما الخبر فهو المحتمل
للتصديق والتكذيب لذاته والتصديق هو قولنا له صدقت والتكذيب هو قولنا له كذبت وهما
غير الصدق والكذب فإن التصديق والتكذيب هو قول وجودي مسموع والصدق يرجع إلى مطابقة
الخبر والكذب يرجع إلى عدم مطابقته فهما نسبة وإضافة والنسب والإضافات عدمية فوقع
الفرق بينهما بالوجود والعدم ومن وجه آخر إن الصدق والكذب هو المخبر عنه في
التصديق والتكذيب لأن الصدق والكذب تابع للخبر والتصديق والتكذيب تابع للصدق
والكذب فيقع الفرق بينهما فرق ما بين المخبر عنه والخبر والمتعلق والمتعلق به
وقولنا لذاته احتراز من تعذر الصدق أو الكذب فيه لأجل المخبر به أو المخبر عنه
فالأول كخبر الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم أو خبر مجموع
هامش أنوار البروق
الفرق الثاني بين قاعدتي الإنشاء والخبر ثم قال
أما الخبر فهو المحتمل للتصديق والتكذيب لذاته والتصديق هو قولنا صدقت والتكذيب هو
قولنا كذبت وهما غير الصدق والكذب فإن التصديق والتكذيب قول وجودي مسموع والصدق
يرجع إلى مطابقة الخبر والكذب يرجع إلى عدم مطابقته فهما نسبة وإضافة والنسب
والإضافات عدمية فوقع الفرق بينهما بالوجود والعدم
ومن وجه آخر إن الصدق والكذب
هامش إدرار الشروق
الفرق الثاني بين قاعدتي الإنشاء والخبر الذي هو جنس الشهادة والرواية والدعوى وما
ذكر معها أما الخبر فمجاز في الإشارات الحالية والدلائل المعنوية كما في قولهم
عيناك تخبرني بكذا والغراب يخبر بكذا وحقيقته قول يلزمه الصدق أو الكذب
قلت قال الآمدي والأشبه أن القول في اللغة حقيقة في الصيغة كقولك قام زيد وقعد عمر
ولتبادرها إلى الفهم من إطلاق لفظ الخبر وقد يطلق على المعنى القائم بالنفس المعبر
عنه بالصيغة والصدق والكذب معلوم لنا بالضرورة فلا يفتقر إلى الخبر على أن الصدق
هو مطابقة النسبة الكلامية للخارجية
والكذب عدمها وليس الصدق الخبر المطابق للواقع ولا الكذب الخبر الغير المطابق له
حتى يلزم الدور والحكم في الحد المذكور بلزوم الخبر لأحد هذين الأمرين من غير
تعيين جازم لا تردد فيه وهو المأخوذ في التحديد وإنما التردد في اتصاف الخبر بلزوم
أحدهما عينا وهو غير داخل في الحد فافهم ا ه
بتصرف وزيادة فالقول جنس قريب يشمل القول التام وهو ما يفيد المخاطب فائدة يحسن
السكوت عليها خبرا كان أو إنشاء والناقص وهو ما لم يفد ذلك إضافيا كان كغلام زيد
أو تقييديا كالحيوان الصاهل أو لا ولا كمجموع المتعاطفين وقيد يلزمه الصدق أو
الكذب فصل يخرج القول الناقص والإنشاءات نعم الظاهر احتياج الحد
____________________
(1/35)
الأمة فإنه لا يقبل الكذب والثاني كقولنا الواحد نصف
الاثنين فإنه لا يقبل الكذب أو الواحد نصف العشرة فإنه لا يقبل الصدق ولكن جميع
هذه الإخبارات بالنظر إلى ذاتها مع قطع النظر عن المخبر به أو المخبر عنه تقبلهما
من حيث هي إخبار فهذا هو حد الخبر الضابط له فإن قلت الصدق والكذب ضدان والضدان
يستحيل اجتماعهما فلا يقبل محلهما إلا أحدهما أما هما معا فلا وإذا كان المحل لا
يقبل إلا أحدهما كان المتعين في الحد هو صيغة أو التي هي لأحد الشيئين دون الواو
التي هي للشيئين معا وهذا هو اختيار إمام الحرمين والأول اختيار القاضي أبي بكر
ولأن الصدق والكذب نوعان للخبر والنوع لا يعرف إلا بعد معرفة الجنس فلو عرف الجنس
به لزم الدور
قلت الجواب عن الأول أن الصواب هو
هامش أنوار البروق
هو المخبر عنه في التصديق والتكذيب فيقع الفرق بينهما فرق ما بين المخبر عنه
والخبر والمتعلق والمتعلق به وقولنا لذاته احتراز من تعذر الصدق أو الكذب فيه لأجل
المخبر به أو المخبر عنه فالأول كخبر الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم أو
خبر مجموع الأمة فإنه لا يقبل الكذب والثاني كقولنا الواحد نصف الاثنين فإنه لا
يقبل الكذب أو الواحد نصف العشرة فإنه لا يقبل الصدق ولكن جميع هذه الإخبارات
بالنظر إلى ذاتها مع قطع النظر عن المخبر به أو المخبر عنه تقبلهما من حيث هي أخبار
فهذا هو حد الخبر الضابط له قلت تفريقه بين التصديق والتكذيب والصدق والكذب بأن
أولهما وجودي والآخر عدمي بناء على أنه إضافي غفلة شديدة وهل ما يلحق خبر المخبر
من تصديق المصدق أو تكذيب المكذب إلا أمر إضافي وهل خبر المخبر إلا متعلق لتصديق
المصدق أو تكذيب المكذب ومتعلقات الكلام بأسرها لا يلحقها من الكلام إلا أمر إضافي
فقد وقع فيما منه فرق وقوله فإن التصديق والتكذيب قول وجودي مسموع لا يفيده فإنه
ليس موجودا في خبر المخبر فيكون وصفا حقيقيا للخبر بل هو موجود في لسان المصدق
والمكذب
وما وجوده في غير المحدود لا يصلح للتحديد به بل الصحيح حد
هامش إدرار الشروق
المذكور لزيادة قيد لذاته ليخرج ما يلزمه الصدق أو الكذب لا لذاته بل للازمه نحو
غلام زيد المستلزم لذاته خبرا وهو زيد له غلام ونحو اسقني الماء المستلزم لذاته
خبرا وهو أنا طالب للماء أو المخاطب مطلوب منه الماء أو الماء مطلوب وكذا ما لا
يلزمه صدق ولا كذب بالنظر لعدم قصد المتكلم به إخبار أحد كصيغة الحمد لله إذا جعلت
باقية على خبريتها ولم يقصد بها إلا تحصيل الحمد كبقية صيغ الأذكار والتنزيهات فلا
يرد حينئذ ما نقله ياسين في حواشي الصغرى عن العلامة علاء الدين النجاري من أن الجمل
الخبرية لا يلزمها الإخبار أي احتمال الصدق والكذب بل قد تكون للتحسر والتحزن كما
في حاشية العطار على محلي جمع الجوامع فافهم وأما الإنشاء ففي اللغة الخلق
والابتداء ووضع الحديث ففي المصباح أنشأه الله خلقه وأنشأ يفعل كذا أي ابتدأ وفلان
ينشئ الأحاديث أي يصفها
ا ه المراد وفي الاصطلاح قول بحيث يوجب به مدلوله في نفس الأمر إذا صدر قصدا ممن
هو أهل لذلك
فالقول جنس قريب وقيد بحيث يوجب به مدلوله فصل أول
____________________
(1/36)
اختيار القاضي أبي بكر رحمه الله في صيغة الواو لأنه لا
يلزم من تنافي المقبولين تنافي القبولين ألا ترى أن الممكن قابل للوجود والعدم
لذاته وهما نقيضان متنافيان والقبولان يجب اجتماعهما له لأنه لو وجد أحد القبولين
دون الآخر للزم من نفي ذلك القبول ثبوت استحالة ذلك المقبول الآخر فإن كان ذلك
المستحيل هو الوجود لزم أن يكون ذلك الممكن مستحيلا والمقرر أنه ممكن هذا خلف
وإن كان المستحيل هو العدم لزم أن يكون ذلك الممكن واجب الوجود لا ممكن الوجود هذا
خلف فلا يتصور الإمكان إلا باجتماع القبولين وإن تنافى المقبولان فتتعين الواو
وإنما الشبهة التي وقعت لإمام الحرمين التباس القبولين بالمقبولين وأنه يلزم من تعذر
اجتماع المقبولين تعذر اجتماع القبولين وليس كذلك ولذلك نقول كل جسم قابل لجميع
الأضداد وقبولاته كلها مجتمعة له وإنما المتعاقبة على سبيل البدل هي المقبولات لا
القبولات فتأمل ذلك ويتقوى ذلك ويتضح بأن الإمكان والوجوب والاستحالة أحكام واجبة
الثبوت لمحالها لازمة لها والإلزام انقلاب الممكن واجبا أو مستحيلا وبالعكس وذلك
محال وإذا كانت لازمة
هامش أنوار البروق
الخبر أو رسمه بأنه قول يلزمه الصدق أو الكذب فإنه لا ينفك عن ذلك ألبتة في ظاهر
الأمر وقد ينفك عن التصديق والتكذيب المسموعين لنا إما للغفلة عن سماع الخبر وإما
للإضراب عن التصديق والتكذيب مع سماع الخبر وإما لعدم الموجب لرجحان أحد
الاحتمالين عند السماع والحد والرسم لا يصح إلا بما هو لازم فإن كان ذلك اللازم
وصفا حقيقيا ذاتيا فالقول المتضمن له حد وإن لم يكن ذاتيا فالقول المتضمن له رسم
وقوله من وجه آخر إن الصدق والكذب هو المخبر عنه في التصديق والتكذيب قلت فإذا كان
صدق الخبر أو كذبه متعلق التصديق أو التكذيب فالصدق والكذب أسبق لحوقا بالخبر
المصدق أو المكذب من جهة أن كونه صدقا أو كذبا هو السبب في تصديقه أو تكذيبه فقد
لزمه من قوله هذا الاعتراف بأن الصدق والكذب أولى بالخبر وأحق من التصديق والتكذيب
هامش إدرار الشروق
مخرج لقول القائل السفر علي واجب لأن الوجوب فيه لم يثبت بهذا اللفظ بل بإيجاب
الشارع عليه عقوبة عليه وقيد في نفس الأمر فصل ثان مخرج للخبر كقام زيد فإنه لا
يوجب مدلوله في نفس الأمر بل ولا في اعتقاد السامع إلا عند اعتقاده صدق المخبر
وقيد إذا صدر قصدا أي مقصودا إنشاء لفظه فصل ثالث مخرج لنحو قول القائل لزوجته أنت
طالق على وجه الغلط مريدا أنت حائض فلا يلزمه به طلاق في الفتوى وكذلك إذا قال لمن
طلقها رجعيا في العدة أنت طالق مخبرا بأنها طالق في الحال وإنما يلزمه إذا قصد
الإنشاء وإن لم يقترن بالوفاء بالعقود والتزام مقتضياتها وفيه ممن هو أهل لذلك فصل
رابع مخرج لصيغ الإنشاء إذا صدرت من سفيه أو فاقد الأهلية لعدم ترتب مدلولها عليها
حينئذ وزيادة أو متعلقة في الحد عطفا على مدلوله وإن كانت لأجل أن تندرج فيه
الإنشاءات بكلام النفس فإن كلام النفس لا دلالة فيه ولا مدلول وإنما فيه متعلق
ومتعلق خاصة وسيأتي بيانه في مسائل الإنشاء إلا أنه يلزم على هذه الزيادة الجمع في
الحد بين حقيقتين مختلفتين وهما القول اللساني والقول النفساني وذلك خلل في الحد
كما بين في محله
____________________
(1/37)
لمحالها واللازم لا يفارق الملزوم فالمقبولات لا تفارقها
فهي مجتمعة فيها والجواب عن الثاني أن المقصود بالحد إنما هو شرح لفظ المحدود
وبيان نسبته إليه فإن قولنا الإنسان هو الحيوان الناطق حد صحيح مع أن السامع يجب
أن يكون عالما بالحيوان وبالناطق إلا لكان حدنا وقع بالمجهول والتحديد بالمجهول لا
يصح فهو حينئذ عالم بالحيوان وبالناطق ومتى كان عالما بهما كان عالما بالإنسان
فإنه لا معنى للإنسان إلا هما وإذا كان عالما بالإنسان تعين انصراف التعريف والحد
إلى بيان نسبة اللفظ لأنه إذا سمع لفظ الإنسان فعلم أن له مسمى ما مجملا لم يعلم
تفصيله فبسطنا نحن ذلك المسمى أو قلنا له هو الحيوان الناطق الذي أنت تعرفه فلم
يحصل له بالحد إلا بيان نسبة اللفظ وخروجه من حيز الإجمال إلى حيز التفصيل والبيان
كذلك هاهنا يعلم السامع معنى
هامش أنوار البروق
وأن التصديق أو التكذيب إنما لحقاه لصدقه أو كذبه وقد نص هو بعد هذا في المسألة
الأولى من المسائل التي ذيل بها الكلام على الخبر على أن الصدق والكذب خصيصة من
خصائص الخبر وبالجملة فكلامه كله في هذا الفصل ضعيف ساقط واضح الضعف والسقوط
وقوله وقولنا لذاته احتراز من تعذر الصدق أو الكذب فيه لأجل المخبر به أو المخبر
عنه إلى آخر الفصل قلت قد تقدم أن الأولى الحد أو الرسم بأن الخبر قول يلزمه الصدق
أو الكذب ولزوم أحدهما له لا يمكن سواء فقوله لذاته بمعنى أنه لا يمكن غير ذلك
ظاهر وقوله احتراز من تعذر الصدق أو الكذب فيه لأجل المخبر به أو المخبر عنه قلت
إذا حد أو رسم بلزوم الصدق أو الكذب لم يحتج إلى التحرز من هذا الوجه وإنما حمله
على ذلك حده الخبر بأنه القول المحتمل للتصديق والتكذيب وقوله لكن جميع هذه
الإخبارات بالنظر إلى ذاتها تقبلهما من حيث هي أخبار قلت هذا الذي ذكره من قبول
الخبر الصدق والكذب من حيث هو خبر مقتضاه أن خبر الله تعالى من حيث هو خبر يقبل
الكذب لذاته وما هو ذاتي لا يتبدل وهذا ليس بصحيح بل خبر الله تعالى لا يصح أن
يكون كذبا ولا يصح أن يقبل الكذب وكذلك قول القائل الواحد نصف الاثنين لا يصح أن
يكون كذبا ولا يصح أن يقبل
هامش إدرار الشروق
فافهم
وبعبارة أخرى الكلام إن كان للنسبة المفهومة منه الحاصلة في الذهن خارج عن مدلوله
أي حاصل بين الطرفين مع قطع النظر عن دلالة اللفظ والفهم منه محتمل لأن تطابقه
النسبة أو لا تطابقه فخبر
وإن لم يكن كذلك بأن لا يكون له خارج أصلا كأقسام الطلب فإنها دالة على صفات نفسية
قائمة بالنفس قيام العرض بالمحل ليس لها متعلق خارجي أو يكون له خارج لكن لا يحتمل
المطابقة واللامطابقة كصيغ العقود فإن لها نسبا خارجية توجد بهذه الصيغ وليست لها
نسبة محتملة لأن تطابقها النسبة المدلولة أو لا تطابقها لأنها لحصولها بها مطابقة
قطعا فإنشاء وهذا أقرب الحدود وأخصرها كما في تقريرات الشربيني على حواشي محلي جمع
الجوامع فعلى هذا البيان يقع الفرق بين الخبر والإنشاء من أربعة أوجه الوجه الأول
أن الإنشاء سبب لمدلوله بخلاف الخبر
الوجه الثاني أن الإنشاءات يتبعها مدلولها فلا يقع الطلاق والملك إلا بعد صدور
صيغة الطلاق والبيع ممن هو أهل والأخبار تتبع مدلولاتها بمعنى أن الخبر تابع
لتقرير مخبره في زمانه ماضيا كان أو حاضرا أو
____________________
(1/38)
التصديق والتكذيب ولا يعلم مدلول لفظ الخبر فبسطناه نحن له
وفصلناه وقلنا له مدلول هذا اللفظ هو الذي يدخله التصديق والتكذيب اللذان تعرفهما
فانشرح له ما كان مجملا
ولذلك قال العلماء في حد الحد هو القول الشارح وعلى هذا يزول الدور عن جميع الحدود
إذا كان مدركها هذا المدرك نحو قولهم العلم معرفة المعلوم على ما هو به مع توقف
المعلوم على العلم لأنه مشتق منه والأمر هو القول المقتضي طاعة المأمور بفعل
المأمور به مع أن المأمور والمأمور به مشتقان من الأمر فهذا آخر القول في حد الخبر
وأما حد الإنشاء وبيان حقيقته فهو القول الذي بحيث يوجد به مدلوله في نفس الأمر أو
متعلقه فقولنا يوجد به مدلوله احتراز مما إذا قال قائل السفر علي واجب فيوجبه الله
تعالى عليه عقوبة له فإن الوجوب في هذه الصورة لم
هامش أنوار البروق
الكذب وليس الخبر بالنسبة إلى قبول الصدق والكذب كالجوهر بالنسبة إلى قبول السواد
والبياض وسائر الألوان فإن الخبر الأظهر أنه لا يعرى ألبتة عن أن يكون صدقا أو
كذبا فما ثبت صدقه لا يصح كذبه بعد وما ثبت كذبه لا يصح صدقه بعد لاستحالة ارتفاع
الواقع والجوهر إما أن يكون عروة جائزا وإما ممتنعا وإما مشكوكا على حسب اضطراب
الناس في ذلك وما ثبت سواده يصح بياضه بعد وما ثبت بياضه يصح سواده بعد فما قاله
هنا ليس بصحيح
قال شهاب الدين فإن قلت الصدق والكذب ضدان يستحيل اجتماعهما فلا يقبل محلهما إلا
أحدهما وإذا كان لا يقبل إلا أحدهما كان المتعين في الحد صيغة أو دون الواو وهذا
اختيار إمام الحرمين والأول اختيار القاضي أبي بكر ولأن التصديق والتكذيب نوعان
للخبر
والنوع لا يعرف إلا بعد معرفة الجنس فلو عرف الجنس به لزم الدور
قال قلت الجواب عن الأول أن الصواب هو اختيار القاضي لأنه لا يلزم من تنافي
المقبولين تنافي القبولين ألا ترى أن الممكن قابل للوجود والعدم لذاته وهما نقيضان
متنافيان والقبولان يجب اجتماعهما له لأنه لو وجد أحد القبولين دون الآخر للزم من
نفي ذلك القبول ثبوت استحالة ذلك المقبول الآخر فإن كان ذلك المستحيل هو الوجود
لزم أن يكون ذلك
هامش إدرار الشروق
مستقبلا فقولنا قام زيد تبع لقيامه في الزمان الماضي ولو قلنا هو قائم تبع لقيامه
في الحال وقولنا سيقوم الساعة تبع لتقرير قيامه في الاستقبال لا بمعنى أنه تابع
لمخبره في الوجود وإلا لما صدق ذلك إلا في الماضي فقط فإن الحاضر مقارن فلا تبعية
لحصول المساواة
ووجود المستقبل بعد الخبر فهو متبوع لا تابع وكذلك ينبغي أن يفهم معنى قولهم العلم
تابع لمعلومه أنه تابع لتقرره في زمانه ماضيا كان المعلوم أو حاضرا أو مستقبلا
فإنا نعلم الحاضرات والمستقبلات كما نعلم الماضيات والعلم في الجميع تبع لمعلومه
فالعلم بأن الشمس تطلع غدا فرع وتابع لتقرر طلوعها في مجاري العادات
الوجه الثالث أن الإنشاء لا يلزمه الصدق والكذب لذاته وإن لزمه للازمه كما عرفت
فلا يحسن أن يقال لمن قال لامرأته أنت طالق ثلاثا صدق ولا كذب إلا إذا أراد به
الإخبار عن طلاق امرأته بخلاف الخبر
الوجه الرابع أن الخبر يكفي فيه الوضع الأول في جميع صوره والإنشاء لا يقع إلا
منقولا عن أصل الوضع في صيغ العقود والطلاق والعتاق ونحوها فقول الرجل لامرأته أنت
طالق ثلاثا يفيد طلاقها
____________________
(1/39)
يثبت بهذا اللفظ بل بإيجاب الشارع بخلاف إزالة العصمة
بالطلاق والملك بالبيع وغير ذلك من صيغ الإنشاء فإنها توجب مدلولاتها
وإن لم تقترن بها نية ولا أمر آخر من قبل الشارع وقولنا هو القول الذي بحيث يوجد
ولم نقل يوجب احتراز من صيغ الإنشاء إذا صدرت من سفيه أو فاقد الأهلية فإنها في
تلك الصورة لا يترتب عليها مدلولها ولا توجب حكما ولكن ذلك لأمر خارج عنها لكنها
بالنظر إلى ذاتها مع قطع النظر عن الأمور الخارجية توجد مدلولاتها فلذلك قلنا بحيث
يوجد أي شأنها ذلك ما لم يمنع مانع أو يعارض معارض وقولنا في نفس الأمر احتراز من
الخبر فإنه يوجب مدلوله في اعتقاد السامع فإن القائل إذا قال قام زيد أفادنا هذا
القول اعتقاد أنه قام ولم يفد هذا القول القيام في نفس
هامش أنوار البروق
الممكن مستحيلا والمقرر أنه ممكن هذا خلف وإن كان المستحيل هو العدم لزم أن يكون ذلك
الممكن واجب الوجود لا ممكن الوجود هذا خلف فلا يتصور الإمكان إلا باجتماع
القبولين وإن تنافى المقبولان فتتعين الواو وإنما الشبهة التي وقعت لإمام الحرمين
التباس القبولين بالمقبولين وأنه يلزم من تعذر اجتماع المقبولين تعذر اجتماع
القبولين وليس كذلك ولذلك نقول كل جسم قابل لجميع الأضداد وقبولاتها كلها مجتمعة
له وإنما المتعاقبة على سبيل البدل هي المقبولات لا القبولات فتأمل ذلك
ويتقوى ذلك ويتضح بأن الإمكان والوجوب والاستحالة أحكام واجبة الثبوت لمحالها
لازمة لها وإلا لزم انقلاب الممكن واجبا أو مستحيلا وبالعكس وذلك محال وإذا كانت
لازمة لمحالها واللازم لا يفارق الملزوم فالقبولات لا تفارقها فهي مجتمعة فيها قلت
قد تقدم أن ما هو صدق لا يصح أن يصير كذبا
وما هو كذب لا يصح أن يصير صدقا فليس الصدق والكذب بالنسبة إلى الخبر كالسواد
والبياض بالنسبة إلى الجوهر فلا يصح في الخبر أن يقال إنه قابل للصدق والكذب كما
لا يصح ذلك في الحيوان فيقال هو قابل للنطق وغيره بل لا يكون إلا ناطقا أو غير
ناطق وما يكون ناطقا لا يكون غير ناطق وما يكون غير ناطق لا يكون
هامش إدرار الشروق
بالوضع الأول وإنما صار يفيد الطلاق بسبب النقل العرفي للإنشاء عن الإخبار عن
طلاقها ثلاثا كما يتفق له في بعض أحواله إذا سألته امرأته بعد الطلاق فيقول لها
أنت طالق ثلاثا إعلاما لها بتقدم الطلاق فلا يلزمه شيء والقول بأنه يفيد كلا من
الإخبار والإنشاء بطريق الاشتراك يضعفه رجحان المجاز على الاشتراك وقد يقع الإنشاء
لإنشاء الطلب بالوضع اللغوي الأول كالأوامر والنواهي
فصل ينقسم الإنشاء إلى مجمع عليه في الجاهلية
والإسلام ومختلف فيه والمجمع عليه أربعة أقسام الأول القسم كقولنا أقسم بالله لقد
قام زيد اتفق أهل اللسان من الجاهلية والإسلام على أن قائله أنشأ به القسم لا أنه
أخبر به عن وقوع في المستقبل فجميع لوازم الإنشاء موجودة فيه ولا يلزمه الصدق ولا
الكذب فلذلك قال بعض فضلاء النحاة القسم جملة إنشائية يؤكد بها جملة خبرية
القسم الثاني الأوامر والنواهي نحو قولنا افعل لا تفعل اتفق الجاهلية والإسلام على
أنه إنشاء لأنه يتبعه إلزام الفعل أو الترك ويترتب عليه ويلزمه جميع لوازم الإنشاء
ولا يلزمه الصدق ولا الكذب
____________________
(1/40)
الأمر بخلاف صيغ الإنشاء فإنها تفيد مدلولاتها في نفس الأمر
وفي اعتقاد السامع فصارت خصيصتها هي الإفادة في نفس الأمر أما في اعتقاد السامع
فهو أمر مشترك بينها وبين الخبر ولا يحصل به التمييز وقولنا أو متعلقه لتندرج
الإنشاءات بكلام النفس فإن كلام النفس لا دلالة فيه ولا مدلول وإنما فيه متعلق
ومتعلق خاصة وسيأتي بيانه في مسائل الإنشاء فيقع الفرق على هذا البيان بين الخبر
والإنشاء من أربعة أوجه
والوجه الأول أن الإنشاء سبب لمدلوله والخبر ليس سببا لمدلوله فإن العقود أسباب
لمدلولاتها ومتعلقاتها بخلاف الأخبار
الوجه الثاني أن الإنشاءات يتبعها مدلولها والأخبار تتبع مدلولاتها أما تبعية
مدلول الإنشاءات فإن الطلاق والملك مثلا إنما يقعان بعد صدور صيغة الطلاق والبيع
وأما أن الخبر تابع لمخبره فنعني بالتبعية أنه تابع لتقرر مخبره في زمانه ماضيا
كان
هامش أنوار البروق
ناطقا وإنما يقال في الشيء أنه قابل أو غير قابل بالنسبة إلى ما يصح اتصافه به
وعدم اتصافه به ويصح فيه تبدل ذلك الاتصاف وليس الأمر في الصدق والكذب كذلك
فالصحيح ما اختاره إمام الحرمين والله أعلم
قال شهاب الدين والجواب عن الثاني أن المقصود بالحد إنما هو شرح لفظ المحدود إلى
آخر الجواب قلت هذا الذي ذهب إليه من أن الحد إنما هو شرح لفظ المحدود يعني اسمه
هو رأي الإمام الفخر وقد خولف في ذلك وفي المسألة نظر يفتقر إلى بسط يطول ويعسر
وصحة الجواب مبنية على ذلك
قال شهاب الدين وأما حد الإنشاء فهو القول الذي بحيث يوجد مدلوله به في نفس الأمر
أو متعلقه فقولنا يوجد مدلوله به احتراز مما إذا قال قائل السفر علي واجب فيوجبه
الله تعالى عليه عقوبة له فإن الوجوب في هذه الصورة لم يثبت بهذا اللفظ بل بإيجاب
الشارع بخلاف إزالة العصمة بالطلاق والملك بالبيع وغير ذلك من صيغ الإنشاء فإنها
توجب مدلولاتها وإن لم تقترن بها نية ولا أمر آخر من قبل الشارع
هامش إدرار الشروق
القسم الثالث الترجي نحو لعل الله يأتينا بخير
والتمني نحو ليت لي مالا فأنفق منه والعرض نحو ألا تنزل عندنا فتصيب خيرا
والتحضيض وصيغه أربع وهي ألا بالتشديد نحو ألا تشتغل بالعلم وهلا ولو ما ولولا نحو
هلا أو لو ما أو لولا اشتغلت به فإن هذه الصيغ كلها إما للطلب أو يتبعها الطلب
ويترتب عليها ولا يلزمها صدق ولا كذب فهي كالأوامر والنواهي إنشاء
القسم الرابع النداء نحو يا زيد اتفق أنه إنشاء لأنه طلب لحضور المنادى والطلب
إنشاء نحو الأوامر والنواهي وإنما اختلف النحاة في أن المفيد للنداء الحرف وحده أو
فعل مضمر تقديره أنادي زيدا
قال المبرد وهذا الفعل المضمر لا يلزمه الصدق ولا الكذب حتى يكون خبرا فهو إنشاء
لطلب حضور المنادى والمختلف فيه قسمان أحدهما صيغ العقود كبعت واشتريت وأنت حر
وامرأتي طالق
قالت الأحناف إنها إخبارات على أصلها اللغوي وقال غيرهم إنها إنشاءات منقولة عن
الخبر إليه محتجين أولا بأمر يمكن فيه ادعاء القطع ولا يتأتى للأحناف الجواب عنه
إلا بالمكابرة وهو أن الإنشاء هو المتبادر في العرف إلى الفهم فوجب أن يكون منقولا
إليه كسائر المنقولات وذلك أن المبادرة للإنشاء والعدول إلى
____________________
(1/41)
أو حاضرا أو مستقبلا فقولنا قام زيد تبع لقيامه في الزمان
الماضي وقولنا هو قائم تبع لقيامه في الحال وقولنا سيقوم الساعة تبع لتقرر قيامه
في الاستقبال وليس المراد بالتبعية التبعية في الوجود وإلا لما صدق ذلك إلا في
الماضي فقط فإن الحاضر مقارن فلا تبعية لحصول المساواة والمستقبل وجوده بعد الخبر
فكان متبوعا لا تابعا فكذا ينبغي أن يفهم معنى قول الفضلاء الخبر تابع لمخبره
ومثله قولهم العلم تابع لمعلومه أي تابع لتقرره في زمانه ماضيا كان المعلوم أو
حاضرا أو مستقبلا فإنا نعلم الحاضرات والمستقبلات كما نعلم الماضيات والعلم في
الجميع تبع لمعلومه فالعلم بأن الشمس تطلع غدا فرع وتابع لتقرر طلوعها في مجاري
العادات
الوجه الثالث أن الإنشاء لا يقبل التصديق والتكذيب فلا يحسن أن يقال لمن قال
لامرأته أنت طالق ثلاثا صدق ولا كذب إلا أن
هامش أنوار البروق
قلت
أما قوله وإن لم تقترن بها نية فلا بد من النية وإلا فقول القائل لزوجه أنت طالق
على وجه الغلط وإنما أراد أن يقول لها أنت حائض لا يلزمه به طلاق في الفتوى وكذلك
إذا قال لها أنت طالق مخبرا بأنها طالق في الحال إذا كانت في العدة من الطلاق
الرجعي
وأما قوله ولا أمر آخر من قبل الشارع فإن كان أراد بذلك الأمر بالوفاء بالعقود
والتزام مقتضياتها فذلك صحيح وإلا فلا أدري ما أراد بذلك قال وقولنا هو القول الذي
بحيث يوجد ولم نقل يوجب احتراز من صيغ الإنشاء إذا صدرت من سفيه أو فاقد الأهلية
فإنها في تلك الصورة لا يترتب عليها مدلولها ولا توجب حكما ولكن ذلك لأمر خارج
عنها لكنها بالنظر إلى ذاتها مع قطع النظر عن الأمور الخارجية توجب مدلولاتها فلذلك
قلنا بحيث يوجد أي شأنها ذلك ما لم يمنع مانع أو يعارض معارض قلت تضمن كلامه هذا
أن هذه الصيغ توجد بها مدلولاتها لذاتها ما لم يمنع مانع وما هو ذاتي لا يصح أن
يمنعه مانع فكلامه هذا ضعيف وكان الأولى أن يتحرز بذكر قيد صدور هذه الصيغ ممن هو
أهل لذلك قال شهاب الدين
وقولنا في نفس الأمر احتراز من الخبر فإنه يوجب ذلك في اعتقاد السامع فإن القائل
إذا قال قام زيد أفادنا هذا القول اعتقاد أنه قام ولم يفد هذا القول القيام في نفس
الأمر
هامش إدرار الشروق
الخبر مدرك لنا بالعقول بالضرورة ولا نجد في أنفسنا أن القائل لامرأته أنت طالق
أنه يحسن تصديقه أو تكذيبه والمصنف يعتمد الوجدان ومن لم ينصف يقل ما شاء وثانيا
بخمسة أمور مبنية على تقدير أن المراد الظن لا القطع
أحدها أنها لو كانت إخبارا لكانت كاذبة لأنه لم يبع قبل ذلك الوقت ولم يطلق والكذب
لا عبرة به لكنها معتبرة فدل ذلك على أنها ليست إخبارا بل إنشاء لحصول لزوم
الإنشاء فيها من استتباعاته لمدلولاتها وغير ذلك
وأجاب الأحناف بأن صاحب الشرع قدر في هذه الصيغ تقدم مدلولاتها قبل النطق بها
بالزمن الفرد لضرورة تصديق المتكلم بها والإضمار أولى من النقل لما تقرر في علم
الأصول ولأن جواز الإضمار في الكلام مجمع عليه والنقل مختلف فيه والمجمع عليه أولى
ومتى كان المدلول مقدرا قبل الخبر كان الخبر صادقا فلا يلزم الكذب ولا النقل
للإنشاء وبقيت إخبارات على موضوعاتها اللغوية وعملنا بالأصل في عدم النقل وأنتم
خالفتموه وفيه نظر بوجهين الوجه الأول أن بناءه على إلجاء ضرورة صدق المتكلم بها
إلى تقدير تقدم مدلولاتها لا يصح لأن صدق المتكلم مبني على أن كلامه خبر وهو محل
النزاع
____________________
(1/42)
يريد به الإخبار عن طلاق امرأته
وكذلك لمن قال لعبده أنت حر وغير ذلك من صيغ الإنشاء بخلاف الخبر فإنه قابل للتصديق
والتكذيب وقد تقدم تقريره في حد الخبر
الوجه الرابع أن الإنشاء لا يقع إلا منقولا عن أصل الوضع في صيغ العقود والطلاق
والعتاق ونحوها وقد يقع إنشاء في الوضع الأول كالأوامر والنواهي فإنها تنشئ الطلب
بالوضع اللغوي الأول والخبر يكفي فيه الوضع الأول في جميع صوره فقول الرجل لامرأته
أنت طالق ثلاثا لا يفيد طلاق امرأته بالوضع الأول بل أصل هذه الصيغة أنه أخبر عن
طلاقها ثلاثا وأن لا يلزمه شيء كما يتفق له في بعض أحواله إذا سألته امرأته بعد
الطلاق فيقول لها أنت طالق ثلاثا إعلاما لها بتقدم الطلاق فهذا هو أصل الصيغة وإنما
صارت تفيد الطلاق بسبب النقل العرفي عن الإخبار إلى الإنشاء وكذلك جميع هذه الصيغ
هامش أنوار البروق
بخلاف صيغ الإنشاء فإنها تفيد مدلولتها في نفس الأمر وفي اعتقاد السامع فصارت
خصيصتها هي الإفادة في نفس الأمر أما في اعتقاد السامع فهو أمر مشترك بينها وبين
الخبر ولا يحصل به التمييز قلت هذا الاحتراز صحيح وما قاله في هذا الفصل كله
مستقيم غير قوله في الخبر أنه يوجب مدلوله في اعتقاد السامع فإن ذلك ليس بلازم إلا
عند اعتقاد السامع صدق المخبر
وأما عند اعتقاده كذبه فلا يوجب ذلك قال وقولنا أو متعلقة لتندرج الإنشاءات بكلام
النفس إلى قوله وسيأتي بيانه في مسائل الإنشاء قلت يلزم عن قوله هذا أنه جمع في
الحد بين حقيقتين مختلفتين وهما القول اللساني والقول النفساني وذلك خلل في الحدود
قال فيقع الفرق على هذا البيان بين الخبر والإنشاء من أربعة أوجه إلى آخر كلامه في
الوجه الثالث قلت كلامه في هذه الأوجه ظاهر مستقيم
قال الوجه الرابع أن الإنشاء لا يقع إلا منقولا عن أصل الوضع في صيغ العقود
والطلاق والعتاق ونحوها وقد يقع إنشاء بالوضع الأول كالأوامر والنواهي فإنها تنشئ
الطلب بالوضع اللغوي الأول والخبر يكفي فيه الوضع الأول في جميع صوره فقول الرجل
لامرأته أنت طالق ثلاثا
هامش إدرار الشروق
الوجه الثاني أنا لا نسلم أن ما نحن فيه من الإضمار المتفق عليه ضرورة أنه مفتقر
إلى تقدير وقوع ما لم يقع ثم إضماره أو إلى تقدير وقوعه دون إضماره وتقدير وقوع ما
لم يقع ليس هو الإضمار وثانيها أنها لو كانت إخبارا لكانت إما كاذبة ولا عبرة بها
أو صادقة فتكون متوقفة على تقدم أحكامها فحينئذ إما أن تتوقف عليها أيضا فيلزم
الدور أو لا تتوقف عليها فيلزم أن يطلق امرأته أو يعتق عبده وهو ساكت وذلك خلاف
الإجماع
وأجاب الأحناف بأن الدور غير لازم لأن النطق باللفظ لا يتوقف على شيء وبعده يقدر
تقدم المدلول وبعد تقدير المدلول يحصل الصدق ويلزم الحكم فالصدق
____________________
(1/43)
تنبيه اعتقد جماعة من الفقهاء أن قولنا في حد الخبر أنه
المحتمل للصدق والكذب أن هذا الاحتمال لهما استفاده الخبر من الوضع اللغوي وأن
الوضع اقتضى ذلك وليس كذلك بل لا يحتمل الخبر من حيث الوضع إلا الصدق خاصة وتقريره
أن العرب إنما وضعت الخبر للصدق دون الكذب لإجماع النحاة والمتحدثين على اللسان أن
معنى قولنا قام زيد حصول القيام في الزمان الماضي ولم يقل أحد أن معناه صدور
القيام أو عدمه بل جزم الجميع بالصدور
وكذلك جميع الأفعال الماضية وكذلك الأفعال المستقبلة نحو قولنا سيقوم زيد معناه
صدور القيام عنه في الزمن المستقبل عينا لا أن معناه صدور القيام أو عدمه وكذلك
أسماء الفاعلين والمفعولين كقولنا زيد قائم معناه أنه موصوف بالقيام عينا وكذلك
المجرورات نحو زيد في الدار معناه لغة استقراره فيها دون عدم استقراره لم
هامش أنوار البروق
لا يفيد طلاق امرأته بالوضع الأول بل أصل هذه الصيغة أنه أخبر عن طلاقها ثلاثا وأن
لا يلزمه شيء كما يتفق له في بعض أحواله إذا سألته امرأته بعد الطلاق فيقول لها
أنت طالق ثلاثا إعلاما لها بتقدم الطلاق قلت لقائل أن يقول بل يقع غير منقول على
وجه الاشتراك لكن يترجح قول المؤلف برجحان المجاز على الاشتراك
قال شهاب الدين تنبيه اعتقد جماعة من الفقهاء أن قولنا في حد الخبر أنه المحتمل
للصدق والكذب أن هذا الاحتمال لهما استفادة الخبر من الوضع اللغوي وأن الوضع اقتضى
له ذلك وليس كذلك بل لا يحتمل الخبر من حيث الوضع إلا الصدق خاصة وتقريره أن العرب
إنما وضعت الخبر للصدق دون الكذب لإجماع النحاة والمتحدثين على اللسان أن معنى
قولنا قام زيد حصول القيام في الزمن الماضي ولم يقل أحد إن معناه صدور القيام أو
عدمه بل جزم الجميع بالصدور وكذلك جميع الأفعال الماضية وكذلك الأفعال المستقبلة
نحو قولنا سيقوم زيد معناه صدور القيام عنه في الزمن المستقبل عينا لا أن معناه
صدور القيام أو عدمه
وكذلك أسماء الفاعلين والمفعولين كقولنا زيد قائم
هامش إدرار الشروق
متوقف مطلقا على التقدير والمتوقف عليه التقدير مطلقا اللفظ فالثلاثة أمور مترتبة
بعضها على بعض ترتب الابن والأب والجد وليس فيها ما هو قبل الآخر وبعده وفيه أنه
لا يحصل بعد تقدير المدلول إلا تقدير الصدق إذ كيف تحصل حقيقة الصدق بناء على
تقدير وقوع ما لم يقع
وثالثها أنها لو كانت إخبارا فإما أن تكون خبرا عن الماضي أو الحاضر فيتعذر
تعليقها عن الشرط حينئذ إذ من شرط الشرط أن لا يتعلق بمستقبل أو تكون خبرا عن
المستقبل فيصح تعليقها على الشرط لكن لا يزيد على التصريح بذلك حينئذ وهو لو صرح
وقال لامرأته ستصيرين طالقا لم تطلق بهذا اللفظ وكذلك ما في معناه
وأجاب الأحناف بالتزام أنها إخبارات عن الماضي ومنع تعذر التعليق عن الماضي مطلقا
بل على خصوص الماضي المحقق لا المقدر كما هنا وذلك لأن معنى التعليق توقيف أمر في
دخوله في الوجود على دخول أمر آخر في الوجود وهو الشرط وما دخل في الوجود وتحقق لا
يمكن توقيف دخوله في الوجود على غيره بخلاف ما كان دخوله في الوجود غير محقق بل
مقدر فإنه يمكن
____________________
(1/44)
يختلف في ذلك اثنان من أئمة العربية فعلمنا أن اللغة إنما
هي الصدق دون الكذب فإن قلت فما معنى قولكم إنه يحتمل الصدق والكذب على هذا
التقرير الذي اقتضى أن الصدق متعين له فلا يحتمل إلا إياه قلت معناه أن ذلك يأتيه
من جهة المتكلم لا من جهة الوضع فإن المتكلم قد يستعمله صدقا على وفق الوضع وقد
يستعمله كذبا على خلاف مطابقة الوضع وقولنا في الشيء إنه يحتمل الشيء الفلاني أعم
من كونه يحتمله من جهة مخصوصة معينة بل إذا احتمله من أي جهة كانت فقد احتمله فإذا
احتمله من جهة المتكلم فقد احتمله من حيث الجملة كقولنا في الممكن إنه قابل للوجود
والعدم لا نريد أنه يقبل الوجود من سبب معين بل من أي جهة كانت وأي سبب كان كذلك
هاهنا ونظير قولنا في الخبر أنه يحتمل الصدق والكذب قولنا في الكلام إنه يحتمل
الحقيقة والمجاز وأجمعنا على أن المجاز ليس من الوضع الأول وكذلك الكذب فالمجاز
والكذب إنما
هامش أنوار البروق
معناه أنه موصوف بالقيام عينا وكذلك المجرورات نحو زيد في الدار معناه لغة
استقراره فيها دون عدم استقراره لم يختلف في ذلك اثنان من أئمة العربية فعلمنا أن
اللغة إنما هي الصدق دون الكذب فإن قلت فما معنى قولكم إنه يحتمل الصدق والكذب على
هذا التقرير الذي اقتضى أن الصدق متعين له فلا يحتمل إلا إياه قلت معناه أن ذلك
يأتيه من جهة المتكلم لا من جهة الوضع فإن المتكلم قد يستعمله صدقا على وفق الوضع
وقد يستعمله كذبا على خلاف مطابقة الوضع
وقولنا في الشيء إنه يحتمل الأمر الفلاني أعم من كونه يحتمله من جهة مخصوصة معينة
بل إذا احتمله من أي جهة كانت فقد احتمله فإذا احتمله من جهة المتكلم فقد احتمله
من حيث الجملة كقولنا في الممكن إنه القابل للوجود والعدم لا نريد أنه يقبل الوجود
من سبب معين بل من أي جهة كانت وأي سبب كان كذلك هنا ونظير قولنا في الخبر إنه
يحتمل الصدق والكذب قولنا إنه يحتمل الحقيقة والمجاز
وأجمعنا على أن المجاز ليس من الوضع الأول وكذلك الكذب فالمجاز والكذب إنما يأتيان
من جهة المتكلم لا من الوضع والذي للوضع هو الصدق والحقيقة
هامش إدرار الشروق
توقيف دخوله في الوجود على غيره فإذا قال لامرأته أنت طالق إن دخلت الدار فقد أخبر
عن ارتباط طلاق امرأته بدخول الدار فيقدر صاحب الشرع هذا الارتباط قبل نطقه به
بالزمن الفرد لضرورة تصديقه وإذا قدر الارتباط قبل النطق صار الإخبار عن الارتباط
ماضيا لأن حقيقة الماضي هو الذي مخبره قبل خبره وهذا كذلك بالتقدير فيكون ماضيا مع
التعليق فقد اجتمع المضي والتعليق بهذا التفسير ولم يناف المضي التعليق فتأمله فهو
دقيق في باب التقديرات وفيه أنه مبني على ضرورة صدق المتكلم وضرورة الصدق مبنية
على كون كلامه خبرا وهو محل النزاع كما تقدم في الجواب عن الاحتجاج الأول
ورابعها أن لزوم طلقة أخرى لمن قال لمطلقته الرجعية أنت طالق بلا خلاف مع أن
إخباره صادق باعتبار الطلقة المتقدمة دليل على أن هذه الصيغة منشئة للطلاق
وأجاب الأحناف بأن قائل ذلك لمطلقته الرجعية إن أراد الإخبار عن الطلقة الماضية لم
تلزمه طلقة ثانية وإن قصد الإخبار عن طلقة ثانية فهو إخبار كاذب لعدم تقدم وقوع
ثانية فيحتاج للتقدير لضرورة التصديق فيلزمه الثانية بالتقدير كالأولى فالمطلقة
____________________
(1/45)
يأتيان من جهة المتكلم لا من جهة الوضع والذي للوضع هو
الصدق والحقيقة فتأمل ذلك
تنبيه قولنا في حد الخبر إنه المحتمل للتصديق والتكذيب إنما يصح على مذهب الجمهور
الذين لا يشترطون في حقيقة الكذب القصد إليه بل يكتفون بعدم مطابقته للمخبر عنه في
نفس الأمر
وقال الجاحظ وغيره يشترط في حقيقة الكذب القصد إليه وعدم المطابقة فعلى رأي هؤلاء
ينقسم الخبر إلى صدق وهو المطابق وكذب وهو غير المطابق الذي قصد إلى عدم مطابقته
وإلى ما ليس بصدق ولا كذب وهو غير المطابق الذي لم يقصد إلى عدم مطابقته فهذا
القسم الثالث لا يكون عندهم صدقا ولا كذبا ولا يحتملهما مع أنه خبر فيصير الحد غير
جامع عندهم فيكون فاسدا لنا
قوله عليه الصلاة
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله في هذا التنبيه خطأ فاحش لا أعلم أحدا من منتحلي شيء من علوم اللسان
ذهب إليه ولا قال أحد قط إن كل كاذب متجوز في إطلاقه لفظه على معناه وما بناه على
قوله هذا من السؤال والجواب بناء على شفا جرف هار وما اغتر به من كون لفظة قام
وضعت للإخبار عن وقوع القيام ممن أسند إليه لا يغتر به إلا من قصر فهمه وقل علمه
قال شهاب الدين تنبيه قولنا في حد الخبر أنه المحتمل للتصديق والتكذيب إنما يصح
على مذهب الجمهور الذين لا يشترطون في حقيقة الكذب القصد إليه بل يكتفون بعدم
مطابقته للمخبر عنه في نفس الأمر
وقال الجاحظ وغيره يشترط في حقيقة الكذب القصد إلى الكذب وعدم المطابقة فعلى رأي
هؤلاء ينقسم الخبر إلى صدق وهو المطابق وكذب وهو غير المطابق الذي قصد إلى عدم
مطابقته وإلى ما ليس بصدق ولا كذب وهو غير المطابق الذي لم يقصد
فهذا القسم الثالث لا يكون عندهم صدقا ولا كذبا ولا يحتملهما مع أنه خبر فيصير
الحد غير جامع عندهم لنا قوله صلى الله عليه وسلم كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما
سمع فجعله إذا حدث بما سمعه كاذبا لأنه فيه غير مطابق في الغالب وإن كان لم يعرفه
حتى يقصد إليه فدل ذلك على عدم اعتبار القصد في الكذب وقوله صلى الله عليه وسلم
هامش إدرار الشروق
الرجعية وغيرها سواء في عدم الاستغناء عن التقدير وإنما يلزم الفرق بينها إذا كان
قوله أنت طالق إخبارا عن الطلقة الأولى وليس كذلك وهذا الجواب أيضا مبني على ضرورة
الصدق وفيه ما في الجوابين عن الاحتجاج الأول والثالث فلا تغفل
وخامسها قوله تعالى فطلقوهن لعدتهن أمر بالطلاق والأمر به لا يمكن أن يكون عائدا
على التحريم فإن التحريم صفة من صفات الله تعالى وكلامه النفساني لا يتعلق به كسب
ولا اختراع فتعين صرفه لأمر آخر يستلزمه توفيته باللفظ الدال على الطلب وما ذلك
الأمر إلا قول القائل أنت طالق فدل ذلك على أن هذه الصيغة سبب التحريم ويترتب
عليها التحريم ولا نعني بكونها إنشاء إلا ذلك
وأجاب الأحناف بأن الأمر عندنا متعلق بإيجاد خبر يقدر الشرع قبله الطلاق فيلزم
الطلاق لا بإيجاد إنشاء الطلاق
____________________
(1/46)
والسلام كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع فجعله إذا حدث
بكل ما سمعه كاذبا لأنه فيه غير مطابق في الغالب وإن كان لم يعرفه حتى يقصد إليه
فدل ذلك على عدم اعتبار القصد في الكذب وقوله عليه الصلاة والسلام من كذب علي
متعمدا فليتبوأ مقعده من النار مفهومه أن من كذب غير متعمد لا يستحق النار فدل ذلك
على تصور حقيقة الكذب من غير قصد إليه وهو المطلوب احتجوا بقوله تعالى أفترى على
الله كذبا أم به جنة فقسم الكفار قوله عليه الصلاة والسلام إلى الكذب وإلى الجنون
الذي لا يتصور معه القصد مع اعتقادهم عدم المطابقة في القسمين فدل ذلك على أنه لا
يسمى كذبا إلا إذا قصد لعدم مطابقته
والجواب لا نسلم أنهم قسموا قوله عليه الصلاة والسلام إلى مطلق الكذب والجنون بل
إلى الافتراء وهو أخص من الكذب فإن الكذب قد يكون مخترعا
هامش أنوار البروق
من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار مفهومه أن من كذب غير متعمد لا يستحق
النار فدل ذلك على تصور حقيقة الكذب من غير قصد إليه
وهو المطلوب احتجوا بقوله تعالى أفترى على الله كذبا أم به جنة فقسم الكفار قوله
صلى الله عليه وسلم إلى الكذب وإلى الجنون الذي لا يتصور معه القصد مع اعتقادهم
عدم المطابقة في القسمين فدل ذلك على أنه لا يسمى كذبا إلا إذا قصد لعدم مطابقته
والجواب لا نسلم أنهم قسموا كلامه عليه الصلاة والسلام إلى مطلق الكذب والجنون بل
إلى الافتراء وهو أخص من الكذب فإن الكذب قد يكون مخترعا من جهة الكاذب لم يسمعه
من غيره فهذا هو الافتراء وما يتبع غيره فيه فلا يقال له افتراء فهم قسموا الكذب
إلى نوعيه المفترى وغيره لا أنهم قسموا الكلام إلى الكذب وغيره فلا يحصل مقصود
الخصم وهذا كقولنا في زيد هو تعمد الكذب أم لم يتعمده أو نقول هو افترى هذا الكذب
واخترعه أو اتبع فيه غيره أو نطق به غفلة من غير قصد ومعلوم أنه إذا صرح بمثل هذا
لا يدل على اشتراط القصد في حقيقة الكذب قلت ما قاله من أن حد الخبر بالمحتمل
للتصديق والتكذيب إنما يصح على مذهب الجمهور ليس بصحيح بل يصح على كل مذهب على
تسليم صحة حده فإن خبر المخبر غير القاصد للكذب قابل
هامش إدرار الشروق
حتى يكون اللفظ سببا كما ذكرتموه بل خبرا صرفا مع التقدير وهذا أمر ممكن متصور فلا
حاجة إلى مخالفة الأصل بالنقل والعدول عن اللغة الصريحة ومقتضى هذا الجواب إبداء
احتمال في متعلق الأمر وهو وإن كان أشبه أجوبتهم وغير مدفوع إلا أنه مرجوح بصحة
الاحتجاجات الخمسة السابقة ومتروك بالاحتجاج الذي قبل الخمسة إن صح قاطعا إذ يكفي
في متونته أنه لم يذكر لهم عنه جواب وأن صحة الجواب عنه لا تتأتى إلا بالمكابرة
فافهم
والقسم الثاني صيغ الحمد والذكر والتنزيه ونحوها قال العلامة الشربيني رأيت عن
بعضهم فيها حكاية قولين لزوم القصد أي قصد الإنشاء وعدمه ولعل الأول مبني على عدم
تسليم النقل فيها بناء على ما قاله بعض إن القول بأنه مشترك بين الإخبار والإنشاء
كصيغ العقود لا يلتفت إليه لأن صيغ العقود نقلها الشرع إلى الإنشاء لمصلحة الأحكام
وإثبات النقل لما نحن فيه أي من نحو صيغ الحمد بلا ضرورة داعية مشكل جدا فالحق
أنها أخبار استعملت في الإنشاء مجازا لأن قصد الإخبار بها بعيد ا ه
____________________
(1/47)
من جهة الكاذب لم يسمعه من غيره فهذا هو الافتراء وما تبع
فيه غيره لا يقال له افتراء فهم قسموا الكذب إلى نوعيه المفترى وغيره لا أنهم
قسموا الكلام إلى الكذب وغيره فلا يحصل مقصود الخصم وهذا كقولنا في زيد هو تعمد
الكذب أم لم يتعمده أو نقول هو ابتدأ هذا الكذب وتعمده أو اتبع فيه غيره أو نطق به
غفلة من غير قصد ومعلوم أنه إذا صرح بمثل هذا لا يدل على اشتراط القصد في حقيقة
الكذب
فصل الإنشاء ينقسم إلى ما اتفق الناس عليه وإلى
ما اختلفوا فيه فالمجمع عليه أربعة أقسام القسم الأول القسم نحو قولنا أقسم بالله
لقد قام زيد ونحوه فإن مقتضى هذه الصيغة أنه أخبر بالفعل المضارع أنه سيكون منه
قسم في المستقبل فكان ينبغي أن لا تلزمه
هامش أنوار البروق
للتصديق والتكذيب كما أن خبر المخبر القاصد للكذب قابل لذلك وإنما أوقعه فيما قاله
ذهاب وهمه إلى الصدق والكذب عوض التصديق والتكذيب وهو قد أبى الحد بهما ولا تلازم
بين الصدق والتصديق والكذب والتكذيب فقد يصدق الكاذب ويكذب الصادق من ليس بعالم
بالغيب ولا يلزم أن لا يكذب من لا يعلم الغيب إلا من قصد الكذب ومن أين يطلع على
قصده لذلك
واستدلاله بما استدل به على صحة مذهب الجمهور صحيح على تقدير أن المرام في المسألة
الظن
وأما على تقدير أن المرام فيها القطع فلا وما أجاب به عن احتجاجهم بقوله تعالى
أفترى على الله كذبا أم به جنة حيث قال فهم قسموا الكذب إلى نوعيه المفترى وغيره
لا أنهم قسموا الكلام إلى الكذب وغيره لا يصح على تقدير أن المرام الظن من جهة أن
ما قالوه هو الظاهر دون ما قاله وأما إن كان المرام القطع فقد يصح على بعد احتمال
ما قاله فإن نسبة الجنون إلى من اتبع غيره في قوله الكاذب في غاية البعد والله
أعلم
قال شهاب الدين فصل الإنشاء ينقسم إلى ما اتفق الناس عليه إلى آخر كلامه في القسم
الرابع قلت جميع ما قاله في ذلك ظاهر صحيح غير قوله في القسم الأول فإن مقتضى هذه
الصيغة أنه
هامش إدرار الشروق
والمجاز إما مرسل بنقل لفظ الجملة من الإثبات على وجه الإخبار إلى مطلق الإثبات ثم
استعماله في الإثبات على وجه الإنشاء إما من جهة كونه فردا فيكون بمرتبة للتقييد
أو من جهة خصوصه فيكون بمرتبتين أي نقلتين للتقييد ثم الإطلاق أو بالاستعارة
المركبة الغير التمثيلية بتشبيه الإنشاء بالخبر إما بناء على التضاد المنزل منزلة
التناسب وإما في تحقق الوقوع حتى كأنه واقع ويستحق الإخبار عنه لما للعصام من أن
التجوز هنا باعتبار الهيئة التركيبية وفي التمثيلية باعتبار مجموع مادة المركب
الموضوع للهيئة المعنوية الحاصلة من اجتماع معاني مفرداته في الذهن
قال العطار وعلى تقدير خبريتها أي صيغة الحمد يقال إن هذه الجملة لم يقصد بها
إخبار أحد بل قصد بها تحصيل الحمد كبقية صيغ الأذكار والتنزيهات وكيف لا تكون كذلك
ومن الذي قصد إخباره حتى تكون الإفادة له ولو فرض مخاطب قصد إخباره لكان الإخبار
به كالإخبار بقولنا السماء فوقنا وقد مر عن علاء الدين النجاري أن الجمل الخبرية
لا يلزمها الإخبار بل قد تكون للتحسر والتحزن فيجوز أن يكون الغرض من هذه القضية
الثناء على الله
____________________
(1/48)
كفارة بهذا القول لأنه وعد بالقسم لا قسم كقول القائل أعطيك
درهما فإنه وعد بالإعطاء لكن لما وقع الاتفاق على أنه بهذا اللفظ أقسم وأن موجب
القسم يلزمه دل ذلك على أنه أنشأ به القسم لا أنه أخبر به عن وقوعه في المستقبل
وهذا أمر اتفق عليه الجاهلية والإسلام ولذلك لا يحتمل التصديق والتكذيب وجميع
لوازم الإنشاء موجودة فيه فدل ذلك على أنه إنشاء ولذلك يقول فيه من أحاط بذلك من
فضلاء النحاة القسم جملة إنشائية يؤكد بها جملة خبرية
القسم الثاني الأوامر والنواهي إنشاء متفق عليه
في الجاهلية والإسلام فإن قول القائل افعل لا تفعل يتبعه إلزام الفعل أو الترك
ويترتب عليه ولا يحتمل التصديق والتكذيب ولا يقبل لوازم الخبر ويلزمه جميع لوازم
الإنشاء فيكون إنشاء
القسم الثالث الترجي نحو لعل الله يأتينا بخير والتمني نحو ليت لي مالا فأنفق منه
والعرض نحو ألا تنزل عندنا فتصيب خيرا والتحضيض وصيغه أربع وهي ألا وهلا ولو ما
ولولا نحو ألا تشتغل بالعلم وهلا اشتغلت به ولو ما اشتغلت به فإن هذه الصيغ كلها
للطلب ويتبعها الطلب ويترتب عليها ولا تقبل التصديق ولا التكذيب فهي كالأوامر
والنواهي إنشاء كما تقدم
هامش أنوار البروق
أخبر بالفعل المضارع أنه سيكون منه قسم في المستقبل فإنه ليس بصحيح مع تسليم ما
حكاه من الإجماع عن أهل الجاهلية والإسلام أنه بهذا اللفظ أنشأ القسم وإذا كان
الأمر كما قال عندهم وهم جميع أهل اللسان فكون تلك الصيغة مقتضاها الإخبار إنما
يكون عند غير أهل اللسان ولا اعتبار بهم ولا حجة فيهم
هامش إدرار الشروق
والتحميد فيكون قائلها حامدا كما كانت امرأة عمران متحسرة ولا تخرج بذلك عن كونها
محتملة للصدق والكذب لأنها إذا نظر لمجرد مفهومها تحتملها وهذا هو الفاصل للخبر عن
الإنشاء
ا ه بتغيير وتصرف قلت وعلى هذا فصيغة الحمد والذكر والتنزيه ونحوها من قبيل
الكناية إما بمعنى اللفظ المستعمل في غير ما وضع له لملاحظة علاقته مع جواز إرادته
معه أو بمعنى اللفظ المستعمل فيما وضع له لكن لا ليكون مقصودا بالذات بل لينتقل
منه إلى لازمه المقصود بالذات لما بينهما من العلاقة على الطريقتين فيها من كونه
واسطة بين الحقيقة والمجاز أو حقيقة كما في رسالة الصبان البيانية وفي حاشية
الأنبابي عليها ما حاصله أن الجملة الخبرية كثيرا ما تورد مرادا بها معناها أي
مفهومها المحتمل للصدق والكذب لأغراض أخر سوى إفادة الحكم أي الإعلام بمضمونها أو
لازمه أي كون المتكلم عالما به كالتحسر ونحوه من المعاني الإنشائية بدون استعمالها
في ذلك الغرض بل يراد بطريق الكناية فيما فيه علاقتها من اللزوم
____________________
(1/49)
القسم الرابع النداء نحو يا زيد اختلف فيه النحاة هل فيه فعل مضمر
تقديره أنادي زيدا أو الحرف وحده مفيد للنداء فقيل على الأول لو كان الفعل مضمرا
والتقدير أنادي زيدا لقبل التصديق والتكذيب أجاب المبرد عن ذلك بأن الفعل مضمر ولا
يلزم قبوله التصديق والتكذيب لأنه إنشاء والإنشاء لا يقبلهما ويؤكد الإنشاء في
النداء أنه طلب لحضور المنادى والطلب إنشاء نحو الأوامر والنواهي فهو مما اتفق على
أنه إنشاء لكن الخلاف في الإضمار وعدمه فقط فهذه الأقسام متفق عليها في الجاهلية
والإسلام
وأما المختلف فيه هل هو إنشاء أو خبر فهي صيغ العقود نحو بعت واشتريت وأنت حر
وامرأتي طالق ونحو ذلك
قالت الحنفية إنها إخبارات على أصلها اللغوي وقال غيرهم إنها إنشاءات منقولة عن
الخبر إليه احتج هؤلاء بأمور أحدها أنها لو كانت إخبارا لكانت كاذبة لأنه لم يبع
قبل ذلك الوقت ولم يطلق والكذب لا عبرة به لكنها معتبرة فدل ذلك على أنها ليست
إخبارا بل إنشاء لحصول لوازم الإنشاء فيها من استتباعاته لمدلولاتها وغير ذلك من
اللوازم
وثانيها أنها لو كانت إخبارا لكانت إما كاذبة ولا عبرة بها أو صادقة فتكون متوقفة
هامش أنوار البروق
قال وأما المختلف فيه هل هو إنشاء أو خبر فهي صيغ العقود نحو بعت واشتريت وأنت حر
وامرأتي طالق ونحو ذلك قالت الحنفية إنها إخبارات على أصلها اللغوي
وقال غيرهم إنها إنشاءات منقولة عن الخبر إليه احتج هؤلاء بأمور أحدها أنها لو
كانت إخبارا لكانت كاذبة لأنه لم يبع قبل ذلك الوقت ولم يطلق
والكذب لا عبرة به لكنها معتبرة فدل ذلك على أنها ليست إخبارا بل إنشاء
هامش إدرار الشروق
الخاص أو بطريق التعريض في غيره أي فهي حينئذ جملة خبرية خارجة عن الأصل في الخبر
من الإعلام بمضمونه يقال للمتكلم بها مخبر لا معلم لأن الإعلام في العرف التلفظ
بالجملة الخبرية مرادا بها معناه وإن لم يحصل بها العلم ولذا يعتق الكل فيما إذا
قال من أخبرني بقدوم زيد فهو حر وأخبروه على التعاقب كما صرح به السعد في شرح
الكشاف فصل في ست مسائل حسنة في بابها توضح
الإنشاء المسألة الأولى يعتقد الفقهاء أن قول القائل لامرأته أنت علي كظهر أمي
إنشاء للظهار كما أن قوله لها أنت طالق إنشاء للطلاق محتجين بثلاثة أوجه أحدها أن
كتب المحدثين والفقهاء متظافرة على أن الظهار كان طلاقا في الجاهلية فجعله الله
تعالى في الإسلام تحريما تحله الكفارة كما تحل الرجعة تحريم الطلاق كما ورد في ذلك
حديث أبي داود وهو أن خويلة بنت شريك قالت ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت فأتيت رسول
الله صلى الله تعالى عليه وسلم أشكو إليه وهو عليه السلام يجادلني فيه ويقول اتق
الله فإنه ابن عمك فما برحت حتى نزل قوله تعالى قد سمع الله قول التي تجادلك في
زوجها الآية فقال ليعتق رقبة قالت لا يجد قال فيصوم شهرين متتابعين قالت يا رسول
الله إنه شيخ كبير ما به من صيام قال فليطعم ستين مسكينا قالت ما عنده من شيء
يتصدق به قال فإني سأعينه بفرق من تمر قلت يا رسول الله وأنا سأعينه بفرق آخر قال
أحسنت فاذهبي وأطعمي عنه ستين مسكينا وارجعي إلى ابن عمك لاقتضاء هذا الحديث
____________________
(1/50)
على تقدم أحكامها فحينئذ إما أن تتوقف عليها أيضا فيلزم
الدور أو لا تتوقف عليها فيلزم أن يطلق امرأته أو يعتق عبده وهو ساكت وذلك خلاف
الإجماع
وثالثها أنها لو كانت إخبارا فإما أن تكون خبرا عن الماضي أو الحاضر وحينئذ يتعذر
تعليقها على الشرط لأن من شرط الشرط أن لا يتعلق إلا بمستقبل أو خبر عن المستقبل
وحينئذ لا يزيد على التصريح بذلك وهو لو صرح وقال لامرأته ستصيرين طالقا لم تطلق
بهذا اللفظ وكذلك ما في معناه
ورابعها أنه لو قال للمطلقة الرجعية أنت طالق لزمه طلقة أخرى مع أن إخباره صادق
باعتبار الطلقة المتقدمة فلا حاجة إلى طلقة أخرى لكن لما لزمه طلقة أخرى دل ذلك
على أن هذه الصيغة منشئة للطلاق
وخامسها قوله تعالى فطلقوهن لعدتهن والأمر بالطلاق لا يمكن أن يكون عائدا على
التحريم فإن التحريم صفة من صفات الله تعالى وكلامه النفساني لا يتعلق به كسب ولا
اختراع فتعيين صرفه لأمر آخر يقتضيه ويستلزمه توفية باللفظ الدال على الطلب وما
ذلك إلا قول القائل أنت طالق فدل ذلك على أن هذه الصيغة سبب التحريم ويترتب عليها
التحريم ولا نعني بكونها إنشاء إلا ذلك
وسادسها أن الإنشاء هو المتبادر في العرف إلى الفهم فوجب أن يكون منقولا إليه
كسائر المنقولات
هامش أنوار البروق
لحصول لوازم الإنشاء فيها من استتباعها لمدلولاتها وغير ذلك من اللوازم وثانيها
أنها لو كانت إخبارا لكانت إما كاذبة ولا عبرة بها أو صادقة فتكون متوقفة على تقدم
أحكامها وحينئذ إما أن تتوقف عليها أيضا فيلزم الدور أو لا تتوقف عليها فيلزم أن
يطلق امرأته أو يعتق عبده
وهو ساكت وذلك خلاف الإجماع وثالثها أنها لو كانت إخبارا فإما أن تكون خبرا عن
الماضي أو الحاضر وحينئذ يتعذر تعليقها
هامش إدرار الشروق
أن الحال قبل نزول الآية كان يقتضي أنها لا ترجع إليه بطريق من الطرق وهذا هو
الطلاق المؤبد والطلاق إنشاء فيكون الظهار كذلك لأنه كان عندهم طلاقا والأصل عدم
النقل والتغيير ومن ادعاه فعليه الدليل وثانيها أنه لفظ يترتب عليه التحريم فيكون
سببا لمدلوله الذي هو التحريم وكل ما كان سببا لمدلوله فهو إنشاء فيكون إنشاء
كالطلاق
وثالثها أن خروج هذا اللفظ عن صنيع الإنشاء بعيدا جدا لأن استتباعه أحكاما تترتب
عليه من التحريم والكفارة وغيرهما يوجب أن يكون إنشاء مثل الطلاق والعتاق من صيغ
الإنشاء لا سيما وقد نص الفقهاء على أن له صريحا وكناية كالطلاق وغيره والحق أنه
خبر لا إنشاء لأن من خصائص الإنشاء عدم قبوله للتصديق والتكذيب وقد كذب الله
سبحانه المظاهرين بقوله تعالى الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن
أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا في ثلاثة مواطن
____________________
(1/51)
والجواب قالت الحنفية أما الأول فإنما يلزم أن يكون كذبا أن
لو لم يقدر فيها صاحب الشرع تقدم مدلولاتها قبل النطق بها بالزمن الفرد لضرورة
تصديق المتكلم بها لكن الإضمار أولى من النقل لما تقرر في علم الأصول ولأن جواز
الإضمار في الكلام مجمع عليه والنقل مختلف فيه والمجمع عليه أولى ومتى كان المدلول
مقدرا قبل الخبر كان الخبر صادقا فلا يلزم الكذب ولا النقل للإنشاء وبقيت إخبارات
على موضوعاتها اللغوية وعملنا بالأصل في عدم النقل وأنتم خالفتموه
وعن الثاني أن الدور غير لازم لأن النطق باللفظ لا يتوقف على شيء وبعده يقدر تقدم
المدلول وبعد تقدير المدلول يحصل الصدق ويلزم الحكم فالصدق متوقف مطلقا واللفظ
متوقف عليه مطلقا والتقدير متوقف على النطق ويتوقف عليه الصدق فههنا ثلاثة أمور
مترتبة بعضها على بعض وليس فيها ما هو قبل الآخر وبعده حتى يلزم الدور بل هي
كالابن والأب والجد في الترتيب والتوقف فاندفع الدور
وعن الثالث أنا نلتزم أنها إخبارات عن الماضي ولا يتعذر التعليق وبيانه أن الماضي
له تفسير أن أحدهما ماض تقدم مدلوله قبل النطق به من غير تقدير فهذا يتعذر تعليقه
لأن معنى التعليق توقيف أمر في دخوله في الوجود على دخول أمر آخر في الوجود وهو
هامش أنوار البروق
على الشرط لأن من شرط الشرط أن لا يتعلق إلا بمستقبل أو خبر عن مستقبل وحينئذ لا
يزيد على التصريح بذلك وهو لو صرح وقال لامرأته ستصيرين طالقا لم تطلق بهذا اللفظ
وكذلك ما في معناه ورابعها أنه لو قال للمطلقة الرجعية أنت طالق لزمه طلقة أخرى مع
أن إخباره صادق باعتبار الطلقة المتقدمة فلا حاجة إلى طلقة أخرى لكن لما لزمه طلقة
أخرى دل ذلك على أن هذه الصيغة منشئة للطلاق وخامسها قوله تعالى فطلقوهن لعدتهن
والأمر بالطلاق لا يمكن أن يكون عائدا على
هامش إدرار الشروق
@ 52 الأول بنفي ما أثبتوه بقوله تعالى ما هن
أمهاتهم ولا يحسن أن يقال لمن قال لامرأته أنت طالق ما هي مطلقة وإنما يحسن ذلك
إذا أخبره عن تقدم طلاقها ولم يتقدم فيها طلاق
والثاني بجعل قولهم منكرا بقوله تعالى وإنهم ليقولون منكرا من القول والإنشاء
للتحريم لا يكون منكرا بدليل الطلاق وإنما يكون منكرا إذا جعلناه خبرا فإنه حينئذ
كذب والكذب منكر
والثالث بجعل قولهم زورا بقوله تعالى وزورا والزور هو الخبر الكذب فيكون قولهم
كذبا وهو المطلوب وإذا كذبهم الله في هذه المواطن دل ذلك على أن قولهم خبر لا
إنشاء ولا حجة لهم في الوجه الأول لأن قولهم أنه كان طلاقا في الجاهلية لا يقتضي
إلا أن العصمة في الجاهلية تزول عند النطق به وزوالها يجوز أن يكون لأنه إنشاء كما
قلتم أو لأنه كذب وجرت عادتهم أن من أخبر بهذا الخبر الكذب لا تبقى امرأته في
عصمته متى التزم بجاهليتهم وليس في حال الجاهلية ما ينفي ذلك بل لعلهم في أحوالهم
أكثر من ذلك فقد التزموا أن الناقة إذا جاءت بعشرة من الولد تصير سائبة فجاز أن
يلتزموا ذهاب العصمة عند كذب خاص والاحتمال الأول وإن كان ظاهرا أو قريبا إلا أن
القرآن الكريم يقوي الاحتمال الثاني بقوله تعالى ما هن أمهاتهم الآية فإن التكذيب
كما تقدم من خصائص الخبر فيكون ظهارهم خبرا كذبا
____________________
(1/52)
الشرط وما دخل في الوجود وتحقق لا يمكن توقيف دخوله في
الوجود على غيره فلأجل ذلك تعذر تعليق الماضي المحقق وثانيهما ماض بالتقدير لا
بالتحقيق فهذا يصح تعليقه وتقديره أنه إذا قال لامرأته أنت طالق إن دخلت الدار فقد
أخبر عن ارتباط طلاق امرأته بدخول الدار فيقدر صاحب الشرع هذا الارتباط قبل نطقه
به بالزمن الفرد لضرورة تصديقه وإذا قدر الارتباط قبل النطق صار الإخبار عن
الارتباط ماضيا لأن حقيقة الماضي هو الذي مخبره قبل خبره وهذا كذلك بالتقدير فيكون
ماضيا مع التعليق فقد اجتمع المضي والتعليق بهذا التفسير ولم يناف المضي التعليق
فتأمله فهو دقيق في باب التقديرات وعن الرابع أن المطلقة الرجعية إذا قال لها أنت
طالق إن أراد الإخبار عن الطلقة الماضية لم تلزمه طلقة ثانية
وإن لزم الإخبار عن طلقة ثانية فهو إخبار كاذب لعدم تقدم وقوع ثانية فيحتاج
للتقدير لضرورة التصديق فتلزمه الثانية بالتقدير كالأولى فقولكم إن المطلقة
الرجعية تستغني عن التقدير غير مسلم بل هي وغيرها سواء وإنما يلزم الفرق بينها
وبين غيرها إذا كان قوله أنت طالق إخبارا عن الطلقة الأولى وليس كذلك وعن الخامس
أن الأمر عندنا متعلق بإيجاد خبر يقدر الشرع قبله الطلاق فيلزم الطلاق لا إنشاء
الطلاق حتى يكون اللفظ سببا كما ذكرتموه بل خبرا صرفا مع التقدير وهذا أمر ممكن
هامش أنوار البروق
التحريم فإن التحريم صفة من صفات الله تعالى وكلامه النفساني لا يتعلق به كسب ولا
اختراع فتعين صرفه لأمر آخر يقتضيه ويستلزمه توفية باللفظ الدال على الطلب وما ذلك
إلا قول القائل أنت طالق فدل ذلك على أن هذه الصيغة سبب التحريم ويترتب عليها
التحريم
ولا نعني بكونها إنشاء إلا ذلك وسادسها أن الإنشاء هو المتبادر في العرف إلى الفهم
فوجب أن يكون منقولا إليه كسائر المنقولات
والجواب قالت الحنفية أما الأول فإنما يلزم أن يكون كذبا إن لو لم يقدر فيها صاحب
الشرع تقدم مدلولاتها قبل النطق بها بالزمن الفرد لضرورة تصديق المتكلم بها لكن
الإضمار أولى من
هامش إدرار الشروق
التزموا عقيبه ذهاب العصمة كسائر ملتزماتهم الباطلة وقد عدها العلماء نحو عشرين
نوعا من التحريمات التزموها بغير سبب يقتضيها من جهة الشرائع وهي مبسوطة في غير
هذا الكتاب والآية المذكورة وإن كان الفعل فيها مضارعا لا ماضيا لا نسلم أنها خاصة
بمن يفعل ذلك في المستقبل بعد نزولها أو حال نزولها لأمور
أحدها أن العرب قد تستعمل الفعل المضارع للحالة
المستمرة كقولهم يعطي ويمنع ويصل ويقطع تريد هذا شأنه أبدا في الماضي والحال
والاستقبال ومنه قول خديجة رضي الله تعالى عنها لرسول الله صلى الله تعالى عليه
وسلم إن الله لن يخزيك أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتعين على
نوائب الحق أي هذا شأنك وسجيتك في جميع عمرك وعلى هذا تنتظم الآية
والثاني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم تناول الآية للمظاهرة الماضية أيضا
وأدخل المظاهرة الماضية في عمومها من أوس بن الصامت وإلا لما فعل ذلك عليه الصلاة
والسلام
____________________
(1/53)
متصور فلا حاجة إلى مخالفة الأصل بالنقل والعدول عن اللغة
الصريحة فهذه أجوبة حسنة للحنفية وأما الوجه السادس فلا يتأتى الجواب عنه إلا
بالمكابرة فإن المبادرة للإنشاء والعدول عن الخبر مدرك لنا بالعقول بالضرورة ولا نجد
في أنفسنا أن القائل لامرأته أنت طالق أنه يحسن تصديقه وتكذيبه بما ذكروه من
التقدير والبحث في هذا المقام يعتمد التناصف في الوجدان فمن لم ينصف يقل ما شاء
وأما الأجوبة المتقدمة عن بقية الوجوه فمتجهة صحيحة والسادس هو العمدة المحققة
والله أعلم
فهذا تلخيص هذه المباحث من الجهتين على أتم الوجوه ولم أرها لأحد من الحنفية
والشافعية ولا غيرهم على هذا الوجه وكل ذلك من فضل الله تعالى
ثم أوشح ما تقدم بمسائل جليلة ومباحث جميلة وهي ست المسألة الأولى مما يتوهم أنه
إنشاء وليس كذلك وهو الظهار في قول القائل لامرأته أنت علي كظهر أمي يعتقد الفقهاء
أنه إنشاء للظهار كقوله أنت طالق إنشاء للطلاق فإن البابين في الإنشاء سواء وليس
كذلك وبيانه من وجوه أحدها أنه قد تقدم أن من
هامش أنوار البروق
النقل لما تقرر في علم الأصول ولأن جواز الإضمار في الكلام مجمع عليه والنقل مختلف
فيه والمجمع عليه أولى
ومتى كان المدلول مقدرا قبل الخبر كان الخبر صادقا فلا يلزم الكذب ولا النقل
للإنشاء وبقيت إخبارات على موضوعاتها اللغوية وعملنا بالأصل في عدم النقل وأنتم
خالفتموه وعن الثاني أن الدور غير لازم لأن النطق باللفظ لا يتوقف على شيء وبعده
يقدر تقدم المدلول وبعد تقدير المدلول يحصل الصدق ويلزم الحكم فالصدق متوقف مطلقا
واللفظ متوقف عليه مطلقا والتقدير متوقف على النطق ويتوقف عليه الصدق فههنا ثلاثة
أمور مترتبة بعضها بعد بعض وليس فيها ما هو قبل الآخر وبعده حتى يلزم الدور بل هي
كالابن والأب والجد في الترتيب والتوقف فاندفع الدور وعن
هامش إدرار الشروق
والثالث أن قول العلماء أنه كان طلاقا فأقر تحريما تحله الكفارة صريح في أنه عين
ما في الجاهلية لا باب آخر تجدد في الشريعة غير ما تقدم كما هو كذلك على فرض تسليم
ما ذكر فافهم ولا حجة لهم أيضا في الوجه الثاني
أما أولا فلأنا لا نسلم ترتب التحريم على الظهار إذ الذي في الآية تقديم الكفارة
على الوطء كتقديم الطهارة على الصلاة فإذا قال الشارع تطهر قبل أن تصلي لا يقال
الصلاة محرمة بل ذلك نوع من الترتيب كتقديم الإيمان على الفروع وتقديم الإيمان
بالصانع على تصديق الرسل
وأما ثانيا فلأنا لو سلمنا ذلك الترتيب لا نسلم أن التحريم اقتضاء لفظ الظهار
بدلالته عليه كالطلاق مع تحريم الوطء حتى يكون إنشاء لجواز أن يقتضي لفظ الظهار
التحريم والكفارة لا بدلالته عليه بل بالوضع الشرعي أي جعله شرعا سبب ذلك عقوبة
كما ترتب تحريم الإرث على القاتل عمدا وليس القتل إنشاء لتحريم الإرث وكما ترتب
التعزير وإسقاط العدالة والعزل من الولاية وغير ذلك من الأحكام على
____________________
(1/54)
خصائص الإنشاء عدم قبوله للتصديق والتكذيب والله سبحانه
وتعالى يقول الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي
ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا فكذبهم الله في ثلاثة مواطن بقوله
تعالى ما هن أمهاتهم فنفى تعالى ما أثبتوه ومن قال لامرأته أنت طالق لا يحسن أن
يقال له ما هي مطلقة وإنما يحسن ذلك إذا أخبر عن تقدم طلاقها ولم يتقدم فيها طلاق
فدل ذلك على أن قول المظاهر خبر لا إنشاء والموطن الثاني في قوله تعالى وإنهم
ليقولون منكرا من القول والإنشاء للتحريم لا يكون منكرا بدليل الطلاق وإنما يكون
منكرا إذا جعلناه خبرا فإنه حينئذ كذب والكذب منكر والموطن الثالث قوله تعالى
وزورا والزور هو الخبر الكذب فيكون قولهم كذبا وهو المطلوب وإذا كذبهم الله في هذه
المواطن دل ذلك على أن قولهم خبر لا إنشاء
وثانيها أنا أجمعنا على أن الظهار محرم وليس للتحريم مدرك إلا أنه كذب والكذب
هامش أنوار البروق
الثالث أنا نلتزم أنها إخبارات عن الماضي ولا يتعذر التعليق وبيانه أن الماضي له
تفسير أن أحدهما ماض تقدم مدلوله قبل النطق به من غير تقدير فهذا يتعذر تعليقه لأن
معنى التعليق توقيف أمر في دخوله في الوجود على دخول أمر آخر في الوجود وهو الشرط
وما دخل في الوجود وتحقق لا يمكن توقيف دخوله في الوجود على غيره فلذلك تعذر تعليق
الماضي المحقق وثانيهما ماض بالتقدير لا بالتحقيق فهذا يصح تعليقه
وتقديره أنه إذا قال لامرأته أنت طالق إن دخلت الدار فقد أخبر عن
هامش إدرار الشروق
الخبر الكذب فلا يكون إنشاء إذ الإنشاء إنما هو أن يكون ذلك اللفظ وضع لذلك
التحريم ويدل عليه كصيغ العقود وبالجملة فكونه سببا بالقول أعم من كونه سببا
بالإنشاء بدليل ما يترتب على الإخبارات الكاذبة من الأحكام الشرعية بسبب أن الشارع
نصبها أسبابا لتلك الأحكام والأعم لا يستلزم الأخص فلا يستدل بمطلق السببية عن
الإنشاء ولا يقاس ترتب التحريم والكفارة على الظهار على ترتب التحريم على الطلاق لأن
جهة الأول العقوبة على الكذب وجهة الثاني دلالة اللفظ عليه فافهم ولا حجة لهم أيضا
في الوجه الثالث
أما أولا فلأنه قياس في الأسباب فلا يصح وعلى صحته فهو قياس على خلاف النص الصريح
من القرآن المخبر عن كونه كذبا والكذب بالضرورة لا يكون في الإنشاء وإذا كان على خلاف
نص القرآن لا يسمع نعم لقائل أن يقول إن المتبادر إلى الفهم عرفا أنه إنشاء فإن
ثبت هذا الفرق على السلف أعني الصحابة رضي الله تعالى عنهم وانتهى الأمر فيه إلى
القطع تعين تأويل القرآن وإلا بقيت المسألة محتملة
وأما ثانيا فلأن قول الفقهاء للظاهر صريح وكناية ليس بمساو لقولهم إن للطلاق صريحا
وكناية في الرجوع إلى تفاوت الدلالة على التحريم في البابين حتى يكون فيه دلالة
على أن الظهار إنشاء بل الأول إشارة إلى تفاوت مراتب الكذب فالصريح منه أقبح وأشنع
فيكون أولى بترتب الأحكام عليه والثاني يرجع إلى تفاوت الدلالة على التحريم
فالبابان مختلفان وليس كل ما له صريح وكناية إنشاء ألا ترى أن القذف فيه
____________________
(1/55)
لا يكون إلا في الخبر فيكون خبرا فإن قلت الطلاق الثلاث
إنشاء وهو محرم فلا يستدل بالتحريم على الخبر قلت الطلاق محرم لا للفظه بل للجمع
بين الطلقات الثلاث من غير ضرورة وأما تحريم الظهار فلأجل اللفظ وليس في اللفظ ما
يقتضي التحريم إلا كونه كذبا لأن الأصل عدم غيره ومتى كان كذبا كان خبرا لأن
التكذيب من خصائص الخبر
وثالثها أن الله تعالى شرع فيه الكفارة وأصل الكفارة أن تكون زاجرة ماحية للذنب
فدل ذلك على التحريم وإنما يثبت التحريم إذا كان كذبا كما تقدم من بقية التقرير
ورابعها قول الله تعالى بعد ذكر الكفارة ذلكم توعظون به والوعظ إنما يكون عن
المحرمات فإذا جعلت الكفارة وعظا دل ذلك على أنها زاجرة لا ساترة وأنه حصل هنالك
ما يقتضي الوعظ وما ذلك إلا الظهار المحرم فيكون محرما لكونه كذبا فيكون خبرا كما
تقدم في التقرير
وخامسها قوله تعالى في الآية وإن الله لعفو غفور والعفو والمغفرة إنما يكونان في
المعاصي فدل ذلك على أنه معصية ولا مدرك للمعصية إلا كونه كذبا والكذب لا يكون إلا
في الخبر فيكون خبرا وهو المطلوب
فإن قلت بل هو إنشاء من وجوه
هامش أنوار البروق
ارتباط طلاق امرأته بدخول الدار فيقدر صاحب الشرع هذا الارتباط قبل نطقه بالزمن
الفرد لضرورة تصديقه وإذا قدر الارتباط قبل النطق صار الإخبار عن الارتباط ماضيا
لأن حقيقة الماضي هو الذي مخبره قبل خبره وهذا كذلك بالتقدير فيكون ماضيا مع
التعليق فقد اجتمع التعليق والمضي بهذا التفسير ولم يناف المضي التعليق فتأمله وعن
الرابع أن المطلقة الرجعية إذا قال لها أنت طالق إن أراد الإخبار عن الطلقة
الماضية لم يلزمه طلقة ثانية وإن قصد الإخبار عن طلقة ثانية فهو إخبار كاذب لعدم
تقدم وقوع ثانية فيحتاج للتقدير لضرورة التصديق فتلزمه الثانية بالتقدير كالأولى
فقولكم إن المطلقة
هامش إدرار الشروق
الصريح كقوله أنت زنيت بفلانة وهو ليس بإنشاء خبر صرف إجماعا إما كاذب أو صادق
وفيه الكناية كالتعريض مثل قوله ما أنا بزان ولا أمي بزانية فكذلك هاهنا لفظ
الظهار منه ما هو صريح وهو ما جمع بين ظهر ومؤبد تحريمها كقوله أنت كظهر أمي مما
هو صريح في الإخبار عن التشبيه الذي نفاه الله تعالى وجعله كذبا وزورا ومنه ما هو
كناية يشير إلى هذا التشبيه وهو ما لم يجمع بين الظهر ومؤبدة التحريم كقوله أنت
كأمي أو كظهر الأجنبية ودعوى أن قولهم ينصرف صريح الظهار وكنايته للطلاق ولا ينصرف
صريح الطلاق وكنايته للظهار يدل على أن للظهار أصلا ينصرف عنه للطلاق وما ذلك
الأصل إلا نقل العرف الظهار من الإخبار إلى الإنشاء غير مسموعة على أن انصراف صريح
كل منهما للآخر وكناية كل منهما للآخر وعدم
____________________
(1/56)
أحدها أن كتب المحدثين والفقهاء متظافرة على أن الظهار كان طلاقا في الجاهلية فجعله
الله تعالى في الإسلام تحريما تحله الكفارة كما تحل الرجعة تحريم الطلاق والحديث
في أبي داود ورد في ذلك وهو أن خويلة بنت مالك قالت ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت
فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشكو إليه وهو عليه السلام يجادلني فيه ويقول
اتقي الله فإنه ابن عمك فما برحت حتى نزل قوله تعالى قد سمع الله قول التي تجادلك
في زوجها الآية فقال ليعتق رقبة قالت لا يجد قال فيصوم شهرين متتابعين قالت يا
رسول الله إنه شيخ كبير ما به من صيام قال فيطعم ستين مسكينا قالت ما عنده من شيء
يتصدق به قال فإني سأعينه بفرق من تمر قلت يا رسول الله وأنا سأعينه بفرق آخر قال
قد أحسنت فاذهبي وأطعمي عنه ستين مسكينا وارجعي إلى ابن عمك وروي في بعض طرق هذا
الحديث أنها قالت إنه قد أكل شبابي ونثرت له بطني فلما كبرت سني ظاهر مني ولي صبية
صغار إن ضمهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إلي جاعوا قوله عليه السلام أطعمي وارجعي إلى
ابن عمك يقتضي أنه قبل نزول الآية كان الحال يقتضي أنها لا ترجع إليه بطريق من
الطرق وهذا هو الطلاق المؤبد
والطلاق إنشاء فيكون الظهار كذلك لأنه كان عندهم طلاقا والأصل عدم النقل والتغيير
ومن ادعاه فعليه الدليل
وثانيها أنه مندرج في حد الإنشاء فيكون إنشاء لأنه لفظ يترتب عليه التحريم فيكون
هامش أنوار البروق
الرجعية تستغني عن التقدير غير مسلم بل هي وغيرها سواء وإنما يلزم الفرق بينها
وبين غيرها إذا كان قوله أنت طالق إخبارا عن الطلقة الأولى وليس كذلك وعن الخامس
أن الأمر عندنا متعلق بإيجاد خبر يقدر الشرع قبله الطلاق فيلزم الطلاق لا إنشاء
الطلاق حتى يكون اللفظ سببا كما ذكرتموه بل خبرا صرفا مع التقدير
وهذا أمر ممكن متصور فلا حاجة إلى مخالفة الأصل بالنقل والعدول عن
هامش إدرار الشروق
انصرافهما ليس بمتفق عليهما فقد قال خليل في صريح الظهار ولا ينصرف للطلاق وهل
يؤخذ بالطلاق إن نواه مع قيام البينة كأنت حرام كظهر أمي أو كأمي تأويلان
ا ه البناني والأحسن ما أصلح به ابن عاشر عبارته بقوله ولا ينصرف للطلاق وتؤولت
بالانصراف لكن يؤخذ بهما في القضاء
ا ه لإفادته أن عدم الانصراف مطلقا أرجح وقد نقل في التوضيح عن المازري أن المشهور
وكذا قال أبو إبراهيم الأعرج المشهور في المذهب أن صريح الظهار لا ينصرف إلى
الطلاق وأن كل كلام له حكم في نفسه لا يصح أن يضمر به غيره كالطلاق فإنه لو أضمر
به غيره لم يصح ولم يكن يخرج عن الطلاق
ا ه ونقله هكذا أبو الحسن عن ابن محرز وزاد عنه وكذلك لو حلف بالله وقال أردت بذلك
طلاقا أو ظهارا لم يكن ذلك له ولا يلزمه إلا ما حلف به وهو اليمين بالله تعالى ا ه
بلفظه ا ه
وقوله وإن كل كلام إلخ إشارة إلى القاعدة المشهورة وهو أن كل ما هو صريح في باب لا
ينصرف إلى غيره بالنية لأن النية أثرها إنما هو تخصيص العمومات أو تقييد المطلقات
فهي إنما تدخل في المحتملات وإذا نقلت صريحا عن بابه فهو نسخ وإبطال بالكلية
والنسخ لا يكون بالنية ولا يتجه قول ابن يونس وقد قصد الناس في أول الإسلام الطلاق
فصرفه الله تعالى إلى الظهار بإنزال الآية ا ه
لأن ذلك ابتداء شرع ولم يكن تصرفا في مشروع إذ
____________________
(1/57)
سببا له والإنشاء من خصائصه أنه سبب لمدلوله وثبوت خصيصية
الشيء يقتضي ثبوته فيكون إنشاء كالطلاق
وثالثها أنه لفظ يستتبع أحكاما تترتب عليه من التحريم والكفارة وغيرهما فوجب أن
يكون إنشاء كالطلاق والعتاق وغير ذلك من صيغ الإنشاء فإن خروج هذا اللفظ عن باب
الإنشاء بعيد جدا لا سيما وقد نص الفقهاء على أن له صريحا وكناية كالطلاق وغيره
والجواب عن الأول أن قولهم أنه كان طلاقا في الجاهلية لا يقتضي أنهم كانوا ينشئون
الطلاق بل يقتضي ذلك أن العصمة في الجاهلية تزول عند النطق به فمجاز أن يكون
زوالها لأنه إنشاء كما قلتم أو لأنه كذب وجرت عادتهم أن من أخبر بهذا الخبر الكذب
هامش أنوار البروق
اللغة الصريحة فهذه أجوبة حسنة للحنفية وأما الوجه السادس فلا يتأتى الجواب عنه
إلا بالمكابرة فإن المبادرة للإنشاء والعدول عن الخبر مدرك لنا بالعقول بالضرورة
ولا نجد في أنفسنا أن القائل لامرأته أنت طالق أنه يحسن تصديقه بما ذكروه من
التقدير
والبحث في هذا المقام يعتمد التناصف في الوجدان فمن لم ينصف يقل ما شاء قلت أما
احتجاجات غير الحنفية فصحيحة على تقدير أن المرام الظن حاشا الأخير منها فهو قوي
يمكن فيه ادعاء القطع وأما جوابات الحنفية فضعيفة أما الأول فمبني على إلجاء ضرورة
صدق المتكلم بها إلى تقدير تقدم مدلولاتها وصدق المتكلم مبني على أن كلامه خبر وهو
محل النزاع وقولهم في هذا الجواب ولأن جواز الإضمار متفق عليه والنقل مختلف فيه
والمجمع عليه أولى مسلم لكن ليس ما نحن فيه من ذلك فإن ما نحن فيه مفتقرا إلى
تقدير وقوع ما لم يقع ثم إضماره أو إلى تقدير وقوعه دون إضماره وتقدير وقوع ما لم
يقع ليس هو الإضمار فعلى كلا الوجهين ليس ما نحن فيه من
هامش إدرار الشروق
المتقدم ليس شرعا إنما هو اعتقاد الجاهلية ونحن نتكلم في صريح شرعي يصرف عن بابه
بعد مشروعيته ولما قصد أولئك الطلاق لم يتعرضوا لمشروع لأن الشرع جاء بعد ذلك
بنزول الآية فليس هذا من هذا الباب قال الأمير في شرح مجموعه وعلى تأويل عدم
الانصراف يخصص به قولهم في الطلاق وإن نواه بأي كلام لزم ا ه
وقال في ضوء شموعه والتأويل بالانصراف نظر إلى أن قاعدة ما كان صريحا في باب إلخ
ليست كلية ولا متفقا عليها فقد قال عبد الباقي إلا ما نصوا عليه أي من إعمال صريح
العتق بالطلاق ومعلوم أن أكثر قواعد الفقه أغلبية ا ه من موضعين بتصرف ما وتوضيح
وقال عبد الباقي في صريح الطلاق وكنايته عند قول خليل في باب الظهار ولزم أي
الظهار بأي كلام نواه به ما نصه قال أحمد المصنف شامل لما إذا أراده بصريح الطلاق
أو كنايته الظاهرة
وقال بعض من تكلم على المدونة أنه لا يلزمه بالكناية الظاهرة ا ه
وإذا لم يلزم بها فأجرى الصريح كما أنه لا يلزم الطلاق بصريح الظهار على ما تقدم ا
ه أي في قوله وهل
____________________
(1/58)
لا تبقى امرأته في عصمته متى التزم بجاهليتهم وليس في حال
الجاهلية ما يأبى ذلك بل لعبهم في أحوالهم أكثر من ذلك فقد التزموا أن الناقة إذا
جاءت بعشرة من الولد تصير سائبة فمجاز أن يلتزموا ذهاب العصمة عند كذب خاص ويقوي
هذا الاحتمال القرآن الكريم بقوله تعالى ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي
ولدنهم الآية كما تقدم فإن التكذيب من خصائص الخبر فيكون ظهارهم خبرا كذبا التزموا
عقيبه ذهاب العصمة كسائر ملتزماتهم الباطلة وقد عدها العلماء نحو عشرين نوعا من
التحريمات التزموها بغير سبب يقتضيها من جهة الشرائع
وذلك مبسوط في غير هذا الكتاب فإن قلت الآية لا تؤكد هذا الاحتمال فإن الفعل فيها
مضارع لا ماض فقال يظاهرون ولم يقل ظاهروا بصيغة الماضي حتى يتناول الجاهلية بل هو
خاص بمن يفعل ذلك في المستقبل بعد نزول الآية أو حال نزولها
قلت بل يتناول الجميع لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم ذلك وأدخل المظاهر
الماضية في
هامش أنوار البروق
الإضمار المتفق عليه وأما الجواب الثاني فقولهم فيه وبعد تقدير المدلول يحصل الصدق
ليس بصحيح بل لا يحصل إلا تقدير الصدق
وأما الصدق فلا وكيف تحصل حقيقة الصدق بناء على تقدير وقوع ما لم يقع هذا واضح
السقوط والبطلان وأما الجواب الثالث فمبني على ضرورة صدق المتكلم وضرورة الصدق
مبنية على كون كلامه خبرا وهو محل النزاع كما تقدم في الجواب الأول وأما الجواب
الرابع فمبني أيضا على ضرورة الصدق وفيه ما في الأول والثالث
وأما الجواب الخامس فهو أشبه أجوبتهم ومقتضاه إبداء احتمال في متعلق الأمر وهو غير
مدفوع لكنه مرجوح بصحة الاحتجاجات السابقة ومتروك بالاحتجاج السادس إن صح قاطعا
وأما السادس من الاحتجاجات فلم يذكر لهم عنه جوابا فكفى فيه المؤنة
وما قاله من أن الجواب عن هذا الاحتجاج لا يتأتى إلا بالمكابرة صحيح والله أعلم
هامش إدرار الشروق
يؤخذ بالطلاق معه إلخ ا ه البناني ومراد أحمد ببعض من تكلم على المدونة هو الوانوغي
في حاشيته عليها جعل الكناية كالصريح نقله عنه في تكميل التقييد وسلمه وما ذكره من
عدم لزومه بصريح الطلاق هو الذي تقدم عند قوله ولا ينصرف للطلاق إلخ عن أبي
إبراهيم وذكر ابن رشد في المقدمات أن مذهب ابن القاسم أن الرجل إذا قال لامرأته
أنت طالق وقال أردت بذلك الظهار ألزم الظهار بما أقر به من نيته والطلاق بما ظهر
من لفظه ا ه نقله الحطاب عند قوله ولا ينصرف للطلاق ا ه
قلت فالقول بعدم انصراف صريح الطلاق له نظر للقاعدة وعليه فيخصص به قولهم في
الظهار وإن نواه بأي كلام لزم والقول بالانصراف نظر إلى كونها أغلبية لا كلية
فاستثناه منها ويلزمه القول بانصراف كناية الطلاق الظاهرة له بالأولى وقول
الوانوغي بعدم انصرافها له نظر إلى أنها بالظهور قربت من الصراحة فتنبه وقال أبو
الظاهر في كناية الظهار إن عري لفظ الظهار عن النية جرى على الخلاف في انعقاد
اليمين بغير نية أما إن شبه بمحرمة لا على التأبيد وذكر الظهر فهل يكون الطلاق
قصرا للظهار على مورده أو ظهارا قياسا على ذوات الأرحام قولان وإن لم يذكر الظهر
فأربعة أقوال ظهار وإن أراد الطلاق وعكسه وظهار إلا إن أريد الطلاق فيكون طلاقا
وعكسه ا ه
____________________
(1/59)
عموم الآية من أوس بن الصامت ولو لم يكن للماضي والمستقبل
لما فعل ذلك عليه السلام ولقول العلماء إنه كان طلاقا فأقر تحريما تحله الكفارة
وعلى ما يقوله السائل يكون بابا آخر تجدد في الشريعة غير ما تقدم في الجاهلية
والعرب قد تستعمل الفعل المضارع للحالة المستمرة كقولهم يعطي ويمنع ويصل ويقطع
تريد هذا شأنه أبدا في الماضي والحال والاستقبال ومنه قول خديجة رضي الله عنها
لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله لن يخزيك أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل
وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق أي هذا شأنك وسجيتك في جميع عمرك وعلى هذا
تنتظم الآية على الجميع
وعن الثاني أن ترتب التحريم على الظهار ممنوع بل الذي في الآية تقديم الكفارة على
الوطء كتقديم الطهارة على الصلاة فإذا قال الشارع تطهر قبل أن تصلي لا يقال الصلاة
محرمة بل ذلك نوع من الترتيب كتقديم الإيمان على الفروع وتقديم الإيمان بالصانع
هامش أنوار البروق
قال شهاب الدين المسألة الأولى مما يتوهم أنه إنشاء وليس كذلك وهو الظهار في قول
القائل لامرأته أنت علي كظهر أمي يعتقد الفقهاء أنه إنشاء للظهار كقول القائل أنت
طالق إنشاء للطلاق فإن البابين في الإنشاء سواء وليس كذلك وبيانه من وجوه أحدها
أنه قد تقدم أن من خصائص الإنشاء عدم قبوله للتصديق والتكذيب والله سبحانه وتعالى
يقول الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم
وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا فكذبهم الله تعالى في ثلاثة مواطن بقوله تعالى
ما هن أمهاتهم فنفى تعالى ما أثبتوه ومن قال لامرأته أنت طالق لا يحسن أن يقال له
ما هي مطلقة وإنما يحسن ذلك إذا أخبره عن تقدم طلاقها ولم يتقدم فيها طلاق فدل ذلك
أن قول المظاهر خبرا لا إنشاء والموطن الثاني في قوله تعالى وإنهم ليقولون منكرا
من القول والإنشاء للتحريم لا يكون منكرا بدليل الطلاق وإنما يكون منكرا إذا
جعلناه خبرا فإنه حينئذ كذب والكذب منكر
والموطن الثالث قوله تعالى وزورا والزور هو الخبر الكذب فيكون قولهم كذبا وهو
المطلوب وإذا كذبهم الله تعالى في هذه المواطن دل على أن قولهم خبر لا إنشاء
هامش إدرار الشروق
ومراده بالنية في قوله إن عري إلخ الكلام النفساني أي يتكلم بكلامه النفساني في
نفسه كما يتكلم بلسانه والقول بأنه إذا لم يذكر الظهر من الأجنبية وإن أراد الطلاق
بناء على قربه من الصراحة فلا ينصرف للطلاق وعكسه لأن الطلاق شأن الأجنبية فإنها
لا تحرم إلا بالطلاق وهذه الملاحظة هي التي توجب القولين الآخرين غير أنه قدم
النية على اللفظ لضعف اللفظ بعدم ذكر الظهر فعدمت الصراحة فعملت النية والله
سبحانه وتعالى أعلم
المسألة الثانية صريح الطلاق لفظه وما اشتق منه
كطلقت وطالق أو مطلقة بفتح الطاء واللام المشددة لا ما كان فيه الحروف الثلاثة الطاء
واللام والقاف وإن اقتضاه كلام الفقهاء لشموله الانطلاق وما اشتق منه كمنطلقة
ومطلوقة وهي مشكل كما في التوضيح عن القرافي لأن الانطلاق وإن وافق لفظ الطلاق في
تلك المادة إلا أنه لغة بمعنى السير لا بمعنى إزالة عصمة النكاح بخلاف الطلاق
فلزوم الطلاق منتف عن الانطلاق لمغايرة حقيقة الطلاق لحقيقة الانطلاق فإذا قال
القائل أنت طالق فهو إما إخبار عن زوال العصمة أو
____________________
(1/60)
على تصديق الرسل سلمنا أن الظهار يترتب عليه تحريم لكن
التحريم عقيب الشيء قد يكون لأن ذلك الشيء اقتضاه بدلالته عليه كالطلاق مع تحريم
الوطء وهذا هو الإنشاء وقد يكون ترتب التحريم عقب القول أو الفعل لا بدلالة اللفظ
عليه بل عقوبة كما ترتب تحريم الإرث على القاتل عمدا أو ليس القتل إنشاء لتحريم
الإرث وترتب التعزير على الخبر الكذب وإسقاط العدالة والعزل من الولاية وغير ذلك
من الأحكام فهذا الترتيب كله بالوضع الشرعي لا بدلالة اللفظ والإنشاء إنما هو أن
يكون ذلك اللفظ وضع لذلك التحريم ويدل عليه كصيغ العقود فسببية القول أعم من كونه
سببا بالإنشاء فكل إنشاء سبب وليس كل سبب من القول إنشاء بدليل ما يترتب على
الإخبارات الكاذبة من الأحكام الشرعية وقد نصب الشارع تلك الإخبارات أسبابا لتلك
الأحكام وإذا كانت السببية أعم لا يستدل بمطلق السببية على الإنشاء فإن الأعم لا
يستلزم الأخص فظهر الفرق بين ترتب التحريم على الطلاق وبين ترتبه على الظهار فتأمل
ذلك
فإن الجهات مختلفة جدا ونحن نقول التحريم والكفارة الكل عقوبة على الكذب في الظهار
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله في هذا الوجه ظاهر متجه قال وثانيها أنا أجمعنا على أن الظهار محرم
وليس للتحريم مدرك إلا أنه كذب والكذب لا يكون إلا في الخبر فيكون خبرا قلت لا
نسلم أنه ليس للتحريم مدرك إلا أنه كذب بل له مدرك غيره كما في الطلاق الثلاث كما
قاله المجيب
وجوابه للمجيب بأن الطلاق الثلاث هو المحرم لا لفظه به ليس بصحيح فإن المطلق ثلاثا
في لفظ واحد لم يصدر منه ما يتعلق به التحريم غير ذلك اللفظ ولم يجمع بين الطلقات
إلا به ولا يتجه الجمع بين الطلقات إلا باللفظ أما بغيره فلا يتجه ولا يتأتى بل
يكون على قول من يلزمه بمجرد النية وقوله وأما تحريم الظهار فلأجل اللفظ قلت هذه
دعوى وقوله وليس في اللفظ ما يقتضي التحريم إلا كونه كذبا قلت هذه أيضا أخرى وقوله
لأن الأصل عدم غيره قلت هذا ممنوع ولا يصح إلا على أن الظهار خبر وهو غير المذهب
فكيف ينبني عليه الدليل
قال وثالثها أن الله تعالى شرع فيه الكفارة وأصلها أن تكون زاجرة ماحية للذنب فدل
ذلك على التحريم وإنما سبب التحريم إذا كان كذبا كما تقدم من بقية التقرير قلت على
تسليم أن الكفارة زاجرة ماحية لا يلزم أن الذنب كونه كذبا وباقي كلامه فيه مبني
على قوله في الوجه الذي قبله وقد سبق ما
هامش إدرار الشروق
إنشاء له وإذا قال أنت منطلقة فهو إخبار عن المسير ويسوغ استعماله إنشاء للأمر به
إن قلنا إن استعمال الألفاظ الخبرية في الإنشاء قياس وإلا فيتوقف ذلك على السماع
والمتبادر إلى الفهم في بادئ الرأي أن هذا الصريح يفيد الطلاق بالوضع بخلاف
الكناية وهو وإن أمكن توجهه بأن الطلاق وإزالة العصمة ليس أمرا مختصا بالشريعة بل
العرب كانت تنكح وتطلق وقد كانت تطلق بالظهار ولفظ الطلاق معروف عند العرب قبل
البعثة فتكون إزالة العصمة بالوضع اللغوي السابق على الشريعة لا بأمر يتجدد بعد
الشريعة إلا أن الحق أنه يفيد ذلك بالوضع العرفي لوجوه
____________________
(1/61)
وعن الثالث أنه قياس في الأسباب فلا يصح سلمنا صحته لكنه
قياس على خلاف النص الصريح من القرآن المخبر عن كونه كذبا والكذب بالضرورة لا يكون
في الإنشاء وإذا كان على خلاف نص القرآن لا يسمع
وأما قول الفقهاء له صريح وكناية كما قالوه في الطلاق فذلك إشارة إلى تفاوت مراتب
الكذب فالصريح منه أقبح وأشنع فيكون أولى بترتب الأحكام عليه وهذا بخلاف تفرقتهم
بين الصريح والكناية في الطلاق فإن ذلك يرجع إلى تفاوت الدلالة على التحريم
فالبابان مختلفان فتأمل ذلك
فإن قلت فقد قالوا إن صريح الظهار وكنايته ينصرف للطلاق بخلاف صريح الطلاق وكنايته
لا ينصرف للظهار فدل على أن ثم أصلا ينصرف عنه إلى الطلاق وما
هامش أنوار البروق
فيه قال ورابعها قول الله تعالى بعد ذكر الكفارة ذلكم توعظون به والوعظ إنما يكون
عن المحرمات فإذا جعلت الكفارة وعظا دل ذلك على أنها زاجرة لا ساترة وأنه حصل
هنالك ما يقتضي الوعظ وما ذلك إلا الظهار المحرم فيكون محرما لكونه كذبا فيكون
خبرا لما تقدم من التقرير
قلت هذا أيضا مبني على ما تقدم من ادعاء تعلق التحريم بكونه كذبا قال وخامسها قوله
تعالى في الآية وإن الله لعفو غفور والعفو والمغفرة إنما يكون في المعاصي فدل على
أن ذلك معصية ولا مدرك للمعصية إلا كونه كذبا والكذب لا يكون إلا في الخبر فيكون
خبرا وهو المطلوب
قلت وهذا أيضا مبني على تلك الدعوى فإن قلت بل هو إنشاء من وجوه أحدها أن كتب الفقهاء
والمحدثين متظافرة على أن الظهار كان طلاقا في الجاهلية فجعله الله تعالى في
الإسلام تحريما تحله الكفارة كما تحل الرجعة تحريم الطلاق قلت جميع ما قاله في هذا
الوجه ظاهر صحيح قال شهاب الدين وثانيها أنه مندرج في حد الإنشاء إلى آخره قلت
وهذا الوجه أيضا ظاهر
قال وثالثها أنه لفظ يستتبع إلى آخره قلت وهذا أيضا ظاهر
قال والجواب عن الأول إلى قوله عند كذب خاص قلت ذلك محتمل لكن الظاهر خلافه
هامش إدرار الشروق
الوجه الأول رجحان دعوى المجاز على دعوى
الاشتراك
الوجه الثاني أن هذا اللفظ إنما وضع لغة للخبر عن كونها طالقا وهو إذا أخبر عن
كونها طالقا له لم يلزمه طلاق قصد الكذب أو الصدق ألا ترى أنه لو تقدم طلاقها فسأل
عنها هل هي مطلقة أو باقية في العصمة فقال هي طالق جوابا لهذا السؤال لم يلزمه به
طلقة ثانية
وإن كانت رجعية في العدة وإنما يلزم الطلاق بقوله أنت طالق بالإنشاء الذي هو وضع
عرفي لا لغوي
____________________
(1/62)
ذلك الأصل إلا النقل العرفي الذي نقل الظهار من الإخبار إلى
الإنشاء وهذا هو ظاهر قولهم يفهم عنهم ذلك في الظهار كما يفهم في الطلاق
قلت النقل في هذا الموضع مختلف قال ابن يونس إذا نوى بالظهار الطلاق فهو ظهار دون
الطلاق وقد قصد الناس في أول الإسلام الطلاق فصرفه الله تعالى إلى الظهار بإنزال
الآية قال محمد إنما هو فيمن سمى الظهر عند مالك وإلا فيلزمه ما نوى وإن لم ينو
فظهار ولا ينوي عند عبد الملك من شبه بالأجنبية
وإن نوى الظهار قال ابن القاسم تحريم ذوات المحارم متأبد فلا يكون التشبيه به أضعف
من الأجنبية وقال أبو الطاهر إن عري لفظ الظهار عن النية جرى على الخلاف في انعقاد
اليمين بغير نية أما إن شبه بمحرمة لا على التأبيد وذكر الظهر فهل يكون طلاقا قصرا
للظهار على مورده أو ظهارا قياسا على ذوات الأرحام قولان وإن لم يذكر الظهر فأربعة
أقوال ظهار وإن أراد الطلاق
هامش أنوار البروق
قال ويقوي هذا الاحتمال القرآن الكريم إلى آخر الجواب قلت جميع ما قاله ظاهر متجه
وجوابه عن الوارد حسن قال وعن الثاني إن ترتب التحريم على الظهار ممنوع إلى آخر ما
قاله فيه قلت جميع ما قاله محتمل ظاهر
قال وعن الثالث أنه قال إنه قياس في الأسباب إلى قوله تأمل ذلك قلت ما قاله أيضا
ظاهر متجه ومآل الأمر فيه إلى الاحتجاج بظاهر القرآن وليس له حجة سواه
قال فإن قلت فقد قالوا إن صريح الظهار وكنايته ينصرف للطلاق بخلاف صريح الطلاق
وكنايته إلى آخر كلامه على المسألة قلت جميع ما قاله في ذلك ظاهر مستقيم غير أنه
لقائل أن يقول إن المتبادر إلى الفهم عرفا أنه إنشاء فإن ثبت هذا العرف عن السلف
أعني الصحابة رضي الله تعالى عنهم وانتهى الأمر فيه إلى القطع تعين تأويل القرآن
وإلا بقيت المسألة محتملة والله أعلم
قال شهاب الدين المسألة الثانية إذا قال لامرأته أنت طالق ولا نية له المتبادر إلى
الفهم في بادي الرأي أنه يلزمه الطلاق بالوضع اللغوي وأن صريح الطلاق يفيد الطلاق
بالوضع اللغوي بخلاف
هامش إدرار الشروق
الوجه الثالث أنا وإن سلمنا أن الطلاق وإزالة
العصمة كانا معلومين قبل البعثة النبوية عند العرب إلا أنا نقول الإنشاءات عند
العرب أيضا تتقدم على الشريعة وتكون عرفية أما أولا فلأن العوائد قد تحدث مع طول
الأيام بعث الله نبينا أم لا فالجاهلية تحدث لها عوائد كما تحدث لنا
وأما ثانيا فلأن العرب كانت تستعمل قبل البعثة الراوية والبحر والغائط والخلا ومع
ذلك قد نص أئمة اللغة على أنها مجازات لغوية وحقائق عرفية فلا تنافي بين قولنا
الطلاق إنشاء عرفي وبين كونه في الجاهلية قبل الإسلام وإنما القصد أن يعلم أن لفظ
الطلاق إنما أزال العصمة بغير الوضع اللغوي بل بالوضع العرفي وإنما هو مجاز عن اللغة
لا حقيقة ومن قبيل لفظ الطلاق في كونه مجازا عن اللغة لا حقيقة بناء على رجحان
المجاز على الاشتراك في عقود المعاوضات والقسم كانت العرب في الجاهلية يتداولونها
إنشاءات وألفاظا عرفية منقولة
فالعرف يتبدل من اللغة كما يتبدل من عرف آخر قبله وإلزام العقود من الطلاق وغيره
ينبني في الفتوى على نية المتكلم
____________________
(1/63)
وعكسه وظهار إلا أن يريد الطلاق فيكون طلاقا وعكسه وفي
الجواهر إن نوى بالصريح الطلاق فعن ابن القاسم يكون طلاقا ثلاثا ولا ينوي في أقل
من ذلك
وقال سحنون ينوي وأما الكناية الظاهرة فظهار إلا أن يريد التحريم فتحريم ولا يقبل
قوله لم أرد ظهارا ولا طلاقا لأجل الظهور والكناية الخفية ظهار إن أراده وإلا فلا
قال ابن يونس قال مالك إن نوى بقوله أنت كأمي أو مثل أمي أو أنت أمي الطلاق واحدة
وهي البتة وإن لم تكن له نية فظهار وقال الأبهري كنايات الظهار تنصرف للطلاق لأنه
أقوى منه وكنايات الطلاق لا تنصرف للظهار لضعفه لأنه تحريم ينحل بالكفارة
وقال محمد لا ينصرف الظهار في الأمة إلا أن يكون ينصرف في الزوجة إلى الطلاق وقال
في الجلاب لا ينصرف صريح الطلاق وكناياته بالنية إلى الظهار ولا ينصرف صريح الظهار
بالنية إلى الطلاق وتنصرف كنايات الظهار بالنية إلى الطلاق فهذه نصوص القوم كما
ترى أما قول ابن يونس
هامش أنوار البروق
الكناية وليس كذلك بل إنما يفيد ذلك بالوضع العرفي وهذا اللفظ إنما وضع لغة للخبر
عن كونها طالقا وهو إذا أخبر عن كونها طالقا له لم يلزمه طلاق قصد الكذب أو الصدق
ألا ترى أنه لو تقدم طلاقها فسأل عنها هل هي مطلقة أو باقية في العصمة فقال هي
طالق جوابا لهذا السؤال لم يلزمه به طلقة ثانية وإن كانت رجعية في العدة وإنما
يلزم الطلاق بقوله أنت طالق بالإنشاء الذي هو وضع عرفي لا لغوي ألا ترى أن لفظ
الطلاق الطاء واللام والقاف موضوعة في اللغة لإزالة مطلق القيد يقال لفظ مطلق ووجه
طلق وحلال طلق وأطلق فلان من الحبس وانطلق بطنه وإزالة قيد العصمة أحد أنواع القيد
فكان ينبغي إذا أتى اللفظ الدال على إزالة القيد العام المطلق أن يزول الخاص كما
إذا زال الحيوان زال الإنسان ومع ذلك فقد فرق الفقهاء بين قوله أنت طالق وبين قوله
أنت منطلقة فألزموا بالأول الطلاق من غير نية ولم يلزموا بالثاني إلا بالنية ولم
يكتفوا بالوضع
قلت لا نسلم له أن قول القائل لامرأته أنت طالق عبارة عن إزالة مطلق القيد بل
الظاهر من اللغة أنه لفظ موضوع فيها لإزالة قيد عصمة النكاح أو للإخبار عن ذلك وما
استدل به من أن لفظ الطاء واللام والقاف موضوعة في اللغة لإزالة مطلق القيد لا
يسلم أيضا وهو دعوى ذلك هو المسمى
هامش إدرار الشروق
أو على عرفه لا على اللغة ولا على عرف غيره وفي القضاء لمنازعة غيره له إنما ينبني
على عرفه لا على نيته لاحتمال كذبه فيما يدعيه من النية فالحكم مترتب على العرف
سواء كان ذلك العرف ناقلا عن اللغة أم عن عرف سابق عليه ناقل عن اللغة
وبالجملة فالاعتبار بالاستعمال الجاري في زمن وقوع العقد فإن كان لغة جرى الحكم
بحسبه وإن كان عرفا ناسخا لها أو لعرف ناسخ لها فكذلك والله أعلم
المسألة الثالثة الأصل والقاعدة المعتمدة في
العقود كلها إنما هي النية والقصد مع اللفظ المشعر بذلك أو ما يقوم مقامه من إشارة
وشبهها ثم اللفظ إما أن لا يشعر بالمقصود لغة ولا عرفا فلا بد من التنويه في
الفتوى والقضاء معا وإما أن يشعر بالمقصود لغة أو عرفا والعرف لغوي وشرعي ووقتي
حادث فيحمل في القضاء دون تنويه على ما يشعر به من عرفي وقتي فشرعي فعرفي لغوي
فلغوي أصلي وفي الفتوى على التنويه فالعرف الوقتي فالشرعي فالعرفي اللغوي فاللغوي
الأصلي فإن اجتمع في اللفظ الأصلي والعرفي
____________________
(1/64)
إذا نوى بالظهار الطلاق يكون ظهارا فهو بناء على قاعدة وهي
أن كل ما هو صريح في باب لا ينصرف إلى غيره بالنية لأن النية أثرها إنما هو تخصيص
العمومات أو تقييد المطلقات فهي إنما تدخل في المحتملات وإذا نقلت صريحا عن بابه
فهو نسخ وإبطال بالكلية والنسخ لا يكون بالنية وأما قوله قد قصد الناس بالظهار
الطلاق في أول الإسلام فجعله الله ظهارا فغير متجه لأن ذلك ابتداء شرع ولم يكن
تصرفا في مشروع
والمتقدم ليس شرعا إنما هو اعتقاد الجاهلية ونحن نتكلم في صريح شرعي يصرف عن بابه
بعد مشروعيته ولما قصد أولئك الطلاق لم يتعرضوا لمشروع لأن الشرع جاء بعد ذلك
بنزول الآية فليس هذا من هذا الباب
وقول أبي الطاهر إن عري لفظ الظهار من النية جرى على الخلاف في انعقاد اليمين بغير
نية يريد بالنية هنا الكلام النفساني أي يتكلم بكلامه النفساني في نفسه كما يتكلم
بلسانه وأما قوله إن لم يذكر الظهر من الأجنبية فأقوال أربعة
هامش أنوار البروق
عند النحاة بالاشتقاق الكبير وليس بالقوي عند المحققين وما قاله من أن لفظ أنت
طالق دلالته على إنشاء إزالة قيد العصمة عرفية لا لغوية يتجه لرجحان دعوى المجاز
على دعوى الاشتراك قال وما ذلك إلا أن لفظ طالق نقل للإنشاء ولم ينقل منطلقة له
فلو اتفق زمان ينعكس الحال فيه وتصير منطلقة موضوعة للإنشاء وطالق لا يستعمل إلا
على الندرة لم يلزمه الطلاق بطالق إلا بالنية وألزمناه بمنطلقة بغير نية عكس ما
نحن عليه اليوم فعلمنا أن لفظ الطلاق لم يوجب إزالة العصمة بالوضع اللغوي بل بالعرف
الإنشائي
قلت كلامه هذا مبني على دعوى اتحاد معنى كل لفظ تصرف من الطاء واللام والقاف وهي
غير مسلمة كما سبق قال فإن قلت إلى قوله في آخر الجواب وأنه مجاز عن اللغة لا
حقيقة قلت جميع ما قاله في ذلك ظاهر صحيح وما قاله في أثناء الفصل من أن ألفاظ
عقود المعاوضات عرفية منقوله مبني على رجحان المجاز على الاشتراك كما سبق
قال وفائدة الفرق أنه إذا كان يفيد إزالة قيد العصمة بالعرف والعوائد وأنها مدرك
أفادته كذلك بتنقلها معها كيف تنقلت لأنها المدرك وإذا كان الموجب هو الوضع اللغوي
وجب الثبوت معه وإلزام الطلاق به حتى يطرأ الناسخ المبطل
هامش إدرار الشروق
والشرعي والوقتي فالمعتبر الوقتي في القضاء والفتوى فإذا تقرر ذلك فالألفاظ التي
ذكر الفقهاء أن المراد بها مطلق الطلاق أو مقيده لا تخلو من أن تكون إرادة ذلك بها
باللغة أو بعرف اللغة أو بعرف الشرع أو بعرف حادث بعد فإن كانت لغوية وضعا أو عرفا
أو شرعية فالذي يقتضيه النظر أنها محمولة على مقتضاها في كل زمان وبكل مكان ومستند
ذلك أن كل لفظ ورد علينا من جهة الشارع فإنا نحمله على عرفه أو على اللغة أو عرفها
وإن كانت عرفية بعرف حادث فهذه هي التي ينتقل الحكم بها بانتقال العرف كبتة وحبلك
على غاربك
قال مالك ومن وافقه من العلماء يلزم القائل ذلك الثلاث ولا ينوي دخل أو لا بناء
على أن اللفظ نقله عرف ذلك الوقت إلى العدد المعين وهو الثلاث حتى صار من أسماء
الأعداد
والمجاز لا يدخل في النصوص كأسماء العدد بل في الظواهر كأسماء الأجناس وصيغ العموم
وهذه قاعدة لغوية وكل لفظ لا يجوز
____________________
(1/65)
أحدها أنه ظهار وإن أراد الطلاق وعكسه فهما بناء على قربه من الصراحة فلا ينصرف
للطلاق أو طلاق لأنه شأن الأجنبية فإنها لا تحرم إلا بالطلاق وهذه الملاحظة هي
التي توجب القولين الآخرين غير أنه قدم النية على اللفظ لضعف اللفظ بعدم ذكر الظهر
فعدمت الصراحة فعملت النية
وأما قول ابن القاسم ينوي في الصريح ويكون طلاقا ثلاثا فبناء منه على أن الظهار
تحريم ومن ألفاظ الطلاق الثلاث عنده أنت حرام وهو عنده يلزم به الثلاث ولا ينوي
فيه وهو ضعيف على ما يأتي تقريره وهذا أشد منه ضعفا لأن المدرك هنالك إنما هو
الوضع العرفي وإن العادة اقتضت أنهم إنما يستعملون الحرام في الثلاث
وأما هاهنا فليس ثم عادة في استعمال الظهار في الطلاق الثلاث وإذا انتفى الوضع
العادي انتفت الصراحة المانعة من إعمال النية فالتسوية بين البابين باطلة والصواب
قول سحنون وتقبل نيته فيما أراده من الطلاق وهاتان الروايتان خلاف المذهب الذي
عليه الفتيا ومشهور قول
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله هنا ليس بصحيح فإنه كما يتبدل العرف من العرف كذلك يتبدل العرف من
اللغة وإلزام العقود من الطلاق وغيره مبني على نية المتكلم أو على عرفه لا على
اللغة ولا على عرف غيره هذا فيما يرجع إلى الفتوى
وأما ما يرجع إلى الحكم فأمر آخر لمنازعة غيره له فإنما يحكم بعرفه لا بنيته
لاحتمال كذبه فيما يدعيه من النية فالحكم مترتب على العرف سواء كان ذلك العرف
ناقلا عن اللغة أم عن عرف سابق عليه ناقل عن اللغة وعلى الجملة فالاعتبار
بالاستعمال الجاري في زمن وقوع العقد فإن كان لغة جرى الحكم بحسبه وإن كان عرفا
ناسخا لها أو لعرف ناسخ لها فكذلك هذا إن لم يرد ما رأيته فإن لفظة فيه احتمال
قال شهاب الدين وإذا قلنا إنها توجب بالعادة كان الأصل هو عدم اللزوم من قبل اللغة
حتى يثبت اللزوم من جهة العرف كما في منطلقة ليس فيها إلا مجرد اللغة فلا جرم لا
يزال ينفي عنه اللزوم حتى يتحقق النقل العرفي ويظهر أثر هذا الفرق فيما يتنازع فيه
من ألفاظ الطلاق صريحا أو كناية فيكون الحق في صورة النزاع هو عدم اللزوم حتى
يثبته النقل العرفي فلا يلزم طلاق بخلاف ما لو
هامش إدرار الشروق
دخول المجاز فيه لا تؤثر النية في صرفه عن موضوعه وهذه قاعدة شرعية محمدية بنيت
على الأولى
وقال الشافعي وأبو حنيفة في حبلك على غاربك إن نوى الثلاث لزمه الثلاث أو واحدة
فواحدة بائنة
وقال ابن حنبل يقع الطلاق بالبتة والبتلة وحبلك على غاربك بغير نية لشهرتها ويلزم
بحبلك على غاربك الثلاث وقال ابن العربي من أصحابنا في كتاب القبس له الصحيح أن
حبلك على غاربك والبائن والخلي والبرية والبتلة والبتة واحدة لا تزيد على قولك أنت
طالق وفي الترمذي عن ابن كنانة عن أبيه عن جده قال أتيت النبي صلى الله تعالى عليه
وسلم فقلت يا رسول الله إني طلقت امرأتي ألبتة فقال ما أردت فقلت واحدة فقال هي ما
أردت فردها إلي
قلت قال الأمير في ضوء الشموع وقد تعارف الآن حبلك على غاربك في مطلق الإهمال حتى
يخاطب الرجل ابنه مثلا انتهى أي فعليه يكون كالكناية الخفية يجري على قولهم وإن
قصده بأي كلام لزم
____________________
(1/66)
ابن القاسم والمنقول عن مالك أنه لا ينصرف للطلاق بالنية
شيء على القاعدة المتقدمة
وأما قول مالك إن نوى بقوله أنت كأمي الطلاق واحدة فهي البتة يريد الثلاث فبناء
على لفظ التحريم وأنه موضوع للثلاث وقد تقدم ضعفه
وأما قول الأبهري وابن الجلاب أن كناية الأضعف تنصرف للأقوى من غير عكس فضعيف لأن
النية ليس من شرطها أن تنقل للأقوى بل من شأنها النقل للأضعف والأقوى ألا ترى أنها
تخصص العموم وثبوته أقوى لعموم الحنث فلا يصير يحنث إلا بالبعض
وهذه توسعة وتخفيف وكذلك نقيد المطلق فإذا قال والله لا ألبس ثوبا ونوى كتانا لا
يبر به وقد كان قبل النية يبر بغيره وهو تضييق ومقتضى الفقه اعتبار النية في
الأقوى والأضعف لقوله عليه الصلاة والسلام إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما
نوى ولم يفرق بين الأقوى وغيره فهو لو نوى بالصريح من الطلاق طلق الولد أو من
الوثاق أفادته نيته في الفتوى مطلقا وفي القضاء إن صدقته القرينة
هامش أنوار البروق
قلنا باللغة كان الحق في المتنازع فيه هو اللزوم حتى يثبت الناسخ وهذا فرق عظيم
وأثر عظيم يحتاج إليه الفقيه فيما يعرض له من الألفاظ
قلت قوله ذلك وتمثيله بقوله كما في منطلقة ليس فيه إلا مجرد اللغة كل ذلك مبني على
دعواه أن كل لفظ تصرف من مادة الطاء واللام والقاف فهو دال على إزالة مطلق القيد
وليس ذلك بمسلم ولا صحيح بل لفظة طالق وإن كانت من تلك المادة هي دالة على إزالة
عصمة النكاح لغة ولفظة منطلقة وإن كانت من تلك المادة أيضا فهي دالة على المسير
وهما معنيان متغايران فلم ينتف لزوم الطلاق عن لفظة منطلقة لأنها ليس فيها إلا
مجرد اللغة بل انتفى لمغايرة حقيقة الطلاق لحقيقة الانطلاق فإذا قال القائل أنت
طالق فهو إما إخبار عن زوال العصمة أو إنشاء له وإذا قال أنت منطلقة فهو إخبار عن
المسير ويسوغ استعماله إنشاء للأمر به إن قلنا بأن استعمال الألفاظ الخبرية في
الإنشاء قياس وإلا فيتوقف ذلك على السماع قال شهاب الدين المسألة
الثالثة وقع لمالك رحمه الله في المذهب ولأصحابه في كتاب التهذيب وغيره أن
قول القائل حبلك على غاربك إلى منتهى قول الإمام وعلى هذه القاعدة تتخرج الفتاوى
في الألفاظ
هامش إدرار الشروق
كاسقني فلا يحل لأحد الآن أن يفتي فيه بالطلاق من غير نية إلا إذا تجدد بذلك عرف
وكحرام قال ابن عبد الحكم لا شيء على قائله إذا كان في بلد لا يريدون به الطلاق
وقال ابن القاسم إن أراد بقوله أنت حرام الكذب بالإخبار عن كونها حراما وهي حلال
حرمت ولا ينوي قال صاحب الاستذكار في الحرام أحد عشر قولا قال مالك يلزمه الثلاث
في المدخول بها وينوي في غيرها وقال الشافعي لا يلزمه شيء حتى ينوي واحدة فتكون
رجعية
وإن نوى تحريمها بغير طلاق لزمه كفارة يمين ولا يكون موليا وقال أبو حنيفة إن نوى
الطلاق فواحدة
وإن نوى اثنتين أو الثلاث فواحدة بائنة وإن لم ينو فكفارة يمين وهو مول وإن نوى
الكذب فليس بشيء
____________________
(1/67)
مع أن طلق الولد أسقط عنه الحكم بالكلية والإسقاط بالكلية
أخف من النقل عن الطلاق إلى الظهار فقد نقلت النية إلى الأخف
وعدم الحكم بالكلية إذا تقررت الأقوال والقريب منها للفقه والبعيد منه فأقول ليس
في قولهم إن الظهار له صريح وكناية أنه إنشاء ألا ترى أن القذف فيه الصريح
والكناية مع أن صريح القذف إنما هو خبر صرف إجماعا فإن قوله أنت زنيت بفلانة ليس
إنشاء للزنى بل إخبارا عنه إما كاذب أو صادق ومع ذلك فهو صريح فكذلك هاهنا لفظ
الظهار خبر وهو صريح في الإخبار عن التشبيه الذي نفاه الله تعالى وجعله كذبا وزورا
ومن اللفظ ما يشير إلى هذا التشبيه من غير تصريح فهو الكناية كالتعريض في القذف
مثل قوله ما أنا بزان ولا أمي بزانية
فهذا آخر البحث في هذه المسألة ولم أر أحدا في المذهب تعرض لها على هذا الوجه بل
ظاهر كلامهم أن الظهار إنشاء كالطلاق والله أعلم بمرادهم غير أن الذي تقتضيه
القواعد أوضحته لك غاية الإيضاح
هامش أنوار البروق
قلت جميع ذلك نقل لا كلام فيه قال قلت معنى التحريم في اللغة المنع فقوله أنت علي
حرام معناه الإخبار عن كونها ممنوعة فهو كذب لا يلزمه فيه إلا التوبة في الباطن
والتعزير في الظاهر كسائر أنواع الكذب ليس في مقتضاها لغة إلا ذلك وكذلك خلية
معناه في اللغة الإخبار عن الخلاء وأنها فارغة وأما مم هي فارغة فلم يتعرض اللفظ
وكذلك بائن معناه المفارقة في الزمان أو المكان وليس فيه تعرض لزوال العصمة فهي
إخبارات صرفة ليس فيها تعرض للطلاق ألبتة من جهة اللغة فهي إما كاذبة وهو الغالب
وإما صادقة إن كانت مفارقة له في المكان ولا يلزم بذلك طلاق كما لو صرح
وقال لها أنت في مكان غير مكاني وحبلك على غاربك معناه الإخبار عن كونها حبلها على
كتفها وأصله أن الإنسان إذا كان يرعى بقرة وقصد التوسعة عليها في المرعى ترك حبلها
من يده ووضعه على كتفها فتنتقل في المرعى كيف شاءت فإذا لم تكن هناك نية كان إخباره
عن كون المرأة كذلك كذبا
هامش إدرار الشروق
وقال سفيان إن نوى واحدة فبائنة أو الثلاث فالثلاث أو يمينا فيمين ولا فرقة ولا
يمين بكذبة لا شيء فيها وقال الأوزاعي له ما نوى وإلا فيمين تكفر وقال إسحاق كفارة
الظهار ولا يطؤها حتى يكفر وقيل يمين يكفرها ما يكفر اليمين لقول الله تعالى يا
أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك إلى قوله قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم وكان
عليه الصلاة والسلام قد حرم سريته مارية وقال الشعبي تحريم المرأة كتحريم المال لا
شيء فيه أي إلا الاستغفار لقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل
الله لكم وقيل واحدة بائنة
____________________
(1/68)
المسألة الثانية إذا قال لامرأته أنت طالق ولا نية له المتبادر إلى الإفهام
في بادئ الرأي أنه يلزمه الطلاق بالوضع اللغوي وأن صريح الطلاق يفيد الطلاق بالوضع
اللغوي بخلاف الكنايات وليس كذلك بل إنما يفيد ذلك بالوضع العرفي وهذا اللفظ إنما
وضع لغة للخبر عن كونها طالقا وهو لو أخبر عن كونها طالقا لم يلزمه طلاق قصد الكذب
أو الصدق ألا ترى أنه لو تقدم طلاقها فسأل عنها هل هي مطلقة أو باقية في العصمة
فقال هي طالق جوابا لهذا السؤال لم يلزمه بهذا طلقة ثانية وإن كانت رجعية في العدة
وإنما يلزم الطلاق بقوله أنت طالق بالإنشاء الذي هو وضع عرفي لا لغوي ألا ترى أن
لفظ الطلاق الطاء واللام والقاف موضوعة في اللغة لإزالة مطلق القيد يقال لفظ مطلق
ووجه طلق وحلال طلق وأطلق فلان من الحبس وانطلقت بطنه وإزالة قيد العصمة أحد أنواع
القيد فكان ينبغي إذا أتى اللفظ الدال على إزالة القيد العام المطلق أن يزول الخاص
كما إذا
هامش أنوار البروق
قلت الأصل والقاعدة المعتمدة في العقود كلها إنما هو النية والقصد مع اللفظ المشعر
بذلك أو ما يقوم مقام اللفظ من إشارة وشبهها ثم اللفظ إما أن يشعر بالقصد لغة أو
عرفا وعلى كلا الوجهين هو محمول على ما يشعر به في القضاء دون تنوية وفي الفتوى
هما وإما ما لا يشعر بالمقصود لغة ولا عرفا فلا بد من التنوية في الفتوى والقضاء
معا وبعد تقرير ذلك لا تخلو الألفاظ المذكورة بأن المراد بها مطلق الطلاق أو مقيده
من أن تكون إرادة ذلك بها باللغة أو بعرف اللغة أو بعرف الشرع أو بعرف حادث بعد
فأما إن كانت لغوية وضعا أو عرفا أو شرعية فالذي يقتضيه النظر أنها محمولة على
مقتضاها في كل زمان وبكل مكان ومستند ذلك أن كل لفظ ورد علينا من جهة الشارع فإنا
نحمله على عرفه أو على اللغة أو عرفها وأما إن كانت عرفية بعرف حادث فهذه هي التي
ينتقل الحكم بها بانتقال العرف والله أعلم
قال وإن قصد الاستعارة والمجاز والتشبيه بينها وبين البقرة في أنها تصير مطلقة
التصرف لا حجر عليها من قبل الأزواج بسبب زوال العصمة كما تبقى البقرة في مرعاها
كذلك فهذا لا يتحقق إلا مع النية كسائر المجازات إلى قوله وكذلك جميع ما ذكر من
ألفاظ الطلاق
هامش إدرار الشروق
وقال سعيد بن جبير عتق رقبة وقال ابن عباس يمين مغلظة ا ه
قلت وقال الأمير في شرح المجموع وضوء الشموع شيخنا سمعت من المشايخ ورأيت في
المنقول من الكتب أن العمل بالمغرب جرى في الحرام بطلقة بائنة وقد نقله البناني
وأشار إليه في نظم العمل الفاسي كما في كنون بقوله وطلقة بائنة في التحريم وحلف به
لعرف الإقليم لكنه ربما خالف عرف مصر فإنه شاع في ألسنتهم الحرام مجمع الثلاث
وهنا مهمة وهو أنه قد يقع على الشخص الحرام فيراجعها على مذهب الشافعي ثم يطلقها
ثلاثا فيفتيه بعض المالكية بعدم لزوم الثلاث بناء على أن الحرام طلقة بائنة
والبائن لا يرتدف عليه طلاق فيجدد له عليها عقد وهذا خطأ فإنه لما راجعها على مذهب
الشافعي صار معها في نكاح مختلف فيه
والطلاق يلحق
____________________
(1/69)
زال الحيوان زال الإنسان ومع ذلك فقد فرق الفقهاء بين قوله
أنت طالق وبين قوله أنت منطلقة وألزموا بالأول الطلاق من غير نية ولم يلزموا
بالثاني إلا بالنية ولم يكتفوا بالوضع الأول وما ذلك إلا أن لفظ طالق نقل للإنشاء
ولم ينقل منطلقة له فلو اتفق زمان ينعكس الحال فيه ويصير منطلقة موضوعا للإنشاء
وطالق مهجورا لا يستعمل إلا على الندرة لم يلزمه الطلاق بطالق إلا بالنية وألزمناه
بمنطلقة بغير نية عكس ما نحن عليه اليوم فعلمنا أن لفظ الطلاق لم يوجب إزالة
العصمة بالوضع اللغوي بل بالعرف الإنشائي فإن قلت ليس الطلاق وإزالة العصمة أمرا
اختص به بالشريعة بل العرب كانت تنكح وتطلق وقد كانت تطلق بالظهار ولفظ الطلاق
معروف عند العرب قبل البعثة فتكون إزالة العصمة بالوضع اللغوي السابق على الشريعة
لا بأمر يتجدد بعد الشريعة
قلت مسلم أن الطلاق وإزالة العصمة كانا معلومين قبل البعثة النبوية عند العرب
هامش أنوار البروق
قلت قوله هذا صحيح مستقيم على تقدير أن تلك الألفاظ لم تصر عرفا قال فحينئذ إنما
تصير هذه الألفاظ موجبة لما ذكره مالك رحمه الله تعالى بنقل العرف لها في رتب
أحدها أن ينقلها العرف عن الإخبار إلى الإنشاء وثانيها أن ينقلها لرتبة أخرى وهي
إنشاء زوال العصمة الذي هو إنشاء خاص أخص من مطلق الإنشاء لأنها لا يلزم من نقلها
للإنشاء أن تفيد زوال العصمة لأن أصل الإنشاء أعم من زوال العصمة فقد يصدق بإنشاء
البيع أو العتق أو غير ذلك
والقاعدة أن الدال على الأعم غير دال على الأخص فلا تدل بنقلها إلى أصل الإنشاء
على زوال العصمة بل لا بد من نقلها إلى خصوصه فتفيد زوال العصمة حينئذ
قلت كلامه هذا يوهم أن هذه الألفاظ يتأتى أن تدل على مطلق الإنشاء دون خصوصه وذلك
غير متجه بل لا بد أن تدل على إنشاء خاص فالنقل إذا ليس له رتب غايته أن يكون نقله
لغير زوال العصمة أو لزوالها
قال شهاب الدين وثالثها أن ينقلها العرف إلى الرتبة الخاصة من العدد إلى قوله أو
أصل الطلاق
قلت وهذا كما تقدم في الرتبة الثانية
هامش إدرار الشروق
في المختلف فيه بل ولو لم يراجعها وعاشرها معاشرة الأزواج فالقواعد تقتضي لحوق
الطلاق مراعاة لقول الشافعي أنه رجعي مع قول بعض الأئمة كالحنفية أن الجماع يكون
رجعة من غير نية الرجعة وهو قول عندنا أيضا كيف وهناك من يقول الحرام لا يخرجها عن
عصمته غايته يستغفر الله تعالى ولا شيء عليه كما تقدم ونعوذ بالله تعالى من رقة
الدين ا ه
بزيادة وبالجملة فأصل اختلاف الأصحاب في ألفاظ الطلاق كما قال المازري أن اللفظ إن
تضمن البينونة والعدد نحو أنت طالق ثلاثا لزم الثلاث ولا ينوي اتفاقا في المدخول
بها وغيرها أي لا يصدق في أنه قصد أقل من الثلاث فيهما لا في القضاء ولا في الفتوى
نعم يصدق قوله أنه أراد أنها طلقت ثلاث مرات من الولد في الفتوى دون القضاء نظرا
للقاعدتين اللغوية والشرعية السابقتين فقبلوا النية في رفع الطلاق بجملته لتحويله
لجنس آخر نظرا لجواز دخول المجاز في أسماء الأجناس لأنها من الظواهر ولم يقبلوها
في رفع بعض الطلاق نظرا لكون أسماء الأعداد نصوصا لا يدخل فيها المجاز وإن كان
الظاهر في بادئ الرأي بطلان ذلك وأن النية إذا قبلت في رفع الكل فأولى أن
____________________
(1/70)
والإنشاءات عند العرب أيضا تتقدم على الشريعة وتكون عرفية
ألا ترى أن الرواية والبحر والغائط والخلا ألفاظ كانت العرب تستعملها قبل البعثة
ومع ذلك فقد نص أئمة اللغة على أنها مجازات لغوية وحقائق عرفية فإن العوائد قد
تحدث مع طول الأيام بعث الله نبينا أم لا فالجاهلية تحدث لها عوائد كما تحدث لنا
ومن هذا عقود المعاوضات كانوا يتداولونها إنشاءات وألفاظ عرفية منقولة ومن ذلك
القسم إنشاء عرفي وهو متقدم في الجاهلية فلا تنافي بين قولنا الطلاق إنشاء عرفي
وبين كونه في الجاهلية قبل الإسلام وإنما القصد أن يعلم أن لفظ الطلاق إنما أزال
العصمة بغير الوضع اللغوي بل بالوضع العرفي وإنما هو مجاز عن اللغة لا حقيقة
وفائدة الفرق أنه إنما يفيد زوال العصمة بالعرف والعوائد وأنها مدرك إفادته كذلك
لتنقلنا معها كيف تنقلت لأنها المدرك وإذا كان الموجب هو الوضع اللغوي وجب الثبوت
معه وإلزام الطلاق به حتى تطرأ عادة
هامش أنوار البروق
قال غير أنه قد بقيت في القاعدة التي أشار إليها أغوار لم يفصح بها وهو يريدها وهي
أمور أحدها أن هذه الإفادة عرفية إلى قوله فهذا ضابط في النقل لا بد منه قلت ما
قاله في ذلك صحيح ظاهر قال فإذا أحطت به علما ظهر لك الحق في هذه الألفاظ إلى قوله
فحينئذ يحسن إلزام الطلاق الثلاث بذلك اللفظ قلت وما قاله في هذا الفصل أيضا صحيح
قال وإياك أن تقول إنا لا نفهم منه إلا الطلاق الثلاث لأن مالكا قاله أو لأنه
مسطور في كتب الفقه لأن ذلك غلط بل لا بد أن يكون ذلك الفهم حاصلا لك من جهة
الاستعمال والعادة كما يحصل لسائر العوام إلى قوله بل المسطر في الكتب تابع
لاستعمال الناس فافهم ذلك قلت قد تقدم أن المعتمد في قاعدة العقود كلها القصد
إليها مع اللفظ المشعر بها وإشعار اللفظ لغوي أصلي أو لغوي عرفي أو شرعي أو عرفي
حادث وقتي ففي الفتوى المعتبر النية فإن لم تكن فالوقتي فإن لم تكن فالشرعي فإن لم
يكن فاللغوي العرفي فإن لم يكن فاللغوي الأصلي فإن اجتمع في
هامش إدرار الشروق
تقبل في رفع البعض وإن لم يدل إلا على البينونة نظر هل تمكن البينونة بالواحدة أو
تتوقف على الثلاث إذا لم تكن معارضة فيه خلاف أو يدل على عدد غالبا
ويستعمل في غيره نادرا فيحمل على الغالب عند عدم النية وعلى النادر مع وجودها في
الفتوى وإن تساوى الاستعمال أو تقارب قبلت نيته مع الفتوى والقضاء فإن عدمت النية
فقيل يحمل على الأقل استصحابا للبراءة الأصلية وقيل على الأكثر احتياطا والمشهور
في الحرام أنها تدل على البينونة وأنها لا تحصل في المدخول بها إلا بالثلاث وفي
غيرها بالواحدة ولكونها غالبة في الثلاث حملت قبل الدخول على الثلاث وينوي في
الأقل
والقول بعدم البينونة بناء على عدم ثبوتها ووضعها للثلاث في العرف كقوله أنت طالق
ثلاثا والقول بالواحدة البائنة مطلقا بناء على حصول البينونة قبل الدخول وبعد
الدخول بها وأنها لا تفيد عددا أو نقل عن ابن مسلمة واحدة رجعية بناء على أنها
كالطلاق قال وعلى هذه القاعدة تتخرج الفتاوى في الألفاظ ا ه وهو يشير إلى أمور
____________________
(1/71)
ناسخة لاقتضاء ذلك فيكون اللزوم هو الأصل حتى يطرأ الناسخ
المبطل وإذا قلنا إنها توجب بالعادة كان الأصل هو عدم اللزوم من قبل اللغة حتى
يثبت اللزوم من جهة العرف كما في منطلقة ليس فيه إلا مجرد اللغة فلا جرم لا يزال
ينفى عنه اللزوم حتى يتحقق النقل العرفي ويظهر أثر هذا الفرق فيما يتنازع فيه من
ألفاظ الطلاق صريحا أو كناية فيكون الحق في صورة النزاع هو عدم اللزوم حتى يثبته
النقل العرفي فلا يلزمه طلاق بخلاف ما لو قلنا باللغة كان الحق في المتنازع فيه هو
اللزوم حتى يثبت الناسخ وهذا فرق عظيم وأثر عظيم يحتاج إليه الفقيه فيما يعرض له
من الألفاظ
المسألة الثالثة وقع في المذهب لمالك رحمه الله
ولأصحابه في كتاب التهذيب وغيره أن قول القائل حبلك على غاربك قال فيها مالك يلزمه
الطلاق الثلاث ولا تقبل نيته إن أراد أقل منها وخلية وبرية وبائنة قال مني أو منك
أو لم يقل أو أبنتك أو رددتك قال
هامش أنوار البروق
اللفظ الأصلي والعرفي والشرعي والوقتي فالمعتبر الوقتي وفي الحكم لا تعتبر النية
ويعتبر على ما عداها على ذلك الترتيب والله أعلم
قال شهاب الدين إذا تقرر ذلك فيجب علينا أمور أحدها أن نعتقد أن مالكا أو غيره من
العلماء إنما أفتى في هذه الألفاظ بهذه الأحكام إلى قوله تغير الحكم بإجماع
المسلمين وحرمت الفتيا بالأولى قلت ما قاله ظاهر صحيح والله أعلم
قال شهاب الدين وإذا وضح لك ذلك اتضح لك أن ما عليه المالكية وغيرهم من الفقهاء في
هذه الألفاظ من الفتيا بالطلاق الثلاث هو خلاف الإجماع إلى قوله فتأمل ذلك قلت
المستعمل لهذه الألفاظ إن كان استعماله إياها وفيها عرف وقتي لزم حملها عليه وإلا
فعلى الشرعي وإلا فعلى العرفي وإلا فعلى اللغوي فإن أفتى الفقيه الوقتي بهذا
الترتيب عند وجود العرفي الوقتي فهو مصيب وإن أفتى عند وجود العرفي الوقتي باعتبار
العرف الشرعي أو اللغوي العرفي أو اللغوي الأصلي وألغى العرف الوقتي فهو مخطئ
هامش إدرار الشروق
أحدها أن نحو الحرام من الألفاظ التي لم تستعمل في أصل اللغة ولا في عرفها ولا في
عرف الشرع في إزالة العصمة إما أن ينقله العرف الحادث الوقتي من موضوعه إلى
البينونة فقط أو مع العدد أو أصل الطلاق فتكون إفادتها ذلك بالعرف لا بالوضع
اللغوي
وثانيها أن مجرد الاستعمال من غير تكرر لا يكفي في النقل بل لا بد من تكرر
الاستعمال بحيث يفهم المنقول إليه بغير قرينة ويكون هو السابق إلى الفهم دون غيره
وهذا هو المجاز الراجح فقد يتكرر اللفظ في مجازه ولا يكون منقولا ولا مجازا راجحا
ألبتة كاستعمال لفظ الأسد في الرجل الشجاع والبحر في العالم أو السخي والضحى أو
الشمس أو القمر أو الغزال في جميل الصورة
وذلك يتكرر على ألسنة الناس تكرارا كثيرا ومع ذلك التكرار الذي لا يحصى عدده لم
يقل أحد أن هذه الألفاظ صارت منقولة بل لا تحمل عند الإطلاق إلا على الحقائق
اللغوية حتى يدل دليل على أنها أريد بها هذه المجازات ولا بد في كل مجاز منها من
النية والقصد إلى استعمال اللفظ فيه فهذا ضابط في النقل لا بد منه فإذا أحطت به
____________________
(1/72)
ابن عبد العزيز ثلاث في المدخول بها ولا ينوي في أقل منها
وينوي في غير المدخول بها في طلقة فأكثر فإن لم ينو فثلاث
وقال ربيعة الخلية والبرية والبائن ثلاث في المدخول بها وواحدة في غير المدخول بها
قال ابن القاسم وأما قوله أنا منك بائن أو أنت مني بائنة فلا ينوي قبل الدخول ولا
بعده بل يلزمه الثلاث وإذا قال في الخلية والبرية والبائن لم أرد طلاقا فإن تقدم
من كلامه ما يكون هذا جوابا له صدق وإلا فلا فهذا كله نقل التهذيب
وقال الشافعي النية نافعة فيما ينويه من تعدد وقال أبو حنيفة إن نوى الثلاث لزمه
الثلاث أو واحدة فواحدة بائنة وكذلك قولاهما في حبلك على غاربك
وقال ابن حنبل يقع الطلاق بالخلية والبرية والبائن وحبلك على غاربك والحقي بأهلك
والبتة والبتلة بغير نية لشهرتها ويلزم بالخلية والبرية والحرام والحقي بأهلك
وحبلك على غاربك ولا سبيل لي عليك وأنت علي حرام واذهبي
هامش أنوار البروق
قال شهاب الدين ومن الأغوار التي لم ينبه عليها الإمام أبو عبد الله إلى قوله إن
اختلفت السكتان قلت ما قاله هنا صحيح ظاهر والله أعلم قال فهذه قاعدة لا بد من
ملاحظتها وبالإحاطة بها يظهر لك غلط كثير من الفقهاء المفتين فإنهم يجرون
المسطورات في كتب أئمتهم على أهل الأمصار في سائر الأعصار إلى قوله واختلاف
أحوالها قلت إن كانوا فعلوا ذلك مع وجود عرف وقتي ففعلهم خطأ كما قال وإن كانوا
فعلوه مع عدم العرف الوقتي فليس بخطأ والله أعلم
قال شهاب الدين فالحق حينئذ أن أكثر هذه الألفاظ التي تقدم ذكرها ليس فيها إلا
الوضع اللغوي وإنها كنايات خفية لا يلزم بها طلاق ولا غيره إلا بالنية إلى قوله
فهذا هو دين الله تعالى الحق الصريح والفقه الصحيح
قلت ليس الأمر في تلك الألفاظ كما قال بل فيها عرف شرعي أو لغوي فيلزم بها الطلاق
من غير تنوية والله أعلم
قال شهاب الدين قاعدة المجاز لا يدخل في النصوص إلى قوله وأسماء الأعداد نصوص لا
يجوز دخول المجاز فيها ألبتة
هامش إدرار الشروق
علما ظهر لك الحق في هذه الألفاظ
وهو أنا لا نجد أحدا في زماننا يقول لامرأته عند إرادة تطليقها حبلك على غاربك ولا
أنت بريئة ولا وهبتك لأهلك بل هذا لم نسمعه قط من المطلقين ولو سمعناه وتكرر ذلك
على سمعنا لم يكف ذلك في اعتقادنا أن هذه الألفاظ منقولة كما تقدم تقريره
فالمستعمل لهذه الألفاظ إن كان استعماله إياها وليس فيها عرف وقتي بل كانت لغوية
وضعا أو عرفا أو شرعية لزم حملها على مقتضاها الشرعي فاللغوي العرفي فالأصلي في كل
زمان وبكل مكان إن كان استعماله إياها وفيها عرف وقتي لزم حملها عليه إن كان عرفا
للمستعمل وإلا فالشرعي وإلا فاللغوي العرفي وإلا فاللغوي الأصلي فإن أفتى الفقيه
عند وجود العرف الوقتي باعتبار العرف الشرعي أو اللغوي العرفي أو اللغوي الأصلي
وألغى العرف الوقتي فهو مخطئ وإن أفتى بالترتيب المذكور عند وجود العرف الوقتي فهو
مصيب
وثالثها أن المفتي إذا جاءه رجل يستفتيه عن لفظة من هذه الألفاظ وكان عرف بلد
المفتي في هذه
____________________
(1/73)
فتزوجي وغطي شعرك وأنت حرة الثلاث
قال أبو حنيفة في ذلك كله واحدة بائنة قال ابن العربي من أصحابنا في كتاب القبس له
الصحيح أن حبلك على غاربك والبائن والخلية والبرية والبتلة والبتة واحدة ولا تزيد
على قولك أنت طالق وفي الترمذي عن ابن كنانة عن أبيه عن جده قال أتيت النبي صلى
الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إني طلقت امرأتي ألبتة فقال ما أردت فقلت واحدة
فقال هي ما أردت فردها إليه قال ابن يونس قال ابن القاسم إن قال وهبت لك صداقك
يلزمه ألبتة ولا ينوي
وقال مالك في الكتاب إذا قال بائن مني أو بريء أو خلية لا يصدق في عدم إرادته
الطلاق إلا بقرينة تصدقه وإذا قال كل حلال علي حرام تحرم عليه أزواجه نواهن أم لا
إلا أن يخرجهن بنيته أو بلفظه ولا يحرم عليه غيرهن قال ابن يونس قال أصبغ الحلال
علي حرام أو حرام علي ما أحله الله أو كل ما
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله صحيح ظاهر
قال قاعدة كل لفظ لا يجوز دخول المجاز فيه لا تؤثر النية في صرفه عن موضوعه إلى
قوله وهي قاعدة شرعية محمدية قلت ما قاله أيضا صحيح والله أعلم
قال وعلى هاتين القاعدتين ترتب قول مالك ومن وافقه من العلماء بأن القائل أنت حرام
أو ألبتة أو غير ذلك من الألفاظ لا ينوي في أقل من الثلاث إلى قوله للقاعدتين
المتقدمتين قلت ما قاله هنا صحيح ويلزم عن ذلك أن لفظ أنت حرام وطالق ألبتة ثبت
فيها عرف إما شرعي أو لغوي بخلاف ما قاله قبل
قال وبهذا يظهر لك الفرق بين قول القائل أنت طالق ثلاثا ويريد اثنتين لا تسمع نيته
في القضاء ولا في الفتيا أو يريد أنها طلقت ثلاث مرات من الولد فتسمع نيته في
الفتيا دون القضاء لأن الأول أدخل النية في لفظ العدد فامتنع والثاني أدخل النية
في اسم جنس الطلاق فحوله لطلق الولد وبقي العدد في ذلك الجنس الذي تحول إليه اللفظ
لم يتعرض له بالنية إلى قوله والسر ما تقدم تقريره
هامش إدرار الشروق
الألفاظ الطلاق الثلاث أو غيره من الأحكام لا يفتيه بحكم بلده بل يسأله هل هو من
بلد أهل المفتي فيفتيه حينئذ بحكم ذلك البلد أو هو من بلد آخر فيسأله حينئذ عن
المشتهر في ذلك البلد فيفتيه به
ويحرم عليه أن يفتيه بحكم بلده كما لو وقع التعامل ببلد غير بلد الحاكم حرم على
الحاكم أن يلزم المشتري بسكة بلده بل بسكة بلد المشتري إن اختلف السكتان فهذه
قاعدة لا بد من ملاحظتها وبالإحاطة بها يظهر لك أن إجراء الفقهاء المفتين
للمسطورات في كتب أئمتهم على أهل الأمصار في سائر الأعصار إن كانوا فعلوا ذلك مع
وجود عرف وقتي ففعلهم خطأ على خلاف الإجماع وهم عصاة آثمون عند الله تعالى غير
معذورين بالجهل لدخولهم في الفتوى وليسوا أهلا لها ولا عالمين بمداركها وشروطها
واختلاف أحوالها وإن كانوا فعلوه مع عدم العرف الوقتي فليس بخطأ وسبب اختلاف
الصحابة رضي الله تعالى عنهم في هذه الألفاظ ومن بعدهم من العلماء هو اختلافهم في
تحقيق وقوع النقل العرفي هل وجد فيتبع أم لم يوجد فيتبع
____________________
(1/74)
انقلب إليه حرام كله تحريم
وقال ابن عبد الحكم في حرام لا شيء عليه إذا كان في بلد لا يريدون به الطلاق وقال
ابن القاسم إن أراد بقوله أنت حرام الكذب بالإخبار عن كونها حراما وهي حلال حرمت
ولا ينوي
قال صاحب الاستذكار في الحرام أحد عشر قولا قال مالك يلزمه الثلاث في المدخول بها
وينوي في غير المدخول بها وقال الشافعي لا يلزمه شيء حتى ينوي واحدة فتكون رجعية
وإن نوى تحريمها بغير طلاق لزمه كفارة يمين ولا يكون موليا وقال أبو حنيفة إن نوى
الطلاق فواحدة وإن نوى اثنتين أو الثلاث فواحدة بائنة وإن لم ينو فكفارة يمين وهو
مول وإن نوى الكذب فليس بشيء وقال سفيان إن نوى واحدة فبائنة أو الثلاث فالثلاث أو
يمينا فيمين ولا فرقة ولا يمين بكذبة لا شيء فيها
وقال الأوزاعي له ما نوى وإلا فيمين تكفر وقال إسحاق كفارة الظهار ولا يطؤها حتى
يكفر وقيل يمين يكفرها ما يكفر اليمين لقول الله تعالى يا أيها النبي لم تحرم ما
أحل الله لك إلى قوله قد فرض الله لكم تحلة
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله هنا صحيح أيضا والله أعلم
قال شهاب الدين فإن قلت ما ذكرته من الحق متعين اتباعه فما سبب اختلاف الصحابة
رضوان الله تعالى عليهم في هذه الألفاظ إلى قوله فلا تنافي بين صحة هذه المدارك
وبين اختلافهم في وجودها وترتيب الأحكام عليها قلت ما قاله هنا متجه وممكن أن يكون
ما ذكره سبب اختلافهم والله أعلم
قال فإن قلت فلعل مدرك مالك رحمه الله نص أو قياس فتستمر فتاويه في جميع الأعصار
والأمصار إلى آخر الجواب قلت قد سبق القول في ذلك وأن المعتبر العرف الوقتي إن كان
وإلا فالشرعي وإلا فاللغوي وإلا فالأصلي فإن أراد ذلك فما قاله صحيح
قال المسألة الرابعة أن الإنشاء كما يكون بالكلام اللساني يكون بالكلام النفساني
ولذلك صور الأولى أن الله سبحانه وتعالى أنشأ السبب في زوال الشمس لوجوب الظهر
وأنزل القرآن الكريم دالا على ما قام بذاته
هامش إدرار الشروق
موجب اللغة وإذا وجد النقل فهل وجد في أصل الطلاق فقط أو فيه مع البينونة أو مع
العدد كما تقدم تقريره وإذا لم يوجد نقل عرفي وبقي موجب اللغة فهل يلاحظ نصوص
اقتضت الكفارة في مثل هذه أو لا أو القياس على بعض الأحكام فيكون المدرك هو القياس
لا النص فقد اتفقوا على هذه المدارك غير أنه لم يتضح وجودها عند بعضهم واتضح عند
البعض الآخر وقع اختلافهم في الحكم فلو وقع اتفاقهم على وجودها لوقع الاتفاق على
الحكم وارتفع الخلاف فلا تنافي بين صحة هذه المدارك وبين اختلافهم في وجودها وترتب
الحكم عليها وكذلك مدرك من بعدهم من العلماء كالإمام مالك وسائر الأئمة وهو اعتبار
العرف الوقتي إن كان وإلا فالشرعي وإلا فاللغوي وإلا فالأصلي لا القياس ولا النص
بالاستقراء
____________________
(1/75)
أيمانكم وكان عليه السلام قد حرم سريته مارية وقال الشعبي
تحريم المرأة كتحريم المال لا شيء فيه لقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا
طيبات ما أحل الله لكم وقيل واحدة بائنة وقال سعيد بن جبير عتق رقبة وقال ابن عباس
يمين مغلظة وفي الجواهر المشهور لزوم الثلاث وينوي في غير المدخول بها
وقال عبد الملك لا ينوي وقال ابن عبد الحكم ينوي واحدة في غير المدخول بها وعن
مالك واحدة بائنة وإن كانت مدخولا بها
قال الإمام أبو عبد الله المازري وأصل اختلاف الأصحاب في الألفاظ أن اللفظ إن تضمن
البينونة والعدد نحو أنت طالق ثلاثا لزم الثلاث ولا ينوي اتفاقا في المدخول بها
وغير المدخول بها أو يدل على البينونة فقط فينظر هل تمكن البينونة بالواحدة أو
تتوقف على الثلاث إذا لم تكن معارضة فيه خلاف أو يدل على عدد غالبا ويستعمل في
غيره نادرا فيحمل على الغالب عند عدم النية وعلى
هامش أنوار البروق
من هذا الإنشاء بقوله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى قوله وفي حق الله تعالى
قديم قلت ما قاله في ذلك صحيح
قال فإن قلت كيف يتصور الإنشاء القديم وليس في الأزل من يطلب منه شيء إلى آخر
الجواب الأول قلت قوله في هذا الجواب على تقدير وجوده إن أراد بتقدير الوجود
الاحتمال الذي يلزمه التردد كما في حقنا فليس ذلك بصحيح وإن أراد مجرد الإمكان
فذلك صحيح والمراد أن التكليف لا يتعلق إلا بمن يمكن وجوده وليس المراد أن يتحقق وجوده
وحينئذ يتعلق به التكليف
قال وعن الثاني أن ذلك الفرق إنما هو في الإنشاء والخبر اللغويين باعتبار الوضع
اللغوي إلى قوله فلا تلزم منافاة الأزل للإنشاء النفساني ولا الحدوث قلت ما قاله
في هذا الجواب صحيح
قال فإن قلت لم يجوز أن تكون هذه الأمور إخبارات عن إرادة وقوع العقاب إلى آخر
جوابه عن هذا السؤال
هامش إدرار الشروق
والإجماع
أما الاستقراء فله وجهان أحدهما أنه لا يمكن أن يكون مدركهم في حملهم هذه الألفاظ
على ما ذكروه من الإنشاء لا على ما تقتضيه اللغة من الخبر وهو القياس أو النص فإنا
نعلم مسائل الطلاق وشرائط القياس وليس فيها ما يقتضي القياس على ما ذكروه ولا فيها
آية من كتاب الله تعالى تقتضي أكثر مما قاله القائلون بالكفارة التي دلت عليها آية
التحريم ولم نجد أحدا من العلماء في كتب الفقه والخلاف روى في هذه الأحكام حديثا
عن أحد من الصحابة أو التابعين وقد وقعت هذه المسألة بينهم رضي الله تعالى عنهم
بلا شبهة
وثانيهما أن قاعدة الفقهاء وعوائد الفضلاء أنهم يجعلون ما ظفروا به وفقدوا غيره من
المدرك المناسب للفرع معتمدا لذلك الفرع في حق الإمام المجتهد الأول الذي أفتى
بذلك الفرع وفي حقهم أيضا في الفتيا والتخريج ونحن قد استقرأنا هذه المسائل فلم
نجد لها مدركا مناسبا إلا اعتبار العرفي الوقتي إلخ فوجب
____________________
(1/76)
النادر مع وجودها في الفتوى وإن تساوى الاستعمال أو تقارب
قبلت نيته في الفتوى والقضاء فإن عدمت النية فقيل يحمل على الأقل استصحابا للبراءة
الأصلية وقيل على الأكثر احتياطا والمشهور في الحرام أنها تدل على البينونة وأنها
لا تحصل في المدخول بها إلا بالثلاث وفي غيرها بالواحدة ولكونها غالبة في الثلاث
حملت قبل الدخول على الثلاث وينوي في الأقل والقول بعدم البينونة بناء على عدم
ثبوتها ووضعها للثلاث في العرف كقوله أنت طالق ثلاثا والقول بالواحدة البائنة
مطلقا بناء على حصول البينونة قبل الدخول وبعد الدخول وأنها لا تفيد عددا
ونقل عن ابن مسلمة واحدة رجعية بناء على أنها كالطلاق قال وعلى هذه القاعدة تتخرج
الفتاوى في الألفاظ قلت معنى التحريم في اللغة المنع فقوله أنت علي حرام معناه
الإخبار عن كونها ممنوعة فهو كذب لا يلزم فيه إلا التوبة في الباطن والتعزير في
الظاهر
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله في ذلك صحيح واضح قال الصورة الثالثة قوله تعالى في جزاء الصيد يحكم
به ذوا عدل منكم إلى آخر المسألة قلت ما قاله في ترجيح المذهب والفرق بين الفتوى
والحكم وتخريج الجواب على ذلك ظاهر والله أعلم
قال المسألة الخامسة اختلف العلماء في الطلاق بالقلب من غير نطق إلى آخر المسألة
قلت ما قاله في ذلك صحيح ظاهر
قال المسألة السادسة في بيان الفرق بين الصيغ التي يقع بها الإنشاء الواقع اليوم
في العادة إن الشهادة تصح بالمضارع إلى آخر المسألة قلت ما قاله في هذه المسألة من
اعتبار معينات الألفاظ مبني على مذهب من يشترطها كما قال فيصح تنقل العادات فيها
بحسب العرف الحادث كما ذكر والله أعلم
قال شهاب الدين فصل قد تقدم تذييل الإنشاء بمسائل توضحه وهي حسنة في بابها فنذيل
الخبر أيضا بثمان مسائل غريبة مستحسنة في بابها تكون طرفة للواقف
المسألة الأولى إذا قال كل ما قلته في هذا البيت كذب ولم يكن قال شيئا في ذلك
البيت قيل هذا القول يلزم منه أمران محالان
هامش إدرار الشروق
جعل ذلك مدرك الأئمة إفتاء وتخريجا وعدم العدول عن ذلك كما يشهد لذلك أن مما أجمع
عليه الفقهاء القياسون وأهل النظر والرأي والاعتبار أنا في كلام الشرع إذا ظفرنا
بالمناسبة جزمنا بإضافة الحكم إليها مع تجويز أن لا يكون الحكم كذلك عقلا لأن
الاستقراء أوجب لنا أن لا نعرج على غير ما وجدناه ولا نلتزم التعبد مع وجود
المناسب فأولى أن نفعل ذلك في كلام غير صاحب الشريعة بل نحمل كلام العلماء على
المناسب لتلك الفتاوى السالم عن المعارض نعم إذا وجدنا مناسبين تعارضا أو مدركين
تقابلا فحينئذ يحسن التوقف
وأما الإجماع فقد قدمنا لك كلام الإمام أبي عبد الله المازري إمام الفقه وأصوله
وحافظ متقن لعلم الحديث وفنونه وله في جميع ذلك اليد البيضاء والرتبة العالية
المفيد أن سبب الخلاف في هذه المسألة ما ذكر فكفى به قدوة في مدرك هذه الفروع
ومتعمدا في ضوابطها وتلخيصها وقد تابعه على ذلك جماعة من الشيوخ والمصنفين ولم نجد
لهم مخالفا فكان ذلك إجماعا من أئمة المذهب فالتشكيك بعد ذلك إنما هو
____________________
(1/77)
كسائر أنواع الكذب ليس في مقتضاها لغة إلا ذلك وكذلك خلية
معناه في اللغة الإخبار عن الخلاء وأنها فارغة وأما مم هي فارغة فلم يتعرض اللفظ
له وكذلك بائن معناه لغة المفارقة في الزمان أوالمكان وليس فيه تعرض لزوال العصمة
فهي إخبارات صرفة ليس فيها تعرض للطلاق ألبتة من جهة اللغة فهي إما كاذبة وهو
الغالب وإما صادقة إن كانت مفارقة له في المكان ولا يلزم بذلك طلاق كما لو صرح
وقال لها أنت في مكان غير مكاني وحبلك على غاربك معناه الإخبار عن كونها حبلها على
كتفها وأصله أن الإنسان إذا كان يرعى بقرة وقصد التوسعة عليها في المرعى ترك حبلها
من يده ووضعه على غاربها وهو كتفها فتنتقل في المرعى كيف شاءت فإذا لم تكن هناك
نية كان إخباره عن كون المرأة كذلك كذبا وإن قصد الاستعارة والمجاز والتشبيه بينها
وبين البقرة في أنها تصير مطلقة التصرف لا
هامش أنوار البروق
عقلا أحدهما ارتفاع الصدق والكذب عن الخبر وهما خصيصة من خصائصه وارتفاع خصيصة
الشيء عنه مع بقائه محال إلى آخر كلامه في كلا الأمرين بتقرير الإشكال قلت ما قاله
من لزوم ارتفاع الصدق والكذب عن هذا الكلام ظاهر
قال والجواب أنا نختار أن هذا الخبر كذب وتقريره أن الكذب هو القول الذي ليس
بمطابق إلى منتهى قوله وكذلك نجيب عن ارتفاع النقيضين بأن نقول الواقع منهما عدم
المطابقة بالتفسير العام المتقدم ذكره قلت هو جواب حسن غير أنه يبقى إشكال آخر وهو
ما إذا قال كل ما قلته في هذا البيت فهو كذب ثم قال كل ما قلته في هذا البيت فهو
صدق فإن الصدق والكذب خبران وقد أخبر بهما عن مخبر واحد فلا بد أن يصدق أحد خبريه
ويكذب الآخر وإلا أدى ذلك إلى اجتماع الضدين وقياس الجواب الذي ذكره يقتضي أنه إذا
قال كل ما قلته في هذا البيت فهو صدق أن خبره ذلك كذب إذا كان لم يقل في ذلك البيت
شيئا فلازم ذلك أن إخباره عما قاله في البيت بأنه صدق وبأنه كذب إخبار كذب فقد
اجتمع الضدان
والجواب عن هذا الإشكال أن الضدين لم يجتمعا في
هامش إدرار الشروق
طلب للجهل الوبيل وسبيل لغواية التضليل والله أعلم
المسألة الرابعة يكون الإنشاء بالكلام النفساني
كما يكون بالكلام اللساني ولذلك ثلاث صور الصورة الأولى الأسباب والشروط والموانع
الشرعية إن شاء الله تعالى في إفرادها وما ورد من الكتاب والسنة في ذلك إنما هو
أدلة على ما قام بذات الله تعالى من هذه الإنشاءات لا نفسها وإلا يلزم اتحاد
الدليل والمدلول فأنشأ تعالى السببية في زوال الشمس لوجوب الظهر وأنزل قوله تعالى
أقم الصلاة لدلوك الشمس دالا على ما قام بذاته من هذا الإنشاء وكذلك إنشاء الشرطية
في الزكاة وفي الحول وفي الصلاة في الطهارة والمانعية من الميراث في الكفر ومن
الصلاة في الحدث وجعل ما ورد في ذلك دالا على ما قام بذاته من هذه الإنشاءات
الصورة الثانية الأحكام الخمسة الشرعية وهي الوجوب والندب والتحريم والكراهة
والإباحة كلها قائمة بذاته تعالى عند أهل الحق والكتاب والسنة وغير ذلك من أدلة
الشرع إنما هي أدلة على ما قام بذاته تعالى من ذلك وكذلك الواحد منا إذا قال
لغلامه اسقني فقد أنشأ في نفسه إيجابا وطلبا للماء قبل
____________________
(1/78)
حجر عليها من قبل الأزواج بسبب زوال العصمة كما تبقى البقرة
في مرعاها كذلك فهذا لا يتحقق إلا مع النية كسائر المجازات إذا فقدت فيها النية
كان اللفظ منصرفا بالوضع للحقيقة فيصير كذبا
وكذلك جميع ما ذكر من ألفاظ الطلاق فحينئذ إنما تصير هذه الألفاظ موجبة لما ذكره
مالك رحمه الله بنقل العرف لها في رتب أحدها أن ينقلها العرف عن الإخبار إلى
الإنشاء
وثانيها أن ينقلها لرتبة أخرى وهي زوال العصمة بالإنشاء الذي هو إنشاء خاص أخص من
مطلق الإنشاء لأنه لا يلزم من نقلها للإنشاء أن تفيد زوال العصمة لأن أصل الإنشاء
أعم من زوال العصمة فقد يصدق بإنشاء البيع أو العتق أو غير ذلك
والقاعدة أن الدال على الأعم غير دال على الأخص فلا تدل بنقلها إلى أصل الإنشاء
على زوال العصمة بل لا بد من نقلها إلى خصوصه فتفيد زوال العصمة حينئذ
هامش أنوار البروق
ثبوت وذلك هو الاجتماع الممتنع وأما الاجتماع في النفي فغير ممتنع وكون كلا
الخبرين كذبا نفي لكن يبقى أن يقال اجتماع الضدين في الانتفاء غير ممتنع إذا كانا
غير منحصرين بل يكون لهما ضد ثالث أما إذا كانا منحصرين فهما كالنقيضين لا يصح
اجتماعهما في ثبوت ولا انتفاء والصدق والكذب منحصران فلا يصح ثبوتهما لخبر واحد
ولا انتفاؤهما معا وبالجملة المسألة مشكلة بناء على كون الخبر لا بد أن يكون صدقا
أو كذبا أما إذا قال قائل يكون في الإخبار ما ليس بصدق ولا كذب فقول القائل كل ما
قلته في هذا البيت كذب أو كل ما قلته في هذا البيت صدق من هذا الضرب الذي تعرى عن
الصدق والكذب فلا يلزم على مقتضي قوله إشكال ويكون الخبر ثلاثة أقسام صدق وكذب ولا
صدق ولا كذب وتقرير ذلك بأن الخبر إما أن يكون عن مخبره لا بالوقوع ولا بعدم الوقوع
وإما أن يكون بالوقوع أو بعدم الوقوع فإن كان الخبر عن مخبره لا بالوقوع ولا بعدم
الوقوع فهذا الخبر لا يتصف لا بالصدق ولا بالكذب وإن كان الخبر عن مخبره بالوقوع
أو بعدم الوقوع فإما أن يطابق أو لا يطابق فإن طابق فهو الصدق
وإن لم يطابق فهو الكذب وبهذا التقرير تصح القسمة المنحصرة ويبطل حينئذ حد الخبر
أو رسمه بأنه القول الذي يلزمه الصدق أو الكذب ويحد أو
هامش إدرار الشروق
الدلالة عليه بلفظه
وكذلك النهي وغير ذلك غير أن إنشاء الخلق لهذه الأمور حادث وفي حق الله تعالى قديم
بمعنى أن الله تعالى في الأزل يوجب مثلا على من يمكن وجوده مجتمع الشرائط مزال
الموانع فيتقدم منه تعالى الطلب على وجود المطلوب كما أن أحدنا يجد في نفسه طلب
تحصيل العلم والفضائل من ولدان رزقه وهو الآن لا ولد له فيتقدم منا الطلب على وجود
المطلوب وكون الإنشاء لا بد وأن يكون طارئا على الخبر كما مر إنما هو في الإنشاء
والخبر اللغويين أما الكلام النفسي فواحد يختلف باختلاف متعلقاته فإن تعلق بأحد
النقيضين الوجود أو العدم على وجه التبع فهو الخبر وإن تعلق بأحدهما على وجه
الترجيح فإن كان طرف الوجود فهو الإيجاب أو في طرف العدم فهو التحريم أو تعلق
بالتسوية بينهما فهو
____________________
(1/79)
وثالثها أن ينقلها العرف إلى الرتبة الخاصة من العدد وهي
الثلاث فإن زوال العصمة أعم من زوالها بالعدد الثالث فهذه رتب ثلاث لا بد من نقل
العرف اللفظ إليها حتى يفيد اللفظ الثلاث فهذه الرتب التي أشار إليها الإمام أبو
عبد الله المازري رحمه الله بقوله إما أن يكون اللفظ يفيد البينونة أو البينونة مع
العدد أو أصل الطلاق غير أنه قد بقيت في القاعدة التي أشار إليها أغوار لم يفصح
بها وهو يريدها وهي أمور أحدها أن هذه الألفاظ عرفية لا لغوية وأنها تفيد بالنقل
العرفي لا بالوضع اللغوي وثانيها أن مجرد الاستعمال من غير تكرر لا يكفي في النقل
بل لا بد من تكرر الاستعمال إلى غاية يصير المنقول إليه يفهم بغير قرينة
ويكون هو السابق إلى الفهم دون غيره وهذا هو المجاز الراجح فقد يتكرر اللفظ في
مجازه ولا يكون منقولا ولا مجازا راجحا ألبتة كاستعمال لفظ الأسد في الرجل الشجاع
والبحر في العالم أو السخي
هامش أنوار البروق
يرسم بأنه القول الذي يقصد قائله به تعريف المخاطب بأمر إما هذا أو ما يشبهه أو
يقاربه فإن قيل التعريف هو الإخبار ففيه حد الشيء بنفسه فالجواب أن هذه الرسوم
تقريب لا تحقيق والتحقيق أن الخبر معروف وغيره وهو المسمى بالإنشاء معروف والله
أعلم
قال شهاب الدين ومثل هذا الخبر قوله كل ما تكلمت به في جميع عمري كذب وكان لم يكذب
قط فهذا الخبر كذب قطعا لأنه إن أراد الأخبار المتقدمة في عمره فهو كاذب لأنها
كانت صدقا قلت ما قاله في ذلك صحيح
قال وإن أراد هذا الخبر الأخير وحده فهو ليس بصدق لعدم خبر آخر يطابقه قلت ما ذكره
من احتمال إرادة هذا الخبر بعيد جدا لأن لفظه كل ما للعموم وهي نص فيه لا سيما مع
اقترانها بقوله في جميع عمري والذي يتجه أن يقال إن أراد أن كل ما قاله ما عدا هذا
الخبر فهو كاذب لصدقه فيما قال وإن أراد حتى هذا الخبر فهو كاذب أيضا لا لعدم خبر
يطابقه هذا الخبر
هامش إدرار الشروق
الإباحة ولا ترتيب بين هذه الأنواع بل بينها وبين أصل الكلام رتبة عقلية لا زمانية
لأن العقل يقضي بتقديم العام على الخاص بالرتبة تقديما عقليا لا زمانيا فلا تلزم
منافاة الأزل للكلام النفساني ولا الحدوث وكون هذه الأحكام إنشاءات لا إخبارات عن
إرادة وقوع العقاب على من خالف وعصى يتضح بوجهين أحدهما أنها لا تقبل التصديق
والتكذيب
وثانيهما أنها لو كانت إخبارات عن إرادة العقاب للزم إما وجوب عقاب كل عاص وإما
الخلف والثاني محال على الله تعالى والأول باطل لإجماعنا على حصول العفو في كثير
من الصور التي لا تحصى وللنصوص الدالة على ذلك من الكتاب والسنة قال الله تعالى
وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات وقال عليه الصلاة والسلام الندم
توبة والإسلام يجب ما قبله وللصورة الثالثة اختلفت أقوال الأئمة في قوله تعالى
جزاء الصيد يحكم به ذوا عدل منكم والصحيح قول مالك رحمه الله تعالى الواجب في
الصيد مثله من النعم بطريق الأصالة ثم يقوم الصيد ويقع التخيير بين المثل والإطعام
والصوم كما تقرر في كتب الفقه
وأما قول الشافعي رضي الله تعالى عنه
____________________
(1/80)
والضحى أو الشمس والقمر والغزال في جميل الصورة وذلك يتكرر
على ألسنة الناس تكرارا كثيرا ومع ذلك التكرار الذي لا يحصى عدده لم يقل أحد إن
هذه الألفاظ صارت منقولة بل لا تحمل عند الإطلاق إلا على الحقائق اللغوية حتى يدل
دليل على أنها أريد بها هذه المجازات ولا بد في كل مجاز منها من النية والقصد إلى
استعمال اللفظ فيه فعلمنا حينئذ أن النقل لا بد أن يكون بتكرر الاستعمال فيه إلى
حد يصير المتبادر منه للذهن والفهم هو المجاز الراجح المنقول إليه دون الحقيقة
اللغوية فهذا ضابط في النقل لا بد منه فإذا أحطت به علما ظهر لك الحق في هذه
الألفاظ وهو أنا لا نجد أحدا في زماننا يقول لامرأته عند إرادة تطليقها حبلك على
غاربك ولا أنت برية ولا وهبتك لأهلك هذا لم نسمعه قط من المطلقين ولو سمعناه وتكرر
ذلك على سمعنا لم يكف ذلك في اعتقادنا أن هذه الألفاظ منقولة كما تقدم تقريره وأما
لفظ الحرام فقد اشتهر في زماننا في
هامش أنوار البروق
بل لإخباره بقضية كلية تقتضي شمول الكذب جميع أقواله في جميع عمره وقد فرض صادقا
فيما عدا هذا الخبر
قال شهاب الدين وهو قد أخبر أنه غير مطابق لنفسه فهو مخبر أن خبره هذا الأخير
خبران أحدهما غير مطابق للآخر وهو ليس خبرين فيكون كذبا قطعا سواء أراد الأخبار
المتقدمة أو أراد هذا الأخير هذا الذي اعتمده فخر الدين وغيره قلت لا يلزم من
إخباره أن هذا الخبر غير مطابق لنفسه أن يكون مخبرا أن خبره هذا خبران قال والذي
أعتقده أن هذا الخبر لا يقطع بكذبه لجواز أن يريد الخبر الأخير وحده ويكون عدم
مطابقته لعدم ما تمكن المطابقة معه فهو غير مطابق بالمعنى الأعم كما تقدم تقريره
فقوله إنه كذب صدق على هذا التقرير فلا يقطع بكذب هذا الخبر لهذا الاحتمال قلت قد
سبق أن هذا الاحتمال كالممتنع مع أن فيه أمرا آخر وهو أن هذا الخبر بعينه صدق وكذب
معا وذلك لا يصح أصلا وما سبب هذا الارتباك والتخبط الذي لا يعقل إلا التزام أن
الخبر لا يخلو عن الصدق والكذب أما إذا قلنا يخلو عنهما ارتفع الإشكال لا محالة
هامش إدرار الشروق
لا يتصور الحكم فيما أجمع عليه الصحابة رضوان الله تعالى عليهم فإن الحكم لا بد فيه
من الاجتهاد والاجتهاد من مواقع الإجماع لا يصح لأنه سعي في تخطئة المجمعين فيكون
العام مخصوصا بصور الإجماع فجوابه أن الحكمين في زماننا ينشئان الإلزام على قاتل
الصيد ويكون مدركهما في ذلك هو الإجماع في الصورة المجمع عليها والنصوص والأقيسة
في الصورة التي لم يجمع عليها فالحكم في زماننا عام في الجميع والنص باق على
العموم ولا حاجة لتخصيصه ويوضح ذلك ما تقرر من الفرق بين الفتوى والحكم وبين
المفتي والحاكم من أن الحكم إنشاء لنفس ذلك الإلزام إن كان الحكم فيه أو لنفس تلك
الإباحة والإطلاق إن كان الحكم فيها كحكم الحاكم بأن الموات إذا بطل إحياؤه صار
مباحا لجميع الناس والفتوى بذلك إخبار صرف عن صاحب الشرع وأن الحاكم ملزم والمفتي
مخبر وأن نسبتهما لصاحب الشرع كنسبة نائب الأحكام والمترجم عنه فنائبه ينشئ أحكاما
لم تقرر عند مستنيبه بل ينشئها على قواعده كما ينشئها
____________________
(1/81)
أصل إزالة العصمة فيفهم من قول القائل أنت علي حرام أو
الحرام يلزمني أنه طلق امرأته أما أنه طلقها ثلاثا فإنا لا نجد في أنفسنا أنهم
يريدون ذلك في الاستعمال هذا قوله فيما يتعلق بمصر والقاهرة
فإن كان هناك بلد آخر تكرر الاستعمال عندهم في الحرام أو غيره من الألفاظ الثلاث
حتى صار هذا العدد هو المتبادر من اللفظ فحينئذ يحسن إلزام الطلاق الثلاث بذلك
اللفظ وإياك أن تقول إنا لا نفهم منه إلا الطلاق الثلاث لأن مالكا رحمه الله قاله
أو لأنه مسطور في كتب الفقه لأن ذلك غلط بل لا بد أن يكون ذلك الفهم حاصلا لك من
جهة الاستعمال والعادة كما يحصل لسائر العوام كما في لفظ الدابة والبحر والرواية
فالفقيه والعامي في هذه الألفاظ سواء في الفهم لا يسبق إلى إفهامهم إلا المعاني
المنقول إليها فهذا هو الضابط لا فهم ذلك من كتب الفقه فإن النقل إنما يحصل
باستعمال الناس لا بتسطير ذلك في الكتب بل المسطر في الكتب تابع لاستعمال الناس
فافهم ذلك إذا تقرر ذلك فيجب علينا أمور أحدها أن نعتقد أن مالكا أو غيره من
العلماء إنما أفتى في هذه الألفاظ بهذه الأحكام لأن زمانهم كان فيه عوائد اقتضت
نقل هذه الألفاظ للمعاني
هامش أنوار البروق
قال فإن كذب في جملة عمره أو في جميع ما قاله في هذا البيت ثم قال كل ما تكلمت به
في عمري صدق أو جميع ما قلته في هذا البيت صدق إلى منتهى قوله أمكننا أن نجعل
الخبر الواحد كذبا ولم يمكنا أن نجعله صدقا قلت ما قاله في ذلك ظاهر ومبني على
الفرق الذي قرره بين الصدق والكذب وأن الصدق لا بد فيه من المطابقة فيلزم سبق مخبر
عنه بخلاف الكذب لا يشترط فيه عدم المطابقة بل ذلك أو عدم مخبر عنه ألبتة
قال فتأمل هذا الفرق ولاحظ فيه أن الكذب أعم والأعم قد يوجد حيث لا يوجد الأخص
فأما الإمام فخر الدين وغيره فقد سوى بين البابين إلى آخر المسألة قلت الأصح ما
قاله الفخر وغيره والله أعلم
وتتضح المسألة بالتقسيم الحاضر فنقول لا يخلو قائل كل ما تكلمت به في جميع عمري
كذب أن يكون تكلم قبل هذا الكلام أو لم يتكلم فإن تكلم فلا يخلو أن يكون تكلم بكذب
أو بصدق وكذب فإن كان تكلم بكذب لا غير فكلامه هذا صادق
هامش إدرار الشروق
الأصل
ولا يحسن من مستنيبه أن يصدقه فيما حكم به ولا يكذبه بل يخطئه أو يصوبه باعتبار
المدرك الذي اعتمده والمترجم يخبر عما قاله الحاكم لمن لا يعرف كلام الحاكم لعجمته
أو لغير ذلك من موانع الفهم فللحاكم أن يصدقه إن صدق ويكذبه إن كذب وقد وضع الأصل
في هذا الفرق كتابا نفيسا فيه أربعون مسألة تتعلق بتحققه سماه بالأحكام في الفرق
بين الفتاوى والأحكام وتصرف القاضي والإمام وأما قول أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه
النص باق على عمومه غير أن الواجب في الصيد إنما هو القيمة على طريق الفاصل الشاهد
مستدلا بأربعة أمور أحدها أن الجزاء جعله قوله تعالى فجزاء مثل ما قتل من النعم
للمثل لا للصيد نفسه فالنعم واجبة في المثل الذي هو القيمة لا للصيد نفسه
____________________
(1/82)
التي أفتوا بها فيها صونا لهم عن الزلل وثانيها أنا إذا
وجدنا زماننا عريا عن ذلك وجب علينا أن لا نفتي بتلك الأحكام في هذه الألفاظ لأن
انتقال العوائد يوجب انتقال الأحكام كما نقول في النقود وفي غيرها فإنا نفتي في
زمان معين بأن المشتري تلزمه سكة معينة من النقود عند الإطلاق لأن تلك السكة هي
التي جرت العادة بالمعاملة بها في ذلك الزمان فإذا وجدنا بلدا آخر وزمانا آخر يقع
التعامل فيه بغير تلك السكة تغيرت الفتيا إلى السكة الثانية وحرمت الفتيا بالأولى
لأجل تغير العادة
وكذلك القول في نفقات الزوجات والذرية والأقارب وكسوتهم تختلف بحسب العوائد وتنتقل
الفتوى فيها وتحرم الفتوى بغير العادة الحاضرة وكذلك تقدير العواري بالعوائد وقبض
الصدقات عند الدخول أو قبله أو بعده في عادة نفتي أن القول قول الزوج في الإقباض
لأنه العادة وتارة بأن القول قول المرأة في عدم القبض إذا تغيرت العادة أو كانوا
من أهل بلد ذلك عادتهم وتحرم الفتيا
هامش أنوار البروق
وإن كان تكلم بصدق لا غير أو بصدق وكذب فكلامه هذا كذب وإن لم يتكلم قبل هذا
الكلام فكلامه هذا كذب على ما سلك الشهاب ولا صدق ولا كذب على ما سلك غيره والله
أعلم
قال شهاب الدين المسألة الثانية وعد الله تعالى ووعيده وقع لابن نباتة في خطبة
الحمد لله الذي إذا وعد وفى وإذا أوعد تجاوز وعفا إلى آخر المسألة قلت جزم الشهاب
بخطأ ابن نباتة ويمكن أن يخرج لكلامه وجه وهو أن وعد الله لا يخصصه إلا الردة لا
غير ووعيده يخصصه الإيمان وهو نظير الردة والتوبة والشفاعة والمغفرة ولا مقابل لها
في جهة الوعد فلما كان الوعد مخصصاته أقل من مخصصات الوعيد صح أن يفرق بينهما بناء
على ذلك وما ذكره من إيهام العفو عمن أريد بالوعيد ليس من الإيهام الممنوع والله
أعلم
قال شهاب الدين المسألة الثالثة إذا فرضنا رجلا صادقا على الإطلاق وهو زيد فقلنا
زيد ومسيلمة صادقان أو كاذبان استحال ذلك إلى آخر تقرير الإشكال ثم ذكر جواب الفخر
بأنه في قوة خبرين أحدهما صادق والآخر كاذب ورد الجواب بتضييق الفرض في السؤال عن
المجموع أو يقول المتكلم
هامش إدرار الشروق
وثانيها أنه يلزم على جعل الجزاء للمثل لا للصيد أن قوله تعالى لا تقتلوا الصيد
وأنتم حرم عام في جميع أنواع الصيد لا خاص بما لا مثل له من النعم كالعصافير
والنمل وغيرها بخلاف جعل الجزاء للصيد لا للمثل وعدم التخصيص أولى
وثالثها أن الله تعالى اشترط الحكمين وذلك إنما يتأتى باقيا على عمومه إذا جعلنا
الجزاء للمثل لا إذا جعلناه للصيد إذ لا يلزم من إجماع الصحابة رضوان الله تعالى
عليهم على تقويم صيد أن لا نقومه نحن بعد ذلك لاختلاف القيمة في أفراد النوع
الواحد ولا يغني تقويم عن تقويم فيبقى العموم على عمومه في الصحابة ومن بعدهم
ويلزم بعد إجماع الصحابة على أن في الضبع شاة وفي البقرة الوحشية بقرة وفي النعامة
بدنة وغير ذلك من الصور التي يفرض حصول الاجتماع فيها أن ذلك يتعين ولا يبقى للحكم
منا والاجتهاد بعد ذلك معنى ألبتة إلا في الصور التي لم يجمع فيها الصحابة كالفيل
وغيره من أفراد الصيد فيلزم التخصيص وهو على خلاف الأصل
____________________
(1/83)
لهم بغير عادتهم ومن أفتى بغير ذلك كان خارقا للإجماع فإن
الفتيا بغير مستند مجمع على تحريمها وكذلك التلوم للخصوم في تحصيل الديون للغرماء
وغير ذلك مما هو مبني على العوائد مما لا يحصى عدده متى تغيرت فيه العادة تغير
الحكم بإجماع المسلمين وحرمت الفتيا بالأول وإذا وضح لك ذلك اتضح لك أن ما عليه
المالكية وغيرهم من الفقهاء من الفتيا من هذه الألفاظ بالطلاق الثلاث هو خلاف
الإجماع وأن من توقف منهم عن ذلك ولم يجر المسطورات في الكتب على ما هي عليه بل
لاحظ تنقل العوائد في ذلك أنه على الصواب سالم من هذه الورطة العظيمة فتأمل ذلك
ومن الأغوار التي لم ينبه عليها الإمام أبو عبد الله المازري أن المفتي إذا جاءه
رجل يستفتيه عن لفظة من هذه الألفاظ وعرف بلد المفتي في هذه الألفاظ الطلاق الثلاث
أو غيره من الأحكام لا يفتيه بحكم بلده بل يسأله هل هو من أهل بلد المفتي فيفتيه
حينئذ بحكم
هامش أنوار البروق
أردت المجموع
وأجاب بأنه خبر كاذب وأنه إن أراد كل واحد منهما فهو خبر كاذب وإن أراد المجموع
فكذلك لأن الحقيقة الكلية تنتفي بانتفاء جزئها قلت ما قاله جواب حسن بناء على أن
الخبر لا بد أن يكون صدقا أو كذبا وأما أنه لا يخلو عنهما فلا إشكال
قال شهاب الدين المسألة الرابعة إذا قلنا
الإنسان وحده ناطق وكل ناطق حيوان فإنه ينتج الإنسان وحده حيوان وهذا كذب قلت أجاب
بأن قول القائل الإنسان وحده ناطق في قوة مقدمتين موجبة وسالبة وأكمل جوابه بناء
على ذلك وهو جواب حسن ولقائل أن يجيب بأن المقدمة الأولى لما قيد موضوعها بوحده
كان يجب أن يذكر الموضوع في الثانية مقيدا بقيده ولو ذكر كذلك لظهر الفساد في
المقدمة الثانية إذ ليس الإنسان وحده حيوانا بل هو وغيره ففساد النتيجة لفساد إحدى
المقدمتين وهذا الجواب مغن عن الجواب الأول مع أنه حسن
قال شهاب الدين المسألة الخامسة تقول الفول يغذو الحمام والحمام يغذو البازي إلى
آخر المسألة
هامش إدرار الشروق
ورابعها أن الصيد متلف يوم المتلفات فتجب فيه القيمة كسائر المتلفات فجوابه عن
الأمر الأول أن الآية كما قرئت فجزاء مثل بالإضافة فصارت محتملة لما ذكرناه ولما
ذكرتموه كذلك قرئت فجزاء بالتنوين و مثل ما قتل من النعم نعت له فتكون صريحة فيما
ذكرناه من كون الجزاء للصيد للمثل فيجب حملها على ما ذكرناه جمعا بين القراءتين
وهو أولى من التعارض وعن الأمر الثاني أن الضمير في قوله تعالى ومن قتله يحمل على
الخصوص ويبقى الظاهر وهو مرجعه في قوله تعالى لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم على عمومه
من غير تخصيص كما في قوله تعالى إلا أن يعفون خاص بالرشيدات والمطلقات مرجعه على
عمومه من غير تخصيص وكذلك قوله تعالى وبعولتهن أحق بردهن خاص بالرجعيات مع بقاء
المطلقات مرجعه على عمومه وعن الأمر الثالث ما تقدم من أن الحكمين ينشئان الإلزام
وأنه لا ينافي حكم الصحابة رضوان الله تعالى عليهم إذ لو نافاه وكان ردا لحكمهم
لكان حكمهم أيضا ردا على رسول الله
____________________
(1/84)
ذلك البلد
أو هو من بلد آخر فيسأله حينئذ عن المشتهر في ذلك البلد فيفتيه به ويحرم عليه أن
يفتيه بحكم بلده كما لو وقع التعامل ببلد غير بلد الحاكم حرم على الحاكم أن يلزم
المشتري بسكة بلده بل بسكة بلد المشتري إن اختلفت السكتان فهذه قاعدة لا بد من
ملاحظتها وبالإحاطة بها يظهر لك غلط كثير من الفقهاء المفتين فإنهم يجرون
المسطورات في كتب أئمتهم على أهل الأمصار في سائر الأعصار وذلك خلاف الإجماع وهم
عصاة آثمون عند الله تعالى غير معذورين بالجهل لدخولهم في الفتوى وليسوا أهلا لها
ولا عالمين بمدارك الفتاوى وشروطها واختلاف أحوالها فالحق حينئذ أن أكثر هذه
الألفاظ التي تقدم ذكرها ليس فيها إلا الوضع اللغوي وأنها كنايات خفية لا يلزم بها
طلاق ولا غيره إلا بالنية وإن لم تكن له نية لم يلزمه شيء حتى يحصل فيها نقل عرفي
كما تقدم بيانه فيجب اتباع ذلك النقل على حسب ما نقل اللفظ إليه من بينونة أو عدد
أو غير ذلك فهذا هو دين الله تعالى الحق الصريح والفقه الصحيح
هامش أنوار البروق
قلت جوابه ظاهر صحيح المسألة الخامسة كذب نتيجة المقدمتين الصادقتين في الشكل
الأول المنتظم بنحو قولك الفول يغذو الحمام والحمام يغذو البازي ينتج الفول يغذو
البازي وهذا خبر كاذب إذ البازي لا يأكل إلا اللحم إنما هو من جهة فوات شرط
الإنتاج الذي هو اتحاد الوسط فإن ضابط اتحاده في الشكل الأول أن تأخذ عين خبر
المقدمة الأولى فتجعله مبتدأ في الثانية وهنا لم تأخذه بل أخذت مفعوله وجعلته
مبتدأ في الثانية ونظيره أن تقول زيد مكرم خالدا وخالد مكرم عمرا ينتج زيد مكرم
عمرا وذلك غير لازم لجواز أن يكون زيد عدوا لعمرو فلم يكرمه فظهر أنه متى أخذت
مفعول الوسط بطل الإنتاج ومتى أخذته نفسه فهو الذي يحصل به الإنتاج ويصدق معه
الخبر الناشئ من القياس
قال المسألة السادسة تقول كل زوج عدد والعدد
إما زوج أو فرد إلى آخر المسألة قلت ما ذكره من الجواب صحيح ظاهر قال المسألة
السابعة تقول الوتد في الحائط والحائط في الأرض فالوتد في الأرض إلخ قلت ما ذكره
في الجواب أيضا صحيح ظاهر الأقولة وكقوله تعالى وهو الذي في السماء إله وفي الأرض
إله وهو إنما يعبد فوق ظهرهما فاللفظ حقيقة فإن الفوقية الحقيقية تقتضي الاستقرار
والاستقرار يقتضي المماسة وذلك من صفات الحوادث فإن كان أراد ظاهر ذلك اللفظ فهو
خطأ
قال المسألة الثامنة قولنا هذا الجبل ذهب لأن كل من قال إنه ذهب قال إنه جسم وكل
من قال إنه جسم صادق ينتج أن كل من قال إنه ذهب صادق إلى آخر أجوبته قلت أجوبته
صحيحة غير أنه كان الأولى الجواب بأن شرط الإنتاج غير موجود وهو اشتراك
هامش إدرار الشروق
صلى الله تعالى عليه وسلم فإنه عليه الصلاة والسلام حكم في الضبع بشاة أيضا وعن
الأمر الرابع أن جزاء الصيد ليس من باب الجوابر بل من باب الكفارات لأنه تعالى
سماه كفارة في قوله سبحانه وتعالى أو كفارة طعام مساكين فبطل القياس إذا تقرر هذا
كله وثبت أن حكم ذوي العدل منكم في الصيد من مسائل الإنشاء لا الخبر لم يبق إشكال
بين إجماع الصحابة السابق والحكم اللاحق فتفطن والله سبحانه وتعالى أعلم
قال المسألة الخامسة اختلف العلماء في الطلاق بالقلب
من غير نطق إلى آخر المسألة قلت ما قاله في ذلك صحيح ظاهر
المسألة الخامسة اختلف العلماء في الطلاق بالقلب من غير نطق واختلفت عبارات
الفقهاء فيه والعبارة الحسنة ما في الجواهر من أن معنى ذلك الكلام النفساني يعني
أنه إذا أنشأ الطلاق بقلبه بكلامه النفساني ولم يلفظ به بلسانه فهو موضع الخلاف لا
ما في عبارة الجمهور من أن معناه أن في الطلاق بالنية قولين وما في عبارة الجلاب من
أن معناه أن من اعتقد الطلاق بقلبه ولم يلفظ به بلسانه ففيه قولان فإن من
____________________
(1/85)
قاعدة المجاز لا يدخل في النصوص بل في الظواهر فقط فمن أطلق
العشرة وأراد السبعة فهو مخطئ لغة ومن أطلق صيغ العموم وأراد الخصوص فهو مصيب لغة
لأنها ظواهر وأسماء الأعداد عندهم نصوص لا يجوز دخول المجاز فيها ألبتة
قاعدة كل لفظ لا يجوز دخول المجاز فيه لا تؤثر النية في صرفه عن موضوعه لأن النية
لا تصرف اللفظ إلى معنى إلا إذا كان يجوز الصرف إليه لغة هذه قاعدة شرعية والأولى
قاعدة لغوية فبنيت الشرعية على اللغوية وهي القاعدة الشرعية المحمدية وعلى هاتين
القاعدتين ترتب قول مالك ومن وافقه من العلماء بأن القائل أنت حرام أو ألبتة أو
غير ذلك من الألفاظ لا ينوي في أقل من الثلاث بناء على أن اللفظ نقل إلى العدد
المعين وهو الثلاث فصار من جملة أسماء الأعداد وأسماء الأعداد لا يدخلها المجاز
فلا تسمع فيها النية للقاعدتين المتقدمتين
وبهذا يظهر لك الفرق بين قول القائل أنت طالق ثلاثا ويريد اثنتين لا تسمع نيته في
القضاء ولا في الفتوى أو يريد أنها طلقت ثلاث مرات من الولد فتسمع نيته في الفتيا
دون القضاء لأن الأول أدخل النية في لفظ العدد فامتنع والثاني أدخل النية في اسم
جنس الطلاق فحوله لطلق الولد وبقي العدد في ذلك الجنس الذي تحول إليه اللفظ لم
يتعرض له بالنية فدخل المجاز في اسم الجنس لا في العدد والمجاز في أسماء الأجناس
جائز بخلاف أسماء الأعداد فقبلت النية في رفع الطلاق بجملته لتحويله لجنس آخر ولم
تقبل في رفع بعضه
وهذا يظهر في بادئ الرأي بطلانه وأن النية إذا قبلت في رفع الكل أولى أن تقبل في
رفع البعض والسر ما تقدم تقريره
هامش أنوار البروق
المقدمتين في الوسط ولم يشتركا في هذا القول في الوسط ففات شرط الإنتاج ولزمه
بفوته الخطأ والكذب
قال شهاب الدين من صفحة 87 إلى 104 فارغه
هامش إدرار الشروق
نوى طلاق امرأته وعزم عليه وصمم ثم بدا له لا يلزمه طلاق إجماعا وكذلك من اعتقد أن
امرأته مطلقة وجزم بذلك ثم تبين له خلاف ذلك لم يلزمه طلاق إجماعا
قلت فمن هنا نقل البناني عن التوضيح ما نصه الخلاف إنما هو إذا أنشأ الطلاق بقلبه
بكلامه النفساني والقول بعدم اللزوم لمالك في الموازية وهو اختيار ابن عبد الحكم
وهو الذي ينصره أهل المذهب القرافي وهو المشهور والقول باللزوم لمالك في العتبية
قال في البيان والمقدمات وهو الصحيح وقال ابن رشد هو الأشهر ابن عبد السلام والأول
أظهر لأن الطلاق حل للعصمة المنعقدة بالنية والقول فوجب أن يكون حلها كذلك إنما
يكتفى بالنية في التكاليف المتعلقة بالقلب لا فيما بين الآدميين
ا ه ولذا اقتصر على الأول العلامة الأمير في مجموعه حيث قال لا بالكلام النفسي على
الراجح وقال القاضي أبو الوليد بن رشد إن اجتمع النفساني واللساني لزم الطلاق فإن
انفرد أحدهما عن صاحبه فقولان ا ه فالنية في اصطلاح أرباب المذهب تطلق بالاشتراك
اللفظي على القصد وعلى الكلام النفساني فإنهم يقولون صريح الطلاق لا
____________________
(1/86)
فإن قلت ما ذكرته من الحق متعين اتباعه فما سبب اختلاف
الصحابة رضي الله عنهم في هذه الألفاظ ومن بعدهم من العلماء وكيف ساغ الخلاف مع
وضوح هذا المدرك وقلت سبب اختلافهم رضي الله عنهم اختلافهم في تحقيق وقوع النقل
العرفي هل وجد فيتبع أو لم يوجد فيتبع موجب اللغة وإذا وجد النقل فهل وجد في أصل
الطلاق فقط أو فيه مع البينونة أو مع العدد كما تقدم تقريره وإذا لم يوجد نقل عرفي
وبقي موجب اللغة فهل يلاحظ نصوص اقتضت الكفارة في مثل هذا أم لا أو القياس على بعض
الأحكام فيكون المدرك هو القياس لا النص فهذا هو سبب اختلافهم رضي الله عنهم مع
اتفاقهم على هذه المدارك المذكورة غير أنه لم يتضح وجودها عند بعضهم واتضح عند
البعض الآخر
وأما لو وقع الاتفاق على وجودها وقع الاتفاق على الحكم وارتفع الخلاف فلا تنافي
بين صحة هذه المدارك وبين اختلافهم في وجودها وترتب الحكم عليها فإن قلت فلعل مدرك
مالك نص أو قياس فتستمر فتاويه في بعض الأعصار والأمصار ولا يلزم تغييرها بتغير
العوائد فإن ذلك إنما يلزم فيما مدركه العوائد أما ما هو بالنصوص أو الأقيسة
فيتأبد فيكون المفتي بموجبات المنقولات في الكتب مصيبا لا مخطئا ولا يجتمع بمالك
حتى يسأله عما في نفسه ومع الاحتمال لا تتعين التخطئة
ويجب اتباع موجب المنقولات عن الأئمة من غير اعتراض لأنا مقلدون لهم رضي الله عنهم
لا معترضون عليهم ومتى وجدنا فتاويهم وجهلنا مدركها نقلناها كما وجدناها لمن
يسألنا عن المذهب فإنا مقلدون لا مجتهدون
قلت الجواب عن هذا السؤال من وجوه الأول الاستقراء فإنا لسنا جاهلين باللغة إلى
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
يحتاج إلى النية إجماعا وهو يحتاج إلى النية إجماعا وفي احتياجه إلى النية قولان
وظاهره التناقض لكنهم يريدون بالأول قصد استعمال اللفظ في موضعه فإن ذلك لا يحتاج
إليه إلا في الكناية دون التصريح ويريدون بالثاني القصد للنطق بصيغة التصريح
احترازا عن النائم ومن يسبقه لسانه
ويريدون بالثالث الكلام النفساني وكما وقع الخلاف في انعقاد الطلاق بإنشاء كلام
النفس وحده أو لا بد من اللفظ كذلك وقع الخلاف في اليمين ومن هنا يظهر أن ما في
الجلاب وغيره من قياس لزوم الطلاق بكلام النفس عن الإيمان والكفر فإنه يكفي فيهما
كلام النفس فاسد من وجوه أحدها أن الطلاق إنشاء وهما لا يقعان إلا بالإخبار
والاعتقاد
وثانيها أن الاعتقاد من باب العلوم والظنون لا من باب الكلام والبابان مختلفان فلا
يقاس أحدهما على الآخر
وثالثها أنه على الصحيح من أن الإيمان لا يكفي فيه مجرد الاعتقاد بل لا بد معه من
النطق باللسان مع الإمكان على مشهور مذهب العلماء كما حكاه القاضي عياض في الشفاء
وغيره كان اللازم أن يقال في القياس على فرض تسليم أن البابين واحد يجب أن يفتقر
الطلاق إلى اللفظ قياسا على الإيمان بالله تعالى
قال المسألة السادسة في بيان الفرق بين الصيغ التي يقع بها الإنشاء الواقع اليوم
في العادة إن الشهادة تصح بالمضارع إلى آخر المسألة قلت ما قاله في هذه المسألة من
اعتبار معينات الألفاظ مبني على مذهب من يشترطها كما قال فيصح تنقل العادات فيها
بحسب العرف الحادث كما ذكر والله أعلم
____________________
(1/87)
حد لا نعلم مدلول هذه الألفاظ لغة مع أنها من الألفاظ
المشهورة لا من الحوشية وقد تقدم أن اللغة إنما تقتضي الخبر لا ما ذكروه من
الإنشاء ولا يمكن أن يكون مدركهم القياس فإنا نعلم مسائل الطلاق وشرائط القياس وليس
فيها ما يقتضي القياس على ما ذكروه وليس فيها آية من كتاب تقتضي أكثر مما قاله
القائلون بالكفارة التي دل عليها آية التحريم والأحاديث لم نجد أحدا من العلماء
روى في هذه الأحكام حديثا
وقد وقعت هذه المسألة بين الصحابة وبين التابعين رضي الله عنهم ولم نجد أحدا في
كتب الفقه والخلاف روى عن أحد منهم أنه روى في ذلك حديثا فلم يبق سوى العوائد
الثاني أن الإمام أبا عبد الله المازري إمام الفقه وأصوله وحافظ متقن العلم الحديث
وفنونه وله في جميع ذلك اليد البيضاء والرتبة العالية وقد تقدم ما قاله في هذه
المسألة من القواعد وأشار إلى أن سبب الخلاف فيها نقل العوائد كما تقدم بسطه فكفى
به قدوة في مدرك هذه الشروع ومعتمدا في ضوابطها وتلخيصها وقد تابعه في ذلك جماعة
من الشيوخ والمصنفين ولم نجد لهم مخالفا فكان ذلك إجماعا من أئمة المذهب فالتشكيك
بعد ذلك في المدرك إنما هو طلب للجهل وسبيل لغواية التضليل
الثالث أن قاعدة الفقهاء وعوائد الفضلاء أنهم إذا ظفروا للنوع بمدرك مناسب وفقدوا
غيره جعلوه معتمدا لذلك الفرع في حق الإمام المجتهد الأول الذي أفتى بذلك الفرع
وفي حقهم أيضا في الفتيا والتخريج واستقراء أحوال الفقهاء في مسلك النظر
وتحرير الفروع يقتضي الجزم بذلك فكذلك يجب هاهنا ونحن استقرينا هذه المسائل فلم
نجد لها مدركا
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
المسألة السادسة فرق الفقهاء بين الشهادة تصح
بالمضارع دون الماضي واسم الفاعل فيقبل قول الشاهد أشهد بكذا دون قوله شهدت بكذا
وأنا شاهد بكذا وبين البيع والطلاق ينعقد الأول بالماضي كبعتك بكذا ولا ينعقد
بالمضارع كأبيعك بكذا أو أبايعك بكذا عند من يعتمد على مراعاة الألفاظ كالشافعي لا
عند من يقول بانعقاد البيع بمجرد المعاطاة ويقع إنشاء الثاني بالماضي نحو طلقتك
ثلاثا واسم الفاعل نحو أنت طالق ثلاثا دون المضارع نحو أطلقك ثلاثا سببه النقل
العرفي من الخبر إلى الإنشاء فأي شيء نقلته العادة لمعنى صار صريحا في العادة لذلك
المعنى بالوضع العرفي فيعتمد الحاكم عليه كما يستفتى المفتي عن طلب النية معه
لصراحته وما لم تنقله العادة لإنشاء ذلك المعنى يتعذر الاعتماد عليه لعدم الدلالة
اللغوية والعرفية فنقلت العادة في الشهادة المضارع وحده وفي الطلاق والعتاق اسم
الفاعل والماضي فإن اتفق تجدد عادة أخرى في وقت آخر تقتضي نسخ هذه العادة اتبعنا
الثانية وتركنا الأولى ويصير الماضي في البيع والمضارع في الشهادة على حسب ما
تجدده العادة وبهذا يظهر أن مالكا رحمه الله تعالى في قوله ما عده الناس بيعا فهو
بيع نظر إلى أن المدرك هو تجدد العادة نعم للشافعية أن يقولوا إن ذلك مسلم ولكن
يشترط وجود اللفظ المنقول أما مجرد الفعل والمعاطاة الذي يقصده مالك فممنوع وصل في
ثمان مسائل مستحسنة في بابها توضح الخبر
____________________
(1/88)
مناسبا إلا العوائد فوجب جعلها مدرك الأئمة إفتاء وتخريجا
والعدول عن ذلك بعد ذلك إنما هو التزام للجهالة من غير معنى مناسب ويؤيد ذلك أنا
في كلام الشرع إذا ظفرنا بالمناسبة جزمنا بإضافة الحكم إليها مع تجويز أن لا يكون
الحكم كذلك عقلا لكن الاستقراء أوجب لنا ذلك ولا نعرج على غير ما وجدناه ولا نلتزم
التعبد مع وجود المناسب هذا مما أجمع عليه الفقهاء القياسون وأهل النظر والرأي
والاعتبار فأولى أن نفعل ذلك في كلام غير صاحب الشريعة بل نحمل كلام العلماء على
المناسب لتلك الفتاوى السالم عن المعارض نعم إذا وجدنا مناسبين تعارضا أو مدركين
تقابلا فحينئذ يحسن التوقف وهذا تقرير ظاهر في دفع هذا السؤل
المسألة الرابعة إن الإنشاء كما يكون بالكلام
اللساني يكون بالكلام النفساني ولذلك صور الصورة الأولى أن الله سبحانه وتعالى
أنشأ السببية في زوال الشمس لوجوب الظهر وأنزل القرآن الكريم دالا على ما قام
بذاته من هذا الإنشاء بقوله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس فإن الكتب المنزلة عندنا
أدلة الأحكام لا نفس الأحكام وإلا يلزم اتحاد الدليل والمدلول وقس على ذلك جميع
الأسباب الشرعية وكذلك القول في الشروط كالحول في الزكاة والطهارة في الصلاة وكذلك
الموانع الشرعية كالكفر من الميراث والحدث من الصلاة وغير ذلك من الموانع وما ورد
من الكتاب والسنة في ذلك إنما هو أدلة على ما قام بذات الله تعالى
الصورة الثانية الأحكام الخمسة الشرعية وهي
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
المسألة الأولى قد قدمنا أن الصدق مطابقة
النسبة الكلامية للنسبة الخارجية والكذب عدمها وقد وقع الخلاف في المراد بعدمها
فذهب الأصل إلى أن المراد عدم المطابقة بالفعل بأن يوجد في نفس الأمر المخبر عنه
على خلاف ما في الخبر كمن قال زيد قائم وهو ليس بقائم أو بالقوة بأن لا يوجد في
نفس الأمر شيء ألبتة فيصدق أيضا عدم المطابقة لكن لا لمخالفته لما وجد كما في
الأول بل لعدم ما يطابقه الخبر نظرا إلى أن السالبة تصدق مع عدم وجود الموضوع
فافهم وذهب الفخر الرازي وغيره إلى أن المراد عدم المطابقة بالفعل قال ابن الشاط
وهذا هو الأصح وثمرة الخلاف أن من قال كل ما تكلمت به في جميع عمري كذب لا يخلو
إما أن يكون تكلم قبل هذا الكلام أو لم يتكلم فإن تكلم فلا يخلو إما أن يكون تكلم
بكذب فقط أو بصدق فقط أو بصدق وكذب معا فإن كان تكلم بكذب فقط فكلامه هذا صادق قطعا
وإن كان تكلم بصدق فقط أو بصدق وكذب معا فكلامه هذا كاذب قطعا سواء أراد أن كل ما
قاله ما عدا هذا الخبر وهو ظاهر أو أراد حتى هذا الخبر لإخباره بقضية كلية تقتضي
شمول الكذب جميع أقواله في جميع عمره
وهو قد فرض صادقا فقط فيما عدا هذا الخبر أو صادقا وكاذبا معا لا كاذبا فقط وإن لم
يتكلم قبل هذا الكلام فكلامه هذا كذب على الأول ولا صدق ولا كذب على الثاني وكذلك
إذا قال كل ما قلته في هذا البيت كذب ولم يقل شيئا في ذلك البيت قبل هذا القول
يكون كلامه هذا كذبا على الأول ولا صدقا ولا كذبا على الثاني
____________________
(1/89)
الوجوب والندب والتحريم والكراهة والإباحة كلها قائمة بذات
الله تعالى عند أهل الحق والكتاب والسنة وغير ذلك من أدلة الشرع إنما هي أدلة على
ما قام بذات الله تعالى من ذلك وكذلك الواحد منا إذا قال لغلامه اسرج الدابة فقد
أنشأ في نفسه إيجابا وطلبا للإسراج قبل الدلالة عليه بلفظه وكذلك النهي وغير ذلك
غير أن إنشاء الخلق لهذه الأمور حادث وفي حق الله تعالى قديم فإن قلت كيف يتصور
الإنشاء القديم وليس في الأزل من يطلب منه شيء ولأنك قررت في الفرق بين الإنشاء
والخبر أن الإنشاء لا بد وأن يكون طارئا على الخبر ووصف الطروء يأبى الأزلية
قلت الجواب عن الأول أن الله تعالى يوجب في الأزل على زيد المعين على تقدير وجوده
مجتمع الشرائط مزال الموانع وذلك غير ممتنع كما يجد أحدنا في نفسه طلب تحصيل العلم
والفضائل من ولدان رزقه وهو الآن لا ولد له فيتقدم منا الطلب على وجود المطلوب
وتقدم الطلب على المطلوب منه لا غرو فيه وعن الثاني أن ذلك الفرق إنما هو بين
الإنشاء والخبر اللغويين باعتبار الوضع اللغوي أما في الكلام النفساني فلا ترتيب
بينهما بل هما نوعان لمطلق الكلام النفسي فإنه واحد ويختلف باختلاف متعلقاته فإن
تعلق بأحد النقيضين الوجود أو العدم على وجه التبع فهو الخبر وإن تعلق بأحدهما على
وجه الترجيح فإن كان في طرف الوجود فهو الإيجاب أو العدم فهو التحريم أو تعلق
بالتسوية بينهما فهو الإباحة ولا ترتيب بين هذه الأنواع بل بينها وبين أصل الكلام
رتبة
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
فعلى الثاني تثبت الواسطة ويكون في الإخبار ما ليس بصدق ولا كذب ويبطل حينئذ حد
الخبر أو رسمه بما مر من أنه القول الذي يلزمه الصدق أو الكذب لأنه غير جامع لعدم
شموله الواسطة فيرسم بنحو القول الذي يقصد قائله تعريف المخاطب بأمر ما وإن كان
فيه حد الشيء بنفسه لأن التعريف هو الإخبار نظرا لكون هذه الرسوم تقريبا لا تحقيقا
إذ التحقيق أن كلا من الإنشاء والخبر معروف لا يحتاج لتعريف وعلى الأول لا تثبت
الواسطة ويكون حد الخبر أو رسمه بما مر جامعا مانعا نعم قد يقال بثبوت الواسطة على
الأول إذا قال كل ما قلته في هذا البيت كذب ولم يقل شيئا في هذا البيت قبل هذا
القول ثم قال كل ما قلته في هذا البيت صدق وذلك أن الأول يقتضي أنه إذا قال كل ما
قلته في هذا البيت صدق يكون خبره ذلك كاذبا إذ الفرض أنه لم يقل في ذلك البيت شيئا
ويلزم ذلك أن إخباره عما قاله في البيت بأنه صدق وبأنه كذب إخبار كذب مع أن الصدق
والكذب خبران وقد أخبر بهما عن مخبر واحد فلا بد أن يصدق أحد خبريه ويكذب الآخر
وإلا أدى ذلك إلى اجتماع الضدين
ولا يتأتى الجواب بأن إجماعهما هنا لم يكن في ثبوت حتى يمتنع بل في نفي والاجتماع
في النفي غير ممتنع إلا بإثبات الواسطة ضرورة أن الضدين المنحصرين كالنقيضين لا
يصح اجتماعهما في ثبوت ولا انتفاء
ا ه كلام ابن الشاط فتأمله وما تقدم من الاكتفاء في حقيقة الكذب بعدم المطابقة
للمخبر عنه في كلا القولين وإن لم يقصد إلى عدم مطابقته هو مذهب الجمهور وذهب
الجاحظ وغيره إلى أن حقيقة الكذب يشترط فيها القصد إليه وعدم
____________________
(1/90)
عقلية لا زمانية لأن العقل يقضي بتقديم العام على الخاص
بالرتبة تقديما عقليا لا زمانيا فلا تلزم منافاة الأزل للإنشاء النفساني ولا
الحدوث فإن قلت لم لا يجوز أن تكون هذه الأمور إخبارات عن إرادة وقوع العقاب على
من خالف وعصى ولا تكون إنشاءات
قلت ذلك باطل لوجوه أحدها أن الخبر يقبل التصديق والتكذيب وهذه الأمور لا تحتملها
فهي إنشاءات وثانيها أنها لو كانت إخبارات للزم الخلف فيها لحصول العفو عن العصاة
إما تفضلا من الله تعالى من غير سبب من المكلف أو بسبب هو التوبة لكن ذلك محال على
الله تعالى فلا يكون خبرا عن ذلك وثالثها أنه قد تقرر في علم الكلام أن إرادة الله
تعالى واجبة النفوذ فلو كانت إخبارات عن إرادة العقاب لوجب عقاب كل عاص وليس كذلك
لإجماعنا على حصول العفو في كثير من الصور التي لا تحصى والنصوص الدالة على ذلك من
الكتاب والسنة لقوله تعالى وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ولقوله
عليه السلام الندم توبة والإسلام يجب ما قبله الصورة الثالثة قوله تعالى في جزاء
الصيد يحكم به ذوا عدل منكم فاختلف العلماء فيها فقال الشافعي رضي الله عنه لا
يتصور الحكم فيما أجمع عليه الصحابة رضوان الله عليهم فإن الحكم لا بد فيه من
الاجتهاد ولا اجتهاد في مواقع
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
المطابقة فالخبر على رأي هؤلاء ثلاثة أقسام صدق وهو المطابقة وكذب وهو غير
المطابقة الذي قصد إلى عدم مطابقته وواسطة بينهما وهو غير المطابق الذي لم يقصد
إلى عدم مطابقته وهذا القسم لا يلزمه عندهم صدق ولا كذب فلا يشمله تعريف الخبر
السابق لنا على أن المراد في المسألة الظن
قوله صلى الله تعالى عليه وسلم كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع فدل جعله كاذبا
إذا حدث بكل ما سمعه مع كونه غير مطابق في الغالب وإن كان لم يعرفه حتى يقصد إليه
على أن القصد في الكذب غير معتبر وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم من كذب علي
متعمدا فليتبوأ مقعده من النار فدل من حيث إن مفهومه أن من كذب غير متعمد لا يستحق
النار على تصور حقيقة الكذب من غير قصد إليه وهو المطلوب وعلى أن المراد في
المسألة القطع لا حجة لهم في قوله تعالى أفترى على الله كذبا أم به جنة فإن الكفار
قسموا قوله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى نوعي الكذب وهما المفترى الذي اخترعه
الكاذب من نفسه ولم يسمعه من غيره وغير المفترى الذي تبع فيه غيره لا أنهم قسموا الكلام
إلى كذب وغيره حتى يحصل مقصود الخصم نعم نسبة الجنون إلى من اتبع غيره في قوله
الكاذب في غاية البعد فافهم قلت والتحقيق أن المبالغة في نحو قولك جئتك ألف ألف
مرة كذب ولو على غير مذهب الجمهور إن قصد بها ظاهر الكلام لأنها لم تطابق الواقع
وصدق إن قصد بها المبالغة في الكثرة أو
____________________
(1/91)
الإجماع لأنه سعي في تخطئة المجمعين فيكون العام مخصوصا
بصور الإجماع
وقال أبو حنيفة رضي الله عنه النص باق على عمومه غير أن الواجب في الصيد إنما هو
القيمة على طريق الفاصل الشاهد ويدل على ذلك أمور أحدها قوله تعالى فجزاء مثل ما
قتل من النعم فجعل الجزاء للمثل لا للصيد نفسه فالنعم واجبة في المثل الذي هو
القيمة لا للصيد نفسه وثانيها أنه لو حمل الجزاء على الصيد نفسه لزم التخصيص وعلى
ما ذكرنا لا يلزم التخصيص
وذلك لأن قوله تعالى لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم عام في جميع أنواع الصيد فلو حمل
الجزاء على الصيد خرج منه ما لا مثل له من النعم كالعصافير والنمل وغيرها وإذا
قلنا بالقيمة وجب في جميع ذلك القيمة فلا تخصيص وهو أولى فيجب المصير إليه وثالثها
أن الله تعالى اشترط الحكمين وذلك إنما يتأتى إذا قلنا بالقيمة فإنه لا يلزم إجماع
الصحابة رضوان الله عليهم على تقويم صيد أن لا نقومه نحن بعد ذلك فإن أفراد النوع
الواحد تختلف قيمتها ولا يغني تقويم عن تقويم فيبقى العموم على عمومه في الصحابة
ومن بعدهم أما لو جعلنا في الصيد الجزاء مع أنهم قد أجمعوا على أن في الضبع شاة
وفي البقرة الوحشية بقرة وفي النعامة بدنة وغير ذلك من الصور التي يفرض حصول
الإجماع فيها فإن ذلك يتعين ولا يبقى للحكم منا والاجتهاد بعد ذلك معنى ألبتة إلا
في الصور التي لم يقع فيها إجماع كالفيل وغيره من أفراد الصيد فيلزم التخصيص وهو
على
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
استعمل لفظها في مطلق الكثرة مجازا لعلاقة الخصوصية أما على الثاني فظاهر على
الراجح من وضع المجاز لمعناه وأما على الأول فلأن مرادهم أن الصدق مطابقة حكم
الخبر الذي تضمنه المعنى المراد للواقع لا خصوص المعنى الوضعي فتدبر
المسألة الثانية قال الإمام فخر الدين في باب
الإخبار إن قولك إذا فرضت صدق زيد مثلا على الإطلاق زيد ومسيلمة الحنفي صادقان أو
كاذبان في قوة خبرين تقديرهما على الأول زيد صادق ومسيلمة صادق وعلى الثاني زيد
كاذب ومسيلمة كاذب فيصدق مفهوم الكذب في مسيلمة ويكذب في زيد ومفهوم الصدق بالعكس
لا خبر واحد حتى يلزمه ارتفاع الصدق والكذب لاستحالة أن يكون صادقا وإلا لصدق
مسيلمة في قولك هما صادقان أو لكذب زيد في قولك هما كاذبان وأن يكون كاذبا وإلا
لصدق مسيلمة على الأول أو لكذب زيد على الثاني
ا ه ولا يخفى أنه يبطل بتضييق الفرض بأن نقول المجموع صادق أو كاذب ونجعل الخبر عن
المجموع وهو مفرد في اللفظ أو يقول المتكلم أردت المجموع والإخبار عنه ولم أرد
الإخبار عن كل واحد منهما فالحق كما أشار إليه الفخر أن نلتزم في هما صادقان أو
هما كاذبان أن الخبر كذب لأن المتكلم أخبر في الأول عن حصول المطابقة في المجموع
وفي كل واحد منهما وفي الثاني عن ثبوت عدم المطابقة في المجموع وفي كل واحد منهما
وليس الأمر كذلك لانتفاء حقيقة كل من الصدق والكذب بانتفاء جزئها فتنتفي المطابقة
في المجموع بنفيها في أحدهما وكذلك ينتفي ثبوت عدم المطابقة في المجموع بنفيه في
أحدهما ولا شك في انتفاء المطابقة أو ثبوت عدمها في واحد
____________________
(1/92)
خلاف الأصل ورابعها أنه متلف من المتلفات فتجب فيه القيمة
كسائر المتلفات وقال مالك رحمه الله الواجب في الصيد مثله من النعم بطريق الأصالة
ثم يقوم الصيد ويقع التخيير بين المثل والإطعام والصوم كما تقرر في كتب الفقه وهذا
هو الصحيح
والجواب عما قاله الشافعي رضي الله عنه ما تقرر من الفرق بين الفتوى والحكم وبين
المفتي والحاكم من أن الحكم إنشاء لنفس ذلك الإلزام إن كان الحكم فيه أو لنفس تلك
الإباحة والإطلاق إن كان الحكم فيها كحكم الحاكم بأن الموات إذا بطل إحياؤه صار
مباحا لجميع الناس والفتوى بذلك إخبار صرف عن صاحب الشرع وأن الحاكم ملزم والمفتي
مخبر وأن نسبتهما لصاحب الشرع كنسبة نائب الحاكم والمترجم عنه فنائبه ينشئ أحكاما
لم تتقرر عند مستنيبه بل ينشئها على قواعده كما ينشئها الأصل ولا يحسن من مستنيبه
أن يصدقه فيما حكم به ولا يكذبه بل يخطئه أو يصوبه باعتبار المدرك الذي اعتمده
والمترجم يخبر عما قاله الحاكم لمن لا يعرف كلام الحاكم لعجمة أو لغير ذلك من
موانع الفهم فللحاكم أن يصدقه إن صدق ويكذبه إن كذب وهذا المترجم لا ينشئ حكما بل
يخبر عن الحاكم فقط وقد وضعت في هذا الفرق كتابا سميته بالأحكام في الفرق بين
الفتاوى والأحكام وتصرف القاضي والإمام وفيه أربعون مسألة تتعلق بتحقيق هذا الفرق
وهو كتاب نفيس إذا تقرر معنى الحكم فالحكمان في زماننا ينشئان الإلزام على قاتل
الصيد فإن كانت الصورة مجمعا عليها كان الإجماع مدركا له ومع ذلك فهم منشئون وإن
لم يكن فيها إجماع فهو أظهر ويعتمدون على النصوص والأقيسة فلا حاجة
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
منهما فيكون الحق نفي ذلك في المجموع إذ لا فرق بين مجموع الوجودين ومجموع العدمين
في قولك الوجود يشمل زيدا وعمرا وقولك العمد يشمل زيدا وعمرا في كون كل ينتفي
بانتفاء جزئه بأن يعدم أحدهما في الأول ويوجد في الثاني فيكون الخبر كذبا فافهم
والله أعلم
المسألة الثالثة الفرق بين وعد الله تعالى
ووعيده محال عقلا سواء أريد بهما صورة اللفظ وما دل عليه بوضعه اللغوي من العموم
أو أريد بهما من أريد بالخطاب ومن قصد بالإخبار عنه بالنعيم أو العقاب أما على
الأول فإنهما سواء في جواز دخول التخصيص فيها فجميع إخبارات الوعيد والوعد يخرج
منها من لم يرد باللفظ
ويبقى المراد ألا ترى أنه كما دخل التخصيص في وعيده تعالى بقوله تعالى ومن يعمل
مثقال ذرة شرا يره بمن عفي عنه تفضلا أو بالتوبة أو غير ذلك فلم ير شرا مع عمله له
كذلك دخل التخصيص في وعده تعالى بقوله فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره بمن حبط عمله
بردته وسوء خاتمته أو أخذت أعماله في الظلامات بالقصاص وغيره فلم ير خيرا مع أنه
عمله
وأما على الثاني فلأنه يستحيل أن لا يقع مخبره تعالى من وعيد أو وعد على من أراده
تعالى بخبره وإلا لحصل الخلف المستحيل عقلا على الله تعالى بل يجب حصول النعيم أو
العذاب لمن أراده الله تعالى بالإخبار عن نعيمه أو عقابه لئلا يلزم الخلف نعم يمكن
أن يراد بالوعيد صورة العموم فيكون قابلا للتخصيص وبالوعد من أريد بالخطاب فيتعين
فيه الوفاء بذلك الموعود وعليه يندفع المحال في الفرق بينهما ويصح ما وقع لابن
نباتة في خطبة
____________________
(1/93)
إلى التخصيص بل يبقى النص على عمومه والحكم في زماننا عام
في الجميع والجواب عما قاله أبو حنيفة أن الآية قرئت فجزاء بالتنوين فيكون الجزاء
للصيد و مثل ما قتل من النعم نعت له
ويكون الواجب هو المثل من النعم والقراءتان منزلتان في كتاب الله تعالى غير أن
قراءة التنوين صريحة فيما ذكرناه وقراءة الإضافة محتملة لما ذكرناه ولما ذكرتموه
فيجب حملها على ما ذكرناه جمعا بين القراءتين وهو أولى من التعارض وعن الثاني أن
الضمير في قوله تعالى ومن قتله يحمل على الخصوص ويبقى الظاهر على عمومه من غير
تخصيص كما في قوله تعالى إلا أن يعفون خاص بالرشيدات والمطلقات على عمومه من غير
تخصيص وكذلك قوله تعالى وبعولتهن أحق بردهن خاص بالرجعيات مع بقاء المطلقات على
عمومه وعن الثالث ما تقدم من أن الحكمين ينشئان الإلزام وأنه لا ينافي حكم الصحابة
رضوان الله عليهم ولولا ذلك لكان حكم الصحابة رضي الله عنهم ردا على رسول الله صلى
الله عليه وسلم فإنه عليه السلام حكم في الضبع بشاة وقد حكم فيها الصحابة أيضا فلولا
ما ذكرناه لامتنع حكمهم وعن الرابع أن جزاء الصيد ليس من باب الجوابر بل من باب
الكفارات لقوله تعالى أو كفارة طعام مساكين فسماه كفارة فبطل القياس إذا تقررت
المذاهب والمدارك وأجوبتها وتعين فيها الحق وأنه إنشاء في الجميع كانت هذه المسألة
من مسائل الإنشاء فتفطن لها
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
الحمد لله الذي إذا وعد وفى وإذا أوعد تجاوز وعفا نظرا لما جرت العوائد به من
التمدح بالوفاء في الوعد والعفو في الوعيد كما في قول الشاعر وإني إذا أوعدته أو
وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي إذ يمكن أن يخرج لكلامه وجه وهو أن وعد الله لا
يخصصه إلا الردة لا غير ووعيده يخصصه الإيمان وهو نظير الردة والتوبة والشفاعة
والمغفرة ولا مقابل لها في جهة الوعد فلما كانت مخصصات الوعد أقل من مخصصات الوعيد
صح أن يفرق بينهما بما ذكر وليس من الإيهام الممنوع إيهام مثل هذا أن الله تعالى
يعفو عمن أريد بالوعيد ولا يقتصر المفهوم على التخصيص فقط كما جرت به العادة من
التمدح بالعفو وإن أكذب أحدنا نفسه كما قال الشاعر لمخلف إيعادي فإن الكذب جائز
علينا ونمدح به ويحسن منا في مواطن وهو محال على الله تعالى فبطلت كليته الكبرى
التي هي شرط إنتاج الشكل الأول في القياس القائل مثل قول ابن نباتة المذكور إطلاق
لما يوهم محالا على الله تعالى وإطلاق ما يوهم محالا على الله تعالى حرام فمثل قول
ابن نباتة المذكور حرام فافهم والله أعلم
قال شهاب الدين المسألة الرابعة إذا قلنا
الإنسان وحده ناطق وكل ناطق حيوان فإنه ينتج الإنسان وحده حيوان وهذا كذب قلت أجاب
بأن قول القائل الإنسان وحده ناطق في قوة مقدمتين موجبة وسالبة وأكمل جوابه بناء
على ذلك وهو جواب حسن ولقائل أن يجيب بأن المقدمة الأولى لما قيد موضوعها بوحده
كان يجب أن يذكر الموضوع في الثانية مقيدا بقيده ولو ذكر كذلك لظهر الفساد في
المقدمة الثانية إذ ليس الإنسان وحده حيوانا بل هو وغيره ففساد النتيجة لفساد إحدى
المقدمتين وهذا الجواب مغن عن الجواب الأول مع أنه حسن
المسألة الرابعة إنما كذبت نتيجة المقدمتين الصادقتين في الشكل الأول المنتظم بنحو
قولك الإنسان وحده ناطق وكل ناطق حيوان ينتج الإنسان وحده حيوان وهذا خبر كاذب إذ
ليس الإنسان وحده حيوانا بل هو وغيره لأحد أمرين
____________________
(1/94)
فهي مشكلة جدا ومن لم يحط علما بحقيقة حكم الحاكم ويعلم
الفرق بينه وبين المفتي علما واضحا أشكلت عليه هذه المسألة وتعذر عليه الجواب عن
إجماع الصحابة وكيف يجمع بين الإجماع السابق والحكم اللاحق
المسألة الخامسة اختلف العلماء في الطلاق بالقلب من غير نطق واختلفت عبارات
الفقهاء فيه فمنهم من يقول في الطلاق بالنية قولان وهم الجمهور ومنهم من يقول
اعتقد الطلاق بقلبه ولم يلفظ به بلسانه ففيه قولان وهذه عبارة صاحب الجلاب
والعبارتان غير مفصحتين عن المسألة فإن من نوى طلاق امرأته وعزم عليه وصمم ثم بدا
له لا يلزمه طلاق إجماعا فقولهم في الطلاق بالنية قولان متروك الظاهر إجماعا وكذلك
من اعتقد أن امرأته مطلقة وجزم بذلك ثم تبين له خلاف ذلك لم يلزمه طلاق إجماعا
وإنما العبارة الحسنة ما أتى بها صاحب الجواهر وذكر أن ذلك معناه الكلام النفساني
ومعناه إذا أنشأ الطلاق بقلبه بكلامه النفساني ولم يلفظ به بلسانه فهو موضع الخلاف
وكذلك أشار إليه القاضي أبو الوليد بن رشد وقال إنهما إن اجتمعا أعني النفساني
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
الأول أن المقدمة الأولى في الشكل المذكور مقدمتان موجبة وهي الإنسان ناطق وسالبة
وهي مدلول وحده لغة وهي غير الإنسان غير ناطق فباعتبار مجموع المقدمتين والسالبة
فقط في صغرى القياس المذكور صار كذب النتيجة لعدم إيجاب الصغرى الذي هو من شرط
إنتاج الشكل الأول أما على اعتبار السالبة فقط فظاهر
وأما على اعتبار المجموع فلأن الإيجاب مع النفي غير الإيجاب وحده إذ الشيء مع غيره
في نفسه على أنه لا قياس عن ثلاث مقدمات واعتبار الموجبة فقط يقتضي عدم ذكر وحده
في النتيجة فافهم الأمر الثاني أن المقدمة الأولى لما قيد موضوعها بوحده كان يجب
أن يقيد موضوع الثانية بقيد موضوع الأولى أيضا ولو قيد كذلك لظهر فساد الثانية إذ
ليس الإنسان وحده حيوانا بل هو وغيره ففساد النتيجة لفساد إحدى المقدمتين قلت وهذا
الأمر الثاني أولى من الأمر الأول إذ ربما قيل على الأول بعدم تسليم كون مدلول
وحده لغة الذي هو غير الإنسان غير ناطق قضية سالبة بل هي موجبة معدولة الطرفين
فافهم المسألة الخامسة كذب نتيجة المقدمتين الصادقتين في الشكل الأول المنتظم بنحو
قولك الفول يغذو الحمام والحمام يغذو البازي ينتج الفول يغذو البازي وهذا خبر كاذب
إذ البازي لا يأكل إلا اللحم إنما هو من جهة فوات شرط الإنتاج الذي هو اتحاد الوسط
فإن ضابط اتحاده في الشكل الأول أن تأخذ عين خبر المقدمة الأولى فتجعله مبتدأ في
الثانية وهنا لم تأخذه بل أخذت مفعوله وجعلته مبتدأ في الثانية ونظيره أن تقول زيد
مكرم خالدا وخالد مكرم عمرا ينتج زيد مكرم عمرا وذلك غير لازم لجواز أن يكون زيد
عدوا لعمرو فلم يكرمه فظهر أنه متى أخذت مفعول الوسط بطل الإنتاج ومتى أخذته نفسه
فهو الذي يحصل به الإنتاج ويصدق معه الخبر الناشئ من القياس
قال المسألة السادسة تقول كل زوج عدد والعدد
إما زوج أو فرد إلى آخر المسألة قلت ما ذكره من الجواب صحيح ظاهر المسألة السادسة
كذب نتيجة المقدمتين الصادقتين في الشكل الأول المنتظم بنحو قولك كل زوج عدد
والعدد إما زوج أو فرد ينتج الزوج إما زوج أو فرد وهذا خبر كاذب إذ الشيء لا ينقسم
إلى نفسه وغيره
____________________
(1/95)
واللساني لزم الطلاق
فإن انفرد أحدهما عن صاحبه فقولان فصارت النية لفظا مشتركا فيه بين معان مختلفة في
اصطلاح أرباب المذهب يطلق على القصد والكلام النفساني فيقولون صريح الطلاق لا
يحتاج إلى النية إجماعا وهو يحتاج إلى النية إجماعا وفي احتياجه إلى النية قولان
وهو تناقض ظاهر لكنهم يريدون بالأول قصد استعمال اللفظ في موضوعه فإن ذلك إنما
يحتاج إليه في الكناية دون الصريح ويريدون بالثاني القصد للنطق بصيغة الصريح
احترازا عن النائم ومن يسبقه لسانه ويريدون بالثالث الكلام النفساني وقد بسطت هذه المباحث
في كتاب الأمنية في إدراك النية إذا تقرر أن الطلاق ينشأ بالكلام النفساني فقد
صارت هذه المسألة من مسائل الإنشاء في كلام النفس وكذلك اليمين أيضا وقع الخلاف
فيها هل تنعقد بإنشاء كلام النفس وحده أو لا بد من اللفظ وبهذا التقرير يظهر فساد
قياس من قاس لزوم الطلاق بكلام النفس عن الكفر والإيمان فإنه يكفي فيهما كلام
النفس وقع ذلك في الجلاب وغيره
ووجه الفساد أن هذا إنشاء والكفر لا يقع بالإنشاء وإنما يقع بالإخبار والاعتقاد
وكذلك الإيمان والاعتقاد من باب العلوم والظنون لا من باب الكلام وهما بابان
مختلفان فلا يقاس أحدهما على الآخر ومن وجه آخر هو أن الصحيح في الإيمان أنه لا
يكفي فيه مجرد الاعتقاد بل لا بد من النطق باللسان مع الإمكان على مشهور مذاهب
العلماء كما حكاه القاضي عياض في الشفاء وغيره فينعكس هذا القياس على قائسه على
هذا التقرير ويقول وجب أن يفتقر إلى اللفظ قياسا على الإيمان بالله تعالى إن سلم
له أن البابين واحد فكيف وهما مختلفان والقياس إنما يجري في المتماثلات
المسألة السادسة في بيان الفرق بين الصيغ التي يقع بها الإنشاء الواقع اليوم في
العادة أن
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
إنما هو من جهة أنك إن أردت بلفظ العدد في المقدمة الثانية العدد في أي حالة كان
معنى كلامك العدد حالة كونه زوجا أو حالة كونه فردا هو منقسم إلى الزوج والفرد وقد
علمت أن الشيء لا ينقسم إلى نفسه وغيره فهذه المقدمة كاذبة ضرورة على هذا التقدير
وإن أردت بلفظ العدد العدد من حيث الجملة كان إشارة إلى القدر المشترك بين جميع
الأعداد وانقسام القدر المشترك إلى أنواع صادق فصدقت المقدمة الثانية على هذا
التقدير إلا أنها جزئية فإن المشترك يكفي في تحققه صورة واحدة ولأن كلية المنفصلة
إنما تكون عند أرباب المنطق إذا سورت بما يشير إلى أن ذلك الحكم ثابت لذلك المحكوم
عليه في جميع الأحوال وعلى جميع التقادير وشرط الإنتاج كلية المقدمة الثانية فظهر
أن كذب النتيجة إما لكذب المقدمة الثانية وإما لفوات شرط الإنتاج الذي هو كليتها
قال المسألة السابعة تقول الوتد في الحائط
والحائط في الأرض فالوتد في الأرض إلخ قلت ما ذكره في الجواب أيضا صحيح ظاهر
الأقولة وكقوله تعالى وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو إنما يعبد فوق
ظهرهما فاللفظ حقيقة فإن الفوقية الحقيقية تقتضي الاستقرار والاستقرار يقتضي
المماسة وذلك من صفات الحوادث فإن كان أراد ظاهر ذلك اللفظ فهو خطأ
المسألة السابعة إذا قلنا إن معنى تسمية الزمان والمكان ظرفين ليس هو غيبة المظروف
فيهما وإحاطتهما به كما هو مقتضى ما يعتقده كثير من النحاة من الظرفية الحقيقية
نظرا إلى أن معنى الزمان إما اقتران حادث بحادث والاقتران نسبة وإضافة لم تحط بزيد
كإحاطة ثوبه إنما هي في ذينك الحادثين لا تتعداهما وإما حركات الأفلاك والحركة
قائمة في الفلك لم تحط بزيد وغيره من حوادث الأرض بل المحيط هو الفلك
____________________
(1/96)
الشهادة تصح بالمضارع دون الماضي واسم الفاعل فيقول الشاهد
أشهد بكذا عندك أيدك الله ولو قال شهدت بكذا أو أنا شاهد بكذا لم يقبل منه والبيع
يصح بالماضي دون المضارع عكس الشهادة فلو قال أبيعك بكذا أو قال أبايعك بكذا لم
ينعقد البيع عند من يعتمد على مراعاة الألفاظ كالشافعي ومن لا يعتبرها لا كلام معه
وإنشاء الطلاق يقع بالماضي نحو طلقتك ثلاثا واسم الفاعل نحو أنت طالق ثلاثا دون
المضارع نحو أطلقك ثلاثا وسبب هذه الفروق بين الأبواب النقل العرفي من الخبر إلى
الإنشاء فأي شيء نقلته العادة لمعنى صار صريحا في العادة لذلك المعنى بالوضع
العرفي فيعتمد الحاكم عليه لصراحته ويستغني المفتي عن طلب النية معه لصراحته أيضا
وما هو لم تنقله العادة لإنشاء ذلك المعنى يتعذر الاعتماد عليه لعدم الدلالة
اللغوية والعرفية فنقلت العادة في الشهادة المضارع وحده وفي الطلاق والعتاق اسم
الفاعل والماضي فإن اتفق وقت آخر تحدث فيه عادة أخرى تقتضي نسخ هذه العادة وتجدد
عادة أخرى اتبعنا الثانية وتركنا الأولى ويصير الماضي في البيع والمضارع في
الشهادة على حسب ما تجدده العادة فتأمل ذلك واضبطه فمن لم يعرف الحقائق العرفية
وأحكامها يشكل عليه الفرق وبهذا التقرير يظهر قول مالك رحمه الله ما عده الناس
بيعا فهو بيع نظرا إلى أن المدرك هو تجدد العادة غير أن للشافعية
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
وحده وأن نحو زيد عندك حقيقة وإن لم يغب في المكان الذي أنت فيه والمراد بقوله
تعالى له ما في السماوات وما في الأرض له ما على ظهرهما كان الخبر الناشئ من
المقدمتين في نحو قولك الوتد في الحائط والحائط في الأرض ينتج الوتد في الأرض
صادقا لا إشكال فيه وإن قلنا معنى ذلك غيبة المظروف فيهما وإحاطتهما به كما يقتضيه
الظرفية الحقيقية كان الخبر المذكور كاذبا فإن الوتد ليس في الأرض إلا أن كذبه من
جهة فوات شرط الإنتاج الذي هو اتحاد الوسط فإنك هنا لم تأخذ عين خبر المقدمة
الأولى فتجعله مبتدأ في الثانية كما هو ضابط الاتحاد بل مفعوله بواسطة حرف الجر
وجعلته مبتدأ في الثانية على أنا لا نسلم كذب الخبر الناشئ عن المقدمتين
المذكورتين على هذا التقدير بل هو صادق لأن المقدمة الثانية وهي الحائط في الأرض
إن كانت حقيقة وإن كانت جملة الحائط في الأرض كان الوتد في الأرض خبرا حقا كقولنا
المال في الصندوق الناشئ عن قولك المال في الكيس والكيس في الصندوق وإن كانت مجازا
من باب إطلاق الكل على الجزء من حيث إن الحائط لم يغب بجملته في الأرض بل أبعاضه
كان الخبر المذكور وهو الوتد في الأرض مجازا أيضا لعلاقة المجاورة فافهم المسألة الثامنة بغياب شرط الإنتاج الذي هو اشتراك
المقدمتين في الوسط لزم كذب النتيجة مع صدق المقدمتين فيما يستدل به على أن كل ما
في العالم ذهب وياقوت وحيوان وكذا على قولنا هذا الجبل ذهب بنحو لأن كل من قال إنه
ذهب قال إنه جسم وكل من قال إنه جسم صادق ينتج أن كل من قال إنه ذهب
____________________
(1/97)
أن يقولوا إن ذلك مسلم ولكن يشترط وجود اللفظ المنقول أما
مجرد الفعل والمعاطاة الذي يقصده مالك فممنوع
فصل قد تقدم تذييل الإنشاء بمسائل توضحه وهي
حسنة في بابها فنذيل الخبر أيضا بثمان مسائل غريبة مستحسنة في بابها تكون طرفة
للواقف
المسألة الأولى إذا قال كل ما قلته في هذا البيت كذب ولم يقل شيئا في ذلك البيت
قيل هذا القول يلزم منه أمران محالان عقلا أحدهما ارتفاع الصدق والكذب عن الخبر
وهما خصيصة من خصائصه وارتفاع خصيصة الشيء عنه مع بقائه محال بيانه أن هذا الخبر
لا يكون صدقا لأن الصدق هو الخبر المطابق والمطابقة أمر نسبي لا يكون إلا بين
شيئين ولم يتقدم له في هذا البيت خبر آخر حتى تقع المطابقة بينه وبين هذا الخبر
فلا يكون صدقا
وأما أنه ليس بكذب فلأن الكذب هو عدم المطابقة بين الخبر والمخبر عنه وعدم المطابقة
بين الشيئين فرع تقررهما
ولم يتقدم في هذا البيت خبر صدق حتى يكون الإخبار عنه بأنه كذب كذبا فلا يكون هذا
الخبر صدقا ولا كذبا وهو محال لأنه خبر والخبر لا بد أن يكون صدقا أو كذبا والمحال
الثاني أنه لا يلزم من هذا الخبر ارتفاع النقيضين وارتفاعهما محال عقلا لأنه خبر
والخبر لا بد أن يكون صدقا أو كذبا بيانه أن الصدق عبارة عن المطابقة والكذب عبارة
عن عدم المطابقة والمطابقة وعدمها نقيضان وقد تقدم أن هذا الخبر ليس بصدق ولا كذب
فيكون النقيضان قد ارتفعا عنه وهو محال وهذا الإشكال من الأسئلة الصعبة الدقيقة
التي يحتاج الجواب عنها إلى فكر دقيق ونظر عويص
والجواب أن نختار أن هذا الخبر كذب وتقريره أن الكذب هو القول الذي ليس بمطابق
وعدم المطابقة يصدق بطريقين أحدهما أن يوجد في نفس الأمر المخبر عنه على
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
صادق فلم يلزم بكذبها المحال وهو إنتاج الصادق الخبر الكاذب المؤدي لبطلان باب
الاستدلال على أنا لو قلنا في الاستدلال المذكور لأن القائل بأنه ذهب قائل بأنه
جسم صادق ينتج أن كل قائل بأنه ذهب صادق وسلمنا عدم فوات شرط الإنتاج المذكور
حينئذ أجيب بوجوه ثلاثة أحدها أن الكلام مبني على التقدير لا على نفس الأمر ولا
محذور في التزام أن الجبل ذهب على سبيل الفرض ولا في كون المحال في النتيجة نشأ
عنه وثانيها أنا لا نسلم أن القائل بأنه ذهب قائل بأنه جسم إذ يجوز في المحال أن
يلزمه المحال وهو كون الذهب ليس بجسم فتبطل المقدمة الأولى فلا تلزم النتيجة
وثالثها أنا وإن سلمنا أنه صادق إلا أنا لا نسلم صحة المقدمات ضرورة أنه ليس بصادق
في كل من قوله أنه ذهب وقوله أنه جسم بل هو صادق في الثاني دون الأول فلم يحصل
مقصود السائل من أنه صادق في قوله إنه ذهب لا سيما وقولنا صادق لفظ مطلق يصدق بفرد
وصورة واحدة وهي قوله إنه جسم فاندفع الإشكال والله سبحانه وتعالى أعلم
____________________
(1/98)
خلاف ما في الخبر كمن قال زيد قائم وهو ليس بقائم فهذا كذب
لأنه قول غير مطابق وثانيهما أن لا يوجد في نفس الأمر شيء ألبتة فيصدق أيضا عدم
المطابقة لعدم ما يطابقه الخبر لا لمخالفته لما وجد كما أن الله تعالى لو خلق زيدا
وحده في العالم صدق عليه أنه لم يوافق أحدا في معتقده
وأنه لم يخالف أحدا في معتقده فإن الموافقة والمخالفة للغير فرع وجود ذلك الغير
فإذا لم يوجد ذلك الغير انتفت الموافقة له والمخالفة كذلك نقول هاهنا لما لم يوجد
خبر آخر في هذا البيت صدق على هذا الخبر وهو قوله كل ما قلته في هذا البيت كذب أنه
غير مطابق لانتفاء ما تقع المطابقة معه فهو كذب جزما وكذلك ينبغي لك أن تفهم من
قولنا أن الكذب هو القول الذي ليس بمطابق هذا المعنى العام الذي يصدق بطريقين وجد
شيء يخالفه الخبر أو لم يوجد شيء ألبتة غير أن غالب الاستعمال هو القسم الأول
والمذهب المشهور أنه لا واسطة بين الصدق والكذب بناء على هذا المعنى العام وكذلك
نجيب عن ارتفاع النقيضين بأن نقول الواقع منهما عدم المطابقة بالتفسير العام
المتقدم ذكره ومثل هذا الخبر قوله كل ما تكلمت به في جميع عمري كذب وكان لم يكذب
قط فهذا الخبر كذب قطعا لأنه إن أراد الأخبار المتقدمة في عمره فهو كاذب لأنها
كانت صدقا وإن أراد هذا الأخير وحده فهو ليس بصدق لعدم خبر آخر يطابقه وهو قد أخبر
أنه غير مطابق لنفسه فهو مخبر أن خبره هذا الأخير خبران أحدهما غير مطابق للآخر
وهو ليس خبرين فيكون كذبا قطعا سواء أراد الأخبار المتقدمة أو أراد هذا الخبر هذا
الذي اعتمده الإمام فخر الدين وغيره والذي أعتقده أن هذا الخبر لا يقطع بكذبه
لجواز أن يريد الخبر الأخير وحده ويكون عدم مطابقته لعدم ما تمكن المطابقة معه فهو
غير مطابق بالمعنى الأعم كما تقدم تقريره
فقوله إنه كذب صدق على هذا التقرير فلا يقطع بكذب هذا الخبر لهذا الاحتمال فإن كذب
في جملة عمره أو في جميع ما قاله في هذا البيت ثم قال كل ما تكلمت به في عمري صدق
أو جميع ما قلته في هذا البيت صدق فإن أراد ما تقدم منه قبل هذا الخبر فهو كاذب
وإن أراد هذا الخبر فهو كاذب أيضا فإن الصدق مطابقة الخبر لغيره والخبر عن الخبر
بأنه صدق يقتضي تقدم رتبة المخبر عنه عن الخبر وتأخر الشيء عن نفسه بالرتبة محال
وإن أراد المجموع من الأخبار المتقدمة وهذا الخبر فالمطابقة لم تحصل أيضا في
الجميع فهو كذب أيضا وكذب ولم يتأت هنا في الخبر الأخير ما تأتى لنا فيه إذا قال
أنا كاذب فيه لأن الصدق يشترط فيه المطابقة فيحتاج فيه إلى شيئين حتى تحصل
المطابقة بينهما أما إذا قال أنا كاذب فيه فقد ادعى عدم المطابقة وهي تصدق
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
____________________
(1/99)
بطريقين إما بمخبر عنه غير مطابق وإما بعدم المخبر عنه
بالكلية كما تقدم تقريره فلا جرم أمكننا أن نجعل الخبر الواحد كذبا ولم يمكنا أن
نجعله صدقا فتأمل هذا الفرق ولاحظ فيه أن الكذب أعم والأعم قد يوجد حيث لا يوجد
الأخص وأما الإمام فخر الدين وغيره فقد سوى بين البابين وقصر الكذب في عدم
المطابقة على أحد قسميه وقال إذا قال أنا كاذب في الخبر الأخير هو كاذب لتأخر
الخبر عن المخبر عنه بالرتبة وتأخر الشيء عن نفسه محال لكن الكذب أعم مما ادعاه
كما تقدم بيانه فلا يلزم ما قاله
المسألة الثانية وعد الله تعالى ووعيده وقع
لابن نباتة في خطبة الحمد لله الذي إذا وعد وفى وإذا أوعد تجاوز وعفا وحسن ذلك
عنده ما جرت العوائد به من التمدح بالوفاء في الوعد والعفو في الوعيد
قال الشاعر وإني إذا أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي تمدح بهما وقد أنكر
العلماء على ابن نباتة ذلك وتقرير الإنكار أن كلامه هذا يشعر بثبوت الفرق بين وعد
الله تعالى ووعيده
والفرق بينهما محال عقلا لأنه إن أريد بالوعد والوعيد صورة اللفظ وما دل عليه
بوضعه اللغوي من العموم فإنهما سواء في جواز دخول التخصيص فيهما فكما دخل التخصيص
في قوله تعالى ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره بمن عفي عنه تفضلا أو بالتوبة أو غير
ذلك فلم ير شرا مع عمله له فكذلك دخل التخصيص في قوله تعالى فمن يعمل مثقال ذرة
خيرا يره بمن حبط عمله بردته وسوء خاتمته أو أخذت أعماله في الظلامات بالقصاص
وغيره فلم ير خيرا مع أنه عمله وكذلك جميع إخبارات الوعيد والوعد يخرج منها من لم
يرد باللفظ ويبقى المراد فلا فرق بينهما من هذا الوجه وإن أريد بالوعد والوعيد من
أريد بالخطاب ومن قصد بالإخبار عنه بالنعيم أو العقاب فيستحيل أن من أراده الله
تعالى بالخبر أن لا يقع مخبره
وإلا لحصل الخلف المستحيل عقلا على الله تعالى بل يجب حصول النعيم لمن أراده الله
تعالى بالإخبار عن نعيمه وحصول العقاب لمن أراده الله تعالى بالإخبار عن عقابه
لئلا يلزم الخلف فحينئذ لا فرق بينهما أيضا فإن قلت إن أريد بالوعيد صورة العموم
وهو قابل للتخصيص وبالوعد من أريد بالخطاب فإنه يتعين فيه الوفاء بذلك الموعود
يندفع المحال وتصح هذه العبارة قلت هذا يمكن غير أنه يوهم أن الله تعالى يعفو عمن
أريد بالوعيد ولا يقتصر المفهوم على التخصيص فقط كما جرت به العادة من التمدح
بالعفو وإن أكذب أحدنا نفسه كما قال
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
____________________
(1/100)
الشاعر فإن الكذب جائز علينا ونمدح به ويحسن منا في مواطن
وهو محال على الله تعالى وإذا أوهم مثل هذا حرم إطلاقه لأن إطلاق ما يوهم محالا
على الله تعالى حرام
المسألة الثالثة إذا فرضنا رجلا صادقا على
الإطلاق وهو زيد فقلنا زيد ومسيلمة الحنفي صادقان أو كاذبان استحال في هذا الخبر
أن يكون صادقا وإلا لصدق مسيلمة في قولنا هما صادقان أو لكذب زيد في قولنا هما
كاذبان
ويستحيل أيضا أن يكون هذا الخبر كاذبا للزوم صدق مسيلمة في قولنا هما كاذبان أو
كذب زيد في قولنا هما صادقان لكن كذب زيد محال لأن الفرض خلافه وإذا ارتفع عنه
الصدق والكذب لزم ارتفاع النقيضين كما تقدم تقريره قبل هذا فيمن قال أنا كاذب في
بيت لم يتكلم فيه إلا بهذا الكلام وقد تقدم مبسوطا ويلزم أيضا وجود الخبر بدون
خصيصته وهو قبول الصدق والكذب وهو محال أيضا
والجواب قال الإمام فخر الدين في باب الإخبار أن هذا الخبر في قوة خبرين فإذا قلنا
زيد ومسيلمة صادقان فتقديره زيد صادق ومسيلمة صادق والأول خبر صادق والثاني خبر
كاذب وكذلك إذا قلنا كاذبان صدق مفهوم الكذب في مسيلمة وكذب في زيد وهذا الجواب
يبطل بتضييق الفرض بأن نقول المجموع صادق أو كاذب ونجعل الخبر عن المجموع وهو مفرد
في اللفظ أو يقول المتكلم أردت المجموع والإخبار عنه ولم أرد الإخبار عن كل واحد
منهما فيبطل هذا الجواب
والجواب الحق أن نلتزم في قولنا هما صادقان أنه كذب وتقريره أن الكذب نقيض الصدق
كما تقدم تقريره فإنه عدم المطابقة الذي هو نقيض المطابقة والمتكلم أخبر عن حصول
المطابقة في المجموع وفي كل واحد منهما وليست كذلك لأن الحقيقة تنتفي بانتفاء
جزئها فتنتفي المطابقة في المجموع بنفيها في أحدهما ولا نشك أنها منفية في أحدهما
فيكون الحق نفي المطابقة في المجموع فيكون الخبر كذبا وكذلك إذا قلنا هما كاذبان
فإنا أخبرنا عن ثبوت عدم المطابقة في كل واحد منهما وإذا قال قائل العدم يشمل زيدا
وعمرا كذب خبره هذا بوجود أحدهما فإن مجموع العدمين ينتفي بانتفاء جزئه كما ينتفي
مجموع الثبوت وقد أشار فخر الدين إلى أن الخبر يكون كذبا غير أنه لم يبسط تقريره
المسألة الرابعة إذا قلنا الإنسان وحده ناطق وكل ناطق حيوان فإنه ينتج الإنسان
وحده حيوان وهذا خبر كاذب مع أن متقدماته صحيحة فكيف ينتج الصادق الخبر الكاذب
وذلك إن جوزناه يبطل علينا باب الاستدلال
والجواب أن الفساد إنما جاء من جهة أن المقدمة الأولى هي مقدمتان التفت إحداهما
بالأخرى إحداهما سالبة والأخرى موجبة فإن
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
____________________
(1/101)
قولنا الإنسان وحده ناطق معناه أنه ناطق وغيره غير ناطق هذا
هو مدلول وحده لغة فإن جعلنا مقدمة الدليل هي الموجبة وحدها صح الكلام فإنه يصير
الإنسان ناطقا وكل ناطق حيوان فينتج كل إنسان حيوان ولا محال في هذا
وإن جعلنا مقدمة القياس هي السالبة لم يصح الإنتاج لفوات شرطه وهو أن الشكل الأول
من شرطه أن تكون صغراه موجبة وهذه سالبة فلا يصح ألا ترى أنك إذا قلت لا شيء من
الإنسان بحجر وكل حجر جسم كانت النتيجة لا شيء من الإنسان بجسم وهو باطل فلا بد أن
تكون مقدمة القياس في هذا الشكل موجبة إذا كانت صغرى وهذا الكلام قد جعلت فيه
سالبة فلذلك حصل فيه أمر محال وإن جعلنا مجموع المقدمتين مقدمة واحدة امتنع أيضا
فإنه لا قياس عن ثلاث مقدمات ويلزم الفساد من كون إحداهما سالبة كما تقدم
المسألة الخامسة نقول الفول يغذو الحمام
والحمام يغذو البازي فالفول يغذو البازي المقدمتان صادقتان والخبر الذي أنتجتاه
كاذب وهو قولنا الفول يغذو البازي فإنه لا يأكل إلا اللحم فكيف ينتج الصادق الكاذب
وذلك يخل بنظام الاستدلال
والجواب أن الفساد جاء من جهة عدم اتحاد الوسط فإن قلنا الفول يغذو الحمام الأصل
أن نقول وكل ما يغذو الحمام يغذو البازي ولم نأخذه بل أخذنا مفعول المحمول وضابط
اتحاد الوسط الذي هو شرط الإنتاج أن تأخذ عين الخبر في المقدمة الأولى فنجعله
مبتدأ في الثانية وهنا لم تأخذه بل أخذت مفعوله وجعلته مبتدأ في الثانية فلم يتحد
الوسط وإذا لم يتحد الوسط لم يحصل الإنتاج ونظيره أن تقول زيد مكرم خالدا وخالد
مكرم عمرا ينتج زيد مكرم عمرا وذلك غير لازم لجواز أن يكون زيد عدوا لعمرو فلم
يكرمه وعلى هذا السؤال متى أخذت مفعول الوسط بطل الإنتاج ومتى أخذته نفسه فهو الذي
يحصل به الإنتاج ويصدق معه الخبر فتأمل المسألة السادسة تقول كل زوج عدد والعدد
إما زوج أو فرد ينتج الزوج إما زوج أو فرد والإخبار عن كون الزوج منقسما إلى الزوج
والفرد كاذب فإن المنقسم إلى شيئين لا بد وأن يكون مشتركا بينهما والزوج ليس
مشتركا فيه بين الزوج والفرد فالمقدمات صادقة والخبر الذي أنتجته كاذب فيلزم
المحال كما تقدم
والجواب أن المحال إنما نشأ من جهة أن المقدمة الثانية في هذا الشكل من شرطها أن
تكون كلية وقولنا العدد إما زوج أو فرد قضية منفصلة نص أرباب المنطق على أنها إنما
تكون كلية بأزمانها وأوضاعها فإن لم تقع الإشارة إلى أن ذلك الحكم ثابت لذلك
المحكوم عليه في جميع الأحوال وعلى جميع
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
____________________
(1/102)
التقادير وإلا لم تكن كلية إذا تقرر هذا فنقول ما تريد
بقولك العدد إما زوج أو فرد تريد العدد في أي حالة كان أو من حيث الجملة فإن أردت
الأول كان معنى كلامك العدد في حالة كونه زوجا هو منقسم إلى الزوج والفرد وذلك
كاذب وإن وقع حالة كونه فردا انقسم إليهما أيضا وذلك كاذب أيضا فهذه المقدمة كاذبة
ضرورة على هذا التقدير وإن أردت بالعدد العدد من حيث الجملة فهو إشارة إلى القدر
المشترك بين جميع الأعداد فإن القدر المشترك ينقسم إلى أنواع وذلك صادق غير أنها
إذا صدقت المقدمة على هذا التقدير كانت جزئية فإن المشترك يكفي في تحققه صورة
واحدة وإذا كانت جزئية بطل شرط الإنتاج وهو كون المقدمة الثانية كلية فظهر حينئذ
أن هذه المقدمة الثانية إما كاذبة أو فات فيها شرط الإنتاج وعلى التقديرين لا تصح
النتيجة ولا يوثق بالخبر الناشئ من هذا التركيب
المسألة السابعة تقول الوتد في الحائط والحائط
في الأرض ينتج قوله الوتد في الأرض وهو خبر كاذب فإن الوتد ليس في الأرض فقد أنتج
الصادق الكاذب فيلزم المحال كما تقدم
والجواب أن هذا الكلام فيه توسع وهو قولك الحائط في الأرض فإنه لم يغب بجملته في
الأرض بل أبعاضه فهو مجاز من باب إطلاق الجزء على الكل فلو كان اللفظ حقيقة وأن
جملة الحائط في الأرض كان الوتد في الأرض خبرا وكان الخبر حقا كقولنا المال في
الكيس والكيس في الصندوق فالمال في الصندوق وهذا خبر حق لأنه ليس فيه توسع بخلاف
الحائط في الأرض فإن قلت ظرف الزمان والمكان ليس من شرطه الإحاطة كقوله تعالى له
ما في السماوات وما في الأرض والمراد ما على ظهرهما وكقوله تعالى وهو الذي في
السماء إله وفي الأرض إله وهو إنما يعبد فوق ظهرهما فاللفظ حقيقة وكذلك إذا قلنا
زيد عندك حقيقة وإن لم يغب في المكان الذي أنت فيه وكذلك زيد في الزمان ليس معناه
الإحاطة لأن معنى الزمان هو اقتران حادث بحادث والاقتران نسبة وإضافة لم تحط بزيد
كإحاطة ثوبه إنما هي في تينك الحادثين لا يتعداهما وكذلك إذا فسرنا الزمان بحركات
الأفلاك فإن الحركة قائمة في الفلك لم تحط بزيد وغيره من حوادث الأرض بل المحيط هو
الفلك وحده فظهر حينئذ أن تسمية الزمان والمكان ظرفين ليس معنى ذلك الغيبة فيهما
وإحاطتهما بالمظروف فبطل ما ذكرتموه من التوسع وبطل أيضا ما يعتقده كثير من النحاة
من الظرفية الحقيقية
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
____________________
(1/103)
قلت إذا ألزمت هذا أقول الوتد في الأرض حقيقة ويكون الخبر
صادقا ولا محال حينئذ والسؤال والإشكال إنما جاء من قبل أن الوتد ليس مغيبا في
الأرض أما على هذا التقدير فلا يلزم إشكال ولا يضرنا إلزام ما ذكرته فالسؤال ذاهب
على كل تقدير وهو المقصود
المسألة الثامنة قولنا هذا الجبل ذهب لأن كل من
قال إنه ذهب قال إنه جسم وكل من قال إنه جسم صادق ينتج أن كل من قال إنه ذهب صادق
وهذا الخبر كاذب مع صدق المقدمات وبهذا النمط يستدل على أن كل ما في العالم ذهب
وياقوت وحيوان وجميع أنواع المحالات تقريرها بهذا الدليل وهذه مغلطة عظيمة
والجواب عنها من وجوه أحدها أن قول القائل إن هذا الجبل ذهب محال وكذب المحال
يلزمه المحال فيكون المحال في النتيجة إنما نشأ من هذا المحال فنحن نلتزم أنه ذهب
على هذا التقدير المحال ولا محذور وإنما المحذور كونه ذهبا في نفس الأمر وثانيها
أنا لا نسلم أنه يقول إنه جسم فإن قوله هو ذهب محال والمحال يجوز أن يلزمه المحال
وهو كون الذهب ليس بجسم فتبطل المقدمة الأولى فلا تلزم النتيجة وثالثها أنا لا
نسلم صحة المقدمات ونسلم أنه صادق لكنه قد تقدم من قوله أمران أحدهما قوله إنه ذهب
والآخر قوله إنه جسم فهو صادق في قوله إنه جسم لا في قوله إنه ذهب فلا يحصل
المقصود للسائل ولا سيما وقولنا صادق لفظ مطلق يصدق بفرد وصورة واحدة وقد بيناها
فاندفع الإشكال فهذه نبذة من الأخبار مشكلة لا يتحدث فيها إلا الفضلاء النبلاء
لتوقف سؤالها وجوابها على دقائق من العلوم وقد تذكر في سياق المغلطات فيعسر الجواب
عنها وقد اتضح منها جملة هاهنا توجب الإعانة على فهم غيرها والله المستعان لا رب
غيره
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
فارغه
____________________
(1/104)
الفرق الثالث بين الشرط اللغوي وغيره من الشروط العقلية والشرعية والعادية فإن أكثر الناس
يعتقدون أن الكل معنى واحد وأن اللفظ مقول عليها بالتواطؤ وأن المعنى واحد وليس
كذلك بل للشروط اللغوية قاعدة مباينة لقاعدة الشروط الأخر ولا يظهر الفرق بين
القاعدتين إلا بيان حقيقة الشرط والسبب والمانع أما السبب فهو الذي يلزم من وجوده
الوجود ومن عدمه العدم لذاته أما القيد الأول فاحتراز من الشرط فإنه لا يلزم من
وجوده شيء إنما يؤثر عدمه في العدم والقيد الثاني احتراز من المانع فإن المانع لا
يلزم من عدمه شيء إنما يؤثر وجوده في العدم والقيد الثالث احتراز من مقارنة وجود
السبب عدم الشرط أو وجود المانع فلا يلزم الوجود أو إخلافه بسبب آخر حالة عدمه فلا
يلزم العدم وأما الشرط فهو الذي يلزم من
هامش أنوار البروق
الفرق الثالث بين الشرط اللغوي وغيره من الشروط
العقلية والشرعية والعادية قلت كان حقه كما فرق بين الشرط اللغوي وغيره أن
يفرق بين سائر الشروط فإن الشرط العقلي ارتباطه بالمشروط عقلي ومعنى ذلك أن من
حقيقة المشروط ارتباط ذلك الشرط به والشرط الشرعي ارتباطه بالمشروط شرعي ومعنى ذلك
أن الله تعالى ربط هذا الشرط ومشروطه بكلامه الذي نسميه خطاب الوضع والشرط العادي
ارتباطه بالمشروط عادي ومعنى ذلك أن الله تعالى ربط هذا الشرط بمشروطه بقدرته
ومشيئته والشرط اللغوي ربطه بمشروطه واضع اللغة أي جعل هذا الربط اللفظي دالا على
ارتباط معنى اللفظ بعضه ببعض هذه فروق بين هذه الشروط واضحة وأما الفرق الذي ذكره
فمبني على اصطلاح أصولي ولذلك احتاج في بيانه إلى ذكر الفرق بين الشرط والسبب
والمانع عند أهل الأصول وليس ذلك بمتفق عليه فقد ذهب الأستاذ أبو إسحاق
الإسفراييني إلى خلافه وما ذكره من رسوم السبب والشرط والمانع لا بأس به وما ذكره
من أن الشروط اللغوية أسباب فبناء على ذلك الاصطلاح وما ذكره من احتمال تسمية جميع
تلك الشروط شروطا باعتبار قدر مشترك بينها وهو توقف الوجود على الوجود مع قطع
النظر عما عدا ذلك صحيح ظاهر
هامش إدرار الشروق
الفرق الثالث بين قاعدة الشروط اللغوية وقاعدة غيرها
من الشروط العقلية والشرعية والعادية وبين كل واحد منها مع الآخر منها فالمقصود
هنا جهتان الجهة الأولى الفرق بين سائر الشروط وهو أن ارتباط الشرط بالمشروط إن
كان معناه أنه من حقيقة المشروط ارتباط ذلك الشرط به فهو الشرط العقلي كالحياة مع
العلم أو أن الله ربط هذا الشرط ومشروطه بكلامه الذي نسميه خطاب الوضع فهو الشرط
الشرعي كالطهارة مع الصلاة أو أن الله تعالى ربط هذا الشرط بمشروطه بقدرته ومشيئته
فهو الشرط العادي كالسلم مع صعود السطح أو أن واضع اللغة ربط هذا الشرط بمشروطه أي
جعل هذا الربط اللفظي دالا على ارتباط معنى اللفظ بعضه ببعض فهو الشرط اللغوي
كالدخول المعلق عليه الطلاق في نحو إن دخلت الدار فأنت طالق والجهة الثانية الفرق
بين
____________________
(1/105)
عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته ولا يشتمل
على شيء من المناسبة في ذاته بل في غيره فالقيد الأول احتراز من المانع فإنه لا
يلزم من عدمه شيء والقيد الثاني احتراز من السبب فإنه يلزم من وجوده الوجود والقيد
الثالث احتراز من مقارنة وجوده لوجود السبب فيلزم الوجود ولكن ليس ذلك لذاته بل
لأجل السبب أو قيام المانع فيلزم العدم لأجل المانع لا لذات الشرط والقيد الرابع
احتراز من جزء العلة فإنه يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم غير
أنه مشتمل على جزء المناسبة فإن جزء المناسب مناسبة
وأما المانع فهو الذي يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته
فالقيد الأول احتراز من السبب فإنه يلزم من وجوده الوجود والقيد الثاني احتراز من
الشرط والقيد الثالث احتراز من مقارنة عدمه لعدم الشرط فيلزم العدم أو وجود السبب
فيلزم
هامش أنوار البروق
قال ثم إن الشرط اللغوي يمكن التعويض عنه والإخلاف والبدل قلت ما قاله في ذلك صحيح
أيضا قال والشروط العقلية لا يقتضي وجودها وجودا ولا تقبل البدل والإخلاف
هامش إدرار الشروق
القاعدتين المذكورتين المبني على اصطلاح أصولي يفتقر لبيان الفرق بين الشرط والسبب
والمانع عند الأصوليين وليس ذلك بمتفق عليه فقد ذهب الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني
إلى خلافه فالسبب يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم لذاته فخرج بقيد من وجوده
الوجود الشرط إذ لا يلزم من وجوده شيء وبقيد ومن عدمه العدم المانع إذ لا يلزم من
عدمه شيء وبقيد لذاته السبب المقارن وجوده لعدم الشرط أو لوجود المانع فلا يلزم
الوجود أو الذي أخلفه حال عدم سبب آخر فلا يلزم العدم والشرط ما يلزم من عدمه
العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته ولا يشتمل على شيء من المناسبة في
ذاته بل في غيره فخرج بقيد يلزم من عدمه العدم المانع فلا يلزم من عدمه شيء وبقيد
ولا يلزم من وجوده إلخ السبب إذ يلزم من وجوده الوجود وبقيد لذاته الشرط المقارن
وجوده لوجود السبب فيلزم الوجود لأجل السبب لا لذات الشرط أو لقيام المانع فيلزم
العدم لأجل المانع لا لذات الشرط وبقيد ولا يشتمل على شيء إلخ جزء العلة فهو وإن
كان يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم أيضا إلا أنه مشتمل على
جزء المناسبة فإن جزء المناسب مناسب والمانع ما يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من
عدمه وجوده ولا عدم لذاته فخرج بقيد يلزم من وجوده العدم بسبب وبقيد ولا يلزم إلخ
الشرط وبقيد لذاته المانع المقارن عدمه لعدم الشرط فيلزم العدم أو الوجود السبب
فيلزم الوجود ولا
____________________
(1/106)
الوجود لكن بالنظر لذاته لا يلزم شيء من ذلك إذا تقرر ذلك
يظهر أن المعتبر من المانع وجوده ومن الشرط عدمه ومن السبب وجوده وعدمه والثلاثة
تصلح الزكاة مثالا لها فالسبب النصاب والحول شرط والدين مانع إذا ظهرت حقيقة كل
واحد من السبب والشرط والمانع يظهر أن الشروط اللغوية أسباب بخلاف غيرها من الشروط
العقلية كالحياة مع العلم أو الشرعية كالطهارة مع الصلاة أو العادية كالسلم مع صعود
السطح فإن هذه الشروط يلزم من عدمها العدم في المشروط ولا يلزم من وجودها وجود ولا
عدم فقد يوجد المشروط عند وجودها كوجوب الزكاة عند دوران الحول الذي هو شرط وقد
يعدم لمقارنة الدين لدوران الحول مع وجود النصاب
وأما الشروط اللغوية التي هي التعاليق كقولنا إن دخلت الدار فأنت طالق يلزم من
الدخول الطلاق ومن عدم الدخول عدم الطلاق إلا أن يخلفه سبب آخر كالإنشاء بعد
التعليق وهذا هو شأن السبب أن يلزم من عدمه العدم إلا أن يخلفه سبب آخر فإذا ظهر
أن الشروط اللغوية أسباب دون غيرها فإطلاق اللفظ على القاعدتين أمكن أن يقال بطريق
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله صحيح أيضا
قال ولا تقبل إبطال الشرطية إلا الشرعية خاصة قلت جميع الشروط تقبل الإبدال
والإخلاف والإبطال ما عدا العقلية خاصة فإن ما عدا العقلي من الشروط ربطه بالوضع
فلا يمتنع رفع ذلك الربط
هامش إدرار الشروق
يلزمه لذاته شيء من ذلك فالمعتبر من المانع وجوده ومن الشرط عدمه ومن السبب وجوده
وعدمه والزكاة تصلح مثالا للثلاثة فالنصاب سبب والحول شرط والدين مانع وبظهور هذه
الحقائق الثلاثة يظهر أن قاعدة الشرط اللغوية التي هي التعاليق كقولنا إن دخلت
الدار فأنت طالق أنها أسباب يلزم من وجودها كالدخول في المثال وجود مشروطها
كالطلاق ويلزم من عدمها عدم المشروط أي من عدم الدخول عدم الطلاق إلا أن يخلفه سبب
آخر كالإنشاء بعد التعليق كما هو شأن السبب وقاعدة كل من الشروط العقلية كالحياة
مع العلم والشرعية كالطهارة مع الصلاة والعادية كالسلم مع صعود السطح أنه يلزم من
عدمها عدم مشروطها ولا يلزم من وجودها وجود ولا عدم لمشروطها فقد يوجد مشروطها عند
وجودها كوجوب الزكاة عند دوران الحول الذي هو شرط وقد يعلم لمقارنة الدين لدوران
الحول مع وجود النصاب فإطلاق لفظ الشرط على ما عدا اللغوية حقيقة قطعا وعلى اللغوية
يمكن أن يقال حقيقة أيضا بطريق الاشتراك لأن الأصل في الاستعمال الحقيقة وأن يقال
مجازا لأنه أرجح من الاشتراك وأن يقال بطريق التواطؤ بأن يدعي وضعه للقدر المشترك
بين الجميع وهو توقف الوجود على الوجود مع قطع النظر عما عدا ذلك فإن كلا من
المشروط العقلي والشرعي والعادي يتوقف دخوله في الوجود على وجود شرطه ووجود شرطه
لا يقتضيه المشرط اللغوي يتوقف وجوده على وجود شرطه ووجود شرطه يقتضيه ثم إن ما
عدا العقلي من الشروط من حيث إن ربطها بمشروطها بالوضع تقبل الإبدال والإخلاف
والإبطال إذ لا يمتنع رفع ذلك الربط فمثال الإبدال والإخلاف في
____________________
(1/107)
الاشتراك لأنه مستعمل فيهما والأصل في الاستعمال الحقيقة
وأمكن أن يقال بطريق المجاز في أحدهما لأن المجاز أرجح من الاشتراك وأمكن أن يقال
بطريق التواطؤ باعتبار قدر مشترك بينها وهو توقف الوجود على الوجود مع قطع النظر عما
عدا ذلك فإن المشروط العقلي وغيره يتوقف دخوله في الوجود على وجود شرطه ووجود شرطه
لا يقتضيه والمشروط اللغوي يتوقف وجوده على وجود شرطه ووجود شرطه يقتضيه ثم إن
الشرط اللغوي يمكن التعويض عنه والإخلاف والبدل كما إذا قال لها إن دخلت الدار
فأنت طالق ثلاثا ثم يقول لها أنت طالق ثلاثا فيقع الثلاث بالإنشاء بدلا عن الثلاث
المعلقة وكقوله إن أتيتني بعبدي الآبق فلك هذا الدينار ولك أن تعطيه إياه قبل أن
يأتي بالعبد هبة فتخلف الهبة استحقاقه إياه بالإتيان بالعبد ويمكن إبطال شرطيته
كما إذ أنجز الطلاق فإن التنجيز إبطال للتعليق وكما إذا اتفقنا على فسخ الجعالة
والشروط العقلية لا يقتضي وجودها وجودا ولا تقبل البدل والإخلاف ولا تقبل إبطال
الشرطية إلا الشرعية خاصة فإن الشرع قد يبطل شرطية الطهارة والستارة عند معارضة
التعذر أو غيره فهذه ثلاثة فروق اقتضاء الوجود والبدل والإبطال إذا تخلص الفرق بين
القاعدتين وتميزت كل
هامش أنوار البروق
قال شهاب الدين إذا تخلص الفرق بين القاعدتين وتميزت كل واحدة منهما عن الأخرى
فنوشح ذلك بذكر مسائل من الشروط اللغوية إلى آخر المسألة قلت ما ذكره في ذلك وفي
المسألة بجملتها صحيح والله أعلم
هامش إدرار الشروق
الشرط اللغوي أن يقول لزوجته إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا يقول لها أنت طالق
ثلاثا فتقع الثلاث بالإنشاء بدلا عن الثلاث المعلقة أو تقول لشخص إن أتيتني بعبدي
الآبق فلك هذا الدينار ثم تعطيه الدينار قبل أن يأتي بالعبد هبة فتخلف الهبة
استحقاقه إياه بالإتيان بالعبد ومثال الإبطال فيه أن ينجز الطلاق إبطالا للتعليق
أن يتفق الجاعل والمجعول له على فسخ الجعالة وقس على ذلك العادي والشرعي فإن كلا
من العادة والشرع قد يبطل الشرطية في نحو السلم والطهارة والستارة عند معارضة
التعذر أو غيره وقد أخلف الشرع الطهارة المائية بالترابية وأخلفت العادة السلم
برفع الشخص في التابوت بآلة جذب الأثقال والشرط العقلي من حيث إن ربطه بمشروطه
ذاتي لا بالوضع لا يقبل البدل والإخلاف ولا إبطال الشرطية كما لا يقتضي وجوده وجود
المشروط بخلاف اللغوي فالفرق بين اللغوي وغيره من الشروط ثلاثة اقتضاؤه الوجود
والبدل والإبطال بخلاف غيره فإنه قد لا يقتضي الثلاثة وقد لا يقتضي الوجود وإن
اقتضى البدل والإبطال فافهم
فصل في ثمانية مسائل من الشروط اللغوية فيها
مباحث دقيقة وأمور غامضة وإشارات شريفة تتضح بها قاعدة الشروط اللغوية تمام
الاتضاح المسألة الأولى أنشد بعض الأفاضل ما يقول الفقيه أيده الله ولا زال عنده
إحسان في فتى علق الطلاق بشهر قبل ما قبل قبله رمضان والبيت الثاني وإن كان بيتا
واحدا إلا أنه من نوادر الأبيات فإنه مع صعوبة
____________________
(1/108)
واحدة منهما عن الأخرى فنوشح ذلك بذكر مسائل من الشروط اللغوية
فيها مباحث دقيقة وأمور غامضة وإشارات شريفة تكون الإحاطة بها حلية للفضلاء وجمالا
للعلماء ولنقتصر من ذلك على ثمان مسائل
المسألة الأولى أنشد بعض الفضلاء ما يقول
الفقيه أيده الله ولا زال عنده إحسان في فتى علق الطلاق بشهر قبل ما قبل قبله
رمضان اعلم أن هذا البيت من نوادر الأبيات وأشرفها معنى وأدقها فهما وأغربها
استنباطا لا يدرك معناه إلا العقول السليمة والأفهام المستقيمة والفكر الدقيقة من
أفراد الأذكياء وآحاد الفضلاء والنبلاء بسبب أنه بيت واحد وهو مع صعوبة معناه ودقة
مغزاه مشتمل على ثمانية أبيات في الإنشاد بالتغيير والتقديم والتأخير بشرط استعمال
الألفاظ في حقائقها دون مجازاتها مع التزام صحة الوزن على القانون اللغوي وكل بيت
مشتمل على مسألة من الفقه في التعاليق الشرعية والألفاظ اللغوية وتلك المسألة صعبة
المغزى
وعرة المرتقى ومشتمل
هامش أنوار البروق
قال شهاب الدين المسألة الثانية قال اللخمي في كتاب الظهار إذا قال أنت طالق اليوم
إن كلمت فلانا غدا إلى قوله وهذا هو الذي صرح لي به أعيانهم ومشايخهم المعاصرون في
تقرير هذه المسألة
قلت جميع ذلك نقل لا كلام فيه
هامش إدرار الشروق
معناه ودقة مغزاه إما أن يلتزم فيه صحة الوزن على القانون اللغوي واستعمال ألفاظه
في حقائقها دون مجازاتها فيكون مشتملا على ثمانية أبيات في الإنشاد بالتغيير
والتقديم والتأخير كل بيت منها يشتمل على مسألة من الفقه في التعاليق الشرعية
والألفاظ اللغوية وتلك المسألة صعبة المغزى وعرة المرتقى وأما أن يلتزم المجاز في
ألفاظه دون الحقائق مع الإعراض عن ضابط الوزن وقانون الشعر بأن يطول البيت نحوا من
ضعفه فيكون مشتملا على سبعمائة وعشرين مسألة من المسائل الفقهية
والتعاليق اللغوية تحصل من هذه الألفاظ الثلاث وتبديلها بأضدادها واستعمالها في
مجازاتها وتنقلها في التقديم والتأخير مفترقة ومجتمعة على ما سيأتي بيانه إن شاء
الله تعالى فاحتاج بيانه إلى مقاصد المقصد الأول في تقرير البيت على طريقة التزام
استعمال ألفاظه في حقائقها مع صحة الوزن على القانون اللغوي وفيه ثلاثة مباحث
المبحث الأول هذا البيت ثمانية أبيات في التصوير أحدها أصل وهو اجتماع ثلاث قبلات
وسبع تتفرع عنه بأن يبدل الجميع بالبعدات نحو ما بعد بعده وهذه الصورة الثانية أو
يبدل من قبل الأخيرة فقط نحو قبل ما قبل بعده وهذه الصورة الثالثة أو يبدل من
الثاني والثالث دون الأول نحو قبل ما بعد بعده وهذه الصورة الرابعة أو يبدل من
الثاني فقط دون الأول والثالث نحو قبل ما بعده قبله وهذه الصورة الخامسة أو يبدل
من الأول والثاني دون الثالث نحو بعد ما بعد قبله وهذه الصورة السادسة أو يبدل من
الأول فقط دون الثاني والثالث نحو بعد ما قبل قبله وهذه الصورة السابعة أو يبدل من
الأول
____________________
(1/109)
على سبعمائة مسألة وعشرين مسألة من المسائل الفقهية
والتعاليق اللغوية بشرط التزام المجاز في الألفاظ وإطراح الحقائق والإعراض عن ضابط
الوزن وقانون الشعر بأن يطول البيت نحوا من ضعفه ويحصل هذا العدد العظيم من هذه
اللفظات الثلاث وتبديلها بأضدادها واستعمالها في مجازاتها وتنقلها في التقديم
والتأخير مفترقة ومجتمعة على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى وقد وقع هذا البيت
لشيخنا الإمام الصدر العالم جمال الفضلاء رئيس زمانه في العلوم وسيد وقته في
التحصيل والمفهوم جمال الدين الشيخ أبي عمرو بأرض الشام وأفتى فيه وتفنن وأبدع فيه
ونوع رحمه الله وقدس روحه الكريمة وها أنا قائل لك لفظه الذي وقع لي بفصه ونصه ثم
أذكر بعد ذلك ما وهبه الله تعالى لي من فضله قال رحمه الله هذا البيت من المعاني
الدقيقة الغريبة التي لا يعرفها في مثل هذا الزمان أحد وقد سئلت عن هذه المسألة
بمصر وأجبت بما فيه كفاية ثم سئلت عنها بدمشق فقلت هذا البيت ينشد على ثمانية أوجه
لأن ما بعد قبل الأول قد يكون قبلين وقد يكون بعدين
وقد يكون مختلفين فهذه أربعة أوجه كل منها قد يكون قبله قبل وقد
هامش أنوار البروق
قال قلت والحق في هذه المسألة وقوع الطلاق متقدما على القدوم الذي جعل شرطا وعلى
لفظ التعليق في زمانه وقولهم حكم اللفظ لا يتقدم عليه لا يتم وقياسهم على قوله أنت
طالق أمس لا يصح قلت ما قاله عندي صحيح لكنه مناقض لما حكي من الإجماع على استمرار
العصمة وإباحة
هامش إدرار الشروق
والثالث دون الثاني نحو بعد ما قبل بعده
وهذه الصورة الثامنة المبحث الثاني ينبني تفسير الشهر المراد في جميع هذه الصور
الذي أفتى به شيخ القرافي الشيخ أبو عمر ولما سئل عن ذلك بمصر ثم بدمشق على أمور
أحدها ما مر من التزام استعمال ألفاظ البيت في حقائقها لا في مجازاتها الثاني أن
هذه القبلات والبعدات وإن كانت ظروفا زمانية
والقاعدة تقتضي أن مظروفها يحتمل أن يكون شهرا تاما وأن يكون يوما واحدا من الشهر
المراد إذ يصدق على رمضان بطريق الحقيقة اللغوية لا المجاز اللغوي أنه قبل شوال
وأنه قبل يوم عيد الفطر إلا أن المظروف ها هنا شهر تام بقرينة السياق بل ذلك ضروري
ها هنا أما بالنسبة لما صحبه الضمير العائد على الشهر المسئول عنه فلأنه إذا كان
الشهر شوالا لا يمكن حمل المظروف على بعضه كيوم عيد الفطر وحده إلا على المجاز
والتفاسير المفتى بها في صور هذا البيت مبنية على الحقيقة كما علمت وأما بالنسبة
لما لم يصحبه ضمير الشهر كقبل المتوسط فلأن رمضان إذا كان قبل قبل الشهر المسئول
عنه وتعين أن مظروف أحد القبلين وهو المضاف إلى الضمير شهر تعين أن مظروف القبل
المتوسط شهر أيضا لأنه ليس بين شهرين من جميع الشهور أقل من شهر يصدق عليه أنه قبل
شهر وبعد شهر بل لا يوجد بين شهرين عربيين إلا شهر فتعين أن مظروف هذه الظروف شهور
تامة وأما الأشهر القبطية فإن أيام النسيء تتوسط بين مسرى وتوت
الأمر الثالث أن قاعدة الإضافة عند العرب وإن كانت على أنه يكفي فيها أدنى ملابسة
كقول أحد حاملي الخشبة خذ طرفك فجعل طرف الخشبة طرفا له لأجل الملابسة
وأضيف الكوكب للخرقاء في
____________________
(1/110)
يكون قبله بعد صارت ثمانية فاذكر قاعدة ينبني عليها تفسير
الجميع وهي أن كل ما اجتمع فيه قبل وبعد فألغهما لأن كل شهر حاصل بعد ما هو قبله
وحاصل قبل ما هو بعده فلا يبقى حينئذ إلا بعده رمضان فيكون شعبان أو قبله رمضان
فيكون شوالا فلم يبق إلا ما جميعه قبل أو جميعه بعد فالأول هو الشهر الرابع من
رمضان لأن معنى ما قبل قبله رمضان شهر تقدم رمضان قبل شهرين قبله وذلك ذو الحجة
والثاني هو الرابع أيضا ولكن على العكس لأن معنى بعد ما بعد بعده رمضان شهر تأخر
رمضان بعد شهرين بعده وذلك جمادى الأخيرة فإذا تقرر ذلك فقبل ما قبل قبله رمضان ذو
الحجة وقيل ما بعد بعده رمضان شعبان لأن المعنى بعده رمضان وذلك شعبان وبعد ما قبل
قبله رمضان شوال لأن المعنى قبله رمضان وذلك شوال وقبل ما بعد قبله رمضان شوال لأن
المعنى أيضا قبله رمضان وذلك شوال فهذه الأربعة الأول ثم اجر الأربعة الأخر على ما
تقدم فإن بعد ما قبل قبله رمضان شوال لأن المعنى قبله رمضان وذلك شوال وبعد ما بعد
بعده رمضان وذلك جمادى الأخيرة لأن ما بعد بعده شعبان وبعده رمضان فهو جمادى
هامش أنوار البروق
الوطء إلى قدوم زيد والذي أظنه أن ذلك الإجماع لا يصح وأنها لا يباح وطؤها في تلك
المدة لاحتمال وقوع الشرط بل تحرم على كل حال فإن قدم زيد تبين أن لنا تحريمها
للطلاق وإن لم يقدم تبين أن تحريمها للإشكال والاحتمال كما في اختلاط المنكوحة
بالأجنبية الأجنبية حرام لأنها أجنبية والمنكوحة حرام للاختلاط
هامش إدرار الشروق
قوله إذا كوكب الخرقاء لاح بسحره لأنها كانت تقوم لعملها عند طلوعه واحتملت هذه
القبلات والبعدات المضاف بعضها إلى بعض من حيث اللغة أن يكون كل ظرف أضيف لمجاوره
أو لمجاور مجاوره أو لمجاور مجاور مجاوره على رتب ثلاث أو أكثر من ذلك فيكون الشهر
الذي قبل رمضان هو ربيع فإن ربيعا قبل رمضان على سبيل الحقيقة بالضرورة إلا أن
الظروف التي في البيت حملت على المجاور الأول لأنه الأسبق إلى الفهم وإن كان غيره
حقيقة أيضا فهذه الملاحظة لا بد منها في تفسير هذا البيت المفتى بها
الأمر الرابع أن تعلم أنك إذا قلت قبل ما قبل قبله رمضان أو بعد ما بعد بعده رمضان
فالقبل الأول والبعد الأول هو رمضان لأنه مستقر في ذلك الظرف ومتى كان القبل الأول
والبعد الأول هو رمضان فالقبلان الكائنان بعد ذلك القبل الذي هو رمضان شهران آخران
يتقدمان على الشهر المسئول عنه والبعدان الأخيران شهران آخران يتأخران عن الشهر
المسئول عنه فالرتب دائما في البيت أربع الشهر المسئول عنه وثلاثة ظروف لغيره هذا
لا بد منه
الأمر الخامس أنه وإن احتمل فيما إذا قلنا قبل ما بعد بعده رمضان أو قلنا بعد ما
قبل قبله رمضان أن تكون هذه الظروف المنطوق بها مرتبة على ما هي عليه في اللفظ
فيتعين أن يكون الشهر المسئول عنه في
____________________
(1/111)
الأخيرة وبعد ما قبل بعده رمضان شعبان لأن المعنى بعده
رمضان وذلك شعبان وبعد ما بعد قبله رمضان شعبان لأن المعنى بعده رمضان وذلك شعبان
قلت هذا نص ما وجدته مكتوبا عنه رحمه الله في تعليق علق عنه في مسائله النادرة
التي سئل عنها
وبقيت أمور لم يتعرض لها الشيخ رحمه الله فينبغي زيادتها وإيضاحها ليتكمل بذلك
بيان المسألة إن شاء الله تعالى أحدها زيادة إيضاح كون البيت ثمانية في التصوير
فإنه للبيت أصل وفرع فأصله اجتماع ثلاث قبلات وتفرع سبعة أخرى أحدها أن يبدل
الجميع بالبعدات نحو بعد ما بعد بعده فهذه الصورة الثانية
الثالثة أن يبدل من قبل الأخيرة فقط نحو قبل ما قبل بعده
الرابعة أن يبدل من الثاني والثالث دون الأول نحو قبل ما بعد بعده
الخامسة أن يوسط البعد بين قبلين
السادسة أن يعمد إلى البعدات الثلاثة فيعمل فيها كما عملنا في القبلات فنقول بعد
ما بعد قبله
السابعة أن يبدل من البعدين الأخيرين دون الأول نحو بعد ما قبل قبله
الثامنة أن يوسط القبل بين البعدين كما وسطنا البعد بين القبلين
هامش أنوار البروق
قال وبيان ذلك ببيان ثلاث قواعد القاعدة الأولى أن الأسباب الشرعية قسمان إلى آخر
بيان القاعدة قلت جميع ما قاله في ذلك صحيح غير قوله ولو قال جعلته سببا من غير
تعليق لم ينفذ ذلك قلت هذا إنما يجري على قول الشافعية في تعيين الألفاظ وأما على
قول أهل المذهب في عدم تعيينها فلا والله أعلم
هامش إدرار الشروق
المسألتين هو رمضان لا أنه في الأولى شوال وفي الثانية شعبان كما في تفاسير صور
البيت الآتية المفتى بها وذلك لأن كل شيء فرض له أبعاد كثيرة متأخرة عنه فهو قبل
جميعها وكل شيء فرض له قبلات كثيرة متقدمة عنه فهو بعد جميعها فرمضان يصدق عليه
أنه قبل بعده وبعد بعده وجميع ما يفرض من ذلك إلى الأبد فهو قبل تلك الظروف كلها
ويصدق عليه أنه بعد قبله وقبل قبله وجميع ما يفرض من ذلك إلى الأبد فهو بعد تلك
الظروف كلها
لكن باعتبار إضافتين لا إضافة واحدة حتى يقال اجتماع الضدين في الشيء الواحد محال
فهو قبل باعتبار شوال وبعد باعتبار شعبان إلا أن مقتضى اللغة خلاف هذا الاحتمال
وهو أن لا تكون هذه الظروف المنطوق بها مرتبة على ما هي عليه في اللفظ بل تكون بعد
الأولى المتوسطة بين قبل وبعد في قولنا قبل ما بعد بعده متأخرة في المعنى وقبل
المتقدمة متوسطة بين البعدين منطبقة على بعد الأخيرة التي هي الأولى وتكون بعد
الأخيرة بعد وقبل معا بالنسبة إلى شهرين واعتبارين كما علمت ويكون الشهر المسئول
عنه في قولنا المذكور شعبان كما سيأتي في التفسير المفتى به لأن شعبان بعده رمضان
وبعد بعده شوال وقبل مضاف إلى المعنى للبعد الثاني الذي هو شوال ومتأخر عنه وكل من
قبل وبعد الأخيرة التي هي الأولى يصدقان على رمضان ومنطبقان عليه بالنسبة للشهرين
شوال وشعبان وليس لنا شهر بعده بعد أن رمضان قبل البعد الثاني وعين البعد الأول
إلا شعبان وبيان ذلك أن العرب إذا قالت غلام غلام غلامي أو صاحب صاحب صاحبي
فالمبدوء به هو أبعد الثلاثة عنك والأقرب إليك هو
____________________
(1/112)
فيكون بعد ما قبل بعده فحدث لنا عن القبلات الثلاث أربع
مسائل وعن البعدات الثلاث أربع مسائل بالإبدال على التدريج والتوسط كما تقدم
تمثيله
وثانيها أن ما في البيت لم يتحدث الشيخ رحمه الله عليها ولا على إعرابها وهل تختلف
هذه الفتاوى مع بعض التقادير فيها أم لا فأقول إن ما يصح فيها ثلاثة أوجه أن تكون
زائدة وموصولة ونكرة موصوفة ولا تختلف الفتاوى مع شيء من ذلك بل تبقى الأحكام على
حالها فالزائدة نحو قولنا قبل قبل قبله رمضان فلا يعتد بها أصلا وتبقى الفتاوى كما
تقدم والموصولة تقديرها قبل الذي استقر قبل قبله رمضان فيكون الاستقرار العامل في
قبل الذي بعد ما هو صلتها والفتاوى على حالها وتقدير النكرة الموصوفة قبل شيء
استقر قبل قبله رمضان فيكون الاستقرار العامل في الظرف الكائن بعد ما هو صفة لها
وهي نكرة مقدرة بشيء فهذا تقدير ما في البيت وإعرابها
وثالثها أن هذه القبلات والبعدات ظروف زمان ومظروفاتها الشهور هاهنا ففي كل قبل أو
بعد شهر هو المستقر فيه مع أن اللغة تقبل غير هذه المظروفات لأن القاعدة أنا إذا
قلنا قبله رمضان احتمل أن يكون شوالا فإن رمضان قبله واحتمل أن يكون يوما واحدا من
شوال فإن رمضان قبله فلو قال القائل رمضان قبل يوم عيد الفطر لصدق ذلك وكان حقيقة
لغوية لا مجازا لكن هذه المسائل بنيت على أن
هامش أنوار البروق
قال القاعدة الثانية أن المقدرات لا تنافي المحققات
إلى آخر ما قاله في هذه المسألة قلت ما قاله في ذلك صحيح غير قوله كقربات
الكفار والمرتدين موجودة حقيقة ومعدومة حكما فإنه إن أراد أن قرباتهم في حال الكفر
والارتداد فذلك غير صحيح وإن أراد في حال الإسلام قبل الارتداد فذلك صحيح والله
أعلم
هامش إدرار الشروق
الأخير والمتوسط متوسط فالغلام الأخير هو عبدك الأول الذي ملكته فملك هو عبدا آخر
وهو المتوسط وملك المتوسط العبد المقدم ذكره فالمقدم ذكره هو الذي ملكه عبد عبد
عبدك لا أنه عبدك وقس الأمر السادس مما ينبني عليها تفسير جميع صور البيت المفتى
به
قاعدة وهي أن كل ما اجتمع فيه قبل وبعد فالغهما لأن كل شهر حاصل بعد ما هو قبله
وقبل ما هو بعده فلا يبقى حينئذ إلا بعده رمضان فيكون شعبان أو قبله رمضان فيكون
شوال وأما ما جميعه قبل أو جميعه بعد
فالجواب في الأول هو الرابع الذي هو ذو الحجة لأن معنى قبل ما قبل قبله رمضان شهر
تقدم رمضان قبل شهرين قبله وفي الثاني هو الرابع أيضا لكن على العكس وهو جمادى
الآخرة لأن معنى بعد ما بعد بعده رمضان شهر تأخر رمضان بعد شهرين بعده فجميع
الأجوبة الثمانية منحصرة في أربعة أشهر طرفان وواسطة فالطرفان جمادى الأخيرة وذو
الحجة والوسط شوال وشعبان وتقريب ضبطها أن جميع البيت إن كان قبل فالجواب بذي الحجة
وإن كان بعد فالجواب بجمادى الأخيرة وإن تركب من قبل وبعد فمتى وجدت في الآخر قبل
بعده أو بعد قبله فما تقدمت فيه قبل فجوابه شوال لأن المعنى قبله رمضان وما تقدمت
فيه بعد فالجواب شعبان لأن التقدير بعده رمضان ومتى وجدت في آخر قبلين أو بعدين
وقبلهما مخالفا لهما ففي البعدين شعبان وفي القبلين شوال فشوال ثلاثة وشعبان ثلاثة
وهذه الستة هي الواسطة المتوسطة بين جمادى الأخيرة وذي الحجة
____________________
(1/113)
المظروف شهر تام بقرينة السياق ولضرورة الضمير في قبله
العائد على الشهر المسئول عنه فإذا كان شوالا وهو قد قال قبله رمضان تعذر أن يحمل
على بعض الشهر إلا على المجاز فإن بعض الشهر أو يوم الفطر وحده ليس هو شوالا بل
بعض شوال فيلزم المجاز لكن الفتاوى في هذا البيت مبنية على الحقيقة هذا تقرير قبله
الأخير الذي صحبه الضمير وأما قبل المتوسط فليس معه ضمير يضطرنا إلى ذلك بل علمنا
أن مظروفه شهر بالدليل العقلي لأن رمضان إذا كان قبل قبل الشهر المسئول عنه وتعين
أن أحد القبلين وهو الذي أضيف إلى الضمير مظروفه شهر تعين أن مظروف القبل المتوسط
شهر أيضا لأنه ليس بين شهرين من جميع الشهور أقل من شهر يصدق عليه أنه قبل شهر
وبعد شهر بل لا يوجد بين شهرين عربيين إلا شهر فلذلك تعين أن مظروف هذه الظروف
شهور تامة وقولي عربيين احتراز من القبطية فإن أيام النسيء تتوسط بين مسرى وتوت
ورابعها أن قاعدة العرب أن الإضافة يكفي فيها أدنى ملابسة كقول أحد حاملي الخشبة
مثل طرفك فجعل طرف الخشبة طرفا له لأجل الملابسة قاله صاحب المفصل وأنشد في هذا
المعنى إذا كوكب الخرقاء لاح بسحره
هامش أنوار البروق
قال وثانيها أنه إذا قال أعتق عبدك عني فأعتقه فإنا نقدر دخوله في ملكه قبل عتقه
بالزمن الفرد تحقيقا للعتق عنه وثبوت الولاء له إلى آخر المسألة قلت لا حاجة إلى
التقدير للملك في هذه المسألة فإنه لا مانع من عتق الإنسان عبده عن غيره من غير
تقدير ملك ذلك الغير للعبد ولا تحقيقه والله أعلم
هامش إدرار الشروق
المبحث الثالث لفظة ما في البيت يصح فيها ثلاثة أوجه أحدها أن تكون زائدة فلا يعتد
بها بل يكون التقدير قبل قبل قبله رمضان مثلا
وثانيها أن تكون موصولة والتقدير قبل الذي استقر قبل قبله رمضان فيكون الاستقرار
العامل في قبل الذي بعد ما هو صلتها
وثالثها أن تكون نكرة موصوفة والتقدير قبل شيء استقر قبل قبله رمضان فيكون
الاستقرار العامل في الظرف الكائن بعد ما المقدرة بشيء هو صفة لها ولا تختلف
التفاسير المفتى بها المذكورة مع شيء من ذلك بل تبقى الأحكام على حالها المقصد
الثاني في تقرير البيت على طريقة التزام الحقيقة في الألفاظ وعدم النظم بل يكون
الكلام نثرا اعلم أن الكلام حينئذ يجري على الضابط المتقدم أيضا فإذا زدنا على
قولنا قبل ما بعد بعده في لفظ بعد لفظة أخرى منه فقلنا قبل ما بعد بعد بعده رمضان
تعين أن يكون الشهر المسئول عنه رجبا وإن جعلنا البعدات أربعة تعين أن يكون جمادى
الأخيرة أو خمسة تعين أن يكون جمادى الأولى أو ستة تعين أن يكون ربيعا الآخر وهكذا
كلما زدت بعد انتقلت إلى شهر قبل فإن هذه الظروف
____________________
(1/114)
فأضاف الكوكب إليها لأنها كانت تقوم لعملها عند طلوعه ونحو
ذلك من الإضافات ومنه قوله تعالى ولا نكتم شهادة الله أضيف الشهادة إليه بسبب أنه
تعالى شرعها لا لأنه شاهد ولا مشهود عليه
وكذلك دين الله ونفخنا فيه من روحنا ولله على الناس حج البيت فالإضافة في الجميع
مختلفة المعاني وهي حقيقية في الجميع باعتبار معنى عام وهو كما قال صاحب المفصل
بأدنى ملابسة إذا تقررت هذه القاعدة فهذه القبلات والبعدات المضاف بعضها إلى بعض
تحتمل من حيث اللغة أن يكون كل ظرف أضيف لمجاوره أو لمجاور مجاوره أو لمجاور مجاور
مجاوره على رتب ثلاث أو أكثر من ذلك فيكون الشهر الذي قبل رمضان هو ربيع فإن ربيعا
قبل رمضان بالضرورة ويومنا هذا قبل يوم القيامة بالضرورة وهو كله حقيقة غير أن
الظروف التي في البيت حملت على المجاور الأول لأنه الأسبق إلى الفهم مع أن غيره
حقيقة أيضا فهذه الملاحظة لا بد منها في هذه الفتاوى وخامسها أن تعلم أنك إذا قلت
قبل ما قبل قبله رمضان فالقبل الأول هو عين رمضان لأنه مستقر في ذلك الظرف
هامش أنوار البروق
قال وثالثها دية الخطأ إلى آخر المسألة قلت ما قاله فيها من لزوم تقدير ملك الدية
وعدم تحقيقه ليس بصحيح بل الصحيح أنه يملك الدية تحقيقا عند إنفاذ مقاتله وقبل
زهوق نفسه ولا مانع من ذلك وإنما يحتاج إلى تقدير الملك في دية العمد لتعذر تحقيقه
بكون الدية موقوفة على اختيار الأولياء وذلك إنما يكون بعد موته والميت لا يملك
والله أعلم
هامش إدرار الشروق
شهور كما تقدم تقريره فيخرج لك على هذا الضابط مسائل غير متناهية غير المسائل
الثمانية التي في البيت وإذا وصلت إلى أكثر من اثني عشر ظرفا فقد دارت السنة معك
فربما عدت
إلى عين الشهر الذي كنت قلته في المسألة ولكن من سنة أخرى وهكذا يكون الحال في
السنين إذا كثرت فتأمل ذلك وإذا زدنا على قولنا بعد ما قبل قبله في لفظ قبل لفظة
أخرى فقلنا بعد ما قبل قبل قبله رمضان كان الشهر المسئول عنه هو ذو القعدة فإن
رمضان أضيف لقبل قبل قبلين وهما شوال وذو القعدة
وإن جعلنا لفظ قبل أربعا كان ذا الحجة أو خمسا كان المحرم كما تقدم تقريره في لفظ
بعد غير أنك تنتقل في لفظ بعد تقدما وفي لفظ قبل تأخرا فإن بعد للاستقبال فكلما
كثرت كثر الاستقبال ورمضان مضاف للآخر منه فيتعين بعد الشهر المسئول عنه في الماضي
حتى يتأخر رمضان في الاستقبال فيضاف للبعد الأخير وينتقل في لفظ قبل إذا كثر
متأخرا لأن قبل للماضي ورمضان مضاف للقبل المجاور له دون الشهر المسئول عنه فيكون
للشهر المسئول عنه قبلات كثيرة رمضان بعد الأول فيها وبقية القبلات بين رمضان
والشهر المسئول عنه فيتعين الانتقال للاستقبال بحسب كثرة لفظات قبل وإذا زدنا لفظة
قبل على قولنا قبل ما قبل قبله فقلنا قبل ما قبل قبل قبله رمضان تعين المحرم لأن
السائل قد نطق بأربع من لفظ قبل فقبل المحرم ذو الحجة وقبل ذي الحجة ذو القعدة
وقبل ذي القعدة شوال وقبل شوال رمضان وهو ما قاله السائل وهكذا يتعين الانتقال
للاستقبال بحسب كثرة لفظات قبل وإذا زدنا لفظة بعد على قولنا بعد ما بعد بعده
فقلنا بعد ما بعد بعد بعده
____________________
(1/115)
وكذلك بعد ما بعد بعده رمضان فالبعد الأول هو رمضان لأنه
مستقر فيه ومتى كان القبل الأول هو رمضان فالقبلان الكائنان بعده شهران آخران
يتقدمان على الشهر المسئول عنه
وكذلك في بعد ما بعد بعده رمضان البعدان الأخيران شهران آخران يتأخران عن الشهر
المسئول عنه فالرتب دائما في البيت أربع الشهر المسئول عنه وثلاثة ظروف لغيره هذا
لا بد منه ثم ها هنا نظر آخر وهو أنا إذا قلنا قبل ما بعد بعده رمضان فهل نجعل هذه
الظروف متجاورة على ما نطق بها في اللفظ فيتعين أن يكون الشهر المسئول عنه هو
رمضان فإن كل شيء فرض له أبعاد كثيرة متأخرة عنه فهو قبل جميعها فرمضان قبل بعده
وبعد بعده وجميع ما يفرض من ذلك إلى الأبد فهو قبل تلك الظروف كلها الموصوفة ببعد
وإن كانت غير متناهية وكذلك يصدق أيضا أنه بعد قبله وقبل قبله إلى الأزل وما لا
يتناهى من القبلات فيكون رمضان أيضا ويبطل ما قاله الشيخ رضي الله عنه فإنه عين في
الأول شوالا وفي الثاني شعبان ومقتضى ما ذكرته لك من النظر أن يكون الشهر المسئول
عنه هو رمضان في المسألتين أو نقول مقتضى اللغة خلاف هذا التقرير وأن لا تكون هذه
الظروف المنطوق
هامش أنوار البروق
قال ورابعها أن صوم التطوع يصح عندهم بنية من الزوال إلى آخر قوله فظهر أن
المقدرات لا تنافي المحققات قلت ما قاله في ذلك صحيح
هامش إدرار الشروق
رمضان تعين جمادى الأولى لأن السائل قد نطق بأربع من لفظ بعد فبعد جمادى الأولى
جمادى الأخيرة وبعد جمادى الأخيرة رجب وبعد رجب شعبان وبعد شعبان رمضان وهو ما
قاله السائل وهكذا يتعين الانتقال للماضي بحسب كثرة لفظات بعد وبالقياس على ما ذكر
يعلم حكم باقي الصور والله أعلم
المقصد الثالث في تقرير البيت على طريقة التزام المجاز في ألفاظه وعدم النظم بل
يكون الكلام نثرا فتصير المسائل والأجوبة سبعمائة وعشرين مسألة وتقرير ذلك بتقديم
الكلام على أربعين ألفا وثلثمائة
وعشرين بيتا من الشعر اشتمل عليها بيت نظمه الفقيه العلامة زين الدين المغربي ولخص
حساب عدده وهو قوله بقلبي حبيب مليح ظريف بديع جميل رشيق لطيف وهو من بحر المتقارب
ثمانية أجزاء على فعيل كل جزء منها في كلمة يمكن أن ينطق بها مكان صاحبتها فتجعل
كل كلمة في ثمانية مواضع من البيت فالكلمتان الأوليان يتصور منهما صورتان بالتقديم
والتأخير ثم تأخذ الثالثة فتحدث منها مع الأولين ستة أشكال بأن تعملها قبل الأولين
وبعدهما ثم تقلبهما وتعملها قبلهما وبعدهما ثم تعملها بينهما على التقديم والتأخير
فتحدث الستة فيكون السر فيه ضربنا الأولين في مخرج الثالث واثنان في ثلاثة بستة ثم
تأخذ الرابع وتورده على هذه الستة الصور وكل واحد من الستة له ثلاث كلمات يحصل
بعمل الرابع قبل كل ثلاثة وبعد أولها وبعد ثانيها وبعد ثالثها أربع صور فتصير
الستة أربعة وعشرين وكذلك تفعل بالخامس والسادس والسابع والثامن ومتى حدثت صورة
أضفنا إليها بقية
____________________
(1/116)
بها مرتبة على ما هي عليه في اللفظ بل قولنا ما بعد بعده
فبعد الأولى المتوسطة بين قبل وبعد متأخرة في المعنى وقبل المتقدمة متوسطة بين
البعدين منطبقة على بعد الأخيرة
وتكون بعد الأخيرة بعد وقبل معا وليس ذلك محالا لأنه بالنسبة إلى شهرين واعتبارين
وتقرير ذلك أن العرب إذا قالت غلام غلام غلامي فهؤلاء الأرقاء منعكسون في المعنى
فالغلام الأول المقدم ذكره هو الغلام الأخير الذي ملكه عبد عبد عبدك لا أنه عبدك
والغلام الأخير هو عبدك الأول الذي ملكته فملك هو عبدا آخر ملك ذلك العبد الآخر
العبد المقدم ذكره وكذلك إذا قلت صاحب صاحب صاحبي فالمبدوء به هو أبعد الثلاثة عنك
والأقرب إليك هو الأخير والمتوسط متوسط هذا هو مفهوم اللغة في هذه الإضافات على
هذا الترتيب إذا عرفت هذا فنقول قولنا قبل ما بعد بعده رمضان هو شعبان وهو كما قال
الشيخ رحمه الله لأن شعبان بعده رمضان وبعد بعده شوال فقولنا قبل مجاور لبعده
الأخيرة لأنه لم يقل قبل بعده بل قبل بعد بعده فجعل قبل مضافا في المعنى لبعد
ومتأخرا عن بعد وهو البعد الثاني فيكون رمضان قبل البعد الثاني والبعد الثاني هو
شوال فالواقع قبله رمضان وليس لنا شهر بعده بعدان رمضان قبل البعد الأخير إلا
شعبان فإن قلت
هامش أنوار البروق
قال القاعدة الثالثة أن الحكم كما يجب تأخره عن سببه
يجب تأخره عن شرطه ومن فرق بينهما فقد خالف الإجماع قلت ربط الحكم بسببه
وشرطه وضعي والأمور الوضعية لا يلزم فيها على التعيين وجه واحد بل هي بحسب ما وضعت
له فلو أن الحكم وضع على وجه التأخر عن سببه كان على ما وضع عليه
هامش إدرار الشروق
البيت فتبقى الأولى ثمانية وكذلك بقية الصور فيأتي العدد المذكور من الآلاف بيوتا
تامة كل بيت فيها ثمانية وبيان ذلك أن تضرب أربعة وعشرين في مخرج الخامس وهو خمسة
تكون مائة وعشرين تضربها في مخرج السادس وهو ستة تكون سبعمائة وعشرين تضربها في
مخرج السابع وهو سبعة تكون خمسة آلاف وأربعين تضربها في مخرج الثامن وهو ثمانية
تكون أربعين ألفا وثلاثمائة وعشرين بيتا من الشعر وهو المطلوب فإذا تقررت هذه
الطريقة من الحساب والضرب فنقول معنا في البيت ثلاثة من لفظ قبل وثلاثة من لفظ بعد
فنجمع بين الستة ويبطل الوزن حينئذ لطول البيت ولعدم صورة الشعر فنقول قبل ما قبل
قبله بعد ما بعد بعده رمضان ثم لنا أن ننوي بكل قبل وبكل بعد شهرا من شهور السنة
أي شهر كان من غير مجاورة ولا التفات إلى ما بينهما من عدد الشهور
ويكون الكلام مجازا عربيا فإن أي شهر أخذته فبينه وبين الشهر الآخر الذي نسبته
إليه بالقبلية أو البعدية علاقة من جهة أنه من شهور السنة معه أو هو قبله من حيث
الجملة أو هو بعده من حيث الجملة أو هو شبيه بما قبله من جهة أنه شهر وغير ذلك من
العلاقات المصححة للمجاز ثم إنا نعمد إلى هذه الستة فنأخذ منها اثنين فتحدث منها
صورتان ونعتبرهما شهرين من شهور السنة فتظهر نسبتهما إلى رمضان ويظهر من ذلك الشهر
المسئول عنه ثم نورد عليهما لفظة أخرى من لفظ قبل وبعد إلى آخر السنة ومتى أفضى
الأمر إلى التداخل بين صورتين في شهر نوينا به شهرا آخر من شهور السنة حتى تحصل
المغايرة فيحصل لنا من هذه الستة الألفاظ ما يحصل لنا من ستة أجزاء من
____________________
(1/117)
فرمضان حينئذ هو قبل البعد الأخير وهو شوال باعتبار البعد
الأول كما بينته فيلزم أن يكون قبل وبعد وهو محال لأن القبل والبعد ضدان واجتماع
الضدين في الشيء الواحد محال قلت مسلم أنهما ضدان وأنهما اجتمعا في شيء واحد وهو
رمضان ولكن باعتبار إضافتين فيكون رمضان قبل باعتبار شوال وبعد باعتبار شعبان كما
يكون المسلم صديقا للمؤمنين عدوا للكافرين فتجتمع فيه الصداقة والعداوة باعتبار
فريقين وذلك ممكن وليس بمحال إنما المحال لو اتحدت الإضافة ولم تتحد إذا تقرر لك
هذا فتيقن أن لو زدنا في لفظ بعد لفظة أخرى منه فقلنا قبل ما بعد بعد بعده رمضان
تعين أن يكون الشهر المسئول عنه رجبا وإن جعلنا البعدات أربعة تعين أن يكون جمادى
الأخيرة أو خمسة تعين أن يكون جمادى الأولى أو ستة تعين أن يكون ربيعا الآخر
وكذلك كلما زدت بعد انتقلت إلى شهر قبل فإن هذه الظروف شهور كما تقدم تقريره فيخرج
لك على هذا الضابط مسائل غير متناهية غير المسائل الثمانية التي في البيت وإذا
وصلت إلى أكثر من اثني عشر ظرفا فقد دارت السنة معك فربما عدت إلى عين الشهر الذي
كنت قلته في المسألة ولكن من سنة أخرى
هامش أنوار البروق
ولو أنه وضع على وجه التقدم على سببه كان كذلك ولو أنه وضع على وجه أن يكون مع
سببه لا متقدما عليه ولا متأخرا عنه كان كذلك أيضا لكن الواقع من ذلك فيما علمت
تأخر الحكم عن سببه وشرطه كما حكي فيه الإجماع وذلك في الأمور الشرعية المفتقرة
للشرع أما التي وكلت إلى قصد المكلف فهي بحسب قصده والله أعلم
هامش إدرار الشروق
البيت وهي سبعمائة وعشرون مسألة وإن زدت في لفظ القبل أو البعد كما تقدم في المقصد
الثاني وصل الكلام إلى أربعين ألف مسألة أو أكثر على حسب الزيادة فتأمل ذلك فهو من
طرف الفضائل والفضلاء ونوادر الأذكياء والنبهاء
خاتمة في مهمين المهم الأول أكثر الفقهاء يبحث عن ترتيب الوضوء وتنكيسه ولا يعلم
كم يحصل من صور الوضوء مرتبا ومنكسا والمتحصل من ذلك أربعة وعشرون وضوءا مرتبا
ومنكسا على سبيل الحصر من غير زيادة وتقريره بالطريق المتقدم في بيت العلامة زين
الدين المغربي أن تقول الوجه واليدان يتصور فيهما صورتان بالتقديم والتأخير ثم
تأخذ الرأس فيحدث منه مع الوجه واليدين ستة وضوآت بأن تعمل الرأس قبل الوجه
واليدين وبعدهما ثم تقلبهما وتعمله قبلهما وبعدهما ثم تعمل الرأس بين الوجه
واليدين على التقديم والتأخير فيحدث ستة وضوآت بأن تضيف لكل صورة تحدث الرجلين حتى
يكمل الوضوء وهو من ضرب الاثنين في مخرج الثالث واثنان في ثلاثة بستة ثم تأخذ
الرجلين تضمهما إلى هذه الستة الوضوآت وكل واحد من الستة له ثلاث أعضاء يحصل بعمل
الرجلين قبل الثلاثة الأعضاء وبعد الأول وبعد الثاني وبعد الثالث أربع صور
في كل صورة من الستة فتصير الستة أربعة وعشرين وذلك هو جميع ما يتصور في الوجود
للوضوء من الصور المهم الثاني سأل الشيخ عثمان الراضي المكي الشيخ إبراهيم
الأسكوبي المدني بقوله
____________________
(1/118)
وكذلك يكون الحال في السنين إذا كثرت فتأمل ذلك هذا كله إذا
قلنا قبل ما بعد بعده رمضان فإن عكسنا وقلنا بعد ما قبل قبله رمضان فمقتضى جعلنا
الظروف متجاورة على ما هي عليه في اللفظ يكون الشهر المسئول عنه رمضان فإن كل شيء
بعد جميع ما هو قبله وبعد قبلاته وإن كثرت والشيخ رحمه الله قد قال أنه شوال بناء
على ما تقدم وهو أن القبل الأول متقدم على البعد الأول والبعد الأول متوسط مضاف
للبعد الأخير المضاف للضمير العائد على الشهر المسئول عنه فنفرض شهرا وهو شوال
فقبله رمضان وقبل رمضان شعبان والسائل قد قال إن رمضان بعد أحد القبلين والقبل
الآخر بعده وليس لنا شهر قبله شهران الثاني منهما رمضان إلا شوالا فيتعين ويكون
رمضان موصوفا بأنه بعد باعتبار شعبان وبأنه قبل باعتبار شوال ولا تضاد كما تقدم
جوابه فإن زدنا في لفظة قبل لفظة أخرى فقلنا بعد ما قبل قبله رمضان كان الشهر
المسئول عنه هو ذو القعدة فإن رمضان أضيف لقبل قبل قبلين وهما شوال وذو القعدة فإن
جعلنا لفظ قبل أربعا كان ذا الحجة أو خمسا كان المحرم كما تقدم تقريره في لفظ بعد
غير أنك تنتقل في لفظ بعد تقدما وفي لفظ قبل تأخرا فإن بعد للاستقبال
فكلما كثرت كثر الاستقبال
هامش أنوار البروق
قال فلفظ التعليق سبب مسببه ارتباط الطلاق بقدوم زيد إلى قوله امتنع التقديم أيضا
قلت قوله وعلى هذا يكون أضعف من السبب المباشر إن أراد أن سبب السبب في كونه سببا
للسبب أضعف من السبب في كونه سببا للمسبب فذلك ممنوع وإن أراد أن سبب السبب في
كونه سببا
هامش إدرار الشروق
يا إماما للعلم والتدريس وهماما قد جل عن تقييس ذا العلا إبراهيم الأسكوبي أولى من
يرجى لكشف خطب عميس البديع النفيس والماهر المبدع في صنعة البديع النفيس طبت غرسا
في روضة هي طابت من حمى طيبة المنيع الأنيس أنت شمس تضيء في كل علم بك تجلى غياهب
التلبيس حزت كل العلوم كسبا ووهبا وأجدت الفنون عن تأسيس لك فهم لا يعتريه سقام
وذكاء يدري بما في النفوس ما يقول الإمام في بيتي الحلي الصفي المحكمين بالتجنيس
وعدت في الخميس وصلا ولكن شاهدت حولنا العدا كالخميس أخلفت في الخميس وعدي وجاءت
بعد ما قبل بعد يوم الخميس أي يوم جاءته من بعد خلف فأبينوا المعقول بالمحسوس فلقد
جلت فيهما سيدي مع أحمد الشهم يا فقيه الرئيس واضطربنا في فهم معناهما حتى ضربنا
التخميس في التسديس ثم درنا في كل يوم من الدور فتهنا عن يومها المرموس واختلفنا
وما اتفقنا برأي وأقمنا في ذاك حرب البسوس
____________________
(1/119)
ورمضان هو مضاف للآخر منه فيتعين بعد الشهر المسئول عنه في
الماضي حتى يتأخر رمضان في الاستقبال فيضاف للبعد الأخير وينتقل في لفظ قبل إذا
كثر متأخرا لأن قبل للماضي ورمضان مضاف للقبل المجاور له دون الشهر المسئول عنه
فيكون للشهر المسئول عنه قبلات كثيرة رمضان بعد الأول منها وبقية القبلات بين
رمضان والشهر المسئول عنه فيتعين الانتقال للاستقبال بحسب كثرة لفظات قبل وإذا
قلنا بعد ما بعد بعده رمضان يتعين جمادى الآخرة لأن السائل قد نطق بثلاث بعدات غير
الشهر المسئول عنه فرجب البعد الأول وشعبان البعد الثاني ورمضان البعد الثالث
والرابع هو الشهر المسئول عنه المتقدم عليها وذلك جمادى الآخرة وإذا قلنا قبل ما
قبل قبله رمضان تعين ذو الحجة لأن السائل قد نطق بثلاث من لفظ قبل فقبل ذي الحجة
ذو القعدة وقبل ذي القعدة شوال وقبل شوال رمضان وهو ما قاله السائل وأما قبل ما
بعد بعده أو بعد ما قبل قبله فقد تقدم أن كل شيء هو قبل ما هو بعده وبعد ما هو قبله
وإذا اتحد العين صار معنى الكلام بعده رمضان أو قبله رمضان فيكون المسئول عنه
شعبان في الأول وشوال
هامش أنوار البروق
للمسبب أضعف من السبب في كونه سببا للمسبب فمسلم ووجه ضعفه كونه غير مباشر لكن مع
تسليم ذلك لا يلزم أن يكون جواز تقديم المسبب عليه أولى بل لقائل أن يقول إن جواز
تقديم المسبب على السبب المباشر أولى من تقديمه على غير المباشر أو يقول لا أولوية
بل الأمر فيهما على السواء فما قاله في ذلك دعوى لم يأت عليها بحجة
هامش إدرار الشروق
فارتضيناك آخر الأمر فينا حكما إذ لا عطر بعد عروس ثم بعض الثقات في الفن يروي وهو
فيما أظن عن تهجيس قبل ما بعد قبل يوم الخميس هكذا راح مثبتا في الطروس وهو عندي
لا يطابق معنى ما أراد الصفي بعد الخميس فتأمل في ذا وذا غير مأمور وحقق وقيت هم
العكوس وأبن لي هل ذا صحيح وإلا باطل أو كلاهما بنفيس وابق وأسلم في يمن حظ وأمن
يا إماما للعلم والتدريس
فأجابه بقوله يا عليما بكل معنى نفيس وصديقي ومطلبي وأنيسي أنت من في رفيع مجد
وفضل ومقال له مقام الرئيس لك من أسهم البيان المعلى في شذوذ فاوضت أو في مقيس ولك
السابق المجلى إذا ما رمت سبقا بحلبة التدريس من كعثمان راضيا راقيا أو ج المعالي
بطيب خيم وسوس أو لم يكفك الجواهر حتى جئت بالزهر في قيود الطروس أسفرت عن لثامها
بنت فكر منك رامت بلطفها تأنيسي وأدارت على المسامع منها خمر معنى أشهى من
الحندريس
____________________
(1/120)
في الثاني وسادسها في تقريب أجوبة المسائل اعلم أن جميع
الأجوبة الثانية منحصرة في أربعة أشهر طرفان وواسطة فالطرفان جمادى الأخيرة وذو
الحجة والوسط شوال وشعبان وتقريب ضبطها أن جميع البيت إن كان قبل فالجواب بذي
الحجة أو بعد فالجواب جمادى الأخيرة
أو تركب من قبل وبعد فمتى وجدت في الآخر قبل بعده أو بعد قبله فالشهر مجاور لرمضان
فإن كل شيء هو قبل بعده وبعد قبله فالكلمة الأولى إن كانت حينئذ قبل فهو شوال لأن
المعنى قبله رمضان أو بعد فهو شعبان لأن التقدير بعده رمضان هذا إن اجتمع آخر
البيت قبل وبعد فإن اجتمع قبلان أو بعدان وقبلهما مخالف لهما ففي البعدين شعبان
وفي القبلين شوال فشوال ثلاثة وشعبان ثلاثة هذه الستة هي الواسطة المتوسطة بين
جمادى وذي الحجة
فصل هذا تقرير البيت على هذه الطريقة من التزام
الحقيقة والوزن وأما على خلافهما من التزام المجاز وعدم النظم بل يكون الكلام نثرا
فتصير المسائل والأجوبة سبعمائة وعشرين مسألة وتقرير ذلك بتقديم بيت من الشعر
مشتمل على أربعين ألف بيت من الشعر
هامش أنوار البروق
قال إذا تقررت هذه القواعد فنقول ليس في تقديم الطلاق على زمن اللفظ وزمن القدوم
تقديم للمسبب على السبب ولا المشروط على الشرط لأن عند وجود الشرط الذي هو القدوم
مثلا يترتب عليه مشروطه بوصف الانعطاف على الأزمنة التي قبله على حسب ما علقه إلى
منتهى قوله فالانعطاف على الزمن الماضي يتأخر عن الشرط وسببه
هامش إدرار الشروق
وأشارت إلى لطائف دارت بين خلين تزدري بالكؤوس ما على يا فقيه أحمد زيد إن ذاك
الجليس خير جليس قد تسابقتما الفضائل حتى نلتما أقصى كل معنى نفيس فكلا الفاضلين
أحرز فضلا ليس يخفى عليه معنى الشموس إن بيت الصفي لا شك مبنى لعمري بني على تأسيس
بيد أن أكثر الظروف لقصد رام منه غرابة التلبيس أو يخفى عيد وعيد وعيد عم بيوم
العروبة المأنوس إن هذا المراد إن قال جاءت بعد ما قبل بعد يوم الخميس صح من قال قبل
ما بعد لكن نكس اليوم غاية التنكيس أين يوم الربوع من يوم عيد من يرد السعيد
للمنحوس دمتما في لبوس صحة نعمى من أجل الملبوس غير لبيس قلت وهذا الجواب لا يخالف
الضابط المتقدم وإن كان ظاهر قوله أو يخفى عيد إلخ وقوله صح من قال قبل ما بعد إلخ
أنه على عكس ما مر لأمرين الأمر الأول أن الصفي لم يقل بعده يوم الخميس بل قال بعد
يوم الخميس ولا شك في صدق الأول بيوم الربوع كما مر وصدق الثاني بيوم الجمعة كما
قال الأسكوبي
____________________
(1/121)
وثلاثمائة بيت وعشرين بيتا من الشعر نظمه الفقيه الإمام
الفاضل المتقن العلامة زين الدين المغربي ونبه على هذا المعنى فيه ولخص حساب عدده
وهو قوله بقلبي حبيب مليح ظريف بديع جميل رشيق لطيف وهو من بحر المتقارب ثمانية
أجزاء كل جزء منها في كلمة يمكن أن ينطق بها مكان صاحبتها فتجعل كل كلمة في ثمانية
مواضع من البيت فالكلمتان الأوليان يتصور منهما صورتان بالتقديم والتأخير
ثم تأخذ الثالثة فتحدث منها مع الأوليين ستة أشكال بأن تعملها قبل الأوليين
وبعدهما ثم تقلبهما وتعملها قبلهما وبعدهما ثم تعملها بينهما على التقديم والتأخير
فتحدث الستة فيكون السر فيه أنا ضربنا الاثنين الأولين في مخرج الثالث واثنان في
ثلاثة بستة ثم تأخذ الرابع وتورده على هذه الستة وكل واحد منها ثلاثة فيحصل من كل
صورة منها أربعة بأن تعمل الرابع قبل كل ثلاثة وبعد أولها وبعد ثانيها وبعد ثالثها
فتصير الستة أربعة وعشرين وكذلك تفعل بالخامس والسادس إلى الثامن ومتى حدثت صورة
أضفنا إليها بقية البيت فتبقى الأولى ثمانية وكذلك بقية الصور فيأتي العدد المذكور
من الآلاف بيوتا تامة كل بيت منها ثمانية
هامش أنوار البروق
قلت كيف يكون الانعطاف متأخرا عن الشرط وهو القدوم وقد كان لفظ التعليق السابق على
القدوم يقتضيه فإن زعم أنه لا يريد بالانعطاف كون اللفظ يقتضيه بل يريد لزوم
الطلاق المعلق على القدوم قيل له أتريد لزومه في نفس الأمر أم تريد في علمنا فليس
ذلك من التعليق بسبب بل هو
هامش إدرار الشروق
الأمر الثاني أن قوله بيد أن أكثر الظروف إلخ موافق للقاعدة المتقدمة من أن كل ما
اجتمع فيه
قبل وبعد فألغهما لأن كل شيء حاصل بعد ما هو قبله وقبل ما هو بعده فلا يبقى حينئذ
إلا بعد يوم الخميس فيكون يوم الجمعة نعم الفاء بعد ما قبل في بيت الموصلي لكونه
مبدلا منه والمبدل منه في نية الطرح أو لكون بعد يوم الخميس عطف بيان له لا لما مر
في القاعدة فافهم والله أعلم
المسألة الثانية أصل مالك تقدم وقوع المعلق من
طلاق وعتق على المعلق عليه الذي جعل شرطا وعلى لفظ التعليق وزمانه وأصل الشافعي
عدم تقدمه على ذلك فلذا قال العلامة خليل في مختصره في إن لم أطلقك رأس الشهر
ألبتة فأنت طالق ألبتة ويقع أي يحكم بوقوع طلاق ألبتة ناجزا ولو مضى زمنه وليس
لتعليقه بالأيام وجه ا ه بتوضيح من عبق
وقال الأمير في مجموعه وإن قال إن لم أطلقك واحدة بعد شهر فأنت طالق ألبتة قيل له
أما نجزتها أي الواحدة ولا يقع عليك شيء بعد الشهر وإلا فالبتة وطالق اليوم إن فعل
غدا ثم فعل أي أثناء الغد لزم من أول يوم الحنث أي لا من يوم التعليق لأنه يعد
قوله اليوم لغوا والمعتبر وجود المعلق عليه فإن لم يفعل أصلا أو فعل بعد غد لم
تطلق ا ه بتوضيح من عبق
وفي الجواهر إذا قال أنت طالق يوم يقدم فلان فيقدم نصف النهار تطلق من أوله ولم
يحك خلافا فإن كان المعلق عليه القدوم فهو تقديم الحكم على شرطه أو اليوم فلا قال
ابن يونس قول ابن عبد الحكم في طالق اليوم إن كلم فلانا غدا إن كلمه اليوم حنث
وغدا لا يحنث لأن وقوع الطلاق بكلام غد بعد أن كانت اليوم زوجة يقتضي اجتماع
العصمة وعدمها فإذا كلمه اليوم اجتمع
____________________
(1/122)
وبيان ذلك أن تضرب أربعة وعشرين في مخرج الخامس وهو خمسة
تكون مائة وعشرين تضربها في مخرج السادس وهو ستة تكون سبعمائة وعشرين تضربها في
مخرج السابع وهو سبعة تكون خمسة آلاف وأربعين تضربها في مخرج الثامن وهو ثمانية
تكون أربعين ألفا وثلاثمائة وعشرين بيتا من الشعر وهو المطلوب
مسألة هي فائدة حسنة أكثر الفقهاء يبحث عن
ترتيب الوضوء وتنكيسه ولا يعلم كم يحصل من صور الوضوء مرتبا ومنكسا والمتحصل من
ذلك أربعة وعشرون وضوءا مرتبا ومنكسا على سبيل الحصر من غير زيادة وتقريره بالطريق
المتقدم في البيت بأن تقول الوجه واليدان يتصور فيهما صورتان بالتقديم والتأخير ثم
تأخذ الرأس فيحدث منه مع الوجه واليدين ستة وضوآت بأن تعمل الرأس قبل الوجه
واليدين وبعدهما ثم تقلبهما وتعمله قبلهما وبعدهما ثم تعمل الرأس بين الوجه
واليدين على التقديم والتأخير فيحدث ستة وضوآت بأن تضيف لكل صورة تحدث الرجلين حتى
يكمل الوضوء وهو من ضرب الاثنين في مخرج الثالث واثنان في ثلاثة بستة ثم تأخذ
الرجلين تضمهما إلى هذه الستة
هامش أنوار البروق
أمر لزم عن وقوع القدوم المعلق عليه الطلاق وبالجملة يقال له هل وقع الطلاق قبل
القدوم أم لا فإن قال لم يقع فلا طلاق فإن التعليق على القدوم إنما يقتضي بحسب نص
التعليق تقديم الطلاق عليه فإن لم يقع على ذلك الوجه فلا موجب لوقوعه وإن قال قد
وقع فقد اعترف بتقديم المشروط على الشرط والله أعلم
هامش إدرار الشروق
الشرط والمشروط في ظرف واحد فيمكن ترتب أحدهما على الآخر ا ه نقله الشيخ أبو الحسن
اللخمي في تبصرته عنه هو خلاف أصل مالك بل يلزمه الطلاق بكلام غد ا ه بتوضيح
للمراد
وفي البناني على عبق عند قول خليل ويقع ولو مضى زمنه كطالق اليوم إن كلمت فلانا
غدا قصد بقوله ويقع ولو مضى زمنه وبما بعده الاستظهار على مخالفة ابن عبد السلام
حيث قال في إن لم أطلقك رأس الشهر ألبتة فأنت طالق ألبتة لا يلزمه شيء لأن الطلاق
لا يقع إذا مضى زمنه قال في التوضيح وما قاله يأتي على ما لابن عبد الحكم فيمن قال
لزوجته أنت طالق اليوم إن كلمت فلانا غدا لكن قال أبو محمد قول ابن عبد الحكم خلاف
أصل مالك وليس لتعليق الطلاق بالأيام وجه ا ه نج انظر غ ا ه بتوضيح ما
فعلم من هذه النصوص أمران أحدهما أن مشهور مذهب مالك اللزوم خلاف ما نقله اللخمي
عن ابن عبد الحكم الثاني أنها تطلق من أول النهار كما تقدم النقل في الجواهر
فيتقدم الطلاق على لفظ التعليق وعلى الشرط معا وقال الغزالي في وسيطه إذا قال أنت
طالق بالأمس وقال قصدت إيقاع الطلاق بالأمس لم يقع لأن حكم اللفظ لا يتقدم عليه
وقيل يقع في الحال لأن وقوعه بالأمس يقتضي وقوعه في الحال فيسقط المتعذر ويثبت
الحال وقيل لا يقع شيء لأن حكم اللفظ لا يتقدم عليه وإن قال إن مات فلان فأنت طالق
قبله بشهر إن مات قبل مضي شهر لم يقع طلاق لئلا يتقدم الحكم على اللفظ أو بعد شهر
فيقع الطلاق قبله بشهر وكذلك إذا قال إن قدم فلان أو دخلت الدار فأنت طالق قبله
بشهر
قال وقال أبو حنيفة يلزم الطلاق في الموت دون الدخول والقدوم قال وهو تحكم قال
الشيخ أبو إسحاق في المهذب إذا قال إن قدم زيد فأنت طالق ثلاثا قبل قدومه بشهر ثم
____________________
(1/123)
وضوآت وكل واحد منها ثلاثة أعضاء فتصير كل صورة منها أربعة
بأن تعمل الرجلين قبل الثلاثة وبعد الأول وبعد الثاني وبعد الثالث فتصير الستة
أربعة وعشرين
وذلك هو جميع ما يتصور من الوضوء وصوره في الوجود فإذا تقررت هذه الطريقة من
الحساب والضرب فنقول معنا في البيت ثلاثة من لفظ قبل وثلاثة من لفظ بعد فنجمع بين
الستة ويبطل الوزن حينئذ لطول البيت ولعدم صورة الشعر فنقول قبل ما قبل قبل بعد ما
بعد بعده رمضان ثم لنا أن ننوي بكل قبل وبكل بعد شهرا من شهور السنة أي شهر كان من
غير مجاورة ولا التفات إلى ما بينهما من عدد الشهور ويكون الكلام مجازا عربيا فإن
أي شهر أخذته فبينه وبين الشهر الآخر الذي نسبته إليه بالقبلية أو البعدية علاقة
من جهة أنه من شهور السنة معه أو هو قبله من حيث الجملة أو بعده من حيث الجملة أو
هو شبيه بما قبله من جهة أنه شهر وغير ذلك من العلاقات المصححة للمجاز ثم إنا نعمد
إلى هذه الستة فنأخذ منها اثنين فتحدث منهما صورتان ونعتبرهما شهرين من شهور السنة
فتظهر نسبتهما إلى رمضان ويظهر من ذلك الشهر المسئول عنه ثم نورد عليهما لفظة أخرى
من لفظ قبل وبعد إلى آخر السنة ومتى أفضى الأمر إلى التداخل بين صورتين في شهر
نوينا به شهرا آخر من
هامش أنوار البروق
قال ولا يقال في المنعطفات إنا تبينا تقدم الطلاق حقيقة في الماضي إلى آخر قوله
والعدة التي أجمعنا عليها هي التي تتبع المحقق لا المقدر قلت إذا لم يلزم في المنعطفات
وقوع حقيقة فلا انعطاف ولا منعطف وإذا لم يكن
هامش إدرار الشروق
خالعها ثم قدم زيد بطل الخلع لأنا تيقنا تقدم الطلاق الثلاث عليه ثم أنهم أردفوا
ذلك بأن قالوا إذا قال لها إن قدم زيد فأنت طالق قبل قدومه بسنة فقدم بعد ذلك بسنة
أن العدة تنقضي عند حصول الشرط أو قبله ولا تعتد بعد ذلك لأنا تبينا وقوع الطلاق
من سنة كما لو ثبت أنه طلقها من سنة فإنها لا تستأنف عدة هذا ما صرح به أعيانهم
ومشايخهم في تقرير هذه المسألة ويقتضي قولهم أن يرجع عليها بما كان ينفقه عليها إن
كان الطلاق بائنا أو مما أنفقه بعد انقضاء العدة على زعمهم إن كان رجعيا والحق في
هذه المسألة وقوع الطلاق متقدما على القدوم الذي جعل شرطا وعلى لفظ التعليق وزمانه
كما هو أصل مالك وإجماع الأمة على استمرار العصمة وإباحة الوطء إلى قدوم زيد قال
ابن الشاط الذي أظنه أن هذا الإجماع لا يصح وأنها لا يباح وطؤها في تلك المدة
لاحتمال وقوع الشرط بل تحرم على كل حال فإن قدم زيد تبين لنا أن تحريمها للطلاق
وإن لم يقدم تبين أن تحريمها للإشكال والاحتمال كما في اختلاط المنكوحة بالأجنبية
الأجنبية حرام لأنها أجنبية والمنكوحة حرام للاختلاط وقولهم حكم اللفظ لا يتقدم
عليه لا يتم وقياسهم على قوله أنت طالق أمس لا يصح لوجود الفارق ويتضح لك ذلك
ببيان ثلاث قواعد القاعدة الأولى أن الأسباب
الشرعية قسمان قسم قدره الله تعالى في أصل شرعه وقدر له مسببا معينا فليس لأحد فيه
زيادة ولا نقص كالهلال لوجوب الصوم وأوقات الصلوات والعصم والأملاك في الرقيق
والبهائم لوجوب النفقات وعقود البياعات والهبات والصدقات لإنشاء الأملاك وغير ذلك
من الأسباب والمسببات وقسم وكله الله تعالى لخيرة المكلفين فإن شاءا جعلوه سببا
وحصر جعلهم لذلك في طريق
____________________
(1/124)
شهور السنة حتى تحصل المغايرة فيحصل لنا من هذه الستة ألفاظ
ما يحصل لنا من ستة أجزاء من البيت وهي سبعمائة وعشرون مسألة وإن زدت في لفظ القبل
أو البعد كما تقدم في بسط الكلام على البيت وصل الكلام إلى أربعين ألف مسألة وأكثر
على حسب الزيادة فتأمل ذلك فهو من طرف الفضائل والفضلاء ونوادر الأذكياء والنبهاء
المسألة الثانية قال الشيخ أبو الحسن اللخمي
المالكي في كتاب الظهار من تبصرته إذا قال أنت طالق اليوم إن كلمت فلانا غدا قال
ابن عبد الحكم أن كلمة اليوم حنث وغدا لا يحنث لأن وقوع الطلاق بكلام غد بعد إن
كانت اليوم زوجة يقتضي اجتماع العصمة وعدمها فإذا كلمه اليوم اجتمع الشرط والمشروط
في ظرف واحد فيمكن ترتب أحدهما على الآخر وقيل يلزمه الحنث إن كلمه غدا ويقدر تقدم
الطلاق في زمن عدمه فيمكن ترتب أحدهما على الآخر وقال ابن القاسم إذا قال إن
تزوجتك فأنت طالق غدا فإنه إن تزوجها قبل الغد طلقت عليه أو بعده لم تطلق لفوات
يوم الطلاق وفي الجواهر إذا قال أنت طالق يوم يقدم فلان فيقدم نصف النهار تطلق من
أوله ولم يحك خلافا فإن كان
هامش أنوار البروق
منعطف فلا طلاق وإذا لم يكن طلاق فقد بطل مقتضى التعليق المفروض فإن قال بثبوت
طلاق فهو طلاق لا موجب له إذ لم يصدر من الناطق بالتعليق إلا لفظ التعليق
قال ومن الأمور الصعبة التي ألزموها أن الوطء الواقع قبل الانعطاف وطء شبهة لا
إباحة محققة إلى آخر قوله وإذا عقلوا ذلك في مواضع فليعقلوها في البقية
هامش إدرار الشروق
واحد وهو التعليق كدخول الدار وقدوم زيد فنحو دخول الدار لم يجعله الله سببا لطلاق
امرأة أحد ولا لعتق عبده بل المكلف هو الذي جعل ذلك سببا للطلاق والعتق بالتعليق
عليه خاصة فلو قال المكلف جعلته سببا من غير تعليق فعلى قول الشافعية بتعين
الألفاظ لم ينفذ ذلك ولم يعتبر وعلى قول أهل المذهب بعدم تعينها ينفذ ويعتبر فهذا
القسم خير الله تعالى فيه وفي مسببه أي شيء شاء المكلف جعله من طلاق أو عتق كثيرا
أو قليلا قريب الزمان أو بعيده بخلاف الأول ومنه أنت طالق أمس فافهم
القاعدة الثانية المقدرات لا تنافي المحققات بل
يجتمعان ويثبت مع كل واحد منهما لوازمه وأحكامه ويشهد لذلك مسألتان أحدهما أن
الأمة إذا اشتراها الشخص شراء صحيحا أبيح له وطؤها بالإجماع إلى حين الاطلاع على
العيب والرد به مع أنا نقول الرد بالعيب نقض للعقد من أصله ومقتضاه ارتفاع الإباحة
المترتبة عليه مع أن كلا من العقد والإباحة واقع بالإجماع ورفع الواقع محال عقلا
والمحال عقلا لا يرد الشرع بوقوعه فيتعين أن يكون معنى هذا الارتفاع جاريا على
قاعدة التقادير الشرعية من إعطاء الموجود حكم المعدوم بأن يحكم صاحب الشرع بأن
العقد الموجود والإباحة المترتبة عليه وجميع آثاره في حكم العدم كما حكم بأن قربات
المرتدين في حال الإسلام قبل الارتداد وإن كانت موجودة حقيقة هي معدومة حكما أو
إعطاء المعدوم حكم الموجود كما في النية والإيمان والإخلاص وغيرها في الصلاة إلى
____________________
(1/125)
المعلق عليه القدوم فهو تقديم الحكم على شرطه أو اليوم فلا
قال ابن يونس قول ابن عبد الحكم خلاف أصل مالك بل يلزمه الطلاق إذا قال أنت طالق
اليوم إن كلمت فلانا غدا كما تقدم قلت ومقتضى قول ابن يونس أمران أحدهما أن
المشهور اللزوم خلاف ما نقله اللخمي الثاني أنها تطلق من أول النهار كما تقدم
النقل في الجواهر فيتقدم الطلاق على لفظ التعليق وعلى الشرط معا هذه نصوص مذهبنا
في هذه المسألة
وقال الغزالي في الوسيط له إذا قال أنت طالق بالأمس وقال قصدت إيقاع الطلاق بالأمس
لم يقع لأن حكم اللفظ لا يتقدم عليه وقيل يقع في الحال لأن وقوعه بالأمس يقتضي
وقوعه في الحال فيسقط المتعذر ويثبت الحال وقيل لا يقع شيء لأن حكم اللفظ لا يتقدم
عليه
وإن قال إن مات فلان فأنت طالق قبله بشهر إن مات قبل مضي شهر لم يقع طلاق لئلا
يتقدم الحكم على اللفظ أو بعد شهر فيقع الطلاق قبله بشهر وكذلك إذا قال إن قدم
فلان أو دخلت الدار فأنت طالق قبله بشهر قال وقال أبو حنيفة يلزم الطلاق في الموت
دون الدخول والقدوم قال وهو تحكم قال الشيخ أبو إسحاق في المهذب إذا قال إن قدم
زيد فأنت طالق ثلاثا قبل قدومه بشهر ثم خالعها ثم قدم زيد
هامش أنوار البروق
قلت فإذا لم يعارض التقدير العقد في اقتضائه الإباحة فأي معنى للانعطاف وأين مقتضى
اللفظ
قال وأما قياسهم على قوله أنت طالق منذ شهر فالفرق أن الأسباب الموضوعة في أصل
الشرع استقل صاحب الشرع بمسبباتها ولم يجعل فيها انعطافات إلى آخر المسألة
هامش إدرار الشروق
آخرها يحكم صاحب الشرع بوجودها حكما وإن عدمت عدما حقيقيا كما بسط ذلك الأصل في
كتابه المنية في إدراك أحكام النية وثانيتهما أن صوم التطوع يصح عندهم بنية من
الزوال وتنعطف هذه النية تقديرا إلى الفجر مع أن الواقع عدم النية ولا يقال تبينا
أنه كان نوى قبل الفجر إذ الفرض خلافه ولذلك نظائر كثيرة ذكرها الأصل في كتابه
الأمنية
القاعدة الثالثة الحكم وإن كان ربطه بسببه
وشرطه وضعيا وأن الأمور الوضعية بحسب ما وضعت له واقتضى ذلك أن الحكم لو وضع على
وجه التأخر عن سببه وشرطه أو على وجه التقدم على سببه وشرطه أو على وجه أن يكون مع
سببه وشرطه لا متقدما عليه ولا متأخرا عنه لكان على حسب ما وضع عليه إلا أن الواقع
من ذلك تأخره عن سببه وشرطه بدون فرق بينهما إجماعا نعم ذلك إنما هو في الأمور
الشرعية المفتقرة للشرع أما التي وكلت إلى قصد المكلف فهي بحسب قصده في التقدم
والتأخر وعدمهما وقد علمت أن المكلف دون الشارع هو الذي ربط الطلاق بالقدوم وجعله
هو السبب المباشر للطلاق وجعل ارتباط الطلاق به مسببا عن لفظ التعليق فاللفظ هو
سبب السبب فيكون كل من القدوم ولفظ التعليق سببا على حسب قصد المكلف في تقدمه أو
تأخره عن مسببه أو حصوله مع مسببه الذي هو الطلاق إذا تقررت هذه القواعد ظهر أنه
لا وجه لإنكارهم تقدم الطلاق على كل من الشرط الذي هو القدوم ومن لفظ التعليق
تقدما تقديريا تحقيقيا حتى ينافي العقد ويعارضه في اقتضائه الإباحة مع قولنا
____________________
(1/126)
بطل الخلع لأنا تيقنا تقدم الطلاق الثلاث عليه ثم إنهم
أردفوا ذلك بأن قالوا إذا قال لها إن قدم زيد فأنت طالق قبل قدومه بسنة فقدم بعد
ذلك بسنة أن العدة تنقضي عند حصول الشرط أو قبله ولا تعتد بعد ذلك لأنا تبينا وقوع
الطلاق من سنة كما لو ثبت أنه طلقها من سنة فإنها لا تستأنف عدة ويقتضي قولهم أن
يرجع عليها بما كان ينفقه عليها إن كان الطلاق بائنا أو بما أنفقه بعد انقضاء
العدة على زعمهم إن كان رجعيا مع أن الأمة مجمعة على أنها زوجة مستقرة العصمة مباحة
الوطء إلى حين قدوم زيد
وهذا هو الذي صرح لي به أعيانهم ومشايخهم المعاصرون في تقرير هذه المسألة قلت
والحق في هذه المسألة وقوع الطلاق متقدما على القدوم الذي جعل شرطا وعلى لفظ
التعليق وزمانه وقولهم حكم اللفظ لا يتقدم عليه لا يتم وقياسهم على قوله أنت طالق
أمس لا يصح وبيان ذلك ببيان ثلاث قواعد
القاعدة الأولى أن الأسباب الشرعية قسمان قسم قدره الله تعالى في أصل شرعه وقدر له
مسببا معينا فليس لأحد فيه زيادة ولا نقص كالهلال لوجوب الصوم وأوقات الصلوات
هامش أنوار البروق
قلت تريد أن لفظ أنت طالق منذ شهر ليس تعليقا ولكنه مما وضعه الشارع سببا وما وضعه
الشارع لم يجعل فيه انعطافا بخلاف ما وكله إلى خيرة المكلف وذلك صحيح وكذلك ما
ذكره من نقضهم أصلهم والله أعلم
قال شهاب الدين المسألة الثالثة مسألة الدور
قال أصحابنا إذا قال إن وقع عليك طلاقي فأنت
هامش إدرار الشروق
العدة التي أجمعنا عليها من حيث إنها تتبع المحقق لا المقدر إنما تعتبر من يوم
القدوم لأنه يوم لزوم الطلاق وتحريم الفرج أما قبل ذلك فالإباحة بالإجماع على ما
فيه وكيف ينكرون ذلك وهم يقولون الرد بالعيب نقض للعقد من أصله مع أن الرد بالعيب
سبب للنقض وقد تقدم قبله على سبيل التقدير وإذا عقلوا ذلك في مواطن فليعقلوه في
البقية وأما قياسهم على قوله أنت طالق منذ شهر فالفرق أن هذا القول ليس تعليقا حتى
يكون مما وكله الشارع إلى خيرة المكلف كالمقيس ولكنه مما وضعه الشارع سببا وما
وضعه الشارع لم يقع مسببه إلا متأخرا عنه كما علمت على أنهم نقضوا أصلهم في
المسألة نفسها بتقديم الطلاق على القدوم والقدوم سبب أو شرط قريب له فما وجه منعهم
مع ذلك تقديمه على سببه البعيد الذي هو لفظ التعليق فتأمل بإنصاف
المسألة الثالثة قال أصحابنا إذا قال إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا وطلق دون
الثلاث لزمه الثلاث أي عدد طلاقه منجزا إلغاء للقبلية كما لو قال أنت طالق أمس ولم
يلتفتوا للدور الحكمي الذي قاعدته أن كل شيء تضمن إثباته نفيه انتفى من أصله وقال
الغزالي في وسيطه لا يلزمه شيء عند ابن الحداد لأنه لو وقع لوقع مشروطه وهو تقدم
الثلاث ولو وقع مشروطه لمنع وقوعه لأن الثلاث تمنع ما بعدها فيؤدي إثباته إلى نفيه
فلا يقع وقال أبو زيد يقع المنجز ولا يقع المعلق لأنه علق محالا وقيل يقع في
المدخول بها الثلاث أي شيء نجزه تنجز وكمل من المعلق قال ومن صور الدور أن يقول إن
طلقتك طلقة أملك بها الرجعة فأنت طالق قبله طلقتين وإن وطئتك وطئا مباحا فأنت طالق
قبله ثلاثا
وإن أبنتك أو ظاهرت منك
____________________
(1/127)
والعصم والأملاك في الرقيق والبهائم لوجوب النفقات وعقود
البياعات والهبات والصدقات لإنشاء الأملاك وغير ذلك من الأسباب والمسببات
وقسم وكله الله تعالى لخيرة المكلفين
فإن شاءوا جعلوه سببا وإن شاءوا لم يجعلوه سببا وحصر جعلهم لذلك في طريق واحد وهو
التعليق كدخول الدار وقدوم زيد لم يجعل الله ذلك سببا لطلاق امرأة أحد ولا لعتق
عبده والمكلف جعل ذلك سببا للطلاق والعتق بالتعليق عليه خاصة فلو قال جعلته سببا
من غير تعليق لم ينفذ ذلك ولم يعتبر فهذا القسم خير الله تعالى فيه وفي مسببه أي
شيء شاء المكلف جعله من طلاق أو عتق كثيرا أو قليلا قريب الزمان أو بعيده بخلاف
الأول
القاعدة الثانية المقدرات لا تنافي المحققات بل يجتمعان ويثبت مع كل واحد منهما
لوازمه وأحكامه ويشهد لذلك مسائل أحدها أن الأمة إذا اشتراها شراء صحيحا أبيح
وطؤها بالإجماع إلى حين الاطلاع على العيب والرد به
وإن قلنا الرد بالعيب نقض للعقد من أصله ارتفعت الإباحة المترتبة عليه مع أنها
واقعة بالإجماع وكذلك العقد واقع أيضا ورفع الواقع محال عقلا والمحال عقلا لا يرد
الشرع بوقوعه فيتعين أن يكون معنى هذا
هامش أنوار البروق
طالق قبله ثلاثا فطلقها لزمه الثلاث أي عدد طلقه منجزا كملنا عليه الثلاث إلى آخر
المسألة قلت ما قال فيها إلى آخرها صحيح والله أعلم
قال المسألة الرابعة قال الغزالي في الوسيط إذا قال إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم
قال إن
هامش إدرار الشروق
أو فسخت نكاحك أو راجعتك فأنت طالق قبله ثلاثا أو يقول لأمته إن تزوجتك فأنت حرة
قبله لأنه يخاف أن يعتقها فلا يتزوج بها ولا تجبر على ذلك فتعلق الحرية على العقد
مع أن العقد متوقف على الحرية فعلى تصحيح الدور تنحسم هذه التصرفات ويمتنع وقوعها
في الوجود والمقصود من المسائل المسألة الأولى وإلغاء أصحابنا فيه القبلية نظرا
لاتصاف المحل بالحلية إلى زمن حصول المعلق عليه وفي زمن المعلق عليه قد مضى قبله
والزمن الماضي على الحل لا ترتفع الحلية فيه بالثلاث بعد مضيه حتى يلزم أن الطلاق
لم يصادف محلا فلا يلزمه شيء أصلا كما قال ابن الحداد ومن وافقه من الشافعية كابن
سريج حتى عرفت بالمسألة السريجية كما نقله الشيخ حجازي عن العلامة الأمير وعدم
التفاتهم للدور الحكمي نظرا لما يلزم الالتفات إليه هنا كما قال ابن الحداد ومن
وافقه من مخالفة إحدى قواعد ثلاث
القاعدة الأولى أن إمكان الاجتماع مع المشروط
من شرط الشرط لأن حكمته ليست في ذاته كالسبب بل في غيره فلا تحصل حكمته فيه إذا لم
يجتمع مع ذلك الغير
القاعدة الثانية إذا دار اللفظ بين المعهود في الشرع وبين غيره حمل على المعهود في
الشرع لأنه الظاهر فنحمله في نحو إن صليت فأنت طالق مثلا على الصلاة الشرعية دون
الدعاء
القاعدة الثالثة أن من تصرف فيما يملك وفيما لا يملك لم ينفذ تصرفه إلا فيما يملك
فمن قال لامرأته وامرأة جاره أنتما طالقتان تطلق امرأته وحدها ولعبده وعبد زيد
أنتما حران يعتق عبده وحده وبيان المخالفة لإحدى هذه القواعد على الالتفات للدور
الحكمي هنا أن قوله إن طلقتك إما أن يحمل على اللفظ
____________________
(1/128)
الارتفاع تقديرا لا تحقيقا لأن قاعدة التقادير الشرعية
إعطاء الموجود حكم المعدوم أو المعدوم حكم الموجود فيحكم صاحب الشرع بأن العقد
الموجود والإباحة المترتبة عليه وجميع آثاره في حكم العدم وإن كانت موجودة ولا
تنافي بين ثبوت الشيء حقيقة وعدمه حكما كقربات الكفار والمرتدين موجودة حقيقة
ومعدومة حكما والنية في الصلاة إلى آخرها موجودة حكما ومعدومة حقيقة عكس الأول
وكذلك الإيمان والإخلاص وغيرهما يحكم بوجودهما وإن عدما عدما حقيقيا وقد بسطت ذلك
في كتاب الأمنية في إدراك أحكام النية فظهر أن المقدرات لا تنافي المحققات
وثانيها أنه إذا قال له أعتق عبدك عني فأعتقه فإنا نقدر دخوله في ملكه قبل عتقه
بالزمن الفرد تحقيقا للعتق عنه وثبوت الولاء له مع أن الواقع عدم ملكه له إلى كمال
العتق ولم يقل أحد إنا تبينا أنه كان يملكه قبل العتق
وثالثها دية الخطأ تورث عن المقتول ومن ضرورة الإرث ثبوت الملك في الموروث للموروث
المقتول فيقدر ملكه للدية قبل موته بالزمن الفرد ليصح الإرث ونحن نقطع بعدم ملكه
للدية حال حياته فقد اجتمع الملك المقدر وعدمه المحقق ولم يتنافيا ولا نقول إنا
هامش أنوار البروق
دخلت الدار فأنت طالق طلقت في الحال لأن تعليقه على الدخول حلف بخلاف إذا طلعت
الشمس لم يكن هذا حلفا لأن الحلف ما يتصور فيه منع واستحثاث قال قلت كما قال عليه
السلام الطلاق والعتاق من أيمان الفساق ونص العلماء على أن تعليق الطلاق منهي عنه
ولم يفصلوا ومقتضى ذلك أن يحنث في الحالين
هامش إدرار الشروق
أو على المعنى الذي هو التحريم فإن حمل على اللفظ خالف القاعدة الثانية لأنه على
خلاف الظاهر المعهود في الشرع وإن حمل على التحريم وأبقينا التعليق على صورته خالف
القاعدة الأولى لتعذر اجتماع الشرط مع مشروطه حينئذ وإن حمل على التحريم ولم يبق
التعليق على صورته بل أسقط من المشروط الذي هو الثلاث المتقدمة ما به وقع التباين
بين الثلاث المتقدمة والشرط الذي أوقعه لأنه لا يملكه شرعا للقاعدة الأولى فلا
ينفذ تصرفه فيه كعبد زيد وامرأة الجار للقاعدة الثالثة بأن نسقط واحدة حيث أوقع
واحدة لأن اثنتين تجتمعان مع واحدة واثنتين حيث أوقع اثنتين لأن واحدة تجتمع مع
اثنتين وافق القواعد الثلاث ووجب بعد إسقاط المنافي أن يلزمه الباقي فتكمل الثلاث
وبلزوم المخالفة لإحدى هذه القواعد الثلاث لرأي ابن الحداد ومن وافقه من الشافعية
مع كون القائلين بهذا الرأي من الشافعية لا يتجاوزون الثلاثة عشر منهم فلا ينعقد
الإجماع بهم بالنسبة إلى عدد من قال بخلاف هذا الرأي لأنهم مئون بل آلاف كان الشيخ
عز الدين بن عبد السلام رحمه الله تعالى يقول هذه المسألة لا يصح التقليد فيها لابن
الحداد ومن وافقه وتقليدهم فيها فسوق لأن القاعدة أن قضاء القاضي ينقضي إذا خالف
أحد أربعة أشياء الإجماع أو القواعد أو النصوص أو القياس الجلي وما لا نقره شرعا
إذا تأكد بقضاء القاضي أولى بأن لا نقره شرعا إذا لم يتأكد
وإذا لم نقره شرعا حرم التقليد فيه لأن التقليد في غير شرع ضلال فافهم هذا يظهر لك
الحكم في بقية مسائل الدور التي هي من هذا الجنس
فائدة تقييد الدور بالحكمي لتعلقه بالأحكام
أخرج الدور الكوني والدور الحسابي فالدور الكوني
____________________
(1/129)
بينا تقدم الملك للدية قبل الموت ورابعها أن صوم التطوع يصح
عندهم بنية من الزوال وتنعطف هذه النية تقديرا إلى الفجر مع أن الواقع عدم النية
ولا يقال تبينا أنه كان نوى قبل الفجر لأن الفرض خلافه ونظائر ذلك كثيرة مذكورة في
كتاب الأمنية فظهر أن المقدرات لا تنافي المحققات
القاعدة الثالثة أن الحكم كما يجب تأخره عن
سببه يجب تأخره عن شرطه ومن فرق بينهما فقد خالف الإجماع فلفظ التعليق هو سبب
مسببه ارتباط الطلاق بقدوم زيد فالقدوم هو السبب المباشر للطلاق واللفظ هو سبب
السبب وعلى هذا يكون أضعف من السبب المباشر فإذا جوزوا تقديمه على السبب القوي
فليجز على السبب الضعيف بطريق الأولى وإن جعلوا القدوم شرطا امتنع التقدم أيضا
إذا تقررت هذه القواعد فنقول ليس في تقديم الطلاق على زمن اللفظ وزمن القدوم تقديم
للمسبب على السبب ولا المشروط على الشرط لأن عند وجود الشرط الذي هو القدوم مثلا
يترتب عليه مشروطه بوصف الانعطاف على الأزمنة التي قبله على حسب ما علقه فهذا
الانعطاف متأخر عن الشرط ولفظ التعليق كما أن انعطاف النية عندهم على النصف الأول
من النهار إذا وقعت نصف
هامش أنوار البروق
قلت إن صح الحديث الذي ذكره فما قاله من لزوم الحنث في الحالين صحيح وإلا فالصحيح
ما قاله الغزالي والله أعلم
قال المسألة الخامسة قال الشافعية إذا قال إن بدأتك بالكلام فأنت طالق وقالت إن
بدأتك
هامش إدرار الشروق
المتعلق بالكون والوجود توقف كون كل من الشيئين على كون الآخر وهو الواقع في فن
التوحيد والمستحيل منه السبقي وهو ما يقتضي كون الشيء سابقا مسبوقا كما لو فرضنا
أن زيدا أوجد عمرا وأن عمرا أوجد زيدا فإنه يقتضي أن كلا منهما سابق من حيث كونه
مؤثرا مسبوق من حيث كونه أثرا بخلاف المعي كالأبوة مع البنوة والدور الحسابي
المتعلق بالحساب توقف العلم بأحد المقدارين على العلم الآخر ولذلك يقال له الدور
العلمي أيضا وهذا دور في الظاهر فقط لجواز أن يحصل العلم بشيء آخر غيرهما ففي
الحقيقة لا دور إلا إذا أردت علم أحدهما من الآخر ومثال ذلك ما إذا وهب أحد مريضين
للآخر عبدا فوهبه الثاني للأول ولا مال لهما غيره وماتا فلا يعلم ما صح فيه هبة كل
منهما وقدر ما يرجع إليه إلا بعد العلم بالآخر لأن هبة الأول صحت في ثلث العبد
فصار مالا للثاني ولما وردت عليه هبة الثاني صحت في ثلث الثلث فصار ثلث الثلث
المذكور من مال الأول فتسري إليه الهبة فليرد ثلثه للثاني بالهبة ثم يرد بهبة
الثاني ثلث ما رد لسريان هبته فيه وهكذا فلا يقف على حد في الترداد بينهما ويحصل
بطريق الجبر والمقابلة وبيانه أن نقول صحت هبة الأول في شيء من العبد فبقي عنده
عبد إلا شيئا وصحت هبة الثاني في ثلث ذلك الشيء فصار مع الأول عبدا إلا ثلثي شيء
لأن ثلث الشيء رجع له بهبة الثاني فبقي عنده ثلثا الشيء ويضم ثلث الشيء لما عند
الأول فيكون معه عبد إلا ثلثي شيء
ومعلوم أنه لا بد من أن يكون الباقي مع الواهب يعدل ضعف ما صحت فيه هبته وقد قلنا
صحت هبة الأول في شيء مجهول من العبد بقطع النظر عن هبة الثاني وحينئذ فنقول ما
بقي مع الأول وهو عبد إلا ثلثي شيء يعدل شيئين هما ضعف
____________________
(1/130)
النهار متأخر عن إيقاعها فالانعطاف على الزمان الماضي متأخر
عن الشرط وسببه ولا يقال في المنعطفات إنا تبينا تقدم الطلاق حقيقة في الماضي بل
لم يكشف الغيب عن طلاق حقيقي في الماضي ألبتة وإنما يحسن ذلك حيث نجهل أمرا حقيقيا
ثم نعلمه كما حكمنا بوجوب النفقة بناء على ظهور الحمل ثم ظهر أنه نفخ أو حكمنا
بوفاة المفقود ثم علمنا حياته ونحو ذلك أما الانعطافات فليست من هذا القبيل بل
نجزم بعد الانعطاف بعدم المنعطف حقيقة في الزمن الذي انعطف فيه وإنما هو ثابت فيه
تقريرا وبهذا التقرير يظهر أن العدة من يوم القدوم لأنه يوم لزوم الطلاق وتحريم
الفرج أما قبل ذلك فالإباحة بالإجماع والعدة التي أجمعنا عليها هي التي تتبع
المحقق لا المقدر
ومن الأمور الصعبة التي ألزموها أن الوطء الواقع قبل الانعطاف وطء شبهة لا إباحة
محققة ووجود السبب المبيح السالم عن معارضة الطلاق يأبى ذلك فإن قالوا تقدير الطلاق
يمنع ثبوت الزوجية للإباحة قلنا المقدرات لا تنافي المحققات والتقدير لا ينافي
العقد ولا يعارضه في اقتضائه الإباحة فظهر أنه لم يتقدم على الشرط ولا على اللفظ
وكيف ينكرون ذلك وهم يقولون الرد بالعيب نقض للعقل من أصله مع أن الرد بالعيب
هامش أنوار البروق
بالكلام فعبدي حر فكلمها وكلمته لم تطلق ولم يعتق لأن يمينه انحلت بيمينها ويمينها
انحلت بكلامه فلم تبدأ بشيء ولا هو بكلام قلت سكت عن الكلام على قولهم وهو دليل
قبوله لما قالوه وقولهم صحيح والله أعلم
المسألة الخامسة إذا قال إن بدأتك بالكلام فأنت
طالق وقالت هي إن بدأتك بالكلام فعبدي حر فكلمها وكلمته لم تطلق ولم يعتق العبد
عندنا وعند الشافعية لأن يمينه انحلت بيمينها ويمينها انحلت بكلامه فلم تبدأ هي
ولا هو بكلام كما قاله الشافعي في المهذب وغيره
هامش إدرار الشروق
ما صحت فيه هبته أي يساويهما وبعد ذلك فأجبر كلا من الطرفين بإزالة النقص بأن ترد
المستثنى على الجانبين فتجعل الطرف الأول وهو ما بقي مع الأول عبدا كاملا وتجعل
الطرف الثاني شيئين وثلثي شيء فنقول عبد كامل يقابل شيئين وثلثي شيء ثم تبسط
الشيئين أثلاثا من جنس الكسر أعني ثلثي شيء فصار هذا الطرف ثمانية كل واحد منهما
ثلث شيء وبعد ذلك فاقسم الطرف الأول وهو العبد الكامل على الثمانية التي كل واحد
منها ثلث شيء يخرج لكل ثلث شيء ثمن العبد فيعلم أن ثلث الشيء ثمن العبد وأن الشيء
ثلاثة أثمان العبد فيكون معنى قولنا صحت هبة الأول في الشيء أنها صحت في ثلاثة
أثمان العبد ومعنى قولنا فبقي عنده عبد إلا شيئا أنه بقي عنده خمسة أثمان العبد
ومعنى قولنا صحت هبة الثاني في ثلث ذلك الشيء أنها صحت في ثلث الثلاثة الأثمان وهو
ثمن ومعنى قولنا فصار مع الأول عبد إلا ثلثي شيء أنه صار مع الأول ستة أثمان وهي
ضعف ما صحت فيه هبته لأنها صحت في ثلاثة أثمان وضعفها ستة أثمان ومعنى قولنا فبقي
عنده أي الثاني ثلثا الشيء أنه بقي عنده ثمنان وهو ضعف ما صحت فيه الهبة لأنها صحت
في ثمن وضعفه ثمنان فقد بقي لورثة كل من المريضين ضعف ما صحت فيه هبته أفاده
الباجوري عن الأمير في حواشي الشنشوري
المسألة الرابعة إذا قال إن حلفت بطلاقك فأنت
طالق ثم قال إن دخلت الدار فأنت طالق طلقت في الحال لأن تعليقه على الدخول حلف
اتفاقا بخلاف إذا طلعت الشمس فأنت طالق ففي كونه حلفا فيحنث به أيضا كما هو مقتضى
حديث الطلاق والعتاق من أيمان الفساق مع نص العلماء على أن تعليق الطلاق
____________________
(1/131)
سبب للنقض وقد تقدم قبله على سبيل الانعطاف وإذا عقلوا ذلك
في مواطن فليعقلوها في البقية وأما قياسهم على قوله أنت طالق منذ شهر فالفرق أن
الأسباب الموضوعة في أصل الشرع استقل صاحب الشرع بمسبباتها ولم يجعل فيها انعطافات
بل كل سبب يترتب عليه مسببه بعده والتعاليق موكولة لخيرة المكلف ومقتضى التفويض
لخيرة المكلف أن له أن يجعل فيها الانعطاف فلا يلزم من التزام الانعطاف حيث خير
المكلف أن يلزمه حيث الحجر عليه فلو قال له بعتك من شهر لم يتقدم الملك شهرا وكذلك
بقية الأسباب كما تقدم تقريره في القواعد ولا يلزم من مخالفة اللفظ حيث الحجر أن
لا يجري اللفظ على ظاهره ويعمل بمقتضاه حيث عدم المعارض فما ذكرناه أرجح بالأصل ثم
إنهم نقضوا أصلهم في المسألة نفسها بتقديمه على القدوم وهو سبب أو شرط للطلاق بل
هو السبب القريب واللفظ هو السبب البعيد والجرأة على البعيد أولى
المسألة الثالثة مسألة الدور قال أصحابنا إذا
قال إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا فطلقها لزمه الثلاث أي عدد طلقه منجزا
كملنا عليه الثلاث وقال الغزالي في
هامش أنوار البروق
قال المسألة السادسة في التهذيب لمالك رحمه الله أنت طالق إن شاء الله يلزمه
الطلاق الآن بخلاف إن شاء هذا الحجر ونحوه وسوى أبو حنيفة والشافعي في عدم اللزوم
وقال سحنون يلزم في الحجر ونحوه لأنه يعد نادما أو هازلا وهذه المسألة مبنية على
أربع قواعد إلى آخر قوله في القاعدتين الأولى والثانية
هامش إدرار الشروق
منهي عنه ولم يفصلوا أولا فلا يحنث به لأن الحلف ما يتصور فيه منع واستحثاث قولا
الأصل والغزالي في وسيطه والصحيح الأول إن صح الحديث المذكور وإلا فالثاني
المسألة الخامسة إذا قال إن بدأتك بالكلام فأنت
طالق وقالت هي إن بدأتك بالكلام فعبدي حر فكلمها وكلمته لم تطلق ولم يعتق العبد
عندنا وعند الشافعية لأن يمينه انحلت بيمينها ويمينها انحلت بكلامه فلم تبدأ هي
ولا هو بكلام كما قاله الشافعي في المهذب وغيره
المسألة السادسة في لزوم الطلاق الآن في أنت طالق إن شاء الله كأن شاء الجن أو
الملك وهو الصحيح المفتى به في المذهب فلذا اقتصر عليه خليل في مختصره والأمير في
مجموعه وعدم لزومه وهو قول أبي حنيفة والشافعي قولان لمالك وابن القاسم ولعبد
الملك مبنيان على أنه إذا وقع الشك في العصمة هل يعتبر ويقع الطلاق له وهو أصل ابن
القاسم أو يلغى وتستصحب العصمة وهو أصل عبد الملك أما الشك في إن شاء الجن أو
الملك فظاهر
وأما إن شاء الله فلأن متعلق المشيئة الذي هو الطلاق وحل العصمة أمر اعتباري لا
وجود له في الخارج حتى تعلم فيه مشيئة الله عز وجل بأنه أراد الطلاق على التعيين
أم لا وليس لنا طريق إلى التوصل إلى ذلك وأما التوصل إلى علم مشيئة البشر فبوجوه
منها إخباره بذلك مع قرائن توجب حصول العلم وكون غاية خبر البشر أن يفيد الظن إنما
هو عند عدم القرائن على
____________________
(1/132)
الوسيط لا يلزمه شيء عند ابن الحداد لأنه لو وقع لوقع
مشروطه وهو تقدم الثلاث ولو وقع مشروطه لمنع وقوعه لأن الثلاث تمنع ما بعدها فيؤدي
إثباته إلى نفيه فلا يقع وقال أبو زيد يقع المنجز ولا يقع المعلق لأنه علق محالا
وقيل يقع في المدخول بها الثلاث أي شيء نجزه تنجز وكمل من المعلق قال ومن صور
الدور أن يقول إن طلقتك طلقة أملك بها الرجعة فأنت طالق قبلها طلقتين وإن وطئتك
وطئا مباحا فأنت طالق قبله ثلاثا وإن أبنتك أو ظاهرت منك أو فسخت نكاحك أو راجعتك
فأنت طالق قبله ثلاثا أو يقول لأمته إن تزوجتك فأنت حرة قبله لأنه يخاف أن يعتقها
فلا يتزوج بها ولا تجبر على ذلك فتعلق الحرية على العقد مع أن العقد متوقف على
الحرية فعلى تصحيح الدور تنحسم هذه التصرفات ويمتنع وقوعها في الوجود
والمقصود من المسائل المسألة الأولى فنقول البحث فيها مبني على قواعد ثلاث القاعدة الأولى أن من شرط الشرط إمكان اجتماعه مع
المشروط لأن حكمة السبب في ذاته وحكمة الشرط في غيره فإذا لم يمكن اجتماعه معه لا
تحصل فيه حكمته
القاعدة الثانية أن اللفظ إذا دار بين المعهود في الشرع وبين غيره حمل على
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله في ذلك صحيح ظاهر والله أعلم
قال القاعدة الثالثة مشيئة الله تعالى واجبة النفوذ
إلى آخر القاعدة قلت ما قاله في هذه القاعدة من كون مشيئة الله معلومة قطعا
بمعنى أنه ما من وجود ممكن ولا
هامش إدرار الشروق
أنه يحتمل أن يقال بالاكتفاء هنا بالظن لأنه الغالب هذا هو المراد من قول مالك
وغيره ممن روي عنه أنه يلزمه الطلاق الآن في أنت طالق إن شاء الله لأنه علقه على
مشيئة من لا يعلم مشيئته فقول من قال إن القول بأن مشيئة الله تعالى لا يمكن
اطلاعنا عليها يضاهي قول القدرية بحدوث الإرادة وأن بعض الأمور على خلاف مشيئة
الله تعالى ويخالف قاعدة أهل السنة أن مشيئة الله واجبة النفوذ فكل عدم ممكن يعلم
وقوعه نعلم أن الله تعالى أراده وكل وجود ممكن يعلم وقوعه نعلم أن الله تعالى
أراده ليس بصحيح كما نقله الشيخ محمد كنون في حاشيته على حواشي عبق عن العلامة ابن
المبارك مع زيادة قلت ويظهر لنا على ذلك ثلاثة أمور الأمر الأول أنه لا يحتاج
حينئذ إلى قول العلامة الأمير في ضوء الشموع الصواب إما أن يقال إن قوله أنت طالق
إن شاء الله تعالى تعليق بمحقق إن قصد إن كان شاء الله ذلك يعني في الماضي فإن
بنطقه بالطلاق علم أنه شاء وقاعدة أن الشرط وجوابه لا يتعلقان إلا بمعدوم مستقبل
وطلاق لم يقع قبل التعليق أغلبية لا كلية وإلا يقصد ذلك بل قصد إن شاء ذلك في
المستقبل ولو قلنا إن الحكم يتعدد عند الله تعالى لأننا إنما نفتي بما غلب على
ظننا وحصول المحكوم به هنا ليس من مجرد الحكم حتى يرد أنه تعالى قد يأمر ولا يريد
فلا يلزم من الحكم حصول المحكوم به بل حصوله هنا من حيث تحقق السبب وهو نطقه
بالصيغة فتدبر
وأما أن يقال إن جعل مالك ذلك مثالا لما لا يمكن الاطلاع عليه منظورا فيه للمشيئة
في حد ذاتها فلا ينافي أنها تعلم بتحقق المشيء ا ه بحذف وزيادة وتصرف
____________________
(1/133)
المعهود في الشرع لأنه الظاهر كما لو قال إن صليت فأنت طالق
فإنا نحمله على الصلاة الشرعية دون الدعاء وكذلك نظائره
القاعدة الثالثة من القواعد أن من تصرف فيما يملك وفيما لا يملك نفذ تصرفه فيما
يملك دون ما لا يملك إذا تقررت هذه القواعد فنقول قوله إن طلقتك إما أن يحمل على
اللفظ أو على المعنى الذي هو التحريم فإن حمل على اللفظ فهو خلاف الظاهر والمعهود
في الشرع وهو مخالف للقاعدة الثانية وإن حمل على التحريم وأبقينا التعليق على
صورته تعذر اجتماع الشرط مع مشروطه فيلزم مخالفة القاعدة الأولى فيسقط من الثلاثة
المتقدمة التي هي المشروط ما به وقع التباين فإن أوقع واحدة أسقطنا واحدة لأن
اثنتين تجتمعن مع واحدة أو أوقع اثنتين أسقطنا اثنتين لأن واحدة تجتمع مع اثنتين
فإذا أسقطنا المنافي وجب أن يلزمه الباقي فتكمل الثلاث فمن قال لامرأته وامرأة
جاره أنتما طالقتان تطلق امرأته وحده أو عبده وعبد زيد حران يعتق عبده وحده فينفذ
تصرفه في جميع ما يملكه مما يتناوله لفظه كذلك ها هنا الذي ينافي به الشرط لا
يملكه شرعا للقاعدة الأولى فسقط كامرأة الغير وعبده وينفذ تصرفه فيما يملكه مما
تناوله لفظه فيلزمه جميع الباقي بعد
هامش أنوار البروق
عدمه إلا مستند إلى مشيئته فمشيئته على هذا الوجه معلومة عندنا صحيح وليس ذلك مراد
مالك وغيره ممن روي عنه إذا قال أنت طالق إن شاء الله يلزمه الطلاق لأنه علقه على
مشيئة من لا يعلم مشيئته بل مراد من قال ذلك أنه لا يعلم هل أراد الطلاق على
التعيين أم لا وليس لنا طريق إلى
هامش إدرار الشروق
الأمر الثاني أن هذا الذي نقله كنون عن ابن المبارك هو الذي يشير إليه قول ابن
الشاط مراد من قال يلزمه الطلاق الآن في أنت طالق إن شاء الله لأنه علقه على مشيئة
من لا يعلم مشيئته هو أنه لا يعلم هل أراد الطلاق على التعيين أو لا وليس لنا طريق
إلى التوصل إلى ذلك ا ه
قلت وتوضيح ذلك أن مطلق لفظ الطلاق وإن وضعه الشارع لحل العصمة إلا أن لفظه المعين
الواقع في قوله أنت طالق إن شاء الله معلق على مشيئة الله تعالى لما كان معناه إن
شاء الله جعل هذا اللفظ بخصوصه سببا في حل العصمة وجعله بخصوصه سببا في حلها أمر
اعتباري لا وجود له في الخارج حتى تعلم فيه مشيئة الله عز وجل صح جعل ذلك القول
مثالا لما لا يمكن الاطلاع عليه وليس معناه أن مطلق لفظ الطلاق الذي منه هذا اللفظ
المعين مقيد بالشرط الذي هو مشيئة الله تعالى حتى يقال إن قصد إن كان شاء الله ذلك
يعني في الماضي فهو تعليق بمحقق إذ بنطقه بالطلاق علم أنه شاء لوضعه شرعا ضمن
المطلق لحل العصمة وإن قصد إن شاءه في المستقبل فهو لاغ إلخ
الأمر الثالث وسننقله بعد عن كنون عن ابن المبارك أيضا أنه لا فرق هنا بين إن شاء
وإلا أن يشاء فكما أن معنى إن شاء الله ما ذكر كذلك إلا أن يشاء الله معناه إلا أن
يشاء الله عدم جعل هذا اللفظ بخصوصه سببا في حل العصمة وعدم الجعل المذكور أمر
اعتباري لا وجود له في الخارج حتى تعلم فيه
____________________
(1/134)
إسقاط المنافي فيلزمه الثلاث للقاعدة الثالثة وعلى رأي ابن
الحداد فتلزمه مخالفة إحدى هذه الثلاث قواعد
وهذه المسألة هي المعروفة بالسريجية ويحسبها بعضهم إجماعا فإنها قال بها ثلاثة عشر
من أصحاب الشافعي وهو ساقط لأن ثلاثة عشر غير منعقد بهم بالنسبة إلى عدد من قال
بخلافهم لأنهم مئون بل آلاف وكان الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله يقول هذه
المسألة لا يصح التقليد فيها والتقليد فيها فسوق لأن القاعدة أن قضاء القاضي ينقض
إذا خالف أحد أربعة أشياء الإجماع أو القواعد أو النصوص أو القياس الجلي وما لا
نقره شرعا إذا تأكد بقضاء القاضي أولى بأن لا نقره شرعا إذا لم يتأكد وإذا لم نقره
شرعا حرم التقليد فيه لأن التقليد في غير شرع ضلال وهذه المسألة على خلاف ما تقدم
من القواعد فلا يصح التقليد فيها وهذا بيان حسن ظاهر وبه يظهر الحكم في بقية مسائل
الدور التي هي من هذا الجنس
المسألة الرابعة قال الغزالي في الوسيط إذا قال
إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم
هامش أنوار البروق
التوصل إلى ذلك وأما التوصل إلى علم مشيئة البشر فبوجوه منها إخباره بذلك مع قرائن
توجب حصول العلم وقوله غاية خبره أن يفيد الظن إنما ذلك عند عدم القرائن مع أنه
يحتمل أن يقال بالاكتفاء هنا بالظن لأنه الغالب والله أعلم فقوله إن الأمر بعكس ما
قاله مالك وغيره ليس بصحيح وقوله فظهر بطلان ما يروى عن مالك قول باطل لا خفاء
ببطلانه ولو لم يظهر وجه بطلان قوله لكانت مخالفته لمالك كافية في سوء الظن بقوله
لتفاوت ما بينهما في العلم
هامش إدرار الشروق
مشيئة الله تعالى وكما جرى في الأول خلاف ابن القاسم وعبد الملك كذلك يجري في
الثاني فينجز عليه الطلاق عند ابن القاسم للشك ولا شيء عليه عند عبد الملك لإلغاء
الشك بدليل أن صاحب المشيئة لو كان ممن تعلم مشيئته كما في إن شاء أو إلا أن يشاء
زيد لسئل هل شاء أن يجعل هذا اللفظ بخصوصه سببا لحل العصمة فيقع الطلاق أو لا فلا
يقع فكل من إن شاء وإلا أن يشاء هنا للتقييد والاحتراز عن صورة مفهوم الصيغة لا
لكونه رافعا لحكم الصيغة كما في اليمين بالله وكما في أنت طالق إن شاء الله على
مذهب الشافعي وأبي حنيفة لقاعدتين
القاعدة الأولى كل من له عرف يحمل كلامه على
عرفه كقوله عليه الصلاة والسلام لا يقبل الله صلاة بغير طهور يحمل على الصلاة في
عرفه عليه الصلاة والسلام دون الدعاء وقوله عليه الصلاة والسلام من حلف واستثنى
عاد كمن لم يحلف يحمل على الحلف الشرعي وهو الحلف بالله تعالى لأن الحلف بالطلاق
والعتاق جعلهما عليه الصلاة والسلام من أيمان الفساق فلا يحمل الحديث المتقدم
عليهما
القاعدة الثانية كما شرع الله تعالى الأحكام شرع مبطلاتها وروافعها فشرع الإسلام
وعقد الذمة سببان لعصمة الدماء والردة والحرابة وزنى المحصن وحرابة الذمي روافع
والسبي سبب الملك والعتق رافع له ولا يلزم من شرعه رافعا لحكم سبب أن يرفع حكم
غيره فالاستثناء بالمشيئة شرعه رافعا لحكم اليمين لقوله عليه الصلاة والسلام عاد
كمن لم يحلف فلا يلزم أن يكون رافعا لحكم العتق والطلاق والتعليق كما أن التطليق
رافع لحكم النكاح ولا يرفع حكم اليمين وكذلك سائر الروافع وليس إطلاق اليمين على
البابين
____________________
(1/135)
قال إن دخلت الدار فأنت طالق طلقت في الحال لأن تعليقه على
الدخول حلف بخلاف إذا طلعت الشمس لم يكن هذا حلفا لأن الحلف ما يتصور فيه منع
واستحثاث قلت كما قال عليه الصلاة والسلام الطلاق والعتاق من أيمان الفساق ونص
العلماء على أن تعليق الطلاق منهي عنه ولم يفصلوا ومقتضى ذلك أن يحنث في الحالين
المسألة الخامسة قال الشافعي في المهذب وغيره
إذا قال إن بدأتك بالكلام فأنت طالق وقالت هي إن بدأتك بالكلام فعبدي حر فكلمها
وكلمته لم تطلق ولم يعتق العبد لأن يمينه انحلت بيمينها ويمينها انحلت بكلامه فلم
تبدأ هي ولا هو بكلام
المسألة السادسة في التهذيب لمالك رحمه الله أنت طالق إن شاء الله يلزمه الطلاق
الآن بخلاف إن شاء هذا الحجر ونحوه وسوى أبو حنيفة والشافعي في عدم اللزوم وقال
سحنون يلزمه في الحجر ونحوه لأنه يعد نادما أو هازلا وهذه المسألة مبنية على أربع
قواعد القاعدة الأولى كل من له عرف يحمل كلامه على عرفه كقوله عليه السلام لا يقبل
الله صلاة بغير طهور يحمل على الصلاة في عرفه عليه السلام دون الدعاء وكذلك قوله
هامش أنوار البروق
قال القاعدة الرابعة الشرط وجوابه لا يتعلقان إلا
بمعدوم مستقبل قلت ليس ذلك بمطرد لازم ولكنه الغالب والأكثر
قال فإذا قال إن دخلت الدار فأنت طالق يحمل على دخول مستقبل وطلاق لم يقع قبل
التعليق إجماعا
هامش إدرار الشروق
بالتواطؤ حتى يعم الحكم بل بالاشتراك والمجاز في التعليق بالطلاق وغيره والذي يسمى
يمينا حقيقة إنما هو القسم ولو أقسم بالطلاق ونحوه لم يلزمه شيء
وإذا كان البابان مختلفين فلا يعم الحكم هذا تحقق المقام وفي لزوم الطلاق منجزا في
أنت طالق إن شاء هذا الحجر ونحوه لأنه يعد نادما وهازلا إذ مشيئة الحجر أمر ممتنع
كلمس السماء فيستوي مع إن لم يكن هذا الحجر حجرا في كونه هزلا إلا لقرينة صلابة
ونحوها وعدم اللزوم نظرا لكون مشيئة الحجر وإن كانت أمرا ممتنعا أيضا إلا أنه غير
عريق في اللغو لكون امتناعه عاديا فقط بخلاف إن لم يكن هذا الحجر حجرا فإنه عريق
في اللغو لأنه قلب حقائق فهو ممتنع عقلا وعادة روايتان ذكرهما عبد الوهاب الثانية
لابن القاسم في المدونة وبها قال أبو حنيفة والشافعي والأولى لابن القاسم في
النوادر وبها قال سحنون وهي الأصح لأن المدار على تحقق اللغو كما يشهد له قولهم
بالتنجيز في لمست السماء على أن الفرق بالعراقة وعدمها كما قال الأمير مبني على ما
اشتهر عند المناطقة من تباين حقائق أنواع الجواهر وأكثر المتكلمين على تماثل
الحقيقة الجوهرية في الكل وأن الاختلاف بالعوارض كما في حواشي الكبرى ثم المستحيل
قلب الحقيقة بأن تصير حقيقة الحجر نفسها هي حقيقة الذهبية للتناقض أما إن زالت الذهبية
وخلفها الحجرية فقلب أعيان جائز نقله حجازي عنه في حاشيته على عبق انظره
المسألة السابعة اختلف إذا علق المشيئة على
معلق عليه ووجد نحو إن دخلت الدار إن شاء الله فأنت طالق أو أنت طالق إن دخلت
الدار إن شاء الله وحصل الدخول فقال مالك وابن القاسم لا ينفعه وهو المشهور وقال
عبد الملك وغير واحد ينفعه وروي أيضا عن مالك وفي اتفاق القولين في المثالين مع
دعواه في
____________________
(1/136)
عليه السلام من حلف واستثنى عاد كمن لم يحلف يحمل على الحلف
الشرعي وهو الحلف بالله تعالى لأن الحلف بالطلاق والعتاق جعلهما عليه السلام من
أيمان الفساق فلا يحمل الحديث المتقدم عليها
القاعدة الثانية كما شرع الله تعالى الأحكام
شرع مبطلاتها ودوافعها فشرع الإسلام وعقد الذمة سببين لعصمة الدماء والردة
والحرابة وزنى المحصن وحرابة الذمي روافع والسبي سبب الملك والعتق رافع له ولا
يلزم من شرعه رافع لحكم سبب أن يرفع حكم غيره فالاستثناء بالمشيئة شرعه رافعا لحكم
اليمين لقوله عليه السلام عاد كمن لم يحلف فلا يلزم أن يكون رافعا لحكم العتق
والتعليق كما أن التطليق رافع لحكم النكاح ولا يرفع حكم اليمين وكذلك سائر الروافع
وليس إطلاق لفظ اليمين على البابين بالتواطؤ حتى يعم الحكم بل بالاشتراك أو المجاز
في التعليق بالطلاق وغيره والذي يسمى يمينا حقيقة إنما هو القسم ولو أقسم بالطلاق
ونحوه لم يلزمه شيء وإذا كان البابان مختلفين لا يعم الحكم
هامش أنوار البروق
قلت ذلك هو الغالب قال والمشيئة قد جعلت شرطا ولا بد لها من مفعول والتقدير إن شاء
الله طلاقك فأنت طالق فمفعولها إما أن يكون الطلاق الذي صدر منه في الحال أو طلاقا
في المستقبل فإن كان الأول فنحن نقطع أن الله تعالى أراده في الأزل فقد تحقق الشرط
في الأزل وهذه الشروط أسباب يلزم من وجودها
هامش إدرار الشروق
الثاني رد الاستثناء للفعل لا الطلاق بأن يوفق بينهما بما حاصله أنه لو جزم بجعل
الفعل المعلق عليه سببا للطلاق لم ينفعه الاستثناء كما قال ابن القاسم ولو لم يجزم
بجعله سببا نفعه كما قال غيره إذ الفعل من أسباب الأحكام التي لم يكلها لخيرتهم
كالزوال ورؤية الهلال والطلاق أو اختلافهما في المثالين أو اختلافهما إن احتمل
كالمثال الثاني وقامت عليه بنية أقوال الأول للقرافي وتبعه المقري في قواعده قائلا
وهو تفسير عند المحققين وحكاه ابن عبد السلام عن بعض شيوخ المشارقة وقال لا يلتفت
إليه ا ه
وقال ابن عرفة إنه ساقط لمخالفته فهم الأشياخ في حملهم المشيئة على الخلاف والثاني
للأكثر مع المقدمات لابن رشد والثالث للبيان لابن رشد وعلى الثاني ففي كون المراد
رجوعها للمعلق عليه من حيث ذاته أو من حيث التعليق والربط طريقتان الطريقة الأولى
لابن رشد في المقدمات والناصر وابن الشاط وعليها ففي كون إن شاء الله شرطا على
بابه لتقييد المعلق عليه نفسه أو بمعنى الاستثناء رافع للمعلق عليه نفسه كما في
اليمين بالله قولان الثاني لابن رشد في المقدمات فقد قال فيها الحق عدم اللزوم
قياسا على اليمين بالله تعالى إذا أعاد الاستثناء على الفعل فيكون قول ابن القاسم
مبنيا على مذهب القدرية والمقابل مبنيا على مذهب أهل السنة لأن قول القائل أنت
طالق إن لم أدخل الدار إن شاء الله إذا صرف المشيئة إلى المعلق عليه هو إن امتنعت
من الدخول بمشيئة الله تعالى فلا شيء علي وكذلك قوله أنت طالق إن دخلت الدار إن
شاء الله هو إن شاء الله دخولي فلا شيء علي وقد علم في السنة أن كل واقع في الوجود
بمشيئة الله تعالى
____________________
(1/137)
القاعدة الثالثة مشيئة الله تعالى واجبة النفوذ فلذلك كل عدم ممكن يعلم
وقوعه نعلم أن الله تعالى أراده وكل وجود ممكن يعلم وقوعه نعلم أن الله تعالى
أراده فتكون مشيئة الله تعالى معلومة قطعا وأما مشيئة غيره فلا تعلم غايته أن
يخبرنا وخبره إنما يفيد الظن فظهر بطلان ما يروى عن مالك وجماعة من العلماء من أنه
علق الطلاق على مشيئة من لم تعلم مشيئته بخلاف التعليق على مشيئة البشر ويجعل ذلك
سبب عدم لزوم الطلاق والأمر بالعكس
القاعدة الرابعة الشرط وجوابه لا يتعلقان إلا بمعدوم مستقبل فإذا قال إن دخلت
الدار فأنت طالق يحمل على دخول مستقبل وطلاق لم يقع قبل التعليق إجماعا والمشيئة
قد جعلت شرطا ولا بد لها من مفعول والتقدير إن شاء الله طلاقك فأنت طالق فمفعولها
إما أن يكون الطلاق الذي صدر منه في الحال أو طلاقا في المستقبل فإن كان الأول
فنحن نقطع أن الله تعالى أراده في الأزل فقد تحقق الشرط في الأزل وهذه الشروط
أسباب يلزم من وجودها الوجود فيلزم أن تطلق في أول أزمنة الإمكان وقبول المحل عند
أول النكاح ولم يقل به أحد
هامش أنوار البروق
الوجود فيلزم أن تطلق في أول أزمنة الإمكان وقبول المحل عند أول النكاح ولم يقل به
أحد قلت تجويزه احتمال أن يكون الطلاق الذي يكون مفعول المشيئة هو الذي صدر منه
مناقض لما
هامش إدرار الشروق
فامتناعه إذا من الدخول في الوجه الأول ودخوله في الثاني بمشيئة الله تعالى فلا
يلزمه طلاق لأن ذلك هو الذي التزمه وأما القول بلزوم الطلاق فمقتضاه أن الدخول
وعدمه وقع
على خلاف المشيئة وهو محال عند أهل السنة ا ه واختار هذا القول الرهوني كما ستقف
على كلامه والقول الأول أعني كون إن شاء الله شرطا على بابه لتقييد المعلق عليه
نفسه للناصر وابن الشاط قال الناصر إنما يتضح اعتراض ابن رشد على ابن القاسم في
إلا أن يشاء الله إذ معناه أنت طالق إن دخلت الدار إلا أن يشاء الله أن أدخلها فلا
طلاق فإذا طلق عليه بالدخول كان مقتضيا لوقوعه بدون المشيئة وكذا أنت طالق لأدخلن
الدار إلا أن يشاء الله معناه إلا أن يشاء الله عدم الدخول فإذا طلق عليه بعدم
الدخول كان مقتضيا أنه بدون المشيئة وأما في إن فالظاهر قول ابن القاسم لأن أنت
طالق إن دخلت الدار إن شاء الله تعالى معناه إن دخلت الدار دخولا مقرونا بالمشيئة
فإذا طلقت عليه بالدخول كان ذلك لأن الدخول المقرون بالمشيئة قد وقع وإن لم تطلق
كان لانتفاء ذلك ومعلوم أن الدخول وقع فالمنفي إنما هو المشيئة وهذا بعينه مذهب
القدرية أي القائلين بأن العبد خالق لأفعاله ا ه
وقال ابن الشاط الحق اللزوم في قوله إن فعلت كذا فعلي الطلاق إن شاء الله لأنه إن
عاد الاستثناء إلى الطلاق المعلق على ذلك فقد سبق في مسألة أنت طالق إن شاء الله
أن الصحيح لزوم الطلاق وأن الاستثناء لا ينفعه وهذا المعلق كذلك
وإن أعاده إلى الفعل المعلق عليه الطلاق فمعناه الظاهر إن شاء الله تعالى أن أفعل
ذلك الفعل فإذا فعله فقد شاء الله تعالى فعليه فيلزم الطلاق كما قال مالك ومن
وافقه والقياس الذي ذكره ابن رشد ليس بصحيح للفرق بينهما وهو أن القائل إذا قال
والله لأفعلن إن شاء الله
____________________
(1/138)
وإن كان المفعول طلاقا مستقبلا فيكون التقدير إن شاء الله
طلاقك في المستقبل فأنت طالق فالمشروط لهذا الشرط يلزم أن يكون مستقبلا لأن المرتب
على المستقبل مستقبل فلا تطلق في الحال وإن كان المعنى إن شاء الله طلاقك في
المستقبل بعد هذا الطلاق الملفوظ به الآن فلا ينفذ طلاق حتى يلفظ بالطلاق مرة أخرى
فينفذ هذا وعلى التقديرين لا تطلق الآن فإن قلت هذا لازم في مشيئة زيد إذا لم يحصل
بلفظ في المستقبل لا ينفذ هذا قلت الفرق أن مشيئة الله تعالى مؤثرة في حدوث
مفعولها فإذا لم يحدث لفظ الطلاق انقطع بعدم مشيئة الله تعالى ومشيئة زيد غير
مؤثرة بل هي كدخول الدار فكما إذا تجدد دخول الدار نفذ الطلاق كذلك إذا تجددت
مشيئة زيد فإن قلت لم لا يجوز أن يكون مفعول المشيئة نفوذ هذا الطلاق لا لفظا آخر
يحدث في المستقبل قلت يجوز ذلك من حيث اللغة وهو مفعول صحيح غير أنه يلزم من ذلك
لزوم الطلاق ونفوذه أول أزمنة الإمكان من أول النكاح ولم يقله أحد فإن الله تعالى
شرع
هامش أنوار البروق
قال قبل من أن الشرط وجوابه لا يتعلقان إلا بمستقبل مع أن هذا الاحتمال بعيد لا
يكاد يخطر ببال ولو قصده بمعنى أنه إن شاء الله أن أتكلم بهذا الكلام المتضمن
تعليق الطلاق على مشيئة الله هذا الكلام للزمه الطلاق عند قوله ذلك الكلام لا في
أول زمن النكاح كما قاله لأن لزوم الطلاق عند أول أزمنة
هامش إدرار الشروق
ورد الاستثناء إلى الفعل فإذا فعل ذلك الفعل فقد شاء الله تعالى وبر في يمينه وإن
لم يفعله فهو بار أيضا لأنه علق المحلوف عليه على المشيئة للفعل ولم يقع الفعل فلن
تتعلق به المشيئة والقائل إذا قال إن فعلت كذا فعلي الطلاق وإن شاء الله تعالى ورد
الاستثناء إلى الفعل فإذا فعل ذلك الفعل فقد شاء الله فإنه لا يقع شيء إلا بمشيئته
ويلزم مقتضى التعليق لوقوع المعلق عليه ا ه
وخلاصة الفرق أن إن شاء الله في اليمين استثناء رافع له وقع المحلوف عليه أم لا
وفي الطلاق شرط مقيد للمحلوف عليه فإذا وقع المحلوف عليه فقد شاء الله وبوقوعه لزم
الطلاق المعلق الطريقة الثانية أعني رجوع المشيئة للمعلق عليه من حيث الربط
والتعليق لا من حيث ذاته لخاتمة المحققين العلامة ابن المبارك رحمه الله تعالى فقد
قال ما توضيحه أنه قد علم في علم الميزان أن الإيجاب والسلب والصدق والكذب
والتقييد والإطلاق إذا وقعت في القضية الشرطية انصرفت إلى الربط واللزوم الذي فيها
ولا تنصرف إلى أطرافها وقولنا أنت طالق إن دخلت الدار إن شاء الله قضية شرطية
وقولنا في تلك القضية إن شاء الله قيد من القيود التي يجب ردها إلى الربط ولا يصح
رده إلى الدخول المعلق عليه لأنه طرف قضية شرطية والطرف لا يرجع إليه تقييد ولا
غيره من الأمور السابقة فقولهم أنه راجع إلى المعلق عليه أي من حيث التعليق فهو
راجع إلى التعليق في الحقيقة والتعليق الذي بين الشرط والجزاء أمر اعتباري لا يقبل
الوجود في الخارج ولا العدم فيه وما لا يقبلهما كالنسب والاعتبارات ومن الربط الذي
بين الشرط والجواب فمشيئة الله تعالى فيه لا تعلم ولا يمكن اطلاعنا عليها إذ
الاطلاع عليها إنما هو
____________________
(1/139)
الأسباب ليرتب عليها مسبباتها فمن باع وقال إن شاء الله
نفوذ هذا البيع نفذ قلنا له قد شاء الله ذلك في الأزل وينفذ البيع إجماعا فكذلك ها
هنا وقال القاضي عبد الوهاب هذه المسألة مخرجة على استثناء الكل من الكل بجامع أنه
مبطل على رأي الشافعي فيلغو الجميع والفرق أن الشرط لم يتعين العبث فيه واللغو لأن
التعليق على الممتنع من غرض العقلاء وإن بطلت جملة المشروط قال الله تعالى لا
يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط قلت أما استثناء الكل من الكل فعبث فظهر
بهذه القواعد وبهذا التقدير أن الحق في هذه المسألة عدم لزوم الطلاق في الحال لا
بسبب ما قاله الشافعي أن الاستثناء رافع لليمين بل لما ذكرناه من مقتضى هذا التعليق
وتفاصيله
المسألة السابعة قال مالك في التهذيب إذا قال
إن فعلت كذا فعلي الطلاق إن شاء الله لا ينفعه الاستثناء قال ابن يونس قال عبد
الملك إن أعاده على الفعل دون الطلاق نفعه وأنت طالق إلا أن يبدو لي لا ينفعه
الاستثناء وأنت طالق إن فعلت كذا إلا أن يبدو لي
هامش أنوار البروق
الإمكان لا موجب له فإن مراده بالمشيئة إنما هو وقوع المراد بالمشيئة لا تحقق
المشيئة في الأزل لأن مشيئة وجود هذا الكلام من قائله معلومة متحققة الوقوع ولا
أرى أن يخالف في ذلك مخالف وأما كونه لم يقل به أحد فلما تقرر من أن المراد بقوله
إن شاء الله أي إن وقع مفعول المشيئة وهو قوله ذلك الكلام والله أعلم
قال وإن كان المفعول طلاقا مستقبلا فيكون التقدير إن شاء الله طلاقك في المستقبل
فأنت طالق
هامش إدرار الشروق
بوجود متعلقها في الخارج ومتعلقها هنا لا يقبل الوجود في الخارج ولا العدم فيه
أصلا فبعدم قبوله للوجود لم يعلم أنه تعالى أراد وجوده وبعدم قبوله للعدم لم يعلم
أنه تعالى أراد عدمه وإذا وقع الفعل المعلق عليه كالدخول وقد قيد جعله سببا في
الطلاق بمشيئة من لا تعلم مشيئته وهو الله تعالى كما إذا قيد ذلك بمشيئة الجن أو
الملك لا فرق بين كون المشيئة بلفظ إن شاء الله أو إلا أن يشاء وقع الخلل في
العصمة بحصول الشك فيها وأصل ابن القاسم أنه إذا وقع الشك في العصمة اعتبر ووقع
الطلاق له وأصل عبد الملك أن الشك المذكور يلغى وتستصحب العصمة فابن القاسم يلزم
الطلاق إذا وقع الدخول وعبد الملك لا يلزمه بناء من كل واحد على أصله فهذا توجيه
المذهبين في مشيئة الله تعالى وفي مشيئة الجن والملك وأما إذا وقع الفعل المعلق
عليه كالدخول وقد قيد بمشيئة من تعلم مشيئته كزيد فإنه يسأل صاحب المشيئة هل شاء
أن يجعله سببا في الطلاق فيقع أم لا فلا يقع قال الأمير ولا شيء إن لم يعلم
ومنه الميت ا ه قال حجازي كان بعد اليمين أو قبله ولو عالما بموته على أقوى
القولين لأن شأنه الاطلاع عليه بخلاف مشيئة الله والملائكة ا ه
هذا هو الحق الذي لا شك فيه فظهر أن على ابن رشد في كلامه السابق دركا من وجهين
أحدهما ظنه أن الشرط راجع للدخول وليس كذلك بل هو راجع للربط الثاني ظنه أن إن شاء
ليس شرطا على بابه بل بمعنى الاستثناء أعني إلا أن يشاء الله في الرفع لحكم
التعليق كرفعه لحكم اليمين
____________________
(1/140)
فذلك له إن أراد الفعل خاصة وفي الجلاب إن كلمت زيدا فعلي
المشي إلى بيت الله إن شاء الله لا ينفعه الاستثناء إن أعاده على الحج وإن أعاده
على كلام زيد نفعه قلت اعلم أن هذه المواضع لا يدرك حقيقتها إلا الفحول من العلماء
أو من يفتح الله عليه من نفس فضله وسعة رحمته ما شاء وما الفرق بين إعادة الإرادة
القديمة والحادثة على الفعل أو غيره وها أنا أكشف لك عن السر في هذه المسائل ببيان
قاعدة وهي أن الله تعالى شرع بعض أسباب الأحكام في أصل الشريعة ولم يكله إلى مكلف
كالزوال ورؤية الهلال والإتلاف للضمان ومنها ما وكله لخيرة خلقه فإن شاءوا جعلوه
سببا وإلا فلا يكون سببا وهي التعليقات كلها فدخول الدار ليس سببا لطلاق امرأة أحد
ولا لعتق عبده في أصل الشرع إلا أن يريد المكلف ذلك فيجعله سببا بالتعليق عليه وكل
ما وكل للمكلف سببيته لا يكون سببا إلا بجعله وجزمه بذلك الجعل
إذا تقررت هذه القاعدة فنقول قول عبد الملك إن أعاده على الفعل نفعه معناه إن أراد
أن ذلك الفعل المعلق عليه لم أجزم بجعله سببا للطلاق بل فوضت وجعلت سببيته إلى
مشيئة الله تعالى إن شاء جعله سببا وإلا فلا وعلى هذا التقدير لا يكون الفعل سببا
فلا يلزم به شيء إجماعا ولا يكون هذا خلافا
هامش أنوار البروق
فالمشروط لهذا الشرط يلزم أن يكون مستقبلا لأن المرتب على المستقبل مستقبل فلا
تطلق في الحال وإن كان المعنى إن شاء الله طلاقك في المستقبل بعد هذا الطلاق
الملفوظ به الآن فلا ينفذ طلاق حتى يتلفظ بالطلاق مرة أخرى فينفذها وعلى التقديرين
لا تطلق الآن
هامش إدرار الشروق
وليس كذلك لأنه مع ما فيه من تكلف إخراج إن عن بابه بلا داع هو مخالف للقاعدتين
السابقتين في المسألة السادسة فقول الرهوني والحق ما قاله ابن رشد وما ردوا به
عليه من الأمثلة كله ساقط إذ الشرط فيها كلها على بابه قطعا أي جيء به التقييد
والاحتراز عن صورة المفهوم وأما الشرط في مسألتنا فلا يمكن أن يكون على بابه على
مذهب أهل السنة وإنما هو في المعنى كالاستثناء كما في اليمين بالله الذي هو الأصل
وقد قال اللخمي عن ابن المواز الاستثناء كل ما كان فيه إن مثل إن شاء الله وكل ما
كان فيه إلا ا ه
وهو نص في أن إن شاء الله كالاستثناء الحقيقي ا ه هو غير صحيح إذ كيف يكون هو الحق
مع خروج اللفظ عليه عن مدلوله ومع ما يلزم عليه من جري ابن القاسم على خلاف مذهب
أهل السنة وحاش من هو أدنى منه بمراتب من ذلك وفي قوله وما ردوا به عليه إلخ نظر
من وجهين الأول أن كونه على بابه ممكن على مذهب أهل السنة فأنه جيء به للتقييد
والاحتراز عن صورة المفهوم بدليل أن صاحب المشيئة لو كان ممن تعلم مشيئته لسئل هل
شاء أن يجعل الدخول مثلا سببا للطلاق فيقع أم لا فلا يقع كما مر
الثاني إن جعل إن شاء في اليمين بالله بمعنى الاستثناء حمل له على غير مدلوله
لعارض شرعي فلا يقاس عليه غيره كما أشار له غ في تكميله في رده اعتراض ابن رشد المذكور
وكلام ابن المواز يحتمل تخصيصه باليمين بالله بل هو الظاهر للقاعدتين السابقتين
فلا دليل فيه وعلى الناصر في كلامه السابق دركا من وجهين أيضا وكذا ابن الشاط
الأول ظنه أن الشرط على بابه راجع للدخول للربط
____________________
(1/141)
لمالك وابن القاسم مع أن صاحب المقدمات أبا الوليد بن رشد
حكاه خلافا وقال الحق عدم اللزوم قياسا على اليمين بالله تعالى إذا أعاد الاستثناء
على الفعل وهذا يشعر بأن ابن القاسم يوافق في اليمين بالله تعالى ويخالف في الطلاق
فيكون هذا إشكالا آخر أما إذا حمل قول عبد الملك على ما ذكرته فلا إشكال ويصير
المدرك مجمعا عليه وإلا فلا تعقل المسألة ألبتة ولا يصير لها حقيقة
وقوله أنت طالق إلا أن يبدو لي لا ينفعه لأن الطلاق جعله الله تعالى سببا لقطع
العصمة في أصل الشرع فقد زالت العصمة بتحققه كره المكلف أو أحب فمشيئته لغو وإذا
علق الطلاق على فعل وأعاد قوله إلا أن يبدو لي عليه خاصة ومعناه أني لم أصمم على
جعل الفعل سببا بل الأمر موقوف على إرادة تحدث في المستقبل فذلك ينفعه لما تقدم أن
كل سبب موكول إلى إرادته لا يكون إلا بتصميمه على مشيئته وإرادته لذلك وكذلك قول
صاحب الجلاب إن أعاد الاستثناء على كلام زيد نفعه وعلى الحج لم ينفعه معناه أني لم
أجزم بجعل كلام زيد سببا للزوم الحج بل ذلك موكول لمشيئة الله تعالى فلا يكون سببا
فلا يلزم الحج بكلامه فإذا أعاده على
هامش أنوار البروق
قلت قد سبق أنها تطلق الآن على التقدير الأول
قال فإن قلت هذا لازم في مشيئة زيد إذا لم تحصل بلفظ في المستقبل لا ينفذ هذا قال
قلت الفرق أن مشيئة الله تعالى مؤثرة في حدوث مفعولها إلى آخر قوله بخلاف مشيئة
زيد قلت قوله فإذا لم يحدث لفظ الطلاق انقطع بعدم مشيئة الله تعالى غلط في اللفظ
فإن مشيئة الله
هامش إدرار الشروق
والأمر بالعكس الثاني ظنه أن إلا أن يشاء الله في مسألتنا ليس للتقييد والاحتراز
عن صورة المفهوم بل لرفع الحكم بالتعليق كما في اليمين وليس كذلك للقاعدتين
السابقتين وبالجملة فمذهبا ابن قاسم وعبد الملك في كون إن شاء الله في المثالين
المارين لا تنفعه أو تنفعه إما أن يحملا على الوفاق مطلقا ولو احتمل المثال رجوعه
للمعلق عليه وادعاه مع البنية وهو ما للقرافي ومن تبعه أو على الاختلاف فيما احتمل
ذلك وادعاه وقامت عليه بينته وهو ما في البيان لابن رشد أو على الاختلاف مطلقا وهو
قول الأكثر مع المقدمات لابن رشد وهو المعتبر وعليه فهل إن شاء الله بمعنى
الاستثناء راجع للمعلق عليه نفسه وهو ما لابن رشد واختاره الرهوني أو هو شرط على
بابه راجع للمعلق عليه أيضا وهو ما للناصر وابن الشاط ولا خلاف في كون إلا أن يشاء
الله استثناء رافعا لحكم التعليق كما في اليمين أو هو شرط على بابه قيد للتعليق
كإلا أن يشاء الله وهو ما لابن المبارك وهو الحق هذا خلاصة ما في حاشية كنون على
حواشي عبق بتوضيح وزيادة وهو غاية تحقيق المقام فاحفظه قلت ولا فرق على قول ابن
المبارك بين صرف المشيئة بإن شاء الله أو إلا أن يشاء الله للدخول أو للطلاق أو لم
تكن له نية بصرفها بشيء ووجه الدخول في كل ضرورة أنها قيد يجب رده للربط لا إلى
طرف من طرفي القضية الشرطية فينجز عليه عند ابن القاسم للشك ولا شيء عليه عند عبد
الملك لإلغاء الشك
وإذا قال أنت طالق إلا أن يبدو لي أو إلا أن أشاء أو إلا أن أرى خيرا منه أو إلا
أن يغير الله ما في خاطري ونحو ذلك لا ينفعه وإذا قال أنت طالق إن دخلت الدار إلا
أن يبدو لي ونحوه أو إن دخلت الدار إلا أن يبدو لي فأنت طالق نفعه لأن معناه أني
لم أصمم على جعل دخول الدار سببا
____________________
(1/142)
الحج فقد جزم بسببية كلام زيد فترتب عليه مسببه والاستثناء
لا يكون رافعا كما تقدم فهذا سر هذه المسائل وهو من نفائس العلم فافهمه
المسألة الثامنة في الجواهر أنت طالق إن كلمت
زيدا إن دخلت الدار وهو تعليق التعليق فإن كلمت زيدا أولا تعلق طلاقها بالدخول
لأنه شرط في اعتبار الشرط الأول قال الشيخ أبو إسحاق في المهذب هذا يسميه أهل
النحو اعتراض الشرط على الشرط فإن دخلت الدار ثم كلمت زيدا طلقت وإن كلمت زيدا
أولا ثم دخلت الدار لم تطلق لأنه جعل دخول الدار شرطا في كلام زيد فوجب تقديمه
عليه وإن قال إن أعطيتك إن وعدتك إن سألتني فأنت طالق لم تطلق حتى يوجد السؤال ثم
الوعد ثم العطاء لأنه شرط في الوعد بالعطية وشرط في العطية السؤال وكان معناه إن
سألتني فوعدتك فأعطيتك فأنت طالق ووافقه الغزالي على ذلك في الوسيط ولم يحكيا
خلافا وذكر إمام الحرمين المسألة في النهاية واختار مذهبنا وأن التعليق مع عدم
الواو يكون كالعطف بالواو وضابط مذهب الشافعي أن الشروط إن وقعت كما نطق بها لم
تطلق وإن عكسها المتقدم متأخر والمتأخر متقدم طلقت ولم أر هذا لأصحابنا بل ما تقدم
وفي المسألة غور بعيد
هامش أنوار البروق
تعالى لا تعدم وصواب الكلام أن يقال بمشيئة الله تعالى عدم ذلك اللفظ وقوله فكما
إذا تجدد دخول الدار نفذ الطلاق كذلك إذا تجددت مشيئة زيد مناقض لما قاله قبل من
أن الأمر بعكس ما قاله مالك من لزوم الطلاق في مشيئة الله تعالى لا في مشيئة زيد
هامش إدرار الشروق
لطلاقك بل الأمر موقوف على إرادتي في المستقبل فإن شئت جعلت دخول الدار سببا
لوقوعه وإن شئت لم أجعله سببا فلذا نفعه في الدخول دون الطلاق لما مر في قاعدة
الشرط اللغوي أنه سبب وكل إلى إرادته وكل سبب كذلك لا يكون سببا إلا بتصميمه على
جعله سببا بخلاف السبب الشرعي الذي لا اختيار له فيه كالطلاق فافهم وقد شبه
العلامة الأمير في مجموعه العتق والنذر بالطلاق في جميع ما يتعلق به فقال ونجز أي الطلاق
إن أتى بمشيئة الله ولو لمعلق عليه كمشيئته إلا أن يعلق عليها أو يستثني بها من
المعلق عليه فقط كإلا أن يبدو لي ومشيئة الغير مطلقا أي علق عليها واستثنى بها أو
رجعها للمعلق أو المعلق عليه كالعتق والنذر ا ه قال حجازي أي ينجز إن أتى بمشيئة
الله ولو لمعلق عليه كمشيئته إلخ فهو تشبيه في جميع ما مر ا ه
وقول صاحب الجلاب في قوله إن كلمت زيدا فعلى المشي إلى بيت الله إن شاء الله إن
أعاد الاستثناء على كلام زيد نفعه وعلى الحج لم ينفعه ا ه
وإن قال القرافي معناه أني لم أجزم بجعل كلام زيد سببا للزوم الحج بل ذلك موكول
لمشيئة الله تعالى فلا يكون سببا فلا يلزم الحج بكلامه فإذا أعاده على الحج فقد
جزم بسببية كلام زيد فترتب عليه مسببه والاستثناء لا يكون رافعا كما تقدم ا ه إلا
أن ابن الشاط قال إن قوله بل ذلك موكول لمشيئة الله تعالى فلا يكون سببا فلا يلزم
الحج بكلامه غير صحيح بل الصحيح أن قوله إن كنت كلمت زيدا فعلي المشي إلى الحج إن
قال عقبه إن شاء الله فإنه يلزمه كما سبق وإن قال عقبه إلا أن يبدو لي فإنه لا
يلزمه لأنه يتعين هنا حمل كلامه على رد الاستثناء إلى جعل ذلك الفعل سببا ا ه
يعني أن
____________________
(1/143)
مبني على قاعدتين يظهر منهما مذهب الشافعي فنذكرهما ونذكر
ما وقع في القرآن الكريم من ذلك وفي كلام العرب ليتضح الحق في هذه المسألة فهي من
أطاريف المسائل القاعدة الأولى من الشروط اللغوية أسباب يلزم من وجودها الوجود ومن
عدمها العدم فإن قوله إن دخلت الدار فأنت طالق يلزم من دخولها الدار الطلاق ومن
عدم دخولها عدم الطلاق وهذا هو حقيقة السبب كما تقدم بيانه بخلاف الشروط العقلية
كالحياة مع العلم
والشرعية كالطهارة مع الصلاة والعادية كنصب السلم مع صعود السطح لا يلزم من وجودها
شيء ويلزم من عدمها العدم فالحي قد يعلم وقد لا يعلم والمتطهر قد تصح صلاته وقد لا
تصح وإذا نصب السلم فقد يصعد للسطح وقد لا يصعد نعم يلزم من عدم هذه الشروط عدم
هذه المشروطات
وإذا تقرر أن الشروط اللغوية أسباب فنقول القاعدة الثانية أن تقدم المسبب على سببه
لا يعتبر كالصلاة قبل الزوال وإذا تقررت القاعدتان فنقول إذا قال إن كلمت زيدا إن
دخلت الدار معناه عند الشافعية أني جعلت كلام زيد سبب طلاقك وشرطه اللغوي غير أني
قد جعلت سبب اعتباره والشرط فيه
هامش أنوار البروق
قال فإن قلت لم لا يجوز أن يكون مفعول المشيئة نفوذ الطلاق لا لفظا آخر يحدث في
المستقبل قال قلت يجوز ذلك من حيث اللغة وهو مفعول صحيح غير أنه يلزم من ذلك لزوم
الطلاق ونفوذه أول أزمنة الإمكان في أول النكاح ولم يقله أحد فإن الله تعالى شرع
الأسباب لتترتب عليها مسبباتها فمن باع وقال إن شاء الله نفوذ هذا البيع نفذ قلنا
له قد شاء الله ذلك في الأزل وينفذ البيع إجماعا فكذلك ها هنا قلت قوله أنه يلزم
من ذلك لزوم الطلاق من أول أزمنة الإمكان بناء منه ذلك على تعلق المشيئة
هامش إدرار الشروق
كلام صاحب الجلاب الذي وجهه القرافي بما ذكر كما هو مذهب عبد الملك خلاف الصحيح
لأن مقتضى عدم لزوم الحج عند عود المشيئة لكلام زيد وقد وقع أن وقوعه على خلاف
المشيئة وهو بعينه مذهب القدرية والصحيح اللزوم مطلقا ولو عادت المشيئة لكلام زيد
كما هو مذهب ابن القاسم إذ بوقوع كلام زيد صار مقرونا بالمشيئة إذ قد علم في السنة
أن كل واقع في الوجود بمشيئة الله تعالى وبتحقق وقوع الكلام المقرون بالمشيئة تحقق
وقوع المعلق عليه لزوم الحج فيلزم فكلام ابن الشاط هذا وكذا كلام الأمير مبني على
أن إن شاء الله شرط على بابه لتقييد المعلق عليه نفسه كما هو مذهبه ومذهب الناصر
قلت والظاهر أن مذهب ابن المبارك كما في الطلاق كذلك يأتي في النذر والعتق لأن جعل
إن شاء الله شرطا على بابه لتقييد التعليق يقتضي وقوع الشك في العتق والنذر كما
علمت وفي اعتبار الشك فيهما كالطلاق عن ابن القاسم وهو الصحيح فلا يلغى بل يقتضى
لزومهما أما العتق فلتشوف الشارع للحرية ولم ينظر والاحتياط في الفروج كما في شرح
الأمير على مجموعه وعتق وأما النذر فكذلك على الظاهر لكونه قربة
____________________
(1/144)
دخول الدار فإن وقع الكلام أولا فلا تطلق به لأنه وقع قبل
سبب اعتباره فيلغى كالصلاة قبل الزوال فلا بد من إيقاعه بعد دخول الدار حتى يقع
بعد سببه فيعتبر كالصلاة بعد الزوال هذا مدركهم وهو مدرك حسن وأصحابنا وإمام
الحرمين يلاحظ أنا أجمعنا على أن المعطوف بالواو يستوي الحال فيه تقدم أو تأخر
وكذلك عند عدمه لأن الإنسان قد يعطف الكلام بعضه على بعض من غير حرف عطف ويكون في
معنى حرف العطف كقولنا جاء زيد جاء عمرو وسيأتي في الاستشهاد ما يعضد ذلك
فهذا سر فقه الفريقين وأما ما يشهد لهم من القرآن الكريم فقوله تعالى في سورة هود
ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه
ترجعون فإرادة الله تعالى متقدمة على إرادة البشر من الأنبياء وغيرهم فالمتقدم
لفظا متأخر وقوعا ولا يمكن خلاف ذلك فهذه الآية تشهد لمذهب الشافعي رضي الله عنه
وقوله تعالى وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها فالظاهر
أن إرادة رسول الله صلى الله عليه وسلم متأخرة عن هبتها فإنها تجري مجرى القبول في
العقود وهبتها لنفسها إيجاب كما تقول من وهبك شيئا للمكافأة لزمك أن تكافئه عليه
إن أردت قبول
هامش أنوار البروق
في الأزل ليس بلازم ونحن نقول إنه لم يقل به أحد كما قال وإنما اللازم لزوم الطلاق
الآن عند هذا الكلام وذلك هو مراد مالك ومن وافقه والله أعلم
قال قال القاضي عبد الوهاب إلى آخر كلامه في المسألة قلت ما قاله في هذه المسألة
من أن الحق فيها عدم لزوم الطلاق في الحال ليس بصحيح بل الصحيح لزومه في الحال كما
سبق والله أعلم
هامش إدرار الشروق
أوجبها على نفسه أو إلغائه فيها كالطلاق فلا يحكم بواحد فيها لمجرد احتمال خلاف
نعم جريان قول عبد الملك بإلغاء الشك وإن ظهر في غير الطلاق لا يظهر في الطلاق لأن
الشك فيه على خمسة أوجه كما في البيان لابن رشد نظمها بعضهم بقوله ذو الشك في
الحنث بلا مستند لا أمر لا جبر اتفاقا قيد لا جبر بل يؤمر من سيستند بالاتفاق قال
من يعتمد من شك في الحنث وفي أن حلفا لا جبر بل في أمر هذا اختلفا ثم الذي في جبره
يختلف ذو المشي والعدد والحيض اعرفوا ذو الشك في الزوجة فعل أمس بالاتفاق أجبره
دون لبس وصورة الوجه الأول أن يحلف الرجل على الرجل أن لا يفعل فعلا ثم يقول لعله
قد فعله من غير سبب يوجب عليه الشك في ذلك وصورة الوجه الثاني أن يحلف أن لا يفعل
ثم يشك هل حنث أم لا
____________________
(1/145)
تلك الهبة ويحتمل أن تكون إرادة رسول الله صلى الله عليه
وسلم متقدمة وإذا فهمت المرأة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصد ذلك منها وهبت
نفسها له فهذه الآية محتملة للمذهبين وهي ظاهرة في مذهب مالك وإمام الحرمين وأما
الشعر فقول ابن دريد فإن عثرت بعدها إن والت نفسي من هاتا فقولا لا لعا
ومعلوم أن العثور مرة ثانية إنما يكون بعد الخلوص من الأولى فالمتقدم لفظا متأخر
وقوعا كما قاله الشافعية وكذلك أنشد ابن مالك النحوي في هذا الباب إن تستغيثوا بنا
إن تذعروا تجدوا منا معاقل عز زانها كرم والاستغاثة إنما تكون بعد الذعر فالمتقدم
لفظا متأخر معنى فالبيتان يشهدان للشافعية
ولو قال القائل إن تتجر إن تربح في تجارتك فتصدق بدينار لكان كلاما عربيا مع أن
المتقدم في اللفظ متقدم في الوقوع وكذلك إن طلقت المرأة إن انقضت عدتها حل لها
الزواج فالمتقدم لفظا متقدم في الوقوع ولما كانت المواد تختلف في ذلك والجميع كلام
عربي جعله مالك سواء لأن الأصل عدم سببية الثاني في الأول بل الثاني لا بد منه في
وقوع ذلك المشروط تقدم أو تأخر
هامش أنوار البروق
قال المسألة السابعة قال مالك في التهذيب إن فعلت كذا فعلي الطلاق إن شاء الله لا
ينفعه الاستثناء قال ابن يونس قال عبد الملك إن أعاده على الفعل دون الطلاق نفعه
إلى آخر نقل الأقوال قلت ذلك نقل لا كلام فيه
هامش إدرار الشروق
لسبب أدخل عليه الشك وصورة الوجه الثالث أن يشك هل طلق أم لا وهل حلف وحنث أو لم
يحلف لسبب أدخل عليه الشك فقال ابن القاسم يؤمر بالطلاق
وقال أصبغ لا يؤمر به وصورة الوجه الرابع أن يطلق فلا يدري إن كان طلق واحدة أو
اثنتين أو ثلاثا أو يحلف ويحنث ولا يدري إن كان حلف بطلاق أو بمشي أو يقول امرأتي
طالق إن كانت فلانة حائضا فتقول لست بحائض أو إن كان فلان يبغضني فيقول أنا أحبك
ويزعم أنه قد صدقه ولا يدري حقيقة ذلك والخلاف في المسألة الأولى من قول ابن
القاسم ومن قول ابن الماجشون وفي الثانية بين ابن القاسم وأصبغ وصورة الوجه الخامس
أن يقول امرأتي طالق إن كان أمس كذا وكذا لشيء يمكن أن يكون وأن لا يكون ولا طريق
إلى استعلامه وأن يشك في أي امرأة من امرأتيه طلق فإنه يجبر على فراقهما جميعا ولا
يجوز له أن يقيم على واحدة منها والشك في مسألتنا من قبيل هذا الوجه الخامس كما لا
يخفى فانظر كيف يتأتى فيه جريان أصل عبد الملك من إلغاء الشك واستصحاب العصمة مع
حكاية ابن رشد في البيان الاتفاق فيه على الجبر على الطلاق فتأمل ذلك بإنصاف وحرر
والله سبحانه وتعالى أعلم
المسألة الثامنة لتعدد الشرط اللغوي مع اتحاد
الجواب ثلاثة أقسام القسم الأول تعدده كذلك بدون عطف مع تكرر حرف الشرط ويسميه
الفقهاء تعليق التعليق والنحاة اعتراض الشرط على الشرط وقد أفرد بالتأليف نحو أنت
طالق إن كلمت زيدا إن دخلت الدار وهو يحتمل كما قال ابن الحاجب أربعة أوجه
____________________
(1/146)
فائدة قال ابن مالك في شرح مقدمته لما ذكر هذه المادة وهي اعتراض الشرط على الشرط
قال الشرط الثاني لا جواب له وإنما الجواب للأول خاصة والثاني جرى مع الأول مجرى
الفضلة والتتمة كالحال وغيرها من الفضلات وصدق رحمه الله فإن هذا الشرط الثاني
إنما اعتباره في الأول لا في الطلاق الذي جعل مشروطا فذكر الشرط الأول سد مسد
جوابه
فائدة فإن نسق هذا النسق عشرة شروط فأكثر فعلى رأي الشافعية لا بد أن ينعكس هذا
العدد كله على ترتيبه كما تقدم في السؤال والوعد والعطية لأن العاشر سبب في التاسع
فيقع قبله والتاسع سبب في الثامن فيقع قبله والثامن سبب في السابع فيقع قبله وكذلك
البقية فلا بد أن يكون وقوعها هكذا العاشر ثم التاسع ثم الثامن ثم السابع
هامش أنوار البروق
قال اعلم أن هذه المواضع لا يدرك حقيقتها إلا الفحول من العلماء أو من يفتح الله
عليه من نفس فضله وسعة رحمته قلت ما قاله في ذلك صحيح والله أعلم
قال إذا تقررت هذه القاعدة فنقول قول عبد الملك إن أعاده على الفعل نفعه معناه إن
أراد أن ذلك الفعل المعلق عليه لم أجزم بجعله سببا إلى قوله فلا يلزم به شيء
إجماعا
قلت قول القائل إن فعلت كذا فعلي الطلاق إن شاء الله لا يخلو من أن يريد إعادة
الاستثناء إلى الطلاق المعلق على ذلك أو إلى الفعل فإن أعاده على الطلاق فقد سبق
في مسألة أنت طالق إن شاء الله أن الصحيح لزوم الطلاق وأن الاستثناء لا ينفعه وهذا
المعلق كذلك وإن أعاده إلى الفعل المعلق عليه الطلاق فإن أراد معناه الظاهر وهو إن
شاء الله تعالى أن أفعل ذلك الفعل فإذا فعله فقد شاء الله تعالى فعله فيلزم الطلاق
كما قال مالك ومن وافقه وإن أراد ما قاله شهاب الدين وتأوله على عبد الملك وزعم
أنه لا يلزمه شيء إجماعا فليس بالظاهر بل هو معنى متكلف ومع ذلك فلقائل أن يقول
إنه استثناء لا يفيد عدم لزوم الطلاق بل يفيد لزومه من جهة أن معنى الكلام أن ذلك
تفويض سببية هذا الكلام إلى مشيئة الله تعالى وقد جعله الله تعالى سببا بتسويغه
للمتكلم أن يجعله سببا
هامش إدرار الشروق
الوجه الأول أن يجعل الجواب لهما معا ولا سبيل إليه لما يلزم من اجتماع عاملين على
معمول واحد الوجه الثاني أن لا يجعل جوابا لواحد منهما ولا سبيل إليه لما يلزم من
الإتيان بما لا دخل له في الكلام وترك ما له دخل وهو عبث الوجه الثالث أن يجعل جوابا
للثاني دون الأول ولا سبيل إليه لأنه يلزم أن يكون الثاني وجوابه جوابا للأول
وحينئذ يلزم الإتيان بالفاء الرابطة ولا فاء الوجه الرابع وهو المتعين أن يكون
جوابا للأول وهو وجوابه دليل جواب الثاني وهو رأي الفراء واقتصر في المغني وابن
مالك في التسهيل عليه
وذكر ابن هشام النحوي في حواشي الألفية عن الفراء أنه سأل الفقهاء عن هذه المسألة
فاختلفوا عليه فقال بعضهم لا تطلق إلا بوقوع الشرطين مرتين كترتيبهما في
____________________
(1/147)
ثم السادس ثم الخامس إلى الأول فيقع آخرا ومتى اختل ذلك في
الوقوع اختل المشروط وعلى رأي المالكية لا بد من وقوع الجميع كيفما وقعت يقع
تفريع أذكر فيه المعطوفات من الشروط فإن قال إن
أكلت وإن لبست فأنت طالق فلا ترتيب بين هذين الشرطين باتفاق الفرق بل أيهما وقع
قبل صاحبه اعتبر ولا بد من وقوع الآخر بعده فإنهما معا جعلا شرطين في الطلاق ولم
يجعل أحدهما شرطا في الآخر
والجواب لهما معا بخلاف القسم الأول الجواب للأول فقط فإن قال إن أكلت فلبست فأنت
طالق تعين أن يكون المتأخر متأخرا والمتقدم متقدما عكس المنسوق بغير حرف العطف وهو
كقوله تعالى فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب
فالزنى منهن متأخر كما هو في اللفظ وكذلك إن أكلت ثم لبست وإن أكلت حتى إن لبست
يقتضي اللفظ تأخير اللبس مع تكرر الأكل قبله لأن القاعدة أن المغيا لا بد أن يثبت
قبل الغاية ويتكرر إليها وإن أكلت بل إن لبست فأنت طالق لا يلزمه الطلاق إلا
باللبس وقد ألغي الأكل بالإضراب عنه ببل والشرط الثاني
هامش أنوار البروق
وقد جعله كذلك بالتعليق عليه كما سوغ له وما أرى عبد الملك راعى هذا المعنى
المتكلف بل رأى أن استثناء مشيئة الله تعالى يكون رافعا لحكم التعليق كرفعه لحكم
اليمين والله أعلم
قال ولا يكون هذا خلافا لمالك وابن القاسم مع أن صاحب المقدمات حكاه خلافا قلت
صاحب المقدمات أمس بتحقيق هذا العلم ومعرفة الخلاف فيه من الوفاق
هامش إدرار الشروق
الذكر وقيل بشرط انعكاس الترتيب وقيل تطلق بهما مطلقا وقيل بوقوع أي شرط كان
واختار الفراء الثاني ووجهه بالوجه الرابع الذي رآه والحق أن الوجه الرابع يصلح
توجيها لكل من القول الثاني وهو مذهب الشافعي والقول الثالث وهو مذهب الإمام مالك
واختاره إمام الحرمين من الشافعية وذلك لأن مذهب الشافعي مبني على أن استقبال
الفعل الأول باعتبار زمن الثاني لتوقفه عليه ومذهبنا مبني على أن استقبال كل من الفعلين
باعتبار زمن التكلم وهو الظاهر لأن المتوقف على الثاني إنما هو لزوم حكم التعليق
لا المعلق عليه كما في البناني على عبق
وضابط مذهب الشافعي أن الشروط إن وقعت كما نطق بها لم تطلق وأن عكسها المتقدم
متأخر والمتأخر متقدم طلقت قال الشيخ أبو إسحاق في المهذب في المثال المار إن دخلت
الدار ثم كلمت زيدا طلقت وإن كلمت زيدا أولا ثم دخلت الدار لم تطلق لأنه جعل دخول
الدار شرطا في كلام زيد فوجب تقديمه عليه وإن قال إن أعطيتك إن وعدتك إن سألتني
فأنت طالق لم تطلق حتى يوجد السؤال ثم الوعد ثم العطاء لأنه شرط في الوعد العطية وشرط
في العطية السؤال وكان معناه إن سألتني فوعدتك فأعطيتك فأنت طالق وافقه الغزالي
على ذلك في الوسيط ولم يحكيا خلافا وعليه إذا نسق هذا النسق عشرة شروط فأكثر فلا
بد في لزوم الطلاق من أن يقع العاشر أولا ثم التاسع إلى الأول فيقع آخرا لأن
العاشر سبب في التاسع فيقع قبله وهكذا ومتى اختل ذلك في الوقوع اختل المشروط فلا
يقع ومدركهم قاعدتان الأولى أن الشروط اللغوية أسباب يلزم من وجودها الوجود ومن
عدمها العدم
والقاعدة الثانية أن تقدم المسبب على سببه لا يعتبر كالصلاة قبل الزوال فإذا قال
إن كلمت زيدا إن دخلت
____________________
(1/148)
وحده وإن لم تأكلي لكن إن لبست فأنت طالق فالشرط الثاني
وحده وقد ألغي الأول بلكن لأنها للاستدراك وإن أكلت لا إن لبست فأنت طالق فالشرط
الأول وحده ولا تطلق إلا به لأن لا لإبطال الثاني وإن أكلت أو لبست فأنت طالق
فالشرط أحدهما لا بعينه فأيهما وقع لزم به الطلاق وكذلك أنت طالق أما إن أكلت وأما
إن شربت أي تعليق طلاقه متنوع بهذين النوعين فيلزم الطلاق بأحدهما ولم يبق من حروف
العطف إلا أم وهي متعذرة في هذا الباب لأنها للاستفهام والمستفهم غير جازم بشيء
والمعلق لا بد أن يكون جازما فالجمع بينهما محال وقد ذكر الشيخ أبو إسحاق في
المهذب هذه الفروع بالواو والفاء وثم وصرح في الواو بأنها تطلق بكل واحد منهما
طلقة قال لأن حروف الشرط قد تكرر
هامش أنوار البروق
قال وقال الحق عدم اللزوم قياسا على اليمين بالله تعالى إذا أعاد الاستثناء على
الفعل قلت بل الحق اللزوم كما سبق والقياس الذي ذكره ليس بصحيح للفرق بينهما وهو
أن القائل إذا قال والله لأفعلن إن شاء الله ورد الاستثناء إلى الفعل فإذا فعل ذلك
الفعل فقد شاء الله تعالى وبر في يمينه وإن لم يفعله فهو بار أيضا لأنه علق
المحلوف عليه على المشيئة للفعل ولم يقع الفعل فلم تتعلق به المشيئة والقائل إذا
قال إن فعلت كذا فعلي الطلاق إن شاء الله ورد الاستثناء إلى الفعل فإذا فعل ذلك
الفعل فقد شاء الله فإنه لا يقع شيء إلا بمشيئته ويلزم مقتضى التعليق لوقوع المعلق
عليه والله أعلم
قال وهذا يشعر بأن ابن القاسم يوافق في اليمين بالله تعالى ويخالف في الطلاق فيكون
هذا إشكالا آخر
هامش إدرار الشروق
الدار فمعناه عندهم أني جعلت كلام زيد سبب طلاقك وشرطه اللغوي غير أني قد جعلت سبب
اعتباره والشرط فيه دخول الدار فإن وقع الكلام أولا فلا تطلق به لأنه وقع قبل سبب
اعتباره فيلغى كالصلاة قبل الزوال فلا بد من إيقاعه بعد دخول الدار حتى يقع بعد
سببه فيعتبر كالصلاة بعد الزوال
ويشهد لمذهبهم من القرآن قوله تعالى في سورة هود ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح
لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون فإن إرادة الله تعالى متقدمة
على إرادة البشر من الأنبياء وغيرهم فالمتقدم لفظا متأخر وقوعا ولا يمكن خلاف ذلك
ومن الشعر قول ابن دريد فإن عثرت بعدها إن والت نفسي من هاتا فقولا لا لعا وقول
الشاعر إن تستغيثوا بنا إن تذعروا تجدوا منا معاقل عز زانها كرم إذ معلوم أن
العثور مرة ثانية إنما يكون بعد الخلوص من الأول فالمتقدم لفظا متأخر وقوعا وأن
الاستغاثة إنما تكون بعد الذعر فالمتقدم لفظا متأخر معنى وضابط مذهبنا وإمام
الحرمين أن الشروط إذا وقعت معا على ترتيبها في التعليق أو على عكسه طلقت قال خليل
في مختصره وإن قال إن كلمت إن دخلت لم تطلق إلا بهما قال عبق أي معا على ترتيبهما
في التعليق أو على عكسه ا ه فإذا قال إن أعطيتك إن وعدتك إن سألتني فأنت طالق طلقت
بوجود الثلاثة على الترتيب أو على عكسه وإذا نسق هذا النسق عشرة شروط
____________________
(1/149)
فوجب لكل واحد منهما جزاء فتطلق بكل واحد منهما طلقة وما
قاله غير لازم بل يكون حرف العطف يقتضي مشاركة الثاني للأول في أنه شرط في هذا
الجزاء والتشريك بالعاطف إنما يقتضي أصل المعنى دون متعلقاته وظروفه وأحواله فإذا
قلت مررت بزيد قائما وعمرو لم يلزم أنك مررت بعمرو قائما أيضا كذلك نص عليه النحاة
وكذلك مررت بزيد يوم الجمعة أو أمامك وعمرو
لا يلزم التشريك إلا في أصل المرور فقط وكذلك اشتريت هذا الثوب بدرهم والفرس لا
يلزم الاشتراك في الدرهم لأنه متعلق بل في أصل الفعل خاصة ومقتضى هذه القاعدة أن
التشريك إنما يلزم في هذه المسألة في
هامش أنوار البروق
قلت لا يكون ذلك إشكالا على ما تقرر بوجه
قال أما إذا حمل قول عبد الملك على ما ذكرته فلا إشكال ويصير المدرك مجمعا عليه
وإلا فلا تعقل المسألة ألبتة ولا يصير لها حقيقة قلت قد سبق أن ما ذكره مقصد متكلف
لم يقصده عبد الملك ولا يفيد على تقدير قصده ما ذكر بل نقيضه فلا يصير المدرك
مجمعا عليه وتعقل المسألة وتصير لها حقيقة والله أعلم
قال وقوله أنت طالق إلا أن يبدو لي لا ينفعه إلى آخر المسألة
هامش إدرار الشروق
فأكثر طلقت بوقوع الجميع على الترتيب أو على عكسه ومدرك أصحابنا وإمام الحرمين أنا
أجمعنا على أن المعطوف بالواو يستوي الحال فيه تقدم أو تأخر فكذلك عند عدمه لأن
الإنسان قد يعطف الكلام بعضه على بعض من غير حرف عطف ويكون في معنى حرف العطف
كقولنا جاء زيد جاء عمرو وأن الربط بين الشروط اللغوية ومشروطاتها وضعي كما سبق
التنبيه عليه فصفة الربط من تقدم أو تأخر أو معية كذلك وضعي والأمور الوضعية يجوز
تبدلها وتبدل أوصافها بحسب قصد الواضع لها فافهم
قالوا وما احتج به الشافعية لا حجة فيه إذ ليس كون المتأخر في الآية والبيتين
متقدما من مقتضى اللفظ بل هو من ضرورة الوجود ألا ترى أن كون الذعر سببا في
الاستغاثة ليس من مقتضى اللفظ فغاية ما في ذلك جواز أن يتقدم في اللفظ ما هو متأخر
في الوجود وقد ثبت في قوله تعالى وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي
أن يستنكحها أن مثل هذا يجيء في المحتمل للتقدم والتأخر وأيضا لا مانع من تسويغ
قول القائل إن طلقت المرأة إن انقضت عدتها حل نكاحها وقوله إن تتجر إن تربح في
تجارتك تصدق بدينار وأنه كلام عربي مع أن المتقدم في اللفظ متقدم في الوقوع فظهر
أن مثل هذا سائغ على كل وجه فالقول قول إمام الحرمين والمالكية قال الأمير في شرح
مجموعه وضوء شموعه فإن الاتصاف احتمال العكس أي إن كلمت فإن دخلت الدار فأنت طالق
والحالف لا يلزم أن يراعي العربية ويأتي بالفاء على أن الفاء قد تحذف فاحتيط أي
بأعمال كل من الاحتمالين ا ه والله أعلم
القسم الثاني تعدد الشرط اللغوي كذلك بالعطف بالواو مع تكرر حرف الشرط أو مع عدم
تكرره ففي نحو إن أكلت وإن لبست فأنت طالق يلزمه طلقة واحدة إذا وقع كل من الأكل
أو اللبس قبل صاحبه أو معه بل ولو انفرد واحد منهما لأن تكرر حرف الشرط يدل على
استقلال كل واحد بالشرطية وحرف الشرط وإن تكرر مع الفعلين إلا أنه لا يلزم أن يكون
لكل واحد منهما جزاء فتطلق بكل واحد منهما
____________________
(1/150)
أصل الشرطية دون ما بعده من الجزاء فالتزام التشريك في
الجميع التزام ما لم يلزم وبقي في الفاء وثم مراعاة التعقيب في الفاء والتراخي في
ثم لم أرهم تعرضوا له وقالوا إن لم يقع الثاني عقيب الأول في صورة الفاء لم يقع
طلاق ولا إن لم يتراخ الثاني عن الأول في
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله في ذلك صحيح غير قوله بل ذلك موكول لمشيئة الله تعالى فلا يكون سببا
فلا يلزمه الحج بكلامه فإنه يلزمه إذا كان الاستثناء بمشيئة الله تعالى بخلاف إذا
كان بمشيئته فإنه كان الاستثناء بمشيئة القائل في قوله إن كنت كلمت زيدا فعلي
المشي إلى الحج فإن قال إن شاء الله فإنه يلزمه كما سبق وإن قال إلا أن يبدو لي
فإنه لا يلزمه لأنه يتعين هنا حمل كلامه على رد الاستثناء إلى جعل ذلك الفعل سببا
قال شهاب الدين المسألة الثامنة في الجواهر أنت طالق إن كلمت زيدا إن دخلت الدار
وهو تعليق التعليق فإن كلمت زيدا أولا تعلق طلاقها بالدخول لأنه شرط في اعتبار
الشرط الأول إلى قوله من أطاريف المسائل قلت ما قاله نقل أو وعد فلا كلام فيه قال
القاعدة الأولى أن الشروط اللغوية أسباب إلى آخر قوله وعلى رأي المالكية لا بد من
وقوع الجميع كيفما وقعت يقع
هامش إدرار الشروق
طلقة كما قاله أبو إسحاق في المهذب إذ القاعدة أن التشريك بالعاطف أصل المعنى دون
متعلقاته وظروفه وأحواله
فإذا قلت مررت بزيد قائما أو يوم الجمعة أو أمامك وعمرو لم يلزم تشريك عمرو إلا في
أصل المرور وإذا قلت اشتريت هذا الثوب بدرهم والفرس لم يلزم الاشتراك في الدرهم
لأنه متعلق بل في أصل الفعل ومقتضى هذه القاعدة أن التشريك هنا في أصل الشرطية دون
ما بعده من المتعلقات فالتزام التشريك في الجميع التزام لما لا يلزم نعم يمكن أن
يقال يحتمل قصد تعدد الجواب واختصاره لفظا فيكون بمنزلة من طلق وشك في العدد فيحمل
على الثلاث احتياطا
وفي نحو إن أكلت ولبست فأنت طالق لا يلزم الطلاق إلا بمجموع الفعلين بلا ترتيب
بينهما باتفاق الفرق بل أيهما وقع قبل صاحبه اعتبر ولا بد من وقوع الآخر بعده
فإنهما معا جعلا شرطين في الطلاق ولم يجعل أحدهما شرطا في الآخر القسم الثالث تعدد
الشرط اللغوي كذلك بالعطف بغير الواو ومع عدم تكرر حرف الشرط في الفاء وثم وأو ومع
تكرره في حتى وبل ولا ولكن وأما ففي نحو إن أكلت فلبست أو ثم لبست فأنت طالق يلزمه
الطلاق بفعلهما على ترتيبهما في اللفظ وكذلك في إن أكلت حتى لبست فأنت طالق يقتضي
اللفظ تأخير اللبس مع تكرر الأكل قبله لأن القاعدة أن المغيا لا بد أن يثبت قبل
الغاية ويتكرر إليها وفي نحو إن أكلت بل إن لبست فأنت طالق لا يلزمه الطلاق إلا
باللبس لأنه هو الشرط وحده
وأما الأكل فقد ألغيت شرطيته بالإضراب عنه ببل وكذلك في نحو إن لم تأكلي لكن إن
لبست فأنت طالق الشرط هو الثاني وحده
وقد ألغي الأول بلكن لأنها للاستدراك وفي نحو إن أكلت لا إن لبست فأنت طالق لا
تطلق إلا بالأول لأنه هو الشرط وحده لأن لا لإبطال الثاني وفي نحو إن أكلت أو لبست
فأنت طالق ونحو أنت طالق أما إن أكلت وأما إن لبست يلزم الطلاق بوقوع أيهما لأن
الشرط أحدهما لا بعينه ولم يبق من حروف
____________________
(1/151)
صورة ثم لم يقع طلاق وذلك هو مقتضى اللغة غير أنهم قد
يكونون لم يعتبروا ذلك لأن العادة ألغته وأمر الأيمان مبني على العوائد
هامش أنوار البروق
قلت مذهب المالكية هو الصحيح وما احتج به للشافعية لا حجة فيه فإن كان ما ذكره من
دلالة الآية والبيتين وهو قوله تعالى ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان
الله يريد أن يغويكم وقول الشاعر فإن عثرت بعدها إن والت نفسي من هاتا فقولا لا
لعا وقول الآخر إن تستغيثوا بنا إن تذعروا تجدوا منا معاقل عز زانها كرم
قلت ليس كون المتأخر فيها متقدما من مقتضى اللفظ بل من ضرورة الوجود فغاية ما في
ذلك جواز أن يتقدم في اللفظ ما هو متأخر في الوجود وكون الذعر سببا في الاستغاثة
ليس من مقتضى اللفظ وقد ثبت في قوله تعالى وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن
أراد النبي أن يستنكحها أن مثل هذا يجيء في المحتمل للتقدم والتأخر ولا مانع من
تسويغ قول القائل إن طلقت المرأة إن انقضت عدتها حل نكاحها فظهر أن مثل هذا سائغ
على كل وجه فالقول قول إمام الحرمين والمالكية والله أعلم
قال تفريع أذكر فيه المعطوفات من الشروط إلى قوله
بخلاف القسم الأول الجواب للأول فقط قلت قوله فلا ترتيب بين هذين الشرطين
باتفاق الفرق بل أيهما وقع قبل صاحبه اعتبر صحيحا وكان حقه أن يقول أو مع صاحبه
وقوله ولا بد من وقوع الآخر بعده ليس بلازم فإنه إذا انفرد كل واحد منهما استقل
بالشرطية وإنما يلزم ما قاله لو قال إن أكلت ولبست فإن مقتضى ذلك جعل الشرط مجموع
الفعلين وإذا كان ذلك فلا بد من وقوع الآخر بعده أما إذا تكرر حرف الشرط فإنه يدل
على استقلال كل واحد بالشرطية فلا يلزم وقوع الآخر بعده وقوله بخلاف القسم الأول
يعني إن أكلت إن لبست دون حرف عطف والله أعلم
قال فإن قلت إن أكلت فلبست فأنت طالق إلى قوله والمستفهم غير جازم بشيء والمعلق لا
بد أن يكون جازما فالجمع بينهما محال قلت ما قاله في ذلك صحيح غير قوله عكس
المنسوق بغير حرف عطف يلزم أن يكون المتأخر في اللفظ متقدما في الوجود فإنه مبني
على قاعدة أن الشروط اللغوية أسباب والأسباب يلزم تقدمها على مسبباتها وذلك كله
أمر عرفي اصطلاحي والربط بين الشروط اللغوية ومشروطاتها
هامش إدرار الشروق
العطف إلا أم وهي متعذرة في هذا الباب لأنها للاستفهام والمستفهم غير جازم بشيء
والمعلق لا بد أن يكون جازما فالجمع بينهما محال ولم يتعرضوا لمراعاة التعقيب في
الفاء والتراخي في ثم بأن يقولوا إن لم يقع الثاني عقيب الأول في صورة الفاء لم
يقع طلاق ولا إن لم يتراخ الثاني عن الأول في صورة ثم لم يقع طلاق وإن كان ذلك هو
مقتضى اللغة لأن العادة لما ألغته وأمر الأيمان مبني على العوائد لم يعتبروا ذلك
والله سبحانه وتعالى أعلم
____________________
(1/152)
فارغة
هامش أنوار البروق
وضعي كما سبق التنبيه عليه فصفة الربط من تقدم أو تأخر أو معية كذلك وضعي والأمور
الوضعية يجوز تبدلها وتبدل أوصافها بحسب قصد الواضع لها فإن أراد أن المنسوق بغير
حرف عطف يلزم ذلك فيه عرفا فهو صحيح
وإن أراد غير ذلك فليس بصحيح والله أعلم قال وقد ذكر الشيخ أبو إسحاق في المهذب
هذه الفروع بالواو والفاء وثم وصرح في الواو بأنها تطلق بكل واحد من الشرطين طلقة
إلى آخر قوله وأمر الأيمان مبني على العوائد قلت ما قاله صحيح وهو الظاهر من قول
القائل إن أكلت أو لبست فأنت طالق بخلاف ما إذا قال إن أكلت فأنت طالق أو لبست
فأنت طالق الظاهر هنا تعدد الطلاق وفي كلا المثالين إن انفرد الأكل أو اللبس لزم
الطلاق وإذا قال إن أكلت ولبست فأنت طالق فلا يلزم الطلاق إلا بمجموع الأمرين
ويمكن أن يقال إذا قال إن أكلت وإن لبست فأنت طالق يحتمل قصد تعدد الجواب واختصره
لفظا فيكون بمنزلة من طلق وشك في العدد فيحمل على الثلاث احتياطا والله أعلم
قال شهاب الدين
هامش إدرار الشروق
____________________
(1/153)
الفرق الرابع بين قاعدتي إن ولو الشرطيتين
هامش أنوار البروق
الفرق الرابع بين قاعدتي إن ولو الشرطيتين
هامش إدرار الشروق
الفرق الرابع بين قاعدتي إن ولو الشرطيتين الأكثر في أن إن لا تتعلق إلا بمعدوم
مستقبل وقد تتعلق بالماضي لفظا ومعنى قياسا مطردا
مع كان نحو وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله إذ المعنى
والله أعلم وإن كنتم في ريب فيما مضى واستمر ذلك
الريب لوقت الخطاب فأتوا بسورة أي فأنتم مطالبون بما يزيله وهو المعارضة المفيدة
للجزم وبعد الواو في مقام التأكيد في نحو زيد وإن كثر ماله بخيل حيث اعتبر كون
الواو للعطف على محذوف أي إن لم يكثر ماله وإن كثر ماله وكون إن شرطية ولو لم يقدر
لها جواب إذ قولهم إن الشرطية لها شرط وجزاء غالبي لا كلي وقليلا في غير ذلك كقول
أبي العلاء المعري
____________________
(1/154)
أن إن لا تتعلق إلا بمعدوم مستقبل ولو تتعلق بالماضي تقول
إن دخلت الدار فأنت طالق فلا تريد دخولا تقدم بل مستقبلا ولا طلاقا تقدم بل
مستقبلا وإن وقع خلاف ذلك أول وتقول في لو لو جئتني أمس أكرمتك اليوم ولو جئتني
أمس أكرمتك أمس فالمعلق والمعلق عليه ماضيان وذلك متعذر في إن بل إذا وقع في شرطها
أو جوابها فعل ماض كان مجازا مؤولا بالمستقبل نحو إن جاء زيد أكرمته فهذان الفعلان
الماضيان مؤولان بمستقبل تقديره إن يجئ زيد أكرمه ثم أطرز الفرق بأربع عشرة مسألة غريبة
جليلة
المسألة الأولى قال الله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام إن كنت قلته فقد علمته
فجعل الشرط وجزاءه ماضيين
والجواب عنه من وجهين أحدهما أنه قد قال بعض المفسرين إن ذلك وقع منه في الدنيا
وأن سؤال الله تعالى له قبل أن يدعي ذلك عليه فيكون التقدير إن أكن أقله فأنت
تعلمه فهما مستقبلان لا ماضيان وقيل سؤال الله تعالى له يكون يوم القيامة وهذا
القول هو المشهور فيكونان مستقبلين لا ماضيين قال ابن السراج يجب تأويلهما بفعلين
مستقبلين تقديرهما أن يثبت في المستقبل أني قلته في الماضي يثبت أنك تعلم ذلك وكل
شيء تقرر في الماضي كان ثبوته في المستقبل معلوما فيحسن التعليق عليه ويؤكد القول
الأول أن السؤال كان في الدنيا من الآية نفسها قوله
هامش أنوار البروق
أن إن لا تتعلق إلا بمعدوم مستقبل ولو تتعلق بالماضي إلى قوله ثم أطرز الفرق بأربع
عشرة مسألة عربية جليلة
قلت قوله إن إن لا تتعلق إلا بمعدوم مستقبل ليس كذلك بل تتعلق بالماضي ولكن الأكثر
فيها تعلقها بالمستقبل وما اختاره يلزم منه دعوى المجاز في استعمالها في الماضي
هامش إدرار الشروق
فيا وطني إن فاتني بك سابق من الدهر فلينعم لساكنك البال أي إن كان زمن سابق فوت
علي الإقامة والسكنى في وطني ولم يتيسر لي الإقامة فيه وتولاه غيري فلا لوم علي
لأني تركته من غير عيب فيه وحينئذ فلتطب نفس ذلك الساكن ولينعم باله والغرض من ذلك
إظهار التحسر والتحزن على مفارقة الوطن والشاهد في قوله إن فاتني فإنه مستعمل في
الماضي لفظا ومعنى وأما لو فتتعلق بالماضي قال السعد ومذهب المبرد أنها تستعمل في
المستقبل استعمال إن وهو مع قلته ثابت ا ه
قال الدسوقي نحو قوله ولو تلتقي أصداؤنا بعد موتنا ومن دون رمسينا من الأرض سبسب
لظل صدى صوتي وإن كنت رمة لصوت صدى ليلى يهش ويطرب ولو شرطية مع الماضي ولها ثلاث
استعمالات أحدها أن تكون للترتيب الخارجي بمعنى أنها تستعمل للدلالة على أن علة
انتفاء الجزاء في الخارج وهي انتفاء مضمون الشرط من غير التفات إلى أن علة العلم
بانتفاء الجزاء ما هي فمعنى لو شاء الله لهداكم أن انتفاء الهداية إنما هو سبب
انتفاء المشيئة لأن انتفاء المشيئة علة في انتفاء الهداية في الخارج وهذا هو
الاستعمال الغالب فلذا قال سيبويه لو حرف لما كان سيقع لوقوع غيره أي يدل على أن
الجواب كان يقع فيما مضى لو وقع الشرط وقال غيره ومشى عليه المعربون حرف امتناع
لامتناع أي امتناع الجواب لامتناع الشرط فافهم
والثاني كونها للاستدلال على انتفاء الملزوم الذي هو الشرط بانتفاء اللازم الذي هو
الجزاء من غير التفات إلى أن على الجزاء في الخارج ما هي كما في قوله تعالى لو كان
فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فإن
____________________
(1/155)
تعالى وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم فصيغة إذ للماضي وقال
للماضي فإذا أخبر الله محمدا صلى الله عليه وسلم بهذين اللفظين الماضيين دل ذلك
على تقدم هذا القول في زمن عيسى عليه السلام في الدنيا والقول الثاني يتأول هذين
اللفظين بالمستقبل ويقول لما كان خبر الله تعالى واقعا في المستقبل قطعا صار من
جهة تحققه يشبه الماضي فعبر عنه بلفظ الماضي كما قاله تعالى أتى أمر الله يريد يوم
القيامة وتقديره يأتي أمر الله تعالى فائدة جميلة جليلة إذا تقرر أن الشرط وجزاءه
لا يتعلقان إلا بمستقبل معدوم فاعلم أن ذلك في لسان العرب عشر حقائق الشرط وجزاؤه
والأمر والنهي
والدعاء والوعد والوعيد والترجي والتمني والإباحة فتأمل هذه العشرة لا تجد منها
واحدا يتصور في ماض ولا حاضر سؤال كان يورده الشيخ عز الدين بن عبد السلام قدس
الله روحه في قوله صلى الله عليه وسلم لما قيل له كيف نصلي عليك فقال قولوا اللهم
صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك
حميد مجيد فكان يقول قاعدة العرب تقتضي أن المشبه بالشيء يكون أخفض رتبة منه وأعظم
أحواله أن يكون مثله وها هنا شبهنا عطية رسول الله صلى الله عليه وسلم بعطية
إبراهيم عليه السلام فإن صلاة الله سبحانه معناه الإحسان فإن الدعاء الذي هو حقيقة
اللفظ محال فتعين حمله على مجازه وهو الإحسان لأن الدعاء
هامش أنوار البروق
والمجاز على خلاف الأصل فإن قيل إذا كان تعلقها بالمستقبل هو الأكثر في الاستعمال
فاستعمالها في التعلق بالماضي
وإن كان حقيقة لغوية فهو مجاز عرفي فالجواب أن الأمر فيها لم يبلغ إلى هذا الحد من
أن استعمالها في التعلق بالمستقبل هو السابق إلى فهم السامع فيكون استعمالها في
المستقبل حقيقة
هامش إدرار الشروق
القصد به تعليم الخلق الاستدلال على الوحدانية بأن يستدلوا بالتصديق بانتفاء
الفساد على العلم بانتفاء التعدد وليس القصد به بيان أن علة انتفاء الفساد في
الخارج انتفاء التعدد لأنه وإن كان ظاهرا نظرا للأصل إلا أنه نظرا لمقام الاستدلال
إلا ظهر القصد الأول أي الاستعمال على وجه الاستدلال على انتفاء التعدد بانتفاء
الفساد
والثالث كونها للدلالة على استمرار شيء بربطه إما بأبعد النقيضين كقوله عليه
الصلاة والسلام أو قول عمر على ما قيل نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه
فالخوف وعدمه نقيضان وعدمه أبعد لعدم العصيان منه فعلق عدم العصيان على الأبعد
إشارة إلى أن عدم العصيان من صهيب مستمر وأن العصيان لا يقع منه أصلا وأما
بالمساوي كقوله صلى الله عليه وسلم في درة بضم المهملة بنت أم سلمة أي هند لما
بلغه تحدث النساء أنه يريد أن ينكحها أنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي
إنها لابنة أخي من الرضاع رواه الشيخان حيث رتب عدم حلها على عدم كونها ربيبة
المبين بكونها ابنة أخي الرضاع المناسب هو له شرعا فيترتب أيضا في قصد المرتب على
كونها ربيبة المفاد بلو المناسب هو له شرعا كمناسبته للأول سواء لمساواة حرمة
المصاهرة لحرمة الرضاع والمعنى أنها لا تحل لي أصلا لأن بها وصفين لو انفرد كل
منهما حرمت له كونها ربيبة وكونها ابنة أخي من الرضاع وأما بالأقرب كقولك فيمن عرض
عليك نكاحها لو انتفت أخوة الرضاع لما حلت للنسب حيث رتبت عدم حلها على عدم أخوتها
من الرضاع المبين بأخوتها من النسب المناسب هو لها شرعا فيترتب أيضا في قصدك على
أخوتها من ارضاع المفاد بلو المناسب هو لها
____________________
(1/156)
إحسان فيكون من مجاز التشبيه أو لأن الإحسان متعلق الدعاء
ومطلوبه فيكون من باب التعبير بالمتعلق عن المتعلق فإذا تقرر هذا فنحن نعلم أن
إحسان الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من إحسانه لإبراهيم عليه
السلام وتشبيهه به يقتضي خلاف ذلك فما وجه التشبيه وكان يجيب رحمه الله تعالى عن
هذا السؤال فيقول التشبيه وقع بين المجموعين مجموع المعطى لرسول الله صلى الله
عليه وسلم ولآله ومجموع المعطى لإبراهيم عليه السلام وآله وآل إبراهيم عليه السلام
أنبياء وآل رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسوا بأنبياء فعطية إبراهيم عليه السلام
ذلك أعني المجموع يقسم عليه وعلى آله ويقسم المجموع المعطى لرسول الله صلى الله
عليه وسلم عليه وعلى آله فتكون الأجزاء الحاصلة لآل إبراهيم عليه السلام أعظم من
الأجزاء الحاصلة لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون الفاضل لرسول الله صلى
الله عليه وسلم أعظم من الفاضل لإبراهيم عليه السلام فيكون رسول الله صلى الله
عليه وسلم أفضل من إبراهيم وهو المطلوب
ويندفع السؤال وكنا نستعظم هذا الجواب ونستحسنه ثم بعد وفاته رحمة الله عليه لما
ظهرت لي هذه القاعدة وهي أن هذه العشرة حقائق في لسان العرب لا تتعلق إلا بالمعدوم
المستقبل ظهر أن الجواب يحسن من هذه القاعدة وأن جواب الشيخ رحمه الله مستدرك
وتقريره أن الدعاء لا يتعلق إلا
هامش أنوار البروق
عرفية وفي الماضي مجازا عرفيا فإن استعمال اللفظ وإن كثر في بعض مدلولاته وقل في
بعضها لا يلزم أن يكون حقيقة عرفية فيما كثر فيه ومجازا عرفيا فيما قل فيه حتى ينتهي
إلى أن يكون هو السابق إلى الفهم ولفظة إن لم يبلغ الأمر فيها إلى هذا الحد والله
أعلم وقوله إن لو تتعلق بالماضي صحيح
سقط صفحة 155 و 156 و 157
هامش إدرار الشروق
شرعا لكن دون مناسبته للأول لأن حرمة الرضاع أدون من حرمة النسب والمعنى لا تحل لي
أصلا لأن بها وصفين لو انفرد كل منهما حرمت له أخوتها من النسب وأخوتها من الرضاع
وقد أشار العلامة السبكي لهذه الاستعمالات الثلاثة بقوله مدلول لو ربط وجود ثان
بأول في سابق الأزمان مع انتفاء ذلك المقدم حقا بلا ريب ولا توهم أما الجواب إن
يكن مناسبا وليس غير شرطه مصاحبا فاحكم له بالنفي أيضا واعلم بأن كلا داخل في
العدم أو لم يكن مناسبا فواجب من باب أولى ذاك حكم لازب وفي مناسب له إذ يفقد
مناسب سواه قد لا يوجد هذا جواب لو بتقسيم حصل ممتنع وواجب ومحتمل ومعظم المقصود
فيما يجب إثباته في كل حال يطلب مثاله نعم الذي لو لم يخف لما عصى إلهه ولا اقترف
____________________
(1/157)
بمعدوم مستقبل كسائر أنواع الطلب وقولنا اللهم صل دعاء فلا
يتعلق إلا بعطية لم تعط لرسول الله صلى الله عليه وسلم معدومة فإن طلب تحصيل
الحاصل محال فالحاصل له عليه الصلاة والسلام لم يتعلق به طلب ألبتة لكونه موجودا
حاصلا وبهذا الموجود الحاصل له عليه السلام حصل التفضيل له عليه السلام على
إبراهيم عليه السلام فيكون الواقع قبل دعائنا مواهب ربانية لرسول الله صلى الله
عليه وسلم من خير الدنيا والآخرة لم يدركها أحد من الأنبياء ولم يصل إليها ونحن
نطلب له عليه السلام زيادة على ذلك تكون تلك الزيادة مثل المواهب الحاصلة لإبراهيم
عليه السلام فنحن لو تخيلناها أقل المواهب الحاصلة لإبراهيم عليه السلام لم يلزم
من ذلك التفضيل له على رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومثال ذلك من العادات أن يعطي الملك لرجل ألف دينار ويعطي لآخر مائة ثم نطلب نحن
من الملك أن يزيد صاحب الألف على الألف مثل ما أعطى صاحب المائة فإذا فعل ذلك كان
الحاصل مع صاحب الألف ألفا ومائة ومع صاحب المائة مائة ومعلوم أن ذلك لا يخل بعطية
صاحب الألف في ألفه بل المائة زيادة على ما وقع به التفضيل أولا كذلك ها هنا فهذا
جواب حسن سديد بناء على القاعدة في أن الدعاء لا يتعلق إلا بمستقبل معدوم ولا
يحتاج إلى ذلك التعب والتفصيل الذي ذكره الشيخ مع أنه لا يصح فإنه جعل متعلق الطلب
جميع ما حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم
هامش أنوار البروق
قال المسألة الأولى قال الله تعالى حكاية عن عيسى عليه
السلام إن كنت قلته فقد علمته إلى قوله وتقديره يأتي أمر الله قلت إذا تقرر
أنها تتعلق بالماضي فلا يحتاج فيها إلى تأويل والله أعلم
هامش إدرار الشروق
ومعظم المقصود في الممتنع بيان نفي شرطه الذي ادعى كلو يكون فيهما شريك لامتنعا
فالواحد المليك أو أن ذاك النفي حقا أثرا في عدم الذي يلي بلا مرا كلو أتيتني لكنت
تكرم كرامتي لمن قلاني تعدم وقد تخرج عن الشرطية فتكون وصلة للربط مع واو الحال في
الجملة الحالية في نحو زيد ولو كثر ماله بخيل وتكون للتمني والمصدرية في نحو ربما
يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين فاستعمالاته ا ستة ا ه
بتوضيح من مختصر السعد على التلخيص وفي حاشية الشربيني على حواشي محلى جمع الجوامع
نقلا عن عبد الحكيم عن القاضي البيضاوي أن ما ذكر هو المشهور وهو يستلزم القول
بالاشتراك بناء على أنه لم يبلغ الأمر في لفظتي إن ولو إلى حد أن يكون ما كثر فيه
هو السابق منهما إلى الفهم حتى يلزم أن يكون كل منهما حقيقة عرفية فيما كثر فيه
ومجازا عرفيا فيما قل فيه بل كل منهما حقيقة لغوية وعرفية فيما كثر أو قل فيه أو
القول بالحقيقة أو المجاز بناء على أنه بلغ الأمر في لفظيهما إلى الحد المذكور
ولما كان الأصل ينفي كلا من الاشتراك والحقيقة والمجاز عدل المصنف يعني القاضي
البيضاوي عن المشهور
وقال لو من حروف الشرط وظاهرها الدلالة على انتفاء الأول لانتفاء الثاني أي إن
سائر حروف الشرط كما أنها موضوعة لمجرد تعليق من غير دلالة على انتفاء وثبوت فكذلك
كلمة لو موضوعة لمجرد تعليق حصول أمر في الماضي بحصول أمر آخر فيه من غير دلالة
على انتفاء الأول أو الثاني أو على استمرار الجزاء بل جميع هذه
____________________
(1/158)
فيلزم تعلق الطلب بالواقع وهو محال إذ يلزم عليه تحصيل
الحاصل وهو غير جائز
والجواب الحق هو هذا الثاني والعجب أنا طول أعمارنا نقول ما أمرنا به وهو اللهم صل
على محمد وصلى الله على محمد من غير تشبيه بإبراهيم ولا بغيره ومعلوم من قواعد
العرب أن الفعل في سياق الإثبات لا يتناول إلا أصل المعنى وأنه مطلق لا عام ومن
المعلوم أن أصل الإحسان ليس في الرتبة مثل الإحسان المشبه بإحسانه تعالى لإبراهيم
عليه السلام فإذا كنا نقتصر على مطلق الإحسان من غير إشكال ويكون ذلك حسنا من غير
خلل فأولى أن يحسن منا طلب الإحسان المشبه بإحسان حصل لعظيم من العظماء فإنه أضعاف
أصل الإحسان وما المحسن لطلبنا مطلق الإحسان من غير تشبيه إلا أنا نطلب الزيادة
التي لم تكن أعطيت قبل دعائنا وطلب الزيادة على الإعطاء العظيم لا يخل بصاحب
العطية العظيمة الذي نحن نسأل له الزيادة والعجب من تنبه الشيخ لإيراد السؤال في
الحديث المروي ولم يدرك أنه يرد في الصلاة المطلقة وهي أولى بإيراد السؤال فيها إن
كان صحيحا فتأمله وتأمل ما ذكرته أنا فهو حسن إن شاء الله تعالى
هامش أنوار البروق
قال فائدة جميلة إلى آخرها قلت ما قاله من أن
الأمر والنهي والدعاء والوعد والوعيد والترجي والتمني والإباحة لا تتعلق إلا
بمستقبل إلا ما قاله في أن الصحيح والله أعلم
قال سؤال كان يورده عز الدين بن عبد السلام قدس الله روحه في قوله عليه السلام لما
قيل
هامش إدرار الشروق
الأمور خارجة عن مفهومها مستفادة بمعونة القرائن كي لا يلزم القول بالاشتراك أو
الحقيقة والمجاز من غير ضرورة وأشار بقوله وظاهرها إلخ إلى ترجيح قول الشيخ ابن
الحاجب أن لو حرف يدل على امتناع تال يلزم لثبوته ثبوت تالية أي في الماضي وتزييف
المشهور من أنها حرف امتناع لامتناع يعني أنه لما كان لو من حروف الشرط ومعناها
مجرد التعليق فاللازم لمفهومها هو الدلالة على انتفاء الأول بانتفاء الثاني وكون
هذا القول لازما لمفهومها لا يستلزم الإرادة في جميع مواردها فإن الدلالة غير
الإرادة ووجه تزييف المشهور هو أنه مع توقفه على كون انتفاء الأول مأخوذا في مدلول
لو المستلزم خلاف الأصل كما عرفت يرد عليه أن المستفاد من التعليق على أمر مفروض
الحصول إبداء المانع من حصول المعلق في الماضي وأنه لم يخرج من العدم الأصلي إلى
حد الوجود وبقي على حاله لارتباط وجوده بأمر معدوم وأما أن انتفاءه بسبب لانتفائه
في الخارج فلا كيف والشرط النحوي قد يكون مسببا نحو لو كان العالم مضيئا لكانت
الشمس طالعة وقد يكون مضافا نحو لو كان زيد أبا لعمرو لكان عمرو ابنا له
وقد يكون الشرط والجزاء معلولين لعلة واحدة نحو لو كان النهار موجودا لكان العالم
مضيئا نعم انتفاء الشرط الاصطلاحي هو الذي يقتضي انتفاء المشروط في الخارج ومن هذا
ظهر جواب ما قاله السعد من أنه يدلك على أنها مستعملة لإفادة السببية الخارجية قول
أبي العلاء ولو دامت الدولات كانوا كغيرهم رعايا ولكن ما لهن دوام
____________________
(1/159)
@ 160 المسألة الثانية
قوله تعالى ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما
نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم وقاعدة لو إذا دخلت على ثبوتين عادا نفيين أو
على نفيين عادا ثبوتين أو على نفي وثبوت فالنفي ثبوت والثبوت نفي كقولنا لو جاءني
زيد لأكرمته فهما ثبوتان فما جاءك ولا أكرمته
ولو لم يستدن لم يطالب فهما نفيان والتقدير أنه استدان وطولب ولو لم يؤمن أريق دمه
والتقدير أنه آمن ولم يرق دمه وبالعكس لو آمن لم يقتل تقديره لم يؤمن فقتل
فإذا تقررت هذه القاعدة فيلزم أن تكون كلمات الله تعالى نفدت وليس كذلك لأن لو
دخلت هنا على ثبوت أولا ونفي أخيرا فيكون الثبوت الأول نفيا وهو كذلك فإن الشجر
ليست أقلاما ويلزم أن النفي الأخير ثبوت فتكون نفدت وليس كذلك ونظير هذه الآية
قوله عليه السلام نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه يقتضي أنه خاف وعصى مع
الخوف وهو أقبح فيكون ذلك ذما لكن الحديث سيق للمدح وعادة الفضلاء يتولعون بالحديث
كثيرا أما الآية فقليل من يتفطن لها وذكر الفضلاء في الحديث أجوبة أما الآية
الكريمة فلم أر لأحد فيها شيئا ويمكن تخريجها على ما قالوه في الحديث
هامش أنوار البروق
كيف نصلي عليك فقال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم
وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد إلى آخر السؤال قلت هذا السؤال مبني
على مشابهة الفعل المطلوب للفعل المشبه به في القدر والصفة وليس
هامش إدرار الشروق
وقول الخماسي ولو طارد ذو حافر قبلها لطارت ولكنه لم يطر لأن استثناء المقدم لا
ينتج وذلك لأن اللازم مما ذكره أن لا يكون مستعملا للاستدلال بانتفاء الأول على
انتفاء الثاني ولا يلزم منه أن لا تكون مستعملة لمجرد التعليق لإفادة إبداء المانع
مع قيام المقتضي كيف ولو كان معناها إفادة سببية الانتفاء للانتفاء كان الاستثناء
تأكيدا وإعادة بخلاف ما إذا كان معناها مجرد التعليق فإنه يكون إفادة وتأسيسا ا ه
قلت وعلى هذا فالفرق أن لو لمجرد التعليق في الماضي غالبا وأما إن فلمجرد التعليق
في المستقبل غالبا فافهم وهنا وصلان الوصل الأول قد علمت أن الكثير في شرط إن
وجزائه أن لا يتعلقا إلا بمستقبل معدوم والقليل تعلقهما بماض على ما فيه وشرط لو
وجزاؤه بالعكس وكذا سائر أدوات الشرط فليس الشرط والجزاء مما لا يتعلق في لسان
العرب إلا بمستقبل معدوم كالأمر والنهي والدعاء والوعد والوعيد والترجي والتمني والإباحة
بل عدم التعليق بغير المستقبل خاص في لسان العرب بهذه الثمانية فلا يتصور واحد
منها في ماض ولا حاضر وما أمرنا به في الصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم
ليس إلا الصلاة المشبهة فإنها التي وردت في قوله صلى الله تعالى عليه وسلم لما قيل
له كيف نصلي عليك فقال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم
وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد وقولنا اللهم صل دعاء فلا يتعلق إلا
بعطية لم تعط لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم معدومة والموجود الحاصل له عليه
____________________
(1/160)
غير أني ظهر لي جواب عن الجميع هو حسن سأذكره إن شاء الله
تعالى بعد ذكري لأجوبة الناس لأن من سبق أولى بالتقديم أما أجوبة الناس في الحديث
فقال الأستاذ ابن عصفور لو في الحديث بمعنى إن لمطلق الربط وأن لا يكون نفيها
ثبوتا ولا ثبوتها نفيا فيندفع الإشكال وقال شمس الدين الخسرو شاهي إن لو في أصل
اللغة لمطلق الربط وإنما اشتهرت في العرف في انقلاب ثبوتها نفيا وبالعكس والحديث
إنما ورد بمعنى اللفظ في اللغة
وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام الشيء الواحد قد يكون له سبب واحد فينتفي عند
انتفائه وقد يكون له سببان لا يلزم من عدم أحدهما عدمه لأن السبب الثاني يخلفه
السبب الأول كقولنا في زوج هو ابن عم لو لم يكن زوجا لورث أي بالتعصيب فإنهما
سببان لا يلزم من عدم أحدهما عدم الآخر وكذلك ها هنا الناس في الغالب إنما لم لم
يعصوا لأجل الخوف فإذا ذهب الخوف عنهم عصوا لاتحاد السبب في حقهم فأخبر عليه
السلام أن صهيبا رضي الله عنه اجتمع في حقه سببان يمنعانه من المعصية الخوف
والإجلال فلو انتفى الخوف في حقه لانتفى العصيان للسبب الآخر وهو الإجلال وهذا مدح
عظيم جليل لصهيب وكلام حسن
وأجاب غيرهم بأن الجواب محذوف تقديره
هامش أنوار البروق
ذلك بلازم فإن القائل إذا قال أعط زيدا كما أعطيت عمرا يحتمل أن يريد بالتشبيه أصل
العطاء من غير تعرض لشيء من صفاته من القدر وغيره وعلى هذا لا يرد السؤال لكن ربما
يسأل عن اختصاص إبراهيم فالجواب أن موجب اختصاصه بذلك اختصاصه بالنسبة إليه
بالنبوة والموافقة في معالم الملة
هامش إدرار الشروق
الصلاة والسلام قبل دعائنا لم يتعلق به طلب ألبتة لأن طلب تحصيل الحاصل محال وذلك
الموجود الحاصل مواهب ربانية لرسول الله من خيري الدنيا والآخرة لم يدركها أحد من
الأنبياء ولم يصل إليها وما نطلبه له عليه الصلاة والسلام زيادة على ذلك فلو
تخيلناه أقل من المواهب الحاصلة لإبراهيم بمقتضى قاعدة أن المشبه به أعظم من
المشبه في وجه الشبه لم يلزم منه تفضيل إبراهيم عليه السلام على رسول الله صلى
الله تعالى عليه وسلم ألا ترى أن الملك لو أعطى لرجل ألف دينار وأعطى الآخر مائة
ثم طلبنا نحن من الملك أن يزيد صاحب الألف على الألف مثل ما أعطى صاحب المائة
وأجاب الملك طلبنا لكان الحاصل مع صاحب الألف ألفا ومائة ومع صاحب المائة مائة لم
يلزم على ذلك
وإن تخيل أن مائة صاحب المائة أعظم من مائة صاحب الألف بمقتضى قاعدة التشبيه إخلال
ما بعطية صاحب الألف في ألفه بل المائة زيادة على ما وقع به التفضيل أولا فسقط ما
أورده العز بن عبد السلام على الحديث المذكور من أن قاعدة العرب تقتضي أن المشبه
بالشيء يكون أخفض رتبة منه وأعظم أحواله أن يكون مثله وها هنا شبهنا عطية رسول
الله صلى الله تعالى عليه وسلم بعطية إبراهيم عليه السلام فإن صلاة الله سبحانه
وتعالى معناها الإحسان مجازا إما بالاستعارة أو مرسلا من باب التعبير بالمتعلق لا
الدعاء الذي هو حقيقة اللفظ لاستحالته ونحن نعلم أن إحسان الله تعالى لنبيه محمد
صلى الله تعالى عليه وسلم أعظم من إحسانه لإبراهيم عليه السلام وتشبيهه به يقتضي
خلاف ذلك فما وجه التشبيه ولا حاجة لجوابه عنه بأن التشبيه وقع بين المجموعين
مجموع المعطى لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ولآله ومجموع المعطى لإبراهيم
عليه السلام ولآله وآل إبراهيم عليه السلام أنبياء وآل رسول الله صلى الله تعالى
عليه وسلم ليسوا بأنبياء فالمجموع المعطى
____________________
(1/161)
لو لم يخف الله عصمه الله ودل على ذلك قوله لم يعصه وهذه
الأجوبة تأتي في الآية غير الثالث فإن عدم نفاد كلمات الله تعالى وأنها غير
متناهية أمر ثابت لها لذاتها وما بالذات لا يعلل بالأسباب فتأمل ذلك هذا كلام
الفضلاء الذي اتصل بي والذي ظهر لي أن لو أصلها أن تستعمل للربط بين شيئين كما
تقدم ثم إنها أيضا تستعمل لقطع الربط فتكون جوابا لسؤال محقق أو متوهم وقع فيه ربط
فتقطعه أنت لاعتقادك بطلان ذلك الربط كما لو قال القائل لو لم يكن زيد زوجا لم يرث
فتقول له أنت لو لم يكن زوجا لم يحرم تريد أن ما ذكره من الربط بين عدم الزوجية
وعدم الإرث ليس بحق فمقصودك قطع ربط كلامه لا ارتباط كلامك وتقول لو لم يكن زيد
عالما لأكرم أي لشجاعته جوابا لسؤال سائل تتوهمه أو سمعته وهو يقول إنه إذا لم يكن
عالما لم يكرم فيربط بين عدم العلم وعدم الإكرام فتقطع أنت ذلك الربط وليس مقصودك
أن تربط بين عدم العلم والإكرام لأن ذلك ليس بمناسب ولا من أغراض العقلاء ولا يتجه
كلامك إلا على عدم الربط كذلك الحديث لما كان الغالب على الناس أن يرتبط عصيانهم
بعدم خوفهم وأن ذلك في الأوهام قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم هنا الربط وقال لو
لم يخف الله لم يعصه وكذلك لما كان الغالب
هامش أنوار البروق
قال وكان يجيب رحمه الله عن هذا السؤال فيقول التشبيه وقع بين المجموعين إلى قوله
والجواب الحق هو هذا الثاني قلت على تسليم أن التشبيه يستلزم المشابهة في أوصافها
فهو على تقدير إرادة المشبه ذلك يكون جواب عز الدين مستدركا كما قال شهاب الدين
وجوابه هو أصح والله أعلم
هامش إدرار الشروق
لإبراهيم عليه السلام يقسم عليه وعلى آله والمجموع المعطى لرسول الله صلى الله
تعالى عليه وسلم يقسم عليه وعلى آله فتكون الأجزاء الحاصلة لآل إبراهيم عليه
السلام أعظم من الأجزاء الحاصلة لآل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فيكون
الفاضل لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أعظم من الفاضل لإبراهيم عليه السلام
فيكون رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أفضل من إبراهيم وهو المطلوب نعم الصحيح
أن الألفاظ الثمانية من الدعاء وما معه
وإن كانت لا تتعلق في لسان العرب إلا بالمستقبل إلا أن ذلك لا يمنع كما يأتي في
الفرق الرابع والستين عن ابن الشاط من تشبيه ما يتعلق به واحد منها بغير المستقبل
ولكن مع ذلك فسؤال ابن عبد السلام المذكور ليس بلازم الورود على الحديث المذكور
وذلك لأن هذا السؤال مبني على مشابهة الفعل المطلوب للفعل المشبه به في القدر
والصفة بأن يكون مراد الداعي بقوله أعط زيدا كما أعطيت عمرا سو بينهما في مقدار
العطية وصفتها مع محاسبة زيد بما أعطيته قبل هذا وليس ذلك بلازم بل يحتمل أن يكون
الداعي أراد سو بينهما في مطلق العطية من غير تعرض لفقد التسوية في مقدار العطية
ولا في صفتها أو أراد سو بينهما في مقدار العطية وصفتها من غير محاسبة زيد بما
أعطيته قبل هذا وعلى هذين الاحتمالين لا يصح ورود السؤال من أصله نعم ربما يسأل عن
موجب اختصاص إبراهيم عليه السلام بذلك فيقال موجبه نسبة نبينا صلى الله عليه وسلم
إليه بالنبوة والموافقة في معالم الملة كما قاله ابن الشاط وعلى تقدير إرادة
الداعي الاحتمال الأول المبني عليه ورود السؤال فجواب ابن عبد السلام عنه بما ذكر
مستدرك بأن مقتضاه تعلق الطلب بالموجود الحاصل له صلى الله تعالى عليه وسلم والحال
أن طلب تحصيل الحاصل محال فافهم
____________________
(1/162)
على الأوهام أن الشجر كلها إذا صارت أقلاما والبحر المالح
مع غيره مدادا يكتب به يقول الوهم ما يكتب بهذا شيء إلا نفد وما عساه أن يكون قطع
الله تعالى هذا الربط وقال ما نفدت وهذا الجواب أصلح من الأجوبة المتقدمة من وجهين
أحدهما شموله لهذين الموضعين وبعضها لم يشمل كما تقدم بيانه وثانيهما أن لو بمعنى
أن خلاف الظاهر ومخالف للعرف وادعاء النقل خلاف الأصل والظاهر وحذف الجواب خلاف
الظاهر وما ذكرته من الجواب ليس فيه مخالفة للعرف فإن أهل العرف يستعملون ما ذكرته
ولا يفهمون غيره في تلك الموارد ويعم هذا الجواب الواجب لذاته كصفات الله وكلماته
والممكن القابل للتعليل كطاعة صهيب رضي الله عنه
المسألة الثالثة أن النحاة والأصوليين قد نصوا
على أن إن لا يعلق عليها إلا مشكوك فيه فلا نقول إن غربت الشمس فأتيني بل إذا غربت
الشمس وإذا يعلق عليها المشكوك والمعلوم فتقول إذا دخلت الدار فأنت حر وإن دخلت
الدار فأنت حر ومقتضى هذه القاعدة أن يتعذر ورودها في كتاب الله تعالى مضافة إلى
الله تعالى فإن الله تعالى بكل شيء
هامش أنوار البروق
قال والعجب أنا طول أعمارنا نقول ما أمرنا به وهو اللهم صل على محمد وصلى الله على
محمد من غير تشبيه بإبراهيم عليه السلام ولا بغيره إلى قوله وأنه مطلق لا عام قلت
ولقائل أن يقول ما أمرنا إلا بالصلاة المشبهة فإنها التي وردت في الحديث لا غيرها
وما قال من أنه مطلق لا عام صحيح
هامش إدرار الشروق
الوصل الثاني في أربع عشرة مسألة توضح القاعدتين المسألة الأولى جعل الشرط وجزائه
ماضيين في قوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام إن كنت قلته فقد علمته جاز على
القليل من تعلق إن بالماضي فلا تحتاج الآية إلى أن يدعي أولا أن هذا القول وقع في
زمن عيسى عليه السلام في الدنيا بدليل أن سؤال الله تعالى كان في الدنيا فإنه قد
أخبر الله به محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم بلفظي إذ وقال الماضيين بقوله تعالى
إذ قال الله يا عيسى ابن مريم وثانيا أن سؤاله تعالى قبل أن يدعي ذلك عليه فيكون
التقدير إن أكن أقوله فأنت تعلمه فهما مستقبلان لا ماضيان أو يقال المشهور أن
السؤال يكون يوم القيامة لكن عبر عنه بالماضي على حد قوله تعالى أتى أمر الله لأن
خبره تعالى الواقع في المستقبل كالماضي في تحقق الوقوع فيجب كما قال ابن السراج
تأويل الشرط والجزاء بفعلين مستقبلين تقديرهما إن يثبت في المستقبل أني قلته في
الماضي يثبت أنك تعلم ذلك وكل شيء تقرر في الماضي كان ثبوته في المستقبل معلوما
فيحسن التعليق عليه
المسألة الثانية لو في اللغة إنما لمجرد الربط خاصة وما توهموه فيها من أنها إذا
دخلت على ثبوتين نحو لو جاءني زيد لأكرمته عادا نفيين فما جاء زيد ولا أكرم أو على
نفيين نحو لو لم يستدن لم يطالب عادا ثبوتين فقد استدان وطولب أو على نفي وثبوت
نحو لو لم يؤمن أريق دمه أو لو آمن لم يقتل كان النفي ثبوتا والثبوت نفيا ففي
الأول آمن ولم يرق دمه وفي الثاني لم يؤمن فقتل إنما هو من قبيل مفهوم الشرط فإن
قيل به صح ذلك وإلا فلا فهي في قوله تعالى ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام
والبحر يمده من بعده سبعة
____________________
(1/163)
عليم مع أنها وردت كقوله تعالى إن كنتم إياه تعبدون وإن
كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا وغير ذلك من التعليقات وهو كثير جدا مع أن قوله
تعالى إن كنتم في ريب خطاب مع أهل الكفر فالله تعالى يعلم أنهم في ريب وهم يعلمون
ويجزمون أنهم في ريب ومع ذلك فالتعليق حسن
والجواب عن هذا السؤال أن الخصائص الإلهية لا تدخل في الأوضاع العربية بل الأوضاع
العربية مبنية على خصائص الخلق والله تعالى أنزل القرآن بلغة العرب وعلى منوالهم
فكل ما كان في عادة العرب حسنا أنزل في القرآن على ذلك الوجه أو قبيحا في لسان
العرب لم ينزل في القرآن توفية بكون القرآن عربيا وتحقيقا لذلك فيكون الضابط أن كل
ما شأنه أن يكون في العادة مشكوكا فيه بين الناس حسن تعليقه بإن من قبل الله تعالى
ومن قبل غيره سواء كان معلوما للمتكلم أو للسامع أو لا ولذلك يحسن من الواحد منا
أن يقول إن كان زيد في الدار فأكرمه مع أنه يعلم أنه في الدار لأن حصول زيد في
الدار
هامش أنوار البروق
قال ومن المعلوم أن أصل الإحسان ليس في الرتبة مثل الإحسان المشبه بإحسانه تعالى
لإبراهيم عليه السلام إلى قوله فإنه إضعاف أصل الإحسان
قلت ما قاله هنا ليس بصحيح فإن مطلق الإحسان لا يصح أن يكون إحسان ما قيد إضعافا
له وإنما يكون إضعافا لإحسان مقيد وليس هذا كلام من فهم المطلق والمقيد والفرق
بينهما على وجهه والذي حمله على هذا الخطأ استرواحه إلى قاعدة غير صحيحة قررها بعد
وهي أن الأعم يستلزم الأخص عينا إذا كان الفرق بينهما بالأقل والأكثر والمستلزم هو
الأقل
هامش إدرار الشروق
أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم وردت بمعناها اللغوي لمطلق الربط فلا
تقتضي أن كلمات الله تعالى نفدت فلا داعي إلى ما قالوه في الآية من التكلفات فافهم
قال شهاب الدين المسألة الثالثة أن النحاة والأصوليين
قد نصوا على أن إن لا يعلق عليها إلا مشكوك فيه آخر المسألة قلت ليس الأمر
كما نصوا عليه بل هي لمطلق الربط سواء كان ما دخلت عليه مشكوكا فيه أو غير مشكوك
غير أنها ليست بظرف وإذا ظرف وقد آل كلامه في جوابه عن الإشكال وجوابه بعد ذلك عن
السؤال إلى أنها تستعمل في المشكوك وغير المشكوك ودعوى المجاز على خلاف الأصل
المسألة الثالثة لا فرق بين إن وإذا في كونهما لمطلق الربط سواء كان ما دخلا عليه
مشكوكا فيه أو غير مشكوك غير أن إن ليست بظرف وإذا ظرف فلذا يقال إذا غربت الشمس
ولا يقال إن غربت ومن استعمال إن في المشكوك إن يكن الواحد نصف العشرة فالعشرة
اثنان وإن يكن نصف الخمسة فالخمسة زوج إذ المعنى متى فرض الواحد نصف العشرة أو نصف
الخمسة كان اللازم على هذا الفرض المحال هذا اللازم المحال فإن فرض المحال واقعا
جائز فيجوز أن يلزمه المحال والتعليق على المفروض من قبيل التعليق على
____________________
(1/164)
شأنه أن يكون في العادة مشكوكا فيه فهذا هو الضابط لما يعلق
على إن فلا فرق حينئذ بين ما يرد من قبل الله عز وجل في كتابه وبين ما يرد من كلام
الناس من هذا الوجه فاندفع الإشكال فإن قلت فيلزم على هذا أن لا يصح قولنا أن يكون
الواحد نصف العشرة فالعشرة اثنان وإن يكن نصف الخمسة فالخمسة زوج لأن هذه الأمور
لا يشك فيها عادة بل تقطع بأن الواحد نصف الاثنين ولا يكون نصف الخمسة مع أن هذا
الكلام عربي وملازمته صحيحة ومعنى معتبر قلت كون الواحد نصف العشرة أمر ليس في
الواقع بل أمر يفرضه العقل ويقدره الوهم ومعناه متى فرض الواحد نصف العشرة أو نصف
الخمسة كان اللازم على هذا الفرض المحال هذا اللازم المحال فإن فرض المحال واقع
جائز فيجوز أن يلزمه المحال وإذا كان التعليق إنما هو على أمر مفروض والفرض والتقدير
ليس أمرا لازما في الواقع بل يجوز أن يقع وأن لا يقع فصار من قبيل المشكوك فيه
فلأجل ذلك حسن تعليقه بإن فتأمل هذه المواضع فإنها في بادئ الرأي مشكلة ينحل
إشكالها بما قررناه
هامش أنوار البروق
قال وما المحسن لطلبنا مطلق الإحسان من غير تشبيه إلا أنا نطلب الزيادة التي لم
تكن أعطيت قبل دعائنا إلى قوله الذي نحن نسأل له الزيادة قلت ما قاله هنا صحيح
هامش إدرار الشروق
المشكوك فيه نحو إن دخلت الدار فأنت حر إذ الغرض والتقدير ليس أمرا لازما في
الواقع بل يجوز أن يقع وأن لا يقع ومن استعمالها في غير المشكوك فيه قوله تعالى إن
كنتم إياه تعبدون وقوله تعالى وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا وغير ذلك من
التعليقات الواردة في كتاب الله تعالى فلا حاجة إلى دعوى أن كونهم يعبدون الله
وكونهم في ريب مما أنزله الله تعالى على عبده ونحوهما شأنه أن يكون في العادة
مشكوكا فيه بين الناس وكل ما شأنه ذلك يحسن تعليقه بأن من قبل الله تعالى ومن قبل
غيره سواء كان معلوما للمتكلم أو للسامع أو لا فظهر أن ليس الأمر كما نص عليه
النحاة والأصوليون من أن إن لا يعلق عليها إلا المشكوك فيه وإذا يعلق عليها
المشكوك والمعلوم
المسألة الرابعة قد تقدم في الوصل الأول أن
أدوات الشرط كما تدخل على المستقبل تدخل على غير المستقبل بخلاف أنواع الطلب
الثمانية وعليه فيصح تعليق صفات الله تعالى نحو علمه وإرادته وإن كان الله تعالى
في الأزل بكل شيء عليم وقدر كل شيء في الأزل من جميع الموجودات الممكنات
والمعدومات ويستحيل أن يتأخر شيء من ذلك عن الأزل ولا داعي لتكلف الجواب عن مثل
قوله تعالى إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون وإذا أردنا أن نهلك
قرية أمرنا مترفيها إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين إن يعلم الله في قلوبكم
خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم من يرد الله به خيرا
يفقهه في الدين فتنبه
المسألة الخامسة أدوات الشرط عند المناطقة والفقهاء على قسمين ما يفهم العموم
فيقتضي تكرار
____________________
(1/165)
المسألة الرابعة مقتضى ما تقدم من أن الشرط لا يكون إلا بأمر معدوم مستقبل
وأن جزاءه أيضا كذلك وأنها أمور عشرة في لسان العرب كذلك كما تقدم تقريره أن لا
يصح تعليق صفات الله تعالى نحو علمه وإرادته فإن الله تعالى في الأزل بكل شيء عليم
وقدر كل شيء في الأزل من جميع الموجودات الممكنات والمعدومات ويستحيل أن يتأخر شيء
من ذلك عن الأزل فيستحيل تعليقه حينئذ وجعله شرطا لكنه ورد في كتاب الله تعالى
معلقا على الشرط كقوله عز وجل ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون ولو
شئنا لآتينا كل نفس هداها إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون وإذا
أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها و إن يشأ يذهبكم ويأت بآخرين و إن يعلم الله في
قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم وفي السنة من يرد الله به خيرا يفقهه في
الدين ومن ها هنا شرطية فإن قلت كيف تورد السؤال بلو مع أنك قد قدمت أن من خصائصها
أنها تدخل على الماضي فلا يكون الاستقبال فيها لازما حتى يرد بها السؤال قلت من
خصائصها أنها قد تدخل على الماضي ولكن لا يمنع دخولها على المستقبل
ونحن نعلم ها هنا أنها إنما دخلت على
هامش أنوار البروق
قال والعجب من تنبه الشيخ لا يراد السؤال في الحديث المروي ولم يدرك أنه يرد في
الصلاة المطلقة وهي أولى بإيراد السؤال فيها إن كان صحيحا قلت التنبه لإيراد
السؤال على الحديث مبني على استلزام التشبيه للمشابهة في صفات الفعل وهو
هامش إدرار الشروق
المعلق بتكرار المعلق عليه وما يفهم الإطلاق فلا يقتضي ذلك بل يقتصر من المعلق على
فرد ولو تكرر المعلق عليه إلا أن المناطقة اقتصروا فيما يفهم الإطلاق على لو وإن
وإذا وجعلوا ما عدا ذلك مما يفهم العموم والفقهاء اقتصروا فيما يفهم العموم على
كلما ومهما وجعلوا ما عدا ذلك مما يفهم الإطلاق ففي البناني على عبق
قال ابن رشد إذا قال إن تزوجت فلانة فهي طالق فلا ترجع عليه اليمين إن تزوجها
ثانية ومتى ما عند مالك مثل إن إلا أن يريد بها معنى كلما وأما مهما فتقتضي
التكرار بمنزلة كلما انظر ق ا ه
وفي مجموع الأمير وفي واحدة في واحدة أو بما لا يقتضي التكرار كمتى ما وإذا ما لا
كلما وكرر واحدة وهل كذلك طالق أبدا أو ثلاثا خلاف ا ه
وفي ضوء الشموع قوله كمتى ما تمثيل بالمتوهم إلا خفي فإن المناطقة جعلوها سورا
كليا في الشرطيات مثل كلما ولكن روعي هنا العرف من إرادة الفورية فمعنى متى ما
دخلت فأنت طالق أنها تطلق بمجرد دخولها فلا يتكرر الطلاق بتكرر الدخول إلا أن ينوي
ذلك وأما إن فعدم اقتضائها التكرار ظاهر ا ه
هذا إذا كان المعلق عليه غير طلاق كالدخول في المثال أما إذا كان طلاقا كمتى ما
وإذا ما طلقتك فأنت طالق أو متى ما أو إذا ما وقع عليك طلاقي فأنت طالق وطلقها
واحدة ففي كون متى ما وإذا ما من أدوات التكرار ككلما فيقع عليه الطلاق الثلاث في
هذه الصور كما وقع
____________________
(1/166)
المستقبل من جهة الواقع فإنه تعالى لو شاء جعلنا ملائكة
لكنا ملائكة لكنا لسنا ملائكة فعلمنا أن هذا ليس ماضيا وكذلك بقية الآيات فالسؤال
بها لازم
والجواب عنه أن تعلق إرادة الله تعالى وعلمه بالأشياء قسمان قسم واقع وقسم مقدر
مفروض ليس واقعا فالواقع هو أزلي لا يمكن جعل شيء منه شرطا ألبتة والمقدر هو الذي
جعل شرطا وتقدير الكلام في هذه المواضع متى فرض إرادتنا أن نردكم ملائكة كنتم
ملائكة ومتى فرض إرادتنا لهداية نفس اهتدت ومتى فرض إرادتنا لكون شيء كان ومتى فرض
إرادتنا لإهلاك قرية وكان السبب في إهلاكها أمر مترفيها فيفسقون ومتى فرض علم الله
تعالى بأن فيكم خيرا آتاكم خيرا مما أخذ منكم وكذلك بقية هذه النظائر فجميع المعلق
عليه من تعلق صفات الله تعالى إنما هو مفروض مقدر لا أنه واقع والفرض والتقدير أمر
متوقع في المستقبل ليس أزليا فلذلك حسن التعليق فيه على الشرط فإن قلت بل هذا
التقدير أزلي والله تعالى يعلم في الأزل أنه لو شاء لجعلنا ملائكة ولو شاء هداية
نفس لاهتدت والعلم تابع للمعلوم فيكون العلم بهذا التقدير فرع تحقق التقدير لكن
العلم بذلك أزلي فيكون التقدير أزليا فيمتنع تعليقه قلت الواقع في الأزل هو العلم
بارتباط الهداية والعلم بارتباط الشيء بالشيء لا يقتضي وقوع ذينك الشيئين ولا
أحدهما لأن الله تعالى يعلم في الأزل ارتباط
هامش أنوار البروق
مما يسبق إليه الوهم في مثل هذا الحديث وأما في مطلق الصلاة وأشباهها فلا يسبق ذلك
فيها إلى وهم من عرف حقيقة المطلق والمقيد والفرق بينهما بوجه وإنما يسبق ذلك إلى
وهم من لا يعرف حقيقتهما ولا الفرق بينهما
هامش إدرار الشروق
عليه في صورتي كلما طلقتك أو وقع عليك طلاقي فأنت طالق وطلقها واحدة لأن الثانية
لزمته بالتعليق على الأولى التي هي فعلة حقيقة فصارت الثانية فعلة التزاما لأن
فاعل السبب وهو الأولى فاعل المسبب وهو الثانية فكأنه طلقها اثنتين أي فتقع
الثالثة بمقتضى إرادة التكرار أو ليست من أدوات التكرار كان فيلزمه فيهما طلقتان
وأما الثالثة فلا تلزمه كما أن من قال إن طلقتك فأنت طالق يلزمه طلقتان لأنه لا
تكرار قولان الأول اقتصر عليه العلامة خليل في مختصره حيث قال عاطفا على ما يلزم
فيه الثلاث أو كلما أو متى ما أو إذا ما طلقتك أو وقع عليك طلاقي فأنت طالق وطلقها
واحدة ا ه
والثاني اعتمده العلامة الشيخ علي العدوي في حاشيته على الخرشي ثم قال والمعلق
عليه هنا طلاق وما تقدم من قوله أو متى ما فعلت وكرر فالمعلق عليه غير طلاق فلا
ينافي هذا ما قالوه أي من أن متى ومتى ما عند مالك مثل إن مع أن المنطقيين على أن
إن ولو وإذا للإهمال ومتى من أسوار الكلي ا ه فتحصل من هذا أن أدوات الشرط عند
فقهائنا على ثلاثة أقسام
الأول ما يفهم العموم مطلقا كإن كان المعلق عليه طلاقا أو غيره وهو كلما ومهما
الثاني ما يفهم الإطلاق مطلقا كان المعلق عليه طلاقا أو غيره وهو إن وإذا ولو
الثالث ما يفهم الإطلاق اتفاقا إذا كان المعلق عليه غير الطلاق مراعاة للعرف من
إرادة الفورية لا المعنى اللغوي من إرادة العموم ويفهم العموم مراعاة للمعنى اللغوي
أو الإطلاق مراعاة للعرف من إرادة الفورية على الخلاف إذا كان المعلق عليه طلاقا
وهو الباقي كمتى ومتى ما قلت وعلى هذا لا يتجه على نص القاضي عبد الوهاب وغيره من
العلماء على أن حيث وأين من صيغ العموم ا ه
____________________
(1/167)
الري بالشرب والشبع بالأكل فعلمه تعالى بهذه الأشياء أزلي
وهذه الأشياء حادثة كذلك ها هنا يعلم الله سبحانه في الأزل ارتباط الهداية بفرض
إرادة الله تعالى لها فيكون العلم بذلك قديما والمعلوم وهو هذان الأمران حادثان
ومعنى قولنا العلم تابع للمعلوم أي تابع لتقديره في زمانه ماضيا كان أو حاضرا أو
مستقبلا فنعلم أن القيامة تقوم فعلمنا حاضر ومعلومنا مستقبل لكن المتقدم على علمنا
بالرتبة العقلية هو تقدير المعلوم في زمانه لا ذات المعلوم فتأمل ذلك وأثبته أيضا
في قولهم الخبر تابع للمخبر بهذا التفسير فإن قلت الارتباط بين إرادة الله تعالى
الهداية والهداية أزلي فإن هذا الارتباط واجب عقلا والواجبات العقلية لا تقبل
العدم وما لا يقبل العدم أزلي فالارتباط أزلي وقد جعل شرطا مع أنه أزلي قلت لم
يجعل الارتباط شرطا بل المرتبط به خاصة وهو المشيئة المفروضة أما الارتباط بها فلم
يجعل شرطا أصلا ولا تنافي بين قدم الارتباط وحدوث المرتبط والمرتبط به ألا ترى أن
الارتباط واقع بين الأجسام والأكوان التي هي الحركة والسكون والاجتماع والافتراق
وأن هذا الارتباط واجب عقلا لا يقبل العدم ومع ذلك فالأجسام والأعراض حادثة وسره
أن الارتباط حكم ونسبة وإضافة لا تقبل الوجود
هامش أنوار البروق
قال وتأمل ما ذكرته فهو حسن والله أعلم قلت قد تبين أنه ليس بحسن والحمد لله
قال شهاب الدين المسألة الثانية قوله تعالى ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام
والبحر
هامش إدرار الشروق
ما قيل من أن مقتضى نصهم على العموم التكرير فيلزم إذا قال لها حيث وجدتك أو أين
وجدتك فأنت طالق فوجدها طلقت ثم وجدها في عدتها مرارا أن تطلق عليه ثلاثا تحقيقا
للعموم وللفرق بين المطلق والعام وإذا لم يترتب عليه مقتضاه من التكرار وقيل لا
يلزم قائل ذلك إلا طلقة واحدة فكيف يقضى به أو يستدل على تحققه بأن ظواهر النصوص
دالة عليه مثل قوله تعالى فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم لا يفهم منه إلا الأمر
بقتلهم في جميع البقاع وقوله تعالى حيث ثقفتموهم لا يفهم منه إلا ذلك وقوله تعالى
أينما تكونوا يدركم الموت معناه علمه تعالى محيط بالخلائق في أي بقعة كانوا ونظائر
ذلك كثيرة في الكتاب العزيز والسنة وكلام العرب
وإذا كان لا يفهم من هذه الصيغ إلا العموم دل ذلك على وضعها له ونحن لا نقضي
بالشيء إلا إذا ظهر أثره ألا ترى أن العموم في قول القائل كلما دخلت الدار فأنت
طالق إنما قضينا به عند ظهور أثره من تكرر الطلاق بتكرر المعلق عليه فإذا تكرر
دخولها في عدتها طلقت عليه ثلاثا وكذا إنما قضينا به في قوله من دخل داري فله درهم
عند ظهور أثره فإن كل من دخل يستحق ومن حرم استحق مانعه الذم فلو قضينا به عند عدم
ظهور أثره كما هنا للزم اتحاد أحكام المطلقات والعمومات وكان القول بالعموم في
أحدها والإطلاق في الآخر تحكما محضا والتحكم المحض لا عبرة به والعلماء براء من
ذلك ولا حاجة للجواب عنه بما حاصله أن العموم في حيث وأين مثل العموم في نحو أنت
طالق أبدا في كونه ثابتا للظرف لا للمظروف فكما أن معنى أنت طالق أبدا أنت طالق
في كل أو جميع الأزمنة كذلك معنى أنت طالق حيث أو أين جلست أنت
____________________
(1/168)
الخارجي بل الذهني فقط كالإمكان والاستحالة حكمان أزليان
والممكنات حادثة
المسألة الخامسة نص القاضي عبد الوهاب وغيره من
العلماء على أن حيث وأين من صيغ العموم فيلزم على هذا إذا قال لها حيث وجدتك أو
أين وجدتك فأنت طالق فوجدها طلقت ثم وجدها في عدتها مرارا أن تطلق عليه ثلاثا لأجل
العموم وكذلك القول في متى ولا يلزم بها إلا طلقة واحدة وهو مشكل لأن مقتضى نصهم
على العموم التكرير تحقيقا للعموم والفرق بين المطلق والعام فإن المطلق هو الذي
يقتصر منه على فرد ألا ترى أن كلما لما كانت للعموم تكرر الطلاق بتكرر المعلق عليه
في قوله كلما دخلت الدار فأنت طالق فتكرر دخولها في عدتها طلقت ثلاثا فكيف الجمع
بين العموم وأنه لا يلزم إلا طلقة واحدة وما الفرق بين متى ما وكلما وما معنى ما
فيهما
والجواب مبني على قاعدة وهي أن التعليق ينقسم إلى أربعة أقسام عام على عام ومطلق
على مطلق ومطلق على عام وعام على مطلق القسم الأول وهو تعليق عام على عام فهو نحو
كلما دخلت الدار فأنت طالق علق جميع الطلقات على جميع الدخلات على وجه التفريق
لإفراد الطلاق
هامش أنوار البروق
يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم وقاعدة لو أنها إذا
دخلت على ثبوتين عادا نفيين أو على نفيين عادا ثبوتين أو على نفي وثبوت فالنفي
ثبوت والثبوت نفي كقولنا لو جاءني زيد لأكرمته فهما ثبوتان فما جاءني زيد ولا
أكرمته ولو لم يستدن لم يطالب فهما نفيان والتقدير أنه استدان وطولب ولو لم يؤمن أريق
دمه والتقدير أنه آمن ولم يرق دمه وبالعكس لو
هامش إدرار الشروق
طالق في كل أو جميع البقاع لأمرين الأول أن أين وحيث كل واحد منهما اسم جنس للمكان
ملازم للإضافة
والقاعدة أن اسم الجنس إذا أضيف عم الثاني أن صيغ العموم إنما تعم فيما أضيفت إليه
خاصة وكما أنه لو قال أنت طالق أبدا يلزمه طلقة واحدة على المذهب كما يدل عليه
كلام ابن العربي في الأحكام بل يفيد أنه قول جميع الفقهاء كما ستقف على نصه كذلك
لو قال أنت طالق حيث أو أين جلست يلزمه طلقة واحدة فصح قول العلماء أن حيث وأين
للعموم وأن اللازم طلقة واحدة ولا يتنافى ذلك ولا يتناقض على أن في هذا الجواب
نظرا من وجوه أحدها أن أنت طالق أبدا وإن سلم أن معناه أنت طالق في جميع أو كل
الأزمنة إلا أنا لا نسلم أن قول القائل أنت طالق في جميع أو كل الأيام من صيغ
العموم فإن كل إذا أضيفت إلى المعرف لا تكون للعموم وإنما تكون في معنى جميع وجميع
لا تضاف إلا إلى المعرف فلا يقال جميع رجل في معنى كل رجل فجميع الأيام وكل الأيام
ليسا من ألفاظ العموم وإنما لفظ العموم أن يقول أنت طالق كل يوم أو كل يوم أنت فيه
طالق فمن هنا قال ابن العربي في الأحكام عند قوله تعالى لا تقم فيه أبدا قوله أبدا
ظرف زمان مبهم لا عموم له ولكنه إذا اتصل بالنهي أفاد العموم فإنه نكرة في سياق
النهي وكأنه قال لا تقم فيه في وقت من الأوقات وقد قال الفقهاء لو قال رجل لامرأته
أنت طالق أبدا طلقت طلقة واحدة ا ه
نقله الرهوني عنه في حاشيته على حواشي عبق نعم في العطار على محلى جمع الجوامع بعد
أن نقل تنظير صاحب جمع الجوامع في شرح المنهاج على عد جميع من صيغ العموم بقوله لا
أدري كيف يستفاد العموم
____________________
(1/169)
على إفراد الدخول لا على وجه اجتماع أفراد الطلاق لكل فرد
من إفراد الدخول فلا جرم لزم بكل دخلة طلقة
والقسم الثاني تعليق مطلق على مطلق نحو إن دخلت الدار فأنت طالق وإذا دخلت الدار
فأنت طالق علق مطلق الطلاق على مطلق الدخول فإذا وجد مطلق الدخول لزم مطلق الطلاق
وانحلت يمينه وإن وإذا في ذلك سواء غير أن الفرق بينهما من وجوه أخر وهو أن إذا
تدل على الزمان مطابقة والشرط يعرض لها فيلزم في بعض الصور وقد تعرى عن الشرط
وتستعمل ظرفا مجردا كقوله تعالى والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى فهي في موضع نصب
على الحال ومعناه أقسم بالليل حالة غشيانه وبالنهار حالة تجليه لأنها أكمل الحالات
والقسم تعظيم للمقسم به وتعظيم الشيء في أعظم حالاته مناسب وأما إن فتدل على الشرط
مطابقة وعلى الزمان التزاما عكس إذا فإن الدخول لا بد له من زمان بطريق اللزوم
فهما متعاكسان من هذا الوجه وإن استويا في الإطلاق وبقيت أمور أخر تختص بها إذا
نحو الأسمية وغيرها لا يناسب ذكرها هنا
القسم الثالث تعليق مطلق على عام نحو متى وأين
وحيث فهذه من صيغ العموم
هامش أنوار البروق
آمن لم يقتل تقديره لم يؤمن فقتل
فإذا تقررت هذه القاعدة فيلزم أن تكون كلمات الله تعالى نفدت وليس كذلك لأن لو
دخلت هنا على ثبوت أولا ونفي أخيرا فيكون الثبوت الأول نفيا
وهو كذلك فإن الشجر ليست أقلاما ويلزم أن النفي الأخير ثبوت فتكون نفدت وليس كذلك
ونظير هذه الآية قوله
هامش إدرار الشروق
من لفظة جميع فإنها لا تضاف إلا إلى المعرفة تقول جميع القوم وجميع قومك ولا تقول
جميع قوم ومع التعريف باللام أو الإضافة يكون التعميم مستفادا منهما لا من لفظة
جميع ا ه قال ما نصه
وأجيب بأن العموم من جميع إذا قدرت اللام في المضاف إليه للجنس لا للاستغراق أو
كان المضاف إليه معرفا بالإضافة نحو جميع غلام زيد إذ عموم أجزائه من جميع لا من
تعريف غلام بالإضافة على أن النظر منقوض بنحو جميع زيد حسن إذ المضاف إليه معرفة
ولا عموم فيه ا ه فتأمل
ثانيها أنا لا نسلم أن القاعدة أن اسم الجنس إذا أضيف عم وإنما القاعدة أن الجمع
إذا أضيف عم فقول القائل عبيدي أحرار لم يكن العموم فيه من جهة كونه اسم جنس أضيف
وإنما كان العموم لأنه جمع أضيف على أنا لو سلمنا أن القاعدة ما ذكر لا نسلمه على
إطلاقه بل مرادهم إذا أضيف لغير الجمل وكان مما ينطلق مسماه على القليل والكثير
كالماء في قوله عليه الصلاة والسلام هو الطهور ماؤه الحل ميتته ثالثها أن كون صيغ
العموم إنما تعم فيما أضيفت إليه وإن كان صحيحا لا حجة له فيه على مرامه بوجه بل
ربما اقتضى خلافه وذلك أن مرامه التسوية بين أنت طالق حيث أو أين جلست وأنت طالق
أبدا في كون العموم فيهما ثابتا للظرف الذي هو البقاع والأزمنة وهذا يقتضي عدمها
وأن العموم في الأول في المظروف وهو الجلوس لأنه هو المضاف إليه لا في الظرف كما
هو في الثاني فافهم والله أعلم
قال المسألة السادسة نص الأصحاب على أن الطلاق يتكرر
في قوله كل امرأة أتزوجها فهي طالق إلى آخر المسألة قلت بنى جوابه على ما
تقدم قبل من أن الظهار خبر وقد سبق القول في أن ذلك موضع احتمال ونظر وما ذكره
فارقا بين كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي وكلما تزوجت فالمرأة التي أتزوجها
علي كظهر أمي لا يقوى وفي تلك المسائل كلها وفي الفرق بينها نظر
المسألة السادسة السر في فرق أصحابنا بين قوله في الطلاق كل امرأة أتزوجها فهي
طالق قالوا لا يلزمه شيء للضيق بالتعميم أو كل امرأة أتزوجها من هذه البلد فهي
طالق قالوا إن الطلاق يتكرر
____________________
(1/170)
في الزمان والمكان نحو أنت طالق أبدا فإنه يلزم طلقة واحدة
فكأنه قال أنت طالق في جميع الأزمنة أو في جميع البقاع طلقة واحدة كما لو صرح
بقوله أنت طالق في جميع الأيام أو في كل الأيام طلقة واحدة وهذه الصيغ هي أبلغ صيغ
العموم ومع ذلك لو صرح بها لم تلزمه إلا طلقة واحدة وكما تقول الحج واجب في كل
العمر مرة واحدة فتصرح بالعموم في العمر وتريده ومع ذلك فمظروفه حجة واحدة
وهو مطلق الحج فكما أنه إذا حج حجة واحدة في عمره يبقى بقية عمره لا يلزمه فيها حج
كذلك إذا لزمه بزمان واحد في متى وأين أو في بقعة واحدة في حيث طلقة واحدة فتبقى
بقية الأزمنة والبقاع لا يلزمه فيها طلاق فتأمل ذلك فأمكن الجمع بين قول العلماء
أن هذه الصيغ للعموم وأنه لا يلزم فيها إلا طلقة واحدة فإن قلت فإذا لم يلزمه بإذا
إلا طلقة واحدة ولا في متى إلا طلقة واحدة فكيف يظهر أثر العموم وإذا لم يظهر أثر
العموم كيف يقضى به ونحن إنما قضينا بالعموم في قول القائل مثلا من دخل داري فله
درهم إلا بظهور أثر ذلك فإن كل من دخل يستحق ومن أحرم استحق مانعه الذم فإذا ذهبت
هذه الآثار واتحدت الأحكام بين المطلقات والعمومات وكان الطلاق في زمن غير معين
على سبيل البدل في القسمين وأن ذلك الزمان غير معين فيهما كان القول بالعموم في
أحدهما والإطلاق في الآخر تحكما محضا والتحكم المحض لا عبرة به والعلماء برآء من
ذلك ومن أين فهم العلماء العموم على هذا التقدير فعاد الإشكال قلت سؤال حسن قوي
والجواب عنه من وجهين
هامش أنوار البروق
عليه السلام نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه يقتضي أنه خاف وعصى مع الخوف
وهو أقبح فيكون ذلك ذما لكن الحديث سيق للمدح وعادة الفضلاء يتولعون بالحديث كثيرا
أما الآية فقليل من يتفطن لها
هامش إدرار الشروق
بتكرر النساء من ذلك البلد وبين قوله في الظهار كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي
قالوا لا يلغى التعميم هنا وإنما يلزمه كفارة واحدة في أول من يتزوجها مع تصريحه
بالعموم في البابين هو كما في عبق والخرشي وغيرهما أن الظهار له فيه مخرج بالكفارة
أي خروج بالكفارة أو مخرج مصور بالكفارة ينفي عنه ضيق التعميم بخلاف الطلاق وأن
الظهار كاليمين بالله فكفارة يمين واحدة كفارة عن جميع الأيمان المتعددة ضمنا لأن
قوله المذكور في قوة فلانة كظهر أمي فلانة كظهر أمي وهكذا فلا تعطى حكم الصريحة
كما أن كفارة يمين واحدة على جميع النساء كفارة عن الجميع فافهم وقيل سر الفرق هو
أن
____________________
(1/171)
أحدهما ظواهر النصوص الدالة على ذلك منها قوله تعالى
فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم لا يفهم منه إلا الأمر بقتلهم في جميع البقاع
وثانيها قوله تعالى في الآية الأخرى حيث ثقفتموهم لا يفهم منه إلا ذلك وثالثها
قوله تعالى أينما تكونوا يدركم الموت معناه في أي بقعة كنتم ورابعها قوله تعالى
وهو معكم أينما كنتم معناه علمه سبحانه وتعالى محيط بالخلائق في أي بقعة كانوا
ونظائره كثيرة في الكتاب العزيز والسنة وكلام العرب وإذا كان لا يفهم من هذه الصيغ
إلا العموم دل ذلك على وضعها له
الوجه الثاني الدال على كونها للعموم أن القاعدة في جميع صيغ العموم أن اسم الجنس
إذا أضيف عم نحو قوله عليه السلام هو الطهور ماؤه الحل ميتته لا يفهم منه إلا
الحكم بالطهورية على جميع أفراد الماء وجميع أفراد الميتة وأين وحيث كل واحد منهما
اسم جنس المكان وهما مضافان لما بعدهما بل الإضافة لازمة لهما فيكونان للعموم فإن
قلت ذلك يبطل بإذا وإذ وعند ووراء وقدام وبقية الجهات الست وغير وسوى وشبه ومثل
ونحوها مما لا يكاد يستعمل إلا مضافا فإنها ليست للعموم مع وجود
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله في ذلك ليس بصحيح لأن لو إنما هي في اللغة لمجرد الربط خاصة وما توهم
هو وغيره فيها إنما هو من قبيل مفهوم الشرط فإن قيل به صح ذلك وإلا فلا
قال وذكر الفضلاء في الحديث أجوبة أما الآية الكريمة فلم أر لأحد فيها شيئا ويمكن
تخريجها
هامش إدرار الشروق
الطلاق حكم يثبت لأفراد العموم كثبوت القتل لجميع أفراد المشركين والحل لجميع
أفراد البيع وأما الظهار فالكفارة فيه للنطق بالكلام الزور عقوبة لقائله فإذا قال
كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي فقد كذب كذبة واحدة فتجب عليه كفارة واحدة
ولا نظر للعموم الذي هو متعلق القول الكذب فكما لا تلزمه إلا كفارة واحدة إذا قال
والله إن كل إنسان جماد فإنها كذبة واحدة متعلقة بعموم أو قال والله ليس في الدار
أحد من أخوتك فوجد الجميع فيها لاتحاد اليمين والحنث كذلك ها هنا ا ه وهو مبني على
ما تقدم قبل من أن الظهار خبر لا إنشاء وهو موضع احتمال ونظر كما مر التنبيه عليه
والسر في تفرقة ابن المواز بين كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي وبين من تزوجت
من النساء فهي علي كظهر أمي وكذا أي حيث قال بعدم تعدد الكفارة في كل وبتعددها في
من وكذا أي مع أنه لا فرق بينهما في المعنى هو ما في البناني
قال ابن عرفة قال عياض الفرق أن أصل وضع من وأي للآحاد فعرض لهما العموم فعمت الآحاد
من حيث إنها آحاد وأصل وضع كل للاستغراق فكانت كاليمين على فعل أشياء يحنث بفعل
أحدها فحاصل كلام عياض أن من وأي لكل فرد لا بقيد الجمعية ومدلول كل كذلك بقيد
الجمعية منضما إلى التحنيث بالأقل ا ه
فلا دلالة لمن وأي إلا على معنى الكلية بخلاف كل فإن فيها معنى الكلية ومعنى الكل
المجموعي فلذا وقع خلاف الأصحاب في قوله لنسائه كل من دخلت الدار فهي علي كظهر أمي
وقوله لنساء أجنبيات كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي أو كلما تزوجت فالتي
أتزوجها علي كظهر أمي هل
____________________
(1/172)
الإضافة التي هي في حيث وأين قلت التزم أن الجميع للعموم
وتقريره أن كل الذي هو أقوى صيغ العموم إنما يعم فيما أضيف إليه خاصة فإذا قلت كل
رجل له درهم إنما يعم الرجال ولو قلت كل حيوان إنما عم الحيوانات كلها ولو قلنا كل
نبي اختص بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلا يتعدى العموم ما أضيف إليه إذا تقرر
هذا فنقول إذا قال القائل إذا زالت الشمس فأنت حر يقتضي العموم في زمن الزوال خاصة
ولا مانع من القول بأنه للعموم وكذلك إذا قلت آتيك إذا جاء زيد عام في جميع زمان
مجيء زيد وكذلك عندك مال يتناول جميع حوزتك وكذلك قوله تعالى ما عندكم ينفد وما
عند الله باق عام في جميع بقاعنا المشتملة على أموالنا ومملوكاتنا وكذلك وراءك
وأمامك يتناول جميع البقاع التي هي وراءك وأمامك من غير حد ولا نهاية وكذلك كل حد
أشير إليه من ذلك كان اللفظ فيه حقيقة وكان اللفظ متناولا له وكذلك بقية الجهات
الست عامة في مسمياتها وأما غير وشبه وسوى ومثل فإنها لا تتعرف بالإضافة على ما نص
عليه النحاة وما لا يتعرف بالإضافة كان وجود الإضافة فيه كعدمها فلذلك لم يعم
بخلاف أين وحيث فإن قلت لم نجد أحدا عد هذه الصيغ كلها من صيغ العموم في كتب
الأصول وكتب النحو
هامش أنوار البروق
على ما قالوه في الحديث غير أني ظهر لي جواب عن الجميع هو حسن سأذكره إن شاء تعالى
بعد ذكري لأجوبة الناس لأن من سبق أولى بالتقديم أما أجوبة الناس في الحديث فقال
الأستاذ ابن عصفور لو في الحديث بمعنى إن لمطلق الربط وأن لا يكون نفيها ثبوتا ولا
ثبوتها نفيا فيندفع
هامش إدرار الشروق
تتعدد الكفارة في كل من المسألتين نظرا لمعنى الكلية أو لا تتعدد نظرا لمعنى الكل
المجموعي
قال البناني وما ذكره خليل من عدم التعدد في كل امرأة مثله في المدونة وما ذكره من
التعدد في كل من دخلت
قال الباجي هو ظاهر المذهب نقله في التوضيح نعم قد قيل في كل من المسألتين مثل ما
درج عليه في الأخرى فكان من حقه أن يحكي الخلاف في الفرعين معا أو يقتصر على
التعدد فيهما أو عدمه وإلا فكلامه مشكل انظر التوضيح ا ه
وقال عبق وما نقله عج عن ق حيث قال لا تتعدد عليه الكفارة إذا قال كل امرأة
أتزوجها فهي علي كظهر أمي وإنما يلزمه كفارة واحدة في أول من يتزوجها ولذا لو قال
لزوجته كل من أتزوجها عليك فهي علي كظهر أمي فإنه لا يلزمه إلا كفارة واحدة بتزوج
واحدة على المعتمد كما يفيده ق ا ه هو المعتمد لا ما نقله عن الجلاب وأبي الحسن من
أنه إذا قال كلما تزوجت فالتي أتزوجها علي كظهر أمي فإنه يلزمه في كل من يتزوجها
كفارة بخلاف قوله كل امرأة أتزوجها طالق ا ه وقد
قال عبق إذا قال لنساء أجنبيات إن تزوجتكن فأنتن علي كظهر أمي فتزوجهن في عقد أو
عقود لم يلزمه غير كفارة واحدة فإن تزوج واحدة لزمته ولا يقر بها حتى يكفر فإن كفر
ثم تزوج البواقي فلا شيء عليه لأن حنث اليمين يسقطها بخلاف ما لو قال لنسائه إن
دخلتن الدار فأنتن علي كظهر أمي فدخلت واحدة أو الجميع إلا واحدة فلا شيء عليه حتى
يدخل جميعهن
قاله اللخمي عن ابن القاسم وقيل يحنث بواحدة على قاعدة التحنيث بالبعض ذكره
القرافي ولعل وجه قول ابن القاسم أنه كقول
____________________
(1/173)
قلت كفاهم في التنبيه عليها قولهم اسم الجنس إذا أضيف عم
إذا تقرر أن حيث وأين من صيغ العموم فيصير معنى أنت طالق حيث جلست مثل قوله أنت
طالق في جميع البقاع أو في كل البقاع ومعلوم أنه لو صرح بذلك للزمه طلقة واحدة
ويكون العموم ثابتا للظرف وكذلك ها هنا فصح قول العلماء أن حيث وأين للعموم وأن
اللازم طلقة واحدة ولا يتنافى ذلك ولا يتناقض القسم الرابع الذي بقي من التقسيم في
القاعدة وهو تعليق عام على مطلق فيكون معناه التزام جميع الطلاق في زمن فرد فهذا
القسم الحكم فيه أن يلزم من ذلك العموم ثلاث ويسقط ما عداها كما لو قال لها أنت
طالق طلقات لا نهاية لها في العدد إن دخلت الدار فقد صرح بالعموم مع الإطلاق في
الزمان فيلزمه ثلاث تطليقات ويسقط الباقي فهذا القسم موجود في اللغة بهذا اللفظ
ونحوه من الألفاظ المركبة ولم أجده بلفظ مفرد كما هو في كلما وأما الفرق بين كلما
ومتى وأينما وحيثما أن ما في الجميع زمانية فمعنى قوله كلما دخلت الدار فأنت طالق
كل زمان تدخلين الدار فأنت طالق في ذلك الزمان فجعل جميع الأزمنة كل فرد منها ظرفا
لحصول طلقة فيتكرر الطلاق في تلك
هامش أنوار البروق
الإشكال وقال الشيخ شمس الدين الخسرو شاهي أن لو في أصل اللغة لمطلق الربط وإنما
اشتهرت في العرف في انقلاب ثبوتها نفيا وبالعكس والحديث إنما ورد بمعنى اللفظ في
اللغة وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله الشيء الواحد قد يكون له سبب
واحد فينتفي عند انتفائه
وقد
هامش إدرار الشروق
خليل في العتق وإن قال إن دخلتما فدخلت واحدة فلا شيء عليه فيهما ا ه
والفرق بين المسألتين أنهن في المسألة الأولى أجنبيات وفي الثانية نساؤه وليس قوله
إن تزوجتكن مثل قوله من تزوجتها منكن بل يلزمه في هذه لكل من تزوجها منهن كفارة
لإيهام يمينه وخطاب كل واحدة وفي المسألة الأولى قد أوقع الظهار على جميع النساء
فأجزأته كفارة واحدة ا ه بتصرف وحذف وبالجملة فأصل مذهبنا إلحاق الظهار باليمين
بخلاف الشافعي فإن أصله إلحاقه بالطلاق ففي الرهوني قال أبو الحسن عند قول المدونة
ومن تظاهر من أربع نسوة له في كلمة واحدة فكفارة واحدة تجزئه ما نصه وقال الشافعي
عليه لكل واحدة منهن كفارة كما لو قال لهن أنتن طوالق الشيخ فهو على طرفين وواسطة
الطلاق طرف واليمين طرف والظهار وهو الواسطة فيه شائبة لشبه اليمين بالله وهو
اتحاد الظهار وشائبة لشبه الطلاق وهو تعدد المظاهر منهما ابن يونس ودليلنا قوله تعالى
والذين يظاهرون من نسائهم الآية فجميع النساء إذا ظاهر منهن الرجل فإنما عليه
كفارة واحدة ولأن الظهار يمين يكفر كالإيلاء وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم كفر
عن يمينك فدل أنه يمين كالإيلاء الشيخ ولأن المراعى قول القائل كاليمين بالله
تعالى ا ه
____________________
(1/174)
الظروف توفية باللفظ
ومقتضاه حتى يحصل في كل زمان طلقة أما متى ما فمتى للزمان المبهم لا للمعين حتى نص
النحاة على منع قولنا متى تطلع الشمس فإن زمن طلوع الشمس متعين فيمتنع السؤال عنه
بمتى بخلاف قولك متى يقدم زيد فإن زمن قدوم زيد مبهم وإذا كان معناها الزمان
المبهم وما أيضا معناها الزمان فيصير معنى الكلام زمان زمان تدخلين الدار فأنت
طالق ومعلوم أنه لو صرح بهذا لكان في معنى إعادة اللفظ وأن لا فرق بينه وبين قوله
زمان تدخلين الدار أنت فيه طالق بخلاف قولك كلما فإنها تقتضي الإحاطة والشمول
لجميع أفراد ما دخلت عليه والتكرار فيه كقولك كلما أكرمت زيدا أكرمني أي إكرامه
يتكرر بتكرر إكرامي وأما حيثما وأينما فهو مكان أضيف إلى زمان وتقديره مكان زمان
دخولك الدار أنت طالق فيه ومعلوم أنه لو صرح بهذا لم يفهم منه التكرار بل تطلق في
جميع ذلك المكان طلقة واحدة فهذا هو البحث الكاشف عن هذه الحقائق والفروق بينها
وبذلك يتضح الفقه فيها
المسألة السادسة نص الأصحاب على أن الطلاق
يتكرر في قوله كل امرأة أتزوجها من هذا البلد فهي طالق قالوا إن الطلاق يتكرر
بتكرر النساء من ذلك البلد وأن القائل كل
هامش أنوار البروق
يكون له سببان لا يلزم من عدم أحدهما عدمه لأن السبب الثاني يخلف السبب الأول
كقولنا في زوج هو ابن عم لو لم يكن زوجا لورث أي بالتعصيب فإنهما سببان لا يلزم من
عدم أحدهما عدم الآخر وكذلك هنا الناس في الغالب إنما لم يعصوا لأجل الخوف فإذا
ذهب الخوف عنهم عصوا لاتحاد
هامش إدرار الشروق
منه بلفظه ا ه
وقول الأصل والفقه يقتضي عدم التكرار في جميع ما ذكر بناء على أن الكذب هو الموجب
كما تقدم تقريره في فرق الإنشاء والإخبار لكن لما اشتهر لفظ الظهار في موجب
الكفارة لوحظت الكفارة في مقصد المظاهر كأنها حقيقة عرفية فيكون قد التزم تكرارها
في كلمة كلما وأي فإنهما للحكم على كل واحد واحد وأشار بمن فيمن دخلت منكن إلى
التبعيض فكأنه قال علي
الكفارة في كل بعض منكن وأي الأفراد وأما كل فهي ظاهرة في الإحاطة والشمول والكل
في بعض أحوالها ألا ترى أن النفي إذا تقدم عليها كان معناها الكل فمعنى ما قبضت كل
المال أنك لم تقبض الجميع بل البعض ا ه بتلخيص هو مبني أيضا على ما تقدم وقد علمت
ما فيه ولا يقوى فرق بين كلما وكل وفي تلك المسائل كلها وفي الفرق بينها نظر ظاهر
مما قدمناه فتأمل ذلك والله أعلم
قال المسألة السابعة إذا قال إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا ثم قال لها أنت طالق
ثلاثا قال مالك تنحل يمينه وقال الشافعي يبقى التعليق حتى يتزوجها بعقد ثان وعلى
مذهب مالك رحمه الله إشكالان إلى آخر المسألة قلت ما قاله وما اختاره من الجواب
صحيح والله أعلم
المسألة السابعة إذا قال إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا ثم قال لها أنت طالق ثلاثا
فعند الشافعي رحمه الله تعالى يبقى التعليق حتى يتزوجها بعقد ثان نظرا لأمرين
الأول أن وجود المشروط بدون شرطه خلاف الإجماع الثاني أن لفظ التعليق لا يقتضي
تخصيص المعلق بالطلاق المملوك ولا سيما على قاعدة مالك من صحة التعليق قبل الملك
في إن تزوجتك فأنت طالق ثلاثا وعند مالك رحمه الله تعالى لا يبقى التعليق حتى
يتزوجها بل تنحل يمينه نظرا لأمرين أيضا الأول قاعدة أن صاحب الشرع لما جعل للمكلف
التعليق على دخول الدار مثلا جعل له حل ذلك التعليق بالتنجيز خاصة فإذا نجز بطلت
شرطية الدخول للطلاق فما وجد المشروط دون شرطه قط
____________________
(1/175)
امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي أن الكفارة لا تتكرر عليه
وأنه بزواج امرأة واحدة تنحل يمينه مع تصريحه بالعموم في الصورتين وفي التهذيب إن
تزوجتكن فإنكن علي كظهر أمي لا يتكرر الظهار ومن دخلت منكن الدار فهي علي كظهر أمي
تتكرر الكفارة وكلما تزوجت فالمرأة التي أتزوجها هي علي كظهر أمي وكذلك أيتكن
كلمتها فهذه الفروع مشتركة في صيغ العموم مع اختلاف الأحكام فيحتاج إلى سر الفرق
بينها باعتبار القواعد والجواب أن الطلاق حكم يثبت لأفراد العموم كثبوت القتل
لجميع أفراد المشركين والحل لجميع أفراد البيع
وأما الظهار فالكفارة فيه للنطق بالكلام الزور عقوبة لقائله فإذا قال كل امرأة
أتزوجها فهي علي كظهر أمي فقد كذب كذبة واحدة فتجب عليه كفارة واحدة ولا نظهر إلى
العموم الذي هو متعلق القول الكذب كما لو قال والله إن كل إنسان جماد فإنها كذبة
واحدة متعلقة بعموم أو قال والله ليس في الدار أحد من إخوتك فوجد الجميع فيها
فإنما تلزمه كفارة واحدة نظرا لاتحاد اليمين والحنث فكذلك ها هنا وأما تكرر
الكفارة في كلما وقوله منكن وأيتكن فعلى خلاف القياس
والقاعدة تقتضي أن لا
هامش أنوار البروق
السبب في حقهم فأخبر عليه السلام أن صهيبا اجتمع عنده سببان يمنعانه من المعصية
الخوف والإجلال فلو انتفى الخوف في حقه لانتفى العصيان للسبب الآخر وهو الإجلال
وهذا مدح كبير وكلام حسن
وأجاب غيرهم بأن الجواب محذوف تقديره لو لم يخف الله عصمه الله ودل على ذلك قوله
لم يعصه وهذه
هامش إدرار الشروق
الثاني أن لفظ التعليق يقتضي التصرف في المملوك فقط لأن طلاق المرأة إنما يكون مما
هي موثوقة فيه وليست هي موثوقة إلا في عصمته الحاضرة دون غيرها إلا بدليل الأصل
عدمه على أنه يلزم على ما للشافعي أن يكون الزوج مالكا لست طلقات ثلاث منجزات
وثلاث معلقات والذي أجمع الناس عليه أنه إنما يملك ثلاثا فقط والأصل عدم ملكه
للزائد فإذا أجمع الناس على وقوع المنجز تعين إبطال التعليق في المعلق حتى يقع في
المعلق بعد شرط
قال المسألة الثامنة الشرط ينقسم إلى ما لا يقع إلا دفعة كالنية وإلى ما لا يقع
إلا متدرجا كالحول وقراءة السورة وإلى ما يقبل الأمرين كلفظ عشرة دراهم إلى آخر
المسألة قلت ذكر قول فخر الدين وأورد عليه سؤالين وهما واردان كما قال والله أعلم
المسألة الثامنة الشرط ثلاثة أقسام ما لا يقع إلا دفعة واحدة كالنية وما لا يقع
إلا متدرجا كالحول وقراءة السورة وما يقبل الأمرين وعلى كل إما أن يكون الشرط وجود
هذه الحقائق فيكون المعتبر من الأول اجتماع أجزائه ووجودها في زمن واحد لإمكان ذلك
ومن الثاني وجود آخر أجزائه لأن الممكن فيه أما وجود الحقيقة بجملة أجزائها فذلك
مستحيل ومن الثالث كل من الاجتماع أو الافتراق لا خصوص اجتماع جميع أجزائه في زمن
واحد خلافا للفخر الرازي في المحصول إذ لا فرق عرفا في قوله إن أعطيتني عشرة
دراهم فأنت حر بين أن يعطيها مجموعة أو درهما بعد درهم بل يعد أهل العرف والعادة
أن من أعطى كل يوم درهما فأعطى عشرة في عشرة أيام أنه معط لعشرة والأيمان محمولة
على العرف بل يصدق أيضا لغة على معطي العشرة الدراهم في عشرة أيام أنه معط لعشرة
فإن مسمى إعطائه العشرة أعم من كونه بصفة الاجتماع والافتراق وأما أن يكون الشرط
عدم هذه الحقائق فإن جعل المعلق للشرط عدمها بلم أو بلما الموضوعين لنفي الماضي أو
بما وبليس الموضوعين لنفي الحال كان
____________________
(1/176)
تتكرر عليه الكفارة غير أنه لما اشتهر لفظ الظهار في موجب
الكفارة لوحظت الكفارة في مقصد المظاهر كأنها حقيقة عرفية فيكون قد التزم تكررها
في كلمة كلما وأشار بمن إلى التبعيض فكأنه قال علي الكفارة في كل بعض منكن وأي
الأفراد فيكون قد التزم الكفارة في كل فرد وأما كل فهي ظاهرة في الإحاطة والشمول
والكل في بعض أحوالها ألا ترى أن النفي إذا تقدم عليها كان معناها الكل فلو قلت ما
قبضت كل المال لكان معنى كلامك أنك لم تقبض الجميع بل بعضه وكذلك ما كل عدد زوج
وما كل حيوان إنسان نص النحاة على أنك ناف للمجموع من حيث هو مجموع لا لكل واحد
واحد بخلاف أي فإنها للحكم على كل واحد واحد وهذه كلها تكلفات والفقه يقتضي عدم
التكرار بناء على أن الكذب هو الموجب كما تقدم تقريره في فرق الإنشاء والإخبار
المسألة السابعة إذا قال إن دخلت الدار فأنت
طالق ثلاثا ثم قال لها أنت طالق ثلاثا قال مالك رحمه الله تنحل يمينه وقال الشافعي
رضي الله عنه يبقى التعليق حتى يتزوجها بعقد ثان وعلى مذهب مالك رحمه الله إشكالان
أحدهما أنه يلزم وجود المشروط بدون شرطه وهو خلاف الإجماع
هامش أنوار البروق
الأجوبة تأتي في الآية غير الثالث فإن عدم نفاد كلمات الله تعالى وأنها غير
متناهية أمر ثابت لها لذاتها وما بالذات لا يعلل بالأسباب فتأمل ذلك هذا كلام
الفضلاء الذي اتصل بي والذي ظهر لي أن لو أصلها إن تستعمل للربط بين شيئين كما
تقدم ثم إنها أيضا تستعمل لقطع الربط فتكون جوابا لسؤال
هامش إدرار الشروق
المعتبر من جميع هذه الحقائق مطلق العدم في مطلق الزمان كما قال الرازي في المحصول
حتى عند استعمال لم في المستقبل عرفا كما إذا قال إن لم تقرأ سورة البقرة في هذه
السنة لأنه لا يفهم منه استيعابه العدم لجميع أجزاء السنة حتى لو قرأها في آخر
السنة صدق حصول قراءتها ولم يكن الشرط متحققا وإن جعل عدمها بلا أو بلن الموضوعين
لنفي المستقبل كان المعتبر من الجميع استغراق العدم لجميع أزمنة العمر أو الزمن
الذي عينه المعلق لأن مطلق العدم في مطلق الزمن خلافا للرازي في المحصول فقد نص
سيبويه وغيره على أن لا ولن موضوعان لعموم نفي المستقبل وأن لن أبلغ في عموم النفي
للمستقبل
قال المسألة التاسعة اتفق الفقهاء على الاستدلال بقوله
تعالى ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله ووجه الدليل منه
في غاية الإشكال إلى آخر المسألة قلت ما قال فيها من لزوم تقدير محذوف به يصح
والمعنى المراد صحيح وما قاله في الفرع كذلك
المسألة التاسعة وجه استدلال جميع الفقهاء بقوله تعالى ولا تقولن لشيء إني فاعل
ذلك غدا إلا أن يشاء الله على اشتراط المشيئة عند النطق بالأفعال مع أن الآية ليس
فيها ما يدل على التعليق لا مطابقة ولا التزاما فإن إلا للاستثناء لا للتعليق وأن
هي الناصبة لا الشرطية هو أن في الآية حذفا والمحذوف هو المستثنى منه والمستثنى
الذي هو حال من مقول القول عاملة في أن بعد حذف الجار الذي هو الباء لحذفه معها
كثيرا والتقدير ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا في حال من الأحوال إلا معلقا بأن
يشاء الله فيكون النهي المتقدم مع إلا المتأخرة عنه قد حصرا القول في هذه الحال
دون سائر الأحوال فتختص هذه الحال بالإباحة وغيرها بالتحريم وترك المحرم واجب وليس
هناك شيء يترك به الحرام إلا هذه الحال فتكون واجبة فهذا مدرك الوجوب وأما مدرك
التعليق فهو قولنا معلقا فإنه يدل على أنه تعلق في تلك
____________________
(1/177)
وثانيهما أنه خصص المعلق بالطلاق المملوك مع أن لفظ التعليق
لم يتقاض ذلك ولا سيما على قاعدته في صحة التعليق قبل الملك في إن تزوجتك فأنت
طالق ثلاثا
والجواب عن الأول بناء على قاعدة وهي أن صاحب الشرع لما جعل للمكلف التعليق على
دخول الدار جعل له حل ذلك التعليق بالتنجيز خاصة فإذا نجز بطلت شرطية الدخول
للطلاق فبقي غير مشروط فما وجد المشروط دون شرطه قط وعن الثاني أن لفظ التعليق
يتقاضى التصرف في المملوك فقط لأن طلاق المرأة إنما يكون مما هي موثوقة فيه وإنما
هي موثوقة في عصمته الحاضرة دون غيرها فكان الطلاق خاصا بهذه العصمة فلم يتناول
التعليق غيرها إلا بدليل الأصل عدمه ثم يتأكد ذلك بما يرد على الشافعي رضي الله
عنه من جهة أنه يلزم أن يكون الزوج مالكا لست طلقات ثلاث منجزات وثلاث معلقات
والذي أجمع الناس عليه أنه إنما يملك ثلاثا فقط والأصل عدم ملكه للزائد فإذا أجمع
الناس على وقوع المنجز تعين إبطال التعليق في المعلق حتى يقع في المعلق بعد شرط
المسألة الثامنة الشرط ينقسم إلى ما لا يقع إلا
دفعة كالنية وإلى ما لا يقع إلا متدرجا كالحول وقراءة السورة وإلى ما يقبل الأمرين
كإعطاء عشرة دراهم
قال الإمام فخر الدين في
هامش أنوار البروق
محقق أو متوهم وقع فيه ربط فتقطعه أنت لاعتقادك بطلان ذلك الربط كما لو قال القائل
لو لم يكن زيد زوجا لم يرث فتقول أنت لو لم يكن زوجا لم يحرم تريد أن ما ذكره من
الربط بين عدم الزوجية وعدم الإرث ليس بحق فمقصودك قطع ربط كلامه كذلك الحديث لما
كان الغالب على الناس أن يرتبط
هامش إدرار الشروق
الحال وأن الأمر بالتعليق على المشيئة عند الوعد بالأفعال كما أن قولك لا تخرج إلا
ضاحكا يفيد الأمر بالضحك حالة الخروج ومن هنا علم أن قوله لامرأته علقت طلاقك على
دخول الدار بمنزلة قوله لها إن دخلت الدار فأنت طالق أو أنت طالق إن دخلت الدار في
كونها تطلق بدخول الدار بخلاف قوله لها جعلت دخول الدار سببا لطلاقك فإنها لم تطلق
بدخول الدار إلا أن يريد بالجعل التعليق لأن صاحب الشرع إنما جعل له أن يجعل دخول
الدار سببا لطلاق امرأته بطريق واحد وهو التعليق خاصة فإن أراد نصبه بغير التعليق
كما جعل صاحب الشرع الزوال سببا لوجوب الظهر والهلال سببا لوجوب الصوم فليس ذلك له
فافهم ذلك
قال المسألة العاشرة قد يذكر الشرط للتعليل دون التعليق قال وضابطه أمران المناسبة
وعدم انتفاء المشروط عند انتفائه ليعلم أنه ليس بشرط مثاله قوله تعالى واشكروا
نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون إلى آخرها قلت ما قاله أيضا في هذه المسألة صحيح
المسألة العاشرة الأصل في الشرط اللغوي أن يكن للتعليق أي جعل المعلق عليه سببا في
المعلق يلزم من وجوده الوجود لذاته ومن عدمه العدم لذاته كما مر ولو لم تتحقق
بينهما مناسبة وقد يأتي للتعليل أي جعل المعلق عليه علة غائية للمعلق بحيث يوجد
المعلق لأجله ولا ينتفي المعلق عند انتفائه مع تحقق المناسبة بينهما فيعلم أنه ليس
هو الشرط في التعليق كما في قوله تعالى واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون فإن
معنى الكلام أنكم موصوفون بصفة تحث على الشكر وتبعث عليه وهي العبادة والتذلل
فافعلوا الشكر فإنه متيسر لوجود سببه عندكم والشكر واجب مع العبادة ومع عدمها وكما
في قوله عليه الصلاة والسلام من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه فإن
معناه أن تصديق الوعد والوعيد في ذلك حاث عليه وإلا فالكفار على الصحيح من خطابهم
بفروع الشريعة مأمورون بإكرام
____________________
(1/178)
كتابه المحصول فإن كان الشرط وجود هذه الحقائق اعتبر من
الأول والثالث اجتماع أجزائه ووجودها في زمن واحد لإمكان ذلك واعتبر من الثاني وجود
آخر أجزائه لأنه الممكن فيه أما وجود الحقيقة بجملة أجزائها فذلك مستحيل وإن كان
الشرط عدم هذه الحقائق اعتبره من الجميع أول أزمنة العدم لصدق العدم حينئذ على
الجميع ويرد عليه سؤالان الأول أن القائل إن أعطيتني عشرة دراهم فأنت حر لا فرق في
العرف بين أن يعطيها مجموعة أو درهما بعد درهم والأيمان محمولة على العرف فاشتراطه
اجتماع الجميع في زمن واحد غير لازم بل يعد أهل العرف والعادة أن من أعطى كل يوم
درهما فأعطى عشرة في عشرة أياما أنه معط لعشرة ويصدق ذلك أيضا لغة فإن مسمى إعطائه
العشرة أعم من كونه بصفة الاجتماع والافتراق الثاني أن جعل عدمها شرطا تارة يكون
بلم وتارة يكون بلما الموضوعين لنفي الماضي أو بما وليس الموضوعين لنفي الحال أو
بلا ولن الموضوعين لنفي المستقبل فنسلم له الاقتصار على مسمى العدم في الأربعة
الأول أما لا ولن فقد نص سيبويه وغيره على أنهما موضوعان لعموم نفي المستقبل وأن
لن أبلغ في عموم النفي للمستقبل فإذا قلنا لا يموت فيها ولا يحيى وقول الله تبارك
وتعالى لن تراني عام في سلب الموت
هامش أنوار البروق
عصيانهم بعدم خوفهم وأن ذلك في الأوهام قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا
الربط وقال لو لم يخف الله لم يعصه وكذلك لما كان الغالب على الأوهام أن الشجر
كلها إذا صارت أقلاما والبحر المالح مع غيره مدادا يكتب به يقول الوهم ما يكتب
بهذا شيء إلا نفد وما عساه أن يكون قطع الله تعالى هذا الربط وقال ما نفدت
قلت جواب أبي الحسن بن عصفور يقتضي أنها مجاز في الحديث والمجاز على خلاف الأصل
هامش إدرار الشروق
الضيف مع عدم هذا الشرط وهو كثير في الكتاب والسنة ومنه قولك أطعني إن كنت ابني إذ
لا تشك في بنوته بل تنبهه على الصفة الباعثة على الطاعة
المسألة الحادية عشر قوله تعالى يا نساء النبي
لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول يحتمل وهو الأسبق إلى الفهم أن
يكون المراد تفضيلهن بشرط التقوى والمعنى إن اتقيتن الله فلا تقسن بجماعة من
النساء فإنكن أعظم فإن اتقيتن شرط حذف جوابه لدلالة ما قبله عليه وقوله فلا تخضعن
بالقول كلام مستأنف للإرشاد والتهييج بجعل طلب الدنيا والميل إلى ما تميل إليه
النساء لبعده عن مقامهن بمنزلة الخروج من
التقوى ويحتمل وعليه جماعة من أرباب علم البيان وأهل التفسير أن يكون المراد
تفضيلهن على النساء مطلقا من غير شرط ويكون الوقف على قوله لستن كأحد من النساء
ويبدأ بالشرط ويكون جوابه ما بعده وهو قوله فلا تخضعن بالقول دون ما قبله قيل وهذا
الاحتمال أبلغ في مدحهن لأنهن متقيات وهو صحيح لو أن الآية وردت للمدح لكنها لم
ترد لذلك بل المراد منها داومهن على التقوى
قال المسألة الثانية عشر يجوز حذف جواب الشرط إذا كان في الكلام ما يدل عليه إلى
آخرها قلت ما قاله من جواز حذف جواب الشرط إذا دل عليه الدليل صحيح إذا لم يصح أن
يكون الجواب فيما بعده من الكلام المنطوق به فإن الحذف في الكتاب العزيز لا يدعى
إلا لضرورة وما قاله من أن الماضي لا يعلق على المستقبل صحيح وهو الموجب لتقدير
المحذوف والله أعلم
____________________
(1/179)
والحياة والرؤية في جميع أزمنة الاستقبال فإن جعل المعلق
للشرط عدمها بصيغة لن أو لا كان الشرط استغراق العدم لجميع أزمنة العمر أو الزمان
الذي عينه المعلق لا مطلق العدم في مطلق الزمان خلافا له فتخرج لا ولن عن دعواه مع
أن لم تستعمل في العرف لذلك فإذا قال إن لم تقرأ سورة البقرة في هذه السنة فأنت
مذموم لا يفهم منه استيعاب العدم لجميع أجزاء السنة حتى لو قرأها في آخر السنة صدق
حصول قراءتها ولم يكن الشرط متحققا
المسألة التاسعة اتفق الفقهاء على الاستدلال
بقوله تعالى ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله ووجه الدليل منه في
غاية الإشكال فإن الآية ليست للتعليق وأن المفتوحة ليست للتعليق فما بقي في الآية
شيء يدل على التعليق مطابقة ولا التزاما فكيف يصح الاستدلال بشيء لا يدل مطابقة
ولا التزاما وطول الأيام يحاولون الاستدلال بهذه الآية ولا يكاد يتفطن لوجه الدليل
منها وليس فيها إلا استثناء وأن هي الناصبة لا الشرطية ولا يتفطن أيضا لهذا
الاستثناء من أي شيء هو وما هو المستثنى منه فتأمله فهو في غاية الإشكال وهو الأصل
في اشتراط المشيئة عند النطق بالأفعال
والجواب أن تقول هذا استثناء من الأحوال والمستثنى منه حالة من الأحوال وهي محذوفة
قبل أن الناصبة وعاملة فيها أعني الحال عاملة في أن الناصبة وتقديره ولا تقولن
لشيء إني فاعل ذلك غدا في حالة من الأحوال إلا معلقا بأن يشاء الله ثم حذفت معلقا
والباء من أن وهي تحذف معها كثيرا فيكون النهي المتقدم مع إلا المتأخر قد حصرت
القول في هذه الحال دون
هامش أنوار البروق
فلا يدعى إلا عند الضرورة وأما جواب شمس الدين فهو الصحيح غير قوله إنما اشتهرت في
العرف فإن ذلك العرف الذي ادعاه لم يثبت عن اللغة ولا عن الشرع فهو عرف لغير أهل
اللغة ولغير
هامش إدرار الشروق
المسألة الثانية عشر إذا لم يصح جعل ما بعد
الشرط من الكلام المنطوق به جوابا لكونه ماضيا مثلا والماضي لا يعلق على المستقبل
كان الجواب محذوفا والمذكور دليله كما في قوله تعالى وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من
قبلك أي وإن يكذبوك فتسل فقد كذبت رسل من قبلك فتكذيب من قبله سبب لتسليته وقائم
مقامه ونظائره كثيرة في كتاب الله تعالى
قال المسألة الثالثة عشر جرت عادة الفقهاء والأصوليين بحمل العموم على عمومه دون
سببه وهو المشهور في المسألة فيستدلون أبدا بظاهر العموم وإن كان في غير مورد
السبب وقد كان الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله يقول يجب أن يستثنى من ذلك
ما إذا كان السبب شرطا إلى آخرها قلت لا يجب ذلك وما مثل به من قوله تعالى إن
تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا لا دليل له فيه بل هو على تقدير محذوف كما
سبق في المسألة قبلها نحو إن تكونوا صالحين فأبشروا فإنه كان للأوابين غفورا وكان
هنا للاستمرار فإنه أمدح وهذا الموضع موضع تمدح والله أعلم
المسألة الثالثة عشر العبرة عند الفقهاء والأصوليين بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
فيستدلون أبدا بظاهر العموم وإن كان في غير مورد سببه ففي العزيز على الجامع
الصغير عند حديث الدارقطني في السنن عن جابر بن عبد الله وصححه ابن حزم ابدءوا بما
بدأ الله به ما نصه أي في القرآن فيجب عليكم الابتداء في السعي بالصفا وذا وإن ورد
عن سبب لكن العبرة بعموم اللفظ ا ه
قال الحنفي قاله صلى الله تعالى عليه وسلم جوابا لمن سأله في السعي أنبدأ بالصفا
أو بالمروة وفي رواية أبدأ وفي أخرى
____________________
(1/180)
سائر الأحوال فتختص هذه الحال بالإباحة وغيرها بالتحريم
وترك المحرم واجب وليس هناك شيء يترك به الحرام إلا هذه الحال فتكون واجبة فهذا
مدرك الوجوب وأما مدرك التعليق فهو قولنا معلقا فإنه يدل على أنه تعلق في تلك
الحال كما إذا قال له لا تخرج إلا ضاحكا فإنه يفيد الأمر بالضحك حالة الخروج
وانتظم معلقا مع أن بالباء المحذوفة واتجه الأمر بالتعليق على المشيئة من هذه
الصيغة عند الوعد بالأفعال فافهم ذلك فإنه من المواضع العسيرة الفهم والتقدير فرع
من هذا التقدير لو قال لامرأته علقت طلاقك على دخول الدار طلقت بدخول الدار كما لو
قال لها أنت طالق إن دخلت الدار ولو قال لها جعلت دخول الدار سببا لطلاقك لم تطلق
بدخول الدار إلا أن يريد بالجعل التعليق فإن صاحب الشرع جعل له أن يجعل دخول الدار
سببا لطلاق امرأته بطريق واحد وهو التعليق خاصة فإن أراد نصبه بغير التعليق كما
جعل صاحب الشرع الزوال سببا لوجوب الظهر والهلال سببا لوجوب الصوم فليس ذلك له
فافهم ذلك
المسألة العاشرة قد يذكر الشرط للتعليل دون
التعليق وضابطه أمران المناسبة وعدم انتفاء المشروط عند انتفائه فيعلم أنه ليس
بشرط مثاله قوله تعالى واشكروا نعمة الله إن
هامش أنوار البروق
أهل الشرع ولا حجة في عرف غيرهما ولا اعتبار به في مثل هذا
وأما جواب عز الدين فغايته إن أبدى وجها لمطلق الربط وارتفاع توهم ذلك المفهوم
وأما جواب من قال بحذف الجواب فحذف المحذوف لا يثبت إلا لضرورة ولا ضرورة هنا وأما
جوابه هو فمحوج إلى تكلف سبق كلام يكون
هامش إدرار الشروق
نبدأ ا ه فيكون دليلا على وجوب البداءة بالبسملة ثم بالحمد له في الكتب العلمية
وإلا كان لفظ الأمر مستعملا في حقيقته ومجازه أو فيما يعمهما فافهم والصحيح أنه لا
يجب أن يستثنى من ذلك ما إذا كان السبب شرطا خلافا للشيخ عز الدين بن عبد السلام
القائل بذلك الوجوب مستدلا بأن الأوابين في قوله تعالى إن تكونوا صالحين فإنه كان
للأوابين غفورا وإن كان عاما في كل أواب ماضيا أو حاضرا أو مستقبلا إلا أنه يجب أن
يتخصص بنا لأن القاعدة الشرعية أن صلاحنا لا يكون سببا للمغفرة في حق غيرنا من
الأمم فيتعين أن يكون التقدير إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين منكم غفورا إذ
لا دليل له في هذه الآية لأنها من قبيل ما حذف جوابه كما في المسألة قبلها
والتقدير إن تكونوا
صالحين فأبشروا فإنه للأوابين غفورا وكان هنا للاستمرار فإنه أمدح وهذا الموضع
موضع تمدح
قال المسألة الرابعة عشر جرت عادة الفقهاء في الكفارات هل هي على التخيير أو على
الترتيب أن يقولوا إذا ورد النص بصيغة أو فهي على التخيير كقوله تعالى فكفارته
إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة وإن كان النص
بصيغة من الشرطية فهي على الترتيب كقوله تعالى فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من
قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ولا تجد فقيها ينازع في هذا وهو
غير صحيح إلى آخر المسألة
قلت ما قاله من أن الصيغة لا تقتضي الترتيب إلا بعد أن تحتف بها قرائن صحيح كما
ذكر لأن هذه الصيغة تأتي لغير قصد الترتيب كما مثل وما قاله من أنه لا يلزم من عدم
الشرط عدم المشروط إن أراد الشرط المعنوي فذلك باطل وهذا الشرط هو الذي يعني
الفقهاء أنه يلزم من عدمه عدم مشروطه وإن أراد الشرط اللغوي فهو الذي لا يلزم من
عدمه عدم المشروط أي أن هذا اللفظ وإن سمي في اصطلاح أهل اللغة والنحو شرطا لا
يلزم من ذلك أن يكون شرطا معنويا فيلزم من عدمه عدم مشروطه بل يأتي الشرط اللغوي
لغير ذلك القصد والله أعلم
المسألة الرابعة عشر الشرط اللغوي كما يستعمل في الترتيب على سبيل الحقيقة اللغوية
إذا لم يرد به الحصر فيكون شرطا معنويا يلزم من عدمه العدم بل سببا معنويا كما مر
يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم لذاته كما في إن دخلت الدار فأنت طالق كذلك
يستعمل في إثبات الحصر على سبيل الحقيقة اللغوية متى أريد به الحصر فلا يفيد
الترتيب ولا يكون شرطا معنويا يلزم من عدمه عدم المشروط بل لا يتوقف المشروط عليه حينئذ
أصلا كما في قوله تعالى فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان فقد أجمعت الأمة على
جواز شهادة الرجل والمرأتين عند وجود الرجلين وأن عدمهما ليس شرطا معنويا وكما في
قولنا وإن لم يكن العدد زوجا فهو فرد وإن لم يكن فردا فهو زوج وإن لم يكن هذا
جمادا فهو إما نبات
____________________
(1/181)
كنتم إياه تعبدون والشكر واجب مع العبادة ومع عدمها ومعنى
الكلام أنكم موصوفون بصفة تحث على الشكر وتبعث عليه وهي العبادة والتذلل فافعلوا
ذلك فإنه متيسر لوجود سببه عندكم ومنه قوله عليه الصلاة والسلام من كان يؤمن بالله
واليوم الآخر فليكرم ضيفه معناه أن تصديق الوعد والوعيد في ذلك حاث عليه وإلا
فالكفار مخاطبون بفروع الشريعة على الصحيح فيؤمرون بإكرام الضيف مع عدم هذا الشرط
وهو كثير في الكتاب والسنة ومنه قولك أطعني إن كنت ابني لست تشك في بنوته بل تنبهه
على الصفة الباعثة على الطاعة
المسألة الحادية عشر قوله تعالى يا نساء النبي
لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول قال جماعة من أرباب علم البيان
وأهل التفسير أن الوقف عند قوله لستن كأحد من النساء ويبدأ بالشرط ويكون جوابه ما
بعده وهو قوله فلا تخضعن بالقول دون ما قبله بل حكم الله تعالى بتفضيلهن على
النساء مطلقا من غير شرط وهو أبلغ في مدحهن ويكون جواب الشرط ما بعده ويستقيم
اللفظ والمعنى
المسألة الثانية عشر يجوز حذف جواب الشرط إن كان في الكلام ما يدل عليه فيجعل
هامش أنوار البروق
هذا جوابا له وتقدير ذلك وكل ذلك لا يصح في الآية أما سبق كلام يكون هذا جوابا له
فلم يكن في الأزل من يكون كلام الله تعالى جوابا له ولا يصح أن يكون كلام الله
تعالى جوابا له ولا يصح أن يكون كلام الله تعالى على تقدير سبق كلام فإن هذا
التقدير إنما معناه احتمال سبق كلام الله والله
هامش إدرار الشروق
أو حيوان وإن لم يكن هذا الحيوان ناطقا فهو بهيم فإن عدم الزوجية عن العدد وإن كان
شرطا في ثبوت الفردية له وكذلك بقية النظائر إلا أن إثبات شرطية عدم الزوجية في
الفردية وعدم الفردية في الزوجية مثلا في هذه الإطلاقات ليس هو مراد الناس بل كل
من الزوج والفرد زوج وفرد في نفسه لذاته من غير شرط وإنما مراد الناس هنا بيان
انحصار تلك المادة في المذكور بمعنى إن لم يكن الواقع من العدد ما هو زوج تعين أن
يكون الواقع ما هو فرد وبالعكس ولذا لا يقولون ذلك إلا فيما يصح فيه الحصر لا فيما
لا يصح فلا يقولون إن لم يكن إنسانا فهو فرس لعدم انحصار الباقي من الحيوان بعد
الإنسان في الفرس ولا يقصد الناس الشرطية إلا في الموطن الذي يقبل النقيض ولا يجزم
العقل بوجوب ثبوت معناه له في نفسه وجوبا ذاتيا كما هنا وعلى هذا فالمراد في آية
الشهادة إنما هو انحصار الحجة التامة من الشهادة بعد الرجلين في الرجل والمرأتين
فإنه لا حجة تامة من الشهادة في الشريعة إلا الرجلان والرجل والمرأتان هذا هو
المجمع عليه وأما شهادة الصبيان وشهادة أربع نسوة عند الشافعي وشهادة المرأتين
وحدهما فيما ينفردان فيه كالولادة فهذه الآية حجة على بطلانها إلا أن يقال أن
الآية إنما سيقت في إثبات الديون والأموال لا الأبدان وجميع هذه الصور في أحكام
الأبدان فالحصر حق في الأموال
____________________
(1/182)
الدليل نفس الجواب وليس هو الجواب كقوله تعالى وإن يكذبوك
فقد كذبت رسل من قبلك فإن تكذيب من قبله لا يتوقف على هذا الشرط بل سبق وتقدم
وتقدير الجواب وإن يكذبوك فتسل فقد كذبت رسل من قبلك فتكذيب من قبله دليل على
هامش أنوار البروق
تعالى منزه عن مثل هذا الاحتمال إذ تقرر أنه العالم بما كان وبما يكون وبما لم يكن
ولا يكون فإن قيل جاز ذلك في الآية على ما سبق في علمه من توهم من يسمع والآية
كذلك فالجواب أن ذلك تكلف يغني عنه أنها لمطلق الربط
قال وهذا الجواب أصلح من الأجوبة المتقدمة إلى آخر المسألة قلت قد تبين أنه ليس
بأصلح وفيه دعوى سبق كلام يكون هذا جوابا له أو تقدير سبق كلام والأصل عدم ذلك
قال شهاب الدين المسألة الثالثة أن النحاة والأصوليين قد نصوا على أن إن لا يعلق
عليها إلا مشكوك فيه آخر المسألة قلت ليس الأمر كما نصوا عليه بل هي لمطلق الربط
سواء كان ما دخلت عليه مشكوكا فيه أو غير مشكوك غير أنها ليست بظرف وإذا ظرف وقد
آل كلامه في جوابه عن الإشكال وجوابه بعد ذلك عن السؤال إلى أنها تستعمل في
المشكوك وغير المشكوك ودعوى المجاز على خلاف الأصل
قال المسألة الرابعة مقتضى ما تقدم من أن الشرط لا يكون إلا بأمر معدوم مستقبل وأن
جزاءه أيضا كذلك إلى آخر الأمور المشترطة التي أوردها قلت قد تقدم أن حروف الشرط
تدخل على غير المستقبل بخلاف سائر ما ذكر مع الشرط
قال فإن قلت كيف تورد السؤال بلو مع أنك قد قدمت أن من خصائصها أنها تدخل على
الماضي فلا يكون الاستقبال فيها لازما حتى يرد بها السؤال قال قلت من خصائصها أنها
قد تدخل على الماضي ولكن لا يمنع دخولها على المستقبل ونحن نعلم ها هنا أنها إنما
دخلت على المستقبل من جهة الواقع فإنه تعالى لو شاء جعلنا ملائكة لكنا ملائكة لكنا
لسنا ملائكة فعلمنا أن هذا ليس ماضيا قلت جوابه هذا ليس بصحيح فإن مشيئة الله
تعالى لا يصح أن تكون حادثة وإنما دخلت لو على ما لا يصح أن يكون مستقبلا وحمل
المشيئة على وقوع متعلقها وهو المراد الحادث خلاف الظاهر فالسؤال وارد
قال والجواب عنه أن تعلق إرادة الله تعالى وعلمه بالأشياء قسمان قسم واقع وقسم
مقدر مفروض ليس واقعا فالواقع هو أزلي لا يمكن جعل شيء منه شرطا ألبتة
قلت ما قاله ليس بصحيح بل يمكن جعل الأزلي شرطا وإنما حمله على ما قاله دعواه أن
إن لا تدخل إلا على المستقبل وقد تقدم أنه يجوز دخولها على غير المستقبل فإنها
لمطلق الربط وقد سبق من كلامه ما يشعر بتسليمه أنها لمطلق الربط
قال والمقدر هو الذي جعل شرطا وتقدير الكلام في هذه المواضع متى فرض إرادتنا أن
نردكم
هامش إدرار الشروق
ولم يخالفه
أحد ولا يدل على بطلان هذه الصور وأما الشاهد واليمين واليمين والنكول وغير ذلك
____________________
(1/183)
تسليته وسبب تسليته قائم مقامه وإلا فالماضي لا يعلق على
المستقبل ونظائره كثيرة في كتاب الله تعالى
هامش أنوار البروق
ملائكة كنتم ملائكة ومتى فرض إرادتنا لهداية نفس اهتدت ومتى فرض إرادتنا لكون شيء
كان ومتى فرض إرادتنا لإهلاك قرية كان السبب في إهلاكها أمر مترفيها فيفسقون
ومتى فرض علم الله تعالى بأن فيكم خيرا آتاكم خيرا مما أخذ منكم وكذلك بقية هذه
النظائر فجميع المعلق عليه من تعلق صفات الله تعالى إنما هو مفروض مقدر لا أنه
واقع والفرض والتقدير أمر متوقع في المستقبل ليس أزليا فلذلك حسن التعليق فيه على
الشرط قلت هذا الفرض والتقدير الذي زعم لا يخلو أن يريد أن الله تعالى هو فارض ذلك
الفرض أو يريد أن غيره هو فارض ذلك الفرض فإن أراد الأول فذلك لا يجوز في حق الله
تعالى لأنه يستلزم الجهل بالواقع وإن أراد الثاني فلا يصح تأويل مشيئة الله تعالى
بمشيئة غيره وبالجملة فكلامه هنا خطأ صراح
قال فإن قلت بل هذا التقدير أزلي إلى آخر جوابه قلت وهذا السؤال مني على جواز مثل
هذا التقدير على الله وقد سبق أنه لا يجوز فالسؤال ساقط وجوابه كذلك
قال فإن قلت الارتباط بين إرادة الله تعالى الهداية والهداية أزلي إلى آخر السؤال
قلت السؤال وارد قال قلت لم يجعل الارتباط شرطا بل المرتبط به خاصة وهو المشيئة
المفروضة أما الارتباط بها فلم يجعل شرطا أصلا
قلت المشيئة المفروضة لا تصح على الله تعالى فجوابه باطل
قال ولا تنافي بين قدم الارتباط وحدوث المرتبط والمرتبطة قلت بل ذلك متناف فإن
الحادث لا يتصف بالقديم كما أن القديم لا يتصف بالحادث
قال ألا ترى أن الارتباط واقع بين الأجسام والأكوان التي هي الحركة والسكون
والاجتماع والافتراق قلت ما قاله في هذا الفصل مبني على الوجود الذهني وأنه غير
العلم وهو من الأمور المشكوك فيها وقوله كالإمكان والاستحالة حكمان أزليان لا يصح
فإنه لا يخلو أن يكونا ذهنيين أو خارجيين فإن كانا ذهنيين فكيف يصح أن يكونا
أزليين ولا ذهن في الأزل وإن أراد خارجيين فكيف يصح والمستحيل لا بد أن يكون
معدوما فوصفه كذلك والإمكان ليس بأزلي فوصفه كذلك إلا أن يريد أنهما معلومان لله
فيعود الأمر إلى أنهما متعلقان لعلمه تعالى وليس ذلك مما نحن فيه والله أعلم
المسألة الرابعة قد تقدم في الوصل الأول أن أدوات الشرط كما تدخل على المستقبل
تدخل على غير المستقبل بخلاف أنواع الطلب الثمانية وعليه فيصح تعليق صفات الله
تعالى نحو علمه وإرادته وإن كان الله تعالى في الأزل بكل شيء عليم وقدر كل شيء في
الأزل من جميع الموجودات الممكنات والمعدومات ويستحيل أن يتأخر شيء من ذلك عن
الأزل ولا داعي لتكلف الجواب عن مثل قوله تعالى إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول
له كن فيكون وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت
بآخرين إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم وقوله صلى الله تعالى
عليه وسلم من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين فتنبه
قال شهاب الدين المسألة الخامسة نص القاضي عبد الوهاب وغيره من العلماء على أن حيث
وأين من صيغ العموم فيلزم على هذا إذا قال لها حيث وجدتك أو أين وجدتك فأنت طالق
فوجدها
هامش إدرار الشروق
فلم تكمل فيه الحجة من الشهادة بل إما لا شهادة فيه ألبتة كاليمين والنكول أو بعضه
شهادة كالشاهد
____________________
(1/184)
المسألة الثالثة عشر جرت عادة الفقهاء والأصوليين بحمل العموم على ع مومه دون
سببه وهو المشهور في المسألة فيستدلون أبدا بظاهر العموم وإن كان في غير مورد
هامش أنوار البروق
فطلقت ثم وجدها في عدتها مرارا أن تطلق عليه ثلاثا لأجل العموم وكذلك القول في متى
ما للعموم ولا يلزم بها إلا طلقة واحدة وهو مشكل إلى آخر تقريره السؤال قلت وقع في
النسخة الواقعة لي من هذا الكتاب متى ما وكان ينبغي أن تكون متى دون ما كحيث وأين
وقد قال في آخر إيراد السؤال وما الفرق بين كلما ومتى ما وما معنى ما فيهما فظهر
بذلك أن تمثيله بمتى إنما هو بإثبات ما
قال والجواب مبني على قاعدة وهي أن التعليق ينقسم إلى أربعة أقسام تعليق عام على
عام ومطلق على مطلق ومطلق على عام وعام على مطلق فأما القسم الأول فهو نحو كلما
دخلت الدار فأنت طالق إلى آخر ما قال في هذا القسم قلت إنما ينبغي له أن يأتي في
المعلق بلفظ عام مثل فأنت طالق جميع أفراد الطلاق أو كل فرد من أفراد الطلاق وما
أشبه ذلك وأما قوله فأنت طالق فليس بعام وكيف وهو أتى به بعد في مثال تعليق مطلق
على مطلق قال والقسم الثاني تعليق مطلق على مطلق نحو إن دخلت الدار فأنت طالق إلى
آخر ما قال في هذا القسم قلت قد نقص قوله أن إذا للإطلاق بعد هذا وقال إنها للعموم
وقوله في أن إنها تدل على الزمان التزاما فيه نظر والأصح أنها لا دلالة لها على
الزمان وإنما الدال الفعل الذي تدخل عليه
قال القسم الثالث تعليق مطلق على عام نحو متى وأين إلى آخر قوله ومع ذلك لو صرح
بها لم تلزمه إلا طلقة واحدة قلت زعمه أن قول القائل أنت طالق في جميع الأيام أو
في كل الأيام طلقة واحدة من ألفاظ العموم وأنه من أبلغ صيغه ليس بصحيح فإن كل إذا
أضيفت إلى المعرف لا تكون للعموم وإنما تكون في معنى جميع وجميع لا تضاف إلا إلى
المعرف فلا يقال جميع رجل في معنى كل رجل فجميع الأيام وكل الأيام ليسا من ألفاظ
العموم وإنما لفظ العموم أن يقول أنت طالق كل يوم أو كل يوم أنت فيه طالق ثم إنه
أراد تمثيل تعليق مطلق على عام فلم يأت بعام ولا مطلق فإن قوله في كل الأيام ليس
من ألفاظ العموم كما تبين
وقوله طلقة واحدة ليس من ألفاظ الإطلاق لأنه قيد لفظ الطلاق بقوله طلقة ثم أكده
بقوله واحدة
قال وكما نقول الحج واجب في كل العمر مرة إلى قوله يبقى بقية عمره لا يلزمه فيها
حج قلت جميع ما قاله غير صحيح فإن لفظ كل العمر ليس من ألفاظ العموم ولفظ مرة
واحدة ليس من ألفاظ الإطلاق
هامش إدرار الشروق
واليمين فلا توجد حجة تامة إلا بتينك الحجتين فإذا فرض عدم إحداهما تعين الحصر في
الأخرى إذا عرفت هذا عرفت أن صيغة التعليق دالة على ما يعم الترتيب وغيره فهو أعم
من الترتيب فلا تدل عليه إلا
____________________
(1/185)
السبب وقد كان الشيخ عز الدين بن عبد السلام يقول يجب أن
يستثنى من ذلك ما إذا كان السبب شرطا نحو قوله إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين
غفورا فالأوابون عام في
هامش أنوار البروق
قال كذلك إذا لزمه بزمان واحد في متى وأين أو في بقعة واحدة في حيث طلقة واحدة إلى
آخر قوله فأمكن الجمع بين قول العلماء أن هذه الصيغ للعموم وأنه لا يلزم فيها إلا
طلقة واحدة قلت مساق أين مع متى يقتضي أنها عنده للزمان وهذا غاية الخطأ وقوله
فأمكن الجمع بين قول العلماء ليس على الوجه الذي ذكر يمكن الجمع بين قول العلماء
وما أراه فهم كلامهم ولا عرف مرامهم ألبتة
قال فإن قلت إلى آخر ما جعله جوابا لهذا السؤال قلت السؤال وارد لازم وما جعله
جوابا ليس بجواب ولكنه احتجاج على أن تلك الألفاظ من ألفاظ العموم فما جعله جوابا
هو في الحقيقة عاضد للسؤال
قال فإن قلت ذلك يبطل بإذا وإذ وعند ووراء وقدام وبقية الجهات الست وغير وسوى وشبه
ومثل ونحوها مما لا يكاد يستعمل إلا مضافا فإنها ليست للعموم إلى قوله فلا يتعدى
العموم ما أضيف إليه قلت التزامه أن الجميع للعموم فيه نظر وإلا ظهر أن الأمر ليس
كما التزم وما جعله تقريرا لما التزمه من أن صيغ العموم إنما تعم فيما أضيفت إليه
وإن كان صحيحا لا حاجة له فيه على مرامه بوجه
قال إذا تقرر هذا فنقول إذا قال القائل إذا زالت الشمس فأنت حر يقتضي العموم في
زمن الزوال خاصة ولا مانع من القول بأنه للعموم قلت بل لا موجب للقول بالعموم
قال وكذلك إذا قلت آتيك إذا جاء زيد عام في جميع زمان مجيء زيد وكذلك عندك مال
يتناول جميع حوزتك قلت قوله أن ذلك للعموم دعوى بغير حجة
قال وكذلك قوله تعالى ما عندكم ينفد وما عند الله باق عام في جميع بقاعنا المشتملة
على أموالنا قلت العموم في الآية إنما هو من جهة ما
قال وكذلك وراءك وأمامك إلى قوله وكذلك بقية الجهات الست عامة في جميع مسمياتها
قلت كل ما قاله دعوى لم يأت عليها بحجة وجميع ما ادعاه عموما إنما هو عموم الحقيقة
لا عموم الاستغراق والحكم لا يلزم شموله للأفراد إلا في الألفاظ الموضوعة للعموم
الاستغراقي كما إذا قلت كل رجل فله درهم فإن ذلك يقتضي أن كل واحد من الرجال يستحق
درهما وأما إذا قلت الرجل له درهم وأردت بالألف واللام العهد في الجنس ولم ترد بها
العهد في الشخص ولا العموم الاستغراقي
هامش إدرار الشروق
بعد أن تحتف بها قرائن إذ الدال على الأعم كالحيوان لا يدل على الأخص كالإنسان فلا
يستقيم قول الفقهاء في الكفارات إذا ورد النص فيها بصيغة أو فهي على التخيير كقوله
تعالى فكفارته إطعام عشرة
____________________
(1/186)
كل أواب ماضيا أو حاضرا أو مستقبلا قال رحمه الله فيجب في
هذا العموم أن يتخصص
هامش أنوار البروق
على من قال بذلك فلا يستحق كل واحد من الرجال درهما ولكن يستحق الجنس كله درهما
خاصة
قال وأما غير وسوى وشبه ومثل إلى قوله بخلاف أين وحيث قلت قوله فلذلك لم يعم إما
أن يريد فلكون هذه الإضافة وجودها كعدمها أو لكون هذه الألفاظ لا تتعرف بالإضافة
أو لمجموع الأمرين فإن أراد الأول فليس بصحيح لأن قول القائل أكرم حسان الوجوه يعم
مع أن إضافته وجودها كعدمها وإن أراد الثاني فليس بصحيح أيضا لأن قول القائل كل
رجل له درهم يعم مع أن لفظ كل لا يتعرف بهذه الإضافة وإن أراد الثالث فليس بصحيح
أيضا لأنه لا معنى للمجموع إلا كون هذه الإضافة وجودها كعدمها والمراد بأن وجودها
كعدمها كون المضاف لا يتعرف بها فآل الأمر إلى الثاني وقد تبين بطلانه
قال فإن قلت لم نجد أحدا عد هذه الصيغ كلها من صيغ العموم في كتب الأصول وكتب
النحو قلت كفاهم في التنبيه عليها قولهم اسم الجنس إذا أضيف عم قلت لعل مرادهم إذا
أضيف لغير الجمل وكان مما ينطلق على القليل والكثير مسماه كالمال ونحوه لا كالعبد
ونحوه ومع ذلك في قولهم ذلك نظر والأصح أنه لا يعم مثل قول القائل عبدي حر لا يصح
فيه دعوى العموم وإنما يصح ذلك في إضافة الجمع كقول القائل عبيدي أحرار فلم يكن
العموم فيه من جهة كونه اسم جنس أضيف وإنما كان العموم لأنه جمع أضيف والله أعلم
قال إذا تقرر أن حيث وأين من صيغ العموم إلى قوله ولا يتنافى ذلك ولا يتناقض قلت
لم يتقرر ذلك ولو تقرر لكان معنى قول القائل حيث جلست فأنت طالق أنت طالق في كل
مكان جلست فيه فإذا جلست في أماكن عدة اقتضى اللفظ لزوم الطلاق في كل واحد واحد من
تلك الأماكن أي عدد كانت غير أن الشرع قصر الطلاق على الثلاث وقطع العصمة بها
فالزائد عليها لغو
وإذا لم يتقرر ذلك فكون كلام العلماء لم يتناف ولم يتناقض ليس لما ذكر بل لكون تلك
الصيغ ليست للعموم والله أعلم
قال القسم الرابع الذي بقي من التقسيم في القاعدة تعليق عام على مطلق فيكون معناه
التزام جميع الطلاق في زمن فرد قلت قوله فيكون معناه التزام جميع الطلاق في زمن
فرد إن أراد أن ذلك مقتضى اللفظ فليس بصحيح لأن ما يقتضي زمنا فردا ليس بمطلق
وإنما يلزم فيه الفرد لأنه أقل الممكن لا لأن لفظ الإطلاق يقتضيه وإن أراد أنه
يلزم لأنه أقل مقتضى اللفظ في ضرورة الوجود فذلك صحيح
قال فهذا القسم الحكم فيه أن يلزم من ذلك العموم الثلاث ويسقط ما عداها كما لو قال
لها أنت طالق طلقات لا نهاية لها في العدد إن دخلت الدار إلى قوله كما هو في كلما
قلت ما قاله في ذلك صحيح
قال وأما الفرق بين كلما ومتى وما وأينما وحيثما إلى آخر المسألة
هامش إدرار الشروق
مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة وإذا ورد النص فيها
بصيغة من
____________________
(1/187)
بنا لأن القاعدة الشرعية أن صلاحنا لا يكون سببا للمغفرة في
حق غيرنا من الأمم ومن تأمل القواعد قطع بذلك فيتعين أن يكون التقدير إن تكونوا
صالحين فإنه كان للأوابين منكم غفورا
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله من الفرق بين كلما ومتى ما يلزم منه نقيض قوله قبل أن متى للعموم
ويلزم من قوله أن ما للزمان أنها في هذا الموضع اسم وما أرى ذلك قولا لأحد من
النحاة ثم بنى على ذلك أن حيثما معناها مكان وزمان وليس ذلك بصحيح وقوله أن بحثه
ذلك هو البحث الكاشف عن هذه الحقائق ليس كما قال بل هو المخلط لهذه الحقائق وقوله
فبذلك يتضح الفقه فيها قد تبين أن بذلك يشكل الفقه فيها أما يتضح فلا
قال المسألة السادسة نص الأصحاب على أن الطلاق يتكرر
في قوله كل امرأة أتزوجها فهي طالق إلى آخر المسألة قلت بنى جوابه على ما
تقدم قبل من أن الظهار خبر وقد سبق القول في أن ذلك موضع احتمال ونظر وما ذكره
فارقا بين كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي وكلما تزوجت فالمرأة التي أتزوجها
علي كظهر أمي لا يقوى وفي تلك المسائل كلها وفي الفرق بينها نظر
قال المسألة السابعة إذا قال إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا ثم قال لها أنت طالق
ثلاثا قال مالك تنحل يمينه وقال الشافعي يبقى التعليق حتى يتزوجها بعقد ثان وعلى
مذهب مالك رحمه الله إشكالان إلى آخر المسألة قلت ما قاله وما اختاره من الجواب
صحيح والله أعلم
قال المسألة الثامنة الشرط ينقسم إلى ما لا يقع إلا دفعة كالنية وإلى ما لا يقع
إلا متدرجا كالحول وقراءة السورة وإلى ما يقبل الأمرين كلفظ عشرة دراهم إلى آخر
المسألة قلت ذكر قول فخر الدين وأورد عليه سؤالين وهما واردان كما قال والله أعلم
قال المسألة التاسعة اتفق الفقهاء على الاستدلال بقوله تعالى ولا تقولن لشيء إني
فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله ووجه الدليل منه في غاية الإشكال إلى آخر المسألة
قلت ما قال فيها من لزوم تقدير محذوف به يصح والمعنى المراد صحيح وما قاله في
الفرع كذلك
قال المسألة العاشرة قد يذكر الشرط للتعليل دون التعليق قال وضابطه أمران المناسبة
وعدم انتفاء المشروط عند انتفائه ليعلم أنه ليس بشرط مثاله قوله تعالى واشكروا
نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون إلى آخرها قلت ما قاله أيضا في هذه المسألة صحيح
قال المسألة الحادية عشر قوله تعالى يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن
فلا تخضعن بالقول إلى آخرها قلت ما ذكره من الوقف عند قوله لستن كأحد من النساء
محتمل وليس باللازم ويحتمل أن يكون المراد تفضيلهن بشرط التقوى ويكون ما بعد ذلك
إرشادا إلى ما كان إليهم من
هامش إدرار الشروق
الشرطية فهي على الترتيب كقوله تعالى فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن
يتماسا فمن لم يستطع فإطعام
____________________
(1/188)
المسألة الرابعة عشر جرت عادة الفقهاء في الكفارات هل هي على التخيير أو على
الترتيب أن يقولوا إذا ورد النص بصيغة أو فهي على التخيير كقوله تعالى فكفارته
إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة وإن كان النص
بصيغة من الشرطية فهي على الترتيب كقوله تعالى فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من
قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ولا تكاد تجد فقيها ينازع في هذا
وهو غير صحيح وبيانه أن مقتضى ما ذكروه أن يكون قوله تعالى فإن لم يكونا رجلين
فرجل وامرأتان أن لا تجوز شهادة رجل وامرأتين إلا عند
هامش أنوار البروق
فضل التقوى وهو الأسبق إلى الفهم وما ذكره من أن ما اختاره أهل البيان والتفسير
أبلغ في مدحهن صحيح لو أن الآية وردت للمدح لكنها لم ترد لذلك والله أعلم
المسألة الحادية عشر قوله تعالى يا نساء النبي
لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول يحتمل وهو الأسبق إلى الفهم أن
يكون المراد تفضيلهن بشرط التقوى والمعنى إن اتقيتن الله فلا تقسن بجماعة من
النساء فإنكن أعظم فإن اتقيتن شرط حذف جوابه لدلالة ما قبله عليه وقوله فلا تخضعن
بالقول كلام مستأنف للإرشاد والتهييج بجعل طلب الدنيا والميل إلى ما تميل إليه
النساء لبعده عن مقامهن بمنزلة الخروج من
التقوى ويحتمل وعليه جماعة من أرباب علم البيان وأهل التفسير أن يكون المراد
تفضيلهن على النساء مطلقا من غير شرط ويكون الوقف على قوله لستن كأحد من النساء
ويبدأ بالشرط ويكون جوابه ما بعده وهو قوله فلا تخضعن بالقول دون ما قبله قيل وهذا
الاحتمال أبلغ في مدحهن لأنهن متقيات وهو صحيح لو أن الآية وردت للمدح لكنها لم
ترد لذلك بل المراد منها داومهن على التقوى
قال المسألة الثانية عشر يجوز حذف جواب الشرط إذا كان في الكلام ما يدل عليه إلى
آخرها قلت ما قاله من جواز حذف جواب الشرط إذا دل عليه الدليل صحيح إذا لم يصح أن
يكون الجواب فيما بعده من الكلام المنطوق به فإن الحذف في الكتاب العزيز لا يدعى
إلا لضرورة وما قاله من أن الماضي لا يعلق على المستقبل صحيح وهو الموجب لتقدير
المحذوف والله أعلم
قال المسألة الثالثة عشر جرت عادة الفقهاء والأصوليين بحمل العموم على عمومه دون
سببه وهو المشهور في المسألة فيستدلون أبدا بظاهر العموم وإن كان في غير مورد السبب
وقد كان الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله يقول يجب أن يستثنى من ذلك ما إذا
كان السبب شرطا إلى آخرها قلت لا يجب ذلك وما مثل به من قوله تعالى إن تكونوا
صالحين فإنه كان للأوابين غفورا لا دليل له فيه بل هو على تقدير محذوف كما سبق في
المسألة قبلها نحو إن تكونوا صالحين فأبشروا فإنه كان للأوابين غفورا وكان هنا
للاستمرار فإنه أمدح وهذا الموضع موضع تمدح والله أعلم
قال المسألة الرابعة عشر جرت عادة الفقهاء في الكفارات هل هي على التخيير أو على
الترتيب أن يقولوا إذا ورد النص بصيغة أو فهي على التخيير كقوله تعالى فكفارته
إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة وإن كان النص
بصيغة من الشرطية فهي على الترتيب كقوله تعالى فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من
قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ولا تجد فقيها ينازع في هذا وهو
غير صحيح إلى آخر المسألة
قلت ما قاله من أن الصيغة لا تقتضي الترتيب إلا بعد أن تحتف بها قرائن صحيح كما
ذكر لأن هذه الصيغة تأتي لغير قصد الترتيب كما مثل وما قاله من أنه لا يلزم من عدم
الشرط عدم المشروط إن أراد الشرط المعنوي فذلك باطل وهذا الشرط هو الذي يعني
الفقهاء أنه يلزم من عدمه عدم مشروطه وإن أراد الشرط اللغوي فهو الذي لا يلزم من
عدمه عدم المشروط أي أن هذا اللفظ وإن سمي في اصطلاح أهل اللغة والنحو شرطا لا
يلزم من ذلك أن يكون شرطا معنويا فيلزم من عدمه عدم مشروطه بل يأتي الشرط اللغوي
لغير ذلك القصد والله أعلم
هامش إدرار الشروق
ستين مسكينا نعم قد يقال مرادهم بصيغة من الشرطية دالة على الشرط المعنوي الذي
يلزم من عدمه عدم المشروط لا مطلق الشرط اللغوي حتى يرد ما ذكر والله أعلم
____________________
(1/189)
عدم الرجلين وقد أجمعت الأمة على جوازه عند وجود الرجلين
وأن عدمهما ليس شرطا فنستفيد من هذه الآية سؤالين عظيمين أحدهما أن الصيغة لا
تقتضي الترتيب وثانيهما أن لا يلزم من عدم الشرط عدم المشروط وهو خلاف الإجماع وهو
ها هنا كذلك
وكذلك قولنا إن لم يكن العدد زوجا فهو فرد وإن لم يكن فردا فهو زوج مع أنه لا
يتوقف العدد الزوج على عدم الفرد ولا الفرد على عدم الزوج بل هو واجب الثبوت في
نفسه وجد الآخر أم لا وإذا انتفى الشرط وهو قولنا إن لم يكن العدد زوجا كانت
الخمسة فردا قطعا فإن وجود الزوجية في العدد لا ينافي الفردية فيه ووجود الفردية
فيه لا ينافي الزوجية فيه فعدم هذا الشرط لا أثر له ألبتة في عدم هذا المشروط
وكقولنا إن لم يكن هذا جمادا فهو إما نبات أو حيوان وإن لم يكن هذا الحيوان ناطقا
فهو بهيم مع أن البهيم في نفسه لا يتوقف على عدم الناطق بل إذا فرض الناطق ناطقا
كان البهيم بهيما بالضرورة وبهذا يعلم أن نظائره كثيرة جدا ولا ترتيب فيها ولم
يلزم فيها من عدم الشرط عدم المشروط بل المشروط حق في نفسه ووقع سواء وجد هذا
الشرط أم لا فإن قلت عدم الزوجية عن العدد شرط في ثبوت الفردية له فلو كان زوجا لم
تثبت له الفردية فقد لزم من عدم الشرط عدم المشروط وكذلك بقية النظائر قلت ليس
مراد الناس من هذه الإطلاقات إثبات شرطية عدم الزوجية في الفردية بل الزوج زوج في
نفسه لذاته من غير شرط وكذلك الفرد ولا نقول يشترط في كون العشرة زوجا عدم الفردية
عنها فإنها لا تقبل الفردية أيضا فكيف تتوهم الشرطية والمعترض في موطن العقل قاطع
وجازم بثبوت ذلك المعنى في نفسه وجوبا ذاتيا وإنما يقصد العقلاء في ذلك الموطن
الذي يقبل النقيض بل مقصود الناس في هذه المواطن والموارد بيان انحصار تلك المادة
في المذكور فأنت تقول إذا انتفى الفرد بقي العدد محصورا في الزوج
وإذا انتفى الزوج بمعنى إن لم يكن الواقع من العدد ما هو زوج تعين أن يكون الواقع
ما هو فرد ولأجل ذلك لا يقولون ذلك إلا في المواطن التي يصح فيها الحصر فلا يقولون
إن لم يكن إنسانا فهو فرس لعدم انحصار الباقي من الحيوان بعد الإنسان في الفرس ولو
كان المقصود ما ذكرتموه من الشرطية لكان الكلام صحيحا فإن عدم الإنسانية شرط في
الفرسية لتعذر اجتماعهما بل لما كان المقصود بيان الحصر بطل الكلام لعدم الحصر في
المذكور فتأمل هذا الموضع فهو صعب دقيق وعلى هذا يكون المراد في الآية انحصار
الحجة التامة من الشهادة بعد الرجلين في الرجل
هامش أنوار البروق
فارغه
هامش إدرار الشروق
____________________
(1/190)
والمرأتين فإنه لا حجة تامة من الشهادة في الشريعة إلا
الرجلين والرجل والمرأتين هذا هو المجمع عليه وأما شهادة الصبيان وشهادة أربع نسوة
عند الشافعي وشهادة المرأتين وحدهما فيما ينفردان فيه كالولادة فهذه الآية حجة على
بطلانها لدلالتها على الحصر في الرجل والمرأتين إلا أن يقال إن الآية إنما سيقت في
إثبات الديون والأموال لا الأبدان وجميع هذه الصور في أحكام الأبدان فالحصر حق في
الأموال ولم يخالفه أحد ولا تدل على بطلان هذه الصور وأما الشاهد واليمين والنكول
وغير ذلك فلم تكمل فيه الحجة من الشهادة بل لا شهادة فيه ألبتة كاليمين والنكول أو
بعضه شهادة فقط كالشاهد واليمين فلا توجد حجة تامة مجمع عليها إلا بتينك الحجتين
فإذا فرض عدم أحدهما تعين الحصر في الأخرى وإذا وضح لك أن الشرط كما يستعمل في
الترتيب فكذلك يستعمل في إثبات الحصر
والكل حقيقة لغوية فيكون التعليق أعم من الدلالة على الترتيب والدال على الأعم غير
دال على الأخص كالحيوان لا يدل على الإنسان والإنسان لا يدل على الرجل والرجل لا
يدل على المؤمن فلا يستقيم الاستدلال بصيغة التعليق التي هي أعم من الترتيب على
الترتيب بل لا بد من قرائن أخرى وضمائم تضاف لصيغة التعليق حتى تفيد الترتيب وأن
ضابط ما يتوقف فيه المشروط على الشرط الشرط الذي لا يراد به الحصر أما متى أريد به
الحصر فلا فافهم هذا الموضع فهو من نفائس العلم وجوهره ودقيق المباحث وفيه التنبيه
على أنه لا يلزم من عدم الشرط عدم المشروط وأن استدلال الفقهاء به على الترتيب لا
يصح كما وضح لك بيانه والله أعلم
هامش أنوار البروق
فارغه
هامش إدرار الشروق
فارغه
____________________
(1/191)
@ 192 الفرق الخامس بين قاعدتي
الشرط والاستثناء في الشريعة ولسان العرب في أن الشرط لا يجوز تأخير النطق
به في الزمان ويجوز في الاستثناء ذلك على قول وأن الاستثناء لا يجوز في الشريعة
ولا في لسان العرب أن يرفع جميع المنطوق به ويبطل حكمه نحو له عندي عشرة إلا عشرة
بالإجماع ويجوز أن يدخل الشرط في كلام يبطل جميعه بالإجماع كقوله أنتن طوالق إن
دخلتن الدار فلا تدخل واحد منهن فيبطل جميع الطلاق فيهن وأكرم بني تميم إن أطاعوا
الله أو إن جاءوك فلا يجيء أحد فيبطل جميع الأمر بسبب هذا الشرط ولولا هذا الشرط
لعم الحكم الجميع فقد باين الشرط الاستثناء في هذه الأحكام ويعم جميع الجمل
المنطوق بها بخلاف الاستثناء على قول فإنه يحمل على الجملة الأخيرة على قول نحو
أكرم بني تميم وأكرم القوم واخلع عليهم فقد
هامش أنوار البروق
قال شهاب الدين الفرق الخامس بين قاعدتي الشرط
والاستثناء في الشريعة ولسان العرب في أن الشرط لا يجوز تأخير النطق به في
الزمان ويجوز ذلك في الاستثناء على قول وأن الاستثناء لا يجوز أن يرفع جميع
المنطوق به ويبطل حكمه نحو له عندي عشرة إلا عشرة بالإجماع ويجوز أن يدخل الشرط في
كلام يبطل جميعه بالإجماع كقوله أنتن طوالق إن دخلتن الدار فلا تدخل واحدة منهن
إلى آخر ما قاله هذا الفرق قلت إنما نظير عدم النطق بالاستثناء عدم النطق بالشرط
ولا شك أنه إذا لم ينطق بالاستثناء فات مقصد وإذا لم ينطق بالشرط فات مقصد وقوله
أنهما اشتركا في أن كل واحد منهما فضلة لا حجة فيه وليس كون واحد منهما فضلة يوجب
الاستغناء عنهما وما قاله من أن الشرط إذا لم يقع بطل جميع المشروط هي حقيقة الشرط
وما قاله من أن الشرط اللغوي سبب والسبب لا بد أن يكون مناسبا وما هو كذلك فشأنه
تعجيل النطق به يقال له وكذلك الاستثناء فيلزم أن يكون شأنه التعجيل ثم
هامش إدرار الشروق
الفرق الخامس بين قاعدتي الشرط والاستثناء في الشريعة ولسان العرب وقع بالمباينة
بينهما في ثلاثة أحكام مع اشتراكهما في أن كل واحد منهما فضلة بمعنى أنه ليس بأحد
طرفي في الإسناد الحكم الأول لا يجوز تأخير النطق بالشرط في الزمان خلافا لابن
عباس في التعليق على مشيئة الله تعالى خاصة لأنه لما كانت الأشياء كلها موقوفة على
مشيئة الله سبحانه كان الظاهر والغالب من حال المتكلم إرادتها وإن تأخرت بخلاف بقية
الشروط وغيرها كما نقله العطار عن القرافي على محلى جمع الجوامع ويجوز تأخير النطق
بالاستثناء في الزمان على قول لابن عباس وغيره وإن حكى ابن رشد الإجماع على عدم
جواز ذلك وأول ما ورد عن ابن عباس من إجازة الاستثناء بعد عام لقول الرهوني لكن
ذلك غير مسلم انظر ما في ذلك من الأقوال في جمع الجوامع في أول مبحث المخصص نعم
اشتراط
____________________
(1/192)
باين الشرط الاستثناء في هذه الأحكام والفرق بين اشتراكهما
في أن كل واحد منهما فضلة في الكلام ويتم الكلام دونه فينبغي أن يمتنع إبطال جملة
الحكم فيهما تحقيقا لمقتضى اللغة أو يجوز فيهما تسوية بين البابين لكن الفرق أن
الاستثناء يخرج من الكلام ما ليس بمراد عما هو مراد فهمه من غير المراد ولعله لو
بقي مع المراد لم يختل الحكم وأما الشروط اللغوية فهي أسباب كما تقدم بيانه والسبب
متضمن لمقصد المتكلم وهو المصلحة التي لأجلها نصب شرطا وجعل عدمه مؤثرا في العدم
فإذا كان متضمنا لمقصد المتكلم والمقاصد شأنها تعجيل النطق وشأنها أن تعم جميع
الجمل تكثيرا لمصلحة ذلك المقصد بخلاف الاستثناء إذا لم يعجل به لم يفت به مقصد بل
حصل ما ليس
هامش أنوار البروق
إنه لو قال قائل أعط بني تميم عند تمام هذه السنة وفي نفسه إن أطاعوا ثم لم ينطق
به إلا عند رأس السنة عند الحاجة إليه لم يفت بذلك مقصد وكذلك في الاستثناء أعط
بني تميم عند تمام السنة وفي
هامش إدرار الشروق
الاتصال في الاستثناء متفق عليه في المذهب كما يظهر من كلامهم ا ه بتصرف
قلت بل في شرح الهداية كما نقله شارح التحرير الأصولي ما نصه واشتراط الاتصال قول
جماهير العلماء منهم الأربعة ا ه ولفظ التحرير لنا لو تأخر لم يعين
تعالى لبر أيوب عليه السلام أخذ الضغث ولم يقل صلى الله تعالى عليه وسلم فليكفر
مقتصرا إذا لم يتعين مخلصا مع اختياره الأيسر لهم دائما بلا تفصيل بين مدة ومنوي
وغيرهما وأيضا لم يجزم بطلاق وعتاق وكذب وصدق ولا عقد ودفع أبو حنيفة عتب المنصور
بلزوم عدم لزوم عقد البيعة ا ه فمن هنا قال الغزالي في المنخول والوجه تكذيب
الناقل فلا يظن به ذلك ا ه
وقول بعض الشافعية يجوز تقليد رواياته في الإيمان والتعاليق وغيرها في حق نفسه
ويجوز تعليمها للعوام ولا يجوز الإفتاء بها
قال العطار مما لا ينبلج له الصدر خصوصا في الطلاق لمزيد الاحتياط في الأنكحة
واضطراب الرواية عنه يقضي بعدم تحرير النقل وإن فرض صحته فتأمل ا ه
وقيل وسر الفرق بينهما في هذا الحكم هو أن الشروط اللغوية لما كانت أسبابا كما
تقدم بيانه والسبب متضمن لمقصد المتكلم وهو المصلحة التي لأجلها نصب شرطا وجعل
عدمه مؤثرا في العدم كان الشأن فيه تعجيل النطق بخلاف الاستثناء فإنه لما لم يتضمن
لمقصد المتكلم وإنما يخرج من الكلام ما ليس بمراد عما المراد فهمه من المستثنى منه
ولعله لو بقي مع المراد ولم يخرج لم يختل الحكم لم يكن الشأن فيه ذلك وفيه نظر من
ثلاثة وجوه الوجه الأول أنا لا نسلم أن عدم النطق بالاستثناء لا يفوت مقصدا بخلاف
عدم النطق بالشرط إذ لا شك في أنه إذا لم ينطق بالاستثناء فات مقصد فعدم النطق
بالاستثناء نظير عدم النطق بالشرط وليس كون كل واحد منهما فضلة بمعنى أنه ليس أحد
ركني الإسناد يوجب الاستغناء عنهما الوجه الثاني كما قال
إن الشرط اللغوي سبب والسبب لا بد أن يكون مناسبا وما هو كذلك
____________________
(1/193)
بمقصد وذلك فرق عظيم وأما إبطال جميع الكلام بالشرط فلأن
الإبطال حالة النطق به غير معلوم فيستتبع الشرط في الجميع فلا يبطل من الكلام شيء
وقد يفوت الشرط في الجميع
هامش أنوار البروق
نفسه إلا زيدا ثم لم ينطق به إلا عند رأس السنة لم يفت مقصد وتكون صورة النطق
بالشرط عند تمام السنة بأن يقول مثلا ما أمرتك به من إعطاء بني تميم عند رأس السنة
إنما ذلك بشرط أن يطيعوا
هامش إدرار الشروق
فشأنه تعجيل النطق به كذلك يقال في الاستثناء فيلزم أن يكون شأنه التعجيل ضرورة أن
كلا منهما يتضمن مقصد المتكلم كما علمت الوجه الثالث أنه لو قال قائل أعط بني تميم
عند تمام هذه السنة وفي نفسه إن أطاعوا ثم لم ينطق به إلا عند رأس السنة عند
الحاجة إليه لم يفت بذلك مقصد وكذلك في الاستثناء أعط بني تميم عند تمام السنة وفي
نفسه إلا زيدا ثم لم ينطق به إلا عند رأس السنة لم يفت مقصد وتكون صورة النطق
بالشرط عند تمام السنة أن يقول مثلا ما أمرتك به من إعطاء بني تميم عند رأس السنة
إنما ذلك
بشرط أن يطيعوا وصورة النطق بالاستثناء أن يقول مثلا ما أمرتك به من إعطاء بني
تميم إنما ذلك على أن تدع منهم زيدا وبالجملة فهذا الفرق ليس بالجيد الحكم الثاني
لا يجوز أن يرفع الاستثناء جميع المنطوق به ويبطل حكمه ففي نحو له عندي عشرة إلا
عشرة يلزمه عشرة بالإجماع وما نقله القرافي عن المدخل لابن طلحة المالكي فيمن قال
لامرأته أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا أنه لا يقع عليه طلاق في أحد القولين كما في
محلى جمع الجوامع
قال العطار عن شيخ الإسلام إن القرافي قال بعد نقله الأقرب أن هذا الخلاف باطل
لأنه مسبوق بالإجماع نعم صرح السيوطي في الأشباه والنظائر أنه لو قال أوصيت له
بعشرة إلا عشرة كان رجوعا عن الوصية فافهم ا ه
ويجوز أن يدخل الشرط في كلام يبطل جميعه بالإجماع كقوله أنتن طوالق إن دخلتن الدار
فلا تدخل واحدة منهن فيبطل جميع الطلاق فيهن وأكرم بني تميم إن جاءوك فلا يجيء أحد
فيبطل جميع الأمر بسبب هذا الشرط ولولا هذا الشرط لعم الحكم الجميع ووجه الفرق
بينهما في هذا الحكم هو أن الإبطال حالة النطق بالشرط غير معلوم فقد يقع الشرط في
الجميع فلا يبطل من الكلام شيء وقد يفوت الشرط في الجميع فيبطل الجميع وقد يفوت في
البعض فيبطل البعض دون البعض فهذه الأقسام كلها محتملة حالة النطق ولم يتعين منها
الإبطال لا للكل ولا للبعض بخلاف الاستثناء الوارد على جميع الكلام يعد الناطق به
نادما مقدما على الهذر من القول وما لا فائدة فيه ولا يقول أحد ذلك في الشرط لعدم
تعينه الحكم الثالث يعم الشرط جميع الجمل المنطوق بها قيل اتفاقا وقيل على الأصح
وصحح قال في جمع الجوامع وعلى ذلك الأصح هو أولى بالعود إلى الكل ا ه أي كل الجمل
المتقدمة كما في المحلي
قال العطار وأما المفردات ففي كلام ابن الحاجب وغيره ما يؤخذ منه الاتفاق فيها كما
بين ذلك العلامة البرماوي ويعرف وجه الأولوية من فرق المحلي الآتي ا ه ولا يعم
الاستثناء جميع الجمل المنطوق بها بل يحمل على الجملة الأخيرة على قول نحو أكرم
بني تميم وأكرم
____________________
(1/194)
فيبطل الجميع وقد يفوت في البعض فيبطل البعض دون البعض فهذه
الأقسام كلها محتملة حالة النطق ولم يتعين منها الإبطال لا للكل ولا للبعض بخلاف
الاستثناء الوارد على جميع الكلام يعد الناطق به نادما مقدما على الهذر من القول
وما لا فائدة فيه ولا يقول أحد ذلك في الشرط لعدم تعينه وهذا فرق عظيم بينهما في
الإبطال وعدمه فظهر الفرق بينهما في الثلاثة الأحكام الجائزة في الشرط الممتنعة في
الاستثناء لغة وشرعا
هامش أنوار البروق
وصورة النطق بالاستثناء أن يقول مثلا ما أمرتك به من إعطاء بني تميم إنما ذلك على
أن تدع منهم زيدا وبالجملة كلامه في هذا الفرق ليس بالجيد والله أعلم
هامش إدرار الشروق
القوم واخلع عليهم
إلا زيدا نظرا للقول بأن العامل في المستثنى هو العامل في المستثنى منه فلو عاد
لجميع الجمل كما قاله الشافعي للزم توارد عوامل على معمول واحد نعم وجه الشافعية
عود المستثنى المتأخر للجمل مع القول بأن العامل ما قبل إلا لا إلا بتقدير استثناء
عقب ما قبل الأخيرة ويكون حذف من أحدهما لدلالة الآخر عليه كما في العطار على محلى
جمع الجوامع ووجه الفرق بينهما على هذا الحكم قيل هو أن الشرط اللغوي سبب متضمن
لمقصد المتكلم وما هو كذلك فشأنه أن يعم جميع الجمل تكثيرا لمصلحة ذلك المقصد
بخلاف الاستثناء فإنه ليس متضمنا لمقصد المتكلم فلم يكن من شأنه أن يعم وقد علمت
ما فيه وقال المحلي على جمع الجوامع هو أن الشرط له صدر الكلام فهو مقدم تقديرا
لتوقف المشروط على تحققه وإن تأخر في اللفظ بخلاف الاستثناء فإنه متأخر في التقدير
أيضا لتوقف الإخراج على وجود المخرج منه فلا يلزم من عود الشرط إلى الجميع لتقدمه
عود الاستثناء إليه مع تأخره لأن للتقدم أثرا في عوده إلى الكل لأنه إذا كان
متقدما يكون ما عدا الأولى معطوفة على جملة تقرر لها الجزائية والعطف للمشاركة
فيناسب أن تشاركها فيما ثبت لها بخلاف الأخيرة في الاستثناء فإنها لم تعطف على ما
ثبت له الاستثناء لأن الاستثناء يذكر بعدها فلو عاد إلى الكل لصار المعطوف عليه
مشاركا للمعطوف فيما ثبت له والأمر بالعكس وضعف بأن الشرط إنما يتقدم على المقيد
به فقط أي الذي قصد تقييده به فيمكن أن المتكلم قصد أن يجعله قيدا لبعض الجمل لا لكلها
ا ه بتوضيح من العطار والله سبحانه وتعالى أعلم
____________________
(1/195)
الفرق السادس بين قاعدتي توقف الحكم على سببه
وتوقفه على شرطه فنقول الحكم إذا ورد مع
وصفين ومنع صاحب الشرع من الحكم بدونهما بأي طريق يعلم أن أحدهما سبب والأخر شرط
مع اشتراكهما في التوقف عليهما وانتفاء الحكم عند انتفاء كل واحد منهما كوجوب
الزكاة عند النصاب والحول فلم قلتم إن النصاب سبب والحول شرط ولم لا عكستم أو
سويتم
والجواب أن الفرق بينهما يعلم بأن الشرط مناسب في غيره والسبب مناسب في ذاته فإن
النصاب مشتمل على الغنى ونعمة الملك في نفسه والحول ليس كذلك بل مكمل لنعمة الملك
بالتمكن من التنمية في جميع الحول ونبسط ذلك بقاعدة وهي أن الشرع إذا رتب الحكم
عقيب أوصاف فإن كانت كلها مناسبة في ذاتها قلنا الجميع علة ولا نجعل بعضها شرطا
كورود القصاص مع القتل العمد العدوان المجموع علة وسبب لأن الجميع مناسب في ذاته
وإن كان البعض مناسبا في ذاته دون البعض
قلنا المناسب في ذاته هو السبب والمناسب في غيره هو الشرط كما تقدم مثاله فهذا
ضابط الشرط والسبب والفرق بينهما وتحريره
هامش أنوار البروق
قال الفرق السادس قلت ما قاله فيه وفي الفرق
السابع والثامن والتاسع والعاشر صحيح واضح والله أعلم
هامش إدرار الشروق
الفرق السادس بين قاعدتي توقف الحكم على سببه وتوقفه
على شرطه كوجوب الزكاة عند النصاب والحول قالوا النصاب سبب الزكاة والحول
شرطها مع اشتراكهما في توقف وجوب الزكاة عليهما وانتفائه عند انتفاء كل واحد منهما
نظرا لكون السبب كالنصاب مناسبا في ذاته لاشتماله على الغنى ونعمة الملك في نفسه
والشرط كالحول ليس مناسبا في ذاته بل في غيره لكونه مكملا لنعمة الملك بالتمكن من
التنمية في جميع الحول يوضح ذلك قاعدة أن الشرع تارة يرتب الحكم عقيب أوصاف تكون
كلها مناسبة في ذاتها كالقتل العمد العدوان رتب الشارع القصاص عقيبهما فيجعل
مجموعهما علة وسببا
لأن الجميع مناسب في ذاته وتارة يرتبه عقيب أوصاف يكون بعضها مناسبا في ذاته دون
البعض كالنصاب والحول رتب الشارع وجوب الزكاة عقيبهما فيجعل المناسب منهما في ذاته
كالنصاب هو السبب والمناسب منهما في غيره كالحول هو الشرط والله سبحانه وتعالى
أعلم
____________________
(1/196)
الفرق السابع بين قاعدتي أجزاء العلة والعلل
المجتمعة إذا ورد الحكم عقيب
أوصاف بم يعلم أنها أجزاء علة أو أنها علل مجتمعة وأي فرق بينهما
والجواب أن الحكم إذا ثبت عقيب أوصاف ينظر إن كان صاحب الشرع رتب ذلك الحكم مع كل
وصف منها إذا انفرد قلنا هي علل مجتمعة كوجوب الوضوء على من بال ولامس وأمذى فإن
كل واحد منها إذا انفرد استقل بوجوب الوضوء وكإجبار الأب لابنته البكر معلل بالصغر
والبكارة على الخلاف في ذلك فإذا اجتمعت ترتب الحكم الذي هو الإجبار وإن انفرد
الصغر وحده ترتب الحكم وأجبرت الصغيرة الثيب على الخلاف في ذلك وتجبر البكر
الكبيرة المعنسة على الخلاف
وإن وجدنا صاحب الشرع لا يرتب الحكم مع كل واحد منها قلنا هي علة واحدة مركبة من
تلك الأوصاف كالقتل العمد العدوان فبهذا يعلم الفرق بين هاتين القاعدتين وهو
ضابطهما وتحريرهما
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
الفرق السابع بين قاعدتي أجزاء العلة والعلل المجتمعة
وهو أن ما يجب وجود المعلول كالحكم عند وجود كل واحد منها بحيث يكون كل واحد منها
هو جملة أو تمام ما يتوقف عليه وجود الشيء بمعنى لا يكون وراءه شيء يتوقف عليه
ويسمى علة تامة هو العلل المجتمعة وما لا يجب وجود المعلول كالحكم عند وجود كل
واحد منها بحيث يكون وراءه شيء يتوقف عليه ويسمى علة ناقصة هي أجزاء العلة ويوضح
ذلك قاعدة أن الحكم إذا ثبت عقيب أوصاف فإن رتب صاحب الشرع ذلك الحكم مع كل وصف
منها فهي علل مجتمعة كوجوب الوضوء على من بال لامس وأمذى فإن كل واحد منها إذا
انفرد استقل بوجوب الوضوء وكإجبار الأب لابنته معللا بالصغر والبكارة على الخلاف
مع أن كل واحد منهما إذا انفرد ترتب عليه الحكم الذي هو الإجبار فتجبر الصغيرة
الثيب والبكر الكبيرة المعنسة على الخلاف وإن لم يرتب صاحب الشرع الحكم مع كل واحد
منها فهي علة واحدة مركبة من تلك الأوصاف كالقتل العمد العدوان
____________________
(1/197)
الفرق الثامن بين قاعدتي جزء العلة والشرط فإن كل واحد منهما يلزم من عدمه عدم الحكم ولا يلزم من
وجوده وجود الحكم ولا عدمه فتلتبس قاعدة جزء العلة بقاعدة الشرط والفرق بينهما أن
الشرط مناسبته في غيره كما تقدم تقريره في الحول في الزكاة وجزء العلة مناسبته في
نفسه كجزء النصاب مشتمل على جزء الغنى في ذاته وكأحد أوصاف القتل العمد العدوان
مشتمل على مناسبة العقوبة في ذاته فبهذا يعرف كل واحد منهما فيقضى عليه بأنه جزء
علة أو شرط
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
الفرق الثامن بين قاعدتي جزء العلة والشرط مع
أن كل واحد منهما يلزم من عدمه عدم الحكم ولا يلزم من وجوده وجود الحكم ولا عدمه
هو أن الشرط مناسبته في غيره كما تقدم تقريره في الحول في الزكاة وجزء العلة
مناسبته في نفسه كأحد وصفي القتل العمد العدوان فإنه مشتمل على مناسبته العقوبة في
ذاته
____________________
(1/198)
الفرق التاسع بين قاعدتي الشرط والمانع أن الشرط لا بد من تقدمه قبل الحكم وعدمه يوجب العدم في
جميع الأحوال التي هو فيها شرط وأما المانع فهو قدر وقع في الشريعة على ثلاثة
أقسام القسم الأول ما يمنع ابتداء الحكم وانتهاءه كالرضاع فإنه يمنع ابتداء النكاح
ويقطع استمراره إذا طرأ عليه بأن يتزوجها في المهد وترضع من أمه فتصير أخته فيبطل
النكاح بينهما والقسم الثاني يمنع ابتداء الحكم دون استمراره كالاستبراء فإنه يمنع
ابتداء العقد على المستبرأة فإن طرأ على النكاح بأن تكره على الزنى يجب استبراؤها
على الزوج خشية اختلاط نسبه بالمتولد من الزنى ولأنه يلاعن حينئذ إذا تبين له أن
الولد من الزنى وتجب عليه الملاعنة ولا يبطل النكاح فهذا يمنع ابتداء النكاح فقط
والقسم الثالث مختلف فيه هل يلحق بالأول فيمتنع فيهما أو بالثاني فلا يمتنع
التمادي بخلاف المبادي وله صور الصورة الأولى وجد أن الماء يمنع من التيمم ابتداء
على الصحيح
فإن طرأ الماء بعد الدخول في الصلاة فهل يبطلها أم لا فيه خلاف بين العلماء الصورة
الثانية الطول يمنع من نكاح الأمة ابتداء على الصحيح فإن طرأ الطول بعد النكاح
للأمة فهل يبطله أم لا خلاف الصورة الثالثة وضع اليد على الصيد يمنع منه الإحرام
ابتداء فإن تقدم وضع اليد على الصيد في زمن الحل ثم طرأ الإحرام المانع فهل يمنع
من استمرار وضع اليد على الصيد خلاف فقيل يجب إرساله وقيل لا يجب
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
الفرق التاسع بين قاعدتي الشرط والمانع وهو أن
الشرط لا بد من تقدمه على الحكم وعدمه يوجب عدمه في جميع الأحوال التي هو فيها شرط
والمانع في الشريعة على ثلاثة أقسام ما يمنع وجوده وجود الحكم ابتداء وانتهاء
كالرضاع يمنع ابتداء النكاح ويقطع استمراره إذا طرأ عليه بأن يتزوجها في المهد
وترضع من أمه فتصير أخته فيبطل النكاح بينهما وما يمنع وجوده وجود الحكم ابتداء
فقط كالاستبراء يمنع ابتداء العقد على المستبرأة ولا يبطل النكاح إذا طرأ عليه بأن
تكره الزوجة على الزنا فيجب استبراؤها على الزوج خشية اختلاط نسبه بالمتولد من
الزنا ولأنه يلاعن حينئذ إذا تبين له أن الولد من الزنا وتجب عليه الملاعنة وما
اختلف في كون وجوده يمنع وجود الحكم ابتداء وانتهاء كالأول أو ابتداء فقط كالثاني
وله ثلاث صور
____________________
(1/199)
الفرق العاشر بين قاعدتي الشرط وعدم المانع فإن القاعدة أن عدم المانع يعتبر في ترتيب الحكم ووجود
الشرط أيضا معتبر في ترتيب الحكم مع أن كل واحد منهما لا يلزمه منه الحكم فقد يعدم
الحيض ولا تجب الصلاة ويعدم الدين ولا تجب الزكاة لأجل الإغماء في الأول وعدم
النصاب في الثاني وكلاهما يلزمه من فقده أنه العدم ولا يلزم من تقرره وجود ولا عدم
فهما في غاية الالتباس ولذلك لم أجد فقيها إلا وهو يقول عدم المانع شرط ولا يفرق
بين عدم المانع والشرط ألبتة وهذا ليس بصحيح بل الفرق بينهما يظهر بتقرير قاعدة
وهي أن كل مشكوك فيه ملغي في الشريعة فإذا شككنا في السبب لم نرتب عليه حكما أو في
الشرط لم نرتب الحكم أيضا أو في المانع رتبنا الحكم فالأول كما إذا شك هل طلق أم
لا بقيت العصمة فإن الطلاق هو سبب زوال العصمة وقد شككنا فيه فتستصحب الحال
المتقدمة وإذا شككنا هل زالت الشمس أم لا لا تجب الظهر ونظائره كثيرة وأما الشرط
فكما إذا شككنا في الطهارة فإنا لا نقدم على الصلاة وأما المانع فكما إذا شككنا في
أن زيدا قبل وفاته ارتد أم لا فإنا
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
أحدها الماء يمنع وجوده من التيمم ابتداء وفي منعه بعد الدخول في الصلاة إذ طرأ
عليه فيبطلها أم لا فلا يبطلها خلاف الثانية الطول يمنع من نكاح الأمة ابتداء على
الصحيح وفي منعه بعد نكاح الأمة إذا طرأ عليه فيبطله أو لا فلا يبطله خلاف الثالثة
الإحرام يمنع من وضع اليد على الصيد ابتداء وفي منعه إذا طرأ على وضع اليد على
الصيد في زمن الحل فيجب إرساله أم لا فلا يجب إرساله خلاف
الفرق العاشر بين قاعدتي الشرط وعدم المانع مع
أن كل واحد من عدم المانع ووجود الشرط معتبر في ترتيب الحكم عليه ولا يلزم من
تقرره وجوده ولا عدمه ألا ترى أن الحيض مانع من الصلاة وبعدمه لا تجب لأجل الإغماء
وأن عدم الدين شرط في وجوب الزكاة ولا تجب به لعدم النصاب فكل من عدم الدين وعدم
الحيض لا يلزم من تقرره وجود ولا عدم وإن لزم من فقدانه العدم فهما في غاية
الالتباس حتى أنك لا تجد فقيها إلا وهو يقول عدم المانع شرط ولا يفرق بينهما ألبتة
وهو ليس بصحيح لما يلزم عليه من اجتماع النقيضين فيما إذا شككنا في طروء المانع
وذلك أن القاعدة أن الشك في أحد النقيضين يوجب الشك في الآخر بالضرورة فإذا شككنا
في وجود المانع فقد شككنا في عدمه بالضرورة وعدمه شرط عند هذا القائل فيجتمع الشك
في المانع والشرط والقاعدة المجمع عليها أن كل مشكوك فيه ملغى في الشريعة فإذا
شككنا في السبب أو في الشرط لم نرتب عليه حكما أو في المانع رتبنا الحكم فإذا شك
في الطلاق الذي
____________________
(1/200)
نورث منه استصحابا للأصل لأن الكفر مانع من الإرث وقد شككنا
فيه فنورث فهذه قاعدة مجمع عليها وهي أن كل مشكوك فيه يجعل كالمعدوم الذي يجزم
بعدمه فإن قلت كيف تدعي الإجماع في هذه القاعدة ومذهبك أن من شك في الحدث بعد تقرر
الطهارة أن الوضوء يجب فلم يجعل ملك المشكوك فيه كالمتحقق العدم بل هذا مذهب
الشافعي رضي الله عنهم أجمعين
قلت القاعدة مجمع عليها وإنما انعقد الإجماع هنا على مخالفتها لأجل الإجماع على
اعتبارها وبيان هذا الكلام مع أنه مستغلق متناقض الظاهر أن الإجماع منعقد على شغل
الذمة بالصلاة والبراءة للذمة من الواجب تتوقف على سبب مبرئ إجماعا والقاعدة أن
الشك في الشرط يوجب الشك في المشروط ضرورة فالشك في الطهارة يوجب الشك في الصلاة
الواقعة سببا مبرئا فإن اعتبرنا هذه الصلاة سببا مبرئا كما قاله الشافعي فقد
اعتبرنا المشكوك فيه ولم نصيره كالمحقق العدم وهو خلاف القاعدة المتفق عليها وإن
اعتبرنا هذا الحدث المشكوك فيه كما قاله مالك فقد اعتبرنا مشكوكا فيه ولم نصيره
كالمحقق العدم وهو خلاف القاعدة المجمع عليها فكلا المذهبين يلزم عليه مخالفة
القاعدة فتعين الجزم بمخالفتها وأن هذا الفرع لا يساعد على إعمالها واعتبارها من
جميع الوجوه وأنه لا بد من مخالفتها من بعض الوجوه فمالك خالفها في الحدث والشافعي
في الصلاة التي سبب براءة الذمة
لكن مذهب مالك أرجح إذ لا بد من المخالفة لهذه القاعدة فإن
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
هو سبب زوال العصمة لم نرتب عليه زوالها بل نستصحب الحال المتقدمة وكذا الشك في
زوال الشمس يقتضي عدم وجوب الظهر ونظائره كثيرة وإذا شككننا في الطهارة التي هي
شرط في صحة الصلاة لم نقدم على الصلاة
وإذا شككنا في ردة زيد قبل وفاته فإنا نلغي منع الكفر من الإرث ونورث منه استصحابا
بالأصل فيلزم حينئذ على قول هذا القائل أن نرتب الحكم ولا نرتبه
وذلك جمع بين النقيضين فبطل اعتقاد أن عدم المانع شرط ووجب أن نعتقد أنه ليس بشرط
فظهر الفرق بين عدم المانع والشرط وهو المطلوب نعم محل مراعاة قاعدة إلغاء المشكوك
فيه إجماعا من جميع الوجوه إذا لم تتعذر مراعاتها كذلك وإلا انعقد الإجماع على
مخالفتها في وجه لأجل اعتبارها بحسب الإمكان في وجه آخر وذلك كما في فرع من شك في
الحدث بعد تقرر الطهارة أوجب مالك رحمه الله تعالى فيه الوضوء ولم يجعل المشكوك
فيه كالمتحقق العدم وخالفه الشافعي في ذلك مع أن قاعدة أن الشك في الشرط كالطهارة
يوجب الشك في المشروط ضرورة كالصلاة وأن الإجماع منعقد على شغل الذمة بالصلاة
والبراءة للذمة من الواجب تتوقف على سبب مبرئ إجماعا فإن اعتبرنا هذه الصلاة
المشكوك فيها بسبب الشك في شرطها الذي هو الطهارة وجعلناها سببا مبرئا كما قاله
الشافعي فقد اعتبرنا المشكوك فيه ولم نصيره كالمحقق العدم وهو خلاف القاعدة المتفق
عليها من إلغاء كل مشكوك فيه وإن اعتبرنا هذا الحدث المشكوك فيه كما قاله مالك فقد
اعتبرنا مشكوكا فيه ولم نصيره كالمحقق العدم وهو خلاف القاعدة المجمع عليها
____________________
(1/201)
الطهارة من باب الوسائل والصلاة من باب المقاصد وانعقد
الإجماع على أن الوسائل أخفض رتبة من المقاصد فكانت العناية بالصلاة وإلغاء
المشكوك فيه وهو السبب المبرئ منها أولى من رعاية الطهارة وإلغاء الحدث الواقع لها
فظهر أن هذا الفرع لا بد فيه من مخالفة هذه القاعدة جزما فلذلك انعقد الإجماع على
مخالفتها لأجل اعتبارها بحسب الإمكان وإنما يبقى النظر على مخالفتها من أي الوجوه
أولى وقد ظهر أن مذهب مالك أرجح في مخالفتها فظهر حينئذ أن القاعدة مجمع عليها وأن
الضرورة دعت لمخالفتها في هذا الفرع وتعذرت مراعاتها فإذا تقررت هذه القاعدة فنقول
لو كان عدم المانع شرطا لاجتمع النقيضان فيما إذا شككنا في طريان المانع وبيانه أن
القاعدة أن الشك في أحد النقيضين يوجب الشك في الآخر بالضرورة فمن شك في وجود زيد
في الدار فقد شك في عدمه من الدار بالضرورة فالشك في أحد النقيضين يوجب الشك في
الآخر فإذا شككنا في وجود المانع فقد شككنا في عدمه بالضرورة وعدمه شرط عند هذا
القائل
فنقول قد شككنا في الشرط أيضا فإذا اجتمع الشك في المانع والشرط اقتضى شكنا في
الشرط الذي هو عدم المانع أن لا نرتب الحكم بناء على ما تقدم واقتضى شكنا في
المانع أن نرتب بناء على ما تقدم في القاعدة فنرتب الحكم ولا نرتبه وذلك جمع بين
النقيضين وإنما جاءنا هذا المحال من اعتقادنا أن عدم المانع شرط فيجب أن نعتقد أنه
ليس بشرط وإذا كان ليس بشرط ظهر الفرق بين عدم المانع والشرط وهو المطلوب
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
أيضا فكلا المذهبين يلزم عليه مخالفة تلك القاعدة فتعين الجزم بمخالفتها وأن هذا
الفرع لا يساعد على إعمالها واعتبارها من جميع الوجوه بل لا بد من مخالفتها من بعض
الوجوه فمالك خالفها في الحدث الرافع للطهارة والشافعي في الصلاة التي هي سبب
براءة الذمة لكن مذهب مالك أرجح لأنه لما تعينت المخالفة لهذه القاعدة
وكانت الطهارة من باب الوسائل والصلاة من باب المقاصد وقد انعقد الإجماع على أن
الوسائل أخفض رتبة من المقاصد كانت العناية بالصلاة وإلغاء المشكوك فيه وهو السبب
المبرئ منها أولى من رعاية الطهارة وإلغاء الحدث المشكوك فيه الرافع لها وبالجملة
فالقاعدة المذكورة وإن كانت مجمعا عليها إلا أن الضرورة دعت لمخالفتها في هذا
الفرع لتعذر مراعاتها فيه من جميع الوجوه فلذلك انعقد الإجماع على مخالفتها في وجه
لأجل اعتبارها بحسب الإمكان في وجه آخر وإنما يبقى النظر في أن المخالفة في أي
الوجوه أولى وقد ظهر أن مذهب مالك أرجح في مخالفتها والله أعلم
____________________
(1/202)
الفرق الحادي عشر بين قاعدتي توالي أجزاء
المشروط مع الشرط وبين توالي المسببات مع الأسباب بنصب المثال وتحقيق البحث في ذلك فإذا قال إن تزوجتك فأنت
طالق وأنت علي كظهر أمي فتزوجها لزمه الطلاق وبانت منه وحرمت عليه به ولزمه الظهار
أيضا فإذا عقد عليها لا يطؤها حتى يكفر وإذا قال لها أنت طالق ثلاثا وأنت علي كظهر
أمي لم يلزمه الظهار لأنه قد تقدمه تحريمها بالطلاق فهو صادق في لفظ التحريم
بالظهار فلا تلزمه كفارة لأن الكفارة إنما وجبت لكذبه كما تقدم أول الكتاب في الفرق
بين الإنشاء والخبر ففي الصورتين تقدم التحريم ولزمه الظهار في إحدى الصورتين دون
الأخرى والسر في ذلك الفرق بين قاعدتي ترتيب المشروطات مع الشروط وترتيب المسببات
مع الأسباب وذلك أن القائل إذا قال إن دخلت الدار فامرأتي طالق وعبدي حر فدخل
الدار فإنه لا يمكننا أن نقول لزمه الطلاق قبل العتق ولا العتق قبل الطلاق بل وقعا
مرتبين على الشرط الذي هو دخول الدار من غير ترتيب فلم يتعين تقديم أحدهما ولو قال
لعبده أنت حر ثم قال لامرأته أنت طالق لجزمنا أنه طلق بعد العتق وأن العتق متقدم
لأن تقديم سبب العتق هو قوله أنت حر اقتضى تقدم العتق لأنه مسببه فكذلك إذا قال إن
هامش أنوار البروق
قال الفرق الحادي عشر بين قاعدتي توالي أجزاء المشروط
مع الشرط وبين توالي المسببات مع الأسباب قلت جميع ما قاله في هذا الفرق
صحيح غير قوله لأنه قد تقدمه تحريمها بالطلاق فهو صادق في لفظ التحريم بالظهار فلا
تلزمه كفارة لأن الكفارة إنما وجبت لكذبه فإنه مبني على ما سبق له
من أن الظهار خبر وقد تقدم أنه فيه نظر
هامش إدرار الشروق
الفرق الحادي عشر بين قاعدتي توالي أجزاء المشروط مع
الشرط وبين توالي المسببات مع الأسباب وهو أن المشروطات المتعددة لشرط واحد
إنما يقتضيها اقتضاء واحدا بحيث لا يقتضي الترتيب بينها فهي نظير المسببات لسبب
واحد فكما تقول إذا قال أنت طالق ثلاثا إن هذا اللفظ سبب تحريمها إلا بعد زوج وسبب
لإباحة أختها ولا نقول إن أحد الحكمين متقدم على الآخر ولا بعده كذلك نقول إذا قال
إن تزوجتك فأنت طالق وأنت علي كظهر أمي فتزوجها لزمه الطلاق بائنا لأنه قبل الدخول
حرمت عليه به ولزمه الظهار أيضا فإذا عقد عليها لا يطؤها حتى يكفر ولا نقول إن
الطلاق تقدم على الظهار حتى نمنعه بخلاف المسببات لأسباب عديدة كما في قوله لزوجته
أنت طالق ثلاثا وأنت علي كظهر أمي فإنا نقول فيه إن سبب التحريم الذي هو الطلاق
الثلاث لما تقدم على سبب الكفارة الذي هو الظهار اقتضى أن
____________________
(1/203)
تزوجتك فأنت طالق وأنت علي كظهر أمي لا نقول إن الطلاق تقدم
على الظهار حتى نمنعه بل الشرط اقتضاهما اقتضاء واحدا فلا ترتيب في ذلك بخلاف قوله
أنت طالق ثلاثا وأنت علي كظهر أمي تقدم سبب التحريم الذي هو الطلاق الثلاث فقضينا
بتقدمه على الظهار فمنعه فظهر الفرق بين ترتب أجزاء الشرط ومسببات الأسباب وإنما
نظير المشروطات بشرط واحد المسببات لسبب واحد لا المسببات لأسباب عديدة كما نقول
إذا قال أنت طالق ثلاثا هذا اللفظ سبب تحريمها إلا بعد زوج وسبب لإباحة أختها ولا
نقول إن أحد الحكمين متقدم على الآخر ولا بعده
الفرق الثاني عشر بين قاعدتي الترتيب بالأدوات اللفظية
والترتيب بالحقيقة الزمانية
هامش أنوار البروق
قال الفرق الثاني عشر بين قاعدتي الترتيب بالأدوات
اللفظية والترتيب بالحقيقة الزمانية قلت ما قاله في هذا الفرق صحيح غير أنه
ذكر في مثل قاعدة ما لا يستقل بنفسه من الكلام أن له عشرة مثل فذكرها لكنه زاد عند
تعدادها التمييز والبدل ولم يذكر مثاليهما
هامش إدرار الشروق
نقضي بعدم لزوم الظهار لأنه قد تقدمه تحريمها بالطلاق فلا تلزمه كفارة إما لأن
الظهار لم يصادف محلا بناء على ما للجمهور من أن صيغته إنشاء لا خبر وإما لأنه
صادق في لفظ التحريم بالظهار بناء على ما للأصل من أن صيغته خبر لا إنشاء كما تقدم
بيانه والله أعلم
الفرق الثاني عشر بين قاعدتي الترتيب بالأدوات اللفظية
والترتيب بالحقيقة الزمانية وهو أن الترتيب بالأدوات اللفظية كالفاء وثم
وحتى والسين وسوف ولم ولا ولن وما ونحوها لا يستقل العقل به بل يستفاد من الوضع
اللغوي وربما اختلف فيه اللغات وربما تبدلت بالنقل العرفي بخلاف الترتيب بالحقيقة
الزمانية فإنه بالعقل الصرف فيقتضي ترتيب أجزاء الزمان ترتيب الأقوال والأفعال
الواقعة فيها ترتيبا لا يقبل الاختلاف ولا التبدل لأن الزمان أجزاؤه سيالة مترتبة
بذاتها عقلا مستحيلة الاجتماع فلا يتصور أن يوجد أمس الدابر مع اليوم الحاضر ولا
أول النهار مع آخره ولا جزء من أجزاء الزمان وإن قل مع غيره من الأجزاء الزمانية
والأفعال والأقوال واقعة في الزمان ومنقسمة على أجزائه
فإذا اشتمل كل جزء من أجزاء الزمان على قول أو فعل كان ذلك القول أو الفعل متقدما
على الواقع في الزمن الذي بعده ومتأخرا عن الواقع في الزمن الذي قبله ويقتضي
الترتيب المستفاد بالأدوات اللفظية ترتيب الأقوال والأفعال المقترنة بها ترتيبا
يقبل الاختلاف والتبدل بحسب اختلاف اللغات وتبدل النقل العرفي فإذا قلت قام زيد
فعمرو كان قيام زيد متقدما على قيام
____________________
(1/204)
قد التبس الفرق بينهما على جمع كثير من الفضلاء ووقعت مباحث
ردية بناء على اللبس بينهما وتقرير الفرق أن الزمان أجزاؤه سيالة مترتبة بذاتها
عقلا مستحيلة الاجتماع فلا يتصور أن يوجد أمس الدابر مع اليوم الحاضر ولا أول
النهار مع آخره ولا جزء من أجزاء الزمان وإن قل مع غيره من الأجزاء الزمانية وإذا
كان الزمان مرتب الأجزاء والأفعال والأقوال واقعة في الزمان ومنقسمة على أجزائه
فالواقع في الزمان الماضي من الأقوال والأفعال متقدم على الواقع في الحاضر
والمستقبل والواقع منها في الحاضر متأخر عن الماضي ومتقدم على المستقبل وكذلك
القول في كل جزء من أجزاء الزمان أنه إذا اشتمل على قول أو فعل كان ذلك القول أو
الفعل متقدما على الواقع في الزمان الذي بعده ومتأخرا عن الواقع في الزمن الذي
قبله فظهر أن ترتيب أجزاء الزمان يقتضي ترتيب الأقوال والأفعال الواقعة فيها وأن
الواقع في المرتب مرتب عقلا لا بوضع لغوي اقتضى ذلك بل ذلك بالعقل الصرف وأما
الترتيب بالأدوات اللفظية فهو بالفاء وثم وحتى والسين وسوف ولم ولا ولن وما ونحوها
فإذا قلت قام زيد فعمرو كان قيام زيد متقدما على قيام عمرو أو ثم عمرو فكذلك مع
تراخ أو قام القوم حتى عمرو يقتضي أيضا تأخر قيام عمرو بسبب أن حتى حرف غاية
والقاعدة أن المغيا لا بد أن يثبت قبل الغاية ثم يصل إليها كقولك سرت حتى طلع
الفجر فالسير ثابت قبل الفجر متكرر إلى طلوع الفجر وكذلك شأن جميع الغايات وإذا
كان قيام عمرو غاية وغاية الشيء طرفه وآخره فيكون متأخرا عن الأول ضرورة وإذا قلت
سيقوم زيد وسوف يقوم عمرو وكان قيام زيد قبل قيام عمرو وعمرو بعده لأن سوف أكثر
تنفيسا من السين وإذا قلت لم يقم زيد ولا يقوم عمرو ولن يقوم كان عدم قيام زيد في
الماضي وعدم قيام عمرو في المستقبل فقد ترتب العدمان بسبب أن لن ولا موضوعان لنفي
المستقبل ولم ولما موضوعان لنفي الماضي وما وليس موضوعان لنفي الحال ولما كان
الماضي والحال والمستقبل مترتبة كان اللفظ الدال على وقوع العدم في واحد منها دالا
على الترتيب بالنسبة إلى الآخر فتأمل ذلك فهذا هو الترتيب الذي لا يستقل العقل به
بل يستفاد من الوضع اللغوي وربما
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
عمرو أو ثم عمرو فكذلك مع تراخ أو قام القوم حتى عمرو اقتضى أيضا تأخر قيام عمرو
بسبب أن حتى حرف غاية بمعنى أن ما بعدها غاية لما قبلها والقاعدة أن المغيا لا بد
أن يثبت قبل الغاية ثم يصل إليها مثلا السير في قولك سرت حتى طلع الفجر ثابت قبل
الفجر متكرر إلى طلوع الفجر وإذا كان قيام عمرو غاية وغاية الشيء طرفه وآخره كان
متأخرا عن الأول ضرورة وإذا قلت سيقوم زيد وسوف يقوم عمرو كان قيام زيد قبل قيام
عمرو لأن سوف أكثر تنفيسا من السين وإذا قلت لم أو لما يقم زيد ولا يقوم عمرو أو
لن يقوم كان عدم قيام زيد في الماضي وعدم قيام عمرو في المستقبل بسبب أن لم ولما
____________________
(1/205)
اختلفت فيه اللغات وربما تبدلت بالنقل العرفي والعقل لا
يقبل الاختلاف ولا التبدل إذا تقرر الفرق بين الترتيب بالحقيقة الزمانية وبين
الترتيب بالأدوات اللفظية فأذكر ثلاث مسائل دالة على هاتين القاعدتين وأوجه الصواب
في تلك المسائل ومن وافق القواعد ومن خالفها
المسألة الأولى قال مالك رحمه الله تعالى إذا
قال لغير المدخول بها أنت طالق أنت طالق أنت طالق لزمه الطلاق الثلاث وقال الشافعي
لا يلزمه إلا طلقة واحدة وهو الحق واتفق الإمامان على أنه إذا قال أنت طالق فأنت
طالق أو ثم أنت طالق في غير المدخول بها لا يلزمه إلا طلقة واحدة قال مالك رحمه
الله
وفي النسق بالواو إشكال فحصل له فيها توقف ولم يتوقف الشافعي رضي الله عنه بل ألزم
في الواو طلقة واحدة وهو الحق بسبب أن الزمان يقتضي الترتيب كما تقدم تقريره فقد
بانت بالطلقة الأولى قبل نطقه بالطلقة الثانية فلا يلزم لأجل البينونة كما لو قال
فأنت طالق ولا ينبغي أن يثبت في الواو حينئذ إشكال أصلا بل نجزم بتقدم ما نطق به
قبلها على ما نطق به بعدها فتبين فلا يلزمه غير الأولى المعطوف عليها بالواو دون
المعطوفة بالواو فهذا هو الحق المقطوع به الذي لا تسع مخالفته وأما قول الأصحاب
إنه طلق بالأولى ثلاثا ثم فسره بعده ذلك أو بالقياس على قوله أنت طالق ثلاثا فإن
الثلاث تعتبر باتفاق ويلزمكم بقوله أنت طالق ثلاثا فإن مقتضى مذهب الشافعي أنه لا
تلزمه الثلاث لأنها بانت بقوله أنت طالق أن تبين فلا يلزمه بعد ذلك بقوله ثلاثا
شيء والجواب عن الأول أن الكلام في هذا المسألة مع عدم النية فقولهم نوى ثم فسر لا
يستقيم بل إن نوى انعقد الإجماع بين الإمامين على لزوم ما نواه فهذا المدرك باطل
قطعا
وأما القياس على قوله مع عدم نيته أنت طالق ثلاثا فباطل أيضا بسبب فرق عظيم مأخوذ
من قاعدة كلية لغوية وهو أن كل لفظ لا يستقل بنفسه إذا لحق لفظا مستقلا بنفسه صار
المستقل بنفسه غير مستقل بنفسه ولهذه القاعدة عشرة مثل المثال الأول إذا قال له
عندي عشرة إلا اثنين لا يلزمه إلا ثمانية مع أن الأقارير عند
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
موضوعان لنفي الماضي ولا ولن موضوعان لنفي المستقبل وما وليس موضوعان لنفي الحال
والماضي والحال والمستقبل مترتبة فيكون اللفظ الدال على وقوع العدم في واحد منها
دالا على الترتيب بالنسبة إلى الآخر فتأمل وصل في ثلاث مسائل يتضح بها هاتان
القاعدتان المسألة الأولى لا خلاف بين الإمام مالك والإمام الشافعي في أنه إذا قال
لغير المدخول بها أنت طالق فأنت طالق أو ثم أنت طالق لا يلزمه إلا طلقة واحدة ولم
يتوقف الإمام الشافعي في لزوم الطلقة الواحدة مع النسق بالواو أيضا وتوقف الإمام
مالك في لزوم الواحدة أو التعدد مع الواو كما أنه قال بلزوم الثلاث إذا قال لغير
المدخول بها أنت طالق أنت طالق أنت طالق بلا عطف أصلا وخالفه الشافعي قائلا ==
ج2. الفروق أو أنوار البروق في أنواء الفروق (مع الهوامش )
أبو العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي
سنة الولادة بلا/ سنة الوفاة 684هـ
الحكام
في غاية الضيق والحرج ولا تقبل فيها النيات ولا المجازات وما سببه إلا أن قوله
عندي عشرة وإن كان كلاما مستقلا بنفسه غير أنه لحقه قوله إلا اثنين وهو كلام لو
نطق به وحده لم يستقل فيصير الأول غير مستقل بنفسه وصار المجموع إقرارا بالثمانية
فقط ولغا اعتبار اللفظ الأول على سبيل الاستقلال
المثال الثاني قول الحالف والله لا لبست ثوبا كتانا لا يحنث بغير الكتان إجماعا مع
أن قوله لا لبست ثوبا عام في ثياب الكتان وغيرها فإذا نطق بقوله كتانا وصف العموم
بهذه الصفة المقتضية للتخصيص ولا نية له اختص الحنث بثياب الكتان وحدها بسبب أن
قوله لا لبست ثوبا وإن كان كلاما مستقلا بنفسه غير أنه لحقه كتانا وهو لفظ مفرد لا
يستقل بنفسه فصار الأول غير مستقل بنفسه وصار المجموع لا يفيد إلا ثياب الكتان
وغير ثياب الكتان لم ينطق بها بطريق من الطرق فلا يحنث بها المثال الثالث قول
القائل والله لا كلمته حتى يعطيني حقي فأعطاه حقه ثم كلمه لا يحنث إجماعا بسبب أن
قوله لا كلمته وإن كان يقتضي استغراق الأزمان إلى آخر العمر
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
لا يلزمه إذا إلا طلقة واحدة وهو الحق بسبب أن الزمان يقتضي الترتيب كما تقدم
تقريره فتبين بالأولى ولا يلزم بما بعدها شيء لأنه لم يصادف محلا لأجل البينونة
سواء كان ما بعدها بلا عطف أو معطوفا بالفاء أو ثم أو الواو فلا وجه للتوقف في
الواو أصلا بل نجزم بتقدم ما نطق به أولا ولزوم البينونة به وإلغاء ما بعد مطلقا
وتوجيه الأصحاب قول إمامنا بوجهين أحدهما أنه طلق بالأولى ثلاثا ثم فسر بعد ذلك
والثاني أنه بالقياس على قوله أنت طالق ثلاثا فإن الثلاث تعتبر باتفاق مع أن مقتضى
مذهب الشافعي أن لا تلزمه الثلاث لأنها بانت بقوله أنت طالق فلا يلزمه بقوله بعد
ذلك ثلاثا شيء مدفوع أما الأول فلأن الكلام في هذه المسألة مع عدم النية فقولهم
نوى ثم فسر لا يستقيم بل إن نوى انعقد الإجماع بين الإمامين على لزوم ما نواه من
تأسيس أو تأكيد أما الثاني فقياس باطل بسبب فرق عظيم مأخوذ من قاعدة كلية لغوية
وهي أن كل لفظ لا يستقل بنفسه كالشرط والغاية والاستثناء والصفة وظرف الزمان وظرف
المكان والمجرور والمفعول معه والمفعول من أجله والحال والبدل والتمييز إذا لحق
لفظا مستقلا بنفسه صار المستقل بنفسه غير مستقل بنفسه فإذا قال أنت طالق ثلاثا إن
دخلت الدار لا يلزمه قبل الدخول للدار طلاق إجماعا بسبب أن قوله أنت طالق ثلاثا
وإن كان كلاما يستقل بنفسه لكنه لما لحق به ما لا يستقل بنفسه صيره غير مستقل
بنفسه وإذا قال والله لا كلمته حتى يعطيني حقي وهو لفظ لو نطق به وحده لم يستقل
بنفسه فلما لحق ما هو مستقل بنفسه صيره غير مستقل بنفسه وصار المجموع يقتضي نفي
الكلام إلى هذه الغاية فقط وما عداها لا يدخل في اليمين ألبتة باللفظ من غير نية
وإذا قال له عندي عشرة إلا اثنين لا يلزمه إلا ثمانية مع أن الأقارير عند الحكام
في غاية الضيق والحرج ولا تقبل فيها النيات ولا المجازات وما سبب عدم لزوم غير
الثمانية إلا أن قوله عندي عشرة وإن كان كلاما مستقلا بنفسه لكنه لما لحقه ما لو
نطق به وحده لم يستقل وهو قوله إلا اثنين صيره غير مستقل بنفسه وصار المجموع
إقرارا بالثمانية فقط ولغاية اعتبار اللفظ الأول على سبيل الاستقلال وإذا قال لا
لبست ثوبا كتانا
____________________
(1/207)
فقد
لحقه قوله حتى يعطيني حقي وهو لفظ لو نطق به وحده لم يستقل بنفسه فلما لحق ما هو
مستقل بنفسه صيره غير مستقل بنفسه وصار المجموع يقتضي نفي الكلام إلى هذه الغاية
فقط وما عداها لا يدخل في اليمين ألبتة باللفظ من غير نية
المثال الرابع قوله والله لا كلمتك إن جئتني في الدار أو أنت طالق ثلاثا إن دخلت
الدار لا يلزمه قبل الدخول للدار طلاق إجماعا بسبب أن قوله أنت طالق ثلاثا وإن كان
كلاما يستقل بنفسه لكنه لما لحق به ما لا يستقل بنفسه صيره غير مستقل بنفسه
المثال الخامس لو قال اقتلوا المشركين في شهر رمضان لاختص قتلهم برمضان ولو لم
يذكره ويقيد به لقتلوا في جميع السنة غير أن المجرور لما لم يستقل بنفسه صير الأول
غير مستقل بنفسه وخصصه
المثال السادس لو قال اقتلوا المشركين أمام زيد لاختص قتلهم بتلك الجهة ومن وجد في
غيرها لا يقتل ألبتة لما لم يستقل بنفسه صير الأول غير مستقل بنفسه
المثال السابع لو قال اقتلوا المشركين عراة لاختص قتلهم بحالة العري ولو لم ينطق
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
لا يحنث بغير الكتان إجماعا مع أن قوله لا لبست ثوبا عام في ثياب الكتان وغيرها
فإذا نطق بقوله كتانا بعد قوله ذلك اختص الحنث بثياب الكتان وحدها بسبب أن قوله لا
لبست ثوبا وإن كان كلامه مستقلا بنفسه إلا أنه لما لحقه كتانا وهو لفظ مفرد لا
يستقل بنفسه صيره غير مستقل بنفسه وصار المجموع لا يفيد إلا ثياب الكتان وغير ثياب
الكتان لم ينطق بها بطريق من الطرق فلا يحنث بها
وإذا قال اقتلوا المشركين طلوع الفجر امتنع قتلهم في غير هذا الوقت وإن كانوا قبل
التقييد به يقتلون في جميع الأوقات لكنه لما لم يستقل بنفسه صير الأول غير مستقل
بنفسه وإذا قال اقتلوا المشركين أمام زيد اختص قتلهم بتلك الجهة فلا يقتل من وجد
في غيرها ألبتة نظرا لكون ما لم يستقل بنفس وهو ظرف المكان صير الأول المستقل
بنفسه غير مستقل بنفسه وإذا قال اقتلوا المشركين في شهر رمضان اختص قتلهم برمضان
بسبب أن المجرور وهو غير مستقل صير الأول المستقل بنفسه غير مستقل بنفسه وخصصه
وإذا قال ليقتل المشركون وزيدا أي مع زيد فلا يقتلون إلا إذا وجدوا معه واللفظ قبل
ذلك كان يقتضي قتلهم مطلقا لكنه ما لم يكن كلاما مستقلا بنفسه صير الأول المستقل
بنفسه غير مستقل بنفسه وإذا قال اقتلوا المشركين إذهابا لغيظكم فلا يقتلون بغير
هذه العلة وكان قبل ذلك يقتلون مطلقا لكنه لما لم يستقل بنفسه صير الأول المستقل
بنفسه غير مستقل بنفسه وإذا قال اقتلوا المشركين عراة اختص قتلهم بحالة العري ولو
لم ينطق به لقتلوا في جميع الأحوال لكنه لما لم يكن كلاما مستقلا بنفسه صير الأول
غير مستقل بنفسه وإذا قال اقتلوا المشركين عبدة النار اختص القتل بهم دون غيرهم
بسبب أن المستقل بنفسه لما لحقه البدل وهو غير مستقل بنفسه صيره غير مستقل بنفسه
وإذا قال له عندي عشرون رمانة لم يلزمه هذا العدد من غير الرمان بل من الرمان خاصة
بسبب أن المستقل بنفسه لما لحقه التمييز وهو غير مستقل بنفسه صيره غير مستقل بنفسه
وأدخلت الكاف فيما لا يستقل بنفسه المفعول المطلق المبين للنوع أو للعدد فإذا قال
أنت طالق ثلاثا كان ثلاثا مفعولا مطلقا مبينا لعدد طالق وهو لا يستقل بنفسه فصير
الأول وهو أنت طالق غير مستقل فلا
____________________
(1/208)
به
لقتلوا في جميع الأحوال لكنه لما لم يكن كلاما مستقلا بنفسه صير الأول غير مستقل
بنفسه
المثال الثامن ليقتل المشركون وزيد أي مع زيد فلا يقتلون إلا إذا وجدوا معه واللفظ
قبل ذلك كان يقتضي قتلهم مطلقا لكنه لما لم يكن كلاما مستقلا بنفسه صير الأول غير
مستقل بنفسه
المثال التاسع اقتلوا المشركين إذهابا لغيظكم فلا يقتلون بغير هذه العلة ولا
بدونها وكانوا قبل ذلك يقتلون مطلقا لكنه لما لم يستقل بنفسه صير الأول غير مستقل
بنفسه
المثال العاشر اقتلوا المشركين طلوع الفجر فيمتنع قتلهم في غير هذا الظرف وكانوا يقتلون
قبل هذا القيد في جميع الظروف لكنه لما لم يستقل بنفسه صير الأول غير مستقل بنفسه
وكذلك البدل والتمييز فهذه اثنا عشر الشرط والغاية والاستثناء والصفة وظرف الزمان
وظرف المكان والمجرور والمفعول معه والمفعول من أجله والحال والبدل والتمييز
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
يلزمه به شيء ولا تبين به قبل النطق بقوله ثلاثا بخلاف قوله أنت طالق أنت طالق أنت
طالق فإن الثاني مستقل بنفسه فلا يكر على الأول بالاتفاق والإبطال فتبين بالأول
قبل النطق بالثاني فلا يلزم بالثاني شيء وهذا فرق عظيم ومع هذا الفرق لا يثبت
القياس فظهر أن هذه المسألة في غاية الإشكال في مذهب مالك رحمه الله تعالى وينبغي
لو قضى بها قاض لنقض قضاؤه ويمتنع التقليد فيها لوضوح بطلانها
المسألة الثانية لا دليل لمن يقول الواو للترتيب فيما يروى أن خطيبا قال عند رسول
الله صلى الله تعالى عليه وسلم من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى
فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بئس خطيب القوم أنت لأن رسول الله صلى
الله تعالى عليه وسلم أمره بأن يرتب بالحقيقة الزمانية وأن ينطق بلفظ الله أولا ثم
يذكر الرسول عليه الصلاة والسلام ثانيا فيحصل الترتيب بالتقديم الدال على الاهتمام
والتعظيم وقد فات بسبب جمعهما في الضمير فلذلك ذمه لا لأنه لم ينطق بالواو في قوله
ومن يعصهما كما نطق بها في قوله من يطع الله ورسوله حتى يصح الاستدلال به على أن
الواو للترتيب فافهم
فائدة قال المقري سمعت الأيلي يقول سمعت أبا عبد الله بن رشيد يقول إن خطيبا
بتلمسان يقول في خطبه من يطع الله ورسوله فقد رشد بالكسر وكان الطلبة ينكرون عليه
فلا يرجع فلما قفلت من رحلتي تلك دخلت على الأستاذ ابن أبي الربيع بسبتة فهنأني
بالقدوم وقال لي فيما قال رشدت يا ابن رشيد ورشدت لغتان صحيحتان حكاهما يعقوب في
الاصطلاح قال المقري وهذه كرامة للرجلين أو الثلاثة ا ه نقله التنبكتي في تكملة
الديباج
المسألة الثالثة لا حجة لمن يقول الواو للترتيب في قول الصحابة رضي الله تعالى
عنهم نبدأ بما بدأ الله في قوله عز من قائل إن الصفا والمروة من شعائر الله لأن
البداءة صرحت بأن التقديم بالحقيقة الزمانية المجمع عليها فلم قال هذا المستدل بأن
البداءة مضافة إلى ما ذكره من الواو والله سبحانه وتعالى أعلم
____________________
(1/209)
فإذا
وضحت هذه القاعدة بمثلها فنقول إذا قال أنت طالق ثلاثا فإن ثلاثا تفسير لا يستقل
بنفسه فيصير الأول غير مستقل بنفسه فلا يلزم به شيء ولا تبين قبل النطق بقوله
ثلاثا وقوله أنت طالق أنت طالق أنت طالق الثاني مستقل بنفسه فلا يكر على الأول
بالإيقاف والإبطال فتبين بالأول قبل النطق بالثاني فلا يلزم بالثاني شيء وهذا فرق
عظيم ومع هذا الفرق لا يثبت القياس فظهر أن هذه المسألة في غاية الإشكال في مذهب
مالك رحمه الله وينبغي لو قضى بها قاض لنقض قضاؤه ويمتنع التقليد فيها لوضوح
بطلانها
المسألة الثانية ما يروى أن خطيبا قال عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من يطع
الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بئس
خطيب القوم أنت استدل بهذا الحديث من يقول الواو للترتيب ولا دليل فيه لأن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أمره بأن يرتب بالحقيقة الزمانية وأن ينطق بلفظ الله أولا
ثم يذكر الرسول عليه السلام ثانيا فيحصل الترتيب بالتقديم الدال على الاهتمام
والتعظيم وقد فات بسبب جمعهما في الضمير فلذلك ذمه لا لأنه لم ينطق بالواو فسقط
الاستدلال بهذا الحديث
المسألة الثالثة قوله عز من قائل إن الصفا والمروة من شعائر الله قال الصحابة رضي
الله عنهم نبدأ بما بدأ الله به فاستدل به من يقول الواو للترتيب ولا حجة فيه لأن
البداءة صرحت بالتقديم بالحقيقة الزمانية المجمع عليها فلم قال هذا المستدل بأن
البداءة مضافة لما ذكره من الواو
الفرق الثالث عشر بين قاعدتي فرض الكفاية وفرض العين وضابط كل واحد منهما وتحقيقه
بحيث لا يلتبس بغيره فنقول الأفعال قسمان منها ما تتكرر مصلحته بتكرره ومنها ما لا
تتكرر مصلحته بتكرره
هامش أنوار البروق
قال الفرق الثالث عشر بين قاعدتي فرض الكفاية وفرض العين قلت ما قاله في هذا الفرق
صحيح غير قوله يكفي في سقوط المأمور به على الكفاية ظن الفعل فإنه يحتمل أن يقال
لا يكفي الظن فإن قيل يتعذر القطع
هامش إدرار الشروق
الفرق الثالث عشر بين قاعدتي فرض الكفاية وفرض العين وضابط كل واحد منها وتحقيقه
بحيث لا يلتبس بغيره وذلك أن فرض العين مهم متحتم مقصود حصوله منظور بالذات إلى
فاعله حيث قصد حصوله من
____________________
(1/210)
فالقسم
الأول شرعه صاحب الشرع على الأعيان تكثيرا للمصلحة بتكرر ذلك الفعل كصلاة الظهر
فإن مصلحتها الخضوع لله تعالى وتعظيمه ومناجاته والتذلل له والمثول بين يديه
والتفهم لخطابه والتأدب بآدابه وهذه المصالح تتكرر كلما كررت الصلاة والقسم الثاني
كإنقاذ الغريق إذا شاله إنسان فالنازل بعد ذلك في البحر لا يحصل شيئا من المصلحة
فجعله صاحب الشرع على الكفاية نفيا للعبث في الأفعال وكذلك كسوة العريان وإطعام
الجيعان ونحوهما فهذا ضابط القاعدتين وبه تعرفان وأذكر أربع مسائل لتحقيق
القاعدتين
المسألة الأولى أن الكفاية والأعيان كما يتصوران في الواجبات يتصوران في المندوبات
كالآذان والإقامة والتسليم والتشميت وما يفعل بالأموات من المندوبات فهذه على
الكفاية والتي على الأعيان كالوتر والفجر وصيام الأيام الفاضلة وصلاة العيدين
والطواف في غير النسك والصدقات
المسألة الثانية يكفي في سقوط المأمور به على الكفاية ظن الفعل لا وقوعه تحقيقا
فإذا
هامش أنوار البروق
فالجواب لا يتعذر القطع بالشروع في الفعل والتهيؤ والاستعداد إما بتحصيل الغاية
فيتعذر فهاهنا يكفي الظن لا في المقدمات والمبادئ وغير إطلاقه لفظ السقوط عمن لم
يفعل فإن كان يريد أن
هامش إدرار الشروق
عين مخصوصة كالمفروض على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم دون أمته أو من كل عين
عين أي واحد واحد من المكلفين وفرض الكفاية مهم متحتم مقصود حصوله من غير نظر
بالذات إلى فاعله أي يقصد حصوله في الجملة فلا ينظر إلى فاعله إلا بالتبع للفعل
ضرورة أن الفعل لا يحصل بدون فاعل سواء كان دينيا كصلاة الجنازة أو دنيويا
كالصنائع المحتاج إليها قال الأمير على عبد السلام على الجوهرة والحق أن العيني
أفضل لمزيد الاعتناء فيه
ا ه
وضابطها أن كل فعل تتكرر مصلحته بتكرره فهو فرض عين شرعه صاحب الشرع على الأعيان
تكثيرا للمصلحة بتكرر ذلك الفعل كصلاة الظهر فإن مصلحتها الخضوع لله تعالى وتعظيمه
ومناجاته والتذلل له والمثول بين يديه والتفهم لخطابه والتأدب بآدابه وهذه المصالح
تتكرر كلما كررت الصلاة وكل فعل لا تكرر مصلحته بتكرره فهو فرض كفاية جعله صاحب
الشرع على الكفاية نفيا للعبث في الأفعال كإنقاذ الغريق إذا شاله إنسان فإن النازل
بعد ذلك في البحر لما لم يحصل شيئا من المصلحة المترتبة على الإنقاذ من حفظ حياة
الغريق لأنها قد حصلت لم يخاطب بالوجوب إذ لو خوطب حينئذ لكان بلا مصلحة يثبت
الوجوب لأجلها فيكون عبثا وكذلك يقال في كسوة العريان وإطعام الجوعان ونحوهما
قلت ولهذا الضابط يتم الفرق بينهما حتى على قول الشيخ تقي الدين والد صاحب جمع
الجوامع والجمهور
وعليه نص الشافعي في مواضع من الأم كما قاله الزركشي وغيره بأن فرض الكفاية على
الكل لإثمهم بتركه ويسقط بفعل البعض لقول السعد في حاشية العضد إن سقوط الأمر قبل
الأداء لا نسلم أنه لا يكون إلا بالنسخ فيفتقر إلى خطاب جديد ولا خطاب فلا نسخ فلا
سقوط فلا بد أن يكون مراد من قال إنه يجب على الكل أنه يجب على الجميع من حيث هو
فلا يستلزم الإيجاب على كل واحد ويكون
____________________
(1/211)
غلب
على ظن هذه الطائفة أن تلك فعلت سقط عن هذه وإذا غلب على ظن تلك أن هذه فعلت سقط
عن تلك وإذا غلب على ظن كل واحدة منهما فعل الأخرى سقط الفعل عنهما سؤال إذا كان
الوجوب متقررا على جميع الطوائف فكيف سقط عمن لم يفعل بفعل غيره مع أن فرض الكفاية
يقع في الفعل البدني والقاعدة أن الأفعال البدنية لا يجزئ فيها فعل أحد عن أحد
وهاهنا أجزأ كصلاة الجنازة والجهاد مثلا وكيف سوى الشرع بين من فعل ومن لم يفعل
جوابه أن السقوط هنا ليس بنيابة الغير كما ذكره السائل في القاعدة بل من قاعدة
أخرى وهي سقوط الوجوب عن المكلف لعدم حكمة الوجوب لا لأن الغير ناب عن غيره فإذا
شال زيد الغريق سقط عن جميع الناس الوجوب لأنه لو بقي لبقي لغير فائدة وحكمة لأن
الحكمة حفظ حياة الغريق وقد حصلت فلم تبق بعد ذلك حكمة يثبت الوجوب لأجلها فهذا هو
سبب السقوط عن غير الفاعل لا النيابة والتسوية فسبب السقوط عن الفاعل فعله وعن غير
الفاعل المعنى المذكور وأما التسوية بين الفاعل وغير
هامش أنوار البروق
الوجوب توجه على الجميع ثم سقط عن البعض فليس ذلك بصحيح وإن أراد بلفظ السقوط أنه
لم يجب عليه وأطلق اللفظ مجازا فهو صحيح
هامش إدرار الشروق
التأثيم للجميع بالذات ولكل واحد بالعرض لأن سقوط الأمر كما يكون بالنسخ قد يكون
بغيره كانتفاء علة الوجوب كاحترام الميت مثلا بالصلاة عليه فإنه يحصل بفعل البعض
فلهذا ينسب السقوط إلى فعل البعض وأيضا يجوز أن ينصب الشارع أمارة على سقوط الواجب
من غير نسخ أفاده الشربيني على محلى جمع الجوامع وفرق سم بينهما أيضا بسقوط فرض
الكفاية عن الجميع بفعل البعض بخلاف فرض العين والكمال بأن فرض العين يقصد فيه عين
الفاعل ابتلاء له بتحصيل الفعل المطلوب وفرض الكفاية يقصد فيه حصول المطلوب من غير
نظر إلى الفاعل إلا بالتبع من حيث إن الفعل لا يوجد بدون فاعل كما في العطار على
محلى جمع الجوامع فافهم
وصل في أربع مسائل لتحقيق القاعدتين الأولى الأعيان والكفاية كما يتصوران في
الواجبات كذلك يتصوران في المندوبات فالتي على الأعيان كالوتر والفجر وصيام الأيام
الفاضلة وصلاة العيدين والطواف في غير النسك والصدقات والتي على الكفاية كالآذان
والإقامة والتسليم والتشميت وما يفعل بالأموات من المندوبات كذا في الأصل وفي عده
التسليم والتشميت من المندوب كفاية مخالفة لعد الأمير في مجموعه من فروض الكفاية
تشميت العاطس بعد سماع حمده ولو بمعالجة وبرد السلام الشرعي وهو ما كان بصيغة
شرعية لا نحو فلان يسلم عليك وإن بكتابة وتعين على مقصود من جماعة ا ه بتوضيح من
ضوء الشموع إلا أن يريد بالتسليم ابتداء السلام لا رده وبالتشميت قبل سماع الحمد
لا بعده وعبارة المحلي على جمع الجوامع كابتداء السلام وتشميت العاطس والتسمية
للأكل من جهة جماعة في الثلاث مثلا ا ه فانظره وحرر
المسألة الثانية مذهب الجمهور واختاره الكمال بن الهمام في تحريره أن الواجب على
الكفاية واجب على الكل ويسقط بفعل البعض وعليه ففي كون المراد الكل إلا فرادى نظرا
لكون سقوط الطلب عن الباقين بعد تحققه لا يلزم أن يكون بالنسخ بل قد يكون لانتفاء
علة الوجوب كحصول المقصود من الفعل هنا
____________________
(1/212)
الفاعل
فما ذلك إلا في معنى السقوط لا في الثواب بل الفاعل يثاب وغير الفاعل لا ثواب له
على فعل الغير ألبتة نعم إن كان نوى الفعل فله ثواب نيته
المسألة الثالثة نقل صاحب الطراز أن اللاحق بالمجاهدين وقد كان سقط الفرض عنه يقع
فعله فرضا بعدما لم يكن واجبا عليه وطرد غيره هذه القاعدة في جميع فروض الكفاية
كمن يلحق بمجهز الأموات من الأحياء وبالساعين في تحصيل العلم من الطلاب فإن ذلك
الطالب يقع فعله واجبا وعلل ذلك بأن مصلحة الوجوب لم تحصل بعد وما وقعت إلا بفعل
الجميع فوجب أن يكون فعل الجميع واجبا لأن الواجب يتبع المصالح ويختلف ثوابهم بحسب
مساعيهم
سؤال هذه المسألة نقض كبير على حد الواجب بأي حد حددتموه فإن هذا اللاحق
بالمجاهدين أو غيرهم كان له الترك إجماعا من غير ذم ولا لوم ولا استحقاق عقاب ومع
ذلك فقد وصفتم فعله بالوجوب فقد اجتمع الوجوب وعدم الذم على تركه وذلك يناقض حدود
الواجب كلها وهذا سؤال صعب فيلزم إما بطلان تلك الحدود أو بطلان هذه القاعدة والكل
صعب جدا والجواب عن هذا السؤال أن نقول الوجوب في هذه الصور مشروط بالاتصال
والاجتماع مع الفاعلين فلا جرم إن ترك مع الاجتماع أثم والترك مع الاجتماع لا
يتصور إلا إذا ترك الجميع والعقاب حينئذ متحقق والقاعدة أن الوجوب المشروط بشرط
ينتفي
هامش أنوار البروق
فارغه
هامش إدرار الشروق
فيكون أمارة على سقوط الواجب من غير نسخ لانتفاء الطريق الشرعي المتراخي الذي يثبت
به النسخ أو الكل المجموعي نظرا لكونه لو تعين على كل أحد لكان إسقاطه عن الباقين
رفعا للطلب بعد تحققه وهو إنما يكون بالنسخ وليس بنسخ اتفاقا بخلاف الإيجاب على
الجميع من حيث هو فإنه لا يستلزم الإيجاب على كل واحد ويكون التأثيم للجميع بالذات
ولكل واحد بالعرض
وقد علمت ما فيه خلاف ومذهب الإمام الرازي واختاره السبكي أي صاحب جمع الجوامع أنه
واجب على البعض وعليه فالمختار وهو المشهور أنه أي بعض إذ لا دليل على أنه معين
فمن قام به سقط الوجوب بفعله وقيل من قام به لسقوطه بفعله وقيل معين عند الله
تعالى دون الناس يسقط الواجب بفعله وبفعل غيره كما يسقط الدين عن المدين بأداء
غيره عنه انظر التحرير وشرحه لابن أمير الحاج ويكفي في سقوط فرض الكفاية على القول
بأنه على الكل ظن أن الغير فعله لا وقوعه تحقيقا فإذا غلب على ظن هذه الطائفة أن
تلك فعلت سقط عن هذه وإذا غلب على ظن تلك أن هذه فعلت سقط عن تلك وإذا غلب على ظن
كل واحدة منهما فعل الأخرى سقط الفعل عنهما ومن لم يظن منهما أن غيره فعله لم يسقط
عنه وأما على القول بأنه على البعض فإن من ظن أن غيره تركه لم يسقط عنه بل يجب ومن
لم يظن أن غيره تركه لم يجب عليه بل يسقط عنه كما نقله سحنون عن المحلي قال ويظهر
أثر ذلك في صورة الشك فعلى أنه على البعض لا يجب عليه لأنه يصدق عليه أنه لم يظن
أن
____________________
(1/213)
عند
انتفاء ذلك الشرط فإذا كان منفردا
عنهم يكون شرط الوجوب مفقودا فيذهب الوجوب ولا عجب أن يكون الوجوب مشروطا بشرط
الاتصال ومفقودا عند الانفصال كما تقول لزيد إن اتصلت بعصمة امرأتك أو بقرابة وجبت
عليك النفقة
وإن انفصلت منها لا تجب النفقة فإن عاودتها وجبت وإن فارقتها سقطت كذلك أيضا هاهنا
متى اجتمع مع
هامش أنوار البروق
فارغه
هامش إدرار الشروق
غيره تركه وعلى أنه على الكل يجب عليه لأنه يصدق عليه أنه لم يظن أن غيره فعله
وعليه درج القرافي ا ه
والسقوط هنا عمن لم يفعل من المكلفين بظنه فعل غيره على القول بأنه على الكل إنما
هو لقاعدة سقوط الوجوب عن المكلف لعدم حكمة الوجوب كما تقدم توضيحه عن السعد
والتحرير وشرحه لا لأن الغير ناب عن غيره حتى يرد أن القاعدة أن الأفعال البدنية
لا يجزئ فيها فعل أحد عن أحد وهاهنا أجزأ كصلاة الجنازة والجهاد مثلا وكيف سوى
الشرع بين من فعل ومن لم يفعل فاندفع قول ابن الشاط وإطلاق لفظ السقوط عمن لم يفعل
لا يصح على أن المراد أن الوجوب توجه على الجميع ثم سقط عن البعض وإنما يصح على أن
المراد بلفظ السقوط أنه لم يجب عليه مجازا ا ه أي إما بالاستعارة لعلاقة المشابهة
في عدم ترتب الإثم وإما مرسلا لعلاقة التقييد ثم الإطلاق فافهم نعم قال ابن الشاط
ويحتمل هنا أن يقال لا يكفي الظن فإن قيل لا يتعذر القطع فالجواب لا يتعذر القطع
بالشروع في الفعل والتهيؤ والاستعداد أما بتحصيل الغاية فيتعذر فهاهنا يكفي الظن
لا في المقدمات والمبادئ ا ه والله أعلم
فائدة قال العلامة ابن ذكري في حاشيته على البخاري وقد ذكروا أن فرض الكفاية
كالصلاة على الجنازة وسنة الكفاية كالآذان والإقامة إذا أراد فاعلها إسقاط الحرج
عن حاضري ذلك الموضع من المكلفين كانت له أجورهم
وإن بلغت أعدادهم ما بلغت ا ه نقله كنون على حواشي عبق وفي حاشية الأمير على عبد
السلام على الجوهرة وهل يحصل لمن لم يقم ثواب كعقاب الجميع إذا لم يحصل أولا لعدم
العمل أو إن كان جازما فسبقه غيره فالأول وإلا فالثاني ا ه
المسألة الثالثة الوجوب في جميع صور فروض الكفاية لما كان مشروطا بالاتصال
والاجتماع مع الفاعلين ومفقودا عند الانفصال والانفراد عنهم لقاعدة انتفاء الوجوب
بانتفاء شرطه كانت القاعدة في جميع فروض الكفاية من أن اللاحق بالفاعلين وقد كان
سقط الفرض عنه كمن يلحق بالمجاهدين من المتطوعين وبمجهز الأموات من الأحياء وبالساعين
في تحصيل العلم من الطلاب يقع فعله فرضا بعدما لم يكن واجبا لأن مصلحة الوجوب لم
تحصل بعد وما وقعت إلا بفعل الجميع فوجب أن يكون فعل الجميع واجبا لأن الوجوب يتبع
المصالح ويختلف ثوابهم بحسب مساعيهم ليست بناقضة لأي حد من حدود الواجب لأن هذا
اللاحق بالمجاهدين أو غيرهم وإن كان له الترك إجماعا من غير ذم ولا لوم ولا
استحقاق عقاب إلا أن فعله لا يوصف بالوجوب إلا بشرط الاجتماع ووصفه به مع شرط
الاجتماع يقتضي أن الترك لا يوصف بالإثم إلا مع الاجتماع والترك مع الاجتماع ولا
يتصور إلا إذا ترك الجميع
____________________
(1/214)
القوم
الخارجين للجهاد تقرر الوجوب فإذا أراد أن يفارقهم قلنا لك ذلك فإذا فارقهم بطل
الوجوب كذلك أبدا فاندفع السؤال فتأمل ذلك فالسؤال جيد والجواب جيد
المسألة الرابعة مقتضى ما قررتم من ضابط قاعدة فرض الكفاية وقاعدة فرض الأعيان أن
لا تكون صلاة الجنازة فرض كفاية وأن تشرع إعادتها كما قال الشافعي رضي الله عنه
فإن مصلحتها المغفرة للميت ولم تحصل بالقطع والجواب أن مصلحة صلاة الجنازة إما
المغفرة ظنا أو قطعا والثاني باطل لتعذره فتعين الأول وقد حصلت المغفرة ظنا
بالطائفة الأولى فإن الدعاء مظنة الإجابة فاندرجت صلاة الجنازة في فروض الكفاية
وامتنعت الإعادة لحصول المصلحة التي هي معتمد الوجوب كما قاله مالك ولم تبق إلا
مصلحة تكثير الدعاء وهي مصلحة ندبية غير أن الشافعي رحمه الله يساعد على أن صلاة
الجنازة لا يتنفل بها ولا تقع إلا واجبة ولا تقع مندوبة أصلا فامتنعت الإعادة
وكانت هذه القاعدة وهي تعذر الندب فيها حجة عليه
الفرق الرابع عشر بين قاعدتي المشقة المسقطة للعبادة والمشقة التي لا تسقطها
وتحرير الفرق بينهما أن المشاق قسمان أحدهما لا تنفك عنه العبادة كالوضوء والغسل
في البرد والصوم في النهار الطويل
هامش أنوار البروق
قال الفرق الرابع عشر بين قاعدة المشقة المسقطة للعبادة والمشقة التي لا تسقطها
إلى آخر ما قال في هذا القسم
هامش إدرار الشروق
والعقاب حينئذ متحقق فلا يلزم على هذه القاعدة أن يجتمع في هذا اللاحق بالمجاهدين
أو غيرهم الوجوب وعدم الذم على تركه حتى يكون مناقضا لحدود الواجب كلها فافهم
والله أعلم
المسألة الرابعة مصلحة صلاة الجنازة ليست إلا المغفرة ظنا لا قطعا لتعذر القطع
والمغفرة ظنا حاصلة بالطائفة الأولى لأن الدعاء مظنة الإجابة فاندرجت صلاة الجنازة
في فروض الكفاية بلا شبهة وامتنعت إعادتها لحصول المصلحة التي هي معتمد الوجوب كما
قاله مالك خلافا للشافعي القائل بأن إعادتها مشروعة لا ممنوعة والإعادة وإن كانت
لها مصلحة هي تكثير الدعاء إلا أنها مصلحة ندبية والشافعي رحمه الله تعالى يساعد
على أن صلاة الجنازة لا يتنفل بها ولا تقع إلا واجبة
ولا تقع مندوبة أصلا فتحقق امتناع الإعادة بتحقق قاعدة تعذر الندب فيها وصارت هذه
القاعدة حجة على الشافعي رضي الله تعالى عنه والله سبحانه وتعالى أعلم
الفرق الرابع عشر بين قاعدتي المشقة المسقطة للعبادة والمشقة التي لا تسقطها اعلم
أن التكليف إلزام الكلفة على المخاطب بمنعه من الاسترسال مع دواعي نفسه وهو أمر
نسبي
____________________
(1/215)
والمخاطرة
بالنفس في الجهاد ونحو ذلك فهذا القسم لا يوجب تخفيفا في العبادة لأنه قرر معها
وثانيهما المشاق التي تنفك العبادة عنها وهي ثلاثة أنواع نوع في الرتبة العليا
كالخوف على النفوس والأعضاء والمنافع فيوجب التخفيف لأن حفظ هذه الأمور هو سبب
مصالح الدنيا والآخرة فلو حصلنا هذه العبادة لثوابها لذهب أمثال هذه العبادة ونوع
في المرتبة الدنيا كأدنى وجع في أصبع فتحصيل هذه العبادة أولى من درء هذه المشقة
لشرف العبادة وخفة هذه المشقة النوع الثالث مشقة بين هذين النوعين فما قرب من
العليا أوجب التخفيف وما قرب من الدنيا لم يوجبه وما توسط يختلف فيه لتجاذب
الطرفين له فعلى تحرير هاتين القاعدتين تتخرج الفتاوى في مشاق العبادات
هامش أنوار البروق
قلت التكليف بعينه مشقة لأنه منع الإنسان من الاسترسال مع دواعي نفسه وهو أمر نسبي
وبهذا الاعتبار سمي تكليفا وهذا المعنى موجود في جميع أحكامه حتى الإباحة ثم يختص
غيرها بمشاق بدنية وبعض تلك المشاق هو أعظم المشاق كما في الجهاد الذي فيه بذل
النفس فبحسب ذلك انقسمت المشاق بالنسبة إلى التكليف قسمين قسم وقع التكليف بما
يلزمه عادة أو في الغالب أو في النادر وقسم لم يقع التكليف بما يلزمه فالقسم الأول
لا يؤثر في العبادة لا بإسقاط ولا بتخفيف لأن في ذلك نقض التكليف والقسم الثاني
يؤثر لأنه ينقض التكليف
قال وثانيهما المشاق التي تنفك العبادة عنها وهي ثلاثة أنواع إلى آخر النوع الثاني
هامش إدرار الشروق
موجود في جميع أحكامه حتى الإباحة ثم يختص غير الإباحة بمشاق بدنية بعضها أعظم من
بعض فالتكليف به إن وقع مع ما يلزمه من المشاق عادة أو في الغالب أو في النادر
كالوضوء والغسل في البرد والصوم في النهار الطويل والمخاطرة بالنفس في الجهاد ونحو
ذلك لم يؤثر ما يلزمه في العبادة لا بإسقاط ولا بتخفيف لأن في ذلك نقص التكليف وإن
لم يقع التكليف بما يلزمه من المشاق كان ما يلزمه على ثلاثة أقسام الأول متفق على
اعتباره في الإسقاط أو التخفيف كالخوف على النفوس والأعضاء والمنافع لأن حفظ هذه
الأمور هو سبب مصالح الدنيا والآخرة فلو حصلنا هذه العبادة مع الخوف على ما ذكر
لثوابها لأدى لذهاب أمثالها والثاني متفق على عدم اعتباره في ذلك كأدنى وجع في
أصبع لأن تحصيل هذه العبادة أولى من درء هذه المشقة لشرف العبادة وخفة هذه المشقة
الثالث مختلف فيه فبعضهم يعتبر في التخفيف ما اشتدت مشقته
وإن بسبب التكرار لا ما خفت مشقته وهو الظاهر من مذهب مالك فيسقط التطهير من الخبث
في الصلاة عن ثوب المرضع وكل ما يعسر التحرز منه كدم البراغيث ويسقط الوضوء فيها
بالتيمم لكثرة عدم الماء والحاجة إليه والعجز عن استعماله وبعضهم يعتبر في التخفيف
شديد المشقة وخفيفها وهذه الأقسام الثلاثة تطرد في جميع أبواب الفقه فكما وجدت
المشاق الثلاثة في الوضوء كذلك تجدها في العمرة والحج والأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر وتوقان الجائع للطعام عند حضور الصلاة والتأذي بالرياح الباردة في الليلة
الظلماء والمشي في الوحل
____________________
(1/216)
فائدة
قال بعض العلماء تختلف المشاق باختلاف رتب العبادات فما كان في نظر الشرع أهم
يشترط في إسقاطه أشد المشاق أو أعمها فإن العموم بكثرته يقوم مقام العظم كما يسقط
التطهر من الخبث في الصلاة التي هي أهم العبادات بسبب التكرار كثوب المرضع ودم
البراغيث وكما سقط الوضوء فيها بالتيمم لكثرة عدم الماء والحاجة إليه أو العجز عن
استعماله وما لم تعظم مرتبته في نظر الشرع تؤثر فيه المشاق الخفيفة وتحرير هاتين
القاعدتين يطرد في الصلاة وغيرها من العبادات وأبواب الفقه فكما وجدت المشاق في
الوضوء ثلاثة أقسام متفق على عدم اعتباره ومتفق على اعتباره ومختلف فيه فكذلك تجده
في الصوم والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتوقان الجائع للطعام عند حضور
الصلاة والتأذي بالرياح الباردة في الليلة الظلماء والمشي في الوحل وغضب الحكام
وجوعهم المانعين من استيفاء الفكر وغير ذلك وكذلك الغرر والجهالة في البيع ثلاثة
أقسام واعتبر ذلك في جميع أبواب الفقه
سؤال ما ضابط المشقة المؤثرة في التخفيف من غيرها فإنا إذا سألنا الفقهاء يقولون
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله في ذلك صحيح قال النوع الثالث مشقة بين هذين النوعين فما قرب من
العليا أوجب التخفيف وما قرب من الدنيا لم يوجبه وما توسط يختلف فيه إلى آخر كلامه
فيه قلت هذا كلام ليس بالمستقيم فإنه بني على التقسيم إلى ثلاثة أقسام ثم أداه
كلامه إلى خمسة أقسام قسمان أولان وقسمان لاحقان بهما ثم قسم هو الأخير وهو
المتوسط ولا حاجة إلى هذا
هامش إدرار الشروق
وغصب الحكام وجوعهم المانعين من استيفاء الفكر وغير ذلك وكذلك الغرر والجهالة في
البيع ثلاثة أقسام وهكذا في جميع أبواب الفقه
قال سؤال ما ضابط المشقة المؤثرة في التخفيف من غيرها إلى آخر جوابه
قلت وما قاله في ذلك أيضا صحيح
وضابط المشقة المؤثرة في التخفيف من غيرها هو أنه يجب على الفقيه أولا أن يفحص عن
أدنى مشاق تلك العبادة المعينة فيحققه بنص أو إجماع أو استدلال ثم ما ورد عليه بعد
ذلك من المشاق ينظر فيه ثانيا فإن كان مثل تلك المشقة أو أعلى منها جعله مسقطا وإن
كان أدنى منها لم يجعله مسقطا مثال ذلك التأذي بالقمل في الحج مبيح للحلق بالحديث
الوارد عن كعب بن عجرة فأي مرض آذى مثله أو أعلى منه أباح وإلا فلا والسفر مبيح
للفطر بالنص فيعتبر به غيره من المشاق
قال سؤال آخر ما لا ضابط له ولا تحديد وقع في الشرع على قسمين إلى آخر جوابه قلت
وما قاله أيضا في ذلك صحيح
والفرق بين العبادات لم يكتف الشرع في إسقاطها بمسمى تلك المشاق بل لكل عبادة
مرتبة معينة من مشاقها المؤثرة في إسقاطها كما علمت وبين المعاملات اكتفى الشرع في
إسقاط المسئولية فيها على أقل ما تصدق عليه حقيقة الشرط الذي تقتضيه حقيقتها إن
باع عبدا أو اشترط أنه كاتب يكفي في تحقيق هذا الشرط مسمى الكتابة ولا يحتاج إلى
المهارة فيها وكذلك شروط السلم في سائر الأوصاف وأنواع الحرف يقتصر على مسماها دون
مرتبة معينة منها هو أن العبادة لما كانت مشتملة على مصالح العباد ومواهب ذي
الجلال وسعادة الأبد كان تفويتها بمسمى المشقة مع يسارة احتمالها غير لائق ولذلك
كان ترك الترخيص في كثير من العبادات أولى وكان تعاطي العبادة مع المشقة أبلغ في
إظهار الطوعية وأبلغ في التقرب ولذلك قال عليه الصلاة والسلام أفضل العبادة أحزمها
أي أشقها وقال أجرك على قدر نصبك والمعاملات
____________________
(1/217)
ذلك
يرجع إلى العرف فيحيلون على غيرهم ويقولون لا نجد ذلك ولم يبق بعد الفقهاء إلا
العوام وهم لا يصح تقليدهم في الدين ثم إن الفقهاء من جملة أهل العرف فلو كان في
العرف شيء لوجدوه معلوما لهم أو معروفا
جوابه هذا السؤال له وقع عند التحقيق وإن كان سهلا في بادي الرأي وينبغي أن يكون
الجواب عنه إن لم يرد فيه الشرع بتحديد يتعين تقريبه بقواعد الشرع لأن التقريب خير
من التعطيل فيما اعتبره الشرع فنقول يجب على الفقيه أن يفحص عن أدنى مشاق تلك
العبادة المعينة فيحققه بنص أو إجماع أو استدلال ثم ما ورد عليه بعد ذلك من المشاق
مثل تلك المشقة أو أعلى منها جعله مسقطا وإن كان أدنى منها لم يجعله مسقطا
هامش أنوار البروق
الكلام وهو التقسيم الذي هو على هذا الوجه الذي لا يفيد وإنما الصواب أنه ثلاثة
أقسام أو ثلاثة أنواع متفق على اعتباره في الإسقاط أو التخفيف ومتفق على عدم
اعتباره ومختلف فيه
قال فائدة قال بعض العلماء تختلف المشاق باختلاف رتب العبادات فما كان في نظر
الشرع أهم يشترط في إسقاطه أشد المشاق إلى آخر ما قاله فيها قلت لم يجود مساق هذه
الفائدة فإن الظاهر من كلام الفقهاء أن بعضهم يعتبر في التخفيف من المشاق التي لا
تستلزمها العبادات أشدها وهو الظاهر من مذهب مالك وبعضهم يعتبر من تلك المشاق
أشدها وأخفها وهذه الفائدة أدى محصولها إلى أن ذلك العالم قال بالتفصيل وهو اعتبار
الأشد من المشاق دون الأخف فيما عظمت رتبته واعتبار الأشد والأخف فيما لم تعظم
رتبته
هامش إدرار الشروق
لما كانت مصالحها التي بذلت الأعواض فيها تحصل بمسمى حقائق الشرع والشروط كان
التزام غير ذلك فيها يؤدي إلى كثرة الخصام ونشر الفساد وإظهار العناد والله سبحانه
وتعالى أعلم
وصل في تحرير هاتين القاعدتين ببيان الفرق بين قاعدتي الكبائر والصغائر وبين
قاعدتي الكبائر والكفر وبين أدنى رتب الكبائر وأعلى رتب الصغائر وبين أدنى رتب
الكفر وأعلى رتب الكبائر وهذه مواضع شاقة الضبط عسيرة التحرير وفيها غوامض صعبة
على الفقيه والمفتي عند حلول النوازل في الفتاوى والأقضية واعتبار حال الشهود في
التجريح وعدمه أما بين الكبائر والصغائر فاعلم أنه لا خلاف بين العلماء في أن كل
ذنب باعتبار اشتماله على مخالفة الله تعالى كبيرة لأن مخالفة الله تعالى على
الإطلاق أمر كبير ولا خلاف بينهم أيضا في أن ما الذم عليه والعقوبة به إن نفذ على
مرتكبه الوعيد أشد فهو من الذنوب الكبائر وأن ما الذم عليه والعقوبة به إن نفذ على
مرتكبه الوعيد أخف فهو من الذنوب الصغائر إذ الكتاب والسنة والقواعد المستفادة
منهما وهي أن ما عظمت مفسدته يقدح في العدالة وما لا فلا تقتضي القطع بالتفاوت بين
الذنوب في الذم والعقاب إن نفذ الوعيد والكتاب قوله تعالى وكره إليكم الكفر
والفسوق والعصيان فجعلها رتبا ثلاثة الكفر رتبة أولى والفسوق ثانية والعصيان ثالثة
يلي الفسوق وهو الصغائر فجمعت الآية بين الكفر والكبائر والصغائر
وسمي بعض المعاصي فسوقا دون بعض وقوله تعالى الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش
إلا اللمم الآية وقوله تعالى إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم فإن
فيها صراحة في انقسام الذنوب إلى كبائر وصغائر
والسنة قوله صلى الله تعالى عليه وسلم في الصحيحين
____________________
(1/218)
مثاله
التأذي بالقمل في الحج مبيح للحلق بالحديث الوارد عن كعب بن عجرة فأي مرض آذى مثله
أو أعلى منه أباح وإلا فلا والسفر مبيح للفطر بالنص فيعتبر به غيره من المشاق
سؤال آخر ما لا ضابط له ولا تحديد وقع في الشرع على قسمين قسم اقتصر فيه على أقل
ما تصدق عليه تلك الحقيقة فمن باع عبدا واشترط أنه كاتب يكفي في هذا الشرط مسمى
الكتابة ولا يحتاج إلى المهارة فيها في تحقيق هذا الشرط وكذلك شروط السلم في سائر
الأوصاف وأنواع الحرف يقتصر على مسماها دون مرتبة معينة منها والقسم الآخر ما وقع
مسقطا للعبادات لم يكتف الشرع في إسقاطها بمسمى تلك المشاق بل لكل عبادة مرتبة
معينة من مشاقها المؤثرة في إسقاطها فما الفرق بين العبادات والمعاملات
هامش أنوار البروق
قال وتحرير هاتين القاعدتين يطرد في الصلاة إلى قوله واعتبر ذلك في جميع أبواب
الفقه قلت ما قاله في ذلك صحيح
قال سؤال ما ضابط المشقة المؤثرة في التخفيف من غيرها إلى آخر جوابه
قلت وما قاله في ذلك أيضا صحيح
وضابط المشقة المؤثرة في التخفيف من غيرها هو أنه يجب على الفقيه أولا أن يفحص عن
أدنى مشاق تلك العبادة المعينة فيحققه بنص أو إجماع أو استدلال ثم ما ورد عليه بعد
ذلك من المشاق ينظر فيه ثانيا فإن كان مثل تلك المشقة أو أعلى منها جعله مسقطا وإن
كان أدنى منها لم يجعله مسقطا مثال ذلك التأذي بالقمل في الحج مبيح للحلق بالحديث
الوارد عن كعب بن عجرة فأي مرض آذى مثله أو أعلى منه أباح وإلا فلا والسفر مبيح
للفطر بالنص فيعتبر به غيره من المشاق
قال سؤال آخر ما لا ضابط له ولا تحديد وقع في الشرع على قسمين إلى آخر جوابه قلت
وما قاله أيضا في ذلك صحيح
قال ويلحق بتحرير هاتين القاعدتين الفرق بين قاعدة الصغائر والكبائر إلى قوله
وإنما الخلاف في التسمية والإطلاق قلت ليس الخلاف في ذلك في مجرد الإطلاق فإن
المعنى عند من
هامش إدرار الشروق
اجتنبوا السبع الموبقات الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق
وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات
وفي رواية لهما الكبائر الإشراك بالله والسحر وعقوق الوالدين وقتل النفس زاد
البخاري واليمين الغموس ومسلم بدلها وقول الزور
وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم في الحديث الصحيح أيضا ومن كذا إلى كذا كفارة لما
بينهما ما اجتنبت الكبائر فخص الكبائر ببعض الذنوب ولو كانت الذنوب كلها كبائر لم
يسغ ذلك ولأن ما عظمت مفسدته أحق باسم الكبيرة تخصيصا له باسم يخصه فلذلك قال
الغزالي لا يليق إنكار الفرق بين الكبائر والصغائر وقد عرفا من مدارك الشرع وإنما
اختلفوا أولا في أن إطلاق لفظ صغيرة على معصية الله تعالى هل يمنع إجلالا له
وتعظيما لحدوده إلا في محل تبيين تفاوت الذم والعقاب إن نفذ الوعيد أو يجوز مطلقا
وثانيا في أن الكبائر كلها هل تعرف وتنحصر أو لا الثاني لبعضهم قالوا لأنه ورد وصف
أنواع من المعاصي بأنها كبائر وأنواع بأنها صغائر وأنواع لم توصف بشيء منهما
والأول للأكثر واختلفوا هل لا تنضبط إلا بالعد فعن ابن مسعود أنها ثلاث
وعنه أيضا أنها أربع وممن صرح بأنها سبع علي كرم الله تعالى وجهه وعطاء وعبيد بن
عمير وعن ابن مسعود أيضا أنها عشرة وقيل أربع عشرة وقيل خمس عشرة وعن ابن عباس
وجماعة أنها ما ذكره الله
____________________
(1/219)
جوابه
العبادات مشتملة على مصالح العباد ومواهب ذي الجلال وسعادة الأبد فلا يليق تفويتها
بمسمى المشقة مع يسارة احتمالها ولذلك كان ترك الترخص في كثير من العبادات أولى
ولأن تعاطي العبادة مع المشقة أبلغ في إظهار الطواعية وأبلغ في التقرب ولذلك قال
عليه السلام أفضل العبادات أحزها أي أشقها وقال أجرك على قدر نصبك وأما المعاملات
فتحصل مصالحها التي بذلت الأعواض فيها بمسمى حقائق الشرع والشروط بل التزام غير
ذلك يؤدي إلى كثرة الخصام ونشر الفساد وإظهار العناد
ويلحق بتحرير هاتين القاعدتين الفرق بين قاعدة الصغائر وقاعدة الكبائر والفرق بين
قاعدة الكبائر وقاعدة الكفر وما الفرق بين أعلى رتب الصغائر وأدنى رتب الكبائر وما
الفرق بين أعلى رتب الكبائر وأدنى رتب الكفر وهذه مواضع شاقة الضبط عسيرة التحرير
وفيها غوامض صعبة على الفقيه والمفتي عند حلول النوازل في الفتاوى والأقضية
هامش أنوار البروق
قال كل ذنب كبير إنما هو مخالفة الله ومخالفة الله تعالى على الإطلاق أمر كبير وما
أراه يخالف في ذلك أحد والمعنى عند من قال إن من الذنوب صغائر ومنها كبائر إنما هو
منها ما الذم عليه والعقوبة
به إن نفذ على مرتكبه الوعيد أشد ومنها ما الذم عليه والعقوبة به إن نفذ على
مرتكبه الوعيد أخف وما أراه يخالف في هذا أيضا أحد فلا خلاف إذا فإن المعنيين
متغايران وكل واحد منهما متفق عليه وإذا لم يكن الخلاف في المعنى فلا يصح أيضا في
اللفظ إلا على الوجه الذي أشار إليه من كراهية تسمية معصية الله تعالى صغيرة
إجلالا له وتعظيما لحدوده فيئول الأمر إلى منع ذلك الإطلاق عند بعضهم إلا في محل
تبين تفاوت الذم والعقاب إن نفذ الوعيد وإلى تجويز ذلك الإطلاق مطلقا عند بعضهم
هامش إدرار الشروق
تعالى في أول سورة النساء إلى قوله إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه وعن ابن عباس
أيضا كما رواه عبد الرزاق والطبراني هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع وقال أكبر
تلامذته سعيد بن جبير رضي الله تعالى عنهما هي إلى السبعمائة أقرب يعني باعتبار
أصناف أنواعها وروى الطبراني هذه المقالة عن سعيد عن ابن عباس نفسه أن رجلا قال
لابن عباس كم الكبائر سبع هي
قال هي إلى السبعمائة أقرب منها إلى سبع غير أنه لا كبيرة مع الاستغفار أي التوبة
بشروطها ولا صغيرة مع الإصرار وقال الديلمي من الشافعية قد ذكرنا عددها في تأليف
لنا باجتهادنا فزادت على أربعين كبيرة فيئول إلى ما قاله ابن عباس رضي الله تعالى
عنهما وقيل غير ذلك أو أنها تضبط بالحد والضابط وعليه فجميع ما ذكروه من الحدود
والضوابط إنما قصدوا به التقريب فقط وإلا فهي ليست بحدود جامعة وكيف يمكن ضبط ما
لا طمع في ضبطه بالحصر إذ لا يعرف ذلك إلا بالسمع ولم يرد وهو على أربعة أنواع
بعضه للكبائر المنصوص عليها من حيث هي وبعضه لما عدا المنصوص عليه من حيث هي وبعضه
لما يشملهما وبعضه لما يبطل العدالة من المعاصي الشاملة لصغائر الخسة ونحوها
كالإصرار على الصغائر فمن الأول ما في عبارة الروضة وأصلها وغيرهما من أنها ما لحق
صاحبها عليها بخصوصها وعيد شديد بنص كتاب أو سنة
ومن الثاني قول الغزالي كل معصية يقدم المرء عليها من غير استشعار خوف ووجدان ندم
تهاونا واستجراء عليها
____________________
(1/220)
واعتبار
حال الشهود في التجريح وعدمه وأنا أخص من ذلك ما تيسر وما لا أعرفه وعجزت قدرتي
عنه فحظي منه معرفة إشكاله فإن معرفة الإشكال علم في نفسه وفتح من الله تعالى
فأقول إن الكبيرة قد اختلف فيها هل تختص ببعض الذنوب والمعاصي أم لا فقال إمام
الحرمين وغيره إن كل معصية كبيرة نظرا إلى من عصي بها وكأنهم كرهوا أن تسمى معصية
الله تعالى صغيرة إجلالا له تعالى وتعظيما لحدوده مع أنهم وافقوا في الجرح أنه لا
يكون بمطلق المعصية وأن من الذنوب ما يكون قادحا في العدالة ومنها ما لا يكون
قادحا هذا مجمع عليه وإنما الخلاف في التسمية والإطلاق
وقال جماعة بل الذنوب منقسمة إلى صغائر وكبائر وهذا هو الأظهر من جهة الكتاب والسنة
والقواعد أما الكتاب
هامش أنوار البروق
قال وقال بعضهم بل الذنوب منقسمة إلى صغائر وكبائر إلى آخر قوله تخصيص الكبائر
ببعض الذنوب قلت ما أورده من الكتاب والسنة ظواهر ولعل المرام القطع في المسألة إن
كان المراد المعنى وهو تفاوت الذم والعقاب
قال وأما القواعد فلأن ما عظمت مفسدته ينبغي أن يسمى كبيرة إلى قوله والصغيرة ما
قلت مفسدتها قلت القواعد المستفادة من الكتاب والسنة تقتضي القطع بالتفاوت بين
الذنوب في الذم والعقاب إن نفذ الوعيد
هامش إدرار الشروق
فهي كبيرة وما يحمل على فلتات النفس ولا ينفك عن ندم يمتزج بها وينغص التلذذ بها
فليس بكبيرة وقول ابن عبد السلام الأولى ضبط الكبيرة بما يشعر بتهاون مرتكبها
بدينه إشعار أصغر الكبائر المنصوص عليها قال وإذا أردت الفرق بين الصغيرة والكبيرة
فاعرض مفسدة الذنب على مفاسد الكبائر المنصوص عليها فإن نقصت عن أقل الكبائر فهي
صغيرة وإلا فكبيرة
ا ه
ومن الثالث قول شيخ الإسلام البارزي والتحقيق أن الكبيرة كل ذنب قرن به وعيد أو حد
أو لعن بنص كتاب أو سنة أو علم أن مفسدته كمفسدة ما قرن به وعيد أو حد أو لعن أو
أكثر من مفسدته أو أشعر بتهاون مرتكبه في دينه إشعار أصغر الكبائر المنصوص عليها بذلك
كما لو قتل من يعتقده معصوما فظهر أنه مستحق لدمه أو وطئ امرأة ظانا أنه زان بها
فإذا هي زوجته أو أمته ا ه ومن الرابع قول الإمام الشافعي وغيره وتابعه ابن
القشيري في المرشد واختاره الإمام السبكي كل جريمة أو كل جريرة تؤذن أي تعلم بقلة
اكتراث أي اعتناء مرتكبها بالدين ورقة الديانة مبطلة للعدالة وكل جريمة أو جريرة
لا تؤذن بذلك بل يبقى حسن الظن ظاهرا بصاحبها لا تحبط العدالة كما يؤخذ من الزواجر
وكذا من الرابع قول الأصل
وهو مأخوذ من كلام شيخه ابن عبد السلام المار ضابط ما ترد به الشهادة أن يحفظ ما
ورد في السنة أنه كبيرة فيلحق به ما في معناه وما قصر عنه في المفسدة لا يقدح في
الشهادة ا ه لكن الأول مقيد بعدم التوبة والثاني بعدم الإصرار فإنه لا كبيرة مع
استغفار أي توبة بشروطها ولا
____________________
(1/221)
فقوله
تعالى وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان فجعل الكفر رتبة والفسوق رتبة ثانية
والعصيان يلي الفسوق وهو الصغائر فجمعت الآية بين الكفر والكبائر والصغائر وتسمى
بعض المعاصي فسقا دون البعض وأما السنة فقوله عليه السلام الكبائر سبع وعدها إلى
آخرها فخص الكبائر ببعض الذنوب وأما القواعد فلأن ما عظمت مفسدته ينبغي أن يسمى
كبيرة تخصيصا له باسم يخصه وعلى هذا القول الكبيرة ما عظمت مفسدتها والصغيرة ما
قلت مفسدتها فيكون ضابط ما ترد به الشهادة أن يحفظ ما ورد في السنة أنه كبيرة
فيلحق به ما في معناه وما قصر عنه في المفسدة لا يقدح في الشهادة فورد في الحديث
الصحيح في مسلم وغيره أنه عليه السلام قيل له ما أكبر الكبائر يا رسول الله فقال
عليه السلام أن تجعل لله ندا وهو خلقك قلت ثم أي قال أن تقتل ولدك خوف أن يأكل معك
قلت ثم أي قال أن تزاني حليلة جارك وفي
هامش أنوار البروق
قال فيكون ضابط ما ترد به الشهادة أن يحفظ ما ورد في السنة أنه كبيرة فيلحق به ما
في معناه وما قصر عنه في المفسدة لا يقدح في الشهادة قلت ما قاله هنا صحيح
قال فورد في الحديث الصحيح في مسلم وغيره أنه عليه السلام قيل له ما أكبر الكبائر
إلى قوله ويلحق به ما في معناه مما ساواه في المفسدة قلت أما الحديثان فليس فيهما
حصر الكبائر فيما ذكر بل وقع السؤال في الأول عن أكبر الكبائر وأمر في الثاني
باجتناب السبع الموبقات وذكر من جملتها الشرك الذي ذكر في الحديث الأول
هامش إدرار الشروق
صغيرة مع إصرار
وضابط قاعدة الإصرار المصير للصغيرة كبيرة هو أنه متى حصل من تكرارها مع البقاء
على عدم التوبة والندم ما يحصل من ملابسة الكبيرة مما يوجب عدم الوثوق بالفاعل في
دينه وإقدامه على الكذب في الشهادة فاجعل ذلك قادحا وما لا فلا كما إذا حصل من
تكررها ذلك مع تخلل التوبة والندم وأما المباحات فمنها ما لا يبيح الشرع فعله
بمحضر الناس فيكون تكرر فعلها بمحضرهم كذلك قادحا في الشهادة لكون فعلها حينئذ
معصية لاحقة بسائر المعاصي ومنها ما لم تجر به عادة فتكون مشعرة بخلل حدث في عقل
فاعلها فتقدح في الضبط لا في العدالة لأن خلل العقل لا يؤمن معه قلة الضبط
فائدة قال الشيخ المقري شهدت الشمس ابن القيم مقيم الحنابلة بدمشق وهو أكبر أصحاب
ابن تيمية وقد سئل عن حديث من مات له ثلاث من الولد كانوا له حجابا من النار كيف
إن أتى بعدها بكبيرة فقال موت الولد حجاب والكبيرة خرق لذلك الحجاب
وإنما يحجب الحجاب إذ لم يخرق فإذا خرق لم يكن حجابا بدليل حديث الصوم جنة ما لم
يخرقها ا ه نقله التنبكتي في تكملة الديباج وأما الفرق بين الكفر والكبائر فهو أن
أصل الكفر الجهل بالربوبية وأصل الكبائر الجرأة على مخالفة أمر الله تعالى بفعل ما
نهى عنه وعظمت مفسدته لاستيلاء الشهوة عليه فما كان من المعاصي مقتضيا الجهل
بالربوبية نصا من نحو الشرك بالله وجحد ما علم من الدين بالضرورة كجحد وجوب الصلاة
ونحوهما ونحو إلقاء المصحف في القاذورات وجحد البعث أو النبوات أو وصفه تعالى
بكونه لا يعلم أو لا يريد أو ليس بحي ونحوه فهو الكفر المتفق عليه ومنه قضية إبليس
فإن الذي
____________________
(1/222)
حديث
آخر اجتنبوا السبع الموبقات قيل وما هن يا رسول الله قال الشرك بالله والسحر وقتل
النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات
الغافلات المؤمنات وأكل الربا وشهادة الزور وفي بعض الأحاديث وعقوق الوالدين وفي
حديث آخر واستحلال بيت الله الحرام وقال بعض العلماء كل ما نص الله عليه أو رسوله
عليه السلام وتوعد عليه أو رتب عليه حدا أو عقوبة فهو كبيرة ويلحق به ما في معناه
مما ساواه في المفسدة وثبت في الصحيح أنه عليه السلام جعل القبلة في الأجنبية
صغيرة فيلحق بها ما في معناها فتكون صغيرة لا تقدح في العدالة إلا أن يصر عليها
فإنه لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار
سؤال ما ضابط قاعدة الإصرار المصير الصغيرة كبيرة وما عدد التكرار المحصل لذلك
وكذلك ما ضابط قاعدة تناول المباحات المخلة بالشهادة كالأكل في السوق وغيره
هامش أنوار البروق
أنه أكبر الكبائر فثبت أن هذه كبائر لذكرها مع الشرك وتشريكها معه في كونها موبقة
وأما قول بعض العلماء كل ما نص الله عليه أو رسوله صلى الله عليه وسلم وتوعد عليه
أو رتب عليه حدا أو عقوبة فهو كبيرة فهو رأي رآه وإنه ليظهر صوابه ولكن لا يبعد
النزاع في بعض ذلك
قال وثبت في الصحيح أنه عليه السلام جعل القبلة من الأجنبية صغيرة فيلحق بها ما في
معناها قلت إذا ثبت الحديث بذلك فالوجه ما قال فتكون صغيرة لا تقدح في العدل إلا
أن يصر عليها فإنه لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار
هامش إدرار الشروق
تقتضيه القواعد المستفادة من الشرع هو أن كفره إنما هو بنسبته إلى الله تعالى
الجور وتكبره عليه لا بمجرد ترك ما أمر به من السجود لآدم عليه السلام واعتقاده
كونه خيرا منه وإلا للزم أن كل عاص وكل متكبر كافر وليس الأمر كذلك نعم يجوز عقلا
أن يكون كفره بمجرد مخالفته وما كان منها مقتضيا ذلك احتمالا لا نصا فهو الكفر
المختلف فيه كالتجسيم وأن العبد يخلق أفعال نفسه الاختيارية وأن إرادة الله ليست
بواجبة النفوذ وأنه تعالى في جهة وأنه ليس بمنزه ونحو ذلك من اعتقادات أرباب
الأهواء فلمالك والشافعي وأبي حنيفة والقاضي أبي بكر الباقلاني والأشعري فيهم
قولان بالتكفير وعدمه والتكفير بترك الصلاة قول ابن حنبل وعدمه قول مالك والشافعي
وقال القاضي أبو بكر من كفر جملة الصحابة فهو كافر لأن تكفيرهم يلزم إبطال الشريعة
لأنهم أصلها وعنهم أخذت وقال الشيخ أبو الحسن الأشعري إرادة الكفر كبناء كنيسة
يكفر فيها بالله كفر ومن قتل نبيا بقصد إماتة شريعته مع تصديقه له فهو كافر ولعل
غير القاضي والأشعري يوافقهما في هذه الصورة
وما كان منها ليس مقتضيا ذلك أصلا بل إنما يقتضي الجرأة على مخالفة أمره تعالى
بفعل ما نهى عنه وعظمت مفسدته لاستيلاء الشهوة عليه فهو الكبيرة كقتل النفس التي
حرم الله إلا بالحق ويوضح هذا الفرق مسألتان
قال وأكمل البحث في هذا الموطن بذكر مسألتين الأولى اتفق الناس على أن السجود
للصنم على وجه التذلل له والتعظيم كفر ولو وقع ذلك في حق الولد مع والده تعظيما له
وتذللا أو في حق الأولياء والعلماء لم يكن كفرا والفرق عسير قلت أغفل الوصف المفرق
فعسر عليه الفرق والوصف المفرق أن سجود من سجد للأصنام لم يسجد لها لمجرد التذلل
والتعظيم بل لذلك مع اعتقاد أنها آلهة وأنها شركاء لله تعالى ولو وقع مثل ذلك مع
الوالد أو العالم أو الولي لكان ذلك كفرا لا شك فيه وأما إذا وقع ذلك أو ما في
معناه مع الوالد لمجرد التذلل والتعظيم لا لاعتقاد أنه إله وشريك لله عز وجل فلا
يكون كفرا وإن كان ممنوعا سدا للذريعة
قال فإن قلت السجود للوالد والعالم إلى قوله
فحينئذ الفرق مشكل وقد كان الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله تعالى يستشكل
هذا المقام ويعظم الإشكال فيه قلت إغفاله ما نبهت عليه أوقعه في هذا الخبال وعظم
عنده وعند شيخه أمر الإشكال وقد تبين الحق في ذلك على الكمال والحمد لله الواقي من
الضلال
المسألة الأولى الفرق بين السجود للصنم على وجه التذلل والتعظيم له اتفق الناس على
أنه كفر وبين السجود للوالدين والأولياء والعلماء تعظيما وتذللا اتفقوا على أنه
ليس بكفر هو أن السجود للأصنام ليس لمجرد التذلل والتعظيم بل له مع اعتقاد أنه
آلهة وأنهم شركاء لله تعالى حتى اقتضى بذلك الجهل
____________________
(1/223)
جوابه
قال بعض العلماء ينظر في ذلك إلى ما يحصل من ملابسة الكبيرة من عدم الوثوق بفاعلها
ثم ينظر إلى الصغيرة فمتى حصل من تكرارها مع البقاء على عدم التوبة والندم ما يوجب
عدم الوثوق به في دينه وإقدامه على الكذب في الشهادة فاجعل ذلك قادحا وما لا فلا
وكذلك الأمور المباحة متى تكررت
ومتى تكررت الصغيرة مع تخلل التوبة والندم أو من أنواع مختلفة مع عدم اشتمال القلب
على العزم على العودة لا يقدح في الشهادة إذا تحرر بالتقريب الكبائر من الصغائر
وأن ذلك يرجع إلى عظم المفسدة فنرجع إلى تحرير ما يعلم به الكفر من الكبائر فنقول
أصل الكفر اهتضام جانب الربوبية ولكن ليس ذلك على الإطلاق فقد يكون الاهتضام
بالكبيرة أو بالصغيرة وليستا كفرا بل لا بد من الوصول إلى رتبة خاصة من ذلك
وتحريرها أن الكفر قسمان متفق عليه ومختلف فيه هل هو كفر أم لا فالمتفق عليه نحو
الشرك بالله وجحد ما علم من الدين بالضرورة كجحد
هامش أنوار البروق
قال سؤال ما ضابط قاعدة الإصرار المصير للصغيرة كبيرة إلى قول بعض العلماء فاجعل
ذلك قادحا وما لا فلا قلت ما قاله صحيح
قال وكذلك الأمور المباحة متى تكررت قلت قوله هذا ظاهره أن المباحات متى تكررت
أوجبت عدم الوثوق ممن تكررت منه قلت وليس ذلك كذلك ولكنه من المباحات ما لا يبيح
الشرع فعله بمحضر الناس ففعل هذا معصية لاحقة بسائر
المعاصي ومنها ما لم تجر به عادة مشعرة بخلل حدث له في عقله وخلل العقل لا
هامش إدرار الشروق
بالربوبية بخلافه للوالدين والأولياء والعلماء فإنه لما كان لمجرد التذلل والتعظيم
لا لاعتقاد أنهم آلهة وشركاء لله عز وجل لم يكن كفرا وإن كان ممنوعا سدا للذريعة
نعم لو وقع مع الوالد أو العالم أو الولي على وجه اعتقاد أنه إله وشريك لله تعالى
لكان كفرا لا شك فيه
المسألة الثانية نسبة الأفعال إلى الكواكب فيها ثلاثة أقسام القسم الأول أن يقال
إنها مدبرة للعالم وموجدة لما فيه ولا شيء وراءها وهذا كفر بلا خفاء القسم الثاني
أن يقال إنها فاعلة الآثار في هذا العالم والله سبحانه وتعالى هو المؤثر الأعظم
معها فتكون نسبتها إلى أفعالها كنسبة الحيوان إلى أفعاله على رأي المعتزلة والصحيح
في هذا أن قول من قال للكواكب أو للإنسان أو غيره من الحيوان فعل على الحقيقة خطأ
وأن من اعتقد شيئا من ذلك فهو لم يعرف قط فرقا ما بين الرب والمربوب والخالق
والمخلوق فإن الله تعالى هو الخالق على الحقيقة لا خالق سواه قال تعالى وما رميت
أي حقيقة إذ رميت أي كسبا ولكن الله رمى أي حقيقة إلا أن من نسب الفعل الحقيقي إلى
الكواكب فذلك كفر على الصحيح وهو قول بعض العلماء المعاصرين للشيخ عز الدين بن عبد
السلام ومن نسبه إلى الإنسان ففيه الخلاف هل هو كفر أو ضلالة وذلك أن الكواكب في
العالم العلوي وأحوالها غائبة عن السفر فربما أدى ذلك إلى اعتقاد استقلالها وفتح
أبواب الكفر المجمع عليه بخلاف الإنسان فإن التذلل والعبودية ظاهرة عليه فلا يؤدي
إلى اعتقاد استقلاله إلخ القسم الثالث أن يقال إنها فاعلة فعلا عاديا حقيقيا وأن
الله تعالى أجرى عندها إذا تشكلت بشكل
____________________
(1/224)
وجوب
الصلاة والصوم ونحوهما والكفر الفعلي نحو إلقاء المصحف في القاذورات وجحد البعث أو
النبوات أو وصفه تعالى بكونه لا يعلم أو لا يريد أو ليس بحي ونحوه وأما المختلف
فيه فكالتجسيم وأن العبد يخلق أفعاله وأن إرادة الله تعالى ليست
بواجبة النفوذ وأنه تعالى في جهة وأنه ليس بمنزه ونحو ذلك من اعتقادات أرباب
الأهواء فلمالك والشافعي وأبي حنيفة والقاضي أبي بكر الباقلاني والأشعري فيهم
قولان بالتكفير وعدمه
وفي التكفير بترك الصلاة قولان قال مالك والشافعي ليس كفرا وقال ابن حنبل كفر وقال
القاضي أبو بكر من كفر جملة الصحابة فهو كافر لأن تكفيرهم يلزم منه إبطال الشريعة
لأنهم أصلها وعنهم أخذت وقال الشيخ أبو الحسن الأشعري إرادة الكفر كفر وبناء كنيسة
يكفر فيها بالله كفر لأنه إرادة الكفر ومن قتل نبيا بقصد إماتة شريعته مع تصديقه
فهو كافر ولعل غير القاضي والأشعري يوافقهما في هذه الصورة ومن المجمع
هامش أنوار البروق
يؤمن معه قلة الضبط فليس قدح فعل هذه المباحات في الشهادة من الوجه التي تقدح فيها
فعل المخالفات فإن فعل المخالفات قادح في العدالة وفعل هذه المباحات قادح في الضبط
قال ومتى تكررت الصغيرة مع تخلل التوبة والندم أو من أنواع مختلفة مع عدم اشتمال
القلب على العزم على العودة لا يقدح في الشهادة قلت أما قوله متى تكررت الصغيرة مع
تخلل التوبة والندم فصحيح وأما قوله أو من أنواع مختلفة مع عدم اشتمال القلب على
العزم على العودة فليس بصحيح فإن تكرر الصغائر وإن اختلفت توجب عدم الوثوق بدين
فاعلها مثل ما يوجب تكررها إذا اتفقت مع أن اشتراط عدم اشتمال القلب على العزم على
العودة لا يصح ألبتة لأن ذلك أمر باطن لا يطلع عليه ولا يصح التعبد في الأمور
الظواهر بما في البواطن والعدالة من ظواهر الأمور لا من بواطنها وكذلك جميع
الأحكام الدنيوية المفتقر فيها إلى الحكام
قال إذا تحرر بالتقريب الكبائر من الصغائر وأن ذلك يرجع إلى عظم المفسدة فنرجع إلى
تحرير ما يعلم به الكفر من الكبائر فنقول أصل الكفر اهتضام جانب الربوبية ولكن ليس
ذلك على الإطلاق قلت ليس الكفر اهتضام جانب الربوبية وما أرى أن أحدا ممن يدين
بالربوبية يهتضم جانبها وإن وجد من يهتضم جانبها فليس في الحقيقة ممن يدين بها
ولكن أصل الكفر الجهل بالربوبية
قال فقد يكون الاهتضام بالكبيرة أو بالصغيرة وليستا كفرا قلت ليس ذلك بصحيح فإن
فاعل الكبيرة أو الصغيرة لا يفعلها اهتضاما للربوبية ولا تهاونا بها وإنما يفعلها
جراءة على مخالفة أمره لاستيلاء الشهوة عليه
قال بل لا بد من الوصول إلى رتبة خاصة من ذلك وتحريره أن الكفر قسمان متفق عليه
ومختلف فيه إلى قوله أو ليس بحي ونحوه
هامش إدرار الشروق
مخصوص في أفلاكها أن تكون في أحوالها وربط الأسباب بها كحال الأدوية والأغذية في
العالم السفلي باعتبار الربط العادي لا الفعل الحقيقي وهذا القسم وإن لم يكن كفرا
إلا أنه خطأ لعدم تحقق الارتباط
____________________
(1/225)
عليه
فيما علمت قضية إبليس وأنه كفر بها وليس الكفر بسبب ترك السجود ومخالفة الأمر وإلا
كان يلزم أن كل عاص كافر وليس الأمر كذلك بل إنما كفر إبليس بنسبة الله تعالى إلى
الجور وأنه أمر بالسجود لمن هو أولى أن يسجد له وأن ذلك ليس عدلا لقوله أنا خير
منه خلقتني من نار وخلقته من طين فهذا منه إشارة إلى التجوير والتسفيه ومن نسب
الله تعالى إلى ذلك فلا شك في كفره فهذه الجراءة على الله تعالى هي سبب كفره ولا
يقال إنما كفر بسبب الكبر على آدم لقوله أنا خير منه فإنه كان يلزم منه أن كل
متكبر كافر وليس الأمر كذلك نعم أن من تكبر على الله تعالى وعن أن يكون مطيعا له
في أوامره فهو كافر وبالجملة فعلى الفقيه أن يستقرئ كتب الفقهاء في المسائل التي
يكفر بها المتفق عليها والمختلف فيها فإذا كمل استقراؤه نظر إلى أقربها إلى عدم
التكفير بالنظر السديد إن كان من أهل النظر في هذه المسائل فإنه ليس كل الفقهاء له
أهلية النظر
هامش أنوار البروق
قلت ما ذكره من الأمور المتفق على أنها كفر هو كما ذكر
قال وأما المختلف فيه فكالتجسيم إلى قوله
ولعل غير القاضي والأشعري يوافقهما في هذه الصورة قلت ذلك نقل لا كلام فيه
قال ومن المجمع عليه فيما علمته قضية إبليس إلى قوله نعم من تكبر على الله تعالى
وعن أن يكون مطيعا له في أوامره فهو كافر قلت ما قاله من أن كفر إبليس إنما هو
بنسبته إلى الله الجور وتكبره عليه لا بمجرد ترك ما أمر به من السجود لآدم عليه
السلام واعتقاده كونه خيرا منه هو الذي تقتضيه القواعد المستفادة من الشرع مع أنه
يجوز عقلا أن يكون كفره بمجرد مخالفته
قال وبالجملة فعلى الفقيه أن يستقرئ كتب الفقهاء في المسائل التي يكفر بها المتفق
عليها والمختلف فيها فإذا كمل استقراؤه قلت إن أراد كمل استقراؤه لما بلغه من ذلك
فلا اعتبار به فإنه لعله بقي ما لم يبلغه ويكون فيما لم يبلغه رتب من الكفر وإن
أراد كمل استقراؤه في نفس الأمر أي لم يبق له من الأقوال قول إلا حفظه ولا من جملة
وجوه التكفير شيء إلا تضمنته أقوال من حفظ أقوالهم فمن أين يعرف ذلك وما الدليل
الذي يدل عليه
قال فإذا كمل استقراؤه نظر إلى أقربها إلى عدم التكفير بالنظر السديد إن كان من
أهل النظر في هذه المسائل فإنه ليس كل الفقهاء له أهلية النظر في مسائل التكفير
قلت إن أراد بالفقهاء من حصل رتبة الاجتهاد فكلهم له أهلية النظر في مسائل التكفير
وفي غيرها على أصح القولين وهو أن الاجتهاد لا يتبعض ولا تصح له رتبة حتى يحصل
جميع العلوم
هامش إدرار الشروق
فإنا وجدنا العادة غير منضبطة في ذلك ولا هي أكثرية غالبة كالأدوية حتى يكون
اعتقاد ذلك ممكنا وجائزا بل هو كمن اعتقد أن عقارا معينا يبرئه من الحمى
ولم تدل التجربة فيه على ذلك فإن هذا الاعتقاد يكون
____________________
(1/226)
في
مسائل التكفير
فإذا صح ذلك اعتقد حينئذ أن تلك الرتبة أدنى رتبة التكفير وأن ما دونها أعلى رتبة
للكبائر وكذلك إذا استقرأ رتب الكبائر المتفق عليها والمختلف فيها فإذا كمل
استقراؤه نظر إلى أقلها مفسدة جعلها أدنى رتب الكبائر والتي دونها هي أعلى رتب
الصغائر وأكمل البحث في هذا الموطن بذكر مسألتين
المسألة الأولى اتفق الناس على أن السجود للصنم على وجه التذلل والتعظيم له كفر
ولو وقع مثل ذلك في حق الولد مع والده تعظيما له وتذللا أو في حق الأولياء
والعلماء لم يكن كفرا والفرق عسير فإن قلت السجود للوالد والعالم يقصد به التقرب
إلى الله تعالى فلذلك لم يكن كفرا
هامش أنوار البروق
المشترطة في الاجتهاد على الكمال وإن أراد من لم يحصل رتبة الاجتهاد ممن يطلق عليه
اسم الفقيه بضرب من التوسع أو المجاز فلا اعتبار بهم
قال فإذا صح ذلك اعتقد حينئذ أن تلك الرتبة أدنى رتب التكفير وأن ما دونها أعلى
رتب الكبائر إلى قوله والتي دونها هي أعلى رتب الصغائر قلت جميع ما قاله في ذلك
إحالة على مستحيل عادة وهو كمال استقراء أقوال جميع علماء الإسلام ثم يقال له لا
بد للعلماء الذين أشار إلى استقراء أقوالهم من العلم بفارق يفرق به كل واحد منهم
بين أدنى رتب الكفر وأعلى رتب الكبائر فما المانع لهذا المتعلم أن يتعلمه حتى لا
يحتاج إلى استقراء أقوالهم وبالجملة لم يأت في هذا الفصل الإباحة على جهالة
قال وأكمل البحث في هذا الموطن بذكر مسألتين الأولى اتفق الناس على أن السجود
للصنم على وجه التذلل له والتعظيم كفر ولو وقع ذلك في حق الولد مع والده تعظيما له
وتذللا أو في حق الأولياء والعلماء لم يكن كفرا والفرق عسير قلت أغفل الوصف المفرق
فعسر عليه الفرق والوصف المفرق أن سجود من سجد للأصنام لم يسجد لها لمجرد التذلل
والتعظيم بل لذلك مع اعتقاد أنها آلهة وأنها شركاء لله تعالى ولو وقع مثل ذلك مع
الوالد أو العالم أو الولي لكان ذلك كفرا لا شك فيه وأما إذا وقع ذلك أو ما في
معناه مع الوالد لمجرد التذلل والتعظيم لا لاعتقاد أنه إله وشريك لله عز وجل فلا
يكون كفرا وإن كان ممنوعا سدا للذريعة
قال فإن قلت السجود للوالد والعالم إلى قوله
فحينئذ الفرق مشكل وقد كان الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله تعالى يستشكل
هذا المقام ويعظم الإشكال فيه قلت إغفاله ما نبهت عليه أوقعه في هذا الخبال وعظم
عنده وعند شيخه أمر الإشكال وقد تبين الحق في ذلك على الكمال والحمد لله الواقي من
الضلال
هامش إدرار الشروق
خطأ بل هو ممنوع أيضا لسد الذريعة وأما الفرق بين أدنى رتب الكبائر وأعلى رتب
الصغائر وبين
____________________
(1/227)
قلت
وكذلك السجود للصنم فقد كانوا يقولون ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى فقد
صرحوا بقصد التقرب إلى الله تعالى بذلك السجود فإن قلت الله تعالى أمر بتعظيم
الآباء والعلماء ولم يأمر بتعظيم الأصنام بل نهى عنه فلذلك كان كفرا قلت إن كان
السجودان في المسألتين متساويين في المفسدة استحال في عادة الله أن يأمر بما هو
كفر في بعض المواطن لقوله تعالى ولا يرضى لعباده الكفر أي لا يشرعه دينا ومعناه أن
الفعل المشتمل على فساد الكفر لا يؤذن فيه ولا يشرع فلا يقال إن الله تعالى شرع
ذلك في حق الآباء والعلماء دون الأصنام
وحقيقة الكفر في نفسه معلومة قبل الشريعة وليست مستفادة من الشرع ولا تبطل حقيقتها
بالشريعة ولا تصير غير كفر فحينئذ الفرق مشكل وقد كان الشيخ عز الدين بن عبد
السلام يستشكل هذا المقام ويعظم الإشكال فيه
المسألة الثانية نسبة الأفعال إلى الكواكب فيها أقسام أحدها أن يقال إنها مدبرة
العالم وموجدة لما فيه ولا شيء وراءها ولا خفاء أن هذا كفر وثانيها أن يقال إنها
فاعلة الآثار في هذا العالم والله سبحانه وتعالى هو المؤثر الأعظم معها فتكون
نسبتها إلى أفعالها كنسبة الحيوان إلى أفعاله على رأي المعتزلة وقد قالت المعتزلة
إن كل حيوان يوجد أفعاله بقدرته مستقلا دون الله تعالى وإن قدرة الله تعالى لا تتعلق
بمقدوره فالقائل بأن الكواكب كذلك فهل لا نكفره كما أنا لا نكفر المعتزلة على
الصحيح من مذاهب العلماء وأن أهل القبلة لا يكفر أحد منهم وهذا القول كان يختاره
الشيخ عز الدين بن عبد السلام ومن يقول الفرق بين الكواكب والحيوانات فلا يكفر
معتقد أن الإنسان وغيره من الحيوان يخلق أفعاله لأن التذلل والعبودية ظاهرة عليه
فلا يحصل من ذلك كبير اهتضام لجانب الربوبية ويكفر معتقد أن
هامش أنوار البروق
قال المسألة الثانية نسبة الأفعال إلى الكواكب فيه أقسام إلى آخر كلامه في القسم
الأول قلت ما قال في ذلك صحيح لا إشكال فيه
قال وثانيها أن يقال إنه فاعلة الآثار في هذا العالم والله سبحانه هو المؤثر
الأعظم معها إلى قوله وهذا كان يقوله بعض الفقهاء المعاصرين للشيخ عز الدين بن عبد
السلام رحمه الله قلت الصحيح أن من قال للكواكب فعل على الحقيقة أن قوله ذلك خطأ
وكذلك قول من قال إن للإنسان أو غيره من الحيوان فعلا على الحقيقة ومن اعتقد شيئا
من ذلك لم يعرف قط فرقا ما بين الرب والمربوب والخالق والمخلوق فإن الله تعالى هو
الخالق على الحقيقة لا خالق سواه لكنه من نسب الفعل الحقيقي إلى الكواكب فذلك كفر
ومن نسبه إلى الإنسان ففيه الخلاف هل هو كفر أو ضلالة
هامش إدرار الشروق
أدنى رتب الكفر وأعلى رتب الكبائر ففي الأصل أنه باستقراء كتب الفقهاء في المسائل
التي يكفر بها المتفق عليها والمختلف فيها استقراء كاملا واستقراء رتب الكبائر
المتفق عليها والمختلف فيها كذلك لينظر في مسائل التكفير إلى أقربها إلى عدم
التكفير بالنظر السديد فيجعلها أدنى رتبة التكفير وما دونها أدنى رتبة
____________________
(1/228)
الكواكب
فعالة فعلا حقيقيا لأنها في العالم العلوي وأحوالها غائبة عن البشر فربما أدى ذلك
إلى اعتقاد استقلالها وفتح أبواب الكفر المجمع عليه والضلال وهذا كان يقوله بعض
الفقهاء المعاصرين للشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله تعالى وثالثها أن يقال
إنها فاعلة فعلا عاديا لا حقيقيا وإن الله تعالى أجرى عادته أن يخلق عندها إذا
تشكلت بشكل مخصوص في أفلاكها وتكون في أحوالها وربط الأسباب بها كحال الأدوية
والأغذية في العالم السفلي
باعتبار الربط العادي لا الفعل الحقيقي وهذا القسم لم أر أحدا كفر به بل أثم وأخطأ
فقط بناء على أن الاستقراء لم يدل على ذلك بل لو كان وقوع ذلك معها أكثريا غالبا
كالأدوية أمكن اعتقاد ذلك وجوازه شرعا لكن وجدنا العادة غير منضبطة في ذلك ولا هي
أكثرية فكان اعتقاد ذلك خطأ كمن اعتقد أن عقارا معينا يبرئه من الحمى ولم تدل
التجربة فيه على ذلك فإن هذا الاعتقاد يكون خطأ
الفرق الخامس عشر بين قاعدة الأمر المطلق وقاعدة مطلق الأمر وكذلك الحرج المطلق
ومطلق الحرج والعلم المطلق ومطلق العلم والبيع المطلق ومطلق البيع وجميع هذه
النظائر من هذه المادة فالقاعدتان مفترقتان في جميع هذه النظائر
هامش أنوار البروق
قال وثالثها أن يقال إنها فاعلة فعلا عاديا لا حقيقيا وإن الله تعالى أجرى عادته
أن يخلق عندها إذا تشكلت بشكل مخصوص في أفلاكها إلى قوله
فإن هذا الاعتقاد يكون خطأ قلت هذا القول وإن لم يكن كفرا ولا صوابا فليس بخطأ فقط
بل خطأ لعدم تحقق الارتباط وممنوع لسد الذريعة والله أعلم
قال الفرق الخامس عشر بين قاعدة الأمر المطلق ومطلق الأمر إلى قوله فيتحصل أن
البيع المطلق لم يدخله تخصيص مع عمومه في نفسه قلت ما قاله في ذلك مبني على أن
الألف واللام الداخلتين على أسماء الأجناس تقتضي العموم
هامش إدرار الشروق
الكبائر وينظر في رتب الكبائر بالنظر السديد إلى أقلها مفسدة فيجعلها أدنى رتب
الكبائر والتي دونها هي أعلى رتب الصغائر وفيه أن كمال استقراء أقوال جميع علماء
الإسلام من المستحيل عادة على أنه لا بد للعلماء الذين يلزمنا استقراء أقوالهم من
العلم بفارق يفرق به كل واحد منهم بين أدنى رتب الكفر وأعلى رتب الكبائر وبين أدنى
رتب الكبائر وأعلى رتب الصغائر فما المانع لهذا المتعلم أن يتعلمه حتى لا يحتاج
إلى استقراء أقوالهم وبالجملة لم يأت في هذا الفرق إلا بإحالة على جهالة والله
سبحانه وتعالى أعلم
الفرق الخامس عشر بين قاعدة الأمر المطلق وقاعدة مطلق الأمر وكذلك الحرج المطلق
ومطلق الحرج والعلم المطلق ومطلق العلم والبيع المطلق ومطلق البيع وجميع هذه
النظائر من هذه المادة فالقاعدتان مفترقتان في جميع هذه النظائر
اعلم أن الألف واللام كما يصح أن تكون في الأمر الموصوف بالمطلق للعموم الاستغراقي
على رأي
____________________
(1/229)
وتقريره
أن نقول إذا قلنا البيع المطلق فقد أدخلنا الألف واللام على البيع فحصل بسبب ذلك
العموم الشامل لجميع أفراد البيع بحيث لم يبق بيع إلا دخل فيه ثم وصفناه بعد ذلك
بالإطلاق بمعنى أنه لم يقيد بقيد يوجب تخصيصه من شرط أو صفة أو غير ذلك من اللواحق
للعموم مما يوجب تخصيصه فيبقى على عمومه فيتحصل أن البيع المطلق لم يدخله تخصيص مع
عموم في نفسه أما إذا قلنا مطلق البيع فقد أشرنا بقولنا مطلق إلى القدر المشترك
بين أنواع جميع البياعات وهو مسمى البيع الذي يصدق بفرد من أفراده ثم أضيف هذا
المطلق المشار إليه إلى البيع ليتميز عن مطلق الحيوان ومطلق الأمر ومطلق غيره
ومطلقات جميع الحقائق فأضفناه للتمييز فقط وهو المشترك خاصة الذي يصدق بفرد واحد
من أفراد البيع فظهر الفرق بين البيع المطلق ومطلق البيع وبه يصدق قولنا إن مطلق
البيع حلال إجماعا والبيع المطلق لم يثبت فيه الحل بالإجماع بل بعض البياعات
هامش أنوار البروق
الاستغراقي وفي ذلك خلاف وكان حقه أن يفصل فيقول إذا قال القائل الأمر المطلق فلا
يخلو أن يريد بالألف واللام العهد في الجنس أو يريد بهما العموم والشمول فإن أراد
الأول فقوله الأمر المطلق ومطلق الأمر سواء وإن أراد الثاني على رأي من أثبته
فليسا سواء بل الأمر المطلق للعموم ومطلق الأمر ليس كذلك ولقائل أن يقول كما يصح
أن تكون الألف واللام في الأمر الموصوف بالمطلق للعموم كذلك يصح أن يكونا في الأمر
المضاف إلى المطلق فيئول الأمر إلى أنه يسوغ في الأمر المطلق أن يكون للعموم وأن
لا يكون للعموم ويسوغ في مطلق الأمر أن يكون للعموم وأن لا يكون ويقع الفرق
بالقرائن المقالية أو الحالية
قال أما إذا قلنا مطلق البيع إلى قوله الذي يصدق بفرد واحد من أفراد البيع قلت ذكر
أحد المقصدين هنا وذكر في الأول نقيضه لا نظيره فاقتضى ذلك فرقا بينهما ولو ذكر في
الأول والثاني النظيرين لم يقتض ذلك فرقا
هامش إدرار الشروق
من أثبته أو للعهد في الجنس كذلك يصح أن يكونا في الأمر المضاف إليه المطلق فكما
يسوغ في الأمر المطلق أن يكون للعموم وأن لا يكون للعموم كذلك يسوغ في مطلق الأمر
أن يكون للعموم وأن لا يكون للعموم فالأمر المطلق ومطلق الأمر سواء ولا يصح الفرق
بينهما إلا بالقرائن المقالية أو الحالية فما قامت القرينة على أنه للعموم كان
للعموم أو على أنه ليس للعموم بل للعهد في الجنس لم يكن للعموم هذا بحسب أصل اللغة
أما بحسب ما جرى به اصطلاح الفقهاء ولا مشاحة فيه كما في الصاوي على أقرب المسالك
فالأمر المطلق عبارة عن الأمر المقيد بالإطلاق أي ما صدق اسم الأمر عليه بلا قيد
لازم فهو نظير الماهية بشرط لا شيء عند المناطقة أي الماهية المجردة عن العوارض
ومطلق الأمر عبارة عن جنس الأمر الصادق بكل أمر ولو مقيدا بقيد لازم فهو نظير
الماهية لا بشرط شيء أي عند المناطقة أي الماهية المطلقة فاصطلاح الفقهاء خص الأمر
المطلق بالعموم الشمولي من غير التفات إلى قرينة فاستعماله في غيره مجاز شرعي وإن
كان حقيقة لغوية
وخص مطلق الأمر بغير العموم الشمولي وهو القدر المشترك من الجنس المتميز بالمضاف
إليه من غير التفات إلى قرينة فاستعماله في العموم الشمولي مجاز شرعي وإن كان
حقيقة لغوية فمن هنا كان البيع المطلق عاما غير مقيد بقيد يوجب تخصيصه من شرط أو
صفة أو غير
____________________
(1/230)
حرام
إجماعا ويصدق أن زيدا حصل له مطلق المال ولو بفلس ولم يحصل له المال المطلق وهو
جميع ما يتمول من الأموال التي لا نهاية لها وكذلك مطلق النعيم والنعيم المطلق
فالأول حاصل دون الثاني ويعلم بذلك الفرق في بقية النظائر
الفرق السادس عشر بين قاعدة أدلة مشروعية الأحكام وبين قاعدة أدلة وقوع الأحكام
فأدلة مشروعية الأحكام محصورة شرعا تتوقف على الشارع وهي نحو العشرين وأدلة وقوع
الأحكام هي الأدلة الدالة على وقوع الأحكام أي وقوع أسبابها وحصول شروطها وانتفاء
موانعها فأدلة مشروعيتها الكتاب والسنة والقياس والإجماع والبراءة الأصلية وإجماع
المدينة وإجماع أهل الكوفة على رأي والاستحسان والاستصحاب والعصمة
هامش أنوار البروق
قال فظهر الفرق بين البيع المطلق ومطلق البيع وبه يصدق قولنا أن مطلق البيع حلال
إجماعا والبيع المطلق لم يثبت فيه الحل بالإجماع بل بعض البياعات حرام إجماعا إلى
قوله ويعلم بذلك الفرق في بقية النظائر قلت لما ذكر النقيض مع نقيضه استمر له ذلك
ولو ذكر النظير مع نظيره لكان المعنى واحدا ولم يستمر له التغاير في الأحكام
قال الفرق السادس عشر بين قاعدة أدلة مشروعية الأحكام وبين قاعدة أدلة وقوع
الأحكام
هامش إدرار الشروق
ذلك من اللواحق للعموم مما يوجب تخصيصه شامل لجميع أفراد البيع بحيث لم يبق بيع
إلا دخل فيه وكان مطلق البيع عبارة عن القدر المشترك بين جميع أنواع البياعات وهو
مسمى البيع الذي يصدق بفرد من أفراد البيع فجعلوا لفظ مطلق إشارة إلى القدر
المشترك خاصة الصادق بفرد واحد وأضافوه إلى البيع ليتميز عن مطلق الحيوان ومطلق
الإنسان ومطلق الأمر ومطلق غيره من مطلقات جميع الحقائق فظهر الفرق بين البيع
المطلق ومطلق البيع وجميع النظائر وبه يصدق قولنا إن مطلق البيع حلال إجماعا والبيع
المطلق لم يثبت فيه الحل بالإجماع بل بعض البياعات حرام إجماعا وقولنا حصل لزيد
مطلق المال ولو بفلس ولم يحصل له المال المطلق وهو جميع ما يتحول من الأموال التي
لا نهاية لها وقولنا مطلق النعيم حاصل دون النعيم المطلق والله أعلم
الفرق السادس عشر بين قاعدة أدلة مشروعية الأحكام وبين قاعدة أدلة وقوع الأحكام
وهو أن أدلة مشروعية الأحكام محصورة شرعا في نحو العشرين كل واحد منها يتوقف على
مدرك شرعي يدل على أن ذلك الدليل نصبه صاحب الشرع لاستنباط الأحكام وهي الكتاب
والسنة والقياس والإجماع والبراءة الأصلية وإجماع أهل المدينة وإجماع أهل الكوفة
على رأي والاستحسان والاستصحاب والعصمة والأخذ بالأخف وفعل الصحابي وفعل أبي بكر
وعمر وفعل الخلفاء الأربعة وإجماعهم والإجماع السكوتي وإجماع لا قائل بالفرق فيه
وقياس لا فارق ونحو ذلك مما قرر في أصول الفقه وأما الأدلة الدالة على وقوع الأحكام
أي وقوع أسبابها وحصول شروطها وانتفاء موانعها
____________________
(1/231)
والأخذ
بالأخف وفعل الصحابي وفعل أبي بكر وعمر وفعل الخلفاء الأربعة وإجماعهم والإجماع
السكوتي وإجماع لا قائل بالفرق فيه وقياس لا فارق ونحو ذلك مما قرر في أصول الفقه
وهي نحو العشرين يتوقف كل واحد منها على مدرك شرعي يدل على أن ذلك الدليل نصبه
صاحب الشرع لاستنباط الأحكام وأما أدلة وقوعها فهي غير منحصرة فالزوال مثلا دليل
مشروعيته سببا لوجوب الظهر عنده قوله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس ودليل وقوع
الزوال وحصوله في العالم الآلات الدالة عليه وغير الآلات كالأسطرلاب والميزان وربع
الدائرة والشكارية والزرقالية والبنكام والرخامة البسيطة والعيدان المركوزة في
الأرض وجميع آلات الظلال وجميع آلات المياه وآلات الطلاب كالطنجهارة وغيرها من
آلات الماء وآلات الزمان وعدد تنفس الحيوان إذا قدر بقدر الساعات وغير ذلك من
الموضوعات والمخترعات التي لا نهاية لها وكذلك جميع الأسباب والشروط والموانع لا
تتوقف على نصب من جهة الشرع بل المتوقف سببية السبب وشرطية الشرط ومانعية المانع
أما وقوع هذه الأمور فلا يتوقف على نصب من جهة صاحب الشرع ولا تنحصر تلك الأدلة في
عدد ولا يمكن القضاء عليها بالتناهي
الفرق السابع عشر بين قاعدة الأدلة وبين قاعدة الحجاج أما الأدلة فقد تقدمت وتقدم
انقسامها إلى أدلة المشروعية وأدلة الوقوع وأما الحجاج فهي ما يقضي به الحكام
ولذلك قال عليه السلام فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله فيه وفي الفرق السابع عشر صحيح
المسألة الثانية في تكميل الديباج للتنبكتي آخر ترجمة العلامة للشيخ إبراهيم بن
موسى بن محمد اللخمي الغرناطي أبو إسحاق الشهير بالشاطبي ما نصه وكان صاحب الترجمة
ممن يرى جواز ضرب الخراج على الناس عند ضعفهم وحاجتهم لضعف بيت المال عن القيام
بمصالح الناس كما وقع للشيخ المالقي في كتاب الورع قال توظيف الخراج على المسلمين
من المصالح المرسلة ولا شك عندنا في جوازه وظهور مصلحته في بلاد الأندلس في زماننا
الآن لكثرة الحاجة لما يأخذه العدو من المسلمين سوى ما يحتاج إليه الناس وضعف بيت
المال الآن عنه فهذا يقطع بجوازه الآن في الأندلس وإنما النظر في القدر المحتاج
إليه من ذلك وذلك موكول إلى الإمام ثم قال أثناء كلامه ولعلك تقول كما قال القائل
لمن أجاز شرب العصير بعد كثرة طبخه وصار ربا أحللتها والله يا عمر يعني هذا القائل
أحللت الخمر بالاستجرار إلى نقص الطبخ حتى تحل الخمر بمقالك فإني أقول كما قال عمر
رضي الله تعالى عنه والله لا أحل شيئا حرمه الله ولا أحرم شيئا أحله الله وإن الحق
أحق أن يتبع ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه
وكان خراج بناء السور في بعض مواضع الأندلس في زمانه موظفا على أهل الموضع فسئل
عنه إمام الوقت في الفتيا بالأندلس الأستاذ الشهير أبو سعيد بن لب فأفتى أنه لا
يجوز ولا يسوغ وأفتى صاحب الترجمة بسوغه مستندا فيه إلى المصلحة المرسلة معتمدا في
ذلك إلى قيام المصلحة التي إن لم يقم بها الناس فيعطونها من عندهم ضاعت وقد تكلم
على المسألة الإمام الغزالي في كتابه فاستوفى ووقع لابن الفراء في ذلك مع سلطان
وقته وفقهائه كلام مشهور لا نطيل به ا ه بلفظه
هامش إدرار الشروق
فهي لا تحصر في عدد ولا يمكن القضاء عليها بالتناهي ولا تتوقف على نصب من جهة صاحب
الشرع فالزوال مثلا دليل مشروعيته سببا لوجوب الظهر عند قوله تعالى أقم الصلاة
لدلوك الشمس ودليل وقوع الزوال وحصوله في العالم الآلات الدالة عليه كالأسطرلاب
والميزان وربع الدائرة والشكارية والزرقالية والبنكام والرخامة البسيطة والعيدان
المركوزة في الأرض وجميع آلات الظلال وجميع آلات المياه وآلات الطلاب كالطنجهارة
وغيرها من آلات الماء وآلات الزمان وغير الآلات كعدد تنفس الحيوان إذا قدر بقدر
الساعات وغير ذلك من الموضوعات والمخترعات التي لا نهاية لها وكذلك جميع الأسباب
والشروط والموانع لا تتوقف على نصب من جهة الشرع بل المتوقف سببية السبب وشرطية
الشرط ومانعية المانع والله أعلم
الفرق السابع عشر بين قاعدة الأدلة وبين قاعدة الحجاج وهي أن الأدلة قد تقدم
بيانها وانقسامها إلى أدلة المشروعية وهي التي يعتمد عليها المجتهدون وإلى أدلة
وقوع أسباب الأحكام وشروطها وموانعها وهي التي يعتمد عليها المكلفون كالزوال ورؤية
الهلال
____________________
(1/232)
من
بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فالحجاج تتوقف على نصب من جهة صاحب الشرع وهي
البينة والإقرار والشاهد واليمين والشاهد والنكول واليمين والنكول
هامش أنوار البروق
فارغه
هامش إدرار الشروق
ونحوهما وأما الحجاج فهي ما يعتمد عليه الحكام ويقضون به ويتوقف على نصب من جهة
صاحب الشرع وهي البينة والإقرار والشاهد واليمين والشاهد والنكول واليمين والنكول
والمرأتان واليمين والمرأتان والنكول والمرأتان فيما يختص بالنساء وأربع نسوة عند
الشافعي وشهادة الصبيان ومجرد التحالف عند مالك فيقتسمان بعد أيمانهما عند
تساويهما عند مالك فهذه نحو عشرة من الحجاج هي التي يقضي بها الحاكم ولذلك قال
عليه السلام لعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع ومنه
فالحجاج أقل من أدلة المشروعية وأدلة المشروعية أقل من أدلة الوقوع كما تقدم والله
سبحانه وتعالى أعلم
وصل في ثلاث مسائل مهمة تتعلق بهذا الفرق والذي قبله
المسألة الأولى في أحكام القرآن للشيخ أبي بكر بن العربي قال محمد بن علي بن حسين
النكاح بولي في كتاب الله تعالى ثم قرأ ولا تنكحوا المشركين بضم التاء وهي مسألة
بديعة ودلالة صحيحة ا ه
المسألة الثانية في تكميل الديباج للتنبكتي آخر ترجمة العلامة للشيخ إبراهيم بن
موسى بن محمد اللخمي الغرناطي أبو إسحاق الشهير بالشاطبي ما نصه وكان صاحب الترجمة
ممن يرى جواز ضرب الخراج على الناس عند ضعفهم وحاجتهم لضعف بيت المال عن القيام
بمصالح الناس كما وقع للشيخ المالقي في كتاب الورع قال توظيف الخراج على المسلمين
من المصالح المرسلة ولا شك عندنا في جوازه وظهور مصلحته في بلاد الأندلس في زماننا
الآن لكثرة الحاجة لما يأخذه العدو من المسلمين سوى ما يحتاج إليه الناس وضعف بيت
المال الآن عنه فهذا يقطع بجوازه الآن في الأندلس وإنما النظر في القدر المحتاج
إليه من ذلك وذلك موكول إلى الإمام ثم قال أثناء كلامه ولعلك تقول كما قال القائل
لمن أجاز شرب العصير بعد كثرة طبخه وصار ربا أحللتها والله يا عمر يعني هذا القائل
أحللت الخمر بالاستجرار إلى نقص الطبخ حتى تحل الخمر بمقالك فإني أقول كما قال عمر
رضي الله تعالى عنه والله لا أحل شيئا حرمه الله ولا أحرم شيئا أحله الله وإن الحق
أحق أن يتبع ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه
وكان خراج بناء السور في بعض مواضع الأندلس في زمانه موظفا على أهل الموضع فسئل
عنه إمام الوقت في الفتيا بالأندلس الأستاذ الشهير أبو سعيد بن لب فأفتى أنه لا
يجوز ولا يسوغ وأفتى صاحب الترجمة بسوغه مستندا فيه إلى المصلحة المرسلة معتمدا في
ذلك إلى قيام المصلحة التي إن لم يقم بها الناس فيعطونها من عندهم ضاعت وقد تكلم
على المسألة الإمام الغزالي في كتابه فاستوفى ووقع لابن الفراء في ذلك مع سلطان
وقته وفقهائه كلام مشهور لا نطيل به ا ه بلفظه
المسألة الثالثة في تكميل الديباج أيضا عقب ترجمة الشيخ محمد المقري ما نصه ومن
فوائده أنه قال سألني السلطان أبو عنان عمن لزمته يمين على نفي العلم فحلف جهلا
على البت هل يعيد أم لا فأجبته بإعادتها وقد أفتاه من حضر من الفقهاء بأن لا تعاد
لأنه أتى بأكثر مما أمر به على وجه يتضمنه فقلت له اليمين على وجه الشك غموس قال
ابن يونس والغموس الحلف على تعمد الكذب أو على غير يقين ولا
____________________
(1/233)
والمرأتان
واليمين والمرأتان والنكول والمرأتان فيما يختص بالنساء وأربع نسوة عند الشافعي
وشهادة الصبيان ومجرد التحالف عند مالك فيقتسمان بعد أيمانهما عند تساويهما عند
مالك فذلك نحو عشرة من الحجاج هي التي يقضي بها الحاكم فالحجاج أقل من الأدلة
الدالة على المشروعية وأدلة المشروعية أقل من أدلة الوقوع كما تقدم فائدة هذه
الثلاثة الأنواع موزعة في الشريعة على ثلاث طوائف فالأدلة يعتمد عليها المجتهدون
والحجاج يعتمد عليها الحكام والأسباب يعتمد عليها المكلفون كالزوال ورؤية الهلال
ونحوهما
الفرق الثامن عشر بين قاعدة ما يمكن أن ينوى قربة وقاعدة ما لا يمكن أن ينوى قربة
أما ما لا يمكن أن ينوى قربة فقسمان أحدهما النظر الأول المفضي إلى العلم بثبوت
صانع العالم فإن هذا النظر انعقد
هامش أنوار البروق
قال الفرق الثامن عشر بين قاعدة ما يمكن أن ينوى قربة وقاعدة ما لا يمكن أن ينوى
قربة أما ما لا يمكن أن ينوى قربة فقسمان أحدهما النظر الأول إلى قوله فالنظر
الأول يستحيل فيه القصد إلى القربة قلت ما قاله في ذلك صحيح قال وثانيهما فعل
الغير تمتنع النية فيه إلى قوله بل إنما يتأتى ذلك منه في فعل نفسه قلت لا يخلو أن
يريد أن نية فعل الغير تمتنع عقلا أو عادة أو شرعا أما عقلا أو عادة فلا وجه
للامتناع وأما شرعا فالظاهر من جواز إحجاج الصبي أن الولي ينوي عنه وكذلك في جواز
ذبيحة الكتابي نائبا عن المسلم
هامش إدرار الشروق
شك أن الغموس محرمة منهي عنها والنهي يدل على الفساد ومعناه في العقود عدم ترتب
أثره فلا أثر لهذه اليمين فوجب أن تعاد وقد يكون من هذا اختلافهم فيمن إذنها
السكوت فتكلمت هل يجتزأ بذلك والإجزاء هنا أقرب لأنه الأصل والصمت رخصة لغلبة
الحياء فإن قلت البت أصل وإنما يعتبر نفي العلم إذا تعذر قلت ليس رخصة كالصمات ا ه
بلفظه والله أعلم
الفرق الثامن عشر بين قاعدة ما يمكن أن ينوى قربة وقاعدة ما لا يمكن أن ينوى قربة
وهو أن ما لا يمكن أن ينوى قربة منحصرا إجماعا في النظر الأول المفضي إلى العلم
بثبوت صانع العالم إذ يستحيل فيه قصد التقرب إلى الله تعالى لأن قصد ذلك بالفعل
فرع اعتقاد وجوده واعتقاد وجوده لا يتصور قبل النظر الموصل إليه إذ هو كمن ليس له
شعور بحصول ضيف كيف يتصور منه القصد إلى إكرامه فافهم وما عدا ذلك النظر الأول
يمكن أن ينوى قربة لا فرق بين كونه فعل نفسه أو فعل غيره أما فعل
____________________
(1/234)
الإجماع
على أنه لا يمكن أن ينوى التقرب به فإن قصد التقرب إلى الله تعالى بالفعل فرع
اعتقاد وجوده وهو قبل النظر الموصل لذلك لا يعلم ذلك فتعذر عليه القصد للتقرب وهو
كمن ليس له شعور بحصول ضيف كيف يتصور منه القصد إلى إكرامه فالنظر الأول يستحيل
فيه قصد التقرب وثانيهما فعل الغير تمتنع النية فيه فإن النية مخصصة للفعل ببعض
جهاته من الفرض والنفل وغير ذلك من رتب العبادات وذلك يتعذر على الإنسان في فعل
غيره بل إنما يتأتى ذلك منه في فعل نفسه وما عدا هذين القسمين تمكن نيته ثم الذي
تمكن نيته منه ما شرعت فيه النية ومنه ما لم تشرع فيه النية ثم انقسمت الشرعية بعد
ذلك إلى مطلوب وغير مطلوب فغير المطلوب لا ينوى من حيث هو غير مطلوب بل يقصد
بالمباح التقوي على مطلوب كما يقصد بالنوم التقوي على قيام الليل فمن هذا الوجه
نشرع نيته لا من
هامش أنوار البروق
قال وما عدا هذين القسمين تمكن نيته ثم الذي تمكن نيته منه ما شرعت فيه النية ومنه
ما لم تشرع فيه النية إلى قوله لا من جهة أنه مباح قلت ما قاله في ذلك صحيح وكذلك
قوله والمطلوب في الشريعة إلى قوله وصار الترك قربة
قال وأما الأوامر فقسمان أيضا منها ما تكون صور أفعالها كافية في تحصيل مصالحها
فلا يحتاج إلى النية كدفع الديون إلى آخر كلامه في هذا القسم قلت قوله في هذا
القسم فلا يحتاج إلى النية يعني أنه إذا عري عن نية التقرب مع أنه نوى أداء دينه
كفاه ذلك في الخروج من عهدة الأمر ولم يتوجه عليه الطلب به بعد لا في الدنيا ولا
في الآخرة لكنه لا يثاب حتى ينوي التقرب إلى الله تعالى بأداء دينه وهذا الذي قاله
عندي فيه نظر فإنه لا مانع من أن يثاب في هذه الصورة ويكفيه من النية كونه قصد
أداء دينه والله تعالى أعلم وما قاله في القسم الثاني صحيح
قال وها أنا أذيل هذا الفرق بأربع مسائل المسألة الأولى تقدم أن الإنسان لا ينوي
إلا فعل نفسه وما هو مكتسب له وذلك
يشكل بأنا ننوي الفرض والنفل مع أن فرضية الظهر مثلا ونفلية الضحى
هامش إدرار الشروق
نفسه فظاهر وأما فعل غيره فهو وإن قيل تمتنع النية فيه إلا أنه لا وجه للامتناع
عقلا أو عادة وأما شرعا فالظاهر من جواز إحجاج الصبي أن الولي ينوي عنه وكذلك في
جواز ذبيحة
الكتابي نائبا عن المسلم ثم الذي تمكن نيته قسمان ما شرعت فيه النية وما لم تشرع
فيه النية والأول قسمان مطلوب في الشريعة وغير مطلوب فيها فأما غير المطلوب
كالمباح فلا ينوى من جهة أنه مباح بل من جهة أن به التقوي على مطلوب كما يقصد
بالنوم التقوي على قيام الليل
وأما المطلوب فقسمان القسم الأول النواهي ولا يحتاج فيها إلى النية شرعا بل يخرج
الإنسان من عهدة المنهي عنه بمجرد تركه وإن لم يشعر به فضلا عن القصد إليه نعم إن
نوى بتركها وجه الله العظيم حصل له الثواب وصار الترك قربة والقسم الثاني الأوامر
وهي قسمان القسم الأول ما تكون صورة فعله بقصد مجرد الأداء كافية في تحصيل مصلحته
وفي خروج المكلف
____________________
(1/235)
جهة
أنه مباح والمطلوب في الشريعة قسمان نواه وأوامر فالنواهي لا يحتاج فيها إلى النية
شرعا بل يخرج الإنسان من عهدة المنهي عنه بمجرد تركه وإن لم يشعر به فضلا عن القصد
إليه نعم إن نوى بتركها وجه الله العظيم حصل له الثواب وصار الترك قربة
وأما الأوامر فقسمان أيضا
منها ما تكون صور أفعالها كافية في تحصيل مصالحها فلا يحتاج إلى النية كدفع الديون
ورد المغصوب ونفقات الزوجات والأقارب وعلف الدواب ونحو ذلك فهذا القسم مستغن عن
النية شرعا فمن دفع دينه غافلا عن قصد التقرب به أجزأ عنه ولا يفتقر إلى إعادته
مرة أخرى نعم إن قصد في هذه الصور كلها امتثال أمر الله تعالى حصل له الثواب وإلا
فلا
هامش أنوار البروق
ليستا من فعلنا ولا من كسبنا بل حكمان شرعيان والأحكام الشرعية صفة الله تعالى
وكلامه ليست مفوضة للعباد فكيف صحت النية في الأحكام والجواب عنه أن النية تتعلق
بغير المكتسب تبعا للمكتسب أما استقلالا فلا قلت ماذا يريد بقوله أنا ننوي للفرض
والنفل أيريد أنا نقصد جعل الفرض فرضا والنفل نفلا أم يريد أنا نقصد إيقاع الصلاة
التي هي فرض أو الصلاة التي هي نفل فإن أراد الأول فذلك ليس لنا ولا أمرنا بأن
ننويه ولا يصح ذلك لا بحكم التبع ولا بغير ذلك من الوجوه وإن أراد أنا نقصد إيقاع
الصلاة التي هي فرض أو نفل فليس في هذا تعلق نيتنا بالفرضية والنفلية وإنما تعلقت
بالصلاة التي من صفتها الفرضية أو النفلية وذلك الذي هو من فعلنا وأمرنا بأن ننويه
قال وبهذا نجيب عن سؤال صعب وهو أن الإمام ينوي الإمامة في الجمعة وغيرها مع أن
فعل الإمام مساو لفعل المنفرد وإذا لم تكن الإمامة فعلا زائدا فهذه نية بلا منوي
فلا تتصور والجواب عنه أن متعلق النية كونه مقتدى به وهذا وإن لم يكن من فعله لكن
صحت نيته تبعا لما هو من فعله قلت أليس تعيينه نفسه للاقتداء به وتقدمه لذلك من
فعله فذلك هو متعلق نيته وسهلت الصعوبة والحمد لله
وصل في أربع مسائل تتعلق بهذا الفرق المسألة الأولى متعلق النية في مطلق الصلاة
إنما هو إيقاعنا الصلاة التي هي فرض أو نفل وهي من فعلنا وأمرنا بأن ننويه لا أن متعلقها
الفرضية أو النفلية بأن نقصد جعل الفرض فرضا والنفل نفلا إذ ليس لنا ذلك ولا أمرنا
بأن ننويه بل لا يصح ذلك لا بحكم التبع للمكتسب لنا ولا بغير ذلك من الوجوه خلافا
للأصل وكذلك متعلق نية الإمام في الجمعة وغيرها إنما هو تعيينه نفسه للاقتداء به
وتقدمه لذلك وهو من فعله لا الإمامة حتى يقال لم تكن فعلا زائدا على فعل المنفرد
بل فعل الإمام مساو لفعل المنفرد وكيف تتصور نية بلا منوي ولا داعي للجواب عنه بأن
متعلقها كونه مقتدى به وصحت نيته مع أنه لم يكن من فعله تبعا لما هو من فعله فافهم
هامش إدرار الشروق
بذلك من عهدة الأمر بحيث لا يتوجه إليه الطلب به بعد لا في الدنيا ولا في الآخرة
وإن عري عن نية التقرب إلى الله تعالى بالأداء كدفع الديون ورد المغصوب ونفقات
الزوجات والأقارب وعلف الدواب ونحو ذلك بل لا مانع من أن يثاب في هذه الصورة مع
عدم نية التقرب إذ يكفيه من النية كونه قصد مجرد الأداء على الصحيح كما يشهد له
سعة باب الثواب خلافا للأصل
القسم الثاني ما لا تكون صورة فعله كافية في تحصيل مصلحته بل يتوقف تحصيل مصلحته
والخروج من عهدة الأمر به على نية امتثال أمر الله تعالى في أدائه كالعبادات فإن
الصلاة شرعت لتعظيم الرب تعالى وإجلاله والتعظيم إنما يحصل بالقصد ألا ترى أنك لو
صنعت ضيافة لإنسان فأكلها غيره من غير قصدك لكنت معظما للأول دون الثاني بسبب قصدك
فما لا قصد فيه ولا تعظيم فيه فكل عبادة يشترط فيها القصد لأنها إنما شرعت لتعظيم
الله تعالى فظهر من هذا كله ضابط ما تمكن فيه النية وما لا
____________________
(1/236)
القسم
الثاني ما لا تكون صورة فعله كافية في تحصيل مصلحته فهذا القسم هو المحتاج إلى
النية كالعبادات فإن الصلاة شرعت لتعظيم الرب تعالى وإجلاله والتعظيم إنما يحصل
بالقصد ألا ترى أنك لو صنعت ضيافة لإنسان فأكلها غيره من غير قصدك لكنت معظما
للأول دون الثاني بسبب قصدك فما لا قصد فيه لا تعظيم فيه فيلزم أن العبادات كلها
يشترط فيها القصد لأنها إنما شرعت لتعظيم الله تعالى فهذا ضابط ما تمكن فيه النية
وما لا تمكن فيه النية وضابط ما يحتاج إلى النية مما يمكن وما لا يحتاج شرعا وهذه
المباحث مستوعبة في كتاب الأمنية في إدراك النية ومبسوطة أكثر من هذا وهناك مسائل
من هذا الباب كثيرة وها أنا أذيل هذا الفرق بأربع مسائل المسألة الأولى تقدم أن
الإنسان لا ينوي إلا فعل نفسه وما هو مكتسب له وذلك
يشكل بأننا ننوي الفرض والنفل مع أن فرضية الظهر مثلا ونفلية الضحى ليستا من فعلنا
ولا من كسبنا بل حكمان شرعيان والأحكام الشرعية صفة الله تعالى وكلامه ليست مفوضة
للعباد فكيف صحت النية في الأحكام والجواب عنه أن النية تتعلق بغير المكتسب تبعا
للمكتسب أما استقلالا فلا وبهذا نجيب عن سؤال صعب وهو أن الإمام ينوي الإمامة في
الجمعة وغيرها مع أن فعل الإمام مساو
هامش أنوار البروق
قال المسألة الثانية كثير من الفقهاء يعتقد أن الذي نسي صلاة من خمس وذلك في عينها
إلى آخر المسألة
هامش إدرار الشروق
تمكن فيه النية وضابط ما يحتاج إلى النية وما لا يحتاج إليها مما تمكن فيه انظر
كتاب الأمنية في إدراك النية للأصل
وصل في أربع مسائل تتعلق بهذا الفرق المسألة الأولى متعلق النية في مطلق الصلاة
إنما هو إيقاعنا الصلاة التي هي فرض أو نفل وهي من فعلنا وأمرنا بأن ننويه لا أن
متعلقها الفرضية أو النفلية بأن نقصد جعل الفرض فرضا والنفل نفلا إذ ليس لنا ذلك
ولا أمرنا بأن ننويه بل لا يصح ذلك لا بحكم التبع للمكتسب لنا ولا بغير ذلك من
الوجوه خلافا للأصل وكذلك متعلق نية الإمام في الجمعة وغيرها إنما هو تعيينه نفسه
للاقتداء به وتقدمه لذلك وهو من فعله لا الإمامة حتى يقال لم تكن فعلا زائدا على
فعل المنفرد بل فعل الإمام مساو لفعل المنفرد وكيف تتصور نية بلا منوي ولا داعي
للجواب عنه بأن متعلقها كونه مقتدى به وصحت نيته مع أنه لم يكن من فعله تبعا لما
هو من فعله فافهم
المسألة الثانية الشك الواقع ممن نسي صلاة من الخمس وشك في عينها نصبه الشارع سببا
لإيجاب خمس صلوات فإذا صلى الخمس فهو جازم بوجوب الخمس عليه لوجود سببها الذي هو
الشك لا متردد في نيته حتى يقال إن هذه المسألة مستثناة من قاعدة أن النية لا تصح
في التردد
قال المسألة الثالثة النية لا تحتاج إلى نية قال جماعة من الفضلاء لئلا يلزم
التسلسل إلى آخر المسألة قلت لقائل أن يقول لا يلزم التسلسل لأنه إذا نوى إيقاع
صلاة الظهر مثلا لا بد له أن ينوي امتثال أمر الله تعالى في إيقاع الصلاة منوية
فإن النية في الصلاة مشروعة شرطا في صحتها ولم يشرع له أن ينوي نية الامتثال حتى
يلزم التسلسل وعلى ذلك لا يصح قوله هو إن النية لا تحتاج إلى النية والله أعلم
المسألة الثالثة المشروع في نية العبادة أن ينوي امتثال أمر الله تعالى في إيقاع
الصلاة منوية مثلا فإن النية في الصلاة مشروعة شرطا في صحتها وليس المشروع أن ينوي
نية الامتثال حتى يلزم التسلسل وبعد أن
____________________
(1/237)
لفعل
المنفرد وإذا لم تكن الإمامة فعلا زائدا فهذه نية بلا منوي فلا تتصور والجواب عنه
أن متعلق النية كونه مقتدى به وهذا وإن لم يكن من فعله لكن صحت نيته تبعا لما هو
من فعله
المسألة الثانية كثير من الفقهاء يعتقد أن الذي نسي صلاة من الخمس وشك في عينها
فإنه يصلي خمسا فيقول هذا متردد في نيته ولا تصح النية في التردد فتكون هذه
مستثناة من القاعدة وليس كما قالوا بل الشك نصبه الشارع سببا لإيجاب خمس صلوات فهو
جازم بوجوب الخمس عليه لوجود سببها الذي هو الشك
المسألة الثالثة النية لا تحتاج إلى نية قال جماعة من الفضلاء لئلا يلزم من ذلك
التسلسل ولا حاجة إلى التعليل بالتسلسل بل النية من القاعدة المتقدمة وهي أن
صورتها كافية في تحصيل مصلحتها لأن مصلحتها التمييز وهو حاصل بها سواء قصد ذلك أو
لم يقصد فاستغنت عن النية المسألة الرابعة قال بعض الفقهاء إذا قصد الإنسان صلاة
الظهر مثلا فإذا قال في نفسه نويت فرض صلاة الظهر مثلا خرجت سنن صلاة الظهر عن أن
تكون منوية فلا يثاب عليها وما قاله أحد فيتعين عليه حينئذ أن يقصد لما في الظهر
من فرض فينويه وإلى ما فيه من سنة فينويه حتى تبرأ ذمته بالأول ويثاب بالثاني ولم
يقل أحد باشتراط نيتين فما الجواب عنه والجواب أن ينوي فرض صلاة الظهر أو صلاة
الظهر وتكفي هذه النية المجملة في
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله فيها صحيح
المسألة الثانية الشك الواقع ممن نسي صلاة من الخمس وشك في عينها نصبه الشارع سببا
لإيجاب خمس صلوات فإذا صلى الخمس فهو جازم بوجوب الخمس عليه لوجود سببها الذي هو
الشك لا متردد في نيته حتى يقال إن هذه المسألة مستثناة من قاعدة أن النية لا تصح
في التردد
قال المسألة الثالثة النية لا تحتاج إلى نية قال جماعة من الفضلاء لئلا يلزم
التسلسل إلى آخر المسألة قلت لقائل أن يقول لا يلزم التسلسل لأنه إذا نوى إيقاع
صلاة الظهر مثلا لا بد له أن ينوي امتثال أمر الله تعالى في إيقاع الصلاة منوية
فإن النية في الصلاة مشروعة شرطا في صحتها ولم يشرع له أن ينوي نية الامتثال حتى
يلزم التسلسل وعلى ذلك لا يصح قوله هو إن النية لا تحتاج إلى النية والله أعلم
قال المسألة الرابعة
هامش إدرار الشروق
يقال إن النية لا تحتاج إلى النية لأنها من قبيل ما صورة فعله كافية في تحصيل
مصلحته لأن مصلحتها التمييز وهو حاصل بها ولو لم يقصد فافهم
المسألة الرابعة بما أن الشرع لم يشترط التفصيل في النية بل اكتفى من الإنسان إذا
قصد صلاة الظهر مثلا أن ينوي فرض صلاة الظهر أو صلاة الظهر وتنسحب هذه النية
المجملة على فروض الصلاة وسننها لم يتعين على الإنسان حينئذ أن يقصد لما في الظهر
من فرض فينويه ولما فيه من سنة فينويه حتى
____________________
(1/238)
انسحابها
على فروض الصلاة وسننها فإن الشرع لم يشترط التفصيل في النية ولذلك إنه لا يلزمه
أن ينوي عدد السجدات وغيرها من أجزاء الصلاة بل يكفي بانسحاب النية على ذلك على
وجه الإجمال
الفرق التاسع عشر بين قاعدتي ما تشرع فيه البسملة وما لا تشرع فيه البسملة أفعال
العباد ثلاثة أقسام منها ما شرعت فيه البسملة ومنها ما لا تشرع فيه البسملة
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله فيها صحيح
قال الفرق التاسع عشر
هامش إدرار الشروق
تبرأ ذمته بالأول ويثاب بالثاني كما لا يلزمه أن ينوي عدد السجدات وغيرها من أجزاء
الصلاة بل يكتفي بانسحاب النية على ذلك على وجه الإجمال والله سبحانه وتعالى أعلم
الفرق التاسع عشر بين قاعدتي ما تشرع فيه البسملة وما لا تشرع فيه أما ما شرعت فيه
فضبطه شيخ والدي الشيخ إبراهيم الباجوري في حاشيته على السنوسية بأن كل أمر ذي بال
أي ذي حال يهتم به شرعا بحيث لم يجعل الشارع له مبدأ غير البسملة ولم يكن ذكرا
محضا ولا من سفاسف الأمور أي الأمور الخسيسة ولا محرما لذاته ولا مكروها لذاته
فقوله بحيث لم يجعل الشارع له مبدأ غير البسملة
قال الأنبابي في تقريراته عليه هو صادق بصورتين ما إذا لم يجعل له مبدأ أصلا أو
جعل مبدأه البسملة والصورة الأولى غير مرادة لأنها لا توجد إلا في الذكر المحض أو
المحرم لذاته أو المكروه لذاته أو سفاسف الأمور وقد أخرج ما ذكر بقوله ولم يكن
ذكرا محضا إلخ ا ه أي بأن لم يكن ذكرا أصلا بل كان من العبادات كالغسل والوضوء
والتيمم على الخلاف وذبح النسك أو من المباحات كالأكل والشرب والجماع وكان ذكرا
غير محض كقراءة القرآن فإنها وإن كانت من أعظم القربات والبركات إلا أنها لم تكن
ذكرا محضا كما لا يخفى فلذا شرعت فيها البسملة
وأما ما لا تشرع فيه فستة أنواع كما يفيده الضابط المذكور الأول ما جعل الشارع له
مبدأ غير البسملة كالصلوات والأذان فإن الشارع جعل مبدأهما التكبير وكالحج والعمرة
فإنه جعل مبدأهما التلبية والثاني ما كان ذكرا محضا كلا إله إلا الله محمد رسول
الله وسبحان الله وبحمده
والثالث ما كان من سفاسف الأمور والرابع ما كان محرما لذاته كالزنا وشرب الخمر
وأكل الميتة والخامس ما كان مكروها لذاته كأكل البصل النيء على ما نقله الأنبابي
عن العلامة الشرقاوي في حاشية التحرير في باب الوضوء من أنه بالقيد المذكور تلزمه
الكراهة لذلك خلافا لمن جعله من المكروه لعارض والسادس نحو القيام والقعود فما
أبيح ولم يكن من المحقرات ولا من ذوات البال فلم تشرع في الأول لأن المشروع بدؤه
بغيرها ولا في الثاني لاتحاد النوع فكما لا تبدأ البسملة بالبسملة لأنها تزكي
نفسها وغيرها كالشاة من الأربعين كذلك لا يبدأ الذكر المحض بها لما ذكر فيها لا
سيما وقد روي كل أمر ذي
____________________
(1/239)
ومنها
ما تكره فيه فالأول كالغسل والوضوء والتيمم على الخلاف وذبح النسك وقراءة
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله فيه صحيح
وصل في زيادة تحرير هذا الفرق ببيان الفرق بين المحرم والمكروه لذاته وبين المحرم
والمكروه لعارض قال العلامة الأنبابي في تقريراته على باجوري السنوسية يظهر أن
المراد بالمحرم لذاته والمكروه لذاته ما لم يكن تحريمه وكراهته لعلة يدور معها
وجودا وعدما والمحرم لعارض والمكروه لعارض ما كان تحريمه وكراهته لعلة يدور معها
وجودا وعدما فالزنا وشرب الخمر من قبيل المحرم لذاته لأن تحريم الزنا لا يدور مع
علته التي هي اختلاط الأنساب وجودا وعدما إذ قد تنتفي العلة ويوجد التحريم كما إذا
وطئ رجل صغيرة
وكذلك تحريم شرب الخمر لا يدور مع علته التي هي الإسكار إذ قد ينتفي الإسكار ويوجد
التحريم كما إذا اعتاد الشخص شرب الخمر بحيث لا يؤثر في عقله شيء أو شرب قدرا لا
يسكر والوضوء بماء مغصوب من المحرم لعارض لأن تحريمه يدور مع علته التي هي
الاستيلاء على حق الغير عدوانا وجودا وعدما والنظر لفرج الحليلة من قبيل المكروه
لذاته لأن كراهته لا تدور مع علته التي هي خوف الطمس مع عدم الحاجة إذ قد تنتفي
العلة وتوجد الكراهة كما إذا أخبره معصوم بأنه لا يحصل له طمس إذا نظر لفرج حليلته
والوضوء بالماء المشمس من المكروه لعارض لأنر كراهته تدور مع علته التي هي خوف
البرص وجودا وعدما فإذا امتنعت العلة بأن لم يكن تشميسه في نحاس أو كان فيه ولم
يكن القطر حارا انتفت الكراهة وبهذا اندفع ما يقال لا يعقل فرق بين المحرم
والمكروه لذاتهما وبين المحرم والمكروه لعارض لأنه إذا نظر للشرب من حيث هو فجائز
وإن نظر لكونه متعلقا بالخمر فهو حرام كما أنه إن نظر للوضوء في ذاته فهو جائز وإن
نظر لكونه بماء مغصوب فهو حرام وكذا يقال في المكروه فإن كان المراد بالمحرم
والمكروه لذاتهما ما كان تحريمه وكراهته لا لعلة ولا لعارض ما كان ما ذكر لها ورد
عليه أن للكل عدلا ولا فرق ا ه بتوضيح وتغيير ما وتمثيله للمكروه لذاته بالنظر
لفرج الحليلة مبني على مذهبه وأما على مذهبنا فمباح ففي مجموع الأمير مع شرحه
وحواشيه وحل بالعقد أي بشرط الإشهاد غير الإيلاج بدبر من نظر فرج وغيره خلافا لمن
قال نظر الفرج يورث العمى نعم الأكمل خلافه كما في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها
والله ما رأى مني وما رأيت منه ا ه فالأولى التمثيل لذلك بأكل من لم يقصد دخول
المسجد نحو البصل النيء وليس عنده ما يزيل به رائحته لأن كراهته على القول بها
تدور مع علته التي هي تأذي غيره ولو ملكا وجودا وعدما لتحقق الكراهة ولو لم يجتمع
مع أحد أو اجتمع بمن ضعفت حاسة شمه قال العلامة الصفتي ما حاصله إن أكل الثوم
والبصل والفجل ونحو ذلك إن كان في المسجد فحرام
ولو لم يكن به أحد ولو كان عنده ما يزيل به رائحته وإن كان خارج المسجد فخلاف
الأولى إن كان عنده ما يزيل به رائحته فإن لم يكن عنده ما يزيل به رائحته فإن قصد
دخول المسجد فحرام وإلا فقيل بالكراهة وقيل بالجواز وقيل بالحرمة وهو الظاهر أفاده
الشيخ في حاشية الخرشي والله أعلم
هامش إدرار الشروق
بال لا يبدأ فيه بذكر الله فهو أبتر فتأمل بإنصاف ولا في الثالث لأن الأولى في مثل
ذلك تركها تعظيما لاسمه تعالى نعم إن قصد بها عند محقر كامتخاطه التحصن والتبرك
لنفسه بأن يقدر المتعلق بسم الله أتحصن من ضرر هذا الفعل أو أستنزل البركة علي
لامتخط يرجع لذوات البال كما في شرح المجموع وضوء الشموع ولا في الرابع والخامس
لقول الشيخ الباجوري فتحرم على المحرم لذاته وتكره على المكروه
وكذلك قال الأنبابي عليه هذا أحد أقوال حاصلها أنه قيل تكره التسمية على كل من
المكروه والمحرم ولو لعارض لما في ذلك من مراغمة الشارع بجعل المنهي عنه محلا
للبركة وقيل تحرم التسمية عليهما إذ المراغمة تقتضي التحريم بل قال بعضهم إن
التسمية على شرب الخمر كفر ولا يخفى أن كلا من أصحاب القولين يقول بتفاوت ما قال
به من الكراهة أو الحرمة وقيل تكره على المكروه وتحرم على المحرم مطلقا وقيل وهو
الراجح تكره على المكروه لذاته وتحرم على المحرم لذاته إذ المراغمة إنما تتحقق
حينئذ دون ما إذا كان لعارض لأن العارض إنما يتسبب عنه منع الاستعمال فقط ولا يمنع
التسمية إذ المحل في ذاته قابل لها فلا مراغمة كذا في حواشي البهجة نقلا عن العباب
وغيره وأخذ من هذا بعض المحققين من أشياخنا أنه لو عرض الإباحة لما نهي عنه لذاته
كأن اضطر لأكل الميتة أو شرب جرعة خمر لإساغة ما غص به أو لم يجد من يريد الأدم
سوى البصل النيء تبقى التسمية على الامتناع إذ المحل في ذاته غير قابل لها
والضرورة لا دخل لها في التسمية فتدبر ا ه وقال الأمير في شرح مجموعه وحاشيته ما
حاصله أن الأظهر تحريمها في المحرم مطلقا لما ورد أن الله يذكر عبده بمثل ما ذكره
وحال التحريم يماثله منه العقاب جزاء وفاقا وذلك أن حال التحريم إعراض عن رضا الله
تعالى وملابسة لما يكرهه والعقاب إبعاد للعبد وإيصال ما يكرهه إليه
وقد روي يا داود قل للظالمين لا يذكروني فإنهم إن ذكروني ذكرتهم وإذا ذكرتهم مقتهم
نعم القول بكراهتها فيه وجيه فإن القاعدة الحسنات يذهبن السيئات لا العكس يعني
الغالب قوة ناموس حسنة على السيئة بدليل كثرة الكفارات من الطاعات للذنوب
ولذا كانت الحسنة بعشر والسيئة بواحدة وناهيك بحديث بطاقة التوحيد حيث ترجح في
الميزان على سجلات كثيرة والبسملة حسنة لأنها في ذاتها ذكر فلا يتسلط عليها ناموس
السيئة حتى تنحط لرتبة التحريم قصارى الأمر الكراهة للمجاورة وقد رجح الكراهة
شيخنا في حاشية الكرشي في مبحث تسمية الوضوء تبعا للشبرخيتي وغيره ولم نتبعه لقول
الخادمي في بسملته إن قال بسم الله إلخ عند شرب الخمر ونحوه يكفر على ما في
الخلاصة لأن التبرك والاستعانة بذكره لا تتصور إلا فيما أذنه ورضاه ويؤيده ما في
آخر صيد الدر المختار ورأيت بخط ثقة سرق شاة فذبحها بتسمية فوجد صاحبها هل تؤكل
الأصح لا لكفره بتسمية على الحرام القطعي بلا تملك ولا إذن ا ه وإن كان مذهبنا
الأكل ومنع علة التكفير إذ لم يتهاون ولم يستحل فإنه المعين على الخير والشر على
أنا لو سلمنا أن الاستعانة والتبرك به لا تتصور إلا فيما فيه إذنه ورضاه فهو أمر
لم يقصده وإنما هو لازم لما فعله ولازم المذهب ليس بمذهب إذا لم يكن اللزوم بينا
كما هنا خصوصا في مثل كفر المسلم لأن القول بالكفر وإن كان ضعيفا لا أقل من أن
يقضي ترجيح القول بالتحريم على القول بالكراهة وإن كان وجيها نعم ربما خف الأمر في
الحرام العارض كالوطء في الحيض ا ه
____________________
(1/240)
القرآن
ومنه مباحات ليست بعبادات كالأكل والشرب والجماع والثاني كالصلوات والآذان والحج
والعمرة وكالأذكار والدعاء والثالث كالمحرمات لأن الغرض من التسمية حصول البركة في
الفعل المبسمل عليه والحرام لا يراد تكبيره وكذلك المكروه وهذه الأقسام تتحصل من
تفاريع أبواب الفقه في المذهب فأما ضابط ما تشرع فيه التسمية
هامش أنوار البروق
فارغه
هامش إدرار الشروق
قلت ولا يعارض قاعدة قوة ناموس الحسنة على السيئة حديث لا يزني الزاني حين يزني
وهو مؤمن إلخ لقول العلامة الأمير في حاشيته على عبد السلام إن المنفي الإيمان
الكامل المصاحب للمراقبة إذ لولا حجاب الغفلة ما عصى أو أنه إن استحله وما يقال إن
الإيمان يرفع ثم يرجع له يلزمه عدم إيمانه إن مات في تلك الحالة وما في البخاري عن
ابن عباس وشرحه عن أبي هريرة برفعه يحمل على رفع الإيمان الكامل ا ه ومما يشهد
لكون المنفي في الحديث المذكور الإيمان الكامل ما حكي لي أن امرأة جميلة ذات عفة
وديانة جاعت وطلبت من جارها ما تتقوت به فأبى إلا أن تمكنه من نفسها فامتنعت من
ذلك وصبرت ثلاثة أيام حتى اشتد جوعها فأتته وقالت له قوتني وافعل ما تريد فلما
تمكن منها هم لغلق الطاقة خوفا من أن يراه جاره فقالت له ما تريد فأخبرها بذلك
فقالت له يا مجنون تخشى الجار ولا تخشى الجبار الذي لا تخفى عليه خافية وأثر
كلامها في قلبه وترك الزنا بها وأعطاها مطلوبها وقال العلامة الصفتي المالكي في
حاشيته على شرح ابن تركي على العشماوية والندب بالمعنى الأعم الشامل للسنة
والمستحب هو حكم البسملة الأصلي لأنها ذكر وأقل مراتبه عند عدم منافي التعظيم الندب
فتسن عينا كما في الأكل والشرب كما اعتمده الشيخ علي العدوي في حاشية الخرشي
وارتضاه شيخنا الشيخ محمد عبادة
وقيل تسن كفاية في الأكل وتستحب في الوضوء والغسل والتيمم ونحو ذلك فيطلب الإتيان
بها في غالب الأمور ذوات البال ولو شعرا إذا كان محتويا على علم أو وعظ لا إن كان
شعرا حراما فإنها تحرم فيه كما أفاده الحطاب وغيره وقد يعرض لها الوجوب بالنذر كما
إذا قلت نذر علي أن أبسمل في هذا الكتاب مثلا فلا يتعلق بها الوجوب أصالة أبدا إلا
على مذهب الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه عنه القائل بأنها جزء من الفاتحة أو
على قول ابن نافع من أئمتنا بوجوبها في الصلاة والواجب في الذبح بقيد الذكر
والقدرة مطلق ذكر لا خصوص البسملة كما في شراح المختصر وكلامنا فيما يتعلق بها
بخصوصها والمعتمد أنه يقتصر في الذبح على بسم الله فقط ولا يزيد الرحمن الرحيم
بخلاف الوضوء والأكل لأنه تعذيب للحيوان وكون الأكل فيه تعذيب للقمة بالمضغ في
غاية البعد وإلا فيلزم عليه أن شرب الماء أو استعماله بالوضوء فيه حتف له ولا وجه
له ونذرها في صلاة من الصلوات الخمس لا نص في المذهب على لزومه كما قالوا به فيمن
نذر صوم رابع النحر مع أنه مكروه أو عدم لزومه لكراهتها فيها والنذر إنما يلزم به
ما ندب نعم استظهر شيخنا الأمير أنها تلزم لأنها عهد لها طلب في الجملة فيما إذا
قصد الخروج من الخلاف وتتعلق بها الكراهة في الأمور المكروهة كعند شرب الدخان لأنه
مكروه على الأظهر وكالإتيان بها في الوطء المكروه كأن يطأ الجنب ثانيا قبل غسل
فرجه كما في الخرشي ويكره الإتيان بها أيضا في الأذان والذكر
وصلاة الفرض وإن كان فيها شرف عظيم شرعا وعرفا لأنها مشتملة على الذكر أو هي نفسها
ذكر فلا
____________________
(1/241)
من
القربات وما لم تشرع فيه فقد وقع البحث فيه مع جماعة من الفضلاء وعسر تحرير
هامش أنوار البروق
فارغه
هامش إدرار الشروق
تحتاج لذكر آخر فتأمل ولم أر نصا في المذهب على حكم الإتيان بها في أول براءة وفي
أثنائها إلا أن المعتمد عند الشافعية كما أخبرني به جماعة من الثقات من أشياخي من
الشافعية وهو ما صرح به العلامة الرملي من الشافعية من كراهتها في أول براءة
واستحبابها في أثنائها خلافا لقول ابن حجر تحرم في أولها وتكره في أثنائها فإنه
ضعيف وتعرض لها الحرمة في تلاوتها للجنب على أنها التي في سورة النمل لا على أنه
ذكر بقصد التحصن وفي ابتداء المحرمات كالزنا وشرب الخمر على الأظهر ولا تتعلق بها
الإباحة على الظاهر لأنها ذكر وأقل مراتبه الندب نعم قال الخادمي إنها مباحة في
أول القعود والقيام لأنها إنما تطلب في ذي البال دون هذا انتهى لكنه مردود بأنه إن
أتى بها في غير ذي البال إن كان قصده التبرك أو التحصن فيرجع للذكر وإن كان قصده
التهاون فهو كفر وقولهم تطلب في ذي البال أي تتأكد فيه وأما الطلب الكلي الذي أتى
لها من حيث الذكر فلا بد منه أي في غير ذي البال عند عدم مناف للتعظيم كما هنا
وطلبها للكنيف مع أنه ليس بذي بال ومناف للتعظيم إما لأنه من حيث إنه محل لقضاء
الحاجة يكون ذا بال كما للشيخ محمد عبادة
وإما لأن القصد منها حينئذ التحصن من الجن ومن هذا يعلم أنه ينبغي لمن يأتي بها
عند كب الماء والتفلة ونحوهما من المحقرات أن يقصد بذلك التحصن والتبرك لنفسه لا
لكب الماء ولا للتفلة صونا لاقتران اسمه تعالى بالمحقرات كما للخادمي والمراد
بالجواز في قول المختصر وجازت كتعوذ بنفل عدم تأكد الطلب ونفي الكراهة فلا ينافي
ندبها وكون الإتيان بذكر الله ولا ثواب له بعيد كما قاله شيخنا الأمير ا ه بتلخيص
وتوضيح ما وحذف وظاهره كراهتها في المكروه مطلقا وحرمتها في المحرم مطلقا وبالجملة
فالبسملة شرعت في غالب ذوات البال أصالة أو لعارض قصد التحصن والتبرك لنفسه وهو ما
عدا نحو الصلوات مما جعل الشارع مبدأه بغيرها وما عدا الذكر المحض وغير ذوات البال
من المحرم والمكروه مطلقا أي ولو كانا لعارض ونحو القيام والقعود والأمور الخسيسة
ولم تشرع في ستة أمور الأول نحو الصلوات مما جعل الشارع مبدأه بغيرها والثاني
الذكر المحض والثالث والرابع المحرم والمكروه ولو كانا لعارض والخامس الأمور
الخسيسة باعتبار ذاتها وعدم قصد التحصن والتبرك لنفسه وإلا رجعت بذلك لذوات البال
والسادس نحو القيام والقعود مما أبيح ولم يكن من المحقرات ولا من ذوات البال
وحكمها فيما شرعت فيه من ذوات البال تأكد الندب بالمعنى الأعم الشامل للسنة
والمستحب على ما مر ومنه عند الشافعية المحرم والمكروه لعارض لما علمت وفي نحو
الصلوات المفروضة والذكر المحض الكراهة وفي المحرم مطلقا عندنا أو لذاته فقط عند
الشافعي ولو أباحته الضرورة التحريم على الأظهر وفي المكروه مطلقا عندنا أو لذاته
فقط عند الشافعي ولو أباحته الضرورة الكراهة نعم الحرمة عندنا في المحرم لعارض
والكراهة في المكروه لعارض أخف منهما في المحرم لذاته والمكروه فافهم وفي الأمور
الخسيسة باعتبار ذاتها خلاف الأولى صونا لاقتران اسمه تعالى بالمحتقرات ومع قصد التحصن
والتبرك
____________________
(1/242)
ذلك
وضبطه وإن بعضهم قد قال إنها لم تشرع في الأذكار وما ذكر معها لأنها بركة في نفسها
فورد عليه قراءة القرآن فإنها من أعظم القربات والبركات مع أنها شرعت فيه فالقصد
هامش أنوار البروق
فارغه
هامش إدرار الشروق
لنفسه الندب لرجوعها لذوات البال بذلك فمن باب أولى نحو القيام والقعود وإن لم
تشرع فيه لأن أقل مراتب الذكر الندب وإن لم يتأكد إلا في ذوات البال فافهم
وصل في زيادة تحرير هذا الفرق ببيان الفرق بين المحرم والمكروه لذاته وبين المحرم
والمكروه لعارض قال العلامة الأنبابي في تقريراته على باجوري السنوسية يظهر أن
المراد بالمحرم لذاته والمكروه لذاته ما لم يكن تحريمه وكراهته لعلة يدور معها
وجودا وعدما والمحرم لعارض والمكروه لعارض ما كان تحريمه وكراهته لعلة يدور معها
وجودا وعدما فالزنا وشرب الخمر من قبيل المحرم لذاته لأن تحريم الزنا لا يدور مع
علته التي هي اختلاط الأنساب وجودا وعدما إذ قد تنتفي العلة ويوجد التحريم كما إذا
وطئ رجل صغيرة
وكذلك تحريم شرب الخمر لا يدور مع علته التي هي الإسكار إذ قد ينتفي الإسكار ويوجد
التحريم كما إذا اعتاد الشخص شرب الخمر بحيث لا يؤثر في عقله شيء أو شرب قدرا لا
يسكر والوضوء بماء مغصوب من المحرم لعارض لأن تحريمه يدور مع علته التي هي
الاستيلاء على حق الغير عدوانا وجودا وعدما والنظر لفرج الحليلة من قبيل المكروه
لذاته لأن كراهته لا تدور مع علته التي هي خوف الطمس مع عدم الحاجة إذ قد تنتفي
العلة وتوجد الكراهة كما إذا أخبره معصوم بأنه لا يحصل له طمس إذا نظر لفرج حليلته
والوضوء بالماء المشمس من المكروه لعارض لأنر كراهته تدور مع علته التي هي خوف
البرص وجودا وعدما فإذا امتنعت العلة بأن لم يكن تشميسه في نحاس أو كان فيه ولم
يكن القطر حارا انتفت الكراهة وبهذا اندفع ما يقال لا يعقل فرق بين المحرم
والمكروه لذاتهما وبين المحرم والمكروه لعارض لأنه إذا نظر للشرب من حيث هو فجائز
وإن نظر لكونه متعلقا بالخمر فهو حرام كما أنه إن نظر للوضوء في ذاته فهو جائز وإن
نظر لكونه بماء مغصوب فهو حرام وكذا يقال في المكروه فإن كان المراد بالمحرم
والمكروه لذاتهما ما كان تحريمه وكراهته لا لعلة ولا لعارض ما كان ما ذكر لها ورد
عليه أن للكل عدلا ولا فرق ا ه بتوضيح وتغيير ما وتمثيله للمكروه لذاته بالنظر
لفرج الحليلة مبني على مذهبه وأما على مذهبنا فمباح ففي مجموع الأمير مع شرحه
وحواشيه وحل بالعقد أي بشرط الإشهاد غير الإيلاج بدبر من نظر فرج وغيره خلافا لمن
قال نظر الفرج يورث العمى نعم الأكمل خلافه كما في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها
والله ما رأى مني وما رأيت منه ا ه فالأولى التمثيل لذلك بأكل من لم يقصد دخول
المسجد نحو البصل النيء وليس عنده ما يزيل به رائحته لأن كراهته على القول بها
تدور مع علته التي هي تأذي غيره ولو ملكا وجودا وعدما لتحقق الكراهة ولو لم يجتمع
مع أحد أو اجتمع بمن ضعفت حاسة شمه قال العلامة الصفتي ما حاصله إن أكل الثوم
والبصل والفجل ونحو ذلك إن كان في المسجد فحرام
ولو لم يكن به أحد ولو كان عنده ما يزيل به رائحته وإن كان خارج المسجد فخلاف
الأولى إن كان عنده ما يزيل به رائحته فإن لم يكن عنده ما يزيل به رائحته فإن قصد
دخول المسجد فحرام وإلا فقيل بالكراهة وقيل بالجواز وقيل بالحرمة وهو الظاهر أفاده
الشيخ في حاشية الخرشي والله أعلم
____________________
(1/243)
من
هذا الفرق بيان عسره والتنبيه على طلب البحث عن ذلك فإن الإنسان قد يعتقد أن هذا
لا إشكال فيه فإذا نبه على الإشكال استفاده وحثه ذلك على طلب جوابه والله تعالى
خلاق على الدوام يهب فضله لمن يشاء في أي وقت شاء الفرق العشرون بين قاعدة الصوم
وقاعدة غيره من الأعمال الصالحة ورد في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه قال كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به فصححه صاحب الشرع
بهذه الإضافة الموجبة للتشريف له على غيره مع أن الفتاوى على أن الصلاة أفضل
منه وذلك في الحديث أيضا قال عليه الصلاة والسلام أفضل أعمالكم الصلاة وعن عمر بن
الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه كتب إلى
هامش أنوار البروق
قال الفرق العشرون بين قاعدة الصوم وقاعدة غيره من الأعمال الصالحة إلى آخر ما قال
فيه قلت أحسن ما قيل في ذلك عندي القول الذي افتتح به وهو أنه أمر خفي لا يمكن
الاطلاع عليه حقيقة لغير الله تعالى وما أورد عليه من النقض بالإيمان وسائر أعمال
القلوب يجاب عنه بحمل الحديث على أن المراد به الأعمال الظاهرة لا الباطنة وأن
الصوم اختص دونها بهذه المزية ولا يرد عليه
هامش إدرار الشروق
الفرق العشرون بين قاعدة الصوم وقاعدة غيره من الأعمال الصالحة من حيث إن صاحب
الشرع خصص الصوم بإضافته إلى نفسه الموجبة لتشريفه على غيره كما في الحديث الصحيح
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا
أجزي به مع أن الصلاة أفضل منه كما عليه الفتاوي وحديث أفضل أعمالكم الصلاة والأثر
المشهور عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه كتب إلى عماله إن أهم أموركم عندي الصلاة
فاحتيج إلى بيان الفارق الذي أوجب هذه الإضافة والتخصيص واضطراب الناس فيه فمن
قائل إن الصوم لما كان أمرا خفيا لا يمكن أن يطلع عليه حقيقة إلا الله تعالى نبه
على شرفه بخلاف الصلاة والجهاد وغيرهما
قال ابن الشاط ما توضيحه وهذا أحسن ما قيل في ذلك عندي والمراد بقوله في الحديث كل
عمل ابن آدم له إلخ الأعمال الظاهرة فقط لا ما يشمل الباطنة من الإيمان وسائر
أعمال القلوب الحسنة حتى يقال إنها كالصوم في الخفاء ولا تعارض بين تخصيص الصوم
بهذه المزية دون الأعمال الظاهرة مع كون الصلاة أفضل منه إذ قد يتحقق في المفضول
من المزايا ما لا يتحقق في الفاضل كما سيأتي تقريره بعد هذا ا ه ومن قائل إن جوف
الإنسان في الصوم يبقى خاليا فيحصل له به شبه وصف الربوبية فإن الصمد هو الذي لا
جوف له على أحد الأقوال فيه وفيه أن عموم الحديث المتقدم يقتضي تفضيله حتى على
الاشتغال بالعلوم والانتقام من المجرمين والإحسان إلى المؤمنين وتعظيم الأولياء
والصالحين وكل ذلك إذا صدر من العبد كان فيه كالصوم التخلق بأخلاق الرب ومن قائل
إن الصوم اختص بأمر عظيم يوجب تشريفه
____________________
(1/244)
عماله
إن أهم أموركم عندي الصلاة الأثر المشهور ومع ذلك فلا بد لهذه الإضافة والتخصيص من
فارق أوجب ذلك وذكر العلماء رضي الله عنهم فيه فروقا أحدها أنه أمر خفي لا يمكن أن
يطلع عليه فلذلك نبه على شرفه بخلاف الصلاة والجهاد وغيرهما وأورد عليه الإيمان
والإخلاص وأعمال القلوب الحسنة كلها خفية مع أن الحديث تناولها بعمومه وثانيهما أن
جوف الإنسان يبقى خاليا فيحصل له شبه وصف الربوبية فإن الصمد هو الذي لا جوف له
على أحد الأقوال فيه ويرد عليه الاشتغال بالعلوم فإن العلم من أجل صفات الرب تعالى
فمن حصله فقد حصل له شبه عظيم وكذلك الانتقام من المجرمين والإحسان إلى المؤمنين
وتعظيم الأولياء والصالحين وكل ذلك إذا صدر من العبد كان فيه التخلق بأخلاق رب
العالمين ومع ذلك فهو مفضل عليها بعموم الحديث المتقدم وثالثها أنه اختص بترك الإنسان
لشهواته وملاذه في فرجه وفمه وذلك أمر عظيم يوجب الثناء والتشريف بالإضافة
المذكورة ويرد عليه أن الجهاد أعظم في ذلك فإن الإنسان فيه مؤثر مهجته وجسده
وحياته فيذهب جميع الشهوات تبعا لذهاب الحياة وكذلك الحج يترك فيه العبد المخيط
والمحيط والطيب والتنظيف ويفارق الأوطان والأوطار والأهل والأولاد والإخوان ويرتكب
الأخطار في الأسفار ومع ذلك فهو بجميع ذلك مفضل عليه بعموم الحديث ورابعها أن جميع
العبادات وقع التقرب بها لغير الله تعالى إلا الصوم فإنه لم يتقرب به لغير الله
تعالى فلذلك خصص بالإضافة وورد عليه أن الصوم أيضا وقع التقرب به إلى الكواكب فيما
يتعاطاه أرباب الاستخدامات للكواكب وخامسها أن الصوم يوجب تصفية الفكر وصفاء العقل
وضعف القوى الشهوانية بسبب الجوع وقلة الغذاء ولذلك قال عليه السلام لا تدخل
الحكمة جوفا ملئ طعاما وفي حديث آخر البطنة تذهب بالفطنة ولا شك أن صفاء العقل
وضعف الشهوة البهيمية مما يوجب حصول المعارف الربانية والأحوال السنية وهذه مزية
عظيمة توجب التشريف بالإضافة المخصوصة ويرد عليه أن الصلاة ومناجاة الرب سبحانه
وتعالى والمراقبة له في ذلك والتزام الأدب معه والخضوع لديه مما يوجب حصول المعارف
والأحوال والمواهب الربانية لقوله تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن
الله
هامش أنوار البروق
كون الصلاة أفضل منه لأنه لا تعارض بين المزية والأفضلية على ما قرر هو بعد هذا
والله أعلم
هامش إدرار الشروق
بالإضافة المذكورة وهو ترك الإنسان لشهواته وملاذه في فرجه وفمه وفيه أن عموم
الحديث يقتضي تفضيله حتى على الجهاد والحج مع أنهما أعظم في ذلك منه فإن الإنسان
في الجهاد مؤثر مهجته وجسده
____________________
(1/245)
لمع
المحسنين ويجعل لكم نورا تمشون به إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الأعمال
الصالحة دالة على سبب المواهب والنور والهداية وجزيل الفضائل فينبغي أن يكون
مترتبا على الصلاة أكثر إذا وقعت من المكلف على وجهها لقوله تعالى فيما حكاه نبيه
صلى الله عليه وسلم عنه من تقرب إلي شبرا تقربت
إليه ذراعا ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ومن أتاني مشيا أتيته هرولة
والمصلي يتقرب أكثر فيكون فضل الله عليه أعظم وذكر مع هذه الوجوه وجوه أخر كلها
ضعيفة غير سالمة من النقص ولم أر فيه فرقا تقر به العين ويسكن إليه القلب غير أني
أوقفتك على أكثر ما قيل فيه مما هو قوي المناسبة وما يرد على ذلك وأنت من وراء
الفحص والبحث عن ذلك
الفرق الحادي والعشرون بين قاعدة الحمل على أول جزئيات المعنى وقاعدة الحمل على
أول أجزائه أو الكلية على جزئياتها وهو العموم على الخصوص
هامش أنوار البروق
قال الفرق الحادي والعشرون بين قاعدة الحمل على أول جزئيات المعنى وقاعدة الحمل
على أول أجزائه أو الكلية على جزئياتها وهو العموم على الخصوص إلى قوله والإنسان
كل لتركبه من الحيوان والناطق
هامش إدرار الشروق
وحياته فتذهب جميع الشهوات تبعا لذهاب الحياة وفي الحج يترك المخيط والمحيط والطيب
والتنظيف ويفارق الأوطان والأوطار والأهل والأولاد والإخوان ويركب الأخطار في
الأسفار ومن قائل إن تخصيصه بالإضافة لأنه لم يتقرب به لغير الله تعالى بخلاف غيره
من العبادات وفيه أن الصوم أيضا وقع التقرب به إلى الكواكب فيما يتعاطاه أرباب
الاستخدامات للكواكب ومن قائل إن الصوم يوجب تصفية الفكر وصفاء العقل وضعف القوى
الشهوانية بسبب الجوع وقلة الغذاء
وكل ما يوجب ذلك يوجب حصول المعارف الربانية والأحوال السنية كما يشهد لذلك حديث
لا تدخل الحكمة جوفا ملئ طعاما وحديث البطنة تذهب بالفطنة وهذه مزية عظيمة توجب
التشريف بالإضافة المخصوصة وفيه أن الصوم لا يختص بذلك بل الصلاة ومناجاة الرب
سبحانه وتعالى والمراقبة له في ذلك والتزام الأدب معه والخضوع لديه مما يوجب حصول
المعارف والأحوال والمواهب الربانية لقوله تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم
سبلنا وإن الله لمع المحسنين وقوله تعالى ويجعل لكم نورا تمشون به إلى غير ذلك من
الآيات الدالة على أن الأعمال الصالحة دالة على سبب المواهب والنور والهداية وجزيل
الفضائل بل ينبغي أن يكون المترتب من ذلك على الصلاة إذا وقعت من المكلف على وجهها
أكثر من المترتب من ذلك على الصوم لقوله تعالى فيما حكاه نبيه صلى الله تعالى عليه
وسلم عنه من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا
ومن أتاني مشيا أتيته هرولة والمصلي يتقرب أكثر فيكون فضل الله عليه أعظم ومن قائل
كذا ومن قائل كذا وكلها ضعيفة غير سالمة من النقض وأحسنها الأول ونقضه مدفوع كما
علمت والله أعلم
الفرق الحادي والعشرون بين قاعدة الحمل على أول جزئيات المعنى وقاعدة الحمل على
أول أجزائه أو الكلية على جزئياتها وهو العموم على الخصوص الصحيح أنه لا فرق بين
هذه الثلاثة القواعد بل كما لا يحمل اللفظ الدال على الكل على جزئه الذي
____________________
(1/246)
وهذا
المعنى قد التبس على جمع كثير من فقهاء المذهب وغيرهم وهذا الموضع أصله إطلاق وقع
في أصول الفقه أن ترتيب الحكم على الاسم هل يقتضي الاقتصار على أوله أم لا قولان
فلما وقع هذا الإطلاق للأصوليين عمل جماعة من الفقهاء على تخريج الفروع عليه على
خلاف ما تقتضيه هذه القاعدة ولا بد من بيان قاعدتين القاعدة الأولى تحقيق الجزئي
ما هو وله معنيان أحدهما كل شخص من نوع كزيد وعمرو وغيرهما من أفراد الإنسان وكذلك
كل شخص من نوع كالفرس المعين من نوع الفرس والحجر المعين من نوع الحجارة ونحو ذلك
وثانيهما ما اندرج تحت كلي هو وغيره وهذا أعم من الأول فإنه يصدق بالأشخاص كزيد
وعمرو لاندراجهما تحت مفهوم الإنسان والحيوان وغيرهما ويصدق أيضا على الأنواع
والأجناس التي ليست بأشخاص لاندراجها تحت كلي هي وغيرها فالإنسان يندرج تحت
الحيوان مع الفرس والحيوان مع النبات مندرج تحت النامي والنامي والجماد مندرجان
تحت الجسم فهذان هما معنى الجزئي
القاعدة الثانية بيان الجزء وهو الذي لا يعقل إلا بالقياس إلى كل فالكل مقابل
للجزء والكلي مقابل للجزئي فالخمسة من العشرة جزء والحيوان من الإنسان جزء
والإنسان كل لتركبه من الحيوان والناطق وهاهنا قاعدة وهي أن اللفظ الدال على الكل
دال على جزئه في الأمر وخبر الثبوت بخلاف النهي وخبر النفي فإذا أوجب الله تعالى
ركعتين فقد
هامش أنوار البروق
قلت جميع ما قاله في ذلك صحيح
قال وهاهنا قاعدة وهي أن اللفظ الدال على الكل دال على جزئه في الأمر وخبر الثبوت
بخلاف النهي وخبر النفي قلت ما قاله في هذه القاعدة غير صحيح بل اللفظ الدال على
الكل دال على جزئه مطلقا
قال فإذا أوجب الله تعالى ركعتين فقد أوجب ركعة قلت إن أراد فقد أوجب ركعة منفردة
فممنوع وإن أراد فقد أوجب ركعة مقارنة لأخرى فمسلم قال وإذا قلنا عند زيد نصاب
فعنده عشرة دنانير
هامش إدرار الشروق
قاعدته أنه لا يعقل إلا بالقياس إلى كل فالنصاب في نحو قولنا عند زيد نصاب لا يحمل
على من عنده عشرة دنانير منفردة كذلك لا يحمل اللفظ الدال على الكلي على جزأيه
الذي قاعدته أنه إما حقيقي وهو كل شخص من نوع كزيد وعمرو وغيرهما من أفراد الإنسان
وكالفرس المعين من نوع الفرس وكالحجر المعين من نوع الحجر وإما إضافي وهو ما اندرج
مع غيره تحت كلي وهذا أعم من الأول لأنه يصدق على نحو زيد وعمرو لاندراجهما تحت
مفهوم الإنسان والحيوان وغيرهما كما يصدق على نحو الإنسان والحيوان والنامي
لاندراج الأول مع الفرس تحت الحيوان والثاني مع النبات تحت النامي والثالث مع
الجماد تحت الجسم فالكلي مقابل الجزئي والكل مقابل للجزء فالإنسان والحيوان في نحو
قولنا في الدار إنسان أو حيوان لا يحمل على أن فيها خصوص زيد على الأول ولا خصوص
حقيقة الإنسان على
____________________
(1/247)
أوجب
ركعة وإذا قلنا عند زيد نصاب فعنده عشرة دنانير أما إذا نهى الله تعالى عن ثلاث
ركعات في الصبح فلا يلزم منه النهي عن ركعتين وإذا قلنا ليس عنده نصاب لا يلزم أن
لا يكون عنده عشرة دنانير بل تسعة عشر والسر في ذلك أن النهي يعتمد إعدام الحقيقة
وعدم الحقيقة يصدق بعدم جزء واحد منها ولا يتوقف عدمها على عدم جميع أجزائها كما
يعدم النصاب بدينار فكذلك خبر النفي أما ثبوت الحقيقة فيتوقف على ثبوت جميع
أجزائها فلا يثبت النصاب إلا بثبوت جميع عشرين دينارا وكذلك الأمر بتحصيل المركب
يتوقف على تحصيل جميع الأجزاء فلا تحصل الركعتان حتى تتحصل كل واحدة منهما فلذلك
دل الأمر وخبر الثبوت على ثبوت الجزء دون النهي وخبر النفي واللفظ الدال على الكلي
لا يدل على جزئي من جزئياته مطلقا من غير تفصيل بل إنما يفهم الجزئي من أمر آخر
غير اللفظ فإذا قلنا في الدار جسم لا يدل ذلك على أنه حيوان
وإذا قلنا فيها حيوان لا يدل ذلك على أنه إنسان وإذا قلنا فيها إنسان لا يدل ذلك
على أنه مؤمن أو كافر وإذا قلنا فيها مؤمن لا يدل ذلك على أنه زيد إذا تقررت هذه
القاعدة ظهر أن حمل اللفظ على أدنى مراتب جزئياته لا تكون فيه مخالفة للفظه لعدم
دلالته على غير هذا الجزئي أما إذا حملنا اللفظ على أقل الأجزاء فقد خالفنا اللفظ
فإنه يدل على الجزء الآخر وما أتينا به ومخالفة لفظ صاحب الشرع لا تجوز بخلاف
الأول فإذا قال الله تعالى صوموا رمضان فمن عمد إلى الاقتصار على أقل أجزائه فقد
خالف لفظ صاحب الشرع بخلاف ما إذا قال الله تعالى
هامش أنوار البروق
قلت إن أراد فعنده عشرة دنانير منفردة فممنوع وإن أراد فعنده عشرة دنانير مقترنة
بأخرى فمسلم
قال أما إذا نهى الله تعالى عن ثلاث ركعات في الصبح لا يلزم منه النهي عن ركعتين
قلت إن أراد لا يلزم النهي عن ركعتين مستقلتين ليس معهما ثالثة فمسلم وإن أراد لا
يلزم النهي عن ركعتين متصلتين بثالثة فممنوع
قال وإذا قلنا ليس عنده نصاب لا يلزم أن لا يكون عنده عشرة دنانير بل تسعة عشر
هامش إدرار الشروق
الثاني فإذا قال القائل الرجل خير من المرأة أراد أن هذا الجنس على الجملة خير من
هذا الجنس على الجملة لا أن كل واحد واحد من جزئيات هذا الجنس خير من كل واحد واحد
من جزئيات هذا الجنس وكذلك لا تحمل الكلية أي اللفظ العام على بعض جزئياتها أي بعض
الأفراد إذا لم يكن ذلك البعض مخصصا وذلك لأن القاعدة أن اللفظ الدال على الكل دال
على جزئه بقيد ضمه مع باقي الأجزاء لا منفردا عنها مطلقا ولو كان في النهي وخبر
النفي فإذا أوجب الله تعالى ركعتين فقد أوجب ركعة منضمة لأخرى لا مستقلة
وإذا قلنا عند زيد نصاب فعنده عشرة دنانير منضمة لمثلها لا منفردة وإذا نهى الله
عن ثلاث ركعات في الصبح لا يلزمه منه النهي عن ركعتين مستقلتين ليس معهما ثالثة
وإنما يلزم النهي عنهما
____________________
(1/248)
اعتقوا
رقبة فعمدنا إلى رقبة تساوي عشرة وتركنا الرقبة التي تساوي ألفا لا نكون مخالفين
للفظ صاحب الشرع وبهذا يظهر بطلان قول من يخرج الخلاف في غسل الذكر من المذي هل
يقتصر فيه على الحشفة أم لا بد من جملته على هذه القاعدة لأن هذا اقتصار على جزء
لا جزئي فهو كالاقتصار على يوم من رمضان فلا يصح وكذلك تخريج الخلاف في التيمم هل
هو إلى الكوعين أو إلى المرفقين أو إلى الإبطين على هذه القاعدة لا يصح أيضا فإن
الكوع جزء اليد لا جزئي منها فكان كالاقتصار على يوم من رمضان وكل ما هو من هذا
القبيل من التخريج ليس بصحيح فتأمله فهو كثير في مذهب مالك وغيره من المذاهب وكذلك
حمل اللفظ العام على بعض أفراده ترك لظاهر العموم من غير دليل وهو باطل إجماعا
فيجتنب في هذا الباب حمل الكل على بعض أجزائه وحمل الكلية على بعض جزئياتها فهو
حمل العام على بعض الخصوصيات فهذه كلها تخريجات باطلة بل التخريج الصحيح في فروع
منها فرع الحضانة هل تستحقه الأم إلى الإثغار أو إلى البلوغ قولان يناسب تخريجهما
على القاعدة بسبب أن قوله عليه السلام أنت أحق به ما لم تنكحي كما جاء في الحديث
المشهور يقتضي ثبوت الأحقية لها إما غاية معينة فلم يذكرها صاحب الشرع غير غاية
تتعلق بها هي وبحالها وهي عدم الزواج إما غاية تتعلق بحاله هو فلم يذكرها صاحب
الشرع بل الأحقية فقط وهي تصدق بطرفين فأدناهما الإثغار
هامش أنوار البروق
قلت إن أراد لا يلزم أن لا تكون عنده عشرة دنانير منفردة فمسلم وإن أراد لا يلزم
أن لا تكون عنده عشرة دنانير مع عشرة أخرى فممنوع قال والسر في ذلك أن النهي يعتمد
إعدام الحقيقة وعدم الحقيقة يصدق بعدم جزء واحد منها ولا يتوقف عدمها على عدم جميع
أجزائها كما يعدم النصاب بدينار فكذلك خبر النفي قلت إذا عدم من النصاب دينار لم
يبق نصاب ولا جزء نصاب فإن الدينار لا يكون جزء نصاب إلا مع تسعة عشر ولا تكون
التسعة عشر جزء نصاب إلا مع دينار أما إذا انفرد دينار فلا يقال فيه جزء نصاب إلا
بضرب من المجاز والتوسع وكذلك القول في التسعة عشر لأن الدينار والتسعة عشر
هامش إدرار الشروق
متصلين بثالثة وإذا قلنا ليس عند زيد نصاب لا يلزم أن لا يكون عنده عشرة دنانير
منفردة وإنما يلزم أن عنده عشرة منضمة لعشرة أخرى وأن اللفظ الدال على الكلي لا
يدل على جزئي من جزئياته مطلقا من غير تفصيل بل إنما يفهم الجزئي من أمر آخر غير
اللفظ فإذا قلنا في الدار جسم لا يدل ذلك على أنه حيوان وإذا قلنا فيها حيوان لا
يدل ذلك على أنه إنسان وإذا قلنا فيها إنسان لا يدل ذلك على أنه مؤمن أو كافر وإذا
قلنا فيها مؤمن لا يدل ذلك على أنه زيد ولأن حمل اللفظ العام على بعض الأفراد ترك
____________________
(1/249)
وأعلاهما
البلوغ فإذا حملنا الحضانة على الإثغار لا نكون مخالفين لمقتضى لفظ الأحقية باعتبار
حاله فقد وفينا بالقاعدة مع عدم مخالفة اللفظ
فإن قلت فقد خولفت الغاية المقولة بالنسبة إلى حالها هي وهي عدم الزواج قلت مسلم
لكن هذه الغاية هي إشارة إلى المانع وأن زواجها مانع من ترتب الحكم على سببه
والمانع وعدمه لا مدخل لهما في ترتب الأحكام بل في عدم ترتبها كما تقدم أن المؤثر
في المانع إنما هو وجوده في العدم لا عدمه في الوجود والتخريج إنما وقع فيما
اقتضاه اللفظ من موجب الحكم وسببه وما يترتب عليه الثبوت ومنها التفرقة بين الأمة
وولدها اختلف العلماء فيه أيضا هل يمنع ذلك إلى البلوغ أو الإثغار وهو المشهور في
هذا دون الأول وتخريجه على القاعدة متيسر أيضا حسن بسبب أن قوله عليه السلام لا
توله والدة على ولدها عام في الوالدات والمولودين من جهة أن والدة نكرة في سياق
النفي فتعم وولدها اسم جنس أضيف فيعم وعام في الزمان أيضا من جهة أن لا لنفي
الاستقبال على جهة العموم ومنه لا يموت فيها ولا يحيا فإن ذلك يعم الأزمنة
المستقبلة غير أنه مطلق في أحوال الولد لأن القاعدة أن العام في الأشخاص مطلق في
الأحوال
وإذا كان مطلقا في الأحوال فهو يتناول أمرا كليا يصدق في رتبة دنيا وهي الإثغار
ورتبة عليا وهي البلوغ فإذا خرج الخلاف على القاعدة من هذا الوجه استقام لأنه حمل
اللفظ على أدنى مراتب جزئياته ولا يخالف اللفظ الدال على الكلي
هامش أنوار البروق
اجتماع كل واحد منها مع الآخر ممكن فإذا اجتمعا صار المجموع نصابا فعند الاجتماع
كل واحد منهما جزء نصاب حقيقة وعند الافتراق كل واحد منهما جزء نصاب مجازا فاللازم
حقيقة خلاف قوله وهو أنه متى عدم جزء عدم جميع الأجزاء أي لم تتألف تلك الحقيقة
ولم تكمل فلم تتحقق ولم يوجد شيء من أجزائها فالصحيح أنه متى انتفت الحقيقة انتفى
جميع أجزائها
قال أما ثبوت الحقيقة فيتوقف على ثبوت جميع أجزائها فلا يثبت النصاب إلا بثبوت
جميع عشرين دينارا وكذلك الأمر بتحصيل المركب يتوقف على تحصيل جميع الأجزاء فلا
تحصل الركعتان حتى تتحصل كل واحدة منهما فلذلك دل الأمر وخبر الثبوت على ثبوت
الجزء دون النهي وخبر النفي
هامش إدرار الشروق
لظاهر العموم من غير دليل وهو باطل إجماعا وإنما الفرق بين هذه الثلاثة أي الكل
والكلي والكلية لا تحمل على ما ذكر وبين قاعدة المطلق وهو جزئي مبهم كالنكرة في
الإثبات يجوز فيه الحمل على أي جزئي كان غير أنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام القسم
الأول ما أجمع الناس فيه على الحمل على أعلى الرتب وهو ما ورد من الأوامر بالتوحيد
والإخلاص وسلب النقائص وما ينسب إلى الرب تعالى من التعظيم
والإجلال في ذاته وصفاته العليا إذ ليس الأصل إهمال جانب الربوبية بل تعظيمها
والمبالغة في إجلال الله تعالى فقد قال الله تعالى وما خلقت
____________________
(1/250)
وأما
عموم لا فهو راجع إلينا كأنه قال حرم الله تعالى عليكم ذلك في جميع الأزمنة
المستقبلة من زمن هذا الخطاب وليس عمومه بالنسبة إلى الأمهات والأولاد فلم تكن فيه
معارضة لعدم العموم في الوالدات فتأمل ذلك ومنها قوله تعالى فإن آنستم منهم رشدا
فادفعوا إليهم أموالهم اختلف العلماء في ذلك هل محمله على أدنى مراتب الرشد وهو
الرشد في المال خاصة قاله مالك أو على أعلى مراتب الرشد وهو الرشد في المال والدين
قاله الشافعي مع أن الرشد ذكر بصيغة التنكير الدال على المعنى الأعم الذي لا يدل
على جزئي خاص فليس في حمله على أدنى الرتب مخالفة للفظ ألبتة ولا من وجه محتمل
بخلاف المثالين الأولين فيهما تلك المخالفة التي احتيج للاعتذار عنها ومنها مسألة
الحرام إذا قال أنت علي حرام فهل يحمل على الثلاث أو الواحدة خلاف يصح تخريجه على
هذه القاعدة لأن قوله حرام مطلق دال على مطلق التحريم الدائر بين الرتب المختلفة
فأمكن حمله على أعلاها أو على أدناها ويلحق بمسألة الحرام ما معها في مذهب مالك من
الألفاظ نحو ألبتة والبائن وحبلك على غاربك هل يحمل على أعلى الرتب وهو الثلاث أم
لا ومنها مسألة التيمم في قوله تعالى فتيمموا صعيدا فقوله صعيدا مدلوله أمر كلي
يمكن حمله على أدنى الرتب وهو مطلق ما يسمى صعيدا ترابا كان أو غيره من جنس الأرض
وهو
هامش أنوار البروق
قلت قد تبين أن النهي وخبر النفي يستلزمان جميع أجزاء المنهي والمنفي عنه كما
يستلزم الأمر وخبر الثبوت جميع أجزاء المأمور به والمثبت وتبين أن التسعة عشر
الموجودة دون الدينار ليست جزءا ولا أجزاء النصاب حقيقة بل بنوع من المجاز
قال واللفظ الدال على الكلي لا يدل على جزئي من جزئياته مطلقا من غير تفصيل إلى
قوله لا يدل على أنه زيد قلت مراده جزء شيء معين وذلك صحيح
قال إذا تقررت هذه القاعدة ظهر أن حمل اللفظ على أدنى مراتب جزئياته لا تكون فيه
مخالفة للفظه لعدم دلالته على غير هذا الجزئي
هامش إدرار الشروق
الجن والإنس إلا ليعبدون ومع ذلك قال في الآية الأخرى وما قدروا الله حق قدره وذلك
يقتضي أن جميع الغايات التي وصلوا إليها دون ما ينبغي له تعالى من التعظيم
والإجلال فلذلك كان الأمر في هذا القسم متعلقا بأقصى غايته الممكنة للعبيد ومع ذلك
قال عليه الصلاة والسلام لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك والقسم الثاني
ما أجمع الناس فيه على الحمل على أدنى الرتب وهو الأقارير فإذا قال له عندي دنانير
حمل على أقل الجمع وهو ثلاثة وهو أدنى رتبها مع صدقها في الآلاف إذ الأصل براءة
الذمة فلذا قبل في هذا القسم التفسير بأقل الرتب القسم الثالث ما اختلف في حمله
على أعلى الرتب أو على أدناها وله فروع منها فرع الحضانة هل
____________________
(1/251)
مذهب
مالك رحمه الله أو أعلى رتب الصعيد وهو التراب وهو مذهب الشافعي فهذه المسألة أيضا
حسنة التخريج على هذه القاعدة من غير معارض من جهة اللفظ ولا المعنى
ومنها قوله عليه السلام إذا سمعتم المؤذن يؤذن فقولوا مثل ما يقول والمثلية في
لسان العرب تصدق بين الشيئين بأي وصف كان من غير شمول فإذا قلت زيد مثل الأسد كفى
في ذلك الشجاعة دون بقية الأوصاف وكذلك زيد مثل عمرو يصدق ذلك حقيقة بمشاركتهما في
صفة واحدة فالمثل المذكور في الأذان إن حمل على أعلى الرتب قال مثل ما يقول إلى
آخر الأذان أو على أدنى الرتب ففي التشهد خاصة وهو مشهور مذهب مالك فهذه ست مسائل
تنبهك على صحة التخريج على هذه القاعدة والمسائل السابقة تنبهك على التخريج الفاسد
عليها لأن الأول من باب الأجزاء وهذه من باب الجزئيات فقد ظهر لك الفرق بينهما
والصحيح من الفاسد
تنبيه ليس الخلاف في هذه القاعدة مطلقا في جميع فروعها بل فروعها ثلاثة أقسام قسم
أجمع الناس فيه على الحمل على أعلى الرتب وهو ما ورد من الأوامر بالتوحيد والإخلاص
وسلب النقائص وما ينسب إلى الرب تعالى من التعظيم والإجلال في ذاته وصفاته العليا
فهذا القسم الأمر فيه متعلق بأقصى غايته الممكنة للعبيد ومع ذلك فقد قال عليه
السلام لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك وقسم أجمع الناس فيه على الحمل
على أدنى الرتب وهو الأقارير فإذا قال له عندي دنانير حمل على أقل الجمع وهو ثلاثة
وهو أدنى رتبها مع صدقها في الآلاف لكون الأصل براءة الذمة فيقبل
هامش أنوار البروق
قلت بل فيه مخالفة للفظه وقوله لعدم دلالته على غير هذا الجزئي لا يفيده مقصوده
وكما لا يدل على غير هذا الجزئي لا يدل عليه أيضا
قال أما إذا حملنا اللفظ على أقل الأجزاء فقد خالفنا اللفظ فإنه يدل على الجزء
الآخر وما أتينا به إلى قوله فقد خالف لفظ صاحب الشرع قلت ما قاله هنا صحيح
قال بخلاف إذا قال الله سبحانه وتعالى اعتقوا رقبة فعمدنا إلى رقبة تساوي عشرة
وتركنا الرقبة التي تساوي ألفا لا نكون مخالفين للفظ صاحب الشرع
هامش إدرار الشروق
تستحق الأم إلى الإثغار أو إلى البلوغ قولان المشهور الثاني ففي المجموع مع شرحه
وحاشيته حضانة الذكر بمجرد البلوغ فلا يشترط عقل ولا قدرة على الكسب على المشهور
خلافا لابن شعبان وابن الحاجب والأنثى لنفس الدخول لا للدعاء له فليست كالنفقة
خلافا لما في الأصل فالمشكل ما دام مشكلا لا يخرج عن الحضانة كما لعبق وذلك
لاحتمال أنوثته ولا يمكن الدخول
ا ه
وذلك الخلاف لأن قوله عليه الصلاة والسلام أنت أحق به ما لم تنكحي كما جاء في الحديث
المشهور يقتضي ثبوت الأحقية لها فقط ما لم تتزوج وهي تصدق بطرفين بالنسبة لحاله هو
أدناهما الإثغار وأعلاهما البلوغ فإذا حملنا الحضانة على الإثغار لا نكون مخالفين
لمقتضى لفظ الأحقية لأن هذا التخريج إنما وقع فيما اقتضاه اللفظ في موجب الحكم
وسببه وما يترتب عليه الثبوت وأما الغاية المقولة في
____________________
(1/252)
تفسيره
بأقل الرتب وليس الأصل إهمال جانب الربوبية بل تعظيمها والمبالغة في إجلال
هامش أنوار البروق
قلت قوله في المثال الذي أورده صحيح لكنه ليس مثالا لما قصد فإنه قصد تمثيل الكلي
وليست الرقبة المنكرة من الكلي بل من المطلق فلا يحصل مقصوده من ذلك بمثاله الذي
مثل إلا أن يريد بالكلي المطلق فيكون بذلك مخالفا لأهل الأصول في اصطلاحهم
قال وبهذا يظهر بطلان قول من يخرج الخلاف في غسل الذكر من المذي هل يقتصر فيه على
الحشفة أو لا بد من جملته على هذه
القاعدة لأن هذا اقتصار على جزء لا جزئي إلى قوله فهذه كلها تخريجات باطلة قلت
مضمون قوله الفرق بين الكل فلا يحمل اللفظ الدال عليه على جزئه وبين الكلي فيحمل
اللفظ الدال عليه على جزأيه فأما قوله إنه لا يحمل لفظ الكل على جزئه فهو الصحيح
وأما قوله إن الكلي يحمل على جزأيه فليس بصحيح فإن القائل إذا قال الرجل خير من
المرأة يريد أن هذا الجنس على الجملة خير من هذا الجنس على الجملة لا أن كل واحد
واحد من جزئيات هذا الجنس خيره من كل واحد واحد من جزئيات هذا الجنس ومن حمل الكلي
على جزأيه في هذا المثال فقد أخطأ كمن حمل الكل على جزئه وإنما حمل شهاب الدين على
تسويغ ذلك في الكلي دون الكل اعتقاده أن المطلق هو الكلي وليس كذلك بل المطلق جزئي
مبهم غير معين فلذلك جاز فيه الحمل على أي جزئي كان وما قاله من أنه يجب اجتناب
حمل الكلية على بعض جزئياتها صحيح ومراده إذا لم يكن مخصصا
قال بل التخريج الصحيح في فروع منها فرع الحضانة هل تستحقه الأم إلى الإثغار أو
إلى البلوغ قولان فناسب تخريجهما على القاعدة بسبب أن قوله عليه السلام أنت أحق ما
لم تنكحي إلى آخره قوله في هذه المسألة قلت ما قاله في المسألة صحيح غير قوله فإذا
حملنا الحضانة على الإثغار لا نكون مخالفين لمقتضى لفظ الأحقية باعتبار حاله فقد
وفينا بالقاعدة مع عدم مخالفة اللفظ فإنه ليس من القاعدة التي أشار إليها وهي حمل
الكلي على جزأيه بل هو من قاعدة المطلق قال ومنها التفرقة بين الأمة وولدها اختلف
العلماء فيه أيضا هل يمنع ذلك إلى البلوغ أو الإثغار وهو المشهور في هذا دون الأول
إلى آخر المسألة قلت ما قاله في هذه المسألة صحيح غاير قوله فهو يتناول أمرا كليا
فإنه ليس بكلي كيف وقد نص
هامش إدرار الشروق
الحديث بالنسبة إلى حالها هي فهي إشارة إلى المانع وأن زواجها مانع من ترتب الحكم
على سببه والمانع وعدمه لا مدخل لهما في ترتب الأحكام بل في عدم ترتبها لأن المؤثر
في المانع إنما هو وجوده في العدم لا عدمه في الوجود كما تقدم ومنها فرع التفرقة
بين الأمة وولدها هل يمنع ذلك إلى البلوغ أو إلى الإثغار وهو المشهور هنا قولان
وذلك لأن قوله عليه الصلاة والسلام لا توله والدة على ولدها وإن كان عاما في
الوالدات والمولودين من جهة أن والدة نكرة في سياق النفي فتعم وولدها اسم جنس أضيف
فيعم وعاما في الزمان أيضا من جهة أن لا لنفي الاستقبال على جهة العموم كما في
قوله تعالى لا يموت فيها ولا يحيى غير أنه مطلق في أحوال الولد لأن القاعدة أن
العام في الأشخاص مطلق في الأحوال وإذا كان مطلقا في الأحوال فهو يصدق في رتبة
دنيا وهي الإثغار ورتبة عليا وهي البلوغ فإذا حل لفظ
____________________
(1/253)
الله
تعالى لقوله تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون
الذاريات 15 وقال مع
هامش أنوار البروق
هو على أنه مطلق وهو قوله فإذا خرج الخلاف على القاعدة من هذا الوجه استقام لأنه
حمل للفظ على أدنى مراتب جزئياته ولا يخالف اللفظ الدال على الكلي فإنه ليس من
الكلي المحمول على جزأيه بل هو من المطلق ولو كان من الكلي لم يصح حمله على جزأيه
كما سبق
قال ومنها قوله تعالى فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم اختلف العلماء هل
محمله على أدنى مراتب الرشد وهو الرشد في المال خاصة قاله مالك أو على أعلى مراتب
الرشد وهو الرشد في المال والدين قاله الشافعي مع أن الرشد ذكر بصيغة التنكير
الدال على المعنى الأعم إلى آخر كلامه في المسألة قلت قوله مع أن الرشد ذكر بصيغة
التنكير الدال على المعنى الأعم ليس بصحيح بل صيغة التنكير دالة على المعنى المطلق
والمطلق ليس هو المعنى الأعم بل هو المعنى الأخص المبهم غير المعين
قال ومنها مسألة الحرام إذا قال أنت علي حرام فهل يحمل على الثلاث أو الواحدة
يصح تخريجه على هذه القاعدة إلى آخر المسألة قلت قوله لأن قوله حرام مطلق دال على
مطلق التحريم الدائر بين الرتب المختلفة فأمكن حمله على أعلاها أو على أدناها صحيح
وكذلك شأن المطلقات وليست من القاعدة التي أراد لكن هنا أمر آخر هو سبب الخلاف وهو
العرف في لفظة حرام هل هو الثلاث أو الواحدة
قال ومنها مسألة التيمم في قوله تعالى فتيمموا صعيدا طيبا إلى آخر ما قاله في هذه
المسألة
هامش إدرار الشروق
الولد المطلق على أدنى مراتب جزئياته استقام ولم يعارضه عموم لا لأنه راجع إلينا
كأنه قال حرم الله تعالى عليكم ذلك في جميع الأزمنة المستقبلة من زمن هذا الخطاب
وليس عمومه بالنسبة إلى الأمهات والأولاد حتى تكون فيه معارضة لعدم العموم في
الوالدات والأولاد فتأمل ذلك ومنها فرع الرشد في قوله تعالى
فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم اختلف العلماء فيه هل محمله على أدنى
مراتب الرشد وهو الرشد في المال خاصة قاله مالك أو على أعلى مراتب الرشد وهو الرشد
في المال والدين قاله الشافعي لأن الرشد ذكر بصيغة التنكير الدالة على المعنى
المطلق الذي هو المعنى الأخص المبهم غير المعين فإذا حمل على أدنى الرتب لم تكن
فيه مخالفة للفظ ألبتة ولا من وجه محتمل فافهم ومنها فرع الحرام هل يحتمل في قوله
أنت علي حرام على الثلاث أو الواحدة خلاف وذلك لأن قوله حرام مطلق دال على مطلق
التحريم الدائر بين الرتب المختلفة فأمكن حمله على أعلاها أو على أدناها ويلحق به
في مذهب مالك من الألفاظ نحو البتة والبائن وحبلك على غاربك هل يحمل على أعلى
الرتب وهو الثلاث أم لا كذا قيل وفيه أن ما ذكر ليس هو سبب الخلاف هنا بل سببه هنا
أمر آخر وهو العرف في لفظة حرام وما ألحق بها من الألفاظ هل هو الثلاث أو الواحدة
كما تقدم ومنها فرع التيمم في قوله تعالى فتيمموا صعيدا اختلف هل يحمل فيه لفظ
صعيدا على مطلق ما يسمى صعيدا ترابا كان أو غيره من جنس الأرض وهو مذهب مالك رحمه
الله تعالى أو على أعلى رتب الصعيد وهو التراب وهو مذهب الشافعي
وليس منها فرع حكاية الأذان في قوله عليه الصلاة والسلام إذا سمعتم المؤذن
____________________
(1/254)
ذلك
في الآية الأخرى وما قدروا الله حق قدره وذلك يقتضي أن جميع الغايات التي وصلوا
إليها دون ما ينبغي له تعالى من التعظيم والإجلال فهذا هو الفرق بين القسمين القسم
الثالث مختلف فيه وهو ما تقدم من المسائل فهذا تلخيص هذه القاعدة على وجه لا يلتبس
بعد ذلك إن شاء الله تعالى
هامش أنوار البروق
قلت جرى أيضا على معتاده وفاسد اعتقاده في أن المطلق هو الكلي وقد تبين أنه ليس
كذلك
قال ومنها قوله عليه السلام إذا سمعتم المؤذن يؤذن فقولوا مثل ما يقول والمثلية في
لسان العرب تصدق بين الشيئين بأي وصف كان من غير شمول إلى آخر المسألة قلت المثلية
تقتضي في لسان العرب الشمول في جميع الصفات إلا ما خصه العرف كقولهم زيد مثل الأسد
وما أشبهه وما أرى مالكا رحمه الله فرع على تلك القاعدة وإنما رأى أن حي على
الصلاة حي على الفلاح ليس من الذكر وإنما هو تحريض واستدعاء والمعهود في الشرع
إنما هو استحباب ما هو ذكر فقيد مطلق الحديث بالمعنى وأخذ غير مالك بظاهر اللفظ
والله أعلم قال
فهذه ست مسائل تنبهك على صحة التخريج على هذه القاعدة إلى قوله والصحيح من الفاسد
قلت قد تبين الصحيح من الفاسد والحمد لله تعالى
قال تنبيه ليس الخلاف في هذه
القاعدة مطلقا في جميع فروعها بل فروعها ثلاثة أقسام إلى آخر ما قاله في هذا الفرق
قلت قد صرح في أثناء كلامه بسبب تخصيص ما يتعلق بجانب الربوبية بأعلى الرتب وبسبب
تخصيص الأقارير بأدنى الرتب وما سوى ذلك إنما الخلاف فيه لأسباب تخص مواقع الخلاف
والله أعلم
هامش إدرار الشروق
يؤذن فقولوا مثل ما يقول حتى يقال إن المثل المذكور في الأذان إن حمل على أعلى
الرتب قال مثل ما يقول إلى آخر الأذان أو على أدنى الرتب ففي التشهد خاصة وهو
مشهور مذهب مالك ضرورة أن المثلية تقتضي في لسان العرب الشمول في جميع الصفات إلا
ما خصه العرف كقولهم زيد مثل الأسد وما أشبهه فلم يفرعه مالك رحمه الله تعالى على
قاعدة المطلق المذكورة وإنما رأى أن حي على الصلاة حي على الفلاح ليس من الذكر
وإنما هو تحريض واستدعاء والمعهود في الشرع إنما هو استحباب ما هو ذكر فقيد مطلق
الحديث بالمعنى وأخذ غير مالك بظاهر اللفظ وبالجملة فاستعمال الكل في جزئه والكلي
في جزأيه والعام في بعض الأفراد لما كان مجازا لا حقيقة لم يجز الحمل عليه إلا إذا
دلت القرينة عليه واستعمال المطلق أي الجزئي المبهم في جزئي معين لما كان حقيقة لا
مجازا جاز الحمل عليه بلا توقف على قرينة تدل عليه نعم إذا اعتبر في الجزئي أو
الفرد ماهيته الكلية لا الشخصية كان استعمال الكلي في الأول والعام في الثاني
حقيقة على القول الحق ومن هنا يظهر عدم توجه ما أورده القرافي في تنقيحه على حصرهم
الدلالة اللفظية الوضعية في المطابقة والتضمن والالتزام من أن دلالة العام كعبيدي
على بعض أفراده لا يصدق عليها واحد من هذه الثلاثة فافهم والله سبحانه وتعالى أعلم
____________________
(1/255)
الفرق
الثاني والعشرون بين قاعدة حقوق الله تعالى وقاعدة حقوق الآدميين فحق الله أمره
ونهيه وحق العبد مصالحه والتكاليف على ثلاثة أقسام حق الله تعالى فقط كالإيمان
وتحريم الكفر وحق العباد فقط كالديون والأثمان وقسم اختلف فيه هل يغلب فيه حق الله
أو حق
العبد كحد القذف ونعني بحق العبد المحض أنه لو أسقطه لسقط وإلا فما من حق للعبد
إلا وفيه حق لله تعالى وهو أمره بإيصال ذلك الحق إلى مستحقه فيوجد حق الله تعالى
دون حق العبد ولا يوجد حق العبد إلا وفيه حق الله تعالى وإنما يعرف ذلك بصحة
الإسقاط فكل ما للعبد إسقاطه فهو الذي نعني به حق العبد وكل ما ليس له إسقاطه فهو
الذي نعني بأنه حق الله تعالى وقد يوجد حق الله تعالى وهو ما ليس للعبد إسقاطه
ويكون معه حق العبد كتحريمه تعالى لعقود الربا والغرر والجهالات فإن الله تعالى
إنما حرمها صونا لمال العبد عليه وصونا له عن الضياع بعقود الغرر والجهل فلا يحصل
المعقود عليه أو يحصل دنيا ونزرا حقيرا فيضيع المال فحجر الرب تعالى برحمته على
عبده في تضييع ماله الذي هو عونه على أمر دنياه وآخرته ولو رضي العبد بإسقاط حقه
في ذلك لم يؤثر رضاه وكذلك حجر الرب تعالى على العبد في إلقاء ماله في البحر
وتضييعه من غير مصلحة
ولو رضي العبد بذلك لم يعتبر رضاه وكذلك تحريمه تعالى على المسكرات صونا لمصلحة
عقل العبد عليه وحرم السرقة صونا لماله والزنا صونا لنسبه والقذف صونا لعرضه
والقتل والجرح صونا لمهجته وأعضائه ومنافعها عليه ولو رضي العبد
هامش أنوار البروق
قال الفرق الثاني والعشرون بين قاعدة حقوق الله تعالى وقاعدة حقوق الآدميين فحق
الله تعالى أمره ونهيه قلت بل حق الله تعالى متعلق أمره ونهيه وهو عبادته قال الله
تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حق
الله تعالى على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا
قال وحق العبد مصالحه
هامش إدرار الشروق
@ 256 الفرق الثاني والعشرين بين قاعدة حقوق الله تعالى وقاعدة حقوق الآدميين وذلك
أن حق الله تعالى هو متعلق أمره ونهيه الذي هو عين عبادته لا نفس أمره ونهيه
المتعلق بها الأمرين الأول قوله تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون وقول رسول
الله صلى الله تعالى عليه وسلم حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا
الثاني أن الحق معناه اللازم له على عباده واللازم على العباد لا بد أن يكون
مكتسبا لهم وكيف يصح أن يتعلق الكسب بأمره ونهيه وهو كلامه وكلامه صفته القديمة
كلام مبدل وحق العبد ثلاثة أقسام الأول حق على الله وهو ملزوم عبادته إياه وهو أن
يدخله الجنة ويخلصه من
____________________
(1/256)
بإسقاط
حقه من ذلك لم يعتبر رضاه ولم ينفذ إسقاطه فهذه كلها وما يلحق بها من نظائرها مما
هو مشتمل على مصالح العباد حق الله تعالى لأنها تسقط بالإسقاط وهي مشتملة على حقوق
العباد لما فيها من مصالحهم ودرء مفاسدهم وأكثر الشريعة من هذا النوع كالرضا
بولاية الفسقة وشهادة الأراذل ونحوها فتأمل ذلك بما ذكرته لك من النظائر تجده فحجر
الرب تعالى على العبد في هذه المواطن لطفا به ورحمة له سبحانه وتعالى
هامش أنوار البروق
قلت إن أراد حقه على الله تعالى فإنما ذلك ملزوم عبادته إياه وهو أن يدخله الجنة
ويخلصه من النار وإن أراد حقه على الجملة أي الأمر الذي يستقيم به في أولاه وأخراه
فمصالحه
قال والتكاليف على ثلاثة أقسام حق الله تعالى فقط كالإيمان وتحريم الكفر قلت قد
تقدم أن حق الله تعالى على العبد عبادته إياه فإن أراد ذلك فصحيح وإلا فلا
قال وحق العباد فقط كالديون والأثمان قلت تمثيله هذا يشعر بأنه يريد حقوقهم بعضهم
على بعض وقوله قبل حقه مصالحه يشعر بأنه يريد حقوقهم على الجملة
قال وقسم اختلف فيه هل يغلب فيه حق الله تعالى أو حق
العبد كحد القذف ونعني بحق العبد المحض أنه لو أسقطه لسقط وإلا فما من حق للعبد
إلا وفيه حق لله تعالى وهو أمره بإيصال ذلك الحق إلى مستحقه إلى قوله فهو الذي
نعني بأنه حق الله تعالى قلت بعد أن قرر قبل أن حق العبد مصالحه على الإطلاق قصر
كلامه على بعض ما يتناوله ذلك الإطلاق من التفاصيل وهو حق بعض العباد على بعض وترك
الكلام على غير ذلك من مصالح العباد فلم يكن كلامه منتظما كما يجب
قال وقد يوجد حق الله تعالى وهو ما ليس للعبد إسقاطه ويكون معه حق العبد كتحريمه
تعالى لعقود الربا إلى قوله وتضييعه من غير مصلحة ولو رضي العبد بذلك لم يعتبر
رضاه قلت ما قاله في ذلك صحيح
قال وكذلك تحريمه تعالى المسكرات صونا لمصلحة عقل العبد عليه وحرم السرقة صونا
لماله والزنى صونا لنسبه والقذف صونا لعرضه والقتل والجرح صونا لمهجته وأعضائه
ومنافعها عليه ولو رضي العبد بإسقاط حقه من ذلك لم يعتبر رضاه ولم ينفذ إسقاطه
هامش إدرار الشروق
النار والثاني حقه في الجملة وهو الأمر الذي يستقيم به في أولاه وأخراه من مصالحه
والثالث حقه على غيره من العباد وهو ماله عليهم من الذمم والمظالم وتنقسم التكاليف
باعتبار حق الله والقسمين الأخيرين من أقسام حق العبد إلى أربعة أقسام القسم الأول
تكليف بحق الله تعالى المحض فلا يتأتى إسقاطه أصلا كالإيمان وترك الكفر والقسم
الثاني تكليف بحق العباد المحض بعضهم على بعض أي أمره تعالى بإيصال ذلك الحق إلى
مستحقه فالمراد بحق العبد المحض أنه لو أسقطه لسقط كالديون والأثمان وإلا فما من
حق للعبد إلا وفيه حق لله تعالى وهو أمره بالإيصال المذكور فيوجد حق الله تعالى
دون حق العبد ولا يوجد حق العبد إلا وفيه حق الله تعالى
____________________
(1/257)
تنبيه
ما تقدم من أن حق الله تعالى أمره ونهيه مشكل بما في الحديث الصحيح عن
هامش أنوار البروق
قلت أما في القتل والجرح فرضاه معتبر وإسقاطه نافذ
قال فهذه كلها وما يلحق بها من نظائرها مما هو مشتمل على مصالح العباد حق الله
تعالى لأنها لا تسقط بالإسقاط وهي مشتملة على حقوق العباد لما فيها من مصالحهم إلى
قوله
لطفا به ورحمة له سبحانه وتعالى قلت قد سبق أن من تلك الأمور التي ذكر ما يسقط
بالإسقاط وهو القتل والجرح
قال تنبيه ما تقدم أن حق الله تعالى أمره ونهيه يشكل بما في الحديث الصحيح عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أنه قال حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا
فيقتضي أن حق الله تعالى على العباد نفس الفعل لا الأمر به وهو خلاف ما تقدم
فالظاهر أن الحديث مؤول وأنه من باب إطلاق الأمر على متعلقه الذي هو الفعل وبالجملة
فظاهره معارض لما حرره العلماء من حق الله تعالى ولا يفهم من قولنا الصلاة حق الله
تعالى إلا أمره بها إذ لو فرضنا أنه غير مأمور بها لم يصدق أنه حق الله تعالى
فنجزم بأن الحق هو نفس الأمر لا الفعل وما وقع من ذلك مؤول قلت جميع ما قاله هنا
غير صحيح وهو نقيض الحق وخلاف الصواب بل الحق والصواب ما اقتضاه ظاهر الحديث من أن
الحق هو عين العبادة لا الأمر المتعلق بها ومن أعجب الأمور قوله فظاهره معارض لما
حرره العلماء من حق الله تعالى وكيف يحرر العلماء ما يخالف قول الصادق المصدق ويا
ليت شعري من هؤلاء العلماء
وكيف يصح القول بأن حق الله تعالى هو أمره ونهيه والحق معناه اللازم له على عباده
واللازم على العبد لا بد أن يكون مكتسبا لهم وكيف يصح أن يتعلق الكسب بأمره وهو
كلامه وهو صفته القديمة وهذا كله كلام من ليس من التحصيل بسبيل والحمد لله الذي
هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله
هامش إدرار الشروق
والقسم الثالث تكليف بالحقين المذكورين معا ففي التغليب فيه لحق الله تعالى على
العبد فلا يسقط أو لحق العبد على العبد فيسقط خلاف كحد القذف شرعه الله صونا لعرض
العبد وحد القتل والجرح شرعه الله تعالى صونا لمهجة العبد وأعضائه ومنافعها عليه
والقسم الرابع تكليف بحق الله تعالى على العبد وحق العبد في الجملة مما يستقيم به
في أولاه وأخراه من مصالحه فلا يتأتى فيه للعبد إسقاط ولو لحقه لأن الله تعالى قد
حجر فيه على العبد حتى في حق نفسه لطفا به ورحمة له وأكثر الشريعة من هذا القسم
فمن ذلك أنه تعالى حجر برحمته على عبده في تضييع ماله الذي هو عونه على أمر دنياه
وآخرته فحرم عليه عقود الربا صونا لماله عليه وعقود الغرر والجهالات صونا لماله عن
الضياع فلا يحصل المعقود عليه أو يحصل دنيا ونزرا حقيرا فيضيع المال وحرم عليه
إلقاء ماله في البحر وتضييعه في غير مصلحة وحرم السرقة صونا لماله أيضا ومن ذلك
أنه تعالى حجر على عبده في تضييع عقله الذي هو عونه على أمر دنياه وآخرته فحرم
عليه المسكرات صونا لمصلحة عقل العبد عليه ومن ذلك أنه تعالى حجر على عبده تضييع
نسبه الذي به عونه على أمر دنياه وآخرته فحرم عليه الزنا صونا لنسبه فلا يؤثر رضا
العبد بإسقاطه حقه في ذلك كله كما لا يؤثر رضاه بولاية الفسقة وشهادة الأراذل
ونحوها فافهم
____________________
(1/258)
رسول
الله صلى الله عليه وسلم أنه قال حق الله تعالى على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا
به شيئا فيقتضي أن حق الله تعالى على العباد نفس الفعل لا الأمر به وهو خلاف ما
نقلته قبل هذا والظاهر أن الحديث مؤول وأنه من باب إطلاق الأمر على متعلقه الذي هو
الفعل وبالجملة فظاهره معارض لما حرره العلماء من حق الله تعالى ولا يفهم من قولنا
الصلاة حق الله تعالى إلا أمره بها إذ لو فرضنا أنه غير مأمور بها لم يصدق أنها حق
الله تعالى فنجزم بأن الحق هو نفس الأمر لا الفعل وما وقع من ذلك مؤول
الفرق الثالث والعشرون بين قاعدة الواجب للآدميين على الآدميين وبين قاعدة الواجب
للوالدين على الأولاد خاصة وهذا الموضع مشكل بسبب أن كل ما وجب للأجانب وجب للوالدين
وقد يجب للوالدين ما لا يجب للأجانب فما ضابط ذلك الحق الواجب للوالدين الذي
امتازوا به عن الأجانب هذا هو موضع الإشكال وأنا أقرب ذلك وألخصه بذكر مسائل
وفتاوى منقولة عن العلماء تختص بالوالدين فيظهر بعد ذلك تقريب هذا الموضع إن شاء
الله تعالى وذلك بثمان مسائل المسألة الأولى قيل لمالك في مختصر الجامع يا أبا عبد
الله لي والدة وأخت وزوجة فكلما رأت لي شيئا قالت أعط هذا لأختك فإن منعتها ذلك
سبتني ودعت علي قال له
هامش أنوار البروق
قال الفرق الثالث والعشرون بين قاعدة الواجب للآدميين على الآدميين وبين قاعدة
الواجب للوالدين على الأولاد خاصة وهذا الموضع مشكل بسبب أن كل ما وجب للأجانب وجب
للوالدين وقد يجب للوالدين ما لا يجب للأجانب فما ضابط ذلك
الحق الواجب للوالدين الذي امتازوا به عن الأجانب إلى تمام الكلام في المسألة
الخامسة
هامش إدرار الشروق
الفرق الثالث والعشرون بين قاعدة الواجب للآدميين على الآدميين وبين قاعدة الواجب
للوالدين على الأولاد خاصة وبين قاعدة الواجب لذوي الأرحام غير الأبوين على قريبهم
خاصة
وذلك أن ضابط ما يختص به الوالدين دون الأجانب أمور أحدها أن ندب طاعتهم وبرهم
مطلقا أقوى من ندب بر الأجانب مطلقا الثاني وجوب اجتناب مطلق الأذى كيف كان إذا لم
يكن فيه ضرر على الابن
____________________
(1/259)
مالك
ما أرى أن تغايظها وتخلص منها بما قدرت عليه أي وتخلص من سخطها بما قدرت عليه
المسألة الثانية وقال فيه لرجل قال له والدي في بلد السودان كتب إلي أن أقدم عليه
وأمي تمنعني من ذلك فقال له مالك أطع أباك ولا تعص أمك وروي أن الليث أمره بطاعة
الأم لأن لها ثلثي البر كما حكى الباجي أن امرأة كان لها حق على زوجها فأفتى بعض
الفقهاء ابنها بأن يتوكل لها على أبيه فكان يحاكمه ويخاصمه في المجالس تغليبا
لجانب الأم ومنعه بعضهم من ذلك قال لأنه عقوق للأب والحديث إنما دل على أن بره أقل
من بر الأم لا أن الأب يعق
المسألة الثالثة قال في الموازية إذا منعه أبواه من الحج لا يحج إلا بإذنهما إلا
الفريضة
هامش أنوار البروق
قلت أكثر ذلك نقل لا كلام فيه وما فيه من كلام فهو صحيح غير قوله قال الشيخ أبو
الوليد الطرطوشي فإنه ليست كنيته أبا الوليد وإنما كنيته أبو بكر
وصل في تحقيق فقه هذا الفرق بعشر مسائل المسألة الأولى في مختصر الجامع قيل لمالك
يا أبا عبد الله لي والدة وأخت وزوجة فكلما رأت لي شيئا قالت أعط هذا لأختك فإن
منعتها ذلك سبتني ودعت علي قال له مالك ما أرى أن تغايظها وتخلص منها أي من سخطها
بما قدرت عليه
المسألة الثانية في مختصر الجامع أيضا قال رجل لمالك والدي في بلد السودان كتب إلي
أن أقدم عليه وأمي تمنعني من ذلك فقال له مالك أطع أباك ولا تعص أمك يعني أنه
يبالغ في رضا أمه بسفره لوالده ولو بأخذها معه ليتمكن من طاعة أبيه وعدم عصيان أمه
وروي أن الليث أمره بإطاعة الأم لأن لها ثلثي البر كما حكى الباجي أن امرأة كان
لها حق على زوجها فأفتى بعض الفقهاء ابنها بأن يتوكل لها على أبيه فكان يحاكمه
ويخاصمه في المجالس تغليبا لجانب الأم ومنعه بعضهم من ذلك قال لأنه عقوق للأب
والحديث الصحيح إنما دل على أن بره أقل من بر الأم لا أن الأب يعق وذلك الحديث هو
أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال يا رسول الله من أحق الناس
بحسن صحابتي قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أبوك ثم
الأقرب فالأقرب وسيأتي الكلام في هذا الحديث بعد المسائل فترقب
المسألة الرابعة قال الغزالي في الإحياء أكثر العلماء على أن طاعة الوالدين واجبة
في الشبهات دون الحرام لأن ترك الشبهة مندوب وترك طاعتهما حرام والحرام أي تركه
مقدم على المندوب أي فعله فيجب عليه أن يأكل معهما إن كرها انفراده عنهما أي وإن
كان أكله معهما شبهة لقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بعد قوله تعالى
وبالوالدين إحسانا يريد البر بهما مع اللطف ولين الجانب فلا يغلظ لهما في الجواب
ولا يحد النظر إليهما ولا يرفع صوته عليهما بل يكون بين يديهما مثل العبد بين يدي
السيد تذللا لهما ا ه ولا يسافر في مباح ولا نافلة إلا بإذنهما ولا يبادر لحج
الإسلام ولا يخرج لطلب العلم إلا بإذنهما إلا علما هو فرض عليه متعين ولم يكن في
بلده من يعلمه لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وروي في البخاري قال الحسن إذا
منعته أمه عن صلاة العشاء في الجماعة شفقة عليه فليعصها قال الشيخ أبو بكر
الطرطوشي في كتاب بر الوالدين لا طاعة لهما في ترك سنة راتبة كحضور الجماعات وترك
ركعتي الفجر والوتر ونحو ذلك إذا سألاه ترك ذلك على الدوام بخلاف ما لو دعياه لأول
وقت الصلاة وجبت طاعتهما وإن فاتته فضيلة أول الوقت
قال المسألة الخامسة في صحيح مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم نادت امرأة ابنها
وهو في صومعته إلى آخر ما ذكر في المسألة قلت جميع ما قاله في ذلك من نقل وغيره
صحيح غير قوله وإذا قدم خدمتها على فروض الكفايات فعلى النقل بطريق الأولى فإنه
لقائل أن يقول ليس ذلك في النفل أولى لأن تركه فرض الكفاية
هامش إدرار الشروق
الثالث وجوب طاعتهما في ترك النوافل الرابع وجوب طاعتهما في ترك تعجيل الفروض
الموسعة الخامس وجوب طاعتهما في ترك فروض الكفاية إذا كان ثم من يقوم بها وأما
ضابط ما يختص به الأجانب دون الأبوين فهو أن ندب برهم مطلقا يضعف عن ندب بر
الوالدين وأن طاعتهم في ترك النوافل مكروهة تنزيها قلت والظاهر أن طاعتهم في ترك
تعجيل الفروض الموسعة وترك فروض الكفاية كذلك وأن اجتناب مطلق الأذى غير واجب في
حقهم ولو لم يكن فيه ضرر على المكلف بل الواجب في حقهم اجتناب أذى مخصوص كالغيبة
والنميمة والحسد وإفساد الحليلة والولد والخادم ونحو ذلك مما عده ابن حجر في
زواجره من الكبائر فتأمل ذلك فكل واجب للأجانب واجب للأبوين ولا عكس لغويا قال
الأصل وأما ما يجب لذوي الأرحام من غير الأبوين فلم أظفر فيه بتفصيل كما وجدت
المسائل الآتي بيانها في الأبوين بل أصل الوجوب من حيث الجملة ا ه قلت لكن في
الزواجر ما حاصله أن الذي يتجه في الفرق بين العقوق وقطع الرحم هو أن المراد
بالعقوق الذي هو كبيرة أن يحصل من الولد
لها أو لأحدهما إيذاء ليس بالهين عرفا وإن لم يكن محرما لو فعل مع الغير كأن يلقاه
فيقطب في وجهه أو يقدم عليه في ملأ فلا يقوم له ولا يعبأ به ونحو ذلك مما يقضي أهل
العقل
والمروءة من أهل العرف بأنه مؤذ تأذيا عظيما ويحتمل أن العبرة بالمتأذي لكن لو كان
في غاية الحمق أو سفاهة العقل فأمر أو نهى ولده بما لا يعد مخالفته فيه في العرف
عقوقا لا يفسق ولده بمخالفته حينئذ لعذره وعليه فلو كان متزوجا بمن يحبها فأمره
بطلاقها ولو لعدم عفتها فلم يمتثل أمره لا إثم عليه كما صرح به أبو الدرداء رضي
الله تعالى عنه فيما رواه الترمذي عنه وصححه أن رجلا أتاه فقال
____________________
(1/260)
فنص
على وجوب طاعتهما في النافلة وقال في المجموعة يوافقهما في حجة الفريضة العام
والعامين وقال الأصحاب لا يعصيهما في الخروج للغزو إلا أن يتعين بمفاجأة العدو أو
ينذره فيتأخر السنة والسنتين فإن أذنا له وإلا خرج
المسألة الرابعة قال الغزالي في الإحياء أكثر العلماء على أن طاعة الوالدين واجبة
في الشبهات دون الحرام وإن كرها انفراده عنهما في الطعام وجبت عليه موافقتهما
ويأكل معهما لأن ترك الشبهة مندوب وترك طاعتهما حرام والحرام مقدم على المندوب ولا
يسافر في مباح ولا نافلة إلا بإذنهما ولا يبادر لحج الإسلام ولا يخرج لطلب العلم
إلا بإذنهما إلا علم هو فرض عليه متعين ولم يكن في بلده من يعلمه لأنه لا طاعة
لمخلوق في معصية الخالق وروي في البخاري قال الحسن إذا منعته أمه عن صلاة العشاء
هامش أنوار البروق
مع قيام غيره به لا تفوت به مصلحة وترك النفل تفوت به مصلحة ذلك النفل ويمكن
الجواب بأن مصلحة النفل إنما هي مجرد الثواب وكذلك مصلحة فرض الكفاية في حق من هو
زائد في العدد على من يحصل به المقصود من ذلك الفرض لكن ثواب فرض الكفاية أعظم
فتتحقق الأولوية
المسألة السادسة قوله تعالى فلا تقل لهما أف يدل على تحريم أصل العقوق فإنه إذا
حرم هذا القول حرم ما فوقه بطريق الأولى وقوله تعالى وإن جاهداك على أن تشرك بي ما
ليس لك به علم فلا تطعهما يدل على أمور أحدها مخالفتهما في الواجبات والثاني وجوب
برهما وحرمة عقوقهما وإن كانا كافرين فإنه لا يأمر بالشرك إلا كافر ومع ذلك فقد
صرحت الآية بوجوب برهما والثالث أن مخالفة أمرهما بالمعاصي واجبة ويؤكد ذلك قوله
عليه الصلاة والسلام لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق
قال المسألة السادسة قال أبو الوليد الطرطوشي إلى آخر المسألة
هامش إدرار الشروق
إن لي امرأة وإن أمي تأمرني بطلاقها فقال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم
يقول الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه وقال الترمذي وربما
قال سفيان إن أمي وربما قال إن أبي وفيما رواه ابن حبان في صحيحه عنه أن رجلا أتاه
فقال إن أبي لم يزل بي حتى زوجني وإنه الآن يأمرني بطلاقها قال ما أنا بالذي آمرك
أن تعق والديك ولا بالذي آمرك أن تطلق زوجتك غير أنك إن شئت حدثتك بما سمعت من
رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم سمعته يقول الوالد أوسط أبواب الجنة فحافظ على
ذلك إن شئت أو دع قال وأحسب عطاء قال فطلقها نعم قد أشار أبو الدرداء إلى أن
الأفضل طلاقها امتثالا لأمر والده وعليه يحمل ما رواه أصحاب السنن الأربعة وابن
حبان في صحيحه
وقال الترمذي حديث حسن صحيح عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال كانت تحتي امرأة
أحبها وكان عمر يكرهها فقال لي طلقها فأبيت فأتى عمر رسول الله صلى الله تعالى
عليه وسلم فذكر له ذلك فقال لي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم طلقها وكذا
سائر أوامره التي لا حامل عليها إلا ضعف عقله وسفاهة رأيه ولو عرضت على أرباب
العقول لعدوها أمورا متساهلا فيها ولرأوا أنه لا إيذاء لمخالفتها هذا هو الذي يتجه
في تقرير ذلك الحد وأن المراد بقطع الرحم الذي هو كبيرة أن يقطع المكلف ما ألف
قريبه منه من سابق الوصلة والإحسان لغير عذر شرعي لأن قطع ذلك يؤدي إلى إيحاش
القلوب ونفرتها وتأذيها يصدق عليه حينئذ أنه قطع وصلة رحمه وما ينبغي لها من عظيم
الرعاية فلو فرض أن قريبه لم يصل إليه منه إحسان ولا إساءة قط لم يفسق بذلك لأن
الأبوين إذا فرض ذلك في حقهما من غير أن يفعل معهما ما يقتضي التأذي العظيم
لغناهما مثلا لم يكن كبيرة فأولى بقية الأقارب ولو فرض أن الإنسان لم يقطع عن
قريبه ما ألفه من الإحسان لكنه فعل معه محرما صغيرة أو قطب في وجهه أو لم يقم إليه
في ملأ ولا عبأ به لم يكن ذلك فسقا بخلافه مع أحد الوالدين لأن تأكد حقهما اقتضى
أن يتميزا على
____________________
(1/261)
في
الجماعة شفقة عليه فليعصها قال الشيخ أبو الوليد الطرطوشي في كتاب بر الوالدين لا
طاعة لهما في ترك سنة راتبة كحضور الجماعات وترك ركعتي الفجر والوتر ونحو ذلك إذا
سألاه ترك ذلك على الدوام بخلاف ما لو دعياه لأول وقت الصلاة وجبت طاعتهما وإن
فاتته فضيلة أول الوقت
المسألة الخامسة في صحيح مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم نادت امرأة ابنها وهو
في صومعته يصلي قالت يا جريج فقال اللهم أمي وصلاتي قال فقالت يا جريج
قال اللهم أمي وصلاتي فقالت اللهم لا يموت حتى ينظر في وجه المياميس وكانت تأتي
إلى صومعته راعية ترعى الغنم فولدت فقيل لها ممن هذا الولد فقالت من جريج نزل من
صومعته فواقعني وساق الحديث وهذا الحديث يدل على وجوب طاعة الأم في قطع
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله في ذلك صحيح غير قوله قال أبو الوليد فقد سبق التنبيه على أن كنيته
أبو بكر
قال المسألة السابعة قال أبو الوليد إلى آخرها قلت ما قاله في ذلك صحيح غير قوله
قال أبو الوليد فإنه أبو بكر
هامش إدرار الشروق
بقية الأقارب بما لا يوجد نظيره فيهم وعلى هذا الضابط فلا فرق بين أن يكون الإحسان
الذي ألفه منه قريب مالا أو مكاتبة أو مراسلة أو زيادة أو غير ذلك فقطع ذلك كله
بعد فعله لغير عذر كبيرة والمراد بالعذر في المال فقد ما كان يصله به أو تجدد
احتياجه إليه وأن يندبه الشارع إلى تقديم غير القريب عليه لكون الأجنبي أحوج وأصلح
فعدم الإحسان إليه أو تقديم الأجنبي عليه لهذا القدر يرفع عنه الفسق
وبه انقطع بسبب ذلك ما ألفه منه القريب لأنه إنما راعى أمر الشارع بتقديم الأجنبي
على القريب وواضح أن القريب لو ألف منه قدرا معينا من المال يعطيه إياه كل سنة
مثلا فنقصه لا يفسق بذلك بخلاف ما لو قطعه من أصله لغير عذر وبما أنه لا يلزمه أن
يجري على تمام القدر الذي ألفه منه بل اللازم له أن لا يقطع ذلك من أصله وغالب
الناس يحملهم شفقة القرابة ورعاية الرحم على وصلتها لم يكن في أمرهم بمداومتهم على
أصل ما ألفوه منهم تنفير عن فعله بل حث على دوام أصله كما لا يخفى والمراد بعذر
ترك المكاتبة والمراسلة أن لا يجد من يثق به في أداء ما يرسله معه وأما عذر
الزيارة فينبغي ضبطه بعذر الجمعة بجامع أن كلا فرض عين وتركه كبيرة والظاهر أنه
إذا ترك الزيارة التي ألفت منه في وقت مخصوص لعذر لا يلزمه قضاؤها في غير ذلك
الوقت فتأمل جميع ما قررته واستفده فإني لم أر من نبه على شيء منه مع عموم البلوى
به وكثرة الاحتياج إلى ضبطه وظاهر أن الأولاد والأعمام من الأرحام وكذا الخالة
فيأتي فيهم وفيها ما تقرر من الفرق بين قطعهم وعقوق الوالدين وإن صح في الحديث أن
الخالة بمنزلة الأم وأن عم الرجل صنو أبيه إذ يكفي تشابههما في أمر ما كالحضانة
تثبت للخالة كما ثبت للأم
وكذا المحرمية وتأكد الرعاية وكالإكرام في العم والمحرمية وغيرهما مما ذكروا وأما
إلحاقهما بهما فإن عقوقهما كعقوقهما فهو وإن قال به الزركشي إلا أنه مع كونه غير
مصرح به في الحديث مناف لكلام أئمتنا فلا معول عليه بل الذي دلت عليه الآيات
والأحاديث أن الوالدين اختصا من الرعاية
____________________
(1/262)
النافلة
ويلزم من ذلك أن لا تكون واجبة بالشروع أو يقال ما وجب بالشروع يقطع للأبوين بخلاف
الواجب بالأصالة مع أن في الاستدلال بالحديث نظرا وهو أنه ليس فيه إلا أن الله
استجاب دعاءها فيه واستجابة الدعاء لا يتعين أنه لوجوب حق الداعي وأنه مظلوم وقد
ثبت في كتاب المنجيات والموبقات في فقه الأدعية أن دعاء الظالم قد يستجاب في
المظلوم ويجعل الله تعالى دعاءه سببا لضرر يحصل للمظلوم لأجل ذنب تقدم من المظلوم
وعصيانه لله تعالى بغير طريق هذا الداعي كما أن ظلم هذا الظالم ابتداء يكون بسبب
ذنوب تقدمت للمظلوم ويكون الظالم سبب وصول العقوبة إليه فكذلك يجعل الله تعالى
دعاءه سبب نقمته كما جعل يده ولسانه سببي نقمته والكل بذنوب سالفة للمظلوم فلا
يستبعد استجابة دعاء الظالم في المظلوم وإنما كان يمتنع ذلك أن لو كان
هامش أنوار البروق
قال المسألة الثامنة في بيان الواجب من صلة الرحم إلى آخر المسألة قلت ما قاله في
ذلك كله من الأجوبة وغيرها صحيح غير قوله وعلى هذه الطريقة يتضح لك أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم لو اطلع على الغيب لذهبت عنه جهالات كثيرة فإن هذا اللفظ
مستنكر مستقبح يجب تجنب مثله ويمتنع إطلاقه في جانب النبي صلى الله عليه وسلم وفي
جانب سائر الرسل والأنبياء صلى الله عليه وعليهم أجمعين
المسألة العاشرة في بيان الواجب من صلة الرحم قال الشيخ الطرطوشي قال بعض العلماء
إنما تجب صلة الرحم إذا كان هناك محرمية وهما كل شخص لو كان أحدهما ذكرا والآخر
أنثى لم يتناكحا كالآباء والأمهات والإخوة والأخوات والأجداد والجدات وإن علوا
والأولاد وأولادهم وإن سفلوا والأعمام والعمات والأخوال والخالات فأما أولاد هؤلاء
فليست الصلة بينهما واجبة كجواز المناكحة بينهم ويدل على صحة هذا القول تحريم
الجمع بين الأختين والمرأة وعمتها وخالتها لما فيه من قطيعة الرحم وترك الحرام
واجب وبرهما وترك إذايتهما واجبة ويجوز الجمع بين بنتي العم وبنتي الخال وإن كن
يتغايرن ويتقاطعن وما ذاك إلا أن صلة الرحم بينهما ليست بواجبة وقد لاحظ أبو حنيفة
هذا المعنى في التراجع في الهبة فقال بتحريمه بين كل ذي رحم محرم
الفائدة الثانية قال بعضهم حديث أن النبي عليه الصلاة والسلام لما قال له رجل يا
رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أمك
قال ثم من قال أبوك روي ثلاثا وروي مرتين فعلى رواية مرتين يكون لها ثلثا البر
وعلى رواية ثلاثة يكون لها ثلاثة أرباعه ا ه وهو باطل إذ الواجب بناء على اختلاف
مقادير الأنصباء المضمومة إليها كما هو مقتضى العطف بثم أن يكون للأم على رواية
مرتين أقل من ثلثي البر بكثير كما يجب نقصان الأب عن الثلث وأن يكون لها على رواية
ثلاثة أقل من ثلاثة أرباعه بكثير كما يجب نقصان الأب عن الربع وذلك أن قول السائل
في المرة الأولى من أحق الناس سؤال عن أعلى الرتب فلما
أجيب عنها عرف أنها الرتبة العالية وقوله في المرة الثانية من بصيغة ثم الدالة على
تراخي رتبة الفريق الثاني عن الفريق الأول في البر فقال له صاحب الشرع أمك فلا
يكون هذا الجواب مطابقا حتى تكون هذه المرتبة الثانية أخفض رتبة من الأولى وكذلك
الأجوبة التي بعدها بتلك الرتب المجاب بها فكما وجب نقصان الرتبة الثانية عن
الأولى كذلك يجب نقصان الرتبة الثالثة عن الثانية والرابعة عن الثالثة عملا بثم
الدالة على التراخي والنقصان فيكون نصيب الأب أقل من الثلث بمقدارين على رواية
الأم مرتين وبثلاث مقادير على رواية الثلاث فتفاوت الرتب متحقق جزما إلا أن ضبط
مقداره لم يتيسر حتى الآن فإن تيسر لك ضبطه فاضبطه وعطف الأم بثم في المرتبة
الثالثة والثانية على الأم نفسها في المرتبة التي قبل وإن خالف في الظاهر القاعدة
العربية أن الشيء لا يعطف على نفسه إلا أن الأم بقيد الرتبة الدنيا معطوفة على
نفسها بقيد الرتبة العليا والشيء الواحد مع غيره غيره في نفسه فالعطف هنا على حد
العطف في قولك زيد ابن وأخ وفقيه وتاجر وغير ذلك
هامش إدرار الشروق
والاحترام والطوعية والإحسان بأمر عظيم جدا وغاية رفيعة لم يصل إليها أحد من بقية
الأقارب ويلزم من ذلك أنه يكتفى في عقوقهما وكونه فسقا بما لا يكتفى به في عقوق
غيرهما انتهى ولا يخفى أن قطع المكلف ما ألفه الأجنبي منه مما ذكر بلا عذر لا يكون
كبيرة فظهر الفرق وأن كل ما وجب للأجنبي وجب لذوي الرحم وكل ما وجب لذوي الرحم من
غير الأبوين وجب للأبوين من غير عكس لغوي فيهما والحمد لله وكفى
وصل في تحقيق فقه هذا الفرق بعشر مسائل المسألة الأولى في مختصر الجامع قيل لمالك
يا أبا عبد الله لي والدة وأخت وزوجة فكلما رأت لي شيئا قالت أعط هذا لأختك فإن
منعتها ذلك سبتني ودعت علي قال له مالك ما أرى أن تغايظها وتخلص منها أي من سخطها
بما قدرت عليه
المسألة الثانية في مختصر الجامع أيضا قال رجل لمالك والدي في بلد السودان كتب إلي
أن أقدم عليه وأمي تمنعني من ذلك فقال له مالك أطع أباك ولا تعص أمك يعني أنه
يبالغ في رضا أمه بسفره لوالده ولو بأخذها معه ليتمكن من طاعة أبيه وعدم عصيان أمه
وروي أن الليث أمره بإطاعة الأم لأن لها ثلثي البر كما حكى الباجي أن امرأة كان
لها حق على زوجها فأفتى بعض الفقهاء ابنها بأن يتوكل لها على أبيه فكان يحاكمه
ويخاصمه في المجالس تغليبا لجانب الأم ومنعه بعضهم من ذلك قال لأنه عقوق للأب
والحديث الصحيح إنما دل على أن بره أقل من بر الأم لا أن الأب يعق وذلك الحديث هو
أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال يا رسول الله من أحق الناس
بحسن صحابتي قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أبوك ثم
الأقرب فالأقرب وسيأتي الكلام في هذا الحديث بعد المسائل فترقب
____________________
(1/263)
دعاؤه
إنما يستجاب بسبب حق الظالم والظالم ليس له حق فلا يستجاب وليس كذلك بل يستجاب
بسبب حقوق لغيره لقوله تعالى وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير
وبهذا التقرير يظهر ضعف الاستدلال بهذا الحديث فإنه ليس فيه إلا استجابة الدعاء
ومما يدل على تقديم طاعتهما على المندوبات ما في مسلم أن رجلا قال يا رسول الله
أبايعك على الهجرة والجهاد قال هل من والديك أحد حي قال نعم كلاهما قال فتبتغي
الأجر من الله تعالى قال نعم قال فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما فجعل عليه السلام
الكون مع الأبوين أفضل من الكون معه وجعل خدمتهما أفضل من الجهاد مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم لا سيما في أول الإسلام ومع أنه لم يقل في الحديث أنهما منعاه بل
هما موجودان فقط فأمره عليه السلام بالأفضل في حقه وهو
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
المسألة الثالثة قال في الموازية إذا منعه أبواه من الحج لا يحج إلا بإذنهما إلا
الفريضة فنص على وجوب طاعتهما في النافلة وقال في المجموعة يوافقهما في حجة
الفريضة العام والعامين أي بناء على القول بالتراخي وقال الأصحاب لا يعصيهما في
الخروج للغزو وإلا أن يتعين بمفاجأة العدو أو ينذره فيؤخر السنة والسنتين فإن أذنا
له وإلا خرج
المسألة الرابعة قال الغزالي في الإحياء أكثر العلماء على أن طاعة الوالدين واجبة
في الشبهات دون الحرام لأن ترك الشبهة مندوب وترك طاعتهما حرام والحرام أي تركه
مقدم على المندوب أي فعله فيجب عليه أن يأكل معهما إن كرها انفراده عنهما أي وإن
كان أكله معهما شبهة لقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بعد قوله تعالى
وبالوالدين إحسانا يريد البر بهما مع اللطف ولين الجانب فلا يغلظ لهما في الجواب
ولا يحد النظر إليهما ولا يرفع صوته عليهما بل يكون بين يديهما مثل العبد بين يدي
السيد تذللا لهما ا ه ولا يسافر في مباح ولا نافلة إلا بإذنهما ولا يبادر لحج
الإسلام ولا يخرج لطلب العلم إلا بإذنهما إلا علما هو فرض عليه متعين ولم يكن في
بلده من يعلمه لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وروي في البخاري قال الحسن إذا
منعته أمه عن صلاة العشاء في الجماعة شفقة عليه فليعصها قال الشيخ أبو بكر
الطرطوشي في كتاب بر الوالدين لا طاعة لهما في ترك سنة راتبة كحضور الجماعات وترك
ركعتي الفجر والوتر ونحو ذلك إذا سألاه ترك ذلك على الدوام بخلاف ما لو دعياه لأول
وقت الصلاة وجبت طاعتهما وإن فاتته فضيلة أول الوقت
المسألة الخامسة أعظم دليل وأبلغه في أمر الوالدين ما في مسلم أن رجلا قال يا رسول
الله أبايعك على الهجرة والجهاد قال هل من والديك أحد حي قال نعم كلاهما قال
فتبتغي الأجر من الله تعالى قال نعم قال فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما فإنه عليه
الصلاة والسلام أمره بالأفضل في حقه وهو الكون معهما رتبه على مجرد وصف الأبوة مع
قطع النظر عن أمرهما وعصيانهما وحاجتهما للولد وغير ذلك من الأمور الموجبة لبرهما
بل قدم صلى الله تعالى عليه وسلم صحبتهما مع مجرد وصف الأبوة على صحبته عليه
____________________
(1/264)
الكون
معهما وفرض الجهاد فرض كفاية يحمله الحاضرون عند النبي صلى الله عليه وسلم عنه
ويندرج في هذا المسلك غسل الموتى ومواراتهم وجميع فروض الكفاية إذا وجد من يقوم
بها وهذا الحديث أعظم دليل وأبلغ في أمر الوالدين فإنه عليه الصلاة والسلام رتب
هذا الحكم على مجرد وصف الأبوة مع قطع النظر عن أمرهما وعصيانهما وحاجتهما للولد
وغير ذلك من الأمور الموجبة لبرهما بل مجرد وصف الأبوة مقدم على ما تقدم ذكره وإذا
نص النبي عليه الصلاة والسلام على تقديم صحبتهما على صحبته عليه السلام فما بقي
بعد هذه الغاية غاية وإذا قدم خدمتهما على فعل فروض الكفاية فعلى النفل بطريق
الأولى بل على المندوبات المتأكدة وقد روي في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال لو كان جريج فقيها لعلم أن إجابة أمه أفضل من صلاته لأنه في ذلك الوقت
كان الكلام الذي يحتاج إليه في الصلاة مباحا كما كان في أول شرعنا وعلى هذا
التقدير يندفع الإشكال ويكون جريج عصى بترك طاعتهما في أمر مباح أو مندوب إليه وهو
الصمت حينئذ
فوائد في الحديث المتقدم المياميس الزواني جمع زانية ووجه المناسبة أنه لما منع
أمه من النظر إلى وجهه محتجا بالصلاة دعت عليه بأن ينظر إلى وجوه الزواني عقوبة
على الامتناع من النظر إلى وجهها ويدل الحديث أيضا على منع السفر المباح إلا
بإذنهما فإن غيبة الوجه فيه أعظم ويدل أيضا على وجوب طاعتهما في النوافل ويدل أيضا
على أن العقوق يؤاخذ به الإنسان وإن عظم قدره في الزهد والعبادة لأن جريجا كان من
أعبد بني إسرائيل وخرقت له العادات وظهرت له الكرامات فما ظنك بغيره إذا عق أبويه
ويدل على تحريم أصل العقوق قوله
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
الصلاة والسلام وخدمتهما مع ذلك على الجهاد معه صلى الله تعالى عليه وسلم لا سيما
في أول الإسلام نظرا لكون الجهاد فرض كفاية يحمله الحاضرون عنده صلى الله تعالى
عليه وسلم عنه فيندرج في هذا المسلك غسل الموتى ومواراتهم وجميع فروض الكفاية إذا
وجد من يقوم بها ويكون تقديم خدمتهما على النفل بطريق الأولى وإن لم تفت بتركه فرض
الكفاية مع قيام غيره به مصلحة ومصلحة ذلك النفل تفوت بتركه نظرا لكون مصلحة النفل
وإن لم تكن إلا مجرد الثواب وكذا مصلحة فرض الكفاية في حق من هو زائد في العدد على
من يحصل به المقصود من ذلك إلا أن ثواب فرض الكفاية أعظم فتتحقق الأولوية بل على
المندوبات المتأكدة نعم هذا حيث لم يشرع في النافلة والمندوبات المتأكدة وفرض
الكفاية أما بعد الشروع فلا تجب طاعة الوالدين في قطع ذلك
إذ النافلة والمندوبات المتأكدة مما يجب بالشروع عندنا وعند السادة الأحناف خلافا
للشافعية وكذا فرض الكفاية يصير فرض عين بالشروع فيه على الأصح حتى طلب العلم لمن
ظهرت فيه قابلية من نجابة قاله سحنون خلاف ما عند المحلي كما في حاشية ابن حمدون
على شرح ميارة الصغير على ابن عاشر وما في صحيح مسلم قال النبي صلى الله تعالى
عليه وسلم نادت امرأة ابنها وهو في صومعته يصلي قالت يا جريج فقال اللهم أمي
وصلاتي قال فقالت يا جريج قال اللهم أمي وصلاتي فقالت اللهم لا تمته حتى ينظر في
وجه
____________________
(1/265)
تعالى
فلا تقل لهما أف وإذا حرم هذا القول حرم ما فوقه بطريق الأولى ويدل على مخالفتهما
في الواجبات قوله تعالى وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما
وفي الآية فائدتان الفائدة الأولى أن الأبوين يجب برهما ويحرم عقوقهما وإن كانا
كافرين فإنه لا يأمر بالشرك إلا كافر ومع ذلك فقد صرحت الآية بوجوب برهما الفائدة
الثانية أن مخالفتهما واجبة في أمرهما بالمعاصي ويؤكد ذلك قوله عليه السلام لا
طاعة لمخلوق في معصية الخالق
المسألة السادسة قال أبو الوليد الطرطوشي أما مخالفتهما في طلب العلم فإن كان في
بلده يجد مدارسة المسائل والتفقه على طريق التقليد وحفظ نصوص العلماء فأراد أن
يظعن إلى بلد آخر فيتفقه فيه على مثل طريقته لم يجز إلا بإذنهما لأن خروجه إذاية
لهما بغير فائدة وإن أراد الخروج للتفقه في الكتاب والسنة ومعرفة الإجماع ومواضع
الخلاف ومراتب القياس فإن وجد في بلده ذلك لم يخرج إلا بإذنهما وإلا خرج ولا طاعة
لهما في منعه لأن تحصيل درجة المجتهدين فرض على الكفاية قال سحنون من كان أهلا
للإمامة وتقليد العلوم ففرض عليه أن يطلبها لقوله تعالى ولتكن منكم أمة يدعون إلى
الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ومن لا يعرف المعروف كيف يأمر به أو لا
يعرف المنكر كيف ينهى عنه
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
المياميس وكانت تأتي إلى صومعته راعية ترعى الغنم فولدت فقيل لها ممن هذا الولد
فقالت من جريج نزل من صومعته فواقعني وساق الحديث لا يدل على وجوب طاعة الأم في
قطع النافلة حتى يلزم من ذلك أن لا تكون واجبة بالشروع أو يقال ما وجب بالشروع
يقطع للأبوين بخلاف الواجب بالأصالة لأن الكلام الذي يحتاج إليه في الصلاة كان
مباحا في ذلك الوقت كما كان في أول شرعنا وعليه فيكون جريج قد عصى بترك طاعتها في
أمر مباح أو مندوب إليه وهو الصمت حينئذ فلذا روي في بعض الأحاديث أن النبي صلى
الله تعالى عليه وسلم قال لو كان جريج فقيها لعلم أن إجابة أمه أفضل من صلاته على
أن في الاستدلال به نظرا إذ ليس فيه إلا أن الله استجاب دعاءها فيه واستجابة
الدعاء لا يتعين أنه لوجوب حق الداعي وأنه مظلوم وقد ثبت في كتاب المنجيات
والموبقات في فقه الأدعية أن دعاء الظالم قد يستجاب في المظلوم ويجعل الله تعالى
دعاءه سببا لضرر يحصل للمظلوم لأجل ذنب تقدم من المظلوم وعصيانه لله تعالى بغير
طريق هذا الداعي كما أن ظلم هذا الظالم ابتداء يكون بسبب ذنوب تقدمت للمظلوم ويكون
الظالم سبب وصول العقوبة إليه فكذلك يجعل الله دعاءه سبب نقمته وجعل يده ولسانه
سببي نقمته والكل بذنوب سالفة للمظلوم فلا يستبعد إجابة دعاء الظالم في المظلوم
وإنما كان يمتنع ذلك أن لو كان دعاؤه إنما يستجاب بسبب حق الظالم والظالم ليس له
حق فلا يستجاب وليس كذلك بل يستجاب بسبب حقوق لغيره لقوله تعالى وما أصابكم من
مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير نعم يدل
____________________
(1/266)
قلت
قد تقدم أن مخالفتهما في الجهاد الذي هو فرض كفاية لا تجوز كما تقدم في الذي رده
عليه السلام لأبويه عن الهجرة والجهاد معه لأن الحاضر يقوم مقامه وهذه الفتوى
تقتضي أنه تجوز مخالفتهما في فروض الكفاية فبينهما تعارض والجواب عنه أن نقول
العلم وضبط الشريعة وإن كان فرض كفاية غير أنه يتعين له طائفة من الناس وهي من جاد
حفظهم ورق فهمهم وحسنت سيرتهم وطابت سريرتهم فهؤلاء هم الذين يتعين عليهم الاشتغال
بالعلم فإن عديم الحفظ أو قليله أو سيئ الفهم لا يصلح لضبط الشريعة المحمدية وكذلك
من ساءت سيرته لا يحصل به الوثوق للعامة فلا تحصل به مصلحة التقليد فتضيع أحوال
الناس وإذا كانت هذه الطائفة متعينة بهذه الصفات تعينت بصفاتها وصار طلب العلم
عليها فرض عين فلعل هذا هو معنى كلام سحنون وأبي الوليد والجهاد يصلح له عموم
الناس فأمره سهل وليس الرمي بالحجر والضرب بالسيف كضبط العلوم فكل بليد أو ذكي
يصلح للأول ولا يصلح للثاني إلا من تقدم ذكره فافهم ذلك
المسألة السابعة قال أبو الوليد إن أراد سفرا للتجارة يرجو به ما يحصل له في
الإقامة فلا يخرج إلا بإذنهما وإن رجا أكثر من ذلك وهو في كفاف وإنما يطلب ذلك تكاثرا
فهذا لو أذنا له لنهيناه لأنه غرض فاسد وإن كان المقصود منه دفع حاجات نفسه أو
أهله بحيث لو تركه تأذى بتركه كان له مخالفتهما لقوله عليه السلام لا ضرر ولا ضرار
وكما
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
هذا الحديث على أمور الأول منع السفر المباح إلا بإذنهما وذلك أن المياميس الزواني
جمع زانية فلما منع أمه من النظر إلى وجهه محتجا بالصلاة دعت عليه بأن ينظر إلى
وجوه الزواني عقوبة على الامتناع من النظر إلى وجهها ولا شك أن غيبة الوجه في
السفر أعظم
الثاني وجوب طاعتهما في النوافل
الثالث أن العقوق يؤاخذ به الإنسان وإن عظم قدره في الزهد والعبادة لأن جريجا كان
من أعبد بني إسرائيل وخرقت له العادات وظهرت له الكرامات فما ظنك بغيره إذا عق
والديه
المسألة السادسة قوله تعالى فلا تقل لهما أف يدل على تحريم أصل العقوق فإنه إذا
حرم هذا القول حرم ما فوقه بطريق الأولى وقوله تعالى وإن جاهداك على أن تشرك بي ما
ليس لك به علم فلا تطعهما يدل على أمور أحدها مخالفتهما في الواجبات والثاني وجوب
برهما وحرمة عقوقهما وإن كانا كافرين فإنه لا يأمر بالشرك إلا كافر ومع ذلك فقد
صرحت الآية بوجوب برهما والثالث أن مخالفة أمرهما بالمعاصي واجبة ويؤكد ذلك قوله
عليه الصلاة والسلام لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق
المسألة السابعة قول الإمام أبي بكر الطرطوشي أما مخالفتهما في طلب العلم فإن كان
في بلده يجد
____________________
(1/267)
نمنعه
من إذايتهما نمنعهما من إذايته فإنه لو كان معه طعام إن لم يأكله هلك وإن لم
يأكلاه هلكا قدمت ضرورته عليهما قال فإن قلت قد قال مالك إذا احتلم الغلام ذهب حيث
شاء وليس لأبويه منعه قال قلت هذا في الحضانة لأنه قبل البلوغ كان تصرفه بإذن
كافله فإذا بلغ ذهب حجر الحضانة وتجدد حجر البر ويؤكد ذلك قول مالك في الذي دعاه
أبوه من السودان ومنعته أمه فمنعه مالك من الخروج بغير إذن الأم وقال له أطع أباك
ولا تعص أمك فهو بعد البلوغ يمشي في البلد حيث شاء دون السفر إلا أن يكون في موضع
ريبة وهما يتأذيان به فيمنعانه مطلقا
سؤال قوله تعالى فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن والنكاح مباح وقد نهي الأب عن منع
ابنته فلا تجب طاعته في ترك المباح ولا في ترك المندوب بطريق الأولى
جوابه أن البنت لها حق في الإعفاف والتصون ودفع ضرر مواقعة الشهوة وسد ذرائع
الشيطان عنها بالتزويج فإذا كان ذلك حقا لها وأداء الحقوق واجب على الأباء للأبناء
ولا يلزم من وجوب الحق عليهم للأبناء جواز إذاية الآباء باستيفاء ذلك الحق ألا ترى
أن مالكا في المدونة منع من تحليف الأب في حق له وقال إن حلفه كان جرحة في حق
الولد فالآية ما دلت إلا على الوجوب على الآباء لا على إباحة إذايتهم بالمخالفة
المسألة الثامنة في بيان الواجب من صلة الرحم قال الشيخ الطرطوشي قال بعض
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
مدارسة المسائل والتفقه على طريق التقليد وحفظ نصوص العلماء فأراد أن يظعن إلى بلد
آخر فيتفقه فيه على مثل طريقته لم يجز إلا بإذنهما لأن خروجه إذاية لهما بغير
فائدة وإن أراد الخروج للتفقه في الكتاب والسنة ومعرفة الإجماع ومواضع الخلاف
ومراتب القياس فإن وجد في بلده ذلك لم يخرج إلا بإذنهما وإلا خرج ولا طاعة لهما في
منعه لأن تحصيل درجة المجتهدين فرض على الكفاية قال سحنون من كان أهلا للإمامة
وتقليد العلوم ففرض عليه أن يطلبهما لقوله تعالى ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير
ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ومن لا يعرف المعروف كيف يأمر به أو لا يعرف
المنكر كيف ينهى عنه
ا ه
لا يخالف ما تقدم من عدم جواز مخالفتهما في الجهاد الذي هو فرض كفاية ضرورة أن
العلم وضبط الشريعة وإن كان فرض كفاية أيضا إلا أنه يتعين له طائفة من الناس وهم
من جاد حفظهم ورق فهمهم وحسنت سيرتهم وطابت سريرتهم فهؤلاء هم الذين يتعين عليهم
الاشتغال بالعلم فإن عديم الحفظ أو قليله وسيئ الفهم لا يصلح لضبط الشريعة
المحمدية وكذلك من ساءت سريرته لا يحصل به الوثوق للعامة فلا تحصل به مصلحة
التقليد فتضيع أحوال الناس وإذا كانت هذه الطائفة متعينة بهذه الصفات صار طلب
العلم عليها فرض عين لا فرض كفاية إذ لا يصلح له غيرها بخلاف الجهاد الذي هو عبارة
عن الرمي بالحجر والضرب بالسيف فإن كل بليد أو زكي يصلح له لسهولة أمره وصعوبة ضبط
العلوم فلعل هذا هو معنى كلام سحنون وأبي بكر
قال المسألة السابعة قال أبو الوليد إلى آخرها قلت ما قاله في ذلك صحيح غير قوله
قال أبو الوليد فإنه أبو بكر
____________________
(1/268)
العلماء
إنما تجب صلة الرحم إذا كان هناك محرمية وهما كل شخصين لو كان أحدهما ذكرا والآخر
أنثى لم يتناكحا كالآباء والأمهات والإخوة والأخوات والأجداد والجدات وإن علوا
والأولاد وأولادهم وإن سفلوا والأعمام والعمات والأخوال والخالات فأما أولاد هؤلاء
فليست الصلة بينهم واجبة لجواز المناكحة بينهم ويدل على صحة هذا القول تحريم الجمع
بين الأختين والمرأة وعمتها وخالتها لما فيه من قطيعة الرحم وترك الحرام واجب
وبرهما وترك إذايتهما واجبة ويجوز الجمع بين بنتي العم وبنتي الخال وإن كن يتغايرن
ويتقاطعن وما ذاك إلا أن صلة الرحم بينهما ليست واجبة وقد لاحظ أبو حنيفة هذا
المعنى في التراجع فقال يحرم التراجع في الهبة بين كل ذي رحم محرم
سؤال ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم صلة الرحم تزيد في العمر وقوله عليه السلام
من سره السعة في الرزق والنساء في الأجل فليصل رحمه مع أن المقدرات لا تزيد ولا
تنقص وقد قدر الله تعالى جميع الممكنات ما وجد منها وما لم يوجد في الأزل فتعلقت إرادته
القديمة الأزلية بوجود كل ممكن أراد وجوده وبعدم كل ممكن أراد بقاءه على العدم
الأصلي أو أراد عدمه بعد وجوده فجميع الجائزات وجودا أو عدما قد نفذت فيها مشيئته
سبحانه وتعالى فكيف بقيت الزيادة بعد ذلك بتيسير سبب من الأسباب
جوابه من العلماء من يقول إنما ذلك بزيادة البركة فيما قدر في الأزل من الرزق
والأجل
وأما نفس الأجل والرزق المقدرين فلا يقبلان الزيادة قلت وهذا الجواب عندي ضعيف
بسبب أن البركة أيضا من جملة المقدرات فإن كان
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
المسألة الثامنة قول مالك إذا احتلم الغلام ذهب حيث شاء وليس لأبويه منعه ا ه خاص
بمجرد الحضانة فلا ينافي تجدد حجر البر الذي في قول الإمام أبي بكر الطرطوشي إن
أراد سفرا للتجارة يرجو به ما يحصل له في الإقامة فلا يخرج إلا بإذنهما وإن رجا
أكثر من ذلك وهو في كفاف وإنما يطلب ذلك تكاثرا فهذا لو أذنا له لنهيناه لأنه غرض
فاسد وإن كان المقصود منه دفع حاجات نفسه وأهله بحيث لو تركه تأذى بتركه كان له
مخالفتهما لقوله عليه الصلاة والسلام لا ضرر ولا ضرار وكما نمنعه من إذايتهما
نمنعهما من إذايته فإنه لو كان معه طعام إن لم يأكله هلك وإن لم يأكلاه هلكا قدمت
ضرورته عليهما ا ه فالغلام بعد البلوغ يمشي في البلد حيث شاء دون السفر إلا أن
يكون في موضع ريبة وهما يتأذيان به فيمنعانه مطلقا كما يؤكد ذلك ما مر من قول مالك
لمن دعاه أبوه من السودان ومنعته أمه أطع أباك ولا تعص أمك
المسألة التاسعة قوله تعالى فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن لا يدل إلا على وجوب
أداء حق البنت في الإعفاف والتصون ودفع ضرر مواقعة الشهوة وسد ذرائع الشيطان عنها
بالتزويج على الآباء لا
____________________
(1/269)
القدر
مانعا من الزيادة فليمنع من البركة في العمر والرزق كما منع من الزيادة فيهما بل هذا
الجواب يلزم منه مفسدتان أحدهما إيهام أن البركة خرجت عن القدر فإن المجيب قد صرح
بأن تعلق القدر مانع فحيث لا مانع لا قدر وهذا رديء جدا وثانيهما أنه يقل الرغبة
في صلة الرحم بالنسبة لظاهر اللفظ فإنا إذا قلنا لزيد إن وصلت رحمك زادك الله
تعالى في عمرك عشرين سنة فإنه يجد من الوقع لذلك ما لا يجده من قولنا إنه لا يزيدك
الله تعالى بذلك يوما واحدا بل يبارك لك في عمرك فقط فيختل المعنى الذي قصده رسول
الله صلى الله عليه وسلم من المبالغة في الحث على صلة الرحم والترغيب فيها بل الحق
أن الله تعالى قدر له ستين سنة مرتبة على الأسباب العادية من الغذاء والتنفس في
الهواء ورتب له عشرين سنة أخرى مرتبة على هذه الأسباب وصلة الرحم
وإذا جعلها الله تعالى سببا أمكن أن يقال إنها تزيد في العمر حقيقة كما نقول
الإيمان يدخل الجنة والكفر يدخل النار بالوضع الشرعي لا بالاقتضاء العقلي ومتى علم
المكلف أن الله تعالى نصب صلة الرحم سببا لزيادة النساء في العمر بادر إلى ذلك كما
يبادر لاستعمال الغذاء وتناول الدواء والإيمان رغبة في الجنان ويفر من الكفر رهبة
من النيران وبقي الحديث على ظاهره من غير تأويل يخل بالحديث على ما تقدم وكذلك
القول في الرزق حرفا بحرف وكذلك نقول الدعاء يزيد في العمر والرزق ويدفع الأمراض
ويؤخر الآجال وغير ذلك مما شرع فيه الدعاء فهو من القدر
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
على إباحة إذاية الآباء بالمخالفة إذ لا يلزم من وجوب الحق عليهم للأبناء جواز
إذاية الآباء باستيفاء ذلك الحق ألا ترى أن مالكا في المدونة منع من تحليف الأب في
حق له وقال إن حلفه كان جرحه في حق الولد
المسألة العاشرة في بيان الواجب من صلة الرحم قال الشيخ الطرطوشي قال بعض العلماء
إنما تجب صلة الرحم إذا كان هناك محرمية وهما كل شخص لو كان أحدهما ذكرا والآخر
أنثى لم يتناكحا كالآباء والأمهات والإخوة والأخوات والأجداد والجدات وإن علوا
والأولاد وأولادهم وإن سفلوا والأعمام والعمات والأخوال والخالات فأما أولاد هؤلاء
فليست الصلة بينهما واجبة كجواز المناكحة بينهم ويدل على صحة هذا القول تحريم
الجمع بين الأختين والمرأة وعمتها وخالتها لما فيه من قطيعة الرحم وترك الحرام
واجب وبرهما وترك إذايتهما واجبة ويجوز الجمع بين بنتي العم وبنتي الخال وإن كن
يتغايرن ويتقاطعن وما ذاك إلا أن صلة الرحم بينهما ليست بواجبة وقد لاحظ أبو حنيفة
هذا المعنى في التراجع في الهبة فقال بتحريمه بين كل ذي رحم محرم
فائدتان الأولى معنى قوله صلى الله تعالى عليه وسلم صلة الرحم تزيد في العمر وقوله
عليه الصلاة والسلام من سره
____________________
(1/270)
ولا
يخل بشيء من القدر بل ما رتب الله سبحانه مقدورا إلا على سبب عادي ولو شاء لما
ربطه به ومن هذا الباب الجواب عن سؤال صعب ورد في قوله تعالى ولو كنت أعلم الغيب
لاستكثرت من الخير وما مسني السوء فقال بعض الفقهاء هنا سؤال وهو أنه عليه السلام
إذا علم الغيب والذي في الغيب هو الذي قدره الله تعالى له من الخير فكيف يستكثر من
الخير على تقدير الاطلاع على الغيب بل لو قدر الاطلاع على الغيب لبقي على ما هو
فيه من الخير والجواب عنه أن الله تعالى قدر الخير والشر في الدنيا والآخرة وجعل
لكل مقدور سببا يترتب عليه ويرتبط به ومن جملة الأسباب الأسباب التي جرت عادة الله
تعالى بها من العلوم والجهالات فالجهل سبب عظيم في العالم لمفاسد من أمور الدنيا
والآخرة وفوات المصالح والعلم سبب عظيم لتحصيل مصالح ودرء مفاسد في الدنيا والآخرة
فالملك الذي دفع له السم فأكله فمات منه كيدا من أعدائه إنما قدر الله تعالى أن
يموت بالسم مع جهله بتناوله أما لو علمه لم يتناوله
وكذلك أن الله تعالى إذا كان قد قدر نجاته منه قدر اطلاعه عليه فيسلم فيكون سبب
سلامته علمه به فالمقدر على تقدير الجهل نحن نمنع أنه مقدر على تقديره العلم بل
المقدر على تقدير العلم ضده فالرزق الحقير إنما قدره الله تعالى لأهله على تقدير
جهلهم بالكنوز وعمل الكيمياء وغير ذلك من أسباب الرزق أما
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
السعة في الرزق والنسأ في الأجل فليصل رحمه هو أن الله تعالى نصب صلة الرحم سببا
بالوضع الشرعي لا بالقضاء العقلي لزيادة النسإ في العمر ولسعة الرزق كما نصب بهذا
الوضع الشرعي الإيمان سببا في دخول الجنة والكفر سببا في دخول النار ونصب بالوضع
العادي لا بالاقتضاء العقلي الأسباب العادية من الغذاء والتنفس في الهواء والأدوية
وجعلها أسبابا في الحياة وإذا جعل الله صلة الرحم سببا لذلك أمكن أن يقال إنها
تزيد في العمر وتوسع في الرزق حقيقة كما نقول الإيمان يدخل الجنة والكفر يدخل
النار ومتى علم المكلف أن الله تعالى نصب صلة الرحم سببا لذلك بادر إليها رغبة في
زيادة العمر وسعة الرزق كما يبادر لاستعمال الغذاء وتناول الدواء رغبة في الحياة
وللإيمان رغبة في الجنان ويفر من الكفر رهبة من النيران ومن هذا القبيل قولنا الدعاء
يزيد في العمر والرزق ويدفع الأمراض ويؤخر الآجال وغير ذلك مما شرع فيه الدعاء فهو
من القدر ولا يخل بشيء من القدر بل ما رتب الله سبحانه مقدورا إلا على سبب عادي
ولو شاء لما ربطه به فاندفع ما
قيل إن المقدرات لا تزيد ولا تنقص وقد قدر الله تعالى جميع الممكنات ما وجد منها
وما لم يوجد في الأزل فتعلقت إرادته القديمة الأزلية بوجود كل ممكن أراد وجوده
وبعدم كل ممكن أراد بقاءه على العدم الأصلي أو أراد عدمه بعد وجوده فجميع الجائزات
وجودا أو عدما قد نفذت فيها مشيئته سبحانه وتعالى فكيف بقيت الزيادة بعد ذلك بتيسر
سبب من الأسباب ولم يحتج إلى الجواب بأن ذلك إنما هو بزيادة البركة فيما قدر في
الأزل من الرزق
____________________
(1/271)
مع
العلم بهذه الأسباب العظيمة الموجبة في مجرى العادة سعة الرزق فلا نسلم أن الله
تعالى قدر ضيق الرزق على هذا التقدير كما نقول ما قدر الله من دخول المؤمنين الجنة
إلا على تقدير الإيمان أما مع عدمه فلا نسلم أن الله تعالى قدر لهم الجنة وما قدر
للكفار النار إلا على تقدير جهلهم بالله تعالى أما على تقدير علمهم به تعالى فلا
نسلم أنه قدر لهم النار وعلى هذه الطريقة يتضح لك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
لو اطلع على الغيب لذهبت عنه جهالات كثيرة كثر عنده من الخير ما لم يكن عنده الآن
وما مسه السوء ولقد نجزم أن المحنة في أحد وقتل حمزة وغيره إنما قدرها الله تعالى
بسبب عدم العلم بأمور وعواقبها في ذلك اليوم ولو قدر حصول العلم بعواقب ذلك اليوم
لكان الأمر على خلاف ذلك وبالجملة فقد كثرت لك النظائر لتستيقظ لهذه القاعدة وسر
القضاء والقدر فيندفع السؤال وهو موضع حسن
فائدة أطلق جماعة من العلماء القول بأن للأم ثلثي البر لقول النبي عليه السلام لما
قال له رجل يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي قال أمك قال ثم من قال أمك قال
ثم من قال أمك قال ثم من قال أبوك وروي ذلك مرتين وروي ثلاثا فعلى رواية مرتين
قالوا يكون لها ثلث البر وعلى رواية ثلاثة يكون لها ثلاثة أرباع البر لأن الأب جاء
في المرة الرابعة وهذا يعتقد أنه سهل وليس بالسهل وذلك أن قول السائل أي الناس أحق
إنما سأل عن أعلى الرتب فلما أجيب عنها عرفها الرتبة
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
والأجل وأما نفس الأجل والرزق المقدرين فلا يقبلان الزيادة على أن هذا الجواب أولا
ضعيف بسبب أن البركة أيضا من جملة المقدرات فإن كان القدر مانعا من الزيادة فليمنع
من البركة في العمر والرزق كما منع من الزيادة فيهما وثانيا يلزم منه مفسدتان
إحداهما إيهام أن البركة خرجت عن القدر لتصريح المجيب بأن تعلق القدر مانع فحيث لا
مانع لا قدر وهذا رديء جدا وثانيتهما اختلال المعنى الذي قصده رسول الله صلى الله
عليه وسلم من المبالغة في الحث على صلة الرحم والترغيب فيها إذ عليه تكون الرغبة
في صلة الرحم بالنسبة لظاهر اللفظ فإنا إذا قلنا لزيد إن وصلت رحمك زادك الله
تعالى في عمرك عشرين سنة فإنه يجد من الوقوع لذلك ما لا يجده من قولنا إنه لا
يزيدك الله تعالى بذلك يوما واحدا بل يبارك لك في عمرك فقط وبالجملة فالقاعدة أن
الله تعالى قدر الخير والشر في الدنيا والآخرة وجعل لكل مقدر سببا يترتب عليه
ويرتبط به ومن جملة الأسباب التي جرت عادة الله تعالى بها من العلوم والجهالات
فالجهل سبب عظيم في العالم لمفاسد من أمور الدنيا والآخرة وفوات المصالح والعلم
سبب عظيم لتحصيل مصالح ودرء مفاسد في الدنيا والآخرة مثلا الملك الذي دفع له
أعداؤه السم فأكله فمات منه كيدا منهم لما قدر الله تعالى أن يموت به ربطه بسبب
جهله بتناوله وقدر ذلك السبب فلو قدر نجاته منه لقدر اطلاعه عليه فيسلم فيكون سبب
سلامته علمه به فليس المقدر على تقدير العلم هو عين المقدر على تقدير الجهل بل ضده
ألا
____________________
(1/272)
العالية
فأخذ يسأل عن الرتبة التي تليها بصيغة ثم التي للتراخي الدالة على تراخي رتبة
الفريق الثاني عن الفريق الأول في البر فقال له صاحب الشرع أمك فلا يكون هذا
الجواب مطابقا حتى تكون هذه الرتبة الثانية أخفض رتبة من الأولى وكذلك الأجوبة
التي بعدها بتلك الرتب المجاب بها وكما وجب نقصان الرتبة الثانية عن الأولى وجب
أيضا نقصان الرتبة الثالثة عن الثانية عملا بثم الدالة على التراخي والنقصان ثم
رتبة الأب تكون أخفض الرتب وأقلها وعلى هذا التقدير لا تكون رتبة الأب مشتملة على
ثلث البر إذ لو اشتملت لكانت الرتب مستوية
وقد تقرر أنها مختلفة وأن الأخيرة أقل مما هو أقل وأنه يجب نقصان كل رتبة فضلا عما
قبلها فيتعين نقصان الرتبة الأخيرة بمقادير عديدة عن الرتبة الأولى بعد تعدد
الأسئلة والأجوبة فيكون نصيب الأب أقل من الثلث بمقدارين على إحدى الروايتين وثلاث
مقادير على رواية الثلاث فيكون نصيب الأب أقل من الثلث وأقل من الربع قطعا فيبطل
القول بأنه ثلث البر على إحدى الروايتين وثلاثة أرباع البر على الرواية الأخرى بل
أقل بكثير وكما وجب نقصان الأب عن الربع أو الثلث وجب أيضا أن لا يقال للأم ثلثا
البر أو ثلاثة أرباعه لأن الأنصباء المضمومة إليها مختلفة المقادير كما تقدم وإنما
يلزم ما قالوا أن لو كانت المقادير مستوية فإن قلت فهل يتعين ذلك بعد تسليم بطلان
المقدار المذكور قلت ذلك عسير علي وإنما الذي يتيسر لي إيراد السؤال أما تحرير
المقدار فلا أعلم إلا أن ثم اقتضت أصل النقصان مع زيادة في النقصان يحصل بها
التراخي بثم أما ما مقدار
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
ترى أن الرزق الحقير إنما قدره الله تعالى لأهله على تقدير جهلهم بالكنوز وعمل
الكيمياء وغير ذلك من أسباب الرزق
أما مع العلم بهذه الأسباب العظيمة الموجبة في مجرى العادة سعة الرزق فلا نسلم أن
الله تعالى قدر ضيق الرزق على هذا التقدير أعني تقدير العلم بنحو الكنوز وعمل
الكيمياء أيضا كما نقول ما قدر الله دخول المؤمنين الجنة إلا على تقدير الإيمان
ولا نسلم أن الله تعالى قدر لهم مع عدمه الجنة كيف وقد قال الله تعالى ويغفر ما
دون ذلك لمن يشاء وما قدر للكفار النار إلا على تقدير جهلهم بالله تعالى ولا نسلم
أنه تعالى قدرها لهم على تقدير علمهم به فظهر أن معنى قوله تعالى حكاية عن نبينا
محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني
السوء أنه صلى الله تعالى عليه وسلم لو قدر حصول العلم له بعواقب يوم أحد مثلا
لكثر عنده من الخير ما لم يكن عنده الآن وما مسه السوء أي المحنة فيه وقتل حمزة
واندفع قول بعض الفقهاء إنه عليه الصلاة والسلام إذا علم الغيب والذي في الغيب هو
الذي قدره الله تعالى له من الخير فكيف يستكثر من الخير على تقدير الاطلاع على
الغيب بل لو قدر الاطلاع على الغيب لبقي على ما هو فيه من الخير قلت والظاهر أن
المراد بعلم عواقب يوم أحد الذي لم يحصل له صلى الله تعالى عليه وسلم العلم
التفصيلي لا الإجمالي لحصوله له صلى الله تعالى عليه وسلم كما يشهد ما في حياة
الحيوان للدميري أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال قبل خروجه لقتال المشركين بأحد
إني رأيت
____________________
(1/273)
ذلك
الذي به حصل فلا يتعين لي بل جزمت بالتفاوت فقط فإن تيسر الضبط في ذلك فاضبطه
فإن قلت ثم حرف عطف تقتضي معطوفا ومعطوفا عليه وليس معنا قبلها أو بعدها إلا كلام
فيلزم أن تكون معطوفة على نفسها في الرتبة الأولى والثانية والقاعدة العربية أن
الشيء لا يعطف على نفسه قلت أيضا هذا سؤال مشكل يحتاج إلى نظر وتحرير على القواعد
العربية والمقاصد الشرعية ثم إن السائل إنما سأل عن غير الأم والتراخي عنها في
الرتبة فكيف أجيب بالأم وكيف يقال إن التراخي عن الأم في البر هو للأم حتى يحصل
الجواب به وهذا أيضا إشكال آخر والجواب أن نقول هذا عطف وكلام محمول على المعنى
كأن السائل لما قيل له أحق الناس وأولاهم أمك قال فلمن أتوجه بالبر بعد ذلك وأشتغل
به قيل له أيضا لأمك فقوبل ما فهم منه من الإعراض عن الأم بالأمر بالملازمة إظهارا
لتأكيد حقها فقال إذا توجهت أيضا إليها وفرغت فلمن أتوجه بعد ذلك أيضا فقيل له أمك
فقوبل أيضا ما فهم منه من الإعراض عن الأم بالبر والملازمة إظهارا لتأكيد حقها
فصارت الأم معطوفة على نفسها بنسبتين مختلفتين إلى رتبتين متباينتين فهي بقيد
الرتبة الدنيا معطوفة على نفسها بقيد الرتبة والشيء الواحد إذا أخذ مع وصفين
مختلفين صار شيئين مختلفين كما تقول زيد ابن وأخ وفقيه وتاجر وغير ذلك والموصوف
بهذه الصفات واحد
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
في منامي بقرا فأولتها خيرا تذبح ورأيت في ذباب سيفي ثلما فأولتها هزيمة ورأيت أني
أدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة فافعلوا
ا ه
المراد فتأمل ويوضح ذلك ما قاله الشيخ أحمد رضاخان البر يلوي في كتابه الدولة
المكية بالمادة الغيبية مما حاصله أن العلم بالغيب على أربعة أقسام الأول العلم
المطلق التفصيلي المشار إليه بقوله تعالى وكان الله بكل شيء عليما وهذا مختص بالله
تعالى والثلاثة الباقية أعني العلم المطلق الإجمالي ومطلق العلم الإجمالي
والتفصيلي فغير مختصات به تعالى أما المطلق الإجمالي فحصوله للعباد بديهي عقلا
وضروري دينا فإنا آمنا أنه تعالى بكل شيء عليم ولاحظنا بقولنا كل شيء جميع معلومات
الله سبحانه وتعالى فعلمناها جميعا علما إجماليا ومعلوم أن بثبوت العلم المطلق
الإجمالي ثبوت مطلق العلم الإجمالي بل وكذلك التفصيلي منه فإنا آمنا بالقيامة
وبالجنة وبالنار وبالله تعالى وبالأمهات السبع من صفاته عز وجل وكل ذلك غيب وقد
علمنا كلا بحياله ممتازا عن غيره فوجب حصول مطلق العلم التفصيلي بالغيوب لكل مؤمن
فضلا عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فالعلم الذي يختص به تعالى ليس إلا العلم
الذاتي والعلم المطلق التفصيلي المحيط
____________________
(1/274)
غير
أنه لما أخذ مع المختلفات صار مختلفا فهذا السر هو المحسن للعطف وإعادة الأم في
الرتب وهذا الحديث كما ترى فيه ما فيه من القلق والإشكال مع أنه في بادئ الرأي في
غاية الظهور وكم من شيء يكون ظاهرا في بادئ الرأي فإذا اختبر خرج منه غرائب
فصل إذا تقررت هذه المسائل وهذه المباحث ظهر لك الفرق بين قاعدة الواجب للأجانب
والواجب للوالدين فإن كل ما يجب للأجانب يجب للوالدين وضابط ما يختص به الوالدان
دون الأجانب هو اجتناب مطلق الأذى كيف كان إذا لم يكن فيه ضرر على الابن ووجوب
طاعتهما في ترك النوافل وتعجيل الفروض الموسعة وترك فروض الكفاية إذا كان ثم من
يقوم بها وما عدا ذلك لا تجب طاعتهم فيه وإن ندب إلى طاعتهم وبرهم مطلقا وكذلك
الأجانب يندب برهم مطلقا غير أن الندب في الأبوين أقوى في
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
بجميع المعلومات الإلهية بالاستغراق الحقيقي فهما المراد أن في آيات النفي والعلم
الذي يصح إثباته للعباد هو العلم العطائي سواء كان العلم المطلق الإجمالي أو مطلق
العلم التفصيلي والتمدح إنما يقع بهذا فهو المراد في آيات الإثبات قال تعالى
وعلمناه من لدنا علما وقال تعالى وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما
إلى غير ذلك من آيات كثيرة ا ه المراد فانظره إن شئت
الفائدة الثانية قال بعضهم حديث أن النبي عليه الصلاة والسلام لما قال له رجل يا
رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أمك
قال ثم من قال أبوك روي ثلاثا وروي مرتين فعلى رواية مرتين يكون لها ثلثا البر
وعلى رواية ثلاثة يكون لها ثلاثة أرباعه ا ه وهو باطل إذ الواجب بناء على اختلاف
مقادير الأنصباء المضمومة إليها كما هو مقتضى العطف بثم أن يكون للأم على رواية
مرتين أقل من ثلثي البر بكثير كما يجب نقصان الأب عن الثلث وأن يكون لها على رواية
ثلاثة أقل من ثلاثة أرباعه بكثير كما يجب نقصان الأب عن الربع وذلك أن قول السائل
في المرة الأولى من أحق الناس سؤال عن أعلى الرتب فلما
أجيب عنها عرف أنها الرتبة العالية وقوله في المرة الثانية من بصيغة ثم الدالة على
تراخي رتبة الفريق الثاني عن الفريق الأول في البر فقال له صاحب الشرع أمك فلا
يكون هذا الجواب مطابقا حتى تكون هذه المرتبة الثانية أخفض رتبة من الأولى وكذلك
الأجوبة التي بعدها بتلك الرتب المجاب بها فكما وجب نقصان الرتبة الثانية عن
الأولى كذلك يجب نقصان الرتبة الثالثة عن الثانية والرابعة عن الثالثة عملا بثم
الدالة على التراخي والنقصان فيكون نصيب الأب أقل من الثلث بمقدارين على رواية
الأم مرتين وبثلاث مقادير على رواية الثلاث فتفاوت الرتب متحقق جزما إلا أن ضبط
مقداره لم يتيسر حتى الآن فإن تيسر لك ضبطه فاضبطه وعطف الأم بثم في المرتبة
الثالثة والثانية على الأم نفسها في المرتبة التي قبل وإن خالف في الظاهر القاعدة
العربية أن الشيء لا يعطف على نفسه إلا أن الأم بقيد الرتبة الدنيا معطوفة على
نفسها بقيد الرتبة العليا والشيء الواحد مع غيره غيره في نفسه فالعطف هنا على حد
العطف في قولك زيد ابن وأخ وفقيه وتاجر وغير ذلك
____________________
(1/275)
غير
القرب والنوافل ولا ندب في طاعة الأجانب في ترك النوافل بل الكراهة من غير تحريم
وأما ما يجب لذوي الأرحام من غير الأبوين فلم أظفر فيه بتفصيل كما وجدت تلك
المسائل في الأبوين بل أصل الوجوب من حيث الجملة فهذا هو الذي قدرت عليه في هذا
الفرق وقد رأيت جمعا عظيما على طول الأيام يعسر عليهم تحرير ذلك
الفرق الرابع والعشرون بين قاعدة ما تؤثر فيه الجهالات والغرر وقاعدة ما لا يؤثر
فيه ذلك من التصرفات وردت الأحاديث الصحيحة في نهيه عليه السلام عن بيع الغرر وعن
بيع المجهول واختلف العلماء بعد ذلك فمنهم من عممه في التصرفات وهو الشافعي فمنع
من الجهالة في الهبة والصدقة والإبراء والخلع والصلح وغير ذلك ومنهم من فصل وهو
مالك بين قاعدة ما يجتنب فيه الغرر والجهالة وهو باب المماكسات والتصرفات الموجبة
لتنمية الأموال وما يقصد به تحصيلها وقاعدة ما لا يجتنب فيه الغرر والجهالة وهو ما
لا يقصد لذلك وانقسمت التصرفات عنده ثلاثة أقسام طرفان وواسطة فالطرفان أحدهما
معاوضة صرفة فيجتنب فيها ذلك إلا ما دعت الضرورة إليه عادة كما تقدم أن الجهالات
ثلاثة أقسام فكذلك الغرر والمشقة وثانيهما ما هو إحسان صرف لا يقصد به تنمية المال
كالصدقة والهبة والإبراء فإن هذه التصرفات لا يقصد بها تنمية المال بل إن فاتت على
من أحسن إليه بها لا ضرر
هامش أنوار البروق
قال الفرق الرابع والعشرون بين قاعدة ما تؤثر فيه الجهالات والغرر وقاعدة ما لا
يؤثر فيه ذلك من التصرفات قلت ما قاله في هذا الفرق صحيح ظاهر
هامش إدرار الشروق
@ 276 الفرق الرابع والعشرون بين قاعدة ما تؤثر فيه الجهالات والغرر وقاعدة ما لا
يؤثر فيه ذلك من التصرفات قسم مالك رحمه الله تعالى التصرفات ثلاثة أقسام أحدها
معاوضة صرفة يقصد بها تنمية المال فاقتضت حكمة الشرع أن يجتنب فيها من الغرر
والجهالة ما إذا فات المبيع به ضاع المال المبذول في مقابلته إلا ما دعت الضرورة
إليه عادة وذلك أن الغرر والجهالة كما يؤخذ مما مر ثلاثة أقسام أحدها ما لا يحصل
معه المعقود عليه أصلا والثاني ما يحصل معه ذلك دنيا ونزرا والثالث ما يحصل معه
غالب المعقود عليه فيجتنب الأولان ويغتفر الثالث
وقسم أبو الوليد الغرر إلى
____________________
(1/276)
عليه
فإنه لم يبذل شيئا بخلاف القسم الأول إذا فات بالغرر والجهالات ضاع المال المبذول
في مقابلته فاقتضت حكمة الشرع منع الجهالة فيه أما الإحسان الصرف فلا ضرر فيه
فاقتضت حكمة الشرع وحثه على الإحسان التوسعة فيه بكل طريق بالمعلوم والمجهول فإن
ذلك أيسر لكثرة وقوعه قطعا وفي المنع من ذلك وسيلة إلى تقليله فإذا وهب له عبده
الآبق جاز أن يجده فيحصل له ما ينتفع به ولا ضرر عليه إن لم يجده لأنه لم يبذل
شيئا وهذا فقه جميل ثم إن الأحاديث لم يرد فيها ما يعم هذه الأقسام حتى نقول يلزم
منه مخالفة نصوص صاحب الشرع بل إنما وردت في البيع ونحوه وأما الواسطة بين الطرفين
فهو النكاح فهو من جهة أن المال فيه ليس مقصودا
وإنما مقصده المودة والألفة والسكون يقتضي أن يجوز فيه الجهالة والغرر مطلقا ومن
جهة أن صاحب الشرع اشترط فيه المال بقوله تعالى أن تبتغوا بأموالكم يقتضي امتناع
الجهالة والغرر فيه فلو وجد الشبهين توسط مالك فجوز فيه الغرر القليل دون الكثير
نحو عبد من غير تعيين وشورة بيت ولا يجوز على العبد الآبق والبعير الشارد لأن
الأول يرجع فيه إلى الوسط المتعارف والثاني ليس له ضابط فامتنع وألحق الخلع بأحد
الطرفين الأولين الذي لا يجوز فيه الغرر مطلقا لأن العصمة وإطلاقها ليس من باب ما
يقصد للمعاوضة بل شأن الطلاق أن يكون بغير شيء فهو كالهبة فهذا هو الفرق بين
القاعدتين والضابط للبابين والفقه مع مالك رحمه الله فيه
هامش أنوار البروق
فارغه
هامش إدرار الشروق
ثلاثة أقسام كثير وقليل ووسط وجعل الكثير عبارة عن القسمين الأولين في هذا التقسيم
فقال في بداية المجتهد الفقهاء متفقون على أن الغرر الكثير في المبيعات لا يجوز
وأن القليل يجوز ويختلفون في أشياء من أنواع الغرر مثل ما إذا قال له أبيعك أحد
هذين الثوبين أو العبدين من صنف واحد وقد لزمه أحدهما أيهما اختار وافترقا قبل الخيار
فلترددها بين الغرر القليل والكثير بعضهم كأبي حنيفة والشافعي في خصوص المسألة
المذكورة يلحقها بالغرر الكثير فيمنع صحة البيع المذكور لأنهما افترقا على بيع غير
معلوم وبعضهم كمالك في خصوص المسألة المذكورة أيضا يلحقها بالغرر القليل فيجيز
البيع المذكور لأنه يجيز الخيار بعد عقد البيع في الأصناف المستوية لقلة الغرر
عنده في ذلك فإذا قلنا بالجواز على مذهب مالك فقبض الثوبين المشتري على أن يختار
فهلك أحدهما أو أصابه عيب مما يصيبه فقيل تكون المصيبة بينهما وقيل بل يضمنه كله
للمشتري إلا أن تقوم البينة على هلاكه وقيل يضمن فيما يغلب عليه كالثياب ولا يضمن
فيما لا يغلب عليه كالعبد وأما أخذ الباقي فقيل يلزم وقيل لا يلزم ا ه وقال قبل
والغرر يوجد في المبيعات من جهة الجهل والجهل على أوجه الوجه الأول الجهل بتعيين
المعقود عليه أو العقد والوجه الثاني الجهل بوصف الثمن والمثمون المبيع أو بقدره
أو بأجله إن كان هنالك أجل والوجه الثالث الجهل بوجوده أو تعذر القدرة عليه وهذا
راجع إلى تعذر التسليم والوجه الرابع الجهل بسلامته أعني بقاءه
ا ه
____________________
(1/277)
الفرق
الخامس والعشرون بين قاعدة ثبوت الحكم في المشترك وبين قاعدة النهي عن المشترك هذا
الفرق جليل عظيم دقيق النظر خطير النفع لا يحققه إلا فحول العلماء والفقهاء
هامش أنوار البروق
قال الفرق الخامس والعشرون بين قاعدة ثبوت الحكم في المشترك وبين قاعدة النهي عن
المشترك إلى قوله والحيوان بالنسبة إلى جميع الحيوانات قلت ما قاله في ذلك صحيح
هامش إدرار الشروق
المراد بتغيير قلت ولا شك أن الجهل من حيث هو إما كثير لا يغتفر وإما قليل يغتفر
وإما متردد بينهما فيجري الخلاف في اغتفاره وعدمه القسم الثاني ما هو إحسان صرف لا
يقصد به تنمية المال كالصدقة والهبة والإبراء فاقتضت حكمة الشرع وحثه على الإحسان
التوسعة فيه بكل طريق بالمعلوم والمجهول فإن ذلك أيسر لكثرة وقوعه قطعا وفي المنع
من ذلك وسيلة إلى تقليله مع أنه إذا وهب له عبده الآبق ولم يجده لا ضرر عليه لأنه
لم يبذل شيئا وألحق مالك بهذا القسم الخلع نظرا لكون العصمة وإطلاقها ليس من باب
ما يقصد بالمعاوضة بل شأن الطلاق أن يكون بغير شيء كالهبة القسم الثالث ما لم يكن
معاوضة صرفة ولا إحسانا صرفا كالنكاح فهو من جهة أن المال فيه ليس مقصودا وإنما
المقصود منه المودة والألفة والسكون يقتضي أن يجوز فيه الجهالة والغرر مطلقا ومن
جهة أن صاحب الشرع اشترط فيه المال بقوله تعالى أن تبتغوا بأموالكم يقتضي امتناع
الجهالة والغرر فيه فلوجود الشبهين فيه توسط مالك فجوز فيه الغرر القليل نحو عبد
من غير تعيين وشورة بيت لأنه يرجع فيه للوسط المتعارف ولم يجز فيه الغرر الكثير
نحو العبد الآبق والبعير الشارد لأنه لا ضابط له وعمم الشافعي المنع من الجهالة في
جميع التصرفات
ولو كانت إحسانا صرفا كالهبة والصدقة والإبراء والخلع والصلح إلا أن الأحاديث
الصحيحة في نهيه عليه الصلاة والسلام عن بيع الغرر وعن بيع المجهول لما لم يرد
فيها ما يعم هذه الأقسام حتى نقول يلزم من مذهب مالك مخالفة نصوص صاحب الشرع بخلاف
مذهب الشافعي بل إنما وردت في البيع ونحوه كان ما ذهب إليه مالك رحمه الله تعالى
فقها جميلا بخلاف ما ذهب إليه الشافعي قلت والظاهر أن المراد بالغرر القليل
المغتفر في النكاح هو ما لا يغتفر في نحو البيع وهو ما يحصل معه المعقود عليه دينا
نذر إلا ما يغتفر فيه أيضا وهو ما يحصل معه غالب المعقود عليه فافهم والله أعلم
الفرق الخامس والعشرون بين قاعدة ثبوت الحكم في المشترك وبين قاعدة النهي عن
المشترك اعلم أن المشترك في النهي نظير المشترك في النفي فكما يلزم من نفي المشترك
نفي جميع أفراده لقول أرباب المعقول يلزم من نفي الأعم نفي الأخص كذلك يلزم من
النهي عن المشترك أن لا يدخل فرد من أفراده الوجود ألبتة لأنه لو دخل فرد لدخل هو
في ضمنه فإن معنى النهي الأمر بإعدام هذه الحقيقة وأن
____________________
(1/278)
فاستقبله
بعقل سليم وفكر مستقيم وذلك أن الأمر المشترك هو الحقيقة الكلية الموجودة في أفراد
عديدة كالرقبة بالنسبة إلى أفراد الرقاب والحيوان بالنسبة إلى جميع الحيوانات
ومطلق الإنسان بالنسبة إلى أشخاصه وكل مطلق فهو من هذا القبيل ومدلول كل نكرة فهو
حقيقة مشتركة وضابطه عند أرباب المعقول ما لا يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه
ومرادهم بذلك ما ذكرته وإذا عرفت حقيقته فاعلم أنه يلزم من نفي المشترك نفي جميع
أفراده فإنه إذا انتفى مطلق الحيوان من الدار فقد انتفى جميع أفراده من الدار وإذا
انتفى مطلق الإنسان من الدار استحال أن يكون فيها زيد ولا عمرو ولا فرد من الإنسان
وهو معنى قول أرباب المعقول يلزم من نفي الأعم نفي الأخص وإذا تصورت ذلك في النفي
هامش أنوار البروق
قال ومطلق الإنسان بالنسبة إلى أشخاصه وكل مطلق فهو من هذا القبيل قلت إن أراد
بمطلق الإنسان الحقيقة من حيث هي فقوله صحيح وإلا فلا قال ومدلول كل نكرة فهو
حقيقة مشتركة قلت هذا الإطلاق ليس بصحيح بل الصحيح التفصيل فإن النكرة في اللسان
العربي على ضربين الأول نكرة يراد بها الحقيقة المشتركة بين الأشخاص كما في قولهم
تمرة خير من جرادة وهذا الضرب قليل في الاستعمال الثاني نكرة يراد بها فرد مبهم من
الأشخاص التي فيها الحقيقة كما في قول القائل اشتر ثوبا وهذا الضرب يكثر في
الاستعمال فإن أراد الأول فمراده صحيح وإلا فلا
قال وضابطه عند أرباب المعقول ما لا يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه قلت ذلك صحيح
في تحرير الحقيقة المشتركة قال ومرادهم بذلك ما ذكرته
قلت ذلك صحيح على تقدير أن يكون مراده بالنكرة الضرب الأول لا على تقدير أن يكون
مراده الضرب الثاني
قال وإذا عرفت حقيقته فاعلم أنه يلزم من نفي المشترك نفي جميع أفراده إلى قوله
فصار النهي والنفي من باب واحد قلت بل يراد بمطلق الحيوان حقيقة الحيوان وهو الذي
يعبر عنه بالمشترك بين الأفراد وهذا الخلاف مراده بمطلق البيع قبل هذا فإنه
قال إنه يصح قولنا مطلق البيع حلال إجماعا ولو كان المراد بمطلق البيع ما أريد
بمطلق الحيوان أي حقيقته للزم أن يكون كل بيع حلالا
قال فيكون الثبوت والأمر من باب واحد فإن ثبوت الماهية الكلية المشتركة يكفي فيه
فرد واحد
هامش إدرار الشروق
لا تدخل في الوجود ألبتة وأن الأمر بإجراء حكم في المشترك نظير ثبوت الحكم فيه
فكما أن الآمر أمر بعتق رقبة أو إخراج شاة من أربعين يقتضي عتق شخص مبهم وإخراج
شاة مبهمة من الأربعين وإن كانت ضرورة فعل المكلف لما أمر به تعينه إذ لا يمكن
الأمر بنفس الحقيقة الكلية إلا على سبيل تكليف ما لا يطاق وكيف يسوغ ذلك
ومن ضرورة الحقيقة الكلية أن لا وجود لها في غير الأذهان عند محققي المثبتين لها
كذلك قولك إنسان في الدار يكفي في صدقه فرد واحد مبهم فيه لأنه متى كان ذلك الفرد
فيه كان مطلق الإنسان فيه ومطلق الحيوان وجميع أجناسه وفصوله تحصل مطلقا فيه
فالمشترك في النهي عبارة
____________________
(1/279)
فتصوره
في النهي فإن معنى النهي الأمر بإعدام هذه الحقيقة وأن لا ندخل في الوجود ألبتة
ومقتضى ذلك أن لا يدخل فرد من أفرادها الوجود ألبتة لأنه لو دخل فرد لدخلت هي في
ضمنه فصار النهي والنفي من باب واحد فيكون الأمر والثبوت من باب واحد فإن ثبوت
الماهية الكلية المشتركة يكفي فيه فرد واحد فمتى كان زيد في الدار كان مطلق
الإنسان في الدار ومطلق الحيوان وجميع أجناسه وفصوله تحصل مطلقا فيه
وكذلك إذا أمر آمر بالحقيقة الكلية نحو الأمر بعتق رقبة أو إخراج شاة من أربعين
تحقق ذلك بإعتاق عبد معين وإخراج شاة معينة لأن الماهية الكلية في ضمنه وإذا تقرر
أن النهي والنفي من باب واحد والأمر والثبوت من باب واحد فاعلم أنه يصدق أن
الإنسان واقع
هامش أنوار البروق
فمتى كان زيد في الدار كان مطلق الإنسان في الدار ومطلق الحيوان وجميع أجناسه
وفصوله تحصل مطلقا فيه قلت قد عاد هنا إلى استعمال مطلق الحيوان بغير المعنى الذي
استعمله قبل حيث تكلم على النفي والنهي الذي حمله على هذا الاضطراب غفلته عن معنى
المطلق وأنه في اصطلاح الأصوليين الواحد المبهم ولو تفطن له لم يضطرب قوله
قال وكذلك إذا أمر آمر بالحقيقة الكلية نحو الأمر بعتق رقبة أو إخراج شاة من
أربعين تحقق ذلك باعتبار عبد معين وإخراج شاة معينة لأن الماهية الكلية في ضمنه
قلت الأمر بعتق رقبة ما أمر فيها قط بالحقيقة الكلية ولا يمكن الأمر بها إلا على
سبيل تكليف ما لا يطاق وكيف يسوغ ذلك ومن ضرورة الحقيقة الكلية أن لا وجود لها في
غير الأذهان عند محققي المثبتين لها بل أمر الآمر بعتق رقبة لشخص مبهم لا معين
وضرورة فعل المكلف لما أمر به تعينه
قال وإذا تقرر أن النهي والنفي من باب واحد والأمر والثبوت من باب واحد فاعلم أنه
يصدق أن الإنسان واقع وحاصل في جنس الحيوان دون غيره من الأجناس ومع ذلك فلم يعم
الإنسان جميع صور الحيوان بل نقول زيد حاصل في جنس الحيوان ولم يتعد فردا منها
وكذلك نقول الأحكام الشرعية واقعة في الأفعال المكتسبة دون غيرها من الأجناس ومع
ذلك لا تعم الأفعال المكتسبة فإن الحيوانات العجم أفعالها مكتسبة ولا حكم فيها بل
نقول الوجوب وحده خاص بالأفعال المكتسبة دون غيرها وهو لم يعمها فعلمنا أن ثبوت
الحكم في المشترك لا يقتضي تعميم صوره بل يكفي في ذلك فرد واحد يصدق بسببه أن ذلك
الحكم في ذلك المشترك فظهر حينئذ الفرق بين ثبوت الحكم في المشترك وبين النهي عن
المشترك
هامش إدرار الشروق
عن الماهية المطلقة والماهية بشرط لا شيء والعام المعرف عند الأصوليين باللفظ
الدال على الماهية المتحققة في جميع الأفراد من حيث تحققها في جميعها والكلي
المعرف عند أرباب المعقول بما لا يمنع نفس تصوره من وقوع الشركة فيه كالرقبة
بالنسبة إلى أفراد الرقاب والحيوان بالنسبة إلى جميع الحيوانات والإنسان بالنسبة
إلى أشخاصه وكذلك النكرة في نحو قولهم تمرة خير من جرادة وهو القليل في استعمال
النكرة والمشترك في ثبوت الحكم عبارة عن مطلق الماهية والماهية لا بشرط شيء والمطلق
المعرف عند الأصوليين بالواحد المبهم كالنكرة في نحو قول القائل اشتر ثوبا يريد
فردا مبهما من الأشخاص التي فيها حقيقة
____________________
(1/280)
وحاصل
في جنس الحيوان دون غيره من الأجناس ومع ذلك فلم يعم الإنسان جميع صور الحيوان بل
نقول زيد حاصل في جنس الحيوان ولم يتعد فردا منها ولذلك نقول الأحكام الشرعية
واقعة في الأفعال المكتسبة دون غيرها من الأجناس ومع ذلك لا تعم الأفعال المكتسبة
فإن الحيوانات العجم أفعالها مكتسبة ولا حكم فيها بل نقول الوجوب وحده خاص
بالأفعال المكتسبة دون غيرها وهو لم يعمها فعلمنا أن ثبوت الحكم في المشترك لا
يقتضي تعميم صوره بل يكفي في ذلك فرد واحد يصدق بسببه أن ذلك الحكم في ذلك المشترك
فظهر حينئذ الفرق بين ثبوت الحكم في المشترك وبين النهي عن المشترك ومنه نفي
المشترك
هامش أنوار البروق
قلت لو ثبت الحكم في المشترك من حيث حقيقته لما خلا عنه فرد من أفراده كالحيوان
المحكوم له أو عليه من حيث هو حقيقته أنه جسم فلا بد أن يكون كل نوع من أنواعه وكل
شخص من أشخاصه جسما ولكن ثبت الحكم الذي مثل به في المشترك لا من حيث حقيقته بل من
حيث هو أخص من حقيقته فإن الأحكام الشرعية لم تثبت للأفعال المكتسبة من حيث هي
أفعال
مكتسبة فقط بل من حيث هي أفعال مكتسبة لمن يتصف بالعقل فعلى ذلك لا يصح الفرق ومتى
ثبت الحكم للمشترك من حيث حقيقته عم أنواعه وأشخاصه ومتى انتفى الحكم عن المشترك
من حيث حقيقته عم أيضا أنواعه وأشخاصه والله أعلم
قال تنبيه جليل اعلم أن نفي المشترك والنهي عن المشترك إنما يعم كما تقدم إذا كان
مدلولا عليه بالمطابقة كما تقدم مثاله أما إذا كان مدلولا عليه بطريق الالتزام فلا
يلزم العموم في نفي الأفراد ولا في النهي عنها فإذا قال القائل لغلامه ألزمتك
النهي أو النفي واقع في الدار لا يفهم منه السامع إلا أن النهي حاصل في منهي لم
يعينه السيد وأن النفي واقع في الدار باعتبار منفي غير معين عند السامع فإذا عينه
بعد ذلك في النهي أو النفي كان ذلك منه تفسيرا يجري مجرى التقييد لذلك المطلق
المدلول عليه بالالتزام ولا يكون ذلك مخصصا لعموم ولا معارضا لما تقدم من ظاهر لفظه
بخلاف المدلول مطابقة ولو قال نهيتك عن مطلق الخمر أو نفيت مطلق الخمر من الدار ثم
بينه بعد ذلك بخمر مخصوص فإن هذا يكون مخصصا لما تقدم منه من العموم في لفظ الخمر
المعرف باللام فظهر الفرق
قلت ما قاله ليس بواضح فإن القائل إذا قال ألزمتك النهي أو النفي واقع في الدار لا
يخلو أن يريد بالألف واللام في النهي والنفي العهد في الشخص أو العهد في الجنس أو
العموم على قول من
هامش إدرار الشروق
الثوب وهو الاستعمال الكثير في النكرة فالفرق بينهما هو عين الفرق المار بين
الماهية المطلقة ومطلق الماهية
وعين ما فرق به الأصوليون بين العام والمطلق قال العلامة الأنبابي على بيانية
الصبان فعموم العام شمول بخلاف عموم المطلق نحو رجل وأسد وإنسان فإنه بدلي حتى إذا
دخلت عليه أداة النفي أو أل الاستغراقية صار عاما فليس ماصدق المطلق والعام واحدا
كما توهم بل ماصدق الأول ألفاظ عمومها بدلي وماصدق الثاني ألفاظ عمومها شمولي قال
الزركشي في البحر المحيط في مبحث العام العموم يقع على مسمى عموم الشمول وهو
المقصود هنا وعلى عموم الصلاحية
____________________
(1/281)
تنبيه
جليل اعلم أن نفي المشترك والنهي عنه إنما يعم كما تقدم إذا كان مدلولا عليه
بالمطابقة كما تقدم مثاله أما إذا كان مدلولا عليه بطريقة الالتزام فلا يلزم
العموم في نفي الأفراد ولا في النهي عنها فإذا قال القائل لغلامه ألزمتك النهي أو
النفي واقع في الدار لا يفهم منه السامع إلا أن النهي حاصل في منهي لم يعينه السيد
وأن النفي واقع في الدار باعتبار منفي غير معين عند السامع فإذا عينه بعد ذلك في
النهي أو النفي كان ذلك منه تفسيرا يجري مجرى التقييد لذلك المطلق المدلول عليه
بالالتزام ولا يكون ذلك مخصصا بعموم ولا معارضا لما تقدم من ظاهر لفظه بخلاف
المدلول مطابقة ولو قال نهيتك عن مطلق الخمر أو نفيت مطلق الخمر من الدار ثم بينه
بعد ذلك بخمر مخصوص
هامش أنوار البروق
أثبت ذلك فيهما فإن أراد العهد في نهي معين ونفي معين لزم أن يكون المنهي عنه أو
المنفي وهو المدلول التزاما معينا وإن أراد بهما العهد في الجنس فلا بد أن يكون
المدلول الالتزامي كذلك أيضا لأنه إن لم يكن كذلك كان معينا وإذا كان معينا لزم
مثل ذلك في المتعلق به وهو النهي أو النفي وقد فرض غير معين وإن أراد بالألف
واللام العموم فلا بد من العموم في المتعلق فعلى هذا لم يظهر الفرق بين المدلول
مطابقة والمدلول التزاما
قال وتظهر لك فائدة الفرق في قاعدتين فقهيتين إحداهما أنه إذا حلف بالطلاق وحنث
وله أربع زوجات فإن الطلاق يعمهن إذا لم تكن له نية لأنه ليس البعض أولى من البعض
وإلا لزم الترجيح من غير مرجح قاله مالك والشافعي وجماعة من العلماء قلت كان ينبغي
على ما قرره من أن المدلول عليه التزاما مطلق أن لا يعمهن الطلاق ويخير في التعيين
أو يقرع بينهن ولم يقل العلماء بعموم الطلاق فيهن إلا احتياطا للفروج وصونا لها عن
مواقعة الزنا فإن الطلاق قد ثبت بقوله علي الطلاق أو ما أشبه ذلك ووقع الشك
والاحتمال في عمومه لمحاله أو خصوصه فحمل على العموم فيها احتياطا كما فيما إذا
طلق وشك هل واحدة أو ثلاثا يحمل على الثلاث بخلاف ما إذا شك في أصل الطلاق فإنه لا
يلزمه شيء استصحابا لأصل العصمة
قال وكذلك إذا قال الطلاق يلزمني ثم حنث فإن اللفظ إنما هو عام في أفراد الطلاق
مطلق في الزوجات قلت إذا كان عاما في أفراد الطلاق لزم أن يعم في الزوجات وفي أنواع
الطلاق لأن قوله الطلاق يلزمني في معنى كل طلاق أملكه يلزمني وطلاق كل واحدة مما
يملكه وكذلك أنواع الطلاق من الثلاث وغيرها فلزم من ذلك أن تلزمه الثلاث في كل
واحدة منهن وقوله هذا إن قصد في نيته
هامش إدرار الشروق
ويقال له عموم البدل وهو في المطلق وتسميته عاما باعتبار أن موارده غير منحصرة لا
أنه في نفسه عام ا ه يعني أن تسميته عاما باعتبار أن أفراده التي يستعمل في كل فرد
منها على البدل غير منحصرة وإلا فهو ليس من العام إذ المعتبر في العام كما يعلم من
تعريفه العموم الشمولي بحيث يتناول اللفظ جميع الأفراد دفعة وهذا غير متحقق في
المطلق وقد صرح غيره بأن الشمولي هو معنى العموم فتنبه ا ه بلفظه فمن هنا قال قبل
هذا مسايرة لغيره والتحقيق أن دلالة العام كعبيدي على كل فرد من أفراده من حيث
كونه فردا أي كدلالة نحو عبيدي على ثلاثة غير معينين تضمنية إذ المقصود بالأفراد
____________________
(1/282)
فإن
هذا يكون مخصصا لما تقدم منه من العموم في لفظ الخمر المعرف باللام فظهر بذلك
حينئذ الفرق بين المشترك المدلول عليه مطابقة وبين المدلول التزاما وتظهر لك فائدة
الفرق في قاعدتين فقهيتين إحداهما أنه إذا حلف بالطلاق وحنث وله أربع زوجات فإن
الطلاق يعمهن إذا لم تكن له نية لأنه ليس البعض أولى من البعض وإلا يلزم الترجيح
من غير مرجح قاله مالك والشافعي وجماعة من العلماء وكذلك إذا قال الطلاق يلزمني ثم
حنث فإن اللفظ إنما هو عام في أفراد الطلاق مطلق في الزوجات فلو حنث عمهن الطلاق
هامش أنوار البروق
بعضهن ذاهلا عن بعض وقصد ذلك البعض باليمين لزمه فيه وحده صحيح كما ذكر
قال والقاعدة الأخرى إذا أتى بصيغة عموم نحو لا ألبس ثوبا وقصد بعض الثياب ذاهلا
عن بعض فإنه لا ينفعه ذلك لأنك ستقف على الفرق بين قاعدة النية المؤكدة والنية
المخصصة وهذا عام يحتاج إلى التخصيص بالمخصص المخرج المنافي فإذا فقد جرى على
عمومه لسلامته عن معارضة المخصص وهاهنا لا عموم في المدلول التزاما بل حصل العموم
لعدم المرجح فقط فإذا وجد المرجح بنية سقط اعتبار الباقي لوجود المرجح وليس فيه
عموم يتقاضاه بل المدرك عدم المرجح وقد زال هذا العام بوجود المرجح فلزمه من وجود
النية في البعض وعدمها في البعض حصول المقصود من الترجيح وهناك إذا وجدت النية في
البعض دون البعض أعمل اللفظ العام في بقية الأفراد لأنه لم يتعرض لإخراجه فإذا قال
في صورة الالتزام نويت البعض وذهلت عن الباقي كفاه ولا تطلق عليه غير المنوية وإذا
قال نويت البعض وذهلت عن الباقي في صورة العموم لم ينفعه ذلك وفروع هاتين
القاعدتين كثيرة فتأملها ويكمل لك الكشف عن هذا الموضع بمطالعة الفرق بين النية
المخصصة والمؤكدة وهو بعد هذا قلت قد سبق أن قول القائل الطلاق يلزمني أنه إن كان
للعموم فهو في معنى كل طلاق أملكه يلزمني فيلزم على ذلك طلاق جميع الزوجات وفي كل
واحدة جميع الطلقات وسيأتي الكلام معه في الفرق الذي أحال عليه إن شاء الله تعالى
قال وقولي الطلاق عام في أفراد الطلاق إنما هو بحسب اللغة غير أنه صار مطلقا لا
عموم فيه في عرف الفقهاء والناس ولم أعلم أحدا ألزم به غير طلقة إذا لم تكن له نية
قلت لقائل أن يقول ليس بعام بحسب اللغة
هامش إدرار الشروق
الأبعاض فكل فرد منها جزء يدل عليه اللفظ في حال الحكم عليه من حيث إنه جزء ا ه
لكنه تعقبه بقوله مع كون المقصود الحكم على كل فرد لا على المجموع كما حققناه فيما
علقناه على شرح جمع الجوامع
ا ه
يعني ومقتضى كون المقصود الحكم على كل فرد أن تكون دلالة لفظ العام كعبيدي على
الفرد كثلاثة غير معينين في حال الحكم عليه من حيث تحقق الحقيقة فيه مطابقية وعلى
واحد غير معين تضمنية وأما على ثلاثة معينين أو واحد معين فخارجة عن أنواع الدلالة
اللفظية الوضعية ما لم تلاحظ علاقة وقرينة وإلا كان مجازا لا حقيقة اتفاقا ولا
تكون دلالة لفظ العام على فرده المذكور في حال الحكم
____________________
(1/283)
فرع
حسن فعلى هذا إن قصد في نيته بعضهن ذاهلا عن بعض وقصد ذلك البعض باليمين لزمه فيه وحده
والقاعدة الأخرى إذا أتى بصيغة عموم نحو لا ألبس ثوبا وقصد به بعض الثياب ذاهلا عن
بعض فإنه لا ينفعه ذلك لأنك ستقف على الفرق بين قاعدة النية المؤكدة والنية
المخصصة وهذا عام يحتاج للتخصيص بالمخصص المخرج المنافي فإذا فقد جرى اللفظ على
عمومه لسلامته عن معارضة المخصص وهاهنا لا عموم في المدلول التزاما بل حصل العموم
لعدم المرجح فقط فإذا وجد المرجح بنية سقط اعتبار الباقي لوجود المرجح وليس فيه
عموم يتقاضاه بل المدرك عدم المرجح وقد زال هذا العدم بوجود المرجح
هامش أنوار البروق
قال ويلزم الشافعية أن يخيروه في الصورة كما خيروه في إحداكن طالق بل هنا أولى
لعدم ذكر الزوجات قلت العكس أصوب وهو أن التخيير في قوله إحداكن طالق بين لتعليقه
الطلاق بواحدة أما حيث لم يعلق الطلاق بواحدة فليس بالبين
قال وحقق فقه هذا الفرق بأربع مسائل المسألة الأولى قوله تعالى فتحرير رقبة من قبل
أن يتماسا أثبت الوجوب في القدر المشترك بين جميع الرقاب فلم يعم ذلك جميع صور
الرقاب بل يكفي في ذلك صورة واحدة بالإجماع قلت لم يثبت الوجوب في القدر المشترك
بل أثبته في رقبة واحدة غير معينة فلا يعم بل تكفي صورة واحدة بالنص والإجماع تابع
للنص
قال المسألة الثانية لو قال صاحب الشرع حرمت عليكم القدر المشترك بين جميع
الخنازير حرم كل خنزير قلت ذلك صحيح لأن تعليق الحكم بالأعم يلزم منه تعليقه
بالأخص من غير عكس
وصل في تحقيق فقه هذا الفرق بأربع مسائل المسألة الأولى قوله تعالى فتحرير رقبة من
قبل أن يتماسا أثبت الوجوب في رقبة واحدة غير معينة فلا يعم بل تكفي رقبة واحدة
بالنص وبذلك وقع الإجماع تبعا للنص
المسألة الثانية لو قال صاحب الشرع حرمت عليكم القدر المشترك بين جميع الخنازير
حرم كل خنزير لأن تعليق الحكم بالأعم يلزم منه تعليقه بالأخص من غير عكس
قال المسألة الثالثة إذا قال لنسائه إحداكن طالق حرمن عليه كلهن بالطلاق بناء على
ثلاث قواعد القاعدة الأولى أن مفهوم أحد الأمور قدر مشترك بينها لصدقه على كل واحد
منها والصادق على عدد وأفراد مشترك فيه بين تلك الأفراد قلت ليس الأمور هو القدر
المشترك بل أحد الأمور واحد غير معين منها ولذلك صدق على كل واحد منها وقوله
والصادق على عدد وأفراد مشترك فيه بين تلك الأفراد إن أراد بذلك الحقيقة
هامش إدرار الشروق
عليه من حيث إنه جزء تضمنية كما قيل إلا إذا كان المقصود الحكم على المجموع وليس
كذلك قلت وعليه فالفرق بين العام يدل على فرده غير المعين مطابقة والمطلق يدل على
الفرد المبهم مطابقة أيضا هو أن العام يدل على فرده المذكور مطابقة من حيث تحقق
الموضوع له الذي هو الحقيقة الكلية فيه لا من حيث إنه نفس الموضوع له والمطلق يدل
على الفرد المبهم مطابقة من حيث إنه نفس الموضوع له لا من حيث تحقق الموضوع له فيه
فافهم ثم اعلم أن القائل لغلامه إذا قال ألزمتك النهي أو النفي واقع في الدار إن
أراد بالألف واللام في النهي والنفي العهد في الشخص أي في نهي معين ونفي معين لزم
أن يكون المشترك
____________________
(1/284)
فلزم
من وجود النية في البعض
وعدمها في البعض وحصول المقصود من الترجيح وهناك إذا وجدت النية في البعض دون
البعض أعمل اللفظ العام في بقية الأفراد لأنه لم يتعرض لإخراجه فإذا قال في صورة
الالتزام نويت البعض وذهلت عن الباقي كفاه ولا تطلق عليه غير المنوية وإذا قال
نويت البعض وذهلت عن الباقي في صورة العموم لم ينفعه ذلك وفروع هاتين القاعدتين
كثيرة فتأملها ويكمل لك الكشف عن هذا الموضع بمطالعة الفرق بين النية المخصصة
والمؤكدة وهو بعد هذا وقولي الطلاق عام في أفراد الطلاق إنما هو بحسب اللغة غير
أنه صار مطلقا لا عموم فيه في عرف الفقهاء والناس ولم أعلم أحدا ألزم به غير طلقة
إذا لم تكن له نية ويلزم الشافعية أن يخيروه في هذه الصورة الأخيرة كما
هامش أنوار البروق
الكلية فليس أحد الأمور هو الحقيقة الكلية وإن أراد أن لفظ أحد الأمور يختص به
معين من تلك الأمور فذلك صحيح ولا يحصل ذلك مقصوده
قال القاعدة الثانية أن الطلاق تحريم لأنه رافع لموجب النكاح والنكاح للإباحة
ورافع الإباحة محرم فالطلاق محرم قلت ذلك صحيح
قال القاعدة الثالثة أن تحريم المشترك يلزم منه تحريم جميع الجزئيات كما تقدم
فيحرمن كلهن بالطلاق وهو المطلوب قلت القاعدة الثالثة أيضا صحيحة ولكن لا يلزم أن
يحرمن كلهن لما سبق من عدم صحة القاعدة الأولى
قال وبهذه القواعد أجبت قاضي القضاة صدر الدين فقيه الحنفية وقاضيها لما قال مذهب
مالك يلزم منه خلاف الإجماع لأن الله تعالى أوجب إحدى الخصال في كفارة الحنث فنقول
إضافة الحكم لأحد الأمور إما أن يقتضي التعميم أو لا يقتضي فإن اقتضى التعميم لغة
وجب أن يعم الوجوب خصال الكفارة فيجب الجميع وهو خلاف الإجماع وإن يقتض العموم وجب
أن لا يعم في النسوة لأنه لو عم لعم بغير مقتض فإن التقدير أن اللفظ لا يقتضي
العموم والكلام عند عدم النية فيلزم ثبوت الحكم بغير مقتض وهو خلاف الإجماع فعلم
أن مذهب مالك يلزم منه خلاف الإجماع فأجبته بأن قلت إيجاب إحدى الخصال إيجاب
للمشترك ووجوب المشترك يخرج المكلف عن عهدته بفرد إجماعا
وأما الطلاق في هذه الصورة فهو تحريم لمشترك فيعم أفراده وأفراده هم النسوة فيعمهن
الطلاق وقررت له جميع القواعد المتقدمة فظهر الفرق واندفع السؤال وهو من الأسئلة
الجليلة الحسنة فتأمله فلقد أورده
هامش إدرار الشروق
المنهي عنه أو المنفي عنه وهو المدلول التزاما معينا وإن أراد بها فيهما العهد في
الجنس أي في نهي غير معين وفي نفي غير معين فلا بد أن يكون المدلول الالتزامي وهو
المشترك المنهي عنه أو المنفي عنه كذلك أي غير معين لأنه إن لم يكن كذلك كان معينا
وإذا كان معينا لزم مثل ذلك في المتعلق به وهو النهي أو النفي وقد فرض غير معين
وإن أراد بها فيها العموم فلا بد من العموم في المتعلق ولا فرق بين مدلول المشترك
مطابقة في النهي والنفي ومدلوله التزاما فيهما وكذلك إذا حلف بالطلاق وحنث بأن قال
علي الطلاق أو الطلاق يلزمني أو ما أشبه ذلك وله أربع زوجات فإذا جعلت الألف
واللام في الطلاق بحسب اللغة
____________________
(1/285)
خيروه
في إحداكن طالق بل هاهنا أولى لعدم ذكر الزوجات وأحقق فقه هذا الفرق بأربع مسائل
المسألة الأولى قوله تعالى فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا أثبت
هامش أنوار البروق
على أكابر فلم يجيبوا عنه إلا بقولهم إنما عم الطلاق احتياطا للفروج فإذا قيل لهم
ما الدليل على مشروعية هذا الاحتياط في الشرع لم يجدوه وأما مع ذكر هذه القواعد
فتصير هذه المسألة بحيث يتعين الحق فيها تعينا ضروريا فتأمل ذلك قلت صار الصدر في
هذه المسألة غير صدر لتسليمه القاعدة الأولى وهي غير مسلمة ولا صحيحة فكذلك ما بني
عليها والجواب الصحيح ما أجاب به الأكابر وهو أن الحكم إنما عم احتياطا للفروج
ودليل مشروعية هذا الاحتياط كل دليل دل على وجوب توقي الشبهات
قال شهاب الدين المسألة الرابعة قال مالك رحمه الله تعالى إذا أعتق أحد عبيده له
أن يختار واحدا منهم فيعينه للعتق بخلاف ما تقدم في الطلاق مع أنه في الصورتين
أضاف الحكم للمشترك بين الأفراد قلت قد تبين أنه ما أضاف الحكم للمشترك بل أضافه
لفرد غير معين
قال وكما أن الطلاق محرم للوطء فالعتق أيضا محرم للوطء وأخذ المنافع بطريق القهر
والاستيلاء والفرق حينئذ عسير قلت ما قاله في ذلك صحيح
قال والجواب أن الطلاق تحريم ما تقدم وأما العتق فهو قربة قلت على تسليم أن الطلاق
تحريم والعتق قربة فكون العتق قربة لا يمنعه أن يكون تحريما بل هو تحريم للتصرف في
المملوك فلا فرق
قال فلو قال لله علي عتق رقبة فقد أثبت التقرب بالعتق في القدر المشترك بين جميع
الرقاب قلت لم يثبت التقرب في القدر المشترك بالعتق بل أثبته في فرد مما فيه
المعنى المشترك فإن أراد بالقدر المشترك واحدا مما فيه الحقيقة فمراده صحيح وإلا
فلا
قال ويخرج عن العهدة برقبة واحدة إجماعا ولما أوجب الله تعالى رقبة في الكفارة كفت
رقبة واحدة قلت يحق أن يخرج عن العهدة برقبة واحدة لأنه ما أوجب إلا واحدة ولو علق
الوجوب بالمعنى
هامش إدرار الشروق
للعهد في الجنس كان الطلاق مطلقا في أفراده مطابقة فيلزم أن يكون مطلقا في الزوجات
التزاما أو للعموم كان الطلاق عاما في أفراده مطابقة فيلزم أن يكون عاما في
الزوجات وفي أنواع الطلاق من الثلاث وغيرها التزاما إلا أنه لا عموم في إفراد
الطلاق بحسب عرف الفقهاء والناس ولم أعلم أحدا ألزم به غير طلقة إذا لم تكن له نية
ولا شك هل طلق واحدة أو ثلاثا فكان ينبغي أن لا يعمهن الطلاق إذا لم يكن له نية بل
يخير في التعيين أو يقرع بينهن لئلا يلزم الترجيح من غير مرجح لأن بعضهن ليس أولى
من البعض الآخر إلا أن مالكا والشافعي وجماعة من العلماء قالوا بعموم الطلاق فيهن
احتياطا للزوج وصونا
____________________
(1/286)
الوجوب
في القدر المشترك بين جميع الرقاب فلم يعم ذلك جميع صور الرقاب بل يكفي في ذلك
صورة واحدة بالإجماع
هامش أنوار البروق
المشترك لما ساغ الخروج عن العهدة إلا بجميع ما فيه ذلك المعنى من الأفراد
قال وإذا كان من باب التقرب فهو من باب الأمر والثبوت في المشترك الذي يكفي فيه
فرد قلت لم يكف فيه فرد لأنه من باب الأمر لكن كفى فيه لأنه من باب الأمر المعلق
بمطلق وهو الفرد غير المعين
قال بخلاف الطلاق فإنه تحريم كما تقدم ولقوله عليه السلام أبغض المباح إلى الله
الطلاق والبغضة إنما تصدق مع النهي دون الأمر فلذلك لم يعم في العتق وعم في الطلاق
بناء على القواعد المذكورة والمسائل المفروضة قلت قد تقدم أن العتق أيضا تحريم وما
استدل به من قوله عليه السلام أبغض المباح إلى الله الطلاق ليس فيه دليل لأنه قد
صرح النبي صلى الله عليه وسلم بإباحة الطلاق فكيف يكون محرما أو مكروها وقوله إن
البغضة إنما تصدق مع النهي دون الأمر غير مسلم بل تصدق مع الأمر وتحمل في حق الله
تعالى على مرجوحية الأمر الذي علق به البغضة وما أشار إليه من القواعد قد تبين
إبطال بعضها فلا يصح ما بنى عليها
قال وأما تحريم الوطء فهو تابع للعتق وأصله التقرب قلت وكذلك تحريم الوطء في
الزوجة تابع للطلاق الذي أصله الإباحة بنص الشارع قال والأحكام إنما تثبت للألفاظ
بناء على ما تقتضيه مطابقة دون ما تقتضيه التزاما قلت ذلك مسلم ومشترك الإلزام
قال فما من أمر إلا ويلزمه النهي عن تركه والخبر عن العقاب فيه على تقدير الترك
ومع ذلك فلا يقال فيه هو
للتكرار بناء على النهي ولا يدخله التصديق والتكذيب بناء على الخبر اللازم بل إنما
يعتبر ما يدل اللفظ عليه مطابقة فقط وكذلك النهي يلزمه الأمر بتركه والإخبار عن
العقاب على تقدير الفعل ولا يقال هو للوجوب والمرة الواحدة بناء على الأمر ولا
يدخله التصديق والتكذيب بناء على الخبر فكذلك الطلاق والعتق الطلاق تحريم ويلزمه
وجوب الترك والعتق قربة ويلزمه التحريم فلا تعتبر اللوازم وإنما تعتبر الحقائق من
حيث هي فتأمل الفرق وبهذه المسائل والمباحث يتجه الفرق بين ثبوت الحكم في المشترك
وبين النهي عن المشترك وعليه مسائل كثيرة في أصول الفقه فتأمله في مواطنه ولا أطول
بذكرها بل يكفي ما تقدم ذكره قلت أما قوله ما من أمر إلا ويلزمه النهي عن تركه
فمسلم وأما قوله والخبر عن العقاب فيه على تقدير الترك فغير مسلم فإنه لا يخلو أن
يريد بالتقدير ما يرجع إلى الباري تعالى أو ما يرجع إلينا فإن أراد الأول فهو محال
على الله تعالى فإنه لا يقوم بذاته تقدير أمر من الأمور بالمعنى الذي يقال ذلك في
هامش إدرار الشروق
لها عن مواقعة الزنا فإن الطلاق قد ثبت بقوله علي الطلاق أو ما أشبه ذلك ووقع الشك
والاحتمال في عمومه لمحاله أو خصوصه فحمل على العموم فيها احتياطا كما فيما إذا
طلق وشك هل واحدة أو ثلاثا يحمل على الثلاث بخلاف ما إذا شك في أصل الطلاق فإنه لا
يلزمه شيء استصحابا بالأصل العصمة كما
____________________
(1/287)
المسألة
الثانية لو قال صاحب الشرع حرمت عليكم القدر المشترك بين جميع الخنازير حرم كل
خنزير
المسألة الثالثة فإذا قال لنسائه إحداكن طالق حرمن عليه كلهن بالطلاق بناء على
ثلاث قواعد القاعدة الأولى أن مفهوم أحد الأمور قدر مشترك بينها لصدقه على كل واحد
منها والصادق على عدد وأفراد مشترك فيه بين تلك الأفراد القاعدة الثانية أن الطلاق
تحريم لأنه رافع لموجب النكاح والنكاح للإباحة ورافع الإباحة محرم فالطلاق محرم
القاعدة الثالثة أن تحريم المشترك يلزم منه تحريم جميع الجزئيات كما تقدم فيحرمن
كلهن بالطلاق وهو المطلوب وبهذه القواعد أجبت قاضي القضاة صدر الدين فقيه الحنفية
وقاضيها لما قال مذهب مالك يلزم منه خلاف الإجماع لأن الله تعالى أوجب إحدى الخصال
في كفارة الحنث فنقول إضافة الحكم لأحد الأمور إما أن يقتضي التعميم أو لا يقتضي
فإن اقتضى التعميم لغة وجب أن يعم الوجوب خصال الكفارة فيجب الجميع وهو خلاف
الإجماع وإن لم يقتض العموم وجب أن لا يعم في النسوة لأنه لو عم لعم بغير
هامش أنوار البروق
حقنا بل لا يقوم بذاته إلا العلم بوجود ذلك الأمر أو بعدمه وإن أراد الثاني فهو
محال أيضا لأنه إذا
هامش إدرار الشروق
مر ولا يلزم الشافعية أن يخيروه إذا قال يلزمني الطلاق وإن خيروه في إحداكن طالق
لأن التخيير في قوله إحداكن طالق بين لتعليقه الطلاق بواحدة أما حيث لم يعلق
الطلاق بواحدة فليس التخيير بالبين فإن نوى بالطلاق بعضهن ذاهلا عن البعض الآخر لم
يلزمه الطلاق إلا في البعض الذي نواه وحده كما أنه لا يلزمه الحنث فيما عدا ما
نواه إذا أتى بصيغة عموم نحو لا ألبس ثوبا لأن النية أول معتبر في الحالف كما
سيأتي بيانه هذا هو التحقيق فاحفظه
وصل في تحقيق فقه هذا الفرق بأربع مسائل المسألة الأولى قوله تعالى فتحرير رقبة من
قبل أن يتماسا أثبت الوجوب في رقبة واحدة غير معينة فلا يعم بل تكفي رقبة واحدة
بالنص وبذلك وقع الإجماع تبعا للنص
المسألة الثانية لو قال صاحب الشرع حرمت عليكم القدر المشترك بين جميع الخنازير
حرم كل خنزير لأن تعليق الحكم بالأعم يلزم منه تعليقه بالأخص من غير عكس
المسألة الثالثة إذا قال لنسائه إحداكن طالق حرمت عليه كلهن بالطلاق عند مالك رحمه
الله تعالى وإن كان أحد الأمور عبارة عن واحد غير معين منها فلا يقتضي العموم
والكلام عند عدم النية فيلزم عليه ثبوت الحكم بغير مقتض وهو خلاف الإجماع نظرا
للاحتياط للفروج كما أجاب به الأكابر ودليل مشروعية هذا الاحتياط كل دليل دل على
وجوب توقي الشبهات ولا يتم جواب الأصل ببنائه على ثلاث قواعد
____________________
(1/288)
مقتض
فإن التقدير أن
اللفظ لا يقتضي العموم والكلام عند عدم النية فيلزم ثبوت الحكم بغير مقتض وهو خلاف
الإجماع فعلم أن مذهب مالك يلزم منه خلاف الإجماع فأجبته بأن قلت إيجاب إحدى
الخصال إيجاب للمشترك ووجوب المشترك يخرج المكلف عن عهدته بفرد إجماعا وأما الطلاق
في هذه الصورة فهو تحريم لمشترك فيعم أفراده وأفراده هم النسوة فيعمهن الطلاق
وقررت له جميع القواعد المتقدمة فظهر الفرق واندفع السؤال وهو من الأسئلة الجليلة
الحسنة فتأمله فلقد أورده على أكابر فلم يجيبوا عنه إلا بقولهم إنما عم الطلاق
احتياطا للفروج فإذا قيل لهم ما الدليل على مشروعية هذا الاحتياط في الشرع لم
يجدوه وأما مع ذكر هذه القواعد فتصير هذه المسألة ضرورية بحيث يتعين الحق فيها
تعينا ضروريا فتأمل ذلك
المسألة الرابعة قال مالك إذا أعتق أحد عبيده له أن يختار واحدا منهم فيعينه للعتق
بخلاف ما تقدم في الطلاق مع أنه في الصورتين أضاف الحكم للمشترك بين الأفراد وكما
أن الطلاق محرم للوطء فالعتق أيضا محرم للوطء وأخذ المنافع بطريق القهر والاستيلاء
والفرق حينئذ عسير والجواب أن الطلاق تحريم كما تقدم وأما العتق فهو قربة في جميع
الأعصار والأمم
فلو قال لله علي عتق رقبة فقد أثبت التقرب بالعتق في القدر المشترك بين جميع
الرقاب ويخرج عن العهدة بعتق رقبة واحدة إجماعا ولما أوجب الله تعالى رقبة في
الكفارة كفت رقبة واحدة وإذا كان من باب التقرب فهو من باب الأمر وللثبوت في
هامش أنوار البروق
كان سبب قيام ذلك الخبر بذاته تعالى تقديرنا نحن ذلك الأمر وتقديرنا حادث فيلزم
حدوث ذلك الخبر لضرورة سبق السبب للمسبب أو معيته
وأما قوله فكذلك الطلاق والعتق الطلاق تحريم
هامش إدرار الشروق
الأولى أن مفهوم أحد الأمور قدر مشترك بينها لصدقه على كل واحد منها والصادق على
عدد وأفراد مشترك فيه بين الأفراد
الثانية أن الطلاق تحريم لأنه رافع لموجب النكاح والنكاح للإباحة ورافع الإباحة
محرم فالطلاق محرم الثالثة أن تحريم المشترك يلزم منه تحريم جميع الجزئيات كما
تقدم فيحرمن كلهن بالطلاق وهو المطلوب لأنه وإن كان كل من القاعدة الثانية
والثالثة صحيحا إلا أن القاعدة الأولى غير صحيحة إذ ليس أحط الأمور هو القدر
المشترك بل هو واحد غير معين منها ولذلك صدق على كل واحد منها لا لأنه الحقيقة
الكلية حتى يحصل المقصود بقوله والصادق على عدد وأفراد مشترك فيه بين تلك الأفراد
فافهم
المسألة الرابعة قال مالك إذا أعتق أحد عبيده له أن يختار واحدا منهم فيعينه للعتق
نظرا لكون أحد الأمور عبارة عن واحد غير معين منها فلا يقتضي العموم كما تقدم
والإجماع على أن حكم العموم لا يثبت إلا بثبوت مقتضيه ولم ينظر هنا للاحتياط
للفروج مع أن الحق أنه لا فرق بين العتق والطلاق لأنا وإن سلمنا أن الطلاق تحريم
للوطء وقد ثبت له البغضة التي لا تصدق إلا مع النهي دون الأمر بقوله
____________________
(1/289)
المشترك
الذي يكفي فيه فرد بخلاف الطلاق فإنه تحريم كما تقدم ولقوله عليه السلام أبغض
الحلال إلى الله الطلاق والبغضة إنما تصدق مع النهي دون الأمر فلذلك لم يعم في
العتق وعم في الطلاق بناء على القواعد المذكورة والمسائل المفروضة وأما تحريم
الوطء فهو تابع للعتق وأصله التقرب والأحكام إنما تثبت للألفاظ بناء على ما تقتضيه
مطابقة دون ما تقتضيه التزاما فما من أمر إلا ويلزم النهي عن تركه والخبر عن
العقاب فيه على تقدير الترك ومع ذلك فلا يقال فيه هو للتكرار بناء على النهي ولا
يدخله التصديق والتكذيب بناء على الخبر اللازم بل إنما يعتبر ما يدل اللفظ عليه
مطابقة فقط وكذلك النهي يلزمه الأمر بتركه والإخبار عن العقاب على تقدير الفعل ولا
يقال هو للوجوب والمرة الواحدة بناء على الأمر ولا يدخله التصديق والتكذيب بناء
على الخبر فكذلك الطلاق والعتق الطلاق تحريم ويلزمه وجوب الترك والعتق قربة ويلزمه
التحريم فلا تعتبر اللوازم وإنما تعتبر الحقائق من حيث هي فتأمل الفرق وبهذه
المسائل والمباحث يتجه الفرق بين ثبوت الحكم في المشترك وبين النهي عن المشترك
وعليه مسائل كثيرة في أصول الفقه فتأمله في مواطنه ولا أطول بذكرها بل يكفي ما
تقدم ذكره
هامش أنوار البروق
ويلزمه وجوب الترك والعتق قربة ويلزمه التحريم فلا تعتبر اللوازم وإنما تعتبر
الحقائق من حيث هي قلت لقائل أن يقول ليس الطلاق تحريما أما طلاق السنة فليس
تحريما وكذلك غيره لأن التحريم إنما هو المؤبد أما غير المؤبد فلا ونقول ليس
الطلاق بنفسه تحريما ولكن الطلاق حل لعقد النكاح
هامش إدرار الشروق
عليه الصلاة والسلام أبغض الحلال إلى الله الطلاق وأن العتق قربة في جميع الإعصار
والأمم إلا أن كون العتق قربة لا يمنعه أن يكون تحريما للوطء وأخذ المنافع بطريق
القهر والاستيلاء على أنا لا نسلم أن البغضة في الحديث لا تصدق إلا مع النهي حتى
يتم الاستدلال بالحديث على أن الطلاق منهي عنه لا مأمور به بخلاف العتق لأن النبي
صلى الله تعالى عليه وسلم قد صرح بإباحة الطلاق فكيف يكون محرما أو مكروها وحينئذ
فتصدق البغضة مع الأمر وتحمل في حق الله تعالى على مرجوحية الأمر الذي علق به
البغضة وأما دعوى أن الطلاق تحريم ويلزمه وجوب الترك والعتق قربة ويلزمه التحريم
والأحكام إنما تثبت للألفاظ بناء على ما تقتضيه مطابقة دون ما تقتضيه التزاما ألا
ترى أن كل أمر يلزمه النهي عن تركه ومع ذلك لا يقال فيه هو للتحريم بناء على النهي
وأن كل نهي يلزمه الأمر بتركه ومع ذلك لا يقال فيه هو للوجوب بناء على الأمر فلا تعتبر
اللوازم وإنما تعتبر الحقائق من حيث هي فمدفوعة بأن الطلاق بنفسه ليس بتحريم لأن
التحريم إنما هو المؤبد أما غير المؤبد فلا
وإنما هو حل لعقد النكاح وحل عقد النكاح يستلزم صيرورة الزوجة أجنبية وصيرورتها
أجنبية يستلزم تحريمها كما أن العتق رفع للملك عن المملوكة ورفع الملك يصيرها
أجنبية مالكة لنفسها ويستلزم ذلك تحريمهما فلا فرق قلت نعم قد يقال الوجه في نظر
مالك في الطلاق للاحتياط للفروج وإن لزمه مخالفة الإجماع وفي العتق لما اقتضاه
الإجماع وإن لزمه مخالفة الاحتياط للفروج هو أن استلزام الطلاق للتحريم لخصوص الوطء
مطرد إذ لا يكون غير مستلزم له بخلاف العتق فافهم والله أعلم
____________________
(1/290)
الفرق
السادس والعشرون بين قاعدة خطاب التكليف وقاعدة خطاب الوضع وهذا الفرق أيضا عظيم
القدر جليل الخطر وبتحقيقه تنفرج أمور عظيمة من الإشكالات وترد إشكالات عظيمة أيضا
في بعض الفروع وسأبين لك ذلك في هذا الفرق إن شاء الله
هامش أنوار البروق
وحل عقد النكاح يستلزم صيرورة الزوجة أجنبية وصيرورتها أجنبية يستلزم تحريمها كما
أن العتق رفع الملك عن المملوكة ورفع الملك يصيرها أجنبية مالكة لنفسها ويستلزم
ذلك تحريمها فلا فرق وبالجملة فكلامه في هذا الفرق ليس بالقوي ولا الواضح والله
أعلم
قال الفرق السادس والعشرون بين قاعدة خطاب التكليف وقاعدة خطاب الوضع إلى قوله
فهذا هو تصوير خطاب التكليف وخطاب الوضع قلت ما قاله في ذلك صحيح غير قوله ونقدر
وجود الملك لمن قال لغيره أعتق عبدك عني لتثبت له الكفارة والولاء مع أنه لا ملك
له ونقدر الملك في دية المقتول خطأ قبل موته حتى يصح فيها الإرث فإنه ليس بصحيح
وقد سبق التنبيه على ذلك قبل هذا
قال واعلم أنه يشترط في خطاب التكليف علم المكلف وقدرته إلى قوله في وجود المانع
أو عند عدم الشرط قلت ما قاله في ذلك صحيح
قال واستثنى صاحب الشرع من عدم اشتراط العلم والقدرة في خطاب الوضع قاعدتين في
الشريعة القاعدة الأولى الأسباب التي هي أسباب للعقوبات وهي جناية كالقتل للقصاص
يشترط فيه القدرة والعلم والقصد فلذلك لا قصاص في قتل الخطأ والزنى أيضا ولذلك لا
يجب الحد على المكره ولا على من لا يعلم أن الموطوءة أجنبية بل إذا اعتقد أنها
امرأته سقط الحد لعدم العلم وكذلك من شرب خمرا يعتقدها خلا لا حد عليه لعدم العلم
وكذلك جميع الأسباب التي هي جنايات وأسباب للعقوبات يشترط فيها العلم والقصد
والقدرة والسر في استثناء هذه القاعدة من خطاب الوضع أن رحمة صاحب الشرع تأبى
عقوبة من لم يقصد الفساد ولا يسعى بإرادته وقدرته بل قلبه مشتمل على العفة والطاعة
والإنابة فمثل هذا لا يعاقبه صاحب الشرع رحمة ولطفا
هامش إدرار الشروق
الفرق السادس والعشرون بين قاعدة خطاب التكليف وقاعدة خطاب الوضع اعلم أن الأفعال
الواقعة في الوجود المقتضية لأمور تشرع لأجلها أو توضع فتقتضيها على الجملة ضربان
أحدهما خارج عن مقدور المكلف وهذا قد يكون سببا كالاضطرار في إباحة الميتة وخوف
العنت في إباحة نكاح الإماء والسلس في إسقاط وجوب الوضوء لكل صلاة مع وجود الخارج
وزوال
____________________
(1/291)
تعالى
وتحرير القاعدتين أن خطاب التكليف في اصطلاح العلماء هو الأحكام الخمسة الوجوب
والتحريم والندب والكراهة والإباحة مع أن أصل هذه اللفظة أن لا تطلق إلا على
التحريم والوجوب لأنها مشتقة من الكلفة والكلفة لم توجد إلا فيهما لأجل الحمل على
الفعل أو الترك خوف العقاب وأما ما عداهما فالمكلف في سعة لعدم المؤاخذة فلا كلفة
حينئذ غير أن جماعة يتوسعون في إطلاق اللفظ على الجميع تغليبا للبعض على البعض
فهذا خطاب التكليف وأما خطاب الوضع فهو خطاب بنصب الأسباب كالزوال ورؤية الهلاك
ونصب الشروط كالحول في الزكاة والطهارة في الصلاة ونصب الموانع كالحيض مانع من
الصلاة والقتل مانع من الميراث ونصب التقادير الشرعية وهي إعطاء الموجود حكم
المعدوم أو المعدوم حكم الموجود كما نقدر رفع الإباحة بالرد بالعيب بعد ثبوتها قبل
الرد
ونقول ارتفع العقد من أصله لا من حينه على أحد القولين للعلماء
هامش أنوار البروق
قلت ليس ذلك باستثناء من خطاب الوضع ولكنه ازدوج في هذه الأمور خطاب التكليف
والوضع فلحقها اشتراط العقل وما معه من جهة خطاب التكليف لا من جهة خطاب الوضع
فإنه يرتفع التكليف مع عدم تلك الأوصاف فيرتفع خطاب الوضع المرتب عليه والله أعلم
قال القاعدة الثانية التي استثنيت من خطاب الوضع فاشترط فيها العلم والقدرة قاعدة
أسباب انتقال الأملاك إلى آخر القاعدة
هامش إدرار الشروق
الشمس أو غروبها أو طلوع الفجر في إيجاب تلك الصلوات وما أشبه ذلك وقد يكون شرطا
كالحول في إيجاب الزكاة والبلوغ في التكليف مطلقا والقدرة على التسليم في صحة
البيع والرشد في دفع مال اليتيم إليه وإرسال الرسل في الثواب والعقاب وما أشبه ذلك
وقد يكون مانعا كالحيض من الوطء والطلاق والطواف بالبيت ووجوب الصلوات وأداء
الصيام والجنون من القيام بالعبادات وإطلاق التصرفات وما أشبه ذلك الضرب الثاني ما
لا يكون خارجا عن مقدور المكلف وله نظر إن نظر من جهة دخوله تحت خطاب التكليف
مأمورا به أو منهيا عنه أو مأذونا فيه لاقتضائه للمصالح أو المفاسد جلبا أو دفعا
كالبيع والشراء للانتفاع والنكاح للنسل والانقياد للطاعة لحصول الفوز وما أشبه ذلك
وهو بين ونظر من جهة دخوله تحت خطاب الوضع إما لكونه سببا كالنكاح سببا في حصول
التوارث بين الزوجين وتحريم المصاهرة وحلية الاستمتاع والذكاة سببا لحلية الانتفاع
بالأكل والسفر سببا في إباحة القصر والفطر والقتل والجرح سببا للقصاص والزنا وشرب
الخمر والسرقة والقذف أسبابا لحصول تلك العقوبات وما أشبه ذلك وإما لكونه شرطا
كالنكاح شرطا في وقوع الطلاق أو في حل مراجعة المطلقة ثلاثا والإحصان شرطا في رجم
الزاني والطهارة شرطا في صحة الصلاة والنية شرطا في صحة العبادات وما أشبه ذلك
وإما لكونه مانعا كنكاح الأخت مانعا من نكاح الأخرى ونكاح المرأة مانعا من نكاح
عمتها وخالتها والإيمان مانعا من القصاص للكافر والكفر مانعا من قبول الطاعات وما
أشبه ذلك وهذه الثلاثة وإن اجتمعت في نحو النكاح لكن لا لحكم واحد بل إنما هو سبب
لحكم وشرط لآخر ومانع لآخر كما علمت إذ لا يصح اجتماعها ولا اثنين منها على الحكم
الواحد كما لا يصح ذلك
____________________
(1/292)
ونقدر
النجاسة في حكم العدم في صور الضرورات كدم البراغيث وموضع الحدث في المخرجين ونقدر
وجود الملك لمن قال لغيره أعتق عبدك عني لتثبت له الكفارة والولاء مع أنه لا ملك
له ونقدر الملك في دية المقتول خطأ قبل موته حتى يصح فيه الإرث فهاتان من باب
إعطاء المعدوم حكم الموجود والأوليان من باب إعطاء الموجود حكم المعدوم وهو كثير
في الشريعة ولا يكاد باب من أبواب الفقه ينفك عن التقدير وقد بسطت ذلك في كتاب
الأمنية في إدراك النية حيث تكلمت فيها على رفض النية ورفعها بعد وقوعها مع أن رفع
الواقع محال عقلا والشرع لا يرد بخلاف العقل وحررت التقادير في هذه المباحث هنالك
فهذا هو تصوير خطاب التكليف وخطاب الوضع
واعلم أنه يشترط في خطاب التكليف علم المكلف وقدرته على ذلك الفعل وكونه من كسبه
بخلاف خطاب الوضع لا يشترط ذلك فيه فلذلك نورث بالإنساب من لا يعلم نسبه ويدخل
العبد
هامش أنوار البروق
قلت وهذه القاعدة أيضا ليست بمستثناة من خطاب الوضع ولكن ازدوج فيها الخطابان أما
خطاب الوضع فظاهر وأما خطاب التكليف فمن جهة إباحة تلك التصرفات لكنها لم تبح تلك
التصرفات إلا مع العلم والاختيار والرشد فإذا وقعت عارية غير مصاحبة لتلك الأوصاف
المشترطة في إباحة التصرف لم تترتب عليها مسبباتها من وجوه انتقال الأملاك والذي
يوضح ذلك أن اشتراط
هامش إدرار الشروق
في أحكام خطاب التكليف لما في ذلك من التدافع ا ه ملخصا من الموافقات للشاطبي
ويضبط خطاب التكليف بأمور ثلاثة أحدها أنه في اصطلاح العلماء هو الأحكام الخمسة
الوجوب والتحريم والندب والكراهة والإباحة قيل والأصل في لفظه التكليف لكونها
مشتقة من الكلفة أن لا تطلق إلا على التحريم والوجوب إذ لا توجد الكلفة إلا فيهما
لأجل الحمل على الفعل أو الترك خوف العقاب والمكلف بالنسبة لما عداهما في سعة لعدم
المؤاخذة فلا كلفة إلا أنهم توسعوا في إطلاق اللفظ على الجميع تغليبا أو لكونها لا
تتعلق إلا بفعل المكلف وفي حاشية الأمير على عبد السلام ما حاصله أن التكليف إما
أن يفسر بإلزام ما فيه كلفة فلا يشمل الندب والكراهة وإما أن يفسر بالطلب فيشملهما
وعلى الأول يظهر ما رجحه المالكية من تعلق الندب والكراهة بالصبي كأمره بالصلاة
لسبع من الشارع بناء على أن الأمر بالأمر أمر وأما الإباحة فليست تكليفا عليهما
وعدها في أحكام التكليف إما أنه تغليب أو أن معناه أنها لا تتعلق إلا بالمكلف لما
صرح به في أصول الفقه من أن أفعال الصبي ونحوه كالبهائم مهملة ولا يقال أنها مباحة
وتقريبه أن معنى مباحة لا إثم في فعلها ولا في تركها ولا ينفى الشيء إلا حيث يصح
ثبوته قال ولا يعول على ظاهر ما نقل عن أبي منصور الماتريدي والحنفية من أن الصبي
مكلف بالإيمان بالله وأنهم حملوا رفع القلم عنه على غير الإيمان من الشرعيات وذلك
لأن جمهور أهل العلم على نجاة الصبيان مطلقا وهم في الجنة ولو أولاد الكفار نعم إن
أرادوا ما قاله أصحابنا المالكية ردة الصبي وإيمانه معتبران بمعنى إجراء الأحكام
الدنيوية التي تتسبب عنهما كبطلان ذبحه ونكاحه وصحتهما رجع لخطاب الوضع من حيث
السبب والمانع وهو لا يتقيد بالمكلف إلا أنه لا يعاقب في الآخرة ولا يقتل قبل
البلوغ ا ه
____________________
(1/293)
الموروث
في ملكه ويعتق عليه إن كان ممن يعتق عليه مع غفلته عن ذلك وعجزه عن دفعه ويطلق
بالإضرار والإعسار اللذين هما معجوز عنهما ويضمن بالإتلاف المغفول عنه من الصبيان
والمجانين فإن معنى خطاب الوضع قول صاحب الشرع اعلموا أنه متى وجد كذا فقد وجب كذا
أو حرم كذا أو ندب أو غير ذلك هذا في السبب أو يقول عدم كذا في وجود المانع أو عند
عدم الشرط
واستثنى صاحب الشرع من عدم اشتراط العلم والقدرة في خطاب الوضع قاعدتين القاعدة
الأولى الأسباب التي هي أسباب للعقوبات وهي جنايات كالقتل الموجب للقصاص يشترط فيه
القدرة والعلم والقصد فلذلك لا قصاص في قتل الخطأ والزاني أيضا ولذلك لا يجب الحد
على المكره ولا على من لا يعلم أن الموطوءة أجنبية بل إذا اعتقد أنها امرأته سقط
الحد لعدم العلم وكذلك من شرب خمرا يعتقدها خلا لا حد عليه لعدم العلم وكذلك جميع
الأسباب التي هي جنايات وأسباب للعقوبات يشترط فيها
هامش أنوار البروق
العلم وما معه في خطاب التكليف مناسب ومطرد واشتراط ذلك في خطاب الوضع غير مناسب
ولا مطرد أما مناسبة الاشتراط في خطاب التكليف فإنه يتعذر حصول المكلف به من
المكلف مع عدم تلك الشروط فلا تقوم عليه الحجة عند ذلك وأما اطراده فمتفق عليه
وأما عدم مناسبة الاشتراط في خطاب الوضع فإنه ليس معناه إلا أن الشارع ربط هذا
الحكم بهذا الأمر أو بعدمه وذلك لا
هامش إدرار الشروق
وقد قدمنا تبعا لابن الشاط أن التكليف بعينه مشقة لأنه منع الإنسان من الاسترسال
مع دواعي نفسه وهو أمر نسبي وبهذا الاعتبار سمي تكليفا وهذا المعنى موجود في جميع
أحكامه حتى الإباحة ويوضح هذا ما قاله الشاطبي في الموافقات من أن القاعدة المقررة
أن الشرائع إنما جيء بها لمصالح العباد فالأمر والنهي والتخيير جميعا راجعة إلى حظ
المكلف ومصالحه لأن الله تعالى غني عن الحظوظ منزه عن الأغراض غير أن الحظ على
ضربين أحدهما داخل تحت الطلب فللعبد أخذه من جهة الطلب فلا يكون ساعيا في حظه وهو
مع ذلك لا يفوته حظه لكنه أخذ له من جهة الطلب لا من حيث باعث نفسه وهذا معنى كونه
بريئا من الحظ وقد يأخذه من حيث الحظ إلا أنه لما كان داخلا تحت الطلب فطلبه من
ذلك الوجه صار حظه تابعا للطلب فلحق بما قبله في التجرد عن الحظ وسمي باسمه
والثاني غير داخل تحت الطلب فلا يكون آخذا له إلا من جهة إرادته واختياره لأن
الطلب مرفوع عنه بالغرض فهو وقد أخذه إذا من جهة حظه فلهذا يقال في المباح إنه
العمل المأذون فيه المقصود به مجرد الحظ الدنيوي خاصة ا ه أي إلا أنه لما لم يتم
فيه الحظ المذكور بواسطة الحجر عن الاسترسال فيه وفي غيره إلا بمقتضى الإذن لم يخل
عن كلفة ومشقة فافهم وثاني الأمور أن متعلقه الفعل لا الكون كذا وثالثها أنه يشترط
في خطاب التكليف علم المكلف بالتكليف وقدرته على ذلك الفعل وكونه من كسبه لقول
الشيخ تاج الدين السبكي في جمع الجوامع والصواب امتناع تكليف الغافل والملجأ ا ه
____________________
(1/294)
العلم
والقصد والقدرة والسر في استثناء هذه القاعدة من خطاب الوضع أن رحمة صاحب الشرع
تأبى عقوبة من لم يقصد الفساد ولا يسعى فيه بإرادته وقدرته بل قلبه مشتمل على
العفة والطاعة والإنابة فمثل هذا لا يعاقبه صاحب الشرع رحمة ولطفا
القاعدة الثانية التي استثنيت من خطاب الوضع فاشترط فيها العلم والقدرة قاعدة
أسباب انتقال الأملاك كالبيع والهبة والوصية والصدقة والوقف والإجارة والقراض
والمساقاة والمغارسة والجعالة وغير ذلك مما هو سبب انتقال الأملاك فمن باع وهو لا
يعلم أن هذا اللفظ أو هذا التصرف يوجب انتقال الملك لكونه عجميا أو طارئا على بلاد
الإسلام لا يلزمه بيع وكذلك جميع ما ذكر معه وكذلك من أكره على البيع فباع بغير
اختياره وقدرته الناشئة عن داعيته الطبيعية لا يلزمه البيع وكذلك جميع ما ذكر معه
وسر استثناء هذه القاعدة من قاعدة خطاب الوضع قوله عليه السلام لا يحل مال امرئ
هامش أنوار البروق
يستلزم تعذرا من المكلف من حيث إنه ليس بلازم أن يكون من فعله ولا من كسبه وأما
عدم اطراده فواضح كما في زوال الشمس مثلا وفي كل سبب ليس من فعل المكلف
قال إذا تقرر هذا تقرر شرط خطاب التكليف دون خطاب الوضع وظهر الفرق فأزيده بيانا
بذكر مسائل المسألة الأولى اعلم أن خطاب الوضع قد يجتمع مع خطاب التكليف وقد ينفرد
كل واحد منهما بنفسه إلى آخر المسألة
هامش إدرار الشروق
أما الأول وهو من لا يدري كالنائم والساهي فلأنه لو صح تكليفه لكان مستدعي حصول
الفعل منه على قصد الطاعة والامتثال وهو لا يفهم وأنه محال إذ لا يتصور ممن لا
شعور له بالأمر قصد الفعل امتثالا للأمر واستحالة اللازم يلزمها استحالة الملزوم
وأما الثاني وهو من يدري ولا مندوحة له كما ألجئ إليه كالملقى من شاهق على شخص
يقتله لا مندوحة له عن الوقوع عليه القاتل له فامتناع تكليفه بالملجأ إليه أو
بنقيضه لعدم قدرته على ذلك لأن الملجأ إليه واجب الوقوع عادة ونقيضه ممتنع الوقوع
كذلك ولا قدرة له على واحد من الواجب والممتنع وتكليف الغافل ليس من قبيل التكليف
بالمحال بل من قبيل التكليف المحال والفرق بينهما هو أن الخلل في الأول راجع إلى المأمور
به وفي الثاني راجع إلى المأمور فلا يلزم من تجويز التكليف بالمحال جواز تكليف
الغافل الذي هو من قبيل التكليف المحال على أن في التكليف بالمحال فائدة مفقودة في
تكليف الغافل وهو اختيار الشخص هل يمتثل بالأخذ في الأسباب أو لا نعم تكليف الملجأ
من قبيل التكليف بالمحال إذ لا فرق بينه وبين تكليف الزمن بالمشي والإنسان
بالطيران الذي عده في جمع الجوامع من قبيل التكليف بالمحال وجوزه قال سم إلا أن
يفرق بمجرد أن الملجأ ساقط الاختيار رأسا بخلاف غيره ولا يخفى ما فيه فتأمل ا ه
ملخصا من المحلي والعطار والشربيني قال الشربيني والحق أن كلام المتقدمين في مسألة
الملجأ إنما هو من جهة عدم جواز تكليف من أزيل رضاه واختياره وصار بحيث لا قدرة له
أصلا بالإلجاء كما أن كلامهم في مسألة الغافل إنما هو من جهة امتناع تكليفه من حيث
غفلته وفي مسألة التكليف بالمحال أي ما لا يطاق عادة إنما هو من جهة جواز تكليف من
لا تصلح قدرته للمكلف به مع علمه بالتكليف وعدم إكراهه وإلجائه فكلامهم في كل من
حيث خصوصه لا من حيث عموم غيره له أو عمومه لغيره لأنهم رحمهم الله تعالى اكتفوا
في التفرقة بين المسائل
____________________
(1/295)
مسلم
إلا عن طيب نفسه ولا يحصل الرضا إلا مع الشعور والإرادة والمكنة من التصرف فلذلك
اشترط في هذه القاعدة العلم والإرادة والقدرة
إذا تقرر هذا تقرر شرط خطاب التكليف دون خطاب الوضع وظهر الفرق فأزيده بيانا بذكر
ثلاث مسائل المسألة الأولى اعلم أن خطاب الوضع قد يجتمع مع خطاب التكليف وقد ينفرد
كل واحد منهما بنفسه أما اجتماعهما فكالزنى فإنه حرام ومن هذا الوجه هو خطاب تكليف
وسبب للحد ومن هذا الوجه هو خطاب وضع والسرقة من جهة أنها محرمة خطاب تكليف ومن
جهة أنها سبب القطع خطاب وضع وكذلك بقية الجنايات محرمة وهي أسباب العقوبات والبيع
مباح أو مندوب أو واجب أو حرام على قدر ما يعرض له في صوره على ما هو مبسوط في كتب
الفقه فمن هذا الوجه هو خطاب تكليف ومن جهة
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله فيها صحيح والله أعلم
قال المسألة الثانية الصبي إذا أفسد مالا لغيره وجب على وليه إخراج الجابر من مال
الصبي إلخ قلت ما قاله فيها صحيح غير قوله قد تقدم استثناء قاعدة انتقال الأملاك
من قاعدة خطاب الوضع فإنه قد سبق التنبيه على ما فيه وإنما لم تصح تلك الأمور من
الصبي لأنه يشترط فيها اعتبار المصالح والصبي ليس بأهل لذلك والله أعلم
هامش إدرار الشروق
المتشابهة بالقيود المأخوذة من عنوانها وإلا لم تكن هي محل الكلام فيها فسقط ما
لسم وغيره من المتأخرين هنا فافهم ويضبط خطاب الوضع بأمور ثلاثة أيضا أحدها أنه
ينحصر في الأسباب والشروط والموانع والصحة والبطلان والعزائم والرخص فهذه خمسة
أنواع بعد الصحة والبطلان واحدا والعزائم والرخص واحدا كما في الموافقات للشاطبي
ولم يعد في جمع الجوامع وشروحه وحواشيه العزائم والرخص بل اعتبروا الصحة والفساد
نوعين لا نوعا واحدا بل قال العطار الحق ما للناصر من أن المأخوذ من كلام ابن
الحاجب والعضد من أن الصحة والفساد من الأحكام العقلية بعرض العبادة مثلا على
الأوامر فكون الفعل موافقا للأوامر أو مخالفا لا يحتاج إلى توقيف من الشارع بل
يعرف بمجرد العقل ككونه مؤديا للصلاة أو تاركا لها فلا يكون حكما شرعيا بل عقليا
وعلى هذا فالأحكام الوضعية ثلاثة ا ه وثانيها أن متعلقه الكون كذا لا الفعل فهو
عبارة عن الخطاب بنصب الأسباب الوقتية كالدلوك لوجوب الصلاة والمعنوية كالإسكار
للتحريم والخطاب بنصب الشروط للحكم كالقدرة على التسليم للمبيع أو لسبب كالطهارة
في الصلاة وسببها أي الصلاة تعظيم الله تعالى والخطاب بنصب الموانع إما للحكم
كالأبوة في القصاص أو للسبب كالدين في الزكاة والخطاب بنصب الصحة والبطلان
للعبادات والعادات وكل من لفظي الصحة والبطلان يطلق باعتبار ترتب آثار العمل عليه
في الدنيا وعدم ترتبه عليه وباعتبار ترتب آثار العمل في الآخرة وعدم ترتبه والخطاب
بنصب العزيمة والرخصة والعزيمة ما شرع من الأحكام الكلية ابتداء والرخصة ما شرع
لعذر شاق استثناء من أصل كلي يقتضي المنع مع
____________________
(1/296)
أنه
سبب انتقال الملك في البيع الجائز أو التقدير في الممنوع هو خطاب وضع وبقية العقود
تتخرج على هذا المنوال وأما انفراد خطاب الوضع فكالزوال ورؤية الهلال ودوران الحول
ونحوها فإنها من خطاب الوضع وليس فيها أمر ولا نهي ولا إذن من حيث هي كذلك بل إنما
وجد الأمر في أثنائها وترتبها فقط وأما خطاب التكليف بدون خطاب الوضع فكأداء
الواجبات واجتناب المحرمات كإيقاع الصلوات وترك المنكرات فهذه من خطاب التكليف ولم
يجعلها صاحب الشرع سببا لفعل آخر نؤمر به أو ننهى عنه بل وقف الحال عند أدائها
وترتبها على أسبابها وإن كان صاحب الشرع قد جعلها سببا لبراءة الذمة وترتيب الثواب
ودرء العقاب غير أن هذه ليست أفعالا للمكلف ونحن لا نعني بكون الشيء سببا إلا كونه
وضع سببا لفعل من قبل المكلف فهذا وجه اجتماعهما وافتراقهما
هامش أنوار البروق
قال المسألة الثالثة الطهارة والستارة واستقبال القبلة والفتاوى متظافرة على أنها
من الواجبات مع أن المكلف لو توضأ قبل الوقت واستتر واستقبل القبلة ثم جاء الوقت
وهو على تلك الصورة صلى من غير أن يجدد فعلا ألبتة في هذه الثلاثة أجزأته صلاته إجماعا
وفعله قبل الوقت لا يوصف بالوجوب إلى قوله فهذا مخالف لقواعد الشرع قلت قوله وفعله
قبل الوقت لا يوصف بالوجوب ممنوع بل يوصف بالوجوب عند من يقول إنه
هامش إدرار الشروق
الاقتصار على مواضع الحاجة فيه انظر الموافقات وسيأتي بيان بعضه في الفرق الحادي
والثمانين فترقب وثالثها أن خطاب الوضع لا يشترط فيه علم المكلف وقدرته وكونه من
كسبه فلذلك نورث بالأنساب من لا يعلم نسبه ويدخل العبد الموروث في ملكه ويعتق عليه
إن كان ممن يعتق عليه مع غفلته عن ذلك وعجزه عن دفعه ويطلق بالإضرار والإعسار
اللذين هما مجوز عنهما ويضمن بالإتلاف المغفول عنه من الصبيان والمجانين فإن معنى
خطاب الوضع قول صاحب الشرع في السبب اعلموا أنه متى وجد كذا فقد وجب كذا أو حرم
كذا أو ندب أو غير ذلك وفي المانع متى وجد كذا فقد عدم كذا وفي الشرط متى عدم كذا
فقد عدم كذا وقس الباقي وأما اشتراط القدرة والعلم والقصد في أسباب العقوبات التي
هي جنايات كالقتل الموجب للقصاص والزنا وشرب الخمر الموجبين للحد فلذلك لا قصاص في
قتل الخطأ ولا يجب حد الزنا على المكره ولا على من لا يعلم أن الموطوءة أجنبية بل
إذا اعتقد أنها امرأته سقط الحد لعدم العلم واشتراط ذلك أيضا في أسباب انتقال
الأملاك كالبيع والهبة والوصية والصدقة والوقف والإجارة والقراض والمساقاة
والمغارسة والجعالة وغير ذلك مما هو سبب انتقال الأملاك فمن باع وهو لا يعلم أن
هذا اللفظ أو هذا التصرف يوجب انتقال الملك لكونه عجميا أو طارئا على بلاد الإسلام
لا يلزمه بيع ولا نحوه من جميع ما ذكر معه ومن أكره على البيع أو نحوه مما ذكر معه
لا يلزمه ذلك فلأنه لما ازدوج في هذه الأمور خطاب التكليف والوضع لحقها اشتراط ذلك
من جهة خطاب التكليف لا من جهة خطاب الوضع حتى يقال باستثنائها من خطاب الوضع نعم
لما ارتفع خطاب التكليف مع عدم تلك الأوصاف ارتفع خطاب الوضع المرتب عليه والله
أعلم وسيأتي آخر الفرق
____________________
(1/297)
المسألة
الثانية الصبي إذا أفسد مالا لغيره وجب على وليه إخراج الجابر من مال الصبي
فالإتلاف سبب للضمان وهو من خطاب الوضع فإذا بلغ الصبي ولم تكن القيمة أخذت من
ماله وجب عليه إخراجها من ماله بعد بلوغه فقد تقدم السبب في زمن الصغر وتأخر أثره
إلى بعد البلوغ ومقتضى هذا أن ينعقد بيعه ونكاحه وطلاقه فإنها أسباب من باب خطاب
الوضع الذي لا يشترط فيه التكليف ولا العلم ولا الإرادة فينعقد من الصبيان
العالمين الراضين بانتقال أملاكهم وتتأخر الأحكام إلى بعد البلوغ فيقضى حينئذ
بالتحريم في الزوجة في الطلاق كما تأخر الضمان عليه ووجوب دفع القيمة إلى بعد
البلوغ وكذلك يتأخر لزوم تسليم المبيع إلى بعد البلوغ وبقية الآثار كذلك قياسا على
الضمان ولم أر أحد قال به والجواب بذكر الفرق بين الضمان وبين هذه الأمور من وجهين
هامش أنوار البروق
من الواجب الموسع وقوله فلأن الوجوب في هذه الأمور إنما يقلع تبعا لطريان السبب
الذي هو الزوال ونحوه من أوقات الصلاة لقائل أن يقول ليس الوجوب في هذه الأمور
تبعا لطريان تلك الأسباب بل يقع تبعا لطريان العزم على التهيؤ والاستعداد لإيقاع
الصلاة ووقت طريان هذا العزم ما بين أقرب حدث يحدثه المرء وإيقاع الصلاة ودليل صحة
ذلك الإجماع على إجزاء الطهارة الموقعة قبل الوقت مع تعذر القول بإجزاء ما ليس
بواجب عن الواجب ومع لزوم نية الوجوب ولا يلزم على ذلك أن لا
هامش إدرار الشروق
السابع والتسعين الفرق بين المانع اعتبر فيه أن يكون وجوديا وبين السبب لم يعتبر
فيه ذلك والفرق بين مانع الحكم وعدم السبب فترقب وصل في ثبوت العفو وعدم ثبوته
قولان استدل من قال بثبوته بثلاثة أوجه أحدها ما تقدم من أن الأحكام الخمسة إنما
تتعلق بأفعال المكلفين مع القصد إلى الفعل وأما دون ذلك فلا وإذا لم يتعلق بها حكم
منها مع وجدانه أي الحكم ممن شرط الحكم وبين مانع السبب وعدم شرط شأنه أن تتعلق به
فهو معنى العفو المتكلم فيه أي لا مؤاخذة به والثاني ما جاء من النص على هذه
المرتبة على الخصوص فقد روي عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال إن الله
فرض فرائض فلا تضيعوها ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها وحد حدودا فلا تعتدوها وعفا عن
أشياء رحمة بكم لا عن نسيان فلا تبحثوا عنها وقال ابن عباس ما رأيت قوما خيرا من
أصحاب محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض صلى
الله تعالى عليه وسلم كلها في القرآن يسألونك عن المحيض يسألونك عن اليتامى
يسألونك عن الشهر الحرام ما كانوا يسألون إلا عما ينفعهم يعني أن هذا كان الغالب
عليهم وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال ما لم يذكر في القرآن فهو مما
عفا الله عنه وكان يسأل عن الشيء لم يحرم فيقول عفو وقيل له ما تقول في أموال أهل
الذمة فقال العفو يعني لا تؤخذ منهم زكاة وقال عبيد بن عمير أحل الله حلالا وحرم
حراما فما حل فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو
والثالث ما يدل على هذا المعنى في الجملة كقوله تعالى عفا الله عنك لم أذنت لهم
الآية فإنه
____________________
(1/298)
الوجه
الأول أن هذه الأمور يشترط فيها الرضا لأنها وإن كانت من باب خطاب الوضع غير أنه
قد تقدم استثناء قاعدة انتقال الأملاك من قاعدة خطاب الوضع وأنه يشترط فيها الرضا
والطلاق فيه إسقاط عصمة فهو من باب ترك الأملاك وكذلك العتق أيضا هو إسقاط ملك
فاشترط فيه الرضا ولما كان الصبي غير عالم بالمصالح لنقصان عقله وعدم معرفته بها
جعل الشرع رضاه كعدمه والمعدوم شرعا كالمعدوم حسا فهو غير راض وغير الراضي لا
يلزمه طلاق ولا بيع فكذلك الصبي بخلاف قاعدة الإتلافات لا أثر للرضى فيها ألبتة
فاعتبرت منه الوجه الثاني أن أثر الطلاق التحريم وهو ليس أهلا له وأثر البيع إلزام
تسليم المبيع والصبي ليس أهلا للتكليف بالتحريم والإلزام فإن قيل فلم لا تتأخر هذه
الأحكام إلى بعد البلوغ كما تأخر إلزام دفع القيمة
هامش أنوار البروق
يجب الشرط إلا عند وجوب المشروط وهذا من العاديات بمثابة من يعلم من عادته اضطراره
إلى الغذاء في وقت طلوع الشمس ومن شرط الغذاء الذي يتغذى به طبخه فلا بد من تقديم
الطبخ الذي هو الشرط على وقت الاغتذاء ثم لا يتعين لذلك الطبخ الزمن المجاور لزمن
الاغتذاء بل له تقديم الطبخ والاستعداد به من حين طروء عزمه على الاستعداد وإنما
صح ذلك لاستواء حصول المصلحة
هامش إدرار الشروق
موضع اجتهاد في الإذن عند عدم النص وقد ثبت في الشريعة العفو عن الخطأ في الاجتهاد
حسبما بسطه الأصوليون ومنه قوله تعالى لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم
عذاب عظيم وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يكره كثرة السؤال فيما لم ينزل فيه
حكم بناء على حكم البراءة الأصلية إذ هي راجعة إلى هذا المعنى ومعناها أن الأفعال
معها معفو عنها وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم إن أعظم المسلمين في المسلمين
جرما من سأل عن شيء لم يحرم عليهم فحرم عليهم من أجل مسألته انظر الموافقات
للشاطبي واستدل القائل بعدمه بثلاثة أوجه أيضا أحدها أن أفعال المكلفين من حيث هم
مكلفون إما أن تكون بجملتها داخلة تحت خطاب التكليف فهو الاقتضاء أو التخيير أو لا
تكون بجملتها داخلة فإن كان بجملتها داخلة فلا زائد على الأحكام الخمسة وهو
المطلوب وإن لم تكن داخلة بجملتها لزم أن يكون بعض المكلفين خارجا عن حكم خطاب
التكليف ولو في وقت أو حالة ما لكن ذلك باطل لأنا فرضناه مكلفا فلا يصح خروجه فلا
زائد على الأحكام الخمسة والثاني أن هذا زائد إما أن يكون حكما شرعيا أو لا فإن لم
يكن حكما شرعيا فلا اعتبار به وإن كان حكما شرعيا فإما من خطاب التكليف وأنواعه
محصورة في الخمسة وإما من خطاب الوضع وأنواعه أيضا محصورة في الخمسة التي ذكرها
الأصوليون وهذا ليس من هذه ولا من هذه فكان لغوا ويدل على أنه ليس حكما شرعيا أو
لا أنه مسمى بالعفو والعفو إنما يتوجه حيث يتوقع للمكلف حكم المخالفة لأمر أو نهي
وذلك يستلزم كون المكلف به قد سبق حكمه فلا يصح أن يتوارد عليه حكم آخر لتضاد
الأحكام وثانيا أن العفو إنما هو حكم أخروي لا دنيوي وكلامنا في الأحكام المتوجهة
في الدنيا والثالث أن هذا الزائد أي مرتبة العفو إن كانت راجعة إلى المسألة
الأصولية وهي أن يقال هل يصح أن
____________________
(1/299)
قلت
الفرق أن تأخر المسببات عن أسبابها على خلاف الأصل وإنما خالفنا هذا الأصل في
الإتلاف لضرورة حق الآدمي في جبر ماله لئلا يذهب مجانا فتضيع الظلامة وهذه ضرورة
عظيمة ولا ضرورة تدعونا لتقديم الطلاق وتأخير التحريم بل إذا أسقطنا الطلاق
واستصحبنا العصمة لم يلزم فساد ولا تفوت ضرورة وكذلك إذا أبقينا الملك في المبيع
للصبي كنا موافقين للأصل ولا يلزم محذور ألبتة أما لو أسقطنا إتلافه ولم نعتبره
لضاع مال المجني عليه وتلف وتعين ضرره وهذا فرق كبير فتأمله
المسألة الثالثة الطهارة والستارة واستقبال الكعبة في الصلاة فتاوى علمائنا
متظافرة على أنها من الواجبات مع أن المكلف لو توضأ قبل الوقت واستتر واستقبل
القبلة ثم جاء الوقت وهو على تلك الصورة وصلى من غير أن يجدد فعلا ألبتة في هذه
الثلاثة أجزأته صلاته إجماعا وفعله قبل الوقت لا يوصف بالوجوب فإن الوجوب في هذه
الأمور إنما
هامش أنوار البروق
بالاغتذاء بالقريب الطبخ والبعيد الطبخ وهذا على تقدير استواء ذلك بالنسبة إلى حال
هذا الشخص وهذا الغذاء قال فقبل سبب الوجوب لا وجوب قلت ذلك مسلم لكن ليس سبب وجوب
الطهارة المعينة هو بعينه سبب وجوب الصلاة المعينة
هامش إدرار الشروق
يخلو بعض الوقائع عن حكم الله أم لا فالمسألة مختلف فيها فليس إثباتها أولى من
نفيها إلا بدليل والأدلة فيها متعارضة فلا يصح إثباتها إلا بالدليل السالم عن
المعارض ودعواه وأيضا إن كانت اجتهادية فالظاهر نفيها بالأدلة المذكورة في كتب
الأصول وإن لم تكن راجعة إلى تلك المسألة فليست بمفهومة وما تقدم من الأدلة على
إثبات تلك المرتبة لا دليل فيه فالأدلة النقلية غير مقتضية للخروج عن الأحكام
الخمسة لإمكان الجمع بينهما ولأن العفو أخروي وأيضا فإن سلم للعفو ثبوت ففي زمانه
عليه الصلاة والسلام لا في غيره ولإمكان تأويل تلك الظواهر وما سيذكر من أنواع
العفو فداخلة أيضا تحت الخمسة فإن العفو فيها راجع إلى رفع حكم الخطأ والنسيان
والإكراه والحرج وذلك يقتضي إما الجواز بمعنى الإباحة وإما رفع ما يترتب على
المخالفة من الذم وتسبيب العقاب وذلك يقتضي إثبات الأمر والنهي مع رفع آثارهما
لمعارض فارتفع الحكم بمرتبة الحكم وأن يكون أمرا زائدا على الخمسة وفي هذا المجال
أبحاث أخر وعلى القول بثبوت العفو فهل هو حكم أم لا احتمالات وعلى الاحتمال الأول
فهل يرجع إلى خطاب التكليف أم إلى خطاب الوضع احتمالات جزم الأصل بالثاني وقال
الشاطبي والنظر في هذه الاحتمالات لما لم يكن مما ينبني عليه حكم عملي لم يتأكد
البيان فيه فكان الأولى تركه أفاد جميع ذلك في الموافقات ولمواقع العفو على ثبوته
إعمالا لأدلته ضابطان الضابط الأول للأصل أنه التقادير الشرعية التي هي إعطاء
الموجود حكم المعدوم كتقدير النجاسة في حكم العدم في صور الضرورات كدم البراغيث
وموضع الحدث في المخرجين أو المعدوم حكم الموجود كتقدير الكفر المعدوم عند قتل
المسلم لظنه كافرا في حكم الموجود فيسقط القصاص والضابط الثاني للشاطبي في
الموافقات أنه ينحصر في ثلاثة أنواع
____________________
(1/300)
يقع
تبعا لطرءان السبب الذي هو الزوال ونحوه من أوقات الصلوات فقبل سبب الوجوب لا وجوب
وإذا عدم الواجب في هذه الأفعال اتجه الإشكال من قاعدة أخرى وهي أن غير الواجب لا
يجزئ عن الواجب وإن علم الواجب لا يخرج عن عهدته إلا بفعل يفعل لا بغير فعل ألبتة
فهذا مخالف لقواعد الشرع وعند توجه هذه الإشكالات اضطربت أجوبة الفقهاء واختلفت
أفكارهم فقال القاضي أبو بكر بن العربي أقول الوضوء واجب وجوبا موسعا قبل الوقت
وفي الوقت والواجب الموسع يجوز تقديمه وتأخيره ويقع على التقديرين واجبا فما أجزأ
عن الواجب إلا واجب وهذا أحسن الأجوبة التي رأيتها وهو لا يصح بسبب أن الواجب
الموسع في الشريعة إنما عهد بعد طرءان سبب الوجوب أما وجوب قبل سببه فلا يعقل في
الشريعة لا مضيقا ولا موسعا وأوقات الصلوات نصبها صاحب الشرع أسبابا لوجوبها فلا
تجب
هامش أنوار البروق
بل العزم على استباحتها بتلك الطهارة ولا استحالة في مغايرة سبب المشروط سبب الشرط
فإن هذه الأمور وضعية تقع بحسب قصد واضعها والله أعلم قال وإذا عدم الوجوب في هذه
الأفعال اتجه الإشكال من قاعدة أخرى وهي أن غير الواجب لا يجزئ عن الواجب وأن
الواجب لا يخرج عن عهدته إلا بفعل يفعل لا بغير فعل ألبتة فهذا مخالف لقواعد الشرع
هامش إدرار الشروق
أحدها الوقوف مع مقتضى الدليل المعارض قصد نحوه وقد قوي معارضه كالعمل بالعزيمة
الراجعة إلى أصل التكليف وإن توجه حكم الرخصة المستمدة من قاعدة رفع الحرج وبالعكس
فالرجوع إلى حكم الرخصة وقوف مع ما مثله معتمد لكن لما كان أصل رفع الحرج واردا
على أصل التكليف وورد المكمل ترجح جانب أصل العزيمة بوجه ما غير أنه لا يخرم أصل
الرجوع لأن بذلك المكمل قيام أصل التكليف وقد اعتبر في مذهب مالك هذا ففيه أن من
سافر في رمضان أقل من أربعة برد فظن أن الفطر مباح به فأفطر فلا كفارة عليه ومن
أفطر فيه بتأويل وإن كان أصله غير علمي بل هذا جار في كل متأول كشارب المسكر يظنه
غير مسكر وقاتل المسلم يظنه كافرا وآكل المال الحرام عليه يظنه حلالا له والمتطهر
بماء نجس يظنه طاهرا وأشباه ذلك ومثله المجتهد المخطئ في اجتهاده أخرج أبو داود عن
ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه جاء يوم الجمعة والنبي صلى الله تعالى عليه وسلم
يخطب فسمعه يقول اجلسوا فجلس بباب المسجد فرآه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم
فقال له تعال يا عبد الله بن مسعود وسمع عبد الله بن رواحة وهو بطريق رسول الله
صلى الله تعالى عليه وسلم وهو يقول اجلسوا فجلس في الطريق فمر به النبي صلى الله
تعالى عليه وسلم فقال ما شأنك فقال سمعتك تقول اجلسوا فجلست فقال له النبي صلى
الله تعالى عليه وسلم زادك الله طاعة وقد قال عليه الصلاة والسلام لا يصلي أحد
العصر إلا في بني قريظة فأدركهم وقت العصر في الطريق فقال بعضهم لا نصلي حتى
نأتيها وقال بعضهم بل نصلي ولم يرد منا ذلك فذكر ذلك للنبي صلى الله تعالى عليه
وسلم فلم يعنف واحدة من الطائفتين ويدخل ههنا كل قضاء قضى به القاضي من مسائل
الاجتهاد ثم يتبين له خطؤه ما لم يكن قد أخطأ نصا أو إجماعا أو بعض القواطع وكذلك
الترجيح بين الدليلين فإنه وقوف مع أحدهما وإهمال للآخر فإذا فرض مهملا للراجح
فذلك
____________________
(1/301)
قبلها
ولا تجب شرائطها ووسائلها قبل وجوبها فإن القاعدة الشرعية أن وجوب الوسائل تبع
لوجوب المقاصد ولأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب بعد وجوب الواجب الأصلي أما
قبل وجوبه فهو غير معقول هذا ما على هذا الجواب وقال غيره هذه الأمور تقع غير
واجبة وتجزئ عن الواجب بالإجماع فهي مستثناة بالإجماع فاندفع السؤال وهذا ليس بجيد
فإن الاستثناء على خلاف الأصل ولا نسلم أن الإجماع منعقد على أنها مستثناة بل على
أنها مجزئة
أما الاستثناء فلا نسلمه وقال ثالث الموجود من الفعل بعد دخول الوقت في هذه الأمور
هو الواجب وهو لا بد أن يستصحب ثوبه واستقباله وطهارته وملازمة الشيء واستصحابه
فعل من المكلف فهذا هو الذي أجزأ عن الواجب وهذا أيضا غير جيد بسبب أنا نضيق الفرض
في الثوب والقبلة ونفرضه قبل الوقت على تلك الهيئة بحيث لا يجدد شيئا بعد دخول
الوقت حتى يحرم ولا نسلم أن دوام الثوب عليه فعل له ولا دوام
هامش أنوار البروق
قلت كل ما قاله في ذلك لازم على تقدير لزوم اتحاد سبب وجوب الشرط والمشروط أما على
تقدير عدم لزوم ذلك فلا قال وعند توجه هذه الإشكالات اضطربت أجوبة الفقهاء واختلفت
أفكارهم فقال القاضي أبو بكر بن العربي أقول الوضوء واجب وجوبا موسعا قبل الوقت
وفي الوقت والواجب الموسع يجوز تقديمه وتأخيره ويقع على التقديرين واجبا فما أجزأ
عن الواجب إلا واجب
هامش إدرار الشروق
لأجل وقوفه مع المرجوح وهو في الظاهر دليل يعتمد مثله وكذلك العمل بدليل منسوخ أو
غير صحيح فإنه وقوف مع ظاهر دليل يعتمد مثله في الجملة فلا يدخل تحت هذا النوع من
العفو وقوفه مع مقتضى دليل غير معارض لأنه أمر أو نهي أو تخيير عمل على وفقه فلا
عتب يتوهم فيه ومؤاخذة تلزمه بحكم الظاهر فلا موقع للعفو فيه ولا وقوفه مع ما لم
يقو معارضه لأنه من النوع الثاني النوع الثاني خروجه عن مقتضى الدليل عن غير قصد
أو عن قصد لكن بالتأويل فمثال مخالفته عن غير قصد أن يعمل الرجل عملا على اعتقاد
إباحته لأنه لم يبلغه دليل تحريمه أو كراهيته أو يتركه معتقدا إباحته إذا لم يبلغه
دليل وجوبه أو ندبه كقريب العهد بالإسلام لا يعلم أن الخمر محرمة فيشربها أو لا
يعلم أن غسل الجنابة واجب فيتركه وكما اتفق في الزمان الأول حين لم تعلم الأنصار
طلب الغسل من التقاء الختانين ومثل هذا كثير يتبين للمجتهدين وقد روي عن مالك أنه
كان لا يرى تخليل أصابع الرجلين في الوضوء ويراه من التعمق حتى بلغه أن النبي صلى
الله تعالى عليه وسلم كان يخلل فرجع إلى القول به وكما اتفق لأبي يوسف مع مالك في
المد والصاع حتى رجع إلى القول بذلك ومن ذلك العمل على المخالفة خطأ أو نسيانا أو
إكراها ففي الحديث رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه فإنه وإن لم يصح
إلا أن معناه متفق عليه ومن ذلك العفو عن عثرات ذوي الهيئات فإنه ثبت في الشرع
إقالتهم في الزلات وأن لا يعاملوا بسببها معاملة غيرهم ففي الحديث أقيلوا ذوي
الهيئات عثراتهم وفي حديث آخر تجافوا عن عقوبة ذوي المروءة والصلاح وروي العمل
بذلك عن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم فإنه قضى به في رجل من آل عمر بن الخطاب
شبح رجلا وضربه فأرسله وقال أنت من ذوي الهيئات وفي خبر آخر عن عبد العزيز بن
____________________
(1/302)
الطهارة
بدليل أنه لو غفل عن كونه متطهرا ومستقبلا ولابسا وصلى صحت صلاته ومع الغفلة يمتنع
الفعل لأن من شرط الفعل الشعور ولا شعور فلا فعل وهذا التضييق يحسم مادة هذا
الجواب فإن قلت فلم حنثته بدوام لبس الثوب إذا حلف لا يلبس ثوبا وهو لابسه أو لا
يدخل دارا وهو فيها على أحد القولين مع أنه ليس معه إلا الاستصحاب فدل ذلك على أنه
فعل وإذا كان فعلا هناك كان فعلا هنا قلت الإيمان يكفي فيها شهادة العرف كان فيها
فعل أم لا فقد نحنثه بغير فعله بل بفعل غيره كقوله إن قدم زيد أو طار الغراب أو
بغير ذلك من الأفعال أو بغير فعل ألبتة كقوله إن كان المستحيل مستحيلا فامرأته
طالق طلقت عليه امرأته مع أن المستحيل لا فعل
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله الإمام أبو بكر صحيح والله أعلم قال شهاب الدين وهذا أحسن الأجوبة
التي رأيتها وهو لا يصح بسبب أن الواجب الموسع في الشريعة إنما عهد بعد طريان سبب
الوجوب أما وجوب قبل سببه فلا يعقل في الشريعة لا مضيقا ولا موسعا قلت ما قاله
مسلم
هامش إدرار الشروق
عبد الله بن عمر بن الخطاب أنه قال استأذى علي مولى لي جرحته يقال له سلام البربري
إلى ابن حزم فأتاني فقال جرحته قلت نعم قال سمعت خالتي عمرة تقول قالت عائشة قال
رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم فخلى سبيله ولم
يعاقبه وهذا أيضا من شئون رب العزة سبحانه فإنه قال ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى
الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم الآية لكنها أحكام أخروية وكلامنا
في الأحكام الدنيوية ويقرب من هذا المعنى درء الحدود بالشبهات فإن الدليل يقوم
هنالك مفيدا للظن في إقامة الحد ومع ذلك فإذا عارضه شبهة وإن ضعفت غلب حكمها ودخل
صاحبها في حكم العفو وقد يعد هذا المجال مما خولف فيه الدليل بالتأويل وهو من هذا
النوع أيضا ومثال مخالفته بالتأويل مع المعرفة بالدليل ما وقع في الحديث في تفسير
قوله تعالى ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا الآية عن قدامة
بن مظعون حين قال لعمر بن الخطاب إن كنت شربتها فليس لك أن تجلدني قال عمر ولم قال
لأن الله يقول ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا الآية
فقال عمر إنك أخطأت التأويل يا قدامة إذا اتقيت اجتنبت ما حرم الله قال القاضي
إسماعيل وكأنه أراد أن هذه الحالة تكفر ما كان من شربه لأنه كان ممن اتقى وآمن
وعمل الصالحات وأخطأ في التأويل بخلاف من استحلها كما في حديث علي رضي الله عنه
ولم يأت في حديث قدامة أنه حد ومما وقع في المذهب في المستحاضة تترك الصلاة زمانا
جاهلة بالعمل أنه لا قضاء عليها فيما تركت قال في مختصر ما ليس في المختصر لو طال
بالمستحاضة والنفساء الدم فلم تصل النفساء ثلاثة أشهر ولا المستحاضة شهرا لم تقضيا
ما مضى إذا تأولتا في ترك الصلاة دوام ما بهما من الدم وقيل في المستحاضة إذا تركت
بعد أيام أقرائها يسيرا أعادته وإن كان كثيرا فليس عليها قضاؤه بالواجب وفي سماع
أبي زيد
____________________
(1/303)
له
فيه ألبتة بخلاف ما نحن فيه فإنه باب تكليف وإيجاب والتكليف لا بد فيه من الفعل
فاندفع السؤال والجواب الصحيح عندي أن هذه الأمور الثلاثة الطهارة والستارة
والاستقبال شروط فهي
هامش أنوار البروق
قال وأوقات الصلوات نصبها صاحب الشرع أسبابا لوجوبها فلا تجب قبلها ولا تجب
شرائطها ووسائلها قبل وجوبها قلت قوله إن الصلوات لا تجب قبل أسبابها مسلم وقوله
إن شرائطها ووسائلها لا تجب قبل وجوبها ممنوع وقد سبق تقريره قال فإن القاعدة
الشرعية أن وجوب الوسائل تبع لوجوب المقاصد قلت إن أراد أنه تبع بمعنى أنه لا يسبق
وجوب الشرائط وجوب المشروطات فهو محل النزاع وهو ممنوع وإن أراد أنه تبع بمعنى أنه
لولا وجوب المشروطات ما وجبت الشروط فمسلم ولا يلزم عنه مقصوده
قال ولأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب بعد وجوب الواجب الأصلي أما قبل وجوبه
فهو غير معقول هذا ما على هذا الجواب قلت قوله ولأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو
واجب بعد وجوب الواجب الأصلي ممنوع وقوله
هامش إدرار الشروق
عن مالك أنها إذا تركت الصلاة بعد الاستظهار جاهلة لا تقضي صلاة تلك الأيام واستحب
ابن القاسم لها القضاء ومن ذلك أيضا المسافر يقدم قبل الفجر فيظن أن من لم يدخل
قبل غروب الشمس فلا صوم له أو تطهر الحائض قبل طلوع الفجر فيظن أنه لا يصح صومها
حتى تطهر قبل الغروب فلا كفارة هنا وإن خالف الدليل لأنه متأول وإسقاط الكفارة هو
معنى العفو النوع الثالث العمل بما هو مسكوت عن حكمه إما على القول بصحة الخلو كما
هو مقتضى حديث وما سكت عنه فهو عفو وأشباهه مما تقدم فظاهر وأما على القول الآخر
بعدم صحة الخلو فيمكن أن يصرف السكوت عليه إلى ثلاثة أوجه الوجه الأول ترك
الاستفصال مع وجود فطنته كما في قوله تعالى وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم فإن
هذا العموم يتناول بظاهره ما ذبحوا لأعيادهم وكنائسهم وإذا نظر إلى المعنى أشكل
لأن في ذبائح الأعياد زيادة تنافي أحكام الإسلام فكان للنظر هنا مجال ولكن مكحولا سئل
عن المسألة فقال كله قد علم الله ما يقولون وأحل ذبائحهم يريد والله أعلم أن الآية
لم يخص عمومها وإن وجد هذا الخاص المنافي وعلم الله مقتضاه ودخوله تحت عموم اللفظ
ومع ذلك فأحل ما ليس فيه عارض وما هو فيه لكن بحكم العفو عن وجه المنافاة وإلى نحو
هذا يشير قوله عليه الصلاة والسلام وعفا عن أشياء رحمة بكم لا عن نسيان فلا تبحثوا
عنها وحديث الحج أيضا مثل هذا حين قال أحجنا هذا لعامنا أو للأبد لأن اعتبار اللفظ
يعطي أنه للأبد فكره عليه الصلاة والسلام سؤاله وبين له علة ترك السؤال عن مثله
وكذلك حديث إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما إلخ يشير إلى هذا المعنى فإن السؤال
عما لم يحرم ثم يحرم لأجل المسألة إنما يأتي في الغالب من جهة إبداء وجه فيه يقتضي
التحريم مع أن له أصلا يرجع إليه في الحلية وإن اختلفت فروعه في أنفسها أو دخلها
معنى يخيل الخروج عن حكم
____________________
(1/304)
من
باب خطاب الوضع وخطاب الوضع لا يشترط فيه فعل المكلف ولا علمه ولا إرادته
هامش أنوار البروق
أما قبل وجوبه فهو غير معقول قد سبق أنه معقول وذلك عند استواء تقديم الشرط على
وقت وجوب المشروط وتأخيره عنه في المصلحة المقصودة من ذلك الشرط قال وقال غيره هذه
الأمور تقع غير واجبة وتجزئ عن الواجب بالإجماع إلى قوله أما الاستثناء فلا نسلمه
قلت ما قاله في رد ذلك القول صحيح والله أعلم قال وقال ثالث الموجود من الفعل بعد
دخول الوقت في هذه الأمور هو الواجب وهو لا بد أن يستصحب ثوبه واستقباله وطهارته
وملازمة الشيء واستصحابه فعل من المكلف فهذا هو الذي أجزأ عن الواجب وهذا أيضا غير
جيد بسبب أنا نضيق الفرض في الثوب والقبلة ونفرضه قبل الوقت على تلك الهيئة بحيث
لا يجدد شيئا بعد دخول الوقت حتى يحرم ولا نسلم أن دوام الثوب عليه فعل له ولا
دوام الطهارة بدليل أنه لو غفل عن كونه متطهرا ومستقبلا ولابسا وصلى صحت صلاته ومع
الغفلة يمتنع الفعل لأن من شرط الفعل الشعور به ولا شعور فلا فعل وهذا التضييق
يحسم مادة هذا الجواب قلت على تسليم أن استدامة اللبس والطهارة والاستقبال ليس
بفعل حسا لكنه في معنى الفعل حكما واستدلاله بالغفلة لا دليل له فيه فإن الغفلة
إنما تناقض الفعل الحسي الحقيقي لا الحكمي بدليل صحة الصلاة في حالة الغفلة
هامش إدرار الشروق
ذلك الأصل ونحوه حديث ذروني ما تركتكم وأشباه ذلك الوجه الثاني السكوت عن مجاري
العادات مع استصحابها في الوقائع كما في الأشياء التي كانت في أول الإسلام على حكم
الإقرار ثم حرمت بعد ذلك بتدريج كالخمر فإنها كانت معتادة الاستعمال في الجاهلية
ثم جاء الإسلام فتركت على حالها قبل الهجرة وزمانا بعد ذلك ولم يتعرض في الشرع
للنص على حكمها حتى نزل يسألونك عن الخمر والميسر فبين ما فيها من المنافع والمضار
وأن الأضرار فيها أكبر من المنافع وترك الحكم الذي اقتضته المصلحة وهو التحريم لأن
القاعدة الشرعية أن المفسدة إذا أربت على المصلحة فالحكم للمفسدة والمفاسد ممنوعة
فبان وجه المنع في الخمر والميسر غير أنه لما لم ينص على المنع وإن ظهر وجهه
تمسكوا بالبقاء مع الأصل الثابت لهم بمجاري العادات ودخل لهم تحت العفو إلى أن نزل
ما في سورة المائدة من قوله تعالى فاجتنبوه فحينئذ استقر حكم التحريم وارتفع العفو
وقد دل على ذلك قوله تعالى ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا
الآية فإنه لما حرمت قالوا كيف بمن مات وهو يشربها فنزلت الآية فرفع الجناح وهو
معنى العفو ومثل ذلك الربا المعمول بها في الجاهلية وفي أول الإسلام وكذلك بيوع
الغرر الجارية بينهم كبيع المضامين والملاقيح والثمر قبل بدو صلاحه وأشباه ذلك
كلها كانت مسكوتا عنها وما سكت عنها فهو في معنى العفو والنسخ بعد ذلك لا يرفع هذا
المعنى لوجود جملة منه باقية إلى الآن على حكم إقرار الإسلام كالقراض والحكم في
الخنثى بالنسبة إلى الميراث وغيره وما أشبه ذلك مما نبه العلماء عليه الوجه الثالث
السكوت عن أعمال أخذت قبل من شريعة إبراهيم عليه السلام كما في النكاح
____________________
(1/305)
فإن
دخل الوقت وهو غير متطهر ولا لابس ولا مستقبل توجه التكليف عليه بهذه الأمور
وتحصيلها فاجتمع فيها حينئذ خطاب الوضع وخطاب التكليف وإن دخل الوقت وهو متطهر
لابس مستقبل اندفع خطاب التكليف وبقي خطاب الوضع خاصة
هامش أنوار البروق
قال فإن قلت فلم حنثته بدوام لبس الثوب إذا حلف لا يلبس ثوبا وهو لابسه أو لا يدخل
دارا وهو فيها على أحد القولين مع أنه ليس معه إلا الاستصحاب فدل ذلك على أنه فعل
وإذا كان فعلا هناك كان فعلا هنا قلت الإيمان يكفي فيه شهادة العرف كان فيها فعل
أو لا فقد نحنثه بغير فعله بل بفعل غيره كقوله إن قدم زيد أو طار الغراب أو بغير
ذلك من الأفعال أو بغير فعل ألبتة كقوله إن كان المستحيل مستحيلا فامرأته طالق
طلقت عليه امرأته مع أن المستحيل لا فعل له فيه ألبتة بخلاف ما نحن فيه فإنه باب
تكليف وإيجاب والتكليف لا بد فيه من الفعل فاندفع السؤال قلت لا يندفع ذلك السؤال
بما دفعه به من جهة أن قوله فقد نحنثه بغير فعله وإن كان صحيحا فإنما كان ذلك لأن
الحالف علق يمينه بفعل الغير أو بالمستحيل كما مثل أما إذا حلف وعلق يمينه بفعل
نفسه فلا يخلو أن يقع معه ابتداء ذلك الفعل أو يكون ملابسا له من قبل فإن وقع منه
ابتداء بعد اليمين حنث باتفاق وإن كان ملابسا له في حين اليمين حنث على خلاف ووجه
القول بالحنث أن الاستمرار على الفعل في حكم الفعل ابتداء
ووجه القول الآخر أنه ليس كالفعل ابتداء والقول الأول أصح والله تعالى أعلم من جهة
أن الحالف متمكن من ترك استمرار اللبس
هامش إدرار الشروق
والطلاق والحج والعمرة وسائر أفعالهما إلا ما غيروا فقد كانوا يفعلون ذلك قبل
الإسلام فيفرقون بين النكاح والسفاح ويطلقون ويطوفون بالبيت أسبوعا ويمسحون الحجر
الأسود ويسعون بين الصفا والمروة ويلبون ويقفون بعرفات ويأتون مزدلفة ويرمون
الجمار ويعظمون الأشهر الحرم ويحرمونها ويغتسلون من الجنابة ويغسلون موتاهم
ويكفنونهم ويصلون عليهم ويقطعون السارق ويصلبون قاطع الطريق إلى غير ذلك مما كان
فيهم من بقايا ملة أبيهم إبراهيم فكانوا على ذلك إلى أن جاء الإسلام فبقوا على
حكمه حتى أحكم الإسلام منه ما أحكم وانتسخ ما خالفه فدخل ما كان قبل ذلك في حكم
العفو مما لم يتجدد فيه خطاب زيادة على التلقي من الأعمال المتقدمة وقد نسخ منها
ما نسخ وأبقى منها ما أبقى على المعهود الأول انتهى كلام الشاطبي في الموافقات
بتصرف وصل في بيان هذا الفرق بثلاث مسائل المسألة الأولى يجتمع خطاب الوضع مع خطاب
التكليف في أمور منها الزنا فإنه خطاب تكليف من جهة أنه حرام ووضع من جهة أنه سبب
للحد ومنها السرقة فهي خطاب تكليف من جهة التحريم ووضع من جهة أنها سبب القطع
ومنها بقية الجنايات فإنها محرمة وهي أسباب العقوبات ومنها البيع فإنه خطاب تكليف
من جهة أنه مباح أو مندوب أو واجب أو حرام على قدر ما يعرض له في صوره على ما هو
مبسوط في كتب الفقه ووضع من جهة أنه سبب انتقال الملك في البيع الجائز أو التقدير
في الممنوع ومنها بقية العقود فإنها تتخرج على هذا المنوال وينفرد خطاب الوضع عن
خطاب التكليف في أمور منها الزوال ورؤية الهلال ودوران الحول ونحوها فإنها من خطاب
الوضع وليس فيها أمر ولا
____________________
(1/306)
فأجزأته
الصلاة لوجود شروطها وليس من شرط خطاب الوضع أن يجتمع معه خطاب التكليف ولا يحتاج
إلى شيء من تلك التعسفات بل نخرجه على قاعدة خطاب الوضع ولا يلزم منه مخالفة قاعدة
ألبتة
هامش أنوار البروق
قال والجواب الصحيح عندي أن هذه الأمور الثلاثة شروط فهي من باب خطاب الوضع وخطاب
الوضع لا يشترط فيه فعل المكلف ولا علمه ولا إرادته إلى قوله فاجتمع فيها حينئذ
خطاب الوضع وخطاب التكليف قلت فإذا اجتمع فيها خطاب الوضع مع خطاب التكليف لزم
اشتراط فعل المكلف وعلمه وإرادته قال وإن دخل الوقت وهو متطهر لابس مستقبل اندفع
خطاب التكليف وبقي خطاب الوضع خاصة فأجزأته الصلاة لوجود شروطها وليس من شرط خطاب
الوضع أن يجتمع معه خطاب التكليف قلت مسلم أنه ليس من شرط خطاب الوضع اجتماعه مع
خطاب التكليف ولكن الكلام إنما وقع في أمور اجتمع فيها الخطابان معا وقوله إنه إذا
دخل الوقت وهو مستصحب لتلك الأمور ليس الكلام المفروض في دخول الوقت وهو على تلك
الحال وإنما الكلام فيما إذا توضأ قبل الوقت هل أوقع واجبا أم لا وهل تلزمه نية
الوجوب أم لا وفي ذلك الوقت لا يرتفع خطاب التكليف فلا بد
هامش إدرار الشروق
نهي ولا إذن من حيث هي كذلك بل إنما وجد الأمر في أثنائها وترتبها فقط وينفرد خطاب
التكليف عن خطاب الوضع في أمور منها أداء الواجبات واجتناب المحرمات كإيقاع
الصلوات وترك المنكرات فإن هذه وإن كانت من خطاب التكليف لم يجعلها صاحب الشرع
سببا لفعل آخر نؤمر به أو ننهى عنه بل وقف الحال عند أدائها وترتبها على أسبابها
وإن كان صاحب الشرع قد جعلها سببا لبراءة الذمة وترتيب الثواب ودرء العقاب غير أن
هذه ليست أفعالا للمكلف ونحن لا نعني بكون الشيء سببا إلا كونه سببا لفعل من قبل
المكلف فبينهما العموم والخصوص الوجهي المسألة الثانية يجب على ولي الصبي إذا أفسد
الصبي مالا لغيره إخراج الجابر من مال الصبي فالإتلاف سبب للضمان على الصبي بعد
بلوغه إخراج الجابر من ماله إذا لم يخرجه الولي من قبل فقد تقدم السبب في زمن
الصغر وتأخر أثره بعد البلوغ وأما بيعه ونكاحه وطلاقه وعتقه فلا تكون أسبابا
لآثارها لا قبل ولا بعد والفرق بين اعتبار سببية الإتلاف للضمان قبل وبين عدم
اعتبار سببية البيع وما بعده لآثارها قبل من وجهين أحدهما أن هذه الأمور يشترط
فيها اعتبار المصالح والصبي ليس بأهل لذلك والثاني أن أثر الطلاق التحريم وأثر
البيع إلزام تسليم المبيع والصبي ليس أهلا للتكليف بالتحريم والإلزام والفرق بين
اعتبار سببية الإتلاف للضمان بعد وعدم اعتبار سببية البيع وما بعده لآثارها بعد هو
أن تأخر المسببات عن أسبابها على خلاف الأصل وإنما خالفنا هذا الأصل في الإتلاف
لضرورة حق الآدمي في جبر ماله لئلا يذهب مجانا فتضيع الظلامة وهذه ضرورة عظيمة
تحققت في الإتلاف فاقتضت مخالفة الأصل المذكور فيه ولم تتحقق في الطلاق والبيع وما
معهما بل إذا أسقطنا الطلاق واستصحبنا العصمة لم يلزم فساد ولا تفوت ضرورة وكذلك
أيضا إذا أبقينا الملك في المبيع للصبي كنا
____________________
(1/307)
غايته
أن يلزم منه أن يجب الوضوء في حالة دون حالة وهذا لا منكر فيه فإن شأن الشريعة
تخصيص الوجوب ببعض الحالات وبعض الأزمنة وبعض الأشخاص وهذا هو الأصل لا إنه مخالف
للأصل وإنما صعب على طالب العلم هذا من جهة أنه يسمع طول
هامش أنوار البروق
من شروط خطاب التكليف
قال ولا يحتاج إلى شيء من تلك التعسفات بل نخرجه على قاعدة خطاب الوضع ولا يلزم
منه مخالفة قاعدة ألبتة قلت قد تبين أنه لا يصح تخريجه على قاعدة خطاب الوضع
لاجتماع الخطابين في تلك الأمور قال غايته أن يلزم منه أن يجب الوضوء في حالة دون
حالة وهذا لا منكر فيه فإن شأن الشريعة تخصيص الوجوب ببعض الحالات وبعض الأزمنة
وبعض الأشخاص وهذا هو الأصل لا أنه مخالف للأصل قلت ما قاله مسلم لكن يلزم منه أن
الوضوء ليس بواجب إلا في الوقت أو فيما قبل الوقت عند فعله خاصة فلم ينتج كلامه
مقصوده بوجه قال وإنما صعب على طالب العلم هذا من جهة أنه يسمع طول عمره أن
الطهارة واجبة في الصلاة مطلقا ولم يسمع في ذلك تفصيلا فصعب عليه التفصيل وكم من
تفصيل قد سكت عنه الدهر الطويل وأجراه الله تعالى على قلب من شاء من عباده في جميع
العلوم العقليات والنقليات ومن اشتغل بالعلوم وكثر تحصيله لها اطلع على شيء كثير
من ذلك فهذا هو تحرير هذا الموضع عندي وهو من
هامش إدرار الشروق
موافقين للأصل ولا يلزم محظور ألبتة المسألة الثالثة فتاوى علمائنا متظافرة على أن
الطهارة وستر العورة واستقبال الكعبة في الصلاة من الواجبات والصحيح ما قاله
القاضي أبو بكر بن العربي من أن وجوبها موسع قبل الوقت وفي الوقت وأن الوجوب فيها
ليس تبعا لطرآن السبب الذي هو الزوال ونحوه من أوقات الصلوات بل يقع الوجوب فيها
تبعا لطرآن العزم على التهيؤ والاستعداد لإيقاع الصلاة ووقت طرآن هذا العزم ما بين
أقرب حدث يحدثه المرء وإيقاع الصلاة والدليل على صحة ذلك أمور الأول انعقاد
الإجماع على أن المكلف لو توضأ قبل الوقت واستتر واستقبل القبلة ثم جاء الوقت وهو
على تلك الصورة وصلى من غير أن يجدد فعلا ألبتة في هذه الثلاثة أجزأته صلاته
الثاني تعذر القول بإجزاء ما ليس بواجب عن الواجب الثالث لزوم نية الوجوب الرابع
أنه لا يلزم أن لا يجب الشرط إلا عند وجوب المشروط إذ لا استحالة في مغايرة سبب
المشروط لسبب الشرط كما هنا فإن هذه الأمور وضعية تقع بحسب قصد واضعها ونظير ما
هنا من العاديات من يعلم من عادته اضطراره إلى الغذاء في وقت طلوع الشمس ومن شرط
الغذاء الذي يتغذى به طبخه فلا بد من تقديم الطبخ الذي هو الشرط على وقت الاغتذاء
ثم لا يتعين لذلك الطبخ الزمن المجاور لزمن الاغتذاء بل له تقديم الطبخ والاستعداد
به من حين طروء عزمه على الاستعداد وإنما صح ذلك لاستواء حصول المصلحة بالاغتذاء
بالقريب الطبخ وهذا على تقدير استواء ذلك بالنسبة إلى حال هذا الشخص وهذا الغذاء
والله سبحانه وتعالى أعلم
____________________
(1/308)
عمره
أن الطهارة واجبة في الصلاة مطلقا ولم يسمع في ذلك تفصيلا فصعب عليه التفصيل وكم
من تفصيل قد سكت عنه الدهر الطويل وأجراه الله تعالى على قلب من شاء من عباده في
جميع العلوم العقليات والنقليات ومن اشتغل بالعلوم وكثر تحصيله لها اطلع على شيء
كثير من ذلك فهذا هو تحرير هذا الموضع عندي وهو من المشكلات التي يقبل تحريرها
والجواب عنها من الفضلاء
الفرق السابع والعشرون بين قاعدة المواقيت الزمانية وبين قاعدة المواقيت المكانية
أما المواقيت الزمانية فهي ثلاثة أشهر شوال وذو القعدة وذو الحجة وقيل عشر من
هامش أنوار البروق
المشكلات التي يقل تحريرها والجواب عنها من الفضلاء قلت ما قاله في ذلك كله صحيح
غير أنه لا ينتج له مقصوده أو لا يلزم أن يكون التفصيل على الوجه الذي ذكره من تلك
التفصيلات والله أعلم
قال الفرق السابع والعشرون بين قاعدة المواقيت الزمانية وبين قاعدة المواقيت
المكانية إلى منتهى قوله فيحتاج الفريقان إلى الفرق بين القاعدتين إما باعتبار
الكراهة وعدمها وإما باعتبار المنع وعدمه قلت ما قاله في ذلك صحيح ظاهر غير قوله
إن مالكا يكره الإحرام قبل الزماني دون المكاني فإن المعروف من المذهب الكراهة
فيهما معا فلا يحتاج إلى الفرق إلا على مذهب الشافعي قال والفرق من وجوه لفظية
ومعنوية الفرق الأول من قبل اللفظ وذلك أن القاعدة العربية أن المبتدأ يجب انحصاره
في الخبر والخبر لا يلزم انحصاره في المبتدأ إلى آخر قوله في هذا الفرق قلت
القاعدة العربية التي ادعاها من انحصار المبتدأ في الخبر مختلف فيها والأصح عدم
صحتها وأن ذلك من باب المفهوم لا من باب المنطوق فيجري فيه الخلاف الذي في المفهوم
وما أرى الإمامين مالكا والشافعي بنيا عليها والله أعلم
هامش إدرار الشروق
الفرق السابع والعشرون بين قاعدة المواقيت الزمانية للحج وبين قاعدة المواقيت
المكانية له أما المواقيت الزمانية فقال ابن العربي في أحكامه ما حاصله لا خلاف في
أن أشهر الحج في قوله تعالى الحج أشهر معلومات شوال وذو القعدة وذو الحجة إلا أن
الخلاف في جعله ذا الحجة كله وهو قول ابن عمر وقتادة وطاوس ومالك نظر الأمرين
الأول أن أشهر في الآية صيغة جمع منكر وأقله ثلاثة الثاني أنه إذا أخر طواف
الإفاضة إلى آخره لم يكن عليه دم لأنه جاء به في أيام الحج أو جعله ذا الحجة بعضه نظر
الأمرين أيضا
____________________
(1/309)
ذي
الحجة وأصلها قوله تعالى الحج أشهر معلومات فقوله أشهر صيغة جمع منكر وأقله ثلاثة
أو يقال إن الحج ينقضي بالفراغ من الرمي فيكفي عشر من ذي الحجة تخصيصا للصيغة
بالواقع وهذا هو مدرك الخلاف وأما ميقات المكان فهو ما في الحديث الصحيح عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أنه وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة
ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم وقال هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن
ممن أراد الحج أو العمرة زاد مسلم ولأهل العراق ذات عرق فقال مالك رحمه الله يجوز
الإحرام بالحج قبل المكاني والزماني غير أنه في الزماني يكره قبله وقال الشافعي
رحمه الله لا يجوز قبل الزماني فيحتاج الفريقان إلى الفرق بين
هامش أنوار البروق
قال الفرق الثاني أن الإحرام قبل الزماني يفضي إلى الطول إلى آخر ما قاله في هذا
الفرق قلت كان يمكن أن يكون ما ذكره فرقا في مذهب الشافعي لولا أنه يقول في القديم
إن إحرام
هامش إدرار الشروق
الأول تخصيص الصيغة بالواقع والثاني كون بعض الشهر يسمى شهرا لغة واختلف في المراد
بالبعض فقال مالك أيضا وأبو حنيفة عشرة أيام منه لأن الطواف والرمي في العقبة
ركنان يفعلان في اليوم العاشر وقال ابن عباس والشافعي عشر ليال من ذي الحجة لأن
الحج يكمل بطلوع الفجر يوم النحر لصحة الوقوف بعرفة وهو الحج كله وقال مالك أيضا
إلى آخر أيام التشريق لأن الرمي من أفعال الحج وشعائره والفائدة في ذكر الله تعالى
لأشهر الحج وتنصيصه عليها أمران أحدهما أن الله تعالى وصفها كذلك في ملة إبراهيم
عليه السلام واستمرت عليه الحال إلى أيام الجاهلية فبقيت كذلك حتى كانت العرب ترى
أن العمرة فيها من أفجر الفجور ولكنها كانت تغيرها فتنسئها وتقدمها حتى عادت حجة
الوداع إلى حدها قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في المأثور المنتقى إن
الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض السنة اثنا عشر شهرا الحديث
الثاني أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر التمتع وهو ضم العمرة إلى الحج في أشهر الحج
بين أن أشهر الحج ليست جميع الشهور في العام وإنما هي المعلومات من لدن إبراهيم
عليه السلام وبين قوله تعالى يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج أن
جميعها ليس الحج تفصيلا لهذه الجملة وتخصيصا لبعضها بذلك وهي شوال وذو القعدة
وجميع ذي الحجة وهو اختيار عمر رضي الله تعالى عنه وصحيح قول علمائنا فلا يكون
متمتعا من أحرم بالعمرة في أشهر العام وإنما يكون متمتعا من أتى بالعمرة في هذه
الأشهر المخصوصة
ا ه
بزيادة وأما المواقيت المكانية فهي ما في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله
تعالى عليه وسلم أنه وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد
قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم وقال هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد
الحج أو العمرة زاد مسلم ولأهل العراق ذات عرق وقد نظمت هذه الخمسة المواقيت
المكانية مبينا بعدها من مكة وأهل كل بقولي قرن لنجد ذات عرق للعراق يلملم اليمني
من أم القرى للكل مرحلتان جحفة شامنا ست حليفة عشر للمدني ترى والمعروف من مذهب
مالك كراهة الإحرام بالحج قبل المكاني والزماني معا وانعقاده وقال الشافعي رحمه
الله تعالى لا يجوز قبل الزماني ولا ينعقد حجا بل إن كان حلالا انعقد عمرة وإلا
فهو لغو لأن
____________________
(1/310)
القاعدتين
إما باعتبار الكراهة وعدمها وإما باعتبار المنع وعدمه والفرق من وجوه لفظية
ومعنوية الفرق الأول من قبل اللفظ وذلك أن القاعدة العربية أن المبتدأ يجب انحصاره
في الخبر والخبر لا يلزم انحصاره في المبتدأ كقوله عليه السلام تحريمها التكبير
وتحليلها التسليم والشفعة فيما لم ينقسم فالتحريم ينحصر في التكبير من غير عكس
والتحليل ينحصر في التسليم من غير عكس والشفعة منحصرة فيما لم ينقسم من غير عكس
وعلى هذه القاعدة يكون زمان الحج منحصرا في الأشهر لأنه المبتدأ فلا يوجد في غيرها
وأما الميقات المكاني فيجعل محصورا مبتدأ لا محصورا فيه لقوله عليه السلام هن لهن
ولمن أتى عليهن أي المواقيت لإحرام أهل هذه الجهات بدليل قوله ولمن أتى عليهن
فالضمير الأول للمواقيت فهو المبتدأ فيكون هو المحصور والمحصور لا يجب أن يكون
محصورا فيه بخلاف الميقات الزماني محصور فيه فلا يوجد الإحرام بدونه وفي المكاني
محصور فأمكن أن يوجد الإحرام بدونه فهذا فرق جليل من حيث اللفظ فاعتبره الشافعي
هامش أنوار البروق
المحرم من بلده أفضل استدلالا بقوله صلى الله عليه وسلم من تمام الحج والعمرة أن
تحرم بهما من دويرة أهلك وقال
هامش إدرار الشروق
العمرة لا تدخل على أخرى والحج لا يتقدم على وقته كما في حاشية ابن حجر على إيضاح
النووي وقال في القديم إن إحرام المحرم من بلده أفضل استدلالا بقوله صلى الله
تعالى عليه وسلم من تمام الحج والعمرة أن تحرم بهما من دويرة أهلك وقال في الجديد
بكراهة الإحرام قبل الميقات وتأوله أهل مذهبه فلا يحتاج إلى الفرق على مذهب مالك
بل ولا على مذهب الشافعي نعم على تقدير عدم تأويل قوله في الجديد بكراهة الإحرام
قبل الميقات يحتاج إلى الفرق فيما بين الكراهة والمنع إن لم تحمل الكراهة عليه
قاله ابن الشاط
وفي إيضاح النووي ويجوز أن يحرم قبل وصوله الميقات من دويرة أهله ومن غيرها وفي
الأفضل قولان الصحيح أنه يحرم من الميقات اقتداء برسول الله صلى الله تعالى عليه
وسلم والثاني من دويرة أهله ا ه ولا يخفاك أنه يحتاج إلى الفرق على الصحيح المذكور
في كلام النووي من حمل الكراهة في الجديد على خلاف الأفضل أيضا بين خلاف الأفضل
والمنع ويمكن الفرق في الحالتين بأن الإحرام قبل الزماني يفضي إلى طول زمان الحج
وهو ممنوع من النساء وغيرهن فربما أدى ذلك إلى إفساد الحج فإن من أحرم قبل شوال لا
يمكنه الإحلال حتى تقضى أيام الرمي وأما المواقيت المكانية فلا يلزم من الإحرام
قبلها طول الحج فلا يكون ذلك وسيلة إلى إفساده كما أنه يحتاج إلى الفرق بين
الشافعي لا يرى الإحرام في غير أشهر الحج كما لا يرى أحد الإحرام قبل وقت الصلاة
بها وبين مالك وأبي حنيفة يقولان بصحة الإحرام بالحج قبل أشهره قال ابن العربي في
أحكامه والمسألة مشكلة معضلة وقد استوفينا البيان فيها وأوضحنا لبابه في كتاب التلخيص
وأن القول فيها دائر من قبل الشافعي على أن الإحرام ركن من الحج مختص بزمانه
ومعولنا على أنه شرط فيقدم عليه وهناك تبين الترجيح بين النظرين وظهر أول
التأويلين في الآية من القولين أي من قول الشافعي وغيره أن تقدير الآية الحج حج
أشهر معلومات وقول مالك وغيره أن تقديرها أشهر الحج أشهر معلومات
ا ه
وكذلك يحتاج إلى الفرق على مذهب مالك بين الحج يصح
____________________
(1/311)
رحمه
الله في المشروعية فلا يوجد الإحرام مشروعا قبل الزماني واعتبره مالك في الكمال
فلا يوجد قبل الزماني كاملا بل ناقص الفضيلة الفرق الثاني أن الإحرام قبل الزماني
يفضي إلى طول زمان الحج وهو ممنوع من النساء وغيرهن فربما أدى ذلك إلى إفساد الحج
فإن من أحرم قبل شوال لا يمكنه الإحلال حتى تنقضي أيام الرمي وأما المواقيت
المكانية فلا يلزم من الإحرام قبلها طول الحج فلا يكون ذلك وسيلة إلى إفساده الفرق
الثالث أن الميقات المكاني يثبت الإحرام بعده فيثبت قبله تسوية بين الطرفين
والميقات الزماني لا يثبت الإحرام بعده بأصل الشريعة بل لضرورة فلا يثبت قبله
تسوية بين الطرفين وهذا فرق بينهما بأن سوينا بينهما وهو من الفروق الغريبة
الفرق الثامن والعشرون بين قاعدة العرف القولي يقضى به على الألفاظ ويخصصها وبين
قاعدة العرف الفعلي لا يقضى به على الألفاظ ولا يخصصها وذلك أن العرف القولي أن
تكون عادة أهل العرف يستعملون اللفظ في معنى معين
هامش أنوار البروق
في الجديد بكراهة الإحرام قبل الميقات وتأوله أهل مذهبه وعلى تقدير عدم تأويله لا
حاجة إلى الفرق إلا فيما بين الكراهة والمنع إن لم تحمل الكراهة عليه قال الفرق
الثالث أن الميقات المكاني يثبت لإحرام بعده فيثبت قبله تسوية بين الطرفين إلخ قلت
هذا الفرق ضعيف جدا وقد تبين أن مالكا لا يحتاج إلى فرق والشافعي كذلك والله أعلم
قال الفرق الثامن والعشرون بين قاعدة العرف القولي يقضى به على الألفاظ ويخصصها
وبين قاعدة العرف الفعلي لا يقضى به على الألفاظ ولا يخصصها إلى قوله فهذا هو معنى
قولنا إن الحقائق العرفية مقدمة على الحقائق اللغوية قلت جميع ما قاله في ذلك ظاهر
قال وأما العرف الفعلي فمعناه أن يوضع اللفظ لمعنى يكثر استعمال أهل العرف لبعض
أنواع
هامش إدرار الشروق
الإحرام به قبل وقته مع الكراهة وبين الصلاة يمتنع تقديم الإحرام بها قبل وقتها
ويلزم المقدم له بإعادته واعتقاد وجوبه وفي تفسير ابن عرفة ما حاصله أن إحرام الحج
أمر مستصحب بحيث لا يزال حكمه منسحبا على الحاج في جميع أجزاء حجه التي لا يتأتى
فعلها إلا في وقته وكل أمر مستصحب كذلك يصح تقديمه على الوقت وإحرام الصلاة بخلاف
ذلك فافهم والله سبحانه وتعالى أعلم
الفرق الثامن والعشرون بين قاعدة العرف القولي يقضى به على الألفاظ ويخصصها وبين
قاعدة العرف الفعلي لا يقضى به على الألفاظ ولا يخصصها اعلم أن أقسام حقيقة اللفظ
بالنظر إلى الواضع أو الاصطلاح أربعة
____________________
(1/312)
ولم
يكن ذلك لغة وذلك قسمان أحدهما في المفردات نحو الدابة للحمار والغائط للنجو
والرواية للمزادة ونحو ذلك وثانيهما في المركبات وهو أدقها على الفهم وأبعدها عن
التفطن وضابطها أن يكون شأن الوضع العرفي تركيب لفظ مع لفظ يشتهر في العرف تركيبه
مع غيره وله مثل أحدهما نحو قوله تعالى حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وكقوله تعالى
حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير فإن التحريم والتحليل إنما تحسن إضافتهما
لغة للأفعال دون الأعيان فذات الميتة لا يمكن العرفي أن يقول هي الإحرام بما هي
ذات بل فعل يتعلق بها وهو المناسب لها كالأكل للميتة والدم ولحم الخنزير والشرب
للخمر والاستمتاع للأمهات ومن ذكر معهن ومن هذا الباب قوله عليه السلام ألا وإن دماءكم
وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا والأعراض
والأموال لا تحرم بل أفعال تضاف إليها فيكون التقدير إلا وإن سفك دمائكم وأكل
أموالكم وثلب أعراضكم عليكم حرام وعلى هذا المنوال جميع ما يرد من الأحكام كان
أصله أن يضاف إلى الأفعال ويركب معها فإذا ركب مع الذوات في العرف وما بقي يستعمل
في العرف إلا مع الذوات
هامش أنوار البروق
ذلك المسمى دون بقية أنواعه مثاله أن لفظ الثوب صادق لغة على ثياب الكتان والقطن
والحرير والوبر والشعر وأهل العرف إنما يستعملون من الثياب الثلاثة الأول دون الأخير
فهذا عرف فعلي إلى قوله فلا تناقض بين نقل الإجماع في المسألة وبين هذه المثل
المشار إليها
هامش إدرار الشروق
الأول الحقيقة اللغوية وهو ما وضعها واضع اللغة والمراد به في هذا القسم من أحدث
وضعها التحقيقي لهذا المعنى لا ذلك ومن قررها على هذا المعنى كالدابة لكل ما دب
على وجه الأرض والصلاة للدعاء والفعل للأمر والشأن لا للحدث كما يتوهم الثاني
الحقيقة الشرعية وهي ما وصفها الشارع كالصلاة نقلها الشارع من الدعاء للعبادة
المخصوصة الثالث العرفية الخاصة وهي ما وضعها أهل عرف خاص وهم طائفة مخصوصة
منسوبون لحرفة كالنحويين نقلوا الفعل مثلا من الأمر والشأن للفظ الدال على معنى في
نفسه مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة لاشتمال اللفظ المذكور على الأمر والشأن والرابع
العرفية العامة وهي ما وضعها أهل العرف العام أي ما كان الناقل لها من جميع
الطوائف ككونه داخلا في جملة أهل البلد بحيث لا يتوقف على أمر يضبط أهلها كالدابة
نقلها العرف العام من كل ما يدب على الأرض وخصها بذات الحوافر الفرس والحمار
والبغل وأهل العراق بالفرس وأهل مصر بالحمار ولا يشترط العلم بشخص الناقل في هذه
الثلاثة الأخيرة وهل اتفاق كثرة الاستعمال للفظ في بعض أفراد معناه أو في معنى
مناسب للمعنى الأصلي حتى يصير الأصل مهجورا هو نفس النقل نظرا إلى أن ذلك هو
المحقق في مسمى المنقول ولا دليل على وجود نقل مقصود أو لا وهو الصحيح أو هو دليل
عليه نظرا إلى أصل دلالة الألفاظ خلاف
ثم النقل قيل لا بد فيه من المناسبة وقيل لا كما في ابن يعقوب
____________________
(1/313)
فصار
هذا التركيب الخاص وهو تركيب الحكم مع الذوات موضوعا في العرف للتعبير به عن تحريم
الأفعال المضافة لتلك الذوات وليس كل الأفعال بل فعل خاص مناسب لتلك الذوات كما
تقدم تفصيله وتحصيله وثانيها أفعال ليست بأحكام كقولهم في العرف أكلت رأسا وأكل
رأسا فلا يكادون ينطقون بلفظ الأكل كيفما كان وتصرف إلا مع رءوس الأنعام دون جميع
الرءوس بخلاف رأيت وما تصرف منه يركبونه مع رءوس الأنعام وغيرها فإذا قالوا رأينا
رأسا احتمل ذلك جميع الرءوس بخلاف لفظ الأكل ومن هذا الباب قتل زيد عمرا هو في
اللغة موضوع لإذهاب الحياة ثم هو اليوم في إقليم مصر موضوع للضرب خاصة فيقولون
قتله الأمير بالمقارع قتلا جيدا ولا يريدون إلا ضربه فهو من باب المنقولات العرفية
والأوضاع العرفية هي الطارئة على اللغة وأمكن في هذا المثال أن يقال إنه ليس من
هذا الباب بل المجاز هاهنا في مفرد لا مركب وهو لفظ قتل صار وحده مجازا في ضرب
وأما التركيب فهو على موضعه اللغوي وهذا هو الصحيح في هذا المثال ومن هذا الباب
قولهم فلان يعصر الخمر مع أن
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله من أن العرف الفعلي لا يؤثر في وضع اللفظ للجنس كله صحيح غير أن ما
أراد بناءه على ذلك من أن من حلف لا يلبس ثوبا وعادته لبس ثوب الكتان دون غيره
بحيث يحنث بلبس غير الكتان ليس بمسلم له على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى
هامش إدرار الشروق
على التلخيص بزيادة من الدسوقي والأنبابي وهذا القسم الرابع هو مراد الأصل بالعرف
القولي وينقسم إلى قسمين الأول ما يكون في المفردات نحو الدابة في ذات الحوافر أو
في الفرس أو الحمار كما مر ونحو قتل زيد عمرا فإن قتل في اللغة لإذهاب الروح وفي
عرف مصر والحجاز للضرب الشديد خاصة والثاني ما يكون في المركبات وهو أدقها على
الفهم وأبعدها عن التفطن وضابطها أن يكون شأن الوضع اللغوي تركيب لفظ مع لفظ ثم
يشتهر في العرف تركيبه مع غيره وأمثلته كثيرة منها قوله تعالى حرمت عليكم أمهاتكم
وبناتكم وقوله تعالى حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وقوله عليه الصلاة
والسلام ألا وإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم
هذا في شهركم هذا وهكذا جميع ما يرد في العرف من الأحكام مركبا من الذوات فإنه
وضعه العرف للتعبير عن حكم الأفعال التي لا تحسن في اللغة إضافة الأحكام إلا لها
دون الذوات كالأكل للميتة والدم ولحم الخنزير والأموال والشرب للخمر والاستمتاع
للأمهات ومن ذكر معهن والسفك للدماء والثلب للأعراض ومنها الرأس مع لفظ الأكل
كيفما كان نحو أكلت رأسا خصه العرف برءوس الأنعام بخلافه مع رأيت وما تصرف منه نحو
رأيت رأسا فإنه يحتمل جميع الرءوس ومنها وضع العرف عصر الخمر في قولهم فلان يعصر
الخمر لعصر العنب فلا يقدرون مضافا ومقتضى اللغة أن لا يصح هذا الكلام إلا بمضاف
محذوف تقديره فلان يعصر عنب الخمر أو يجعل الخمر مجازا في العنب مرسلا لعلاقة
الأول على
____________________
(1/314)
الخمر
لا تعصر بل صار هذا التركيب موضعا لعصر العنب ومقتضى اللغة أن لا يصح هذا الكلام
إلا بمضاف محذوف تقديره فلان يعصر عنب الخمر لكن أهل العرف لا يقصدون هذا المضاف
بل يعبرون بهذا المركب عن عصر العنب كما يعبرون بتحريم الميتة عن تحريم أكلها فهذا
مجاز في التركيب بالنسبة إلى اللغة حقيقة عرفية منقولة للمعنى الخاص
ومن هذا الباب قول أهل العرف قتل فلان قتيلا وطحن دقيقا وهذا كلام صحيح في العرف
وفي اللغة لا يصح لأن القتيل لا يقتل وإنما يقتل الحي والدقيق لا يطحن وإنما يطحن
القمح فعلى رأي أهل اللغة يصح بمضاف محذوف تقديره طحن قمح دقيق كما قررناه في عنب
خمر وقتل جسد قتيل ويريدون بالجسد الجسد الحي وأما أهل العرف فلا يعرجون على هذه
المضافات ولا تخطر ببالهم بل صار هذا اللفظ المركب موضوعا عندهم لقتل الحي وطحن
القمح وعلى هذا المنوال فاعتبر الحقائق العرفية في المفردات والمركبات واعتبر
اللفظ هل انتقل في العرف أم لا مفردا أو مركبا وبذلك يعرف المجاز في التركيب
والإفراد فكل لفظ مفرد انتقل في العرف لغير مسماه وصار يفهم منه غير مسماه بغير
قرينة كالدابة بالنسبة إلى الحمار بإقليم مصر فهو مجاز مفرد ومنقول عرفي
هامش أنوار البروق
قال وأنا أوضح هذا الفرق بينهما بذكر أربع مسائل المسألة الأولى إذا فرضنا ملكا
أعجميا يتكلم بالعجمية وهو يعرف اللغة العربية غير أنه لا يتكلم بها لثقلها عليه
فحلف لا يلبس ثوبا ولا يأكل خبزا وكان حلفه بهذه الألفاظ العربية التي لم تجر
عادته باستعمالها وعادته في غذائه لا يأكل إلا خبز
هامش إدرار الشروق
ما فيه مما بين في محله
ومنها وضع العرف نحو القتيل مع قتل في قولهم قتل فلان قتيلا لقتل الحي ونحو الدقيق
مع طحن في قولهم طحن فلان دقيقا لطحن القمح فلا يقدرون مضافا ومقتضى اللغة أن لا
يصح هذا الكلام إلا بتقدير مضاف أي قتل جسد قتيل أو طحن قمح دقيق أو بجعل فعيلا
مجازا مرسلا لعلاقة الأول على ما فيه مما بين في محله وأما العرف الفعلي فمعناه أن
يوضع اللفظ في اللغة لمعنى ذي أنواع ويكثر استعمال أهل العرف لبعض أنواعه فقط
كالثوب يصدق لغة على ثياب الكتان والقطن والحرير والوبر والشعر وأهل العرف إنما
يستعملون من أنواعه المذكورة في لبسهم الثلاثة الأول دون الأخيرين وكالخبز يصدق لغة
على خبز الفول والحمص والبر وغير ذلك وأهل العرف إنما يستعملون في أغذيتهم خبز
البر دون ما عداه وسر الفرق بين قاعدة العرف القولي يقضى به في تخصيص الألفاظ ببعض
ما تصدق عليه لغة وبغير ما تصدق عليه لغة وبين قاعدة العرف الفعلي لا يقضى به في
تخصيص الألفاظ ببعض ما تصدق عليه لغة هو أن العرف القولي لما كان عبارة عن كثرة
استعمال أهل العرف العام للفظ في بعض أفراد معناه اللغوي أو في معنى مناسب لمعناه
اللغوي حتى يصير الأصل مهجورا كما عرفت كان ناسخا للغة والناسخ يقدم على المنسوخ
وأن العرف الفعلي لما كان عبارة عن كثرة استعمال أهل العرف لبعض أنواع مسمى اللفظ
اللغوي في عوائدهم دون بقية أنواعه مع بقاء ذلك اللفظ اللغوي مستعملا في مسماه
اللغوي من غير تعرض له بنقل منه لغيره لم يكن ناسخا للغة حتى يقدم من حيث كونه
ناسخا على المنسوخ وبالجملة فغلبة استعمال لفظ المسمى في غيره من حيث كونه ناسخا
يخل بالوضع اللغوي فيؤثر
____________________
(1/315)
في
المفردات وكل لفظ كان شأنه أن يركب مع لفظ فصار يركب مع غيره ولو ركب أولا لكان
منكرا وهو الآن غير منكر فهو منقول عرفي من المركبات ومجاز في المركبات ويكون
المجاز فيه وقع في التركيب دون الإفراد وقد يجتمع المجاز في التركيب والإفراد فهي
ثلاثة أقسام مجاز مفرد فقط كالأسد للرجل الشجاع ومجاز مركب فقط نحو قوله تعالى
واسأل القرية فإن السؤال استعمل في السؤال ولفظ القرية استعمل في القرية ولكن
تركيب السؤال مع القرية مجاز في التركيب لأن شأنه أن يركب مع أهلها وهذا مجاز في
التركيب ولم يصل إلى حد النقل بخلاف يعصر الخمر ويطحن الدقيق فإنهما وصلا إلى حد
النقل العرفي
ومثال اجتماعهما معا قولك أرواني الخبز وأشبعني الماء فإنك تستعمل أرواني في الشبع
والشبع في رواني فيقع المجاز في الإفراد وتجعل فاعل أروى الخبز وهو خلاف أصل اللغة
وفاعل الشبع الماء وهو خلاف أصل اللغة فهذان المثالان جمعا بين المجاز في الإفراد
والتركيب دون النقل العرفي إذا ظهر لك أن العرف كما ينقل أهله اللفظ المفرد
فينقلون أيضا اللفظ المركب فمثل هذا النقل
هامش أنوار البروق
الشعير ولا يلبس إلا ثياب القطن فإنا نحنثه بأي ثوب لبسه وبأي خبز أكله سواء كان
من معتاده في فعله أو لا إلى آخر المسألة قلت لا نسلم له تحنيثه بل لقائل أن يقول
اقتصاره على أكل خبز الشعير ولبس القطن مقيد لمطلق لفظه ويكون ذلك من قبيل بساط
الحال فإن الأيمان إنما تعتبر بالنية ثم ببساط الحال فإذا عدما حينئذ تعتبر بالعرف
ثم باللغة إن عدم العرف
هامش إدرار الشروق
فيه تخصيصا وتقييدا وإبطالا وترك مباشرة المسميات من حيث إنه ليس بناسخ لا يخل فلا
يؤثر في الوضع اللغوي تخصيصا ولا تقييدا ولا إبطالا فلذا حكى جماعة من العلماء
الإجماع في أن العرف الفعلي لا يؤثر بخلاف العرف القولي وقد حاول المازري في شرح
البرهان الإجماع في ذلك إلا أنه نقل عن بعض الناس أنه نقل خلافا في ذلك ونقل مثلا
عنه
ا ه
والظاهر أنه ليس خلافا في اعتبار العرف الفعلي من حيث كونه ناسخا للغة حتى ينافي
الإجماع بل هو خلاف لفظي محمول على ما سيأتي في المسائل من أنه يؤثر في الوضع
اللغوي التخصيص والتقييد من حيث إنه من قبيل بساط الحال والأيمان إنما تعتبر
بالنية ثم ببساط الحال ثم بالعرف ثم باللغة هذا ما ظهر لي فتأمله بأنصاف هذا
ومقتضى ما تقرر في العرف القولي أمران الأول أن يكون نحو الدابة في ذات الحوافر أو
الفرس أو الحمار مجازا لغة وحقيقة عرفية والثاني تقديم العرف القولي على اللغوي
لكونه ناسخا له وينافي الأول قول ابن كمال باشا في حاشية التلويح إن زيدا إذا
اعتبر لا بخصوصه لا يصح عنه سلب الإنسان لا لغة ولا بحسب نفس الأمر فلا يكون مجازا
بلا اشتباه
وإذا اعتبر بخصوصه يصح سلب الإنسان عنه لغة ولكن لا يصح سلبه عنه بحسب نفس الأمر
فينبغي أن لا يكون مجازا أيضا لأن من خصائصه صحة السلب لا بحسب اللغة فقط بل بحسب
نفس الأمر أيضا على ما حققه القاضي عضد الدين في شرح المختصر فموجب هذا التحقيق أن
لا يكون ذكر العام وإرادة الخاص من قبيل المجاز بل من قبيل الحقيقة مطلقا كما ذهب
إليه الكمال بن
____________________
(1/316)
العرفي
يقدم على موضوع اللغة لأنه ناسخ للغة والناسخ يقدم على المنسوخ فهذا هو معنى قولنا
إن الحقائق العرفية مقدمة على الحقائق اللغوية
وأما العرف الفعلي فمعناه أن يوضع اللفظ لمعنى يكثر استعمال أهل العرف لبعض أنواع
ذلك المسمى دون بقية أنواعه مثاله أن لفظ الثوب صادق لغة على ثياب الكتان والقطن
والحرير والوبر والشعر وأهل العرف إنما يستعملون من الثياب الثلاثة الأول دون
الأخيرين فهذا عرف فعلي وكذلك لفظ الخبز يصدق لغة على خبز الفول والحمص والبر وغير
ذلك من أن أهل العرف إنما يستعملون الأخير في أغذيتهم دون الأولين فوقوع الفعل في
نوع دون نوع لا يخل بوضع اللفظ للجنس كله فإن ترك مسمى لفظ لم يباشر لا يخل بوضع
اللفظ فإنا لم نباشر الياقوت ولم يخل ذلك بوضع لفظ الياقوت له نعم لو كثر استعمال
الياقوت في نوع آخر من الأحجار حتى صار لا يفهم إلا ذلك الحجر دون الياقوت لأجل
ذلك بوضع لفظ الياقوت للياقوت وكان ذلك نسخا للفظ الياقوت عن مسماه الأول فهذا
المثال يوضح لك أن ترك مباشرة المسميات لا يخل بالوضع وغلبة استعمال لفظ المسمى في
غيره يخل فهذا هو
هامش أنوار البروق
قال المسألة الثانية إذا حلف لا يأكل رءوسا يحنث بجميع الرءوس عند ابن القاسم ولا
يحنث إلا برءوس الأنعام عند أشهب إلى آخر المسألة قلت جميع ما قاله في هذه المسألة
صحيح غير قوله ولا نجد في الكتب الموضوعة للشراح غير
هامش إدرار الشروق
الهمام ومن وافقه وعلله بأن اللام في قولهم في تعريف الحقيقة الكلمة المستعملة
فيما وضعت له لام التعليل ولا شك أن اسم الكلي إنما وضع لأجل استعماله في الجزئي
وعلله غيره بأن المجاز هو الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له أولا والجزئي ليس
غير الكلي كما أنه ليس عينه نعم هذا التحقيق خلاف المشهور من أن العام في الخاص
حقيقة إن كان من حيث تحقق العام فيه لا من حيث خصوصه ومجازا إن كان من حيث خصوصه
لا من حيث تحقق العلم فيه وعليه فيصح كون الدابة في ذات الحوافر أو في الفرس أو في
الحمار مجازا لغة وحقيقة عرفية سيما في نحو قولك رأيت دابة زيد أو ربطت أو علفت
الدابة إذ الرؤية والربط والعلف إنما تتعلق بالفرد الموجود في الخارج لا بالمفهوم
الكلي لأنه غير قابل لذلك
وهذا هو الخلاف إنما هو فيما عمومه بدلي أما ما عمومه شمولي كالقوم والناس فإنه
إذا أريد به الخصوص نحو الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم أريد بالناس
الأول نعيم بن مسعود الأشجعي وبالثاني أبو يوسف وأصحابه فهو مجاز عند الأصوليين
بلا خلاف لأن عمومه الموضوع له لم يرد تناولا ولا حكما وإن كان مخصوصا كقام القوم
إلا زيدا فالذي اختاره ابن السبكي تبعا لوالده أنه حقيقة نظرا لإرادة عمومه
الموضوع له تناولا
وإن لم يرد حكما والأكثر على أنه مجاز لاستعماله في بعض ما وضع له أولا كما بسط
ذلك في الأصول وعليه فيتحد العام الذي أريد به الخصوص والعام المخصوص وينافي
الثاني قول الفقهاء ما لا حد له في الشرع ولا في اللغة يرجع فيه إلى العرف إذ قضيته
تأخر العرف عن اللغة نعم قال السبكي وغيره مراد الأصوليين ما إذا تعارض معنى اللفظ
في اللغة والعرف ومراد
____________________
(1/317)
تحرير
العرف القولي وتحرير العرف الفعلي وتحرير أن العرف القولي يؤثر في اللفظ اللغوي
تخصيصا وتقييدا وإبطالا وأن العرف الفعلي لا يؤثر في اللفظ اللغوي تخصيصا ولا
تقييدا ولا إبطالا لعدم معارضة الفعل وعدمه لوضع اللغة ومعارضة غلبة استعمال اللفظ
في العرف للوضع اللغوي
وقد حكى جماعة من العلماء الإجماع في أن العرف الفعلي لا يؤثر بخلاف العرف القولي
ورأيت المازري في شرح البرهان حاول الإجماع في ذلك ونقل عن بعض الناس أنه نقل
خلافا في ذلك ونقل مثلا عنه وفي ذلك نظر وقد نقلتها في شرح المحصول وبينت معناها
وأنه ليس خلافا في اعتبار العرف الفعلي بل لذلك معنى آخر والظاهر حصول الإجماع فيه
ولم أر أحدا جزم بحصول الخلاف فيه بل رأى كلاما لبعض الناس أوجب شكا وترددا وهو
محتمل للتأويل فلا تناقض بين نقل الإجماع في المسألة وبين هذه المثل المشار إليها
وأنا أوضح هذا الفرق بينهما بذكر أربع مسائل المسألة الأولى إذا فرضنا ملكا أعجميا
يتكلم بالعجمية وهو يعرف اللغة العربية غير أنه لا يتكلم بها لثقلها عليه فحلف لا يلبس
ثوبا ولا يأكل خبزا وكان حلفه بهذه الألفاظ العربية التي لم تجر عادته باستعمالها
وعادته في غذائه لا يأكل إلا خبز الشعير ولا يلبس إلا ثياب القطن فإنا نحنثه بأي
ثوب لبسه وبأي خبز أكله سواء كان من معتاده في فعله أم لا وهذا
هامش أنوار البروق
هذه العبارة وهي باطلة فإنه غير مسلم لما سبق من أن الاقتصار على بعض مسمى اللفظ
في الاستعمال الفعلي من جنس البساط والله أعلم
هامش إدرار الشروق
الفقهاء ما إذا لم يعرف حده في اللغة ولهذا قالوا كل ما ليس له حد في اللغة ولم
يقولوا معنى ا ه فافهم أفاد جميع هذا العطار على محلى جمع الجوامع بتصرف وزياد من
الدسوقي والأنبابي على مختصر المعاني وصل في توضيح هذا الفرق بأربع مسائل
المسألة الأولى إذا فرضنا ملكا أعجميا يتكلم بالعجمية ويعرف العربية غير أنه لا
يتكلم بها لثقلها عليه فلا ينطق بلفظ الخبز والثوب إلا على الندرة وقد جرت عادته
في غذائه ولبسه أن لا يأكل إلا خبز الشعير ولا يلبس إلا ثياب القطن فحلف لا يلبس
ثوبا ولا يأكل خبزا كان اقتصاره على أكل خبز الشعير ولبس ثياب القطن مقيدا لمطلق
لفظه فلا نحنثه إلا بأكل خبز الشعير ولبس ثياب القطن فقط على الصحيح لكن لا من حيث
إن عرفه الفعلي ناسخ للغة بل من حيث كونه من قبيل بساط الحال والأيمان إنما تعتبر
بالنية ثم ببساط الحال ثم بالعرف
ثم باللغة كما مر فلو كانت عادته استعمال اللغة العربية لعدم ثقلها عليه لكان طول
أيامه يقول أكلت خبزا ولبست الثوب وأتوني بخبز وعجلوا بالخبز والخبز على المائدة
قليل وأتوني بالثوب وعجلوا بالثوب ونحو ذلك ولا يريد في هذا النطق كله إلا ثوب
القطن وخبز الشعير الذي جرت عادته بهما لصار له في لفظي الخبز والثوب عرف قولي
ناسخ للغة فلا نحنثه بغير خبز الشعير وثياب القطن أيضا لكن لا من الحيثية الأولى
بل من حيث تحقق العرف الناسخ للغة حينئذ فافهم المسألة الثانية لا خلاف بين ابن
القاسم وأشهب في أن النقل العرفي مقدم على اللغة إذا وجد وإن
____________________
(1/318)
إذا
لم تجر له عادة باستعمال اللغة العربية لأنه لو كانت عادته استعمال اللغة العربية
لكان طول أيامه يقول أكلت خبزا وأتوني بخبز وعجلوا بالخبز والخبز على المائدة قليل
ونحو ذلك ولا يريد في هذا النطق كله إلا خبز الشعير الذي جرت عادته به فيصير له في
لفظ الخبز عرف قولي ناسخ للغة فلا نحنثه بغير خبز الشعير وكذلك القول في ثوب القطن
بخلاف إذا كان لا ينطق بلفظ الخبز والثوب إلا على الندرة فإنه لا يكون له في
الألفاظ اللغوية عرف مخصص يقدم على اللغة فيحنث بعموم المسميات اللغوية من غير
تخصيص ولا تقييد فتأمل ذلك
المسألة الثانية إذا حلف لا يأكل رءوسا يحنث بجميع الرءوس عند ابن القاسم ولا يحنث
إلا برءوس الأنعام عند أشهب والقولان مبنيان على أن أهل العرف قد نقلوا هذا اللفظ
المركب أكلت رءوسا لا كل رءوس الأنعام دون غيرها بسبب كثرة استعمالهم لذلك المركب
في هذا النوع خاصة دون بقية أنواع الرءوس فهذا مدرك أشهب فيقدم النقل العرفي على
الوضع اللغوي وابن القاسم يسلم استعمال أهل العرف لذلك ولكن لم يصل الاستعمال عنده
إلى هذه الغاية الموجبة للنقل فإن الغلبة قد تقصر عن النقل ألا ترى أن أهل العرف
يستعملون لفظ الأسد في الرجل الشجاع استعمالا كثيرا
ولم يصل ذلك إلى
هامش أنوار البروق
قال المسألة الثالثة إذا حلف بأيمان المسلمين تلزمه فحنث إلى منتهى قوله وقد تصير
الكناية صريحا مستغنية عن النية
هامش إدرار الشروق
اختلفا فيما إذا حلف لا يأكل رءوسا فقال الأول يحنث بجميع الرءوس وقال الثاني لا
يحنث إلا برءوس الأنعام وذلك لأن مدرك أشهب أن أهل العرف قد نقلوا هذا اللفظ
المركب أعني أكلت رءوسا لأكل رءوس الأنعام خاصة دون غيرها من بقية أنواع الرءوس
بسبب كثرة استعمالهم لذلك المركب في هذا النوع خاصة دون بقية أنواع الرءوس ومدرك
ابن القاسم أنه وإن سلم استعمال أهل العرف لذلك المركب في هذا النوع خاصة إلا أنه
لم يسلم أن الاستعمال وصل إلى غايته الموجبة للنقل فإن الغلبة قد تقصر عن النقل ألا
ترى أن أهل العرف يستعملون لفظ الأسد في الرجل الشجاع استعمالا مثيرا ولم يصل ذلك
إلى حد النقل فإنه لا يفهم منه الرجل الشجاع إلا بقرينة وضابط النقل أن يصير
المنقول إليه هو المتبادر الأول من غير قرينة وغيره هو المفتقر إلى القرينة
فالخلاف إنما هو في وجود المناط هنا وعدم وجوده
وقول كثير من الشراح والفقهاء إذا مر بهذه المسألة لا يحنث بغير رءوس الأنعام لأن
عادة الناس يأكلون رءوس الأنعام دون غيرها ا ه محمول على ما سبق من أن الاقتصار
على بعض مسمى اللفظ في الاستعمال الفعلي من جنس البساط فافهم المسألة الثالثة
مشهور فتاوى الأصحاب فيما إذا حلف بأيمان المسلمين تلزمه فحنث أنه يلزمه كفارة
يمين وعتق ما عنده من الرقيق وإن كثروا وصوم شهرين متتابعين والمشي إلى بيت الله
في حج أو عمرة وطلاق امرأته وفي كونه واحدة أو ثلاثا خلاف والتصدق بثلث المال ولا
يلزمه اعتكاف عشرة أيام ولا
____________________
(1/319)
حد
النقل فإنه لا يفهم منه الرجل الشجاع إلا بقرينة وضابط النقل أن يصير المنقول إليه
هو المتبادر الأول من غير قرينة وغيره هو المفتقر إلى القرينة فهذا هو مدرك
القولين فاتفق أشهب وابن القاسم على أن النقل العرفي مقدم على اللغة إذا وجد
واختلفا في وجوده هنا فالكلام بينهما في تحقيق المناط ولو قال القائل رأيت رأسا لم
تختلف الناس أن اللفظ لا يختص برءوس الأنعام بل يصح ذلك لكل من يسمى رأسا لغة بسبب
أن هذا التركيب الذي هو رأيت رأسا لم يكثر استعماله في نوع معين من الرءوس دون
غيره حتى صار منقولا بخلاف أكلت رأسا فيقر اللفظ على مسماه اللغوي من غير معارض
ولا ناسخ وكذلك خلق الله رأسا وسقطت ووقعت رأس وهذه رأس وفي البيت رأس جميع هذه
التراكيب ونحوها لم يقع فيها نقل عرفي بخلاف قوله أكلت رأسا ونحوه من صيغ الأكل
فإن أهل العرف كثر استعمالهم له حتى صار إلى حيز النقل فقدم على اللغة عند من ثبت
عنده النقل فتأمل هذه المسألة فكثير من الشراح والفقهاء إذا مر بهذه المسألة يقول
فيها لا يحنث بغير رءوس الأنعام لأن عادة الناس يأكلون رءوس الأنعام دون غيرها ولا
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله في ذلك صحيح من جهة أن لفظ الأيمان لا بد أن تجري على عادة الحالف أو
أهل بلدة تسميته يمينا والله أعلم قال واعلم أن في هذه المسألة غورا آخر وهو أن
لفظ اليمين في اللغة هو القسم فقط ثم إن أهل العرف يستعملونه في النذر أيضا وهو
ليس قسما بل إطلاق اليمين عليه إما مجاز لغوي أو بطريق
هامش إدرار الشروق
المشي إلى مسجد المدينة ولا لبيت المقدس ولا الرباط في الثغور الإسلامية ولا تربية
اليتامى ولا كسوة العرايا ولا إطعام الجياع ولا شيئا من القربات غير ما تقدم ذكره
فلاحظوا ما غلب الحلف به في العرف من تلك الأمور التي صارت تسمى كلها في العرف
أيمانا
وإن كان لفظ اليمين في اللغة هو القسم فقط ولم يلاحظوا أن عادتهم يفعلون مسمياتها
وأنهم يصومون شهرين متتابعين أو يحجون أو غير ذلك من الأفعال نظرا للقاعدتين
المذكورتين تقديم المسمى العرفي على المسمى اللغوي وعدم تقديم العرف الفعلي على
المسمى اللغوي
فلذا صرحوا وقالوا من جرت عادته بالحلف بصوم لزمه صوم سنة فجعلوا المدرك الحلف
اللفظي دون العرف الفعلي وعلى هذا لو اتفق في وقت آخر اشتهار حلفهم بنذرهم
الاعتكاف والرباط وإطعام الجيعان وكسوة العريان وبناء المساجد دون هذه الحقائق
المتقدم ذكرها لكان اللازم لهذا الحالف إذا حنث الاعتكاف وما ذكر معه دون ما هو
مذكور قبله لأن الأحكام المترتبة على العوائد تدور معها كيفما دارت وتبطل معها إذا
بطلت كالنقود في المعاملات والعيوب في الأغراض في البياعات ونحو ذلك فإذا تغيرت
العادة في النقد والسكة إلى سكة أخرى حمل الثمن في البيع عند الإطلاق على السكة
التي تجددت العادة بها دون ما قبلها وإذا كان الشيء عيبا في الثياب في عادة رددنا
به المبيع فإذا تغيرت العادة وصار ذلك المكروه محبوبا موجبا لزيادة الثمن لم نرد
به وبهذا القانون تعتبر جميع الأحكام المرتبة على العوائد وهو تحقيق مجمع عليه بين
العلماء لا خلاف فيه بينهم نعم قد يقع الخلاف بينهم في تحقيقه هل وجد أم لا
قال الأصل وعرفنا اليوم ليس فيه الحلف بصوم شهرين متتابعين
____________________
(1/320)
تجد
في الكتب الموضوعة للشراح غير هذه العبارة وهي باطلة لأنهم يشيرون إلى العرف
الفعلي الملغي بالإجماع وإنما المدرك العرف القولي على ما تقدم تحريره
المسألة الثالثة إذا حلف بأيمان المسلمين تلزمه فحنث فمشهور فتاوى الأصحاب على أنه
يلزمه كفارة يمين وعتق رقبة إن كان عنده وإن كثروا وصوم شهرين متتابعين والمشي إلى
بيت الله في حج أو عمرة وطلاق امرأته واختلفوا هل واحدة أو ثلاث والتصدق بثلث
المال ولم يلزموه اعتكاف عشرة أيام ولا المشي إلى مسجد المدينة ولا لبيت المقدس
ولا الرباط في الثغور الإسلامية ولا تربية اليتامى ولا كسوة العرايا ولا إطعام
الجياع ولا شيئا من القربات غير ما تقدم ذكره وسبب ذلك أنهم لاحظوا ما غلب الحلف به
في العرف وما يجعل يمينا في العادة فألزموا إياه لأنه المسمى العرفي فيقدم على
المسمى اللغوي ويختص حلفه بهذه المذكورات دون غيرها لأنها المشتهرة ولفظ الحلف
والأيمان إنما تستعمل فيها دون غيرها وليس المدرك أن عادتهم يفعلون مسمياتها
هامش أنوار البروق
الاشتراك وعلى التقديرين فجمع الأصحاب في هذه المسألة بين كفارة يمين وبين هذه
الأمور التي جرت عادتها تنذر كالصوم ونحوه والطلاق الذي ليس هو قسما ولا نذرا
يقتضي ذلك استعمال اللفظ المشترك في جميع معانيه إلى آخر المسألة
هامش إدرار الشروق
فلا تكاد تجد أحدا بمصر يحلف به فلا ينبغي الفتيا به وعادتهم يقولون عبدي حر
وامرأتي طالق وعلي المشي إلى مكة ومالي صدقة إن لم أفعل كذا فتلزم هذه الأمور
وعلى هذا القانون ترك الفتاوى على طول الأيام فمهما تجدد في العرف اعتبره ومهما
سقط أسقطه ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك بل إذا جاءك رجل من غير أهل
إقليمك يستفتيك لا تجره على عرف بلدك واسأله عن عرف بلده وأجره عليه وأفته به دون
عرف بلدك ودون المقرر في كتبك فهذا هو الحق الواضح
والجمود على المنقولات أبدا ضلال في الدين وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف
الماضين وعلى هذه القاعدة تتخرج أيمان الطلاق والعتاق وجميع الصرائح والكنايات فقد
يصير الصريح كناية فيفتقر إلى النية وقد تصير الكناية صريحا فتستغني عن النية ا ه
وفي فتاوى الشيخ محمد عليش فيمن حلف بأيمان المسلمين ما دخل دار فلان ودخلها أنه
تلزمه الثلاث وكفارة فقط إن لم تكن له نية وإلا لزمه ما نواه اتفاقا إذ هي من
الكنايات ولم يجر العرف بالحلف بغير الله والطلاق كعرف أهل مصر الآن وإلا لزمه
مقتضى الحنث في كل ما جرى به العرف ا ه هذا ولفظ اليمين وإن كان في القسم والطلاق
ونحوهما مما جرى العرف باستعماله فيه من قبيل المشترك عرفا ومن قبيل الحقيقة
والمجاز لغة إلا أنه في قول الحالف أيمان المسلمين تلزمه ليس من قبيل استعمال
اللفظ المشترك في جميع معانيه بحسب العرف ولا من قبيل الجمع بين الحقيقة والمجاز
بحسب اللغة وإن قال الأصل به وبأن قاعدة جواز استعمال اللفظ المشترك في جميع
معانيه والجمع بين المجاز والحقيقة كما هو المنقول عن مالك والشافعي وجماعة من
العلماء نظرا لكون قرينة المجاز إنما تمنع من إرادة المعنى الحقيقي وحده كما نقله
ابن القاسم عن التلويح لا بد من ملاحظتها في هذه المسألة أيضا
____________________
(1/321)
وأنهم
يصومون شهرين متتابعين أو يحجون أو غير ذلك من الأفعال بل لغلبة استعمال الألفاظ
في هذه المعاني دون غيرها لأجل ذلك صرحوا وقالوا من جرت عادته بالحلف بصوم لزمه
صوم سنة فجعلوا المدرك الحلف اللفظي دون العرف الفعلي فهذا هو مدرك هذه المسألة
على التحرير والتحقيق وعلى هذا لو اتفق في وقت آخر اشتهار حلفهم ونذرهم للاعتكاف
والرباط وإطعام الجيعان وكسوة العريان وبناء المساجد دون هذه الحقائق المتقدم
ذكرها لكان اللازم لهذا الحالف إذا حنث الاعتكاف وما ذكر معه دون ما هو مذكور قبله
لأن الأحكام المترتبة على العوائد تدور معها كيفما دارت
وتبطل معها إذا بطلت كالنقود في المعاملات والعيوب في الأعراض في البياعات ونحو
ذلك فلو تغيرت العادة في النقد والسكة إلى سكة أخرى لحمل الثمن في البيع عند
الإطلاق على السكة التي تجددت العادة بها دون ما قبلها وكذلك إذا كان الشيء عيبا
في الثياب في عادة رددنا به المبيع فإذا تغيرت العادة وصار ذلك المكروه محبوبا
موجبا لزيادة الثمن لم ترد به وبهذا القانون تعتبر جميع الأحكام المرتبة على
العوائد وهو تحقيق مجمع عليه بين العلماء لا خلاف فيه بل قد يقع الخلاف في تحقيقه
هل وجد أم لا وعلى هذا التحرير يظهر أن عرفنا اليوم ليس فيه الحلف بصوم شهرين
متتابعين فلا تكاد تجد أحدا بمصر يحلف به فلا ينبغي الفتيا به وعادتهم يقولون عبدي
حر وامرأتي طالق وعلي المشي إلى مكة ومالي صدقة إن لم أفعل كذا فتلزم هذه الأمور
وعلى هذا القانون تراعى الفتاوى على طول الأيام فمهما تجدد في العرف اعتبره ومهما
سقط أسقطه ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك بل إذا جاءك رجل من غير أهل
إقليمك يستفتيك لا تجره على عرف بلدك واسأله عن عرف بلده واجره عليه وأفته به دون
عرف بلدك والمقرر في كتبك فهذا هو الحق الواضح والجمود على المنقولات أبدا ضلال في
الدين وجهل بمقاصد
هامش أنوار البروق
قلت لقائل أن يقول ليس في ذلك استعمال اللفظ المشترك في جميع معانيه ولا الجمع بين
الحقيقة
هامش إدرار الشروق
وذلك لأن قاعدة تقديم المسمى العرفي على المسمى اللغوي تقتضي إبطال المسمى اللغوي
فكيف يعتبر الجمع بين المجاز والحقيقة بحسبه واستعمال لفظ المشترك في جميع معانيه
إنما يتحقق في لفظه المفرد لا الجمع كما هنا ألا ترى أن لفظ الزيدون رفعا والزيدين
نصبا وجرا يدل على أشخاص متعددين وضع لكل واحد منهم لفظ زيد المفرد بأوضاع متعددة
ولم يعدوه من قبيل استعمال المشترك في معانيه فتأمل بإنصاف المسألة الرابعة قول
الحالف أمان البيعة تلزمني إن ترتب عليه حكم فالمعتبر العرف الذي جرت به عادة ملوك
الوقت في التحليف به في بيعتهم واشتهر ذلك عند الناس بحيث صار عرفا ومنقولا
متبادرا للذهن من غير قرينة على القانون المتقدم فإن لم يكن ذلك فاللغة لا غير وإن
لم يترتب عليه حكم فالمعتبر النية ثم السبب أو البساط ثم العرف ثم اللغة والله
سبحانه وتعالى أعلم
____________________
(1/322)
علماء
المسلمين والسلف الماضين وعلى هذه القاعدة تتخرج أيمان الطلاق والعتاق وصيغ
الصرائح والكنايات فقد يصير الصريح كناية يفتقر إلى النية
وقد تصير الكناية صريحا مستغنية عن النية واعلم أن في هذه المسألة غورا آخر وهو أن
لفظ اليمين في اللغة هو القسم فقط ثم إن أهل العرف يستعملونه في النذر أيضا وهو
ليس قسما بل إطلاق اليمين عليه إما مجاز لغوي أو بطريق الاشتراك وعلى التقديرين
فجمع الأصحاب في هذه المسألة بين كفارة يمين وبين هذه الأمور التي جرت عادتها تنذر
كالصوم ونحوه والطلاق الذي ليس هو قسما ولا نذرا يقتضي ذلك استعمال اللفظ المشترك
في جميع معانيه إن قلنا إن لفظ اليمين حقيقة في الجميع أو الجمع بين المجاز
والحقيقة وهي مسألة مختلف فيها بين العلماء هل تجوز أم لا أعني هل يكون ذلك كلاما
عربيا أم لا والمنقول عن مالك والشافعي وجماعة من العلماء جواز ذلك فهذه القاعدة
لا بد من ملاحظتها في هذه المسألة أيضا
المسألة الرابعة إذا قال أيمان البيعة تلزمني فتخرج ما يلزمه على هذه القاعدة وما
جرت به العادة في الحلف عند الملوك المعاصرة إذا لم تكن له نية فأي شيء جرت به
عادة ملوك الوقت في التحليف به في بيعتهم واشتهر ذلك عند الناس بحيث صار عرفا
ومنقولا متبادرا للذهن من غير قرينة على القانون المتقدم حمل يمينه عليه وإن لم
يكن الأمر كذلك اعتبرت نيته أو بساط يمينه فإن لم يكن شيء من ذلك فلا شيء عليه
فتأمل ذلك
الفرق التاسع والعشرون في الفرق بين قاعدة النية المخصصة وبين قاعدة النية المؤكدة
هامش أنوار البروق
والمجاز بل صارت تلك الأمور كلها تسمى في العرف إيمانا وإن كان الأصل في اللغة ما
ذكر والله أعلم
قال المسألة الرابعة إذا قال أيمان البيعة تلزمني إلى آخر المسألة قلت ما قاله في
ذلك صحيح غير أن ما ذكره من حمل يمينه على العرف ثم على النية ثم على البساط فيه
نظر فإنه لا يخلو أن يترتب على يمينه تلك حكم أو لا يترتب فإن لم يترتب عليها حكم
فالمعتبر النية ثم السبب أو البساط ثم العرف ثم اللغة وإن ترتب عليها حكم فالمعتبر
العرف ثم اللغة لا غير والله أعلم قال
الفرق التاسع والعشرون بين قاعدة النية المخصصة وبين قاعدة النية المؤكدة إلى قوله
والصريح لا يحتاج إلى غيره
هامش إدرار الشروق
الفرق التاسع والعشرون بين قاعدة النية المخصصة وبين قاعدة النية المؤكدة
____________________
(1/323)
هذا
الفرق أيضا ذهب عنه كل من يفتي من أهل العصر فلا يكادون يتعرضون عند الفتاوى للفرق
بينهما فإذا جاءهم حالف وقال حلفت لا لبست ثوبا ونويت الكتان يقولون له لا تحنث
بغير الكتان وهو خطأ بالإجماع وكذلك بقية النظائر وطريق كشف الغطاء عن ذلك أن نقول
إن المطلق إذا أطلق اللفظ العام ونوى جميع أفراده بيمينه حنثناه بكل فرد من ذلك
العموم لوجود اللفظ فيه ولوجود النية والنية هنا مؤكدة لصيغة العموم وإن أطلق
اللفظ العام من غير نية ولا بساط ولا عادة صارفة حنثناه بكل فرد من أفراد العموم
للوضع الصريح في ذلك وإن أطلق اللفظ العام ونوى بعضها باليمين وغفل عن البعض الآخر
لم يتعرض له بنفي ولا إثبات حنثناه بالبعض المنوي باللفظ والنية المؤكدة وبالبعض
الآخر باللفظ فإنه مستقل بالحكم غير محتاج إلى النية لصراحته والصريح لا يحتاج إلى
غيره وإن أطلق اللفظ العام وقال نويت إخراج بعض أنواعه عن اليمين قلنا لا يحنث
بذلك البعض المخرج لأن نيته مخصصة لعموم لفظه وهذه النية بخلاف نيته الأولى وهي أن
يقصد بعض الأنواع باليمين ويغفل عن غيره بسبب قاعدة وهي أن من شرط المخصص أن
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله من تحنيث الحالف المطلق اللفظ العام الناوي لبعض ما يتناوله الغافل عن
سواه فيه نظر فإن النية هي أول معتبر في الحالف ثم السبب والبساط والسبب والبساط
إذا اقتضيا تقييد اللفظ أو تخصيصه نزل لفظ الحالف على ذلك ولم يحنث بما عداه ولم
يكن ذلك كذلك إلا لأن السبب والبساط يدلان على قصده التقييد أو التخصيص فإذا نوى التقييد
والتخصيص فهو ما يدل عليه السبب والبساط فلأن يعتبر التقييد والتخصيص المنويان
أولى من المستدل عليهما بالسبب والبساط قال وإن أطلق اللفظ العام وقال نويت إخراج
بعض أنواعه عن اليمين قلنا لا يحنث بذلك البعض المخرج لأن نيته مخصصة لعموم لفظه
قلت هذا هو الاستثناء بالنية دون النطق وفيه خلاف قال صاحب الجواهر منشؤه النظر
إلى أنه من باب تخصيص العموم فيجزئ بالنية أو النظر إلى حقيقة الاستثناء فلا يجزئ
إلا نطقا قلت فتأمل كيف جعل صاحب الجواهر التخصيص بالنية أصلا وذلك مشعر بعدم
الخلاف فيه وجعل الاستثناء فرعا محمولا على أنه تخصيص على قول وعلى أنه استثناء
على آخر وذلك عكس ما قاله شهاب الدين فإنه ساق التخصيص بالنية مساق المختلف فيه
وصوب القول بعدم التخصيص بها حملا على التأكيد وساق الاستثناء بالنية مساق المتفق
عليه قال وهذه النية بخلاف نية الأولى وهو أن يقصد بعض الأنواع باليمين ويغفل عن
غيره بسبب
هامش إدرار الشروق
الصحيح إبدال المؤكدة بالمخرجة لأن النية لا تكون مؤكدة إلا بناء على ما توهم من
أن حكم التخصيص بالنيات كحكم التخصيص بالألفاظ الدالة على المدلولات في اشتراط أن
يكون المخصص منافيا للمخصص وإلا احتمال قصد التأكيد وقصد التخصيص على السواء فلا
يعدل عن مقتضى العموم مع القول بأنه دليل لمجرد احتمال الخصوص أما إذا كانت
المنافاة فيتعين المصير إلى التخصيص لاستحالة التناقض في كلام الشارع والأمر ليس
كما توهم بل الصحيح في النظر أن النية تكون مخصصة وإن لم
____________________
(1/324)
يكون
منافيا للمخصص ومتى لم تكن النية منافية لم تكن مخصصة وكذلك المخصصات اللفظية إذا
لم تكن معارضة لا تكون مخصصة وقصده بدخول البعض في يمينه مع غفلته عن بقية أنواع
اللفظ ليس منافيا لشيء من اللفظ بل كاستعمال اللفظ في بعض مسمياته وفي البعض
المغفول عنه لا مؤكد ولا مناف فلم توجد حقيقة المخصص لفوات الشرط الذي هو المنافاة
والغفلة عن هذا الشرط هي سبب الغلط عند من غلط في ذلك فبمجرد ما يسمع المستفتي
يقول نويت الكتان يقول له لا تحنث بغيره وما علم أنه لا يمنع الحنث بغير الكتان
إلا القصد إليه بإخراجه عن اليمين فإذا لم يقصد إخراجه بقي مندرجا في عموم اللفظ
والنية التي ذكرها إنما هي موافقة للفظه في بعض أنواعه مؤكدة له فيه لا منافية له
في شيء من أنواع مسمى اللفظ ألبتة فالمعتبر في تخصيص العموم في الأيمان إنما هو
القصد إلى إخراج بعض الأنواع عن العموم لا القصد إلى دخول بعض الأنواع في العموم
فإن الأول مناف ومخصص دون الثاني فإنه موافق مؤكد ففات فيه شرط التخصيص فلا يكون
ذلك مخصصا ونظير ذلك من المخصصات اللفظية أن يقول الله
هامش أنوار البروق
قاعدة وهي أن من شرط المخصص أن يكون منافيا للمخصص ومتى لم تكن النية منافية لم
تكن مخصصة إلى قوله ومتى لم تجر على هذا القانون أخطأت قلت أما قوله إن من شرط
المخصص أن يكون منافيا للمخصص فصحيح وذلك في تخصيص العموم اللفظي الدال على حكم
شرعي من حيث إن المخصص إن لم يكن منافيا احتمل قصد التأكيد وقصد التخصيص على
السواء فلا يعدل عن مقتضى العموم مع القول بأنه دليل لمجرد احتمال الخصوص أما إذا
كانت المنافاة فيتعين المصير إلى التخصيص لاستحالة التناقض في كلام الشارع وأما
قوله ومتى لم تكن النية منافية لا تكون مخصصة فغير مسلم بل الصحيح في النظر أن
النية تكون مخصصة وإن لم تكن منافية من جهة أن القواعد الشرعية تقتضي أنه لا تترتب
الأحكام الشرعية في العبادات والمعاملات إلا على النيات والقصود وما ليس بمنوي ولا
مقصود فهو غير معتد به ولا مؤاخذ بسببه وهذا أمر لا يكاد يجهله أحد من الشرع ولم
يحمل شهاب الدين على ما قاله في ذلك واختاره إلا توهمه أن حكم النيات كحكم الألفاظ
الدالة على المدلولات والأمر ليس كما توهم والله أعلم
هامش إدرار الشروق
تكن منافية من جهة أن القواعد الشرعية تقتضي أنه لا تترتب الأحكام الشرعية في
العبادات والمعاملات إلا على النيات والقصود وما ليس بمنوي ولا مقصود فهو غير معتد
به ولا مؤاخذ بسببه وهذا أمر لا يكاد يجهله أحد من الشرع نعم إذا أطلق المطلق
اللفظ العام ولا نية له ولا بساط ولا عادة صارفة حنثناه بكل فرد من أفراد العموم
للوضع الصريح في ذلك وإن أطلقه ونوى جميع أفراده بيمينه حنثناه بكل فرد من أفراد
العموم كذلك بالأولى للوضع الصريح في ذلك مع النية المؤكدة له وإن أطلقه ونوى بعض
أفراده لفظه العام باليمين وغفل عن البعض الآخر فلم يتعرض له بنفي ولا إثبات
حنثناه باللفظ المنوي ولم نحنثه بما عداه لأن نية الحالف أول معتبر فيما تقتضيه من
تقييد لفظه المطلق وتخصيص لفظ العام ثم
____________________
(1/325)
تعالى
اقتلوا الكفار واقتلوا اليهود فلا نقول إن قوله اقتلوا اليهود مخصص لعموم قوله
اقتلوا الكفار بل مؤكد لعموم اللفظ في بعض أنواعه وهم اليهود ولو قال لا تقتلوا
أهل الذمة لكان مخصصا لعموم بعض أنواعه وهم اليهود لحصول المنافاة بينهما فكذلك
النية
فمتى قال المستفتى نويت كذا فانظر لنيته تلك هل هي مخرجة منافية لعموم اللفظ في
بعض أنواعه أم لا فإن وجدتها منافية مخرجة فاجعلها مخصصة ولا تحنثه بما نوى إخراجه
عن اليمين وإن لم تجدها مخرجة فقل لا أثر لها ألبتة إلا التأكيد وليست من باب
المخصصات ومتى لم تجر على هذا القانون أخطأت فإن قلت يرد على ما ذكرته سؤالان
أحدهما أن العلماء على استعمال العام في الخاص وأنه جائز ولا معنى له إلا ما
أنكرته وثانيهما أن قوله والله لا لبست ثوبا ونوى الكتان وغفل عن غيره هو بمنزلة
ما لو صرح بذلك فقال والله لا لبست ثوبا كتانا وهو غافل عن غير الكتان فإنه لا يحنث
بغير الكتان إجماعا فكذلك ما نحن فيه قلت الجواب عن الأول أنا لا نسلم أن معنى قول
العلماء يجوز استعمال العام في الخاص هو ما ذكرته بل
هامش أنوار البروق
قال فإن قلت يرد على ما ذكرته سؤالان أحدهما أن العلماء على استعمال العام في
الخاص وأنه جائز ولا معنى له إلا ما أنكرته وثانيهما أن قوله والله لا لبست ثوبا
ونوى الكتان وغفل عن غيره هو بمنزلة ما لو صرح بذلك فقال والله لا لبست ثوبا كتانا
وهو غافل عن غير الكتان فإنه لا يحنث بغير الكتان إجماعا فكذلك ما نحن فيه قلت
السؤالان واقعان لازمان قال قلت الجواب عن الأول أنا لا نسلم أن معنى قول العلماء
يجوز استعمال العام في الخاص إلى قوله وأكد بالنية بالخصوص قلت جوابه مجرد دعوى
يقابل بمثلها ثم الدليل على أن مراد العلماء ذلك تجويزهم تخصيص العموم بالمنافي
وإطباقهم على أن معنى ذلك أن الشارع أراد بلفظ العموم الخصوص لا أنه أراد العموم
ثم رفع ذلك بالتخصيص فإنه لو كان ذلك لكان نسخا ولم يقل به أحد فيما علمته بل كلهم
يفرقون بين معنى النسخ والتخصيص فظهر صحة قول مخالفه وبطلت دعواه والله أعلم قال
وعن الثاني أن هذا السؤال حسن قوي ومع ذلك فهو باطل بسبب قاعدة تقدم ذكرها وهي
هامش إدرار الشروق
السبب والبساط وذلك لأنه إذا أنزل لفظ الحالف على ما يقتضيه السبب والبساط من
تقييد اللفظ أو تخصيصه ولم يحنث بما عداه مع أن ذلك لم يكن كذلك إلا لأن السبب
والبساط يدلان على قصد الحالف التقييد أو التخصيص فلأن يعتبر التقييد والتخصيص
المنويان أولى من المستدل عليهما بالسبب والبساط فافهم
وإن أطلق المطلق اللفظ العام وقال نويت إخراج بعض أنواعه عن اليمين كان استثناء
بالنية دون النطق وفيه خلاف هل يجزئ أو لا قال صاحب الجواهر منشؤه أي الخلاف النظر
إلى أنه من باب تخصيص العموم فيجزئ بالنية أو النظر إلى حقيقة الاستثناء فلا يجزئ
إلا نطقا ا ه فظهر من هذا أن سر الفرق بين النية المخصصة تعتبر بلا خلاف وبين
النية المخرجة هل تعتبر أو لا خلاف هو أن النية
____________________
(1/326)
معناه
أن يطلق اللفظ ويخرج بعض مسمياته عن الحكم المستند إلى العموم أما قصد بعض العموم
دون البعض فليس ذلك استعمال العموم في الخصوص بل استعمال العموم في العموم وأكد
بالنية في الخصوص وعن الثاني أن هذا السؤال حسن قوي
ومع ذلك فهو باطل بسبب قاعدة تقدم ذكرها وهي أن العرب إذا ألحقت بلفظ يستقل بنفسه
لفظا لا يستقل بنفسه صار اللفظ المستقل بنفسه غير مستقل بنفسه نحو عندي عشرة إلا
اثنين فإن الاستثناء لفظ لا يستقل بنفسه
فإذا اتصل بلفظ العشرة المستقل بنفسه صيره غير مستقل بنفسه ولا نقرر اللفظ الأول
ونلزمه العشرة ويعد نادما بقوله إلا اثنين بل نقول الأول لا يثبت له حكم ألبتة إلا
مع الثاني والكلام بآخره وهو موقوف حتى يسكت فيتم الأول أو يأتي بعده بما لا يستقل
بنفسه فيتعين ضمه إليه أما لو جاء بكلام يستقل بنفسه بأن يقول له عندي عشرة
ورددتها إليه ألزمناه العشرة لأن اللفظ الثاني لو نطق به وحده استقل بنفسه فلا
حاجة إلى ضمه إلى الأول وإذا كنا نبطل اللفظ المستقل بنفسه بسبب إن اتصل به ما لا
يستقل بنفسه في الأقارير التي هي أضيق من غيرها فأولى في الأيمان وغيرها إذا تقرر
هذا فنقول اللفظ الأول وهو قوله لا لبست ثوبا مستقل بنفسه لكنه لحقه قوله كتانا
وهو لا يستقل بنفسه صيره غير مستقل بنفسه فبطل عمومه وصار الكلام بآخره ولم يتقرر
من الأول حكم فلم ينطق إلا بالكتان في حلفه وبقي غير الكتان غير محلوف عليه فلا
نحنثه به وأما النية فليس فيها ذلك ولا تشملها هذه القاعدة ولا تتوقف الألفاظ
الصريحة
هامش أنوار البروق
أن العرب إذا ألحقت بلفظ يستقل بنفسه لفظا لا يستقل بنفسه صار اللفظ المستقل بنفسه
غير مستقل بنفسه إلى منتهى قوله وبقي غير الكتان غير محلوف عليه فلا يحنث به قلت
ما قاله مسلم قال وأما النية فليس فيها ذلك ولا تشملها هذه القاعدة ولا تتوقف
الألفاظ الصريحة عليها إلى قوله أما بتقرير الحكم في بعض الأفراد فلا لأنها مؤكدة
قلت ما قاله هنا دعوى وهي عين رأيه ولم يأت عليه بحجة قال فإن قلت فلما لا تجعل
الصفة اللاحقة للعموم مؤكدة للعموم في بعض أنواعه وهو الكتان إلى آخر السؤال قلت
السؤال وارد قال قلت هذا السؤال حسن وقوي وقل من يتفطن له قلت يكفي اعترافه بقوة
السؤال قال والجواب عنه أن نقول إن هذا ليس من باب التحكم بل الفرق بين الصفة
والنية أن الصفة لفظ له مفهوم مخالفة وهو دلالته على عدم غير المذكور إلى قوله
فظهر الفرق
هامش إدرار الشروق
المخصصة لما كانت أصلا يقاس عليه غيره كانت نصا في التخصيص لا تحتمل غيره فاعتبرت
فيه بلا
____________________
(1/327)
عليها
وإذا لحقت لم تعكر على عموم بالتخصيص إلا أن تتعلق بإخراج بعض أفراده إما بتقرير
الحكم في بعض الأفراد فلا لأنها مؤكدة فإن قلت فلم تجعل الصفة اللاحقة للعموم
مؤكدة للعموم في بعض أنواعه وهو الكتان ويبقى اللفظ على عمومه في غير الكتان فيحنث
بغيره والتأكيد كما يتصور بالنية يتصور باللفظ فإن العرب تؤكد بالألفاظ إجماعا
كذكر الشيء مرتين وقولهم قبضت المال كله نفسه وألفاظ التأكيد كثيرة أسماء وحروف
كان وأن واللام نحو إن زيدا لقائم فتكون الصفة المؤكدة للعموم في بعض أنواعه فيبقى
على عمومه في غير ذلك النوع كما قلته في النية حرفا بحرف فإن جعلتها أعني الصفة
مخصصة مع صلاحيتها للتأكيد لزمك أن تجعل النية مخصصة مع صلاحيتها للتأكيد وغايته
في الصفة إن نطق بصفة بعض الأنواع كما نوى هاهنا بعض الأنواع فيكون الكل مؤكدا أو
الكل مخصصا أما جعل الصفة مخصصة والنية غير مخصصة مع أن كليهما لم يتناول غير
الكتان بالإخراج فتحكم محض قلت هذا السؤال حسن وقوي وقل من يتفطن له والجواب عنه
أن نقول إن هذا ليس من التحكم بل الفرق بين الصفة والنية أن الصفة لفظ له مفهوم
مخالفة وهو دلالته على عدم غير المذكور فكان دالا بمفهومه على عدم اندراج غير
الكتان في اليمين بدلالة الالتزام التي هي المفهوم والنية ليس لها دلالة ألبتة لا
مطابقة ولا تضمن ولا التزام لأنها
هامش أنوار البروق
قلت بني جوابه في ذلك على المفهوم في قول الحالف والله لا لبست ثوب كتان ولا لبست
ثوبا كتانا وهو أضعف أنواع المفهوم وهو مفهوم اللقب
ولم يقل به إلا الدقاق وسماه مفهوم الصفة من حيث وجده متبعا به في قول القائل ثوبا
كتانا وليس بصفة بل هو بدل عند النحاة وبالجملة جوابه في نهاية الضعف قال فإن قلت
اعتمدت في هذا الجواب على الفرق بدلالة المفهوم إلى آخر السؤال قلت هو سؤال وارد
قال قلت إلزام حسن غير أن الفرق عند القائل بعدم المفهوم بينه وبين هذه الصورة أن
الصفة ههنا لم تستقل بنفسها فصيرت مع الأصل كلاما واحدا إلا على ما بقي ومخرجا
لغير الكتان عن دلالته اللفظية بسبب عدم استقلاله بنفسه قلت لا صفة لموصوف إلا وهي
غير مستقلة بنفسها فكان يلزم على مساق قولهم أن ينعقد الإجماع على مفهوم كل صفة
وهذا الإخفاء ببطلانه وكون اللفظ مستقلا أو غير مستقل لا مدخل له في القول
بالمفهوم ولا في عدم القول به قال بخلاف ما إذا قال صاحب الشرع في كل أربعين شاة
شاة فهذا عموم مستقل بنفسه ولم يوجد معه ما يوجب أن يصيره غير مستقل بنفسه إلى قوله
وإنما يخصصه به من يقول المفهوم حجة
هامش إدرار الشروق
خلاف والنية المخرجة لما كانت تحتمل أنها من قبيل النية المخصصة أو من قبيل
الاستثناء بالنية دون النطق جرى الخلاف في اعتبارها في التخصيص نظرا للاحتمال
الأول أو عدم اعتبارها نظرا للثاني هذا
____________________
(1/328)
من
المعاني والمعاني مدلولات لا دالة فلم يكن في النية ما يقتضي إخراج غير الكتان
فبقي العموم فيه لعموم اللفظ بخلاف الصفة فإنه وجد فيها الدال على الإخراج من جهة
دلالة الالتزام وهو مفهوم الصفة فظهر الفرق
فإن قلت اعتمدت في هذا الجواب على الفرق بدلالة المفهوم فكان ينبغي أن يتخرج ذلك
على الخلاف في دلالة المفهوم فمن قال بها استقام عنده الفرق الذي ذكرته ومن لم يقل
بها بطل عنده الفرق ويلزمه التسوية لكن الإجماع منعقد ههنا عند من يقول بالمفهوم
وعند من لا يقول بها إنه لا يحنث بغير الكتان إذا قال والله لبست ثوبا كتانا
فيحتاج إلى الفرق بين هذا وبين الصفة في غيره فإن الصفة هاهنا ظهر اعتبار المفهوم
فيها عند من لم يقل به في غير هذه الصورة قلت إلزام حسن غير أن الفرق عند القائل
بعدم المفهوم بينه وبين هذه الصورة أن الصفة ههنا لم تستقل بنفسها فصيرت مع الأصل
كلاما واحدا دالا على ما بقي ومخرجا لغير الكتان عن دلالة اللفظ بسبب عدم استقلاله
بنفسه بخلاف ما إذا قال صاحب الشرع في كل أربعين شاة شاة فهذا عموم مستقل بنفسه
ولم يجد معه ما يجب أن يصيره غير مستقل بنفسه ويثبت الحكم لجميع أفراده فإذا ورد
بعد
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله هنا مسلم ولا يلزم منه مقصوده قال وإنما نظير مسألة الحالف لا لبست
ثوبا كتانا قوله عليه السلام في الغنم السائمة الزكاة إلى قوله وكان القائل بإن
المفهوم ليس بحجة يقول مستندي هذه القاعدة لا المفهوم فتأمل ذلك قلت ما قاله هنا
مسلم ولا يلزم منه مقصوده قال وبمجموع هذه الأسئلة والأجوبة يتقرر عندك الفرق
الواضح بين النية الخاصة ببعض الأنواع الموافقة للفظ وبين الصفة الخاصة ببعض
الأنواع الموافقة للفظ قلت لم يتقرر ما قال على الوجه الذي زعم بل لا فرق إلا من
جهة المفهوم ولا قائل به في مثل مسألة الحالف إلا من لم يعتبر قوله والله أعلم قال
فائدة المعهود في كتب الأصول من المخصصات المتصلة أربعة خاصة الصفة والاستثناء
والغاية والشرط وقد وجدتها بالاستقراء اثني عشر الأربعة المتقدمة وثمانية أخرى إلى
قوله وقد تقدم تمثيلها في الفرق بين الترتيب بالحقيقة الزمانية والأدوات اللفظية
في معنى الترتيب فليطالع من هناك قلت ما قاله في ذلك ظاهر قال وهذا آخر الكلام في
هذا الفرق وهو من المباحث الجليلة التي يجب التنبيه لها والغفلة عنه توجب الفسوق
وخرق الإجماع في الفتيا في دين الله تعالى بما لا يحل بسبب الجهل بهذا الفرق قلت
لا توجب الغفلة عن هذا الفرق فسوقا ولا خرق إجماع بل لقائل أن يقول التنبيه لهذا
الفرق يوجب ذلك والله أعلم
هامش إدرار الشروق
تحقيق المقام على ما حرره ابن الشاط وبه يسقط جميع ما ذكره الأصل بناء على الوهم
المار ذكره والله أعلم
____________________
(1/329)
ذلك
قوله عليه السلام في الغنم السائمة الزكاة فعند القائل بأن المفهوم ليس بحجة لا
يخصص عموم الحديث الأول بمفهوم الصفة في هذا الحديث الثاني وإنما يخصصه به من يقول
المفهوم حجة وإنما نظير مسألة الحالف لا لبست ثوبا كتانا قوله عليه السلام في
الغنم السائمة الزكاة أجمع الناس على تخصيص عموم هذا الموصوف بالصفة اللاحقة له
سواء قلنا المفهوم حجة أم لا أما القائل بأن المفهوم حجة فظاهر وأما القائل
المفهوم ليس بحجة فيقول هذا الحديث اقتضى وجوب الزكاة في السائمة
ولم يتعرض للمعلوفة بنفي ولا إثبات ووافق على أن اللفظ الذي فيه الصفة لم يتناول
وجوب الزكاة في المعلوفة وغايته إن قال لم يتناول وجوب الزكاة في المعلوفة ولم
يتناول عدمه بل المعلوفة في حيز الإعراض عنها ألبتة أما العموم في نفس الحديث
المشتمل على الصفة فلم يقل به أحد ولم يعد الحكم منه إلى المعلوفة بل قصره على
السائمة بسبب القاعدة المتقدمة وهي أن ما لا يستقل بنفسه يصير المستقل غير مستقل
ويسلبه حكم العموم الكائن قبل الصفة ولا يبقى فيه من العموم إلا النوع الذي تشمله
الصفة خاصة وهذا مجمع عليه عند القائلين بالمفهوم وعند القائلين بعدمه بسبب
القاعدة المذكورة وكان القائل بأن المفهوم ليس بحجة يقول مستندي هذه القاعدة لا
المفهوم فتأمل ذلك وبمجموع هذه الأسئلة والأجوبة يتقرر عندك الفرق الواضح بين
النية الخاصة ببعض الأنواع الموافقة للفظ وبين الصفة الخاصة ببعض الأنواع الموافقة
للفظ فائدة حسنة المعدود في كتب الأصول من المخصصات المتصلة أربعة خاصة الصفة والاستثناء
والغاية والشرط وقد وجدتها بالاستقراء اثني عشر الأربعة المتقدمة وثمانية أخرى وهي
الحال وظرف الزمان وظرف المكان والمجرور والتمييز والبدل والمفعول معه والمفعول
لأجله فهذه الاثنا عشر ليس فيها واحد يستقل بنفسه ومتى اتصل بما يستقل بنفسه كان
عموما أو غيره صيره غير مستقل بنفسه وقد مر تمثيلها في الفرق بين الترتيب بالحقيقة
الزمانية والأدوات اللفظية في معنى الترتيب فليطالع من هنالك وهذا آخر الكلام في
هذا الفرق وهو من المباحث الجليلة التي يجب التنبيه لها والغفلة عنه توجب الفسوق
وخرق الإجماع في الفتيا في دين الله تعالى بما لا يحل بسبب الجهل بهذا الفرق
الفرق الثلاثون بين قاعدة تمليك الانتفاع وبين قاعدة تمليك المنفعة
هامش أنوار البروق
قال الفرق الثلاثون بين قاعدة تمليك الانتفاع وبين قاعدة تمليك المنفعة
هامش إدرار الشروق
الفرق الثلاثون بين قاعدة تمليك الانتفاع وبين قاعدة تمليك المنفعة
____________________
(1/330)
فتمليك
الانتفاع نريد به أن يباشر هو بنفسه فقط وتمليك المنفعة هو أعم وأشمل فيباشر بنفسه
ويمكن غيره من الانتفاع بعوض كالإجارة وبغير عوض كالعارية مثال الأول سكنى المدارس
والرباط والمجالس في الجوامع والمساجد والأسواق ومواضع النسك كالمطاف والمسعى ونحو
ذلك فله أن ينتفع بنفسه فقط ولو حاول أن يؤاجر بيت المدرسة أو يسكن غيره أو يعاوض
عليه بطريق من طرق المعاوضات امتنع ذلك وكذلك بقية النظائر المذكورة معه وأما مالك
المنفعة فكمن استأجر دارا أو استعارها فله أن يؤاجرها من غيره أو يسكنه بغير عوض
ويتصرف في هذه المنفعة تصرف الملاك في أملاكهم على جري العادة على الوجه الذي ملكه
فهو تمليك مطلق في زمن خاص
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله في هذا الفرق صحيح ظاهر
هامش إدرار الشروق
تمليك الانتفاع عبارة عن الإذن للشخص في أن يباشر هو بنفسه فقط كالإذن في سكنى
المدارس والربط والمجالس في الجوامع والمساجد والأسواق ومواضع النسك كالمطاف
والمسعى ونحو ذلك فلمن أذن له في ذلك أن ينتفع بنفسه فقط ويمتنع في حقه أن يؤاجر
أو يعاوض بطريق من طرق المعاوضات أو يسكن غيره لبيت المدرسة أو غيره من بقية النظائر
المذكورة معه وتمليك المنفعة عبارة عن الإذن للشخص في أن يباشر هو بنفسه أو يمكن
غيره من الانتفاع بعوض كالإجارة وبغير عوض كالعارية كمن استأجر دارا أو استعارها
فله أن يؤاجرها من غيره أو يسكنه بغير عوض وأن يتصرف في هذه المنفعة تصرف الملاك
في أملاكهم على جري العادة على الوجه الذي ملكه فهو تمليك مطلق في زمن خاص حسبما
تناوله عقد الإجارة أو شهدت به العادة في العارية فمن شهدت له العادة في العارية
بمدة كانت له تلك المدة ملكا على الإطلاق يتصرف كما يشاء بجميع الأنواع السائغة في
التصرف في المنفعة في تلك المدة ويكون تمليك هذه المنفعة كتمليك الرقاب وصل في
أربع مسائل تتعلق بهذا الفرق
المسألة الأولى النكاح من حيث إن مقتضى عقده أن يباشر الزوج منفعته بنفسه خاصة
وليس له أن يمكن غيره من تلك المنفعة لكونه ليس مالكا للمنفعة ولا لبضع الزوجة كان
من باب تمليك الانتفاع لا من باب تمليك المنفعة المسألة الثانية الوكالة إن كانت
بغير عوض كانت من باب تمليك الانتفاع لا من باب تمليك المنفعة لأنها تقتضي حينئذ
أن الموكل ملك من الوكيل أن ينتفع به بنفسه ولم يملك منفعته فلا يجوز له أن يهب
الانتفاع بذلك الوكيل لغيره بل ينتفع به بنفسه أو يهمله أو يعزله وإن كانت بعوض
كانت من باب تمليك المنفعة لأنها حينئذ من باب الإجارة فللموكل بيع ما ملك وأن
يمكن منه غيره ما لم يكن الموكل عليه لا يقبل البدل كتوكيله في بيع الرهن الذي عند
مرتهن فإنه لا يقبل إبدال من وكل عليه بغيره لتعلق حق المرتهن بالوكيل وفي خصام إذا
قاعد الوكيل الخصم كثلاث فإنه لا يقبل إبدال الوكيل كما في خليل وشرحه المسألة
الثالثة عقد كل من القراض والمساقاة والمغارسة يقتضي أن رب المال ملك من العامل
الانتفاع لا المنفعة بدليل أنه ليس له أن يعاوض على ما ملكه من العامل من غيره ولا
يؤاجره ممن أراد بل يقتصر
____________________
(1/331)
حسبما
تناوله عقد الإجارة أو أشهدت به العادة في العارية فمن شهدت له العادة في العارية
بمدة كانت له تلك المدة ملكا على الإطلاق يتصرف كما يشاء بجميع الأنواع السائغة في
التصرف في المنفعة في تلك المدة ويكون تمليك هذه المنفعة كتمليك الرقاب
وهاهنا أربع مسائل المسألة الأولى النكاح من باب تمليك أن ينتفع لا من باب تمليك
المنفعة فإنه يباشره بنفسه وليس له أن يمكن غيره من تلك المنفعة وليس مالكا
للمنفعة ولا لبضع المرأة بل مقتضى عقد النكاح أنه ينتفع هو خاصة لا مالك المنفعة
المسألة الثانية الوكالة بغير عوض تقتضي أنه ملك من الوكيل أن ينتفع به بنفسه ولم
يملك منفعته فلا يجوز له أن يهب الانتفاع بذلك الوكيل لغيره بل ينتفع به بنفسه أو
يهمله أو يعزله فهي من باب تمليك الانتفاع لا من باب تمليك المنفعة وأما الوكالة
بعوض فهي من باب الإجارة فمن ملك المنفعة فله بيع ما ملك ويمكن منه غيره ما لم يكن
الموكل عليه لا يقبل البدل
هامش أنوار البروق
فارغه
هامش إدرار الشروق
على الانتفاع بنفسه على الوجه الذي اقتضاه العقد وأما ما ملكه العامل في القراض
والمساقاة فهو ملك عين لا ملك منفعة ولا انتفاع وتلك العين هي ما يخرج من ثمرة في
المساقاة أو يحصل من ربح في القراض فيملك نصيبه على الوجه الذي اقتضاه العقد
المسألة الرابعة ظاهر قول الواقف وقفت هذا على أن يسكنه أو على سكنى طلبة العلم
مثلا ولم يزد على ذلك يقتضي أنه إنما ملك الموقوف عليه الانتفاع بالسكنى دون
المنفعة فليس للموقوف عليه أن يؤاجر غيره ولا أن يسكنه دائما أو المدة الطويلة ولا
أن يجعله لخزن القمح أو غيره دائما أو المدة الطويلة وأما إنزال الضيف وخزن القمح
وغيره المدة اليسيرة في المدارس والربط فيجوز ذلك لأهلها لأن العادة لما جرت بذلك
دلت على أن الواقف يسمح في ذلك ومما يحمل على تمليك الانتفاع لا تمليك المنفعة
الصيغة التي صدرت من الواقف تحتملها وشككنا في تناولها المنفعة لأن القاعدة أن
الأصل بقاء الأملاك على ملك أربابها والنقل والانتقال على خلاف الأصل فلذا متى
شككنا في رتب الانتقال حملناه على أدنى الرتب استصحابا للأصل في الملك السابق وعلى
هذه القاعدة مسائل في المذهب وبالجملة فقول الواقف إما أن يكون نصا في تمليك
المنفعة بنفسه كقوله ينتفع بالعين الموقوفة بجميع أنواع الانتفاع أو بالقرائن
القائمة مقام التصريح بالمنفعة من الأمور العادية في الصيغة المحتملة فيجب حمله
على المنفعة لا الانتفاع وإما أن يكون ظاهرا في تمليك الانتفاع كقوله وقفته على أن
يسكن أو على السكنى ولم يزد على ذلك فيجب حمله على الانتفاع لا المنفعة كما إذا
كان محتملا لتمليك الانتفاع أو تمليك المنفعة بلا قرينة حتى حصل الشك في تناولها
للمنفعة لوجوب حمله حينئذ على أدنى الرتب استصحابا للأصل في الملك السابق للقاعدة
المارة وكذلك يجري فيما كان من باب تمليك الأعيان وقد شهدت العادة وألفاظ الواقفين
بقصره على جهة خاصة نحو ما يوقف في المدارس والخوانك من الصهاريج لماء الشرب فلا
يجوز بيع
____________________
(1/332)
المسألة
الثالثة القراض يقتضي عقده أن رب العمل ملك من العامل الانتفاع لا المنفعة بدليل
أنه ليس له أن يعاوض على ما ملكه من العامل من غيره ولا يؤاجره ممن أراد بل يقتصر
على الانتفاع بنفسه على الوجه الذي اقتضاه عقد القراض وكذلك المساقاة والمغارسة
وأما ما ملكه العامل في القراض والمساقاة فهو ملك عين لا ملك منفعة ولا انتفاع
وتلك العين هي ما يخرج من ثمرة أو يحصل من ربح في القراض فيملك نصيبه على الوجه
الذي اقتضاه العقد المسألة الرابعة إذا وقف وقفا على أن يسكن أو على السكنى ولم
يزد على ذلك فظاهر اللفظ يقتضي أن الواقف إنما ملك الموقوف عليه الانتفاع بالسكنى
دون المنفعة فليس له أن يؤاجر غيره ولا يسكنه وكذلك إذا صدرت صيغة تحتمل تمليك
الانتفاع أو تمليك المنفعة وشككنا في تناولها للمنفعة قصرنا الوقف على أدنى الرتب
وهي تمليك الانتفاع دون تمليك المنفعة فإن قال في لفظ الوقف ينتفع بالعين الموقوفة
بجميع أنواع الانتفاع فهذا تصريح بتمليك المنفعة أو يحصل من القرائن ما يقوم مقام
هذا التصريح من الأمور العادية أو الحالية فإنا نقضي بمقتضى تلك القرائن ومتى حصل
الشك وجب القصر على أدنى الرتب لأن القاعدة أن الأصل بقاء الأملاك على ملك أربابها
والنقل والانتقال على خلاف الأصل فمتى شككنا في رتب الانتقال حملنا على أدنى الرتب
استصحابا للأصل في الملك السابق وعلى هذه القاعدة مسائل في المذهب فرع مرتب حيث
قلنا إن الملك إنما يتناول الانتفاع دون المنفعة فقد يستثنى من ذلك تسويغ الانتفاع
لغير المالك في المدة اليسيرة كأهل المدارس والربط فإنه يجوز لهم إنزال الضيف
المدة اليسيرة لأن العادة جرت بذلك فدلت العادة على أن الواقف يسمح في ذلك بخلاف
المدة
هامش أنوار البروق
فارغه
هامش إدرار الشروق
الماء المذكور ولا هبته للناس ولا صرفه لنفسه في وجوه غريبة لم تجر العادة بها
كالصبغ وبياض الكتان بأن يكون صباغا مبيضا للكتان فيصرف ذلك الماء في الصبغ
والبياض دائما لأن العادة وألفاظ الواقفين شهدت بأنه موقوف للشرب فقط نعم يجوز
صرفه للصبغ اليسير والبياض اليسير ونحوه ونحو الحصر والبسط المفروشة في المدارس
والربط لا تستعمل الأوطاء فقط وليس للموقوف عليه أن يتخذها غطاء في زمن الشتاء لأن
العادة وألفاظ الواقفين شهدت بذلك وكوقف الزيت للاستصباح ليس لأحد أن يأكله
وإن كان من أهل الوقف كما لا يجوز للضيف أن يبيع الطعام المعد لضيافته ولا أن
يملكه لغيره بل يأكله هو خاصة على جري العادة نعم له إطعام الهر اللقمة واللقمتين
ونحوهما لشهادة العادة بذلك وقس على هذه المسائل ما يقع لك منها واحمل مسائل تمليك
الانتفاع على بابها ومسائل تمليك المنفعة على بابها ومسائل تمليك الأعيان على
الجهة التي قصرتها العادة وألفاظ الواقفين عليها وأجر المحتمل على أصل بقاء أملاك
الواقفين على الموقوف على الأعيان والمنافع إلا ما دل الدليل على انتقاله عن
أملاكهم والله أعلم
____________________
(1/333)
الكثيرة
لا تجوز فلا يجوز لأحد أن يسكن بيتا من المدرسة دائما ولا مدة طويلة فإن العادة
جرت في ذلك بتمليك الانتفاع لا بتمليك المنفعة
وكذلك لو عمد أحد لإيجار بيت المدرسة من الناس من أنكر ذلك عليه فدل ذلك على أنه
إنما يملك الانتفاع دون المنفعة ومن هذا الباب لو جعل بيتا في المدرسة لخزن القمح
أو غيره دائما أو المدة الطويلة امتنع أيضا لأن العادة شهدت وألفاظ الواقفين على
أن البيوت وقف على السكنى فقط فإن وضع فيها ما يخزن الزمان اليسير جاز كإنزال
الضيف ومن هذا الباب ما يوقف من الصهاريج للماء والشرب في المدارس والخوانك لا
يجوز بيعه ولا هبته للناس ولا صرفه لنفسه في وجوه غريبة لم تجر العادة بها كالصبغ
وبياض الكتان بأن يكون صباغا مبيضا للكتان فيصرف ذلك الماء في الصبغ والبياض دائما
فهذا لا يجوز لأن العادة وألفاظ الواقفين شهدت بأنه موقوف للشرب فقط ويستثنى من
ذلك الصبغ اليسير والبياض اليسير ونحوه ونظير هذه المسألة إطعام الضيف لا يجوز له
أن يبيعه ولا يملكه غيره بل يأكله هو خاصة على جري العادة وله إطعام الهر اللقمة
واللقمتين ونحوهما لشهادة العادة بذلك ومن هذا الباب الحصر الموضوعة في المدارس
والربط والبسط المفروشة في زمن الشتاء ليس للموقوف عليه أن يتخذها غطاء بل لا
تستعمل الأوطاء فقط لأن العادة وألفاظ الواقفين شهدت بذلك وكذلك الزيت للاستصباح
ليس لأحد أن يأكله وإن كان من أهل الوقف كما تقدم في طعام الضيف فهذه الأعيان وإن
لم تكن من باب المنافع بل من باب تمليك الأعيان ولكن التمليك فيها مقصور على جهة
خاصة بشهادة العوائد والأصل بقاء أملاك الواقفين على الموقوف من الأعيان والمنافع
إلا ما دل الدليل على انتقاله عن أملاكهم وقس على هذه المسائل ما يقع لك منها
واحمل مسائل تمليك الانتفاع على بابها ومسائل تمليك المنفعة على بابها الفرق
الحادي والثلاثون بين قاعدة حمل المطلق على المقيد في الكلي وبين قاعدة حمل المطلق
على المقيد في الكلية وبينهما في الأمر والنهي والنفي
هامش أنوار البروق
قال الفرق الحادي والثلاثون بين قاعدة حمل المطلق على المقيد في الكلي وبين قاعدة
حمل المطلق على المقيد في الكلية وبينهما في الأمر والنهي والنفي إلى قوله وهذا
كلام حق
هامش إدرار الشروق
الفرق الحادي والثلاثون بين قاعدتي حمل الإطلاق على التقييد في المطلق لا الكلية
وفي الأمر لا النهي والنفي
____________________
(1/334)
اعلم
أن العلماء أطلقوا في كتبهم حمل المطلق على المقيد وحكوا فيه الخلاف مطلقا وجعلوا
أن حمل المطلق على المقيد يفضي إلى العمل بالدليلين دليل الإطلاق ودليل التقييد
وأن عدم الحمل يفضي إلى إلغاء الدليل الدال على التقييد وليس الأمر كما قالوا على
الإطلاق بل هما قاعدتان متباينتان في هذه الأبواب المتقدم ذكرها وبيان ذلك أن صاحب
الشرع إذا قال اعتقوا رقبة ثم قال في موطن آخر رقبة مؤمنة فمدلول قوله رقبة كلي
وحقيقة مشترك فيها بين جميع الرقاب وتصدق بأي فرد وقع منها فمن أعتق سعيدا فقد
أعتق رقبة ووفى مقتضى هذا اللفظ فإذا أعتقنا رقبة مؤمنة فقد وفينا بمقتضى الإطلاق
وهو مفهوم الرقبة وبمقتضى التقييد وهو وصف الأيمان فكنا جامعين بين الدليلين وهذا
كلام حق أما إذا ورد أمر صاحب الشرع بإخراج الزكاة من كل أربعين شاة شاة كما جاء
في الحديث في كل أربعين شاة شاة ثم ورد بعد ذلك قوله عليه السلام في الغنم السائمة
الزكاة فمن قصد في هذا المقام حمل المطلق الأول الذي هو الغنم على هذا القيد الذي
هو الغنم السائمة اعتمادا منه على أنه من باب حمل المطلق على المقيد فقد
هامش أنوار البروق
قلت في أثناء كلامه فمدلول قوله رقبة كلي وحقيقة مشترك فيهما بين جميع الرقاب ليس
بصحيح بل مدلول لفظ رقبة مطلق لا كلي والمطلق إنما هو الواحد المبهم مما فيه
الحقيقة والكلي هو الحقيقة الواقع فيها الاشتراك عند من يقول بإثبات الحقائق
المشترك فيها وقوله ويصدق بأي فرد منها صحيح لكن لا من الوجه الذي أشار إليه ولكن
من جهة أن مقتضى الإطلاق الأمر بواحد غير معين فإذا أوقع واحدا أي واحد كان مما
فيه تلك الحقيقة أجزأ والوجود اقتضى التعيين لا الوجوب
هامش إدرار الشروق
وذلك لأن العلماء وإن حكوا في حمل الإطلاق على التقييد الخلاف مطلقا وأن الحمل
يفضي إلى العمل بدليلي الإطلاق والتقييد وأن عدم الحمل يفضي إلى إلغاء دليل
التقييد إلا أن الأمر ليس كما قالوا على الإطلاق بل قاعدة الإطلاق والتقييد في
المطلق وفي الأمر تباين قاعدته في الكلية والنهي والنفي وسر الفرق بين القاعدتين
في الأبواب المتقدم ذكرها هو أن صاحب الشرع إذا قال أعتقوا رقبة ثم قال في موطن
آخر رقبة مؤمنة كان مدلول قوله رقبة مطلقا فيصدق كلامه من جهة مقتضى الإطلاق
بالأمر بواحد غير معين مما فيه الحقيقة فإذا أوقع واحدا أي واحد مما في تلك
الحقيقة أجزأ وإن كان الوجود يقتضي التعيين لا الوجوب فمن أعتق سعيدا فقد أعتق
رقبة ووفى بمقتضى هذا اللفظ فإذا أعتقنا رقبة مؤمنة فقد وفينا بمقتضى الإطلاق وهو
مفهوم الرقبة وبمقتضى التقييد وهو وصف الأيمان فكنا جامعين بين الدليلين
وإذا قال أخرجوا الزكاة من كل أربعين شاة شاة كما جاء في الحديث في كل أربعين شاة
شاة وورد بعد ذلك قوله عليه الصلاة والسلام في الغنم السائمة الزكاة لم يكن تقييده
الغنم الذي مدلوله الكلية والعموم بمقتضى كل لا الإطلاق بالسائمة فمن حمل الإطلاق
على التقييد هنا فقد فاته الصواب بسبب أن الحمل يقتضي أن قيد السائمة خصص لفظ الغنم
العام وأخرج منه جميع الأغنام المعلوفة والعموم يقتضي وجوب الزكاة فيها فلم يكن
الحمل جامعا بين الدليلين بل تاركا لمقتضى العموم وحاملا له على التخصيص مع إمكان
عدم التخصيص فلا يكون الدليل الدال على حمل الإطلاق على
____________________
(1/335)
فاته
الصواب بسبب أن الحمل هنا يوجب أن المقيد خصص المطلق وأخرج منه جميع الأغنام
المعلوفة والعموم يتقاضى وجوب الزكاة فيها فليس جامعا بين الدليلين بل تاركا
لمقتضى العموم وحاملا له على التخصيص مع إمكان عدم التخصيص فلا يكون الدليل الدال
على حمل المطلق على المقيد موجودا ههنا وهو الجمع بين دليل الإطلاق ودليل التقييد
ومن أثبت الحكم بدون موجبه ودليله فقد أخطأ بل هذا يرجع إلى قاعدة أخرى وهي تخصيص
العموم بذكر بعضه والصحيح عند العلماء أنه باطل لأن البعض لا ينافي الكل أو من
قاعدة تخصيص العموم بالمفهوم الحاصل من قيد السوم وفيه خلاف
أما أنه من باب حمل المطلق على المقيد فلا لأنه كلية ولفظ عام وإنما يستقيم حمل
المطلق في الكلي المطلق لا في الكلية لما تقدم من الفرق وكذلك وقع في كتب العلماء
التسوية بين الأمر والنهي في حمل المطلق على المقيد وليس كذلك فإن صاحب الشرع لو
قال لا تعتقوا رقبة ثم قال لا تعتقوا رقبة كافرة كان اللفظ الأول من صيغ العموم
لأن النكرة في سياق النهي كالنكرة في سياق النفي تعم فيكون اللفظ الثاني لو حملنا
الأول عليه مخصصا
هامش أنوار البروق
قال أما إذا ورد أمر صاحب الشرع بإخراج الزكاة من كل أربعين شاة كما جاء في الحديث
في كل أربعين شاة شاة ثم ورد بعد ذلك قوله عليه السلام في الغنم السائمة الزكاة
فمن قصد في هذا المقام حمل المطلق الأول الذي هو الغنم على هذا المقيد الذي هو
الغنم السائمة اعتمادا منه على أنه من باب حمل المطلق على المقيد فقد فاته الصواب
إلى قوله لما تقدم من الفرق قلت ما قاله في هذا الموضع مسلم
هامش إدرار الشروق
التقييد موجودا ههنا وهو الجمع بين دليل الإطلاق ودليل التقييد ومن أثبت الحكم
بدون موجبه ودليله فقد أخطأ بل هذا يرجع إلى قاعدة أخرى وهي إما تخصيص العموم بذكر
بعضه والصحيح عند العلماء أنه باطل لأن البعض لا ينافي الكل وإما تخصيص العموم
بمفهوم اللقب الحاصل من قيد السوم في اعتباره وعدم اعتباره خلاف
وكذلك إذا قال صاحب الشرع لا تعتقوا رقبة ثم قال لا تعتقوا رقبة كافرة لأن لفظ
الرقبة الأول من صيغ العموم لأنه نكرة في سياق النهي والنكرة في سياقه كالنكرة في
سياق النفي تعم فلو حملنا لفظ الرقبة الأول على الثاني المقيد بالكافرة لكان مخصصا
للأول فيخرج منه الرقاب المؤمنة على امتناع العتق والعموم في الأول يقتضي عدم
إخراجها فلم يكن في الحمل جمعا بين الدليلين بل التزام للتخصيص بغير دليل وإلغاء
للعموم من غير موجب بخلاف هذه النكرة لو كانت في سياق الأمر فإنها حينئذ لا تكون
عامة بل مطلقة فيكون حملها على نص التقييد جمعا بين الدليلين وبالجملة فحمل
الإطلاق على التقييد إنما يتصور في المطلق لا في العموم ولا في الأمر وخبر الثبوت
لا في النهي وخبر النفي لأن خبر النفي كقولنا ليس في الدار أحد يقع نكرة في سياق
النفي فيعم فيئول الحال إلى الكلية والعموم دون الإطلاق وخبر الثبوت نحو في الدار
رجل هو كالأمر لا تعم النكرة في سياقه بل تكون مطلقة فنص الإمام فخر الدين في
المحصول وغيره من العلماء على التسوية بين الأمر والنهي ليس بصحيح فتأمل ذلك
____________________
(1/336)
للأول
فإنه يخرج الرقاب المؤمنة على امتناع العتق والعموم يتقاضاه فلم يكن فيه جمع بين
الدليلين بل التزام للتخصيص بغير دليل وإلغاء للعموم من غير موجب بخلاف هذه النكرة
لو كانت في سياق الأمر فإنها حينئذ لا تكون عامة بل مطلقة فيكون حملها على نص
التقييد جمعا بين الدليلين وظهر أيضا الفرق بين الأمر والنهي والإمام فخر الدين في
المحصول وغيره من العلماء نص على التسوية بينهما وليسا بمستويين فتأمل ذلك كما
بينته لك فيتحصل من هذا المبحث أن حمل المطلق على المقيد إنما يتصور في كلي دون
كلية وفي مطلق دون عموم وفي الأمر وخبر الثبوت دون النهي وخبر النفي لأن خبر النفي
كقولنا ليس في الدار أحد يقع نكرة في سياق النفي فيعم فيئول الحال إلى الكلية دون
الكلي وخبر الثبوت هو كالأمر نحو في الدار رجل فإنه مطلق كلي لا كلية لأن النكرة
لا تعم في سياق الثبوت وإذا تقرر الفرق واتضح الحق فهاهنا أربع مسائل
المسألة الأولى الحنفية لا يرون حمل المطلق على المقيد خلافا للشافعية وكان قاضي
القضاة صدر الدين الحنفي يقول إن الحنفية تركوا أصلهم لا لموجب فيما ورد عن رسول
هامش أنوار البروق
قال وكذلك وقع في كتب العلماء التسوية بين الأمر والنهي في حمل المطلق على المقيد
وليس كذلك إلى قوله فهاهنا أربع مسائل قلت ما قاله أيضا مسلم غير إطلاقه لفظ الكلي
فإن أراد به الواحد غير المعين وهو المطلق فلا مشاحة وإن أراد الكلي حقيقة فليس
الكلي هو المطلق بل الكلي الحقيقة والمطلق الواحد غير المعين مما فيه الحقيقة
هامش إدرار الشروق
وصل في توضيح هذا الفرق بأربع مسائل المسألة الأولى حمل الإطلاق على التقييد في
المطلق دون العام لا يراه الحنفية ويراه الشافعية و إنما تركوا أصلهم فيما ورد عن
رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا إحداهن
بالتراب وورد أولاهن بالتراب لأن المطلق في هذا الحديث ورد مقيدا بقيدين متضادين
لأنه كما ورد أولاهن ورد أخراهن وشرط العمل بهذا الأصل أن يقيد المطلق بقيد واحد
لا بقيدين متضادين وإلا تساقطا لتعذر الجمع بينهما ما لم يترجح أحدهما باقتضاء
القياس حمل المطلق عليه وهنا لم يقتض القياس الحمل على أحد القيدين حتى يترجح فوجب
بقاء المطلق على إطلاقه فلم تترك الشافعية أصلهم لغير موجب خلافا لقاضي القضاة صدر
الدين الحنفي وأما أصحابنا المالكية فلم يعرجوا على هذا الحديث المطلق ولا على
قيديه بل اقتصروا على سبع من غير تراب قال الأصل وأنا متعجب من ذلك مع وروده في
الأحاديث الصحيحة ا ه وفي حاشية حجازي على المجموع عند قوله ولا تتريب ما نصه لأنه
لم يثبت في كل الروايات ومحل قبول زيادة العدل إن لم يكن غيره الذي لم يزد أوثق
ولاختلاف الطرق الدالة عليه ففي بعضها إحداهن وفي بعضها أولاهن وفي بعضها أخراهن ا
ه فتأمل قلت ومما ورد مطلقا ومقيدا بقيدين متضادين حديث الابتداء فقد ورد كل أمر
ذي بال لا يبدأ فيه بذكر الله تعالى فهو أبتر وورد ببسم الله إلخ وورد بالحمد لله
فلذا كان المطلوب في ابتداء ذوات البال مطلق الذكر فتنبه
____________________
(1/337)
الله
صلى الله عليه وسلم إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا إحداهن بالتراب وورد
أولاهن بالتراب فقوله إحداهن مطلق وقوله عليه السلام أولاهن مقيد بكونه أولا ولم
يحملوا المطلق على المقيد فيعينوا الأولى بل أبقوا الإطلاق على إطلاقه وكان يورد
هذا السؤال على الشافعية فيعسر عليهم الجواب عنه فسمعته يوما يورده فقلت له هذا لا
يلزمهم لأجل قاعدة أصولية مذكورة في هذا الباب وهي أنا إذا قلنا بحمل المطلق على
المقيد فورد المطلق مقيدا بقيدين متضادين فتعذر الجمع بينهما تساقطا فإن اقتضى
القياس الحمل على أحدهما ترجح وفي هذا الحديث ورد المطلق فيه مقيدا بقيدين متضادين
فورد أولاهن وورد أخراهن فتساقطا وبقي إحداهن على إطلاقه فلم يخالف الشافعية
أصولهم وأما أصحابنا المالكية فلم يعرجوا على هذا الحديث المطلق ولا على قيديه بل
اقتصروا على سبع من غير تراب وأنا متعجب من ذلك مع وروده في الأحاديث الصحيحة
المسألة الثانية ورد في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن
بيع ما لم يقبض وأخذ الشافعي بعموم هذا الحديث وورد أيضا نهيه عن بيع الطعام قبل
قبضه
هامش أنوار البروق
قال المسألة الأولى الحنفية لا يرون حمل المطلق على المقيد خلافا للشافعية إلى آخر
المسألة قلت ما قاله في هذه المسألة والتي بعدها صحيح والله أعلم
قال المسألة الثالثة قال مالك من ارتد حبط عمله بمجرد ردته إلى قوله فلا يحبط
العمل إلا بالوفاة على الكفر قلت ما قاله الشافعية هو الأصح والله أعلم
هامش إدرار الشروق
المسألة الثانية أخذ الشافعي بعموم الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله تعالى
عليه وسلم أنه نهى عن بيع ما لم يقبض وخصص أصحابنا المنع بالطعام خاصة وجوزوا بيع
غيره قبل قبضه أخذا بما ورد أيضا من نهيه صلى الله تعالى عليه وسلم عن بيع الطعام
قبل قبضه ولهم في الأخذ به مدركان أحدهما أنه من باب حمل الإطلاق في الأول على
التقييد في الثاني وثانيهما أن الأول عام والثاني خاص وإذا تعارض العام والخاص قدم
الخاص على العام والمدركان باطلان أما الأول فلأن حمل الإطلاق على التقييد إنما
يعتبر عند من يقول به في المطلق لا في العام ولفظ ما في الحديث من قوله عليه
الصلاة والسلام ما لم يقبض عام فلا يصح حمله على تقييد الثاني لما علمت وأما
الثاني فلأنه من باب تخصيص العموم بذكر بعضه وهو باطل كما تقرر في أصول الفقه فإنه
لا منافاة بين ذكر الشيء وذكر بعضه والطعام هو بعض ما تناوله عموم ما لم يقبض في
الحديث الأول فلا يصح تخصيصه به فبقيت المسألة مشكلة علينا ويظهر أن الصواب مع
الشافعي المسألة الثالثة تمسك مالك رحمه الله تعالى بالإطلاق في قوله تعالى لئن
أشركت ليحبطن عملك فقال من ارتد حبط عمله بمجرد ردته والشافعي رحمه الله تعالى
يحمل إطلاقه على التقييد في قوله تعالى في الآية الأخرى ومن يرتدد منكم عن دينه
فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة
____________________
(1/338)
فخصص
أصحابنا المنع بالطعام خاصة وجوزوا بيع غيره قبل قبضه واختلفت مداركهم في ذلك
فمنهم من يقول هو من باب حمل المطلق على المقيد فيحمل الإطلاق في الحديث الأول على
التقييد في الحديث الثاني ومنهم من يقول الأول عام والثاني خاص وإذا تعارض العام
والخاص قدم الخاص على العام والمدركان باطلان أما الأول فلأنه وقد تقدم أن المطلق
إنما يحمل على المقيد في الكلي دون الكلية وهذا الحديث الأول عام فهو كلية فلا يصح
فيه حمل المطلق على المقيد وأما المدرك الثاني فهو من باب تخصيص العموم بذكر بعضه
وهو باطل كما تقرر في أصول الفقه فإنه لا منافاة بين ذكر الشيء وذكر بعضه والطعام
هو بعض ما تناوله العموم الأول فلا يصح تخصيصه فيه فبقيت المسألة مشكلة علينا
ويظهر أن الصواب مع الشافعي
المسألة الثالثة قال مالك من ارتد حبط عمله بمجرد ردته وقال الشافعي لا يحبط عمله
إلا بالوفاة على الكفر لأن قوله تعالى لئن أشركت ليحبطن عملك وإن كان مطلقا وتمسك
به مالك على إطلاقه غير أنه قد ورد مقيدا في قوله تعالى في الآية الأخرى ومن
هامش أنوار البروق
قال والجواب أن الآية الثانية ليست مقيدة للآية الأولى إلى آخر المسألة قلت ليس
هذا الجواب عندي بصحيح وقوله إذا رتب مشروطان على شرطين أمكن التوزيع صحيح لكن
بشرط أن يصح استقلال كل واحد من المشروطين عن الآخر أما إذا لم يصح الاستقلال فلا
والمشروطان مما فيه الكلام من الضرب الثاني الذي لا يصح فيه استقلال أحد المشروطين
عن الآخر لأنهما سبب ومسبب والسبب لا يستغني عن مسببه وبالعكس فالأمر في جوابه ليس
كما زعم والله تعالى أعلم
وما قاله في المسألة الرابعة صحيح
هامش إدرار الشروق
وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون فقال لا يحبط عمله إلا بالوفاة على الكفر وما
قاله الشافعي هو الأصح وإن ادعى الأصل أن الآية الثانية ليست مقيدة للآية الأولى
وذلك لأنا وإن سلمنا أن الآية الثانية رتب فيها مشروطان هما الحبوط والخلود على
شرطين هما الردة والوفاة على الكفر وأنه إذا رتب مشروطان على شرطين أمكن التوزيع
إلا أنا لا نسلم إمكان التوزيع حينئذ مطلقا ولو لم يصح استقلال كل من المشروطين
بدون الآخر كما هنا لأنهما سبب ومسبب والسبب لا يستغني عن مسببه وبالعكس حتى يتأتى
التوزيع هنا بجعل الحبوط لمطلق الردة والخلود لأجل الوفاة على الكفر فيبقى المطلق
على إطلاقه ولا يتعين أن كل واحد من الشرطين شرط في الإحباط فلا تكون الآيتان من
باب حمل المطلق على المقيد بل إنما يمكن التوزيع حينئذ بشرط أن يصح استقلال كل
واحد من المشروطين عن الآخر فليس الأمر في دعواه كما زعم فافهم المسألة الرابعة قول
الشافعي رحمه الله تعالى لا يجوز التيمم بغير التراب تمسكا بأنه ورد قوله عليه
الصلاة والسلام جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وورد وترابها طهورا لا يصح سواء كان
مدركه أنه من باب حمل المطلق على المقيد أو أنه من باب تخصيص العموم بذكر بعضه أما
على الأول فلأن الأرض في
____________________
(1/339)
يرتدد
منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب
النار هم فيها خالدون فيجب حمل المطلق على المقيد فلا يحبط العمل إلا بالوفاة على
الكفر والجواب أن الآية الثانية ليست مقيدة للآية الأولى لأنها رتب فيها مشروطان
وهما الحبوط والخلود على شرطين وهما الردة والوفاة على الكفر وإذا رتب مشروطان على
شرطين أمكن التوزيع فيكون الحبوط المطلق الردة والخلود لأجل الوفاة على الكفر
فيبقى المطلق على إطلاقه ولم يتعين أن كل واحد من الشرطين شرط في الإحباط فليست
هاتان الآيتان من باب حمل المطلق على المقيد فتأمل ذلك فهو من أحسن المباحث سؤالا
وجوابا
المسألة الرابعة ورد قوله عليه السلام جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وورد وترابها
طهورا قال الشافعي رضي الله عنه هذا من باب المطلق والمقيد فيحمل الأول على الثاني
فلا يجوز التيمم بغير التراب وهذا لا يصح فإن الأول عام كلية لا يصح فيه حمل
المطلق على المقيد لما تقدم أن ذلك لا يصح إلا في الكلي دون الكلية وهو أيضا من
باب تخصيص العموم بذكر بعضه وهو أيضا باطل فأصاب الشافعي من الإشكال في هذه
المسألة ما أصاب أصحابنا في مسألة بيع الطعام قبل قبضه حرفا بحرف
الفرق الثاني والثلاثون بين قاعدة الإذن العام من قبل صاحب الشرع في التصرفات وبين
إذن المالك الآدمي في التصرفات في أن الأول لا يسقط الضمان والثاني يسقطه
هامش أنوار البروق
قال الفرق الثاني والثلاثون بين قاعدة الإذن العام من قبل صاحب الشرع في التصرفات
وبين إذن المالك الآدمي في التصرفات في أن الأول لا يسقط الضمان والثاني يسقطه إلى
قوله ويتضح الفرق بثلاث مسائل قلت ما قاله صحيح ظاهر وأما كلامه في المسائل فليس
بالواضح فإن المسألة الأولى والثانية من
هامش إدرار الشروق
الرواية الأولى عام كلية لا مطلق وقد تقدم أن حمل الإطلاق على التقييد إنما يصح في
المطلق لا في العام وأما على الثاني فقد مر أن تخصيص العموم بذكر بعضه باطل فأصاب
الشافعي من الإشكال في هذه المسألة ما أصاب أصحابنا في مسألة بيع الطعام قبل قبضه
حرفا بحرف والله سبحانه وتعالى أعلم
الفرق الثاني والثلاثون بين قاعدة الإذن العام من قبل صاحب الشرع في التصرفات وبين
إذن المالك الآدمي في التصرفات في إسقاط الثاني الضمان دون الأول وسر الفرق هو أن
الله تعالى تفضل على عباده فجعل أن كل واحد من حق الله تعالى وحق الآدميين
____________________
(1/340)
وسر
الفرق هو أن الله تعالى تفضل على عباده فجعل ما هو حق لهم بتسويغه وتملكه وتفضله
لا ينقل الملك فيه إلا برضاهم ولا يصح الإبراء منه إلا بإسقاطهم ولذلك لا يسقط
الضمان في إتلافه إلا بإذنهم في إتلافه أو بالإذن في مباشرته على سبيل الأمانة كما
أن ما هو حق لله تعالى صرف لا يتمكن العباد من إسقاطه والإبراء منه بل ذلك يرجع
إلى صاحب الشرع فكل واحد من الحقين موكل لمن هو منسوب له ثبوتا وإسقاطا ويتضح
الفرق بثلاث مسائل المسألة الأولى الوديعة إذا شالها المودع وحولها لمصلحة حفظها
فسقطت من يده فانكسرت لا ضمان عليه لأنه مأذون له في ذلك الفعل الذي به انكسرت ولو
سقط عليها شيء من يده فانكسرت ضمن لأن صاحب الوديعة لم يأذن له في حمل ذلك في يده
فالفعل الذي به انكسرت غير مأذون فيه فيضمن فإن قيل إن كان صاحب الوديعة لم يأذن
له غير أن الله تعالى أذن له أن يتصرف في بيته فقد وجد الإذن ممن هو أعظم من صاحب
الوديعة قيل الإذن العام الشرعي لا يسقط الضمان وإنما يسقط الإذن الخاص من قبل
صاحب الوديعة كما تقدم تقريره المسألة الثانية إذا استعار شيئا فسقط من يده فانكسر
وهلك في العمل المستعار له من غير عدوان ولا مجاوزة لما جرت به العادة في الانتفاع
بتلك العارية فلا ضمان عليه لأن الذي أعاره أذن له فيما حصل به الهلاك ولو سقط من
يده عليها شيء فأهلكها ضمن
هامش أنوار البروق
المسائل التي ذكر لبيانه فيما زعم لم يتوارد الإذنان فيهما على شيء واحد بل ورد
الإذن العام فيهما
هامش إدرار الشروق
موكول لمن هو منسوب له ثبوتا وإسقاطا فما هو حق لله تعالى صرف لا يتمكن العباد من
إسقاطه والإبراء منه بل ذلك يرجع إلى صاحب الشرع وما هو حق للآدميين بتسويغه
وتملكه وتفضله لا ينقل الملك فيه إلا برضاهم ولا يصح الإبراء منه إلا بإسقاطهم
ولذلك لا يسقط الضمان في إتلافه إلا بإذنهم في إتلافه أو بالإذن في مباشرته على
سبيل الأمانة وصل في توضيح هذا الفرق بمسألة فيها توارد الإذنين على شيء واحد وهي
أن المكلف إذا اضطر إلى طعام غيره فأكله في المخمصة جاز وهل يضمن له القيمة أو لا
قولان أما القول بوجوب الضمان وهو الأظهر والأشهر فلأن إذن المالك لم يوجد وإنما
وجد إذن صاحب الشرع وهو لا يوجب سقوط الضمان وإنما ينفي الإثم
والمؤاخذة بالعقاب ولأن القاعدة أن الملك إذا دار زواله بين المرتبة الدنيا
والمرتبة العليا حمل على الدنيا استصحابا بالملك بحسب الإمكان وانتقال الملك بعوض
هو أدنى رتب الانتقال وهو أقرب لموافقة الأصل من الانتقال بغير عوض وعلى هذا القول
فلا بد من الفرق المذكور وأما القول بعدم الضمان فلأن الدفع كان واجبا على المالك
والواجب لا يؤخذ له عوض وعليه فلا فرق بين القاعدتين المذكورتين ومسألتا الوديعة
والعارية اللتان ذكرهما الأصل هنا لبيان هذا الفرق فيما زعم لما لم يتوارد الإذنان
فيهما على شيء واحد بل ورد الإذن العام فيهما على التصرف في غير الشيء المملوك
للآدمي وترتب الضمان إنما هو سبب الفعل المأذون فيه وكان من حق هذا الفرق أن يترتب
على
____________________
(1/341)
لعدم
وجود إذن صاحب العارية في هذا التصرف الخاص وإنما وجد الإذن العام وهو لا يسقط
الضمان كما تقدم تقريره المسألة الثالثة إذا اضطر إلى طعام غيره فأكله في المخمصة
جاز وهل يضمن له القيمة أو لا قولان أحدهما لا يضمن لأن الدفع كان واجبا على
المالك والواجب لا يؤخذ له عوض والقول الثاني وهو الأظهر والأشهر لأن إذن المالك
لم يوجد وإنما وجد إذن صاحب الشرع وهو لا يوجب سقوط الضمان وإنما ينفي الإثم
والمؤاخذة بالعقاب ولأن القاعدة أن الملك إذا دار زواله بين المرتبة الدنيا
والمرتبة العليا حمل على الدنيا استصحابا للملك بحسب الإمكان وانتقال الملك بعوض
هو أدنى رتب الانتقال وهو أقرب لموافقة الأصل من الانتقال بغير عوض
الفرق الثالث والثلاثون بين قاعدة تقدم الحكم على سببه دون شرطه أو شرطه دون سببه
وبين قاعدة تقدمه على السبب والشرط جميعا وتحريره أن الحكم إن كان له سبب بغير شرط
فتقدم عليه لا يعتبر أو كان له سببان
هامش أنوار البروق
على التصرف في غير الشيء المملوك للآدمي وترتب الضمان إنما هو على سبب الفعل
المأذون فيه وكان من حق هذا الفرق أن يترتب على توارد الإذنين على شيء واحد وأما
الثالثة فورد الإذن العام فيها على الشيء المملوك للآدمي فهذه المسألة هي التي
تصلح مثالا لمحل هذا الفرق ثم إنه لا فرق على قول من يسقط الضمان عن المضطر وأما
على قول من لا يسقط فلا بد من الفرق
قال شهاب الدين الفرق الثالث والثلاثون بين قاعدة تقدم الحكم على سببه دون شرطه أو
شرطه دون سببه وبين قاعدة تقدمه على السبب والشرط جميعا إلى قوله ويتضح ذلك بذكر
مسائل
هامش إدرار الشروق
توارد الإذنين على شيء واحد لم يكن لذكرهما في بيان هذا الفرق وجه وتوضيح ذلك أن
مسألة الوديعة لا يضمنها المودع إذا شالها وحولها لمصلحة حفظها فسقطت من يده
فانكسرت لأنه مأذون له في ذلك الفعل الذي به انكسرت ويضمنها إذا سقط عليها شيء من
يده فانكسرت لأن صاحب الوديعة لم يأذن له في الفعل الذي به انكسرت والإذن العام من
صاحب الشرع وإن وجد من حيث إنه أذن له في أن يتصرف في بيته لا يسقط الضمان كما
تقدم تقريره ومسألة العارية لا يضمنها المستعير إذا سقطت من يده فانكسرت أو هلكت
في العمل المستعارة له من غير عدوان ولا مجاوزة لما جرت به العادة في الانتفاع
بتلك العارية لأن المعير أذن له فيما حصل به الهلاك ويضمنها إذا سقط من يده عليها
شيء فأهلكها لعدم وجود إذن المعير في هذا التصرف الخاص
وإنما وجد الإذن العام وهو لا يسقط الضمان كما تقدم تقريره والله أعلم
الفرق الثالث والثلاثون بين قاعدة تقدم الحكم على سببه دون شرطه أو شرطه دون سببه
وبين قاعدة تقدمه على السبب والشرط جميعا
____________________
(1/342)
أو
أسباب فتقدم على جميعها لم يعتبر أو على بعضها دون بعض اعتبر بناء على سبب الخاص
ولا يضر فقدان بقية الأسباب فإن شأن السبب أن يستقل بثبوت مسببه دون غيره من
الأسباب مثال الأول الزوال سبب وجوب الظهر فإذا صليت قبل الزوال لم تعتبر ظهرا
ومثال الثاني الجلد له ثلاثة أسباب الزنى والقذف والشرب فمن جلد قبل ملابسة شيء من
هذه الثلاثة لم يعتبر ذلك حدا ولا زجرا فهذان قسمان ما أعلم فيهما خلافا
القسم الثالث أن يكون له سبب وشرط فله ثلاثة أحوال الحالة الأولى أن يتقدم على
سببه وشرطه فلا يعتبر إجماعا الحالة الثانية أن يتأخر إيقاعه عن سببه وشرطه فيعتبر
إجماعا الحالة الثالثة أن يتوسط بينهما فيختلف العلماء في كثير من صوره وعدم
اعتباره ويتضح ذلك بذكر ثمان مسائل المسألة الأولى كفارة اليمين لها سبب وشرط
فالسبب هو اليمين والشرط هو الحنث
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله هنا صحيح ظاهر
قال المسألة الأولى قلت ما قاله فيها صحيح
قال المسألة الثانية الأخذ بالشفعة له سبب وهو بيع الشريك وشرط وهو الأخذ إلى آخر
المسألة قلت ما قاله في هذه المسألة ليس بصحيح فإن الأخذ بالشفعة هو الحكم بعينه
أو متعلقه فكيف يكون شرطا في نفسه هذا مما لا يصح بوجه وإنما هذه المسألة من الضرب
الذي له سبب دون شرط ولذلك لم يقع خلاف فيما إذا أسقطها بعد البيع وقبل الأخذ
والله تعالى أعلم
وما قاله في هذه المسألة الثالثة والرابعة صحيح ظاهر
قال المسألة الخامسة القصاص له سبب وهو إنفاذ المقاتل وشرط وهو زهوق الروح إلى
آخرها قلت الأصح أن يقال إن السبب هو زهوق الروح وإنفاذ المقاتل سبب السبب فصح
العفو بينهما لتعذره بعدهما والله أعلم
قال المسألة السادسة إذن الورثة في التصرف في أكثر من الثلث إلى قوله وبعدهما
يتعذر الإذن
هامش إدرار الشروق
حيث إنهم لم يعتبروا تقدمه عليهما إجماعا واختلفوا في اعتباره إذا تقدم على أحدهما
فقط وعدم اعتباره وبيان ذلك أن للحكم باعتبار السبب والشروط ثلاثة أقسام القسم الأول
ما يكون له سبب بغير شرط فإذا تقدم عليه لا يعتبر إجماعا ويتضح بمسائل منها وجوب
الظهر سببه الزوال فإذا صليت قبله لم يعتبر ظهرا ومنها الشفعة سببها بيع الشريك
فإذا أسقطها قبل البيع لم يعتبر إسقاطها ومنها زكاة الحب سببها يبس الحب فإذا
أخرجها قبل نضج الحب وظهوره لا تجزئه القسم الثاني ما يكون له سببان أو أسباب وله
أربعة أحوال الحالة الأولى أن يتقدم على جميعها فلا
____________________
(1/343)
فإن
قدمت عليهما لم يعتبر ذلك إجماعا وإن أخرت عنهما أجزأت إجماعا وإن توسطت بين
اليمين والحنث فقولان بين العلماء في إجزائها وعدم إجزائها
المسألة الثانية الأخذ بالشفعة له سبب وهو بيع الشريك وشرط وهو الأخذ فتثبت الشفعة
حينئذ فإن أسقطها قبل البيع لم يعتبر إسقاطه لعدم اعتبارها حينئذ واعتبار الإسقاط
فرع اعتبار المسقط أو أسقطها بعد الأخذ سقطت إجماعا وإن أسقطها بعد البيع وقبل الأخذ
سقطت ولا أعلم في ذلك خلافا
المسألة الثالثة وجوب الزكاة له سبب وهو مالك النصاب وشرط وهو دوران الحول فإن
أخرج الزكاة قبل ملك النصاب لا تجزئ إجماعا وبعد ملك النصاب ودوران الحول أجزأت
إجماعا وبعد ملك النصاب وقبل دوران الحول فقولان في الإجزاء وعدمه المسألة الرابعة
إذا أخرج زكاة الحب قبل نضج الحب وظهوره لا تجزئه وإن أخرجها بعد يبسه أجزأت ولم
يختلفوا في هذه الصورة في الإجزاء أعني العلماء المشهورين في
هامش أنوار البروق
قلت إن أراد أن المرض المخوف سبب لصحة الإذن والموت شرط فليس ذلك بصحيح وإن أراد
أن المرض المخوف سبب السبب فصح ما بينهما لتعذره بعدهما كما في المسألة التي قبلها
فذلك صحيح والله تعالى أعلم قال بل التنفيذ خاصة قلت إن أراد بل الذي يصح بعد
الموت التنفيذ خاصة فذلك صحيح وإلا فلا أدري ما أراد قال لأن سبب ملكهم هو القرابة
الخاصة على ما هو في كتب الفرائض بشرط الموت
هامش إدرار الشروق
يعتبر كالجلد له ثلاثة أسباب الزنا والقذف والشرب فمن جلد قبل ملابسة شيء من هذه
الثلاثة لم يعتبر ذلك جلدا ولا زجرا بلا خلاف الحالة الثانية أن يتقدم على بعضها
دون بعض فيعتبر بناء على السبب الخاص ولا يعتبر فقدان بقية الأسباب كجلد من لابس
الزنا ولم يلابس القذف والشرب فإنه يعتبر جلدا وزجرا لأن شأن السبب أن يستقل بثبوت
مسببه دون غيره من الأسباب بلا خلاف الحالة الثالثة أن يكون أحد سببيه سببا له
والثاني سببا لسببه فيعتبر بينهما لا قبلهما إجماعا كالقصاص سببه زهوق الروح وسبب
سببه إنفاذ المقاتل فيعتبر بينهما فيصح عفو منفوذ المقاتل عنه قبل زهوق روحه
ويتعذر بعده لتحقق المانع من التصرف الذي هو عدم الحياة ولا يعتبر قبلهما الحالة
الرابعة أن يكون أحد سببيه سببا له والثاني سببا لشرط سببه فيعتبر بينهما لا
قبلهما كملك الورثة المترتب عليه إذنهم في التصرف في أكثر من الثلث سببه القرابة
الخاصة على ما هو في كتاب الفرائض بشرط الموت وسبب شرط سببه المرض المخوف فتقدمه
قبل التصرف كتقدم الشرط فيعتبر ملكهم بينهما لا قبلهما كإذنهم في التصرف في أكثر
من الثلث وبعدهما يتعذر الإذن القسم الثالث أن يكون له سبب وشرط وله ثلاثة أحوال
الحالة الأولى أن يتقدم على سببه وشرطه فلا يعتبر إجماعا الحالة الثانية أن يتأخر
إيقاعه عن سببه وشرطه فيعتبر إجماعا
____________________
(1/344)
إجزاء
المخرج بخلاف زكاة النقدين إذا أخرجت بعد ملك النصاب وقبل الحول لأن زكاة الحب ليس
لها سبب وشرط بل سبب واحد فلا تتخرج على هذه المسألة بل على مسألة الصلاة قبل
الزوال وبهذا أيضا يظهر بطلان قياس أصحابنا عدم إجزاء الزكاة إذا أخرجت قبل الحول
على الصلاة قبل الزوال في قولهم واجب أخرج قبل وقت وجوبه فلا يجزئ قياسا على
الصلاة قبل الزوال فهذا قياس باطل بسبب أن ما يساوي الصلاة قبل الزوال إلا إخراج
الزكاة قبل ملك النصاب وهم يساعدون على عدم الإجزاء قبل ملك النصاب
المسألة الخامسة القصاص له سبب وهو إنفاذ المقاتل وشرط وهو زهوق الروح فإن عفا عن
القصاص قبلهما لم يعتبر عفوه وبعدهما يتعذر لعدم الحياة المانعة من التصرف فلم يبق
إلا بينهما فينفذ إجماعا فيما علمت
المسألة السادسة إذن الورثة في التصرف في أكثر من الثلث إن وقع قبل حصول المرض
المخوف لم يعتبر إذنهم أو بعده اعتبر وبعده وبعد الموت يتعذر الإذن بل التنفيذ
هامش أنوار البروق
قلت ذلك صحيح قال والمرض المخوف وسبب الشرط ظاهر فصار تقدمه قبل التصرف كتقدم
السبب هكذا وقع هذا اللفظ في النسخة الواقعة بيدي ولعله المرض المخوف سبب الشرط
فصار تقدمه قبل التصرف كتقدم الشرط فإن كان كذلك فهو كلام صحيح والله تعالى أعلم
وباقي كلامه إلى آخر المسألة ظاهر
هامش إدرار الشروق
الحالة الثالثة أن يتوسط بينهما فيختلف العلماء في كثير من صوره في اعتباره وعدم
اعتباره ويوضح لك ذلك أربع مسائل المسألة الأولى كفارة اليمين لها سبب وشرط فالسبب
اليمين والشرط الحنث فلا تعتبر قبلهما إجماعا وتعتبر بعدهما إجماعا وفي إجزائها
بينهما وعدم إجزائها قولان وسيأتي في الجزء الثاني تحقيق ذلك فترقب المسألة
الثانية وجوب الزكاة له سبب وهو ملك النصاب وشرط وهو دوران الحول فيجزئ إخراج
الزكاة بعدهما إجماعا لا قبل ملك النصاب إجماعا في الإجزاء وعدمه بعد ملك النصاب
وقبل دوران الحول قولان المسألة الثالثة قال أصحابنا إذا أسقطت المرأة نفقتها عن
زوجها بعد سببها الذي هو النكاح وقبل شرطها الذي هو التمكين فلها المطالبة بها بعد
الإسقاط لأنه يشق على الطباع ترك النفقات فلم يعتبر صاحب الشرع الإسقاط لطفا
بالنساء لا سيما مع ضعف عقولهن ولا ينافي هذا قول مالك ليس لمن تزوجت من تعلم
بفقره طلب فراقه بعد ذلك وإن كان إسقاطا قبل العقد وقبل التمكين لأن المرأة في هذا
____________________
(1/345)
خاصة
لأن سبب ملكهم هو القرابة الخاصة على ما هو في كتب الفرائض بشرط الموت والمرض
المخوف سبب الشرط ظاهرا فصار تقدمه قبل التصرف كتقدم السبب وعلى هذه القاعدة تتخرج
هذه المسائل فبعضها يكون فيه خلاف وبعضها ليس فيه خلاف إما للضرورة كما تقدم أو
بالإجماع مع إمكان جريان الخلاف
المسألة السابعة إذا أسقطت المرأة نفقتها على زوجها قال أصحابنا لها المطالبة بها
بعد ذلك مع أنه إسقاط بعد السبب الذي هو النكاح وقبل الشرط الذي هو التمكين أو
يقال السبب هو التمكين خاصة وما وجد في المستقبل عند الإسقاط في الحال فقط أسقطت
النفقة قبل سببها فيكون كإسقاط الشفعة قبل بيع الشريك والأول عندي أظهر وإسقاط
اعتبار العصمة بالكلية لا يتجه فإن التمكين بدون العصمة موجود في الأجنبية ولا
يوجب نفقة والأحسن أن يقال هو من ذلك غير أنه يشق على الطباع ترك النفقات فلم
يعتبر صاحب الشرع الإسقاط لطفا بالنساء لا سيما مع ضعف عقولهن وعلى التعليلين يشكل
بما إذا تزوجته وهي تعلم بفقره قال مالك ليس لها طلب فراقه بعد ذلك مع أنه قبل
العقد وقبل التمكين والفرق أن المرأة إذا تزوجت من تعلم بفقره فقد سكنت نفسها
سكونا كليا فلا ضرر عليها في الصبر على ذلك كما إذا تزوجته مجبوبا أو عنينا فلا
مطالبة لها لفرط سكون النفس
المسألة الثامنة إذا أسقطت حقها من القسم في الوطء قال مالك لها الرجوع والمطالبة
لأن الطباع يشق عليها الصبر عن مثل ذلك بخلاف ما لو تزوجته مجبوبا أو عنينا أو
شيخا فانيا فإنها لا مقال لها لتوطين النفس على ذلك
هامش أنوار البروق
قال المسألة السابعة إذا أسقطت المرأة نفقتها على زوجها قال أصحابنا لها المطالبة
بها بعد ذلك إلى آخر المسألة قلت ما قاله فيها ظاهر وما اختاره هو المختار وما
اعتذر به عن المذهب ظاهر وما فرق به بين المسألة وبين ما إذا تزوجته عالمة بفقره
ظاهر أيضا
وكذلك ما ذكره في المسألة التي بعدها ظاهر أيضا والله أعلم
هامش إدرار الشروق
الفرع قد سكنت نفسها سكونا كليا فلا ضرر عليها في الصبر على ذلك كما إذا تزوجته
مجبوبا أو عنينا أو شيخا فانيا فلا مطالبة لها لفرط سكون النفس المسألة الرابعة
قال مالك للمرأة الرجوع والمطالبة في حقها من القسم في الوطء بعد إسقاطه لأن
الطباع يشق عليها الصبر عن مثل ذلك بخلاف ما لو تزوجته مجبوبا أو عنينا أو شيخا
فانيا فإنها لا مقال لها لتوطين النفس على ذلك قلت وبالجملة فسر الفرق هو أنه لا
وجه لاعتبار الحكم قبل تحقق سببه وشرطه وأما القولان باعتباره وعدم اعتباره بعد
أحدهما وقبل الآخر فلمراعاة المتقدم أو المتأخر والله أعلم
____________________
(1/346)
الفرق
الرابع والثلاثون بين قاعدة المعاني الفعلية وبين قاعدة المعاني الحكمية وتحريره
أن ما من معنى مأمور به في الشريعة ولا منهي عنه إلا وهو منقسم إلى فعلي وحكمي
ونعني بالفعلي وجوده في زمان وجوده وتحققه دون زمان عدمه ونعني بالحكمي حكم صاحب
الشرع على فاعله بعد عدمه بأنه من أهل ذلك الوصف وفي حكم الموصوف به دائما حتى
يلابس ضده ولذلك مثل أحدهما الإيمان إذا استحضره الإنسان في قلبه فهذا هو الإيمان
الفعلي فإذا غفل عنه بعد ذلك حكم صاحب الشرع عليه بأنه مؤمن وله أحكام المؤمنين في
الدنيا والآخرة
وثانيها الكفر إذا استحضره الإنسان في قلبه فهذا هو الكفر الفعلي فإذا غفل عنه بعد
ذلك حكم صاحب الشرع بأنه كافر وله أحكام الكفار في الدنيا والآخرة من إباحة الدم
واستحقاق العقوبات وغير ذلك ومن ذلك قوله تعالى إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم
فإن كل واحد لا يأتي يوم القيامة وهو كافر الكفر الفعلي لأن كل كافر عند المعاينة
يضطر للإيمان فلا يأتي يوم
هامش أنوار البروق
قال شهاب الدين الفرق الرابع والثلاثون بين قاعدة المعاني الفعلية وبين قاعدة
المعاني الحكمية إلى آخر الفرق قلت ما قاله فيه صحيح
غير أنه في المسائل الثانية والثالثة والرابعة لقائل أن يقول إن من نوى الصلاة فإن
نيته تتضمن إصلاحها إن احتاجت إليه لكني لا أذكره الآن من قول الفقهاء والصحيح ما
قاله في ذلك والله تعالى أعلم وما قاله في الفرق الخامس والثلاثين صحيح
هامش إدرار الشروق
الفرق الرابع والثلاثون بين قاعدة المعاني الفعلية وبين قاعدة المعاني الحكمية
اعلم أن المعنى الفعلي عبارة عن وجود ذلك الفعل وتحققه في زمان وجوده دون زمان
عدمه والمعنى الحكمي عبارة عن حكم صاحب الشرع على فاعل ذلك الفعل بعد عدمه بأنه من
أهل ذلك الفعل وفي حكم الموصوف به دائما حق يلابس ضده ومن أمثلة ذلك الإيمان إذا
استحضره الإنسان في قلبه فهو إيمان فعلي فإذا غفل عنه بعد ذلك وحكم صاحب الشرع
عليه بأنه مؤمن وله أحكام المؤمنين في الدنيا والآخرة فهو إيمان حكمي ومنها الكفر
إذا استحضره الإنسان في قلبه فهو الكفر الفعلي فإذا غفل عنه بعد ذلك وحكم صاحب
الشرع بأنه كافر وله أحكام الكفار في الدنيا والآخرة من إباحة الدم واستحقاق
العقوبات وغير ذلك فهو الكفر الحكمي ومنه قوله تعالى إنه من يأت ربه مجرما فإن له
جهنم فإن كل واحد لا يأتي يوم القيامة وهو كافر الكفر الفعلي لأن كل كافر عند
المعاينة يضطر للإيمان فلا يأتي يوم القيامة إلا وهو مؤمن بالفعل والإيمان الفعلي
ينافي الكفر الفعلي فهو غير كافر بالفعل غير أنه لا ينفعه ذلك الإيمان وإنما ينفعه
إذا وقع قبل المعاينة والاضطرار إليه ومنها الإخلاص
____________________
(1/347)
القيامة
إلا وهو مؤمن بالفعل والإيمان الفعلي ينافي الكفر الفعلي فهو غير كافر بالفعل مؤمن
بالفعل غير أنه لا ينفعه ذلك الإيمان وإنما ينفعه إذا وقع قبل المعاينة والاضطرار
إليه وثالثها الإخلاص يقع من العبد أول العبادة فهذا هو الإخلاص الفعلي فإذا غفل
عنه بعد ذلك حكم صاحب الشرع عليه بأنه من المخلصين في الدنيا والآخرة حتى يخطر له
الرياء وهو ضد الإخلاص فينتفي ذلك الحكم كما ينتفي الحكم بالإيمان بسبب ملابسة
الكفر والحكم بالكفر بسبب ملابسة الإيمان ورابعها النية في أول الصلاة والطهارة
والصوم ونحوه من العبادات تحصل في قلب العبد فهذه هي النية الفعلية فإذا غفل عنها
في أثناء الصلاة أو غيرها من العبادات حكم صاحب الشرع بأنه ناو وله أحكام الناوين
لتلك العبادات حتى يفرغ منها وكذلك جميع المعاني المنهي عنها والمأمور بها من
الكبر والعجب وحب السمعة والإذلال وقصد الفساد وإرادة العناد ونحوه من المنهيات
وحب المؤمنين وبغض الكافرين وتعظيم رب العالمين والأنبياء والمرسلين وقصد نفع
الإخوان
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
يقع من العبد في أول العبادة فيكون إخلاصا فعليا فإذا غفل عنه بعد ذلك وحكم صاحب
الشرع عليه بأنه من المخلصين في الدنيا والآخرة كان إخلاصا حكميا حتى يخطر له
الرياء وهو ضد الإخلاص فينفى ذلك الحكم كما ينتفي الحكم بالإيمان بسبب ملابسة
الكفر وينتفي الحكم بالكفر بسبب ملابسة الإيمان ومنها النية في أول الصلاة
والطهارة والصوم ونحو ذلك من العبادات إذا حصلت في قلب العبد فهي النية الفعلية
فإذا غفل عنها في أثناء الصلاة أو غيرها من العبادات وحكم صاحب الشرع بأنه ناو وله
أحكام الناوين لتلك العبادات حتى يفرغ منها وكذلك جميع المعاني المنهي عنها من
الكبر والعجب وحب السمعة والإذلال وقصد الفساد وإرادة العناد ونحوه من المنهيات
والمعاني المأمور بها من حب المؤمنين وبغض الكافرين وتعظيم رب العالمين والأنبياء
المرسلين وقصد نفع الإخوان وإرادة البعد عن حرمات الرحمن وغير ذلك من المأمورات
فكل من خطر بباله معنى من هذه المعاني ثم غفل عنها كان في حكم الشرع من أهل ذلك
المعنى حتى يلابس ضده وكل من المعنى الفعلي والمعنى الحكمي وإن اشتركا في أنهما
إنما يتناولان العبادات العاديات دون الطارئات والتلفيقات فإنها تحتاج إلى نية
جديدة أبدا لعدمها فيها كما سيتضح إلا أنهما يفترقان من جهتين الجهة الأولى أن
المعنى الحكمي يتحقق بعد عدم المعنى الفعلي وقبل ملابسة ضده والجهة الثانية أن
المعنى الحكمي تابع وفرع للمعنى الفعلي وصل في توضيح هذا الفرق بخمس مسائل المسألة
الأولى عدم الإيمان الفعلي عند الموت لا يضر ممن أخرس لسانه عند الموت وذهب عقله
فلم ينطق بالشهادة عند الموت ولا أحضر الإيمان بقلبه ومات على تلك الحالة مات
مؤمنا وعدم الكفر الفعلي عند الموت لا ينفع فمن حضرته الوفاة أخرس ذاهب العقل
عاجزا عن الكفر في تلك الحالة لعدم صلاحيته له لا ينفعه ذلك وحكمه عند الله حكم
الذين استحضروا الكفر في تلك الحالة بالفعل فالمعتبر ما تقدم من كفر وإيمان
____________________
(1/348)
وإرادة
البعد عن حرمات الرحمن وغير ذلك من المأمورات فكل من خطر بباله معنى من هذه
المعاني ثم غفل عنها كان في حكم الشرع من أهل ذلك المعنى حتى يلابس ضده فهذه قاعدة
في هذه الفروق مجمع عليها والحكميات أبدا في هذا الباب فرع الفعليات
وهاهنا خمس مسائل المسألة الأولى من خرس لسانه عند الموت وذهب عقله فلم ينطق
بالشهادة عند الموت ولا أحضر الإيمان بقلبه ومات على تلك الحالة مات مؤمنا ولا
يضره عدم الإيمان الفعلي عند الموت كما أن الكافر إذا حضرته الوفاة أخرس ذاهب
العقل عاجزا عن الكفر في تلك الحال لعدم صلاحيته له لا ينفعه ذلك وحكمه عند الله
حكم الذين استحضروا الكفر في تلك الحال بالفعل فالمعتبر ما تقدم من كفر وإيمان ولا
يضر العدم في المعنى عند الموت
المسألة الثانية إذا سها عن السجود في الأولى والركوع في الثانية لا ينضاف سجود
الثانية لركوع الأولى إلا أن يقصد به إضافته للأولى ولا تكفيه النية الفعلية
المقارنة لأول الصلاة بسبب أن النية الحكمية هي فرع الفعلية على حسب ما كانت عليه
والنية الفعلية الأولى إنما تناولت الفعل الشرعي لا بوصف كونه مرقعا بل على مجاري
العادة في
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
المسألة الثانية إذا سها عن السجود في الركعة الأولى وعن الركوع في الركعة الثانية
لا ينضاف سجود الثانية لركوع الأولى إلا أن يجدد قصد إضافته للأولى عند فعله
لأمرين الأول أن النية الفعلية المقارنة لأول الصلاة إنما تناولت الفعل الشرعي لا
بوصف كونه مرقعا بل بوصف كونه على مجاري العادة في الأكثر وإذا لم تتناول النية
الفعلية الصلاة المرقعة الخارجة عن نمط العادة لم تتناولها النية الحكمية التي هي
فرع الفعلية كذلك فبقيت المرقعة بغير نية فعلية ولا حكمية فاحتاجت إلى نية مجددة
للترقيع الثاني أن المرقعة المتروك ركوعها وسجودها حتى ينضاف إليها سجود من ركعة
أخرى غير مشروعة إجماعا وغير المشروعة قربة لا ينوى شرعا فليس فيها نية فعلية قطعا
وكذلك ليس فيها نية حكمية قطعا فإن الشرع إنما يحكم باستصحاب ما تقدم من النية
فإذا لم تتقدم نية شرعية لا يحكم الشرع باستصحابها قطعا فهذه المرقعة خالية من
النية قطعا فتحتاج إلى نية إجماعا لأنه لا بد للصلاة من النية إجماعا المسألة
الثالثة إذا نسي سجدة من الركعة الأولى ثم ذكر في آخر صلاته قام إلى ركعة خامسة
بشرط أن يجدد لها نية بأنها عوض عن الأولى لأنها جزء من أجزاء الصلاة وكل جزء من
أجزائها لا بد فيه من نية فعلية أو حكمية وهذه الركعة الخامسة ترقيع للركعة الأولى
لا ركعة عادية مرتبة فلا تتناولها النية الفعلية المتقدمة أول الصلاة وكذلك
الحكمية لأنها فرع الفعلية ومتى عري جزء من أجزاء الصلاة عن النية بطلت الصلاة ما
لم تستدرك بالنية عن قرب فافهم المسألة الرابعة السبب في قول مالك رضي الله عنه في
المدونة من بقيت رجلاه من وضوئه فخاض بهما نهرا فدلكهما فيه بيديه ولم ينو بهما تمام
وضوءه لم يجز حتى ينويه ا ه هو أن النية الفعلية الأولى لم
____________________
(1/349)
الأكثر
فهذه الصلاة المرقعة الخارجة عن نمط العادة لا تتناولها النية الحكمية لأنها فرع
الفعلية والفعلية لم تتناولها فكذلك الحكمية التي هي فرع الفعلية لا تتناول إلا
الصلاة المرتبة العادية لا الصلاة المرقعة فبقيت المرقعة بغير نية فعلية ولا حكمية
فاحتاجت إلى نية مجددة للترقيع ولأن المرقعة المتروك ركوعها وسجودها حتى ينضاف
إليها سجود من ركعة أخرى غير مشروعة إجماعا وغير المشروع قربة لا ينوى شرعا فليس
فيها نية فعلية قطعا وليس لها نية حكمية قطعا فإن الشرع إنما يحكم باستصحاب ما
تقدم من النية فإذا لم تتقدم نية شرعية لا يحكم الشرع باستصحابها قطعا فهذه
المرقعة خالية من النية قطعا فتحتاج إلى نية إجماعا لأنه لا بد للصلاة من النية
إجماعا فهذا تقرير ظاهر قطعي فيعتمد عليه أولى من الاعتماد على الأمور الضعيفة
التي يذكرها بعض الفقهاء
المسألة الثالثة إذا نسي سجدة من الأولى ثم ذكر في آخر صلاته فإنه يقوم إلى ركعة
خامسة يجعلها عوض الأولى ولا بد لهذه الركعة الخامسة من نية مجددة بأنها عوض عن
الأولى وإلا فلا تكون عوضا عن الأولى بالنية المتقدمة أول الصلاة لأنها لم تتناول
إلا الصلاة العادية أما المرقعات فلا وكذلك الحكمية التي هي فرعها فلا بد من نية
جديدة لأن كل جزء من أجزاء الصلاة لا بد فيه من نية فعلية أو حكمية فمتى عرا جزء
من أجزاء الصلاة عنها بطلت الصلاة ما لم تستدرك بالنية عن قرب
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
تتناول إلا الوضوء العادي فإن الإنسان أول العبادة أو الوضوء لا يقدم على ترقيع
صلاته ولا ترقيع وضوئه بل إنما يقصد العبادة التي لا ترقيع فيها فالمرقعة وكذا
المفرقة لم تتناولها النية الفعلية فكذلك الحكمية التي هي فرع الفعلية فبقي جزء
العبادة بغير نية مطلقا فتبطل العبادة لاشتراط النية في كل أجزائها فعلية أو حكمية
فلهذه القاعدة احتاج الترقيع أبدا إلى النية الفعلية تجدد له المسألة الخامسة في
عدم التأثير لرفض النية في أثناء العبادات نظرا لكون النية التي حصل بها الرفض وإن
كانت تضاد الفعلية الكائنة أول الصلاة ضرورة أن العزم على الفعل يضاد العزم على
تركه إلا أنها لم تقارنها وتأثيره نظرا لكون النية التي حصل بها الرفض وهي العزم
على ترك العبادة وإن لم تقارن النية الفعلية المضادة لها إلا أنها قارنت الحكمية
التي هي فرعها وما ضاد الأصل يضاد الفرع بطريق الأولى فافهم كذا في الأصل قال
الحطاب في شرحه على المختصر وهو صريح في أن الخلاف جار في كل من الوضوء والصلاة
والصوم والحج بل صرح بذلك في كتابه الأمنية في إدراك النية وأنه جار في الرفض قبل
كمال العبادة وبعد كمالها ونقله عن العبدي وهو مقتضى قول التوضيح على قول ابن
الحاجب وفي تأثير رفضها بعد الوضوء روايتان ا ه هذا الخلاف جار في الوضوء والصلاة
والصوم والحج وذكر القرافي عن العبدي أنه قال المشهور في الوضوء والحج عدم الرفض
عكس الصلاة والصوم ومقتضى كلامه أن الخلاف جار بعد الفراغ من الفعل فإنه قال رفض
النية من المشكلات لا سيما بعد كمال العبادة كما نقله العبدي فذكر الكلام السابق
ثم قال والقاعدة العقلية أن رفع الواقع محال ا ه والفرق على المشهور بين الصلاة
والصوم والحج
____________________
(1/350)
المسألة
الرابعة قال مالك رضي الله عنه في المدونة من بقيت رجلاه من وضوئه فخاض بهما نهرا
فدلكهما فيه بيديه ولم ينو بهما تمام وضوئه لم يجزه حتى ينويه قلت وسبب ذلك أن
النية الفعلية لم تتناول إلا الوضوء العادي فإن الإنسان أول العبادة أو الوضوء لا
يقدم على ترقيع الصلاة ولا ترقيع وضوئه بل إنما يقصد العبادة التي لا ترقيع فيها
فالمرقعة لم يتناولها لا النية الفعلية ولا الحكمية التي هي فرع الفعلية فلا
تتناول المرقعة ولا المفرقة فبقي جزء العبادة بغير نية مطلقا فتبطل العبادة لعدم
شرطها فلأجل هذه القاعدة احتاج الترقيع أبدا إلى النية الفعلية تجدد له فمتى وقع
بغير نية تجدد له بقي جزء العبادة بغير نية فتبطل العبادة لاشتراط النية في كل
أجزائها فعلية أو حكمية
المسألة الخامسة رفض النية في أثناء العبادات فيه قولان هل يؤثر أم لا فإن قلنا
بعدم التأثير فلا كلام وإن قلنا يؤثر فوجهه أن هذه النية التي حصل بها الرفض وهي
العزم على ترك العبادة لو قارنت النية الفعلية الكائنة أول العبادة لضاددتها
ونافتها فإن العزم على الفعل والعزم على تركه متضادان وما ضاد الفعلية ضاد الحكمية
التي هي فرعها بطريق الأولى
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
والوضوء أنه لما كان الوضوء معقول المعنى بدليل أن الحنفية لم توجب فيه النية
والحج محتو على أعمال مالية وبدنية لم يتأكد طلب النية فيهما فرفض النية فيهما رفض
لما هو غير متأكد
وذلك مناسب لعدم اعتبار الرفض ولأن الحج لما كان عبادة شاقة ويتمادى في فاسده ناسب
أن يقال بعدم تأثير الرفض دفعا للمشقة الحاصلة على تقدير رفضه ابن عبد السلام وكان
بعض من لقيته من الشيوخ ينكر إطلاق الخلاف في ذلك ويقول إن العبادة المشترط فيها
النية إما أن تنقضي حسا وحكما كالصلاة والصوم بعد خروج وقتهما أو لا تنقضي حسا
وحكما كما في حال التلبس بها أو تنقضي حسا دون الحكم كالوضوء بعد الفراغ منه فإنه
وإن انقضى حسا لكن حكمه وهو رفع الحدث باق فالأول لا خلاف في عدم تأثير الرفض فيه
والثاني لا خلاف في تأثيره فيه ومحل الخلاف هو الثالث وهو أحسن من جهة الفقه لو
ساعدت الأنقال ا ه وقد نص صاحب النكت في باب الصوم على خلافه فإنه نص على أنه لو
رفض الوضوء وهو لم يكمله أن رفضه لا يؤثر إذا أكمل وضوءه بالقرب قال وكذلك الحج
إذا رفض بعد الإحرام ثم قال فلا شيء عليه قال وأما إن كان في حيز الأفعال التي تجب
عليه نوى الرفض وفعلها بغير نية كالطواف ونحوه فهذا رفض يعد كالتارك لذلك ا ه منه
من موضعين قلت وهو مشكل فإن الإحرام سواء كان بحج أو عمرة أو بهما أو بإطلاق لا
يرتفض ورفضه في أثنائه ولم أر في ذلك خلافا بل قال سند في كتاب الحج مذهب الكافة
أنه لا يرفض وهو باق على حكم إحرامه وقال داود يرتفض إحرامه وهو فاسد لأن الحج لا
ينعدم بما يضاده حتى لو وطئ بقي على إحرامه وغاية رفض العبادة أن يضادها فيما لا
ينتفي مع ما يفسده لا ينتفي مع ما يضاده
ا ه
وقال القرافي في الذخيرة في كتاب الحج إذا رفض إحرامه لغير شيء فهو باق عند مالك
والأئمة خلافا لداود ولم يحك ابن الحاجب ولا ابن عرفة ولا غيرهما في ذلك خلافا
وإذا لم يؤثر الرفض وهو في أثنائه فأحرى بعد كماله وأما الصلاة والصوم فظاهر كلام
غير
____________________
(1/351)
فظهر
بهذه الفروع الفرق بين المعاني الفعلية والحكمية وأن الحكميات أبدا تابعة فروع
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
واحد أن الخلاف جار فيهما سواء وقع الرفض في أثنائهما أو بعد كمالهما قال ابن عرفة
في كتاب الصلاة وفي وجوب إعادتها لرفضها بعد تمامها نقلا عن اللخمي ا ه وحكى غيره
أنه إذا كان الرفض في أثناء الصلاة والصوم فالمعروف من المذهب البطلان وهو الذي
جزم به صاحب النكت ولم يحك غيره وأما إذا كان الرفض في أثناء الوضوء وكمله بالقرب
فالذي جزم به عبد الحق في نكته أن ذلك لا يضر وظاهر كلام المصنف في التوضيح أنه
اعتمده هنا أي في المختصر حيث قال في فصل فرائض الوضوء ورفضها مغتفر وهو ظاهر
إطلاقه وكلام صاحب الطراز وابن الجماعة يقتضي أنه يرتفض قال ابن ناجي وعليه الأكثر
وأما إذا كان الرفض بعد الفراغ من العبادة فنقل صاحب الجمع عن ابن راشد أنه قال إن
القول بعدم التأثير عندي أصح لأن الرفض يرجع إلى التقدير لأن الواقع يستحيل رفضه
والتقدير لا يصار إليه إلا بدليل والأصل عدمه ولأنه بنفس الفراغ من الفعل سقط
التكليف به ومن ادعى أن التكليف يرجع بعد سقوطه لأجل الرفض فعليه الدليل ا ه وفي
كلام صاحب الطراز في باب غسل الجنابة ما يقتضي أن العبادة كلها الوضوء والغسل
والصلاة والصوم والإحرام لا يرتفض شيء منها بعد كماله وقال ابن جماعة التونسي ورفض
الوضوء إن كان بعد تمامه لا يرتفض وكذلك الغسل والصلاة والصوم والحج
ا ه
وقال ابن ناجي في شرح المدونة في أواخر باب الغسل واختلف إذا رفض النية بعد الوضوء
على قولين لمالك والفتوى بأنه لا يضر لأن ما حصل استحال رفعه ا ه وكلام القرافي في
كتاب الأمنية أي وكذا في الفروق أن المشهور أن الرفض في الصلاة والصوم يؤثر ولو
بعد الكمال ولكنه استشكل ذلك بأنه يقتضي إبطال جميع الأعمال وبحث فيه وأطال وقال
في آخر كلامه إنه سؤال حسن لم أجد ما يقتضي اندفاعه فالأحسن الاعتراف بذلك وقول
ابن ناجي في ترجمة ما لا يجب منه الوضوء رفض الطهارة ينقضها في رواية أشهب عن مالك
لأنه روي عنه من تصنع لنوم فعليه الوضوء وإن لم ينم قال الشيخ أبو إسحاق هذا يدل
على أن رفض الوضوء يصح وابن القاسم يخالف في هذا ويقول هو كالحج لا يصح رفضه وجه
رواية أشهب أن هذه عبادة يبطلها الحدث فصح رفضها كالصلاة ووجه قول ابن القاسم أن
هذه طهارة فلم تبطل بالرفض كالطهارة الكبرى ا ه ظاهر في أن الغسل لا يرتفض بلا
خلاف ا ه كلام الحطاب بتصرف ومحصله مع زيادة بيان ما في رفض التيمم والاعتكاف قول
الأمير في المجموع وشرحه وارتفض وضوء وغسل في الأثناء على الراجح فقط ويغتفر بعد
الفراغ وعليه يحمل الأصل كصلاة وصوم في الأثناء اتفاقا
وقيل ورجح أيضا يرتفض هذان مطلقا ولو بعد الفراغ ولا يرتفض حج أو عمرة مطلقا لمظنة
المشقة ولا يقال يأتنف إحراما صحيحا ويترك ما رفضه لأن فاسدهما يجب إتمامه وقضاؤه
والتيمم وإن كان طهارة ضعيفة والاعتكاف وإن احتوى على الصوم كالوضوء على الظاهر
ويحتمل رفض الأول مطلقا وجريان الثاني على الصوم ا ه بزيادة من ضوء الشموع والسعي
والطواف كالصلاة فيما ذكر كما في حاشية شيخنا على منسك الوالد وبالجملة فالحقائق
عشرة وضوء وغسل وتيمم واعتكاف وصلاة وصوم وحج وعمرة وطواف وسعي ولا خلاف في رفض ما
عدا الحج والعمرة والوضوء والتيمم والاعتكاف في الأثناء ولا في عدم رفض الحج
والعمرة مطلقا ولا في عدم رفض الغسل بعد الفراغ وإنما الخلاف في رفض الوضوء
والتيمم والصلاة والصوم والاعتكاف والطواف والسعي بعد الفراغ وفي رفض الوضوء
والتيمم والاعتكاف في الأثناء قال أبو إسحاق
____________________
(1/352)
الفعليات
وأن الفعليات والحكميات إنما تتناول العبادات العاديات دون الطارئات وأن التلفيات
تحتاج إلى نية جديدة أبدا لعدمها فيها وهو المطلوب
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
الشاطبي في الموافقات أثناء المسألة التاسعة من الأسباب في القسم الثاني من قسمي
الأحكام ما توضيحه
والحق صحة الرفض في أثناء جميع العبادات لا بعد كمالها على شروطها لأن معناها في
الأثناء أنه كان قاصدا بالعبادة امتثال الأمر ثم أتمها على غير ذلك بل بنية أخرى
ليست بعبادته التي شرع فيها كالمتطهر ينوي رفع الحدث ثم ينسخ تلك النية بنيته
التبرد أو التنظف من الأوساخ البدنية ومعناه بعد كمالها على شروطها قصده أن لا
تكون عبادة ولا يترتب عليها حكمها من إجزاء أو استباحة أو غير ذلك وهو غير مؤثر
فيها بل هي على حكمها لو لم يكن ذلك القصد وخلاف الفقهاء في رفض الوضوء وكذا
التيمم بعد الكمال غير خارج عن هذا الأصل من جهة أن الطهارة هنا لها وجهان في
النظر فمن نظر إلى فعلها على ما ينبغي قال إن استباحة الصلاة بها لازم ومسبب عن
ذلك الفعل فلا يصح رفعه إلا بناقض طارئ ومن نظر إلى حكمهما أعني حكم استباحة
الصلاة مستصحبا إلى أن يصلي وذلك أمر مستقبل فيشترط فيه استصحاب النية الأولى
المقارنة للطهارة وهي منسوخة بنية الرفض المنافية لها فلا يصح استباحة الصلاة
الآتية بها لأن ذلك كالرفض المقارن للفعل وما قارن الفعل مؤثر فكذلك ما شابهه فلو
انتفت المشابهة بأن رفض نية الطهارة بعدما أدى بها الصلاة وتم حكمها لم يصح أن يقال
إنه يجب عليه استئناف الطهارة والصلاة فكذلك من صلى ثم رفض تلك الصلاة بعد السلام
منها وقد كان أتى بها على ما أمر به فإن قال من تكلم في الرفض في مثل هذا فالقاعدة
ظاهرة في خلاف ما قال
ا ه
قلت ولما لم يجر هذان الوجهان في الغسل لما سيأتي من أن لزوم الوضوء له إنما هو في
الابتداء فقط لأن اللزوم بينهما مشروط بعدم طرءان الناقض في أثناء الغسل جزم
الفقهاء بعدم رفضه بعد كماله بلا خلاف وكذلك الاعتكاف لما لم يجر فيه هذان الوجهان
كما لا يخفى قال الشيخ يوسف الصفتي الظاهر رفضه في الأثناء لا بعد الكمال وقد
استثنى الفقهاء من هذا الأصل الحج والعمرة فأجمعوا على عدم تأثير الرفض فيهما
مطلقا لما مر عن الأمير من مظنة المشقة مع وجوب إتمام فاسدهما وقضائه فافهم قال
عبق والرفض لغة الترك والمراد به هنا تقدير ما وجد من العبادة كالعدم وفي شرح
المجموع وضوء الشموع واستظهر شب جواز الرفض كالنقض ولعل أقله الكراهة فإن شأن
النقض الحاجة وفي المحشي حمل ولا تبطلوا أعمالكم على المقاصد وظاهره عموم المقاصد
التي هي السبعة في قول ابن عرفة فيما يجب من النوافل بالشروع صلاة وصوم ثم حج
وعمرة طواف عكوف وائتمان تحتما وفي غيرها كالطهر والوقف خيرن فمن شاء فليقطع ومن
شاء تمما قلت أو على ما يعم الوسائل مع رفع المقاصد بغير هذا كالرياء كما ذكره
المفسرون فجعلوه كقوله تعالى لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى ثم إن الرفض المضر
الإفساد المطلق أما إن أراد حدثا أثناء الوضوء فلم يفعل فالظاهر أنه كرفع نية
الصائم لأكل شيء معين فلم يجده ويأتي أنه لا يضر لأنه في الحقيقة عزم على إفساد لم
يحصل لا إفساد بالفعل ا ه كلام الأمير قلت
وهذا يخالف ما مر في كلام الحطاب من رواية أشهب عن مالك من تصنع لنوم فعليه الوضوء
وإن لم ينم نعم في شرح المواق على المختصر وضعف المازري واللخمي وغيرهما قول مالك
من تصنع لنوم فلم ينم توضأ قال اللخمي على هذا يجب الغسل على من أراد الوطء فكف
ابن عرفة يشبه إرادة الفطر أثناء الصوم الرفض أثناء الوضوء لا بعده ا ه بلفظه
والله أعلم
____________________
(1/353)
الفرق
الخامس والثلاثون بين قاعدة الأسباب الفعلية وقاعدة الأسباب القولية فالأسباب
الفعلية كالاحتطاب والاحتشاش والاصطياد والأسباب القولية كالبيع والهبة والصدقة
والقراض وما هو في الشرع من الأقوال سبب انتقال الملك وافترقت هاتان القاعدتان من
وجوه تظهر بذكر مسائلها ولنذكر من ذلك خمس مسائل المسألة الأولى الأسباب الفعلية
تصح من السفيه المحجور عليه دون القولية فلو صاد مالك الصيد أو احتش مالك الحشيش
أو احتطب مالك الحطب أو استقى ماء ملكه وترتب له الملك على هذه الأسباب بخلاف ما
لو اشترى أو قبل الهبة أو الصدقة أو قارض أو غير ذلك من الأسباب القولية لا يترتب
له عليها ملك بسبب أن الأسباب الفعلية غالبها خير محض من غير خسارة ولا غبن ولا
ضرر فلا أثر لسفهه فيها فجعلها الشرع معتبرة في حقه تحصيلا للمصالح بتلك الأسباب
فإنها لا تقع إلا نافعة مفيدة غالبا وأما القولية فإنها موضع المماكسة والمغابنة
ولا بد فيها من آخر ينازعه ويجاذبه إلى الغبن وضعف عقله في ذلك يخشى عليه منه ضياع
مصلحته عليه فلم يعتبرها الشرع منه لعدم تعين مصلحتها بخلاف الفعلية
المسألة الثانية لو وطئ المحجور عليه أمته صارت له بذلك أم ولد وهو سبب فعلي
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
الفرق الخامس والثلاثون بين قاعدة الأسباب الفعلية وقاعدة الأسباب القولية
والأسباب الفعلية كالاحتطاب والاحتشاش والاصطياد والأسباب القولية كالبيع والهبة
والصدقة والقراض وكل ما هو في الشرع من الأقوال سبب انتقال الملك وافترقت هاتان
القاعدتان من وجوه أحدها أن الفعلية تصح من السفيه المحجور عليه دون القولية
الثاني أن الفعلية لا تقع إلا نافعة مفيدة غالبا بخلاف القولية الثالث أن الفعلية
قد تكون لها داعية تدعو لها من جهة الطبع بخلاف القولية الرابع أن الفعلية لا
تستعقب مسبباتها والقولية تستعقبها الخامس أن الملك بالفعلية على أصل مالك رحمه
الله تعالى ضعيف يزول بمجرد زوال ذلك الفعل وفي القولية قوي لا يزول إلا بسبب ناقل
وليس الأمر كذلك على أصل الشافعي السادس أن قاعدة تقديم الأخص على الأعم إنما تأتى
في الفعلية دون القولية وصل في توضيح هذا الفرق بخمس مسائل المسألة الأولى من حيث
إن الأسباب الفعلية لا تقع إلا نافعة مفيدة غالبا جعلها الشرع معتبرة حتى في حق
المحجور عليه ولم يجعل لسفهه أثرا في تلك الأسباب تحصيلا لمصالحها وأما الأسباب
القولية فمن حيث إنها موضع المماسكة والمغالبة ولا بد فيها من آخر ينازعه ويجاذبه
إلى الغبن والمحجور لضعف
____________________
(1/354)
يقتضي
العتق ولو أعتق عبده لم ينفذ عتقه مع علو منزلة العتق عند صاحب الشرع لا سيما
المنجز والفرق بين هذا السبب الفعلي وهذا السبب القولي أن نفسه تدعوه إلى وطء أمته
فلو منعناه منها لأدى ذلك إلى وقوعه في الزنى ويطؤها وهي محرمة عليه فيقع في عذاب
الله تعالى ولا داعية تدعوه لعتق عبده أو أمته من جهة الطبع فإذا قلنا له ليس لك
ذلك لا يلزم من ذلك محذور وإذا جوزنا له الوطء وجب أن يقضى باستحقاق الأمة العتق
عند موت سيدها لأن الوطء سبب تام للعتق عند موت السيد وقد أبحنا له الإقدام عليه
والسبب التام إذا أذن فيه من قبل صاحب الشرع وجب أن يترتب عليه مسببه لأن وجود
السبب المأذون فيه دون المسبب خلاف القواعد والسبب القولي لم يأذن فيه صاحب الشرع
فكان كالمعدوم لأن المعدوم شرعا كالمعدوم حسا والسبب المعدوم لا يترتب عليه أثره
المسألة الثالثة اختلف العلماء هل الأسباب الفعلية أقوى أو القولية أقوى فقيل
الفعلية أقوى لنفوذها من المحجور عليه ومن غيره وقيل القولية أقوى بدليل أن العتق
بالقول يستعقب العتق والعتق بالوطء لا يستعقب العتق والسبب الذي يستعقب مسببه أقوى
مما لا يستعقبه
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
عقله في ذلك يخشى عليه من ذلك ضياع مصلحة عليه لم يعتبرها الشرع منه لعدم تعين
مصلحتها فيملك المحجور عليه جميع ما يصطاده أو يحتشه أو يحتطبه أو يستقيه لترتب
الملك له على هذه الأسباب الفعلية بخلاف ما لو اشترى أو قبل الهبة أو الصدقة أو
قارض أو غير ذلك من الأسباب القولية فإنه لا يترتب له عليه ملك المسألة الثانية
الفرق بين وطء المحجور عليه أمته وهو سبب فعلي يقتضي العتق ويصيرها أم ولد وبين
عتقه عبده وهو سبب قولي لا ينفذ عند صاحب الشرع لا سيما المنجز هو أن السبب الفعلي
الذي هو الوطء لما كانت نفس المحجور عليه تدعوه إلى وطء أمته فلو منعناه منها لأدى
ذلك إلى وقوعه في الزنا بأن يطأها وهي محرمة عليه فيقع في عذاب الله تعالى فيلزم
على المنع منه ذلك المحذور جوزه الشرع له وهو سبب تام للعتق عند موت السيد والسبب
التام إذا أذن فيه من قبل صاحب الشرع وجب أن يترتب عليه مسببه لأن وجود السبب
المأذون فيه دون المسبب خلاف القواعد فلذا وجب أن يقضى باستحقاق أمة المحجور عليه
العتق عند موت سيدها حيث وطئها وولدت له وأما السبب القولي الذي هو العتق فإنه لما
كان لا داعية تدعو المحجور عليه لعتق عبده أو أمته من جهة الطبع فلا يلزم على منعه
منه محذور لم يجوزه له الشرع والسبب إذا لم يأذن فيه صاحب الشرع يكون كالمعدوم
شرعا والمعدوم شرعا كالمعدوم حسا فلا يترتب عليه أثره المسألة الثالثة في كون
الفعلية أقوى لنفوذها من المحجور عليه ومن غيره أو القولية أقوى بدليل أن العتق
بالقول يستعقب العتق والعتق بالوطء لا يستعقب العتق والسبب الذي يستعقب مسببه أقوى
مما لا يستعقبه خلاف
____________________
(1/355)
المسألة
الرابعة نص أصحابنا على أن السفينة إذا وثبت فيها سمكة في حجر إنسان فهي له دون
صاحب السفينة لأن حوزه أخص بالسمكة من حوز صاحب السفينة لأن حوز السفينة يشمل هذا
الرجل وغيره وحوز هذا الرجل لا يتعداه فهو أخص بالسمكة من صاحب السفينة والأخص
مقدم على الأعم كما قلنا في المصلي لا يجد إلا نجسا وحريرا يصلي في الحرير ويقدم
النجس في الاجتناب لأنه أخص والأخص مقدم على الأعم والمحرم لا يجد ما يقوته إلا
ميتة أو صيدا يقدم الصيد في الاجتناب على الميتة لأن تحريم الصيد أخص بالإحرام من
الميتة وتحريم الميتة يشمل الحاج وغيره كما أن تحريم الحرير يشمل المصلي وغيره
فقاعدة تقديم الأخص على الأعم له نظائر في الشريعة
المسألة الخامسة الملك بالإحياء على أصل مالك أضعف من تحصيل الملك بالشراء لأنه
إذا زال الإحياء عنه بطل الملك ولا يبطل الملك في القولي إلا بسبب ناقل والإحياء
سبب فعلي فيكون هذا الفرع مما يدل على أن الأسباب الفعلية أضعف من القولية على
قاعدة مالك أما الشافعي فلا يزيل الملك بزوال الإحياء فلا مقال معه وكذلك يقول
مالك إذا توحش الصيد بعد حوزه أو الحمام بعد إيوائه أو النحل بعد ضمه بجبحه يزول
الملك في ذلك كله وكذلك السمكة إذا انفلتت في البحر فصادها غير صائدها الأول
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
المسألة الرابعة الملك بالإحياء على أصل مالك ضعيف يبطل بمجرد زوال الإحياء عنه
وكذلك يزول الملك بمجرد توحش الصيد بعد حوزه والحمام بعد إيوائه والنحل بعد ضمه
بجبحه وبمجرد انفلات السمكة في البحر فتكون لغير صائدها الأول إذا صادها والملك
بنحو الشراء قوي لا يبطل إلا بسبب ناقل أما الشافعي فلا يزيل الملك بزوال الإحياء
ونحوه فلا مقال معه المسألة الخامسة نص أصحابنا على أن السفينة إذا وثبت فيها سمكة
في حجر إنسان فهي له دون صاحب السفينة جريا على قاعدة تقديم الأخص على الأعم لأن
حوز هذا الإنسان أخص من حوز صاحب السفينة لأن حوز السفينة يشمل هذا الإنسان وغيره
وحوز هذا الإنسان لا يتعداه فهو أخص بالسمكة من صاحب السفينة والقاعدة أن الأخص
مقدم على الأعم ولهذا نظائر في الشريعة منها المصلي لا يجد إلا نجسا وحريرا يصلي
في الحرير فقط فيقدم النجس في الاجتناب لأن تحريمه أخص من تحريم الحرير إذ تحريم
الحرير يشمل المصلي وغيره وتحريم النجس خاص بالمصلي والأخص مقدم على الأعم ومنها
المحرم لا يجد ما يقوته إلا ميتة أو صيدا تباح له الميتة فقط فيقدم الصيد في
الاجتناب على الميتة لأن تحريم الصيد أخص بالإحرام من الميتة إذ تحريم الميتة يشمل
الحاج وغيره والله سبحانه وتعالى أعلم
____________________
(1/356)
الفرق
السادس والثلاثون بين قاعدة تصرفه صلى الله عليه وسلم بالقضاء وبين قاعدة تصرفه
بالفتوى وهي التبليغ وبين قاعدة تصرفه بالإمامة اعلم أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم هو الإمام الأعظم والقاضي الأحكم والمفتي الأعلم فهو صلى الله عليه وسلم إمام
الأئمة وقاضي القضاة وعالم العلماء فجميع المناصب الدينية فوضها الله تعالى إليه
في رسالته وهو أعظم من كل من تولى منصبا منها في ذلك المنصب إلى يوم القيامة فما
من منصب ديني إلا وهو متصف به في أعلى رتبة غير أن غالب تصرفه صلى الله عليه وسلم
بالتبليغ لأن وصف الرسالة غالب عليه ثم تقع تصرفاته صلى الله عليه وسلم منها ما
يكون بالتبليغ والفتوى إجماعا ومنها ما يجمع الناس على أنه بالقضاء ومنها ما يجمع
الناس على أنه بالإمامة ومنها ما يختلف العلماء فيه لتردده بين رتبتين فصاعدا
فمنهم من يغلب عليه رتبة ومنهم من يغلب عليه أخرى ثم تصرفاته صلى الله عليه وسلم
بهذه الأوصاف تختلف آثارها في الشريعة فكل ما قاله صلى الله عليه وسلم أو فعله على
سبيل التبليغ كان ذلك حكما عاما على الثقلين إلى يوم القيامة فإن كان مأمورا به
أقدم عليه كل أحد بنفسه وكذلك المباح وإن كان منهيا عنه اجتنبه كل أحد بنفسه وكل
ما
هامش أنوار البروق
قال الفرق السادس والثلاثون بين قاعدة تصرفه عليه الصلاة والسلام بالإمامة إلى
قوله ونحقق ذلك بأربع مسائل قلت لم يجود التعريف بهذه المسائل ولا أوضحها كل
الإيضاح والقول الذي يوضحها هو أن المتصرف في الحكم الشرعي إما أن يكون تصرفه فيه
بتعريفه وإما أن يكون بتنفيذه فإن كان تصرفه فيه
هامش إدرار الشروق
الفرق السادس والثلاثون بين قاعدة تصرفه صلى الله تعالى عليه وسلم بالقضاء وبين
قاعدة تصرفه بالفتوى وهي التبليغ وبين قاعدة تصرفه بالإمامة لما كان سيدنا محمد
صلى الله تعالى عليه وسلم خير المرسلين وإمام الأئمة وقاضي القضاة وعالم العلماء
وقد فوض الله تعالى إليه في رسالته جميع المناصب الدينية كان صلى الله تعالى عليه
وسلم أعظم من كل من تولى منصبا منها في ذلك المنصب إلى يوم القيامة فما من منصب
ديني إلا وهو متصف به في أعلى رتبة نعم غالب تصرفه صلى الله تعالى عليه وسلم
بالتبليغ لأن وصف الرسالة غالب عليه ثم إن تصرفاته صلى الله تعالى عليه وسلم منها
ما يجمع الناس على أنه بالتبليغ والفتوى ومنها ما يجمع الناس على أنه بالقضاء
ومنها ما يجمع الناس على أنه بالإمامة ومنها ما يختلف الناس فيه لتردده بين رتبتين
فأكثر فمنهم من يغلب عليه رتبة ومنهم من يغلب عليه أخرى وتحرير الفرق بين هذه
القواعد الثلاث وبينها وبين الرسالة هو أن المتصرف في الحكم الشرعي إما أن يكون
تصرفه فيه بتعريفه وإما أن يكون بتنفيذه فإن كان تصرفه فيه بتعرفه فذلك هو الرسول
إن كان هو المبلغ عن الله تعالى وتصرفه هو الرسالة وإلا فهو المفتي وتصرفه هو
الفتوى وإن كان تصرفه فيه بتنفيذه فإما أن يكون تنفيذه ذلك بفضل
____________________
(1/357)
تصرف
فيه عليه السلام بوصف الإمامة لا يجوز لأحد أن يقدم عليه إلا بإذن الإمام اقتداء
به عليه السلام ولأن سبب تصرفه فيه بوصف الإمامة دون التبليغ يقتضي ذلك وما تصرف
فيه صلى الله عليه وسلم بوصف القضاء لا يجوز لأحد أن يقدم عليه إلا بحكم حاكم
اقتداء به صلى الله عليه وسلم ولأن السبب الذي لأجله تصرف فيه صلى الله عليه وسلم
بوصف القضاء يقتضي ذلك وهذه هي الفروق بين هذه القواعد الثلاث ويتحقق ذلك بأربع
مسائل المسألة الأولى بعث الجيوش لقتال الكفار والخوارج ومن تعين قتاله وصرف أموال
بيت المال في جهاتها وجمعها من محالها وتولية القضاة والولاة العامة وقسمة الغنائم
وعقد العهود للكفار ذمة وصلحا هذا هو شأن الخليفة والإمام الأعظم فمتى فعل صلى
الله عليه وسلم شيئا من ذلك علمنا أنه تصرف فيه صلى الله عليه وسلم بطريق الإمامة
دون غيرها ومتى فصل صلى الله عليه وسلم بين اثنين في دعاوى الأموال أو أحكام
الأبدان ونحوها بالبينات أو الإيمان والنكولات ونحوها فنعلم أنه صلى الله عليه
وسلم إنما تصرف في ذلك بالقضاء دون الإمامة العامة وغيرها لأن هذا شأن القضاء
والقضاة وكل ما تصرف فيه صلى الله عليه وسلم في العبادات بقوله أو بفعله أو أجاب
به سؤال سائل عن
هامش أنوار البروق
بتعريفه فذلك هو الرسول إن كان هو المبلغ عن الله تعالى وتصرفه هو الرسالة وإلا
فهو المفتي وتصرفه هو الفتوى وإن كان تصرفه فيه بتنفيذه فإما أن يكون تنفيذه ذلك
بفصل وقضاء وإبرام وإمضاء وإما أن لا يكون كذلك فإن لم يكن كذلك فذلك هو الإمام
وتصرفه هو الإمامة وإن كان كذلك فذلك هو القاضي وتصرفه هو القضاء
هامش إدرار الشروق
قضاء وإبرام وإمضاء فذلك هو القاضي وتصرفه هو القضاء وإما أن لا يكون تنفيذه بفصل
قضاء وإبرام وإمضاء فذلك هو الإمام وتصرفه هو الإمامة فائدة الرسول يجب عليه أن
يطلب الجاهل ليعلمه بخلاف العالم فلا يجب عليه ذلك بل الواجب على الجاهل أن يطلب
العالم ليعلمه كما قال النووي لأن الأحكام يقررها الرسول على الناس فليبحثوا بعد
عمن يعلمهم نعم يجب على العالم الإجابة بعد الطلب وكل هذا ما لم يشاهد منكرا من
الجاهل فيجب حينئذ المبادرة للتعليم والتغيير حسب الإمكان أفاده الأمير علي عبد
السلام علي الجوهري وصل في زيادة توضيح هذا الفرق بأربع مسائل المسألة الأولى كل
ما تصرف فيه عليه الصلاة والسلام بوصف الإمامة الذي هو التنفيذ لا على وجه فصل
القضاء والإبرام والإمضاء كبعث الجيوش لقتال الكفار والخوارج ومن تعين قتاله وصرف
أموال بيت المال في جهاتها وجمعها من محالها وتولية القضاة والولاة العامة وقسمة
الغنائم وعقد العهود للكفار ذمة وصلحا لا يجوز لأحد أن يقدم عليه إلا بإذن الإمام
اقتداء به عليه الصلاة والسلام ولأن سبب تصرفه فيه بوصف الإمامة دون وصف التبليغ
الذي هو التعريف يقتضي ذلك وكل ما تصرف فيه عليه الصلاة والسلام بوصف القضاء الذي
هو التنفيذ على وجه القضاء والإبرام والإمضاء كفصله صلى الله تعالى عليه وسلم بين
اثنين في دعاوى الأموال وأحكام الأبدان ونحوها بالبينات أو الأيمان والنكولات
ونحوها لا يجوز لأحد أن
____________________
(1/358)
أمر
ديني فأجابه فيه فهذا تصرف بالفتوى والتبليغ فهذا المواطن لا خفاء فيها وأما مواضع
الخفاء والتردد ففي بقية المسائل
المسألة الثانية قوله صلى الله عليه وسلم من أحيا أرضا ميتة فهي له اختلف العلماء
رضي الله عنهم في هذا القول هل تصرف بالفتوى فيجوز لكل أحد أن يحيي إذن الإمام في
ذلك الإحياء أم لا وهو مذهب مالك والشافعي رضي الله عنهما أو هو تصرف منه عليه
السلام بالإمامة فلا يجوز لأحد أن يحيي إلا بإذن الإمام وهو مذهب أبي حنيفة رحمه
الله وأما تفرقة مالك بين ما قرب من العمارة فلا يحيا إلا بإذن الإمام وبين ما بعد
فيجوز بغير إذنه فليس من هذا الذي نحن فيه بل من قاعدة أخرى وهي أن ما قرب من
العمران يؤدي إلى التشاجر والفتن وإدخال الضرر فلا بد فيه من نظر الأئمة دفعا لذلك
المتوقع كما تقدم وما بعد من ذلك لا يتوقع فيه شيء من ذلك فيجوز ومذهب مالك
والشافعي في الإحياء أرجح لأن الغالب في تصرفه صلى الله عليه وسلم الفتيا والتبليغ
والقاعدة أن الدائر بين الغالب والنادر إضافته إلى الغالب أولى
المسألة الثالثة قوله صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان لما قالت
له صلى الله عليه وسلم إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني وولدي ما يكفيني فقال لها
عليه السلام خذي لك ولولدك ما يكفيك بالمعروف اختلف الفقهاء في هذه المسألة وهذا
التصرف منه عليه السلام هل هو بطريق الفتوى فيجوز لكل من ظفر بحقه أو بجنسه أن
يأخذه بغير علم خصمه به ومشهور
هامش أنوار البروق
قال المسألة الأولى قلت التقسيم الذي ذكرته قد أتى على ما ذكره فيها مع أن ما ذكره
يعطي ذلك المعنى لكن ما ذكرته من التقسيم أمس بالتحرير وأقرب إلى الإيضاح
هامش إدرار الشروق
يقدم عليه إلا بحكم حاكم اقتداء به صلى الله تعالى عليه وسلم ولأن السبب الذي
لأجله تصرف فيه صلى الله تعالى عليه وسلم بوصف القضاء يقتضي ذلك وكل ما قاله صلى
الله تعالى عليه وسلم أو فعله على سبيل التبليغ والفتوى الذي هو التعريف لا على وجه
كونه المبلغ عن الله تعالى كتصرفه صلى الله تعالى عليه وسلم في العبادات بقوله أو
بفعله أو أجاب به سؤال سائل عن أمر ديني فأجابه فيه يكون حكما عاما على الثقلين
إلى يوم القيامة
فإن كان مأمورا به أقدم عليه كل أحد بنفسه وكذلك المباح وإن كان منهيا عنه اجتنبه
كل أحد بنفسه وهذه المواطن لا خفاء فيها وأما مواضع الخفاء والتردد ففي بقية
المسائل المسألة الثانية اختلف العلماء رضي الله تعالى عنهم في كون قوله صلى الله
تعالى عليه وسلم من أحيا أرضا ميتة فهي له تصرفا بالفتوى فيجوز لكل أحد أن يحيي
إذن الإمام في ذلك الإحياء أم لا وهو مذهب مالك والشافعي رضي الله تعالى عنهما وهو
الراجح لأن الغالب في تصرفه صلى الله تعالى عليه وسلم الفتيا والتبليغ والقاعدة أن
إضافة الدائر بين الغالب والنادر إلى الغالب أولى أو كونه تصرفا منه عليه الصلاة
والسلام بالإمامة فلا يجوز لأحد أن يحيي إلا بإذن الإمام وهو مذهب أبي حنيفة رحمه
الله تعالى وليس ما نحن فيه تفرقة مالك بين ما قرب من العمارة فلا يحيا إلا بإذن
الإمام وبين ما بعد فيجوز بغير إذنه بل هو من قاعدة أخرى وهي أن ما
____________________
(1/359)
مذهب
مالك خلافه بل هو مذهب الشافعي أو هو تصرف بالقضاء فلا يجوز لأحد أن يأخذ جنس حقه
أو حقه إذا تعذر أخذه من الغريم إلا بقضاء قاض حكى الخطابي القولين عن العلماء في
هذا الحديث حجة من قال إنه بالقضاء أنها دعوى في مال على معين فلا يدخله إلا
القضاء لأن الفتاوى شأنها العموم وحجة القول بأنها فتوى ما روي أن أبا سفيان كان
بالمدينة والقضاء على الحاضرين من غير إعلام ولا سماع حجة لا يجوز فيتعين أنه فتوى
وهذا هو ظاهر الحديث
المسألة الرابعة قوله صلى الله عليه وسلم من قتل قتيلا فله سلبه اختلف العلماء في
هذا الحديث هل تصرف فيه صلى الله عليه وسلم بالإمامة فلا يستحق أحد سلب المقتول
إلا أن يقول الإمام ذلك وهو مذهب مالك فخالف أصله فيما قاله في الإحياء وهو أن
غالب تصرفه صلى الله عليه وسلم بالفتوى فينبغي أن يحمل على الفتيا عملا بالغالب
وسبب مخالفته لأصله أمور منها أن الغنيمة أصلها أن تكون للغانمين لقوله عز وجل
واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وإخراج السلب من ذلك خلاف هذا الظاهر
ومنها أن ذلك إنما أفسد الإخلاص عند
هامش أنوار البروق
قال المسألة الثانية إلى آخرها قلت ما قاله فيها ظاهر وما رجح به مذهب مالك
والشافعي راجح والله تعالى أعلم وما قاله بعد إلى آخر الفرق صحيح ظاهر والله أعلم
هامش إدرار الشروق
قرب من العمران يؤدي إلى التشاجر والفتن وإدخال الضرر فلا بد فيه من نظر الأئمة
دفعا لذلك المتوقع كما تقدم وما بعد من ذلك لا يتوقع فيه شيء من ذلك فيجوز المسألة
الثالثة اختلف العلماء في كون قوله صلى الله تعالى عليه وسلم لهند بنت عتبة امرأة
أبي سفيان لما قالت له صلى الله تعالى عليه وسلم إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني
وولدي ما يكفيني
ما نصه خذي لك ولولدك ما يكفيك بالمعروف تصرفا بطريق الفتوى فيجوز لكل من ظفر بحقه
أو بجنسه أن يأخذه بغير علم خصمه به
وهو مذهب الشافعي أو كونه تصرفا بالقضاء فلا يجوز لأحد أن يأخذ حقه أو جنسه إذا
تعذر أخذه من الغريم إلا بقضاء قاض وهو مشهور مذهب مالك وحجته أنها دعوى في مال
على معين فلا يدخله إلا القضاء لأن الفتاوى شأنها العموم وحجة الشافعي ما روي أن
أبا سفيان كان بالمدينة والقضاء على الحاضرين من غير إعلام ولا سماع حجة لا يجوز
فيتعين أنه فتوى وهذا هو ظاهر الحديث كذا قال الأصل وفي جعله عدم جواز أخذ أحد حقه
أو جنسه إذا تعذر أخذه من الغريم إلا بقضاء قاض هو مشهور مذهب مالك وإن وافق ظاهر
قول خليل في باب الوديعة وليس له الأخذ منها لمن ظلمه بمثلها ا ه مخالفة لقول خليل
في باب الشهادة بعد هذا وإن قدر على شيئه فله أخذه إن يكن غير عقوبة وأمن فتنة
ورذيلة ا ه قال المواق وحاصل كلام اللخمي وابن يونس وابن رشد والمازري ترجيح الأخذ
ا ه
وفي منح الجليل ما حاصله أن عبق والخرشي قررا أن مراد خليل بشيئه ما يشمل عينه أو
غير عينه ولو من غير جنسه على ظاهر المذهب قاله ابن عرفة ويدل له قول خليل أن يكون
غير عقوبة لأنها لا يمكن أخذ عينها فلو أراد خليل بشيئه عينه خاصة لم يحتج لقوله
إن يكن غير عقوبة لعدم شمول عين شيئه لها فيحمل شيؤه على حقه الشامل لعين شيئه
وعوضه فيحتاج إلى إخراج العقوبة وشمل كلامه الوديعة وهو المعتمد وما قدمه في بابها
من قوله وليس له الأخذ إلخ
____________________
(1/360)
المجاهدين
فيقاتلون لهذا السلب دون نصر كلمة الإسلام ومن ذلك أنه يؤدي إلى أن يقبل على قتل
من له سلب دون غيره فيقع التخاذل في الجيش وربما كان قليل السلب أشد نكاية على
المسلمين فلأجل هذه الأسباب ترك هذا الأصل وعلى هذا القانون وهذه الفروق يتخرج ما
يرد عليك من هذا الباب من تصرفاته صلى الله عليه وسلم فتأمل ذلك فهو من الأصول
الشرعية
هامش أنوار البروق
فارغه
هامش إدرار الشروق
ضعيف ا ه قال البناني وسلمه الرهوني وكون ما قرر به عبق هو الظاهر وما قاله طفى
وصوبه من حمل ما هنا على عين شيئه إذ هو المتفق عليه وأما غير عين شيئه ففيه أقوال
مشى فيه خليل منها فيما تقدم في الوديعة على المنع فغير ظاهر لأن أظهر الأقوال عند
ابن عرفة الإباحة ا ه ونقل كنون عن التوضيح باختصار أن الدعوى إنما يحتاج إليها من
لا يقدر على أخذ متاعه وإلا جاز له أخذه أي بشرطيه من غير رفع إلى الحاكم لأن
المقصود من الرفع إنما هو الوصول إلى الحق فإذا أمكن بدونه فالرفع إليه عناء وربما
لم يجد الرافع بينة فيؤدي إلى ضياع ماله وهو ضد ما أمر به من حفظه ا ه قال ونحوه
لابن عبد السلام ا ه ولله در الشيخ محمد العاقب بن ما يأبى رحمه الله تعالى حيث
قال إذا وجد المظلوم بالمطل قدرة على أخذ حق لازم لمطول فأخذ جميع الحق أو ما
ينوبه مع الغير ما عن محله من عدول بذا صرح الزرقاني قدس سره وسلمه البناني حبر
النقول ومن يدعه باسم الفضولي بعدما أبيح له ذا الأخذ فهو الفضولي المسألة الرابعة
اختلف العلماء في كون قوله صلى الله تعالى عليه وسلم من قتل قتيلا فله سلبه تصرفا
بالفتوى عملا بالغالب من تصرفه صلى الله تعالى عليه وسلم فيستحل كل أحد سلب
المقتول ولو لم يقل الإمام ذلك أو كونه تصرفا بالإمامة فلا يستحل أحد سلب المقتول
إلا أن يقول الإمام ذلك وإليه ذهب مالك رحمه الله تعالى وإن خالف أصله الذي قاله
في الإحياء وهو أن غالب تصرفه صلى الله تعالى عليه وسلم بالفتوى نظرا لأمور منها
أن الغنيمة أصلها أن تكون للغانمين لقوله عز وجل واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن
لله خمسه وإخراج السلب من ذلك خلاف هذا الظاهر ومنها أن ذلك ربما أفسد الإخلاص عند
المجاهدين فيقاتلون لهذا السلب دون نصر كلمة الإسلام ومنها أنه يؤدي إلى أن يقبل
على قتل من له سلب دون غيره فيقع التخاذل في الجيش وربما كان قليل السلب أشد نكاية
على المسلمين فلأجل هذه الأسباب ترك مالك رحمه الله تعالى هذا الأصل هنا فتأمل هذا
القانون وهذه الفروق لتخرج عليه ما يرد عليك من هذا الباب من تصرفاته صلى الله
تعالى عليه وسلم فهو من الأصول الشرعية والله أعلم
____________________
(1/361)
الفرق
السابع والثلاثون بين قاعدة تعليق المسببات على المشيئة وقاعدة تعليق سببية
الأسباب على المشيئة فالأول عندنا غير قادح ولا يؤثر إلا في اليمين بالله تعالى
دون الطلاق والعتاق وغيرهما وعند الشافعي رضي الله عنه هو مؤثر في الجميع وفرق بين
قوله أنت طالق إن دخلت الدار إن شاء الله ويعيد الاستثناء على الدخول فلا يلزم
الطلاق أو على الطلاق فيلزم وإذا قال إن كلمت زيدا فعلي الحج إلى بيت الله الحرام
إن شاء الله فلا يلزمه شيء إن أعاد الاستثناء على كلام زيد ويلزم إن أعاده على
الحج وبسط ذلك قد تقدم في
هامش أنوار البروق
قال الفرق السابع والثلاثون بين قاعدة تعليق المسببات على المشيئة وقاعدة تعليق
سببية الأسباب على المشيئة إلى آخر الفرق قلت أحال هنا على الفرق بين الشرط اللغوي
وغيره وقد تقدم الكلام معه في ذلك
هامش إدرار الشروق
الفرق السابع والثلاثون بين قاعدة تعليق المسببات على المشيئة وقاعدة تعليق سببية
الأسباب على المشيئة اعلم أن المسببات هي ما علق على مثل الدخول والكلام من الطلاق
والعتاق والنذر وغيرها في نحو قوله أنت طالق إن دخلت الدار إن شاء الله أو إن دخلت
الدار إن شاء الله فعبدي حر أو إن كلمت زيدا فعلي الحج إلى بيت الله الحرام إن شاء
الله وحصل الدخول والكلام والأسباب هي نحو الدخول والكلام المعلق عليه ما ذكر من
الطلاق وغيره وقد فرقوا في المذهب بين أن يعيد المشيئة في الأمثلة المذكورة للدخول
أو الكلام أي لجعله سببا للطلاق وغيره فلا يلزمه الطلاق والعتاق والنذر وغيرها بلا
خلاف لأن الدخول ونحوه من أسباب الأحكام التي وكلها الله لخيرة خلقه فحيث أعاد
المشيئة له ولم يجزم بجعله سببا للطلاق وغيره نفعه وبين أن يعيد المشيئة للطلاق أو
العتاق والنذر فيلزمه على المشهور وهو مذهب ابن القاسم بناء على أصله من اعتبار
الشك في العصمة والعتق والنذر ونحوها فيقع الطلاق ويلزم العتق والنذر لأن الطلاق
ونحوه من أسباب الأحكام التي لم يكلها الله تعالى لخيرة خلقه فلا يتأتى فيها عدم
الجزم بجعلها أسبابا لمسبباتها الشرعية فافهم وبيان الشك هنا أن متعلق المشيئة
الذي هو الطلاق أي حل العصمة والعتق والنذر أمر اعتباري لا وجود له في الخارج حتى
تعلم فيه مشيئة الله عز وجل بأنه أراد الطلاق والعتاق والنذر على التعيين أم لا
ولا طريق لنا إلى التوصل إلى ذلك فالمشيئة عندنا لا تؤثر إلا في اليمين بالله
تعالى دون الطلاق والعتاق وغيرهما وعند الشافعي رضي الله تعالى عنه عنه تؤثر
المشيئة في الجميع كذا قال الأصل وهو مبني على ما بسطه فيما تقدم في الفرق بين
الشرط اللغوي وغيره من الشروط من حمل قول ابن القاسم بأن المشيئة إذا عادت
للمسببات من طلاق وغيره لا تؤثر إلا في اليمين
____________________
(1/362)
الفرق
بين الشرط اللغوي وغيره من الشروط فيطالع من هنالك مبسوطا مستوفى محررا في غاية
البيان والجودة فلا حاجة إلى التطويل بإعادته
الفرق الثامن والثلاثون بين قاعدة النهي الخاص وبين قاعدة النهي العام هذان
النهيان على هذا التفسير ينقسمان ثلاثة أقسام القسم الأول أن يتضادا ويتنافيا
كقوله لا تقتلوا بني تميم لا تبقوا من رجالهم أحدا حيا فحكم هذا القسم أن يقدم
الخاص على العام ويبتنى العام عليه فيقتل رجالهم دون غيرهم على القاعدة في تقديم
الخاص على العام في النصوص المتعارضة وغيرها من الأدلة
هامش أنوار البروق
قال الفرق الثامن والثلاثون إلى آخر الفرق السادس والأربعين قلت ما قاله في هذه
الفروق كلها صحيح والله أعلم
هامش إدرار الشروق
بالله تعالى بناء على أصله من اعتبار الشك في العصمة كما علمت
وقول عبد الملك بأنها إذا عادت للمسببات من طلاق وغيره أثرت فيها كاليمين بالله
تعالى بناء على أصله من إلغاء الشك في العصمة والعتق والنذر وغيرها على الاختلاف
وحمل قولي ابن القاسم وعبد الملك بأنها إذا عادت لنحو الدخول والكلام لا تنفعه أو
تنفعه على الوفاق مطلقا ولو احتمل المثال رجوعه للمعلق عليه وادعاه مع البينة بأن
يوفق بينهما بما حاصله أنه لو جزم بجعل المعلق عليه سببا للطلاق ونحوه لم ينفعه الاستثناء
كما قال ابن القاسم ولو لم يجزم بجعله سببا نفعه كما قال عبد الملك إذ الفعل من
أسباب الأحكام التي وكلها الله تعالى لخيرة خلقه وهو خلاف التحقيق وقد تقدم بسط
الكلام على ذلك وبيان ما هو التحقيق في ذلك الفرق فلا حاجة إلى التطويل بإعادته
والله سبحانه وتعالى أعلم
الفرق الثامن والثلاثون بين قاعدة النهي الخاص وبين قاعدة النهي العام حيث اعتبر
وتقديم العام على الخاص وابتناء الخاص عليه في حالة واحدة وهي حالة عدم تنافيهما
ولا مناسبة لأحدهما يختص بها دون الآخر كقوله تعالى ولا تقتلوا النفس التي حرم
الله إلا بالحق لا تقتلوا الرجال وذلك لأنهما حينئذ من قاعدة ذكر بعض العام
والصحيح عند العلماء أنه لا يخصصه كان أمرا أو نهيا أو خبرا فإن جزء الشيء لا
ينافيه فلذا قالوا إن المثال لا يخصص القاعدة وقيل على شذوذ أنه يخصصه من طريق
المفهوم فإن ذكر الرجال يقتضي مفهومه قتل غيرهم واعتبروا تقديم الخاص على العام
وابتناء العام عليه في حالتين أحدهما تنافيهما في نحو قوله لا تقتلوا بني تميم لا
تبقوا من رجالهم أحدا حيا فحكموا بقتل رجالهم دون غيرهم على القاعدة في تقديم
الخاص على العام في النصوص المتعارضة وغيرها من الأدلة وثانيهما عدم تنافيهما
ولأحدهما مناسبة تخصه في متعلقه وذلك لأنهما حينئذ من قاعدة أن النهي الخاص
بالحالة المعينة أقوى مما هو عام لا يتعلق بخصوص تلك الحالة فيقدم في الاجتناب على
العام ويوضح ذلك ثلاث مسائل
____________________
(1/363)
364
المسألة الأولى إذا اضطر المحرم إلى أكل الميتة المحرم بقوله تعالى حرمت عليكم
الميتة أو الصيد المحرم بقوله تعالى لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم قال مالك يأكل
الميتة ويترك الصيد لأن كليهما وإن كان محرما إلا أن تحريم الصيد له مناسبة
بالإحرام ومفسدته التي اعتمدها النهي إنما هي في الإحرام وأما مفسدة أكل الميتة
فأمر عام لا تعلق له بخصوص الإحرام وهو كونها ميتة فلا يكون بين أكل الميتة وبين
خصوص الإحرام منافاة ولا تعلق والمنافي الأخص أولى بالاجتناب ألا ترى أن حذرك من
عدو لك في نفسك دون غيرك أشد من حذرك من العدو لقبيلتك أو ملتك فاجتنابك له أكثر
وأليق بك فإن تسلطه عليك أعظم لأن عدوك الخاص بك لو ترك الناس كلهم ما تركك وأما
عدو ملتك أو قبيلتك لا يلاحظ خصوصك في عداوته بل ربما مال إليك دون أهل ملتك أو
أهل قبيلتك لأمر يجده فيك دونهم وإن ألمك الذي تجده في نفسك من الغريم الذي لا
يطالب إلا أنت أشد من ألمك من الغريم المطالب لجماعة أنت منهم
____________________
(1/364)
المسألة
الثانية إذا لم يجد المصلي ما يستره إلا حريرا أو نجسا قال أصحابنا يصلي في الحرير
ويترك النجس لأن مفسدة النجاسة خاصة بالصلاة بخلاف مفسدة الحرير لا تعلق لها بخصوص
الصلاة ولا منافاة بينهما وإن كانت المفسدة والمنافاة حاصلة لكن لأمر عام يتعلق
بحقيقة الحرير لا بخصوص الصلاة فإن قلت إذا كانت مفسدة الشيء تثبت في جميع الأحوال
ومفسدة غيره لا تثبت إلا في حالة دل ذلك على أن اعتناء صاحب الشرع بما تعم مفسدته
جميع الأحوال أقوى وأن المفسدة أعظم والقاعدة إذا تعارضت المفسدة الدنيا والمفسدة
العليا فإنا ندفع العليا بالتزام الدنيا كما نقطع اليد المتآكلة لبقاء النفس لأن
مفسدتها أعظم وأشمل فكذلك هاهنا مفسدة الحرير أعظم وأشمل فكان اجتنابه أولى من
اجتناب النجس قلت نسلم أن المفسدة إذا كانت أعظم وأشمل تكون أولى بالاجتناب لكن ذلك
حيث تكون المفسدة لا تعلق لها بخصوص الحال بل هي في تلك الحقائق من حيث هي هي أما
إذا كان لها تعلق بخصوص الحال فنمنع تقديم الأعم والأشمل عليها
المسألة الثالثة وقع في المذهب مسألة مشكلة وهي أن من استأجر دابة إلى بلد معين
فتجاوز بها تلك البلدة متعديا فإن لربها تضمينه الدابة وإن ردها سالمة والغاصب إذا
تعدى بالغصب في الدابة وردها سالمة لا يكون لربها تضمينه إجماعا وغاية هذا المتعدي
أن يكون كالغاصب والغاصب إذا رد المغصوب لا يضمن فكذلك هذا المتعدي ورام بعض
الفقهاء تخريج هذه المسألة على هذه القاعدة بأن قال النهي عن الغصب نهي عام لا
يختص بحالة ولا بعين دون عين وهاهنا في هذا المتعدي وجد نهي خاص بطريق اللزوم
هامش إدرار الشروق
المسألة الثانية قال أصحابنا إذا لم يجد المصلي ما يستره إلا حريرا أو نجسا يصلي
في الحرير ويترك النجس لأن مفسدة النجاسة خاصة بالصلاة ومفسدة الحرير لا تعلق لها
بخصوص الصلاة ولا منافاة بينهما لأن المفسدة والمساقاة وإن كانت حاصلة إلا أنها
لأمر عام يتعلق بحقيقة الحرير لا بخصوص الصلاة وقاعدة دفع المفسدة العليا بالتزام
المفسدة الدنيا إذا تعارضتا كما تقطع اليد المتآكلة لبقاء النفس لأن مفسدتها أعظم
وأشمل وكلما كانت مفسدة الشيء تثبت في جميع الأحوال ومفسدة غيره لا تثبت إلا في
حالة كان اعتناء صاحب الشرع بما تعم مفسدته جميع الأحوال أقوى ومفسدته أعظم محلها
إذا لم تكن المفسدة الدنيا لها تعلق بخصوص الحال بأن تكون في تلك الحقائق من حيث
هي هي أما إذا كان لها تعلق بخصوص الحال كما هنا فيمتنع تقديم الأعم والأشمل عليها
فافهم المسألة الثالثة رام بعض الفقهاء دفع إشكال المسألة الواقعة في المذهب من أن
لرب الدابة أن يضمن الدابة من تجاوز بها البلد المعين التي استأجرها إليه متعديا
وإن ردها سالمة وليس له أن يضمنها الغاصب إذا تعدى بالغصب فيها وردها سالمة المصور
بأن غاية هذا التعدي أن يكون كالغاصب لا يضمن إذا ردها سالمة فخرج هذه المسألة على
القاعدة المتقدمة أعني قاعدة أن النهي الخاص بالحالة المعينة أقوى مما هو عام لا
____________________
(1/365)
لأنه
لما آجره إلى الغاية المعينة وحدد له الغاية فقد نهاه أن يجاوزها فالزائد على هذه
الغاية فيه نهي يخصه ويتعلق بخصوص هذه الدابة دون غيرها وبهذه الغاية دون غيرها
والقاعدة أن النهي الخاص بالحالة المعينة أقوى مما هو عام لا يتعلق بخصوص تلك
الحالة فهذا فرق بين الغاصب والمتعدي فلا يلزم من عدم تضمين الغاصب مع الرد أن لا
يضمن المتعدي مع الرد لقوة النهي في حقه ويرد عليه أسئلة أحدها أن القاعدة إنما هي
في التعارض ولم يقع هاهنا تعارض فلم يجتمع نهي الغصب ونهي التعدي وقدم أحدهما على
الآخر بل انفرد نهي المتعدي وحده في هذه الصورة وثانيها أن النهي الخاص هاهنا نهي
آدمي والنهي العام نهي الله تعالى فلا يرجح نهي الآدمي لخصوصه على نهي الله تعالى
مع عمومه بل لا اعتبار بنهي العبد أصلا وإنما تنبني الشرائع على نهي الله تعالى
وأمره
فإن قلت إذا نهي العبد عن الانتفاع بملكه في غاية معينة أو في حالة معينة فإن نهي
الله يصحبه في تلك الغاية وفي تلك الحالة فنحن في الحقيقة إنما رجحنا بين نهيين
لله تعالى أحدهما خاص والآخر عام قلت هذا كلام صحيح ولكن النهي الذي صحب نهي العبد
هاهنا هو نهي عام وهو نهي الغصب بعينه
هامش إدرار الشروق
يتعلق بخصوص تلك الحالة بأن قال النهي عن الغصب نهي عام لا يختص بحالة ولا بعين
دون عين ووجد في هذا المتعدي نهي خاص بطريق اللزوم لأنه لما آجره إلى الغاية
المعينة وحدد له الغاية فقد نهاه أن يجاوزها فالزائد على هذه الغاية فيه نهي يخصه
ويتعلق بخصوص هذه الدابة دون غيرها وبهذه الغاية دون غيرها فلا يلزم من عدم تضمين
الغاصب مع ردها سالمة أن لا يضمن المتعدي مع ذلك لقوة النهي في حقه بمقتضى القاعدة
المارة وفي هذا التخريج نظر من ثلاثة وجوه الوجه الأول أن القاعدة إنما هي في
التعارض ولم يقع هاهنا تعارض إذ لم يجتمع نهي الغصب ونهي التعدي حتى يقدم أحدهما
على الآخر بل انفرد نهي التعدي في هذه الصورة الوجه الثاني أن النهي الخاص هاهنا
نهي آدمي والنهي العام نهي الله تعالى فكيف يرجح نهي الآدمي لخصوصه على نهي الله
تعالى مع عمومه والشرائع إنما تنبني على نهي الله تعالى وأمره ونهي العبد عن
الانتفاع بملكه في غاية معينة أو في حالة معينة وإن صحبه نهي الله تعالى في تلك
الغاية وفي تلك الحالة كما هو المصرح به قوله عليه الصلاة والسلام لا يحل مال امرئ
مسلم إلا عن طيب نفسه فاستثنى حالة الطيب عن النهي العام وبقي ما عدا حالة طيب
النفس مندرجا تحت النهي العام إلا أن نهي الله تعالى بعد الغاية هو عين نهي الغصب
الذي هو النهي العام وهذه صورة من صورة فتخيل تعارض نهيين شرعيين باطل فافهم الوجه
الثالث إنا إذا قسنا ترك الضمان في هذه الصورة على ترك الضمان في صورة الغصب كان
القياس صحيحا سالما عن المعارض ولو قسنا في المسألتين الأوليين الحرير على النجس
أو الميتة على
____________________
(1/366)
فإن
الله تعالى حرم الانتفاع بالأملاك والأموال إلا برضا أربابها فأي حالة لم يوجد
فيها الرضا يكون ذلك النهي متحققا فيكون نهي الله تعالى بعد الغاية هو ذلك النهي
العام الذي استثني منه حالة الرضا دون غيرها وهذا هو عين نهي الغصب الذي هو النهي
العام وهذه صورة من صوره وهو المصرح به في قوله عليه السلام لا يحل مال امرئ مسلم
إلا عن طيب نفسه واستثنى حالة الطيب عن النهي العام وبقي ما عدا حالة طيب النفس
مندرجا تحت النهي العام وهو بعينه نهي الغصب فظهر أن التخيل الذي قاله من تعارض
نهيين شرعيين باطل وثالثها إذا قسنا ترك الضمان في هذه الصورة على ترك الضمان في
صورة الغصب كان القياس صحيحا سالما عن المعارض ولو قسنا هنالك الحرير على الجنس أو
الميتة على الصيد فترك الجميع أدى ذلك إلى هلاك المحرم بالجوع وبقاء المصلي عريانا
وهذه مفسدة تعارضنا في قياسنا وتمنع منه فكيف نسوي بين موضع لا معارض للقياس فيه
وبين موضع للقياس فيه معارض أقوى منه أو قادح فيه
الفرق التاسع والثلاثون بين قاعدة الزواجر وبين قاعدة الجوابر وهاتان قاعدتان
عظيمتان وتحريرهما أن الزواجر تعتمد المفاسد فقد يكون معهما العصيان في المكلفين وقد
لا يكون معها عصيان كالصبيان والمجانين فإنا نزجرهم ونؤدبهم لا لعصيانهم بل لدرء
مفاسدهم واستصلاحهم وكذلك البهائم ثم هي قد يكون مقدرة كالحدود وقد لا تكون
كالتعازير وأما
هامش إدرار الشروق
الصيد فترك الجميع أدى ذلك إلى هلاك المحرم بالجوع وبقاء المصلي عريانا وهذه مفسدة
تعارضنا في قياسنا وتمنع منه فكيف نسوي بين موضع لا معارض للقياس فيه وبين موضع
للقياس فيه معارض أقوى منه أو قادح فيه والله سبحانه وتعالى أعلم
الفرق التاسع والثلاثون بين قاعدة الزواجر وبين قاعدة الجوابر وتحرير هاتين
القاعدتين العظيمتين أن بينهما فرقا من وجوه الوجه الأول أن الزواجر مشروعة لدرء
المفاسد المتوقعة والجوابر مشروعة لاستدراك المصالح الفائتة الوجه الثاني أن معظم
الزواجر على العصاة زجرا لهم عن المعصية وزجرا لمن يقدم بعدهم على المعصية وقد
تكون مع عدم العصيان كما في الصبيان والمجانين فإنا نزجرهم ونؤدبهم لا لعصيانهم بل
لدرء مفاسدهم واستصلاحهم وكما في البهائم وكقتال البغاة درءا لتفريق الكلمة مع عدم
التأثيم لأنهم متأولون ومعظم الجوابر على من لا يكون آثما فقد شرع الجابر مع العمد
والجهل والعلم والنسيان والذكر وعلى المجانين والصبيان
____________________
(1/367)
الجوابر
فهي مشروعة لاستدراك المصالح الفائتة والزواجر مشروعة لدرء المفاسد المتوقعة ولا
يشترط في حق من يتوجه في حقه الجابر أن يكون آثما ولذلك شرع مع العمد والجهل
والعلم والنسيان والذكر وعلى المجانين والصبيان بخلاف الزواجر فإن معظمهما على
العصاة زجرا لهم عن المعصية وزجرا لمن يقدم بعدهم على المعصية وقد تكون مع عدم
العصيان كما نقدم تمثيله بالصبيان وكذلك قتال البغاة درءا لتفريق الكلمة مع عدم
التأثيم لأنهم متأولون وقد اختلف في بعض الكفارات هل هي زواجر لما فيها من مشاق
تحمل الأموال وغيرها أو هي جوابر لأنها عبادات لا تصح إلا بنيات وليس التقرب إلى
الله زجرا بخلاف الحدود والتعزيرات فإنها ليست قربات لأنها ليست فعلا للمزجورين بل
يفعلها الأئمة بهم ثم الجوابر تقع في العبادات والنفوس والأعضاء ومنافع الأعضاء
والجراح والأموال والمنافع فجوابر العبادات كالتيمم مع الوضوء وسجود السهو للسنن
وجهة السفر في الصلاة مع الكعبة وجهة العدو في الخوف مع الكعبة إذا ألجأت الضرورة
إلى ذلك
وصلاة الجماعة لمن صلى وحده لأنه يجبر ما فاته من فضيلة الجماعة بالإعادة في جماعة
أخرى وأخذ النقدين مع دون السن الواجب في الزكاة أو زيادة السن في ابن اللبون مع
وصف الأنوثة الفائت في
هامش إدرار الشروق
الوجه الثالث أن معظم الزواجر إما حدود مقدرة وإما تعزيرات غير مقدرة فهي ليست
فعلا للمزجورين بل يفعلها الأئمة بهم وإنما الجوابر فعل لمن خوطب بها وقد اختلف في
بعض الكفارات هل هي زواجر لما فيها من مشاق تحمل الأموال وغيرها أو هي جوابر لأنها
عبادات لا تصح إلا بنيات وليس التقرب إلى الله تعالى زاجرا بخلاف الحدود
والتعزيرات فإنها ليست قربات لأنها ليست فعلا للمزجورين كما علمت الوجه الرابع أن
الجوابر تقع في النفوس والأعضاء ومنافع الأعضاء والجراح والعبادات والأموال
والمنافع بخلاف الزواجر فإنها إنما تقع في الجنايات والمخالفات ففي بداية المجتهد
لابن رشد والجنايات التي لها حدود مشروعة خمس أحدها جنايات على الأبدان أو النفوس
والأعضاء وهو المسمى قتلا وجرحا وثانيها جنايات على الفروج وهو المسمى زنا وسفاحا
وثالثها جنايات على الأموال وهذه ما كان منها مأخوذا بحراب سمي حرابة إذا كان بغير
تأويل وإن كان بتأويل سمي بغيا وما كان منها مأخوذا على وجه المعافصة من حرز يسمى
سرقة وما كان منها مأخوذا بعلو مرتبة وقوة سلطان سمي غصبا ورابعها جناية على
الأعراض وهي المسمى قذفا وخامسها جنايات بالتعدي على استباحة ما حرمه الشرع من
المأكول والمشروب وهذه إنما يوجد فيها حد في هذه الشريعة في الخمر فقط وهو حد متفق
عليه بعد صاحب الشرع صلوات الله وسلامه
____________________
(1/368)
بنت
المخاض والإطعام لمن أخر قضاء رمضان عن سنته إلى بعد شعبان أو لم يصم لعجزه
والصيام والإطعام والنسك في حق من ارتكب محظورا من محظورات الحج أو الدم لترك
الميقات أو التلبية أو شيء من واجبات الحج ما عدا الأركان أو العمل في التمتع أو
القران وجبر الدم بصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة في غيره وجبر الصيد في الحرم أو
الإحرام بالمثل أو الإطعام أو الصيام أو الصيد المملوك بذلك لحق الله تعالى
وبقيمته لحق الآدمي المالك وهو متلف واحد جبر ببدلين وهو من نوادر المجبورات ولم
يشرع لشجر الحرم جابر خلافا للشافعي واعلم أن الصلاة لا تجبر إلا بعمل بدني ولا
تجبر الأموال إلا بالمال ويجبر الحج والعمرة والصيد بالبدني والمالي معا ومفترقين
والصوم بالبدني بالقضاء وبالمال في الإطعام وأما جوابر المال فالأصل أن يؤتي بعين
المال مع الإمكان فإن أتى به كامل الذات والصفات برئ من عهدته أو ناقص الأوصاف جبر
بالقيمة لأن الأوصاف ليست مثلية إلا أن تكون الأوصاف تخل بالمقصود من تلك العين
خللا كثيرا فإنه يضمن الجملة عندنا خلافا للشافعي كمن قطع ذنب بغلة القاضي ونحوه
فإنه يتعذر بعد ذلك ركوبها على ذوي الهيئات وكذلك ضمنه أصحابنا المغصوب إذا ذبح
الشاة أو طحن القمح
هامش إدرار الشروق
عليه ا ه ببعض تغيير للإصلاح فجوابر العبادات كالتيمم مع الوضوء وسجود السهو للسنن
وجهة السفر في الصلاة مع الكعبة وجهة العدو في الخوف مع الكعبة إذا ألجأت الضرورة
إلى ذلك وصلاة الجماعة لمن صلى وحده لأنه يجبر ما فاته من فضيلة الجماعة بالإعادة
في جماعة وأخذ النقدين مع دون السن الواجب في الزكاة أو زيادة السن في ابن اللبون
مع وصف الأنوثة الفائت في بنت المخاض والإطعام لمن أخر قضاء رمضان عن سنته إلى بعد
شعبان أو لم يصم لعجزه والصيام والإطعام والنسك في حق من ارتكب محظورا من محظورات
الحج والعمرة أو الدم لترك الميقات أو التلبية أو شيء من واجبات الحج ما عدا
الأركان أو العمل في التمتع أو القران وجبر الدم بصوم ثلاثة أيام في الحج أي بعد
الإحرام به وسبعة في غيره وجبر الصيد في الحرم أو الإحرام بالمثل أو الإطعام أو
الصيام أو الصيد المملوك بذلك لحق الله تعالى وبقيمته لحق الآدمي المالك فهذا متلف
واحد جبر ببدلين وهو من نوادر المجبورات ولم يشرع لشجر الحرم جابر خلافا للشافعي
وبالجملة فالصلاة لا تجبر إلا بعمل بدني
والحج والعمرة والصيد تجبر بالبدني والمالي معا ومفترقين والصوم بالبدني بالقضاء
وبالمال في الإطعام وأما جوابر المال فالأصل أن يؤتى بعين المال مع الإمكان فإن
أتى به كامل الذات والصفات برئ من عهدته أو ناقص الأوصاف جبر نقصها بالقيمة لأن
الأوصاف ليست مثلية إلا أن تكون الأوصاف تخل بالمقصود من تلك العين خللا كثيرا
فإنه يضمن الجملة عندنا خلافا للشافعي كمن قطع ذنب بغلة القاضي ونحوه فإنه يتعذر
بعد ذلك ركوبها على ذوي الهيئات وكذلك يضمن أصحابنا المغصوب للغاصب إذا ذبح الشاة
أو طحن القمح أو ضرب الفضة دراهم أو شق الخشبة ألواحا أو زرع الحنطة ونحو ذلك من
المفوتات فللغاصب منع المغصوب منه من
____________________
(1/369)
أو
ضرب الفضة دراهم أو شق الخشبة ألواحا أو زرع الحنطة ونحو ذلك وقال الشافعي بل له
أخذ عين ماله حيث وجده وعند أصحابنا للغاصب منعه مما وجد من ماله في هذه الصورة
والأول أنضر وأقرب للقواعد وأما إن جاء بها ناقصة القيمة في بعض المواطن لم يضمن
لأن الفائت رغبات الناس وهي غير متقومة في الشرع ولا قائمة بالعين
وتجبر الأموال المثلية بأمثالها لأن المثل أقرب إلى رد العين الذي هو الأصل من
القيمة وقد خولفت هذه القاعدة في صورتين في لبن المصراة لأجل اختلاط لبن البائع
بلبن المشتري وعدم تمييز المقدار وفيمن غصب ماء في المعاطش فإن جماعة من العلماء
يضمنونه القيمة في محل غصبه
وأما المنافع فالمحرم منها لا يجبر احتقارا لها كالمزمار ونحوه كما لم تجبر
النجاسات من الأعيان واستثني من ذلك مهر المزني بها كرها تغليبا لجانب المرأة
فإنها لم تأت محرما والظالم أحق أن يحمل عليه ولأنه كالغاصب لسكنى دار ولم يجبر
اللواط لأنه لم يقوم قط في الشرع فأشبه القبلة والعناق وغير المحرم منه ما يضمن
بالعقود الصحيحة والفاسدة والفوات تحت الأيدي المبطلة
ولا تضمن منافع الحر بحبسه لأن يده على منافعه فلا يتصور فواتها في يد غيره ومنافع
الأبضاع تضمن بالعقد الصحيح والفاسد والشبهة والإكراه ولا تجبر بالفوات تحت الأيدي
العادية والفرق أن قليل المنافع
هامش إدرار الشروق
أخذ ما وجده من ماله في هذه الصورة عند أصحابنا وقال الشافعي بل له أخذ عين ماله
حيث وجده والأول أنضر وأقرب للقواعد ففي بداية المجتهد لأبي الوليد محمد بن رشد ما
لفظه وأصول الشرع تقتضي أن لا يستحل مال الغاصب من أجل غصبه وسواء كان منفعة أو
عينا إلا أن يحتج محتج بقوله عليه الصلاة والسلام ليس لعرق ظالم حق لكن هذا مجمل
ومفهومه الأول أنه ليس له منفعة متولدة بين ماله وبين الشيء الذي غصبه أعني ماله
المتعلق بالمغصوب
ا ه
وأما إن جاء بها ناقصة القيمة في بعض المواطن فلا يضمن لأن الفائت رغبات الناس وهي
غير مقومة في الشرع ولا قائمة بالعين وتجبر الأموال المثلية بأمثالها لأن المثل
أقرب إلى رد العين الذي هو الأصل من القيمة وقد خولفت هذه القاعدة في صورتين في
لبن المصراة لأجل اختلاط لبن البائع بلبن المشتري وعدم تمييز المقدار وفيمن غصب
ماء في المعاطش فإن جماعة من العلماء يضمنونه القيمة في محل غصبه وبالجملة فلا
تجبر الأموال إلا بالمال وأما المنافع فإنها محرمة فلا تجبر احتقارا لها كالمزمار
ونحوه كما لا تجبر النجاسات من الأعيان نعم استثنوا من ذلك مهر المزني بها كرها
تغليبا لجانب المرأة فإنها لم تأت محرما والظالم أحق أن يحمل عليه ولأنه كالغاصب
لسكنى دار ولم يجبر اللواط لأنه لم يقوم قط في الشرع فأشبه القبلة والعناق وإما
غير محرمة فإن كانت منافع جسم الحر فلا تضمن لأن يده على منافعه فلا يتصور فواتها
في يد غيره وإن كانت منافع الأبضاع ضمنت بالعقد الصحيح والفاسد والشبهة والإكراه
ولا تجبر بالفوات تحت الأيدي العادية والفرق أن قليل المنافع يجبر بالقليل من
الجابر وكثيرها بكثيره وضمان البضع بمهر المثل وهو يستحق بمجرد الإيلاج فلو جبر
بالفوات لوجب ما لا يمكن ضبطه فضلا عن القدرة عليه فإن كل ساعة يفوت فيها من
الإيلاجات شيء كثير جدا وإيجاب مثل هذا بعيد من قواعد الشرع وإن كانت منافع غير ما
ذكر ضمنت بالعقود الصحيحة والفاسدة
____________________
(1/370)
يجبر
بالقليل من الجابر وكثيرها بكثيره وضمان البضع بمهر المثل وهو يستحق بمجرد الإيلاج
فلو جبر بالفوات لوجب ما لا يمكن ضبطه فضلا عن القدرة عليه فإن كل ساعة يفوت فيها
من الإيلاجات شيء كثير جدا وإيجاب مثل هذا بعيد من قواعد الشرع
وأما النفوس فإنها خارجة عن هذه القوانين لمصالح تذكر في الجنايات فروع ثلاثة في
الزواجر الأول الحنفي إذا شرب يسير النبيذ قال الشافعي أحده وأقبل شهادته أما حده
فلدرء المفسدة في التسبب لإفساد العقل وأما قبول شهادته فلأنه مقلد أو مجتهد
وكلاهما غير عاص لأن حكم الله تعالى عليهما ما أدى إليه الاجتهاد وقال مالك أحده
ولا أقبل شهادته أما حده فللمفسدة والمعصية معا بسبب أن إباحة اليسير من النبيذ
على خلاف القياس الجلي والقياس الجلي يقتضي تحريمه قياسا على الخمر بجامع الإسكار
وعلى خلاف النصوص الصريحة كقوله عليه السلام ما أسكر كثيره فقليله حرام وعلى خلاف
القواعد لأن القواعد تقتضي صيانة العقول ومنع التسبب لإفسادها والحكم الذي يكون
على خلاف أحد هذه الأمور إذا قضى به القاضي ينقض قضاؤه وما لا يقر مع قضاء القاضي
وتأكده بالقضاء ولا نقره شرعا مع التأكيد فأولى أن لا نقره شرعا مع عدم التأكيد
وما لا يقر شرعا ليس فيه تقليد ولا اجتهاد مقبول شرعا ومن أتى المفسدة بغير تقليد
هامش إدرار الشروق
والفوات تحت الأيدي المبطلة
قلت وأما النفوس والأعضاء ومنافع الأعضاء والجراح فما رتبه صاحب الشرع عليها من
ديات أو كفارات أو حكومة فجوابر وما رتبه صاحب الشرع عليها من قصاص أو ضرب أو سجن
أو تأديب فزواجر فمن هنا قال الأصل وأما النفوس فإنها خارجة عن هذه القوانين
لمصالح تذكر في الجنايات ففي تبصرة ابن فرحون ولا خلاف في أن قتل النفس حرام وقد
شرع فيه إذا وجد سببه وشرطه وانتفى مانعه القصاص للحكمة التي ذكرها الله تعالى في
كتابه العزيز ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب ا ه وصل في ثلاث مسائل تتعلق
بالزواجر المسألة الأولى قال مالك رحمه الله تعالى إذا شرب الحنفي يسير النبيذ
أحده ولا أقبل شهادته لأن إباحة اليسير من النبيذ على خلاف القياس الجلي على الخمر
لجامع الإسكار المقتضي تحريمه وعلى خلاف النصوص الصريحة كقوله عليه الصلاة والسلام
ما أسكر كثيره فقليله حرام وعلى خلاف القواعد المقتضية صيانة العقول ومنع التسبب لإفسادها
والحكم الذي يكون على خلاف هذه الأمور إذا قضى به القاضي ينقض قضاؤه ولا نقره شرعا
مع التأكيد لقضاء القاضي فأولى أن لا نقره شرعا مع عدم التأكيد وما لا يقر شرعا
ليس فيه تقليد ولا اجتهاد مقبول شرعا ومن أتى المفسدة بغير تقليد صحيح أو اجتهاد
معتبر فهو عاص فنحده للمعصية والمفسدة ولهذه العلة لا أقبل شهادته لفسقه حينئذ
بالمعصية
وقال الشافعي أحده وأقبل شهادته أما قبول شهادته فلأنه مقلد أو مجتهد وكلاهما غير
عاص لأن حكم الله تعالى عليهما ما أدى إليه الاجتهاد وأما حده فلدرء المفسدة في
التسبب لإفساد العقل إذ التأديب قد يكون مع
____________________
(1/371)
صحيح
أو اجتهاد معتبر فهو عاص فنحده للمعصية والمفسدة ولهذه العلة لا أقبل شهادته لفسقه
حينئذ بالمعصية وأما قول الشافعي إن التأديب قد يكون مع عدم المعصية بل لأجل
المفسدة كتأديب الصبيان والبهائم فلا يفيده في هذه المسألة لأنا نسلم له ذلك في
التأديب الذي ليس بمقدر وأما المقدر وهو الحدود فلا نسلم أنها قد تكون في غير
معصية الثاني النبات المعروف بالحشيشة التي يتعاطاها أهل الفسوق اتفق فقهاء أهل
العصر على المنع منها أعني كثيرها المغيب للعقل واختلفوا بعد ذلك هل الواجب فيها التعزير
أو الحد على أنها مسكرة أو مفسدة للعقل من غير سكر ونصوص المتحدثين على النبات
تقتضي أنها مسكرة فإنهم يصفونها بذلك في كتبهم
والذي يظهر لي أنها مفسدة على ما أقرره في الفرق بينهما بعد هذا إن شاء الله تعالى
فرع مرتب سئل بعض فقهاء العصر عمن صلى
هامش إدرار الشروق
عدم المعصية بل لأجل المفسدة كتأديب الصبيان والبهائم وفيه أنا لا نسلم أن كل
تأديب قد يكون مع عدم المعصية حتى تتم كلية الكبرى المشروطة في إنتاج الشكل الأول
بل التأديب إما مقدر وهو الحدود كما هنا فلا يكون في غير معصية وإما غير مقدر
فيكون في غير معصية ولا يفيد في هذه المسألة فافهم لطيفة في شرح المجموع وضوء
الشموع للعلامة الأمير اشتهر بين أهل الأدب وإن لم يخل شرعا عن قلة أدب
قول ابن الرومي كما في حلبة الكميت أحل العراقي النبيذ وشربه وقال حرامان المدامة
والسكر وقال الحجازي الشرابان واحد فحلت لنا من بين قوليهما الخمر أراد الخمر نبيذ
والنبيذ حلال فالصغرى من الاتحاد عندنا والكبرى من الحنفية وإنما فسد القياس
المشار إليه لأن شرطه كلية الكبرى والحنفية لا يقولون بالكلية بل يخصون البعض الذي
لم يسكر ا ه المسألة الثانية اتفق فقهاء أهل العصر على المنع من النبات المعروف
بالحشيشة التي يتعاطاها أهل الفسوق أعني كثيرها المغيب للعقل واختلفوا بعد ذلك في
كونها مفسدة للعقل من غير سكر فتكون طاهرة ويجب فيها التعزير أو مسكرة فتكون نجسة
ويجب فيها الحد قولان الأول للأصل قال والذي أعتقده أنها من المفسدات لا من
المسكرات فلا أوجب فيها الحد ولا أبطل بها الصلاة بل التعزير الزاجر عن ملابستها
لوجهين أحدهما أنا نجدها تثير الخلط الكامن في الجسد كيفما كان فصاحب الصفراء تحدث
له حدة وصاحب البلغم تحدث له سباتا وصمتا وصاحب السوداء تحدث له بكاء وجزعا وصاحب
الدم تحدث له سرورا بقدر حاله فتجد منهم من يشتد بكاؤه
ومنهم من يشتد صمته وأما الخمر والمسكرات فلا تكاد تجد أحدا ممن يشربها إلا وهو
نشوان مسرور بعيد عن البكاء والصمت وثانيهما أنا نجد شراب الخمر تكثر عربدتهم
ووثوب بعضهم على بعض بالسلاح ويهجمون على الأمور العظيمة التي لا يهجمون عليها
حالة الصحو حتى إن القتلى يوجدون كثيرا معهم ولا تجد أكلة الحشيشة إذا اجتمعوا
يجري منهم شيء من ذلك ولم يسمع عنهم من العوائد ما يسمع عن شراب الخمر بل هم همدة
سكوت مسبوتون لو أخذت قماشهم أو سببتهم لم تجد فيهم قوة البطش التي تجدها في شربة
الخمر
____________________
(1/372)
بالحشيشة
معه هل تبطل صلاته أم لا فأفتى أنه إن صلى بها قبل أن تحمص أو تصلق صحت صلاته أو
بعد ذلك بطلت صلاته وقال في تعليل الفرق بأنها إنما تغيب العقل بعد التحميص أو
الصلق أما قبل ذلك وهي ورق أخضر فلا بل هي كالعصير الذي للعنب وتحميصها كغليانه
وسألت عن هذا الفرق جماعة ممن يعانيها فاختلفوا على قولين فمنهم من سلم هذا الفرق
وقال لا تؤثر إلا بعد مباشرة النار ومنهم من قال بل تؤثر مطلقا وإنما تحمص لإصلاح
طعمها وتعديل كيفيتها خاصة فعلى القول بعدم هذا الفرق تبطل الصلاة مطلقا وعلى
القول بالفرق يكون الحق ما قاله المفتي إن صح أنها من المسكرات وإلا صحت الصلاة
بها مطلقا وهو الذي أعتقده أنها مفسدة والمفسدة لا تبطل الصلاة كالبنج والسيكران
وجوزة بابل الثالث قال إمام الحرمين القاعدة في التأديبات إنما تكون على قدر
الجنايات فكلما عظمت الجناية عظمت العقوبة فإذا فرض شخص من الجناة لا يؤثر فيه
التأديب اللائق بجنايته ردعا والذي يؤثر فيه كالقتل ونحوه لا يجوز أن يكون عقوبة
لتلك الجناية فإن هذا الجاني يسقط تأديبه مطلقا أما المناسب فيسقط لعدم الفائدة
فيه والإيلام مفسدة لا تشرع إلا لتحصيل مصلحة فحيث لا مصلحة لا تشرع وأما غير
المناسب فلعدم سببه المبيح فيسقط تأديبه مطلقا وهو متجه اتجاها قويا
هامش إدرار الشروق
بل هم أشبه شيء بالبهائم فلذا لا تجد القتلى معهم قط ا ه بتصرف ووافقه الأمير في
مجموعه قال ومنه أي المفسد الذي يغيب العقل فقط لا يفرح وهو المخدر الحشيشة وفاقا
للقرافي لغلبة الذلة والمسكنة على أهلها انتهى والثاني للمنوفي قال يبيعون لها
بيوتهم فدل على أن لهم بها طربا وفرحا كما في شرح المجموع للعلامة الأمير وفي
الأصل ونصوص المتحدثين على النباتي تقتضي أنها مسكرة فإنهم يصفونها بذلك في كتبهم
ا ه وفي حاشية ابن حمدون ومقتضى كلام الشيخ أبي الحسن في شرح المدونة أنها من
المفسدات كما اختاره القرافي وهو الصحيح خلاف ما للمنوفي قال ابن مرزوق لأن إتلاف
الأموال فيها إنما يدل على أنهم يجدون فيها لذة ما وأما تعيين كونها تحدث الطرب
المماثل لطرب الخمر فلا إذ الأعم لا إشعار له بأخص معين
ا ه
وعلى القول الثاني ففي كونها لا تسكر إلا بعد مباشرة النار أو كونها تسكر مطلقا
قولان الأول للمقري في قواعده قال وذلك أي كونها مسكرة ونجسة بعد غليها لا قبله
فظاهره ا ه وعليه ما في الأصل سئل بعض فقهاء العصر عمن صلى بالحشيشة معه هل تبطل
صلاته أم لا فأفتى أنه إن صلى بها قبل أن تحمص أو تسلق صحت صلاته أو بعد ذلك بطلت
صلاته معللا أنها إنما تغيب العقل بعد التحميص أو السلق أما قبل ذلك وهي ورق أخضر
فلا بل هي كالعصير الذي للعنب وتحميصها كغليانه ا ه والثاني لبعضهم قال وإنما تحمص
لإصلاح طعمها وتعديل كيفيتها خاصة انتهى وعليه فتبطل الصلاة مع حملها مطلقا كما
تصح الصلاة بها مطلقا على القول بأنها مفسدة للعقل من غير سكر كالبنج والسيكران
وجوزة بابل
____________________
(1/373)
@
374 الفرق الأربعون بين قاعدة المسكرات وقاعدة المرقدات وقاعدة المفسدات هذه
القواعد الثلاث قواعد تلتبس على كثير من الفقهاء والفرق بينها أن المتناول من هذه
إما أن تغيب معه الحواس أو لا فإن غابت معه الحواس كالبصر والسمع واللمس والشم
والذوق فهو المرقد وإن لم تغب معه الحواس فلا يخلو إما أن يحدث معه نشوة وسرور
وقوة نفس عند غالب المتناول له أو لا فإن حدث ذلك فهو المسكر وإلا فهو المفسد
فالمسكر هو المغيب للعقل مع نشوة وسرور كالخمر والمزر وهو المعمول من القمح والبتع
وهو المعمول من العسل والسكركة وهو المعمول من الذرة والمفسد هو المشوش للعقل مع
عدم السرور الغالب كالبنج والسيكران ويدلك على ضابط المسكر قول الشاعر ونشربها
فتتركنا ملوكا وأسدا ما ينهنهنا اللقاء فالمسكر يزيد في الشجاعة والمسرة وقوة
النفس والميل إلى البطش والانتقام من الأعداء والمنافسة في العطاء وأخلاق الكرماء
وهو معنى البيت المتقدم الذي وصف به الخمر وشاربها ولأجل اشتهار هذا المعنى في
المسكرات أنشد القاضي عبد الوهاب المالكي رحمه الله
هامش إدرار الشروق
المسألة الثالثة قال إمام الحرمين القاعدة أن التأديبات إنما تكون على قدر
الجنايات فكلما عظمت الجناية عظمت العقوبة فإذا فرض شخص من الجناة لا يؤثر فيه
التأديب اللائق بجنايته ردعا وإنما يؤثر فيه كالقتل لا يجوز أن يكون عقوبة لتلك الجناية
فإن هذا الجاني يسقط تأديبه مطلقا أما المناسب فيسقط لعدم الفائدة فيه والإيلام
مفسدة لا تشرع إلا لتحصيل مصلحة فحيث لا مصلحة لا تشرع وأما غير المناسب فلعدم سبب
المبيح فيسقط تأديبه مطلقا وهو متجه اتجاها قويا والله تعالى أعلم
الفرق الأربعون بين قاعدة المسكرات وقاعدة المرقدات وقاعدة المفسدات وذلك أن
المتناول لما يغيب العقل إما أن يغيب معه الحواس أو لا فإن غابت معه الحواس كالبصر
والسمع واللمس والشم والذوق فهو المرقد وإن لم تغب معه الحواس فإما أن تحدث معه
نشوة وسرور وقوة نفس عند غالب المتناول له فهو المسكر وإما أن لا يحدث معه ذلك فهو
المفسد فالمرقد ما يغيب العقل والحواس كالسكران بضم الكاف أوله مهمل أو معجم كما
في الحطاب والمفسد ما يغيب العقل دون الحواس لا مع نشوة وفرح كالأفيون وعسل
البلادر الذي يشرب للحفظ وما ألطف قول الرجراجي شرب البلادر عصبة كي يحفظوا ونسوا
الذي في ذكره من قال أوما رأوا أن البلا شطر اسمه والضر آخره بقلب الدال
____________________
(1/374)
زعم
المدامة شاربوها أنها تنفي الهموم وتصرف الغما صدقوا سرت بعقولهم فتوهموا أن
السرور لهم بها تما سلبتهم أديانهم وعقولهم أرأيت عادم ذين مغتما
هامش إدرار الشروق
ويسمى المفسد أيضا بالمخدر والمفتر ومنه الحشيشة على ما للأصل وهو الصحيح كما عرفت
والمسكر ما غيب العقل دون الحواس مع نشوة وفرح وزيادة في الشجاعة وقوة النفس
والميل إلى البطش والانتقام من الأعداء والمنافسة في العطاء وأخلاق الكرماء كما
يشير لذلك قول حسان ونشربها فتتركنا ملوكا وأسدا ما ينهنهنا اللقاء من نحو الخمر
وهو المعمول من الزبيب والعنب والمزر وهو المعمول من القمح والتبع وهو المعمول من
العسل والسكركة وهو المعمول من الذرة ولأجل اشتهار هذا في المسكرات وشاع بين
متناوليها أنها توجب السرور والأفراح حتى قال شاعرهم وليست الكيمياء في غيرها وجدت
وكل ما قيل في أبوابها كذب قيراط خمر على القنطار من حزن يعود في الحال أفراحا
وينقلب أنشد القاضي عبد الوهاب المالكي رحمه الله تعالى مجيبا لهم زعم المدامة
شاربوها أنها تنفي الهموم وتصرف الغما صدقوا سرت بعقولهم فتوهموا أن السرور لهم
بها تما سلبتهمو أديانهم وعقولهم أرأيت عادم ذين مغتما وقد أنشد هذه الأبيات أيضا
أبو الفضل الجوهري على المنبر بمصر وحكى ذلك عنه ابن العربي كما في حاشية ابن
حمدون وتنفرد المسكرات عن المرقدات والمفسدات بثلاثة أحكام الحد والنجاسة وتحريم
اليسير وما نقله الحطاب عن ابن فرحون من أن من اللبن نوعا يغطي العقل إذا صار
قارصا ويحدث نوعا من السكر فإن شرب لذلك حرم ويحرم منه القدر الذي يغطي العقل ا ه
فيه نظر بل يحرم تناول القليل والكثير منه حيث كان يحدث نوعا من السكر كما في
حاشية ابن حمدون ولا حد في المرقدات والمفسدات ولا نجاسة فمن صلى حامل البنج أو
الأفيون أو السيكران لم تبطل صلاته إجماعا ويجوز تناول اليسير منها وهو ما لا يصل
إلى التأثير في العقل أو الحواس ويحرم تناول الكثير الذي يصل إلى التأثير في العقل
أو الحواس فهذه الثلاثة الأحكام وقع بها الفرق بين المسكرات والآخرين وفي الحطاب
ما نصه فرع قال ابن فرحون والظاهر جواز ما يسقى من المرقد لقطع عضو ونحوه لأن ضرر
المرقد مأمون وضرر العضو غير مأمون نقله الأمير في شرح مجموعه قلت وفي هذا الجواز
ينفرد المرقد عن المفسد أيضا فافهم والله أعلم وصل في أربع مسائل تتعلق بهذا الفرق
المسألة الأولى اعلم أن النبات المعروف بالحشيشة لم يتكلم عليه الأئمة المجتهدون
ولا غيرهم من علماء السلف لأنه لم يكن في زمنهم وإنما ظهر في أواخر المائة السادسة
وانتشرت في دولة التتار قال العلقمي في شرح الجامع حكي أن رجلا من العجم قدم
القاهرة وطلب دليلا على تحريم الحشيشة وعقد لذلك مجلسا حضره علماء العصر فاستدل
الحافظ زين الدين العراقي بحديث أم سلمة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل
مسكر ومفتر فأعجب الحاضرين قال ونبه السيوطي على صحته واحتج به ابن حجر على حرمة
____________________
(1/375)
فلما
شاع أنها توجب السرور والأفراح أجابهم بهذه الأبيات
وبهذا الفرق يظهر لك أن الحشيشة مفسدة وليست مسكرة لوجهين أحدهما أنا نجدها تثير
الخلط الكامن في الجسد
هامش إدرار الشروق
المفتر ولو لم يكن شرابا ولا مسكرا ذكره في باب الخمر والعسل من شرح البخاري وكذا
احتج به القسطلاني في المواهب اللدنية على ذلك أيضا
وذكره السيوطي في جامعه ولولا صلاحيته للاحتجاج ما احتج به هؤلاء وهم رجال الحديث
وجهابذته وكون الحشيشة من المفتر مما أطبق عليه مستعملوها ممن يعتد بهم وبخبرهم
يعتد في مثل هذا الأمر والقاعدة عند المحدثين والأصوليين أنه إذا ورد النهي عن
شيئين مقترنين ثم نص على حكم النهي عن أحدهما من حرمة أو غيرها أعطي الآخر ذلك
الحكم بدليل اقترانهما في الذكر والنهي وفي الحديث المذكور ذكر المفتر مقرونا
بالمسكر وتقرر عندنا تحريم المسكر بالكتاب والسنة والإجماع فيجب أن يعطى المفتر
حكمه بقرينة النهي عنهما مقترنين وفسر غير واحد التفتير باسترخاء الأطراف وتخدرها
وصيرورتها إلى وهن وانكسار وذلك من مبادئ النشوة معروف عند أهلها أفاده ابن حمدون
المسألة الثانية أول ما ظهرت العشبة المعروفة بالتنباك والتتن والدخان ودخان طابه
وتابغا وطابغا وطابه بتنبكتو في أوائل القرن الحادي عشر كما في ابن حمدون أي في
السنة الخامسة بعد الألف كما نقله اللكنوي عن العلامة الزاهد محمد أو في سنة خمسة
عشر كما نقله اللكنوي عن الدر المختار شرح تنوير الأبصار في رسالته ترويح الجنان
ومقتضى قول بعضهم يا خليلي عن الدخان أجبني هل له في كتابنا إيماء قلت ما فرط
الكتاب بشيء ثم أرخت يوم تأتي السماء أنه في أواخر القرن العاشر وهو مفاد قول
الشيخ إبراهيم اللقاني في عمدة المريد شرح جوهرة التوحيد قد حدث في أوائل القرن
الحادي عشر وقبيله بمدة قليلة كما في ترويح الجنان بتشريح حكم شرب الدخان للكنوي
وفي حاشية ابن حمدون على مختصر ميارة على ابن عاشر أن استعمال القدر المؤثر في
العقل منها حرام اتفاقا كما في شرح الإرشاد وغيره وأما القدر الغير المؤثر فأطبق
المغاربة وأكثر المشارقة كالشيخ سالم السنهوري وتلميذه الشيخ إبراهيم اللقاني
وغيرهما على تحريمه وألف في تحريمها سيدي الشيخ محمد بن عبد الكريم الفكون تأليفا
في عدة كراريس مشتملا على أجوبة عدة من الأئمة سماه محدد السنان في نحور إخوان
الدخان وفي العمليات الفاسية وحرموا طابا للاستعمال وللتجارة على المنوال
واختلفوا هل علة التحريم أنها تحدث تفتيرا وخدرا فتشارك أولية الخمر في نشوته قال
الشيخ سيدي التاودي في أجوبته وكفى حديث أم سلمة المتقدم حجة ودليلا يعني على
تحريم دخان طابة انظره أو أنها تسكر في ابتداء تعاطيها إسكارا سريعا بغيبة تامة ثم
لا يزال في كل مرة ينقص شيئا فشيئا حتى يطول الأمر جدا فيصير لا يحس به لكنه يجد
نشوة وطربا أحسن عنده من السكر وعلى هذا فهي نجسة ويحرم منها القليل والكثير ويحد
شاربها وعلى الأول فلا حد ولا نجاسة نعم يحرم القليل كالكثير خشية الوقوع في
التأثير إذ الغالب وقوعه بأدنى شيء منها وحفظ العقول من الكليات الخمس المجمع
عليها عند أهل الملل أو أنها لا تفتير بها ولا إسكار إلا أنها سرف وضرر ونجاسة
لكونها تبل بالخمر وحينئذ يحرم
____________________
(1/376)
كيفما
كان فصاحب الصفراء تحدث له حدة وصاحب البلغم تحدث له سباتا وصمتا وصاحب السوداء
تحدث له بكاء وجزعا وصاحب الدم تحدث له سرورا بقدر حاله فتجد منهم من يشتد بكاؤه
ومنهم من يشتد صمته وأما الخمر والمسكرات فلا تكاد تجد أحدا
هامش إدرار الشروق
القليل منها والكثير وأفتى جمع من أئمة كل مذهب بالإباحة منهم الشيخ عبد الغني
النابلسي وحاصل كلامه أنها مما سكت عنه المولى في كتابه فهي مما عفا الله عنه
لحديث الترمذي وابن ماجه الحلال ما أحل الله في كتابه العزيز والحرام ما حرم الله
في كتابه الكريم وما سكت عنه من غير نسيان رحمة بكم فهو مما عفا الله عنه قال
المناوي في شرح قوله وما سكت عنه أي لم ينص على حله ولا حرمته نصا جليا ولا خفيا
فهو مما عفي عنه فيحل تناوله ما لم يرد النهي عنه
ا ه
وألف الشيخ علي الأجهوري تأليفا سماه غاية البيان لحل ما لا يغيب العقل من الدخان
حاصله أن الفتور الذي يحصل لمبتدئ شربه ليس من تغييب العقل في شيء وإن سلم أنه مما
يغيب العقل فليس من المسكر قطعا لأن المسكر مع نشوة وفرح كما تقرر وطابة ليس كذلك
وحينئذ فيجوز استعمالها لمن لا يغيب عقله كاستعمال الأفيون لمن لا يغيب عقله وهذا
يختلف باختلاف الأمزجة والقلة والكثرة فقد يغيب عقل شخص ولا يغيب عقل آخر وقد يغيب
من استعمال الكثير دون القليل ونظمه من الشكل الأول أن تقول شرب الدخان على الوجه
المذكور لا يغيب العقل مع نشوة وفرح وكل ما كان كذلك لا يحرم استعمال القدر الذي
لا يغيب العقل منه لذاته والصغرى من الوجدانيات أو المشاهدات ودليل الكبرى ما تقدم
من الفرق بين المسكر والمفسد ونجاستها لبلها بالخمر إن تحققت فحرمتها لعارض لا
لذاتها وإن لم تتحقق فالأصل الطهارة وهذا على فرض صحته إنما هو فيما يأتي من بلاد
النصارى ونحوها وأما ما يأتي من بلاد التكرور ونحوها فهو من محقق السلامة من هذا
على أن ابن رشد جازم بطهارة دخان النجس وظاهر كلامه أنه متفق عليه وقبله ابن عرفة
والشيخ خ في ضبح وأقل أحواله أن يكون ترجيحا ولذا تعقب بعض شراح المختصر قوله فيه
أن دخان النجس نجس بكلام ابن رشد ثم إن الحكم بالنجاسة على ما بل من العشب ونحوه
بالخمر وإن طال مكثه في الخمر إذا جف بعد ذلك إنما هو إذا كان بحيث لو بل تحلل
منها ما يسكر
وأما إذا كان إذا بل لم يتحلل منه شيء أو يتحلل منه ما لا يسكر فإنه طاهر كما في
الخمر إذا تحجر وكان بحيث لو بل لم يسكر فإنه طاهر كما هو مصرح به وصرف المال في
المباحات على هذا الوجه ليس بسرف لأن الإسراف في النفقات كما قال القرطبي هو
التبذير وفسر ابن مسعود التبذير بإنفاق المال في غير حقه فإذا كان الإنفاق في حقه
ولو مباحا فليس بسرف قال مجاهد لو أنفق الرجل جبل أبي قبيس ذهبا في طاعة الله لم
يكن سرفا ولو أنفق درهما واحدا في معصية الله كان سرفا وحرمته لضرره إن تحقق فهي
لأمر عارض لا لذاته ويحرم على من يضره خاصة دون غيره ودعوى أنه مضر مطلقا لا دليل
عليها ا ه ما قاله عج باختصار كثير وهو مبني على أن المفتر ليس بحرام والتحقيق أنه
حرام كما دل عليه حديث أم سلمة المتقدم ا ه كلام ابن حمدون باختصار
وحاصله أنه اختلف في كون هذه العشبة من المسكرات مطلقا فيكون نجسا موجبا للحد
وحرمة قليله ككثيره أو من المفترات مطلقا وأنها تحدث استرخاء الأطراف وتخدرها
وصيرورتها إلى وهن وانكسار كالحشيشة بحيث تشارك أولية الخمر في نشوته فيحرم
استعمال القدر المؤثر في العقل اتفاقا وفي حرمة استعمال ما لا يؤثر في العقل
____________________
(1/377)
ممن
يشربها إلا وهو نشوان مسرور بعيد عن صدور البكاء والصمت وثانيهما أنا نجد
هامش إدرار الشروق
خشية الوقوع في التأثير إذ الغالب وقوعه بأدنى شيء منها وحفظ العقول من الكليات
الخمس المجمع عليها عند أهل الملل أو إباحته نظرا لكون العلة تدور مع المعلول
وجودا وعدما قولان أو أنها ليست من المسكرات ولا من المفترات مطلقا وعليه فهل يحرم
استعمال قليلها ككثيرها لأنها سرف وضرر ونجاسة لكونها تبل بالخمر أو تباح مطلقا
لأنها مما سكت الله عنه في كتابه فهي مما عفا الله عنه للحديث المار فالأقوال فيها
خمسة اختار ابن حمدون منها القول بأنها من المفترات مطلقا وأنه يحرم استعمال
قليلها ككثيرها لحديث أم سلمة المتقدم وفيه نظر من ثلاثة أوجه الوجه الأول أنه حكي
الخلاف في إباحة قليلها واختار تحريمه ككثيرها مع أن مفاد قوله عن ضبح بعدما ذكر
الفرق بين المسكرات والمرقدات والمفترات بمثل ما قدمته عن الأصل ما نصه وينبني على
الإسكار ثلاثة أحكام دون الأخيرين الحد والنجاسة وتحريم القليل ا ه أنه لا يحرم
استعمال القليل الذي لا يؤثر في العقل من المرقدات كالبنج والمفترات كالأفيون وقد
قدمنا أيضا مثله عن الأصل فلم يحك الخلاف في إباحة ما هو الأصل في الترقيد كالبنج
ولا ما هو الأصل في التفتير كالأفيون فكيف يحكى في إباحة ما هو فرع في التفتير كهذه
العشبة ويرجح القول بتحريم قليلها ككثيرها الوجه الثاني أن حديث أم سلمة المتقدم
إنما يدل على تحريم القدر المفتر منها فقط وذلك لأن المفتر وإن اقترن في الذكر
والنهي في هذا الحديث بالسكر المتقرر عندنا تحريمه بالكتاب والسنة والإجماع
والقاعدة عند المحدثين والأصوليين أن يعطى المقارن المجهول الحكم حكم مقارنه
المعلوم إلا أن إعطاء حكم المسكر للمفتر إنما يظهر فيما تحقق فيه التفتير بالفعل
لأن تحريم القليل من المسكر قيل لنجاسته وكونه ذريعة لاستعمال القدر المسكر منه
وقيل لنجاسته فقط فلا يحرم منه قليل ما ليس بنجس كغير الخمر والمفتر ليس بنجس
اتفاقا فكيف يقال بتحريم قليله والحكم يدور مع العلة وكون استعمال قليل المفتر
ذريعة لاستعمال القدر المفتر منه لا يظهر أن يكون مثل كون استعمال قليل المسكر
ذريعة واستعمال كثيره في اقتضائه التحريم على أنه في المسكر عند القائل به جزء علة
لا علة تامة وأيضا سيأتي عن اللكنوي أن التفتير هنا ليس هو التفتير الموجب للتحريم
حتى يكون استعمال ما يؤدي إليه ذريعة فيما يوجب التحريم فافهم الوجه الثالث أن كون
هذه العشبة مفترة بالمعنى المتقدم ليس مطردا في جميع أنواعها وإنما يتحقق فيما زرع
منها في نحو وزان من أعمال المغرب الأقصى ونحو البخاري ونحو الباطنة أما ما زرع
منها في الأناضول ونحو اليمن والحجاز والشام فلا يتحقق فيه التفتير أصلا كما
أخبرني بذلك من يعتمد في مثل هذا على أن العيان شاهد صدق على ذلك فإنا نجد الصغير
الذي في الخامسة إذا استعمل الكثير مما زرع منها في نحو اليمن وهو لم يعتده لم
يؤثر ذلك فيه أدنى تفتير فألحق ما في شرح المجموع للعلامة الأمير من أن هذه العشبة
في ذاتها مباحة ويعرض لها حكم ما يترتب عليها على الأظهر كالبن وكثرتها لهو ا ه
بتوضيح للمراد نعم قال اللكنوي إن هاهنا اختلافين الأول في الحرمة والإباحة
والثاني في الكراهة وعدمها والحق في الاختلاف الأول هو الإباحة ولا سبيل إلى إثبات
الحرمة بدليل من الأدلة الشرعية وفي الاختلاف الثاني الحق في جانب الذاهبين إلى
الكراهة لوجود التشبه بأهل النار والأشرار واستعمال
____________________
(1/378)
شراب
الخمر تكثر عربدتهم ووثوب بعضهم على بعض بالسلاح ويهجمون على الأمور العظيمة التي
لا يهجمون عليها حالة الصحو وهو معنى البيت المتقدم في قوله وأسدا ما
هامش إدرار الشروق
ما يعذب به أرباب الشقاق من الكفار والفجار ولإيراثه الريح الكريهة غالبا وإن لم
يكن كليا ا ه
المراد ثم نقل عن شرح الجوهرة للقاني آخر رسالته ترويح الجنان في تشريح حكم شرب
الدخان ما نصه حاصل الكلام أنه قد اختلف العلماء الأعلام في حرمة الدخان وكراهته
وأقل درجاته الكراهة ومع وجود عدة من العوارض لا ينتهي إلى درجة الإباحة أصلا ولا
يقاس على القهوة كما توهم البعض لأن شبهة أهل العذاب لا تخلو عن كراهة بخلاف
القهوة فإنه ليس فيها هذا التشبه وأيضا فيها منافع بلا شك بخلاف الدخان ا ه انظرها
إن شئت فمن هنا ما قدمته عن الشيخ يوسف الصفتي من أن شرب الدخان مكروه على الأظهر
لا يقال إن كلام ابن حمدون يفيد وقوع الإجماع في المذهب على تحريم الكثير المؤثر
في العقل منه كالقليل الذي لا يؤثر عند جميع المغاربة وأكثر المشارقة وبعد الإجماع
كيف يكون الحق أو الأظهر القول بكراهة الدخان والإجماع حجة من الحجج الشرعية قلت
قال الشيخ محمد عبد الحي اللكنوي في رسالته المذكورة الإجماع الذي هو إحدى الحجج
الأربع هو إجماع المجتهدين كما هو مصرح به في كتب الأصوليين وقد صرحوا بأن
الاجتهاد المطلق منقطع من رأس الأربعمائة وقيل من رأس الخمسمائة فأين وجود
المجتهدين حين حدوث هذه البدعة في المسلمين أما العلماء الذين أفتوا بتحريمه فهم
ليسوا من المجتهدين حتى يجب تقليدهم للمسلمين بل أكثرهم ليسوا من أصحاب الاجتهاد
في المذهب أيضا مع أنهم في أنفسهم أيضا مختلفون فانتفى الإجماع رأسا ا ه بلفظه
ثم قال اللكنوي ورأيت في تنقيح الفتاوى الحامدية للعلامة ابن عابدين ما نصه مسألة
أفتى أئمة أعلام بتحريم شرب الدخان المشهور فهل يجب علينا تقليدهم وإفتاء الناس
بحرمته أم لا فلنبين ذلك بعدما حققه أئمة أصول الدين قال شارح منهاج الوصول إلى
علم الأصول للإمام أبي عبد الله بن أبي القاسم بن عمر البيضاوي ويجوز الإفتاء
للمجتهدين بلا خلاف وكذا المقلد المجتهد واختلف في جواز تقليد الميت المجتهد فذهب
الأكثرون إلى أنه لم يجز والمختار عند الإمام والقاضي البيضاوي الجواز واستدل عليه
الإمام في المحصول بانعقاد الإجماع على جواز العمل بهذا النوع من الفتوى إذ ليس في
زمانه مجتهد ا ه وكلام الإمام صريح في أنه لم يكن في زمانه مجتهد فكيف زماننا الآن
فإن شروط الاجتهاد لا تكاد توجد فهؤلاء الأئمة الذين أفتوا بتحريم التنباك إن كان
فتواهم عن اجتهاد حتى يجب علينا تقليدهم فاجتهادهم ليس بثابت فإن كان عن تقليد
غيرهم فإما عن مجتهد آخر حتى سمعوا من فيه مشافهة فهو أيضا ليس بثابت وإما من
مجتهد ثبت إفتاؤه في الكتب فهو أيضا كذلك إذ لم يرد في كتاب ولم ينقلوا عن دفتر في
إفتائهم ما يدل على حرمته فكيف ساغ لهم الفتوى وكيف يجب علينا تقليدهم والحق في
إفتاء التحليل والتحريم في هذا الزمان التمسك بالأصلين اللذين ذكرهما البيضاوي في
الأصول ووصفهما بأنهما نافعان في الشرع الأول أن الأصل في المنافع الإباحة والمأخذ
الشرعي آيات الأولى قوله تعالى خلق لكم ما في الأرض جميعا واللام للنفع فتدل على
أن الانتفاع بالمنتفع به مأذون به شرعا وهو المطلوب الثانية قوله تعالى من حرم
زينة الله التي أخرج لعباده والزينة تدل على الانتفاع
____________________
(1/379)
ينهنهنا
اللقاء ولا نجد أكلة الحشيشة إذا اجتمعوا يجري بينهم شيء من ذلك ولم يسمع عنهم من
العوائد ما يسمع عن شراب الخمر بل هم همدة سكوت مسبوتين لو أخذت قماشهم أو سببتهم
لم تجد فيهم قوة البطش التي تجدها في شربة الخمر بل هم أشبه شيء
هامش إدرار الشروق
لثالثة قوله تعالى أحل لكم الطيبات المراد بالطيبات المستطابات طبعا وذلك يقتضي حل
المنافع بأسرها والثاني أن الأصل في المضار التحريم والمنع لقوله عليه الصلاة
والسلام لا ضرر ولا ضرار في الإسلام وأيضا ضبط أهل الفقه حرمة التناول إما
بالإسكار كالبنج وإما بالإضرار بالبدن كالتراب والترياق أو بالاستقذار كالمخاط
والبزاق وهذا كله فيما كان طاهرا وبالجملة إن ثبت في هذا الدخان أضرار صرف عن
المنافع فيجوز الإفتاء بتحريمه وإن لم يثبت أضراره فالأصل الحل مع أن الإفتاء بحله
فيه دفع الحرج عن المسلمين فإن أكثرهم مبتلون بتناوله فتحليله أيسر من تحريمه وما
خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين شيئين إلا اختار أيسرهما وأما كونه بدعة فلا
ضرر فإنه بدعة في التناول لا في الدين فإثبات حرمته أمر عسير لا يكاد يوجد له نصير
نعم لو أضر ببعض الطبائع فهو عليه حرام أو نفع ببعض وقصد التداوي فهو مرغوب هذا ما
سنح في الخاطر إظهارا للصواب من غير تعنت ولا عناد في الجواب كذا أجاب الشيخ محيي
الدين أحمد بن محيي الدين بن حيدر الكردي الجزري رحمه الله تعالى ا ه كلام ابن
عابدين ولا يبعد أن يقال بمنع من يعتاد كثرة شرب الدخان كأكل البصل والثوم من دخول
المسجد لوجود الرائحة الكريهة في فمه والملائكة تتأذى منها ا ه كلام اللكنوي
وبالجملة فمن عافاه الله من شربه واستعماله بوجه من الوجوه لا ينبغي له أن يحمل
الناس على مختاره فيدخل عليهم شغبا في أنفسهم وحيرة في دينهم إذ من شرط التغيير أن
يكون متفقا عليه قال عياض في الإكمال ما نصه لا ينبغي للآمر بالمعروف والناهي عن
المنكر أن يحمل الناس على مذهبه وإنما يغير ما اجتمع على إحداثه وإنكاره ا ه وقال
الشيخ محيي الدين في منهاجه أما المختلف فيه فلا إنكار فيه وليس للمفتي ولا للقاضي
أن يعترض على من خالفه إذا لم يخالف نص القرآن أو السنة أو الإجماع ونحو هذا في
جامع الذخيرة للقرافي ونحوه في قواعد عز الدين قال شيخ الشيوخ ابن لب لا سيما إن
كان الخلاف في كراهية لا في تحريم فإن الأمر في ذلك قريب وربما يؤول الإنكار إلى
أمر يحرم ا ه وقد نقل البرزلي في نوازله كلام ابن لب معزوا لبعض الشيوخ ورشحه
أفاده المواق في شرحه على خليل فتأمل بإنصاف ولا تنظر لمن قال بل لما قال كما هو
دأب الرجال المسألة الثالثة أفاد الحطاب أن ظهور قهوة البن كان في القرن العاشر
وقبله بيسير وذكر ابن حجر في فتح الباري أن أول من شربها وأمر أصحابه بشربها
ليستعينوا بها على السهر في العبادة الشيخ الولي الصالح المتفق على ولايته أبو
الحسن علي الشاذلي اليمني لا المغربي ونقل الأجهوري عن الجنيد أن البن شجرة في
الجنة غرسها سبعون ألف ملك تسمى شجرة السلوان فلما أهبط الله آدم هبط بها معه من
الجنة للسلوان عما كان عليه من النعيم المقيم ورماها في هذه الأرض وهي أرض زيلع
الحبشة وقال ابن سينا نقلا عن صاحب القاموس في كتاب الطب أن البن المعلوم في بلد
زيلع الحبشة هو البند بزيادة الدال بلسان الحبشة وقد اختلف الناس فيها فمن متغال
فيها يرى أن شربها قربة ومن غال يرى أن شربها مسكر كالخمر والحق أنها في ذاتها لا
إسكار فيها وإنما فيها تنشيط للنفس ويحصل بالمداومة عليها ضراوة تؤثر في البدن عند
____________________
(1/380)
بالبهائم
ولذلك إن القتلى يوجدون كثيرا من شراب الخمر ولا يوجدون مع أكلة الحشيشة فلهذين
الوجهين أنا أعتقد أنها من المفسدات لا من المسكرات ولا أوجب فيها الحد ولا أبطل
بها الصلاة بل التعزير الزاجر عن ملابسها تنبيه تنفرد المسكرات عن المرقدات
والمفسدات بثلاثة أحكام الحد والتنجيس وتحريم اليسير والمرقدات والمفسدات لا حد
فيها ولا نجاسة فمن صلى بالبنج معه أو الأفيون لم تبطل صلاته إجماعا ويجوز تناول
اليسير منها فمن تناول حبة من الأفيون أو البنج أو السيكران جاز ما لم يكن ذلك
قدرا يصل إلى التأثير في العقل أو الحواس أما دون ذلك فجائز فهذه الثلاثة الأحكام
وقع بها الفرق بين المسكرات والآخرين فتأمل ذلك واضبطه فعليه تتخرج الفتاوى
والأحكام في هذه الثلاثة الفرق الحادي والأربعون بين قاعدة كون الزمان ظرف التكليف
دون المكلف به وبين قاعدة كون الزمان ظرفا لإيقاع المكلف به مع التكليف
هامش إدرار الشروق
تركها كمن اعتاد اللحم بالزعفران والمفردات فيتأثر عند تركه ويحصل له انشراح
باستعماله غير أنها تعرض لها الحرمة لأمور ذكرها الحطاب في شرح المختصر واللقاني
في شرح الجوهرة كما في حاشية ابن حمدون وفي شرح المجموع وزبدة ما في الحطاب أنها
في ذاتها مباحة ويعرض لها حكم ما يترتب عليها ا ه وفي ترويح الجنان للكنوي والحق
في استعمال القهوة هو الحل كشرب الدخان إلا أن حل استعمالها خال عن الكراهة أيضا بخلاف
حل شرب الدخان ثم نقل عن شرح الجوهرة للقاني ما نصه والحق أنه ليس الإسكار ولا
فساد العقل في القهوة بنفسها مع ما فيه من الفوائد البدنية فيباح تناولها إلا أن
يكون مقارنا بالمحرمات الخارجية كالإدارة على هيئة الفسقة أو تناولها في الأواني
المحرمة وغير ذلك المسألة الرابعة الأتاي عشب يزرع بأرض الصين وورقه ونباته كالقصب
ويحصد في كل سنة ثلاث مرات فأول حصاده للملك وهو أعلاه الثاني للعمال والخدام
والثالث لسائر سكان البلدة ويجلبه التجار لسائر الأقاليم وهذا النوع يكون ضعيفا من
حيث الخاصية والتأثير وله منافع وخواص ألف بعضهم فيها رسالة وقد اختلف الناس فيه
فحرمه بعض قضاة العصر وألف فيه تأليفا سماه رقم الآي في تحريم الأتاي وسئل عنه
بعضهم فأجاب أرى شرب الأتاي اليوم جرحا فلا تبقى إذا معه العداله فلم يحرم ولم
يكره ولكن رأينا كل ذي سفه عداله والحق أنه من سلم من عوارض تحريمه يرجع في حقه
إلى أصل الإباحة كما في ابن حمدون والله سبحانه وتعالى أعلم
الفرق الحادي والأربعون بين قاعدة كون الزمان ظرف التكليف دون المكلف به وبين
قاعدة كون الزمان ظرفا لإيقاع المكلف به مع التكليف وتحريره أن زمن الكفر والحدث
وجحد الصانع هو ظرف التكليف بفروع الشريعة في الكافر وبإيقاع
____________________
(1/381)
هذا
الموضع التبس على كثير من الفضلاء واختلطت عليهم القاعدتان فوردت إشكالات بسبب ذلك
ويتضح الفرق بين هاتين القاعدتين بذكر ثلاث مسائل المسألة الأولى في كون الكفار
مخاطبين بفروع الشريعة ثلاثة أقوال مخاطبون ليسوا مخاطبين الفرق بين النواهي فهم
مخاطبون بها دون الأوامر فلا يخاطبون بها واتفقوا على أنهم مخاطبون بالإيمان
وبقواعد الدين وإنما الخلاف في الفروع وتقرير هذه المسألة مبسوط في أصول الفقه
وإنما المقصود بها هاهنا بيان هذا الفرق خاصة بسبب أن القائلين بأنهم ليسوا
مخاطبين قالوا لو وجبت الصلاة عليهم لوجبت أما حالة الكفر
وهو باطل لعدم صحتها حينئذ أو بعد الإسلام وهو أيضا باطل لانعقاد الإجماع على
سقوطها بسبب الإسلام ولقوله صلى الله عليه وسلم الإسلام يجب ما قبله والجواب عن
هذه النكتة أن نقول نختار أنها وجبت حالة الكفر وقوله أنها لا تصح قلنا مسلم ولا
يلزم من ذلك عدم حصول التكليف في هذه الحالة وهذا الزمان لأنه عندنا ظرف للتكليف
لا لإيقاع المكلف به وإنما يتوجه لزوم الصحة أن لو كان هذا الزمان ظرفا لإيقاع
المكلف به حتى نقول يصح أما ما لا يكلف به كيف يمكن وصفه بالصحة فإن وصف الصحة
تابع للإذن الشرعي فحيث لا إذن لا صحة ومعنى كون هذا الزمان ظرفا للتكليف دون
إيقاع المكلف به أنه أمر في زمن الكفر أن يزيله ويبدله بالإيمان ويفعل الصلاة في
زمن الإسلام لا في زمن الكفر وصار زمن الكفر ظرفا للتكليف فقط وزمن الإسلام هو زمن
إيقاع المكلف به فتصورنا حينئذ أن الزمان قد يكون ظرفا للتكليف فقط وهذا الزمان
بخلاف زمن رمضان فإنه زمن هو ظرف للتكليف
هامش إدرار الشروق
الصلاة في المحدث وبتصديق الرسل عليهم الصلاة والسلام في الدهري وليس هو بظرف
لإيقاع المكلف به لتعذره فيه وزمن إسلام الكافر وطهارة المحدث وعرفان الدهري
بالصانع بعد هو ظرف لإيقاع المكلف به مع التكليف ويتضح هذا الفرق بذكر ثلاث مسائل
المسألة الأولى لا خلاف في خطاب الكفار بالإيمان وبقواعد الدين وفي خطابهم بفروع
الشريعة أيضا أقوال ثالثها بالنواهي دون الأوامر وحجة القائل بأنهم ليسوا مخاطبين
أنه لو وجبت الصلاة عليهم لوجبت أما حالة الكفر وهو باطل لعدم صحتها حينئذ وأما
بعد الإسلام وهو أيضا باطل لانعقاد الإجماع على سقوطها بسبب الإسلام ولقوله صلى
الله تعالى عليه وسلم الإسلام يجب ما قبله وحجة القائل بأنهم مخاطبون وهو الصحيح
عندنا أنه لا يلزم من عدم صحة الصلاة حالة الكفر عدم حصول التكليف حينئذ لأن هذه
الحالة وهذا الزمان عندنا ظرف للتكليف لا لإيقاع المكلف به وإنما يتوجه لزوم الصحة
أن لو كان هذا الزمان ظرفا فالإيقاع المكلف به حتى نقول يصح أما ما لا يكلف
بإيقاعه كيف يمكن وصفه بالصحة ووصف الصحة تابع للإذن الشرعي فحيث لا إذن لا صحة
ومعنى كون هذا الزمان ظرفا للتكليف دون إيقاع المكلف به أنه أمر في زمن الكفر أن
يزيله ويبدله بالإيمان ويفعل الصلاة في زمن الإسلام لا في زمن الكفر بحيث يصير زمن
الكفر ظرفا للتكليف فقط وزمن الإسلام هو زمن إيقاع المكلف به والتكليف معا كزمن
رمضان والقامة للظهر
____________________
(1/382)
بالصوم
وإيقاعه معا وكذلك القامة للظهر فظهر بهذا الفرع الفرق بين القاعدتين واندفع بسبب
معرفة الفرق السؤال المتقدم ذكره وظهر أنه غير لازم المسألة الثانية المحدث مأمور
بإيقاع الصلاة ومخاطب بها في زمن الحدث إجماعا والكفر هو الذي وقع الخلاف فيه أما
زمن الحدث فلا ثم إن الإجماع انعقد على أن المحدث لا تصح منه الصلاة في الزمن الذي
هو فيه محدث بل هو مأمور في زمن الحدث أن يزيل الحدث ويبدله بالطهارة فإذا وجد زمن
الطهارة فتوقع الصلاة حينئذ فزمن الطهارة هو زمن التكليف بإيقاع الصلاة دون زمن
الحدث وزمن الحدث هو ظرف للتكليف فقط فقد تصورنا أيضا الزمان ظرفا للتكليف فقط دون
إيقاع المكلف به وأما الزمان الذي هو ظرف لهما فقد تقدم تمثيله برمضان وغيره
المسألة الثالثة الدهري مكلف بتصديق الرسل عليهم السلام مع أنه جاحد للصانع ومع
جحده للصانع يتعذر منه تصديق الرسل فزمن جحده للصانع ظرف للتكليف بتصديق الرسل دون
إيقاع التصديق لتعذره بل هو مأمور في زمن الجهل بالصانع أن يزيل هذا الجهل ويبدله
بعنده وهو العرفان فإذا حصل العرفان بالصانع ففي ذلك الزمان هو مكلف بإيقاع
التصديق للرسل فالزمن الثاني في الكافر والمحدث والدهري هو زمن التكليف وإيقاع
المكلف به وزمن الكفر والحدث وجحد الصانع هو ظرف للتكليف دون إيقاع المكلف به
فتأمل الفرق بين القاعدتين والسر بين المعنيين يتيسر عليك الجواب عن أسئلة الخصوم
وشبهاتهم وهو فرق لطيف شريف
هامش إدرار الشروق
المسألة الثانية لا خلاف في كون المحدث مأمورا بإيقاع الصلاة ومخاطبا بها في زمن
الحدث بخلاف الكافر ففيه الخلاف المار إلا أن المحدث لا تصح منه الصلاة في الزمن
الذي هو فيه محدث إجماعا بل هو مأمور في زمن الحدث أن يزيل الحدث ويبدله بالطهارة
فإذا وجد زمن الطهارة أوقع الصلاة حينئذ فزمن الطهارة هو زمن التكليف بإيقاع
الصلاة دون زمن الحدث وزمن الحدث هو ظرف للتكليف فقط المسألة الثالثة الدهري مكلف
بتصديق الرسل عليهم الصلاة والسلام إلا أن زمن جحده للصانع ظرف للتكليف بتصديق
الرسل دون إيقاع التصديق لتعذره بل هو مأمور في زمن الجهل بالصانع أن يزيل هذا
الجهل ويبدله بضده وهو العرفان فإذا حصل العرفان بالصانع كان زمان عرفانه بالصانع
مكلفا بإيقاع التصديق للرسل فتأمل الفرق بين القاعدتين والسر بين المعنيين يتيسر
عليك الجواب عن أسئلة الخصوم وشبهاتهم وهو فرق لطيف شريف والله أعلم
____________________
(1/383)
الفرق
الثاني والأربعون بين قاعدة كون الزمان ظرفا لإيقاع المكلف به فقط وبين قاعدة كون
الزمان ظرفا للإيقاع وكل جزء من أجزائه سبب للتكليف والوجوب فيجتمع الطرفان
الظرفية والسببية في كل جزء من الأجزاء ويتضح الفرق بين هاتين القاعدتين بذكر سبع
مسائل المسألة الأولى أوقات الصلوات كالقامة مثلا بالنسبة للظهر هي ظرف للمكلف به
لوقوعه فيها وكل جزء من أجزائها من أولها إلى آخرها سبب للتكليف لأنه لو كان سبب
التكليف بصلاة الظهر إنما هو الجزء الأول منها فقط لكان من بلغ بعده أو أسلم من
الكفار لا تجب عليه صلاة الظهر لتأخره عن السبب وزوال المانع واجتماع الشرائط بعد
زوال الأسباب لا تفيد شيئا بدليل ما تقدم من أوقات الصلوات فإن البلوغ إذا جاء
بعدها لا يحقق وجوبا فلا بد حينئذ أن يصادف البلوغ ونحوه سببا بعده فوجب الظهر على
من بلغ في القامة بالجزء الذي صادفه بعد بلوغه وكذلك القول في بقية أرباب الأعذار
فظهر أن كل جزء من أجزاء القامة مساو للزوال في السببية وأن ما سبق إلى الفهم أن
السبب
هامش إدرار الشروق
الفرق الثاني والأربعون بين قاعدة كون الزمان ظرفا لإيقاع المكلف به فقط وبين
قاعدة كون الزمان ظرفا للإيقاع وكل جزء من أجزائه سبب للتكليف والوجوب فيجتمع
الطرفان الظرفية والسببية في كل جزء من الأجزاء وذلك أن كل يوم من أيام ما عدا
رمضان من الشهور مثلا ظرف لإيقاع المكلف به وهو وجوب قضاء رمضان وجوبا موسعا دون
أن يكون شيء من تلك الأيام سببا للتكليف بدليل أن من زال عذره فيها لا يلزمه شيء
ورؤية هلال رمضان سبب لجعل كل يوم من أيام رمضان سببا لوجوب الصوم وظرفا له بحيث
إن من بلغ أو أسلم أو زال عن المرأة الحيض أو قدم من السفر يلزمه صوم اليوم الذي
يستقبله فيصير سبب رؤية الهلال كل يوم سببا لوجوب إيقاع الصوم فيه وتفويت الإيقاع فيه
سببا للصوم في يوم آخر مما عدا رمضان من الشهور فقط ويوضح لك هذا الفرق سبع مسائل
ثلاثة منها مما اجتمع فيه الظرفية والسببية وثلاثة منها مما انفرد فيه الظرفية عن
السببية والسابعة مما تحتملهما أما مسائل ما اجتمع فيه الظرفية والسببية فالمسألة
الأولى أوقات الصلوات كالقامة مثلا بالنسبة للظهر هي ظرف للمكلف به لوقوعه فيها
وكل جزء من أجزائها من أولها إلى آخرها لا الجزء الأول منها الذي هو الزوال فقط
كما توهم سبب للتكليف إذ لو كان سبب التكليف بصلاة الظهر هو الجزء الأول منها فقط
لكان من بلغ بعده أو أسلم من الكفار لا تجب عليه صلاة الظهر لتأخره عن السبب ولا
يفيد شيئا زوال المانع واجتماع الشرائط بعد زوال الأسباب بدليل أن البلوغ إذا جاء
بعد أوقات الصلاة لا يحقق وجوبا وإنما يحققه إذا صادف سببا بعده كمن بلغ في
____________________
(1/384)
للظهر
إنما هو الزوال فقط ليس كذلك وكذلك بقية أوقات الصلوات ينبغي أن يفهم على هذه
القاعدة أنها كلها ظروف للتكليف وجميع أجزائها ظروف وأسباب له
المسألة الثانية أيام الأضاحي الثلاثة أو الأربعة على الخلاف بين العلماء ظروف
للأمر بالأضحية لوجوده فيها وكل جزء من أجزائها سبب للأمر أيضا بالأضحية بدليل أن
من تجدد إسلامه من الكفار أو بلوغه من الصبيان يتجدد عليه الأمر بالأضحية وكذلك من
عتق من العبيد وما ذلك إلا لأنه وجد بعد زوال المانع وحصول الشرط ما هو سبب للأمر
بالأضحية وهو الجزء الكائن بعد زوال المانع من هذه الأيام فتكون كلها ظروفا
وأسبابا للأمر كما تقدم في أوقات الصلوات المسألة الثالثة شهر رمضان المعظم ظرف
للتكليف لوقوعه فيه وكل يوم من أيامه سبب للتكليف لمن استقبله فمن بلغ أو أسلم أو
زال عن المرأة الحيض أو قدم من السفر فيلزمه لليوم الذي يستقبله وأما أجزاء اليوم
فليست أسبابا للتكليف بل ظروفا له بدليل حصول التكليف فيها وعدم التكليف فيها على
من بلغ في بعض يوم أو أسلم وبهذا يحصل الفرق بين أجزاء أوقات الصلوات وأجزاء شهر
الصوم أن مطلق الجزء كيف كان وإن قل
هامش إدرار الشروق
القامة فإنه يجب عليه الظهر بالجزء الذي صادفه بعد بلوغه وكذلك القول في بقية
أرباب الأعذار فظهر أن كل جزء من أجزاء القامة مساو للزوال في السببية وكذلك بقية
أوقات الصلوات كلها ظروف للتكليف وجميع أجزائها ظروف وأسباب له والمسألة الثانية
أيام الأضاحي الثلاثة أو الأربعة على الخلاف بين العلماء ظروف للأمر بالأضحية
لوجوده فيها وكل جزء من أجزائها سبب للأمر بالأضحية أيضا بدليل أن من تجدد إسلامه
من الكفار أو بلوغه من الصبيان يتجدد عليه الأمر بالأضحية وكذلك من عتق من العبيد
وما ذلك إلا لأنه وجد بعد زوال المانع وحصول الشرط ما هو سبب للأمر بالأضحية وهو
الجزء الكائن بعد زوال المانع من هذه الأيام فتكون كلها ظروفا وأسبابا للأمر
بالأضحية كما تقدم في أوقات الصلوات المسألة الثالثة شهر رمضان المعظم ظرف للتكليف
لوقوعه فيه وكل يوم من أيامه سبب للتكليف لمن استقبله فمن أسلم أو بلغ أو قدم من
السفر أو زال عن المرأة الحيض فيلزمه صوم اليوم الذي يستقبله وأما أجزاء اليوم الذي
زال فيه المانع فليست أسبابا للتكليف بل ظروفا له بدليل حصول التكليف فيها وعدم
التكليف بها على من بلغ في بعض يوم أو أسلم فظهر بهذا حصول الفرق بين أجزاء أوقات
الصلوات وأجزاء شهر الصوم بأن مطلق الجزء من أوقات الصلوات كيف كان وإن قل ما لم
ينقص عن زمن يسع إيقاع ركعة سبب التكليف فإن نقص عن زمن ركعة فعند مالك لا يجب به
شيء وعند غيره يجب بأقل من إدراك ركعة ويحكى عن الشافعي ولا بد في كل جزء من أجزاء
شهر الصوم أن يكون يوما كاملا فاليوم الكامل من شهر الصوم وزان زمن من أوقات
الصلوات يسع ركعة على مذهب مالك وأما مسائل ما انفرد فيه الظرفية عن السببية
____________________
(1/385)
ما
لم ينقص عن زمن يسع إيقاع ركعة سبب التكليف فإن نقص عن زمن ركعة فعند مالك لا يجب
به شيء وعند غيره يجب بأقل من إدراك ركعة ويحكى عن الشافعي وأما أجزاء شهر الصوم
فلا بد في كل جزء من أجزائه أن يكون يوما كاملا فهو وزان زمن يسع ركعة على مذهب
مالك فهذه ثلاث مسائل مما اجتمع فيه الظرفية والسببية فنذكر ثلاثا أخر مما هو ظرف
فقط
المسألة الرابعة قضاء رمضان يجب وجوبا موسعا إلى شعبان من تلك السنة كما تجب الظهر
وجوبا موسعا من أول القامة إلى آخرها غير أن هذه الشهور ظرف للتكليف بإيقاع المكلف
به دون أن يكون شيء من أجزائها سببا للتكليف بدليل أن من زال عذره فيها لا يلزمه
شيء وإنما السبب في وجوب هذا الصوم أجزاء رمضان السابق فكل يوم هو سبب لوجوب
القضاء في يوم آخر من هذه الشهور إذا لم يصم فيه ولا يعتقد أن سبب وجوب القضاء هو
رؤية الهلال فقط بل رؤية الهلال سبب لجعل كل يوم من أيام رمضان سببا للوجوب وظرفا
له فيصير سبب رؤية الهلال كل يوم سببا لوجوب الإيقاع فيه وتفويته سببا للصوم في
يوم آخر من هذه الشهور فقط فتأمل ذلك فقل من يتفطن له بل يعتقد في بادئ الرأي أن
سبب القضاء والأداء هو رؤية الهلال فقط وليس كذلك بل رؤية الهلال سبب
هامش إدرار الشروق
المسألة الأولى قضاء رمضان وإن وجب وجوبا موسعا في كل يوم من أيام ما عدا رمضان من
الشهور كما تجب الظهر وجوبا موسعا في كل جزء من أجزاء أول القامة إلى آخرها إلا أن
كل يوم من شهور ما عدا رمضان ظرف للتكليف بإيقاع المكلف به لا سبب للتكليف بدليل
أن من زال عذره في أي يوم منها لا يلزمه شيء وكل جزء من أجزاء القامة ظرف للتكليف
بإيقاع المكلف به وسبب للتكليف بالأداء فيه والقضاء بعد فوات القامة كما عرفت وكذا
كل يوم من أيام رمضان ظرف للتكليف بإيقاع المكلف به وسبب للتكليف بالأداء فيه
والقضاء بعد فواته في يوم مما عدا رمضان من الشهور إلا أن جزء اليوم من أيام رمضان
وإن كان ظرفا للتكليف لا يكون سببا له بدليل حصول التكليف فيه وعدم التكليف به على
من بلغ في بعض يوم أو أسلم وأي جزء من أجزاء القامة مثلا وإن قل ما لم ينقص عما
يسع إيقاع ركعة عندنا وعند غيرنا وإن نقص عن ذلك سبب التكليف بلا داء فيه والقضاء
بعد فواته كما علمت وبالجملة فكل يوم كامل من أيام رمضان سبب للوجوب وظرف له
وتفويته سبب للصوم في يوم آخر من أيام ما عدا رمضان من الشهور وزان زمن يسع ركعة
أو أقل منها على الخلاف من أزمان القامة مثلا والسبب في جعل كل يوم من رمضان سببا
للوجوب وظرفا له وتفويته سببا للصوم في يوم آخر مما عدا رمضان من الشهور وهو رؤية
هلال رمضان فرؤية الهلال ليست سبب القضاء والأداء وإن كان هو الذي يعتقد في بادئ
الرأي بل رؤية الهلال سبب لسببية ثلاثين سببا للقضاء وهي ثلاثون تركا إن وقعت هي
أو بعضها وسبب لوجوب ثلاثين يوما مسببات فقط لا أسباب فصارت رؤية الهلال يتعلق بها
ستون يوما ثلاثون يوما مسببات صوم وثلاثون يوما أسباب تروك فافهم هذا التحقيق
____________________
(1/386)
لسببية
ثلاثين سببا للقضاء وهي ثلاثون تركا إن وقعت أو بعضها وسبب لوجوب ثلاثين يوما
مسببات فقط لا أسباب فصارت رؤية الهلال يتعلق بها ستون يوما ثلاثون يوما مسببات
صوم وثلاثون يوما أسباب تروك هذا تحقيق هذه المسألة فظهر أن شهور القضاء ظروف
للتكليف لا أسباب له المسألة الخامسة جميع العمر ظرف لوقوع التكليف بإيقاع النذور
والكفارات لوجود التكليف في جميع ذلك وليس شيء من ذلك سببا للتكليف بالكفارة أو
النذر بل سبب الكفارة ما تقدم من يمين أو غيره وسبب لزوم النذر ما تقدم من
الالتزام وهو ظاهر
المسألة السادسة شهور العدد ظروف للتكليف بالعدة لوجوده فيها وليس شيء من أجزائها
سببا للتكليف بالعدة بل سبب لزوم العدة ما تقدم من الوفاة أو الطلاق وهذه الشهور
تشبه شهور قضاء رمضان من جهة عدم السببية وتفارقها من جهة أن شهور العدة التكليف
فيها مضيق والوجوب في شهور قضاء رمضان موسع فتأمل هذه الفروق وإذا تقررت مسائل
القسمين فاذكر مسألة مركبة من القسمين وهي المسألة السابعة فأقول المسألة السابعة
زكاة الفطر اختلف فيها متى تجب قيل بغروب الشمس آخر أيام رمضان وقيل بطلوع الفجر
يوم الفطر وقيل بطلوع الشمس منه وقيل تجب وجوبا
هامش إدرار الشروق
والمسألة الثانية جميع العمر ظرف لوقوع التكليف بإيقاع النذور والكفارات لوجود
التكليف في جميع ذلك وليس شيء من ذلك سببا للتكليف بالكفارة أو النذر بل سبب
الكفارة ما تقدم من يمين أو غيره وسبب لزوم النذر ما تقدم من الالتزام وهو ظاهر
والمسألة الثالثة شهور العدد بكسر العين كشهور قضاء رمضان من جهة عدم السببية فهي
ظروف للتكليف بالعدة لوجوده فيها وليس شيء من أجزائها سببا للتكليف بالعدة بل سبب
لزوم العدة ما تقدم من الوفاة أو الطلاق إلا أن شهور العدد تفارق شهور قضاء رمضان
من جهة أن التكليف فيها مضيق والوجوب في شهور قضاء رمضان موسع وأما المسألة السابعة
التي تحتملهما فهي أن في وجوب زكاة الفطر من غروب الشمس آخر أيام رمضان إلى غروب
الشمس يوم الفطر وجوبا موسعا أو بغروب الشمس آخر أيام رمضان أو بطلوع الفجر يوم
الفطر أو بطلوع الشمس من يوم الفطر أقوال والقول الأول وإن كان معناه أنه لا يأثم
بالتأخير إلى غروب الشمس يوم الفطر وإنما يأثم بالتأخير بعد الغروب يوم الفطر
والمنقول عن القائل بالقول الأول من مقابله أنه لا يأثم إلا بعد الغروب يوم الفطر
أيضا إلا أنه يفرق بينهما بأن القائل بالقول الأول يقول كل جزء من أجزاء هذا
الزمان من الغروب إلى الغروب ظرف للتكليف وسبب له والقائل بالقول الأول من مقابله
يقول غروب الشمس من يوم الصوم سبب وما بعده ظرف للتكليف فقط فلا يكون من أجزائه
سببا للتكليف فهما وإن اشتركا في التوسعة إلا أن التوسعة في الأول كتوسعة صلاة
الظهر تستمر فيها السببية وفي الثاني كتوسعة قضاء رمضان لا تستمر فيها السببية
وتظهر ثمرة الخلاف فيمن بلغ في
____________________
(1/387)
موسعا
من غروب الشمس آخر أيام رمضان إلى غروب الشمس يوم الفطر وقول هذا القائل تجب زكاة
الفطر وجوبا موسعا من الغروب إلى الغروب معناه إنه لا يأثم إلا بعد الغروب يوم
الفطر والمنقول عن صاحب القول الأول أنه لا يأثم بالتأخير إلى غروب الشمس يوم
الفطر وأنه إنما يأثم بالتأخير بعد الغروب يوم الفطر وهذا هو عين القول الرابع وقد
عسر الفرق على جماعة من الفضلاء بين هذين القولين والفرق بينهما إنما يستفاد من
معرفة الفرق بين هاتين القاعدتين وذلك أن القائل الأول يقول غروب الشمس من يوم
الصوم سبب وما بعده ظرف للتكليف فقط ولا يكون شيء من أجزاء هذا الزمان سببا
للتكليف والقائل الرابع يقول كل جزء من أجزاء هذا الزمان من الغروب إلى الغروب ظرف
للتكليف وسبب له فقد اشتركا في التوسعة لكن توسعة الأول كتوسعة قضاء رمضان وتوسعة
الثاني كتوسعة صلاة الظهر والفرق بين التوسعتين قد تقدم وأن التوسعة قد تستمر فيها
السببية وقد لا تستمر ويتخرج على القولين من بلغ في هذا الوقت أو عتق أو أسلم فإنه
يتوجه عليه الأمر بزكاة الفطر على القول الثاني كالذي يبلغ في أثناء أوقات الصلوات
ولا يتجه عليه الأمر بزكاة الفطر على القول الأول كمن بلغ في شهور قضاء الصوم فهذا
هو الفرق بين القولين وهو لا يمكن أن يعلمه إلا من علم هاتين القاعدتين المتقدمتين
والفرق بينهما وقد تلخص الفرق بينهما بهذه المسائل تلخيصا ظاهرا بفضل الله تعالى
الفرق الثالث والأربعون بين قاعدة اللزوم الجزئي وبين قاعدة اللزوم الكلي اعلم أنه
إذا لزم شيء شيئا فقد يكون لزومه كليا عاما وقد يكون جزئيا خاصا وضابط اللزوم
الكلي العام أن يكون الربط بينهما واقعا في جميع الأحوال والأزمنة وعلى جميع
التقادير الممكنة كلزوم الزوجية للعشرة فما من حالة تعرض ولا زمان ولا تقدير يقدر
من التقادير الممكنة إلا والزوجية في ذلك كله لازمة للعشرة وقد يكون اللزوم كليا
عاما في
هامش إدرار الشروق
هذا الوقت أو عتق أو أسلم فيتوجه عليه الأمر بزكاة الفطر على القول الأول كالذي
يبلغ في أثناء أوقات الصلوات ولا يتجه عليه الأمر بزكاة الفطر على الأول من مقابله
كمن بلغ في شهور قضاء الصوم فافهم هذه الفروق تنفعك والله سبحانه وتعالى أعلم
الفرق الثالث والأربعون بين قاعدة اللزوم الجزئي وبين قاعدة اللزوم الكلي
وذلك أن ضابط اللزوم الكلي العام أن يكون الربط بينهما واقعا في جميع الأحوال
والأزمنة وعلى جميع التقادير الممكنة وهو المسمى عند المناطقة باللزوم البين أما
بالمعنى الأخص بحيث يلزم من تصور الملزوم تصور اللازم كلزوم الزوجية للعشرة وأما
بالمعنى الأعم بحيث يلزم من تصور الملزوم واللازم معا الجزم باللزوم سواء كفى تصور
الملزوم في تصور اللازم أو لم يكف تصوره في تصوره بل لا بد في الجزم
____________________
(1/388)
الشخص
الواحد كقولنا كلما كان زيد يكتب فهو يحرك يده أي ما من حالة تعرض ولا زمان ما
يشار إليه وزيد يكتب إلا وهو يحرك يده في تلك الحال وفي ذلك الزمان فاللزوم بين
كتابته وحركة يده في جميع الأحوال والأزمان والشخص واحد فهذا هو اللزوم الكلي
واللزوم الجزئي هو لزوم الشيء للشيء في بعض الأحوال دون بعض أو بعض الأزمنة دون
بعض ويتضح ذلك بسؤال ذكره بعض الفضلاء على قول الفقهاء أن الطهارة الكبرى التي هي
غسل الجنابة مثلا إذا حصلت أغنت عن الوضوء وجازت بها الصلاة من غير تجديد وضوء
فقال هذا السائل أنتم جعلتم الطهارة الصغرى لازمة للطهارة الكبرى والقاعدة العقلية
أنه يلزم من انتفاء اللازم انتفاء الملزوم فيلزم على هذا من انتفاء الطهارة الصغرى
انتفاء الطهارة الكبرى فإذا أحدث الحدث الأصغر تنتفي الطهارة الكبرى بعد انتفاء
الصغرى فيلزمه الغسل وهو خلاف الإجماع فيلزم الفقهاء بقولهم إن الطهارة الصغرى
لازمة للطهارة الكبرى أما مخالفة القاعدة العقلية بأن لا يلزم من انتفاء اللازم
انتفاء الملزوم إن أبقوا الطهارة الكبرى بعد انتفاء الصغرى
وأما مخالفة الإجماع إن أوجبوا الغسل بخروج الريح أو الغائط أو الملامسة وكلتا
القاعدتين لا سبيل إلى مخالفتهما فلا سبيل إلى
هامش إدرار الشروق
باللزوم من تصورهما معا كلزوم قبول العلم وصنعة الكتابة للإنسان ثم إن اللزوم
الكلي العام يكون للماهية كما ذكر وقد يكون للشخص الواحد في حالة من أحواله كلزوم
حركة اليد لزيد في حالة كتابته فكلما كان زيد يكتب فهو يحرك يده أي ما من حالة
تعرض ولا زمان ما يشار إليه وزيد يكتب إلا وهو يحرك يده فاللزوم بين كتابته وحركة
يده في جميع الأحوال والأزمان وضابط اللزوم الجزئي أن يكون لزوم الشيء للشيء في
بعض الأحوال دون بعض أو بعض الأزمنة دون بعض وهو المراد باللزوم في الجملة المعتبر
عند البيانيين في المجاز والكناية كلزوم الطهارة الصغرى للطهارة الكبرى التي هي
غسل الجنابة مثلا بمعنى أن الطهارة الكبرى إذا حصلت أغنت عن الطهارة الصغرى التي
هي الوضوء وجازت بها الصلاة من غير تجديد وضوء كما قال الفقهاء لكن لا في جميع
الأحوال والأزمان حتى يقال إنه يلزم على قول الفقهاء المذكور أما مخالفة القاعدة
العقلية وهي أنه يلزم من انتفاء اللازم انتفاء الملزوم بأن لا يلزم من انتفاء
اللازم انتفاء الملزوم أن أبقوا الطهارة الكبرى بعد انتفاء الصغرى إذا أحدث الحدث
الأصغر وأما مخالفة الإجماع المنعقد بعدم انتفاء الطهارة الكبرى بعد انتفاء الصغرى
إذا أحدث الحدث الأصغر إن أوجبوا الغسل بخروج الريح أو الغائط أو الملامسة
وكلتا القاعدتين لا سبيل إلى مخالفتهما فلا سبيل إلى القول بلزوم الطهارة الصغرى
للطهارة الكبرى بل مراد الفقهاء أن لزوم الطهارة الصغرى للطهارة الكبرى مقيد بما
إذا لم يقع من المغتسل ناقض في أثناء غسله بمعنى أن لزوم الوضوء للغسل في الابتداء
فقط دون
____________________
(1/389)
القول
بلزوم الطهارة الصغرى للطهارة الكبرى هذا تقرير السؤال وهو سؤال قوي حسن يحتاج
الجواب عنه إلى معرفة الفرق بين هاتين القاعدتين ومن جهل هذا الفرق تعذر عليه
الجواب عن هذا السؤال وانسد عليه الباب بالكلية والجواب عن هذا السؤال أن نقول
اللزوم بين الطهارة الكبرى والصغرى جزئي لا كلي ومعناه أن المغتسل إذا لم يحصل منه
ناقض في أثناء غسله لزم غسله ذلك الوضوء في الابتداء فقط دون الدوام فاللزوم بهذا
الشرط وهو عدم طرءان الناقض في أثناء الغسل حالة خاصة من جملة الأحوال وحالة دوام
الغسل وغيرها من الأحوال لم يحصل فيها لزوم فلا يلزم من انتفاء اللازم انتفاء
الملزوم إلا في الحالة التي حصل فيها اللزوم فلا جرم لم يقل أحد من القائلين
باللزوم في هذه الحالة ببقاء الطهارة الكبرى دون الطهارة الصغرى بل إنما قال به في
حالة الدوام التي ليس فيها لزوم فانتفاء الطهارة الصغرى في هذه الحالة لا يقدح في
انتفاء الطهارة الكبرى لأن انتفاء ما ليس بلازم لا يقدح إنما يقدح انتفاء ما هو
لازم والطهارة الصغرى في هذه الحالة ليست لازمة فلا يضر انتفاؤها ونظير هذه
المسألة في اللزوم الجزئي كل مؤثر مع أثره فإن المؤثر يجب حضوره حالة وجود أثره
وهو زمن حدوثه دون ما بعد زمن الحدوث فكل بناء يلزمه البناء حالة البناء دون ما
بعد ذلك فقد يموت البناء ويبقى بعد ذلك البناء وكذلك الناسج مع نسجه وكل مؤثر مع
أثره لزومه جزئي في حالة الحدوث فقط فلا جرم لا يلزم من عدم المؤثر بعد ذلك عدم
الأثر لأن العدم في تلك الحال عدم لما ليس بلازم وعدم ما ليس بلازم لا يقدح لا
عقلا ولا عادة ولا شرعا فكذلك هاهنا اللزوم جزئي في حالة معينة وهي التي تقدم
ذكرها فعدم اللزوم في غير تلك الحالة لا يقدح
وقولهم أنه يلزم من عدم اللازم عدم الملزوم إنما يريدون به حيث قضي باللزوم إما
عاما وإما خاصا إما في الصورة التي لم يقض فيها باللزوم فلا ونظير هذه القاعدة
أيضا قولهم يلزم من عدم الشرط عدم المشروط إنما يريدون به في
هامش إدرار الشروق
الدوام فاللزوم بينهما بهذا الشرط وهو عدم طرءان الناقض في أثناء الغسل فهو في
حالة خاصة من جملة الأحوال ولا يحصل في حالة دوام الغسل وغيرها من الأحوال فلا
يلزم من انتفاء اللازم انتفاء الملزوم إلا في الحالة التي حصل فيها اللزوم فلا جرم
لم يقل أحد من القائلين باللزوم في هذه الحالة ببقاء الطهارة الكبرى دون الطهارة
الصغرى بل إنما قال به في حالة الدوام التي ليس فيها لزوم فانتفاء الطهارة الصغرى
في هذه الحالة لا يقدح إذ لا يقدح الانتفاء ما هو لازم والطهارة الصغرى في هذه
الحالة ليست لازمة فلا يضر انتفاؤها ومن أمثلة اللزوم الجزئي أيضا لزوم المؤثر
لأثره زمن حدوث ذلك الأثر دون ما بعد زمن الحدوث فكل بناء يلزمه البناء حالة
البناء دون ما بعد ذلك فقد يموت البناء ويبقى بعد ذلك البناء وكذلك الناسج من نسجه
فعدم اللزوم في غير حالة الحدوث لا يقدح إذ لم يريدوا بقولهم يلزم من عدم اللازم
عدم الملزوم إلا حيث قضي باللزوم إما عاما وإما خاصا أما في الصورة التي لم يقض
فيها
____________________
(1/390)
الصورة
التي هو فيها شرط أما لو كان شرطا في حالة دون حالة لم يلزم من عدمه في صورة ما
ليس بشرط فيها عدم المشروط كما تقول في الطهارة بالماء شرط في صحة الصلاة في بعض
صور الصلاة وهي صورة القدرة على الماء وعلى استعماله فلا جرم يلزم من عدمه في تلك
الصورة عدم صحة الصلاة وليس بشرط في صورة عدم الماء أو عدم القدرة على استعماله
فلا جرم لا يلزم من عدمه في تلك الصورة عدم المشروط لعدم الشرطية في تلك الصورة
فالشرط واللازم في هذا الباب سواء فتأمل ذلك
الفرق الرابع والأربعون بين قاعدة الشك في السبب وبين قاعدة السبب في الشك أشكل
على جمع من الفضلاء وانبنى على عدم تحرير هذا الفرق الإشكال في مواضع ومسائل حتى
خرق بعضهم الإجماع فيها فعمد إلى النظر الأول الذي يحصل به العلم بوجود الصانع قال
يمكن فيه نية التقرب مع انعقاد الإجماع على تعذر ذلك فيه كما حكاه الفقهاء في
كتبهم فأنكر الإجماع وقال كيف يحكى الإجماع في تعذر هذا وهو واقع في الشريعة في
عدة صور فإن غاية هذا الناظر قبل أن ينظر أن يجوز أن يكون له صانع وأن لا يكون وأن
يكون هذا النظر واجبا عليه وأن لا يكون وهذا لا يمنع قصد التقرب بدليل
هامش إدرار الشروق
باللزوم فلا كما أنهم أرادوا بقولهم يلزم من عدم الشرط عدم المشروط أنه يلزم من
عدمه عدمه في الصورة التي هو فيها شرط
أما لو كان شرطا في حالة دون حالة لم يلزم من عدمه في صورة ما ليس بشرط فيها عدم
المشروط كالطهارة بالماء شرط في صحة الصلاة في صورة القدرة على الماء وعلى
استعماله وليس بشرط في صورة عدم الماء أو عدم القدرة على استعماله فلا جرم يلزم من
عدمه في صورة القدرة على ذلك عدم صحة الصلاة ولا يلزم من عدمه في صورة عدم القدرة
على ذلك عدم المشروط الذي هو صحة الصلاة لعدم الشرطية في تلك الصورة
فالشرط واللازم في هذا الباب سواء فتأمل ذلك الفرق الرابع والأربعون بين قاعدة
الشك في السبب وبين قاعدة السبب في الشك بمعنى أن الشك هو الذي جعله الشرع محل
السببية وموصوفا بها وتحريره أن السبب في الشك كما في مسألة من شك في عين الصلاة
المنسية ونظائرها الواقعة في الشريعة لا يمنع التقرب وتتقرر معه الأحكام ضرورة أن
المتقرب جازم فيه بوجود الموجب وهو الله تعالى وسبب الوجوب الذي هو الشك والواجب
الذي هو الفعل
ودليل الوجوب الذي هو الإجماع أو النص والشك في السبب كما في النظر الأول الذي
يحصل به العلم بوجود الصانع يمنع التقرب ولا يتقرر معه حكم ضرورة أن المتقرب لم
يجزم فيه بوجود الموجب وهو الله تعالى ولا بوجود سبب الوجوب الذي هو الشك ولا
بوجود الواجب الذي هو الفعل ولا بوجود دليل الوجوب الذي هو الإجماع أو النص
فالجميع مجهول مشكوك فيه لا معلوم فلذا حكى الفقهاء في كتبهم انعقاد الإجماع على
تعذر نية التقرب في النظر الأول المذكور واندفع ما أورده بعضهم عليه بأنه كيف يحكي
الإجماع في تعذر هذا وهو واقع في الشريعة في عدة صور فإن غاية هذا الناظر قبل أن
____________________
(1/391)
ما
وقع في الشريعة أن من شك هل صلى أم لا فإنه يجب عليه أن يصلي وينوي التقرب بتلك
الصلاة المشكوك فيها وكذلك من نسي صلاة من الخمس فإنه ينوي التقرب بكل واحدة من
تلك الخمس مع شكه في وجوبها عليه وكذلك من شك هل تطهر أم لا فإنه يتطهر وينوي بذلك
الوضوء التقرب ومن شك هل صام أم لا فإنه يصوم وينوي التقرب بذلك الصيام ومن شك هل
أخرج الزكاة أم لا فإنه يجب عليه إخراج الزكاة وينوي التقرب بها وهو كثير في
الشريعة وإذا وقع في الشريعة نية التقرب بالمشكوك فيه جاز شكه في النظر الأول
وتكون حكاية الإجماع في تعذره خطأ بل يمكن قصد التقرب به قيل له فإن الشك في صورة
النظر الأول في الموجب والشك هاهنا في الواجب فافترقا فقال بل كما لا يمنع الشك في
الواجب وهو أحدهما كذلك لا يمنع في الآخر لأن غاية الشك في الموجب أن يفضي إلى الشك
في الواجب وهذا لا يمنع فذاك لا يمنع والجواب الحق في هذا السؤال أن الشارع شرع
الأحكام وشرع لها أسبابا وجعل من جملة ما شرعه من الأسباب الشك فشرعه في عدة من
الصور حيث شاء فإذا شك في الشاة المذكاة والميتة حرمتا معا وسبب التحريم هو الشك
وإذا شك في الأجنبية وأخته من الرضاعة حرمتا معا وسبب التحريم هو الشك وإذا شك في
عين الصلاة المنسية وجب عليه خمس صلوات وسبب وجوب الخمس هو الشك وإذا شك هل تطهر
أم لا وجب الوضوء وسبب وجوبه الشك
وكذلك بقية النظائر التي ذكرها فالمتقرب في جميع تلك الصور جازم بوجود الموجب وهو
الله تعالى وسبب الوجوب الذي هو الشك والواجب الذي هو الفعل ودليل الوجوب الذي هو
الإجماع أو النص فالجميع معلوم وفي صورة
هامش إدرار الشروق
ينظر يجوز أن يكون له صانع وأن لا يكون وأن يكون هذا النظر واجبا عليه وأن لا يكون
وهذا لا يمنع قصد التقرب بدليل ما وقع في الشريعة أن من شك هل صلى أم لا فإنه يجب
عليه أن يصلي وينوي التقرب بتلك الصلاة المشكوك فيها ونظائر ذلك كثيرة في الشريعة
وإذا وقع في الشريعة نية التقرب بالمشكوك فيه جاز شكه في النظر الأول وتكون حكاية
الإجماع في تعذره خطأ بل يمكن قصد التقرب به ولا ينفع الفرق بأن الشك في صورة
النظر الأول في الموجب وفي صورة غيره الواقع في الشريعة في الواجب إذ كما لا يمنع
الشك في الواجب كذلك لا يمنع في الموجب لأن غاية الشك فيه أن يفضي إلى الشك في
الواجب وحاصل الدفع أن كلا من وجود الموجب وسبب الوجوب والواجب ودليل الوجوب غير
معلوم في صورة النظر بل مجهول مشكوك فيه وفي صورة غيره الواقع في الشريعة مجزوم به
فالأول شك في السبب والثاني سبب في الشك فافترقا وبعبارة أن الشارع شرع الأحكام
وشرع لها أسبابا وجعل من جملة ما شرعه من الأسباب الشك فشرعه في عدة من الصور حيث
شاء منها ما إذا شك في الشاة المذكاة والميتة حرمتا معا وسبب التحريم هو الشك
ومنها ما إذا شك في الأجنبية وأخته من الرضاع حرمتا معا وسبب التحريم هو الشك
ومنها ما إذا شك في عين الصلاة المنسية وجب عليه خمس
____________________
(1/392)
النظر
لا شيء منها بمعلوم بل الجميع مجهول مشكوك فيه فالشك في السبب غير السبب في الشك
فالأول يمنع التقرب ولا يتقرر معه حكم والثاني لا يمنع التقرب وتتقرر معه الأحكام
كما رأيت في هذه النظائر فاندفع سؤال هذا السائل وصح الإجماع ونقل العلماء فيه وما
أورده من النقوض عليهم لا يرد ولا ندعي أن صاحب الشرع نصب الشك سببا في جميع صوره
بل في بعض الصور بحسب ما يدل عليه الإجماع أو النص وقد يلغي صاحب الشرع الشك فلا
يجعل فيه شيئا كمن شك هل طلق أم لا فلا شيء عليه والشك لغو ومن شك في صلاته هل سها
أم لا فلا شيء عليه والشك لغو فهذه صور من الشك أجمع الناس على عدم اعتباره فيها
كما أجمعوا على اعتباره فيما تقدم ذكره من تلك الصور وقسم ثالث اختلف العلماء في
نصبه سببا كمن شك هل أحدث أم لا فاعتبره مالك دون الشافعي ومن شك هل طلق ثلاثا أم
اثنتين ألزمه مالك الطلقة المشكوك فيها دون الشافعي
ومن حلف يمينا وشك ما هي ألزمه مالك جميع الأيمان فقد انقسم الشك ثلاثة أقسام مجمع
على اعتباره ومجمع على إلغائه ومختلف فيه ويتضح لك الفرق أيضا بين الشك في الأسباب
وبين الأسباب في الشك بذكر ثلاث مسائل المسألة الأولى قال بعض العلماء إذا نسي
صلاة من خمس فإنه يصلي خمسا وتصح نيته مع التردد والقاعدة أن النية لا تصح مع التردد
واستثنيت هذه الصورة لتعذر جزم النية فيها وليس الأمر كما قالوا بل المصلي جازم
بوجوب الخمس عليه لوجود سبب وجوبها وهو الشك وإذا وجد سبب الوجوب جزم المكلف
بالوجوب وكانت نيته جازمة لا مترددة وكذلك من شك في جهة الكعبة وقلنا يصلي أربع
صلوات جزمنا بوجوب أربع
هامش إدرار الشروق
صلوات وسبب وجوب الخمس هو الشك ومنها ما إذا شك هل تظهر أم لا وجب الوضوء
وسبب وجوبه الشك ومنها ما إذا شك هل صام أم لا وجب الصوم وسبب وجوبه الشك ومنها ما
إذا شك هل أخرج الزكاة أم لا وجب إخراجها وسبب الوجوب الشك ومنها بقية النظائر
الكثيرة في الشريعة وقد يلغي صاحب الشرع الشك فلا يجعل فيه شيئا كما في صورة النظر
الأول لأن المشكوك فيه مجهول كالموجب والواجب ودليل الوجوب وسببه كما علمت فلا
يكون سببا للحكم الذي هو الوجوب وكمن شك هل طلق أم لا فلا شيء عليه والشك لغو ومن
شك في صلاته هل سها أم لا فلا شيء عليه والشك لغو فهذه صور من الشك أجمع الناس على
عدم اعتباره فيها كما أجمعوا على اعتباره فيما تقدم ذكره من تلك الصور فهذان قسمان
وبقي قسم ثالث اختلف العلماء في نصب الشك سببا فيه كمن شك هل أحدث أم لا فاعتبره
مالك دون الشافعي
ومن شك هل طلق ثلاثا أم اثنتين ألزمه مالك الطلقة المشكوك فيها دون الشافعي ومن
حلف يمينا وشك ما هي ألزمه مالك جميع الأيمان فقد انقسم الشك ثلاثة أقسام مجمع على
اعتباره ومجمع على إلغائه ومختلف فيه وصل في زيادة توضيح هذا الفرق بثلاث مسائل
____________________
(1/393)
عليه
بسبب الشك ويصلي الأربع بنية جازمة وكذلك من التبست عليه الأجنبية بأخته أو
المذكاة بالميتة فإنه جازم بالتحريم لوجود سببه الذي هو الشك وكذلك من التبست عليه
الأواني أو الثياب وقلنا يجتهد فإنه يجزم بوجوب الاجتهاد عليه ولا تردد في شيء من
هذه الصور ألبتة بل القصد جازم والنية جازمة وقس على ذلك بقية النظائر كما تقدم
المسألة الثانية من شك في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثا أو أربعا فإنه يجعلها ثلاثا
ويصلي ركعة ويسجد سجدتين بعد السلام مع أن القاعدة أن من شك هل سها أم لا لا سجود
عليه وهو يجوز أن يكون زاد وأن لا يكون فكيف يسجد مع أنه في غير هذه الصورة لو شك
هل زاد أم لا لا يسجد فتصير هذه المسألة من أعظم المشكلات ويتعذر الفرق بين من شك
هل سها أم لا وبين هذه الصورة ولقد ذكرت هذا الإشكال لجماعة من الفضلاء الأعيان
فلم يجدوا عنه جوابا ثم أنه كيف يصلي هذه الركعة التي قام إليها ولا بد فيها من
تجديد النية فكيف ينوي التقرب بها مع عدم الجزم بوجوبها ويجوز أن تكون محرمة خامسة
وأن تكون واجبة رابعة ومع التردد لا جزم والجواب عن جميع ذلك أن صاحب الشرع جعل
الشك في هذه الصورة سببا لوجوب ركعة وجوب سجدتين بعد السلام ويدل على ذلك أن
القاعدة أن ترتب الحكم على الوصف يقتضي عليه ذلك الوصف لذلك الحكم فصاحب الشرع قد
رتب هذه الأحكام على الشك فقال إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أصلى ثلاثا أم أربعا
فليأت بركعة ويسجد سجدتين يرغم بهما أنف الشيطان فرتب الأحكام المذكورة على الشك
المذكور
هامش إدرار الشروق
المسألة الأولى إذا نسي المكلف صلاة من الخمس صلى خمسا بنية جازمة بوجوب الخمس
عليه لوجود سبب وجوبها وهو الشك لا بنية مترددة حتى يحتاج لأن يقال استثنيت هذه
الصورة من قاعدة أن النية لا تصح مع التردد لتعذر جزم النية فيها وكذلك من شك في
جهة الكعبة يصلي أربع صلوات إلى الجهات الأربع بنية جازمة بوجوب الأربع عليه بسبب
الشك ومن التبست عليه الأواني أو الثياب يجتهد بنية جازمة بوجوب الاجتهاد عليه
بسبب الشك وكذلك من التبست عليه الأجنبية بأخته أو المذكاة بالميتة جازم بالتحريم
لوجود سببه الذي هو الشك فلا تردد في شيء من هذه الصور ألبتة بل القصد جازم النية
جازمة وقس على ذلك بقية النظائر المسألة الثانية قاعدة أن ترتب الحكم على الوصف
يقتضي عليه ذلك الوصف لذلك الحكم مع قول صاحب الشرع إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر
أصلى ثلاثا أم أربعا فليأت بركعة ويسجد سجدتين يرغم بهما أنف الشيطان دليل على أن
صاحب الشرع لما رتب في هذه الصورة وجوب ركعة ووجوب سجدتين بعد السلام على الشك جعل
ذلك الشك فيها سببا لهذين الوجوبين إذ الترتيب دليل السببية ألا ترى أنه لو قال
إذا سها أحدكم فليسجد وإذا أحدث فليتوضأ ونحوه لم يفهم منه إلا سببية السهو لوجوب
____________________
(1/394)
والترتيب
دليل السببية كما لو قال إذا سها أحدكم فليسجد وإذا أحدث فليتوضأ ونحوه فإنه لا
يفهم عنه إلا سببية الأوصاف المتقدمة لهذه الأحكام فيكون الشك سبب وجوب هذه الركعة
وسجود السهو وعلى هذا تكون أسباب السجود ثلاثة الزيادة والنقصان والشك وهذا الثالث
قل أن يتفطن له فتأمله ولا تجد ما يسوغ على مقتضى القواعد غيره وبه يظهر الفرق بين
الشك في سبب السهو وبين الشك في العدد وأن الأول شك في السبب والثاني سبب في الشك
بمعنى أن الشك هو الذي جعله الشرع محل السببية فذكرته بهذه العبارة ليحصل التقابل
بينه وبين الأول طردا وعكسا المسألة الثالثة وقع في بعض تعاليق المذهب أن رجلا
توضأ وصلى الصبح والظهر والعصر والمغرب بوضوء واحد ثم أحدث وتوضأ وصلى العشاء ثم
تيقن أنه نسي مسح رأسه من أحد الوضوءين لا يدري أيهما هو فسأل العلماء فقالوا له
يلزمك أن تمسح رأسك وتعيد الصلوات الخمس فذهب ليفعل ذلك فنسي مسح رأسه وصلى
الصلوات الخمس ثم جاء يستفتي عن ذلك من سأله عن ذلك أولا فقالوا له اذهب وامسح
رأسك وأعد العشاء وحدها فأشكل ذلك على جماعة من فقهاء العصر وقالوا الشك موجود في
الحالتين فكيف أمر أولا بإعادة الصلوات كلها وفي ثاني الحال أمر بإعادة العشاء وحدها
والجواب أن المسح المتروك إن كان من وضوء الصلوات الأربع فقد أعادها بوضوء العشاء
بعد أن استفتى أولا فبرئت الذمة منها وإن كان ذلك من وضوء العشاء فقد برئت الذمة
منها بوضوئها الأول فقد برئت الذمة منها على التقديرين ولم يبق الشك إلا في العشاء
هامش إدرار الشروق
السجود وسببية الحدث لوجوب الوضوء فتكون أسباب السجود ثلاثة السهو في الزيادة
والسهو في النقصان والشك وقل أن يتفطن لهذا الثالث فلم يصل المكلف في هذه الصورة
هذه الركعة التي قام إليها إلا بنية جازمة بوجوبها لوجود سبب وجوبها وهو الشك لا
بنية مترددة في أن تكون محرمة خامسة وأن تكون واجبة رابعة حتى يقال كيف ينوي
التقرب بهذه الركعة مع عدم الجزم بوجوبها وتعين كون هذه الصورة شكا في العدد أي
سببا في الشك بمعنى أن الشك هو الذي جعله الشرع محل السببية وموصوفا بها بخلاف
صورة ما لو شك هل سها أم لا فإنها من الشك في سبب السهو فلذا جرت فيها قاعدة أن من
شك هل سها أم لا لا سجود عليه ولم تجر في الصورة التي قبلها أعني صورة من شك في
صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا وإن جاز فيها أن يكون زاد وأن لا يكون فلم
يتعذر الفرق بين من شك هل سها أم لا وبين هذه الصورة حتى يرد الإشكال على هذه
الصورة بأنه كيف يسجد فيها مع أنه في غيرها لو شك هل زاد أم لا لا يسجد فافهم
المسألة الثالثة سأل رجل بعض علماء المذهب أنه صلى الصبح والظهر والعصر والمغرب
بوضوء واحد ثم أحدث وتوضأ وصلى العشاء ثم تيقن أنه نسي مسح رأسه من أحد الوضوءين
لا يدري أيهما
____________________
(1/395)
فعلى
تقدير أن يكون المسح نسي من وضوئها تكون ثابتة في ذمته لأنه إنما صلاها بوضوء واحد
وهو وضوء العشاء أما غيرها من الصلوات فقد صليت بوضوءين فتصح أما بالأول وأما
بالثاني بخلاف العشاء فلذلك اختلف جواب المفتي قبل الإعادة وبعدها
الفرق الخامس والأربعون بين قاعدة قبول الشرط وبين قاعدة قبول التعليق على الشرط
الحقائق في الشريعة أربعة أقسام ما يقبل الشرط والتعليق عليه وما لا يقبل الشرط
ولا التعليق عليه وما يقبل الشرط دون التعليق عليه وما لا يقبل الشرط ويقبل
التعليق عليه أما القسم الأول فكالطلاق والعتاق ونحوهما فيقبل الشرط بأن يقول أنت
حر وعليك ألف أو أنت طالق وعليك ألف فهذه صورة قبول الشرط فيلزم ذلك إذا اتفقا
عليه وينجز الطلاق والعتاق الآن ويقبل التعليق على الشرط بأن يقول إن دخلت الدار
فأنت طالق أو أنت حر فلا ينجز طلاق ولا عتاق الآن حتى يقع الشرط وأما القسم الثاني
الذي لا يقبلهما فالإيمان بالله تعالى والدخول في الدين فإنه لا يقبل الشرط فلا
يصح أسلمت على أن لي أن أشرب الخمر أو أترك الصلاة ونحوه ويسقط شرطه الذي قرن به
إسلامه وأما عدم قبوله التعليق على الشرط فكقوله إن كنت كاذبا في هذه القضية فأنا مسلم
أو مؤمن أو إن لم آت بالدين في وقت كذا ونحو ذلك من الشروط التي يعلق عليها فلا
يلزم إسلام إذا وجد ذلك الشرط بل يبقى على كفره بسبب أن الدخول في الدين يعتمد
الجزم بصحته والمعلق ليس جازما فهذا متجه في أهل الذمة وأما الحربيون فنحن نلزمهم
الإسلام قهرا بالسيف فجاز أن يلزمهم في هذه الحالة وأما القسم الثالث وهو الذي
يقبل الشرط دون التعليق عليه فكالبيع
هامش إدرار الشروق
هو فقالوا له يلزمك أن تمسح رأسك وتعيد الصلوات الخمس ثم جاء يستفتي عن ذلك من
سأله عن ذلك أولا فقالوا له اذهب وامسح رأسك وأعد العشاء وحدها ووجه اختلاف جواب
المفتي قبل الإعادة وبعدها أن المسح المتروك إن كان من وضوء الصلوات الأربع فقد
أعادها بوضوء العشاء بعد أن استفتى أولا فبرئت الذمة منها وإن كان ذلك من وضوء
العشاء فقد برئت الذمة منها بوضوئها الأول فعلى كل من التقديرين قد برئت الذمة
منها ولم يبق الشك إلا في العشاء لأنه إنما صلاها بوضوء واحد لا بوضوءين كغيرها من
الصلوات فعلى تقدير أن يكون المسح نسي من وضوء العشاء تكون ثابتة في ذمته والله
سبحانه وتعالى أعلم
الفرق الخامس والأربعون بين قاعدة قبول الشرط وبين قاعدة قبول التعليق على الشرط
وذلك أنه لا يلزم من قبول التعليق قبول الشرط ولا من قبول الشرط قبول التعليق فإن
الحقائق في الشريعة على أربعة أقسام القسم الأول ما يقبل الشرط والتعليق عليه من
نحو الطلاق والعتاق فيقبل الشرط بأن يقول أنت
____________________
(1/396)
والإجارة
ونحوهما فإنه يصح أن يقال بعتك على أن عليك أن تأتي بالرهن أو الكفيل بالثمن أو
غير ذلك من الشروط المقارنة لتنجيز البيع ولا يصح التعليق عليه بأن يقول إن قدم
زيد فقد بعتك أو آجرتك بسبب أن انتقال الأملاك يعتمد الرضى والرضى إنما يكون مع
الجزم ولا جزم مع التعليق فإن شأن المعلق عليه أن يكون يعترضه عدم الحصول وقد يكون
معلوم الحصول كقدوم الحاج وحصاد الزرع ولكن الاعتبار في ذلك بجنس الشرط دون أنواعه
وأفراده فلوحظ المعنى العام دون خصوصيات الأنواع والأفراد وأما القسم الرابع وهو
ما يقبل التعليق على الشرط دون مقارنته فكالصلاة والصوم ونحوهما فلا يصح أدخل في
الصلاة على أن لا أسجد أو أسلم بعد سجدة ونحو ذلك وأدخل في الصوم على أن لي
الاقتصار على بعض يوم فلا يصح شيء من ذلك ويصح تعليقه على الشرط فنقول إن قدم زيد
فعلي صوم شهر أو صلاة مائة ركعة ونحوها من الشروط في النذور فهذه الأقسام الأربعة
في هاتين القاعدتين يدور عليها التصرفات في الشريعة ويعلم بذلك أنه لا يلزم من
قبول التعليق قبول الشرط ولا من قبول الشرط قبول التعليق وتطلب المناسبة في كل باب
من أبواب الفقه على وفق ذلك الحكم في تلك المواطن
هامش إدرار الشروق
حر على أن عليك ألفا أو أنت طالق على أن عليك ألفا فيلزم الشرط إن اتفقا عليه
وينجز الطلاق والعتاق الآن ويقبل التعليق على الشرط بأن يقول إن دخلت الدار فأنت
طالق أو أنت حر فلا يقع طلاق ولا عتاق الآن بل حتى يقع الشرط القسم الثاني ما لا
يقبلهما من الإيمان بالله تعالى والدخول في الدين فإنه لا يقبل الشرط بأن يقول أسلمت
على أن لي أن أشرب الخمر أو أترك الصلاة ونحوه بل يسقط شرطه الذي قرن به إسلامه
ولا يقبل التعليق حيث اعتمد الجزم بصحته كما في دخول أهل الذمة في الدين فلا يلزم
إسلام الذمي بقوله إن كنت كاذبا في هذه القضية فأنا مسلم أو مؤمن أو إن لم آت
بالدين في وقت كذا فأنا مسلم أو مؤمن ونحو ذلك من الشروط التي يعلق عليها إذا وجد
ذلك الشرط بل يبقى على كفره لأن المعلق ليس بجازم ودخوله في الدين يعتمد الجزم
بصحته وأما الحربيون فمن حيث إنا نلزمهم الإسلام قهرا بالسيف يجوز أن يلزمهم
إسلامهم في هذه الحالة والقسم الثالث ما يقبل الشرط دون التعليق عليه من نحو البيع
والإجارة فإنه يصح أن يقال بعتك على أن تأتي بالرهن أو الكفيل بالثمن أو غير ذلك
من الشروط المقارنة لتنجيز البيع ولا يصح التعليق عليه بأن يقول إن قدم زيد فقد
بعتك أو آجرتك لأن انتقال الأملاك يعتمد الرضا والرضا إنما يكون مع الجزم ولا جزم
مع التعليق لأن الشأن في جنس المعلق عليه وهو المعتبر دون أنواعه وأفراده أن
يعترضه عدم الحصول فلا يرد أن المعلق عليه قد يكون معلوم الحصول كقدوم الحاج وحصاد
الزرع والقسم الرابع ما يقبل التعليق على الشرط دون مقارنته من نحو الصلاة والصوم
فلا يصح أدخل في الصلاة على أن لا أسجد أو على أن أسلم بعد سجدة ونحو ذلك ولا أدخل
في الصوم على أن لي الاقتصار على بعض يوم ويصح تعليقه على الشرط بأن تقول إن قدم
زيد فعلي صوم شهر أو صلاة مائة
____________________
(1/397)
صفحة
فارغة
هامش إدرار الشروق
ركعة ونحوها من الشروط في النذور فجميع التصرفات في الشريعة تدور على هذه الأقسام
الأربعة في هاتين القاعدتين وتطلب المناسبة في كل باب من أبواب الفقه على وفق ذلك
الحكم في تلك المواطن والله سبحانه وتعالى أعلم
____________________
(1/398)
بسم
الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وسلم الفرق السادس والأربعون بين
قاعدة ما يطلب جمعه وافتراقه وبين قاعدة ما يطلب افتراقه دون جمعه وبين قاعدة ما
يطلب جمعه دون افتراقه المطلوبات في الشريعة ثلاثة أقسام القسم الأول ما يطلب وحده
ومع غيره كالإيمان بالله تعالى ورسله فإنه مطلوب في نفسه وهو شرط في كل عبادة
والشرط مطلوب الحصول مع المشروط فالإيمان مطلوب الجمع مع كل عبادة غير أنه قد
يكتفى منه بالإيمان الحكمي تخفيفا على العبد فإن استحضاره في كل عبادة وفي جميع
أجزائها بما يشق على المكلف فيكتفى بتقديمه فعلا ثم يستصحب حكما وكالدعاء مطلوب في
نفسه والسجود في الصلاة مطلوب في نفسه والجمع بينهما مطلوب وكالتسبيح والتهليل
والتعظيم والإجلال كل منهما مطلوب في نفسه والركوع في الصلاة مطلوب في نفسه أيضا
والجمع بينهما أيضا مطلوب في نفسه ونحو هذه النظائر
القسم الثاني وهو ما يطلب منفردا دون جمعه مع غيره فاعلم أن المطلوبين في الشريعة
قد يكون الجمع بينهما غير مطلوب وربما كان منهيا عنه وقد يكون الجمع بينهما مطلوبا
كما تقدم مثال هذا القسم قراءة القرآن مطلوبة والركوع والسجود مطلوبان ومع
هامش إدرار الشروق
بسم الله الرحمن الرحيم وبحمده والصلاة والسلام على من لا نبي من بعده وآله
الطاهرين وأصحابه الذين شادوا الدين
الفرق السادس والأربعون بين قاعدة ما يطلب جمعه وافتراقه وبين قاعدة ما يطلب
افتراقه دون جمعه وبين قاعدة ما يطلب جمعه دون افتراقه أما أمثلة قاعدة ما يطلب
جمعه وافتراقه فمنها الإيمان بالله تعالى ورسله فإنه مطلوب في نفسه وهو شرط في كل
عبادة لأنه هو الأصل في كل تقرب فإن التقرب بالعبادة فرع التصديق بالأمر بها
والأصل شرط في تحقق الفرع فالإيمان شرط في كل عبادة والشرط مطلوب الحصول مع
المشروط فالإيمان مطلوب الجمع مع كل عبادة غير أنه قد يكتفى منه بالإيمان الحكمي
تخفيفا على العبد فإن استحضاره في كل عبادة وفي جميع أجزائها ربما يشق على المكلف
فيكتفى بتقدمه عن العبادة فعلا ثم يستصحب حكما ومنها الدعاء والسجود فإن كل واحد
منهما مطلوب في نفسه وقد ورد طلب الجمع بينهما في قوله عليه السلام أما الركوع
فعظموا فيه الرب وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فعسى أن يستجاب لكم ومنها
الثناء والتمجيد له تعالى بالتسبيح والتهليل والتعظيم والإجلال فإنه مطلوب في نفسه
والركوع في الصلاة مطلوب في نفسه أيضا وقد ورد طلب الجمع بينهما في نفسه في الحديث
المذكور أيضا وذلك لوجهين
____________________
(2/3)
ذلك
فقد ورد النهي عن الجمع بينهما بقوله عليه السلام نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو
ساجدا عكس ما ورد في الدعاء مع السجود وقوله عليه السلام أما الركوع فعظموا فيه
الرب وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فعسى أن يستجاب لكم
القسم الثالث ما يطلب جمعه دون افتراقه فكالركوع مع سجدتين في الصلاة فإن ذلك
مطلوب الجمع ولم يشرع التقرب بأحدهما منفردا وكالوقوف بعرفة مع رمي الجمار كل واحد
منهما مطلوب مع الآخر وليس مطلوبا منفردا وكالحلاق مع الحج أو العمرة ليس قربة على
انفراده والجمع بينهما قربة ونحو ذلك مما يدل الاستقراء عليه فهذا تمثيل هذه
الأقسام وأما وجه المناسبة في هذه المواطن باعتبار هذه الأحكام فقد يحصل وقد لا
يحصل فيكون ذلك تعبدا لا يطلع على حكمته فالإيمان لما كان الأصل في كل تقرب اشترط
جمعه ليتحقق التقرب فإن التقرب بالعبادة فرع التصديق بالآمر بها والجمع بين الفرع
وأصله مناسب وأما الدعاء مع السجود والثناء مع الركوع فمبني على قاعدة وهي أن الله
تعالى أمر عباده أن يتقربوا إليه على حسب ما جرت العادة به مع الأماثل والملوك
والأكابر فإن الطاعات كلها والمعاصي كلها نسبتها إلى الله تعالى نسبة واحدة لا
تزيده الطاعات ولا تنقصه المعاصي وإنما أمر عباده لتظهر منهم الطاعة على حسب ما
جرت العادة به مع الأكابر ولذلك لما كان السجود في العبادة أبلغ من الركوع قال
عليه السلام أقرب ما يكون العبد من ربه إذا كان ساجدا وكان بذل الدينار أفضل من
بذل الدرهم في
هامش إدرار الشروق
الأول أن القاعدة لما تقررت بأن الله تعالى أمر عباده أن يتقربوا إليه على حسب ما
جرت العادة به مع الأماثل والملوك والأكابر إذ نسبة كل من الطاعات والمعاصي إلى
الله تعالى واحدة لا تزيده الطاعات ولا تنقصه المعاصي وقد جرت عادة الناس مع من
ذكر أن يقدموا الثناء عليهم قبل الطلب منهم تطييبا لقلوبهم واستعطافا لأنفسهم ناسب
جعل الله سبحانه وتعالى الثناء والتمجيد له في الركوع وجعل الدعاء في السجود بعد
الثناء
والوجه الثاني أنه لما كان السجود في العبادة أبلغ شرعا من الركوع كما أن بذل
الدينار صدقة أبلغ في العادة من بذل الدرهم وأبلغية السجود لأمرين أحدهما الإفراط
في القرب من الرب تعالى قال عليه السلام أقرب ما يكون العبد من ربه إذا كان ساجدا
وثانيهما أنه أشق من الركوع لما سيأتي وارتكاب الأشق في تحصيل المأمور به يدل على
المبالغة في الطواعية فيكون موجبا لمزيد الأجور قال عليه السلام أفضل العبادة
أحمزها أي أشقها وكان الدعاء مخ العبادة وهو الأصل في الطلب والثناء وسيلة إليه
حتى سمي دعاء في قوله صلى الله عليه وسلم أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة وأفضل ما قلته
أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله فقد سئل عنه سفيان بن عيينة فقيل له هذا
الثناء فأين الدعاء فأنشد أبيات أمية بن أبي الصلت الثقفي وهي أأطلب حاجتي أم قد
كفاني حياؤك إن شيمتك الحياء إذا أثنى عليك المرء يوما كفاء من تعرضك الثناء
____________________
(2/4)
الصدقة
لأنه في العادة أبلغ وارتكاب المشاق في تحصيل المأمور يكون موجبا لمزيد الأجر لأنه
في العادة يدل على المبالغة في الطواعية فقال عليه السلام أفضل العبادة أحمزها أي
أشقها
ولما جرت عادة الناس مع الملوك أن يقدموا الثناء عليهم قبل الطلب منهم تطييبا
لقلوبهم واستعطافا لأنفسهم جعل الله سبحانه وتعالى الثناء والتمجيد له في الركوع
وجعل الدعاء في السجود بعد الثناء ولهذا المعنى لما سئل سفيان بن عيينة عن قوله
عليه السلام أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة وأفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله
إلا الله فقيل له هذا الثناء فأين الدعاء فأنشد أبيات أمية بن أبي الصلت الثقفي
أأطلب حاجتي أم قد كفاني حياؤك إن شيمتك الحياء إذا أثنى عليك المرء يوما كفاه من
تعرضك الثناء كريم لا يغيره صباح عن الخلق الجميل ولا مساء وعلمك بالحقوق وأنت
قدما لك الحسب المهذب والوفاء
يعني فلما كان الثناء يحصل من الكريم ما يحصله الدعاء سمي الثناء على الله تعالى
دعاء لأنه سبحانه أكرم الأكرمين وقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم حكاية عن الله تعالى أنه قال من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي
السائلين فهذا هو وجه المناسبة في الثناء في الركوع والدعاء في السجود وأما المنع
من الجمع بين القراءة والركوع فلأن القراءة جعل لها الشرع موطنا وهو القيام لأنه
حالة استقرار يتمكن فيه الفكر
هامش إدرار الشروق
كريم لا يغيره صباح عن الخلق الجميل ولا مساء وعلمك بالحقوق وأنت قدما لك الحسب
المهذب والوفاء يعني فلما كان الثناء يحصل من الكريم ما لا يحصله الدعاء سمي
الثناء على الله تعالى دعاء لأنه سبحانه أكرم الأكرمين وقد جاء في الحديث عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله تعالى أنه قال من شغله ذكري عن مسألتي
أعطيته أفضل ما أعطي السائلين ناسب تقديم الوسيلة في الركوع وتأخير الدعاء في
السجود الذي هو أبلغ وأشق وأفرط في القرب من الرب سبحانه وتعالى وأما أمثلة قاعدة
ما يطلب افتراقه دون جمعه فمنها قراءة القرآن مطلوبة في الشريعة كما أن الركوع
والسجود مطلوبان كذلك والجمع بينهما وبين كل واحد منهما غير مطلوب بل قد ورد النهي
عنه بقوله عليه السلام نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا عكس ما ورد في الدعاء
مع السجود في الحديث المتقدم وذلك لوجهين الأول أن الشرع لما عين الركوع للثناء
المحض والسجود للدعاء المحض ناسب أن يعين القيام موطنا للقراءة لأنها قد لا تكون
ثناء ولا دعاء لتشمل الصلاة على جميع أنواع القربات ولا تختص بنوع معين فتكون
حينئذ أفضل الأعمال كما جاء في الحديث أفضل أعمالكم الصلاة
الوجه الثاني أن الشرع إنما جعل القيام موطنا للقراءة لأنه حالة استقرار يتمكن فيه
الفكر من التأمل لمعاني القراءة والاتعاظ بوعيدها ووعدها والتفكر في معانيها على
اختلافها مع حسن الإقبال على الله تعالى بالمناجاة بخلاف الركوع والسجود لما في
الأول من ضيق النفس وضجرها في حالة الانحناء من
التأمل لمعاني القراءة والاتعاظ بوعيدها ووعدها والتفكير في معانيها على اختلافها
مع حسن الإقبال على الله تعالى بالمناجاة وهذه الأحوال لا تناسب الركوع والسجود
لضيق النفس وضجرها في حالة الانحناء وانحصار الأعضاء وحبس النفس فتناسب المنع من
القراءة في هذين الموطنين ولأن القراءة لما عين لها موطن ناسب أن تعين بقية
المواطن لغيرها من الثناء المحض والدعاء المحض فإن القراءة قد لا تكون ثناء ولا
دعاء فتشتمل الصلاة على جميع أنواع القربات ولا تختص بنوع معين فتكون حينئذ أفضل
الأعمال كما جاء في الحديث أفضل أعمالكم الصلاة وهذه المواطن الثلاث مناسبة كل
واحد منها لما وضع فيه فالقراءة في القيام للتمكن والدعاء في السجود لفرط القرب
والثناء عليه لأنه عادة الملوك وأما كون الركوع لا يتقرب به وحده بخلاف السجدة
الواحدة فإنها شرعت قربة في التلاوة وشكر النعم عند من يرى سجدة الشكر فإن الشافعي
رضي الله عنه يراها دون مالك فوجه المناسبة في المنع من التقرب بالركوع وحده لم
أقف فيه على شيء ولا يبعد أنه تعبد وكذلك أركان الحج التي لا يتقرب بها منفردة
الغالب عليها التعبد بخلاف الطواف فإنه شرع قربة وحده دون السعي فإنه لا يشرع قربة
وحده وإن كان قد اشترط مع الطواف صلاة ركعتين
هامش إدرار الشروق
والثاني من انحصار الأعضاء وحبس النفس وذلك لا يناسب أحوال القراءة كما أنه إنما
جعل الدعاء في السجود لما فيه من فرط القرب والثناء في الركوع لأنه وسيلة للدعاء
ولجريانه على عادة الطلب من الملوك كما علمت ومنها الصوم والصلاة كل واحد منهما
طلب التقرب منه منفردا ولم يطلب الجمع بينهما لقاعدتين الأول أنه إذا نذر أن يصلي
صائما لم يلزمه ذلك والقاعدة الثانية أن النذر لا يؤثر إلا في مندوب فلما لم يؤثر
النذر في وجوب الصوم مع الصلاة كما أثر في وجوبه مع الاعتكاف إذا نذره دل ذلك على
أنه ليس بمطلوب مع الصلاة
وإن كان كل واحدة منهما مطلوبا في نفسه وأنه مطلوب مع الاعتكاف فمن هنا ظهر صحة
قول القائل لو لم يكن الصوم شرطا في الاعتكاف لما كان شرطا له بالنذر كالصلاة لكنه
إذا نذر أن يعتكف صائما لزمه ذلك ووجب الصوم فافهم وأما أمثلة قاعدة ما يطلب جمعه
دون افتراقه فمنها الركوع مع سجدتين في الصلاة فإن ذلك مطلوب الجمع ولم يشرع
التقرب بأحدهما منفردا قال الأصل ما معناه لأنه لم يشرع قربة إلا السجدة الواحدة
في التلاوة وكذا في شكر النعم عند الشافعي دون مالك ولم أقف على وجه المناسبة في
المنع من التقرب بالركوع وحده ولا يبعد أنه تعبد ومنها الوقوف بعرفة مع رمي الجمار
كل واحد مطلوب مع الآخر وليس مطلوبا منفردا ومنها السعي مع الطواف في حج أو عمرة
قربة وليس هو بانفراده قربة ومنها الحلاق مع الحج أو العمرة قربة وليس هو بانفراده
قربة
قال الأصل والغالب على أركان الحج التي لا يتقرب بها منفردة أي كالوقوف بعرفة
والسعي وكذا الحلاق على القول بركنيته التعبد بخلاف الطواف فإنه شرع قربة وحده وإن
كان قد اشترط معه صلاة ركعتين وعلى
هذه القواعد والفروق انبنى قول القائل لو لم يكن الصوم شرطا في الاعتكاف لما صار
شرطا له بالنذر كالصلاة لكنه إذا نذر أن يعتكف صائما لزمه ذلك ووجب الصوم وصحة هذا
الكلام مبني على قاعدتين القاعدة الأولى أن النذر لا يؤثر إلا في مندوب ولما أثر
النذر في وجوب الصوم مع الاعتكاف إذا نذره دل ذلك على أنه مطلوب أن يجمع بينهما
والقاعدة الثانية أنه إذا نذر أن يصلي صائما لم يلزمه ذلك لأن الجمع بين الصلاة
والصوم غير مطلوب وإن كان كل واحد منهما مطلوبا في نفسه فلذلك لم يؤثر النذر في
الجمع بين الصلاة والصوم
الفرق السابع والأربعون بين قاعدة المأمور به يصح مع التخيير وقاعدة المنهي عنه لا
يصح مع التخيير وسر الفرق بين هاتين القاعدتين أن المأمور به مع التخيير كخصال
الكفارة يكون الأمر فيه متعلقا بمفهوم أحدها الذي هو قدر مشترك بينها لصدقه على كل
واحد منها فيكون المشترك متعلق الأمر ولا تخيير فيه والخصوصيات هي متعلق التخيير
ولا وجوب فيها فمفهوم أحدها الذي هو قدر مشترك بينها لا يجوز تركه ألبتة لأن تركه
بترك الجميع وهو خلاف الإجماع والخصوصيات متعلق التخيير ولا وجوب فيها لأنه لا يجب
عليه عين العتق ولا عين الكسوة ولا عين الإطعام بل له ترك كل واحد من هذه
الخصوصيات بفعل الآخر ويخرج عن العهدة بفعل المشترك في أيها شاء فإن أعتق حصل
مفهوم
هامش أنوار البروق
قال الفرق السابع والأربعون بين قاعدة المأمور به يصح مع التخيير وقاعدة المنهي
عنه لا يصح مع التخيير وسر الفرق بين هاتين القاعدتين أن المأمور به مع التخيير
كخصال الكفارة يكون الأمر فيه متعلقا بمفهوم أحدها الذي هو قدر مشترك بينها لصدقه
على كل واحد منها قلت قوله إن الأمر في خصال الكفارة متعلق بأحدها صحيح وقوله الذي
هو قدر مشترك
هامش إدرار الشروق
ومنها غير ذلك مما يدل الاستقراء عليه والله سبحانه وتعالى أعلم
الفرق السابع والأربعون بين قاعدة المأمور به يصح مع التخيير وقاعدة المنهي عنه لا
يصح مع التخيير على ما زعم الأصل أنه فرق بينهما المعتزلة دون الأصحاب وأن مذهب
المعتزلة هو الحق وبين سره بما قال ابن الشاط أنه هو المحال عقلا وإن ما حكاه عن
المعتزلة باطل والصحيح ما حكاه سيف الدين عن الأصحاب فانظرهما والصواب عدم الفرق
بينهما أصلا لا عند المعتزلة ولا عند الأصحاب
أما المعتزلة فإنهم وإن اختلفوا في أن الأمر أو النهي بواحد مبهم من أشياء معينة
هل يوجب أو يحرم الكل فيثاب بفعل الكل أو تركه ثواب فعل واجبات وترك محرمات ويعاقب
بترك الكل أو فعله عقاب ترك أحدها
الذي هو قدر مشترك بينها وكذلك إن كسا أو أطعم وأما النهي عن المشترك الذي هو
مفهوم أحدها فالقاعدة تقتضي أن النهي متى تعلق بمشترك حرمت أفراده كلها فإذا حرم
الله تعالى مفهوم الخنزير حرم كل خنزير أو مفهوم الخمر حرم كل خمر والسبب في ذلك
أنه لو دخل فرد في الوجود لدخل في ضمنه المشترك فيلزم المحذور وكذلك يلزم من تحريم
المشترك تحريم جميع الأفراد ولا يلزم من إيجاب المشترك إيجاب كل فرد بسبب
هامش أنوار البروق
بينها ليس بصحيح فإنه ليس مفهوم أحد الأمور إلا واحد منها مبهما غير معين لا
الحقيقة المشترك فيها ولو تعلق الوجوب بالحقيقة من حيث هي تلك الحقيقة للزم شمول
الوجوب لكل شخص مما فيه تلك الحقيقة وليس الأمر كذلك وقوله لصدقه على كل واحد منها
قلت لا يلزم من صدقه على كل واحد منها أن يراد به الحقيقة المشترك فيها
قال فيكون المشترك متعلق الأمر ولا تخيير فيه قلت قد تبين أن متعلق الأمر ليس
المشترك قال والخصوصيات هي متعلق التخيير ولا وجوب فيها قلت ذلك صحيح إن أراد من
حيث تعين كل واحد منها وإن أراد أنها متعلق التخيير من حيث دخولها تحت المشترك فلا
وذلك أنه لا يخلو أن تعتبر الحقيقة الشاملة لأنواع الكفارة وشبهها من حيث تلك
الحقيقة أولا فإن اعتبرت من حيث هي تلك الحقيقة فلا تعلق للوجوب بها وإن لم تعتبر
من حيث هي تلك الحقيقة فلا يخلو أن تعتبر الأنواع من حيث هي تلك الأنواع أولا فإن
اعتبرت من حيث هي تلك الأنواع فلا تعلق للوجوب بها وإن لم تعتبر من حيث هي تلك
الأنواع بل من حيث كل واحد منها قسط من تلك الحقيقة فلا يخلو أن تعتبر من حيث
مجموعها أولا فإن اعتبرت من حيث مجموعها فلا تعلق للوجوب بها وإن لم تعتبر من حيث
مجموعها بل من حيث آحادها فلا يخلو أن تعتبر من حيث تعينها أولا فإن اعتبرت من حيث
تعينها فلا تعلق للوجوب بها وإن لم تعتبر من حيث تعينها لكن اعتبرت من حيث إبهامها
فهي متعلق الوجوب من هذا الوجه لا غير
قال فمفهوم أحدها الذي هو قدر مشترك بينها لا يجوز تركه ألبتة لأن تركه بترك
الجميع وهو خلاف الإجماع إلى قوله بل له ترك كل واحد من هذه الخصوصيات بفعل الآخر
هامش إدرار الشروق
واجبات وفعل محرمات ويسقط فعل الكل الواجب أو تركه بفعل أو ترك واحد منهما أو
الواجب في ذلك أو المحرم في ذلك واحد منهما معين عند الله تعالى ويسقط طلب الفعل
أو الترك في الواجب أو المحرم بفعله أو فعل غيره منها أو بتركه أو ترك غيره منها
أو الواجب أو المحرم في ذلك ما يختاره المكلف للفعل أو للترك منها بأن يفعله أو
يتركه دون غيره وإن اختلف باختلاف اختيار المكلفين إلا أنهم اتفقوا على نفي إيجاب
أو تحريم واحد لا بعينه لما قالوا من أن تحريم الشيء أو إيجابه لما في فعله أو
تركه من المفسدة التي يدركها الفعل وإنما يدركها في المعين وأما الأصحاب فإنهم
اتفقوا على أن الأمر أو النهي بواحد مبهم من أشياء معينة يوجب أو يحرم واحدا منها
لا بعينه وهو القدر المشترك بينهما في ضمن أي معين منها لأنه المأمور به أو المنهي
عنه وتعرف المسألة على جميع الأقوال بالواجب المخير والمحرم المخير لتخيير المكلف
في الخروج عن عهدة أن
المطلوب هو تحصيل تلك الماهية المشتركة وإذا حصل فرد منها حصلت في ضمنه واستغني عن
غيره فلذلك لا يلزم من إيجاب المشترك إيجاب أفراده كلها فصح التخيير مع الأمر
بالمشترك ولم يصح التخيير مع النهي عن المشترك فهذا هو سر الفرق
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله هنا صحيح غير قوله فمفهوم أحدها الذي هو مشترك فإن مفهوم أحدها ليس
المشترك بل واحد غير معين مما في المشترك
قال ويخرج عن العهدة بفعل المشترك في أيها شاء قلت هذا صحيح
قال فإن أعتق حصل مفهوم أحدها الذي هو قدر مشترك بينها وكذلك إن كسا أو أطعم قلت
ليس أحدها هو القدر المشترك بل مبهم غير معين مما فيه المشترك
قال وأما النهي عن المشترك الذي هو مفهوم أحدها قلت قد تقدم مرارا أن مفهوم أحدها
ليس المشترك
قال فالقاعدة تقتضي أن النهي متى تعلق بمشترك حرمت أفراده كلها ولذلك يلزم من
تحريم المشترك تحريم جميع الأفراد قلت ذلك صحيح قال ولا يلزم من إيجاب المشترك
إيجاب كل فرد بسبب أن المطلوب هو تحصيل تلك الماهية المشتركة إلى قوله فهذا هو سر
الفرق قلت ما قاله هنا غير مسلم ولا صحيح بل يلزم من إيجاب المشترك إيجاب كل فرد
مما فيه المشترك إذا كان المقصود تحصيل تلك الماهية المشتركة وإنما لا يلزم إيجاب
كل فرد مما فيه المشترك إذا كان المقصود تحصيل شيء مما فيه المشترك
قال فإن قلت إلى قوله فهذه صور كلها تدل على الجمع بين النهي وبين التخيير
قلت ما أورد عليه من السؤال وارد
قال قلت هذا محال عقلا ومن المحال عقلا أن يفعل الإنسان فردا من جنس أو نوع أو كلي
مشترك من حيث الجملة ولا يفعل ذلك المشترك إلى قوله والتخيير مع النهي عن المشترك
محال عقلا
هامش إدرار الشروق
الواجب أو المحرم بأي من الأشياء يفعله أو يتركه وإن لم يكن من حيث خصومه واجبا أو
محرما عند الأصحاب بل واحد لا بعينه هذا خلاصة ما في جمع الجوامع مع شرح المحلى
ومفاد ذلك أن الخلاف بين قول الأصحاب وبين القول الأول من أقوال المعتزلة المذكورة
معنوي وعليه جماعة من الأصوليين كالآمدي وابن الحاجب والعضد قال السعد وهو مذهب
بعض المعتزلة فيثاب ويعاقب على كل واحد ولو أتى بواحد سقط عنه الباقي بناء على أن
الواجب قد يسقط بدون الأداء
ا ه
وذلك لأن الأمر تعلق بكل منها بخصوصه على وجه الاكتفاء بواحد منها قلنا إن سلم ذلك
لا يلزم منه وجوب الكل المرتب عليه ما ذكر وذهب الإمام الرازي وإمام الحرمين
وجماعة إلى أنه لفظي بناء على تفسير أبي الحسين للقول الأول من أقوال المعتزلة
المذكورة بأنه لا يجوز الإخلال بجميعها ولا يجب الإتيان به وللمكلف أن يختار أياما
كان فهو بعينه مذهب أهل السنة والخلف لفظي لأنهم إنما قالوا بوجوب الكل بهذا
المعنى فرارا من القول فإن
قلت قد وقع النهي مع التخيير في الأختين فإن الله تعالى حرم عليه إحداهما لا
بعينها ولا نعني بتحريم المشترك إلا ذلك وحرم الأم وابنتها من غير تعيين وأوجب
إحدى الخصال في الكفارة وإذا وجبت واحدة لا بعينها حرمت واحدة لا بعينها فهذه صور
كلها تدل على الجمع بين النهي وبين التخيير
هامش أنوار البروق
قلت إن أراد بقوله ولا يفعل ذلك المشترك الحقيقة من حيث هي تلك الحقيقة فليس بصحيح
فكيف ومن قاعدة من يثبت ذلك أنه لا وجود له في الأعيان وإن أراد بقوله لا يفعل ذلك
المشترك أن لا يفعل شيئا مما فيه الحقيقة فقوله صحيح ولا يتناول محل النزاع
قال وأما ما ذكرتموه من الصور فوهم أما الأختان والأم وابنتها فلأن ذلك التحريم
إنما تعلق بالمجموع عينا لا بالمشترك بين الأفراد ولما كان المطلوب أن لا تدخل
ماهية المجموع الوجود والقاعدة العقلية أن عدم الماهية يتحقق بأي جزء كان من
أجزائها لا بعينه فلا جرم أي أخت تركها خرج عن عهدة النهي عن المجموع قلت ما قاله
هنا ليس بصحيح فإنه لا يخلو أن يريد بالنهي عن المجموع النهي عن الجمع أو يريد
بذلك النهي عن الجملة فإن أراد الثاني فقوله ليس بصحيح فإنه يلزم من النهي عن
الجملة النهي عن آحادها وإن أراد الأول وهو النهي عن الجمع فإنه يلزم منه النهي عن
كل واحد مبهم وهو قول خصمه فقد لزمه ما أنكر
قال لا لأنه نهي عن المشترك قلت لو كان نهيا عن المشترك لزم منه النهي عن كل واحد
قال بل لأن الخروج عن عهدة المجموع يكفي فيه فرد من أفراد ذلك المجموع قلت إنما
يكفي ذلك إذا كان المراد بالمجموع الجمع لا إذا كان المراد بالمجموع الجملة
قال فهذا هو السبب لا لأن التحريم تعلق بواحدة لا بعينها بل تعلق بالمجموع ويخرج
عن العهدة بواحدة لا بعينها قلت قد سبق أنه لا يخرج عن العهدة بواحدة لا بعينها
إلا إذا كان المراد تحريم الجمع لا إذا كان المراد بالمجموع تحريم الجملة
هامش إدرار الشروق
بوجوب واحد مبهم لأن العقل لا يدرك فيه مصلحة بناء على عقيدتهم من التحسين
والتقبيح وأن العقل يدرك الأحكام قبل الشرع وإلى هذا يشير العلامة أبو إسحاق في
الموافقات حيث قال وكل مسألة في أصول الفقه ينبني عليها فقه إلا أنه لا يحصل من
الخلاف فيها خلاف في فرع من فروع الفقه كالخلاف مع المعتزلة في الواجب المخير
والمحرم المخير فإن كل فرقة موافقة للأخرى في نفس العمل وإنما اختلفوا في الاعتقاد
بناء على أصل محرر في علم الكلام وفي أصول الفقه له تقرير أيضا وهو هل الوجوب أو
التحريم أو غيرهما راجعة إلى صفات الأعيان أو إلى خطاب الشارع
ا ه
المراد قال الشربيني وأشار المحلي بقوله وهو القدر المشترك بينها إلى الإبهام في
الواجب أي والمحرم وبقوله في ضمن أي معين إلى التعيين في المخير فيه ثم إن القدر
المشترك بينها أعني ذلك المفهوم من حيث تعين المشترك فيه معين فالواجب معين فاندفع
القول بأنه كلف بغير معين وأما خصوصية كل واحد فهو مخير فيه لا واجب فلا يلزم فيه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق