الخميس، 11 مايو 2023

ج9. الفروق أو أنوار البروق في أنواء الفروق

ج9. الفروق أو أنوار البروق في أنواء الفروق (مع الهوامش
أبو العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي
سنة الولادة بلا/ سنة الوفاة 684هـ

صفحة فارغة
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
فإن مرتبة النفس ليست كمرتبة الدين ألا ترى أن الكفر مبيح للدم وأن المحافظة على الدين تبيح تعريض النفس للقتل والإتلاف في الأمر بمجاهدة الكفار والمارقين عن الدين ومرتبة العقل والمال ليست كمرتبة النفس ألا ترى أن قتل النفس مبيح للقصاص فالقتل بخلاف العقل والمال وكذلك سائر ما بقي وإذا نظرت في مرتبة النفس وجدتها متباينة المراتب ألا ترى أن قطع العضو ليس كالذبح وأن الخدش ليس كقطع العضو
وهذا كله محل بيانه الأصول فقد ظهر تفاوت رتب المعاصي والبدع من جملة المعاصي فيتصور فيها التفاوت أيضا فمنها ما يقع في الضروريات إخلالا بها ومنها ما يقع في الحاجيات إخلالا بها ومنها ما يقع في التحسينات إخلالا بها وما يقع في رتبة الضروريات ومنه ما يقع في الدين كما تقدم في اختراع الكفار وتغييرهم ملة إبراهيم عليه السلام ومنه ما يقع في النفس كنحل الهند في تعذيبها أنفسها بأنواع العذاب الشنيع والتمثيل الفظيع والقتل بالأصناف التي تفزع منها القلوب وتقشعر منها الجلود كل ذلك على جهة استعجال الموت لنيل الدرجات العلى في زعمهم والفوز بالنعيم الأكمل بعد الخروج عن هذه الدار العاجلة ومبني على أصول لهم فاسدة اعتقدوها وبنوا عليها أعمالهم ومنه ما يقع في النسل كما في أنكحة الجاهلية التي لا عهد بها في شريعة إبراهيم عليه السلام ولا غيره بل كانت من جملة ما اخترعوا وابتدعوا وهي أنواع منها نكاح الاستبضاع وهو أن يقول الرجل لامرأته إذا طهرت من طمثها أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي يستبضع منه فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد ومنه ما يقع في العقل كزعم بعض الفرق أن العقل له مجال في التشريع وأنه محسن ومقبح فابتدعوا في دين الله ما ليس فيه ومنه ما يقع في المال كاحتجاج الكفار على استحلال العمل بالربا بقياس فاسد كذبهم الله تعالى فيه ورده عليهم بقوله تعالى ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا قال وأما ما تقدم في توجيه طريقة اتحاد حكم البدع فجوابه أنه لا يظهر إلا في حق من يكون عالما بكونها بدعة ويقر بالخلاف للسنة بحتا أما في حق من ليس كذلك فلا وشأن كل من حكمنا له بحكم أهل الإسلام أن لا يقر بالخلاف للسنة بحتا بل يكون غير عالم بأن ما عمله بدعة إذ لا يرضى منتم إلى الإسلام بإبداء صفحة الخلاف للسنة أصلا لأنه مصادم للشارع مراغم للشرع بالزيادة فيه والنقصان منه والتحريف له فلا بد له من تأويل فإن كان مجتهدا ففي استنباطها وتشريعها كقوله هي بدعة ولكنها مستحسنة وكفعله لها مقرا بكونها بدعة لأجل حظ عاجل كفاعل الذنب لقضاء حظه العاجل خوفا على حظه أو فرارا من خوف على حظه أو فرارا من الاعتراض عليه في اتباع السنة كما هو الشأن اليوم في كثير ممن يشار إليه وما أشبه ذلك وإن كان مقلدا ففي تقليده كقوله إنها بدعة ولكنني رأيت فلانا الفاضل يعمل بها وإذا كان كذلك فقول مالك من أحدث في هذه الأمة شيئا لم يكن عليه سلفها فقد زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم خان الرسالة وقوله لمن أراد أن يحرم
____________________

(4/356)


صفحة فارغة
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
من المدينة أي فتنة أعظم من أن تظن أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخر الحكاية أنها إلزام للخصم على عادة أهل النظر كأنه يقول يلزمك في هذا القول كذا لا أنه يقول قصدت إليه قصدا لأنه لا يقصد إلى ذلك مسلم ولازم المذهب وإن اختلف الأصوليون فيه هل هو مذهب أم لا إلا أن شيوخنا البجائيين والمغربيين كانوا يقولون إن لازم المذهب ليس بمذهب ويروى أنه رأي المحققين أيضا فلذلك إذا قرر على الخصم أنكره غاية الإنكار فاعتبار ذلك المعنى على التحقيق لا ينهض إذا وعند ذلك تستوي البدعة مع المعصية
فكما تنقسم المعصية إلى صغائر وكبائر كذلك تنقسم البدع إلى صغائر وكبائر نعم لا تكون البدعة صغيرة إلا بشروط أحدها أن لا يداوم عليها كما أن الصغيرة من المعاصي كذلك فلذلك قالوا لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار إلا أن المعاصي من شأنها في الواقع أنها قد يصر عليها وقد لا يصر عليها وعلى ذلك ينبني طرح الشهادة وسخطة الشاهد بها وعدمه بخلاف البدعة فإن شأنها في الواقع المداومة والحرص على أن لا تزول من موضعها وأن تقوم على تاركها القيامة وتنطلق عليه ألسنة الملامة ويرمى بالتسفيه والتجهيل وينبز بالتبديع والتضليل ضد ما كان عليه سلف هذه الأمة والمقتدى بهم من الأئمة ودليل ذلك أولا الاعتبار فإن أهل البدع كان من شأنهم القيام بالنكير على أهل السنة إن كان لهم عصبة أو لصقوا بسلطان تجري أحكامه في الناس وتنفذ أوامره في الأقطار ومن طالع سير المتقدمين وجد من ذلك ما لا يخفى وثانيا النقل فقد ذكر السلف أن البدعة إذا أحدثت لا تزيد إلا مضيا والمعاصي ليست كذلك فقد يتوب صاحبها وينيب إلى الله تعالى بل قد جاء ما يشد ذلك في حديث الفرق ففي بعض الروايات تتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب لصاحبه ومن هنا جزم السلف بأن المبتدع لا توبة له منها والشرط الثاني أن لا يدعو إليها فإن البدعة قد تكون صغيرة بالإضافة ثم يدعو مبتدعها إلى القول بها والعمل على مقتضاها فيكون إثم ذلك كله عليه فإنه الذي أثارها وسبب كثرة وقوعها والعمل بها فقد ثبت الحديث الصحيح أن كل من سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا والصغيرة إنما تفاوت الكبيرة بحسب كثرة الإثم وقلته فربما تساوي الصغيرة من هذا الوجه الكبيرة أو تربى عنها والشرط الثالث أن لا تفعل في المواضع التي هي مجتمعات الناس أو المواضع التي تقام فيها السنن وتظهر فيها أعلام الشريعة فأما إظهارها في المجتمعات ممن يقتدى به أو ممن يحسن الظن به فذلك من أضر الأشياء على سنة الإسلام فإنها لا تعدو أمرين إما أن يقتدى بصاحبها فيها فإن العوام أتباع كل ناعق لا سيما البدع التي وكل الشيطان بتحسينها للناس والتي للنفوس في تحسينها هوى وعلى حسب كثرة الإتباع يعظم عليه الوزر كما تقدم وأما اتخاذها في المواضع التي تقام فيها السنن فهو كالدعاء إليها بالتصريح لأن عمل إظهار الشرائع الإسلامية توهم أن كل ما ظهر فيها فهو من الشعائر فكان المظهر لها يقول هذه سنة فاتبعوها والشرط الرابع أن لا يستصغرها ولا يستحقرها فإن ذلك وإن فرضناها صغيرة استهانة بها والاستهانة بالذنب أعظم من الذنب
____________________

(4/357)


صفحة فارغة
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
فكان ذلك سببا لعظم ما هو صغير وكذلك معنى البدع المكروهة أنها أدنى رتبة في الذم من رتبة الصغيرة وليس معناها التنزيه الذي هو نفي إثم فاعلها ورفع الحرج عنه ألبتة لأن هذا مما لا يكاد يوجد عليه دليل من الشرع ولا من كلام الأئمة على الخصوص أما الشرع ففيه ما يدل على خلاف ذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال من قال أما أنا فأقوم الليل ولا أنام وقال الآخر أما أنا فلا أنكح النساء إلى آخر ما قالوا رد عليهم عليه السلام ذلك وقال من رغب عن سنتي فليس مني وهذه العبارات أشد شيء في الإنكار مع أن ما التزموا لم يكن إلا فعل مندوب آخر وكذلك ما في الحديث أنه عليه السلام رأى رجلا قائما في الشمس فقال ما بال هذا قالوا نذر أن لا يستظل ولا يتكلم ولا يجلس ويصوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مره فليجلس وليتكلم وليستظل وليتم صومه قال مالك أمره أن يتم ما كان لله عليه فيه طاعة ويترك ما كان عليه فيه معصية فتأمل كيف جعل مالك القيام للشمس وترك الكلام والجلوس معاصي حتى فسر بها الحديث المشهور مع أنها في أنفسها أشياء مباحات لكنه لما أجراها مجرى ما يتشرع به ويدان لله به صارت عند مالك معاصي لله وكلية قوله كل بدعة ضلالة شاهدة لهذا المعنى والجميع يقتضي التأثيم والتهديد والوعيد
وهي خاصية المحرم قال وأما كلام العلماء فإنهم وإن أطلقوا الكراهية في الأمور المنهي عنها لا يعنون بها كراهية التنزيه فقط وإنما هو اصطلاح للمتأخرين حين أرادوا أن يفرقوا بين القبيلين فيطلقون لفظ الكراهية على كراهية التنزيه فقط ويخصون كراهية التحريم بلفظ التحريم والمنع وأشباه ذلك وأما المتقدمون من السلف فإنهم لم يكن من شأنهم فيما لا نص فيه صريحا أن يقولوا هذا حلال وهذا حرام ويتحامون هذه العبارة خوفا مما في الآية من قوله تعالى ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب وحكى مالك عمن تقدمه هذا المعنى فإذا وجدت في كلامهم في البدعة أو غيرها أكره هذا ولا أحب هذا وهذا مكروه وما أشبه ذلك فلا تقطعن على أنهم يريدون التنزيه فقط فإنه إذا دل الدليل في جميع البدع على أنها ضلالة فمن يعد فيها ما هو مكروه كراهية التنزيه اللهم إلا أن يطلقوا لفظ الكراهية على ما يكون له أصل في الشرع ولكن يعارضه أمر آخر معتبر في الشرع فيكره لأجله لا لأنه بدعة مكروهة على تفصيل يذكر في موضعه
ا ه
محل الحاجة من كلام الشاطبي في الاعتصام قلت وحاصل طريقتي عدم التفصيل في البدع أنها على الأولى لا تكون إلا كبائر
وإن تفاوتت أفرادها بكثرة العقاب وعدم كثرته وأنها على الثانية تكون كبائر أو صغائر أو مكروهة إلا أن صغائرها وإن كانت كصغائر غيرها من المعاصي لا يتحقق صغرها إلا بالشروط الأربعة المتقدمة لكن تحقق الشروط في صغائرها بعيد جدا ومكروهها ليس معناه التنزيه وعدم العقاب بل معناه أن عقابه أقل من عقاب الصغيرة فافهم والذي يتحصل من جميع ما ذكر أن طريقة أصحاب مالك المتقدمين على الأصل واختارها الشاطبي وبنى عليها كتابه الاعتصام من أن البدع لا تكون إلا قبيحة منهيا عنها مبنية على أمور ثلاثة الأول أن البدعة حقيقة فيما لم يفعل في الصدر الأول ولم يكن له أصل من أصول الشرع ومجاز في غير ذلك الأمر الثاني أن جميع ما ورد في ذم البدع من نحو قوله صلى الله عليه وسلم كل بدعة ضلالة باق على عمومه الأمر الثالث القول بأن البدع لا تدخل إلا في العاديات التي لا بد فيها من التعبد وأن طريقة انقسام البدع إلى قبيحة وحسنة والقبيحة إلى حرام واصل إلى حد الكفر أو
____________________

(4/358)


الفرق الثالث والخمسون والمائتان بين قاعدة الغيبة المحرمة وقاعدة الغيبة التي لا تحرم قال تعالى ولا يغتب بعضكم بعضا وقال عليه السلام الغيبة أن تذكر في المرء ما يكره إن سمع قيل يا رسول الله وإن كان حقا قال إن قلت باطلا فذلك البهتان فدل هذا النص على أن الغيبة ما يكرهه الإنسان إذا سمعه وأنه لا يسمى غيبة إلا إذا كان غائبا لقوله إن سمع فدل ذلك على أنه ليس بحاضر وهو يتناول جميع ما يكره لأن ما من صيغ العموم تنبيه قال بعض العلماء استثني من الغيبة ست صور الأولى النصيحة لقوله عليه السلام لفاطمة بنت قيس حين شاورته عليه السلام لما خطبها معاوية بن أبي سفيان وأبو جهم أما معاوية فرجل صعلوك لا مال له وأما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه فذكر عيبين فيهما ما يكرهانه لو سمعاه وأبيح ذلك لمصلحة النصيحة ويشترط في هذا القسم أن تكون الحاجة ماسة لذلك وأن يقتصر الناصح من العيوب على ما يخل بتلك المصلحة
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
إلى حد الكبيرة أولا وإلى مكروه تنزيها والحسنة إلى واجبة ومندوبة ومباحة التي اختاره الأصل وابن الشاط ومحمد الزرقاني بل جرى عليها عمل أصحاب مالك المتأخرين كالزقاق وغيره وبنى عليها الأصل الفرق بين القاعدتين المذكورتين وإليها ذهب الإمام النووي والإمام ابن عبد السلام شيخ الشيخ القرافي وغير واحد من أصحاب الشافعي مبنية على ثلاثة أمور أيضا الأول أن البدعة حقيقة فيما لم يفعل في الصدر الأول كان له أصل من أصول الشرع أم لا الأمر الثاني أن جميع ما ورد في البدع من نحو قوله صلى الله عليه وسلم كل بدعة ضلالة عام مخصوص الأمر الثالث القول بأن جميع المخترعات من العاديات ولو لم يلحقها شائبة تعبد تلحق بالبدع وتصير كالعبادات المخترعة والله سبحانه وتعالى أعلم الفرق الثالث والخمسون والمائتان بين قاعدة الغيبة المحرمة وقاعدة الغيبة التي لا تحرم وهو أن الأصل في الغيبة الحرمة لنهي الله عنها بقوله تعالى ولا يغتب بعضكم بعضا أي لا يتكلم أحد منكم في حق أحد في غيبته بما هو فيه مما يكرهه ففيما رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم وطرقه كثيرة عن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال أتدرون ما الغيبة قالوا الله ورسوله أعلم قال ذكرك أخاك بما يكره كما في الزواجر وفي الأصل أن تذكر في المرء ما يكره إن سمع قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته قال الأصل فدل قوله صلى الله عليه وسلم إن سمع نصا على أنه لا يسمى ما يكرهه الإنسان إذا سمعه غيبة إلا إذا كان غائبا وليس بحاضر أي سواء كان حيا أو ميتا قال ولفظ ما من صيغ العموم فتتناول جميع ما يكره
ا ه
أي سواء كان في بدنه كأحول أو قصير أو أسود أو ضدها أو في نسبه كأبوه هندي أو إسكاف أو نحوهما مما يكرهه كيف كان أو في خلقه كسيئ الخلق عاجز ضعيف أو
____________________

(4/359)


خاصة التي حصلت المشاورة فيها أو التي يعتقد الناصح أن المنصوح شرع فيها أو هو على عزم ذلك فينصحه وإن لم يستشره فإن حفظ مال الإنسان وعرضه ودمه عليك واجب وإن لم يعرض لك بذلك فالشرط الأول احتراز من ذكر عيوب الناس مطلقا لجواز أن يقع بينهما من المخالطة ما يقتضي ذلك فهذا حرام بل لا يجوز إلا عند مسيس الحاجة ولولا ذلك لأبيحت الغيبة مطلقا لأن الجواز قائم في الكل والشرط الثاني احتراز من أن يستشار في أمر الزواج فيذكر العيوب المخلة بمصلحة الزواج والعيوب المخلة بالشركة أو المساقاة أو يستشار في السفر معه فتذكر العيوب المخلة بمصلحة السفر والعيوب المخلة بالزواج فالزيادة على العيوب المخلة بما استشرت فيه حرام بل تقتصر على عين ما عين أو تعين الإقدام عليه الثانية التجريح والتعديل في الشهود عند الحاكم عند توقع الحكم بقول المجرح ولو في مستقبل الزمان أما عند غير الحاكم فيحرم لعدم الحاجة لذلك والتفكه بأعراض المسلمين حرام والأصل فيها العصمة وكذلك رواة الحديث يجوز وضع الكتب في جرح المجروح منهم والإخبار بذلك لطلبة العلم الحاملين لذلك لمن ينتفع به وهذا الباب أوسع من أمر
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
في فعله الديني ككذاب أو متهاون بالصلاة أو لا يحسنها أو عاق لوالديه أو لا يعطي الزكاة أو لا يؤديها لمستحقيها أو في فعله الدنيوي كقليل الأدب أو لا يرى لأحد حقا على نفسه أو كثير الأكل أو النوم أو في ثوبه كطويل الذيل أو قصيره وسخه أو في داره كقليلة المرافق أو في دابته كجموح أو في ولده كقليل التربية أو في زوجته ككثيرة الخروج أو عجوز أو تحكم عليه أو قليلة النظافة أو في خادمه كآبق أو غير ذلك من كل ما يعلم أنه يكرهه لو بلغه وحكمة تحريمها مع أنها صدق المبالغة في حفظ عرض المؤمن والإشارة إلى عظيم تأكد حرمته وحقوقه
وزاد تعالى ذلك تأكيدا وتحقيقا بتشبيه عرضه بلحمه ودمه مع المبالغة في ذلك أيضا بالتعبير فيه بالأحب فقال عز من قائل أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا ووجه التشبيه أن الإنسان يتألم قلبه من قرض عرضه كما يتألم بدنه من قطع لحمه لأكله بل أبلغ لأن عرض العاقل عنده أشرف من لحمه ودمه وكما أنه لا يحسن من عاقل أكل لحوم الناس لا يحسن منه قرض عرضهم بالطريق الأولى لأنه ألم ووجه الآكدية في لحم أخيه أن الأخ لا يمكنه مضغ لحم أخيه فضلا عن أكله بخلاف العدو فإنه يأكل لحم عدوه من غير توقف منه في ذلك واندفع بميتا الواقع حالا إما من لحم أخيه أو أخيه ما قد يقال إنما تحرم الغيبة في الوجه لأنها التي تؤلم حينئذ بخلافها في الغيبة فإنه لا اطلاع للمغتاب عليها ووجه اندفاع هذا أن أكل لحم الأخ وهو ميت لا يؤلم أيضا ومع ذلك هو في غاية القبح كما أنه لو فرض الاطلاع لتألم به فإن الميت لو أحس بأكل لحمه لآلمه فكذا الغيبة تحرم في الغيبة لأن المغتاب لو اطلع عليها لتألم وأيضا ففي العرض حق مؤكد لله تعالى فلو فرض أن الغيبة وقعت بحيث لا يمكن المغتاب العلم بها حرمت أيضا رعاية لحق الله تعالى وفطما للناس عن الأعراض والخوض فيها بوجه من الوجوه اللهم إلا للأسباب الآتية لأنها محل ضرورة فتباح حينئذ لأجل الضرورة كما أشارت الآية إلى ذلك أيضا بذكر ميتا إذ لحم الميت إنما يحل للضرورة
____________________

(4/360)


الشهود لأنه لا يختص بحكام بل يجوز وضع ذلك لمن يضبطه وينقله وإن لم تعلم عين الناقل لأنه يجري مجرى ضبط السنة والأحاديث وطالب ذلك غير متعين ويشترط في هذين القسمين أن تكون النية فيه خالصة لله تعالى في نصيحة المسلمين عند حكامهم وفي ضبط شرائعهم أما متى كان لأجل عداوة أو تفكه بالأعراض وجريا مع الهوى فذلك حرام وإن حصلت به المصالح عند الحكام والرواة فإن المعصية قد تجر للمصلحة كمن قتل كافرا يظنه مسلما فإنه عاص بظنه وإن حصلت المصلحة بقتل الكافر وكذلك من يريق خمرا ويظنه خلا اندفعت المفسدة بفعله واشترط أيضا في هذا القسم الاقتصار على القوادح المخلة بالشهادة أو الرواية فلا يقول هو ابن زنا ولا أبوه لاعن منه إلى غير ذلك من المؤلمات التي لا تعلق لها بالشهادة والرواية الثالثة المعلن بالفسوق كقول امرئ القيس فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع فيفتخر بالزنا في شعره فلا يضر أن يحكى ذلك عنه لأنه لا يتألم إذا سمعه بل قد يسر بتلك المخازي فإن الغيبة إنما حرمت لحق المغتاب وتألمه وكذلك من أعلن بالمكس وتظاهر بطلبه من الأمراء والملوك وفعله ونازع
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
الحاقة حتى لو وجد المضطر ميتة أخرى مع ميتة الآدمي لم تحل له ميتة الآدمي بخلاف ما لو لم يجد إلا ميتة الآدمي فإذا تحقق الفرض الصحيح الشرعي الذي لا يتوصل إليه إلا بالغيبة خرجت عن أصلها من الحرمة وحينئذ فتجب أو تباح
وتنحصر التي لا تحرم للغرض الصحيح الشرعي في ستة أبواب نظمها الكمال بقوله القدح ليس بغيبة في ستة متظلم ومعرف ومحذر ولمظهر فسقا ومستفت ومن طلب الإعانة في إزالة منكر كما في حاشية العطار على محلى جمع الجوامع وبيانها كما في الزواجر الأول المتظلم فلمن ظلم أن يشكو لمن يظن أن له قدرة على إزالة ظلمه أو تخفيفه كأن يقول لولاة الأمور إن فلانا أخذ مالي وغصبني أو ثلم عرضي إلى غير ذلك من القوادح المكروهة لضرورة دفع الظلم عنه الثاني الاستعانة على تغيير المنكر بذكره لمن يظن قدرته على إزالته بنحو فلان يعمل كذا فازجره عنه بقصد التوصل إلى إزالة المنكر وإلا كان غيبة محرمة ما لم يكن الفاعل مجاهرا لما يأتي الثالث الاستفتاء بأن يقول لمفت ظلمني بكذا فلان فهل يجوز له وما طريقي في خلاصي منه أو تحصيل حقي أو نحو ذلك والأفضل أن يبهمه فيقول ما تقول في شخص أو زوج كان من أمره كذا لحصول الغرض به وإنما جاز التصريح باسمه مع ذلك لأن المفتي قد يدرك من تعيينه معنى لا يدركه مع إبهامه فكان في التعيين نوع مصلحة لأن هند امرأة أبي سفيان رضي الله عنهما لما قالت للنبي صلى الله عليه وسلم إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم قال خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف متفق عليه الرابع تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم كجرح الرواة والشهود والمصنفين والمتصدين لإفتاء أو إقراء مع عدم أهليته أو مع نحو فسق أو بدعة وهم دعاة إليها ولو سرا فيجوز إجماعا بل يجب وكان يذكر لمن له قدرة على عزل ذي الولاية وتولية غيره أو على نصحه وحثه
____________________

(4/361)


فيه أبناء الدنيا وأبناء جنسه كثير من اللصوص يفتخر بالسرقة والاقتدار على التسور على الدور العظام والحصون الكبار فذكر مثل هذا عن هذه الطوائف لا يحرم فإنهم لا يتأذون بسماعه بل يسرون الرابعة أرباب البدع والتصانيف المضلة ينبغي أن يشهر الناس فسادها وعيبها وأنهم على غير الصواب ليحذرها الناس الضعفاء فلا يقعوا فيها وينفر عن تلك المفاسد ما أمكن بشرط أن لا يتعدى فيها الصدق ولا يفترى على أهلها من الفسوق والفواحش ما لم يفعلوه بل يقتصر على ما فيهم من المنفرات خاصة فلا يقال على المبتدع إنه يشرب الخمر ولا أنه يزني ولا غير ذلك مما ليس فيه وهذا القسم داخل في النصيحة غير أنه لا يتوقف على المشاورة ولا مقارنة الوقوع في المفسدة ومن مات من أهل الضلال ولم يترك شيعة تعظمه ولا كتبا تقرأ ولا سببا يخشى منه إفساد لغيره فينبغي أن يستر بستر الله تعالى ولا يذكر له عيب ألبتة وحسابه على الله تعالى وقد قال عليه السلام اذكروا محاسن موتاكم فالأصل اتباع هذا إلا ما استثناه صاحب الشرع الخامسة إذا كنت
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
على الاستقامة ما يعلمه منه قادحا فيها كفسق أو تغفل لوجوب ذلك عليه وكان يشير ولو إن لم يستشر على مريد تزويج أو مخالطة لغيره في أمر ديني أو دنيوي وقد علم في ذلك الغير قبيحا منفرا كفسق أو بدعة أو طمع أو غير ذلك كفقر في الزوج لقوله عليه السلام لفاطمة بنت قيس حين شاورته عليه السلام لما خطبها معاوية بن أبي سفيان وأبو جهم أما معاوية فرجل صعلوك لا مال له وأما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه متفق عليه وفي رواية لمسلم وأما أبو الجهم فضراب للنساء وبه يرد تفسير الأول بأنه كناية عن كثرة أسفاره فذكر صلى الله عليه وسلم فيهما ما يكرهانه لو سمعاه وأبيح ذلك لمصلحة النصيحة ويشترط في هذا الباب أن تكون الحاجة ماسة لذلك وأن يقتصر الناصح من العيوب على ما يخل بتلك المصلحة خاصة التي حصلت المشاورة فيها أو التي يعتقد الناصح أن المنصوح شرع فيها أو هو على عزم ذلك فينصحه وإن لم يستشره فإن حفظ مال الإنسان وعرضه ودمه عليك واجب وإن لم يعرض لك بذلك فالشرط الأول احتراز من ذكر عيوب الناس مطلقا لجواز أن يقع بينهما من المخالطة ما يقتضي ذلك فهذا حرام لا يجوز إلا عند مسيس الحاجة ولولا ذلك لأبيحت الغيبة مطلقا لأن الجواز قائم في الكل والشرط الثاني احتراز من أن يستشار في أمر الزوج فيذكر العيوب المخلة بمصلحة الزواج والعيوب المخلة بالشركة والمساقاة أو يستشار في السفر معه فيذكر العيوب المخلة بمصلحة السفر والعيوب المخلة بالزواج فالزيادة على العيوب المخلة بما استشير فيه حرام مثلا إن كفى نحو لا يصلح لك لم يزد عليه وإن توقف على ذكر عيب ذكره ولا تجوز الزيادة عليه أو عيبين اقتصر عليهما وهكذا لأن ذلك كإباحة الميتة للمضطر فلا يجوز تناول شيء منها إلا بقدر الضرورة ويشترط أن يقصد بذلك بذل النصيحة لوجه الله تعالى دون حظ آخر وكثيرا ما يغفل الإنسان عن ذلك فيلبس عليه الشيطان ويحمله على التكلم به حينئذ لا نصحا ويزين
____________________

(4/362)


أنت والمغتاب عنده قد سبق لكما العلم بالمغتاب به فإن ذكره بعد ذلك لا يحط قدر المغتاب عند المغتاب عنده لتقدم علمه بذلك فقال بعض الفضلاء لا يعرى هذا القسم عن نهي لأنكما إذا تركتما الحديث فيه ربما نسي فاستراح الرجل المعيب بذلك من ذكر حاله وإذا تعاهدتماه أدى ذلك إلى عدم نسيانه السادسة الدعوى عند ولاة الأمور فيجوز أن يقول إن فلانا أخذ مالي وغصبني وثلم عرضي إلى غير ذلك من القوادح المكروهة لضرورة دفع الظلم عنك تنبيه سألت جماعة من المحدثين والعلماء الراسخين في العلم عمن يروي قوله صلى الله عليه وسلم لا غيبة في فاسق فقالوا لي لم يصح ولا يجوز التفكه بعرض الفاسق فاعلم ذلك فهذا هو تلخيص الفرق بين ما يحرم من الغيبة وما لا يحرم
هامش أنوار البروق
فارغه
هامش إدرار الشروق
له أنه نصح وخير الخامس أن يتجاهر بفسقه أو بدعته كالمكاسين وشربة الخمر ظاهرا وذوي الولايات الباطلة وكقول امرئ القيس فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع بسقط اللوى بين الدخول فحومل فذكر مثل هذا عن هذه الطوائف لا يحرم فإنهم لا يتأذون بذلك بل يسرون ولأنه صلى الله عليه وسلم قال في الذي استأذن عليه ائذنوا له بئس أخو العشيرة متفق عليه وقد احتج به البخاري في جواز غيبة أهل الفساد وأهل الريب وروى خبرا ما أظن فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئا قال الليث كانا منافقين هما مخرمة بن نوفل بن عبد مناف القرشي وعيينة بن حصن الفزاري لكن بشرط الاقتصار على ما تجاهروا به دون غيره فيحرم ذكرهم بعيب آخر إلا أن يكون لسبب آخر مما مر فمن هنا قال الأصل سألت جماعة من المحدثين والعلماء الراسخين في العلم عمن يروي قوله صلى الله عليه وسلم لا غيبة في فاسق فقالوا لي لم يصح ولا يجوز التفكه بعرض الفاسق فاعلم ذلك ونقل في الزواجر عن الخادم أنه وجد بخط الإمام تقي الدين بن دقيق العيد أن القفال في فتاويه خصص الغيبة بالصفات التي لا تذم شرعا بخلاف نحو الزنا فيجوز ذكره لقوله صلى الله عليه وسلم اذكروا الفاسق بما فيه تحذره الناس غير أن المستحب الستر حيث لا غرض فإن كان هناك غرض كتجريحه أو إخبار مخالطة فيلزم بيانه
ا ه
قال الخادم وما ذكره من الجواز في الأول لا لغرض شرعي ضعيف لا يوافق عليه والحديث المذكور ضعيف وقال أحمد منكر وقال البيهقي ليس بشيء فإن صح حمل على فاجر معلن بفجوره أو يأتي بشهادة أو يعتمد عليه فيحتاج إلى بيان حاله لئلا يقع الاعتماد عليه
ا ه
وهذا الذي حمله البيهقي عليه متعين ونقل عن شيخه الحاكم أنه غير صحيح وأورده بلفظ ليس للفاسق غيبة ويقتضى عليه عموم خبر مسلم الذي فيه حدا الغيبة بأنها ذكرك أخاك بما يكره وعليه أجمعت الأمة وهذا كله يرد ما قاله القفال
ا ه
المراد السادس التعريف بنحو لقب كالأعور والأعمش والأصم والأقرع فيجوز وإن أمكن تعريفه بغيره نعم إن سهل تعريفه بغيره فهو أولى والشرط أن يكون ذكر نحو الأعور على جهة التعريف لا التنقيص وإلا حرم فأكثر هذه الأسباب الستة مجمع عليه ويدل لها من السنة أحاديث صحيحة مشهورة
ا ه
أي كالذي تقدم الاستدلال بها وزاد الأصل سابعا وهو ما إذا كنت
____________________

(4/363)


الفرق الرابع والخمسون والمائتان بين قاعدة الغيبة وقاعدة النميمة والهمز واللمز أما الغيبة فقد تقدم بيانها وإنما حرمت لما فيها من مفسدة إفساد الأعراض والنميمة أن ينقل إليه عن غيره أنه يتعرض لأذاه فحرمت لما فيها من مفسدة إلقاء البغضة بين الناس ويستثنى منها النصيحة فيقول له إن فلانا يقصد قتلك ونحو ذلك لأنه من النصيحة الواجبة كما تقدم في الغيبة والهمز تعييب الإنسان بحضوره واللمز هو تعييبه بغيبته فتكون هي الغيبة وقيل بالعكس
هامش أنوار البروق
الرابع والخمسون والمائتان إلا قوله وقيل بالعكس فإني لا أدري الآن مراده بذلك وما قال في
هامش إدرار الشروق
والمغتاب عنده قد سبق لكما العلم بالمغتاب به قال فإن ذكره بعد ذلك لا يحط قدر المغتاب عنده لتقدم علمه بذلك فقال بعض الفضلاء لا يعرى هذا القسم عن نهي لأنكما إذا تركتما الحديث فيه ربما نسي فاستراح الرجل المغيب بذلك من ذكر حاله وإذا تعاهدتماه أدى ذلك إلى عدم نسيانه هذا ما ذكره الأصل في تلخيص الفرق بين ما يحرم من الغيبة وما لا يحرم منها وصححه ابن الشاط مع زيادة من كتاب الزواجر لابن حجر والله سبحانه وتعالى أعلم
الفرق السادس والخمسون والمائتان بين قاعدة الغيبة وقاعدة النميمة والهمز واللمز وهو أنه قد تقدم تعريف الغيبة بأنها ذكرك أخاك بما يكره إن سمعه وتقدم أنها إنما حرمت لما فيها من مفسدة إفساد العرض وعرفوا النميمة بأنها نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على وجه الإفساد بينهم فحرمت لما فيها من مفسدة إلقاء البغضة بين الناس ويستثنى منها ما كان النقل فيها على جهة النصيحة كأن يقول له إن فلانا يقصد قتلك ونحو ذلك لأنها من النصيحة الواجبة كما تقدم في الغيبة قال في الإحياء وما ذكر في تعريف النميمة هو الأكثر ولا يختص بذلك بل هي كشف ما يكره كشفه سواء أكرهه المنقول عنه أو إليه أو ثالث وسواء كان كشفه بقول أو كتابة أو رمز أو إيماء وسواء في المنقول كونه فعلا أو قولا عيبا أو نقصا في المنقول عنه أو غيره فحقيقة النميمة إفشاء السر وهتك الستر عما يكره كشفه وحينئذ ينبغي السكوت عن حكاية كل شيء شوهد من أحوال الناس إلا ما في حكايته نفع لمسلم أو دفع ضر كما لو رأى من يتناول مال غيره فعليه أن يشهد به بخلاف ما لو رأى من يخفي مال نفسه فذكره فهو نميمة وإفشاء للسر
فإن كان ما ينم به نقصا أو عيبا في المحكي عنه فهو غيبة ونميمة
ا ه
قال ابن حجر في الزواجر وما ذكره إن أراد بكونه نميمة أنه كبيرة في سائر الأحوال التي ذكرها ففيه بإطلاقه نظر ظاهر لأن ما فسروا به النميمة لا يخفى أن وجه كونه كبيرة ما فيه من الإفساد المترتب عليه من المضار والمفاسد ما لا يخفى والحكم على ما هو كذلك بأنه كبيرة ظاهر جلي وليس في معناه بل ولا قريبا منه مجرد الإخبار بشيء عمن يكره كشفه من غير أن يترتب عليه ضرر ولا هو عيب ولا نقص فالذي يتجه في هذا أنه وإن سلم للغزالي تسميته نميمة
____________________

(4/364)


فارغة
هامش أنوار البروق
فارغه
هامش إدرار الشروق
لا يكون كبيرة ويؤيده أنه نفسه شرط في كونه غيبة كونه عيبا ونقصا حيث قال فإن كان ما ينم به نقصا إلخ فإذن لم توجد الغيبة إلا مع كونه نقصا فالنميمة الأقبح من الغيبة ينبغي أن لا توجد بوصف كونها كبيرة إلا إذا كان فيما ينم به مفسدة تقارب مفسدة الإفساد التي صرحوا به فتأمل ذلك فإني لم أر من نبه عليه وإنما ينقلون كلام الغزالي ولا يتعرضون لما فيه مما نبهت عليه نعم من قال إن الغيبة كبيرة مطلقا ينبغي أنه لا يشترط في النميمة إلا أن يكون فيها مفسدة كمفسدة الغيبة وإن لم تصل إلى مفسدة الإفساد بين الناس قال والباعث على النميمة منه إرادة السوء بالمحكي عليه أو الحب للمحكي له أو الفرح بالخوض في الفضول وعلاج النميمة هو نحو ما قالوه في علاج الغيبة
وهو إما إجمالي بأن تعلم أنك قد تعرضت بها لسخط الله تعالى وعقوبته كما دلت عليه الآية والأخبار التي وردت في ذلك وأنها تحبط حسناتك لما في خبر مسلم في المفلس من أنه تؤخذ حسناته إلى أن تفنى فإن بقي عليه شيء وضع عليه من سيئات خصمه ومن المعلوم أن من زادت حسناته كان من أهل الجنة أو سيئاته كان من أهل النار فإن استويا فمن أهل الأعراف كما جاء في حديث فاحذر أن تكون الغيبة سببا لفناء حسناتك وزيادة سيئاتك فتكون من أهل النار على أنه روي أن الغيبة والنميمة تحتان الإيمان كما يعضد الراعي الشجرة ومما ينفعك أيضا أنك تتدبر في عيوبك وتجتهد في الطهارة منها وتستحيي من أن تذم غيرك بما أنت متلبس به أو بنظيره فإن كان أمرا خلقيا فالذم له ذم للخالق إذ من ذم صنعة ذم صانعها فإن لم تجد لك عيبا وهو بعيد فاشكر الله إذ تفضل عليك بالنزاهة عن العيوب وينفعك أيضا أن تعلم أن تأذي غيرك بالغيبة كتأذيك بها فكيف ترضى لغيرك ما تتأذى به وإما تفصيلي بأن تنظر في باعثها فتقطعه من أصله إذ علاج العلة إنما يكون بقطع سببها وإذا استحضرت البواعث عليها وهي كثيرة منها الغضب والحقد وتشفي الغيظ بذكر مساوئ من أغضبك ومنها موافقة الإخوان ومجاملتهم بالاسترسال معهم فيما هم فيه أو إبداء نظير ما أبدوه خشية أنه لو سكت أو أنكر استثقلوه
ومنها الحسد لثناء الناس عليه ومحبتهم له ومنها قصد المباهاة وتزكية النفس ومنها السخرية والاستهزاء به تحقيرا له ظهر لك السعي في قطعها كأن تستحضر في الغضب أنك إن أمضيت غضبك فيه بغيبة أمضى الله غضبه فيك لاستخفافك بنهيه وجراءتك على وعيده وفي حديث أن لجهنم بابا لا يدخله إلا من شفى غيظه بمعصية الله تعالى وفي الموافقة أنك إذا أرضيت المخاليق بغضب الله عاجلك بعقوبته إذ لا أغير من الله تعالى وفي الحسد أنك جمعت بين خسار الدنيا بحسدك له على نعمته وكونه معذبا بالحسد وخسارة الآخرة لأنك نصرته بإهداء حسناتك إليه أو طرح سيئاته عليك فصرت صديقه وعدو نفسك فجمعت إلى خبث حسدك جهل حماقتك وربما كان ذلك منك سبب انتشار فضله كما قيل وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسود وفي قصد المباهاة وتزكية النفس أنك بما ذكرته فيه أبطلت فضلك عند الله وأنت لست على ثقة من اعتقاد الناس فيك بل ربما مقتوك إذا عرفوك بثلب الأعراض وقبح الأغراض فقد بعت ما عند الله يقينا بما عند المخلوق العاجز وهما وفي الاستهزاء أنك إذا أخزيت غيرك عند الناس فقد أخزيت نفسك عند الله وشتان ما بينهما وعلاج بقية البواعث ظاهر مما تقرر فلا حاجة للإطالة به
ا ه

____________________

(4/365)


الفرق الخامس والخمسون والمائتان بين قاعدة الزهد وقاعدة ذات اليد اعلم أن الزهد ليس عدم المال بل عدم احتفال القلب بالدنيا والأموال فإن كانت في ملكه فقد يكون الزاهد من أغنى الناس وهو زاهد لأنه غير محتفل بما في يده وبذله في طاعة الله تعالى أيسر عليه من بذل الفلس على غيره وقد يكون الشديد الفقر غير زاهد بل في غاية الحرص لأجل ما اشتمل عليه قلبه من الرغبة في الدنيا والزهد في المحرمات
هامش أنوار البروق
الفرق الخامس والخمسين والمائتين صحيح
هامش إدرار الشروق
قال الأصل والهمز تعييب الإنسان بحضوره واللمز تعييبه بغيبته فتكون هي الغيبة وقيل بالعكس
ا ه
أي أن اللمز تعييبه بحضوره والهمز تعييبه بغيبته فتكون هي الغيبة على ما للأصل نظرا لزيادة إن سمع في حديث تفسير الغيبة وصححه ابن الشاط ووافقه غير واحد من المحققين كالسيد الجرجاني فقال في تعريفاته الغيبة ذكر مساوئ الإنسان في غيبته وهي فيه وإن لم تكن فيه فهي بهتان وإن واجهه بها فهو شتم
ا ه
بلفظه
وقال ابن حجر في الزواجر علم من خبر مسلم السابق أي في تفسير الغيبة بدون الزيادة التي ذكرها الأصل فيه مع ما صرح به الأئمة أن الغيبة أن تذكر مسلما أو ذميا على الوجه بل الصواب معينا للسامع حيا أو ميتا بما يكره أن يذكر به مما هو فيه بحضرته أو غيبته والتعبير بالأخ في الخبر كالآية للعطف والتذكير بالسبب الباعث على أن الترك متأكد في حق المسلم أكثر لأنه أشرف وأعظم حرمة قال وعدم الفرق في الغيبة بين أن تكون في غيبة المغتاب أو بحضرته هو المعتمد وفي الخادم ومن المهتم به ضابط الغيبة هل هي ذكر المساوئ في الغيبة كما يقتضيه اسمها أو لا فرق بين الغيبة والحضور وقد دار هذا السؤال بين جماعة ثم رأيت ابن فورك ذكر في مشكل القرآن في تفسير الحجرات ضابطا حسنا فقال الغيبة ذكر الغير بظهر الغيب وكذا قال سليم الرازي في تفسير الغيبة أن تذكر الإنسان من خلفه بسوء وإن كان فيه وفي المحكم لا تكون إلا من ورائه وقال ابن حجر أيضا واللمز بالقول وغيره والهمز بالقول فقط وروى البيهقي عن ابن جريج أن الهمز بالعين والشدق واليد واللمز باللسان قال البيهقي وبلغني عن الليث أنه قال اللمزة الذي يعيبك في وجهك والهمزة الذي يعيبك بالغيب وفي الإحياء قال مجاهد ويل لكل همزة لمزة الهمزة الطعان في الناس واللمزة الذي يأكل لحوم الناس
ا ه
المراد والله سبحانه وتعالى أعلم
الفرق الخامس والخمسون والمائتان بين قاعدة الزهد وقاعدة ذات اليد الزهد في اللغة قال في المختار ضد الرغبة تقول زهد فيه وزهد عنه من باب سلم وزهد أيضا وزهد يزهد بالفتح فيهما زهدا وزهادة بالفتح لغة فيه والتزهد التعبد والتزهيد ضد الترغيب والمزهد بوزن المرشد القليل المحال وفي الحديث أفضل الناس مؤمن مزهد وفي تعريفات الجرجاني الزهد لغة ترك الميل إلى الشيء وفي اصطلاح أهل الحق هو بغض الدنيا والإعراض عنها وقيل هو ترك راحة الدنيا
____________________

(4/366)


واجب وفي الواجبات حرام وفي المندوبات مكروه وفي المباحات مندوب وإن كانت مباحة لأن الميل إليها يفضي لارتكاب المحرمات والمكروهات فتركها من باب الوسائل المندوبة
هامش أنوار البروق
فارغه
هامش إدرار الشروق
طلبا لراحة الآخرة وقيل هو أن يخلو قلبك مما خلت منه يدك
ا ه
وقال الأصل هو عدم الاحتفال بالدنيا والأموال وإن كانت في ملكه لا عدم المال
ا ه
قلت وتعريفه له وإن كان عدميا عين التعريف الأول له في كلام الجرجاني وإن كان وجوديا وقريب منهما التعريف الثاني في كلام الجرجاني وذات اليد الغني ولو لم يزهد عما في يده من المال فبين الزهد على تعريف الأصل والأول والثاني من تعريفات الجرجاني وبين ذات اليد العموم والخصوص الوجهي لأنه قد يكون الزاهد من أغنى الناس وهو زاهد لأنه غير محتفل بما في يده وبذله الأموال العظيمة في طاعة الله تعالى أيسر عليه من بذل الفلس على غيره وقد يكون فقيرا كما أن ذا اليد قد يكون غير زاهد وقد يكون زاهدا وكذا بين الزهد وبين الفقر العموم والخصوص الوجهي لأن الشديد الفقر قد يكون غير زاهد بل في غاية الحرص لأجل ما اشتمل عليه قلبه من الرغبة في الدنيا وبين الزهد بالتعريف الثالث من تعريفات الجرجاني وبين ذات اليد التباين الكلي وبينه وبين الفقر العموم والخصوص المطلق كما لا يخفى فافهم قال الأصل وصححه ابن الشاط والزهد في المحرمات واجب وفي الواجبات حرام وفي المندوبات مكروه وفي المباحات مندوب وإن كانت مباحة لأن الميل إليها يفضي إلى ارتكاب المحرمات والمكروهات فتركها من باب الوسائل المندوبة
ا ه
والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(4/367)


الفرق السادس والخمسون والمائتان بين قاعدة الزهد وقاعدة الورع فالزهد هيئة في القلب كما تقدم بيانه والورع من أفعال الجوارح وهو ترك ما لا بأس به حذرا مما به البأس وأصله قوله عليه السلام الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه سلم وهو مندوب إليه ومنه الخروج عن خلاف العلماء بحسب الإمكان فإن اختلف العلماء في فعل هل هو مباح أو حرام فالورع الترك أو هو مباح أو واجب فالورع الفعل مع اعتقاد الوجوب حتى يجزئ عن الواجب على المذهب وإن اختلفوا فيه هل هو مندوب أو حرام فالورع الترك أو مكروه أو واجب فالورع الفعل حذرا من العقاب في ترك الواجب وفعل المكروه لا يضره وإن اختلفوا هل هو
هامش أنوار البروق
قال الفرق السادس والخمسون والمائتان بين قاعدة الزهد وقاعدة الورع فالزهد هو هيئة في القلب كما تقدم بيانه والورع من أفعال الجوارح وهو ترك ما لا بأس به حذرا مما به بأس وأصله قوله صلى الله عليه وسلم الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه وهو مندوب إليه قلت ما قاله في ذلك صحيح قال ومنه الخروج عن خلاف العلماء بحسب الإمكان فإن اختلف العلماء في فعل هل هو مباح أو حرام فالورع الترك أو هو مباح أو واجب فالورع الفعل مع اعتقاد الوجوب حتى يجزئ عن الواجب على المذهب وإن اختلفوا فيه هل هو مندوب أو حرام
هامش إدرار الشروق
الفرق السادس والخمسون والمائتان بين قاعدة الزهد وقاعدة الورع وهو أن الزهد على تعريف الأصل والأول والثالث من تعريفات الجرجاني المتقدمة هيئة في القلب وعلى الثاني من تعريفات الجرجاني فعل من أفعال الجوارح وأما الورع ففي الأصل هو ترك ما لا بأس به حذرا مما به البأس وفي تعريفات الجرجاني هو اجتناب الشبهات خوفا من الوقوع في المحرمات وقيل هي ملازمة الأعمال الجميلة
ا ه
قلت ومآل الثلاثة أن الورع فعل من أفعال الجوارح وأصلها قوله عليه الصلاة والسلام الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه أي سلم دينه وعرضه وهو مندوب إليه وبينه وبين الزهد على تعريف الأصل والأول والثالث من تعريفات الجرجاني المتقدمة التباين الكلي وبينه وبين الزهد على الثاني من تعريفات الجرجاني المتقدم العموم والخصوص المطلق والزهد هو الأعم فليتأمل بإمعان وفي العزيزي بعد ما رواه في الجامع الصغير عما خرجه مسلم وأبو داود والنسائي عن ابن عمر رضي الله عنهما عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا أعطيت شيئا من غير أن تسأل فكل وتصدق
____________________

(4/368)


مشروع أم لا فالورع الفعل لأن القائل بالمشروعية مثبت لأمر لم يطلع عليه النافي والمثبت مقدم على النافي كتعارض البينات وذلك كاختلاف العلماء في مشروعية الفاتحة في صلاة الجنازة فمالك يقول ليست بمشروعة والشافعي يقول هي مشروعة أو واجبة فالورع الفعل لتيقن الخلوص من إثم ترك الواجب على مذهبه وكالبسملة قال مالك هي في الصلاة مكروهة وقال الشافعي هي واجبة فالورع الفعل للخروج عن عهدة ترك الواجب فإن اختلفوا هل هو حرام أو واجب فالعقاب متوقع على كل تقدير فلا ورع إلا أن نقول إن المحرم إذا عارضه الواجب قدم على الواجب لأن رعاية درء المفاسد أولى من رعاية حصول المصالح وهو الأنظر فيقدم المحرم ها هنا فيكون
هامش أنوار البروق
فالورع الترك أو مكروه أو واجب فالورع الفعل حذرا من العقاب في ترك الواجب وفعل المكروه لا يضره وإن اختلفوا هل هو مشروع أم لا فالورع الفعل لأن القائل بالمشروعية مثبت لأمر لم يطلع عليه النافي والمثبت مقدم على النافي كتعارض البينات وذلك كاختلاف العلماء في مشروعية الفاتحة في صلاة الجنازة فمالك يقول ليست مشروعة والشافعي يقول هي مشروعة وواجبة فالورع الفعل لتيقن الخلوص من إثم ترك الواجب على مذهبه وكالبسملة قال مالك هي في الصلاة مكروهة وقال الشافعي هي واجبة فالورع الفعل للخروج عن عهدة ترك الواجب فإن اختلفوا هل هو حرام أو واجب فالعقاب متوقع على كل تقدير فلا ورع إلا أن المحرم إذا عارضه الواجب قدم على الواجب لأن رعاية درء المفاسد أولى من رعاية حصول المصالح وهو الأنظر فيقدم المحرم ها هنا فيكون الورع الترك وإن اختلفوا هل هو مندوب أو مكروه
هامش إدرار الشروق
قال المناوي إرشاد يعني انتفع به وفيه إشارة إلى أن شرط قبول المبذول علم حله باعتبار الظاهر ويؤخذ من كلام العلقمي أنه إن علم حله استحب القبول وإن علم حرمته حرم القبول وإن شك فالاحتياط رده وهو الورع
ا ه
قال الحفني أو من الشبهة لكن محله إن لم يعارضه حب الثناء كأن يقال فلان زاهد لا يقبل شيئا لأنه يرد ما فيه شبهة حينئذ أخر من قبوله ا ه وفي العزيزي ما رواه سعيد بن منصور في سننه وابن ماجه والبيهقي في سننه عن أنس بن مالك من قوله صلى الله عليه وسلم إذا أقرض أحدكم أخاه قرضا فأهدى إليه طبقا فلا يقبله أو حمله على دابته فلا يركبها إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك المراد أهدى إليه شيئا أو أراد أن يركبه دابته أو يحمل عليها متاعا له فلا يركبها أي لا يستعملها بركوب ولا غيره قال العلقمي هو محمول على التنزه والورع أي فهو خلاف الأولى والله تعالى أعلم وصل في ثلاث مسائل تتعلق بهذا الفرق المسألة الأولى اختلف الأصل وابن الشاط في أن الخروج من خلاف العلماء بحسب الإمكان هل يعد من الورع أو لا يعد منه فذهب الأصل إلى أنه يعد منه وقال فإن اختلف العلماء في فعل هل هو مباح أو حرام فالورع الترك أو هو مباح أو واجب فالورع الفعل مع
____________________

(4/369)


الورع الترك وإن اختلفوا هل هو مندوب أو مكروه فلا ورع لتساوي الجهتين على ما تقدم في المحرم والواجب ويمكن ترجيح المكروه كما تقدم في المحرم وعلى هذا المنوال تجري قاعدة الورع وهذا مع تقارب الأدلة أما إذا كان أحد المذهبين ضعيف الدليل جدا بحيث لو حكم به حاكم لنقضناه لم يحسن الورع في مثله وإنما يحسن إذا كان مما يمكن تقريره شريعة الدال على دخول الورع في ذلك هذا أمر لا أعرف له وجها غير ما يتوهم من توقع الإثم والعقاب وذلك منتف بالدليل الإجماعي القطعي وكيف يصح ذلك والنبي صلى الله عليه وسلم يقول أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم فأطلق القول من غير تقييد ولا تفصيل ولا تنبيه على وجه الورع في ذلك ثم لم يحفظ التنبيه في ذلك عن واحد من أصحابه
هامش أنوار البروق
فلا ورع لتساوي الجهتين على ما تقدم في المحرم والواجب يمكن ترجيح المكروه كما تقدم في المحرم وعلى هذا المنوال تجري قاعدة الورع وهذا مع تقارب الأدلة أما إذا كان أحد المذهبين ضعيف الدليل جدا بحيث لو حكم به حاكم لنقضناه لم يحسن الورع في مثله وإنما يحسن إذا كان مما يمكن تقريره شريعة قلت لا يصح ما قاله من أن الخروج عن الخلاف يكون ورعا بناء على أن الورع في ذلك لتوقع العقاب وأي عقاب يتوقع في ذلك أما على القول بتصويب المجتهدين فالأمر واضح لا إشكال فيه
وأما على القول بتصويب أحد القولين أو الأقوال دون غيره فالإجماع منعقد على عدم تأثيم المخطئ وعدم تعيينه فلا يصح دخول الورع في خلاف العلماء على هذا الوجه وأما الدليل العلم به عادة وإن عنى كما إذا قالت إحدى البينتين رأيناه يوم عرفة من عام
هامش إدرار الشروق
اعتقاد الوجوب حتى يجزئ عن الواجب على المذهب وإن اختلفوا فيه هل هو مندوب أو حرام فالورع الترك أو مكروه أو واجب فالورع الفعل حذرا من العقاب في ترك الواجب وفعل المكروه لا يضره وإن اختلفوا هل هو مشروع أم لا فالورع الفعل لأن القائل بالمشروعية مثبت لأمر لم يطلع عليه النافي والمثبت مقدم على النافي كتعارض البينات وذلك كاختلاف العلماء في مشروعية الفاتحة في صلاة الجنازة فمالك يقول ليست بمشروعة والشافعي يقول هي مشروعة واجبة فالورع الفعل لتيقن الخلوص من إثم ترك الواجب على مذهبه وكالبسملة قال مالك هي في الصلاة مكروهة وقال الشافعي هي واجبة فالورع الفعل للخروج عن عهدة ترك الواجب وإن اختلفوا هل هو حرام أو واجب فالعقاب متوقع على كل تقدير فلا ورع إلا أن تقول إن المحرم إذا عارضه الواجب قدم على الواجب لأن رعاية درء المفاسد أولى من رعاية حصول المصالح وهو الأنظر فيقدم المحرم ها هنا فيكون الورع الترك وإن اختلفوا هل هو مندوب أو مكروه فلا ورع لتساوي الجهتين على ما تقدم في المحرم والواجب ويمكن ترجيح المكروه كما تقدم في المحرم وعلى هذا المنوال تجري قاعدة الورع وهذا مع تقارب الأدلة أما إذا كان أحد المذهبين ضعيف الدليل جدا بحيث لو حكم به حاكم لنقضناه لم يحسن الورع في مثله
____________________

(4/370)


ولا غيرهم من السلف المتقدم ثم الخروج عن الخلاف لا يتأتى في مثل ما مثل به كما في مسألة الخلاف بالتحريم والتحليل في الفعل الواحد فإنه لا بد من الإقدام على ذلك الفعل والانكفاف عنه فإن أقدم عليه المكلف فقد وافق مذهب المحلل وإن انكف عنه فقد وافق مذهب المحرم فأين الخروج عن الخلاف إنما ذلك عمل على وفق أحد المذهبين لا خروج عن المذهبين ومثاله أكل لحوم الخيل فإنه مباح عند الشافعي ممنوع أو مكروه عند مالك فإن أقدم على الأكل فذلك مذهب الشافعي وإن انكف فذلك مذهب مالك وما قاله فيما إذا اختلفوا في المشروعية وعدمها من أن القائل بها مثبت لأمر لم يطلع عليه النافي والمثبت مقدم كتعارض البينات ليس بصحيح على الإطلاق فإنه إن عنى بتعارض البينات كما إذا قالت إحدى البينتين لزيد عند عمرو دينار وقالت
هامش أنوار البروق
سبعمائة بمكة وقالت الأخرى رأيناه في ذلك اليوم بعينه بالمدينة فهذا تعارض ولا يصح تقديم إحداهما على الأخرى إلا بالترجيح وهذه الصورة هي التي تشبه مسألة المجتهدين لا الصورة الأولى فإذا وقع الخلاف في مثل هذا الاجتهاد ثبت الخلاف من غير تقديم لأحد المذهبين على الآخر إلا عند من رجح عنده كالمجتهدين وكل من رجح عنده ذلك المذهب لا يسوغ له تركه وكل من رجح عنده المذهب الآخر لا يسوغ له تركه فلا ورع باعتبار المجتهدين ولا بد لمن حكمه التقليد أن يعمل بالتقليد فإذا قلد أحد المجتهدين لا يتمكن له في تلك الحال وفي تلك القضية أن يقلد الآخر ولا أن ينظر لنفسه لأنه ليس من أهل النظر والمكلفون كلهم دائرون بين الاجتهاد والتقليد والمجتهد ممنوع من الأخذ بغير ما اقتضاه نظره فلا يصح الورع الذي يقتضي خلاف مذهب مقلده في حقه وإذا كان هذا النوع من الورع لا يصح في حق المجتهدين ولا في حق المقلدين فليس بصحيح لأنه لا ثالث
هامش إدرار الشروق
وإنما يحسن إذا كان مما يمكن تقريره شريعة
ا ه
وذهب الإمام ابن الشاط إلى أن الخروج من خلاف العلماء بحسب الإمكان لا يعد من الورع وقال لا يصح ما قاله الشهاب لوجوه الوجه الأول أنه مبني على أن الورع في ذلك توقع العقاب وأي عقاب يتوقع في ذلك أما على القول بتصويب المجتهدين فالأمر واضح لا إشكال فيه وأما على القول بتصويب أحد القولين أو الأقوال دون غيره فالإجماع منعقد على عدم تأثيم المخطئ وعدم تعيينه فلا يصح دخول الورع في خلاف العلماء على هذا الوجه الوجه الثاني أنه لا دليل على دخول الورع في ذلك غير ما يتوهم من توقع الإثم والعقاب وذلك منتف بالدليل الإجماعي القطعي الوجه الثالث كيف يصح دخول الورع في ذلك والنبي صلى الله عليه وسلم يقول أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم فأطلق القول من غير تقييد ولا تفصيل ولا تنبيه على وجه الورع في ذلك الوجه الرابع أنه لم يحفظ التنبيه في ذلك عن واحد من أصحابه يعني الصحابة رضي الله عنهم ولا غيرهم من السلف المتقدم الوجه الخامس أن الخروج عن الخلاف لا يتأتى في مثل ما مثل به الشهاب كما في مسألة الخلاف بالتحريم والتحليل في الفعل الواحد فإنه لا بد من الإقدام على ذلك الفعل والانكفاف عنه فإن أقدم المكلف فقد وافق مذهب المحلل وإن انكف عنه فقد وافق مذهب المحرم فأين الخروج عن الخلاف إنما
____________________

(4/371)


الأخرى ليس عنده شيء فلا تعارض لأن النافية معنى نفيها أنها لا تعلم أن له عنده شيئا أو ليس عنده شيء فلا تعارض وليس معنى نفيها أنها تعلم أنه ليس له عنده شيء فإن ذلك أمر يتعذر وها هنا ثلاث مسائل المسألة الأولى أنكر جماعة من الفقهاء دخول الورع في مسح الشافعي مثلا جميع رأسه قالوا لأنه إن اعتقد الوجوب فقد ترك الندب فلم يجمع بين المذهبين بل هذا مذهب مالك فقط وإن لم يعتقد الوجوب لم يجزه المسح إلا بنية الندب فما حصل الجمع بين المذهبين وكذلك المالكي إذا بسمل وكل موضع اختلف فيه على هذا النحو يوردون فيه هذا السؤال وليس بوارد بسبب أنا نقول يعتقد في مسح رأسه كله الندب على رأي الشافعي والوجوب على رأي مالك وليس في ذلك الجمع بين الضدين فإن الندب
هامش أنوار البروق
يصح ذلك الورع في حقه والله تعالى أعلم
قال وها هنا ثلاث مسائل المسألة الأولى أنكر جماعة من الفقهاء دخول الورع في مسح الشافعي مثلا جميع رأسه قالوا لأنه إن اعتقد الوجوب فقد ترك الندب فلم يجمع بين المذهبين بل هذا مذهب مالك فقط وإن لم يعتقد الوجوب لم يجزه المسح إلا بنية الندب فما حصل الجمع بين المذهبين وكذلك المالكي إذا بسمل وكل موضع اختلف فيه على هذا النحو يوردون فيه هذا السؤال وليس بوارد لأنا نقول يعتقد في مسح رأسه كله الندب على رأي الشافعي والوجوب على رأي مالك وليس في ذلك الجمع بين الضدين الندب والوجوب فإن الندب والوجوب والأحكام الشرعية أضداد ولكن الجمع بين الضدين إنما يمتنع إذا اتحد المتعلق مع اتحاد المحل أما اتحاد المحل فقط فلا يمتنع لأن الصداقة ضد العداوة والبغضة ضد المحبة ويمكن أن يجتمع في القلب العداوة للكافرين والصداقة للمؤمنين
هامش إدرار الشروق
ذلك عمل على وفق أحد المذهبين لا خروج عن المذهبين ومثاله أكل لحوم الخيل فإنه مباح عند الشافعي ممنوع أو مكروه عند مالك فإن أقدم على الأكل فذلك مذهب الشافعي وإن انكف فذلك مذهب مالك قال وما قاله فيما إذا اختلفوا لنا في المشروعية وعدمها من أن القائل بها مثبت لأمر لم يطلع عليه الثاني والمثبت مقدم على النافي كتعارض البينات ليس بصحيح على الإطلاق فإنه إن عنى بتعارض البينات كما إذا قالت إحدى البينتين لزيد عند عمرو دينا وقالت الأخرى ليس عنده شيء فلا تعارض لأن النافية معنى نفيها أنها لا تعلم أن له عنده شيئا أو ليس عنده شيء فلا تعارض
وليس نفيها أنها تعلم أنه ليس له عنده شيء فإن ذلك أمر يتعذر العلم به عادة وإن عنى كما إذا قالت إحدى البينتين رأيناه يوم عرفة من عام سبعمائة بمكة وقالت الأخرى رأيناه في ذلك اليوم بعينه بالمدينة فهذا تعارض ولا يصح تقديم إحداهما على الأخرى إلا بالترجيح وهذه الصورة هي التي تشبه مسألة المجتهدين لا الصورة الأولى فإذا وقع الخلاف في مثل هذا الاجتهاد ثبت الخلاف من غير تقديم لأحد المذهبين على الآخر إلا عند من رجح عنده كالمجتهدين وكل من رجح عنده ذلك المذهب لا يسوغ له تركه فلا ورع باعتبار المجتهدين ولا بد لمن حكمه التقليد أن يعمل بالتقليد فإذا قلد أحد المجتهدين لا يتمكن له في تلك الحال وفي تلك القضية أن يقلد الآخر ولا أن ينظر لنفسه لأنه ليس من
____________________

(4/372)


والوجوب والأحكام الشرعية أضداد لكن الجمع بين الضدين إنما يمتنع إذا اتحد المتعلق مع اتحاد المحل أما اتحاد المحل فقط فلا يمتنع الجمع لأن الصداقة ضد العداوة والبغضة ضد المحبة ويمكن أن يجتمع في القلب العداوة للكافرين والصداقة للمؤمنين والمحبة للصالحين والبغضة للطالحين بسبب أن متعلق أحد الضدين غير متعلق الآخر كذلك ها هنا اختلفت الإضافة فنقول اعتقد هذا الفعل واجبا على مذهب مالك ومندوبا على مذهب الشافعي فيجمعهما في ذهنه باعتبار جهتين وإضافتين كما يصدق أن زيدا أب لعمرو ليس أبا لخالد فاجتمع فيه النقيضان باعتبار إضافتين وقد أجمع أرباب المعقول على أن من شروط التناقض والتضاد اتحاد الإضافة كما تقدم مثاله في الأبوة فإذا تعددت الإضافة اجتمع النقيضان والضدان وعلى هذا التقدير يجتمع في الذهن الواحد في الزمن
هامش أنوار البروق
والمحبة للصالحين والبغضة للطالحين بسبب أن متعلق أحد الضدين غير متعلق الآخر كذلك ها هنا اختلفت الإضافة فنقول اعتقاد هذا الفعل واجبا على مذهب مالك ومندوبا على مذهب الشافعي فيجمعها في ذهنه باعتبار جهتين وإضافتين كما يصدق أن زيدا أب لعمرو وليس أبا لخالد فاجتمع فيه النقيضان باعتبار إضافتين وقد أجمع أرباب المعقول أن من شروط التناقض والتضاد اتحاد الإضافة كما تقدم مثاله في الأبوة فإذا تعددت الإضافة اجتمع النقيضان والضدان وعلى هذا التقدير يجتمع في الذهن الواحد في الزمن الواحد في الفعل الواحد الوجوب والتحريم والكراهة والندب والإباحة باعتبار خمسة من العلماء القائلين بتلك الأحكام فعلى هذا التقدير تصورنا الجمع بين المذاهب على وجه يحصل الإجزاء والاستيفاء للمقاصد والورع والخروج عن العهدة من غير تناقض فتأمله فقد نازعني فيه كثير من الفضلاء
هامش إدرار الشروق
أهل النظر والمكلفون كلهم دائرون بين الاجتهاد والتقليد والمجتهد ممنوع من الأخذ بغير ما اقتضاه نظره والمقلد ممنوع من الأخذ بالذي يقتضي خلاف مذهب مقلده في حقه فلا يصح الورع الذي يقتضي خلاف نظر المجتهد في حقه وخلاف مذهب المقلد في حق المقلد وإذا كان هذا النوع من الورع لا يصح في حق المجتهدين ولا في حق المقلدين فليس بصحيح لأنه لا ثالث يصح ذلك الورع في حقه قال وبالجملة فلزوم عمل المجتهد ومقلده على حسب مقتضى اجتهاد المجتهد كما يمنع حصول الورع في اختلاف المذاهب بالإيجاب والتحريم إذ يتعين الفعل في الأول
والترك في الثاني كذلك يمنع حصوله في اختلافها بالإيجاب والندب والتحليل أو بالتحريم والكراهة حتى عند من يقول إن الثلاثة الأول مشتركة في جواز الفعل والاثنان مشتركان في رجحان الترك وأن توهم صحة ذلك ضرورة أن اللزوم المذكور يمنع من صحة ذلك إلا أن يقول قائل في المقلد إنه يسوغ له تقليد أحد القائلين بالوجوب والندب مثلا لا بعينه ويفعل الفعل بنية التفويض لكن لا أعرفه لأحد ولا أعرف له وجها قال وما وجه به الشهاب تسويغ تقليد أحد القائلين بالوجوب والندب مثلا من أن مقلد الشافعي يعتقد في مسح
____________________

(4/373)


الواحد في الفعل الواحد الوجوب والتحريم والكراهة والندب والإباحة باعتبار خمسة من العلماء القائلين بتلك الأحكام فعلى هذا التقدير تصورنا الجمع بين المذاهب على وجه يحصل الإجزاء والاستيفاء للمقاصد والورع والخروج عن العهدة من غير تناقض فتأمله فقد نازعني فيه جمع كثير من الفضلاء المسألة الثانية كثير من الفقهاء يعتقد أن المالكي يعتقد بطلان مذهب الشافعي إذا لم يتدلك في غسله أو يمسح جميع رأسه ونحوه وأن الشافعي يعتقد بطلان صلاة المالكي إذا لم يبسمل وأن الجمع بين المذاهب والورع في ذلك إنما هو لصون الصلاة ونحوها عن البطلان على قول المخالف وليس كذلك والورع في ذلك ليس لتحصيل صحة العبادة بل عبادة كل مقلد لإمام معتبر صحيحة بالإجماع وأجمع كل فريق مع خصمه على
هامش أنوار البروق
قلت قد تقدم أن الورع لا يحصل باعتبار اختلاف المذاهب للزوم المذهب للمجتهد والمقلد جميعا لا سيما عند اختلافهما بالإيجاب والتحريم إذ يتعين الفعل في الأول والترك في الثاني وأما في الإيجاب والندب والتحليل أو في التحريم والكراهة فقد يتوهم صحة ذلك من يقول إن الثلاثة الأول مشتركة في جواز الفعل والاثنان مشتركان في رجحان الترك لكنه يمنع من صحة ذلك لزوم عمل المجتهد ومقلده على حسب مقتضى اجتهاد المجتهد إلا أن يقول قائل في المقلد إنه يسوغ له تقليد أحد القائلين بالوجوب والندب مثلا لا بعينه ويفعل الفعل بنية التفويض لكن لا أعرفه لأحد ولا أعرف له وجها وما وجه الشهاب به بناء على أن التناقض والتضاد إنما يتحققان بشرط اتحاد المحل والمتعلق والإضافة لا يصح له وإن كان اشتراط تلك الشروط في التناقض والتضاد صحيحا لأنه يلزم المجتهد ومقلده موافقة اجتهاده في عمله واعتقاده ويحرم عليه وعلى مقلده مخالفته فظهر أن القول الصحيح هو قول منازعي الشهاب في ذلك والله تعالى أعلم
هامش إدرار الشروق
رأسه كله الندب على رأي الشافعي والوجوب على رأي مالك وإن كان الندب والوجوب والأحكام الشرعية أضدادا لكن الجمع بين الضدين إنما يمتنع إذا اتحد المتعلق والإضافة مع اتحاد المحل أما اتحاد المحل فقط مع اختلاف الإضافة كما هنا فإنه كما علمت اعتقد مسح الرأس واجبا على مذهب مالك ومندوبا على مذهب الشافعي فلا يمنع الجمع بينهما في ذهنه باعتبار الجهتين والإضافتين المذكورتين ألا ترى أن زيدا يصدق عليه أنه أب لعمرو وليس أبا لخالد فيجتمع فيه النقيضان باعتبار إضافتين
ا ه
فهو وإن بناه على أن التناقض والتضاد لا يتحققان إلا بشرط اتحاد المحل والمتعلق والإضافة لا صحة له وإن كان اشتراط تلك الشروط في التناقض والتضاد صحيحا وذلك لما علمت من أنه يلزم المجتهد ومقلده موافقة اجتهاده في عمله واعتقاده ويحرم عليه وعلى مقلده مخالفته فما قاله جماعة من الفقهاء من أن الورع لا يدخل في مسح الشافعي مثلا جميع رأسه لأنه إن اعتقد الوجوب فقد ترك الندب فلم يجمع بين المذهبين بل هذا مذهب مالك فقط
وإن لم يعتقد الوجوب لم يجزه المسح إلا بنية الندب فما حصل الجمع بين المذهبين وكذلك المالكي إذا بسمل وكل موضع اختلف فيه على هذا النحو
ا ه

____________________

(4/374)


صحة تصرفاته وعباداته على وجه التقليد المعتبر فإن قلت فإذا كانت العبادة الواقعة صحيحة بالإجماع فما فائدة الورع وكيف يشرع الورع بعد ذلك قلت فائدة الورع وسبب مشروعيته الجمع بين أدلة المختلفين والعمل بمقتضى كل دليل فلا يبقى في النفوس توهم أنه قد أهمل دليلا لعل مقتضاه هو الصحيح فبالجمع ينتفي ذلك فأثر الجمع بين المذاهب في جميع مقتضيات الأدلة في صحة العبادة والتصرف فتأمل ذلك ولو كان المالكي يعتقد بطلان صلاة الشافعي وبالعكس لكانت كل طائفة عند الأخرى من أعظم الناس فسقا لتركها الصلاة طول عمرها ولا تقبل لها شهادة وتجري
هامش أنوار البروق
قال المسألة الثانية كثير من الفقهاء يعتقدون أن المالكي يعتقد بطلان مذهب الشافعي إذا لم يتدلك في غسله أو يمسح جميع رأسه ونحوه وأن الشافعي يعتقد بطلان صلاة المالكي إذا لم يبسمل وأن الجمع بين المذاهب والورع إنما هو لصون الصلاة ونحوها عن البطلان على قول المخالف وليس كذلك والورع في ذلك ليس لتحصيل صحة العبادة بل عبادة كل مقلد لإمام معتبر صحيحة بالإجماع وأجمع كل فريق مع خصمه على صحة تصرفاته وعبادته الواقعة على وجه التقليد المعتبر فإن قلت إذا كانت العبادة صحيحة بالإجماع فما فائدة الورع وكيف يشرع الورع بعد ذلك قلت السؤال وارد قال قلت فائدة الورع وسبب مشروعيته الجمع بين أدلة المختلفين والعمل بمقتضى كل دليل فلا يبقى في النفس توهم أنه قد أهمل دليلا لعل مقتضاه هو الصحيح فبالجمع ينتفي ذلك فأثر الجمع بين المذاهب في جميع مقتضيات الأدلة في صحة العبادة والتصرف فتأمل ذلك
هامش إدرار الشروق
وهو القول الصحيح والله تعالى أعلم
المسألة الثانية قال الأصل الورع في تقليد الشافعي مثلا مالكا في تدلكه في غسله وفي مسحه جميع رأسه ونحو ذلك ليس هو صحة العبادة وإن اعتقد كثير من الفقهاء أن المالكي يعتقد بطلان مذهب الشافعي إذا لم يتدلك في غسله أو لم يمسح جميع رأسه ونحوه وأن الشافعي يعتقد بطلان مذهب المالكي إذا لم يبسمل وأن الجمع بين المذاهب والورع في ذلك إنما هو لصون الصلاة ونحوها عن البطلان على قول المخالف بل عبادة كل مقلد لإمام معتبر صحيحة بالإجماع إذ لو لم يجمع كل فريق مع خصمه على صحة تصرفاته وعبادته على وجه التقليد المعتبر بل كان المالكي مثلا يعتقد بطلان صلاة الشافعي وبالعكس لكانت كل طائفة عند الأخرى من أعظم الناس فسقا لتركها الصلاة طول عمرها ولا تقبل لها شهادة وتجري عليها أحكام الفساق أبد الدهر ويطرد ذلك في الفرق كلها من جهة مخالفها وهذا فساد عظيم لم يقل به أحد بل مالك والشافعي وجميع الأئمة من أعدل الناس ولا يقول بفسق أحد منهم إلا منافق مارق من الدين
ا ه
قال ابن الشاط وما قاله صحيح إلا أنه يرد عليه أن الورع ما فائدته وكيف يشرع بعد أن كانت العبادة الواقعة صحيحة
ولا يصح دفع الشهاب له بأن فائدة الورع وسبب مشروعيته الجمع بين أدلة المختلفين والعمل بمقتضى كل دليل فلا يبقى في النفوس توهم أنه قد أهمل دليلا لعل مقتضاه هو الصحيح فبالجمع ينتفي ذلك فأثر الجمع بين المذاهب في جميع مقتضيات الأدلة في صحة العبادة والتصرف
ا ه
إذ كيف يصح الجمع بين مقتضى دليلين موجب ومحرم وأحدهما يقتضي لزوم الفعل والثاني يقتضي
____________________

(4/375)


عليها أحكام الفساق أبد الدهر ويطرد ذلك في الفرق كلها من جهة مخالفها وهذا فساد عظيم لم يقل به أحد بل مالك والشافعي وجميع الأئمة من أعدل الناس عند جميع الناس ولا يقول بفسق أحد منهم إلا منافق مارق من الدين المسألة الثالثة اختلف الفقهاء في أول العصر الذي أدركته هل يدخل الورع والزهد في المباحات أم لا فادعى ذلك بعضهم ومنعه بعضهم وضيق بعضهم على بعض وأكثروا التشنيع فقال الأبياني في مصنفه لا يدخل الورع فيها لأن الله تعالى سوى بين طرفيها والورع مندوب إليه والندب مع التسوية متعذر وقال الشيخ بهاء الدين الحميري يدخل الورع في المباحات وما زال السلف الصالح على الزهد في المباحات ويدل على ذلك قوله
هامش أنوار البروق
قلت قد تأملت ذلك فلم أجده صحيحا وكيف يصح الجمع بين مقتضى دليلين موجب ومحرم وأحدهما يقتضي لزوم الفعل والثاني يقتضي لزوم الترك والجمع بين الفعل والترك بالنسبة إلى الأمر الواحد محال ولا يغني في ذلك اعتقاد اختلاف الإضافة بالنسبة إلى الإمامين وما قاله إلى آخر المسألة صحيح
وكذلك ما قاله في المسألة الثالثة وجميع ما قال في الفروق الخمسة بعد هذا الفرق صحيح

هامش إدرار الشروق
لزوم الترك والجمع بين الفعل والترك بالنسبة إلى الأمر الواحد محال ولا يغني في ذلك اعتقاد اختلاف الإضافة بالنسبة إلى الإمامين ا ه
وكذلك ما قاله في المسألة الثالثة وجميع ما قال في الفروق الخمسة بعد هذا الفرق صحيح
المسألة الثالثة قال الأصل وصححه ابن الشاط في دخول الورع والزهد في المباحات وعدم دخولها فيها خلاف وقع في أول العصر الذي أدركته يعني أوائل القرن السابع فادعى ذلك بعضهم ومنعه بعضهم وضيق بعضهم على بعض وأكثروا التشنيع فقال الأبياني في مصنفه لا يدخل الورع فيها لأن الله سوى بين طرفيها والورع مندوب إليه والندب مع التسوية متعذر وقال الشيخ بهاء الدين الحميري يدخل الورع في المباحات وما زال السلف الصالح على الزهد في المباحات ويدل على ذلك قوله تعالى أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا وغيره من النصوص وكل من الشيخين على الحق والصواب إذ لم يتواردا على محل واحد في الكلام
والجمع بينهما أن المباحات لا زهد فيها ولا ورع فيها من حيث هي مباحات وفيها الزهد والورع من حيث إن الاستكثار من المباحات يحوج إلى كثرة الاكتساب الموقع في الشبهات بل قد يوقع في المحرمات وكثرة المباحات أيضا تقضي إلى بطر النفوس فإن كثرة العبيد والخيل والخول والمساكن العلية والمآكل الشهية والملابس اللينة لا يكاد يسلم صاحبها من الإعراض عن موقف العبودية وعن التضرع لعز الربوبية كما يفعل ذلك الفقراء أهل الحاجات والفاقات والضرورات وما يلزم قلوبهم من الخضوع والذلة لذي الجلال وكثرة السؤال من نواله وفضله آناء الليل وأطراف النهار لأن أنواع الضرورات تبعث على ذلك قهرا والأغنياء بعيدون عن هذه الخطة فدخول الزهد والورع في المباحات من هذه الجهة لا من جهة أنها مباحات ويدل على اعتبار الجهة الأولى فيها قوله تعالى كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى وقوله تعالى ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك أي من أجل أن أعطاه الله الملك فلو كان النمرود فقيرا حقيرا مبتلى بالحاجات والضرورات لم يحتد نفسه إلى منازعة إبراهيم ودعواه الإحياء
____________________

(4/376)


تعالى أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا وغيره من النصوص وكل من الشيخين على الحق والصواب إذ لم يتواردا على محل واحد في الكلام والجمع بينهما أن المباحات لا زهد فيها ولا ورع فيها من حيث هي مباحات وفيها الزهد والورع من حيث إن الاستكثار من المباحات يحوج إلى كثرة الاكتساب الموقع في الشبهات وقد يوقع في المحرمات وكثرة المباحات أيضا تفضي إلى بطر النفوس فإن كثرة العبيد والخيل والخول والمساكن العلية والمآكل الشهية والملابس اللينة لا يكاد يسلم صاحبها من الإعراض عن مواقف العبودية والتضرع لعز الربوبية كما يفعل ذلك الفقراء أهل الحاجات والفاقات والضرورات وما يلزم قلوبهم من الخضوع والذلة لذي الجلال وكثرة السؤال من نواله وفضله آناء الليل وأطراف النهار لأن أنواع الضرورات تبعث على ذلك قهرا والأغنياء بعيدون عن هذه الخطة فكان الزهد والورع في المباحات من هذا الوجه لا من جهة أنها مباحات ويدل على اعتبار ما تقدم قوله تعالى كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى وقوله تعالى ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك أي من أجل أن أعطاه الله الملك فلو كان النمرود فقيرا حقيرا مبتلى بالحاجات والضرورات لم تحتد نفسه إلى منازعة إبراهيم ودعواه الإحياء أو الإماتة وتعرضه لإحراق إبراهيم عليه السلام بالنيران وإنما وصل إلى هذه المعاطب والمهالك بسبب أنه ملك وكذلك قوله تعالى حكاية عن الكفار قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون وفي الأنبياء الآية الأخرى وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي فحصل من ذلك أن اتباع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والمبادرين إلى تصديقهم إنما هم الفقراء والضعفاء وأعداء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومعاندوهم هم الأغنياء لقوله تعالى وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل وفي الآية الأخرى إلا قال مترفوها ولم يقل إلا قال فقراؤها فهذه سنة الله تعالى في خلقه أن الأكثرين في هذه الدار هم الأقلون في تلك الدار والأقلون في هذه الدار هم الأكثرون في تلك الدار فهذا وجه ما كان السلف يعتمدونه من الزهد والورع في المباحات وهو وجه لزوم الذم المفهوم من قوله أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا فهذا وجه الجمع بين القولين
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
والإماتة وتعرضه لإحراق إبراهيم عليه السلام بالنيران وإنما وصل إلى هذه المعاطب والمهالك بسبب أنه ملك وكذلك قوله تعالى حكاية عن الكفار قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون وفي الآية الأخرى وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي فحصل من ذلك أن اتباع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والمبادرين إلى تصديقهم إنما هم الفقراء والضعفاء وأن أعداء الأنبياء
____________________

(4/377)


الفرق السابع والخمسون والمائتان بين قاعدة التوكل وبين قاعدة ترك الأسباب اعلم أنه قد التبس هاتان القاعدتان على كثير من الفقهاء والمحدثين في علم الرقائق فقال قوم لا يصح التوكل إلا مع ترك الأسباب والاعتماد على الله تعالى قاله الغزالي في إحياء علوم الدين وغيره وقال آخرون لا ملازمة بين التوكل وترك الأسباب ولا هو هو وهذا هو الصحيح لأن التوكل هو اعتماد القلب على الله تعالى فيما يجلبه من خير أو يدفعه من ضر قال المحققون والأحسن ملابسة الأسباب مع التوكل للمنقول والمعقول أما المنقول فقوله تعالى وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل فأمر بالاستعداد مع الأمر بالتوكل في قوله تعالى وعلى الله فليتوكل المؤمنون وقوله تعالى إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا أي تحرزوا منه فقد أمر باكتساب التحرز من الشيطان كما يتحرز من الكفار وأمر تعالى بملابسة أسباب الاحتياط والحذر من الكفار في غير ما موضع من كتابه العزيز ورسول الله صلى الله عليه وسلم سيد المتوكلين وكان يطوف على القبائل ويقول من يعصمني حتى أبلغ رسالة ربي
وكان له جماعة يحرسونه من العدو حتى نزل قوله تعالى والله يعصمك من الناس ودخل مكة مظاهرا بين درعين في كتيبته الخضراء من الحديد وكان في آخر عمره وأكمل أحواله مع ربه
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
عليهم الصلاة والسلام ومعانديهم إنما هم الأغنياء لقوله تعالى وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل
وفي الآية الأخرى إلا قال مترفوها ولم يقل إلا قال فقراؤها فهذه سنة الله تعالى في خلقه أن الأكثرين في هذه الدار هم الأقلون في تلك الدار وأن الأقلين في هذه الدار هم الأكثرون في تلك الدار فهذا وجه ما كان السلف يعتمدونه في دخول الزهد والورع في المباحات وهو وجه لزوم الذم المفهوم من قوله تعالى أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا وبه يجمع بين القولين
ا ه
والله سبحانه وتعالى أعلم
الفرق السابع والخمسون والمائتان بين قاعدة التوكل وبين قاعدة ترك الأسباب وهو مبني على أحد القولين لكثير من الفقهاء والمحدثين في علم الرقائق وهما هل بين هاتين القاعدتين تلازم بحيث لا يصح التوكل إلا مع ترك الأسباب والاعتماد على الله تعالى وهو ما قاله الغزالي في إحياء علوم الدين وغيره وعليه فلا فرق بينهما أو أنه ما بين الشرط والمشروط أو لا ملازمة بين التوكل وترك الأسباب ولا هو هو أي بل التوكل أعم مطلقا من ترك الأسباب فافهم
وهذا قول آخرين قال الأصل وهو الصحيح لأن التوكل هو اعتماد القلب على الله تعالى فيما يجلبه من خير أو يدفعه من ضر أي سواء كان مع ملابسة الأسباب أو مع عدم ملابستها نعم قال المحققون والأحسن ملابسة الأسباب مع التوكل للمنقول والمعقول أما المنقول فإن الله تعالى قد أمر بملابسة أسباب بالاحتياط والحذر
____________________

(4/378)


تعالى يدخر قوت سنة لعياله وأما المعقول فهو أن الملك العظيم إذا كانت له جماعة ولهم عوائد في أيام لا يحسن إلا فيها أو أبواب لا تخرج إلا منها أو أمكنة لا يدفع إلا فيها فالأدب معه أن لا يطلب منه فعل إلا حيث عوده وأن لا يخالف عوائده بل يجري عليها والله تعالى ملك الملوك وأعظم العظماء بل أعظم من ذلك رتب ملكه على عوائد أرادها وأسباب قدرها وربط بها آثار قدرته ولو شاء لم يربطها فجعل الري بالشرب والشبع بالأكل والاحتراق بالنار والحياة بالتنفس في الهواء فمن طلب من الله تعالى حصول هذه الآثار بدون أسبابها فقد أساء الأدب مع الله سبحانه وتعالى بل يلتمس فضله في عوائده وقد انقسمت الخلائق في هذا المقام ثلاثة أقسام قسم عاملوا الله تعالى باعتماد قلوبهم على قدرته تعالى مع إهمال الأسباب والعوائد فلججوا في البحار في زمن الهول وسلكوا القفار العظيمة المهلكة بغير زاد إلى غير ذلك من هذه التصرفات فهؤلاء حصل لهم التوكل وفاتهم الأدب مع الله تعالى وهم جماعة من العباد أحوالهم مسطورة في الكتب في الرقائق وقسم لاحظوا الأسباب وأعرضوا عن التوكل وهم عامة الخلق وشر الأقسام وربما وصلوا بملاحظة الأسباب والإعراض عن المسبب إلى الكفر والقسم الثالث اعتمدت قلوبهم على قدرة الله تعالى طلبوا فضله في عوائده ملاحظين في تلك الأسباب مسببها وميسرها فجمعوا بين التوكل والأدب وهؤلاء النبيون والصديقون وخاصة عباد الله تعالى
والعارفون بمعاملته جعلنا الله تعالى منهم بمنه
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
من الكفار في غير ما موضع من كتابه العزيز فمن ذلك قوله تعالى وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل فأمر بالاستعداد وقد أمر باكتساب التحرز من الشيطان كما يتحرز من الكفار بقوله تعالى إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا أي تحرزوا منه مع الأمر بالتوكل في قوله تعالى وعلى الله فليتوكل المؤمنون وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد المتوكلين يطوف على القبائل
ويقول من يعصمني حتى أبلغ رسالة ربي وكان له جماعة يحرسونه من العدو حتى نزل قوله تعالى والله يعصمك من الناس ودخل مكة مظاهرا بين درعين من الحديد في كتيبته الخضراء وكان في آخر عمره وأكمل أحواله مع ربه تعالى يدخر قوت سنة لعياله وروى الترمذي عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال اعقلها وتوكل أي شد ركبة ناقتك مع ذراعها بحبل واعتمد على الله تعالى فإن عقلها لا ينافي التوكل قال العزيزي على الجامع الصغير وسببه كما في الترمذي أن رجلا قال يا رسول الله أعقل ناقتي وأتوكل أو أطلقها وأتوكل فذكره
ا ه
قال الأصل وأما المعقول فهو أن الملك العظيم إذا كانت له جماعة عودهم بأيام لا يحسن إلا فيها وبأمكنة لا يدفع إلا فيها وبأبواب لا يخرج إلا منها فالأدب معه أن لا يطلب منه فعل إلا حيث جرت عادته بإجرائه فيه وأن لا يخالف عوائده بل يجري عليها والله تعالى ملك الملوك وأعظم العظماء بل أعظم من ذلك وقد رتب ملكه على عوائد أرادها وأسباب قدرها وربط بها آثار قدرته ولو شاء لم يربطها فجعل الري بالشرب والشبع بالأكل والاحتراق بالنار والحياة بالتنفس في الهواء فمن طلب من الله تعالى
____________________

(4/379)


وكرمه فهؤلاء هم خير الأقسام الثلاثة والعجب ممن يهمل الأسباب ويفرط في التوكل بحيث يجعله عدم الأسباب أو من شرطه عدم الأسباب إذا قيل الإيمان سبب لدخول الجنة والكفر سبب لدخول النار بالجعل الشرعي كسائر الأسباب فهل هو تارك هذين السببين أو معتبرهما فإن ترك اعتبارهما خسر الدنيا وإن اعتبرهما فقال لا بد من الإيمان وترك الكفر فيقال له ما بال غيرهما من الأسباب إن كان هذان لا ينافيان التوكل فغيرهما كذلك نعم من الأسباب ما هو مطرد في مجرى عوائد الله تعالى كالإيمان والكفر والغذاء والتنفس وغير ذلك ومنها ما هو أكثري غير مطرد لكن الله تعالى أجرى فيه عادة من حيث الجملة كالأدوية وأنواع الأسفار للأرباح ونحو ذلك والأدب في الجميع التماس فضل الله تعالى في عوائده ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالدواء والحمية واستعمال الأدوية حتى الكي بالنار فأمر بكي سعد وقال عليه السلام المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء وصلاح كل جسم ما اعتاد وإذا كان حاله في الأسباب التي ليست مطردة من الحمية وإصلاح البدن بمواظبة عادته فما ظنك بغير ذلك من العوائد فهذا هو الحق الأبلج والطريق الأنهج
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
حصول هذه الآثار بدون أسبابها فقد أساء الأدب مع الله تعالى بل يلتمس فضله في عوائده والخلائق قد انقسموا في مقام طلبهم منه سبحانه وتعالى هذه الآثار إلى ثلاثة أقسام القسم الأول عاملوا الله تعالى باعتماد قلوبهم على قدرته تعالى مع إهمال الأسباب والعوائد فلججوا في البحار في زمن الهول وسلكوا القفار العظيمة المهلكة بغير زاد إلى غير ذلك من هذه التصرفات فهؤلاء حصل لهم التوكل وفاتهم الأدب مع الله تعالى وهم جماعة من العباد أحوالهم مسطورة في كتب الرقائق والقسم الثاني لاحظوا الأسباب وأعرضوا عن التوكل وهم عامة الخلق وشر الأقسام فإنهم ربما وصلوا بملاحظة الأسباب والإعراض عن المسبب إلى الكفر والقسم الثالث عاملوا الله تعالى باعتماد قلوبهم على قدرته تعالى مع عدم إهمال الأسباب والعوائد بل طلبوا فضله في عوائده ملاحظين في تلك الأسباب مسببها وميسرها فجمعوا بين التوكل والأدب وهم النبيون والصديقون وخاصة عباد الله تعالى والعارفون بمعاملته
وهم خير الأقسام الثلاثة جعلنا الله تعالى منهم بمنه وكرمه قال والعجب ممن يهمل الأسباب ويفرط في التوكل بحيث يجعل التوكل عدم الأسباب أو من شرطه عدم الأسباب أنه إذا قيل الإيمان سبب لدخول الجنة والكفر سبب لدخول النار بالجعل الشرعي كسائر الأسباب فهل هو تارك هذين السببين أو معتبرهما فإن ترك اعتبارهما خسر الدنيا والآخرة وإن اعتبرهما فقال لا بد من الإيمان وترك الكفر قيل له ما بال غيرهما من الأسباب فإن هذين إن كانا لا ينافيان التوكل فغيرهما كذلك نعم الأسباب نوعان نوع مطرد في مجرى عوائد الله تعالى كالإيمان والكفر والغذاء والتنفس ونحو ذلك ونوع أكثري غير مطرد أجرى الله فيه عادة من حيث الجملة كالأدوية وأنواع الأسفار للأرباح ونحو ذلك ولكن الأدب في الجميع التماس فضل الله تعالى في عوائده
____________________

(4/380)


الفرق الثامن والخمسون بين قاعدة الحسد وقاعد الغبطة اشتركت القاعدتان في أنهما طلب من القلب غير أن الحسد تمني زوال النعمة عن الغير والغبطة تمني حصول مثلها من غير تعرض لطلب زوالها عن صاحبها ثم الحسد حسدان تمني زوال النعمة وحصولها للحاسد وتمني زوالها من غير أن يطلب حصولها للحاسد وهو شر الحاسدين لأنه طلب المفسدة الصرفة من غير معارض عادي أو طبيعي ثم حكم الحسد في الشريعة التحريم وحكم الغبطة الإباحة لعدم تعلقه بمفسدة ألبتة ودليل تحريم الحسد الكتاب والسنة والإجماع فالكتاب قوله تعالى ومن شر حاسد إذا حسد
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالدواء والحمية واستعمال الأدوية حتى الكي بالنار فأمر بكي سعد وقال عليه الصلاة والسلام المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء وصلاح كل جسم ما اعتاد وإذا كان حاله عليه السلام في الأسباب التي ليست مطردة من الحمية وإصلاح البدن بمواظبة عادته فما ظنك بغير ذلك من العوائد فهذا هو الحق الأبلج والطريق الأنهج ا ه كلام الأصل بتهذيب وصححه ابن الشاط
قلت وتعريفه التوكل على القول الذي اختاره بقوله هو اعتماد القلب إلخ هو بمعنى قول السيد الجرجاني في تعريفاته هو الثقة بما عند الله واليأس عما في أيدي الناس ا ه وقول شيخ الإسلام الشيخ زكريا هو الاعتماد على الله تعالى وقطع النظر عن الأسباب مع تهيئتها وقوله ويقال هو ترك السعي فيما لا تسعه قوة البشر وأما قول الأصل على ما قاله الغزالي في الإحياء وغيره بحيث يجعل التوكل عدم الأسباب أو من شرطه عدم الأسباب فعلى الثاني يعرف قول شيخ الإسلام زكريا ويقال هو كلة الأمر كله إلى مالكه والتعويل على وكالته وعلى الأول يعرف بقول شيخ الإسلام أيضا أو يقال هو ترك الكسب وإخلاء اليد من المال قال شيخ الإسلام زكريا ورد بأن هذا تواكل لا توكل أفاده العزيزي على الجامع الصغير عن العلقمي والله سبحانه وتعالى أعلم
الفرق الستون والمائتين بين قاعدة الحسد وقاعدة الغبطة وهو أن القاعدتين وإن اشتركتا في أنهما طلب من القلب إلا أن الحسد تمني زوال النعمة عن الغير قال ابن حجر في الزواجر ويكون حراما وفسوقا إن كان من حيث كونها نعمة أما إن كان من حيث كونها آلة الفساد والإيذاء كما في نعمة الفاجر فلا حرمة ا ه قال الأصل كان المتمني زوالها عنه تمنى حصولها لنفسه أو لا فالحسد نوعان والثاني أشرهما لأنه طلب المفسدة الصرفة من غير معارض عادي أو طبيعي قال ودليل تحريم الحسد الكتاب والسنة والإجماع فأما الكتاب فقوله تعالى ومن شر حاسد إذا حسد وقوله تعالى أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله وقوله تعالى ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض أي لا تتمنوا زواله بقرينة النهي وأما السنة فقوله عليه الصلاة والسلام لا تحاسدوا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانا وفي الزواجر قال صلى الله عليه وسلم في النهي عن الحسد وأسبابه وثمراته لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا
____________________

(4/381)


الفلق 5 أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله وقوله تعالى ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض أي لا تتمنوا زواله لأن قرينة النهي دالة على هذا الحذف وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم ولا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وأطراف النهار ورجل آتاه الله تعالى مالا فهو ينفقه آناء الليل وأطراف النهار أي لا غبطة إلا في هاتين على وجه المبالغة وقال عليه السلام لا تحاسدوا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانا وأجمعت الأمة على تحريمه وقد يعبر عن الغبطة بلفظ الحسد كالحديث المتقدم ويقال إن الحسد أول معصية عصي الله بها في الأرض حسد إبليس آدم فلم يسجد له
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة رواه الشيخان ا ه قال الأصل وأما الإجماع على تحريمه فقد انعقد من الأمة المعصومة قال ويقال إن الحسد أول معصية عصي الله بها في الأرض حسد إبليس آدم فلم يسجد له
ا ه
وفي الزواجر ومن آفات الحسد أن فيه سخطا لقضاء الله تعالى إذا أنعم على الغير بما لا مضرة عليك فيه وشماتة بأخيك المسلم قال الله تعالى إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ا ه والغبطة تمني حصول مثل نعمة الغير لنفسك من غير تعرض لطلب زوالها عن صاحبها بل تشتهي مثلها لنفسك مع بقائها لذويها وقد تخص باسم المنافسة
وقد يعبر عنها بلفظ الحسد كما في قوله صلى الله عليه وسلم لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وأطراف النهار ورجل آتاه الله تعالى مالا فهو ينفقه آناء الليل وأطراف النهار أي لا غبطة إلا في هاتين على وجه المبالغة وفي الزواجر وليست الغبطة والمنافسة بحرام أي لعدم تعلقها بمفسدة ألبتة بل هي إما واجبة وإما مندوبة وإما مباحة قال تعالى وفي ذلك فليتنافس المتنافسون سابقوا إلى مغفرة من ربكم والمسابقة تقتضي خوف الفوت فالواجبة تكون في النعم الدينية الواجبة كنعمة الإيمان والصلاة المكتوبة والزكاة فيجب أن تحب أن تكون مثل القائم بذلك وإلا كنت راضيا بالمعصية والرضا بها حرام والمندوبة تكون في الفضائل والعلوم وإنفاق الأموال في الميراث
والمباحة تكون في النعم المباحة كالنكاح والمنافسة في المباحات لا يترتب عليها إثم لكنها تنقص من الفضائل وتناقض الزهد والرضا بالمقضي والتوكل وتحجب عن المقامات الرفيعة نعم هنا دقيقة ينبغي التنبيه لها وإلا وقع الإنسان في الحسد الحرام من غير أن يشعر وهي أن من أيس أن ينال مثل نعمة الغير فبالضرورة أن نفسه تعتقد أنه ناقص عن صاحب تلك النعمة وأنها تحب زوال نقصها وزواله لا يحصل إلا بمساواة ذي النعمة أو بزوالها عنه وقد فرض يأسه عن مساواته فيها فلم يبق إلا محبته لزوالها عن الغير المتميز بها عنه إذ بزوالها يزول تخلفه
وتقدم غيره بها فإن كان بحيث لو قدر على زوالها عن الغير أزالها فهو حسود حسدا مذموما وإن كان عنده من التقوى ما يمنعه عن إزالتها مع قدرته عليها وعن محبة زوالها عن الغير فلا إثم
____________________

(4/382)


الفرق التاسع والخمسون والمائتان بين قاعدة الكبر وقاعدة التجمل بالملابس والمراكب وغير ذلك اعلم أن الكبر لله تعالى على أعدائه حسن وعلى عباده وشرائعه حرام وكبيرة قال عليه السلام لن يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من الكبر فقالوا يا رسول الله إن أحدنا يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة فقال إن الله جميل يحب الجمال ولكن الكبر بطر الحق وغمص الناس خرجه مسلم وغيره قال العلماء رضي الله عنهم بطر الحق رده على قائله وغمص الناس احتقارهم وقوله عليه السلام لن يدخل الجنة وعيد عظيم يقتضي أن الكبر من الكبائر وعدم دخوله الجنة مطلقا عند المعتزلة لأن صاحب الكبيرة عندهم يخلد في النار كالكافر وعند أهل السنة معناه لا يدخل في وقت يدخلها غير المتكبرين أي في المبدأ والنفي العام قد يراد به الخاص إذا اقتضته النصوص أو القواعد والكبر من أعظم ذنوب القلب نسأل الله تعالى العافية حتى قال بعض العلماء كل ذنوب القلب يكون معه الفتح إلا الكبر
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
عليه لأن هذا أمر جبلي لا تنفك النفس عنه ولعله المعنى بقوله صلى الله عليه وسلم كل ابن آدم حسود وفي رواية ثلاثة لا ينفك المسلم عنهن الحسد والظن والطيرة وله منهن مخرج إذا حسدت فلا تبغ أي إن وجدت في قلبك شيئا فلا تعمل به ويبعد ممن يريد مساواة غيره في النعمة فيعجز عنها سيما إن كان من أقرانه أن ينفك عن الميل إلى زوالها فهذا الحد من المنافسة يشبه الحسد الحرام فينبغي الاحتياط التام فإنه متى صفى إلى محبة نفسه ومال لاختياره إلى مساواته لذي النعمة بمحبة زوالها عنه فهو مرتبك في الحسد الحرام
ولا يتخلص منه إلا إن قوي إيمانه ورسخ قدمه في التقوى ومهما حركه خوف نقصه عن غيره جره إلى الحسد المحظور وإلى ميل الطبع إلى زوال نعمة الغير حتى ينزل لمساواته وهذا لا رخصة فيه بوجه سواء أكان في مقاصد الدين أم الدنيا قال الغزالي ولكن ذلك يعفى عنه ما لم يعمل به إن شاء الله تعالى وتكون كراهته لذلك من نفسه كفارة له ا ه والله سبحانه وتعالى أعلم
الفرق التاسع والخمسون والمائتان بين قاعدة الكبر وقاعدة التجمل بالملابس والمراكب وغير ذلك وهو من جهتين الجهة الأولى أن الكبر من أعمال القلوب فلا يتعلق به الحسن وأما التجمل فمن أفعال الجوارح فيتعلق به الحسن والجهة الثانية أن أصل التجمل الإباحة لقوله تعالى قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق وقد يعرض له ما ينقله عن الإباحة إما إلى الوجوب كتوقف تنفيذ الواجب عليه في نحو ولاة الأمور فإن الهيئات الرثة لا تحصل معها مصالح العامة منهم
____________________

(4/383)


وأما التجمل فقد يكون واجبا في ولاة الأمور وغيرهم إذا توقف عليه تنفيذ الواجب فإن الهيئات الرثة لا تحصل معها مصالح العامة من ولاة الأمور وقد يكون مندوبا إليها في الصلوات والجماعات وفي الحروب لرهبة العدو والمرأة لزوجها وفي العلماء لتعظيم العلم في نفوس الناس وقد قال عمر أحب أن أنظر إلى قارئ القرآن أبيض الثياب وقد يكون حراما إذا كان وسيلة لمحرم كمن يتزين للنساء الأجنبيات ليزني بهن وقد يكون مباحا إذا عري عن هذه الأسباب وانقسم التجمل إلى هذه الأحكام الخمسة وكذلك الكبر أيضا قد يجب على الكفار في الحروب وغيرها وقد يندب على أهل البدع تقليلا للبدعة وقد يحرم كما جاء في الحديث والإباحة فيه بعيدة والفرق بينه وبين التجمل في تصور الإباحة فيه أن أصل التجمل الإباحة لقوله تعالى قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق فإذا عدم المعارض الناقل عن الإباحة بقيت الإباحة وأصل الكبر التحريم فإذا عدم المعارض الناقل عن التحريم استصحب فيه التحريم فهذا فرق وفرق آخر أن الكبر من أعمال القلوب والتجمل من أفعال الجوارح يتعلق به الحسن دون الكبر
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
وإما إلى الندب كتوقف المندوب عليه كما في الصلوات لقوله تعالى خذوا زينتكم عند كل مسجد أي صلاة وفي الجماعات لقوله صلى الله عليه وسلم إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده ببناء يرى للمجهول وقوله صلى الله عليه وسلم إن الله جميل يحب الجمال رواه مسلم وغيره في حديث طويل سيأتي وفي الحروب لرهبة العدو وفي المرأة لزوجها وفي العلماء لتعظيم العلم في نفوس الناس وقد قال عمر أحب أن أنظر إلى قارئ القرآن أبيض الثياب
وقد أنشد الإمام مالك لما اعترض عليه بعض معاصريه في التجمل بالثياب الثمينة حسن ثيابك ما استطعت فإنها زين الرجال بها تعز وتكرم ودع التواضع في اللباس تخشنا فالله يعلم ما تسر وتعلن فرثيث ثوبك لا يزيدك رفعة عند الإله وأنت عبد مجرم وجديد ثوبك لا يضرك بعدما تخشى الإله وتتقي ما يحرم وإما إلى التحريم ككونه وسيلة لمحرم كمن يتزين للنساء الأجنبيات ليزني بهن فإذا عدم المعارض الناقل له عن الإباحة وعري عن هذه الأسباب بقيت الإباحة وأصل الكبر التحريم
وقد يعرض له ما ينقله عن التحريم إما إلى الوجوب كما في الكبر على الكفار في الحروب وغيرها وإما إلى الندب كما في الكبر على أهل البدع تقليلا للبدعة والإباحة فيه بعيدة فإذا عدم المعارض الناقل عن التحريم استصحب فيه التحريم وهو إما كبر على الله تعالى وهو أفحش أنواعه ككبر فرعون ونمرود حيث استنكفا أن يكونا عبدين لله تعالى وادعيا الربوبية قال تعالى إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين أي صاغرين لن يستنكف المسيح الآية وإما على رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يمتنع من الانقياد له تكبرا جهلا وعنادا كما حكى الله ذلك عن كفار مكة وغيرهم من الأمم وإما على عباد الله تعالى بأن يستعظم نفسه ويحتقر غيره ويزدريه فيأبى على الانقياد له أو يترفع عليه
____________________

(4/384)


الفرق الستون والمائتان بين قاعدة الكبر وقاعدة العجب قد تقدمت حقيقة الكبر وأنه في القلب ويعضد ذلك قوله تعالى إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فجعل محله القلب والصدور وأما العجب فهو رؤية
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
ويأنف من مساواته وهذا
وإن كان دون الأولين إلا أنه عظيم اسمه أيضا لأن الكبرياء والعظمة إنما يليقان بالملك القادر القوي المتين دون العبد العاجز الضعيف فتكبره فيه منازعة لله في صفة لا تليق إلا بجلاله وقد قال تعالى في الحديث إن من نازعه العظمة والكبرياء أهلكه ولأن التكبر على عباده لا يليق إلا به تبارك وتعالى فمن تكبر عليهم فقد جنى عليه إذ من استذل خواص غلمان الملك منازع له في بعض أمره فيستحق مقته ومن لازم هذا الكبر بنوعيه مخالفة أوامر الحق لأن المتكبر
ومنه المتجادلون في مسائل الدين بالهوى والتعصب تأبى نفسه من قبول ما سمعه من غيره وإن اتضح سبيله بل يدعوه كبره إلى المبالغة في تزييفه وإظهار إبطاله فهو على حد قوله تعالى وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد وقال ابن مسعود كفى بالرجل إثما إذا قيل له اتق الله أن يقول عليك بنفسك وقال صلى الله عليه وسلم لرجل كل بيمينك فقال متكبرا لا أستطيع فشلت يده فلم يرفعها بعد فإذن التكبر على الخلق يدعو إلى التكبر على الخالق ألا ترى أن إبليس لما تكبر على آدم وحسده بقوله أنا خير منه جره ذلك إلى التكبر على الله لمخالفته أمره فهلك هلاكا مؤبدا
ومن ثم قال عليه الصلاة والسلام لن يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من الكبر فقالوا يا رسول الله إن أحدنا يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة فقال إن الله جميل يحب الجمال ولكن الكبر بطر الحق وغمص الناس خرجه مسلم وغيره قال العلماء رضي الله عنهم بطر الحق بفتح الموحدة والمهملة رده ودفعه على قائله وغمص الناس بفتح المعجمة وسكون الميم وبالصاد المهملة احتقارهم وازدراؤهم وكذا عمصهم بالمهملة وقوله عليه السلام لن يدخل الجنة وعيد عظيم يقتضي أن الكبر من الكبائر وعدم دخول صاحبه الجنة مطلقا عند المعتزلة لأن صاحب الكبيرة عندهم مخلد في النار كالكافر وعند أهل السنة معناه لا يدخلها وقت يدخلها غير المتكبرين أي في المبدأ والنفي العام قد يراد به الخاص إذا اقتضته النصوص أو القواعد قال الأصل والكبر من أعظم ذنوب القلب نسأل الله تعالى العافية حتى قال بعض العلماء كل ذنوب القلب يكون معه الفتح إلا الكبر
ا ه
هذا تهذيب ما في الأصل وسلمه ابن الشاط مع زيادة من الزواجر والله سبحانه وتعالى أعلم
الفرق الستون والمائتان بين قاعدة الكبر وقاعدة العجب وهو من جهتين أيضا الجهة الأولى ما في الأصل وصححه ابن الشاط من أن الكبر راجع للخلق والعباد كما علم من حقيقته المتقدمة والعجب راجع للعبادة إذ هو رؤية العبادة واستعظامها من العبد فهو معصية تكون بعد العبادة ومتعلقة بها هذا التعلق الخاص كما يتعجب العابد بعبادته
والعالم بعلمه وكل مطيع بطاعته وهو وإن كان حراما لا يفسد العبادة لأنه يقع بعدها بخلاف الرياء فإنه يقع معها فيفسدها
____________________

(4/385)


العبادة واستعظامها من العبد فهو معصية تكون بعد العبادة ومتعلقة بها هذا التعلق الخاص كما يتعجب العابد بعبادته والعالم بعلمه وكل مطيع بطاعته هذا حرام غير مفسد للطاعة لأنه يقع بعدها بخلاف الرياء فإنه يقع معها فيفسدها وسر تحريم العجب أنه سوء أدب على الله تعالى فإن العبد لا ينبغي له أن يستعظم ما يتقرب به إلى سيده بل يستصغره بالنسبة إلى عظمة سيده لا سيما عظمة الله تعالى ولذلك قال الله تعالى وما قدروا الله حق قدره أي ما عظموه حق تعظيمه فمن أعجب بنفسه وعبادته فقد هلك مع ربه وهو مطلع عليه وعرض نفسه لمقت الله تعالى وسخطه ونبه على ضد ذلك قوله تعالى والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون معناه يفعلون من الطاعات ما يفعلون وهم خائفون من لقاء الله تعالى بتلك الطاعة احتقارا لها وهذا يدل على طلب هذه الصفة والنهي عن ضدها فالكبر راجع للخلق والعباد والعجب راجع للعبادة
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
وسر تحريم العجب أنه سوء أدب على الله تعالى فإن العبد لا ينبغي له أن يستعظم ما يتقرب به إلى سيده بل يستصغره بالنسبة إلى عظمة سيده لا سيما عظمة الله تعالى ولذلك قال الله تعالى وما قدروا الله حق قدره أي ما عظموه حق تعظيمه فمن أعجب بنفسه وعبادته فقد هلك مع ربه وهو مطلع عليه وعرض نفسه لمقت الله تعالى وسخطه ونبه على ضد ذلك قوله تعالى والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون معناه يفعلون من الطاعات ما يفعلون وهم خائفون من لقاء الله تعالى بتلك الطاعة احتقارا لها وهذا يدل على طلب هذه الصفة والنهي عن ضدها ا ه والجهة الثانية ما في الزواجر لابن حجر من أن الكبر إما باطن وهو خلق في النفس واسم الكبر بهذا أحق أي كما يرشد له قوله تعالى إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فجعل محله القلب والصدور وإما ظاهر وهو أعمال تصدر من الجوارح وهي ثمرات ذلك الخلق وعند ظهورها يقال له تكبر وعند عدمها يقال في نفسه كبر فالأصل هو خلق النفس الذي هو الاسترواح والركون إلى رؤية النفس فوق المتكبر عليه فهو يستدعي متكبرا عليه ومتكبرا به بخلاف العجب فإنه لا يستدعي غير المعجب به حتى لو فرض انفراده دائما أمكن أن يقع منه العجب دون الكبر ومجرد استعظام الشيء لا يقتضي التكبر إلا إن كان ثم من يرى أنه فوقه ا ه والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(4/386)


الفرق الحادي والستون والمائتان بين قاعدة العجب وقاعدة التسميع كلاهما معصية ويعكر على العبادة من جهة المعصية والموازنة لا من جهة الإحباط وفي الحديث الصحيح خرجه مسلم وغيره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سمع سمع الله به يوم القيامة أي ينادي به يوم القيامة هذا فلان عمل عملا لي ثم أراد به غيري وهو غير الرياء لأن العمل يقع قبله خالصا والرياء مقارن مفسد والفرق بينه وبين العجب أنه يكون باللسان والعجب بالقلب كلاهما بعد العبادة
هامش أنوار البروق
فارغه
هامش إدرار الشروق
الفرق الحادي والستون والمائتان بين قاعدة العجب وقاعدة التسميع وهو أنهما وإن اشتركا في كون كل منهما معصية لا تحبط العبادة لكونها تقع قبلهما خالصة بخلاف الرياء فإنه يقارنها فيحبطها وقد تبين مما تقدم كون العجب معصية لا تحبط العبادة إلخ وأما التسميع ففي الحديث الصحيح الذي خرجه مسلم وغيره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سمع سمع الله به يوم القيامة أي ينادى به يوم القيامة هذا فلان عمل عملا لي ثم أراد به غيري فهو عبارة عن إخبار الشخص بما عمله من العبادات التي أخلص فيها ليعتقد فيه ويكرم بخلاف الرياء فإنه كما في تعريفات الجرجاني قد سره ترك الإخلاص في العمل بملاحظة غير الله تعالى فيه إلا أن التسميع يفارق العجب من جهة أنه يكون باللسان والعجب يكون بالقلب كما علمت والله تعالى أعلم

____________________

(4/387)


الفرق الثاني والستون والمائتان بين قاعدة الرضا بالقضاء وبين قاعدة عدم الرضا بالمقضي اعلم أن كثيرا من الناس يلتبسان عليه فلا يفرق بين السخط بالقضاء وعدم الرضا به والسخط بالمقضي وعدم الرضا به اعلم أن السخط بالقضاء حرام إجماعا والرضا بالقضاء واجب إجماعا بخلاف المقضي والفرق بين القضاء والمقضي والقدر والمقدور أن الطبيب إذا وصف للعليل دواء مرا أو قطع يده المتآكلة فإن قال بئس ترتيب الطبيب ومعالجته وكان غير هذا يقوم مقامه مما هو أيسر منه فهو تسخط بقضاء الطبيب وأذية له وجناية عليه بحيث لو سمعه الطبيب كره ذلك وشق عليه وإن قال هذا دواء مر قاسيت منه شدائد وقطع اليد حصل لي منها آلام عظيمة مبرحة فهذا تسخط بالمقضي الذي هو الدواء والقطع لا بالقضاء الذي هو ترتيب الطبيب ومعالجته فهذا ليس قدحا في الطبيب ولا يؤلمه إذا سمع ذلك بل يقول له صدقت الأمر كذلك فعلى هذا إذا ابتلي الإنسان بمرض فتألم من المرض بمقتضى طبعه فهذا ليس عدم رضا بالقضاء بل عدم
هامش أنوار البروق
قال الفرق الثاني والستون والمائتان بين قاعدة الرضا بالقضاء وعدم الرضا بالمقضى قلت ما قاله فيه صحيح ما عدا قوله والرضا بالكفر كفر فإنه إن أراد مع علمه بكفره فذلك لا يتأتى إلا من الكافر عنادا على القول بجواز ذلك عادة وأما على القول بامتناع ذلك عادة فلا وما عدا قوله فمن قضي عليه بالمعصية أو الكفر فالواجب عليه أن يلاحظ جهة المعصية والكفر فيكرههما وأما قدر الله تعالى فيهما فالرضا به ليس إلا ومتى سخطه وسفه الربوبية في ذلك كان ذلك معصية أو كفرا منضما إلى معصيته وكفره على حسب حاله في ذلك فإن كراهة الكفر لا يتأتى إلا مع الكفر عنادا على أن ذلك من البعيد المشبه بالمحال
هامش إدرار الشروق
الفرق الثاني والستون والمائتان بين قاعدة الرضا بالقضاء وبين قاعدة عدم الرضا بالمقضي وهو أن القضاء قيل مرادف للقدر وهو خلاف قول الجمهور لكنه قوي وعليه فهل هما إرادة فقط أو إرادة وعلم أو هما وقدرة أقوال ثلاثة والذي عليه الجمهور تباينهما وعليه فقيل القضاء إرادة والقدر إيجاد ممكن وقيل بالعكس أي القضاء إيجاد ممكن والقدر إرادة وقال السنوسي القدر تعلق القدرة والعلم معا في الأزل بالممكن والقضاء إجراء الممكن على وفق ما مضى به القدر والعلم وقال القرافي القدر تعلق الإرادة في الأزل بالممكن والقضاء الإرادة بحكم خبري كإرادته تعالى لزيد بالسعادة مع إخباره بكلامه وقد نظم الرهوني حاصل هذا بقوله
____________________

(4/388)


رضا بالمقضي وإن قال أي شيء عملت حتى أصابني مثل هذا وما ذنبي وما كنت أستأهل هذا فهذا عدم رضا بالقضاء فنحن مأمورون بالرضا بالقضاء ولا نتعرض لجهة ربنا إلا بالإجلال والتعظيم ولا نعترض عليه في ملكه وأما أنا أمرنا بأن تطيب لنا البلايا والرزايا ومؤلمات الحوادث فليس كذلك ولم ترد الشريعة بتكليف أحد بما ليس في طبعه ولم يؤمر الأرمد باستطابة الرمد المؤلم ولا غيره من المرض بل ذم الله قوما لا يتألمون ولا يجدون للبأساء وقعا فذمهم بقوله تعالى ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون فمن لم يسكن ولم يذل للمؤلمات ويظهر الجزع منها ويسأل ربه إقالة العثرة منها فهو جبار عنيد بعيد عن طرق الخير فالمقضي والمقدور أثر القضاء والقدر فالواجب هو الرضا بالقضاء فقط
هامش أنوار البروق
لأنه لا كفر عنادا إلا لحامل يحمله عليه ويرجحه عنده فكراهيته إياه مع رجحانه عنده كالمتناقضين وأما كراهيته المعصية فهي ممكنة لأن كل عاص عالم بعصيانه والله تعالى أعلم

هامش إدرار الشروق
وفي تباين القضاء والقدر أو الترادف خلاف اشتهر والأول المعزو للجمهور والثاني قول ليس بالمهجور ثم عليه هل هما إرادة أوتي وعلم أو هما وقدرة ثم على الأول أيضا اختلف على أقاويل فهاك ما عرف قيل القضاء إرادة ثم القدر إيجاد ممكن وعكس ذا اشتهر وللسنوسي الإمام وقعا تعلق القدرة والعلم معا في أزل قل قدر ثم القضا إجراء ممكن بوفق ما مضى أو قدر تعلق الإراده في أزل فحصل الإفاده ثم الإرادة بحكم خبري قضي وهذا للقرافي السري وعلى كل من هذه الأقوال فالرضا بالقضاء واجب إجماعا والسخط وعدم الرضا به حرام إجماعا لأنا مأمورون بأن لا نتعرض لجهة ربنا إلا بالإجلال والتعظيم ولا نتعرض عليه في ملكه بأن يقول أحدنا ساخطا لقضائه تعالى أي شيء عملت حتى أصابني مثل هذا وما ذنبي وما كنت أستأهل هذا وفي الزواجر أخرج أبو نعيم من سخط رزقه وبث شكواه ولم يصبر لم يصعد له إلى الله عمل ولقي الله وهو عليه غضبان
ا ه
وأما المقضي والمقدور فهو أثر القضاء والقدر وليس الرضا به واجبا على الإطلاق كما هو زعم من يعتقد أن الرضا بالقضاء هو الرضا بالمقضي حتى بعث هؤلاء ذلك على قولهم إن الرضا بالقضاء إنما يكون من جهة الأولياء خاصة فهو عزيز الوجود بل هو كالمتعذر وإنما الصواب أن الرضا به قد يكون واجبا كالإيمان بالله تعالى والواجبات إذا قدرها الله تعالى للإنسان وقد يكون مندوبا كما في المندوبات وحراما كما في المحرمات نعم الرضا بالكفر لا يكون كفرا كما زعم الأصل إلا إذا كان مع علمه بكفره وهو لا يتأتى إلا من الكافر عنادا بناء على القول بجواز ذلك عادة
____________________

(4/389)


أما المقضي فقد يكون الرضا به واجبا كالإيمان بالله تعالى والواجبات إذا قدرها الله تعالى للإنسان وقد يكون مندوبا في المندوبات وحراما في المحرمات والرضا بالكفر كفر ومباحا في المباحات وأما بالقضاء فواجب على الإطلاق من تفصيل فمن قضي عليه بالمعصية أو الكفر الواجب عليه أن يلاحظ جهة المعصية والكفر فيكرههما وأما قدر الله فيهما فالرضا به ليس إلا ومتى سخطه وسفه الربوبية في ذلك كان ذلك معصية أو كفرا منضما إلى معصيته وكفره على حسب حاله في ذلك فتأمل هذه الفروق وإذا وضحت لك فاعلم أن كثيرا من الناس يعتقد أن الرضا بالقضاء إنما يحصل من الأولياء وخاصة عباد الله تعالى لأنه من العزيز الوجود وليس كذلك بل أكثر العوام من المؤمنين إنما يتألمون من المقضي فقط وأما التوجه إلى جهة الربوبية بالتجوير والقضاء بغير العدل فهذا لا يكاد يوجد إلا نادرا من الفجار والمردة وإنما يبعث هؤلاء على قولهم إن الرضا بالقضاء إنما يكون من جهة الأولياء خاصة أنهم يعتقدون أن الرضا بالقضاء هو الرضا بالمقضي وعلى هذا التفسير هو عزيز الوجود بل هو كالمتعذر فإنا نجزم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تألم لقتل عمه
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
أما على القول بامتناع ذلك عادة فلا على أن جواز الكفر عناد عادة من البعيد المشبه بالمحال لأنه لا كفر عنادا إلا لحامل يحمله عليه ويرجحه عنده وكراهيته إياه مع رجحانه عادة كالمتناقضين وأما كراهية المعصية فهي ممكنة لأن كل عاص عالم بعصيانه قاله ابن الشاط وقد يكون مباحا كما في المباحات من نحو البلايا والرزايا ومؤلمات الحوادث فإنا ما أمرنا بأن تطيب لنا إذ هو تكليف بما ليس في طبع المكلف والشريعة لم ترد بتكليف أحد بما ليس في طبعه فالأرمد مثلا لم يؤمر باستطابة الرمد المؤلم بل ذم الله قوما لا يتألمون ولا يجدون للبأساء وقعا بقوله تعالى ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون فمن لم يستكن ولم يذل للمؤلمات ويظهر الجزع منها ويسأل ربه إقالة العثرة منها فهو جبار عنيد بعيد عن طرق الخير وأن الرضا بالقضاء ليس بنادر ولا متعذر فإن أكثر العوام من المؤمنين إنما يألمون من المقضي فقط
وأما التوجه إلى جهة الربوبية بالتجوير والقضاء بغير العدل فهذا لا يكاد يوجد إلا نادرا من الفجار والمردة وإنا نجزم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تألم لقتل عمه حمزة وموت ولده إبراهيم ورمي عائشة بما رميت به إلى غير ذلك لأن هذا كله من المقضي ونجزم بأن الأنبياء عليهم السلام طباعهم تتألم وتتوجع من المؤلمات وتسر بالمسرات وإذا كان الرضا بالمقضيات غير حاصل في طبائع الأنبياء فغيرهم بطريق الأولى وبالجملة فالحق تفسير الرضا بالقضاء بما قلنا لا بما قالوا وهو بتفسيرنا متيسر على أكثر العوام من المؤمنين فضلا عن الأنبياء والصالحين وبتفسيرهم لا طمع فيه فهو غلط هذا تهذيب ما صححه ابن الشاط من كلام الأصل مع زيادة والله سبحانه وتعالى أعلم تنبيه كون المقضي يكون خيرا أو شرا ولا يجب الرضا به إنما هو بحسب كسبنا وأما باعتبار خلق الله إياه فحسن يجب الرضا به إذ كل ما صدر عنه سبحانه وتعالى فضل أو عدل في
____________________

(4/390)


حمزة وموت ولده إبراهيم ورمي عائشة بما رميت به إلى غير ذلك لأن هذا كله من المقضي ونجزم بأن الأنبياء عليهم السلام طباعهم تتألم وتتوجع من المؤلمات وتسر بالمسرات وإذا كان الرضا بالمقضيات غير حاصل في طبائع الأنبياء فغيرهم بطريق الأولى فالرضا بهذا التفسير لا طمع فيه وهذا التفسير غلط بل الحق ما تقدم وهو متيسر على أكثر العوام من المؤمنين فضلا عن الأنبياء والصالحين فاعلم ذلك
هامش أنوار البروق
فارغه
هامش إدرار الشروق
عبيده ولسيدي محمد وفا رضي الله عنه سمعت الله في سري يقول أنا في الملك وحدي لا أزول وحيث الكل مني لا قبيح وقبح القبح من حيثي جميل وتوضيح ذلك أن الفعل له جهتان كونه مقضيا له تعالى وكونه مكتسبا للعبد فيجب على العبد الرضا بالقدر أي ما يقع من العبد المقدر في الأزل
وهو المقدور من الجهة الأولى لا الثانية ولذلك قيل يجب الإيمان بالقدر ولا يحتج به روي عن علي رضي الله عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله بعثني بالحق ويؤمن بالبعث بعد الموت ويؤمن بالقدر خيره وشره وروى ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال قال صلى الله عليه وسلم كل شيء بقدر حتى العجز والكيس وأما نحو قوله تعالى ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك فوارد على سبيل الإنكار أي كيف تكون هذه التفرقة أو محمول على مجرد السببية روي لأصبغ بن نباتة أن شيخا قام إلى علي رضي الله عنه بعد انصرافه من صفين فقال أخبرنا عن مسيرنا إلى الشام أكان بقضاء الله تعالى وقدره فقال والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما وطئنا موطئا ولا هبطنا واديا ولا علونا تلعة إلا بقضاء وقدر فقال الشيخ عند الله أحتسب عنائي ما أرى لي من الأجر شيئا فقال له مه أيها الشيخ عظم الله أجركم في مسيركم وأنتم سائرون وفي منصرفكم وأنتم منصرفون ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين
ولا إليها مضطرين فقال الشيخ كيف والقضاء والقدر ساقانا فقال ويحك لعلك ظننت قضاء لازما وقدرا حتما لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والوعد والوعيد والأمر والنهي ولم تأت لائمة من الله لمذنب ولا محمدة لمحسن ولم يكن المحسن أولى بالمدح من المسيء ولا المسيء أولى بالذم من المحسن تلك مقالة عبدة الأوثان وجنود الشيطان وشهود الزور وأهل العمى عن الصواب وهم قدرية هذه الأمة ومجوسها إن الله أمر تخييرا ونهى تحذيرا وكلف يسيرا لم يعص مغلوبا ولم يطع مكرها
ولم يرسل الرسل إلى خلقه عبثا ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار فقال الشيخ وما القضاء والقدر اللذان ما سرنا إلا بهما قال هو الأمر من الله والحكم ثم تلا قوله تعالى وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ا ه أفاده العطار في حاشيته على محلى جمع الجوامع قلت ومن هنا يظهر أن ما للأصل من الرضا بالقضاء غير الرضا بالمقضي مبني على اعتبار الجهة الثانية للمقضي وأن اعتقاد من يعتقد أن الرضا بالقضاء هو الرضا بالمقضي مبني على اعتبار الجهة الأولى للمقضي نعم لا يظهر قولهم إن الرضا بالقضاء إنما يكون من جهة الأولياء إلخ فتأمل بإنصاف ولا تنظر لمن قال بل لما قال كما هو دأب الرجال من ذوي الكمال
____________________

(4/391)


الفرق الثالث والستون والمائتان بين قاعدة المكفرات وقاعدة أسباب المثوبات اعلم أن كثيرا من الناس يعتقدون أن المصائب سبب في رفع الدرجات وحصول المثوبات وليس كذلك بل تحرير الفرق بينهما أن المثوبات لها شرطان أحدهما أن تكون من كسب العبد ومقدوره فما لا كسب له فيه وما لا في قدرته أو هو من جنس مقدوره غير أنه لم يقع بمقدوره كالجناية على عضو من أعضائه لا مثوبة فيه وأصل ذلك قوله تعالى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى فحصر ماله فيما هو من سعيه وكسبه وقوله تعالى إنما تجزون ما كنتم تعملون فحصر الجزاء فيما هو معمول لنا ومقدور وثانيهما أن يكون ذلك المكتسب مأمورا به فما لا أمر فيه لا ثواب فيه كالأفعال قبل البعثة وكأفعال الحيوانات العجماوات مكتسبة مرادة لها واقعة باختيارها ولا ثواب لها فيها لعدم الأمر بها وكذلك الموتى يسمعون في قبورهم المواعظ والقرآن والذكر والتسبيح والتهليل ولا ثواب لهم فيه على الصحيح لأنهم غير مأمورين بعد الموت ولا منهيين فلا إثم ولا ثواب لعدم الأمر والنهي هذا أحد أسباب المثوبات

هامش أنوار البروق
قال الفرق الثالث والستون والمائتان بين قاعدة المكفرات وقاعدة أسباب المثوبات اعلم أن كثيرا من الناس يعتقدون أن المصائب سبب في رفع الدرجات وحصول المثوبات وليس كذلك بل تحرير الفرق بينهما أن المثوبات لها شرطان أحدهما أن تكون من كسب العبد ومقدوره فما لا كسب له فيه وما لا في قدرته أو هو من جنس مقدوره غير أنه لم يقع بمقدوره كالجناية على عضو من أعضائه لا مثوبة فيه وأصل ذلك قوله تعالى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى فحصر ما له فيما هو من سعيه وكسبه وقوله تعالى إنما تجزون ما كنتم تعملون فحصر الجزاء فيما هو معمول لنا ومقدور وثانيهما أن يكون ذلك المكتسب مأمورا به فما لا أمر فيه لا ثواب فيه كالأفعال
هامش إدرار الشروق
الفرق الثالث والستون والمائتان بين قاعدة المكفرات وقاعدة المثوبات وهو مبني على طريقة الأصل وهي أن للمثوبات شرطين الأول أن تكون من كسب العبد ومقدوره لقوله تعالى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى فحصر ماله فيما هو من سعيه وكسبه وقوله تعالى إنما تجزون ما كنتم تعملون فحصر الجزاء فيما هو معمول لنا ومقدور والشرط الثاني أن يكون ذلك المكتسب مأمورا به فلا ثواب فيما لا أمر فيه كالأفعال قبل البعثة وكأفعال الحيوانات العجماوات فإنها لعدم الأمر بها لا ثواب لها فيها وإن كانت مكتسبة مراده لها واقعة باختيارها وكالموتى يسمعون في قبورهم المواعظ والقرآن والذكر والتسبيح والتهليل إذ لا ثواب لهم فيه على الصحيح لأنهم بعد الموت غير مأمورين ولا منهيين وأن المكفرات لا يشترط فيها شيء من ذلك بل هي ثلاثة أنواع لأنها
____________________

(4/392)


وأما المكفرات فلا يشترط فيها شيء من ذلك بل قد تكون كذلك مكتسبة مقدورة من باب الحسنات لقوله إن الحسنات يذهبن السيئات وقد لا تكون كذلك كما تكفر التوبة والعقوبات السيئات وتمحو آثارها ومن ذلك المصائب المؤلمات لقوله تعالى وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ولقوله عليه السلام لا يصيب المؤمن من وصب ولا نصب حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها ذنوبه فالمصيبة كفارة للذنوب جزما سواء اقترن بها السخط أو الصبر والرضا فالسخط معصية أخرى ونعني بالسخط عدم الرضا بالقضاء كما تقدم تقريره لا التألم من المقضيات كما تقدم بيانه والصبر من القرب الجميلة فإذا تسخط جعلت سيئة ثم قد تكون هذه السيئة قدر السيئة التي كفرتها المصيبة أو أقل أو أعظم بحسب كثرة السخط وقلته وعظم المصيبة وصغرها فإن المصيبة العظيمة تكفر من السيئات أكثر من المصيبة اليسيرة فالتكفير واقع قطعا تسخط المصاب أو صبر غير أنه إن صبر اجتمع التكفير والأجر وإن تسخط فقد يعود الذي تكفر بالمصيبة بما جناه من التسخط أو أقل منه أو أكثر وعلى هذا يحمل ما في بعض الأحاديث من ترتيبه المثوبات على المصائب أي إذا صبر ليس إلا فالمصيبات لا
هامش أنوار البروق
قبل البعثة وكأفعال الحيوانات العجماوات مكتسبة مرادة لها واقعة باختيارها ولا ثواب لها فيها لعدم الأمر بها وكذلك الموتى يسمعون في قبورهم المواعظ والقرآن والذكر والتسبيح والتهليل ولا ثواب لهم فيه على الصحيح لأنهم غير مأمورين بعد الموت ولا منهيين فلا إثم ولا ثواب لعدم الأمر والنهي قلت هذا حديث غير صحيح بل الصحيح أن رفع الدرجات لا يشترط في أسبابها كونها مكتسبة ولا مأمورا بها فمنها ما يكون سببه كذلك ومن ذلك الآلام وجميع المصائب وقد دلت على ذلك كله دلائل وظواهر الشرع متظاهرة يعضدها قاعدة رجحان جانب الحسنات المقطوع بها وما استدل به من عموم قوله تعالى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وقوله إنما تجزون ما كنتم تعملون وما أشبه ذلك من الآي والأخبار يتعين حمله على الخصوص جمعا بين الأدلة فإن
هامش إدرار الشروق
إما من باب الحسنات فتكون مكتسبة مقدورة قال الله تعالى إن الحسنات يذهبن السيئات وإما من باب التوبة والعقوبات فتكفر السيئات وتمحو آثارها وإما من باب المصائب المؤلمات فتكفر الذنوب جزما سواء اقترن بها السخط الذي هو عدم الرضا بالقضاء لا التألم من المقضيات كما تقدم بيانه أو اقترن بها الصبر والرضا وإن لم تكن سببا في رفع الدرجات وحصول المثوبات ضرورة أنها غير مكتسبة وقال تعالى وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصيب المؤمن من وصب ولا نصب حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها ذنوبه خلافا لما يعتقده كثير من الناس من أنها تكون سببا في ذلك وما في بعض الأحاديث من ترتيبه المثوبات على المصائب فمحمول على ما إذا صبر ليس إلا فإنه إن صبر اجتمع له التكفير والأجر
وإن تسخط فقد يعود الذي تكفر بالمصيبة بما جناه من السخط أو أقل
____________________

(4/393)


ثواب فيها قطعا من جهة أنها مصيبة لأنها غير مكتسبة
والتكفير بالمصيبة يقع بالمكتسب وغير المكتسب ومنه قوله عليه السلام في مسلم وغيره لا يموت لأحدكم ثلاثة من الولد إلا كن له حجابا من النار قالت قلت يا رسول الله واثنان قال واثنان وخلته لو قلت له وواحد لقال وواحد والحجاب راجع إلى معنى التكفير أي تكفر مصيبة فقد الولد ذنوبا كان شأنها أن يدخل بها النار فلما كفرت تلك الذنوب بطل دخول النار بسببها فصارت المصيبة كالحجاب المانع من دخول النار من جهة مجاز التشبيه واعلم أن التكفير في موت الأولاد ونحوهم إنما هو بسبب الآلام الداخلة على القلب من فقد المحبوب فإن كثر كثر التكفير وإن قل قل التكفير فلا جرم يكون التكفير على قدر نفاسة الولد في صفاته ونفاسته في بره وأحواله فإن كان الولد مكروها يسر بفقده فلا كفارة بفقده ألبتة وإنما أطلق عليه السلام التكفير بموت الأولاد بناء على الغالب أنه يؤلم فظهر لك الفرق بين المكفرات وأسباب المثوبات بهذه التقادير والمباحث وعلى هذا البيان لا يجوز أن تقول لمصاب بمرض أو فقد محبوب أو غير ذلك جعل الله لك هذه المصيبة كفارة لأنها كفارة قطعا والدعاء بتحصيل الحاصل حرام لا يجوز لأنه قلة أدب مع الله تعالى
هامش أنوار البروق
قال قائل ذلك وإن كان سببا لرفع الدرجات وزيادة النعيم فلا يسمى ثوابا ولا أجرا ولا جزاء فإنها ألفاظ مشعرة بالإعطاء في مقابلة عوض فالأمر فيما يقوله قريب إذ لا مشاحة في الألفاظ وكيف يصح حمله الآيتين وما أشبههما على العموم مع الإجماع المعلوم المنعقد على صحة النيابة في الأعمال المالية كلها مع الخلاف في البدنية كلها أو ما عدا الصلاة منها فلا بد من حمل الآيتين وشبههما على الإيمان أو عليه وعلى سائر الأعمال القلبية قال وأما المكفرات فلا يشترط فيها شيء من ذلك بل قد تكون كذلك مكتسبة مقدورة من باب الحسنات لقوله تعالى إن الحسنات يذهبن السيئات وقد لا تكون كذلك كما تكفر التوبة والعقوبات السيئات وتمحو آثارها ومن ذلك المصائب المؤلمات قلت ما قاله في ذلك صحيح إلا قوله وتمحو آثارها فإنه إن أراد بذلك محوها من الصحائف فإن ذلك ليس بصحيح لأنه عين الإحباط
هامش إدرار الشروق
منه أو أكثر فقوله عليه السلام في مسلم وغيره لا يموت لأحدكم ثلاثة من الولد إلا كن له حجابا من النار قالت قلت يا رسول الله واثنان قال واثنان وخلته لو قلت له وواحد لقال وواحد معناه أن مصيبة فقد الولد تكفر ذنوبا كان شأنها أن يدخل بها النار فلما كفرت تلك الذنوب بطل دخول النار بسببها فصارت المصيبة كالحجاب المانع من دخول النار من جهة مجاز التشبيه ثم إن تكفير موت الأولاد ونحوهم إنما هو بسبب الآلام الداخلة على القلب من فقد المحبوب فإن كثر كثر التكفير وإن قل قل التكفير فلا جرم يكون التكفير على قدر نفاسة الولد في صفاته أو نفاسته في بره وأحواله فإن كان الولد مكروها يسر بفقده فلا كفارة بفقده ألبتة وإنما أطلق عليه السلام التكفير بموت الأولاد بناء على الغالب أنه يؤلم قال فظهر بهذه التقارير والمباحث الفرق بين المكفرات وأسباب المثوبات وعليه فلا يجوز أن تقول لمصاب بمرض أو فقد محبوب أو غير ذلك جعل الله لك هذه المصيبة كفارة لأنها كفارة قطعا والدعاء
____________________

(4/394)


وقد بسطت هذا في كتاب المنجيات والموبقات في الأدعية بل يقال اللهم عظم له الكفارة لأن تعظيمها لم يعلم ثبوته بخلاف أصل التكفير فإنه معلوم لنا بالنصوص الواردة في الكتاب والسنة فلا يجوز طلبه فاعلم ذلك فيه وفي نظائره
هامش أنوار البروق
وهو باطل عند أهل السنة قال لقوله تعالى وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير قلت لا دليل له في هذه الآية على كون المصائب مكفرة للذنوب أو غير مكفرة وإنما فيها أن المصائب سببها الذنوب وأن من الذنوب ما لا يقابل بمصيبة يكون سببا لها بل يسامح فيه ويعفى عنه
قال ولقوله صلى الله عليه وسلم لا يصيب المؤمن من وصب ولا نصب حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها ذنوبه قلت ما قاله في ذلك صحيح ويعني بقوله يعود يكون ذنب السخط مثله أو أقل منه أو أكثر لأن الكفر يعود حقيقة قال وعلى هذا يحمل ما في بعض الأحاديث من ترتب المثوبات على المصائب أي إذا صبر ليس إلا فالمصيبات لا ثواب فيها قطعا من جهة أنها مصيبة لأنها غير مكتسبة والتكفير بالمعصية يقع بالمكتسب وغير المكتسب ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في مسلم وغيره لا يموت لأحدكم ثلاثة من الولد إلا كن له حجابا من النار قالت قلت يا رسول الله واثنان قال واثنان وخلته لو قلت له وواحد لقال وواحد فالحجاب راجع إلى معنى التكفير أي تكفر مصيبة فقد الولد ذنوبا كان شأنها أن يدخل بها النار فلما كفرت تلك الذنوب بطل دخول النار بسببها فصارت المصيبة كالحجاب المانع من دخول النار من جهة مجاز التشبيه قلت ما قاله من أن المصيبة لا ثواب فيها قطعا ليس بصحيح وقد تبين قبل هذا أن ما استدل به من العمومات لا دليل فيه لتعين حملها على الخصوص بالإجماع على صحة النيابة في الأمور المالية وبالظواهر المظاهرة بثبوت الحسنات في الآلام وشبهها قال واعلم أن التكفير في موت الأولاد ونحوهم إنما هو بسبب الآلام قلت ما قاله في ذلك صحيح قال فإن كان الولد مكروها يسر بفقده فلا كفارة بفقده ألبتة وإنما أطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم التكفير بموت الأولاد بناء على الغالب أنه يؤلم

هامش إدرار الشروق
بتحصيل الحاصل حرام لا يجوز لأنه قلة أدب مع الله تعالى وقد بسطت هذا في كتاب المنجيات والموبقات في الأدعية بل يقال اللهم عظم له الكفارة لأن تعظيمها لم يعلم ثبوته بخلاف أصل التكفير فإنه معلوم لنا بالنصوص الواردة في الكتاب والسنة فلا يجوز طلبه فاعلم ذلك فيه وفي نظائره هذا خلاصة ما قاله الأصل في هذه الطريقة
واختار ابن الشاط والجمهور من علماء المذاهب الأربعة الطريقة الثانية وهي أن رفع الدرجات وحصول المثوبات لا يشترط في أسبابها كونها مكتسبة ولا مأمورا بها وأنه لا فرق بينها وبين المكفرات بل هي نوع منها وأن تلك الأسباب نوعان ما يكون سببه غير مكتسب ولا مقدور ومن ذلك الآلام وجميع المصائب قال ابن الشاط وقد دلت على ذلك كله دلائل
وظواهر الشرع متظاهرة يعضدها قاعدة رجحان جانب
____________________

(4/395)


صفحة فارغة
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله في ذلك تحكم بتقييد كلام الشارع من غير دليل وتضييق لباب الرحمة الثابت سعته قال فظهر لك الفرق بين المكفرات وأسباب المثوبات بهذه التقارير والمباحث قلت لم يظهر ذلك على الوجه الذي زعم قال وعلى هذا البيان لا يجوز أن تقول المصاب بمرض أو فقد محبوب أو غير ذلك جعل الله لك هذه المصيبة كفارة لأنها كفارة قطعا والدعاء بتحصيل الحاصل حرام لا يجوز لأنه قلة أدب مع الله تعالى وقد بسطت هذا في كتاب المنجيات والموبقات في الأدعية بل يقال اللهم عظم له الكفارة لأن تعظيمها لم يعلم ثبوته بخلاف أصل التكفير أنه معلوم لنا بالنصوص الواردة في الكتاب والسنة فلا يجوز طلبه فاعلم ذلك فيه وفي نظائره قلت ما قاله في هذا الفصل ليس بصحيح ولا مانع من الدعاء بتحصيل الحاصل أي المعلوم الحصول إذ ذلك مراده هنا ولا وجه لقوله إن ذلك قلة أدب مع الله تعالى كيف وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو لنفسه الكريمة بالمغفرة مع العلم بثبوتها له وما المانع أن يدعو بذلك غيره أو يدعو له لعدم علمه بحصول شرط التكفير والغفران وهو الوفاة على الإيمان
وجميع ما قال في الفرق بعده وهو
هامش إدرار الشروق
الحسنات المقطوع بها ا ه وقد نقل العلامة الجمل على الجلالين عن ابن تيمية وغير واحد من المحققين كالكرخي أن من تلك الظواهر أن أولاد المؤمنين يدخلون الجنة بعمل آبائهم كما في آية واتبعتهم ذريتهم بإيمان إلخ ومنها قوله تعالى في قصة الغلامين اليتيمين وكان أبوهما صالحا فانتفعا بصلاح أبيهما وليس من سعيهما ومنها أن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وقال تعالى ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات وقال تعالى ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض فقد رفع تعالى العذاب عن بعض الناس بسبب بعض وذلك انتفاع بعمل الغير ومنها أن الإنسان ينتفع بدعاء غيره وهو انتفاع بعمل الغير ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع لأهل الموقف في الحساب ثم لأهل الجنة في دخولها ثم لأهل الكبائر في الخروج من النار وهذا انتفاع بسعي الغير ومنها أن الملائكة يدعون ويستغفرون لمن في الأرض
وذلك منفعة بعمل الغير
ومنها أن الله يخرج من النار من لم يعمل خيرا قط بمحض رحمته وهذا انتفاع بغير عملهم
ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قد امتنع من الصلاة على المدين حتى قضى دينه أبو قتادة وقضى دين الآخر علي بن أبي طالب فانتفع بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم وهو من عمل الغير ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن صلى وحده ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه فقد حصل له فضل الجماعة بفعل الغير قال ابن تيمية ومن تأمل العلم وجد من انتفاع الإنسان بما لم يعمله ما لا يكاد يحصى فمن اعتقد أن الإنسان لا ينتفع إلا بعمله فقد خرق الإجماع وذلك باطل من هذه الوجوه وغيرها ا ه ومثله للكرخي قال ابن الشاط فيتعين حمل عموم قوله تعالى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وقوله تعالى إنما تجزون ما كنتم تعملون وما أشبه ذلك من الآي والأخبار والخصوص جمعا بين الأدلة فإن قال قائل ذلك وإن كان سببا لرفع الدرجات وزيادة النعيم فلا يسمى ثوابا ولا أجرا ولا جزاء فإنها ألفاظ مشعرة بالإعطاء في مقابلة عوض فالأمر فيما يقوله قريب إذ لا مشاحة في الألفاظ وكيف يصح حمله أي الشهاب القرافي الآيتين وما أشبههما على العموم مع الإجماع المعلوم المنعقد على صحة النيابة في الأعمال المالية كلها مع الخلاف في البدنية كلها أو ما عدا الصلاة منها
ا ه
ففي حاشية
____________________

(4/396)


صفحة فارغة
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
البناني على عبد الباقي على مختصر خليل نقل الحطاب عند قوله في المختصر وما تطوع وليه عنه ما للعلماء من الخلاف في جواز إهداء ثواب قراءة القرآن للنبي صلى الله عليه وسلم أو شيء من القرب قال وجلهم أجاب بالمنع لأنه لم يرد فيه أثر ولا شيء عمن يقتدى به من السلف انظره
وقد اعترضه الشيخ ابن زكري بحديث كعب بن عجرة كما في المواهب وغيرها قلت يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي قال ما شئت قلت الربع قال ما شئت وإن زدت فهو خير لك قلت النصف قال ما شئت وإن زدت فهو خير لك قال أجعل صلاتي كلها لك قال قال إذا تكفى همك ويغفر ذنبك ا ه بلفظه وفي حاشية كنون أن الشيخ الطيب بن كيران بعد أن ذكر قوله الحافظ المنذري ومن وافقه قوله أكثر الصلاة فكم أجعل لك من صلاتي معناه أكثر الدعاء فكم أجعل لك من دعائي صلاة عليك ا ه قال وفيه أن هذا التفسير خلاف ظاهر العبارة ولو أريد لقيل فكم أصرف لك من وقت دعائي مثلا ويؤيد إرادة ظاهر العبارة ما في المعهود للشهود فإنه بعد أن ذكر الحديث عن كعب بن عجرة وتفسير المنذري المتقدم ذكر عن أبي المواهب الشاذلي أنه قال فذكر رؤياه المتقدمة وقال عقبها انتهى وهو حسن
وهذا مذهب جماعة من الصوفية قال أبو المواهب التونسي قال لي المصطفى في مبشرة أنت تشفع في مائة ألف قلت بم نلت هذا قال بإعطائك لي ثواب صلاتك علي وحج ابن الموفق حججا فجعل ثوابها للمصطفى فرآه يقول له هذه يد لك عندي أكافئك بها يوم القيامة آخذ بيدك فأدخلك الجنة بغير حساب ولا يستلزم ذلك سوء الأدب كما زعموا
ومنهم سيدي زروق فإن المقصود من الإهداء للعظماء إجلالهم وإعظامهم لا أنهم محتاجون لما يهدى لهم والهدية على قدر مهديها لا المهدى إليه والأعمال أنفس ما عند المهدي وهي جهد مقل فلا محذور في إهدائها مع رؤية قصورها وعدم أهليتها نعم إن استعظم ما أهدى فسوء أدب ويمكن حمل كلام سيدي زروق عليه والله أعلم ا ه وأصله لجسوس وزاد بل منهم من يجعل أعماله هدية للأولياء أو يجعل وردا لجميعهم أو للجهة التي يعتقدها ومنهم من يجعل ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مآب حسن النية والتقرب لجانبه الكريم صلى الله عليه وسلم وأما قول الشيخ زروق في عدة المريد بعد نقل مذهب الصوفية المتقدم ليس الحق في ذلك إلا باتباع سنته وإكرام قرابته وكثرة الصلاة عليه لأنه غني عن أعمالنا وإني لأرى ذلك إساءة أدب معه لمقابلته بما لا يصلح أن يكون صاحبه مقبولا فكيف الاعتداد بثوابه ا ه فليس بقوي للحديث المتقدم فإنه ظاهر في الجواز كما تقدم وأيضا فإن المقصود من الإهداء للعظماء إجلالهم إلى آخر ما تقدم ثم قال أشار إلى ذلك شيخنا العلامة سيدي محمد بن عبد الرحمن بن زكري رحمه الله تعالى في شرحه لصلاة القطب مولانا عبد السلام بن مشيش نفعنا الله ببركته آمين
ا ه
وقد ذكر ابن زكري رحمه الله جميع ما تقدم عند قوله صلاة تليق بك منك إليه كما هو أهله إلا أن عبارته كلام العهود أقوى وأظهر لأن لفظ الحديث يدل له إذ لو أريد بيان كم يجعل للصلاة عليه من أوقات عبادته لقال فكم أصرف من أوقات عبادتي في الصلاة عليك ويؤيده رؤيا أبي المواهب المتقدمة ثم قال والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هدية له على كل حال كما في الأحاديث وإن لم ينو المصلي كون ثوابها له فمعنى الإهداء حاصل له في الجملة والمقصود من الإهداء للعظماء إجلالهم وإعظامهم لا أنهم محتاجون إلى هدية المهدي
____________________

(4/397)


صفحة فارغة
هامش أنوار البروق
فارغه
هامش إدرار الشروق
ولذلك يجزلون المثوبات على أدنى شيء وأيضا فينوي المصلي بذلك تحصين عمله من الرد ليقوى بذلك رجاؤه احتراما بالنبي صلى الله عليه وسلم فإن الهدايا للملوك إذا كانت لا تناسب جلالة مقاديرهم ويخشى ردهم لها دخلت في جملة هدايا واسطة عظيم عند الملك فتقبل حينئذ من جملة هداياه وهذا كله إذا احتقر العامل نفسه واعتقد قصوره وعدم أهليته لذلك وأما إذا رأى عمله شيئا معتبرا في نفسه معتدا به فسوء الأدب لازم له ويمكن حمل ما لسيدي زروق عليه ويمكن أن يريد غير الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أما هي فحديث أبي ظاهر في خلافه كما سبق والله تعالى أعلم ا ه فأنت تراه إنما ذكر رؤيا أبي المواهب وغيره على وجه التأييد والاستئناس لظاهر لفظ الحديث لا على وجه الاحتجاج
وقبل ذلك تلميذه جسوس وغيره فتأمله والله أعلم ا ه المراد من كلام كنون ومراده دفع تنظير الرهون في مستند ابن زكري أولا بأن الأحكام الشرعية لا تثبت بالرؤيا وإن كانت حقا لا سيما من مثل أبي المواهب وثانيا بأن ما فهم من الحديث معارض بما فهم منه غير واحد من الأئمة من غير ذكر خلاف فيه فانظره إن شئت قلت وقد وجه عدم ثبوت الأحكام الشرعية بالرؤيا العلامة العطار على محلى جمع الجوامع فقال ولا يلزم من صحة الرؤية التعويل عليها في حكم شرعي لاحتمال الخطأ في التحمل وعدم ضبط الرائي حكي أن رجلا رآه صلى الله عليه وسلم في المنام يقول له إن في المحل الفلاني ركازا اذهب فخذه ولا خمس عليك فذهب فوجده فاستفتى العلماء فقال العز بن عبد السلام أخرج الخمس فإنه ثبت بالتواتر وقصارى رؤيتك الآحاد ا ه فافهم وفي الخازن وأجمع العلماء على أن الصدقة عن الميت تنفع الميت ويصله ثوابها وعلى وصول الدعاء وقضاء الدين للنصوص الواردة في ذلك ويصح الحج عن الميت حجة الإسلام وكذا لو أوصى بحج تطوع على الأصح عند الشافعي واختلف العلماء في الصوم إذا مات وعليه صوم فالراجح جوازه عنه للأحاديث الصحيحة فيه والمشهور من مذهب الشافعي أن قراءة القرآن لا يصل للميت ثوابها وقال جماعة من أصحابه يصله ثوابها وبه قال أحمد بن حنبل وأما الصلوات وسائر التطوعات فلا تصله عند الشافعي والجمهور وقال أحمد يصله ثواب الجميع والله أعلم ا ه قال ابن الشاط فلا بد من حمل الآيتين وشبههما على الإيمان أو عليه وعلى سائر الأعمال القلبية
ا ه
وفي الخازن وقيل أراد بالإنسان في قوله تعالى وأن ليس للإنسان الآية الكافر والمعنى ليس له من الخير إلا ما عمل هو فيثاب عليه في الدنيا بأن يوسع عليه في رزقه ويعافى في بدنه حتى لا يبقى له في الآخرة خير وقيل إن قوله وأن ليس للإنسان إلا ما سعى هو من باب الفضل فجائز أن يزيده الله ما يشاء من فضله وكرمه ا ه وفي الخطيب وقال ابن عباس هذا منسوخ الحكم في هذه الشريعة أي وإنما هو في صحف موسى وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام بقوله تعالى ألحقنا بهم ذريتهم فأدخل الأبناء الجنة بصلاح الآباء وقال عكرمة إن ذلك لقوم موسى وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام وأما هذه الأمة فلهم ما سعوا وما سعى لهم غيرهم لما روي أن امرأة رفعت صبيا لها وقالت يا رسول الله ألهذا حج فقال نعم
____________________

(4/398)


الفرق الرابع والستون والمائتان بين قاعدة المداهنة المحرمة وبين قاعدة المداهنة التي لا تحرم وقد تجب اعلم أن معنى المداهنة معاملة الناس بما يحبون من القول ومنه قوله تعالى ودوا لو تدهن فيدهنون أي هم يودون لو أثنيت على أحوالهم وعباداتهم ويقولون لك مثل ذلك فهذه مداهنة حرام وكذلك كل من يشكر ظالما على ظلمه أو مبتدعا على بدعته أو مبطلا على إبطاله وباطله فهي مداهنة حرام لأن ذلك وسيلة لتكثير ذلك الظلم والباطل من أهله
هامش أنوار البروق
@ 399 الرابع والستون والمائتان إلى آخر الفرق الحادي والسبعين والمائتين صحيح أو نقل لا كلام فيه
المسألة الثانية قال بعض العلماء لا يشترط في النهي عن المنكر أن يكون ملابسه عاصيا بل يشترط أن يكون ملابسا لمفسدة واجبة الدفع أو تاركا لمصلحة واجبة الحصول وله أمثلة منها أمر الجاهل بمعروف لا يعرف وجوبه ونهيه عن منكر لا يعرف تحريمه كنهي الأنبياء عليهم السلام أممها أول بعثتها ومنها قتال البغاة وهم على تأويل ومنها ضرب الصبيان على ملابسة الفواحش ومنها قتل الصبيان والمجانين إذا صالوا على الدماء والأبضاع ولم يمكن دفعهم إلا بقتلهم ومنها أن يوكل وكيلا بالقصاص ثم يعفو ويخبر فاسق أو متهم الوكيل بالعفو فلا يصدقه فللفاسق أو المتهم الذي أخبره أن يدفعه عن القصاص إذا دفعا بالقتل الواردة لمفسدة القتل بغير حق ومنها أن يوكل سيد الجارية وكيلا في بيعها فيبيعها ويخبره المشتري أنه اشتراها من الوكيل فلم يصدقه ويريد وطأها ظنا منه أن الوكيل لم يبعها فللمشتري دفعه ولو بالقتل ومنها ضرب البهائم للتعليم والرياضة دفعا لمفسدة الشماس والجماح
المسألة الثالثة قال العلماء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على الفور إجماعا فمن أمكنه أن يأمر بمعروف وجب عليه كمن يرى جماعة تركوا الصلاة فيأمرهم بكلمة واحدة قوموا للصلاة
المسألة الخامسة يدخل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المندوبات والمكروهات على سبيل الإرشاد للورع ولما هو أولى من غير تعنيف ولا توبيخ بل يكون ذلك من باب التعاون على البر والتقوى أفاده الأصل وصححه ابن الشاط والله سبحانه وتعالى أعلم

هامش إدرار الشروق
ولك أجر وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم إن أمي قتلت نفسها فهل لها أجر إن تصدقت عنها قال نعم ا ه قال ابن الشاط وقول القرافي بأن التوبة والعقوبات تكفر السيئات وتمحو آثارها إن أراد به محوها من الصحائف فهو ليس بصحيح لأنه عين الإحباط وهو باطل عند أهل السنة قال ولا دليل له في قوله تعالى وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير على كون المصائب مكفرة للذنوب أو غير مكفرة وإنما فيها المصائب سببها الذنوب وأن من الذنوب ما لا يقابل بمصيبة يكون سببا لها بل يسامح فيه ويعفى عنه قال وما قاله من أن المصيبة لا ثواب فيها قطعا ليس بصحيح وقد تبين قبل هذا أن ما استدل به من العمومات لا دليل فيه لتعين حملها على الخصوص بالإجماع على صحة النيابة في الأمور المالية وبالظواهر المتظاهرة بثبوت الحسنات في الآلام وشبهها قال فلم يظهر الفرق بين القاعدتين على الوجه الذي زعم أي وإنما يظهر على وجه آخر وهو ما أشار إليه قبل بقوله فإن قال قائل ذلك وإن كان مسببا إلخ قال وما قاله في رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلق التكفير بموت الأولاد بناء على الغالب أنه يؤلم فهو تحكيم بتقييد كلام الشارع من غير دليل وتضييق لباب الرحمة الثابت سعته قال ولا مانع من الدعاء بتحصيل الحاصل أي المعلوم الحصول إذ ذلك مراده بقوله والدعاء بتحصيل الحاصل حرام لا يجوز لأنه إلخ ولا وجه لقوله إن ذلك قلة أدب مع الله تعالى كيف وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو لنفسه الكريمة بالمغفرة مع العلم بثبوتها له وما المانع أن يدعو بذلك غيره أو يدعو له لعدم علمه بحصول شرط التكفير والمغفرة وهو الموافاة على الإيمان ا ه والله سبحانه وتعالى أعلم
الفرق الرابع والستون والمائتان بين قاعدة المداهنة المحرمة وبين قاعدة المداهنة التي لا تحرم وقد تجب وهو أن المداهنة وهي معاملة الناس بما يحبون من القول وإن شاع بين الناس أنها كلها محرمة إلا أنها تجري عليها الأحكام الخمسة فقسم المحرمة ما كان وسيلة لتكثير الظلم والباطل من أهله كشكر الظالم على ظلمه والمبتدع على بدعته أو مبطل على إبطاله ومنه قوله تعالى ودوا لو تدهن فيدهنون القلم
____________________

(4/399)


وروي عن أبي موسى الأشعري أنه كان يقول إنا لنشكر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم يريد الظلمة والفسقة الذين يتقى شرهم ويتبسم في وجوههم ويشكرون بالكلمات الحقة فإن ما من أحد إلا وفيه صفة تشكر ولو كان من أنحس الناس فيقال له ذلك استكفاء لشره فهذا قد يكون مباحا وقد يكون واجبا إن كان يتوصل به القائل لدفع ظلم محرم أو محرمات لا تندفع إلا بذلك القول ويكون الحال يقتضي ذلك وقد يكون مندوبا إن كان وسيلة لمندوب أو مندوبات وقد يكون مكروها إن كان عن ضعف لا ضرورة تتقاضاه بل خور في الطبع أو يكون وسيلة للوقوع في مكروه فانقسمت المداهنة على هذه الأحكام الخمسة الشرعية وظهر حينئذ الفرق بين المداهنة المحرمة وغير المحرمة وقد شاع بين الناس أن المداهنة كلها محرمة وليس كذلك بل الأمر كما تقدم تقريره الفرق الخامس والستون والمائتان بين قاعدة الخوف من غير الله تعالى المحرم وقاعدة الخوف من غير الله تعالى الذي لا يحرم ورد قوله تعالى ولم يخش إلا الله وقوله تعالى فلا تخشوهم واخشوني وقوله تعالى وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
9 أي هم يودون لو أثنيت على أحوالهم وعباداتهم ويقولون لك مثل ذلك وقسم غير المحرمة ما لم يكن كذلك بل كان عبارة عن شكر الظلمة الفسقة والذين يتقى شرهم بالكلمات الحقة وبالتبسم في وجوههم وإليه أشار أبو موسى الأشعري رضي الله عنه بقوله إنا لنشكر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم وهذا قد يكون مباحا إن لم يكن وسيلة لواجب أو مندوب أو مكروه وقد يكون واجبا إن كان يتوصل به القائل لدفع ظلم محرم أو محرمات لا تندفع إلا بذلك القول ويكون الحال يقتضي ذلك وقد يكون مندوبا إن كان وسيلة لمندوب أو من مندوبات وقد يكون مكروها إن كان عن ضعف لا ضرورة تتقاضاه بل خور في الطبع أو كان وسيلة للوقوع في مكروه هذا تهذيب كلام الأصل وصححه ابن الشاط قلت وقسم المداهنة المحرمة هو الذي عده العلامة ابن حجر في الزواجر من الكبائر لما أخرجه البيهقي من قوله صلى الله عليه وسلم من أسوأ الناس منزلة من أذهب آخرته بدنيا غيره وفي رواية أنه أشر الناس ندامة وفي أخرى أنه أشر الناس منزلة يوم القيامة وما أخرجه الترمذي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس ا ه والله سبحانه وتعالى أعلم
الفرق الخامس والستون والمائتان بين قاعدة الخوف من غير الله تعالى المحرم وقاعدة الخوف من غير الله تعالى الذي لا يحرم وهو أن الخوف من غير الله محرم إن كان مانعا من فعل واجب أو ترك محرم أو كان مما لم تجر العادة بأنه سبب للخوف كمن يتطير بما لا يخاف منه عادة كالعبور بين الغنم يخاف أن لا تقضى حاجته بهذا السبب وعلى
____________________

(4/400)


الأحزاب 37 ونحو ذلك من النصوص المانعة من خوف غير الله تعالى وهو المستفيض على ألسنة الجمهور وهذه النصوص محمولة على خوف غير الله تعالى المانع من فعل واجب أو ترك محرم أو خوف مما لم تجر العادة بأنه سبب للخوف كمن يتطير بما لا يخاف منه عادة كالعبور بين الغنم يخاف لذلك أن لا تقضى حاجته بهذا السبب فهذا كله خوف حرام ومما ورد في هذا الباب وهو قليل أن يتفطن له قوله تعالى ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله فمعنى هذا التشبيه في هذه الكاف قل من يحققه وهو قد ورد في هذا الباب في سياق الذم والإنكار مع أن فتنة الناس مؤلمة وعذاب الله مؤلم ومن شبه مؤلما بمؤلم كيف ينكر عليه هذا التشبيه ومدرك الإنكار بين وهو أن الله تعالى وضع عذابه حاثا على طاعته وزاجرا عن معصيته فمن جعل أذية الناس حاثة على طاعتهم في ارتكاب معصية الله تعالى وزاجرة له عن طاعة الله تعالى فقد سوى بين عذاب الله وفتنة الناس في الحث والزجر وشبه الفتنة بعذاب الله تعالى من هذا الوجه والتشبيه من هذا الوجه حرام قطعا موجب للتحريم واستحقاق الذم الشرعي فأنكر على فاعله ذلك وهو من باب خوف غير الله المحرم وهو سر التشبيه ها هنا وقد يكون الخوف من غير الله تعالى ليس محرما كالخوف من الأسود والحيات والعقارب والظلمة وقد يجب الخوف من غير الله تعالى كما
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
هذا الخوف المحرم يحمل قوله تعالى ولم يخش إلا الله وقوله تعالى فلا تخشوهم واخشوني وقوله تعالى وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ونحو ذلك من النصوص كقوله تعالى ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله لأن معناه أن من جعل أذية الناس حاثة على طاعتهم في ارتكاب معصية الله تعالى وزجره له عن طاعة الله تعالى كما وضع الله تعالى عذابه حاثا على طاعته وزاجرا عن معصيته فقد سوى بين عذاب الله وفتنة الناس في الحث والزجر فتشبيهه الفتنة بعذاب الله تعالى من هذا الوجه حرام قطعا موجب لاستحقاق الذم الشرعي وهو من باب خوف غير الله تعالى المحرم وهو سر التشبيه ها هنا وأن الخوف من غير الله تعالى غير محرم إن كان غير مانع من فعل واجب أو ترك محرم وكان مما جرت العادة بأنه سبب للخوف كالخوف من الأسود والحيات والعقارب والظلمة وكالخوف من أرض الوباء ومن المجذوم على أجسامنا من الأمراض والأسقام بل صون النفوس والأجسام والمنافع والأعضاء والأموال والأعراض عن الأسباب المفسدة واجب لقوله تعالى ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة
وقوله صلى الله عليه وسلم فر من المجذوم فرارك من الأسد وعلى هذه القواعد فقس يظهر لك ما يحرم من الخوف من غير الله تعالى وما لا يحرم وحيث تكون الخشية من الخلق محرمة وحيث لا تكون فاعلم ذلك هذا تنقيح ما في الأصل وصححه ابن الشاط قلت ومراده بالخوف من أرض الوباء خوف من لم يدخلها من دخولها ففي الجامع الصغير مما رواه أحمد في مسنده والنسائي عن عبد الرحمن بن عوف والنسائي عن أسامة بن زيد قال صلى الله عليه وسلم إذا سمعتم الطاعون بأرض فلا تدخلوا عليه قال المناوي أي يحرم عليكم ذلك لأن الإقدام عليه جرأة على خطر
____________________

(4/401)


أمرنا بالفرار من أرض الوباء والخوف منها على أجسامنا من الأمراض والأسقام وفي الحديث فر من المجذوم فرارك من الأسد فصون النفس والأجسام والمنافع والأعضاء والأموال والأعراض عن الأسباب المفسدة واجب وعلى هذه القواعد فقس يظهر لك ما يحرم من الخوف من غير الله تعالى وما لا يحرم وحيث تكون الخشية من الخلق محرمة وحيث لا تكون فاعلم ذلك
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
وإيقاع للنفس في التهلكة والشرع ناه عن ذلك قال الله تعالى ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وقال الشيخ النهي للتنزيه أفاده العزيزي فلا ينافي ما رواه الإمام أحمد في مسنده وعبد بن حميد عن جابر من قوله صلى الله عليه وسلم الفار من الطاعون كالفار من الزحف والصابر فيه كالصابر في الزحف وفي رواية عنه أيضا الفار من الطاعون كالفار من الزحف ومن صبر فيه كان له أجر شهيد كما في الجامع الصغير للحافظ السيوطي فإن معناه كما في شرح العزيزي أنه كما يحرم الفرار من الزحف يحرم الخروج من بلد وقع فيها الطاعون بقصد الفرار ا ه وفي حاشية الحفني فإن خرج لنحو زيارة أو تجارة فلا بأس بذلك
ا ه
وسيأتي نقل صاحب القبس عن بعض العلماء أنه قال معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عدوى أنه محمول على بعض الأمراض بدليل تحذيره عليه السلام من القدوم على بلد فيه الوباء ا ه كما حصل العزيزي على الجامع الصغير ما رواه البخاري ومسلم وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه من قوله صلى الله عليه وسلم فمن أعدى الأول كما في الجامع الصغير على خصوص سببه فقال قاله لمن استشهد على العدوى بإعداء البعير الأجرب للإبل وهو من الأجوبة المسكتة إذ لو جلبت الأدواء بعضها بعضا لزم فقد الداء الأول لفقد الجالب فالذي فعله في الأول هو الذي فعله في الثاني وهو الله سبحانه وتعالى الخالق القادر على كل شيء ا ه وذلك البعض هو ما لم تتمحض ولم تجر لا بطريق الاطراد ولا الغلبة عادة الله تعالى به في حصول الضرر من حيث هو هو كالجرب بخلاف ما كانت عادة الله تعالى به في حصول الضرر اضطرارية أو أكثرية كالجذام فإن عوائد الله إذا دلت على شيء وجب اعتقاده وإذا لم تدل على شيء حرم اعتقاده كما سيتضح والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(4/402)


الفرق السادس والستون والمائتان بين قاعدة التطير وقاعدة الطيرة وما يحرم منهما وما لا يحرم فالتطير هو الظن السيئ الكائن في القلب والطيرة هو الفعل المرتب على هذا الظن من فرار أو غيره وكلاهما حرام لما جاء في الحديث أنه عليه السلام كان يحب الفأل الحسن ويكره الطيرة ولأنها من باب سوء الظن بالله تعالى ولا يكاد المتطير يسلم مما تطير منه إذا فعله وغيره لا يصيبه منه بأس وسأل بعض المتطيرين بعض العلماء فقال له إنني لا أتطير فلا ينخرم على ذلك بل يقع الضرر بي وغيري يقع له مثل ذلك السبب فلا يجد منه ضررا وقد أشكل ذلك علي فهل لهذا أصل في الشريعة فقال له نعم قوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء وفي بعض الطرق فليظن بي خيرا وأنت تظن أن الله تعالى يؤذيك عند ذلك الشيء الذي تطيرت منه فتسيء الظن بالله عز وجل فيقابلك الله على سوء ظنك به بإذايتك بذلك الشيء الذي تطيرت به وغيرك لا يسيء ظنه بالله تعالى ولا يعتقد أنه يحصل له ضرر عند ذلك فلا يعاقبه الله تعالى فلا يتضرر ثم هذا المقام يحتاج إلى تحقيق فإن الإنسان لو خاف الهلاك عند ملاقاة السبع لم يحرم إجماعا فتعين
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
الفرق السادس والستون والمائتان بين قاعدة التطير وقاعدة الطيرة وما يحرم منهما ولا يحرم وذلك أن التطير هو الظن السيئ الكائن في القلب والطيرة هو الفعل المرتب على هذا الظن من قرار أو غيره وإن الأشياء التي يكون الخوف منها المرتب على سوء الظن الكائن في القلب تنقسم أربعة أقسام الأول ما جرت العادة الثابتة باطراد بأنه مؤذ كالسموم والسباع والوباء والطاعون والجذام ومعاداة الناس والتخم وأكل الأغذية الثقيلة المنفخة عند ضعفاء المعدة ونحو ذلك فالخوف في هذا القسم من حيث إنه عن سبب محقق في مجاري العادة لا يكون حراما فإن عوائد الله إذا دلت على شيء وجب اعتقاده كما نعتقد أن الماء مرور والخبز مشبع والنار محرقة وقطع الرأس مميت ومنع النفس مميت ومن لم يعتقد ذلك كان خارجا عن نمط العقلاء وما سببه إلا جريان العادة الربانية به باطراد والقسم الثاني ما كان جريان العادة الربانية به في حصول أمر أكثريا لا اطراديا ككون المجمودة مسهلة والآس قابضا إلى غير ذلك من الأدوية فالاعتقاد وكذا الفعل المرتب عليه في هذا القسم وإن لم يكن مطردا ليس بحرام بل هو حسن متعين لأكثريته إذ الحكم للغالب فهو كالقسم الأول قلت وعلى القسم الأول تحمل جملة أحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم فر من المجذوم فرارك من الأسد ومنها قوله صلى الله عليه وسلم من احتجم يوم الأربعاء ويوم السبت فرأى في جسده وضحا أي برصا فلا يلومن إلا نفسه كما
____________________

(4/403)


أن الأشياء في الغالب قسمان ما جرت العادة بأنه مؤذ كالسموم والسباع والوباء ومعاداة الناس والتخم وأكل الأغذية الثقيلة المنفخة عند ضعفاء المعدة ونحو ذلك فالخوف في هذا القسم ليس حراما لأنه خوف عن سبب محقق في مجاري العادة وقد نقل صاحب القبس عن بعض العلماء أنه قال معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عدوى محمول على بعض الأمراض بدليل تحذيره عليه السلام من الوباء والقدوم على بلد هو فيه
وهذا حق فإن عوائد الله إذا دلت على شيء وجب اعتقاده كما نعتقد أن الماء مرو والخبز مشبع والنار محرقة وقطع الرأس مميت ومنع النفس مميت ومن لم يعتقد ذلك كان خارجا عن نمط العقلاء وما سببه إلا جريان العادة الربانية به وكذلك ما كان في العادة أكثريا وإن لم يكن مطردا نحو كون المحمودة مسهلة والآس قابضا إلى غير ذلك من الأدوية فإن اعتقادها حسن متعين مع عدم اطرادها بل لكونها أكثرية فيتعين حينئذ أن الذي يحرم التطير فيه هو القسم الخارج عن هذا القسم وهو ما لم تجر عادة الله تعالى به في حصول الضرر من حيث هو هو فإذا عرض التطير حصل به الضرر عقوبة لمن اعتقد ذلك فيه واعتقد في ملك الله تعالى وتصرفه ما ليس فيه مع سوء الظن به وهذا القسم كشق الأغنام والعبور بين الغنم وشراء الصابون يوم السبت ونحو هذا من هذيان العوام المتطيرين فهذا هو القسم الحرام المخوف منه لأنه سوء ظن بالله تعالى من غير سبب ومن الأشياء ما هو
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
في الجامع الصغير والقسم الثالث ما لم تجر عادة الله تعالى به أصلا في حصول الضرر من حيث هو هو كشق الأغنام والعبور بينها يخاف لذلك أن لا تقضى حاجته ونحو هذا من هذيان العوام المتطيرين كشراء الصابون يوم السبت فالخوف في هذا القسم من حيث إنه من غير سبب حرام لما جاء في الحديث أنه عليه السلام كان يحب الفأل الحسن ويكره الطيرة فالطيرة فيه محمولة على هذا القسم لأنها من باب سوء الظن بالله تعالى فلا يكاد المتطير يسلم مما تطير منه إذا فعله جزاء له على سوء ظنه
وأما غيره فلأنه لم يسئ ظنه بالله تعالى لا يصيبه منه بأس فمن هنا لما سأل بعض المتطيرين بعض العلماء فقال له إنني لا أتطير فلا ينخرم على ذلك بل يقع الضرر بي وغيري يقع له مثل ذلك السبب فلا يجد منه ضررا وقد أشكل ذلك علي فهل لهذا أصل في الشريعة قال له نعم قوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء وفي بعض الطرق فليظن بي خيرا وأنت تظن الله تعالى يؤذيك عند ذلك الشيء الذي تطيرت منه فتسيء الظن بالله عز وجل فيقابلك الله على سوء ظنك به بإذايتك بذلك الشيء الذي تطيرت به وغيرك لا يسيء ظنه بالله تعالى ولا يعتقد أنه يحصل له ضرر عند ذلك فلا يعاقبه الله تعالى فلا يتضرر
ا ه
والقسم الرابع ما لم يتمحض به حصول ضرر لا بالعادة الاطرادية ولا الأكثرية ولا عدم حصوله أصلا بل استوى به الحصول وعدمه كالجرب فمن ثم قال صلى الله عليه وسلم لمن استشهد على العدوى بإعداء البعير الأجرب للإبل فمن أعدى الأول
وهو من الأجوبة المسكتة إذ لو جلبت الأدواء بعضها بعضا لزم فقد الداء الأول لفقد الجالب فالذي فعله في الأول
____________________

(4/404)


قريب من أحد القسمين
ولم يتمحض كالعدوى في بعض الأمراض ونحوه فالورع ترك الخوف منه حذرا من الطيرة ومن ذلك الشؤم الوارد في الأحاديث ففي الصحيح أنه قال عليه السلام إنما الشؤم في ثلاث الدار والمرأة والفرس وفي بعضها إن كان الشؤم في شيء ففي الدار والمرأة والفرس قال صاحب المنتقى فيحتمل أن يكون معناه كما قال بعض العلماء إن كان الناس يعتقدون الشؤم فإنما يعتقدونه في هذه الثلاث أو إن كان الشؤم واقعا في نفس الأمر ففي هذه الثلاث وقيل أخبر عليه السلام بذلك أولا مجملا ثم أخبر به واقعا في الثلاث فلذلك أجمل ثم فصل وجزم كما قال عليه السلام في الدجال إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه وإن لم أكن فيكم فالمرء حجيج نفسه والله سبحانه خليفتي عليكم ثم أخبر عليه السلام أن الدجال إنما يخرج في آخر الزمان فأخبر بالدجال أولا مجملا ثم أخبر به مفصلا على حسب ما ورد الوحي به وكذلك سئل عليه السلام عن أكل الضب فقال إنه قد مسخت أمة من الأمم وأخشى أن يكون منهم أو ما هذا معناه ثم أخبر أن الممسوخ لم يعقب فقد أخبر بالمسخ أولا مجملا ثم أخبر به مفصلا وهو كثير في السنة فتنبه لهذه القاعدة فبها يحصل لك الجمع بين كثير من الأحاديث ولا مانع أن يجري الله تعالى عادته بجعل هذه الثلاثة أحيانا سببا للضرر ففي الصحيح أنه عليه السلام قيل له يا رسول الله دار
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
هو الذي فعله في الثاني
وهو الله سبحانه وتعالى الخالق القادر على كل شيء كما تقدم عن العزيزي على الجامع الصغير فالورع ترك الخوف من هذا القسم حذرا من الطيرة والمرض الذي من هذا القسم كالجرب هو المراد ببعض الأمراض فيما نقله صاحب القبس عن بعض العلماء من قوله إن قوله صلى الله عليه وسلم لا عدوى معناه قال ابن دينار لا يعدي خلافا لما كانت العرب تعتقده فبين عليه السلام أن ذلك من عند الله تعالى ا ه وهو محمول على بعض الأمراض بدليل تحذيره عليه السلام من الوباء والقدوم على بلد هو فيه ا ه قال الأصل وهذا حق فإن عوائد الله إذا دلت على شيء وجب اعتقاده كما نعتقد أن الماء مر وإلى آخر ما تقدم والممرض في قوله عليه السلام لا يحل على الممرض المصح هو صاحب الماشية المريضة والمصح هو صاحب الماشية الصحيحة قال ابن دينار ومعنى الممرض المصح بإيراد ماشية على ماشيته فيؤذيه بذلك فنسخ بقوله لا عدوى وقيل معناه لا يحل المجذوم محل الصحيح معه يؤذيه وإن كان لا يعدي فالنفس تكرهه فهو من باب إزالة الضرر لا من العدوى
وقيل هو ناسخ لقوله عليه الصلاة والسلام لا عدوى ا ه قال الأصل ومن هذا القسم الشؤم الوارد في الأحاديث ففي الصحيح أنه قال عليه السلام إنما الشؤم في ثلاث الدار والمرأة والفرس وفي بعضها إن كان الشؤم في شيء ففي الدار والمرأة والفرس قال صاحب المنتقى فيحتمل أن يكون معناه كما قال بعض العلماء إن كان الناس يعتقدون الشؤم فإنما يعتقدونه في هذه الثلاث أو إن كان الشؤم واقعا في نفس الأمر ففي هذه الثلاث

____________________

(4/405)


سكناها والعدد كثير والمال وافر فقل العدد وذهب المال فقال صلى الله عليه وسلم دعوها ذميمة وعن عائشة أنها قالت إنما تحدث رسول الله عن أقوال الجاهلية في الثلاث قال الباجي ولا يبعد أن يكون ذلك عادة وفي الموطإ قال عليه السلام لا عدوى ولا هام ولا صفر ولا يحل الممرض على المصح وليحل المصح حيث شاء قال الباجي قال ابن دينار لا يعدي مريض مريضا خلافا لما كانت العرب تعتقده فبين عليه السلام أن ذلك من عند الله تعالى ولا هامة قال مالك معناه لا تطير بالهامة كانت العرب تقول إذا وقعت هامة على بيت خرج منه ميت
وقيل معناه أن العرب كانت تقول إذا قتل أحد خرج من رأسه طائر لا يزال يقول اسقوني حتى يقتل قاتله فعلى الأول يكون الخبر نهيا وعلى الثاني يكون تكذيبا ولا صفر هو النسيء التي كانت الجاهلية تحرم فيه صفر لتبيح به المحرم وقيل كانت الجاهلية تقول هو داء في الجوف يقتل قال عليه السلام لا يموت إلا بأجله والممرض صاحب الماشية المريضة والمصح صاحب الماشية الصحيحة قال ابن دينار ومعنى الممرض المصح بإيراد ماشية على ماشية فيؤذيه بذلك فنسخ بقوله لا عدوى وقيل معناه لا يحل المجذوم محل الصحيح معه يؤذيه وإن كان لا يعدي فالنفس تكرهه فهو من باب إزالة الضرر لا من العدوى وقيل هو ناسخ لقوله عليه الصلاة والسلام لا عدوى
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
وقيل أخبر رسول الله بذلك أولا مجملا ثم أخبر به واقعا في الثلاث فلذلك أجمل ثم فصل وجزم كما أنه صلى الله عليه وسلم أخبر بالدجال أولا مجملا ثم أخبر به مفصلا على حسب ما ورد الوحي به فقال عليه السلام إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه وإن لم أكن فيكم فالمرء حجيج نفسه والله سبحانه خليفتي عليكم ثم قال عليه السلام إن الدجال إنما يخرج في آخر الزمان وكذلك سئل عليه السلام عن أكل الضب فقال إنه قال قد مسخت أمة من الأمم وأخشى أن يكون منهم أو ما هذا معناه ثم أخبر أن الممسوخ لم يعقب فقد أخبر بالمسخ أولا مجملا ثم أخبر به مفصلا وهو كثير في السنة فننبه لهذه القاعدة فبها يحصل لك الجمع بين كثير من الأحاديث ولا مانع أن يجري الله تعالى عادته بجعل هذه الثلاثة أحيانا سببا للضرر ففي الصحيح أنه عليه السلام قيل له يا رسول الله دار سكناها والعدد كثير والمال وافر فقل العدد وذهب المال فقال صلى الله عليه وسلم دعوها ذميمة وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت إنما تحدث رسول الله عن أقوال الجاهلية في الثلاث قال الباجي
ولا يبعد أن يكون ذلك عادة ا ه واختلف في الهامة وصفر في قوله صلى الله عليه وسلم من حديث الموطإ لا عدوى ولا هامة ولا صفر إلخ هل هما من هذا القسم أم لا قال الباجي ولا هامة قال مالك معناه لا تطير بالهامة كانت العرب تقول إذا وقعت هامة على بيت خرج منه ميت
وقيل معناه أن العرب كانت تقول إذا قتل أحد خرج من رأسه طائر لا يزال يقول اسبقني حتى يقتل قاتله فعلى الأول يكون الخبر نهيا وعلى الثاني تكذيبا ولا
____________________

(4/406)


الفرق السابع والستون والمائتان بين قاعدة الطيرة وقاعدة الفأل الحلال المباح والفأل الحرام أما التطير والطيرة فقد تقدمت حقيقتهما وأحكامهما وأما الفأل فهو ما يظن عنده الخير عكس الطيرة والتطير غير أنه تارة يتعين للخير وتارة للشر وتارة مترددا بينهما فالمتعين للخير مثل الكلمة الحسنة يسمعها الرجل من غير قصد نحو يا فلاح يا مسعود ومنه تسمية الولد والغلام بالاسم الحسن حتى متى سمع استبشر القلب فهذا فأل حسن مباح مقصود وقد ورد في الصحيح أنه عليه السلام حول أسماء مكروهة من أقوام كانوا في الجاهلية بأسماء حسنة فهذان القسمان هما الفأل المباح وعليهما يحمل قولهم إنه عليه السلام كان يحب الفأل الحسن وأما الفأل الحرام فقد قال الطرطوشي في تعليقه إن أخذ الفأل من المصحف وضرب الرمل والقرعة والضرب بالشعير وجميع هذا النوع حرام لأنه من باب الاستقسام بالأزلام
والأزلام أعواد كانت في الجاهلية مكتوب على أحدهما افعل وعلى الآخر لا تفعل وعلى الآخر غفل فيخرج أحدهما فإن وجد عليه افعل أقدم على حاجته التي يقصدها أو لا تفعل أعرض عنها واعتقد أنها ذميمة أو خرج المكتوب عليه غفل أعاد الضرب فهو يطلب قسمه من الغيب
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
صفر هو النسيء التي كانت الجاهلية تحرم فيه صفر لتبيح به المحرم وقيل كانت الجاهلية تقول هو داء في الجوف يقتل قال عليه السلام لا يموت إلا بأجله ا ه هذا تهذيب كلام الأصل وصححه ابن الشاط مع زيادة والله سبحانه وتعالى أعلم الفرق السابع والستون والمائتان بين قاعدة الطيرة وقاعدة الفأل الحلال المباح والفأل الحرام وهو أن بين الطيرة والفأل التباين الكلي وذلك أنه قد تقدمت حقيقة التطير والطيرة وأحكامها
وأما الفأل فهو ما يظن عنده الخير عكس الطيرة والتطير فإن ما يتطير ويتشاءم به لرؤية أو سماع هو ما يظن عنده السوء والشر ففي العزيزي على الجامع الصغير عند قوله صلى الله عليه وسلم من الحديث الذي رواه ابن ماجه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه وإذا تطيرتم فامضوا وعلى الله فتوكلوا أي وإذا خرجتم لنحو سفر أو عزمتم على فعل شيء فتشاءمتم به لرؤية أو سماع ما فيه كراهة فلا ترجعوا وفوضوا أموركم إلى الله تعالى لا إلى غيره والتجئوا إليه في دفع شر ما تطيرتم به ا ه قلت ولا ينافيه ما في الموطإ وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل خيبر وأبصر مسحاة وزنبيلا قال الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين لما تقدم توضيحه فلا تغفل ما ذكر من كون الفأل والطيرة متباين تباينا كليا هو صريح قول صاحب المختار الفأل أن يكون الرجل مريضا فيسمع آخر يقول يا سالم أو يكون طالبا فيسمع آخر يقول يا واجد يقال تفاءل بكذا بالتشديد وفي الحديث
____________________

(4/407)


بتلك الأعواد فهو استقسام أي طلب القسم الجيد يتبعه والرديء يتركه وكذلك من أخذ الفأل من المصحف أو غيره إنما يعتقد هذا المقصد إن خرج جيدا اتبعه أو رديئا اجتنبه فهو عين الاستقسام بالأزلام الذي ورد القرآن بتحريمه فيحرم وما رأيته حكى في ذلك خلافا والفرق بينه وبين القسم الذي تقدم الذي هو مباح أن هذا متردد بين الخير والشر والأول متعين للخير فهو يبعث على حسن الظن بالله تعالى فهو حسن لأنه وسيلة للخير والثاني بصدد أن يبين سوء الظن بالله تعالى فحرم لذلك وهو يحرم لسوء الظن بغير سبب تقتضيه عادة فيلحق بالطيرة فهذا هو تلخيص الفرق بين التطير والفأل المباح والفأل الحرام
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
كان يحب الفأل ويكره الطيرة ا ه بلفظه
لكن ومقتضى قولهم إنه صلى الله عليه وسلم كان يحب الفأل الحسن أن الفأل أعم مطلقا من الطيرة وأنه عبارة عما يظن عنده الخير أو الشر وذلك أنه تارة يتعين للخير وتارة للشر وتارة يتردد بينهما فالمتعين للخير مثل الكلمة الحسنة يسمعها الرجل من غير قصد نحو يا فلاح يا مسعود ومنه تسمية الولد والغلام بالاسم الحسن حتى متى سمع استبشر القلب ومثل المنظر الحسن يراه الرجل من غير قصد فيستبشر به
ومنه إرسال الرسول الحسن الوجه لقضاء الحوائج وطلب الحوائج ممن كان حسن الوجه أملا في قضائها وفي الحديث اطلبوا الحوائج عند حسان الوجوه وعقده الصرصري رحمه الله تعالى بقوله ألا يا رسول الإله الذي هدانا به الله في كل تيه سمعت حديثا من المسندات يسر فؤاد النبيل النبيه وأنك قد قلت فيه اطلبوا الح وائج عند حسان الوجوه ولم أر أحسن من وجهك ال كريم فجد لي بما أرتجيه فهذا فأل حسن مقصود والمتعين للشر مثل الكلمة القبيحة يسمعها الرجل من غير قصد نحو يا خيبة يا ويل ومنه كراهة تسمية الولد والغلام بالاسم القبيح فمن ثم ورد في الصحيح أنه عليه السلام حول أسماء مكروهة من أقوام كانوا في الجاهلية بأسماء حسنة وخرج مالك في الموطإ عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب قال لرجل ما اسمك فقال جمرة فقال ابن من قال ابن شهاب قال ممن قال الحرة قال ابن مالك قال بحرة النار قال بأيها قال بذات لظى قال عمر أدرك أهلك فقد احترقوا قال فكان كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومثل المنظر القبيح يراه المرء من غير قصد فيتشاءم به كما تقدم أنه صلى الله عليه وسلم لما دخل خيبر ورأى زنبيلا ومسحاة قال الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين ومنه كراهة إرسال الرسول الوخش لقضاء الحوائج أو كراهة طلب الحوائج ممن كان قبيح الوجه حذرا من عدم قضائها فهذا قال قبيح مباح والمتردد بينهما هو الفأل الحرام الذي بينه الطرطوشي في تعليقه فقال إن أخذ الفأل من المصحف
وضرب الرمل والقرعة والضرب بالشعير وجميع هذا النوع حرام لأنه من باب الاستقسام بالأزلام لأزلام أعواد كانت في الجاهلية مكتوب على أحدها افعل وعلى الآخر لا تفعل وعلى الآخر غفل فيخرج أحدها فإن وجد عليه افعل أقدم على حاجته التي يقصدها أو لا تفعل أعرض عنها واعتقد أنها ذميمة أو خرج المكتوب عليها غفل أعاد الضرب فهو يطلب قسمه من الغيب بتلك الأعواد فهو استقسام أي طلب القسم الجيد يتبعه والرديء يتركه
____________________

(4/408)


الفرق الثامن والستون والمائتان بين قاعدة الرؤيا التي تجوز تعبيرها وقاعدة الرؤيا التي لا يجوز تعبيرها قال صاحب القبس تقول العرب رأيت رؤية إذا عاينت ببصرك ورأيت رأيا إذا اعتقدت بقلبك ورأيت رؤيا بالقصر إذا عاينت في منامك وقد تستعمل في اليقظة
قلت قال الله سبحانه وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والجمهور على أنها في اليقظة قال الكرماني في كتابه الكبير الرؤيا ثمانية أقسام سبعة منها لا تعبر وواحدة فقط تعبر والسبعة أربعة منها نشأت عن الأخلاط الأربعة الغالبة على مزاج الرائي فمن غلب عليه خلط رأى ما يناسبه فمن غلبت عليه السوداء رأى الألوان السود والأشياء المحرقة والطعوم الحامضة لأنه طعم السوداء ويعرف ذلك بالأدلة الطبية الدالة على غلبة ذلك الخلط على ذلك الرائي ومن غلبت عليه الصفراء رأى الألوان الصفر والطعوم المرة والسموم والحرور والصواعق ونحو ذلك ومن غلب عليه الدم يرى الألوان الحمر والطعوم الحلوة وأنواع الطرب لأن الدم مفرح حلو والصفراء مسخنة مرة ومن غلب عليه البلغم رأى الألوان البيض والأمطار والمياه والثلج
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
وكذلك من أخذ الفأل من المصحف أو غيره إنما يعتقد هذا المقصد إن خرج جيدا اتبعه أو رديئا اجتنبه فهو عين الاستقسام بالأزلام الذي ورد القرآن بتحريمه فيحرم ا ه قال الأصل وما رأيته يعني الطرطوشي حكى في ذلك خلافا والفرق بينه وبين ما هو متعين للخير أو للشر هو أن تحريمه لما فيه من سوء الظن بالله تعالى بغير سبب تقتضيه عادة ربانية فالحق بالطيرة وإباحة المتعين للخير لأنه وسيلة للخير من حيث إنه يبعث على حسن الظن بالله تعالى وإباحة المتعين للشر لأنه وإن كان وسيلة للشر وسوء ظن بالله تعالى إلا أنه بسبب تقتضيه عادة الله تعالى وقد تقدم أن عوائد الله إذا دلت على شيء وجب اعتقاده فهذا هو تلخيص الفرق بين التطير والفأل المباح والفأل الحرام هذا توضيح وتنقيح ما في الأصل وصححه ابن الشاط والله سبحانه وتعالى أعلم
الفرق الثامن و الستون والمائتان بين قاعدة الرؤيا التي يجوز تعبيرها وقاعدة الرؤيا التي لا يجوز تعبيرها وهو الرؤيا المنامية كما قال الكرماني في كتابه الكبير ثمانية أقسام سبعة منها لا تعبر وواحدة منها تعبر فأما السبعة فأحدها وثانيها وثالثها ورابعها ما نشأت عن الأخلاط الأربعة الغالبة على مزاج الرائي المعروف غلبة خلط منها عليه بالأدلة الظنية الدالة على تلك الغلبة فمن غلب عليه السوداء رأى الألوان السود والأشياء المحرقة والطعوم الحامضة لأنه طعم السوداء ومن غلبت عليه الصفراء رأى الألوان الصفر لطعوم المرة والسموم والحرور والصواعق ونحو ذلك لأن الصفراء مسخنة مرة ومن غلب عليه الدم يرى الألوان الحمر والطعوم الحلوة وأنواع الطرب لأن الدم مفرح حلو ومن غلب عليه
____________________

(4/409)


القسم الخامس ما هو من حديث النفس ويفهم ذلك بجولانه في اليقظة وكثرة الفكر فيه فيستولي على النفس فتتكيف به فيراه في النوم القسم السادس ما هو من الشيطان ويعرف بكونه فيه حث على أمر تنكره الشريعة أو بأمر معروف جائز غير أنه يؤدي إلى أمر منكر كما إذا أمره بالتطوع بالحج فتضيع عائلته أو يعق بذلك أبويه القسم السابع ما كان فيه احتلام القسم الثامن هو الذي يجوز تعبيره وهو ما خرج عن هذه وهو ما ينقله ملك الرؤيا من اللوح المحفوظ فإن الله عز وجل وكل ملكا باللوح المحفوظ ينقل لكل أحد ما يتعلق به من اللوح المحفوظ من أمر الدنيا والآخرة من خير أو شر لا يترك من ذلك شيئا علمه من علمه وجهله من جهله ذكره من ذكره ونسيه من نسيه وهذا هو الذي يجوز تعبيره وما عداه لا يعبر وفي الفرق سبع مسائل
المسألة الأولى خرج مالك في الموطإ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة قال صاحب المنتقى قال جماعة من العلماء معناه أن مدة نبوته صلى الله عليه وسلم كانت ثلاثا وعشرين سنة منها ستة أشهر نبوة بالرؤيا فأول ما بدئ به عليه السلام الرؤيا الصادقة فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح ونسبة ستة أشهر من ثلاث وعشرين سنة جزء من ستة وأربعين جزءا وقيل أجزاء من النبوة لم يطلع عليها أحد وروي جزء من خمسة وأربعين وروي من
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
البلغم رأى الألوان البيض والأمطار والمياه والثلج وخامسها ما هو من حديث النفس ويفهم ذلك بجولانه في اليقظة وكثرة الفكر فيه فيستولي على النفس فتكيف به فيراه في النوم وسادسها ما هو من الشيطان ويعرف بكونه فيه حث على أمر تنكره الشريعة أو على أمر معروف جائز يؤدي إلى أمر منكر كما إذا أمره بالتطوع بالحج فتضيع عائلته أو يعتق بذلك أبويه وسابعها ما كان فيه احتلام والقسم الثامن الذي يجوز تعبيره هو ما خرج عن هذه السبعة وهو ما ينقله ملك الرؤيا من اللوح المحفوظ فإن الله عز وجل وكل ملكا باللوح المحفوظ ينقل لكل أحد ما يتعلق به من اللوح المحفوظ من أمر الدنيا والآخرة من خير أو شر لا يترك من ذلك شيئا علمه من علمه وجهله من جهله ذكره من ذكره ونسيه من نسيه ا ه تنبيهان الأول قال صاحب القبس تقول العرب رأيت رؤية إذا عاينت ببصرك ورأيت رأيا إذا اعتقدت بقلبك ورأيت رؤيا بالقصر إذا عاينت في منامك وقد تستعمل في اليقظة ا ه قال الأصل والجمهور على أن الرؤيا في قوله تعالى وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس في اليقظة ا ه قلت قال الجلال السيوطي وما جعلنا الرؤيا التي أريناك عيانا ليلة الإسراء إلا فتنة للناس أهل مكة إذ كذبوا بها وارتد بعضهم لما أخبرهم بها ا ه وفي الجمل عن الكرخي وما جعلنا الرؤيا في المعراج وعلى اليقظة فهي بمعنى الرؤية فتسميتها رؤيا لوقوعها بالليل وسرعة تقضيها كأنها منام ا ه
____________________

(4/410)


سبعين فيحتمل أن يكون ذلك اختلافا في الرؤيا فيحمل الأول على الجلية والأكثر من العدد على الرؤيا الخفية أو تكون الستة والأربعون هي المبشرة والسبعون هي المحزنة والمخوفة لقلة تكرره ولما يكون جنسه من الشيطان وفي القبس روي أيضا خمسة وستون جزءا من النبوة وخمسة وأربعون فاختلفت الأعداد لأنها رؤيا النبوة لا نفس النبوة وجعلت بشارات بما أعطاه الله من فضله جزءا من سبعين في الابتداء ثم زاد حتى بلغ خمسا وأربعين قال وتفسيرها بمدة رسول الله صلى الله عليه وسلم باطل لأنه مفتقر لنقل صحيح ولم يوجد قال الأحسن قول الإمام الطبري عالم القرآن والسنة إن نسبة هذه الأعداد إلى النبوة إنما هو بحسب اختلاف الرائي فرؤيا الرجل الصالح على نسبته والذي دون درجته دون ذلك وقوله عليه السلام لم يبق بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة حض على نقلها والاهتمام بها ليبقى لهم بعده عليه السلام جزء من النبوة فبشر بذلك أمته
ولا يعبر الرؤيا إلا من يعلمها ويحسنها وإلا فليترك
وسئل مالك رحمه الله تعالى أيفسر الرؤيا كل أحد قال أبالنبوة يلعب قيل له أيفسرها على الخير وهي عنده على الشر لقول من يقول الرؤيا على ما أولت فقال الرؤيا جزء من أجزاء النبوة أفيتلاعب بأمر النبوة
وفي الموطإ الرؤيا
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
قال المحلي على جمع الجوامع واختلف في وقوع رؤيته تعالى في اليقظة له صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج والصحيح نعم ا ه قال العطار عليه وهو قول ابن عباس وجماعة من الصحابة وأجيب عما رواه مسلم عن أبي ذر سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك قال رأيت نورا وفي رواية نور أنى أراه برفع نور على الفاعلية بمحذوف وفتح همزة أنى وتشديد نونها بمعنى كيف أي حجبني نور كيف أراه أي الله تعالى بأنها ليست صريحة في عدم الرؤية وعلى تقدير صراحتها فأبو ذر ناف وغيره مثبت والمثبت مقدم على النافي ا ه المراد التنبيه الثاني خرج مالك في الموطإ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان فإن رأى أحدكم الذي يكرهه فليتفل عن يساره ثلاث مرات إذا استيقظ وليتعوذ بالله من شرها فإنها لن تضره إن شاء الله تعالى قال الباجي قال ابن وهب يقول في الاستعاذة إذا نفث عن يساره أعوذ بمن استعاذت به ملائكة الله ورسله من شر ما رأيت في منامي هذا أن يصيبني منه شيء أكرهه ثم يتحول على جانبه الآخر ا ه والرؤيا الصالحة يحتمل أن يريد بها المبشرة أو الصالحة والحلم يحتمل أن يريد به ما يحزن أو الكاذبة يخيل بها ليفرح أو يحزن قال ابن رشد في المقدمات الفرق بين رؤيا الأنبياء وغيرهم أن رؤيا غيرهم إذا أخطأ في تأويلها لا تخرج كما أولت ورؤيا غير الصالح لا يقال فيها جزء من النبوة وإنما يلهم الله تعالى الرائي التعوذ إذا كانت من الشيطان أو قدر أنها لا تصيبه وإن كانت من الله تعالى فإن شر القدر قد يكون وقوعه موقوفا على عدم الدعاء ا ه وصل في ثمان مسائل تتعلق بالرؤيا المسألة الأولى خرج مالك في الموطإ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة قال الباجي في المنتقى قال جماعة من العلماء معناه أن مدة نبوته صلى الله عليه وسلم كانت ثلاثا وعشرين سنة منها ستة أشهر نبوة بالرؤيا فأول ما بدئ به عليه السلام الرؤيا الصادقة فكان لا يرى رؤيا
____________________

(4/411)


الصالحة من الله والحلم من الشيطان فإن رأى أحدكم الشيء يكرهه فليتفل يساره ثلاث مرات إذا استيقظ وليتعوذ بالله من شرها فإنها لن تضره إن شاء الله تعالى
قال الباجي فيحتمل أن يريد بالرؤيا الصالحة المبشرة ويحتمل الصادقة من الله تعالى ويريد بالحلم ما يحزن ويحتمل أن يريد به الكاذب يخيل به ليفرح أو يحزن قال ابن وهب يقول في الاستعاذة إذا نفث عن يساره أعوذ بمن استعاذت به ملائكة الله ورسله من شر ما رأيت في منامي هذا أن يصيبني منه شيء أكرهه ثم يتحول على جانبه الآخر قال ابن رشد في المقدمات الفرق بين رؤيا الأنبياء وغيرهم أن رؤيا غيرهم إذا أخطأ في تأويلها لا تخرج كما أولت ورؤيا غير الصالح لا يقال فيها جزء من النبوة وإنما يلهم الله تعالى الرائي التعوذ إذا كانت من الشيطان أو قدر أنها لا تصيبه وإن كانت من الله تعالى فإن شر القدر قد يكون وقوعه موقوفا على عدم الدعاء المسألة الثانية قال صاحب القبس قال صالح المعتزلي رؤيا المنام هي رؤية العين وقال آخرون هي رؤية بعينين في القلب يبصر بهما وأذنين في القلب يسمع بهما وقالت المعتزلة هي تخاييل لا حقيقة لها ولا دليل فيها وجرت المعتزلة على أصولها في تخييلها على العادة في إنكار أصول الشرع في الجن وأحاديثها والملائكة وكلامها وأن جبريل عليه السلام لو كلم النبي صلى الله عليه وسلم بصوت لسمعه الحاضرون
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
إلا جاءت كفلق الصبح ونسبة ستة أشهر من ثلاث وعشرين سنة جزء من ستة وأربعين جزءا وقيل أجزاء من النبوة لم يطلع عليها أحد وروي جزء من خمسة وأربعين وروي من سبعين فيحتمل أن يكون ذلك اختلافا في الرؤيا فيحمل الأول على الجلية والأكثر من العدد على الرؤيا الخفية أو تكون الستة والأربعون هي المبشرة والسبعون هي المحزنة والمخوفة لقلة تكرره ولما يكون جنسه من الشيطان ا ه قال الزرقاني وما قاله جماعة من العلماء من أن معناه أن مدة نبوته إلخ قال ابن بطال بعيد من وجهين أحدهما أنه اختلف في قدر المدة التي بعد البعثة والثاني أنه يبقى حديث سبعين جزءا لا معنى له وقال الخطابي
هذا وإن كان وجها تحمله قسمة الحساب والعدد فأول ما يجب على قائله أن يثبت ما ادعاه خبرا ولم نسمع فيه أثرا ولا ذكر مدعيه فيه خبرا فكأنه قاله على سبيل الظن والظن لا يغني من الحق شيئا وليس كل ما خفي علينا علمه يلزمنا حجته كأعداد الركعات وأيام الصيام ورمي الجمار فإنا لا نصل من علمها إلى أمر يوجب حصرها تحت أعدادها
ولم يقع ذلك في موجب اعتقادنا للزومها قال ولئن سلمنا أن هذه المدة محسوبة من أجزاء النبوة لكنه يلحق بها سائر الأوقات التي أوحي إليه فيها مناما في طول المدة كرؤيا أحد دخول مكة فتلفق من ذلك مدة أخرى تزاد في الحساب فتبطل القسمة التي ذكرها وأجيب عن هذا بأن المراد على تقرير الصحة وحي المنام المتتابع فما وقع في غضون وحي اليقظة يسير بالنسبة إلى وحي اليقظة فهو مغمور في جانب وحيها فلم تعتبر به وقد ذكروا مناسبات غير ذلك يطول ذكرها ا ه وقول الباجي وروي جزء من خمسة وأربعين إلخ قال الزرقاني جملة الروايات عشر المشهور وهو ما في
____________________

(4/412)


وأما أصحابنا فلهم أقوال ثلاثة قال القاضي هي خواطر واعتقادات وقال الأستاذ أبو بكر هي أوهام وهو قريب من الأول وقال الأستاذ أبو إسحاق هي إدراك بأجزاء لم تحلها آفة النوم فإذا رأى الرائي أنه بالمشرق وهو بالمغرب أو نحوه فهي أمثلة جعلها الله تعالى دليلا على تلك المعاني كما جعلت الحروف والأصوات والرقوم للكتابة دليلا على المعاني فإذا رأى الله تعالى أو النبي صلى الله عليه وسلم فهي أمثلة تضرب له بقدر حاله فإن كان موحدا رآه حسنا أو ملحدا رآه قبيحا وهو أحد التأويلين في قوله عليه السلام رأيت ربي في أحسن صورة قال بعض العلماء قال لي بعض الأمراء رأيت البارحة النبي صلى الله عليه وسلم في أشد ما يكون من السواد فقلت له ظلمت الخلق وغيرت الدين قال النبي صلى الله عليه وسلم الظلم ظلمات يوم القيامة فالتغيير فيك لا شك فيه وكان متغيرا علي وعنده كاتبه وصهره وولده فأما الكاتب فمات وأما الآخران فتنصرا وأما هو فكان مستندا فجلس على نفسه وجعل يتعذر وكان آخر كلامه وددت أن أكون حميا لنخلات أعيش بها بالثغر قلت له وما ينفعك أنا أقبل أنا عذرك وخرجت فوالله ما توقفت لي عنده بعد حاجة المسألة الثالثة قال الأستاذ أبو إسحاق الإدراك يضاده النوم اتفاقا والرؤيا إدراك المثل كما تقدم فكيف تجتمع مع النوم وأجاب بأن النفس ذات جواهر فإن عمها النوم فلا
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
أكثر الأحاديث من ستة وأربعين وفي مسلم من حديث أبي هريرة جزء من خمسة وأربعين وله أيضا عن ابن عمر جزء من سبعين جزءا وللطبراني عنه من ستة وسبعين وسنده ضعيف وعن ابن عبد البر عن ثابت عن أنس جزء من ستة وعشرين وعند ابن جرير عن ابن عباس جزء من خمسين وللترمذي عن أبي رزين جزء من أربعين ولابن جرير عن عبادة جزء من أربعة وأربعين وابن النجار عن ابن عمر جزء من خمس وعشرين ووقع في شرح مسلم للنووي وفي رواية عبادة من أربع وعشرين قال الحافظ ويمكن الجواب عن اختلاف الأعداد بأنه بحسب الوقت الذي حدث فيه صلى الله عليه وسلم بذلك كان يكون لما أكمل ثلاث عشرة سنة بعد مجيء الوحي إليه حدث بأن الرؤيا جزء من ستة وعشرين إن ثبت الخبر بذلك وذلك وقت الهجرة
ولما أكمل عشرين حدث بأربعين ولما أكمل اثنين وعشرين حدث أربعة وأربعين ثم بعدها بخمسة وأربعين ثم حدث بستة وأربعين في آخر حياته وما عدا ذلك من الروايات فضعيف ورواية خمسين يحتمل جبر الكسر والسبعين للمبالغة وعبر بالنبوة دون الرسالة لأنها تزيد بالتبليغ بخلاف النبوة فاطلاع على بعض الغيب وكذلك الرؤيا قال قائل فإذا كانت جزءا من النبوة فكيف يكون للكافر منها نصيب كرؤيا صاحبي السجن مع يوسف ورؤيا ملكهم وغير ذلك وقد ذكر أن جالينوس عرض له ورم في المحل الذي يتصل منه بالحجاب فأمره الله في المنام بفصد العرق الضارب من كفه اليسرى فبرأ أجيب بأن الكافر وإن لم يكن محلا لها فلا يمتنع أن يرى ما يعود عليه بخير في دنياه كما أن كل مؤمن ليس محلا لها ثم لا يمتنع رؤيته ما يعود عليه بخير دنيوي فإن الناس
____________________

(4/413)


إدراك ولا منام وإن قام عرض النوم ببعضها أمكن قيام إدراك المنام بالبعض الآخر ولذلك فإن أكثر المنامات آخر الليل عند خفة النوم المسألة الرابعة تقدم أن المدرك إنما هو المثال وبه خرج الجواب عن كون رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى في الآن الواحد في مكانين فإن المرئي في المكانين مثالان فلا إشكال إذا تعددت المظروفات بتعدد الظروف إذ المشكل أن يكون في مكانين في زمان واحد وأجاب الصوفية بأنه عليه السلام كالشمس ترى في أماكن عدة وهي واحدة وهو باطل فإنه عليه السلام يراه زيد في بيته ويراه عمرو بجملته في بيته أو داخل مسجده والشمس إنما ترى من أماكن عدة وهي في مكان واحد فلو رئيت داخل بيت بجرمها استحال رؤية جرمها في داخل بيت آخر وهو الذي يوازن رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتين أو مسجدين والإشكال لم يرد رؤيته عليه السلام من مواضع عدة وهو في مكان واحد إنما ورد فيه كيف يرى في مواضع عدة بجملة ذاته عليه السلام فأين أحدهما من الآخر مع اتفاق العلماء على أن حلول الجسم الواحد في الزمن الواحد في مكانين محال فلا يتجه الجواب إلا بأن المرئي مثاله عليه السلام لا ذاته وكذلك كل مرئي من بحر أو جبل أو آدمي أو غيره إنما يرى مثاله لا هو بذاته وبه يظهر معنى قوله عليه السلام من رآني فقد رآني حقا فإن الشيطان لا يتمثل بي وأن التقدير من رأى مثالي فقد رآني حقا فإن
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
في الرؤى ثلاث درجات الأنبياء رؤياهم كلها صدق وقد يقع فيها ما يحتاج إلى تعبير والصالحون والغالب على رؤياهم الصدق وقد يقع فيها ما يحتاج إلى تعبير وقد يقع فيها ما لا يحتاج إلى تعبير وما عداهم يقع في رؤياهم الصدق والأضغاث وهم ثلاثة مستورون فالغالب استواء الحال في حقهم وفسقة والغالب على رؤياهم الأضغاث ويقل فيها الصدق وكفار ويندر فيها الصدق جدا ويرشد لذلك خبر مسلم مرفوعا وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا ا ه وفي القبس روي أيضا خمسة وستون جزءا من النبوة وخمسة وأربعون فاختلفت الأعداد لأنها رؤيا النبوة لا نفس النبوة وجعلت بشارات بما أعطاه الله من فضله جزءا من سبعين في الابتداء ثم زاد حتى بلغ خمسا وأربعين قال وتفسيرها بمدة صلى الله عليه وسلم باطل لأنه مفتقر لنقل صحيح ولم يوجد قال والأحسن قول الإمام الطبري عالم القرآن والسنة إن نسبة هذه الأعداد إلى النبوة إنما هو بحسب اختلاف الرائي فرؤيا الرجل الصالح على نسبته والذي دون درجته دون ذلك وقوله عليه السلام لم يبق بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة حض على نقلها والاهتمام بها ليبقى لهم بعده عليه السلام جزء من النبوة فبشر بذلك أمته ولا يعبر الرؤيا إلا من يعلمها ويحسنها وإلا فليترك وسئل مالك رحمه الله تعالى أيفسر الرؤيا كل أحد قال أبالنبوة يلعب قيل له أيفسرها على الخير وهي عنده على الشر لقول من يقول الرؤيا على ما أولت فقال الرؤيا جزء من أجزاء النبوة أفيتلاعب بأمر النبوة ا ه والله أعلم
المسألة الثانية قال صاحب القبس لأصحابنا أهل السنة في رؤيا المنام ثلاثة أقوال فقال القاضي هي خواطر واعتقادات وقال الأستاذ أبو إسحاق هي إدراك بأجزاء لم تحلها آفة النوم فإذا رأى
____________________

(4/414)


الشيطان لا يتمثل بمثالي وأن الخبر إنما يشهد بعصمة المثال عن الشيطان ونص الكرماني في كتابه الكبير في تأويل الرؤيا أن الرسل والكتب المنزلة والملائكة أيضا كذلك معصومة عن تمثل الشيطان بمثلها وما عدا ذلك من المثل يمكن أن يكون حقا ويمكن أن يكون من قبل الشيطان وأنه تمثل بذلك المثال المسألة الخامسة قال العلماء إنما تصح رؤية النبي عليه السلام لأحد رجلين أحدهما صحابي رآه فعلم صفته فانطبع في نفسه مثاله فإذا رآه جزم بأنه رأى مثاله المعصوم من الشيطان فينتفي عند اللبس والشك في رؤيته عليه السلام وثانيهما رجل تكرر عليه سماع صفاته المنقولة في الكتب حتى انطبعت في نفسه صفته عليه السلام ومثاله المعصوم كما حصل ذلك لمن رآه فإذا رآه جزم برؤية مثاله عليه السلام كما يجزم به من رآه فينتفي عنه اللبس والشك في رؤيته عليه السلام وأما غير هذين فلا يحصل له الجزم بل يجوز أن يكون رآه عليه السلام بمثاله ويحتمل أن يكون من تخييل الشيطان ولا يفيد قول المرئي لمن يراه أنا رسول الله ولا قول من يحضر معه هذا رسول الله لأن الشيطان يكذب لنفسه ويكذب لغيره فلا يحصل الجزم إذا تقرر هذا وأنه لا بد من رؤية مثاله المخصوص فيشكل ذلك بما تقرر في كتب التعبير أن الرائي يراه شيخا وشابا وأسود وذاهب العينين وذاهب اليدين وعلى أنواع شتى من المثل التي ليست مثاله عليه السلام فالجواب عن
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
الرائي أنه بالمشرق
وهو بالمغرب أو نحوه فهي أمثلة جعلها الله تعالى دليلا على تلك المعاني كما جعلت الحروف والأصوات والرقوم للكتابة دليلا على المعاني فإذا رأى الله تعالى أو النبي صلى الله عليه وسلم فهي أمثلة تضرب له بقدر حاله فإن كان موحدا رآه حسنا أو ملحدا رآه قبيحا وهو أحد التأويلين في قوله عليه السلام رأيت ربي في أحسن صورة قال بعض العلماء قال لي بعض الأمراء رأيت البارحة النبي صلى الله عليه وسلم في أشد ما يكون من السواد فقلت له ظلمت الخلق وغيرت الدين قال النبي صلى الله عليه وسلم الظلم ظلمات يوم القيامة فالتغيير فيه لا شك فيه وكان متغيرا علي وعنده كاتبه وصهره وولده فأما الكاتب فمات وأما الآخران فتنصرا وأما هو فكان مستندا فجلس على نفسه وجعل يتعذر وكان آخر كلامه وددت أن أكون حميا لنخلات أعيش بها بالثغر قلت له وما ينفعك أن أقبل أنا عذرك فخرجت فوالله ما توقفت لي عنده بعد حاجة وأما المعتزلة فقالوا هي تخاييل لا حقيقة لها ولا دليل فيها وجرت المعتزلة على أصولها في تخييلها على العادة في إنكار أصول الشرع في الجن وأحاديثها والملائكة وكلامها وإن جبريل عليه السلام لو كلم النبي صلى الله عليه وسلم بصوت لسمعه الحاضرون وقال صالح المعتزلي رؤيا المنام هي رؤية العين وقال آخرون هي رؤية بعينين في القلب يبصر بهما وأذنين في القلب يسمع بهما ا ه
____________________

(4/415)


هذا أن هذه الصفات صفات الرائي وأحوالهم تظهر فيه عليه السلام وهو كالمرآة لهم قلت لبعض مشايخي فكيف يبقى المثال مع هذه الأحوال المضادة له فقال لي لو كان لك أب شاب تغيبت عنه ثم جئته فوجدته شيخا أو أصابه يرقان أصفر أو يرقان أسود أو أصابه برص أو جذام أو قطعت أعضاؤه أكنت تشك فيه أنه أبوك قلت لا فقال لي ما ذاك إلا لما ثبت في نفسك من مثاله المتقدم عندك الذي لا تجهله بعروض هذه الصفات له فكذلك من ثبت عنده في نفسه مثال رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا لا يشك فيه مع عروض هذه الأحوال له ومن لم يكن كذلك لا يثق بأنه رآه عليه السلام وإذا صح له المثال وانضبط فالسواد يدل على ظلم الرائي والعمى يدل على عدم إيمانه لأنه إدراك ذاهب وقطع اليد يدل على أنه يمنع من ظهور الشريعة ونفوذ أوامرها فإن اليد يعبر بها عن القدرة وكونه أمرد يدل على الاستهزاء به فإن الشاب يحتقر وكونه شيخا يدل على تعظيم النبوة لأن الشيخ يعظم وغير ذلك من الصفات الدالة على الأحكام المختلفة فرع فلو رآه عليه السلام فقال له إن امرأتك طالق ثلاثا وهو يجزم بأنه لم يطلقها فهل تحرم عليه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقول إلا حقا وقع فيه البحث مع الفقهاء واضطربت آراؤهم في ذلك بالتحريم وعدمه لتعارض خبره عليه السلام عن تحريمها في النوم وإخباره في اليقظة في شريعته المعظمة أنها مباحة له والذي يظهر لي أن إخباره عليه
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
بتصرف المسألة الثالثة قال الأستاذ أبو إسحاق الإدراك يضاده النوم اتفاقا والرؤيا إدراك المثل كما تقدم فكيف تجتمع مع النوم وأجاب بأن النفس ذات جواهر فإن عمها النوم فلا إدراك وإن عمها الإدراك فلا منام وإن قام عرض النوم ببعضها أمكن قيام إدراك المنام بالبعض الآخر ولذلك إن أكثر المنامات آخر الليل عند خفة النوم ا ه المسألة الرابعة قال الإمام الغزالي في كتابه المسمى بالمضنون به على غير أهله لعل العالم الذي طبعه قريب من طبع العوام يفهم أن من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقد رأى حقيقة شخصه المودع في روضة المدينة بأن شق القبر وخرج مرتحلا إلى موضع الرؤية ولا شك في جهل من يتوهم ذلك فإنه قد يرى ألف مرة في ليلة واحدة في وقت واحد في ألف موضع بأشخاص مختلفة فكيف يتصور شخص واحد في مكانين في لحظة واحدة وكيف يتصور شخص واحد في حالة واحدة بصور مختلفة شيخ وشاب طويل وقصير إلخ ويرى على جميع هذه الصور ومن انتهى حمقه إلى هذا الحال فقد انخلع عن ربقة العقل فلا ينبغي أن يخاطب ثم حقق أن المرئي مثال صار واسطة بينه وبينه وذلك أن جوهر النبوة أعني الروح المقدسة الباقية من النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته منزهة عن اللون والشكل والصور ولكن العبد ذاته بواسطة مثال محسوس من نور وغيره من الصور الجميلة التي تصلح أن تكون مثالا للجمال الحقيقي المعنوي الذي لا صورة له ولا لون ويكون ذلك المثال صادقا حقا وواسطة في التعريف فقول الرائي رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام لا بمعنى أني رأيت ذات روحه أو ذات شخصه بل بمعنى أنه
____________________

(4/416)


السلام في اليقظة مقدم على الخبر في النوم لتطرق الاحتمال للرائي بالغلط في ضبط المثال فإذا عرضنا على أنفسنا احتمال طروء الطلاق مع الجهل به واحتمال طروء الغلط في المثال في النوم وجدنا الغلط في المثال أيسر وأرجح ومن هو من الناس يضبط المثال على النحو المتقدم إلا أفراد قليلة من الحفاظ لصفته عليه السلام وأما ضبط عدم الطلاق فلا يختل إلا على النادر من الناس والعمل بالراجح متعين وكذلك لو قال له عن حلال إنه حرام أو عن حرام إنه حلال أو عن حكم من أحكام الشريعة قدمنا ما ثبت في اليقظة على ما رأى في النوم لما ذكرناه كما لو تعارض خبران من أخبار اليقظة صحيحان فإنا نقدم الأرجح بالسند أو باللفظ أو بفصاحته أو قلة الاحتمال في المجاز أو غيره فكذلك خبر اليقظة وخبر النوم يخرجان على هذه القاعدة المسألة السادسة رؤية الله تعالى في النوم تصح ولذلك أحوال أحدها أن يراه في النوم على النحو الذي دل عليه المعقول والمنقول من صفات الكمال ونعوت الجلال له والسلامة من الصفات الدالة على الحدوث من الجسمية والتحيز والجهة فهذا نجوزه في الدنيا كما نجوزه في الآخرة ونجزم بوقوعه في الآخرة للمؤمنين ولكن من ادعى هذه الحالة وهو من غير أهلها من العصاة أو من المقصرين كذبناه أو من الأولياء المتقين لا نكذبه ونسلم له حالة وقوله تعالى لا تدركه الأبصار فيه تأويلات وهو عموم يقبل
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
رأى مثاله لا مثله إذ المثل المساوي في جميع الصفات والمثال لا يحتاج فيه إلى المساواة إذ العقل معنى لا يماثله غيره مماثلة حقيقية ولنا أن نضرب الشمس له مثالا لما بينهما من المناسبة في شيء واحد
وهو أن المحسوسات تنكشف بنور الشمس كما تنكشف المعقولات بالعقل فهذا القدر من المناسبة كاف في المثال ويمثل في النوم السلطان بالشمس والوزير بالقمر والسلطان لا يماثل الشمس بصورته ولا بمعناه ولا الوزير يماثل القمر إلا أن السلطان له استعلاء على الكل ويعم أمره الجميع والشمس تناسبه في هذا القدر والقمر واسطة بين الشمس والأرض في إفاضة النور كما أن الوزير والسلطان والرعية في نور العدل فهذا مثال وليس بمثل وقال الله تعالى الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة الآية ولا مماثلة بين نوره وبين الزجاجة والمشكاة وعبر النبي صلى الله عليه وسلم عن اللبن في المنام بالإسلام والحبل بالقرآن وأي مماثلة بين اللبن والإسلام وبين الحبل والقرآن إلا في مناسبة وهو أن الحبل يتمسك به في النجاة واللبن غذاء الحياة الظاهرة والإسلام غذاء الحياة الباطنة فكل من هذه مثال وليست بمثل ا ه المراد فمن هنا قال الأصل إن جواب الصوفية عن استشكال كون رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يرى في مكانين في الآن الواحد بأنه عليه السلام كالشمس ترى في أماكن عدة وهي واحدة باطل فإن الإشكال لم يرد في رؤيته عليه السلام من مواضع عدة وهو في مكان واحد حتى يصبح الجواب عنه بذلك بل إنما ورد فيه كيف يرى في مواضع عدة بجملة ذاته عليه السلام مع اتفاق العلماء على أن حلول الجسم الواحد في الزمن الواحد في مكانين محال فأين أحدهما من الآخر فلا يتجه الجواب إلا بأن المرئي مثاله عليه السلام لا ذاته

____________________

(4/417)


التخصيص وإخبار الولي الموثوق بدينه المبرز في عدالته يصلح لتقوية بعض التأويلات ولتخصيص هذا العام وخبر العدل مقبول في تخصيص العموم ونحن نقبل خبر الأولياء في وقوع الكرامات التي هي من خوارق العادات المحصلة للعلوم القطعيات فكيف في تخصيص العمومات التي لا تفيد إلا الظن فتأمل هذا وثانيها أن يراه سبحانه في صورة مستحيلة عليه كمن يقول رأيته في صورة رجل أو غير ذلك من الأجسام المستحيلة على الله تعالى وقد روي عن بعضهم أنه قال رأيت الله تعالى في صورة فرس وفهم هذا الرائي أن هذا الجسم من إنسان وغيره خلق من خلق الله تعالى وأمر وارد من قبله يقتضي حالة من هذا الرائي ويتقاضاها منه أو يأمره بخير أو ينهاه عن شر ويقول له أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وامتثل أمري ونحو ذلك فهذه الحالة أيضا صحيحة جائزة على إطلاق لفظ الله تعالى على هذا الجسم ففي القرآن وجاء ربك والملك صفا صفا فعبر تعالى عن أمره الوارد من قبله باللفظ الخاص بالربوبية على وجه المجاز من باب إطلاق لفظ السبب على المسبب ولفظ المؤثر على الأثر وهو مجاز مشهور في لسان العرب ومسطور في كتب المجاز والحقيقة وفي التوراة جاء الله من سيناء وأشرق من ساغين واستعلن من جبال فاران إشارة إلى التوراة النازلة بطور سيناء والإنجيل النازل بساغين موضع بالشام والقرآن النازل بمكة واسمها
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
وكذلك كل مرئي من بحر أو جبل أو آدمي أو غير ذلك إنما يرى مثاله لا هو بذاته وبه يظهر معنى قوله صلى الله عليه وسلم من رآني فقد رآني حقا فإن الشيطان لا يتمثل بي وأن التقدير من رأى مثالي فقد رآني حقا فإن الشيطان لا يتمثل بمثالي وأن الخبر إنما يشهد بعصمة المثال عن الشيطان ونص الكرماني في كتابه الكبير في تأويل الرؤيا أن الرسل والكتب المنزلة والملائكة كذلك معصومة عن تمثل الشيطان بمثلها وما عدا ذلك من المثل يمكن حقا ويمكن أن يكون من قبل الشيطان وأنه تمثل بذلك المثال ا ه
المسألة الخامسة قال العلماء إنما تصح رؤية النبي عليه السلام لأحد رجلين أحدهما صحابي رآه فعلم صفته فالطبع في نفسه مثاله فإذا رآه جزم بأنه رأى مثاله المعصوم من الشيطان فينتفي عنه اللبس والشك في رؤيته عليه السلام وثانيهما رجل تكرر عليه سماع صفاته المنقولة في الكتب حتى انطبعت في نفسه صفته عليه السلام ومثاله المعصوم كما حصل ذلك لمن رآه فإذا رآه جزم برؤيته مثاله عليه السلام كما يجزم به من رآه فينتفي عنه اللبس والشك في رؤيته عليه السلام وأما غير هذين فلا يحل له الجزم بل يجوز أن يكون رآه عليه السلام بمثاله ويحتمل أن يكون من تخييل الشيطان ولا يفيد قول المرئي لمن رآه أنا رسول الله ولا قول من يحضر معه هذا رسول الله لأن الشيطان يكذب لنفسه ويكذب لغيره فلا يحصل الجزم وهذا وإن كان صريحا في أنه لا بد من رؤية مثاله المخصوص لا ينافي ما تقرر في التعبير أن الرائي يراه عليه السلام شيخا وشابا وأسود وذاهب العينين وذاهب اليدين
____________________

(4/418)


فاران فيكون معناه أن الحق جاء من سيناء وهو التوراة وكثر ظهوره وعلنه بتقوية الإنجيل له فإن عيسى عليه السلام بعث لنصرة التوراة وتقويتها وإرادة العلانية والظهور واستكمل الحق واستوفيت المصالح ووصل البيان والكمال في الشرع إلى أقصى غاياته بالقرآن الكريم والشريعة المحمدية وسميت هذه الكتب باسم الله تعالى لأنها من جهته وقبله على المجاز كما تقدم ومن ذلك ينزل ربنا إلى سماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل الحديث على أحد التأويلات أنه تنزل رحمته فسماها باسمه لكونها من قبله ومن أثره كذلك هذه المثل القائلة في النوم أنا الله هو صحيح جائز على المجاز كما تقدم وجاء في الحديث أن الله يأتي يوم القيامة للخلائق في صورة ينكرونها ويقولون لست ربنا فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيهم في صورة وتسميته لهذه الصورة باسم الله تعالى هو على سبيل المجاز لأنها صورة من آثاره وفتنة يختبر بها خلقه فلهذه الملازمة والعلاقة حسن إطلاق لفظ الله تعالى عليها مجازا كما تقدم فكذلك هذه المثل في النوم حكمها حكم هذه الأجسام في اليقظة الحالة الثالثة أن يرى هذه الصورة الحسنة الجسمية ولا يعتقد أنها الله عز وجل حقيقة ولا يخطر له في النوم معنى المجاز ألبتة فهذه الرؤيا يحتمل أن تكون
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
وعلى أنواع شتى من المثل التي ليست مثاله عليه السلام لأن هذه الصفات صفات الرائين وأحوالهم تظهر فيه عليه السلام وهو كالمرآة لهم كما تقدمت الإشارة إليه قال الأصل قلت لبعض مشايخي فكيف يبقى المثال مع هذه الأحوال المضادة له فقال لي لو كان لك أب شاب تغيبت عنه ثم جئته فوجدته شيخا أو أصابه يرقان أصفر أو يرقان أسود أو أصابه برص أو جذام أو قطعت أعضاؤه أكنت تشك فيه أنه أبوك فقلت لا فقال لي ما ذاك إلا لما ثبت في نفسك من مثاله المتقدم عندك الذي لا تجهله بعروض هذه الصفات له فكذلك من ثبت عنده في نفسه مثال رسول الله صلى الله عليه وسلم فكذا لا يشك فيه مع عروض هذه الأحوال له ومن لم يكن كذلك لا يثق بأنه رآه عليه السلام وإذا صح له المثال وانضبط فالسواد يدل على ظلم الرائي والعمى يدل على عدم إيمانه لأنه إدراك ذاهب وقطع اليد يدل على أنه يمنع من ظهور الشريعة ونفوذ أوامرها فإن اليد يعبر بها عن القدرة وكونه أمرد يدل على الاستهزاء به فإن الشاب يحتقر وكونه شيخا يدل على تعظيم النبوة لأن الشيخ يعظم وغير ذلك من الصفات الدالة على الأحكام المختلفة ا ه المسألة السادسة قد تقدم عن العلامة العطار أنه قال في حاشيته على محلى جمع الجوامع ولا يلزم من صحة الرؤيا التعويل عليها في حكم شرعي لاحتمال الخطأ في التحمل وعدم ضبط الرائي على أن العز بن عبد السلام لما رأى رجل النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يقول له إن في المحل الفلاني ركازا اذهب فخذه ولا خمس عليك فذهب ووجده واستفتى العلماء قال لذلك الرائي أخرج الخمس فإنه يثبت بالتواتر وقصارى رؤيتك الآحاد ا ه
____________________

(4/419)


صحيحة ويكون المراد المجاز وهو جهل المجاز فكان الغلط منه لا في الرؤيا كما يرد اللفظ في اليقظة والمراد به المجاز والسامع يفهم الحقيقة كما اتفق للحشوية في آيات الصفات فكان الغلط منهم لا في الآيات الواردة ويحتمل أن تكون هذه الرؤيا كذبا ومحالا والشيطان يخيل له بذلك ليضله أو يخزيه أو غير ذلك من مكائده لعنه الله فهذه الرؤيا موضع التثبت والخوف من الغلط وإذا استيقظ هذا الرائي وجب عليه أن يجزم بأن الذي رآه ليس ربه على الحقيقة بل أحد الأمرين المتقدمين واقع له وينظر ما يقتضيه الحال منهما فيعتقده فإن أشكل عليه الأمر أعرض عن الرؤيا بالكلية حتى يتضح الصواب فإن اعتقد أنها حق وأن الذي رآه ربه فهو كافر وقد كفر بهذا الاعتقاد الناشئ له عن هذه الرؤيا بناء على القول بتكفير الحشوية وقد يكون ذلك الجسم وتلك الحالة فيها من الحقارة ومنافاة الربوبية ما يجمع الأمة على تكفيره وتكفره الحشوية وغيرهم كصورة الدجال ونحوها فإن القول بأن الحشوية ليست كفارا إنما هو مع قولهم بالتنزه عن العور والعمى والآفات والنقائص بل اقتصروا على الجسمية خاصة مع التنزيه عن جميع ذلك فمن اعتقد الجسمية مع بعض صفات النقص فأول من يكفره الحشوية فتأمل ذلك ومنه ما تقدم من أنه رآه في صورة فرس أو غير ذلك من السباع أو غيرها فهذا كله كفر لا يختلف فيه ولا يتخرج على الخلاف في الحشوية وكذلك إذا قال رأيته في طلق أو
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
فلذا لما اضطربت أراء الفقهاء فيمن رآه عليه السلام في المنام فقال له إن امرأتك طالق ثلاثا وهو يجزم أنه لم يطلقها بالتحريم وعدمه لتعارض خبره عليه السلام عن تحريمها في النوم وإخباره في اليقظة في شريعته المعظمة أنها مباحة له استظهر الأصل أن إخباره عليه السلام في اليقظة مقدم على الخبر في النوم لتطرق الاحتمال للرائي بالغلط في ضبطه المثال قال فإذا عرضنا على أنفسنا احتمال طروء الطلاق مع الجهل به واحتمال طروء الغلط في المثال في النوم وجدنا الغلط في المثال أيسر وأرجح ومن هو من الناس يضبط المثال على النحو المتقدم إلا أفراد قليلة من الحفاظ لصفته عليه السلام وأما ضبط عدم الطلاق فلا يختل إلا على النادر من الناس والعمل بالراجح متعين وكذلك لو قال عن حلال إنه حرام أو عن حرام إنه حلال أو عن حكم من أحكام الشريعة قدمنا ما ثبت في اليقظة على ما رأى في النوم لما ذكرناه كما لو تعارض خبران من أخبار اليقظة صحيحان فإنا نقدم الأرجح بالسند أو باللفظ أو بفصاحته أو قلة الاحتمال في المجاز أو غيره فكذلك خبر اليقظة وخبر النوم يخرجان على هذه القاعدة ا ه
المسألة السابعة في جمع الجوامع ومحليه اختلف هل يجوز الرؤية له تعالى في المنام فقيل لا لأن المرئي فيه خيال ومثال وذلك على القديم محال وقيل نعم لأنه لا استحالة لذلك في المنام ا ه قال المحلي والعطار عليه وقد ذكر وقوعها في المنام لكثير من السلف منهم الإمام أحمد فقد روي عنه أنه قال رأيت رب العزة في المنام فقلت يا رب ما أفضل ما يتقرب به المتقربون قال كلامي يا أحمد فقلت بفهم وبغير فهم قال بفهم وبغير فهم ورآه أحمد بن حضرويه فقال له يا أحمد كل الخلق يطلبون مني إلا أبا يزيد فإنه
____________________

(4/420)


خزانة أو مطمورة أو نحو ذلك مما تحيله الحشوية وأهل السنة على الله تعالى فتأمل ذلك فهذا تفصيل الأحوال في رؤية الله تعالى المسألة السابعة في تحقيق مثل الرؤيا وبيانها اعلم أن دلالة هذه المثل على المعاني كدلالة الألفاظ الصوتية والرقوم الكتابية عليها واعلم أنه يقع فيها جميع ما يقع في الألفاظ من المشترك والمتواطئ والمترادف والمتباين والمجاز والحقيقة والمفهوم والخصوص والعموم والمطلق والمفيد والتصحيف والقلب والجمع بينهما والصريح والكناية والمعاريض حتى يقع فيه ما يقع في الألفاظ من قول العرب أبو يوسف أبو حنيفة وزيد زهير شعرا وحاتم جودا وجميع أنواع المجاز فالمشترك كالفيل هو ملك أعجمي وهو الطلاق الثلاث نقله الكرماني لأن عادة الهند إذا طلق أحد ثلاثا جرسوه على فيل فلما كان من لوازم الطلاق عبر به عن الطلاق والمتواطئ كالشجرة وهو رجل أي رجل كان دالة على القدر المشترك بين جميع الرجال ثم إن كانت تنبت في العجم فهو رجل أعجمي أو عند العرب فهو رجل عربي أو لا ثمر لها فلا خير فيه أو لها شوك فهو كثير الشر أو ثمرها له قشر فله خير لا يوصل إليه إلا بعد مشقة أو لا قشر له كالتفاح فيوصل لخيره بلا مشقة إلى غير ذلك وهذا هو المقيد والمطلق فحصلت الأمور بالقيود الخارجة وكذلك يقع التقييد بأحوال الرائي فالصاعد على المنبر يلي ولاية فالولاية مشتركة بين الولايات
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
يطالبني وعلى ذلك المعبرون للرؤيا فإنهم يعقدون في كتبهم بابا لرؤية الرب جل وعلا وبالغ ابن الصلاح في إنكاره لما تقدم في المنع وقال الغزالي في كتابه المسمى بالمضمون به على غير أهله الحق أنا نطلق القول بأن الله تعالى يرى في المنام كما يطلق القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى نعم ذات الله تعالى وذاته صلى الله عليه وسلم لا يريان وإنما الذي يجوز أن يرى مثال يعتقده النائم ذات الله تعالى وذات النبي صلى الله عليه وسلم وكيف ينكر ذاك مع وجوده في المنامات فإن من لم يره بنفسه فقد تواتر إليه من جماعة أنهم رأوا ذلك قال ولا يرد أن الله تعالى لا مثل له بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم فإن له مثلا لما تقدم من الفرق بين المثل والمثال بأن المثل المساوي في جميع الصفات والمثال لا يحتاج فيه إلى المساواة إلخ ا ه فمن ثم قال الأصل رؤية الله تعالى في النوم تصح ولذلك أحوال ثلاثة أحدها أن يراه في النوم على النحو الذي دل عليه المعقول والمنقول من صفات الكمال ونعوت الجلال له والسلامة من الصفات الدالة على الحدوث من الجسمية والتحيز والجهة فهذا كما نجوزه في الآخرة ونجزم بوقوعه فيها للمؤمن كذلك نجوزه في الدنيا لكن من ادعى هذه الحالة إن كان من غير أهلها من العصاة أو من المقصرين كذبناه وإن كان من أهلها من الأولياء المتقين لا نكذبه ونسلم له حالة وقوله تعالى لا تدركه الأبصار فيه تأويلات وهو عموم يقبل التخصيص وإخبار الولي الموثوق بدينه المبرز في عدالته يصلح لتقوية بعض التأويلات ولتخصيص هذا العام وخبر العدل مقبول في تخصيص العموم ونحن نقبل خبر الأولياء في وقوع الكرامات التي هي من خوارق العادات المحصلة للعلوم القطعيات فكيف في تخصيص العمومات التي لا تفيد إلا الظن فتأمل هذا وثانيها أن يراه في صورة مستحيلة عليه كمن يقول رأيته في صورة رجل أو غير ذلك من الأجسام المستحيلة على الله تعالى وقد روي عن بعضهم
____________________

(4/421)


ومطلقة فإن كان الرائي فقيها كانت الولاية قضاء أو أميرا فوال أو من بيت الملك فملك إلى غير ذلك
وكذلك تنصرف للخير بقرينة الرائي وحاله وإن كان ظاهرها الشر وتنصرف للشر بقرينة الرائي وحاله وإن كان ظاهرها الخير كمن رأى أنه مات فالرجل الخير ماتت حظوظه وصلحت نفسه والرجل الشرير مات قلبه لقوله تعالى أومن كان ميتا فأحييناه أي كافرا فأسلم ومنه قوله تعالى يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي أي الكافر من المسلم والمسلم من الكافر على أحد التأويلات والمترادفة كالفاكهة فالصفراء تدل على الهم وحمل الصغير يدل عليه أيضا والمتباين كالأخذ من الميت والدفع له الأول جيد لأنه كسب من جهة ميئوس منها والثاني رديء لأنه صرف رزق لمن لا ينتفع به وربما كان لمن لا دين له لأن الدين ذهب عن الموتى لذهاب التكليف عنهم والمجاز والحقيقة كالبحر هو السلطان حقيقة ويعبر به عن سعة العلم مجازا والعموم كمن رأى أن أسنانه كلها سقطت في التراب فإنه يموت أقاربه كلها فإن كان في نفس الأمر إنما يموت بعض أقاربه قبل موته فهو عام أريد به الخصوص وأما أبو يوسف فكالرؤيا يراها الرائي لشخص والمراد غيره ممن هو يشبهه أو بعض أقاربه أو من تسمى باسمه أو نحو ذلك ممن يشاركه في صفته فيعبر عنه به كما عبرنا عن أبي يوسف بأبي حنيفة لمشاركته له في صفة الفقه وعبرنا عن زيد بزهير
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
أنه قال رأيت الله تعالى في صورة فرس وفهم هذا الرائي أن هذا الجسم من إنسان وغيره خلق من خلق الله تعالى وأمر وارد من قبله يقتضي حالة من هذا الرائي ويتقاضاها منه أو يأمره بخير أو ينهاه عن شر ويقول له أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وامتثل أمري ونحو ذلك فهذه الحالة أيضا صحيحة جائزة على إطلاق لفظ الله تعالى على هذا الجسم ففي القرآن وجاء ربك والملك صفا صفا فعبر تعالى عن أمره الوارد من قبله باللفظ الخاص بالربوبية على وجه المجاز من باب إطلاق لفظ السبب على المسبب ولفظ المؤثر على الأثر وهو مجاز مشهور في لسان العرب ومسطور في كتب المجاز والحقيقة وفي التوراة جاء الله من سيناء وأشرق من ساغين واستعلن من جبال فاران إشارة إلى التوراة النازلة بطور سيناء والإنجيل النازل بساغين موضع بالشام والقرآن النازل بمكة فاران فيكون معناه أن الحق جاء من سيناء وهو التوراة وكثر ظهوره وعلنه بتقوية الإنجيل له فإن عيسى عليه السلام بعث لنصرة التوراة وتقويتها وإرادة العلانية والظهور واستكمل الحق واستوفيت المصالح ووصل البيان والكمال في الشرع إلى أقصى غايته بالقرآن الكريم والشريعة المحمدية وسميت هذه الكتب باسم الله تعالى لأنها من جهته وقبله على المجاز كما تقدم ومن ذلك ينزل ربنا إلى سماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل الحديث على أحد التأويلات أنه تنزل رحمته فسماها باسمه لكونها من قبله ومن أثره كذلك هذه المثل القائلة في النوم أنا الله هو صحيح جائز على المجاز كما تقدم وجاء في الحديث أن الله يأتي يوم القيامة للخلائق في صورة ينكرونها ويقولون لست ربنا فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيهم في صورة وتسميته لهذه الصورة باسم الله تعالى هو على سبيل المجاز لأنها صورة من آثاره وفتنة يختبر بها خلقه فهذه الملازمة والعلاقة حسن إطلاق لفظ الله تعالى
____________________

(4/422)


لمشاركته له في الشعر ونحو ذلك من المثل والقلب كما رأى المصريون أن رواسا أخذ منهم الملك فعبر لهم بأن شاور يأخذه وكان كذلك وقلب رواس شاور وجمع هذا المثال بين القلب والتصحيف فإن السين المهملة صحفت بالمعجمة التي هي الشين ورأى ملك العرب قائلا يقول له خالف الحق من عذر فقيل له أنت تقصد النكث على بعض الناس فحذرت من ذلك في الرؤيا خالف الحق من غدر فدخله التصحيف فقط وبسط هذه التفاصيل في كتب التعبير وإنما قصدت التنبيه على هذه المثل كالألفاظ في الدلالة وأنها تشاركها في أحوالها تنبيه اعلم أن تفسير المنامات قد اتسعت تقييداته وتشعبت تخصيصاته وتنوعت تعريفاته بحيث صار الإنسان لا يقدر أن يعتمد فيه على مجرد المنقولات لكثرة التخصيصات بأحوال الرائين بخلاف تفسير القرآن العظيم والتحدث في الفقه والكتاب والسنة وغير ذلك من العلوم فإن ضوابطها إما محصورة أو قريبة من الحصر وعلم المنامات منتشر انتشارا شديدا لا يدخل تحت ضبط فلا جرم احتاج الناظر فيه مع ضوابطه وقرائنه إلى قوة من قوى النفوس المعينة على الفراسة والاطلاع على المغيبات بحيث إذا توجه الحزر إلى شيء لا يكاد يخطئ بسبب ما يخلقه الله تعالى في تلك النفوس من القوة المعينة على تقريب الغيب أو تحققه
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
عليها مجازا كما تقدم فكذلك هذه المثل في النوم حكمها حكم هذه الأجسام في اليقظة الحالة الثانية أن يرى هذه الصورة الحسنة الجسمية ولا يعتقد أنها الله عز وجل حقيقة ولا يخطر له في النوم معنى المجاز ألبتة فهذه الرؤية يحتمل أن تكون صحيحة ويكون المراد المجاز ولكنه جهل المجاز فكان الغلط منه لا في الرؤيا بل في المراد بها كما يرد اللفظ في اليقظة والمراد به المجاز والسامع يفهم الحقيقة كما اتفق للحشوية في آيات الصفات فكان الغلط منهم لا في الآيات الواردة بل في المراد بها ويحتمل أن تكون هذه كذبا ومحالا والشيطان يخيل له بذلك ليضله أو يخزيه أو غير ذلك من مكائده لعنه الله فهذه الرؤيا موضع التثبت والخوف من الغلط وإذا استيقظ هذا الرائي وجب عليه أن يجزم بأن الذي رآه ليس ربه على الحقيقة بل أحد الأمرين المتقدمين أعني من أنها صحيحة على المجاز أو كاذبة ومحال من تخييل الشيطان واقع له وينظر ما يقتضيه الحال منهما فيعتقده فإن أشكل عليه الأمر أعرض عن الرؤيا بالكلية حتى يتضح له الصواب ولا يعتقد مع ذلك الإشكال أنها حق وأن الذي رآه ربه وإلا فهو كافر لكن بناء على القول بتكفير الحشوية نعم قد يكون ذلك الجسم باعتبار ما في حالته من الحقارة ومنافاة الربوبية مما يجمع الأمة حتى الحشوية على التكفير من يعتقد فيها الربوبية كصورة الدجال وصورة فرس ونحوه من السباع أو غيرها وصورة رجل في طاق أو خزانة أو مطمورة أو نحو ذلك مما تحيله الحشوية وأهل السنة على الله تعالى إذ القول بأن الحشوية ليست كفارا إنما هو مع قولهم بالتنزه عن العور والعمى والآفات والنقائص بل اقتصروا على الجسمية خاصة مع التنزيه عن جميع ذلك فمن اعتقد الجسمية مع بعض صفات النقص فأول من يكفره الحشوية فتأمل ذلك فهذا تفصيل الأحوال في رؤية الله تعالى
المسألة الثامنة تحقيق مثل الرؤيا
____________________

(4/423)


كما قيل في ابن عباس رضي الله عنهما إنه كان ينظر إلى الغيب من وراء ستر رقيق إشارة إلى قوة أودعه الله إياها فرأى بما أودعه الله تعالى في نفسه من الصفاء والشفوف والرقة واللطافة فمن الناس من هو كذلك وقد يكون ذلك عاما في جميع الأنواع
وقد يهبه الله تعالى ذلك باعتبار المنامات فقط أو بحساب علم الرمل فقط أو الكتف الذي للغنم فقط أو غير ذلك فلا ينفتح له بصحة القول والنطق في غيره ومن ليس له قوة نفس في هذا النوع صالحة لعلم تعبير الرؤيا لا يصح منه تعبير الرؤيا ولا يكاد يصيب إلا على الندرة فلا ينبغي له التوجه إلى علم التعبير في الرؤيا ومن كانت له قوة نفس فهو الذي ينتفع بتعبيره وقد رأيت ممن له قوة نفس مع هذه القواعد فكان يتحدث بالعجائب والغرائب في المنام اللطيف ويخرج منه الأشياء الكثيرة والأحوال المتباينة ويخبر فيه عن الماضيات والحاضرات والمستقبلات وينتهي في المنام اليسير إلى نحو المائة من الأحكام بالعجائب والغرائب حتى يقول من لا يعلم بأحوال قوى النفوس إن هذا من الجان أو المكاشفة أو غير ذلك وليس كما قال بل هو قوة نفس يجد بسببها تلك الأحوال عند توجهه للمنام وليس هو صلاح ولا كشف ولا من قبل الجان وقد رأيت أنا من هذا النوع جماعة واختبرتهم فمن لم تحصل له قوة نفس عسر عليه تعاطي علم التعبير ولا ينبغي لك أن تطمع في أن يحصل لك بالتعلم والقراءة وحفظ الكتب إذا لم تكن لك قوة نفس فلا
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
وبيانها هو أن دلالتها على المعاني كدلالة الألفاظ الصوتية والرقوم الكتابية عليها فكما يقع في دلالة الألفاظ على معانيها من المشترك والمتواطئ والترادف والمتباين والمجاز والحقيقة والمفهوم والخصوص والعموم والمطلق والمقيد والتصحيف والقلب والجمع بينهما والصريح والكناية والمعارض ونحو ذلك كذلك يقع جميع ما ذكر في دلالة هذه المثل على المعاني حتى يقع فيها ما يقع في الألفاظ من قول العرب أبو يوسف أبو حنيفة وزيد زهير شعرا وحاتم جودا وجميع أنواع المجاز فالمشترك كالفيل هو ملك أعجمي وهو الطلاق الثلاث نقله الكرماني وذلك لأن عادة الهند إذا طلق أحد ثلاثا جرسوه على فيل فما كان من لوازم الطلاق عبر به عن الطلاق والمتواطئ كالشجرة فإنها تدل على القدر المشترك بين جميع الرجال والمقيد والمطلق فيما إذا كانت تنبت في العجم فهو رجل أعجمي أو عند العرب فهو رجل عربي أو لا ثمر لها فلا خير فيه أو لها شوك فهو كثير الشر أو ثمرها له قشر كالرمان فله خير لا يوصل إليه إلا بعد مشقة أو لا قشر له كالتفاح والخوخ فيوصل لخبره بلا مشقة إلى غير ذلك وكما وقع التقييد بالقيود الخارجة عن المرئي كذلك يقع بأحوال الرائي فالصاعد على المنبر يلي ولاية والولاية مشتركة بين الولايات ومطلقة
فإن كان الرائي فقيها كانت الولاية قضاء أو أميرا فوال أو من بيت الملك فملك إلى غير ذلك وكذلك بقرينة الرائي وحاله تنصرف للخير وإن كان ظاهرها الشر وللشر وإن كان ظاهرها الخير فمن رأى أنه مات فالرجل الخير ماتت حظوظه وصلحت نفسه والرجل الشرير مات قلبه لقوله تعالى أومن كان ميتا فأحييناه الأنعام
____________________

(4/424)


تجد ذلك أبدا ومتى كانت لك هذه القوة حصل ذلك بأيسر سعي وأدنى ضبط فاعلم هذه الدقيقة فقد خفيت على كثير من الناس
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
122 أي كافرا فأسلم ومنه قوله تعالى يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي أي الكافر من المسلم والمسلم من الكافر على أحد التأويلات والمترادفة كالفاكهة فالصفراء تدل على الهم وحمل الصغير يدل عليه أيضا والمتباين كالأخذ من الميت والدفع له فالأول جيد لأنه كسب من جهة ميئوس منها والثاني رديء لأنه صرف ورزق لمن ينتفع به وربما كان لمن لا دين له لأن الدين ذهب عن الموتى لذهاب التكليف عنهم والمجاز والحقيقة كالبحر هو السلطان حقيقة ويعبر به عن سعة العلم مجازا والعموم كمن رأى أن أسنانه سقطت في التراب ولم يكن ذلك في نفس الأمر فإنه يموت أقاربه كلها فإن كان في نفس الأمر فإنه يموت بعض أقاربه قبل موته فهو عام أريد به الخصوص
وأما أبو يوسف أبو حنيفة فكالرؤيا يراها الرائي لشخص والمراد غيره ممن هو يشبهه أو بعض أقاربه أو من تسمى باسمه أو نحو ذلك ممن يشاركه في صفته فيعبر عنه به كما عبرنا عن أبي يوسف بأبي حنيفة لمشاركته له في صفة الفقه وعبرنا عن زيد بزهير لمشاركته له في الشعر ونحو ذلك من المثل والقلب والتصحيف كما رأى المصريون أن رواسا أخذ منهم الملك فعبر لهم بأن شاور يأخذه وكان كذلك فقلب وصحف رواس والتصحيف فقط كما رأى ملك العرب قائلا يقول له خالف الحق من عذر فقيل له أنت تقصد النكث على بعض الناس فحذرت من ذلك في الرؤيا إذ المراد خالف الحق من غدر فدخله التصحيف وبسط هذه التفاصيل في كتب التعبير وإنما القصد بما ذكرناه التنبيه على أن هذه المثل كالألفاظ في الدلالة وأنها تشاركها في أحوالها هذا تنقيح ما في الأصل وصححه ابن الشاط مع زيادة تنبيه قال الأصل ضوابط تفسير القرآن العظيم والتحدث في الفقه والكتاب والسنة وغير ذلك من العلوم محصورة أو قريبة من الحصر فيقدر أن يعتمد فيها على مجرد المنقولات وأما علم تفسير المنامات فقد اتسعت تقييداته وتشعبت تخصيصاته وتنوعت تعريفاته بحيث صارت منتشرة انتشارا شديدا لا يدخل تحت ضبط فلا يقدر أن يعتمد فيه على مجرد المنقولات لكثرة التخصيصات بأحوال الرائين بل لا جرم يحتاج الناظر فيه مع ضوابطه وقرائنه إلى قوة من قوة النفوس المعينة على الفراسة والاطلاع على المغيبات بحيث إذا توجه الحزر إلى شيء لا يكاد يخطئ بسبب ما يخلقه الله تعالى في تلك النفوس من القوة المعينة على تقريب الغيب أو تحقيقه كما قيل في ابن عباس رضي الله عنهما إنه كان ينظر إلى الغيب من وراء ستر رقيق إشارة إلى قوة أودعه الله إياها فرأى بما أودعه الله تعالى في نفسه من الصفاء والشفوف والرقة فمن الناس من هو كذلك في جميع أنواع علوم الغيب من علم تعبير المنامات وحساب علم الرمل والكتف الذي للغنم وغير ذلك ومن الناس من يهبه الله تعالى ذلك باعتبار علم المنامات فقط أو بحساب علم الرمل فقط أو الكتف الذي للغنم فقط أو غير ذلك فلا يفتح له
____________________

(4/425)


الفرق التاسع والستون والمائتان بين قاعدة ما يباح في عشرة الناس من المكارمة وقاعدة ما ينهى عنه من ذلك اعلم أن الذي يباح من إكرام الناس قسمان القسم الأول ما وردت به نصوص الشريعة من إفشاء السلام وإطعام الطعام وتشميت العاطس والمصافحة عند اللقاء والاستئذان عند الدخول وأن لا يجلس على تكرمة أحد إلا بإذنه أي على فراشه ولا يؤم في منزله إلا بإذنه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يؤمن أحد أحدا في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه ونحو ذلك مما هو مبسوط في كتب الفقه القسم الثاني ما لم يرد في النصوص ولا كان
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
بصحة القول والنطق في غيره ومن ليس له قوة نفس في هذا النوع صالحة لعلم تعبير الرؤيا لا يصح منه تعبير الرؤيا ولا يكاد يصيب إلا على الندرة فلا ينبغي له التوجه إلى علم التعبير في الرؤيا
ومن كانت له قوة نفس فهو الذي ينتفع بتعبيره قال ولا ينبغي لك أن تطمع في أن يحصل لك بالتعلم والقراءة وحفظ الكتب لأنك إذا لم تكن لك قوة نفس فلا تجد ذلك أبدا ومتى كانت لك هذه القوة حصل ذلك بأيسر سعي وأدنى ضبط فاعلم هذه الدقيقة فقد خفيت على كثير من الناس قال وقد رأيت ممن له قوة نفس مع هذه القواعد فكان يتحدث بالعجائب والغرائب في المنام اللطيف ويخرج منه الأشياء الكثيرة والأحوال المتباينة ويخبر فيه عن الماضيات والحاضرات والمستقبلات وينتهي في المنام اليسير إلى نحو المائة من الأحكام بالعجائب والغرائب حتى يقول من لا يعلم بأحوال قوى النفوس إن هذا من الجان أو المكاشفة أو غير ذلك وليس كما قال بل هو نفس يجد بسببها تلك الأحوال عند توجهه للمنام وليس هو صلاحا ولا كشفا ولا من قبل الجان قال وقد رأيت أنا من هذا النوع جماعة واختبرتهم فمن لم تحصل له قوة نفس عسر عليه تعاطي علم التعبير ا ه وصححه ابن الشاط والله سبحانه وتعالى أعلم
الفرق التاسع والسبعون والمائتان بين قاعدة ما يباح في عشرة الناس من المكارمة وقاعدة ما ينهى عنه من ذلك وهو أن ما يباح من إكرام الناس قسمان ما وردت به نصوص الشريعة وما لم ترد به نصوصها ولا كان في السلف ولكن تجددت في حصرنا أسباب اعتباره بمقتضى قواعد الشرع فتعين فعله وهذا هو مراد عمر بن عبد العزيز بقوله تحدث للناس أقضية على قدر ما أحدثوا من الفجور
إذ معناه أنهم يحدثون أسبابا يقتضي الشرع فيها أمورا لم تكن قبل ذلك لأجل عدم سببها قبل ذلك لأنها شرع متجدد بل علم من القواعد الشرعية أن هذه الأسباب لو وجدت في زمن الصحابة لكانت هذه المسببات من فعلهم وصنعهم ولكن تأخر الحكم لتأخر سببه ولا يقتضي وقوع الحكم عند وقوع سببه تجديد شرع لم يكن في زمن الصحابة ألا ترى أن الله تعالى لو أنزل حكما في اللواط من رجم وغيره من العقوبات فلم يوجد اللواط في زمن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم ووجد في زمننا اللواط فرتبنا عليه تلك العقوبة لم نكن مجددين
____________________

(4/426)


في السلف لأنه لم تكن أسباب اعتباره موجودة حينئذ وتجددت في عصرنا فتعين فعله لتجدد أسبابه لأنه شرع مستأنف بل علم من القواعد الشرعية أن هذه الأسباب لو وجدت في زمن الصحابة لكانت هذه المسببات من فعلهم وصنعهم وتأخر الحكم لتأخر سببه ووقوعه عند وقوع سببه لا يقتضي ذلك تجديد شرع ولا عدمه كما لو أنزل الله تعالى حكما في اللواط من رجم أو غيره من العقوبات فلم يوجد اللواط في زمن الصحابة ووجد في زمننا اللواط فرتبنا عليه تلك العقوبة لم نكن مجددين لشرع بل متبعين لما تقرر في الشرع ولا فرق بين أن نعلم ذلك بنص أو بقواعد الشرع وهذا القسم هو ما في زماننا من القيام للداخل من الأعيان وإحناء الرأس له إن عظم قدره جدا والمخاطبة بجمال الدين ونور الدين وعز الدين وغير ذلك من النعوت والإعراض عن الأسماء والكنى
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
لشرع بل متبعين لما تقرر في الشرع ولا فرق أن نعلم ذلك بنص أو بقواعد الشرع وما خرج عن هذين القسمين هو ما لا يباح من إكرام الناس
وذلك أن ما وردت نصوص الشرع به من إكرام الناس هو نحو ما هو مبسوط في كتب الفقه من إفشاء السلام وإطعام الطعام وتشميت العاطس والمصافحة عند اللقاء والاستئذان عند الدخول وأن لا يجلس على تكرمة أحد أي على فراشه إلا بإذنه ولا يؤم في منزله إلا بإذنه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يؤمن أحد أحدا في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه وما لم ترد نصوص الشرع به ولا كان في السلف بل تجددت أسباب اعتباره في عصرنا فتعين بمقتضى القواعد الشرعية فعله من إكرام الناس قال الأصل هو ما في زماننا من القيام للداخل من الأعيان ومن إحناء الرأس له إن عظم قدره جدا ومن المخاطبة بجمال الدين ونور الدين وعز الدين وغير ذلك من نعوت التكرمة وأنواع المخاطبات للملوك والأمراء والوزراء وأولي الرفعة من الولاة والعظماء والإعراض عن الأسماء والكنى ومن المكاتبات بنعوت التكريم أيضا لكل واحد على قدره كتسطير اسم الإنسان الكاتب بالمملوك ونحوه من ألفاظ التنزل والتعبير عن المكتوب إليه بالمجلس العالي والسامي والجناب ونحو ذلك من الأوصاف العرفية والمكاتبات العادية ومن ترتيب الناس في المجالس والمبالغة في ذلك قال فهذا كله ونحوه من الأمور العادية لم تكن في السلف ونحن اليوم نفعله في المكارمات والموالات
وهو جائز مأمور به مع كونه بدعة مكروهة تنزيها لا تحريما لأنه لما تجددت هذه الأسباب صار تركها يوجب المقاطعة المحرمة فتعارض في فعلها المكروه وفي تركها المحرم وإذا تعارض المكروه والمحرم قدم المحرم والتزم دفعه وحسم مادته وإن وقع المكروه كما هو قاعدة الشرع في زمن الصحابة وغيرهم لكن هذا التعارض ما وقع إلا في زمننا فاختص الحكم به فعلى هذا القانون يجري هذا القسم بشرط أن لا يبيح محرما ولا يترك واجبا وحينئذ فما خرج عن هذين القسمين من إكرام الناس نوعان الأول محرم
وهو ما أباح محرما أو أدى إلى ترك واجب كما لو كان الملك أو غيره من الناس لا يرضى منا إلا بشرب الخمر وغيره من المعاصي فلا يحل لنا أن نواده بذلك إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وكالقيام تعظيما لمن يحبه تجبرا من غير ضرورة فلا تجوز الموادة به لأن الواجب تركه لتهذيب نفس المتجبر وتأديبه والنوع الثاني مكروه تنزيها من حيث كونه بدعة مكروهة لم يعارض بمحرم حتى يباح فعله كالقيام تعظيما لمن لا يحبه لأنه
____________________

(4/427)


والمكاتبات بالنعوت أيضا كل واحد على قدره وتسطير اسم الإنسان بالمملوك ونحوه من الألفاظ والتعبير عن المكتوب إليه بالمجلس العالي والسامي والجناب ونحو ذلك من الأوصاف العرفية والمكاتبات العادية ومن ذلك ترتيب الناس في المجالس والمبالغة في ذلك وأنواع المخاطبات للملوك والأمراء والوزراء وأولي الرفعة من الولاة والعظماء فهذا كله ونحوه من الأمور العادية لم تكن في السلف
ونحن اليوم نفعله في المكارمات والمولاة وهو جائز مأمور به مع كونه بدعة ولقد حضرت يوما عند الشيخ عز الدين بن عبد السلام وكان من أعيان العلماء وأولي الجد في الدين والقيام بمصالح المسلمين خاصة وعامة والثبات على الكتاب والسنة غير مكترث بالملوك فضلا عن غيرهم لا تأخذه في الله لومة لائم فقدمت إليه فتيا فيها ما تقول أئمة الدين وفقهم الله في القيام الذي
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
يشبه فعل الجبابرة وبوقع فساد قلب الذي يقام له فافهم قال وبالجملة فالقيام لإكرام الناس إما أن يكون من القسم الأول الذي وردت به نصوص الشريعة أو من القسم الثاني المباح فعله لتجدد سببه فينقسم إلى ثلاثة أقسام واجب ومندوب ومباح فالواجب هو ما أدى تركه إلى محرم كالمقاطعة والمدابرة فمن هنا لما حضرت يوما عند الشيخ عز الدين بن عبد السلام وكان من أعيان العلماء وأولي الجد في الدين والقيام بمصالح المسلمين خاصة وعامة والثبات على الكتاب والسنة غير مكترث بالملوك فضلا عن غيرهم لا تأخذه في الله لومة لائم وقدمت إليه فتيا فيها ما تقول أئمة الدين وفقهم الله في القيام الذي أحدثه أهل زماننا مع أنه لم يكن في السلف هل يجوز أم لا يجوز ويحرم كتب ما نصه من غير زيادة ولا نقصان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانا وترك القيام في هذا الوقت يفضي للمقاطعة والمدابرة فلو قيل بوجوبه ما كان بعيدا
ا ه
قلت ومن هذا القيام عند ذكر مولده صلى الله عليه وسلم في تلاوة القصة فقد قال المولى أبو السعود أنه قد اشتهر اليوم في تعظيمه صلى الله عليه وسلم واعتيد في ذلك فعدم فعله يوجب عدم الاكتراث بالنبي صلى الله عليه وسلم وامتهانه فيكون كفرا مخالفا لوجود تعظيمه صلى الله عليه وسلم ا ه
أي إن لاحظ من لم يفعله تحقيره صلى الله عليه وسلم بذلك وإلا فهو معصية والمندوب هو ما كان للقادم من السفر فرحا بقدومه وقد قام طلحة بن عبيد الله لكعب بن مالك ليهنئه بتوبة الله تعالى عليه بحضوره عليه السلام ولم ينكر النبي عليه السلام عليه ذلك فكان كعب يقول لا أنساها لطلحة وقد كان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم إذا قام عليه السلام إلى بيته لم يزالوا قياما حتى يدخل بيته صلى الله عليه وسلم لما يلزمهم من تعظيمه لكن كان ذلك منهم قبل علمهم أنه عليه السلام كان يكره أن يقام له فلما علموا بذلك كانوا إذا رأوه لم يقوموا له إجلالا لكراهته لذلك قلت نعم خرج البيهقي في سننه أن عائشة رضي الله عنها قالت ما رأيت أحدا أشبه كلاما وحديثا من فاطمة برسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت إذا دخلت عليه رحب بها وقام إليها فأخذ بيدها وقبلها وأجلسها في مجلسه وكان إذا دخل عليها رحبت به وقامت وأخذت بيده فقبلتها وقد قال عليه السلام للأنصار قوموا لسيدكم بناء على كونه تعظيما له
وهو الظاهر من قوله لسيدكم لا ليعينوه وإلا لقال لهم قوموا لمريضكم أو لمجروحكم وحينئذ فيقال في الجواب كراهيته عليه السلام لقيامهم أنه من قبيل التواضع
____________________

(4/428)


أحدثه أهل زماننا مع أنه لم يكن في السلف هل يجوز أم لا يجوز ويحرم فكتب إليه في الفتيا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانا وترك القيام في هذا الوقت يفضي للمقاطعة والمدابرة فلو قيل بوجوبه ما كان بعيدا هذا نص ما كتب من غير زيادة ولا نقصان فقرأتها بعد كتابتها فوجدتها هكذا وهو معنى قول عمر بن عبد العزيز تحدث للناس أقضية على قدر ما أحدثوا من الفجور أي يحدثوا أسبابا يقتضي الشرع فيها أمورا لم تكن قبل ذلك لأجل عدم سببها قبل ذلك لا لأنها شرع متجدد كذلك ها هنا فعلى هذا القانون يجري هذا القسم بشرط أن لا يبيح محرما ولا يترك واجبا فلو كان الملك لا يرضى منه إلا بشرب الخمر أو غيره من المعاصي لم يحل لنا أن نواده بذلك
وكذلك غيره من الناس ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وإنما هذه الأسباب المتجددة كانت مكروهة من غير تحريم فلما تجددت هذه الأسباب صار تركها يوجب المقاطعة المحرمة وإذا تعارض المكروه والمحرم قدم المحرم والتزم دفعه وحسم مادته وإن وقع المكره هذا هو قاعدة الشرع في زمن الصحابة وغيرهم وهذا
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
كما أن ذلك من جملة أجوبتهم عن قوله عليه السلام لمن قال له يا سيدنا لا تقل ذلك إنما السيد الله كما في رسالتي انتصار الاعتصام فتأمل ذلك قال الأصل والمباح هو ما إذا فعل إجلالا لمن لا يريده أي تكبرا وتجبرا بل أراده لدفع ضرر النقيصة عن نفسه لما سيأتي قال وإما أن يكون القيام مما خرج عن القسمين المذكورين فينقسم إلى قسمين محرم ومكروه فالمحرم ما إذا فعل تعظيما لمن يحبه تجبرا من غير ضرورة والمكروه ما إذا فعل تعظيما لمن لا يحبه لما تقدم قال والنهي الوارد عن محبة القيام في قوله عليه السلام من أحب أن يتمثل له الناس أو الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار ينبغي أن يحمل على من يريد ذلك تجبرا أما من أراده لدفع الضرر عن نفسه والنقيصة به فلا ينبغي أن ينهى عنه لأن محبة دفع الأسباب المؤلمة مأذون فيها بخلاف التكبر والتجبر نعم لا ينهى عن المحبة للقيام تجبرا وتكبرا والميل لذلك الطبيعي فإن الأمور الجبلية لا ينهى عنها بل إنما ينهى عما يترتب على ذلك من أذية الناس إذا لم يقوموا ومؤاخذتهم عليه فالقيام لإكرام الناس ينقسم إلى خمسة أقسام محرم ومكروه وواجب ومندوب ومباح فتأمل ذلك فقد ظهر الفرق بين المشروع من الموادة وغير المشروع منها هذا تهذيب ما في الأصل وصححه ابن الشاط مع زيادة
قلت وهو مبني على مذهب الأصل وشيخه العز بن عبد السلام وابن الشاط وغير واحد المتقدم من أن البدعة تنقسم إلى الأحكام الخمسة أما على مذهب الإمام أبي إسحاق وغيره من متقدمي مذهب مالك رحمه الله تعالى المتقدم من أن البدعة لا تكون إلا ضلالة محرمة وإنما تتفاوت رتبها في التحريم فلا يباح من الموادة إلا ما وردت به نصوص الشريعة والله أعلم
وصل في أربع مسائل تتعلق بالمصافحة والمعانقة وتقبيل اليد ورد السلام التي هي من أنواع المكارمة المسألة الأولى المصافحة قال ابن رشد مستحبة وهو المشهور وحجته ما في الموطإ قال عليه السلام
____________________

(4/429)


التعارض ما وقع إلا في زماننا فاختص الحكم به وما خرج عن هذين القسمين إما محرم فلا تجوز الموادة به أو مكروه فلم يحصل فيه تعارض بينه وبين محرم منهي عنه نهي تنزيه قلت فينقسم القيام إلى خمسة أقسام محرم إن فعل تعظيما لمن يحبه تجبرا من غير ضرورة ومكروه إذا فعل تعظيما لمن لا يحبه لأنه يشبه فعل الجبابرة ويوقع فساد قلب الذي يقام له ومباح إذا فعل إجلالا لمن لا يريده ومندوب للقادم من السفر فرحا بقدومه ليسلم عليه أو يشكر إحسانه أو القادم المصاب ليعزيه بمصيبته وبهذا يجمع بين قوله عليه السلام من أحب أن يتمثل له الناس أو الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار وبين قيامه عليه السلام لعكرمة بن أبي جهل لما قدم من اليمن فرحا بقدومه وقيام طلحة بن عبد الله لكعب بن مالك ليهنئه بتوبة الله تعالى عليه بحضوره عليه السلام ولم ينكر النبي عليه السلام عليه ذلك فكان كعب يقول لا أنساها لطلحة وكان عليه السلام يكره أن يقام له فكانوا إذا رأوه لم يقوموا له إجلالا لكراهته لذلك وإذا قام إلى بيته لم يزالوا قياما حتى يدخل بيته صلى الله عليه وسلم لما يلزمهم من تعظيمه قبل علمهم بكراهة ذلك وقال عليه السلام للأنصار قوموا لسيدكم قيل تعظيما له وهو لا يحب ذلك
وقيل ليعينوه على النزول
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
تصافحوا يذهب الغل وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء وعن مالك كراهتها وحجة الكراهة قوله تعالى حكاية عن الملائكة لما دخلوا على إبراهيم عليه السلام فقالوا سلاما قال سلام قال مالك فذكر السلام ولم يذكر المصافحة أي والاقتصار محل البيان يفيد الحصر قال ولأن السلام ينتهي فيه للبركات ولا يزاد فيه قول ولا فعل ا ه قلت وظاهر كلام الأصل أن القولين في المصافحة عند اللقاء فإنه بعد أن قال قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلاقى الرجلان فتصافحا تحاتت ذنوبهما وكان أقربها إلى الله أكثرهما بشرا يدل على مشروعية المصافحة عند اللقاء
وهو يقتضي أن ما يفعله أهل هذا الزمان من المصافحة عند الفراغ من الصلاة بدعة غير مشروعة وكان الشيخ عز الدين بن عبد السلام ينهي عنه وينكره على فاعله ويقول إنما شرعت المصافحة عند اللقاء أما من هو جالس مع الإنسان فلا يصافحه ورأيت بعض الفقهاء يقول روي في مصافحة من هو جالس معك حديث ولا أعلم صحة قوله ولا صحة الحديث ا ه نعم ربما يدل له عموم حديث الموطإ تصافحوا يذهب الغل فتأمل
المسألة الثانية المعانقة وردت بها السنة ولكن مالكا كان يكرهها ويقول لأنها لم ترد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مع جعفر ولم يصحبها العمل من الصحابة بعده قال ابن رشد في كتابه البيان والتحصيل ولأن النفوس تنفر عنها لأنها لا تكون إلا لوداع من فرط ألم الشوق أو مع الأهل
ا ه
وكان سفيان بن عيينة يعتقد عموم مشروعيتها فقد روي أنه دخل على مالك فصافحه مالك وقال له لولا أن المعانقة بدعة لعانقتك فقال سفيان عانق من هو خير مني ومنك النبي صلى الله عليه وسلم عانق جعفرا حين قدم من الحبشة قال مالك ذلك خاص بجعفر قال سفيان بل عام ما يخص جعفرا يخصنا
____________________

(4/430)


عن الدابة قلت والنهي الوارد عن محبة القيام ينبغي أن يحمل على من يريد ذلك تجبرا أما من أراده لدفع الضرر عن نفسه والنقيصة به فلا ينبغي أن ينهى عنه لأن محبة دفع الأسباب المؤلمة مأذون فيها بخلاف التكبر ومن أحب ذلك تجبرا أيضا لا ينهى عن المحبة والميل لذلك الطبيعي بل لما يترتب عليه من أذية الناس إذا لم يقوموا ومؤاخذتهم عليه فإن الأمور الجبلية لا ينهى عنها فتأمل ذلك فقد ظهر الفرق بين المشروع من الموادة وغير المشروع وها هنا أربع مسائل المسألة الأولى المصافحة وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلاقى الرجلان فتصافحا تحاتت ذنوبهما وكان أقربهما إلى الله أكثرهما بشرا فدل الحديث على مشروعية المصافحة عند اللقاء وهو يقتضي أن ما يفعله أهل الزمان من المصافحة عند الفراغ من الصلاة بدعة غير مشروعة وكان الشيخ عز الدين بن عبد السلام ينهى عنه وينكره على فاعله ويقول إنما شرعت المصافحة عند اللقاء أما من هو جالس مع الإنسان فلا يصافحه ورأيت بعض الفقهاء يقول روي في مصافحة من هو جالس معك في حديث
ولا أعلم صحة قوله ولا صحة الحديث قال ابن رشد المصافحة مستحبة وعن مالك كراهتها والأول هو المشهور حجة الكراهة قوله تعالى
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
وما يعم جعفرا يعمنا إذا كنا صالحين أفتأذن لي أن أحدث في مجلسك قال نعم يا أبا محمد قال حدثني عبد الله بن طاوس عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال لما قدم جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة اعتنقه صلى الله عليه وسلم وقبله بين عينيه وقال جعفر أشبه الناس بنا خلقا وخلقا يا جعفر ما أعجب ما رأيت بأرض الحبشة قال يا رسول الله رأيت وأنا أمشي في بعض أزقتها إذا سوداء على رأسها مكتل فيه بر فصدمها رجل على دابته فوقع مكتلها وانتشر برها فأقبلت تجمعه من التراب وهي تقول ويل للظالم من ديان يوم القيامة ويل للظالم من المظلوم يوم القيامة ويل للظالم إذا وضع الكرسي للفصل يوم القيامة فقال عليه السلام لا يقدس الله أمة لا تأخذ لضعيفها من قويها حقه غير متمتع ثم قال سفيان قد قدمت لأصلي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبشرك برؤيا رأيتها فقال مالك رأت عيناك خيرا إن شاء الله فقال سفيان رأيت كأن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم انشق فأقبل الناس يهرعون من كل جانب والنبي عليه السلام يرد بأحسن رد قال سفيان فأتى بك والله أعرفك في منامي كما أعرفك في يقظتي فسلمت عليه فرد عليك السلام ثم رمى في حجرك بخاتم نزعه من أصبعه فاتق الله فيما أعطاك رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى مالك بكاء شديدا قال سفيان السلام عليكم قالوا له أخارج الساعة قال نعم فودعه مالك وخرج
المسألة الثالثة تقبيل اليد والرأس ممن ترجى بركته وتقصد مودته لداع مشروع دل عليه فعله صلى الله عليه وسلم وإقراره وعمل السلف والقياس الجلي أما الفعل والإقرار وعمل السلف ففي ما خرجه البيهقي في سننه أن عائشة رضي الله عنها قالت ما رأيت أحدا أشبه كلاما وحديثا من فاطمة برسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت إذا دخلت عليه رحب بها وقام إليها فأخذ بيدها وقبلها وأجلسها في مجلسه وكان إذا دخل عليها رحبت به وقامت وأخذت بيده فقبلتها كما تقدم وقال ابن رشد سألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التسع آيات بينات الواردة في القرآن فقال لهم لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تمشوا
____________________

(4/431)


حكاية عن الملائكة لما دخلوا على إبراهيم عليه السلام فقالوا سلاما قال سلام قال مالك ولم يذكر المصافحة ولأن السلام ينتهى فيه للبركات ولا يزاد فيه قول ولا فعل حجة المشهور ما في الموطإ قال عليه السلام تصافحوا يذهب الغل وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء المسألة الثانية المعانقة كرهها مالك لأنها لم ترو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مع جعفر ولم يصحبها العمل من الصحابة بعده قال ابن رشد في كتابه البيان والتحصيل ولأن النفوس تنفر عنها لأنها لا تكون إلا لوداع من فرط ألم الشوق أو مع الأهل ودخل سفيان بن عيينة على مالك فصافحه مالك وقال له لولا أن المعانقة بدعة لعانقتك فقال سفيان عانق من هو خير مني ومنك النبي صلى الله عليه وسلم عانق جعفرا حين قدم من الحبشة قال مالك ذلك خاص بجعفر قال سفيان بل عام ما يخص جعفرا يخصنا وما يعم جعفرا يعمنا إذا كنا صالحين أفتأذن لي أن أحدث في مجلسك قال نعم يا أبا محمد قال حدثني عبد الله بن طاوس عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال لما قدم جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة اعتنقه النبي صلى الله عليه وسلم وقبله بين عينيه
وقال جعفر أشبه الناس بنا خلقا وخلقا يا جعفر ما أعجب ما رأيت بأرض الحبشة قال يا رسول الله رأيت وأنا أمشي في بعض أزقتها إذا سوداء على رأسها مكتل فيه بر فصدمها رجل على دابته فوقع مكتلها وانتشر برها فأقبلت تجمعه من التراب وهي تقول ويل للظالم من ديان يوم القيامة ويل للظالم من المظلوم يوم القيامة ويل للظالم إذا وضع الكرسي للفصل يوم القيامة فقال عليه السلام لا يقدس الله أمة لا تأخذ لضعيفها من
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
ببريء إلى السلطان ليقتله ولا تسحروا ولا تأكلوا الربا ولا تقذفوا محصنة ولا تولوا الفرار يوم الزحف وعليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا في السبت فقاموا فقبلوا يديه ورجليه وقالوا نشهد إنك نبي
قال فما يمنعكم أن تتبعوني قالوا إن داود عليه السلام دعا ربه أن لا يزال في ذريته نبي وإنا نخاف إن اتبعناك أن تقتلنا اليهود قال الترمذي حديث حسن صحيح فتقبيل اليهود ليديه ورجليه عليه السلام ولم ينكره دليل على مشروعيته وكان عبد الله بن عمر إذا قدم من سفره قبل سالما وقال شيخ يقبل شيخا قال فهذا جائز على هذا الوجه لا على وجه مكروه وقدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته فأتاه فقرع الباب فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عريانا يجر ثوبه قالت عائشة والله ما رأيته عريانا قبله ولا بعده فاعتنقه وقبله قال الترمذي حديث حسن غريب
وقبل عليه السلام جعفرا حين قدم من أرض الحبشة قال وأما في الفم الرجل للرجل فلا رخصة فيها بوجه ا ه وأما القياس الجلي فهو أنه قد ثبت بالتواتر تقبيله صلى الله عليه وسلم للحجر الأسود والمحجن الذي مس به الحجر الأسود فيد ورأس من ترجى بركته أو تقصد مودته لداع أولى بالتقبيل فمن هنا قال مالك رحمه الله تعالى إذا قدم الرجل من سفره فلا بأس أن تقبله ابنته وأخته ولا بأس أن يقبل خد ابنته وكره أن تقبله ختنته ومعتقته وإن كانت متجالة ولا بأس أن يقبل رأس أبيه ولا يقبل خد
____________________

(4/432)


قويها حقه غير متعتع ثم قال سفيان قد قدمت لأصلي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبشرك برؤيا رأيتها فقال مالك رأت عيناك خيرا إن شاء الله فقال سفيان رأيت كأن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم انشق فأقبل الناس يهرعون من كل جانب والنبي عليه السلام يرد بأحسن رد قال سفيان فإنني بك والله أعرفك في منامي كما أعرفك في يقظتي فسلمت عليه فرد عليك السلام ثم رمى في حجرك بخاتم نزعه من أصبعه فاتق الله فيما أعطاك رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى مالك بكاء شديدا قال سفيان السلام عليكم قالوا له أخارج الساعة قال نعم فودعه مالك وخرج فيؤخذ من مجموع هذه النقول أن المعانقة وردت بها السنة وأن سفيان كان يعتقد عموم مشروعيتها وأن مالكا كان يكرهها المسألة الثالثة تقبيل اليد قال مالك إذا قدم الرجل من سفره فلا بأس أن تقبله ابنته وأخته ولا بأس أن يقبل خد ابنته وكره أن تقبله ختنته ومعتقته وإن كانت متجالة ولا بأس أن يقبل رأس أبيه ولا يقبل خد أبيه أو عمه لأنه لم يكن من فعل الماضين قال ابن رشد سألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التسع آيات بينات الواردة في القرآن فقال لهم لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرمها الله إلا بالحق ولا تمشوا
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
أبيه أو عمه ولأنه لم يكن من فعل الماضي ا ه لكن قال الأصل بلغني عن بعض العلماء أنهم كانوا يتحاشون عن تقبيل أولادهم في أفواههم ويقبلونهم في أعناقهم ورءوسهم محتجين بأن الله تعالى حرم الاستمتاع بالمحارم والاستمتاع هو أن يجد لذة بالقبلة فمن كان يجد لذة بالقبلة بها امتنع ذلك في حقه
ومن كان يستوي عنده الخد والفم والرأس والعنق وجميع الجسد عنده سواء وإنما يفعل ذلك على وجه الجبر والحنان فهذا هو المباح وأما غير ذلك فلا قال وهذا كلام صحيح لا مرية فيه ولقد رأيت بعض الناس يجد اللذة من تقبيل ولده في خده أو فمه كما يجده كثير من الناس بتقبيل امرأته ويعتقد أن ذلك بر بولده وليس كذلك بل هو لقضاء أربه ولذته وينشرح لذلك ويفرح قلبه ويجد من اللذة أمرا كبيرا
ومن المنكرات أن يعمد الإنسان لأخته الجميلة أو ابنته الجميلة التي يتمنى أن يكون له زوجة مثلها في مثل خدها وثغرها فيقبل خدها أو ثغرها أو هو يعجبه ذلك ويعتقد أن الله تعالى إنما حرم عليه قبلة الأجانب وليس كذلك بل الاستمتاع بذوات المحارم أشد تحريما كما أن الزنى بهن أقبح من الزنا بالأجنبيات وما من أحد له طبع سليم ويرى جمالا فائقا لا يميل إليه طبعه وقد يزغه عقله وشرعه ورأيت الناس عندهم مسامحة كثيرة في ذلك وقول مالك رحمه الله إنه يقبل خد ابنته محمول على ما إذا كان هذا وغيره عنده سواء أما متى حصل الفرق في النفس صار استمتاعا حراما والإنسان يطالع قلبه ويحكمه في ذلك ا ه
المسألة الرابعة اختلف العلماء في رد السلام هل الانتهاء فيه إلى البركات مأمور به مطلقا وفي صورة واحدة وهي ما إذا انتهى المبتدئ بالسلام إلى البركات فقط وهذا الخلاف مبني على الخلاف في قوله تعالى وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها قال ابن عطية في تفسيره قيل إن أو للتنويع لا للتخيير وقيل للتخيير ا ه قال الأصل ومعنى التخيير أن الإنسان مخير في أن يرد أحسن أو
____________________

(4/433)


ببريء إلى السلطان ليقتله ولا تسحروا ولا تأكلوا الربا ولا تقذفوا محصنة ولا تولوا الفرار يوم الزحف وعليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا في السبت فقاموا فقبلوا يديه ورجليه وقالوا نشهد أنك نبي قال فما يمنعكم أن تتبعوني قالوا إن داود عليه السلام دعا ربه أن لا يزال في ذريته نبي وإنا نخاف إن اتبعناك أن تقتلنا اليهود قال الترمذي حديث حسن صحيح فتقبيل اليهود ليديه ورجليه عليه السلام ولم ينكره دليل على مشروعيته وكان عبد الله بن عمر إذا قدم من سفره قبل سالما وقال شيخ يقبل شيخا إن هذا جائز على هذا الوجه لا على وجه مكروه وقدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته فأتاه فقرع الباب فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عريانا يجر ثوبه قالت عائشة والله ما رأيته عريانا قبله ولا بعده فاعتنقه وقبله قال الترمذي حديث حسن غريب وقبل عليه السلام جعفرا حين قدم من أرض الحبشة
قال وأما القبلة في الفم من الرجل للرجل فلا رخصة فيها بوجه قلت بلغني عن بعض العلماء أنهم كانوا يتحاشون تقبيل أولادهم في أفواههم ويقبلونهم في أعناقهم ورءوسهم محتجين بأن الله تعالى حرم الاستمتاع بالمحارم والاستمتاع هو أن يجد لذة بالقبلة فمن كان يجد لذة بها امتنع ذلك في حقه ومن كان يستوي عنده الخد والفم والرأس والعنق وجميع الجسد عنده سواء وإنما يفعل ذلك على وجه الجبر والحنان فهذا هو المباح وأما غير ذلك فلا قلت وهذا كلام صحيح لا مرية فيه ولقد رأيت بعض الناس يجد اللذة من تقبيل ولده في خده أو فمه كما يجده كثير من الناس بتقبيل امرأته ويعتقد ذلك برا بولده وليس كذلك بل هو لقضاء أربه ولذته وينشرح لذلك ويفرح قلبه ويجد من اللذة أمرا كبيرا ومن المنكرات أن يعمد الإنسان لأخته الجميلة أو ابنته الجميلة التي يتمنى أن تكون له زوجة مثلها في مثل خدها وثغرها فيقبل خدها أو ثغرها وهو يعجبه ذلك ويعتقد أن الله تعالى إنما حرم عليه قبلة الأجانب وليس كذلك بل الاجتماع بذوات المحارم أشد تحريما كالزنا بهن أقبح من الزنا بالأجنبيات وما من أحد له طبع سليم ويرى جمالا فائقا لا يميل إليه طبعه وقد يزعه عقله وشرعه رأيت الناس عندهم مسامحة كثيرة في ذلك وقول مالك رحمه الله إنه يقبل خد ابنته محمول على ما إذا كان هذا وغيره عنده سواء أما متى حصل الفرق في النفس صار استمتاعا حراما والإنسان يطالع قلبه ويحكمه في ذلك المسألة الرابعة اختلف العلماء في قوله تعالى وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
يقتصر على لفظ المبتدئ إن كان قد وقف دون البركات وإلا لبطل التخير لتعين المساواة ومعنى التنويع تنويع الرد إلى المثل إن كان المبتدئ انتهى للبركات وإلى الأحسن إن كان المبتدئ اقتصر دون البركات ا ه والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(4/434)


منها أو ردوها قال ابن عطية في تفسيره قيل إن أو للتنويع لا للتخيير وقيل للتخيير ومعناه أن الإنسان مخير في أن يرد أحسن أو يقتصر على لفظ المبتدئ إن كان قد وقف دون البركات وإلا لبطل التخيير لتعين المساواة وقيل لا بد من الانتهاء إلى لفظ البركات مطلقا وحينئذ يتعين تنويع الرد إلى المثل إن كان المبتدئ انتهى للبركات وإلى الأحسن إن كان المبتدئ اقتصر دون البركات فهذا معنى التخيير والتنويع وينبني على هذا هل الانتهاء إلى البركات مأمور به مطلقا أو في صورة واحدة وهي إذا انتهى المبتدئ إلى البركات فقط الفرق السبعون والمائتان بين قاعدة ما يجب النهي عنه من المفاسد وما يحرم وما يندب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لتأمرن ولتنهون أو ليوشكن أن يبعث الله عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجيب لكم قال الترمذي حديث حسن فللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثلاثة شروط الشرط الأول أن يعلم ما يأمر به وينهى عنه فالجاهل بالحكم لا يحل له النهي عما يراه ولا الأمر به الشرط الثاني أن يأمن من أن يكون يؤدي إنكاره إلى منكر أكبر منه مثل أن ينهى عن شرب الخمر فيؤدي نهيه عنه إلى قتل النفس أو نحوه الشرط الثالث أن يغلب على ظنه أن إنكاره المنكر مزيل له وأن أمره بالمعروف مؤثر في تحصيله فعدم أحد الشرطين الأولين يوجب التحريم وعدم الشرط الثالث يسقط الوجوب ويبقي الجواز والندب ثم مراتب الإنكار ثلاثة أقواها أن يغيره بيده وهو واجب عينا مع القدرة فإن لم يقدر على ذلك انتقل للتغيير بالقول وهي المرتبة الثانية وليكن القول برفق لقوله عليه
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
الفرق السبعون والمائتان بين قاعدة ما يجب النهي عنه من المفاسد وما يحرم وما يندب وهو أن النهي عن المنكر والأمر بالمعروف واجب إذا اجتمعت فيه شروط ثلاث الشرط الأول أن يعلم ما يؤمر به وينهى عنه الشرط الثاني أن يأمن من أن يؤدي إنكاره إلى منكر أكبر منه بأن لا يكون إذا نهاه عن منكر فعل ما هو أعظم منه إما في غير الناهي وإما في الناهي كأن ينهاه عن الزنا فيقتله الشرط الثالث أن يغلب على ظنه أن إنكاره المنكر مزيل له وأن أمره بالمعروف مؤثر في تحصيله ومحرم إذا كان يعتقد الملابس تحريمه وإذا فقد أحد الشرطين الأولين فلا يحل للجاهل بالحكم النهي عما يراه ولا الأمر به ولا لمن لم يأمن أن يؤدي إنكاره عن المنكر إلى ما هو أعظم منه أما في غير الناهي فبالاتفاق
____________________

(4/435)


السلام من أمر مسلما بمعروف فليكن أمره كذلك قال الله عز وجل فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى وقال عز وجل ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن فإن عجز عن القول انتقل للرتبة الثالثة وهي الإنكار بالقلب وهي أضعفها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وليس وراء ذلك شيء من الإيمان ويروى وذلك أضعف الإيمان خرجه أبو داود وفي الصحيح نحوه سؤال قد نجد أعظم الناس إيمانا يعجز عن الإنكار وعجزه لا ينافي تعظيمه لله تعالى وقوة الإيمان لأن الشرع منعه أو أسقطه عنه بسبب عجزه عن الإنكار لكونه يؤدي لمفسدة أعظم أو نقول لا يلزم من العجز عن القربة نقص الإيمان فما معنى قوله عليه السلام وذلك أضعف الإيمان جوابه المراد بالإيمان ها هنا الإيمان الفعلي الوارد في قوله تعالى وما كان الله ليضيع إيمانكم أي صلاتكم لبيت المقدس والصلاة فعل وقال عليه السلام الإيمان سبع وخمسون شعبة وقيل بضع وسبعون أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق وهذه التجزئة إنما تصح في الأفعال وقد سماها إيمانا وأقوى الإيمان الفعلي إزالة اليد لاستلزامه إزالة المفسدة على الفور ثم القول لأنه قد لا تقع معه الإزالة وقد تقع والإنكار القلبي لا يورث إزالة ألبتة أو يلاحظ عدم تأثيره في الإزالة فيبقى الإيمان مطلقا وها هنا ست مسائل يكمل بها الفرق المسألة الأولى أن الوالدين يأمران بالمعروف وينهيان عن المنكر قال مالك ويخفض لهما في ذلك جناح الذل من الرحمة المسألة الثانية قال بعض العلماء لا
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
وأما في نفس الناهي فعلى الخلاف الآتي ومندوب إذا كان لا يعتقد الملابس حله ولا حرمته وهو متقارب المدارك وإذا كان الفعل مكروها لا حراما والمتروك مندوبا لا واجبا وإذا عدم الشرط الثالث بأن لم يغلب على ظنه أن إنكاره المنكر مزيل له وأن أمره بالمعروف مؤثر في تحصيله بل استوى الأمران الإزالة وعدمها والتأثير وعدمه أو غلب على ظنه عدم الإزالة وعدمها والتأثير وعدمه فحينئذ يسقط الواجب ويبقى الجواز والندب وتوضيح ذلك أن للوجوب حالة واحدة وهي ما إذا اجتمعت في النهي عن المنكر والأمر بالمعروف الشروط الثلاثة المتقدمة وأن للتحريم ثلاث حالات الحالة الأولى ما إذا اعتقد الملابس للمنكر تحريمه والحالة الثانية ما إذا فقد الشرط الأول بأن لم يعلم ما يؤمر به وينهى عنه الحالة الثالثة ما إذا فقد الشرط الثاني وتحته قسمان الأول أن يؤدي إنكاره المنكر إلى ما هو أعظم منه في غير الناهي فيتفق الناس عليه أنه يحرم النهي عن المنكر القسم الثاني أن يؤدي إنكاره المنكر إلى ما هو أعظم منه في الناهي بأن
____________________

(4/436)


يشترط في النهي عن المنكر أن يكون ملابسه عاصيا بل يشترط أن يكون ملابسا لمفسدة واجبة الدفع أو تاركا لمصلحة واجبة الحصول وله أمثلة أحدها أمر الجاهل بمعروف لا يعرف وجوبه ونهيه عن منكر لا يعرف تحريمه كنهي الأنبياء عليهم السلام أممها أول بعثتها وثانيها قتال البغاة وهم على تأويل وثالثها ضرب الصبيان على ملابسة الفواحش ورابعها قتل الصبيان والمجانين إذا صالوا على الدماء والأبضاع ولم يمكن دفعهم إلا بقتلهم وخامسها أن يوكل وكيلا بالقصاص ثم يعفو أو يخبر الوكيل فاسق بالعفو أو متهم فلا يصدقه فأراد القصاص فللفاسق الذي أخبره أن يدفعه عن القصاص ولو بالقتل دفعا لمفسدة القتل بغير حق وسادسها وكله في بيع جارية فباعها فأراد الموكل أن يطأها ظنا منه أن الوكيل لم يبعها فأخبره المشتري أنه اشتراها فلم يصدقه فللمشتري دفعه ولو بالقتل وسابعها ضرب البهائم للتعليم والرياضة دفعا لمفسدة الشماس والجماح المسألة الثالثة قال العلماء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على الفور إجماعا فمن أمكنه أن يأمر بمعروف وجب عليه كمن يرى جماعة تركوا الصلاة فيأمرهم بكلمة واحدة قوموا للصلاة المسألة الرابعة إذا رأينا من فعل شيئا مختلفا في تحريمه وتحليله وهو يعتقد تحريمه أنكرنا عليه لأنه منتهك للحرمة من جهة اعتقاده وإن اعتقد
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
ينهاه عن الزنا فيقتله فيختلف الناس فيه فمنهم من سواه بالأول نظرا لعظم المفسدة ومنهم من فرق وقال هذا لا يمنع والتغرير بالنفوس مشروع في طاعة الله تعالى لقوله تعالى وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فمدحهم بسبب أنهم قتلوا بسبب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنهم ما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا وهذا يدل على أن بذل النفوس في طاعة الله تعالى مأمور به وقتل يحيى بن زكريا صلوات الله عليهما بسبب أنه نهى عن تزويج الربيبة وقال صلى الله عليه وسلم أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ومعلوم أنه عرض نفسه للقتل بمجرد هذه الكلمة فجعله صلى الله عليه وسلم أفضل الجهاد ولم يفرق بين كلمة وكلمة كانت في الأصول أو الفرع من الكبائر أو الصغائر وقد خرج ابن الأشعث مع جمع كبير من التابعين في قتال الحجاج وعرضوا أنفسهم للقتل وقتل منهم خلائق كثيرة بسبب إزالة ظلم الحجاج وعبد الملك بن مروان وكان ذلك في الفروع لا في الأصول ولم ينكر أحد من العلماء عليهم ذلك ولم يزل أهل الجد والعزائم على ذلك من السلف الصالحين فيظهر من هذه النصوص أن المفسدة العظمى إنما تمنع إذا كانت من غير هذا القبيل أما هذا فلا وأن للندب ثلاث حالات الحالة الأولى ما إذا كان الملابس للمنكر لا يعتقد حله ولا حرمته وهو متقارب المدارك والحالة الثانية ما إذا كان الفعل مكروها لا حراما والمتروك مندوبا لا واجبا والحالة الثالثة ما إذا فقد الشرط الثالث بأن استوى الأمران الإزالة وعدمها والتأثير وعدمه أو غلب على ظنه عدم الإزالة وعدم التأثير هذا تهذيب ما في الأصل وصححه ابن الشاط قلت ويؤخذ من الحالة الأولى للتحريم والحالة الأولى للندب أن للوجوب حالة ثانية هي ما إذا كان الملابس للمنكر المتفق على إنكاره أو المختلف فيه مع ضعف مدرك التحليل جدا يعتقد حله كما لا يخفى فتأمل والله أعلم وصل
____________________

(4/437)


تحليله لم ننكر عليه لأنه ليس عاصيا ولأنه ليس أحد القولين أولى من الآخر ولكن لم تتعين المفسدة الموجبة لإباحة الإنكار إلا أن يكون مدرك القول بالتحليل ضعيفا جدا ينقض قضاء القاضي بمثله لبطلانه في الشرع كواطئ الجارية بالإباحة معتقدا لمذهب عطاء وشارب النبيذ معتقدا مذهب أبي حنيفة وإن لم يكن معتقدا تحريما ولا تحليلا والمدارك في التحريم والتحليل متقاربة أرشد للترك برفق من غير إنكار وتوبيخ لأنه من باب الورع المندوب والأمر بالمندوبات والنهي عن المنكرات هكذا شأنهما الإرشاد من غير توبيخ المسألة الخامسة المندوبات والمكروهات يدخلها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على سبيل الإرشاد للورع ولما هو أولى من غير تعنيف ولا توبيخ بل يكون ذلك من باب التعاون على البر والتقوى المسألة السادسة قولنا في شرط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما لم يؤد إلى مفسدة هي أعظم هذه المفسدة قسمان تارة تكون إذا نهاه عن منكر فعل ما هو أعظم منه في غير الناهي وتارة يفعله في الناهي بأن ينهاه عن الزنا فيقتله أعني الناهي يقتله الملابس للمنكر والقسم الأول اتفق الناس عليه أنه يحرم النهي عن المنكر والقسم الثاني اختلف الناس فيه فمنهم من سواه بالأول نظر لعظم المفسدة ومنهم من فرق وقال هذا لا يمنع والتعذير بالنفوس مشروع في طاعة الله تعالى لقوله تعالى
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
مراتب الإنكار ثلاثة دل عليها ما خرجه أبو داود من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وليس وراء ذلك شيء من الإيمان ويروى وذلك أضعف الإيمان وفي الصحيح نحوه وأقواها أن يغيره بيده وهو واجب عينا مع القدرة فإن لم يقدر على ذلك انتقل للتغيير بالقول وهي المرتبة الثانية وليكن القول برفق لقوله عليه السلام من أمر مسلما بمعروف فليكن أمره كذلك قال الله عز وجل فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى وقال عز وجل ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن فإن عجز عن القول انتقل للرتبة الثالثة وهي الإنكار بالقلب وهي أضعفها قال الأصل وعجزه عن الإنكار باليد أو بالقول وإن كان أعظم الناس إيمانا لا ينافي تعظيمه لله تعالى وقوة الإيمان لأن الشرع منعه أو أسقطه عنه بسبب عجزه عن الإنكار لكونه يؤدي لمفسدة أعظم أو نقول لا يلزم من العجز عن القربة نقص الإيمان وحينئذ يتعين أن المراد بالإيمان في قوله عليه السلام وذلك أضعف الإيمان الإيمان الفعلي الوارد في قوله تعالى وما كان الله ليضيع إيمانكم أي صلاتكم لبيت المقدس والصلاة فعل وقال عليه السلام الإيمان سبع وخمسون شعبة وقيل بضع وسبعون أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق وهذه التجزئة إنما تصح في الأفعال وقد سماها إيمانا وأقوى الإيمان الفعلي إزالة اليد لاستلزامه إزالة المفسدة على الفور ثم القول لأنه قد لا تقع معه الإزالة وقد تقع والإنكار القلبي لا يؤثر إزالة ألبتة أو يلاحظ عدم تأثيره في الإزالة فيبقى الإيمان ا ه وقال العلامة الأمير في حاشيته على عبد السلام على جوهرة التوحيد ومعنى ضعفه دلالته على غرابة الإسلام وعدم انتظامه وإلا فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها ا ه
____________________

(4/438)


وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير مدحهم بأنهم قتلوا بسبب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنهم ما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا وهذا يدل على أن بذل النفوس في طاعة الله تعالى مأمور به وقتل يحيى بن زكريا صلوات الله عليهما بسبب أنه نهى عن تزويج الربيبة وقال صلى الله عليه وسلم أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ومعلوم أنه عرض نفسه للقتل بمجرد هذه الكلمة فجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الجهاد ولم يفرق بين كلمة وكلمة كانت في الأصول أو الفروع من الكبائر أو الصغائر وقد خرج ابن الأشعث مع جمع كبير من التابعين في قتال الحجاج وعرضوا أنفسهم للقتل وقتل منهم خلائق كثيرة بسبب إزالة ظلم الحجاج وعبد الملك بن مروان وكان ذلك في الفروع لا في الأصول ولم ينكر أحد من العلماء عليهم ذلك ولم يزل أهل الجد والعزائم على ذلك من السلف الصالحين فيظهر من هذه النصوص أن المفسدة العظمى إنما تمنع إذا كانت من غير هذا القبيل أما هذا فلا فتلخص أن النهي عن المنكر والأمر بالمعروف واجب إذا اجتمعت فيه تلك الشروط المتقدمة ومحرم إذا كان يعتقد الملابس تحريمه وإذا فقد أحد الشرطين الأولين ومندوب إذا كان لا يعتقد حله ولا حرمته وهو متقارب المدارك وإذا كان
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
يريد أن الإيمان في الحديث باق على حقيقته بمعنى التصديق القلبي والمراد بضعفه ضعفه في زمن عدم القدرة على الإنكار باليد أو بالقول كما يشير إليه حديث بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ لا ضعفه بالنسبة للمنكر بقلبه لأنه أدى ما هو الواجب عليه والله سبحانه وتعالى أعلم وصل في خمس مسائل تتعلق بالنهي عن المنكر والأمر بالمعروف ويكمل بها الفرق المسألة الأولى يأمر الولد والديه بالمعروف وينهاهما عن المنكر قال مالك ويخفض لهما في ذلك جناح الذل من الرحمة
المسألة الثانية قال بعض العلماء لا يشترط في النهي عن المنكر أن يكون ملابسه عاصيا بل يشترط أن يكون ملابسا لمفسدة واجبة الدفع أو تاركا لمصلحة واجبة الحصول وله أمثلة منها أمر الجاهل بمعروف لا يعرف وجوبه ونهيه عن منكر لا يعرف تحريمه كنهي الأنبياء عليهم السلام أممها أول بعثتها ومنها قتال البغاة وهم على تأويل ومنها ضرب الصبيان على ملابسة الفواحش ومنها قتل الصبيان والمجانين إذا صالوا على الدماء والأبضاع ولم يمكن دفعهم إلا بقتلهم ومنها أن يوكل وكيلا بالقصاص ثم يعفو ويخبر فاسق أو متهم الوكيل بالعفو فلا يصدقه فللفاسق أو المتهم الذي أخبره أن يدفعه عن القصاص إذا دفعا بالقتل الواردة لمفسدة القتل بغير حق ومنها أن يوكل سيد الجارية وكيلا في بيعها فيبيعها ويخبره المشتري أنه اشتراها من الوكيل فلم يصدقه ويريد وطأها ظنا منه أن الوكيل لم يبعها فللمشتري دفعه ولو بالقتل ومنها ضرب البهائم للتعليم والرياضة دفعا لمفسدة الشماس والجماح
المسألة الثالثة قال العلماء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على الفور إجماعا فمن أمكنه أن يأمر بمعروف وجب عليه كمن يرى جماعة تركوا الصلاة فيأمرهم بكلمة واحدة قوموا للصلاة
المسألة الرابعة المختلف في تحريمه وتحليله إن رأينا من فعله معتقدا
____________________

(4/439)


الفعل مكروها لا حراما أو المتروك مندوبا لا واجبا فقد حصل المطلوب من الفرق الفرق الحادي والسبعون والمائتان بين قاعدة ما يجب تعلمه من النجوم وبين قاعدة ما لا يجب ظاهر كلام أصحابنا أن التوجه للكعبة لا يسوغ فيه التقليد مع القدرة على الاجتهاد ونصوا على أن القادر على التعلم يجب عليه التعلم ولا يجوز له التقليد ومعظم أدلة القبلة في النجوم فيجب تعلم ما تعلم به القبلة كالفرقدين والجدي وما يجري مجراها في معرفة القبلة وظاهر كلامهم أن تعلم هذا القسم فرض عين على كل أحد قال ابن رشد يتعلم من أحكام النجوم ما يستدل به على القبلة وأجزاء الليل وما مضى منه وما يهتدي به في ظلمات البر والبحر وتعرف مواضعها من الفلك وأوقات طلوعها وغروبها وهو مستحب لقوله تعالى وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قلت ومقتضى القواعد أن يكون ما يعرف به منها أوقات الصلاة فرضا على الكفاية لجواز التقليد في الأوقات قال صاحب الطراز يجوز التقليد في أوقات الصلاة إلا الزوال
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
تحريمه أنكرنا عليه لأنه منتهك للحرمة من جهة اعتقاده فإن رأيناه معتقدا تحليله لم ننكر عليه لأنه غير عاص لأن أحد القولين وإن لم يكن أولى من الآخر إلا أن المفسدة الموجبة لإباحة الإنكار لم تتعين نعم إن كان مدرك القول بالتحليل ضعيفا جدا ينقص قضاء القاضي بمثله لبطلانه في الشرع كواطئ الجارية بالإباحة معتقدا لمذهب عطاء وشارب النبيذ معتقدا لمذهب أبي حنيفة أنكرنا عليه وإن رأيناه غير معتقد تحريما ولا تحليلا والمدارك في التحريم والتحليل متقاربة أرشد للترك برفق من غير إنكار وتوبيخ لأنه من باب الورع المندوب والأمر بالمندوبات والنهي عن المنكرات هكذا أي المكروهات شأنها الإرشاد من غير توبيخ المسألة الخامسة يدخل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المندوبات والمكروهات على سبيل الإرشاد للورع ولما هو أولى من غير تعنيف ولا توبيخ بل يكون ذلك من باب التعاون على البر والتقوى أفاده الأصل وصححه ابن الشاط والله سبحانه وتعالى أعلم
الفرق الثالث والسبعون والمائتان بين قاعدة ما يجب تعلمه من النجوم وبين قاعدة ما لا يجب وهو أن تعلم النجوم إن كان لما تعرف به القبلة كالفرقدين والجدي وما يجري مجراها في معرفة القبلة فظاهر كلام أصحابنا أن تعلم هذا القسم ففرض عين على كل أحد قال الأصل لأن ظاهر كلامهم من التوجه للكعبة لا يسوغ فيه التقليد مع القدرة على الاجتهاد ونصوا على أن القادر على التعلم يجب عليه التعلم ولا يجوز له التقليد ومعظم أدلة القبلة في النجوم فيجب تعلم ما تعلم به القبلة ا ه وإن كان لما تعرف به أوقات الصلاة فمقتضى القواعد أن يكون ما يعرف به منها فرضا على الكفاية قال الأصل لجواز
____________________

(4/440)


فإنه ضروري يستغنى فيه عن التقليد فلذلك لم يكن فرضا على الأعيان ومن جهة أن معرفة الأوقات واجبة يكون ما تعرف به الأوقات فرض كفاية ويكون موطن الاستحباب هو ما يعين على الأسفار ويخرج من ظلمات البر والبحر قال ابن رشد وأما ما يقتضي إلى معرفة نقصان الشهر ووقت رؤية الهلال فمكروه لا يعتمد عليه في الشرع فهو اشتغال بغير مفيد قال وكذلك ما يعرف به الكسوفات مكروه لأنه لا يغني شيئا ويوهم العامة أنه يعلم الغيب بالحساب فيزجر عن الإخبار بذلك ويؤدب عليه قال وأما ما يخبر به المنجم من الغيب من نزول الأمطار وغيره فقيل ذلك كفر يقتل بغير استتابة لقوله عليه السلام قال الله عز وجل أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فهو مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب وقيل يستتاب فإن تاب وإلا قتل قاله أشهب وقيل يزجر عن ذلك ويؤدب وليس اختلافا في قول بل اختلاف في حال فإن قال إن الكواكب مستقلة بالتأثير قتل ولم يستتب إن كان يسره لأنه زنديق وإن أظهره فهو مرتد يستتاب وإن اعتقد أن الله تعالى هو الفاعل عندها زجر عن الاعتقاد الكاذب لأنه بدعة تسقط العدالة ولا يحل لمسلم تصديقه قال والذي ينبغي أن يعتقد فيما يصيبون فيه أن
هامش أنوار البروق
فارغه
هامش إدرار الشروق
التقليد في أوقات الصلاة قال صاحب الطراز يجوز التقليد في أوقات الصلاة إلا الزوال فإنه ضروري يستغنى فيه عن التقليد فلذلك لم يكن فرضا على الأعيان ومن جهة أن معرفة الأوقات واجبة يكون ما تعرف به الأوقات فرض كفاية ا ه وإن كان لما يعين على الأسفار ويخرج من ظلمات البر والبحر فهو موطن الاستحباب قال الأصل قال ابن رشد يتعلم من أحكام النجوم ما يهتدي به في ظلمات البر والبحر وتعرف مواضعها من الفلك وأوقات طلوعها وغروبها وهو مستحب لقوله تعالى وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر ا ه المراد وإن كان لما يعرف به نقصان الشهر ووقت رؤية الهلال والكسوفات فمكروه قال الأصل قال ابن رشد وأما ما يفضي إلى معرفة نقصان الشهر ووقت رؤية الهلال فمكروه ولا يعتمد عليه في الشرع فهو اشتغال بغير مفيد قال وكذلك ما يعرف به الكسوفات مكروه لأنه لا يغني شيئا ويوهم العامة أنه يعلم الغيب بالحساب فيزجر عن الإخبار بذلك ويؤدب عليه ا ه وإن كان لما يعرف به نزول الأمطار وغيره مما استأثر الله بعلمه من الغيب فهو إما زندقة أو ارتداد أو بدعة تسقط العدالة قال الأصل وذلك لأنه إن أداه إلى القول بأن الكواكب مستقلة بالتأثير قتل ولم يستتب إن كان يسره لأنه زنديق وإن أظهره فهو مرتد يستتاب وإن لم يؤده إلى ذلك بل اعتقد أن الله تعالى هو الفاعل عندها زجر عن الاعتقاد الكاذب لأنه بدعة تسقط العدالة ولا يحل لمسلم تصديقه قال فالاختلاف في كلام ابن رشد إذ قال وأما ما يخبر به المنجم من الغيب من نزول الأمطار وغيره فقيل ذلك كفر يقتل بغير استتابة لقول عليه السلام قال الله عز وجل أصبح من
____________________

(4/441)


ذلك على وجه الغالب نحو قوله عليه السلام إذا نشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك عين غديقة فهذا تلخيص قاعدة ما يجب ويحرم من تعلم أحكام النجوم الفرق الثاني والسبعون والمائتان بين قاعدة ما هو من الدعاء كفر وقاعدة ما ليس بكفر اعلم أن الدعاء الذي هو الطلب من الله تعالى له حكم باعتبار ذاته من حيث هو طلب من الله تعالى وهو الندب لاشتمال ذاته على خضوع العبد لربه وإظهار ذلته وافتقاره إلى مولاه فهذا ونحوه مأمور به وقد يعرض له من متعلقاته ما يوجبه أو يحرمه والتحريم قد ينتهي للكفر وقد لا ينتهي فالذي ينتهي للكفر أربعة أقسام القسم الأول أن يطلب الداعي نفي ما دل السمع القاطع من الكتاب والسنة على ثبوته
هامش أنوار البروق
قال شهاب الدين الفرق الثاني والسبعون والمائتان بين قاعدة ما هو من الدعاء كفر وقاعدة ما ليس بكفر
اعلم أن الدعاء الذي هو الطلب من الله تعالى إلى آخر القسم الأول قلت ما قاله من أن الدعاء طلب صحيح وهاهنا قاعدة وهي أن الصحيح أن طلب المستحيل ليس بمستحيل عقلا ولا ممتنع فإن منعه الشرع امتنع وإلا فلا وما قاله من أن الدعاء بترك تعذيب الكافر وذلك مما يعلم وقوعه سمعا طلب لتكذيب الله تعالى فيما أخبر به وطلب ذلك كفر ليس بصحيح من جهة أن طلب التكذيب ليس بتكذيب بل هو مستلزم لتجويز التكذيب عند من لا يجوز طلب المستحيل
هامش إدرار الشروق
عبادي مؤمن بي وكافر بي فأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب وقيل يستتاب فإن تاب وإلا قتل قاله أشهب وقيل يزجر عن ذلك ويؤدب ا ه ليس اختلافا في قول بل اختلاف في حال قال قال ابن رشد والذي ينبغي أن يعتقد فيما يصيبون فيه أن ذلك على وجه الغالب نحو قوله عليه السلام إذا نشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك عين غدقة ا ه فهذا تلخيص ما يجب وما لا يجب من تعلم أحكام النجوم هذا تهذيب كلام الأصل وصححه ابن الشاط والله أعلم
الفرق الرابع والسبعون والمائتان بين قاعدة ما هو من الدعاء كفر وقاعدة ما ليس بكفر
قال ابن الشاط وليس هو بصحيح إلا على رأي من يكفر بالمآل أي ويقول بأن لازم المذهب مذهب وإن لم يقل به الأصل وذلك أن الأصل في الدعاء الندب لأنه من حيث ذاته طلب من الله تعالى وكل ما هو طلب منه تعالى مشتمل على خضوع العبد لربه وإظهار ذلته وافتقاره إلى مولاه وكل مشتمل على ذلك مأمور به أمر ندب وقد يعرض له من متعلقاته ما يوجبه أو يحرمه والتحريم قد ينتهي للكفر وقد لا ينتهي له وما ينتهي له لم تقم حجة على أنه بعينه كفر وإنما هو من باب التفكير بالمآل عند من يقول به والأصل لا يقول به وبيان ذلك أن أقسام ما ينتهي له على القول به أربعة
____________________

(4/442)


وله أمثلة الأول أن يقول اللهم لا تعذب من كفر بك أو اغفر له وقد دلت القواطع السمعية على تعذيب كل واحد ممن مات كافرا بالله تعالى لقوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به وغير ذلك من النصوص فيكون ذلك كفرا لأنه طلب لتكذيب الله تعالى فيما أخبر به وطلب ذلك كفر فهذا الدعاء كفر
الثاني أن يقول اللهم لا تخلد فلانا الكافر في النار وقد دلت النصوص القاطعة على تخليد كل واحد من الكفار في النار فيكون الداعي طالبا لتكذيب خبر الله تعالى فيكون دعاؤه كفر
الثالث أن يسأل الداعي الله تعالى أن يريحه من البعث حتى يستريح من أهوال يوم القيامة وقد أخبر تعالى عن بعث كل أحد من الثقلين فيكون هذا الدعاء كفرا لأنه طلب لتكذيب الله تعالى في خبره
القسم الثاني أن يطلب الداعي من الله تعالى ثبوت ما دل القاطع السمعي على نفيه وله أمثلة الأول أن يقول اللهم خلد فلانا المسلم عدوي في النار ولم يرد به سوء
هامش أنوار البروق
وأما عند من يجوز طلب المستحيل فليس بمستلزم لذلك ثم إن تجويز التكذيب لا يستلزم التكذيب فإنه يجوز تكذيب زيد لعمرو ولا يلزم أن يكون مكذبا لعمرو ولا مجوزا لكذبه
هذا إن كان قصده مقتضى لفظ تكذيب وإن كان قصده الكذب ووضع لفظ تكذيب موضع لفظ كذب فليس ما قاله بصحيح أيضا من جهة أن من طلب من غيره أن يكذب لا يلزم أن يكون مكذبا له بل يلزم أن يكون مجوزا لوقوع الكذب منه إن كان ممن يجوز طلب المستحيل ثم على تقدير ذلك على رأي من لا يجوز طلب المستحيل إنما يكون تكفير من يلزم من دعائه ذلك تكفيرا بالمآل وقد حكى هو وغيره من أهل السنة الخلاف في ذلك واختار هو عدم التكفير فجزمه بتكفير الداعي بذلك ليس بصحيح إلا على رأي من يكفر بالمآل وليس ذلك مذهبه
قال القسم الثاني أن يطلب الداعي من الله تعالى ثبوت ما دل السمع القاطع على نفيه قلت
هامش إدرار الشروق
القسم الأول أن يطلب الداعي نفي ما دل السمع القاطع من الكتاب والسنة على ثبوته ومن أمثلته أن يقول اللهم لا تعذب من كفر بك أو اغفر له وقد دل قوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به وغير ذلك من النصوص السمعية القواطع على تعذيب كل واحد ممن مات كافرا ومنها أن يقول اللهم لا تخلد فلانا الكافر في النار وقد دلت النصوص القاطعة على تخليد كل واحد من الكفار في النار ومنها أن يسأل الداعي الله أن يريحه من البعث حتى يستريح من أهوال يوم القيامة وقد أخبر تعالى عن بعث كل واحد من الثقلين
والقسم الثاني أن يطلب الداعي من الله تعالى ثبوت ما دل القاطع على نفيه ومن أمثلته أن يقول اللهم خلد فلانا المسلم عدوي في النار ولم يرد به سوء الخاتمة وقد دل قوله تعالى ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ونحوه من القواطع على أن كل مؤمن لا يخلد في النار ولا بد له من الجنة ومنها أن يقول أحيني أبدا حتى أسلم من سكرات الموت وكربه وقد دل قوله تعالى كل نفس ذائقة
____________________

(4/443)


الخاتمة وقد أخبر الله تعالى إخبارا قاطعا بأن كل مؤمن لا يخلد في النار ولا بد له من الجنة لقوله تعالى ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار فيكون هذا الدعاء مستلزما لتكذيب خبر الله تعالى فيكون كفرا
الثاني أن يقول اللهم أحيني أبدا حتى أسلم من سكرات الموت وكربه وقد أخبر الله تعالى عن موته بقوله تعالى كل نفس ذائقة الموت فيكون هذا الدعاء مستلزما لتكذيب هذا الخبر فيكون كفرا
الثالث أن يقول اللهم اجعل إبليس محبا ناصحا لي ولبني آدم أبد الدهر حتى يقل الفساد وتستريح العباد والله سبحانه يقول إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا فيكون هذا الدعاء مستلزما لتكذيب هذا الخبر فيكون كفرا وألحق بهذه المثل نظائرها
القسم الثالث أن يطلب الداعي من الله تعالى نفي ما دل القاطع العقلي على ثبوته مما يخل بجلال الربوبية وله أمثلة الأول أن يسأل الله تعالى سلب علمه أو عالميته القديمة حتى يستتر العبد في قبائحه ويستريح من اطلاع ربه على فضائحه وقد دل القاطع
هامش أنوار البروق
@ 444 الكلام على هذا القسم كالكلام على القسم الأول
قال القسم الثالث أن يطلب الداعي من الله تعالى نفي ما دل القاطع العقلي على ثبوته مما يخل بجلال الربوبية وله أمثلة الأول أن يسأل الداعي من الله تعالى سلب علمه أو عالميته القديمة حتى يستتر العبد في قبائحه ويستريح من اطلاع ربه عليه إلخ
الثاني أن يسأل الله تعالى سلب قدرته القديمة يوم القيامة حتى يأمن المؤاخذة قلت ما قاله في ذلك ليس بصحيح فإن طلب نفي العلم والقدرة ليس طلبا لضدهما وهما الجهل والعجز كما قال لجواز غفلة الداعي وإضرابه عنهما وعلى تقدير عدم الغفلة والإضراب إنما يكون ذلك بالتكفير بالمآل والله تعالى أعلم قال الثالث أن يسأل الله تعالى سلب استيلائه عليه وارتفاع قضائه وقدره حتى يستقل الداعي بالتصرف في نفسه ويأمن من سوء الخاتمة من جهة القضاء وقد دل القاطع العقلي على شمول إرادة
هامش إدرار الشروق
الموت ونحوه من القواطع على أنه لا بد له من الموت ومنها أن يقول اللهم اجعل إبليس محبا ناصحا لي ولبني آدم أبد الدهر حتى يقل الفساد وتستريح العباد والله سبحانه وتعالى يقول إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا ولا يخفاك أن غاية ما في هذين القسمين طلب التكذيب وهو وإن كان طلب مستحيل إلا أن القاعدة في طلب المستحيل أنه ليس بمستحيل عقلا ولا ممتنع على الصحيح وإن كان مستلزما لتجويز التكذيب عند من لا يجوز طلب المستحيل لا عند من يجوز طلبه إلا أن تجويز التكذيب لا يستلزم التكذيب وإن كان القصد مقتضى لفظ التكذيب فإنه يجوز تكذيب زيد لعمرو ولا يلزم أن يكون مكذبا لعمرو ولا مجوزا لكذبه فإن كان القصد بلفظ التكذيب الكذب لم يلزم أيضا أن يكون مكذبا له بل يلزم أن يكون مجوزا لوقوع الكذب منه عند من يجوز طلب المستحيل لا عند من لا يجوزه وعلى تقدير ذلك عند من لا يجوزه إنما يكون تكفير من يلزم من دعائه ذلك تكفيرا بالمآل وقد حكى الأصل وغيره من أهل السنة الخلاف في ذلك واختار الأصل عدم التكفير فجزمه هنا بتكفير الداعي بما في مثل القسمين ليس بصحيح إلا على
____________________

(4/444)


العقلي على وجوب ثبوت العلم لله تعالى أزلا وأبدا فيكون هذا الداعي طالبا لقيام الجهل بذات الله تعالى وهو كفر
الثاني أن يسأل الله تعالى سلب قدرته القديمة يوم القيامة حتى يأمن من المؤاخذة وقد دل القاطع العقلي على وجوب القدرة لله تعالى أزلا أبدا لا تقبل التغيير ولا الفناء فطلب عدمها طلب لعجز الله تعالى وهو كفر
الثالث أن يسأل الله تعالى سلب استيلائه عليه وارتفاع قضائه وقدره حتى يستقل الداعي بالتصرف في نفسه ويأمن من سوء الخاتمة من جهة القضاء وقد دل القاطع العقلي على شمول إرادة الله تعالى واستيلائه على جميع الكائنات فيكون الداعي طالبا لسلب ذلك فيكون دعاؤه كفرا وألحق بهذه المثل نظائرها
القسم الرابع أن يطلب الداعي من الله تعالى ثبوت ما دل القاطع العقلي على نفيه مما يخل ثبوته بجلال الربوبية وله مثل أن يعظم شوق الداعي إلى ربه حتى يسأله أن يحل في بعض مخلوقاته حتى يجتمع به أو يعظم خوفه من الله تعالى فيسأل الله ذلك حتى يأخذ
هامش أنوار البروق
الله تعالى واستيلائه على جميع الكائنات فيكون الداعي طالبا لسلب ذلك فيكون دعاؤه كفرا وألحق بهذه المثل نظائرها قلت قد سبق أن كون أمر ما كفرا إنما هو وضع شرعي فإن ثبت أن طلب ذلك كفر فهو كذلك وإلا فلا
هذا إذا أراد أن عين الطلب هو الكفر وإن أراد أنه يستلزم الكفر وهو الجهل يكون سلب الاستيلاء مما تتعلق به القدرة أو لا تتعلق فهو من التكفير بالمآل والله تعالى أعلم
والقسم الثالث أن يطلب الداعي من الله تعالى نفي ما دل القاطع العقلي على ثبوته مما يخل بإجلال الله تعالى ومن أمثلته أن يسأل الداعي من الله تعالى سلب علمه أو عالميته القديمة حتى يستتر العبد في قبائحه ويستريح من اطلاع ربه على فضائحه وقد دل القاطع العقلي على وجوب ثبوت العلم لله تعالى أزلا وأبدا ومنها أن يسأل الله تعالى سلب استيلائه عليه وارتفاع قضائه وقدره حتى يستقل الداعي بالتصرف في نفسه ويأمن سوء الخاتمة من جهة القضاء وقد دل القاطع العقلي على شمول إرادة الله تعالى واستيلائه على جميع الكائنات
قال القسم الرابع أن يطلب الداعي من الله تعالى ثبوت ما دل القاطع العقلي على نفيه مما يخل بجلال الربوبية وله مثل الأول أن يعظم شوق الداعي إلى ربه حتى يسأله أن يحل في بعض مخلوقاته حتى يجتمع به قلت الكلام في هذا القسم كالكلام في الذي قبله وقوله هناك وهنا مما يخل بجلال الربوبية صوابه بإجلال الربوبية أما جلال الربوبية فلا يخل به شيء قال وقد وقع ذلك لجماعة من جهال الصوفية فيقولون فلان أعطي كلمة كن ويسألون أن
هامش إدرار الشروق
رأي من يكفر بالمآل ويقول إن لازم المذهب مذهب وليس ذلك مذهب الأصل
والقسم الثالث أن يطلب الداعي من الله تعالى نفي ما دل القاطع العقلي على ثبوته مما يخل بإجلال الله تعالى ومن أمثلته أن يسأل الداعي من الله تعالى سلب علمه أو عالميته القديمة حتى يستتر العبد في قبائحه ويستريح من اطلاع ربه على فضائحه وقد دل القاطع العقلي على وجوب ثبوت العلم لله تعالى أزلا وأبدا ومنها أن يسأل الله تعالى سلب استيلائه عليه وارتفاع قضائه وقدره حتى يستقل الداعي بالتصرف في نفسه ويأمن سوء الخاتمة من جهة القضاء وقد دل القاطع العقلي على شمول إرادة الله تعالى واستيلائه على جميع الكائنات
والقسم الرابع أن يطلب الداعي من الله تعالى ثبوت ما دل القاطع العقلي على نفيه مما يخل ثبوته بإجلال الربوبية ومن أمثلته أن يعظم شوق الداعي إلى ربه حتى يسأله أن يحل في بعض مخلوقاته ليجتمع به أو يعظم خوفه من الله تعالى فيسأله تعالى ذلك ليأخذ منه الأمان على نفسه فيستبدل من وحشته أنسا وقد دل القاطع العقلي على استحالة ذلك على الله تعالى ومنها أن تعظم حماقة الداعي وتجريه فيسأل الله تعالى
____________________

(4/445)


منه الأمان على نفسه فيستبدل من وحشته أنسا وقد دل القاطع العقلي على استحالة ذلك على الله فطلب ذلك كفر
الثاني أن تعظم حماقة الداعي وتجرؤه فيسأل الله تعالى أن يفوض إليه من أمور العالم ما هو مختص بالقدرة والإرادة الربانية من الإيجاد والإعدام والقضاء النافذ المحتم وقد دل القاطع العقلي على استحالة ثبوت ذلك لغير الله تعالى فيكون طلب ذلك طلبا للشركة مع الله تعالى في الملك وهو كفر وقد وقع ذلك لجماعة من جهال الصوفية فيقولون فلان أعطي كلمة كن ويسألون أن يعطوا كلمة كن التي في قوله تعالى إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون وما يعلمون معنى هذه الكلمة في كلام الله تعالى ولا يعلمون ما معنى إعطائها إن صح أنها أعطيت وهذه أغوار بعيدة الروم على العلماء المحصلين فضلا عن الصوفية المتخرصين فيهلكون من حيث لا يشعرون ويعتقدون أنهم إلى الله تعالى متقربون وهم عنه متباعدون عصمنا الله تعالى من الفتن وأسبابها والجهالات وشبهها
الثالث أن يسأل الداعي ربه أن يجعل بينه وبينه نسبا فيحصل له الشرف على الخلائق في الدنيا والآخرة وقد دل القاطع العقلي
هامش أنوار البروق
يعطوا كلمة كن التي في قوله تعالى إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون وما يعلمون معنى هذه الكلمة في كلام الله تعالى ولا يعلمون ما معنى إعطائها إن صح أنها أعطيت وهذه أغوار بعيدة الروم على العلماء المحصلين فضلا عن الصوفية المتخرصين فيهلكون من حيث لا يشعرون ويعتقدون أنهم إلى الله تعالى متقربون وهم عنه متباعدون عصمنا الله تعالى من الفتن وأسبابها والجهالات وشبهها قلت إن كان أولئك القوم يعتقدون أن الله يعطي غيره كلمة كن بمعنى أنه يعطيه الاقتدار فذلك جهل شنيع إن أرادوا أنه يعطيه الاستقلال وإلا فهو مذهب الاعتزال وكلاهما كفر بالمآل
وإن كانوا يعتقدون أن الله تعالى يعطي كن أن يكون لهذا الشخص الكائنات التي يريدها مقرونة بإرادته فعبروا عن ذلك بإعطائه كلمة كن فلا محذور في ذلك إذا اقترن بقولهم قرينة تفهم المقصود قال الثاني أن يسأل الداعي ربه أن يجعل بينه وبينه نسبا فيحصل له الشرف على
هامش إدرار الشروق
أن يفوض إليه من أمور العالم ما هو مختص بالقدرة القديمة والإرادة الربانية من الإيجاد والإعدام والقضاء النافذ المحتم بأن يسأله تعالى أن يعطيه كلمة كن التي في قوله تعالى إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ولا يعلم معنى هذه الكلمة في كلام الله تعالى وما معنى إعطائها إن صح أنها أعطيت لأحد وهذا غور بعيد الروم على العلماء المحصلين فضلا عمن يسأل ذلك من الصوفية المتخرصين وقد دل القاطع العقلي على استحالة ثبوت ذلك لغير الله تعالى
ومنها أن يسأل الداعي ربه أن يجعل بينه وبينه نسبا فيحصل له الشرف على الخلائق في الدنيا والآخرة وقد دل القاطع العقلي على استحالة النسب وأسباب الاستيلاء الموجبة للأنساب ولا يخفاك أن طلب نفي العلم والقدرة ليس طلبا لضدهما وهما الجهل والعجز كما زعم الأصل لجواز غفلة الداعي وإضرابه عنهما وعلى تقدير عدم الغفلة والإضراب إنما يكون ذلك من التكفير بالمآل وإن طلب الداعي من الله تعالى الاستيلاء على نفسه وسلب استيلائه تعالى عليه وارتفاع قضائه وقدره تعالى حتى يستقل بالتصرف في نفسه ويأمن من سوء الخاتمة من جهة القضاء إن أراد أن عينه
____________________

(4/446)


على استحالة النسب وأسباب الاستيلاد الموجبة للأنساب فيكون هذا الدعاء طلبا لصدور الاستيلاد في حق الله تعالى فيكون كفرا وألحق بهذه المثل نظائرها فهذه كلها وجوه مخلة بجلال الربوبية تقع للعباد الجهال ومن استحوذ عليه الشيطان وقد قال الشيخ أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه إن بناء الكنائس كفر إذا بناها مسلم ويكون ردة في حقه لاستلزامه إرادة الكفر وكذلك أفتى بأن المسلم إذا قتل نبيا يعتقد صحة رسالته كان كافرا لإرادته إماتة شريعته وإرادة إماتة الشرائع كفر
واعلم أن الجهل بما تؤدي إليه هذه الأدعية ليس عذرا للداعي عند الله تعالى لأن القاعدة الشرعية دلت على أن كل جهل يمكن المكلف دفعه لا يكون حجة للجاهل فإن الله تعالى بعث رسله إلى خلقه برسائله وأوجب عليهم كافة أن يعلموها ثم يعملوا بها فالعلم والعمل بها واجبان فمن ترك التعلم والعمل وبقي جاهلا فقد عصى معصيتين لتركه واجبين وإن علم ولم يعمل فقد عصى معصية واحدة بترك العمل ومن علم وعمل فقد نجا ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس كلهم هلكى إلا العالمون والعالمون كلهم هلكى إلا العاملون
هامش أنوار البروق
الخلائق في الدنيا والآخرة وقد دل القاطع العقلي على استحالة النسب وأسباب الاستيلاد الموجبة للأنساب قلت الكلام في هذا كالكلام فيما قبله قال وقد قال الشيخ أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه إن بناء الكنائس كفر إذا بناها مسلم أو يكون ردة في حقه لاستلزامه إرادة الكفر قلت معنى قول الأشعري إن بناء الكنائس كفر أي في الحكم الدنيوي وأما الأخروي فبحسب النية والله تعالى أعلم
قال وكذلك أفتى في المسلم إذا قتل نبيا يعتقد صحة رسالته كان كافرا لإرادته إماتة شريعته وإرادة إماتة الشرائع كفر قلت ما قاله الشيخ أبو الحسن في هذه المسألة ظاهر قال واعلم أن
هامش إدرار الشروق
هو الكفر فلا يسلم إلا أن يثبت أن طلب ذلك كفر لما سبق من أن كون أمر ما كفرا إنما هو وضعي شرعي وإن أراد أنه يستلزم الكفر وهو الجهل بكون سلب الاستيلاء مما تتعلق به القدرة أو لا تتعلق فهو من التكفير بالمآل وكذلك يقال في طلب الداعي حلوله تعالى في بعض مخلوقاته حتى يجتمع به أو حتى يأخذ منه الأمان على نفسه فيستبدل من وحشته أنسا إلا أنه يقال في الشق الثاني وإن أراد أنه يستلزم الكفر وهو الجهل بكون سلب الحلول في بعض مخلوقاته مما تتعلق به القدرة أو لا إلخ فافهم ولا يخفى أيضا أن من يعتقد أن الله يعطي غيره كلمة كن إن عنى بأن الله تعالى يعطي غيره كن أنه يعطيه الاقتدار بالاستقلال فذلك جهل شنيع أو بقدرة يخلقها الله فيه فهو مذهب الاعتزال وكلاهما كفر بالمآل وإن عنى بأن الله يعطي غيره كن أن يكون لهذا الشخص الكائنات التي يريدها مقرونة بإرادته معبرا عن ذلك بإعطائه كلمة كن فلا محذور في ذلك إذا اقترن قوله بقرينة تفهم المقصود
وكذلك يقال في طلب الداعي ربه أن يجعل بينه وبينه نسبا فيحصل له الشرف على الخلائق في الدنيا والآخرة فإنه إن عنى بجعل الله بينه وبينه نسبا أن يحصل له الشرف على الخلائق بالاستقلال فذلك جهل شنيع أو بقدرة يخلقها الله تعالى فيه فهو مذهب الاعتزال وكلاهما كفر بالمآل وإن عنى
____________________

(4/447)


والعاملون كلهم هلكى إلا المخلصون والمخلصون على خطر عظيم فحكم على جميع الخلائق بالهلاك إلا العلماء منهم
ثم ذكر شروطا أخر مع العلم في النجاة من الهلاك نعم الجهل الذي لا يمكن رفعه للمكلف بمقتضى العادة يكون عذرا كما لو تزوج أخته فظنها أجنبية أو شرب خمرا يظنه خلا أو أكل طعاما نجسا يظنه طاهرا مباحا فهذه الجهالات يعذر بها إذ لو اشترط اليقين في هذه الصور وشبهها لشق ذلك على المكلفين فيعذرون بذلك وأما الجهل الذي يمكن رفعه لا سيما مع طول الزمان واستمرار الأيام والذي لا يعلم اليوم يعلم في غد ولا يلزم من تأخير ما يتوقف على هذا العلم فساد فلا يكون عذرا لأحد ولذلك ألحق مالك الجاهل في العبادات بالعامد دون الناسي لأنه جهل يمكنه رفعه فسقط اعتباره وكذلك قال الله تعالى في كتابه العزيز حكاية عن نوح عليه السلام إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم أي بجواز سؤاله فاشترط العلم بالجواز قبل الإقدام على الدعاء وهو يدل على أن الأصل في الدعاء التحريم إلا ما دل الدليل على جوازه
هامش أنوار البروق
الجهل بما تؤدي إليه هذه الأدعية ليس عذرا إلى آخره قلت ما قاله في هذا الفصل كله صحيح إلا ما قاله من أن الأصل في الدعاء التحريم والاستدلال على ذلك بقوله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم ففي ذلك نظر وإلا ظهر أن الأصل في الدعاء الندب إلا ما قام الدليل على منعه
قال إذا تقرر هذا فينبغي للسائل أن يحذر هذه الأدعية وما يجري مجراها حذرا شديدا
ثم قال فهذه الأربعة الأقسام بتميزها حصل الفرق بين ما هو كفر من الدعاء وما ليس بكفر وهو المطلوب
هامش إدرار الشروق
بذلك أن يحصل له الشرف على الخلائق مقرونا بإرادته تعالى فلا محذور في ذلك إذا اقترن بقرينة تفهم المقصود فتأمل
قال وقول الشيخ أبي الحسن الأشعري رضي الله تعالى عنه إن بناء المسلم الكنائس كفر يريد في الحكم الدنيوي وأما الأخروي فبحسب النية نعم فتواه بكفر المسلم إذا قتل نبيا يعتقد صحة رسالته لإرادته إماتة شريعته وإرادة إماتة الشريعة كفر ا ه ظاهر صحتها كقول الأصل إن الجهل بما تؤدي إليه هذه الأدعية لا يعذر الداعي به عند الله تعالى لأن القاعدة الشرعية دلت على أن كل جهل يمكن المكلف رفعه لا يكون حجة للجاهل لا سيما مع طول الزمان واستمرار الأيام فإن الذي لا يعلم اليوم يعلم في غد ولا يلزم من تأخير ما يتوقف على هذا العلم فساد فلا يكون عذرا لأن الله تعالى بعث رسله إلى خلقه برسالته وأوجب عليهم كافة أن يعلموها ثم يعملوا بها فالعلم والعمل بها واجبان فمن ترك التعلم والعمل وبقي جاهلا فقد عصى معصيتين لتركه واجبين
وإن علم ولم يعمل فقد عصى معصية واحدة بترك العمل ومن علم وعمل فقد نجا ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس كلهم هلكى إلا العالمون والعالمون كلهم هلكى إلا العاملون
____________________

(4/448)


وهذه قاعدة جليلة يتخرج عليها كثير من الفروع الفقهية
وقد تقدم بسطها في الفروق إذا تقرر هذا فينبغي للسائل أن يحذر هذه الأدعية وما يجري مجراها حذرا شديدا لما تؤدي إليه من سخط الديان والخلود في النيران وحبوط الأعمال وانفساخ الأنكحة واستباحة الأرواح والأموال وهذا فساد كله يتحصل بدعاء واحد من هذه الأدعية ولا يرجع إلى الإسلام ولا ترتفع أكثر هذه المفاسد إلا بتجديد الإسلام والنطق بالشهادتين فإن مات على ذلك كان أمره كما ذكرناه نسأل الله تعالى العافية من موجبات عقابه وأصل كل فساد في الدنيا والآخرة إنما هو الجهل فاجتهد في إزالته عنك ما استطعت كما أن أصل كل خير في الدنيا والآخرة إنما هو العلم فاجتهد في تحصيله ما استطعت والله تعالى هو المعين على الخير كله فهذه الأربعة الأقسام بتميزها حصل الفرق بين ما هو كفر من الدعاء وما ليس بكفر وهو المطلوب
هامش أنوار البروق
قلت لم يحصل المطلوب بما قرر لأن كل ما ذكره من الأدعية في هذا الفرق لم يأت بحجة على أنه بعينه كفر فهو من باب التكفير بالمآل وهو لا يقول به

هامش إدرار الشروق
والعاملون كلهم هلكى إلا المخلصون والمخلصون على خطر عظيم فحكم على جميع الخلائق بالهلاك إلا العلماء منهم ثم ذكر شروطا أخر مع العلم في النجاة من الهلاك ولذلك ألحق مالك الجاهل في العبادات بالعامد دون الناسي لأنه جهل يمكنه رفعه فسقط اعتباره نعم الجهل الذي لا يمكن رفعه للمكلف بمقتضى العادة يكون عذرا كما لو تزوج أخته فظنها أجنبية أو شرب خمرا يظنه خلا أو أكل طعاما نجسا يظنه ظاهرا مباحا فهذه الجهالات يعذر بها إذ لو اشترط اليقين في هذه الصور وشبهها لشق ذلك على المكلفين فيعذرون بذلك ا ه فهذا كله صحيح وأما قوله الأصل أن الأصل في الدعاء التحريم مستدلا عليه بقوله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم ففيه نظر والأظهر أن الأصل في الدعاء الندب إلا ما قام الدليل على منعه ا ه كلام ابن الشاط بتصرف والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(4/449)


الفرق الثالث والسبعون والمائتان بين قاعدة ما هو محرم من الدعاء وليس بكفر وبين قاعدة ما ليس محرما
وقد حضرني من المحرم الذي ليس بكفر اثنا عشر قسما ثبت الحصر فيها بالاستقراء فتكون هي المحرمة وما عداها ليس محرما عملا بالاستقراء في القسمين فإن ظفر أحد بقسم آخر محرم أضافه لهذه الاثني عشر وها أنا أمثل كل قسم بمثله اللائقة به ليقاس عليها نظائرها القسم الأول أن يطلب الداعي من الله تعالى المستحيلات التي لا تخل بجلال الربوبية وله أمثلة الأول أن يطلب من الله تعالى أن يجعله في مكانين متباعدين في زمن واحد ليكون مطلعا على أحوال الإقليمين فهذا سوء أدب على الله تعالى ولا يطلب من الملوك إلا ما يعلم أنه في قدرتهم ومن فعل غير ذلك فقد عرضهم للعجز لا سيما والعبد مأمور أن لا يطلب إلا ما يتصور وقوعه لئلا يكون متهكما بالربوبية

هامش أنوار البروق
قال الفرق الثالث والسبعون والمائتان بين قاعدة ما هو محرم من الدعاء وليس بكفر وبين قاعدة ما ليس محرما وقد حضرني من المحرم الذي ليس بكفر اثنا عشر قسما ثبت الحصر فيها بالاستقراء فتكون هي المحرمة وما عداها ليس محرما عملا بالاستقراء في القسمين فإن ظفر أحد بقسم آخر أضافه لهذه الاثني عشر وها أنا أمثل كل قسم بمثله اللائقة به ليقاس عليها نظائرها القسم الأول أن يطلب الداعي من الله تعالى المستحيلات التي لا تخل بجلال الربوبية وله أمثلة الأول أن يطلب من الله تعالى
هامش إدرار الشروق
الفرق الثالث و السبعون والمائتان بين قاعدة ما هو محرم من الدعاء وليس بكفر وبين قاعدة ما ليس محرما
ادعى الأصل أن المحرم الذي ليس بكفر من الدعاء ثبت حصره باستقرائه في اثني عشر قسما فتكون هي المحرمة وما عداها ليس محرما عملا بالاستقراء في القسمين
قال فإن ظفر أحد بقسم آخر محرم أضافه لهذه الاثني عشر وساق الأقسام بمثلها ولم يسلم له الإمام ابن الشاط من الاثني عشر إلا ستة القسم الأول منها الدعاء المعلق على مشيئة الله وتعالى فلا يجوز للداعي أن يقول اللهم اغفر لي إن شئت ولا اللهم اغفر لي إلا أن تشاء ولا اللهم إلا أن تكون قد قدرت غير ذلك وما أشبه هذه النظائر لما ورد في الصحيح لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت وليعزم المسألة وسره
____________________

(4/450)


الثاني أن يسأل الله تعالى دوام إصابة كلامه من الحكم الدقيقة والعلوم الشريفة أبد الدهر ليفتخر بذلك على سائر الفضلاء وينتفع به أكثر من سائر العلماء
الثالث أن يسأل الله تعالى الاستغناء في ذاته عن الأعراض ليسلم طول عمره من الآلام والأسقام والأنكاد والمخاوف وغير ذلك من البلايا وقد دلت العقول على استحالة جميع ذلك فإذا كانت هذه الأمور مستحيلة في حقه عقلا كان طلبها من الله تعالى سوء أدب عليه لأن طلبها يعد في العادة تلاعبا وضحكا من المطلوب منه والله تعالى يجب له من الإجلال فوق ما يجب لخلقه فما نافى إجلال خلقه أولى أن ينافي جلاله من كل نقص بل قد عاب الله تعالى جميع خلقه بقوله تعالى وما قدروا الله حق قدره أي ما عظموه حق تعظيمه وقال عليه الصلاة والسلام لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك أي ثناؤك المستحق ثناؤك على نفسك أما ثناء الخلق فلا لأنه دون المستحق وقس على هذه المثل نظائرها واقض بأنها معصية ولا تصل إلى الكفر لأنها من باب قلة الأدب في المعاملة دون انتهاك حرمة ذي الجلال والعظمة القسم الثاني من المحرم الذي لا يكون كفرا أن يسأل الداعي من الله تعالى
هامش أنوار البروق
أن يجعله في مكانين متباعدين في زمن واحد ليكون مطلعا على أحوال الإقليمين فهذا سوء أدب على الله تعالى ولا يطلب من الملوك إلا ما يعلم أنه في قدرتهم ومن فعل غير ذلك فقد عرضهم للعجز لا سيما والعبد مأمور أن لا يطلب إلا ما يتصور وقوعه لئلا يكون متهكما بالربوبية
قلت ما قاله من أن الدعاء بالكون في مكانين في زمن واحد حرام لم يأت عليه بحجة غير ما أشار إليه من القياس على الملوك وهو قياس فاسد لجواز العجز عليهم وامتناعه عليه تعالى
وما قاله من أن العبد مأمور أن لا يطلب إلا ما يتصور وقوعه هو عين الدعوى وما قاله من أنه يلزم أن يكون متهكما بالربوبية ممنوع ولا وجه لما قاله إلا القياس على الملوك وما باله يقيسه تعالى عليهم في قصد التعجيز والتهكم ولا يقيسه عليهم في قصد المبالغة والغلو في التعظيم والتفخيم فقد
هامش إدرار الشروق
أن هذا الدعاء عري عن إظهار الحاجة إلى الله تعالى ومشعر بغنى العبد عن الرب هذا ما وجه به الأصل وسلمه ابن الشاط وأما توجيهه أيضا بأن هذا الحديث دل على طلب المغفرة على تقدير كونها مقدرة وإذا قدرت وهي واقعة جزما بغير دعاء وطلب تحصيل الحاصل محال لا يجوز لمناقضته لقواعد الشريعة والأدب مع الله تعالى فقال ابن الشاط هذا ليس بصحيح فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه الكريمة بالمغفرة وهي معلومة الحصول عنده صلى الله عليه وسلم وعندنا وأمرنا أن ندعو له صلى الله عليه وسلم بإتيانه الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته وذلك كله معلوم الحصول عنده صلى الله عليه وسلم وعندنا ا ه
والقسم الثاني من الستة الدعاء المعلق بشأن الله تعالى وله أمثلة منها أن يقول اللهم افعل بي ما أنت أهله في الدنيا والآخرة لأنه قد سئل من الله تعالى أن يفعل به إما الخير وإما الشر وأن يغفر له أو يؤاخذه وهذا هو معنى
____________________

(4/451)


المستحيلات العادية إلا أن يكون نبيا فإن عادة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام خرق العادة فيجوز لهم ذلك كما سألوا نزول المائدة من السماء وخروج الناقة من الصخرة الصماء أو يكون وليا له مع الله تعالى عادة بذلك فهو جار على عادته فلا يعد ذلك من الفريقين قلة أدب أو لا يكون وليا ويسأل خرق العادة ويكون معنى سؤاله أن يجعله وليا من أهل الولاية حتى يستحق خرق العادة فهذه الأقسام الثلاثة ليست حراما وأما المحرم فله أمثلة الأول أن يسأل الله تعالى الاستغناء عن التنفس في الهواء ليأمن الاختناق على نفسه وقد دلت العادة على استحالة ذلك
الثاني أن يسأل الله تعالى العافية من المرض أبد الدهر لينتفع بقواه وحواسه وأعضائه أبد الدهر وقد دلت العادة على استحالة ذلك
الثالث أن يسأل الله تعالى الولد من غير جماع أو الثمار من غير أشجار وغراس وقد دلت العادة على استحالة ذلك فطالب ذلك مسيء الأدب على الله تعالى وكذلك قول الداعي اللهم لا ترم بنا في شدة فإن عادة الله تعالى جارية قطعا بوقوع بعض الأنفس في الشدائد بل لا تكاد نفس تسلم من شدة في مدة حياتها وكذلك قول الداعي خرق الله
هامش أنوار البروق
خوطب الملوك بنسبة المستحيلات العقلية والعادية إليهم على وجه الغلو في ترفيعهم لا على قصد تعجيزهم بل لقائل أن يقول من خاطب الله تعالى بمثل ذلك تعين أن يكون للمبالغة في التعظيم كما هو الواجب في حقه أو قاصدا للتعجيز أو غير قاصد لهذا ولا لهذا فعلى التقدير الأول لا حرج بل يكون مطيعا مأجورا وعلى التقدير الثاني يكون عاصيا وعلى التقدير الثالث يكون مطيعا بصورة الدعاء مثابا عليه غير مطيع ولا عاص بالقصد لعروه عنه قال الثاني أن يسأل الله تعالى دوام إصابة كلامه من الحكم الدقيقة والعلوم الشريفة أبد الدهر ليفتخر بذلك على سائر الفضلاء وينتفع به أكثر من سائر العلماء قلت ليس هذا المثال من هذا القسم بل هو من القسم الثاني الذي هو طلب المستحيلات العادية
قال الثالث أن يسأل الله تعالى
هامش إدرار الشروق
قوله عليه الصلاة والسلام لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت ولأن الدعاء بمثل ذلك فيه إظهار الاستغناء وعدم الافتقار فيكون معصية إلا أن ينوي الداعي ما أنت أهله من الخير الجزيل ولا يقتصر في نيته على مطلق الخير فيذهب حينئذ التحريم ولم يفته نية تعظيم المسألة الذي يرشد إليه قوله صلى الله عليه وسلم إذا سألتم الله فأعظموا المسألة فإن الله لا يتعاظمه شيء وإذا سألتم الله تعالى فاسألوه الفردوس الأعلى ويقتصد في نيته على مطلق الخير فيذهب التحريم لكن يفوته نية تعظيم المسألة
قال ابن الشاط وكذا إن لم ينو شيئا أصلا وكان ممن لم يعتقد مذهب الاعتزال لأن قرينة الحال في كون الإنسان لا يريد لنفسه إلا الخير مع سلامته من اعتقاد الاعتزال تقيد مطلق دعائه فلا كفر ولا معصية خلافا لقول الأصل إن الداعي بذلك إذا لم ينو شيئا أصلا كان عاصيا ولو لم يعتقد مذهب الاعتزال من أن الله تعالى لا يفعل إلا الخير ولا يفعل الشر إلا شرير وأن العبد يخلق أفعال نفسه الاختيارية بقدرة خلقها الله فيه وهو إما كفر أو فسوق بالإجماع من أهل السنة كمذهب الحشوية من اعتقاد جسمية الله تعالى الله عن ذلك علوا
____________________

(4/452)


العادة في بقائك وهو كثير في العرف وكذلك قوله أعطنا خير الدنيا والآخرة واصرف عنا شر الدنيا والآخرة لا يجوز لأن من المحال أن يحصل هذا المدعو به لهذا الداعي فلا بد أن يقصد بهذا العموم الخصوص إذ لا بد أن يفوت هذا الداعي رتبة النبوة ومرتبة الملائكة ودرجات الأنبياء في الجنة ولا بد أن يدركه بعض الشرور ولو سكرات الموت ووحشة القبر فلا بد أن يقصد بهذا العموم الخصوص وقس على هذه نظائرها بل يجب على كل عاقل أن يفهم عوائد الله تعالى في تصرفاته في خلقه وربطه المسببات بالأسباب في الدنيا والآخرة مع إمكان صدورها عن قدرته بغير تلك الأسباب أو بغير سبب ألبتة بل رتب الله تعالى مملكته على نظام ووضعها على قانون قضاه وقدره لا يسأل عما يفعل
فإذا سأل الداعي من الله تعالى تغيير مملكته ونقض نظامه وسلوك غير عوائده في ملكه كان مسيئا الأدب عليه عز وجل بل ذلك سوء أدب على أدنى الملوك بل الولاة ولذلك عاب العلماء وغلطوا جماعة من العباد حيث توسطوا القفار من غير زاد ولججوا في البحار في زمن الهول في غير الزمن المعتاد طالبين من الله تعالى خرق عوائده لهم في هذه الأحوال فهم يعتقدون أنهم سائرون إلى الله تعالى وهم ذاهبون عنه ظانين أن هذه الحالة
هامش أنوار البروق
الاستغناء في ذاته عن الأعراض ليسلم طول عمره من الآلام والأسقام والأنكاد والمخاوف وغير ذلك من البلايا وقد دلت العقول على استحالة جميع ذلك فإذا كانت هذه الأمور مستحيلة في حقه عقلا كان طلبها من الله تعالى سوء أدب عليه لأن طلبها يعد في العادة تلاعبا وضحكا من المطلوب منه والله تعالى يجب له من الإجلال فوق ما يجب لخلقه فما نافى إجلال خلقه أولى أن ينافي جلاله من كل نقص قلت ما قاله من أن هذه الأمور مستحيلة عقلا خطأ بل هي مستحيلة عادة إلا الاستغناء عن الأعراض فهو من المستحيل عقلا خاصة عند من لا يجوز العرض لا عند من يجوزه وما قاله من أن طلب ذلك سوء أدب قد مرجوا به وما قاله من أنه يجب لله تعالى من الإجلال إلى آخره صحيح
هامش إدرار الشروق
كبيرا بناء على أن كلا من هذين المذهبين يسبق إلى طبع الإنسان البشري بحسب العادة المألوفة حتى يرتاض بالعلوم العقلية والنقلية
فمن حيث إن كل أحد إنما يريد بهذا الدعاء الخير وإنه يريد بمقتضى ما يسبق إلى طبعه البشري من شائبة الاعتزال أن ذلك هو شأن الله تعالى يثبت التحريم
قال فاحذر شائبة الاعتزال التي تسبق إلى الطباع واقصد بنيتك ما يليق بجلال ربك ولم يلفت مع ذلك إلى قرينة الحال في كونه لا يريد لنفسه إلا الخير مع سلامته من اعتقاد الاعتزال من كونها تقيد مطلق دعائه كما التفت إليها ابن الشاط فقال لا كفر ولا معصية إذا لم ينو الداعي بهذا شيئا أصلا وكان ممن لم يعتقد مذهب الاعتزال لأن قرينة حاله تقيد مطلق دعائه ومنها أن يقول اللهم افعل بي في الدنيا والآخرة ما يليق بعظمتك أو بجلالك أو بكبريائك أو بذاتك أو بربوبيتك أو نحو ذلك من كل ما يأتي من هذا الباب ومنها أن يقول اللهم هبني ما يليق بقضائك وقدرتك فإن اللائق بعظمته تعالى ونحو ذلك الفضل والعدل وهما على حد سواء ليس أحدهما أولى من الآخر بالنسبة إلى عظمته واللائق بقضائه وقدره الكثير والحقير والخير والشر
____________________

(4/453)


هي حقيقة التوكل وأن ما عداها ينافي الاعتماد على الله تعالى وهذا غلط عظيم فقد دخل سيد المتوكلين محمد رسول الله مكة محفوفا بالخيل والرجل والكراع والسلاح في كتيبته الخضراء مظاهرا بين درعين على رأسه مغفر من حديد وقال في أول أمره من يعصمني حتى أبلغ رسالة ربي وكان في آخر عمره عند أكمل أحواله مع ربه يدخر لعياله قوت سنة وهو سيد المتوكلين وتحقيق هذا الباب أن تعلم أن التوكل اعتماد القلب على الله تعالى فيما يطلبه من خير أو يكرهه من ضير لأجل أنه المستولي بقدرته وإرادته على سائر الكائنات من غير مشارك له في ذلك ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده ومع ذلك فله عوائد في ملكه رتبها بحكمته فمقتضى شمول قدرته انقطاع القلب عن غيره ومقتضى سلوك أدبه التماس فضله من عوائده
وقد انقسم الخلق في هذا المقام ثلاثة أقسام قسم عاملوا الله تعالى بمقتضى شمول قدرته للخير والشر فحصلوا على حقيقة التوكل وأعرضوا عن الأسباب ففاتهم الأدب الواجب الاتباع
وقسم لاحظوا الأسباب واستولت على قلوبهم فحجبتهم عن الله تعالى فهؤلاء فاتهم التوكل والأدب وهذا هو المهيع العام الذي هلك فيه أكثر الخلائق وقسم عاملوا
هامش أنوار البروق
غير أن في كلامه إيهام المشاركة في موجب الإجلال من جهة اقتضاء أفعل التي للمفاضلة
قال بل قد عاب الله تعالى جميع خلقه بقوله تعالى وما قدروا الله حق قدره أي ما عظموه حق تعظيمه وقال عليه الصلاة والسلام لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك أي ثناؤك المستحق ثناؤك على نفسك أما ثناء الخلق فلا لأنه دون المستحق قلت إن كان الثناء اللائق بجلاله تعالى مما يدخل تحت اكتساب البشر
ثم قصروا فيه لحقهم الذم والعيب لأجل ذلك وإن كان مما لا يدخل فلا يلحقهم ذم لا يكلف الله نفسا إلا وسعها
قال وقس على هذه المثل نظائرها واقض بأنها معصية ولا تصل إلى الكفر لأنها من باب قلة الأدب في المعاملة دون انتهاك حرمة ذي الجلال والعظمة
هامش إدرار الشروق
ومحمود العاقبة وغير محمودها فالكلام على هذين المثالين كالكلام على المثال الأول بلا فرق
والقسم الثالث من الستة الدعاء بالألفاظ العجمية التي غلب على عادة مستعمليها من العجم الضلال والفساد لقوله تعالى لنوح عليه السلام فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين وقول نوح عليه السلام إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم فإن معناه أن أسألك ما ليس لي بجواز سؤاله علم فدل ذلك على أن العلم بالجواز شرط في جواز السؤال فما لم يعلم جوازه لا يجوز سؤاله وأكد الله تعالى ذلك بقوله إني أعظك أن تكون من الجاهلين واللفظ العجمي لا سيما الصادر ممن غلب عليهم من العجم الضلال والفساد غير معلوم الجواز لجواز اشتماله على ما ينافي جلال الربوبية فلذا منع العلماء من الدعاء بالألفاظ العجمية الصادرة ممن غلب على عادتهم من العجم ذلك حتى يعلم خلوصها من الفساد ومنع مالك رحمه الله تعالى من الرقي بها
____________________

(4/454)


الله تعالى بمقتضى شمول قدرته وعوائده في مملكته فهؤلاء جامعون بين التوكل والأدب وهذا مقام الأنبياء وخواص العلماء والأولياء والأصفياء
واعلم أن قليل الأدب خير من كثير من العمل ولذلك هلك إبليس وضاع أكثر عمله بقلة أدبه فنسأل الله السلامة في الدنيا والآخرة وقال الرجل الصالح لابنه يا بني اجعل عملك ملحا وأدبك دقيقا أي ليكن استكثارك من الأدب أكثر من استكثارك من العمل لكثرة جدواه ونفاسة معناه ويدل على تحريم طلب خرق العوائد قوله تعالى ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة أي لا تركبوا الأخطار التي دلت العادة على أنها مهلكة وقوله تعالى وتزودوا فإن خير الزاد التقوى أي الواقية لكم من الحاجة إلى السؤال والسرقة فإنهم كانوا يسافرون إلى الجهاد والحج بغير زاد فربما وقع بعضهم في إحدى المفسدتين المذكورتين فأمرهم الله تعالى بالتزام العوائد وحرم عليهم تركها فإن المأمور به منهي عن ضده بل أضداده
وقد قيل لبعضهم إن كنت متوكلا على الله ومعتمدا عليه وواثقا بقضائه وقدره فألق نفسك من هذا الحائط فإنه لا يصيبك إلا ما قدر لك فقال إن الله خلق عباده
هامش أنوار البروق
قلت قد سبق أنه لم يأت بحجة على أن مثل ذلك قلة أدب فلا قياس والله أعلم
قال القسم الثاني من المحرم الذي لا يكون كفرا أن يسأل الداعي من الله تعالى المستحيلات العادية إلا أن يكون نبيا فإن عادة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام خرق العادة فيجوز لهم ذلك كما سألوا نزول المائدة من السماء وخروج الناقة من الصخرة الصماء أو يكون وليا له مع الله تعالى عادة بذلك فهو جار على عادته فلا يعد ذلك من الفريقين قلة أدب أو لا يكون وليا ويسأل خرق العادة ويكون معنى سؤاله أن يجعله وليا من أهل الولاية حتى يستحق خرق العادة فهذه الأقسام الثلاثة ليست حراما قلت إجازة دعاء من ليس بولي بخرق العادة إجازة للدعاء بخرق العادة فكل ما أنكره من ذلك فقد أجازه على الوجه الذي ذكره وإذا أجازه على ذلك الوجه فقد أجازه على الجملة فلا يصح له
هامش إدرار الشروق
وأما الصادرة ممن لم يغلب على عادتهم من العجم ذلك فيكره الدعاء والرقي بها سدا للذريعة
والقسم الرابع من الستة الدعاء على غير الظالم لأن الله سبحانه وتعالى وإن كان عالما بأحوال العباد جملة وتفصيلا وأن هذا الدعاء إضرار بغير مستحق إلا أن المدعو عليه لا يخلو إما أن يكون قد اقترف ذنوبا أو اكتسب سيئات من غير جهة الداعي وهذا هو الغالب وإما أن يكون نقيا من الذنوب وطاهرا من جميع العيوب فيجوز على الأول أن يستجيب الله تعالى هذا الدعاء ويجعله سببا للانتقام من هذا المدعو عليه بذنوبه السالفة
ويجوز على الثاني أن يستجيب الله هذا الدعاء ليجعله سببا لرفع درجات هذا العبد صبر أم لا وسببا لوقوع الصبر من الصابر فيحصل له الجزيل من الثواب فافهم ويكون الداعي على كلا الوجهين ظالما بدعائه الذي أنفذه الله تعالى في المدعو عليه لأنه سعى في إضرار غير مستحق وكل المساعي الضارة بغير استحقاق حرام فيعاقبه الله تعالى على دعائه بغير حق ونظير
____________________

(4/455)


ليجربهم ويمتحنهم لا ليجربوه ويمتحنوه إشارة إلى سلوك الأدب مع الله تعالى جعلنا الله تعالى من أهل الأدب معه ومع عباده حتى نلقاه بمنه وكرمه
القسم الثالث الذي ليس بكفر وهو محرم أن يطلب الداعي من الله تعالى نفي أمر دل السمع على نفيه وله أمثلة الأول أن يقول ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به مع أن رسول الله قد قال رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه فقد دل هذا الحديث على أن هذه الأمور مرفوعة عن العباد فيكون طلبها من الله تعالى طالبا لتحصيل الحاصل فيكون سوء أدب على الله تعالى لأنه طلب عري عن الحاجة والافتقار إليه ولو أن أحدنا سأل بعض الملوك أمرا فقضاه له ثم سأله إياه بعد ذلك عالما بقضائه له لعد هذا الطلب الثاني استهزاء بالملك وتلاعبا به ولحسن من ذلك الملك تأديبه فأولى أن يستحق التأديب إذا فعل ذلك مع الله تعالى ولو رأينا رجلا يقول اللهم افرض علينا
هامش أنوار البروق
منعه بعد ذلك
قال وأما المحرم فله أمثلة الأول أن يسأل الله تعالى الاستغناء عن التنفس في الهواء ليأمن الاختناق على نفسه وقد دلت العادة على استحالة ذلك قلت قد أجاز ذلك على وجه القصد لطلب الولاية وحكمه بأنه إساءة أدب دعوى عرية عن الحجة وتكثيره الأمثلة لا حاجة إليه
قال وكذلك قول الداعي اللهم لا ترم بنا في شدة فإن عادة الله جارية قطعا بوقوع بعض الأنفس في الشدائد بل لا تكاد نفس تسلم من شدة في مدة حياتها وكذلك قول الداعي خرق الله العادة في بقائك وهو كثير في العرف وكذلك قول اللهم أعطنا خير الدنيا والآخرة واصرف عنا شر الدنيا والآخرة لا يجوز لأن من المحال أن يحصل هذا المدعو به لهذا الداعي فلا بد أن يقصد بهذا العموم الخصوص إذ لا بد أن يفوت هذا الداعي رتبة النبوة ومرتبة الملائكة ودرجات الأنبياء في الجنة فلا بد أن يدركه بعض الشرور ولو سكرات الموت ووحشة القبر فلا بد أن يقصد بهذا العموم الخصوص وقس على هذا نظائرها
هامش إدرار الشروق
ذلك أن الله تعالى قد ينفذ في عبده المؤمن سهم العدو والكافر وسيف القاتل له ظلما كما يسلط عليه السباع والهوام وإن لم يصدر منه في حقها ما يوجب ذلك إما مؤاخذة له بذنوبه أو رفعا لدرجاته فكما أن صاحب السيف والرمح ظالم وينفذ الله سيفه ورمحه في المظلوم ويعاقبه على ظلمه كذلك صاحب الدعاء ظالم بدعائه وينفذ الله دعاءه في المظلوم ويعاقبه على ظلمه أيضا والكل عدل من الله تعالى
تنبيه أجاز مالك وجماعة من العلماء الدعاء على الظالم وادعى الأصل أن دليله قوله تعالى ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل
قال ابن الشاط وليس كذلك وإنما الآية دليل على جواز الانتصار الذي هو الانتصاف منه على درجة لا يكون فيها زيادة على قدر الظلم وبالوجه الذي أبيح الانتصاف به وجواز الانتصاف لا يستلزم جواز الدعاء عليه إلا أن يكون الدعاء بتيسير أسباب الانتصاف منه فقد يسوغ دعوى دلالة الآية عليه ضمنا لا صريحا وأما الدعاء بغير ذلك
____________________

(4/456)


الصلاة وأوجب علينا الزكاة واجعل السماء فوقنا والأرض تحتنا لبادرنا إلى الإنكار عليه لقبح ما صدر منه من التلاعب والاستهزاء في دعائه إلا أن يريد الداعي بقوله إن نسينا أي تركناه مع متعمد كقوله تعالى اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا وقوله تعالى نسوا الله فنسيهم أي تركوا طاعته فترك الله الإحسان إليهم فهذا يجوز لأنه طلب العفو عما لم يعلم العفو فيه أما النسيان الذي هو الترك مع غفلة الذي هو مشتهر في العرف لا يجوز طلب العفو فيه لأن طلب العفو فيه وعنه قد علم بالنص والإجماع وكذلك إذا أراد بقوله ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به أي من البلايا والرزايا والمكروهات جاز له لأنه لم تدل النصوص على نفي ذلك بخلاف التكاليف الشرعية فإنها مرفوعة بقوله تعالى لا يكلف الله نفسا إلا وسعها فيقتضي طلب رفع ذلك فإن أطلق العموم من غير تخصيص لا بالنية ولا بالعادة عصى لاشتمال العموم على
هامش أنوار البروق
قلت ليس كون هذه الأمور واقعة على وجه الخصوص بموجب أن لا تطلب إلا على وجه الخصوص بل يجوز أن تطلب على وجه العموم وغايته أن نقول طلب مثل ذلك طلب للممتنع عادة على معنى أن يقصد الطالب بطلبه أن يصير وليا فتخرق له العادة فقد جوز ما منع
قال بل يجب على كل عاقل أن يفهم عوائد الله تعالى في تصرفاته في خلقه وربطه المسببات بالأسباب في الدنيا والآخرة مع إمكان صدورها عن قدرته بغير تلك الأسباب أو بغير سبب ألبتة بل رتب الله تعالى مملكته على نظام دبره ووضعها على قانون قضاه وقدره لا يسأل عما يفعل فإذا سأل الداعي من الله تعالى تغيير مملكته ونقض نظامه وسلوك غير عوائده في ملكه كان مسيئا الأدب عليه بل ذلك سوء أدب على أدنى الملوك بل الولاة قلت لم يأت على دعواه بحجة وما قال إنه سوء أدب من ذلك وهو طلب خرق العادة هو
هامش إدرار الشروق
فليس فيها دلالة على جوازه لا ضمنا ولا صريحا ا ه فمن هنا قال الأصل وسلمه ابن الشاط وحيث قلنا بجواز الدعاء على الظالم فلا تدعو عليه بمؤلمة من أنكاد الدنيا لم تقتضها جنايته عليك بأن يجني عليك جناية فتدعو عليه بأعظم منها فتكون جانيا عليه بالمقدار الزائد والله تعالى يقول فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم بل تدعو عليه بمؤلمة من أنكاد الدنيا تقتضيها جنايته ولا ينبغي أن تدعو عليه بملابسة معصية من معاصي الله تعالى ولا بالكفر صريحا أو ضمنا بأن تقول اللهم ارزقه سوء الخاتمة أو غير ذلك من العبارات الدالة على طلب الكفر
وإن كان الصحيح كما قال ابن الشاط أن مريد المعصية ليس بعاص إلا إن اقترن بإرادته المعصية قول في المعصية التي هي قول أو فعل في المعصية التي هي فعل فذلك معصية وأما مجرد الإرادة فليس بمعصية على ما اقتضاه قوله صلى الله عليه وسلم إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم فإرادة الكفر داخلة تحت عموم الحديث المذكور ولا أعلم لهذا
____________________

(4/457)


ما لا يجوز فيكون ذلك حراما لأن فيه طلب تحصيل الحاصل فإن قلت فقد قال تعالى حكاية عن قوم في سياق المدح ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد ووعد الله سبحانه لا بد من وقوعه فقد طلب تحصيل الحاصل وهو عين ما نحن فيه ومدحهم الله تعالى فدل على جواز ذلك وأنت تمنعه قلت إنما جاز لهم سؤال ما وعدهم الله به لأن حصوله لهم مشروط بالوفاة على الإيمان
وهذا شرط مشكوك فيه والشك في الشرط يوجب الشك في المشروط فما طلبوا إلا مشكوكا في حصوله لا معلوم الحصول وأما ما نحن فيه فليس فيه شرط مجهول بل علم من الشريعة بالضرورة ترك المؤاخذة بالخطإ والنسيان مطلقا فإن قلت فإذا جوزت ذلك بناء على الجهالة بالشروط فيجوزه هاهنا بناء على الجهالة بالشرط فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخبر بذلك مطلقا وإنما أخبر بالرفع عن أمته وكون الداعي يموت وهو من أمته مجهول فما طلب إلا مجهولا بناء على التقرير المتقدم

هامش أنوار البروق
عين ما جوزه للداعي على قصد أن يصير وليا وبالجملة فكل ما منعه من هذه الأدعية لم يأت على منعه بحجة أصلا إلا ما أشار إليه من القياس على الملوك وهو قياس فاسد لا شك في فساده
قال ولذلك عاب العلماء وغلطوا جماعة من العباد حيث توسطوا القفار بغير زاد ولججوا في البحار في زمن الهول في غير الزمن المعتاد طالبين من الله تعالى خرق عوائده لهم في هذه الأحوال فهم يعتقدون أنهم سائرون إلى الله تعالى وهم ذاهبين عنه ظانين أن هذه الحالة هي حقيقة التوكل وأن ما عداها ينافي الاعتماد على الرب وهذا غلط عظيم فقد دخل سيد المتوكلين محمد صلى الله عليه وسلم مكة محفوفا بالخيل والرجل والكراع والسلاح في كتيبته الخضراء مظاهرا بين درعين على رأسه مغفر من حديد وقال في أول أمره من يعصمني حتى أبلغ رسالة ربي وكان في آخر عمره عند غاية كماله مع ربه مدخرا لعياله قوت سنة وهو سيد المتوكلين
هامش إدرار الشروق
الحديث الآن معارضا فلا كفر لمريد الكفر حيث لم يقع منه الكفر بقول إن كان ذلك الكفر قولا أو بفعل إن كان ذلك فعلا فأولى أن لا يكون مريد ما يلزم عنه الكفر كافرا لأنه إن كانت إرادته كفر الغير بقصد نفعه لرجحان الكفر عنده على الإيمان فهذا كفر وإن كانت إرادته كفر الغير بقصد إضراره فهي معصية غير كفر ا ه قلت وكذا إن أراد معصية الغير بقصد نفعه بالمعصية لرجحان المعصية على الطاعة عنده أو أراد معصية الغير بقصد إضراره فهي لمكان الرضا بالمعصية في الأول وإضرار الغير في الثاني فافهم
بل الأحسن للمظلوم الصبر والعفو عن الظالم لقوله تعالى ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور أي من معزومها ومطلوبها عند الله تعالى
فإن زاد في الإحسان على ذلك بأن دعا له بالإصلاح والخروج عن الظلم فقد أحسن إلى نفسه بمثوبة العفو وتحصيل مكارم الأخلاق وإلى الجاني بالتسبب إلى إصلاح صفاته وإلى الناس كافة بالتسبب إلى كفايتهم شره
____________________

(4/458)


قلت كونه من الأمة ليس شرطا في هذا الرفع ودلالة الخبر على ذلك إنما هي من جهة المفهوم ونحن نمنع كون المفهوم حجة لاختلاف العلماء فيه سلمنا أنه حجة لكنه متروك هاهنا إجماعا وتقريره أن نقول الكفار إما أن نقول إنهم مخاطبون بفروع الشريعة أو لا فإن قلنا إنهم ليسوا مخاطبين بها فالرفع حاصل لهم في جميع الفروع النسيان وغيره فبطل المفهوم واستوت الخلائق في الرفع حينئذ وإن قلنا إنهم مخاطبون بالفروع فلا يكون قد شرع في حقهم ما ليس سببا في حقنا بل كل ما هو سبب الوجوب في حقنا هو سبب الوجوب في حقهم وما هو سبب التحريم في حقنا هو سبب التحريم في حقهم وما هو سبب الترخيص والإباحة في حقنا هو كذلك في حقهم فعلى هذا التقدير لا يكون خصوص الأمة شرطا في الرفع ولم يقل أحد إن الكفار في الفروع أشد حالا من الأمة فظهر أن هذا المفهوم باطل اتفاقا فليس هناك في النسيان والخطإ شرط مجهول فيكون الشارع قد أخبر بالرفع في هذه الأمور مطلقا فيحرم الدعاء به
المثال الثاني أن يقول الداعي ربنا لا تهلك هذه الأمة المحمدية بالخسف العام
هامش أنوار البروق
قلت تغليط من غلط من العلماء جماعة العباد فيما ذكره غلط من أولئك العلماء لأنه مبني على إساءتهم الظن بأولئك العباد وإساءة الظن بعامة المسلمين ممنوعة شرعا فكيف بالعباد منهم والعباد والذين فعلوا ذلك لا يخلو أن يكونوا ممن تعود خرق العادة له ممن لم يتعود ذلك فإن كانوا من القسم الأول فلا عيب عليهم
وإن كانوا من القسم الثاني فلا يخلو أن يكونوا ممن غلب عليهم في ذلك أحوال لا يستطيعون دفعها أو ممن لم يغلب عليهم أحوال كذلك فإن كانوا من القسم الأول فلا عيب عليهم لعدم استطاعتهم دفع ذلك وإن كانوا من القسم الثاني يكونون مرتكبين لممنوع فيلحقهم العيب فما بال أولئك العلماء حكموا عليهم بأنهم من هذا الأخير دون القسم الأول والثاني أليس ذلك إساءة ظن في موطن يمكن فيه تحسينه ولم يسأ بهم الظن فيظن أنهم ظانون أن
هامش إدرار الشروق
فهذه ثلاثة أنواع من الإحسان لا ينبغي أن تفوت اللبيب لا سيما وقد روي أن الإنسان إذا دعا بمكروه على بريء أو على جان بأزيد من جنايته تقول له الملائكة ولك مثله وإن دعا بخير لأحد جانيا أو بريئا تقول له الملائكة ولك مثله
نعم ينبغي في الظالم الذي لا يردعه إلا إظهار الدعاء عليه أن يكون العفو عنه فيما بينك وبين الله تعالى وأن لا يظهر له ذلك بل أظهر ما فيه صلاحه من دعائك عليه وأما من يجود إذا جدت عليه فينبغي إظهار ذلك له
والقسم الخامس من الستة الدعاء بطلب وقوع المحرمات في الوجود إما لنفسه كأن يقول اللهم أمته كافرا أو اسقه خمرا أو أعنه على المكس الفلاني أو وطء الأجنبية الفلانية وهي مشتملة على معصية وإما لغيره عدوه كقوله اللهم لا تمت فلانا على الإسلام اللهم سلط عليه من يقتله أو يأخذ ماله أو صديقه كقوله اللهم يسر له الولاية الفلانية أو السفر الفلاني وصحبة الوزير فلان أو الملك فلان ويكون جميع ذلك مشتملا على معصية من معاصي الله تعالى
____________________

(4/459)


والريح العاصفة كما هلك من قبلنا وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسلم وغيره من الصحاح أنه سأل ربه في إعفاء أمته من ذلك فأجابه فيكون طلب ذلك معصية كما تقدم
الثالث أن يقول اللهم لا تسلط على هذه الأمة من يستأصلها وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحاح بأنه لا تزال طائفة من هذه الأمة ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى تقوم الساعة فيكون الدعاء بذلك معصية لما مر
الرابع أن يقول الداعي لمريض أو مصاب اللهم اجعل له هذه المرضة أو هذه المصيبة كفارة فقد دلت النصوص على أن المصائب كفارات لأهلها وقد تقدم بيان أن السخط لا يخل بذلك التكفير بل يجدد ذنبا آخر كمن قضى دينه ثم استدان لا يقال إنه لم تبرأ ذمته من الدين الأول وكذلك المصاب بريء من عهدة الذنب الأول وإن كان قد جدد ذنبا آخر بسخطه فيكون هذا الدعاء معصية بل يقول اللهم عظم له الكفارة فإن قلت إن الله تعالى قد أخبر عن قوم في الدار الآخرة بأنهم يقولون وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين وهؤلاء ليسوا من أصحاب النار
هامش أنوار البروق
ذلك حقيقة التوكل بل الظن بهم أنهم يعلمون حقيقة التوكل وأنه كما لا ينافي التسبب لا ينافي أيضا عدم التسبب وما ذكره من فعل النبي صلى الله عليه وسلم لا حجة له فيه على أن التوكل لا بد معه من التسبب إذ مساق كلامه يقتضي أن التوكل مع التسبب يصح ومع عدم التسبب يصح وما عدل النبي صلى الله عليه وسلم إلى التوكل إلا لأنه المعلم المقتدى به والاقتداء به ليس مختصا بالخواص والجمهور فلما تطمئن نفوسهم إلا مع التسبب والأحكام الشرعية واردة على الغالب لا على النادر
مع أنه لقائل أن يقول إن التوكل وإن صح مع التسبب وعدمه فالتوكل مع التسبب راجح في حقه للحاجة لتعليم الجمهور كما سبق ولأمنه من شائبة مراعاة الأسباب لعصمته صلى الله عليه وسلم والتوكل مع عدم التسبب راجح في حق غيره لعدم أمنه من شائبة مراعاة الأسباب لعدم عصمته والله تعالى أعلم
قال وتحقيق هذا الباب أن تعلم أن التوكل اعتماد القلب على الله تعالى فيما يطلبه من خير أو
هامش إدرار الشروق
فجميع ذلك محرم تحريم الوسائل ومنزلته من التحريم منزلة متعلقه فالدعاء بتحصيل أعظم المحرمات أقبح الدعاء ودليل أن الدعاء بالمحرم محرم ما روي من دعا لفاسق بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله تعالى ومحبة معصية الله تعالى محرمة
والقسم السادس من الستة الدعاء الموهم استئناف صفتي القدرة والإرادة كقول الداعي اللهم قدر لنا أو اقض لنا بالخير واستئناف العلم كقول الداعي اللهم اجعل سعادتنا مقدورة في علمك
قال الأصل ووجه ذلك أن الدعاء بوضعه اللغوي إنما يتناول المستقبل لأنه طلب والطلب في الماضي محال فيكون مقتضى الدعاء الأول والثاني أن يقع تقدير الله تعالى في المستقبل من الزمان والتقدير جميعه وقع في الأزل فيكون قوله في الأول اللهم قدر إلخ وكذا قوله في الثاني اللهم اقض إلخ لأن معنى اقض مساو في المعرف جميعه وقع في الأزل فيكون قوله في الأول اللهم قدر إلخ وكذا قوله في الثاني اللهم اقض إلخ لأن معنى اقض مساو في المعرف لمعنى قدر يقتضي مذهب من يرى أنه لا قضاء في الأزل وأن الأمر أنف كما خرجه مسلم عن الخوارج وهو فسق بالإجماع
قال
____________________

(4/460)


لقوله تعالى وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار وقد وردت الأحاديث أن من يدخل الجنة أو يكون في الأعراف لا يدخل النار وما علمت في هذا خلافا بين العلماء فيكون دعاؤهم بتحصيل الحاصل ولم يذكر الله تعالى ذلك في سياق الذم لهم مع أنهم سمعوا تلك النصوص في الدنيا وعلموا أن من سلم من النار في أول أمره لا يدخلها بعد ذلك قلت قال المفسرون هؤلاء أصحاب الأعراف وهم على خوف من سوء العاقبة وأهوال القيامة توجب الدهش عن المعلومات فقد قيل للرسل عليهم السلام ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا لاستيلاء الخوف من الله على قلوبهم من جهة هول المنظر كذلك هؤلاء مع أن هؤلاء ليسوا مكلفين ولا ذم إلا مع التكليف
الخامس أن يقول اللهم لا تغفر لفلان الكافر وقد دل السمع على أن الله تعالى لا يغفر أن يشرك به فهذا محرم لأنه من باب تحصيل الحاصل وقلة الأدب بخلاف اللهم اغفر له فإنه كفر لأنه من باب تكذيب السمع القاطع
القسم الرابع من المحرم الذي ليس بكفر أن يسأل الداعي من الله تعالى ثبوت أمر دل
هامش أنوار البروق
يكرهه من ضير لأجل أنه المستولي بقدرته وإرادته على سائر الكائنات من غير مشارك له في ذلك ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده قلت ما قاله في ذلك صحيح لا ريب فيه
قال ومع ذلك فله عوائد في ملكه رتبها بحكمته فمقتضى شمول قدرته انقطاع القلب عن غيره ومقتضى سلوك أدبه التماس فضله من عوائده ثم قال قسم عاملوا الله تعالى بمقتضى شمول قدرته للخير والشر فحصلوا على حقيقة التوكل وأعرضوا عن الأسباب ففاتهم الأدب الواجب الاتباع
قلت قد اعترف هنا بأن حقيقة التوكل المعاملة بمقتضى شمول القدرة والإرادة مع الإعراض عن الأسباب وهو عين ما عاب على العباد حيث قال ظانين أن هذه الحالة هي حقيقة التوكل فقوله هنا مناقض بظاهره لذلك وقد تقدم بيان أن التوكيل يصح مع التسبب ومع عدم التسبب
هامش إدرار الشروق
وكذلك يقال في الدعاء الثالث لأن الذي يتقدر في العلم هو الذي تعلقت به الإرادة القديمة فكلما يستحيل استئناف تعلق الإرادة به يستحيل استئناف تعلق العلم به فيستحيل استئناف تعلق العلم بالسعادة فيكون محرما لما مر
نعم لا يكون قوله اللهم اقدر أو اقض إلخ محرما للإيهام المذكور إلا عند الإطلاق وعدم النية أما إن أراد بالتقدير التيسير مجازا فلا حرمة ولا معصية وحينئذ يتعين أن يعتقد أن التقدير فيما ورد عن الشارع صلى الله عليه وسلم من قوله في الاستخارة واقدر لي الخير حيث كان ورضني به بمعنى التيسير مجازا ا ه وقال ابن الشاط ما خلاصته إن الدعاء بالأول والثاني وإن أوهما استئناف صفتي القدرة والإرادة لا يفتقرا إلى نية كما قال الأصل بعد أن ورد عن الشارع صلى الله عليه وسلم في قوله في الاستخارة واقدر لأن مقتضى استحالة استئناف صفتي القدرة والإرادة قرينة صارفة ومعينة للحمل على أن المراد بالدعاء الأول والثاني ما يجوز من استئناف المقدور والمراد فلا امتناع فيهما للإيهام المذكور وأما الدعاء الثالث فيمتنع لإيهامه استئناف العلم كما قال الأصل لأنه لم يرد عن الشارع استئناف
____________________

(4/461)


السمع على ثبوته وله أمثلة الأول أن يقول الداعي جعل الله موت من مات لك من أولادك حجابا من النار وقد دل الحديث الصحيح على أن من مات له اثنان من الولد كانا حجابا له من النار فيكون هذا الدعاء معصية فإن قلت قد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ندعو له بقوله اللهم آت محمدا الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد وقد ورد في الحديث الصحيح أن الوسيلة درجة في الجنة لعبد صالح وأرجو أن أكون إياه وأن المقام المحمود هو الشفاعة وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أعطيها فيلزم أحد الأمرين إما إباحة الدعاء بما هو ثابت وإما الإشكال على الإخبار على كونه عليه السلام أعطيها قلت ذكر العلماء في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم أنه أعطي هذه الأمور مرتبة على دعائنا وأعلم أن دعاءنا يحصل له ذلك فحسن أمرنا بالدعاء له لأنه سبب هذه الأمور وحسن الإخبار بحصولها لأنه أعلم بوقوع سبب حصولها والمحرم إنما هو الدعاء بحصول شيء قد علم حصوله من غير دعائنا فاندفع الإشكال
الثاني أن يقول الداعي
هامش أنوار البروق
وأن الرسل ومن في معناهم من العلماء المقتدى بهم يترجح في حقهم التوكل مع التسبب لضرورة اقتداء الجمهور بهم مع ما تختص به الرسل من العصمة وأن من عداهم ممن ليس مقتضيا للاقتداء به يترجح في حقه التوكل مع عدم التسبب لأنه أبعد من شائبة مراعاة الأسباب والله تعالى أعلم
قال واعلم أن قليل الأدب خير من كثير من العمل ولذلك هلك إبليس وضاع أكثر عمله بقلة أدبه فنسأل الله تعالى السلامة في الدنيا والآخرة
وقال الرجل الصالح لابنه اجعل عملك ملحا وأدبك دقيقا أي ليكن استكثارك من الأدب أكثر من استكثارك من العمل لكثرة جدواه ونفاسة معناه قلت مسلم أن قلة الأدب ممنوعة ولكنه يفتقر إلى دليل على أن ما ذكره من الأدعية من جملة قلة الأدب
قال ويدل على تحريم طلب خرق العوائد قوله تعالى ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة أي لا
هامش إدرار الشروق
العلم فيما علمت مثل ما ورد في استئناف القدرة والإرادة من قوله صلى الله عليه وسلم في الاستخارة واقدر فليس الإيهام هنا مثل الإيهام في الأول والثاني لعدم ورود الإيهام هنا عن الشارع صلى الله عليه وسلم فيما علمت ووروده عنه صلى الله عليه وسلم هناك
ا ه
قلت ووجه ما قاله ابن الشاط أن موهم ما يستحيل في حقه تعالى ثلاثة أقسام القسم الأول ما ورد هو نفسه في كتاب أو سنة صحيحة كالاستواء في قوله تعالى الرحمن على العرش استوى والفوقية في قوله تعالى يخافون ربهم من فوقهم والإتيان في قوله تعالى هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والمجيء في قوله تعالى وجاء ربك والوجه في قوله تعالى ويبقى وجه ربك واليد في قوله تعالى يد الله فوق أيديهم والنزول في حديث الصحيحين ينزل ربنا في كل ليلة إلى سماء الدنيا والصورة في حديثهما أيضا إن الله خلق آدم على صورته فهذا يجوز إطلاقه على الله تعالى لكن أما مع التأويل التفصيلي كما هو طريقة الخلف بأن يقال المراد بالاستواء الاستيلاء والملك كما قال
____________________

(4/462)


اللهم اجعل صوم عاشوراء يكفر لي سنة وقد جاء في الحديث الصحيح أن صوم يوم عرفة يكفر سنتين وصوم يوم عاشوراء يكفر سنة فلا يجوز طلب شيء من ذلك
الثالث أن يقول اللهم اجعل صلواتي كفارات لما بينهن وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما فيكون الدعاء بذلك معصية لما مر وألحق بهذه المثل نظائرها القسم الخامس في المحرم الذي ليس بكفر أن يطلب الداعي من الله تعالى نفي ما دل السمع الوارد بطريق الآحاد على ثبوته وقولي بطريق الآحاد احتراز من المتواتر فإن طلب نفي ذلك من قبيل الكفر كما تقدم وله أمثلة الأول أن يقول اللهم اغفر للمسلمين جميع ذنوبهم وقد دلت الأحاديث الصحيحة أنه لا بد من دخول طائفة من المسلمين النار وخروجهم منها بشفاعة وبغير شفاعة ودخولهم النار إنما هو بذنوبهم فلو غفر للمسلمين كلهم ذنوبهم كلها لم يدخل أحد النار فيكون هذا الدعاء مستلزما لتكذيب تلك الأحاديث الصحيحة فيكون معصية ولا يكون كفرا لأنها أخبار
هامش أنوار البروق
تركبوا الأخطار التي دلت العادة على أنها مهلكة وقوله تعالى وتزودوا فإن خير الزاد التقوى أي الواقية لكم من الحاجة إلى السؤال والسرقة فإنهم كانوا يسافرون إلى الجهاد والحج بغير زاد فربما وقع بعضهم في إحدى المفسدتين المذكورتين فأمرهم الله بالتزام العوائد وحرم عليهم تركها فإن المأمور به منهي عن ضده بل أضداده
وقد قيل لبعضهم إن كنت متوكلا على الله ومعتمدا عليه وواثقا بقضائه وقدره فألق نفسك من هذا الحائط فإنه لا يصيبك إلا ما قدر لك فقال إن الله تعالى خلق عباده ليجربهم ويمتحنهم لا ليجربوه ويمتحنوه إشارة إلى سلوك الأدب مع الله تعالى جعلنا الله تعالى من أهل الأدب مع ومن عباده حتى نلقاه بمنه وكرمه وقلت كل ما ذكره محتجا به نقول بموجبه ولا يلزم منه مقصوده فإن كل ما ذكره ليس فيه
هامش إدرار الشروق
قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق وبالفوقية التعالي في العظمة دون المكان وبالإتيان إتيان رسول عذابه أو رحمته وثوابه وكذا النزول وبالوجه الذات أو الوجود وباليد القدرة ويرجع ضمير على صورته إلى الأخ المصرح في الطريق الأخرى التي رواها مسلم بلفظ إذا قاتل أحدكم أخاه فليتجنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته والمراد بالصورة الصفة وأما مع التأويل الإجمالي ويفوض علم المعنى المراد من ذلك النص تفصيلا إليه تعالى كما هو طريق السلف كما قال الإمام مالك لما سئل عن قوله تعالى الرحمن على العرش استوى الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة كما في شرح عبد السلام على جوهرة التوحيد
والقسم الثاني ما ورد نظيره في كتاب أو سنة صحيحة وإلى مثاله وحكمه أشار العلامة الأمير في حاشيته على شرح الشيخ عبد السلام على جوهرة التوحيد بقوله واعلم أن من قال جسم كالأجسام فاسق ولا يعول على استظهار بعض أشياخنا كفره كيف وقد صح وجه لا كالوجوه ويد لا كالأيدي نعم لم ترد عبارة جسم فليتأمل ا ه بلفظها قلت ومن هذا القسم قول القائل إنه تعالى في مكان ليس كمكان الحوادث لأنه قد صح
____________________

(4/463)


آحاد والتكفير إنما يكون بجحد ما علم ثبوته بالضرورة أو بالتواتر فإن قلت فمن آداب الدعاء إذا قال الإنسان اللهم اغفر لي أن يقول ولجميع المسلمين وهذا خلاف ما قررته
وقد أخبر تعالى عن الملائكة صلوات الله عليهم أنهم يقولوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم أي تابوا من الكفر واتبعوا الإسلام ولفظ الذين عام في التائبين من الكفر وهم المؤمنون فيكون عاما في المؤمنين وكذلك قوله تعالى ويستغفرون لمن في الأرض عام في جميع من في الأرض وهو خلاف ما قررته قلت الجواب عن الأول أن الإنسان إذا قال اللهم اغفر لي فإن أراد المغفرة من
هامش أنوار البروق
دليل على منع طلب المستحيل وإنما فيه المنع من ارتكاب العمل على خلاف العادة والعمل على خلاف العادة مغاير لطلب خرقها فلا يلزم من المنع من أحدهما المنع من الآخر
قال القسم الثالث الذي ليس بكفر وهو محرم أن يطلب الداعي من الله تعالى نفي أمر دل السمع على نفيه وله أمثلة الأول أن يقول ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به
مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه فقد دل هذا الحديث على أن هذه الأمور مرفوعة عن العباد فيكون طلبها من الله تعالى طلبا لتحصيل الحاصل فيكون سوء أدب مع الله تعالى لأنه طلب عري عن الحاجة والافتقار إليه ولو أن أحدنا سأل بعض الملوك أمرا فقضاه له
ثم سأله إياه بعد ذلك عالما بقضائه له لعد هذا الطلب الثاني استهزاء بالملك وتلاعبا به ولحسن من ذلك الملك تأديبه فأولى أن يستحق الأدب إذا فعل ذلك مع الله تعالى قلت لم يأت بحجة على ما ادعاه غير ما عول عليه من القياس على المملوك وهو قياس لا يصح لعدم الجامع وكيف يقاس الخالق بالمخلوق والرب بالمربوب والخالق يستحيل عليه النقص والمخلوق يجوز عليه النقص ثم ما قاله من أن طلب تحصيل الحاصل عري عن الحاجة ممنوع لجواز
هامش إدرار الشروق
استواء على العرش لا كالاستواء على السرير نعم لم ترد عبارة مكان بل قال إمام الحرمين حديث لا تفضلوني على يونس يفيد أنه تعالى منزه عن المكان أزلا إذ لولا تنزهه عن الجهة لكان محمد صلى الله عليه وسلم في معراجه أقرب من يونس في نزول الحوت به لقاع البحر كما أفاده الأمير في الحاشية المذكورة
والقسم الثالث ما لم يرد هو ولا نظيره في كتاب ولا سنة صحيحة وإلى مثاله وحكمه أشار العلامة الأمير في الحاشية المذكورة أيضا بقوله وذهب بعض المتصوفة والفلاسفة إلى أنه تعالى الوجود المطلق وأن غيره لا يتصف بالوجود أصلا حتى إذا قالوا الإنسان موجود فمعناه أن له تعلقا بالوجود وهو الله تعالى وهو كفر ولا حلول ولا اتحاد فإن وقع من أكابر الأولياء ما يوهم ذلك أول بما يناسبه كما يقع منهم في وحدة الوجود كقول بعضهم ما في الجبة إلا الله أراد أن ما في الجبة والكون كله لا وجود له إلا بالله إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده وذلك اللفظ وإن كان لا يجوز شرعا لإيهامه لكن القوم تارة تغلبهم الأحوال فإن الإنسان ضعيف إلا من تمكن بإقامة المولى
____________________

(4/464)


حيث الجملة لا على وجه التعميم صح أن يشرك معه كافة المسلمين فيما طلبه لنفسه لأنه لا منافاة بين مغفرة بعض الذنوب ودخولهم النار ببعض آخر فلا ينافي أحاديث الشفاعة وإن أراد مغفرة جميع ذنوبه صح ذلك في حقه لأنه لم يتعين أن يكون من الداخلين النار الخارجين بالشفاعة وأما في حق المؤمنين فإن أراد المغفرة من حيث الجملة ولم يشركهم في جملة ما طلبه لنفسه صح أيضا إذ لا منافاة فلا رد على النبوة وإن أراد اشتراكهم معه في جملة ما طلبه لنفسه وهو مغفرة جميع الذنوب فذلك محرم فضلا عن كونه من آداب الدعاء
وعن الثاني أن طلب الملائكة المغفرة للمؤمن بقولهم فاغفر للذين تابوا وقوله تعالى ويستغفرون لمن في الأرض لا عموم في تلك الألفاظ لكونها أفعالا في سياق الثبوت فلا تعم إجماعا ولو كانت للعموم لوجب أن يعتقد أنهم أرادوا بها الخصوص وهو المغفرة من حيث الجملة للقواعد الدالة على ذلك وإن أطلق الداعي قوله اللهم اغفر لي ولجميع المسلمين من غير نية جاز لأن لفظة افعل في سياق الثبوت فلا تعم كما أطلقته الملائكة

هامش أنوار البروق
حمله على طلب مثله أو الإجابة بإعطاء العوض عنه في الدنيا أو في الآخرة ولم لا يكون الدعاء بما ذكره وما أشبه مما يمتنع ويتعذر عقلا وعادة متنوعا بحسب الداعي به
فإن كان غافلا عن تعذره فلا بأس عليه لما ثبت من رفع الحرج عن الغافل وإذا كان غير غافل فإن كان قاصدا لطلب ذلك المتعذر بعينه فلا مانع أن يعوضه الله تعالى
وإن لم يقصد للعوض كما إذا طلب غير المتعذر وكان مما علم الله تعالى أنه لا يقع جزاء له على لجئه إلى الله تعالى وابتهاله إلى عظيم كماله وجلاله وإن كان قاصدا للتلاعب والاستهزاء أو التعجيز أو ما أشبه ذلك فهاهنا يكون عاصيا بسبب قصده ذلك لا بمجرد دعائه بالمتعذر كما هو مقتضى كلام الشهاب في هذه الأبواب والله تعالى أعلم
قال ولو رأينا رجلا يقول اللهم افرض علينا الصلاة وأوجب علينا الزكاة واجعل السماء فوقنا والأرض تحتنا لبادرنا إلى الإنكار عليه لقبح ما صدر منه من التلاعب والاستهزاء في دعائه
هامش إدرار الشروق
سبحانه ورأيت في مفاتيح الكنوز أن الحلاج قال أنا وفيه بقية ما من شعوره بنفسه ثم فني بشهوده فقال الله فهما كلمتان في مقامين مختلفين لكن ممن أفتى بقتله الجنيد كما في شرح الكبرى عملا بظاهر الشريعة الذي هو أمر الباطن والظاهر وبالجملة فالمقام العظيم لا تحيط به العبارة والوجدان يختلف بحسب ما يريد الحق ورأيت وأظنه في كلام ابن وفا أن من أعظم إشارات وحدة الوجود قوله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شيء محيط وصح في الحديث كنت سمعه وبصره إلخ ومن ألطف إشاراته قول أبي مدين التلمساني الله قل وذر الوجود وما حوى إن كنت مرتادا بلوغ كمال فالكل دون الله إن حققته عدم على التفصيل والإجمال واعلم بأنك والعوالم كلها لولاه في محو وفي اضمحلال من لا وجود لذاته من ذاته فوجوده لولاه عين محال والعارفون فنوا به لم يشهدوا شيئا سوى المتكبر المتعالي
____________________

(4/465)


المثال الثاني أن يقول الداعي اللهم اكفني أمر العري يوم القيامة حتى تستتر عورتي عن الأبصار وقد ورد في الصحيح أن الخلائق يحشرون حفاة عراة غرلا فيكون هذا الدعاء مستلزما للرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في خبره فيكون معصية
الثالث أن يقول اللهم إذا قبضتني إليك وأمتني فلا تحييني إلى يوم القيامة حتى أستريح من وحشة القبر وقد ورد في الحديث الصحيح رجوع الأرواح إلى الأجساد إن الميت يسمع خفق أنعلة المنصرفين وقد قال عليه السلام في قتلى بدر ما أنتم بأسمع منهم وليس ذلك خاصا بهم إجماعا فيكون هذا الدعاء مستلزما للرد على الرسول صلى الله عليه وسلم فيكون معصية ولكونه من باب الآحاد لا يكون كفرا القسم السادس من الدعاء المحرم الذي ليس بكفر وهو أن يطلب الداعي من الله تعالى ثبوت أمر دل السمع الوارد بطريق الآحاد على نفيه وله أمثلة الأول أن يقول اللهم اجعلني أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة لأستريح من غمها ووحشتها مدة من الزمان قبل غيري وقد ورد في الصحيح قوله عليه الصلاة والسلام أنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة فيكون هذا الدعاء ردا على النبوة
هامش أنوار البروق
قلت إنما ذلك الإنكار مبني على سوء أحواله به وكون العادة جارية بسبق ذلك إلى نفس السامع لذلك الدعاء ولا يلزم من كون العادة جارية بسبق الظن السيء بذلك الداعي أن تكون حاله في دعائه ذلك موافقة لذلك الظن بل إن كانت حاله في دعائه ذلك موافقة لذلك الظن كان عاصيا وإلا فلا
قال إلا أن يريد الداعي بقوله إن نسينا أي تركناه مع التعمد كقوله تعالى اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا وقوله تعالى نسوا الله فنسيهم أي تركوا طاعته فترك الله الإحسان إليهم فهذا يجوز لأنه طلب العفو عما لم يعلم العفو فيه قلت ما قاله في هذا صحيح
قال أما النسيان الذي هو الترك مع الغفلة الذي هو مشتهر في العرف لا يجوز طلب العفو فيه لأن طلب العفو فيه وعنه قد علم بالنص والإجماع
قلت لقائل أن
هامش إدرار الشروق
ورأوا سواه على الحقيقة هالكا في الحال والماضي والاستقبال ا ه بلفظها قلت ومما هو جار على مذهب بعض المتصوفة والفلاسفة المذكور قول صاحب التحفة المرسلة وإن ذلك الوجود محيط بجميع الموجودات إحاطة الملزوم باللوازم والموصوف بالصفات لا كإحاطة الظرف بالمظروف ولا كإحاطة الكل بالجزء تعالى عن ذلك علوا كبيرا ا ه كما لا يخفى على منصف ومما هو جار أيضا على ذلك بل أقبح منه قول القائل مكانه تعالى محيط بالعالم بذاته لا بصفاته كالعلم والقدرة إذ هو ظاهر في أن ذاته تعالى التي هي مكانه محيط بالعالم إحاطة الظرف بالمظروف أو الكل بالجزء تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فتحصل أن في موهم ما يستحيل في حقه تعالى ثلاث قواعد الأولى أن كل ما ورد الإذن بإطلاقه نفسه في كتاب أو سنة صحيحة كاستئناف القدرة أو الإرادة في الدعاء الأول والثاني جاز إطلاقه عليه تعالى مع حمله على ما يليق بجلاله تعالى بقرينة استحالة معناه
والثانية أن كل ما ورد الإذن بنظيره في كتاب أو سنة صحيحة ولم يرد به نفسه كاستئناف العلم في
____________________

(4/466)


فيكون معصية
الثاني أن يقول اللهم اجعلني أول داخل الجنة وقد ورد في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول داخل الجنة فيكون هذا الدعاء مضادا لخبر النبوة فيكون معصية
الثالث أن يقول اللهم اجعل الأغنياء يدخلون الجنة قبل الفقراء لكونه من الأغنياء وقد ورد في الصحيح أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام فيكون هذا الدعاء مضادا للحديث فيكون معصية ولا يكون كفرا لأن الحديث من أخبار الآحاد القسم السابع من الدعاء المحرم الذي ليس بكفر وهو الدعاء المعلق على مشيئة الله تعالى فلا يجوز أن يقول اللهم اغفر لي إن شئت ولا اللهم اغفر لي إلا أن تشاء ولا اللهم اغفر لي إلا أن يكون قد قدرت غير ذلك وما أشبه هذه النظائر لما ورد في الصحيح لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت وليعزم المسألة وسره أن هذا الدعاء عري عن إظهار الحاجة إلى الله تعالى ويشعر بغنى العبد عن الرب وطلب تحصيل الحاصل محال فإن ما شاء الله تعالى لا بد من وقوعه وذلك كله مناقض لقواعد الشريعة والأدب مع الله تعالى وهذا الحديث يدل على أن الواقع بغير
هامش أنوار البروق
يقول النسيان العرفي الذي ذكره هنا لا يخلو أن يكون مما لا تسبب فيه أو مما له فيه تسبب فإن كان من الأول فهو مفتقر إلى دليل على أنه ممنوع طلب العفو عنه لأن ذلك قلة أدب وإن كان من الثاني فلا شك أن طلب العفو إنما هو طلب العفو عن التسبب وطلب العفو عن ذلك طلب للعفو عما لم يعلم العفو عنه والله تعالى أعلم
قال وكذلك إذا أراد بقوله ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به أيا من البلايا والرزايا والمكروهات جاز لأنه لم تدل النصوص على نفي ذلك قلت ما قاله هنا صحيح
قال بخلاف التكاليف الشرعية فإنها مرفوعة بقوله تعالى لا يكلف الله نفسا إلا وسعها فيقتضي طلب رفع ذلك فإن أطلق العموم من غير تخصيص لا بالنية ولا بالعادة عصى لاشتمال العموم على ما لا يجوز فيكون ذلك حراما لأن فيه طلب تحصيل الحاصل فإن قلت فقد قال تعالى حكاية عن قوم في
هامش إدرار الشروق
الدعاء الثالث فهو حرام وليس بكفر
والثالث أن كل ما لم يرد الإذن به ولا بنظيره في كتاب ولا سنة صحيحة كقول بعض الصوفية والفلاسفة إن الله تعالى هو الوجود المطلق ولا وجود لغيره وإنما له تعلق بالوجود وهو الله تعالى فهو كفر فهذه الأدعية التي في الأقسام الستة كلها أدعية محرمة إما كبيرة أو صغيرة إن تكررت صارت كبيرة وفسقا باتفاق الأصل وابن الشاط والستة الباقية من الاثني عشر أقسام الدعاء المحرم الذي ليس بكفر التي استقرأها الأصل لم يسلم ابن الشاط ما ادعاه الأصل في وجه تحريمها وقال والعاقل الحريص على دينه أول ما يسعى في تحصيل السلام والخلوص من المهالك وحينئذ يطلب الأرباح فهذا ما حضرني من الأدعية المنهي عنها المحرمة وما عداها ليس بمحرم عملا بالاستقراء وهذا الفرق وهذه الأقسام قل أن توجد في الكتب مع التصريح بها على هذا الوجه بل الموجود في بعضها كلمات يسيرة مشيرة إليها فتأمله وألحق ما تجده بنظيره فينضبط لك المباح من غيره انتهى
وصل في بيان وجه تحريم الأقسام الستة الباقية الذي ادعاه الأصل
____________________

(4/467)


دعاء وقد علم أن ذلك لا يجوز طلبه لأجل أن الحديث دل على طلب المغفرة على تقدير كونها مقدرة وإذا قدرت فهي واقعة جزما القسم الثامن من الدعاء المحرم الذي ليس بكفر الدعاء المعلق بشأن الله تعالى وله أمثلة
الأول أن يقول اللهم افعل بي ما أنت له أهل في الدنيا والآخرة وهذا الدعاء يعتقد جماعة من العقلاء أنه حسن وهو قبيح وبيان ذلك أن الله تعالى كما هو أهل المغفرة في الذنوب هو أهل للمؤاخذة عليها ونسبة الأمرين إلى جلاله تعالى نسبة واحدة وكذلك تعلق قدرته تعالى وقضائه بالخيور كنسبة تعلقها بالمكاره والشرور وليس أحدهما أولى بشأنه من الآخر عند أهل الحق وأن له أن يفعل الأصلح لعباده وأن لا يفعله ونسبة الأمرين إليه تعالى نسبة واحدة وكل ذلك شأن الله تعالى في ملكه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا يسأل عما يفعل وهم يسألون والخلائق كلهم دائرون بين عدله وفضله فمن هلك منهم فبعدله ومن نجا فبفضله وعدله وفضله من شأنه ونسبتهما إليه تعالى نسبة واحدة لا يزيده الإحسان جلالا وعظمة ولا ينقص العدل من جلاله وعظمته بل الأمران مستويان بالنسبة إليه وكلاهما شأنه فمن دعا بشيء
هامش أنوار البروق
سياق المدح ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد ووعد الله سبحانه لا بد من وقوعه فقد طلبوا تحصيل الحاصل وهو عين ما نحن فيه وقد مدحهم الله تعالى فدل على جواز ذلك وأنت تمنعه قال قلت إنما جاز لهم سؤال ما وعدهم الله به لأن حصوله لهم مشروط بالوفاة على الإيمان وهذا شرط مشكوك فيه والشك في الشرط يوجب الشك في المشروط فما طلبوا إلا مشكوكا في حصوله لا معلوم الحصول
وأما ما نحن فيه فليس فيه شرط مجهول بل علم من الشريعة بالضرورة ترك المؤاخذة الخطأ والنسيان مطلقا فإن قلت فإذا جوزت ذلك بناء على الجهالة بالشرط فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخبر بذلك مطلقا وإنما أخبر بالرفع عن أمته وكون الداعي يموت وهو من أمته مجهول فما طلب إلا مجهول بناء على التقرير المتقدم
قلت كونه من الأمة ليس شرطا في هذا الرفع ودلالة الخبر على
هامش إدرار الشروق
وبيان ما تعقبه به ابن الشاط القسم الأول أن يطلب الداعي من الله تعالى المستحيلات العقلية التي لا تخل بجلال الربوبية كأن يطلب من الله تعالى أن يجعله في مكانين متباعدين في زمن واحد ليكون مطلعا على أحوال الإقليمين أو يطلب منه تعالى الاستغناء في ذاته عن الأعراض ليسلم طول عمره من الآلام والأسقام والأنكاد والمخاوف وغير ذلك من البلايا فهذا أيضا من المستحيل عقلا لكن عند من لا يجوز العرو عن الأعراض لا عند من يجوزه فافهم ادعى الأصل تحريمه مطلقا نظرا لكونه سوء أدب على الله تعالى من جهة أن الملوك لا يطلب منهم إلا ما يعلم أنه في قدرتهم وإلا فقد عرضهم للعجز لا سيما والعبد مأمور أن لا يطلب إلا ما يتصور وقوعه لئلا يكون متهكما بالربوبية ا ه وتعقبه ابن الشاط بأن ما قاله من تحريم الدعاء بالكون في مكانين في زمن واحد وأن العبد مأمور أن لا يطلب إلا ما يتصور وقوعه وأنه يلزم من طلب ما لا يتصور وقوعه التهكم بالربوبية لا وجه لشيء من ذلك إلا القياس على الملوك وهو فاسد لجواز العجز عليهم وامتناعه عليه تعالى
قال وما باله يقيسه
____________________

(4/468)


من ذلك وقال اللهم افعل بي ما أنت أهله فقد سأل من الله تعالى أن يفعل به إما الخير وإما الشر وأن يغفر له أو يؤاخذه وهذا معنى قوله عليه السلام لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت ولأن الدعاء بمثل هذا فيه إظهار الاستغناء وعدم الافتقار فيكون معصية إلا أن ينوي الداعي ما أنت أهله من الخير الجزيل ولا يقتصر في نيته على مطلق الخير فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا سألتم الله فأعظموا المسألة فإن الله لا يتعاظمه شيء وإذا سألتم الله تعالى فاسألوه الفردوس الأعلى فإن عريت نفس الداعي عن نية تعظيم المسألة مع القصد إلى الخير في الجملة فقد ذهب التحريم وإن عريت عن النية بالكلية كان بهذا اللفظ عاصيا وهذا الدعاء إنما يستقيم على مذهب المعتزلة الذين يعتقدون أن الله تعالى يجب عليه رعاية المصالح وأنه أهل للخير فقط ولا ينسب إلى شأنه إلا ذلك فهذا هو شأنه عندهم ومذهب الاعتزال إما كفر أو فسوق بالإجماع من أهل السنة فلا خير في هذا الدعاء على كل تقدير وهما مذهبان ضالان يسبقان إلى الطباع البشرية ولا يزال البشر معهما حتى تروضها العلوم العقلية والنقلية وهما
هامش أنوار البروق
ذلك إنما هي من جهة المفهوم ونحن نمنع كون المفهوم حجة لاختلاف العلماء فيه سلمنا أنه حجة لكنه متروك هاهنا إجماعا وتقريره أن نقول الكفار إما أن نقول إنهم مخاطبون بفروع الشريعة أو ما هم مخاطبون بها فإن قلنا إنهم ليسوا مخاطبين بها فالرفع حاصل لهم في جميع الفروع النسيان وغيره فبطل المفهوم واستوت الخلائق في الرفع حينئذ وإن قلنا إنهم مخاطبون بها فلا يكون قد شرع في حقهم ما ليس سببا في حقنا بل كل ما هو سبب الوجوب في حقنا هو سبب الوجوب في حقهم وما هو سبب التحريم في حقنا هو سبب التحريم في حقهم وكذلك سبب الترخص والإباحة فعلى هذا التقدير لا يكون خصوص الأمة شرطا في الرفع ولم يقل أحد إن الكفار في الفروع أشد حالا من الأمة فظهر أن هذا المفهوم باطل اتفاقا فليس هناك في النسيان والخطإ شرط مجهول فيكون الشارع قد أخبر بالرفع في هذه الأمور مطلقا فيحرم الدعاء به

هامش إدرار الشروق
تعالى عليهم في قصد التعجيز والتهكم ولا يقيسه عليهم في قصد المبالغة والغلو في التعظيم والتفخيم فقد خوطب الملوك بنسبة المستحيلات العقلية والعادية إليهم على وجه الغلو في ترفيقهم لا على قصد تعجيزهم بل لقائل أن يقول من خاطب الله تعالى بمثل ذلك تعين إما أن يكون قاصدا للمبالغة في التعظيم كما هو الواجب في حقه فيكون مطيعا مأجورا لا حرج عليه وإما أن يكون قاصدا للتعجيز فيكون عاصيا وإما أن يكون غير قاصد لهذا ولا لهذا فيكون مطيعا بصورة الدعاء مثابا عليه غير مطيع ولا عاص بالقصد لعروه عنه ا ه
والقسم الثاني أن يسأل الداعي من الله تعالى المستحيلات العادية وله أمثلة منها كما قال أن يسأل الله تعالى الاستغناء عن التنفس في الهواء ليأمن الاختناق على نفسه وأن يسأل الله العافية من المرض أبد الدهر لينتفع بقواه وحواسه وأعضائه أبد الدهر أو أن يسأل الله تعالى الولد من غير
____________________

(4/469)


الحشوية والاعتزال فلا يزال الإنسان يعتقد الجسمية بناء على العادة المألوفة ويعتقد أنه يخلق أفعاله وأن الله تعالى لا يفعل إلا الخير ولا يفعل الشر إلا شرير ولا يزال البشر كذلك حتى يرتاض بالعلم ولا شك أن كل أحد إنما يريد بهذا الدعاء الخير ولكن بناء على أن ذلك هو شأن الله تعالى وأنه أهله ليس إلا فهي شائبة اعتزال تسبق إلى الطباع فاحذرها واقصد بنيتك ما يليق بجلال ربك
المثال الثاني أن يقول اللهم افعل بي في الدنيا والآخرة ما يليق بعظمتك واللائق بعظمته وجلاله وكبريائه وذاته وربوبيته وكل ما يأتي من هذا الباب واحدة وهو الفضل والعدل وهما على حد سواء ليس أحدهما أولى من الآخر بالنسبة إلى عظمته فيكون جميع ذلك محرما لما مر
الثالث أن يقول اللهم هبني ما يليق بقضائك وقدرك واللائق
هامش أنوار البروق
قلت ليس ما قاله شهاب الدين في هذا الجواب وأطال فيه بصحيح لأن مساق الحديث مشعر بالمدح لهذه الأمة فيتعين لذلك اختصاصها بذلك الرفع ويلزم القول بهذا المفهوم لقرينة المدح ويكون هنا في هذا المقام شرط مجهول كما قاله السائل ويبطل جوابه والله تعالى أعلم المثال الثاني أن يقول الداعي ربنا لا تهلك هذه الأمة المحمدية بالخسف العام والريح العاصفة كما هلك من قبلنا وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسلم وغيره من الصحاح أنه سأل ربه في إعفاء أمته من ذلك فأجابه فيكون طلب ذلك معصية كما تقدم
قلت قد تقدم أنه لم يأت على طلب تحصيل الحاصل بحجة في أنه معصية وكذلك جوابه فيما قال في المثال الثالث قال الرابع أن يقول الداعي لمريض أو مصاب اللهم اجعل له هذه المرضة أو هذه المصيبة كفارة فقد دلت النصوص على أن المصائب كفارة لأهلها وقد تقدم بيان أن السخط لا يخل بذلك التكفير بل يجدد ذنبا آخر كمن قضى دينه ثم استدان لا يقال إنه لم تبرأ ذمته من الدين الأول وكذلك المصاب بريء من عهدة الذنب الأول
وإن كان قد جدد ذنبا آخر بسخطه فيكون هذا الدعاء معصية بل يقول اللهم عظم له الكفارة فإن قلت إن الله تعالى قد أخبر عن قوم في الدار
هامش إدرار الشروق
جماع أو الثمار من غير أشجار وغراس أو يقول اللهم لا ترم بنا في شدة أو أعطنا خير الدنيا والآخرة واصرف عنا شر الدنيا والآخرة على عمومه إذ لا بد أن يفوته رتبة النبوة ومرتبة الملائكة ودرجات الأنبياء في الجنة ولا بد أن يدركه بعض الشرور ولو سكرات الموت ووحشة القبر ومنها كمال قال ابن الشاط أن يسأل الله دوام إصابة كلامه من الحكم الدقيقة والعلوم الشريفة أبد الدهر ليفتخر بذلك على سائر الفضلاء وينتفع به في تصرفاته أكثر من سائر العلماء
قال الأصل وقس على هذه نظائرها بل يجب على كل عاقل أن يفهم عوائد الله تعالى في خلقه وربطه المسببات بالأسباب في الدنيا والآخرة مع إمكان صدورها عن قدرته بغير تلك الأسباب أو بغير سبب ألبتة بل رتب الله تعالى مملكته على نظام دبره ووضعها على قانون قضاه وقدره لا يسأل عما يفعل وإذا سأل الداعي من الله تعالى تغيير مملكته ونقض نظامه وسلوك غير عوائده في ملكه كان مسيئا الأدب عليه عز وجل بل ذلك سوء أدب على أدنى الملوك بل الولاة
قال والله تعالى يجب له من الإجلال
____________________

(4/470)


بقضائه وقدره الكثير والحقير والخير والشر ومحمود العاقبة وغير محمودها فيكون ذلك حراما لما تقدم القسم التاسع من الدعاء المحرم الذي ليس بكفر الدعاء المرتب على استئناف المشيئة وله أمثلة الأول أن يقول اللهم قدر لي الخير والدعاء بوضعه اللغوي إنما يتناول المستقبل لأنه طلب والطلب في الماضي محال فيكون مقتضى هذا الدعاء أن يقع تقدير الله تعالى في المستقبل من الزمان والله تعالى يستحيل عليه استئناف التقدير بل وقع جميعه في الأزل فيكون هذا الدعاء يقتضي مذهب من يرى أنه لا قضاء وأن الأمر أنف كما خرجه مسلم عن الخوارج وهو فسق بالإجماع
الثاني أن يقول اللهم اقض لنا بالخير وقدر واقض معناهما واحد في العرف فيحرم لما مر فإن قلت قد ورد الدعاء بلفظ القدر في حديث الاستخارة فقال واقدر لي الخير حيث كان ورضني به
هامش أنوار البروق
الآخرة بأنهم يقولون وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين وهؤلاء ليسوا من أصحاب النار لقوله تعالى وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار وقد وردت الأحاديث أن من يدخل الجنة أو يكون في الأعراف لا يدخل النار وما علمت في هذا خلافا بين العلماء فيكون دعاؤهم بتحصيل الحاصل ولم يذكر الله تعالى ذلك في سياق الذم لهم مع أنهم سمعوا تلك النصوص في الدنيا وعلموا أن من سلم من النار في أول أمره لا يدخلها بعد ذلك قلت قال المفسرون هؤلاء أصحاب الأعراف وهم على خوف من سوء العاقبة وأهوال القيامة توجب الدهش عن المعلومات فقد قيل للرسل عليهم السلام ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا لاستيلاء الخوف من الله تعالى على قلوبهم من جهة هول المنظر كذلك هؤلاء مع أن هؤلاء ليسوا مكلفين ولا ذم إلا مع التكليف قلت على تسليم جوابه للسائل يبقى هو مطالبا بدليل المنع من مثل ذلك الدعاء ولم يأت بدليل
هامش إدرار الشروق
فوق ما يجب لخلقه فما نافى إجلال خلفه أولى أن ينافي في جلاله من كل نقص بل قد عاب الله تعالى جميع خلقه بقوله تعالى وما قدروا الله حق قدره أي ما عظموه حق تعظيمه وقال عليه الصلاة والسلام لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك أي ثناؤك المستحق ثناؤك على نفسك أما ثناء الخلق فلا لأنه دون المستحق قال ولذلك عاب العلماء وغلطوا جماعة من العباد حيث توسطوا القفار من غير زاد ولججوا في البحار في زمن الهول أو في غير الزمن المعتاد طالبين من الله تعالى خرق عوائده لهم في هذه الأحوال فهم يعتقدون أنهم سائرون إلى الله وهم ذاهبون عنه ظانين أن هذه الحالة هي حقيقة التوكل وأن ما عداها ينافي الاعتماد على الله تعالى وهذا غلط عظيم فقد دخل سيد المتوكلين محمد رسول الله مكة مخفوقا بالخيل والرجل والكراع والسلاح في كتيبته الخضراء مظاهرا بين درعين وعلى رأسه مغفر من حديد وقال أول أمره من يعصمني حتى أبلغ رسالة ربي وكان في آخر عمره عند أكمل أحواله مع ربه يدخر لعياله قوت سنة وهو سيد
____________________

(4/471)


قلت يتعين أن يعتقد أن التقدير هاهنا أريد به التيسير على سبيل المجاز وأنت أيضا إذا أردت هذا المجاز جاز وإنما يحرم الإطلاق عند عدم النية
الثالث أن يقول اللهم اجعل سعادتنا مقدرة في علمك والذي يتقدر في العلم هو الذي تعلقت به الإرادة القديمة فكما يستحيل استئناف تعلق الإرادة به يستحيل استئناف تعلق العلم به فيستحيل استئناف تعلق العلم بالسعادة فيكون محرما لما مر القسم العاشر من الدعاء المحرم الذي ليس بكفر وهو الدعاء بالألفاظ العجمية لجواز اشتمالها على ما ينافي جلال الربوبية فمنع العلماء من ذلك وبعضها يقرب من التحريم وبعضها من الكراهة بحسب حال مستعمليها من العجم فمن غلب على عادته الضلال والفساد حرم استعمال لفظه حتى يعلم خلوصه من الفساد ومن لا يكون كذلك فالكراهة سد للذريعة ويدل على تحريمه قوله تعالى لنوح عليه السلام فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين وقول نوح عليه السلام إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم معناه أن أسألك ما ليس لي بجواز سؤاله علم فدل
هامش أنوار البروق
ولا شبهة وكذلك جوابه في المثال الخامس وقد سبق الكلام على الدعاء بالغفران للكافر
قال القسم الرابع من المحرم الذي ليس بكفر أن يسأل الداعي من الله ثبوت أمر دل السمع على ثبوته وله أمثلة الأول أن يقول الداعي جعل الله موت من مات لك من أولادك حجابا من النار وقد دل الحديث الصحيح على أن من مات له اثنان من الولد كانا حجابا له من النار فيكون هذا الدعاء معصية قال فإن قلت أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ندعو له بقولنا اللهم آت محمدا الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد وقد ورد في الحديث
هامش إدرار الشروق
المتوكلين
وتحقيق هذا الباب أن تعلم أن التوكل اعتماد القلب على الله تعالى فيما يطلبه من خير أو يكرهه من ضير لأجل أنه المستولي بقدرته وإرادته على سائر الكائنات من غير مشارك له في ذلك ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده ومع ذلك فله عوائد في ملكه رتبها بحكمة فمقتضى شمول قدرته انقطاع القلب عن غيره ومقتضى سلوك أدبه التماس فضله من عوائده وقد انقسم الخلق في هذا المقام ثلاثة أقسام قسم عاملوا الله تعالى بمقتضى شمول قدرته للخير والشر فحصلوا على حقيقة التوكل وأعرضوا عن الأسباب ففاتهم الأدب الواجب الاتباع وقسم لاحظوا الأسباب واستولت على قلوبهم فحجبتهم عن الله تعالى فهؤلاء فاتهم التوكل والأدب وهذا هو المهيع العام الذي هلك فيه أكثر الخلائق وقسم عاملوا الله تعالى بمقتضى شمول قدرته وعوائده في مملكته فهؤلاء جامعون بين التوكل والأدب وهذا مقام الأنبياء من خواص العلماء والأولياء والأصفياء وما ذلك إلا أن قليل الأدب خير من كثير من العمل ولذلك هلك إبليس وضاع أكثر عمله بقلة أدبه فنسأل الله السلامة في الدنيا والآخرة
وقال الرجل الصالح لابنه يا بني اجعل عملك ملحا وأدبك دقيقا أي ليكن استكثارك من الأدب أكثر من استكثارك من العمل لكثرة جدواه ونفاسة معناه ويدل على تحريم طلب خرق العوائد قوله تعالى ولا تلقوا بأيديكم
____________________

(4/472)


ذلك على أن العلم بالجواز شرط في جواز السؤال فما لا يعلم جوازه لا يجوز سؤاله وأكد الله تعالى ذلك بقوله إني أعظك أن تكون من الجاهلين واللفظ العجمي غير معلوم الجواز فيكون السؤال به غير جائز ولذلك منع مالك من الرقي به القسم الحادي عشر من الدعاء المحرم الذي ليس بكفر الدعاء على غير الظالم لأنه سعى في إضرار غير مستحق فيكون حراما كسائر المساعي الضارة بغير استحقاق فإن قلت الله سبحانه وتعالى عالم بأحوال العباد جملة وتفصيلا فلا يجيب دعاء من دعا ظلما لعلمه تعالى بأنه إضرار غير مستحق وهو سبحانه وتعالى لا يظلم أحدا فلا يكون هذا الدعاء سعيا للإضرار ولا وسيلة له قلت لا نسلم أنه لا يؤثر ضررا وما ذكرتموه من علم الله تعالى مسلم ولكن المدعو عليه لا يخلو غالبا من ذنوب اقترفها أو سيئات اكتسبها من غير جهة الداعي فيستجيب الله تعالى دعاء هذا الداعي الظالم به عليه ويجعله سببا للانتقام من هذا المدعو عليه بذنوبه السالفة كما ينفذ فيه سهم العدو والكافر وسيف القاتل له ظلما إما مؤاخذة له بذنوبه أو رفعا لدرجاته مع أن صاحب السيف والسهم ظالم
هامش أنوار البروق
الصحيح أن الوسيلة درجة في الجنة لعبد صالح وأرجو أن أكون إياه وأن المقام المحمود هو الشفاعة وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أعطيها فيلزم أحد الأمرين إما إباحة الدعاء بما هو ثابت وإما الإشكال على الإخبار عن كونه عليه الصلاة والسلام أعطيها قلت ذكر العلماء في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم أنه أعطي هذه الأمور مرتبة على دعائنا وأعلم أن دعاءنا يحصل له ذلك فحسن أمرنا بالدعاء له لأنه سبب هذه الأمور وحسن الإخبار بحصولها لأنه أعلم بوقوع سبب حصولها والمحرم إنما هو الدعاء بحصول شيء قد علم حصوله من غير دعائنا فاندفع الإشكال قلت جوابه هذا مبني على أن الدعاء بمثل ذلك من تحصيل المعلوم الحصول ممنوع وذلك هو عين دعواه من غير حجة أتى بها

هامش إدرار الشروق
إلى التهلكة أي لا تركبوا الأخطار التي دلت العادة على أنها مهلكة وقوله تعالى وتزودوا فإن خير الزاد التقوى أي الواقية لكم من الحاجة إلى السؤال والسرقة فإنهم كانوا يسافرون إلى الجهاد والحج بغير زاد فربما وقع بعضهم في إحدى المفسدتين المذكورتين السؤال والسرقة فأمرهم الله تعالى بالتزام العوائد وحرم عليهم تركها فإن المأمور به منهي عن ضده بل إضداده وقد قيل لبعضهم إن كنت متوكلا على الله ومعتمدا عليه وواثقا بقضائه وقدره فألق نفسك من هذا الحائط فإنه لا يصيبك إلا ما قدر لك فقال إن الله تعالى خلق عباده ليجربهم ويمتحنهم لا ليجربوه ويمتحنوه إشارة إلى سلوك الأدب مع الله تعالى جعلنا الله تعالى من أهل الأدب معه ومع عباده حتى نلقاه بمنه وكرمه
نعم يجوز طلب خرق العادة من الله تعالى للأنبياء لأن عادتهم عليهم الصلاة والسلام خرقها وكذلك لمن له عادة مع الله تعالى بخرقها من الأولياء لجريانه على عادته فلا يعد ذلك من الفريقين قلة أدب
____________________

(4/473)


فكذلك صاحب الدعاء ظالم بدعائه وينفذ الله دعاءه كسيفه ورمحه ولذلك يسلط الله عليه السباع والهوام للانتقام وإن لم يصدر منه في حقها ما يوجب ذلك ويعاقب هذا الداعي أيضا على دعائه بغير حق والكل عدل من الله تعالى بل لو جوزنا خلو هذا المدعو عليه من الذنوب مطلقا وطهارته من جميع العيوب لجوزنا استجابة هذا الدعاء ليجعله الله سببا لرفع الدرجات وإظهار صبر العبد ورضاه فيحصل له الجزيل من الثواب وأما الدعاء على الظالم فقد قال مالك وجماعة من العلماء بجوازه والمستند في ذلك قوله تعالى ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل لكن الأحسن الصبر والعفو لقوله تعالى ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور أي من معزومها ومطلوبها عند الله فإن زاد في الإحسان على ذلك بأن دعا له بالإصلاح والخروج عن الظلم فقد أحسن إلى نفسه بمثوبة العفو وتحصيل مكارم الأخلاق وإلى الجاني بالتسبب إلى إصلاح صفاته وإلى الناس بالتسبب إلى كفايتهم شره فهذه ثلاثة أنواع من الإحسان لا ينبغي أن تفوت اللبيب لا سيما
هامش أنوار البروق
قال الثاني أن يقول الداعي اجعل صوم عاشوراء يكفر لي سنة وقد جاء في الحديث الصحيح أن صوم يوم عرفة يكفر سنتين وصوم يوم عاشوراء يكفر سنة فلا يجوز طلب شيء من ذلك
الثالث أن يقول اللهم اجعل صلواتي كفارة لما بينهن وقد قال صلى الله عليه وسلم في الصحيح الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما فيكون الدعاء بذلك معصية لما مر قلت ما قاله دعوى كما سبق مع أن هذين المثالين يتجه فيهما أن يكون دعاء بتحسين عاقبته وذلك مجهول عنده
قال القسم الخامس من المحرم الذي ليس بكفر أن يطلب الداعي من الله تعالى نفي ما دل السمع الوارد بطريق الآحاد على ثبوته وقولي بطريق الآحاد احتراز من المتواتر فإن طلب نفي ذلك من قبيل الكفر كما تقدم قلت قد تقدم الكلام على طلب نفي ما دل السمع القاطع على ثبوته وأنه ليس بكفر إلا على رأي
هامش إدرار الشروق
وكذلك لمن لا يكون وليا حيث أراد بسؤاله خرقها أن يجعله وليا من أهل الولاية حتى يستحق خرق العادة
فهذه الأقسام الثلاثة ليست حراما انتهى
وتعقبه ابن الشاط بأن دعواه أن طلب خرق العوائد من الله تعالى إساءة أدب عرية عن الحجة إلا ما أشار إليه من القياس على الملوك وهو قياس لا شك في فساده والعيب والذم الذي دل عليه قوله تعالى وما قدروا الله حق قدره الآية وقوله صلى الله عليه وسلم لا أحصي ثناء الحديث لا يلحق البشر إلا إن كان الثناء اللائق بجلاله تعالى مما يدخل تحت اكتسابهم ثم قصروا فيه
وأما إن كان مما لا يدخل فلا يلحقهم ذم لا يكلف الله نفسا إلا وسعها قال وتغليط من غلط من العلماء جماعة العباد فيما ذكره غلط من أولئك العلماء لأنه مبني على إساءتهم الظن بأولئك العباد وإساءة الظن بعامة المسلمين ممنوعة شرعا فكيف بالعباد منهم وذلك أن العباد الذين فعلوا ذلك لا يخلو أن يكونوا ممن تعود خرق العادة له فلا عيب عليهم أو ممن لم يتعود ذلك فلا عيب عليهم أيضا إن كانوا ممن غلب عليهم في ذلك أحوال لا يستطيعون دفعها وإلا لحقهم العيب لارتكابهم حينئذ لممنوع فما
____________________

(4/474)


وقد روي أن الإنسان إذا دعا بمكروه على غيره تقول له الملائكة ولك مثله وإذا دعا بخير لأحد تقول له الملائكة ولك مثله
تنبيه من الظلمة من إذا علم بالمسامحة والعفو زاد طغيانه ولا يردعه إلا إظهار الدعاء عليه فليكن العفو عنه بينك وبين الله تعالى ولا تظهر له ذلك بل أظهر له فيه صلاحه واستصلاحه ومن يجود إذا جدت عليه كان سمة خير فينبغي إظهار ذلك له وحيث قلنا بجواز الدعاء على الظالم فلا تدعو عليه بملابسة معصية من معاصي الله تعالى ولا بالكفر فإن إرادة المعصية معصية وإرادة الكفر كفر بل تدعو عليه بإنكاد الدنيا ولا تدعو عليه بمؤلمة لم تقتضها جنايته عليك بأن يجني عليك جناية فتدعو عليه بأعظم منها فهذا حرام عليك لأنك جان عليه بالمقدار الزائد والله تعالى يقول فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم فتأمل هذه الضوابط ولا تخرج عنها
فإن قلت فإن قال اللهم ارزقه سوء الخاتمة أو غير ذلك من العبارات الدالة على طلب الكفر هل يكون هذا الداعي كافرا أو لا لأن إرادة الكفر كفر والطالب مريد لما طلبه
هامش أنوار البروق
من يكفر بالمآل وليس ذلك مذهبه
قال وله أمثلة الأول أن يقول اللهم اغفر للمسلمين جميع ذنوبهم وقد دلت الأحاديث الصحيحة أنه لا بد من دخول طائفة من المسلمين النار وخروجهم منها بشفاعة وبغير شفاعة ودخولهم النار إنما هو بذنوبهم فلو غفر للمسلمين كلهم ذنوبهم كلها لم يدخل أحد النار فيكون هذه الدعاء مستلزما لتكذيب تلك الأحاديث الصحيحة فيكون معصية ولا يكون كفرا لأنها أخبار آحاد والتكفير إنما يكون بجحد ما علم ثبوته بالضرورة أو بالتواتر
قال فإن قلت فمن آداب الدعاء إذا قال الداعي اللهم اغفر لي أن يقول ولجميع المسلمين وهذا خلاف ما قررته وقد أخبرنا سبحانه وتعالى عن الملائكة صلوات الله عليهم أنهم يقولون ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم أي تابوا من الكفر واتبعوا الإسلام ولفظ الذين عام في التائبين عن الكفر وهم المؤمنون فيكون عاما في
هامش إدرار الشروق
بال أولئك العلماء حكموا عليهم بأنهم من هذا الأخير دون القسم الأول والثاني أليس ذلك إساءة ظن في موطن يمكن فيه تحسينه وعدم إساءته فيظن أنهم ظانون أن ذلك حقيقة التوكل بل الظن بهم أنهم يعلمون حقيقة التوكل وأنه كما لا ينافي التسبب كذلك لا ينافي عدم التسبب وما ذكره من فعل النبي صلى الله عليه وسلم لا حجة له فيه على أن التوكل لا بد معه من التسبب إذ مساق كلامه يقتضي أن التوكل يصح مع التسبب ومع عدمه وما عدل النبي صلى الله عليه وسلم إلى التوكل مع التسبب إلا لأنه المعلم المقتدى به والاقتداء به ليس مختصا بالخواص بل يعمهم وغيرهم والجمهور قلما تطمئن نفوسهم إلا مع التسبب
ا ه
قال الغزالي ولقد سمعت أبا المعالي رحمه الله تعالى يقول إن من جرى مع الله تعالى على عادة الناس جرى الله معه على ما هو عادة الناس في كفاية المؤنة وهذا كلام حسن جدا وفيه فوائد جمة لمن تأملها ا ه
____________________

(4/475)


قلت الداعي له حالتان تارة يريد الكفر بالعرض لا بالذات فيقع تابعا لمقصوده لا أنه مقصوده فهذا ليس بكافر كما قال عليه السلام وددت أن أقتل في سبيل الله ثم أحيا فأقتل ثم أحيا فأقتل فقد طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل في سبيل الله وقتل الأنبياء كفر لكنه عليه السلام مراده ومقصوده منازل الشهداء وما عدا ذلك وقع تابعا لمقصوده لا أنه مقصوده فمثل هذا لا حرج فيه من هذا الوجه وكذلك ما حكاه الله تعالى عن أحد ابني آدم من قوله إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار مقصوده إنما هو السلامة من القتل لا من أن يقتل ويصدر منه معصية القتل
وإن لزم عن ذلك معصية أخيه بمباشرة القتل لا يضره ذلك ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل فأمره أن يريد أن يقتله غيره ولا يعزم هو على القتل فإن المقصود بالذات إنما هو السلامة ووقع غير ذلك تبعا وتارة يريد الكفر بالذات فهذا كافر إذا كان مقصوده أن يعصي الله بالكفر ليس إلا كذلك هذا الداعي إذا كان مقصوده أن يعصي هذا المدعو عليه ربه لا أن يكفر بالله ويقع
هامش أنوار البروق
المؤمنين
وكذلك قوله تعالى ويستغفرون لمن في الأرض عام جميع من في الأرض وهو خلاف ما قررته
قال قلت الجواب عن الأول أن الإنسان إذا قال اللهم اغفر لي فإن أراد المغفرة من حيث الجملة لا على وجه التعميم صح أن يشرك معه كافة المسلمين فيما طلبه لنفسه لأنه لا منافاة بين مغفرة بعض الذنوب ودخولهم النار ببعض آخر فلا ينافي الدعاء أحاديث الشفاعة وإن أراد مغفرة جميع ذنوبه صح ذلك في حقه لأنه لم يتعين أن يكون من الداخلين النار الخارجين بالشفاعة وأما في حق المؤمنين فإن أراد المغفرة من حيث الجملة ولم يشركهم في جملة ما طلبه لنفسه صح أيضا إذ لا منافاة فلا رد على النبوة وإن أراد اشتراكهم معه في جملة ما طلبه لنفسه وهو مغفرة جميع الذنوب فذلك محرم فضلا عن كونه من آداب الدعاء وعن الثاني أن طلب الملائكة المغفرة للمؤمنين
هامش إدرار الشروق
بلفظه قلت يعني أن من جرى مع الله تعالى على أن كفاية المؤنة بالسبب جرى الله معه على الكفاية بالسبب ومن جرى مع الله تعالى على أن كفايتها بدون السبب جرى الله معه على الكفاية بدون السبب
قال ابن الشاط والأحكام الشرعية واردة على الغالب لا على النادر مع أنه لقائل أن يقول إن التوكل وإن صح مع التسبب وعدمه فالتوكل مع التسبب راجح في حقه صلى الله عليه وسلم للحاجة لتعليم الجمهور كما سبق ولا منه من شائبة مراعاة الأسباب لعصمته صلى الله عليه وسلم والتوكل مع عدم التسبب راجح في حق غيره لعدم أمنه من شائبة مراعاة الأسباب لعدم عصمته ا ه وقال الغزالي في كتابه منهاج العابدين إن أخذ الزاد في السفر أفضل من تركه لمقتدى به يريد أن يبين أن أخذ الزاد مباح أو ينوي به عون مسلم أو إغاثة ملهوف أو نحو ذلك وتركه أفضل من أخذه لمن كان منفردا قوي القلب بالله سبحانه وتعالى لشغله بالزاد عن عبادة الله تعالى قال فالشأن إذا في القلب لا في حمل الزاد وتركه فكم من حامل للزاد وقلبه مع الله تعالى دون الزاد يقول الرزق مقسوم مفروغ منه
____________________

(4/476)


الكفر تبعا لمقصوده فهذا ليس بكفر
نعم قد لا يكون المدعو عليه جنى عليه جناية يستحق أن يقابل عليها بهذا الدعاء العظيم فيكون عاصيا بجنايته على المدعو عليه لا كافرا فهذا تفصيل حال هذا الدعاء وقد غلط جماعة فأفتوا بالتكفير مطلقا وليس كذلك القسم الثاني عشر من الدعاء المحرم الذي ليس بكفر وهو ما استفاد التحريم من متعلقه وهو المدعو به لكونه طلبا لوقوع المحرمات في الوجود أما الداعي فكقوله اللهم أمته كافرا أو اسقه خمرا أو أعنه على المكس الفلاني أو وطء الأجنبية الفلانية أو يسر له الولاية الفلانية وهي مشتملة على معصية أو يطلب ذلك لغيره أما لعدوه كقوله اللهم لا تمت فلانا على الإسلام اللهم سلط عليه من يقتله أو يأخذ ماله وأما لصديقه فيقول اللهم يسر له الولاية الفلانية أو السفر الفلاني أو صحبة الوزير فلان أو الملك فلان ويكون جميع ذلك مشتملا على معصية من معاصي الله تعالى فجميع ذلك محرم تحريم الوسائل ومنزلته من التحريم منزلة متعلقه فالدعاء بتحصيل أعظم المحرمات أقبح الدعاء ويروى من دعا لفاسق بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله تعالى
هامش أنوار البروق
بقولهم فاغفر للذين تابوا وقوله تعالى ويستغفرون لمن في الأرض لا عموم في تلك الألفاظ لكونها أفعالا في سياق الثبوت فلا تعم إجماعا ولو كانت للعموم لوجب أن يعتقد أنهم أرادوا بها الخصوص وهو المغفرة من حيث الجملة للقواعد الدالة على ذلك وإن أطلق الداعي قوله اللهم اغفر لي ولجميع المسلمين من غير نية جاز لأن لفظة افعل لأن في سياق الثبوت لا تعم كما أطلقته الملائكة
قلت لقد كلف هذا الإنسان نفسه شططا وادعى دواعي لا دليل عليها ولا حاجة إليها وهما منه وغلطا وما المانع من أن يكلف الله تعالى خلقه أن يطلبوا منه المغفرة لذنوب كل واحد من المؤمنين مع أنه قد قضى بأن منهم من لا يغفر له ومن أين تلزم المنافاة بين طلب المغفرة ووجوب نقيضها هذا أمر لا أعرف له وجها إلا مجرد التحكم بمحض التوهم وما قاله من أنه لا عموم في قوله
هامش إدرار الشروق
والله تعالى إن شاء أقام بنيتي بهذا أو بغيره أو ينوي بحمله أن يعين به مسلما أو نحو ذلك وكم من تارك للزاد وقلبه مع الزاد دون الله تعالى قال فحمل الزاد مباح غير حرام لوقوعه من النبي صلى الله عليه وسلم وكذا من الصحابة والسلف الصالح وإنما الحرام تعليق القلب بالزاد وترك التوكل على الله تعالى فافهم ذلك ثم ما ظنك برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال الله تعالى له وتوكل على الحي الذي لا يموت أعصاه في ذلك وعلق قلبه بطعام أو شراب أو درهم أو دينار كلا وحاشا أن يكون ذلك بل كان قلبه مع الله تعالى وتوكله على الله تعالى كما أمره فإنه الذي لم يلتفت إلى الدنيا بأسرها ولم يمد يده إلى مفاتيح خزائن الأرض كلها وإنما كان أخذ الزاد منه ومن السلف الصالح بنيات الخير لا لميل قلوبهم عن الله تعالى إلى الزاد والمعتبر القصد على ما أعلمناك فافهم وانتبه ا ه بتصرف
قال ابن الشاط على أن الأصل عند بيان حقيقة التوكل والأدب اعترف بأن حقيقة التوكل
____________________

(4/477)


ومحبة معصيته تعالى محرمة فدل ذلك على أن الدعاء بالمحرم محرم فهذه كلها أدعية محرمة إما كبيرة أو صغيرة إن تكررت صارت كبيرة وفسقا والعاقل الحريص على دينه أول ما يسعى في تحصيل السلامة والخلوص من المهالك وحينئذ يطلب الأرباح فهذا ما حضرني من الأدعية المنهي عنها المحرمة وما عداها ليس بمحرم عملا بالاستقراء وهذا الفرق وهذه الأقسام قل أن توجد في الكتب بل كلمات يسيرة توجد في بعضها مشيرة إليها أما التصريح بها على هذا الوجه فقليل أو معدوم فتأمله وألحق ما تجده بنظيره فينضبط لك المباح من غيره
هامش أنوار البروق
تعالى فاغفر للذين تابوا وقوله تعالى ويستغفرون لمن في الأرض لكونها أفعالا في سياق الثبوت خطأ فاحش لأنه التفت إلى الأفعال دون ما بعدها من معمولاتها والمعمولات في الآيتين لفظا عموم
قال المثال الثاني أن يقول الداعي اللهم اكفني أمر العري يوم القيامة حتى تستتر عورتي عن الأبصار وقد ورد في الصحيح إن الخلائق يحشرون حفاة عراة غرلا فيكون هذا الدعاء مستلزما للرد على الرسول صلى الله عليه وسلم في خبره فيكون معصية
الثالث أن يقول اللهم إذا قبضتني إليك وأمتني فلا تحيني إلى يوم القيامة حتى أستريح من وحشة القبر وقد ورد في الحديث الصحيح رجوع الأرواح إلى الأجساد وأن الميت يسمع خفق أنعلة المنصرفين وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتلى بدر ما أنتم بأسمع منهم وليس ذلك خاصا بهم إجماعا فيكون هذا الدعاء مستلزما للرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم
هامش إدرار الشروق
المعاملة بمقتضى شمول القدرة والإرادة مع الإعراض عن الأسباب وهو عين ما عاب على العباد حيث قال ظانين أن هذه الحالة هي حقيقة التوكل فقوله هنا مناقض لظاهره لذلك وقوله إن قلة الأدب ممنوعة مسلم ولكنه يفتقر إلى دليل على أن ما ذكره من الأدعية من جملة قلة الأدب وقوله تعالى ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وقوله تعالى وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ليس فيهما دليل على منع طلب المستحيل وإنما دليل على المنع من ارتكاب العمل على خلاف العادة والعمل على خلاف العادة مغاير لطلب خرقها إذ لا يلزم من المنع من أحدهما المنع من الآخر ا ه قلت على أن الإمام الغزالي قال في المنهاج إن في قوله تعالى وتزودوا إلخ قولين أحدهما أنه زاد الآخرة ولذلك قال خير الزاد التقوى ولم يقل حطام الدنيا وأسبابها والثاني أنه كان قوم لا يأخذون زادا في طريق الحج لأنفسهم اتكالا على الناس ويسألون الناس ويشكون ويلحون ويؤذون الناس فأمروا بالزاد أمر تنبيه على أن أخذ الزاد من مالك خير من أخذ مال الناس والاتكال عليهم وكذلك نقول ا ه وقال ابن الشاط وعلى أن إجازة الأصل دعاء من ليس بولي بخرق العادة إجازة للدعاء بخرق العادة
____________________

(4/478)


صفحة فارغة
هامش أنوار البروق
فيكون معصية ولكونه من باب الآحاد لا يكون كفرا قلت هذان المثالان من الطراز الأول مجرد دعوى ومن أين يلزم أن لا يدعو إلا بما يجوز وقوعه لا أعرف لذلك وجها ولا دليلا والله تعالى أعلم
قال القسم السادس من الدعاء الذي ليس بكفر أن يطلب الداعي من الله تعالى ثبوت أمر دل السمع الوارد بطريق الآحاد على نفيه وله أمثلة الأول أن يقول اللهم اجعلني أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة لأستريح من غمها ووحشتها مدة من الزمان قبل غيري وقد ورد في الصحيح قوله عليه الصلاة والسلام أنا أول من تنشق عنه الأرض فيكون هذا الدعاء ردا على النبوة فيكون معصية
الثاني أن يقول اللهم اجعلني أول داخل الجنة وقد ورد في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول داخل الجنة فيكون هذا الدعاء مضادا لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم
الثالث أن يقول اللهم اجعل الأغنياء يدخلون الجنة قبل الفقراء لكونه من الأغنياء وقد ورد في الصحيح غير ذلك فيكون معصية قلت قد سبق أنه لا مضادة بين التكليف بطلب أمر ونفوذ القضاء بعدم وقوعه ومدعي ذلك مطالب بالدليل عليه ولم يأت على ذلك بدليل إلا مجرد دعوى المضادة
قال القسم السابع من الدعاء المحرم الذي ليس بكفر وهو الدعاء المعلق على مشيئة الله تعالى فلا يجوز أن يقول اللهم اغفر لي إن شئت ولا إلا إن تشاء ولا إلا أن تكون قد قدرت غير ذلك وما أشبه ذلك لما ورد في الصحيح لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت وليعزم المسألة وسره أن هذا الدعاء عري عن إظهار الحاجة إلى الله تعالى ويشعر بغنى العبد عن الرب قلت ما قاله في ذلك صحيح
هامش إدرار الشروق
فكل ما أنكره من ذلك فقد أجازه على الوجه الذي ذكره وإذا أجازه على ذلك الوجه فقد أجاز على الجملة فلا يصح له منعه بعد ذلك ولا حاجة إلى تكثيره الأمثلة ا ه وقد أطال الغزالي في تحقيق هذا المقام في منهاجه إلى أن قال ولعلك تقول أطنبت في هذا الفصل خلاف شرط الكتاب فأقول لعمر الله إنه لقليل في جنب ما يحتاج إليه في هذا المعنى إذ هو أهم شأنا في العبادة بل عليه مدار أمر الدنيا والعبودية فمن له همة في هذا الشأن فليستمسك بذلك وليراعه حقه وإلا فهو عن المقصود بمعزول والذي يدلك على بصيرة علماء الآخرة العارفين بالله أنهم بنوا أمرهم على التوكل على الله والتفرغ لعبادة الله وقطع العلائق كلها فكم صنفوا من كتاب وكم أوصوا بوصية وقيض الله لهم أعوانا من السادة وأصحابا حتى يتمشى لهم من الخير المحض ما لم يتمش لطائفة من طوائف الأئمة الأزهاد الكرامية فإنهم بنوا مذاهبهم على أصول غير مستقية وما زلنا أعزة ما دمنا على منهاج أئمتنا ا ه المراد منه
والقسم الثالث أن يطلب الداعي من الله تعالى نفي أمر دل السمع على نفيه وله أمثلة منها أن يقول ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ومنها أن يقول ربنا لا تهلك هذه الأمة المحمدية بالخسف العام والريح العاصفة كما هلك من قبلنا ومنها أن أن يقول اللهم لا تسلط على هذه الأمة من يستأصلها ومنها أن يقول في دعائه لمريض أو مصاب اللهم اجعل له
____________________

(4/479)


صفحة فارغة
هامش أنوار البروق
قال وطلب تحصيل الحاصل محال فإن ما شاء الله تعالى لا بد من وقوعه وذلك كله مناقض لقواعد الشريعة والأدب مع الله تعالى قلت ليس ما قاله في طلب تحصيل الحاصل بصحيح وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه الكريمة بالمغفرة وهي معلومة الحصول عنده وعندنا وأمرنا أن ندعو له بإيتائه الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته وذلك كله معلوم الحصول عنده وعندنا
قال وهذا الحديث يدل على أن الواقع بغير دعاء وقد علم أن ذلك لا يجوز طلبه لأجل أن الحديث دل على طلب المغفرة على تقدير كونها مقدرة وإذا قدرت فهي واقعة جزما قلت قد تقدم جواب مثل هذا فيما سبق
قال القسم الثامن من الدعاء المحرم الذي ليس بكفر الدعاء المعلق بشأن الله تعالى وله أمثلة الأول أن يقول اللهم افعل بي ما أنت له أهل في الدنيا والآخرة وهذا الدعاء يعتقد جماعة من العقلاء أنه حسن وهو قبيح وبيان ذلك أن الله سبحانه كما هو أهل للمغفرة في الذنوب هو أهل للمؤاخذة عليها ونسبة الأمرين إلى جلاله تعالى نسبة واحدة وكذلك تعلق قدرته تعالى وقضائه بالخيور كنسبة تعلقها بالمكاره والشرور وليس أحدهما أولى بشأنه تعالى وجلاله من الآخر عند أهل الحق وأن له أن يفعل الأصلح لعباده وأن لا يفعله ونسبة الأمرين إليه تعالى نسبة واحدة كل ذلك شأن الله تعالى في ملكه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا يسأل عما يفعل وهم يسألون والخلائق كلهم دائرون بين عدله وفضله فمن هلك منهم فبعدله ومن نجا فبفضله وعدله وفضله من شأنه ونسبتها إليه تعالى نسبة واحدة لا يزيده الإحسان جلالا وعظمة ولا ينقص العدل من جلاله وعظمته بل الأمران مستويان بالنسبة إليه وكلاهما شأنه سبحانه
هامش إدرار الشروق
هذه المرضة أو هذه المصيبة كفارة ومنها أن يقول اللهم لا تغفر لفلان الكافر قال الأصل فإن كل واحد من هذه الأدعية الخمسة حرام ليس بكفر لأنه من باب طلب تحصيل الحاصل
أما الأول فلأن قوله صلى الله عليه وسلم رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه قد دل على أن هذه الأمور مرفوعة عن العباد
أما الثاني فلأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر كما في الصحاح بأنه صلى الله عليه وسلم سأل ربه في إعفاء أمته من ذلك فأجابه
أما الثالث فلأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر كما في الصحاح بأنه لا تزال طائفة من هذه الأمة ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى تقوم الساعة
وأما الرابع فلأن النصوص قد دلت على أن المصائب كفارات لأهلها وقد تقدم بيان أن السخط لا يخل بذلك التكفير بل يجدد ذنبا آخر كمن قضى دينه ثم استدان فكما لا يقال إنه لم تبرأ ذمته من الدين الأول كذلك المصاب لا يقال أنه بسخطه لم يبرأ منها بل يقال برئ من عهدة الذنب الأول وإن كان قد جدد ذنبا آخر بسخطه
وأما الخامس فلأن السمع قد دل على أن الله لا يغفر أن يشرك به قال وطلب تحصيل الحاصل سوء أدب على الله تعالى لأنه طلب عري عن الحاجة والافتقار إليه تعالى إذ لو أن أحدنا سأل بعض الملوك أمرا فقضاه له ثم سأله إياه بعد ذلك عالما بقضائه له لعد هذا الطلب الثاني استهزاء بالملك وتلاعبا به ولحسن من ذلك الملك تأديبه فأولى أن يستحق التأديب إذا فعل ذلك مع الله تعالى ولو رأينا رجلا يقول اللهم افرض علينا الصلاة وأوجب علينا الزكاة واجعل السماء فوقنا والأرض تحتنا لبادرنا إلى الإنكار
____________________

(4/480)


صفحة فارغة
هامش أنوار البروق
وتعالى فمن دعا بشيء من ذلك وقال اللهم افعل بي ما أنت أهله فقد سأل الله تعالى أن يفعل به إما الخير وإما الشر وأن يغفر له أو يؤاخذه وهذا معنى قوله عليه السلام لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت ولأن الدعاء بمثل هذا فيه إظهار الاستغناء وعدم الافتقار فيكون معصية قلت قد تقدم أن ما قاله في مثل ذلك صحيح
قال إلا أن ينوي الداعي ما أنت أهله من الخير الجزيل ولا يقتصر في نيته على مطلق الخير فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا سألتم الله فأعظموا المسألة فإن الله تعالى لا يتعاظمه شيء وإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس الأعلى فإن عريت نفس الداعي عن نية تعظيم المسألة مع القصد إلى الخير في الجملة فقد ذهب التحريم قلت ما قاله في ذلك صحيح والله تعالى أعلم
قال وإن عريت عن النية بالكلية كان بهذا اللفظ عاصيا وهذا الدعاء إنما يستقيم على مذهب المعتزلة الذين يعتقدون أن الله تعالى يجب عليه رعاية المصالح وأنه أهل للخير فقط ولا ينسب إلى شأنه إلا ذلك فهذا هو شأنه عندهم ومذهب الاعتزال إما الكفر أو فسوق بالإجماع من أهل السنة فلا خير في هذا الدعاء على كل تقدير وهما مذهبان ضالان يسبقان إلى الطباع البشرية ولا يزال البشر معها حتى تروضها العلوم العقلية والنقلية وهما الحشوية والاعتزال فلا يزال الإنسان يعتقد الجسمية بناء على العادة المألوفة ويعتقد أنه يخلق
هامش إدرار الشروق
عليه لقبح ما صدر منه من التلاعب والاستهزاء في دعائه
نعم محل حرمة قول الداعي ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا وقوله ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به إن أراد النسيان الذي هو الترك مع الغفلة الذي هو مشتهر في العرف لأن طلب العفو فيه وعنه قد علم بالنصر والإجماع وأراد بما لا طاقة لنا به التكاليف الشرعية فإنها مرفوعة بقوله تعالى لا يكلف الله نفسا إلا وسعها أما إن أراد النسيان الذي هو الترك مع التعمد وقوله تعالى اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا وقوله تعالى نسوا الله فنسيهم أي تركوا طاعته فترك الله الإحسان إليهم فهذا يجوز لأنه طلب العفو عما لم يعلم العفو فيه وكذلك إذا أراد ما لا طاقة لنا به من البلايا والرزايا والمكروهات جاز لأنه لم تدل النصوص على نفي ذلك
وأما إن أطلق العموم من غير تخصيص لا بالنية ولا بالعادة عصى لاشتمال العموم على ما لا يجوز فيكون ذلك حراما لأن فيه طلب تحصيل الحاصل وقول الله تعالى حكاية عن قوم في سياق المدح ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد وإن كان طلب تحصيل الحاصل لأن وعد الله سبحانه لا بد من وقوعه
وقد مدحهم الله تعالى إلا أن سؤال ما وعدهم الله به إنما جاز لهم لأن حصوله لهم مشروط بالوفاة على الإيمان وهذا شرط مشكوك فيه والشك في الشرط يوجب الشك في المشروط فما طلبوا إلا مشكوكا في حصوله لا معلوم الحصول وما نحن فيه بالعكس وقد علم من الشريعة بالضرورة ترك المؤاخذة بالخطإ والنسيان مطلقا
وكون رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخبر بذلك مطلقا وإنما أخبر بالرفع عن أمته وأما ما يقال إن كون الداعي يموت وهو من أمته مجهول فما طلب إلا مجهولا بناء على التقرير المتقدم فلا يرد لأن كونه من الأمة ليس شرطا في هذا الرفع ودلالة الخبر على ذلك إنما هي من جهة المفهوم
____________________

(4/481)


صفحة فارغة
هامش أنوار البروق
أفعاله وأن الله تعالى لا يفعل إلا الخير ولا يفعل الشر إلا شرير ولا يزال البشر كذلك حتى يرتاض بالعلم ولا شك أن كل أحد إنما يريد بهذا الدعاء الخير ولكن بناء على أن ذلك هو شأن الله تعالى وأنه أهله ليس إلا فهي شائبة اعتزال تسبق إلى الطباع فاحذرها واقصد بنيتك ما يليق بجلال ربك
قلت حكمه بالمعصية في مثل هذا الدعاء فيه نظر فإنه لا يخلو أن يكون الداعي ممن يعتقد مذهب الاعتزال أو لا فإن كان الأول فذلك ضلال كما قال وهو مختلف فيه هل هو كفر أو ضلال غير كفر وإن كان لا يعتقد مذهب الاعتزال فقرينة الحال في كون الإنسان لا يريد إلا الخير مع سلامته من اعتقاد الاعتزال تقيد مطلق دعائه فلا كفر ولا معصية
قال المثال الثاني أن يقول اللهم افعل بي في الدنيا والآخرة ما يليق بعظمتك إلى آخره قلت الكلام على هذا المثال كالذي قبله
قال الثالث أن يقول اللهم هبني ما يليق بقضائك وقدرك واللائق بقضائه وقدره الكثير والحقير والخير والشر ومحمود العاقبة وغير محمودها فيكون ذلك حراما لما تقدم قلت الكلام عليه كما تقدم
قال القسم التاسع من الدعاء المحرم والذي ليس بكفر الدعاء المرتب على استئناف المشيئة وله أمثلة الأول أن يقول اللهم قدر لي الخير والدعاء بوضعه اللغوي إنما يتناول المستقبل دون الماضي لأنه طلب والطلب في الماضي محال فيكون مقتضى هذا الدعاء أن يقع تقدير الله في المستقبل من
هامش إدرار الشروق
ونحن نمنع كون المفهوم حجة لاختلاف العلماء فيه سلمنا أنه حجة لكنه متروك هاهنا إجماعا وتقريره أن نقول الكفارة إما أن نقول إنهم مخاطبون بفروع الشريعة أو لا فإن قلنا إنهم ليسوا مخاطبين بها فالرفع حاصل لهم في جميع الفروع النسيان وغيره فيبطل المفهوم واستوت الخلائق في الرفع حينئذ وإن قلنا إنهم مخاطبون بالفروع فلا يكون قد شرع في حقهم ما ليس سببا في حقنا بل كل ما هو سبب الوجوب أو التحريم أو الترخيص أو الإباحة في حقنا لهو سبب ما ذكر في حقهم أيضا فعلى هذا التقدير لا يكون خصوص الأمة شرطا في الرفع ولم يقل أحد إن الكفار في الفروع أشد حالا من الأمة فظهر أن هذا المفهوم باطل اتفاقا فليس هنالك في النسيان والخطإ شرط مجهول فيكون الشارع قد أخبر بالرفع في الأمور مطلقا فيحرم الدعاء به
وأما إخبار الله تعالى عن قوم في الدار الآخرة بأنهم يقولون وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين وهؤلاء ليسوا من أصحاب النار فيكون دعاؤهم بتحصيل الحاصل لأنه قد وردت الأحاديث بأن من يدخل الجنة أو يكون في الأعراف لا يدخل النار ولم يعلم في هذا خلاف بين العلماء وهم قد سمعوا تلك النصوص في الدنيا وعلموا أن من سلم من النار في أول أمره لا يدخلها بعد ذلك ولم يذكر الله تعالى ذلك في سياق الذم لهم فلا يرد على منع طلب تحصيل الحاصل لقول المفسرين إن هؤلاء أصحاب الأعراف وهم على خوف من سوء العاقبة وأهوال القيامة
____________________

(4/482)


صفحة فارغة
هامش أنوار البروق
الزمان والله تعالى يستحيل عليه استئناف التقدير بل وقع جميعه في الأزل فيكون هذا الدعاء يقتضي مذهب من يرى لأنه لا قدر وأن الأمر أنف كما خرجه مسلم عن الخوارج وهو فسق بالإجماع
الثاني أن يقول اللهم اقض لنا بالخير وقدر واقض معناهما واحد في العرف فيحرم لما مر فإن قلت ورد الدعاء بلفظ القدر في حديث الاستخارة فقال واقدر لي الخير حيث كان ورضني به قلت يتعين أن يعتقد أن التقدير هاهنا أريد به التيسير على سبيل المجاز وأنت أيضا إذا أردت هذا المجاز جاز وإنما يحرم الإطلاق عند عدم النية قلت في هذا الكلام نقص فيما أرى ومثل ذلك الكلام ليس المراد به استئناف صفتي القدرة والإرادة وإنما المراد به استئناف المقدرة والمراد لاستحالة الأول وجواز الثاني ومقتضى استحالة الأول قرينة صارفة للثاني فلا تحريم ولا معصية ولا يفتقر مع ذلك إلى نية والله أعلم
قال الثالث أن يقول اللهم اجعل سعادتنا مقدرة في علمك والذي يتقدر في العلم هو الذي تعلقت به الإرادة القديمة فكلما يستحيل استئناف تعلق الإرادة به يستحيل استئناف تعلق العلم به فيستحيل استئناف تعلق العلم بالسعادة فيكون محرما لما مر قلت ورد عن الشارع صلى الله عليه وسلم في قوله في الاستخارة واقدر فيتعين حمله على ما يجوز من استئناف المراد لا الإرادة ولم يرد عنه في استئناف العلم مثل ذلك فيما علمت فيمتنع الإبهام والله تعالى أعلم
قال القسم العاشر من الدعاء المحرم الذي ليس بكفر وهو الدعاء بالألفاظ العجمية لجواز اشتمالها على ما ينافي جلال الربوبية فمنع العلماء من ذلك وبعضها يقرب من التحريم وبعضها
هامش إدرار الشروق
توجب الدهش عن المعلومات ألا ترى أن الرسل عليهم السلام لما قيل لهم ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا لاستيلاء الخوف من الله تعالى على قلوبهم من جهة هول المنظر على أن هؤلاء ليسوا مكلفين ولا ذم إلا مع التكليف
ا ه
وتعقبه ابن الشاط بأنه لم يأت بحجة على ما ادعاه من أن طلب تحصيل الحاصل معصية إلا ما عول عليه من القياس على الملوك وهو قياس لا يصح لعدم الجامع وكيف يقاس الخالق بالمخلوق والرب بالمربوب والخالق يستحيل عليه النقص والمخلوق يجوز عليه النقص ثم ما قاله من أن طلب تحصيل الحاصل عري عن الحاجة ممنوع لجواز حمله على طلب مثله أو الإجابة بإعطاء العوض عنه في الدنيا أو في الآخرة ولم لا يكون الدعاء بما ذكره وبما أشبهه مما يمتنع ويتعذر عقلا وعادة متنوعا بحسب الداعي به فإن كان غافلا عن تعذره فلا بأس عليه لما ثبت من رفع الحرج عن الغافل وإذا كان غير غافل فإن كان قاصد الطلب ذلك المتعذر بعينه فلا مانع أن يعوضه الله تعالى
وإن لم يقصد العوض كما إذا طلب غير المتعذر وكان مما علم الله تعالى أنه لا يقع جزاء له على لجئه إلى الله تعالى وابتهاله إلى عظيم كماله وجلاله وإن كان قاصدا التلاعب والاستهزاء أو أو التعجيز أو ما أشبه ذلك فهاهنا يكون عاصيا بسبب قصده ذلك وبمجرد دعائه بالمتعذر كما هو مقتضى كلام الشهاب في هذه الأبواب
وإنكار السامع لقول الداعي اللهم افرض علينا الصلاة إلخ مبني على كون العادة جارية بسبق الظن السيء بذلك الداعي إلى نفس السامع
____________________

(4/483)


صفحة فارغة
هامش أنوار البروق
من الكراهة بحسب حال مستعملها من العجم فمن غلب على عادته الضلال والفساد حرم استعمال لفظه حتى يعلم خلوصه من الفساد ومن لا يكون كذلك فالكراهة سدا للذريعة ويدل على تحريمه قوله تعالى لنوح عليه السلام فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين وقول نوح عليه السلام إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم معناه أن أسألك ما ليس لي بجواز سؤاله علم فدل ذلك على أن العلم بالجواز شرط في جواز السؤال فما لا يعلم جوازه لا يجوز سؤاله وأكد الله تعالى ذلك بقوله إني أعظك أن تكون من الجاهلين واللفظ العجمي غير معلوم الجواز فيكون السؤال به غير جائز
ولذلك منع مالك الرقي به
قلت ما قاله في هذا القسم صحيح والله تعالى أعلم
قال القسم الحادي عشر من الدعاء المحرم الذي ليس بكفر الدعاء على غير الظالم لأنه سعي في إضرار غير مستحق فيكون حراما كسائر المساعي الضارة بغير استحقاق فإن قلت الله سبحانه وتعالى أعلم بأحوال العباد جملة وتفصيلا فلا يجيب دعاء من دعا ظلما لعلمه تعالى بأنه إضرار غير مستحق وهو سبحانه وتعالى لا يظلم أحدا فلا يكون هذا الدعاء سعيا للإضرار ولا وسيلة له قلت لا نسلم أنه لا يؤثر ضررا وما ذكرتموه من علم الله تعالى مسلم ولكن المدعو عليه لا يخلو غالبا من ذنوب اقترفها أو سيئات اكتسبها من غير جهة الداعي فيستجيب الله تعالى دعاء هذا
هامش إدرار الشروق
لذلك الدعاء ولا يلزم من جريان العادة بذلك أن تكون حال الداعي في دعائه ذلك موافقة لذلك الظن بل إن كانت موافقة لذلك الظن كان عاصيا وإلا فلا
قال ولا نسلم أن النسيان العرفي الذي ذكره هنا من حيث إنه قد علم بالنص والإجماع طلب العفو فيه وعنه لا يجوز طلب العفو فيه بل لقائل أن يقول إنه لا يخلو أن يكون مما لا تسبب له فيه أو مما له فيه تسبب فإن كان من الأول فهو مفتقر إلى دليل على منع طلب العفو عنه وأن ذلك قلة أدب وإن كان من الثاني فلا شك أن طلب العفو حينئذ إنما هو عن التسبب وطلب العفو عن ذلك طلب للعفو عما لم يعلم عنه ا ه قلت على أن الجلال السيوطي في تكملته لتفسير الجلال المحلي قال ما توضيحه من حاشية الجمل عليه إن طلب رفع المؤاخذة بالخطإ والنسيان
وإن سلمنا أنه طلب لتحصيل الحاصل لا نسلم أنه معصية لجواز أن يكون سؤاله اعترافا بنعمة الله تعالى ا ه قال الجمل أي فالقصد من سؤال هذا الرفع وطلبه الإقرار والاعتراف بهذه النعمة أي إظهارها والتحدث بها على حد وأما بنعمة ربك فحدث ا ه وهذا مناف جميع مواطن طلب تحصيل الحاصل فافهم
قال ابن الشاط ومساق قوله صلى الله عليه وسلم رفع عن أمتي الحديث أي الذي رواه الطبراني وغيره مشعر بالمدح لهذه الأمة فيتعين لذلك اختصاصها بذلك الرفع ويلزم القول بهذا المفهوم لقرينة المدح ويكون هنا في هذا المقام شرط مجهول كما قاله المورد كما حكاه الله تعالى عن قوم في سياق المدح من قولهم ربنا وآتنا ما وعدتنا إلخ على دعوى الشهاب أن طلب تحصيل الحاصل معصية ويكون ما أطال به الشهاب في الجواب عن هذا الإيراد ليس بصحيح بل باطل وعلى تسليم جوابه عما أورد على دعواه المذكورة من إخبار الله تعالى عن
____________________

(4/484)


صفحة فارغة
هامش أنوار البروق
الداعي الظالم بدعائه ويجعله سببا للانتقام من هذا المدعو عليه بذنوبه السالفة كما ينفذ فيه سهم العدو والكافر وسيف القاتل له ظلما إما مؤاخذة له بذنوبه أو رفعا لدرجاته مع أن صاحب السيف والسهم ظالم فكذلك صاحب الدعاء ظالم بدعائه وينفذ الله دعاءه كسيفه ورمحه ولذلك يسلط الله عليه السباع والهوام للانتقام وإن لم يصدر منه في حقها ما يوجب ذلك ويعاقب هذا الداعي أيضا على دعائه بغير حق والكل عدل من الله تعالى بل لو جوزنا خلو هذا المدعو عليه من الذنوب مطلقا وطهارته من جميع العيوب لجوزنا استجابة هذا الدعاء ليجعله الله سببا لرفع الدرجات وإظهار صبر العبد ورضاه فيحصل له الجزيل من الثواب
قلت ما قاله في هذا الفصل صحيح إلا قوله وإظهار صبر العبد إن كان يريد به اشتراط الصبر في رفع الدرجات بالمصائب والآلام وشبه ذلك مما هو غير مكتسب على ما سبق له في الفرق الثالث والستين والمائتين وسبق القول في مخالفتي إياه في ذلك وإن كان لم يرد اشتراط الصبر في ذلك بل أراد إنما ذكره من إجابة دعوة الظالم وغير ذلك من المصيبات يكون سببا لرفع الدرجات من غير شرط الصبر ويكون أيضا سببا لوقوع الصبر من الصابر فقد خالف قوله هنالك وناقضه بهذا القول والله تعالى أعلم
قال وأما الدعاء فقد قال مالك رحمه الله وجماعة من العلماء بجوازه والمستند في ذلك قوله تعالى ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل لكن الأحسن الصبر والعفو لقوله تعالى ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور أي من معزومها ومطلوبها عند الله تعالى فإن
هامش إدرار الشروق
أهل الأعراف في سياق مدحهم لا ذمهم بأنهم يقولون ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين إلخ يبقى هو مطالبا بدليل المنع من مثل ذلك الدعاء ولم يأت بدليل ولا شبهة ا ه كلام ابن الشاط بتصرف
والقسم الرابع أن يسأل الداعي من الله تعالى ثبوت أمر دل السمع على ثبوته وله أمثلة منها أن يقول جعل الله موت من مات من أولادك حجابا من النار ومنها أن يقول اللهم اجعل صوم عاشوراء يكفر لي سنة ومنها أن يقول اللهم اجعل صلواتي كفارات لما بينهن
قال الأصل فالدعاء بهذه الأدعية الثلاثة ونظائرها معصية لما مر من أنه طلب لتحصيل الحاصل
أما الأول فلأنه قد دل الحديث الصحيح على أن من مات له اثنان من الولد كانا حجابا له من النار وأما الثاني فلأنه قد جاء في الحديث الصحيح أن صوم يوم عرفة يكفر سنتين وصوم يوم عاشوراء يكفر سنة وأما الثالث فلأن قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما قال وأما ما يقال من أن أمره صلى الله عليه وسلم لنا بأن ندعو له بقولنا اللهم آت محمدا الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد مع إنه قد ورد في الحديث الصحيح أن الوسيلة درجة في الجنة لعبد صالح وأرجو أن أكون إياه وأن المقام المحمود هو الشفاعة وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أعطيها فيلزم أحد الأمرين إما إباحة الدعاء بما هو ثابت وإما الإشكال على الإخبار عن كونه أعطيها عليه السلام فيدفعه أن العلماء ذكروا في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم أنه أعطي هذه الأمور مرتبة
____________________

(4/485)


صفحة فارغة
هامش أنوار البروق
زاد في الإحسان على ذلك بأن دعا له بالإصلاح والخروج عن الظلم فقد أحسن إلى نفسه بمثوبة العفو وتحصيل مكارم الأخلاق وإلى الجاني بالتسبب إلى إصلاح صفاته وإلى الناس كافة بالتسبب إلى كفايتهم شره فهذه ثلاث أنواع من الإحسان لا ينبغي أن تفوت اللبيب لا سيما وقد روي أن الإنسان إذ دعا بمكروه على غيره تقول له الملائكة ولك مثله وإذا دعا بخير تقول له الملائكة ولك مثله قلت ليس في الآية التي استدل بها دليل على جواز الدعاء على الظالم وإنما فيها الدليل على جواز الانتصار والانتصار هو الانتصاف منه على درجة لا يكون فيها زيادة على قدر الظلم وبالوجه الذي أبيح الانتصاف به وجواز الانتصاف لا يستلزم جواز الدعاء عليه إلا أن يكون الدعاء بتيسير أسباب الانتصاف منه فقد يسوغ دعوى دلالة الآية على ذلك ضمنا لا صريحا وأما الدعاء بغير ذلك فلا يدل عليه لا بضمن ولا صريح وما قاله من أنه إن زاد على ذلك بأن دعا له فقد أحسن إلى نفسه وإلى الجاني صحيح أيضا وما عقب به من ذلك الحديث المخبر عن الملائكة تقول ولك مثله إن كان أراد حمله على إطلاقه في الدعاء بالمكروه وكذلك في الدعاء بالمحبوب فلا أرى ذلك صحيحا بل إن دعا على ظالم بأن يصاب بمثل ما أصاب به فلا يقول الملك ولك مثله وإنما يقول الملك ذلك إذا دعا على بريء أو على جان بأزيد في جنايته هذا في جانب المكروه وأما الدعاء في جانب المحبوب فلا أراه إلا على إطلاقه والله تعالى أعلم
قال تنبيه من الظلمة من إذا علم بالمسامحة والعفو زاد طغيانه ولا يردعه إلا إظهار الدعاء عليه فليكن العفو عنه بينك وبين الله تعالى ولا تظهر له ذلك بل أظهر له ما فيه صلاحه
هامش إدرار الشروق
على دعائنا وأعلم أن دعاءنا يحصل له ذلك فحسن أمرنا بالدعاء له لأنه سبب هذه الأمور وحسن الإخبار بحصولها لأنه أعلم بوقوع سبب حصولها والمحرم إنما هو الدعاء بحصول شيء قد علم حصوله من غير دعائنا
ا ه
وتعقبه ابن الشاط بأن جوابه هذا عما ذكر من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا بأن ندعو له بما ذكر مبني على أن الدعاء بمثل ذلك من تحصيل المعلوم الحصول ممنوع وذلك هو عين دعواه من غير حجة أتى بها على أنه يتجه في المثال الثاني والثالث أن يكون دعاء الداعي بها بتحسين عاقبته وذلك مجهول عنده ا ه
قلت بل يتجه في جميع أمثلة هذا القسم كالذي قبله ما تقدم عن الجلال السيوطي أن من الدعاء بتحصيل الحاصل من قبيل التحدث بالنعمة أي أو الحمل عليه فافهم
والقسم الخامس أن يطلب الداعي من الله تعالى نفي ما دل السمع الوارد بطريق الآحاد على ثبوته وله أمثلة منها أن يقول اللهم اغفر للمسلمين جميع ذنوبهم ومنها أن يقول اللهم اكفني أمر العري يوم القيامة حتى تستتر عورتي عن الأبصار ومنها أن يقول اللهم إذا قبضتني إليك وأمتني فلا تحيني إلى يوم القيامة حتى أستريح من وحشة القبر
قال الأصل فكل واحد من هذه الأدعية الثلاثة وأمثالها مستلزم لتكذيب حديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة والواردة بطريق الآحاد فيكون معصية لا كفرا لأن الكفر إنما يكون بجحد ما علم ثبوته بالضرورة أو بالتواتر أما الأول فلأنه قد دلت الأحاديث الصحيحة أنه لا بد من دخول طائفة من المسلمين النار وخروجهم
____________________

(4/486)


صفحة فارغة
هامش أنوار البروق
واستصلاحه ومن يجود إذا جدت عليه كان سمة خير فينبغي إظهار ذلك له قلت ما قاله في ذلك صحيح
قال وحيث قلنا بجواز الدعاء على الظالم فلا يدع عليه بملابسة معصية من معاصي الله تعالى ولا بالكفر فإن إرادة المعصية معصية وإرادة الكفر كفر قلت ليس هذا الإطلاق عندي بصحيح بل إن اقترن بإرادة المعصية قول في المعصية التي هي قول أو فعل في المعصية التي هي فعل فذلك معصية وإلا فلا على ما اقتضاه قوله صلى الله عليه وسلم إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم فإرادة الكفر داخلة تحت عموم الحديث المذكور ولا أعلم لهذا الحديث الآن معارضا فلا كفر والله تعالى أعلم
هذا في إرادة المرء أن يعصي أو أن يكفر فكلا الإرادتين معصية لا كفر
والله تعالى أعلم وقوله بل تدعو عليه بإنكاد الدنيا ولا تدع عليه بمؤلمة لم تقتضها جنايته عليك بأن يجتني عليك جناية فتدعو عليه بأعظم منها فهذا حرام عليك لأنك جان عليه بالمقدار الزائد والله تعالى يقول فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم فتأمل هذه الضوابط ولا تخرج عنها
قلت ما قاله فيه صحيح
قال فإن قلت فإن قال اللهم ارزقه سوء الخاتمة أو غير ذلك من العبارات الدالة على طلب الكفر هل يكون هذا الداعي كافرا أو لا لأن إرادة الكفر كفر والطالب مريد لما طلبه قلت الداعي له حالتان تارة يريد الكفر بالعرض لا بالذات فيقع تابعا لمقصوده لا أنه مقصوده فهذا ليس بكافر كما قال عليه السلام وددت أن أقتل في سبيل الله ثم
هامش إدرار الشروق
منها بشفاعة وبغير شفاعة ودخولهم النار إنما هو بذنوبهم فلو غفر للمسلمين كلهم ذنوبهم كلها لم يدخل أحد النار وما عد من آداب الدعاء من أن الإنسان إذا قال اللهم اغفر لي أن يقول ولجميع المسلمين فليس فيه رد على النبوة حيث أراد الداعي بقوله اللهم اغفر لي المغفرة من حيث الجملة وشرك معه جميع المسلمين فيما طلبه
وكذا إن أراد مغفرة جميع ذنوبه وشرك معه جميع المسلمين مريدا في حقهم المغفرة من حيث الجملة وصح التعميم في حقه لأنه لم يتعين أن يكون من الداخلين النار الخارجين بالشفاعة أما إن شركهم معه في جملة ما طلبه لنفسه من مغفرة جميع الذنوب فإنه يكون فيه حينئذ رد على النبوة فيكون محرما فضلا عن كونه من آداب الدعاء
وإن أطلق الداعي قوله اللهم اغفر لي ولجميع المسلمين من غير نية جاز لأن لفظة افعل في سياق الثبوت فلا تعم وكذلك الألفاظ التي أخبر الله تعالى عن الملائكة صلوات الله عليهم أنهم يطلبون بها المغفرة للمؤمنين بقولهم ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم أي تابوا من الكفر واتبعوا الإسلام وقوله تعالى ويستغفرون لمن في الأرض لا عموم فيها لكونها أفعالا في سياق الثبوت فلا تعم إجماعا ولو كانت للعموم لوجب أن يعتقد أنهم أرادوا بها الخصوص وهو المغفرة من الجملة للقواعد الدالة على ذلك وأما المثال الثاني فلأنه قد ورد في الصحيح أن الخلائق يحشرون حفاة عراة غرلا
____________________

(4/487)


صفحة فارغة
هامش أنوار البروق
أحيا فأقتل ثم أحيى فأقتل فقد طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل في سبيل الله وقتل الأنبياء كفر لكنه عليه السلام مراده ومقصوده منازل الشهداء وما عدا ذلك وقع تابعا لمقصوده لا أنه مقصوده فمثل هذا لا حرج فيه من هذا الوجه قلت قد تقدم أن مريد الكفر ليس بكافر ما لم يقع منه الكفر بقول إن كان ذلك الكفر قولا أو بفعل إن كان ذلك فعلا فمريد ما يلزم عنه الكفر أولى أن لا يكون كافرا
قال وكذلك ما حكاه الله تعالى عن أحد ابني آدم من قوله إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار مقصوده إنما هو السلامة من القتل لا من أن يقتل ويصدر منه معصية القتل وإن لزم عن ذلك معصية أخيه بمباشرة القتل لا يضره ذلك قلت لا يلزم من ذلك كفر كما تقدم
قال ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل فأمره أن يريد أن يقتله غيره ولا يعزم هو على القتل فإن المقصود بالذات إنما هو السلامة ووقع غير ذلك تبعا قلت قوله فأمره أن يريد أن يقتله غيره ولا يعزم هو على القتل ليس بصحيح ما أمره أن يريد أن يقتله غيره ولا نهاه أن يعزم هو على القتل فإنه لم يجر في لفظ النبي صلى الله عليه وسلم ذكر إرادته ولا ذكر عزمه بل أمره بالاستسلام وترك المقاتلة التي ربما أدت إلى أن تكون قاتلا
قال وتارة يريد الكفر بالذات فهذا كافر إذا كان مقصوده أن يعصي الله تعالى بالكفر ليس إلا قلت ليس ذلك بصحيح بل إذا أراد كفر غيره بقصد إضرار ذلك الغير فهي معصية غير كفر إلا أن
هامش إدرار الشروق
وأما الثالث فلأنه قد ورد في الحديث الصحيح رجوع الأرواح إلى الأجساد إن الميت يسمع خفق أنعلة المنصرفين وقد قال عليه الصلاة والسلام في قتلى بدر ما أنتم بأسمع منهم وليس ذلك خاصا بهم إجماعا ا ه قال ابن الشاط وما قاله من الدعاء بهذه الأدعية ونحوها معصية مجرد دعوى ومن أين يلزم أن لا يدعى إلا بما يجوز وقوعه لا أعرف لذلك وجها ولا دليلا
وما المانع من أن يكلف الله خلقه أن يطلبوا منه المغفرة لذنوب كل واحد من المؤمنين مع أنه قد قضى بأن منهم من لا يغفر له ومن أين يلزم المنافاة بين طلب المغفرة ووجوب نقيضها هذا أمر لا أعرف له وجها إلا مجرد التحكم بمحض التوهم وما قاله من أنه لا عموم في قوله تعالى فاغفر للذين تابوا وقوله تعالى ويستغفرون لمن في الأرض لكونها أفعالا في سياق الثبوت خطأ فاحش لأنه التفت إلى الأفعال دون ما بعدها من معمولاتها والمعمولات في الآيتين لفظا عموم وبالجملة فقد كلف هذا الإنسان نفسه شططا وادعى دعوى لا دليل عليها ولا حاجة إليها وهما منه وغلطا وقد تقدم الكلام على أن طلب نفي ما دل السمع القاطع على ثبوته ليس بكفر إلا على رأي من يكفر بالمآل وليس ذلك مذهبه ا ه
قال القسم السادس من الدعاء الذي ليس بكفر أن يطلب الداعي من الله تعالى ثبوت أمر دل السمع الوارد بطريق الآحاد على نفيه وله أمثلة الأول أن يقول اللهم اجعلني أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة لأستريح من غمها ووحشتها مدة من الزمان قبل غيري وقد ورد في الصحيح قوله عليه الصلاة والسلام أنا أول من تنشق عنه الأرض فيكون هذا الدعاء ردا على النبوة فيكون معصية
الثاني أن يقول اللهم اجعلني أول داخل الجنة وقد ورد في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول داخل الجنة فيكون هذا الدعاء مضادا لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم
الثالث أن يقول اللهم اجعل الأغنياء يدخلون الجنة قبل الفقراء لكونه من الأغنياء وقد ورد في الصحيح غير ذلك فيكون معصية قلت قد سبق أنه لا مضادة بين التكليف بطلب أمر ونفوذ القضاء بعدم وقوعه ومدعي ذلك مطالب بالدليل عليه ولم يأت على ذلك بدليل إلا مجرد دعوى المضادة
القسم السادس أن يطلب الداعي من الله تعالى ثبوت أمر دل السمع الوارد بطريق الآحاد على نفيه وله أمثلة منها أن يقول اللهم اجعلني أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة لأستريح من غمها ووحشتها مدة من الزمان قبل غيري ومنها أن يقول اللهم اجعلني أول داخل الجنة ومنها أن يقول اللهم اجعل الأغنياء يدخلون الجنة قبل الفقراء لكونه من الأغنياء

____________________

(4/488)


صفحة فارغة
هامش أنوار البروق
تكون إرادته كفر الغير بقصد نفعه لرجحان الكفر عنده على الإيمان فهذا كفر والله تعالى أعلم
قال كذلك هذا الداعي إذا كان مقصوده أن يعصي الله هذا المدعو عليه ربه لا أن يكفر بالله ويقع الكفر تبعا لمقصوده فهذا ليس بكافر قلت ما قاله صحيح
قال فهذا تفصيل حال هذا الدعاء وقد غلط جماعة فأفتوا بالتكفير مطلقا وليس كذلك قلت قد سبق أنه ليس بكفر ولا إذا دعا بالكفر ولا بما يؤدي إليه وما قال في القسم الثاني عشر صحيح وكذلك ما قال في الفرق الرابع والسبعين والمائتين وهو في آخر الفروق وهنا انتهى الكلام على كتاب أنوار البروق بما وفق الله إليه وأعان عليه وله الحمد على ذلك وكل نعمة أنعم بها وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
ا ه

هامش إدرار الشروق
قال الأصل فكل أحد من هذه الأدعية الثلاثة مضاد لخبر من أخبار النبوة فيكون معصية لا كفرا لأن الحديث هنا من أخبار الآحاد أما الأول فلأنه قد ورد في الصحيح قوله عليه الصلاة والسلام أنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة
وأما الثاني فلأنه قد ورد في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول داخل الجنة وأما الثالث فلأنه قد ورد في الصحيح أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام ا ه وتعقبه ابن الشاط بأنه قد سبق أنه لا مضادة بين التكليف بطلب أمر ما ونفوذ القضاء بعدم وقوعه ومدعي ذلك مطالب بالدليل عليه ولم يأت على ذلك بدليل إلا مجرد دعوى المضادة ا ه بلفظه والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(4/489)


الفرق الرابع والسبعون والمائتان بين قاعدة ما هو مكروه من الدعاء وقاعدة ما ليس بمكروه اعلم أن أصل الدعاء من حيث هو دعاء الندب كما تقدم ويعرض له من جهة متعلقه ما يقتضي التحريم وقد تقدم وما يقتضي الكراهة ولذلك أسباب خمسة السبب الأول الأماكن كالدعاء في الكنائس والحمامات ومواضع النجاسات والقاذورات ومواضع اللهو واللعب والمعاصي والمخالفات كالحانات ونحوها وكذلك الأسواق التي يغلب فيها وقوع العقود الفاسدة والأيمان الحانثة فجميع ذلك يكره الدعاء فيه من أجل أن القرب إلى الله تعالى ينبغي أن يكون على أحسن الهيئات في أحسن البقاع والأزمان ويدل على اعتبار هذا
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
الفرق الرابع والأربعون والمائتان بين قاعدة ما هو مكروه من الدعاء وقاعدة ما ليس بمكروه
وقد تقدم أن الأصل في الدعاء من حيث هو دعاء الندب وقد يعرض له من جهة متعلقه ما يقتضي التحريم وقد تقدم وما يقتضي الكراهة وهو أحد خمسة أسباب السبب الأول الأماكن التي لا تليق بالقرب إلى الله تعالى كالحمامات ومواضع النجاسات والقاذورات والكنائس ومواضع اللهو واللعب والمعاصي والمخالفات كنحو الخانات والأسواق التي يغلب فيها وقوع العقود الفاسدة والأيمان الحانثة لنهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في المزبلة والمجزرة وقارعة الطريق
والسبب الثاني الهيئات التي لا تليق بالقرب إلى الله تعالى كحالة النعاس وفرط الشبع ومدافعة الأخبثين وملابسة النجاسات والقاذورات وقضاء حاجة الإنسان فإن فعل الدعاء في الأماكن المذكورة أو على حالة من تلك الأحوال صح مع فوات رتبة الكمال
والسبب الثالث كونه سببا لحصول الكبر والخيلاء للداعي كدعاء أئمة المساجد والجماعات عقيب الصلوات المكتوبات جهرا للحاضرين فقد كرهه مالك وجماعة من العلماء رحمهم الله تعالى من حيث إنه يجتمع لهذا الإمام التقدم في الصلاة وشرف كونه نصب نفسه واسطة بين الله تعالى وعباده في تحصيل مصالحهم على يده بالدعاء فيوشك أن تعظم نفسه عنده فيفسد قلبه ويعصي ربه في هذه الحالة أكثر مما يطيعه وقد روي أن بعض الأئمة استأذن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أن يدعو لقومه بعد الصلاة بدعوات فقال لا إني أخشى أن تشمخ حتى تصل إلى الثريا إشارة إلى ما ذكر ويجري هذا المجرى كل من نصب نفسه للدعاء لغيره وخشي على نفسه الكبر بسبب ذلك فالأحسن له الترك حتى تحصل له السلامة
والسبب الرابع كون متعلقه مكروها فيكره كراهة الوسائل لا كراهة المقاصد كالدعاء على اكتساب الرزق بنحو الحجامة ونزو الدواب والعمل في الحمامات من الحرف الدنيئات مع قدرته على الاكتساب بغيرها
____________________

(4/490)


المعنى نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في المزبلة والمجزرة وقارعة الطريق فإن أعجزه الخلوص من ذلك حصل له الدعاء مع فوات رتبة الدعاء كالصلاة في البقاع المكروهة
السبب الثاني للكراهة الهيئات كالدعاء مع النعاس وفرط الشبع ومدافعة الأخبثين أو ملابسة النجاسات والقاذورات أو قضاء حاجة الإنسان ونحو ذلك من الهيئات التي لا تناسب التقرب إلى ذي الجلال فإن فعل صح مع فوات رتبة الكمال
السبب الثالث الكرامة كونه سببا لتوقع فساد القلوب وحصول الكبر والخيلاء كما كره مالك وجماعة من العلماء رحمهم الله لأئمة المساجد والجماعات الدعاء عقيب الصلوات المكتوبات جهرا للحاضرين فيجتمع لهذا الإمام التقدم في الصلاة وشرف كونه نصب نفسه واسطة بين الله تعالى وعباده في تحصيل مصالحهم على يده بالدعاء ويوشك أن تعظم نفسه عنده فيفسد قلبه ويعصي ربه في هذه الحالة أكثر مما يطيعه ويروى أن بعض الأئمة استأذن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أن يدعو لقومه بعد الصلوات بدعوات فقال لا إني أخشى أن تشمخ حتى تصل إلى الثريا إشارة إلى ما ذكرنا ويجري هذا المجرى كل من نصب نفسه للدعاء لغيره وخشي على نفسه الكبر بسبب ذلك فالأحسن له الترك حتى تحصل له السلامة
السبب الرابع كون متعلقه مكروها فيكره كراهة الوسائل لا كراهة المقاصد كالدعاء بالإعانة على اكتساب الرزق بالحجامة ونزو الدواب والعمل في الحمامات وغير ذلك من الحرف الدنيات مع قدرته على الاكتساب بغيرها وكذلك القول في الدعاء بكل ما نص العلماء على كراهته يكره كراهة الوسائل
السبب الخامس للكراهة عدم تعيينه قربة بل يطلق على سبيل العادة والاستراحة في الكلام
هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
وكذلك كل دعاء نص العلماء على كراهته يكره كراهة الوسائل
والسبب الخامس ما جرى على ألسنة نحو المتحدثين في مجالسهم من نحو قولهم ما أقوى فرس فلان أبلاها الله بدنية أو سبع وعلى ألسنة السماسرة في الأسواق عند افتتاح النداء على السلع من نحو قولهم عليه الصلاة والسلام على خير الأنام مما هو خبر في الأصل أريد به الدعاء على سبيل العادة من غير قصد التقرب إلى الله تعالى قال مالك كم يقولون هذا على سبيل العادة من غير قصد الدعاء والتقرب إلى الله تعالى وهو خير ومعناه الدعاء وكل ما يجري أي على لسان العامة وغيرهم هذا المجرى ولا يريدون شيئا من حقيقته فهو مكروه بل قد أشار بعض العلماء إلى تحريمه فقال كل ما يشرع قربة لله تعالى لا يجوز أن يقع إلا قربة له على وجه التعظيم والإجلال لا على وجه التلاعب ا ه
قال الأصل وكلامنا هنا إنما هو في الألفاظ التي تنصرف بصراحتها للدعاء وتستعمل في غيره
____________________

(4/491)


وتحسين اللفظ من الذي يلابسه كما يجري ذلك على ألسنة السماسرة في الأسواق عند افتتاح النداء على السلع كقولهم الصلاة والسلام على خير الأنام
قال مالك كم يقولون هذا على سبيل العادة من غير قصد الدعاء والتقرب إلى الله تعالى وهو خبر ومعناه الدعاء وكما يقول المتحدثون في مجالسهم ما أقوى فرس فلان أبلاها الله بدنية أو سبع ونحو ذلك مما يجري هذا المجرى ولا يريدون شيئا من حقيقته فهذا كله مكروه وقد أشار بعض العلماء إلى تحريمه وقال كل ما يشرع قربة لله تعالى لا يجوز أن يقع إلا قربة له على وجه التعظيم والإجلال لا على وجه التلاعب فإن قلت قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول نحوا من هذا الدعاء ومنصبه صلى الله عليه وسلم منزه عن المكروهات بل يجب اتباعه في أقواله وأفعاله وأقل الأحوال أن يكون مباحا فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها تربت يداك ومن أين يكون الشبه لما تعجبت مما لم تعلم من كون المرأة تنزل المني كما ينزل الرجل ومعلوم أنه عليه السلام ما أراد إذايتها بالدعاء وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم عليك بذات الدين تربت يداك ليس من الإرشاد ما يقتضي قصد الإضرار بالدعاء فقد استعمل الدعاء لا على وجه الطلب والتقرب وهو عين ما نحن فيه

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق
وأما ما غلب استعماله في العرف في غير الدعاء حتى انتسخ منه حكم الدعاء وصار بحيث لا ينصرف بعد ذلك إلى الدعاء إلا بالقصد والسنة فلا حرج على مستعمله في غير الدعاء لأنه قد استعمله فيما هو موضوع له عرفا ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها تربت يداك ومن أين يكون الشبه لما تعجبت مما لم تعلم من كون المرأة تنزل المني كما ينزل الرجل وقوله صلى الله عليه وسلم عليك بذات الدين تربت يداك إذ من المعلوم أنه عليه الصلاة والسلام ما أراد أذية عائشة ولا غيرها بالدعاء إذ ليس من الإرشاد ما يقتضي الإضراب بالدعاء وإنما استعمل ذلك فيما غلب بالعرف استعماله فيه من غير الدعاء فيكون مباحا لا مكروها لأن منصبه صلى الله عليه وسلم منزه عن المكروهات في أقواله وأفعاله بل أقل الأحوال أن يكون كل منها مباحا لأنه يجب اتباعه صلى الله عليه وسلم فيها
ا ه
قلت ويؤخذ مما مر عن الأصل وسلمه ابن الشاط أن لكراهة الدعاء سببا سادسا مما يعرض له فيقتضي كراهته وهو كونه بالألفاظ العجمية الصادرة ممن لم يغلب عليهم من العجم الضلال والفساد فيكره الدعاء والرقي بها قبل معرفة معناها سدا للذريعة فتنبه لذلك
هذا تهذيب ما قاله الأصل في هذا الفرق وسلمه ابن الشاط وبه يتم ما قصدته من تهذيب الفروق والقواعد السنية بما وفق الله إليه وأعان عليه من الزيادة والفوائد العلية وأستغفره تعالى من كل قول لا يوافق العمل ومن كل ما ادعيته وأظهرته من العلم بدين الله تعالى مع التقصير فيه والزلل ومن كل خطرة دعتني إلى تزين وتصنع في كتاب سطرته أو كلام نظمته أو علم أفدته حتى أدى إلى الترفع وأسأله سبحانه وتعالى أن يجعلني وجميع المسلمين لما علمنا عاملين ولوجهه به مريدين وأن لا يجعله وبالا علينا وأن يضعه في ميزان الصالحات إذا ردت أعمالنا إلينا
____________________

(4/492)


قلت لفظ الدعاء إذا غلب استعماله في العرف في غير الدعاء انتسخ منه حكم الدعاء ولا ينصرف بعد ذلك إلى الدعاء إلا بالقصد والنية فإذا استعمله مستعمل في غير الدعاء فقد استعمله فيما هو موضوع له عرفا ولا حرج في ذلك وإنما الكلام في الألفاظ التي تنصرف بصراحتها للدعاء وتستعمل في غيره فليس ما في الأحاديث من هذا الباب وهاهنا انتهى ما جمع من القواعد والفروق والله أعلم بالصواب
هامش أنوار البروق
فارغه
هامش إدرار الشروق
إنه جواد كريم رءوف بعباده رحيم وإليه ترجع الأمور يوم الدين والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وبفضله تنزل البركات وصلى الله على خير مولود دعا إلى أفضل معبود محمد النبي المنقذ من حالك الضلال وآله وسلم تسليما كثيرا مباركا فيه على كل حال وكان تحرير خاتمته في بلد جمبن سمطرا يوم الاثنين الرابع من ثاني الثاني من الرابع بعد الأربعين من الرابع عشر من هجرة سيد الملائكة والجن والبشر صلى الله عليه وسلم وعلى آله ومن انتمى إليه 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دليلك إلى المواقع الإسلامية المنتقاة بأكثر من ( 42 ) لغة !!

دليلك إلى المواقع الإسلامية المنتقاة بأكثر من ( 42 ) لغة !! اللغة الرابط اللغة الأذرية http://www.islamhouse.com/s/9357 ...