.

Translate ابودي

الخميس، 11 مايو 2023

ج3.وج4. الفروق أو أنوار البروق في أنواء الفروق أبو العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي

ج3.وج4. الفروق أو أنوار البروق في أنواء الفروق (مع الهوامش )

أبو العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي

سنة الولادة بلا/ سنة الوفاة 684هـ

قلت هذا محال عقلا ومن المحال عقلا أن يفعل الإنسان فردا من جنس أو نوع أو كلي مشترك من حيث الجملة ولا يفعل ذلك المشترك المنهي عنه لأن الجزئي فيه الكلي بالضرورة وفاعل الأخص فاعل الأعم فلا سبيل إلى الخروج عن العهدة في النهي إلا بترك كل فرد والتخيير مع النهي عن المشترك محال عقلا وأما ما ذكرتموه من الصور فوهم أما الأختان والأم وابنتها فلأن ذلك التحريم إنما تعلق بالمجموع عينا لا بالمشترك بين الأفراد ولما كان المطلوب أن لا تدخل ماهية المجموع الوجود والقاعدة العقلية أن عدم الماهية يتحقق بأي جزء كان من أجزائها لا بعينه فلا جرم أي أخت تركها خرج عن عهدة النهي عن المجموع لا لأنه نهي عن المشترك بل لأن الخروج عن عهدة المجموع يكفي فيه فرد من أفراد ذلك المجموع فهذا هو السبب لا لأن التحريم تعلق بواحدة لا بعينها بل تعلق بالمجموع فيخرج عن العهدة بواحدة لا بعينها فتأمل هذا الفرق فخلافه محال عقلا والشرع لا يرد بخلاف العقل ولا بالمستحيلات

وكذلك نقول في خصال

هامش أنوار البروق

قال فتأمل الفرق فخلافه محال عقلا قلت ما اختاره هو المحال عقلا وما خالفه هو الجائز عقلا

قال والشرع لا يرد بخلاف العقل ولا بالمستحيلات قلت ذلك صحيح ولا يلزم منه مقصوده

قال وكذلك نقول في خصال الكفارة لما أوجب الله تعالى المشترك حرم ترك الجميع لأنه يستلزم ترك المشترك

هامش إدرار الشروق

التكليف بغير معين هذا هو الحق في الحل الذي بينه العضد بما توضيحه أن الذي وجب وهو الواحد المبهم أعني هذا المفهوم الكلي لم يخير فيه إذ لا يجوز تركه ألبتة والتخيير إنما هو في كل واحد من المعينات وإن كان كل واحد منها يتأدى به الواجب لتضمن كل واحد منها الواجب الذي هو مفهوم أحدها مبهما فليس معنى الواجب المخير أنه خير في نفس ذلك الواجب كما يتبادر إلى الفهم من هذه العبارة بل معناه الواجب الذي خير في أفراده وتعدد ما صدق عليه أحدها إذا تعلق به الوجوب والتخيير يأبى كون متعلق الوجوب والتخيير واحدا كما لو حرم واحدا من الأمرين وأوجب واحدا فإن معناه أيهما فعلت حرم الآخر وأيهما تركت وجب الآخر والتخيير بين واجب أو غير واجب بهذا المعنى جائز وإنما الممتنع التخيير بين واجب بعينه وغير واجب بعينه كالصلاة وأكل الخبز ا ه كلام الشربيني

وكذلك يمتنع التخيير بين أفراد المشترك لا فرق بين كونه المأمور به أو المنهي عنه كمفهوم الخنزير أو مفهوم الخمر وكمفهوم صوم رمضان خلافا للأصل لأنه كما يلزم من تحريم المشترك تحريم جميع أفراده ككل خنزير وكل خمر كذلك يلزم من إيجاب المشترك إيجاب جميع أفراده ككل صوم رمضان بعام من الأعوام قال ابن الشاط وإذا كان المقصود تحصيل تلك الماهية المشتركة لزم من إيجاب المشترك إيجاب كل فرد مما فيه المشترك وإنما لا يلزم إيجاب كل فرد مما فيه المشترك إذا كان المقصود تحصيل شيء مما فيه المشترك ا ه

أي كإيجاب واحد مبهم من خصال كفارة اليمين فإن في آيتها الأمر بذلك تقديرا أي معنى إذ هي خبر بمعنى الأمر لما علمت من

____________________

(2/11)

الكفارة لما أوجب الله تعالى المشترك حرم ترك الجميع لأنه يستلزم ترك المشترك فالمحرم ترك الجميع لا واحدة بعينها من الخصال فلا نجد نهيا على هذه الصورة إلا وهو متعلق بالمجموع لا بالمشترك فتأمل ذلك فلذلك صح التخيير في المأمور به ولم يصح في المنهي عنه وإنما يقع في الخروج عن عهدته لا في أصل النهي فتأمل ذلك

هامش أنوار البروق

قلت لو أوجب الله تعالى المشترك لما جاز ترك شيء مما فيه المشترك

قال فالمحرم ترك الجميع لا واحدة بعينها من الخصال قلت إذا كان المحرم ترك الجميع لزم منه تحريم ترك واحدة لا بعينها

قال فلا تجد شيئا على هذه الصورة إلا وهو متعلق بالمجموع لا بالمشترك قلت قد سبق أنه إذا كان متعلقا بالمجموع أي بالجملة فإن كان الوجوب فلا بد من فعل كل واحد من آحادها وإن كان التحريم فلا بد من ترك كل واحد من آحادها

قال فتأمل ذلك فلذلك صح التخيير في المأمور به ولم يصح في المنهي عنه وإنما يقع في الخروج عن عهدته لا في أصل النهي

هامش إدرار الشروق

أن كل فرد مما فيه المشترك هو متعلق التخيير فلا يتعلق به الإيجاب بل إنما يتعلق الإيجاب بواحد مبهم منها وهو المفهوم الكلي المشترك بينها وإن كان كل واحد منها يتأدى به الواجب من حيث إنه يتضمن الواجب الذي هو مفهوم أحدها مبهما فكون المقصود تحصيل شيء مما فيه المشترك إنما هو من حيث إنه لا يتأدى الواجب إلا به لا من حيث إنه هو نفس الواجب لوجهين الأول أنه كيف يكون هو نفس الواجب وهو متعلق التخيير

الثاني أنه لو كان هو نفس الواجب لكان هو بعينه مذهب بعض المعتزلة من أن الواجب في ذلك ما يختاره المكلف للفعل من أي واحد منها بأن يفعله دون غيره وإن اختلف باختلاف اختيار المكلفين للاتفاق على الخروج عن عهدة الواجب بأي منها يفعل فيرد عليه حينئذ قول المحلي أن الخروج به عن عهدة الواجب لكونه أحدها لا لخصوصه أي كونه مختار المكلف للقطع باستواء المكلفين في الواجب عليهم انتهى على أن القول بمراعاة الخصوصية نظر التأدي الواجب وهو المشترك بها المبني عليه الخلاف بين أهل السنة في أن محل ثواب الواجب الذي هو المشترك بينها هل هو الأعلى أو الأول أو الأحد ومحل العقاب هل هو الأدنى أو الأحد خلاف التحقيق والتحقيق المأخوذ من أن الواجب لا يختلف باختلاف المكلفين أن محل ثواب الواجب والعقاب أحدها من حيث إنه أحدها ولا نظر إلى خصوصية ما وقع لأنه حتى بعد الوقوع لم يزل من حيث تلك الخصوصية مخيرا وإلا لاختلف الواجب باختلاف المكلفين ولا قائل به على الأصح الذي التفريع عليه وكذا يقال في كل من الزائد على من يتأدى به الواجب منها أنه يثاب عليه ثواب المندوب من حيث إنه أحدها لا من حيث خصوصه لأن الكلام في مقتضى الأمر بواحد مبهم ومقتضاه الثواب على القدر المشترك

وأما خصيصية المتعلق وما فيه من الزيادة فيثاب عليها من حيث دخولها في الأمر بفعل الخير ثواب المندوب كما في المحلي والشربيني وكما لا يلزم إيجاب كل فرد مما فيه المشترك إذا كان المقصود تحصيل شيء مما فيه المشترك بناء على القول بمراعاة الخصوصية نظرا لتأدي الواجب وهو المشترك بها أو تحصيل المشترك الذي هو أحدها من حيث إنه أحدها بناء على التحقيق

____________________

(2/12)

مع أن الشيخ سيف الدين في الأحكام له الموضوع في أصول الفقه حكى عن أصحابنا صحة النهي مع التخيير كالأمر وحكى عن المعتزلة منعه والحق مع المعتزلة في هذه المسألة دون أصحابنا إلا أن يريدوا التخيير في الخروج عن العهدة كما تقدم فلا يبقى خلاف بين الفريقين

هامش أنوار البروق

قلت قد تأملت ذلك وصح ذلك التخيير في النهي كما صح في الأمر ووقع في الخروج عن العهدة في أصل النهي

قال فتأمل ذلك مع أن الشيخ سيف الدين في الأحكام له في أصول الفقه يحكي عن أصحابنا صحة النهي مع التخيير كالأمر وحكى عن المعتزلة منعه قلت ما حكاه سيف الدين صحيح وقول الأصحاب صحيح وقول المعتزلة باطل

قال والحق مع المعتزلة في هذه المسألة إلى آخر ما قاله في ذلك قلت قد سبق أن الأمر بعكس ما قال وأن الصواب مع الأصحاب

هامش إدرار الشروق

كذلك لا يلزم تحريم كل فرد مما فيه المشترك كما في نحو لا تتناول السمك أو اللبن أو البيض إذا كان المقصود ترك شيء مما فيه المشترك بناء على القول بمراعاة الخصوصية نظرا لتأدي ترك المحرم وهو المشترك بها أو ترك المشترك الذي هو أحدها من حيث إنه أحدها في ضمن أي معين منها بناء على التحقيق فعلى المكلف تركه في أي معين منها وله فعله في غيره إذ لا مانع من فعل الغير لأن المحرم واحد فتحريم واحد لا بعينه ليس من باب عموم السلب بل من باب سلب العموم فيتحقق في واحد فليس النهي كالنفي ويقاس على التحريم الكراهة إلا في العقاب كما في المحلي والشربيني

وبالجملة فلا فرق بين كون الأمر بواحد مبهم من أشياء معينة يوجب واحدا منها لا بعينه عند الأصحاب ولا يوجبه عند المعتزلة بل إنما يوجب الكل ويسقط بواحد أو واحدا منها معينا عند الله أو ما يختاره المكلف للفعل على الخلاف المتقدم وبين كون النهي بواحد مبهم من أشياء معينة يحرم واحدا منها لا بعينه عند الأصحاب ولا يحرمه عند المعتزلة بل إنما يحرم الكل ويسقط بترك واحد أو واحدا منها معينا عند الله أو ما يختاره المكلف للترك على الخلاف المتقدم نعم فرق بعض المعتزلة بينهما بأن اللغة لم ترد بصيغة من النهي عن واحد مبهم من أشياء معينة كما وردت بالأمر بواحد مبهم من أشياء معينة

قال وقوله تعالى ولا تطع منهم آثما أو كفورا نهي عن طاعتهما إجماعا أي وليس نهيا عن طاعة واحد مبهم منهما حتى يقال إنه صيغة من النهي عن واحد مبهم من أشياء معينة وردت بها اللغة لكن رد المحلي هذا الجواب بما حاصله أن هذه الصيغة يفهم منها النهي عن واحد مبهم فهي طريق لذلك ولا ينافي ذلك صرفها عن ظاهرها بالإجماع فقد ثبت ورود اللغة بذلك الطريق غاية الأمر أنه منع من حملها على معناها الأصلي مانع فافهم هكذا ينبغي تحقيق هذا المقام وإن أردت زيادة توضيحه فعليك بشرح المحلي على جمع الجوامع وحواشيه والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(2/13)

الفرق الثامن والأربعون بين قاعدة التخيير الذي يقتضي التسوية وبين قاعدة التخيير الذي لا يقتضي التسوية بين الأشياء المخير بينها جمهور الفقهاء يعتقدون أن صاحب الشرع أو غيره إذا خير بين أشياء يكون حكم تلك

هامش أنوار البروق

قال الفرق الثامن والأربعون بين قاعدة التخيير الذي يقتضي التسوية بين الأشياء المخير فيها وبين قاعدة التخيير الذي لا يقتضي التسوية إلى قوله وتخيير لا يقتضيه قلت الصحيح ما اعتقده جمهور الفقهاء وسطر في كتب الفقه وأصوله دون ما اختاره هو وارتضاه

قال وتحرير الفرق بين القاعدتين إلى قوله بذكر أربع مسائل قلت ما قاله هنا مجرد دعوى

قال المسألة الأولى تخييره تعالى بين خصال الكفارة في الحنث اقتضى ذلك التسوية في الحكم وهو الوجوب في المشترك بينها وهو مفهوم أحدها قلت قد سبق ما فيه

قال والتخيير في الخصوصيات وهو العتق والكسوة والإطعام قلت ذلك صحيح

قال فالمشترك متعلق الوجوب من غير تخيير قلت لو كان المشترك متعلق الوجوب لوجب الجميع بل متعلق الوجوب واحد غير معين

قال والخصوصيات متعلق التخيير من غير إيجاب وعلى كل تقدير فحكم كل خصلة من الخصال حكم الخصلة الأخرى لأنها أمور متباينة قلت ما قاله من أن الخصوصيات متعلق التخيير وأن حكم كل خصلة حكم الأخرى صحيح لا ما قاله من أن ذلك لكونها أمورا متباينة

هامش إدرار الشروق

الفرق الثامن والأربعون بين قاعدة التخيير الذي يقتضي التسوية وبين قاعدة التخيير الذي لا يقتضي التسوية بين الأشياء المخير بينها على ما اختاره الأصل وارتضاه من تحقق هاتين القاعدتين خلافا لما هو مسطور في كتب الفقه وأصوله واعتقده جمهور الفقهاء من أن صاحب الشرع أو غيره إذا خير بين أشياء يكون حكم تلك الأشياء واحدا وأنه لا يقع التخيير إلا بين واجب وواجب أو مندوب ومندوب أو مباح ومباح

قال وتحرير الفرق بينهما أن التخيير متى وقع بين الأشياء المتباينة كما في تخييره تعالى بين خصال الكفارة في الحنث اقتضى ذلك التسوية في الحكم وهو الوجوب في المشترك الذي هو مفهوم أحدها والتخيير في الخصوصيات التي هي العتق والكسوة والإطعام لأنها أمور متباينة فالمشترك متعلق الوجوب من غير

____________________

(2/14)

الأشياء واحدا وأن لا يقع التخيير إلا بين واجب وواجب أو مندوب ومندوب أو مباح ومباح وكذلك هو مسطور في كتب أصول الفقه وكتب الفقه وليس الأمر كذلك بل هنالك تخيير يقتضي التسوية وتخيير لا يقتضيها وتحرير الفرق بين القاعدتين أن التخيير متى وقع بين الأشياء المتباينة وقعت التسوية أو بين الجزء والكل أو أقل أو أكثر لم تقع التسوية ويتضح لك هذا الفرق بذكر أربع مسائل

المسألة الأولى تخييره تعالى بين خصال الكفارة في الحنث اقتضى ذلك التسوية في الحكم وهو الوجوب في المشترك بينها وهو مفهوم أحدها والتخيير في الخصوصيات وهو العتق والكسوة والإطعام فالمشترك متعلق الوجوب من غير تخيير والخصوصيات متعلق التخيير من غير إيجاب وعلى كل تقدير فحكم كل خصلة من الخصال حكم الخصلة الأخرى لأنها أمور متباينة

هامش أنوار البروق

قال المسألة الثانية قوله تعالى يا أيها المزمل إلى قوله ومع ذلك فالثلث واجب لا بد منه والنصف والثلثان مندوبان يجوز تركهما وفعلهما أولى قلت ليس الثلث واجبا من حيث هو ثلث ولو كان ذلك لكان واجبا معينا وليس النصف والثلثان مندوبين ولو كان ذلك لجاز تركهما مطلقا وليس كذلك بل لا يجوز تركهما إلا عند قيام الثلث

قال فقد وقع التخيير بين الواجب والمندوب بسبب أن التخيير وقع بين أقل وأكثر قلت لم يقع التخيير بين الواجب والمندوب وليس كون التخيير وقع بين أقل وأكثر سببا في ذلك

قال فهذا مفارق للتخيير بين خصال الكفارة قلت ليس مفارقا للتخيير بين خصال الكفارة بل هما سواء إلا عند من اعتراه الغلط فتوهم أن الجزء المنفرد المنفصل هو الجزء المجتمع المتصل

هامش إدرار الشروق

تخيير والخصوصيات متعلق التخيير من غير إيجاب ومتى وقع أي التخيير بين الجزء والكل كما في قوله تعالى فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة الآية فإن التخيير فيها وقع بين جزء وهما ركعتان وكل وهي أربع ركعات أو بين الأقل والأكثر كما في قوله تعالى يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا فإن التخيير فيها وقع بين الأقل والأكثر قال بعض العلماء خيره الله تعالى بين الثلث والنصف والثلثين لأن قوله تعالى أو انقص منه قليلا أي انقص من النصف

والمراد الثلث أو زد عليه أي على النصف السدس فيكون المراد الثلثين وكما في التخيير الذي أجمعت الأمة عليه لصاحب الدين على المعسر بين النظرة والإبراء فإن الإبراء لما كان يتضمن النظرة وترك المطالبة صار التخيير بينه وبين النظرة من باب التخيير بين الأقل والأكثر اقتضى ذلك عدم التسوية في الحكم ألا ترى أن الله تعالى خير المسافر في الآية الأولى بين ركعتين وهما واجبتان جزما لأنه لا يجوز تركهما إجماعا وبين الزائد عليهما وهو ليس بواجب لأنه يجوز تركه وما يجوز تركه لا يكون واجبا فوقع التخيير بين الواجب وما ليس بواجب على خلاف

____________________

(2/15)

المسألة الثانية قوله تعالى يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا قال بعض العلماء خيره الله تعالى بين الثلث والنصف والثلثين لأن قوله تعالى أو انقص منه قليلا أي انقص من النصف والمراد الثلث أو زد عليه أي على النصف والمراد بالزيادة على النصف السدس فيكون المراد الثلثين كذا وقع في تفسير هذه الآية وهذا تخيير وقع بين ثلاثة أشياء كخصال الكفارة ومع ذلك فالثلث واجب لا بد منه والنصف والثلثان مندوبان يجوز تركها وفعلهما أولى فقد وقع التخيير بين الواجب والمندوب بسبب أن التخيير وقع بين أقل وأكثر والأقل جزء فهذا مفارق للتخيير بين خصال الكفارة فتأمله فهو لا يكاد يخطر بالبال إلا أن التخيير يقتضي التسوية مطلقا

المسألة الثالثة قوله تعالى فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة

هامش أنوار البروق

قال فتأمله فهو لا يكاد يخطر بالبال إلا أن التخيير يقتضي التسوية مطلقا قلت يحق أن لا يخطر غير ذلك بالبال فإنه الأمر الذي لا ريب فيه

قال المسألة الثالثة قوله تعالى فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة الآية خير الله تعالى المسافر بين ركعتين أو أربع والركعتان واجبتان جزما والزائد ليس بواجب لأنه يجوز تركه وما يجوز تركه لا يكون واجبا وأما الركعتان فلا يجوز تركهما إجماعا قلت ما قاله من أن الركعتين واجبتان جزما ليس بصحيح كيف وله تركهما وإبدالهما بأربع وما قاله من أن الزائد يجوز تركه وما يجوز تركه لا يكون واجبا ليس بصحيح أيضا فإن ما ليس بواجب يجوز تركه مطلقا وهذا لا يجوز تركه مطلقا بل يجوز عند فعل بدله وما قاله من أن الركعتين لا يجوز تركهما إجماعا ليس بصحيح بل يجوز تركهما عند فعل بدلهما وهو الأربع وإنما أوجب غلطه توهمه أن الركعتين المنفردتين هما المجتمعتان مع الركعتين الأخريين من الأربع

هامش إدرار الشروق

المتعارف المعهود من قاعدة أن التخيير يقتضي التسوية مطلقا لأنه بين جزء وكل لا بين أشياء متباينة وأن الله تعالى خيره صلى الله عليه وسلم في الآية الثانية بين الثلث وهو واجب لا بد منه وبين النصف والثلثين وهما مندوبان يجوز تركهما وفعلهما أولى فوقع التخيير بين الواجب والمندوب على خلاف القاعدة المذكورة لأنه بين أقل وأكثر والأقل جزء وأن إجماع الأمة وقع بتخيير صاحب الدين على المعسر بين النظرة أي ترك المطالبة وهو واجب حتما وبين الإبراء المتضمن للنظرة وترك المطالبة وهو ليس بواجب إلا أنه أفضل في حقه على خلاف قاعدتين إحداهما قاعدة التخيير كما تقدم والثانية قاعدة أن الواجب أفضل من المندوب لأنه تخيير فيما هو باب الأقل والأكثر كما علمت ا ه وقال العلامة ابن الشاط والصحيح ما اعتقده جمهور الفقهاء وسطر في كتب الفقه وأصوله دون ما اختاره القرافي وارتضاه وما قاله من كون التخيير الواقع بين المتباينات يوجب التسوية وبين الأقل والأكثر والجزء والكل لا يوجبها باطل

أما أولا فلأن خصوصيات الكفارة وإن صح أنها متعلق التخيير وأن حكم كل خصلة منها حكم

____________________

(2/16)

الآية خير الله تعالى المسافر بين ركعتين أو أربع والركعتان واجبتان جزما والزائد ليس بواجب لأنه يجوز تركه وما يجوز تركه لا يكون واجبا وأما الركعتان فلا يجوز تركهما إجماعا فقد وقع التخيير بين الواجب وما ليس بواجب وهذا خلاف المتعارف المعهود من القاعدة وسببه أن التخيير وقع بين جزء وكل لا بين أشياء متباينة

هامش أنوار البروق

قال فقد وقع التخيير بين الواجب وما ليس بواجب وهذا خلاف المتعارف المعهود من القاعدة قلت لم يقع التخيير بين واجب وغير واجب فيحق أن يكون ما ادعاه وتوهمه خلاف المتعارف من القاعدة

قال وسببه أن التخيير قد وقع بين جزء وكل لا بين أشياء متباينة قلت ليس وقوع التخيير بين جزء وكل سببا فيما ذكر وقد سبق القول في مثل ذلك

قال المسألة الرابعة اجتمعت الأمة على أن صاحب الدين على المعسر مخير بين النظرة والإبراء وأن الإبراء أفضل في حقه قلت ما قاله ليس بصحيح ولا أجمعت الأمة على التخيير هنا بوجه أصلا بل النظرة للمعسر متعين وجوبها بنص الكتاب العزيز

قال تعالى وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ولكنه لما كان لرب الدين إبراء غريمه منه وإسقاطه موسرا كان أو معسرا عنه توهم أنه مخير بين الأمرين في حق المعسر وليس الأمر كذلك ولو كان كذلك لكان تسويغ الإبراء من الدين مختصا بالمعسر

هامش إدرار الشروق

الأخرى لم يصح ما قاله من أن ذلك لكونها أمورا متباينة ولا ما قاله من أن المشترك متعلق الوجوب وإلا لوجب الجميع بل إنما صح كون متعلق التخيير الخصوصيات وأن حكم إلخ لأن متعلق الوجوب واحد غير معين وهو مفهوم أحد الخصال كما علمت وأما ثانيا فلأنه لا يصح ما قاله من وجوب الركعتين جزما على المسافر لأنه يجوز تركهما إجماعا كيف والمسافر يجوز له تركهما وإبدالها بالأربع والذي أوجب غلطه توهمه أن الركعتين المنفردتين هما المجتمعتان مع الركعتين الأخريين من الأربع ولا ما قاله من أن الزائد يجوز تركه وما يجوز تركه لا يكون واجبا فإن ما ليس بواجب يجوز تركه مطلقا والزائد لا يجوز تركه مطلقا بل عند فعل بدله فلم يقع التخيير بين واجب وغير واجب ولم يكن سببه وقوع التخيير بين جزء وكل فما ادعاه وتوهمه خلاف المتعارف من القاعدة

وأما ثالثا فلأن الثلث ليس بواجب من حيث هو ثلث وإلا لكان واجبا معينا ولا يجوز ترك النصف والثلثين مطلقا حتى يكونا مندوبين بل عند قيام الثلث فلم يقع التخيير بين الواجب والمندوب ولا سببه وقوع التخيير بين أقل وأكثر بل التخيير هنا مساو للتخيير بين خصال الكفارة لا مفارق له إلا عند من اعتراه الغلط فتوهم أن الجزء المنفرد المنفصل هو الجزء المجتمع المتصل وأما رابعا فلأن الأمة لم تجمع على التخيير بين النظرة للمعسر وإبرائه بل النظرة له متعين وجوبها بنص الكتاب العزيز قال تعالى وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ولكنه لما كان لرب الدين إبراء غريمه منه وإسقاطه موسرا كان أو معسرا عنه توهم أنه مخير بين الأمرين في حق المعسر وليس كذلك وإلا لاختص تسويغ الإبراء من الدين بالمعسر واللازم باطل فكذا الملزوم على أنه ليس التخيير في هذه

____________________

(2/17)

المسألة الرابعة أجمعت الأمة على أن صاحب الدين على المعسر مخير بين النظرة والإبراء وأن الإبراء أفضل في حقه وأحدهما واجب حتما وهو ترك المطالبة والإبراء

هامش أنوار البروق

قال وأحدهما واجب حتما وهو ترك المطالبة قلت ذلك صحيح وهو معنى النظرة ولكن لا يلزم منه مقصوده

قال فصار من باب الأقل والأكثر قلت ليس من باب الأقل والأكثر ولكنه من باب الأخذ عند الميسرة أو الترك جملة ولا يقال في مثل هذا إنه أقل أو أكثر إلا بنوع من المجاز

قال وهذه المسألة مستثناة من قاعدتين إحداهما قاعدة التخيير كما تقدم والثانية قاعدة أن الواجب أفضل من المندوب فإن المندوب في هذه الصورة وهو الإبراء أفضل من الواجب الذي هو الإنظار قلت قد تقدم أن هذه المسألة ليست من قاعدة التخيير وما قاله من أن المندوب في هذه الصورة أفضل من الواجب لم يأت عليه بحجة ولعل الأمر في ذلك على خلاف ما زعم وغايته أو غاية من يحتج لقوله ذلك أن يقول النظرة إراحة للغريم من مؤنة الدين ما بينه وبين الميسرة والإبراء إراحة للغريم من مؤنة الدين بالكلية ولا شك أن الإراحة الكلية أعظم قدرا من الإراحة غير الكلية فتكون أعظم أجرا وما يحتج به المحتج من ذلك صحيح غير أن هذا المقام قاعدة وهو أن المعتبر في تفاضل الأعمال المتحدة تفاضل أحوال عامليها أولا ثم تفاضل الأعمال أنفسها ثانيا ثم تفاضل أحوال المنتفع بها إن كانت متعدية النفع ثالثا

والدليل على صحة هذا الترتيب قوله صلى الله عليه وسلم سبق درهم مائة ألف درهم

فلو كان المعتبر أولا تفاضل أحوال المنتفع لسبقت مائة الألف الدرهم لأنها

هامش إدرار الشروق

المسألة لا من باب الأخذ عند الميسرة أو الترك جملة ولا يقال في مثل هذا أنه أقل أو أكثر إلا بنوع من المجاز

فهذه المسألة ليست من قاعدة التخيير أصلا وما زعمه من أن المندوب فيها أفضل من الواجب وإن أمكن توجيهه بأن النظرة إراحة للغريم من مؤنة الدين ما بينه وبين الميسرة والإبراء إراحة للغريم من مؤنة الدين بالكلية ولا شك أن الإراحة الكلية أعظم قدرا من الإراحة غير الكلية فتكون أعظم أجرا إلا أن القاعدة هنا أن المعتبر في تفاضل الأعمال المتحدة تفاضل أحوال عامليها أولا ثم تفاضل الأعمال أنفسها ثانيا ثم تفاضل أحوال المنتفع بها إن كانت متعدية النفع ثالثا ودليل صحة هذا الترتيب قوله صلى الله تعالى عليه وسلم سبق درهم مائة ألف درهم فلو كان المعتبر أولا تفاضل أحوال المنتفع لسبقت مائة الألف الدرهم لأنها أعظم نفعا بالمشاهدة وإذا ثبت أن المعتبر أولا حال العامل فلا ريب أن تحمل وظيفة الإنظار التي حمل عليها بإيجابها عليه إليها أشق عليه من وظيفة الإبراء الموكولة إلى اختياره وهذا المعنى والله أعلم هو السبب الأعظم في أفضلية الفرائض على غيرها فلم تنخرم قاعدة أفضلية الواجبات على المندوبات ا ه

قلت وعلى ما قاله ابن الشاط فالصواب إبدال هذا الفرق بالفرق بين قاعدة المباح بالجزء المطلوب الفعل بالكل وبين قاعدة المباح بالجزء المطلوب الترك بالكل بمعنى أن المداومة عليه منهي عنها

قال العلامة أبو إسحاق في موافقاته اعلم أن المباح باعتباره في نفسه لا بالأمور الخارجة عنه هو المسمى بالمباح بالجزء وباعتباره بالأمور الخارجة عنه هو المسمى بالمطلوب بالكل والأول يطلق بإطلاقين الأول من حيث هو مخير فيه بين الفعل والترك والآخر من حيث يقال لا حرج فيه

____________________

(2/18)

ليس بواجب والسبب في هذا أن الإبراء يتضمن النظرة وترك المطالبة فصار من باب الأقل والأكثر وهذه المسألة مستثناة من قاعدتين إحداهما قاعدة التخيير كما تقدم والثانية قاعدة أن الواجب أفضل من المندوب فإن المندوب في هذه الصورة وهو الإبراء أفضل من الواجب الذي هو الإنظار فتحرر حينئذ الفرق بين القاعدتين وأن التخيير إذا وقع بين المتباينات اقتضى التسوية بين الأقل والأكثر والجزء والكل لا يقتضي التسوية بل يتحتم الأقل والجزء دون الزائد عليه

هامش أنوار البروق

أعظم نفعا بالمشاهدة وإذا ثبت أن المعتبر أولا حال العامل فلا ريب أن تحمل وظيفة الإنظار التي حمل عليها واضطر بإيجابها عليه إليها أشق عليه من وظيفة الإبراء الموكولة إلى اختياره وهذا المعنى والله أعلم هو السبب الأعظم في أفضلية الفرائض على غيرها وعلى هذا لا تنخرم قاعدة أفضلية الواجبات على المندوبات وما قال من كون التخيير الواقع بين المتباينات يوجب التسوية وبين الأقل والأكثر إلى آخره قد تبين بطلانه

هامش إدرار الشروق

والثاني على أربعة أقسام أحدها أن يكون خادما لأمر مطلوب الفعل والثاني أن يكون خادما لأمر مطلوب الترك والثالث أن يكون خادما لمخير فيه والرابع أن لا يكون فيه شيء من ذلك

فأما الأول فهو المباح بالجزء باعتباره في نفسه المطلوب الفعل بالكل باعتبار ما هو خادم له وأما الثاني فهو المباح بالجزء المطلوب الترك بالكل بالاعتبارين المذكورين بمعنى أن المداومة عليه منهي عنها وأما الثالث والرابع فراجعان إلى هذا القسم الثاني وذلك أن المباح إن كان خادما يعتبر بما يكون خادما له والخدمة إن كانت في طرق الترك كترك الدوام على التنزه في البساتين وسماع تغريد الحمام والغناء المباح كان ترك الدوام فيه هو المطلوب من حيث هو خادم لما يضاد الضروريات وهو الفراغ من الاشتغال بها وإن كانت في طرف الفعل كالاستمتاع بالحلال من الطيبات كان الدوام فيه بحسب الإمكان من غير سرف هو المطلوب من حيث هو خادم المطلوب وهو أصل الضروريات والخادم للمخير فيه على حكمه لأنه خادم له فصار مطلوب الترك أيضا لأنه صار خادما لقطع الزمان في غير مصلحة دين ولا دنيا فهو إذا خادم المطلوب الترك فصار مطلوب الترك بالكل

وأما الرابع فلما كان غير خادم لشيء يعتد به كان عبثا أو كالعبث عند العقلاء فصار مطلوب الترك أيضا لأنه صار خادما لقطع الزمان في غير مصلحة دين ولا دنيا فهو إذا خادم المطلوب الترك فصار مطلوب الترك بالكل وتلخص أن كل مباح ليس بمباح بإطلاق وإنما هو مباح بالجزء خاصة وأما بالكل فهو إما مطلوب الفعل أو مطلوب الترك مثلا هذا الثوب الحسن مباح اللبس قد استوى في نظر الشرع فعله وتركه فلا قصد له في أحد الأمرين وهذا معقول واقع بهذا الاعتبار المقتصر به على ذات المباح من حيث هو كذلك وهو من جهة ما هو وقاية للحر والبرد وموار للسوأة وجمال في النظر مطلوب الفعل وهذا النظر غير مختص بهذا الثوب المعين ولا بهذا الوقت المعين فهو نظر بالكل لا بالجزء ا ه بتغيير وتوضيح للمراد والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(2/19)

الفرق التاسع والأربعون بين قاعدة التخيير بين الأجناس المتباينة وبين قاعدة التخيير بين أفراد الجنس الواحد وتحرير الفرق بين هاتين القاعدتين يرجع إلى تحرير اصطلاح العلماء لا لمعنى يترتب عليه وذلك أنهم يسمون خصال الكفارة واجبا مخيرا ولا يسمون تخيير المكلف بين رقاب الدنيا في إعتاق الرقبة في كفارة الظهار وغيرها واجبا مخيرا وكذلك التخيير بين شياه الدنيا في إخراج شاة من أربعين شاة لا يسمونه واجبا مخيرا وكذلك دينار من أربعين دينارا والسترة بثوب من ذلك واجبا والوضوء بماء من مياه الدنيا وغير ذلك لا يسمون ذلك واجبا مخيرا بل يقصرون ذلك على خصال الكفارة ونحوها وضابط الفرق بين القاعدتين ما تقدم من أن التخيير متى وقع بين الأجناس المختلفة فهو الذي اصطلحوا على أنه واجب مخير ومتى وقع بين أفراد جنس واحد لا يكون هو المسمى بالواجب المخير فالعتق والإطعام والكسوة أجناس مختلفة والغنم كلها جنس واحد وكذلك الدنانير وغيرها من النظائر فهذا هو ضابط الفرق بين البابين

هامش أنوار البروق

قال الفرق التاسع والأربعون

والفرق الخمسون قلت ما قاله في هذين الفرقين صحيح والله أعلم

هامش إدرار الشروق

الفرق التاسع والأربعون بين قاعدة التخيير بين الأجناس المتباينة وبين قاعدة التخيير بين أفراد الجنس الواحد وضابط الفرق بينهما أن التخيير متى وقع بين الأجناس المختلفة كخصال الكفارة من العتق والإطعام والكسوة فهو الذي اصطلحوا على أنه يسمى واجبا مخيرا ومتى وقع بين أفراد جنس واحد كتخيير المكلف بين رقاب الدنيا في إعتاق الرقبة في كفارة الظهار وغيرها وبين شياه الدنيا في إخراج شاة من أربعين شاة وبين دنانير الدنيا في إخراج دينار من أربعين دينار أو بين مياه الدنيا في الوضوء بماء منها وبين ثياب الدنيا في الاستتار بثوب من ذلك ونحو ذلك من النظائر فهو الذي اصطلحوا على أنه لا يسمى واجبا مخيرا والله سبحانه وتعالى أعلم

والفرق الخمسون قلت ما قاله في هذين الفرقين صحيح والله أعلم

____________________

(2/20)

الفرق الخمسون بين قاعدة التخيير بين شيئين وأحدهما يخشى من عقابه وبين قاعدة التخيير بين شيئين وأحدهما يخشى من عاقبته لا من عقابه هذا الموضع أشكل على جماعة من الفضلاء وتحريره وبسطه وتقرير الفرق بينهما بأن نقول أما القسم الأول فمتعذر الوقوع ولا يمكن أن يخير الله تعالى بين شيئين وأحدهما يخشى من عقابه ويقول الله تعالى إن فعلت هذا بعينه عافيتك فهذا لا يجتمع مع التخيير أبدا وأما ما يخشى من عاقبته فوقوع التخيير فيه ممكن واقع وقد وقع ذلك فمنها ما وقع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء فجاءه جبريل عليه السلام بقدحين أحدهما لبن والآخر خمر فخيره بين شرب أيهما شاء فاختار اللبن فقال له جبريل عليه السلام اخترت الفطرة ولو اخترت الخمر لغوت أمتك فقال جماعة من الفضلاء المغوي حرام والفطرة مطلوبة فكيف يخير عليه السلام بين الحرام والمطلوب وجوده ومما يؤكد أنه حرام أن السبب للضلال حرام وشرب هذا القدح سبب ضلال الأمة كما قال جبريل عليه السلام فيكون حراما ومع ذلك فقد وقع التخيير بينه وبين اللبن

وهذا مشكل جدا فكيف يخير بين سبب

هامش أنوار البروق

فارغه

هامش إدرار الشروق

الفرق الخمسون بين قاعدة التخيير بين شيئين وأحدهما يخشى من عقابه وبين قاعدة التخيير بين شيئين وأحدهما يخشى من عاقبته لا من عقابه حيث قالوا يتعذر وقوع الأول وأنه لا يمكن أن يخير الله تعالى بين شيئين وأحدهما يخشى من عقابه إذ لا يجتمع العقاب على فعل المكلف أحد الأمور بعينه مع تخييره في فعل ما يختاره منها أبدا وقالوا يمكن وقوع الثاني بل قد وقع ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء فجاءه جبريل عليه السلام بقدحين أحدهما لبن والآخر خمر فخيره بين شرب أيهما شاء فاختار اللبن فقال له جبريل عليه السلام اخترت الفطرة ولو اخترت الخمر لغوت أمتك وقد استشكل هذا الحديث جماعة كثيرة من الفضلاء بأن شرب هذا القدح من الخمر سبب ضلال الأمة كما قال جبريل عليه السلام والسبب للضلال حرام فيكون حراما فكيف يقع التخيير له عليه الصلاة والسلام بينه وهو حرام وسبب الضلالة وبين اللبن الذي هو الفطرة المطلوبة الوجود وسبب الهداية وسر الفرق بين هاتين القاعدتين الذي يتضح به معنى الحديث المذكور ويندفع عنه الإشكال المذكور هو أن العقاب لما كان يرجع إلى المنع الناشئ عن الكلام النفساني كان تحريما لا يجتمع مع الإباحة التي هي عبارة عن الإذن الشرعي الناشئ عن الكلام النفساني لأنه ضدها وأن العاقبة لما كانت ترجع إلى أثر قدره الله تعالى وقدره في الحوادث لا بخطابه وكلامه لم تكن بينها وبين الإذن الشرعي الناشئ عن الكلام مضادة بدليل أن الأمة مجمعة على أن الإنسان يخير بين سكنى هاتين الدارين أو تزويج إحدى هاتين المرأتين أو شراء إحدى هاتين الفرسين فإذا اختار أحدهما بمقتضى أن الشرعي الناشئ عن الكلام النفساني أمكن أن يخبر المخبر عن الله تعالى أنك لو اخترت ما تركت من الدارين والمرأتين

____________________

(2/21)

الهداية وسبب الضلالة والجواب أن هذا من باب العاقبة لا من باب العقاب والممتنع هو الثاني دون الأول وبسطه أن العقاب يرجع إلى منع من الكلام النفساني فهو تحريم لا يجتمع مع الإباحة لأنه ضدها والعاقبة ترجع إلى أثر قدرة الله تعالى وقدره في الحوادث لا بخطابه وكلامه فلا مضادة بينهما وإنما يضاد الإذن من الكلام المنع من الكلام حتى يصير افعل لا تفعل أما أثر القدرة والقدر فلا يضاد الإذن بدليل أن الأمة مجمعة على أن الإنسان يخير بين سكنى هاتين الدارين مثلا أو تزوج إحدى هاتين المرأتين أو شراء إحدى هاتين الفرسين فإذا اختار أحدهما بمقتضى الإذن الشرعي الناشئ من الكلام النفساني أمكن أن يخبره المخبر عن الله تعالى أنك لو اخترت ما تركت من الدارين والمرأتين والفرسين لكان ذلك سبب ضلالك وهلاك مالك وذريتك وغير ذلك من سوء العاقبة كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما الشؤم في ثلاث المرأة والدار والفرس وقال بحمله على ظاهره جماعة من العلماء وكما جاء في الحديث الآخر أنه لما قيل له عليه السلام عن دار يا رسول الله سكناها والعدد وافر والمال كثير فذهب العدد والمال فقال عليه السلام دعوها ذميمة ولو لم ترد هذه الأحاديث فإنا نجوز أن يفعل الله تعالى ذلك في بعض الأشياء التي نلابسها ويجعل عاقبتها رديئة ومع ذلك لا ينافي ذلك التخيير الثابت بمقتضى الشرع الكائن في جميع هذه الصور وكذلك التخيير الواقع بين القدحين ليلة الإسراء وهو محقق ولم يكن شيء من ذلك محرما على رسول الله صلى الله عليه وسلم بل مأذون بإقدامه عليهما ولو أقدم على ذلك القدح من الخمر لم يكن إثما ولا عقاب فيه نعم فيه سوء العاقبة وقد تقدم أنها ترجع إلى أثر القدرة والقدر وما يخلقه الله تعالى في الحوادث من الضر والنفع لا للمنع النفسي المناقض للتخيير فظهر الفرق بين التخيير مع سوء العاقبة واتضح معنى الحديث الذي استشكله جماعة كثيرة من الفضلاء وأنه لموضع إشكال لولا هذا الفرق والله أعلم

هامش أنوار البروق

فارغه

هامش إدرار الشروق

والفرسين لكان ذلك سبب ضلالك وهلاك مالك وذريتك وغير ذلك من سوء العاقبة كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما الشؤم في ثلاث المرأة والدار والفرس

وقال بحمله على ظاهره جماعة من العلماء وكما جاء في الحديث الآخر أنه لما قيل له عليه السلام عن دار يا رسول الله سكناها والعدد وافر والمال كثير فذهب العدد والمال فقال عليه السلام دعوها ذميمة بل ولو لم ترد هذه الأحاديث فإنا نجوز أن يفعل الله تعالى ذلك في بعض الأشياء التي تلابسها ويجعل عاقبتها رديئة قال تعالى وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم وذلك لا ينافي التخيير الثابت بمقتضى الشرع الكائن في جميع هذه الصور فلذا وقع تخييره صلى الله تعالى عليه وسلم بين القدحين ليلة الإسراء وهو محقق ولم يكن شيء منهما محرما على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بل مأذون بإقدامه عليهما ولو أقدم على ذلك القدح من الخمر لم يكن فيه إثم ولا عقاب نعم فيه سوء العاقبة وقد تقدم أنها ترجع إلى أثر القدرة والقدر وما يخلقه الله تعالى في الحوادث من الضرر والنفع لا للمنع النفسي المناقض للتخيير والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(2/22)

الفرق الحادي والخمسون بين قاعدة الأعم الذي لا يستلزم الأخص عينا وبين قاعدة الأعم الذي يستلزم الأخص عينا اشتهر بين النظار والفضلاء في العقليات والفقهيات أن الأعم لا يستلزم أحد أنواعه عينا وإنما يستلزم الأعم مطلق الأخص لا أخص معينا وإنما يستلزم مطلق الأخص لضرورة وقوعه في الوجود فإن دخول الحقائق الكلية في الوجود مجردة محال فلا بد لها من شخص تدخل فيه ومعه فلذلك صار اللفظ الدال على وقوعها في الوجود يدل بطريق الالتزام على مطلق الأخص وهو أخص ما لا أخص معينا وهذا هو القول المطرد بين الفقهاء والنظار لا يكاد يختلف منهم في ذلك اثنان وليس الأمر كذلك بل الأمر في

هامش أنوار البروق

قال الفرق الحادي والخمسون بين قاعدة الأعم الذي لا يستلزم الأخص عينا وبين قاعدة الأعم الذي يستلزم الأخص عينا اشتهر بين النظار والفضلاء في العقليات والفقهيات أن الأعم لا يستلزم أحد أنواعه عينا وإنما يستلزم الأعم مطلق الأخص لا أخص معينا إلى قوله لا يكاد يختلف منهم في ذلك اثنان قلت ما اشتهر بين النظار هو القول الصحيح الذي لا يكاد يختلف فيه منهم اثنان ولا وجه هنا ليكاد

قال وليس الأمر كذلك بل الأمر في ذلك مختلف وهما قاعدتان مختلفتان قلت بل الأمر كذلك وليس الأمر في ذلك بمختلف وليس ها هنا قاعدتان بوجه بل هي قاعدة واحدة فهذا الفرق باطل

قال وتحرير ضبطهما والفرق بينهما أن الحقيقة العامة تارة تقع في رتب مترتبة بالأقل والأكثر والجزء والكل وتارة تقع في رتب متباينة

هامش إدرار الشروق

الفرق الحادي والخمسون بين قاعدة الأعم الذي لا يستلزم الأخص عينا وبين قاعدة الأعم الذي يستلزم الأخص عينا على ما زعمه الأصل من أنهما قاعدتان مختلفتان لا قاعدة واحدة هي أن الأعم لا يستلزم أحد أنواعه عينا وإنما يستلزم الأعم مطلق الأخص ضرورة أن دخول الحقائق الكلية في الوجود مجردة محال فلا بد لها من مطلق شخص تدخل معه فيه وتكون ماهية مخلوطة وماهية بشرط لا شيء خلاف لما اشتهر بين النظار والفضلاء في العقليات والفقهيات بناء على توهمه أن الأقل من الفعل كالمرة في حال الانفراد هو عين نفسه في حال اجتماعه مع غيره ككون المرة مع أخرى أو آخر حتى صح أن يوصف بالكثير والأكثر وكذلك الجزء منفردا عين نفسه مع الكل فقال إن الأعم إذا وقع في رتب مترتبة بالأقل والأكثر

____________________

(2/23)

ذلك مختلف وهما قاعدتان مختلفتان وتحرير ضبطهما والفرق بينهما أن الحقيقة العامة تارة في رتب مترتبة بالأقل والأكثر والجزء والكل وتارة تقع في رتب متباينة فمثال الأول مطلق الفعل الأعم من المرة الواحدة والمرات فالمرة رتبة دنيا والمرات رتبة عليا لأنها فوق المرة ومع ذلك فلا بد في دخول الفعل في الوجود من المرة الواحدة عينا لأنه إن وقع في المرات وقعت المرة وإن وقع مرة واحدة وقعت المرة الواحدة فالمرة الواحدة لازمة لدخول ماهية الفعل بالضرورة والماهية العامة الكلية مستلزمة لهذا النوع الأخص عينا بالضرورة وكذلك إخراج مطلق المال يدل بالالتزام على إخراج الأقل عينا وكذلك كل أقل مع أكثر الماهية الكلية مشتركة بينهما فيلزم أحد نوعيها عينا وهو الأقل بالضرورة كما تقدم فهذا ضابط هذه القاعدة وأما مثال قاعدة الأعم الذي لا يستلزم أحد أنواعه عينا فهذا هو

هامش أنوار البروق

قلت ذلك مسلم

قال فمثال الأول مطلق الفعل الأعم من المرة الواحدة والمرات فالمرة رتبة دنيا والمرات رتبة عليا لأنها فوق المرة قلت وذلك مسلم

قال ومع ذلك فلا بد في دخول الفعل في الوجود من المرة الواحدة عينا إلى قوله فهذا ضابط هذه القاعدة قلت ما أبعد قائل هذا الكلام عن التحقيق والتحصيل وهل يستريب ذو عقل أنه إذا دخل فعل ما في الوجود مرات أنه لم يدخل فيه مرة واحدة وأنه إذا دخل فيه مرة واحدة لم يدخل فيه مرات وكيف يصح في الأفهام شيء إذا احتاج النهار إلى دليل وما حمله على ما قاله إلا توهمه أن المرة الواحدة من الفعل المنفردة هي بعينها المجتمعة مع أخرى أو آخر ليس الأمر كما توهم كيف والمرة الواحدة مقيدة بقيد الانفراد والمرة المقرونة بأخرى أو آخر مقيدة بقيد الاجتماع والقيدان واضح تناقضهما وضوحا لا ريب فيه

هامش إدرار الشروق

والكل استلزم نوعه الأقل والجزء جزما ضرورة أنه لا بد لدخوله في الوجود مع الأقل والجزء عينا لأنه إن وقع في الأكثر والكل فقد وقع الأقل والجزء عينا وإن وقع في الأقل والجزء فقد وقعا عينا أيضا وأما إذا وقع الأعم في رتب متباينة كالحيوان إن وقع في نوعين متباينين هما الناطق والبهيم فإنه لا يستلزم أحد نوعيه عينا وإن كان لا يوجد إلا في ناطق أو بهيم لتباين نوعيه

فإذا قلنا في الدار حيوان لا يعلم أهو ناطق أو بهيم بخلاف ما إذا قال الموكل لوكيله بع فإن لفظه هذا يشعر بالثمن البخس الذي هو مطلق الثمن لأنه أدنى الرتب فلا بد منه بالضرورة فكان اللفظ دالا عليه بطريق الالتزام وثمن المثل الزائد على ذلك إنما دلت عليه العادة لا اللفظ فظهر بطلان قول من يقول إن لفظ بع لا دلالة على شيء من أنواعه لا ثمن المثل ولا الفاحش ولا الناقص وإنما تعين ثمن المثل من العادة لا من اللفظ

ا ه

قال ابن الشاط وما اشتهر بين النظار هو القول الصحيح الذي لا يختلف فيه منهم اثنان وليس هاهنا قاعدتان بل هي قاعدة واحدة لا تتفرع ولا تنقسم من الوجه الذي ذكره القرافي بوجه وما ذكره من الفرق باطل إنما أوقعه فيه

____________________

(2/24)

المهيع العام والأكثر في الحقائق الذي لا يكاد يعتقد غيره كالحيوان فإنه لا يستلزم الناطق ولا البهيم عينا من أنواعه مع أنه لا يوجد إلا في ناطق أو بهيم ولا يوجد في غيرهما وسبب عدم التزامه لأحدهما عينا تباينهما

فإذا قلنا في الدار حيوان لا يعلم أهو ناطق أو بهيم وكذلك حقيقة العدد لها نوعان الزوج والفرد وهي لا تستلزم أحدها عينا فإذا قلنا مع زيد عدد من الدراهم لا يشعر هل هو زوج أو فرد لحصول التباين بين الزوج والفرد وكذلك إذا قلنا لون حقيقة كلية لا إشعار للفظها بسواد ولا بياض بخصوصه نعم لا بد من خصوص لكن لا يتعين بخلاف القسم الأول يتعين فيه أحد الأنواع وبهذا التحرير يظهر بطلان قول من يقول إن قول الموكل لوكيله بع لا دلالة له على شيء من أنواع هذا اللفظ لا ثمن المثل ولا الفاحش ولا الناقص وإنما تعين ثمن المثل من العادة لا من اللفظ فنقول

هامش أنوار البروق

قال وأما مثال قاعدة الأعم الذي لا يستلزم أحد أنواعه عينا فهذا هو المهيع العام والأكثر في الحقائق الذي لا يكاد يعتقد غيره كالحيوان فإنه لا يستلزم الناطق ولا البهيم عينا من أنواعه مع أنه لا يوجد إلا في ناطق أو بهيم ولا يوجد في غيرهما إلى قوله بخلاف القسم الأول فيتعين فيه أحد الأنواع قلت قوله فهذا هو المهيع العام الأكثر ليس كما قال بل هو المهيع الذي لا مهيع سواه

وقوله بخلاف القسم الأول قد تبين أنه ليس بخلافه

قال وبهذا التحرير يظهر بطلان قول من يقول أن قول الموكل لوكيله بع لا دلالة له على شيء من أنواع هذا اللفظ لا ثمن المثل ولا الفاحش ولا الناقص وإنما تعين ثمن المثل من العادة لا من اللفظ فنقول أما قولهم إن ثمن المثل إنما تعين من جهة العادة لا من جهة اللفظ فصحيح قلت تسليمه ما سلم صحيح

قال وأما قولهم إن اللفظ لا إشعار له بشيء من هذه الأنواع فليس كذلك بل يشعر بالثمن

هامش إدرار الشروق

توهمه أن الأقل المنفصل جزء من الأكثر المتصل وأن المرة الواحدة من الفعل مقيدة بقيد الانفراد هي عين نفسها مقرونة بأخرى أو آخر ومقيدة بقيد الاجتماع وهو واضح البطلان وضوحا لا ريب فيه ضرورة أن الشيء مع غيره غيره في نفسه وأن قيد الانفراد يناقض قيد الاجتماع بلا شبهة بل لا يمكن أن يفوه أحد بأشد فسادا مما بناه على هذا التوهم من قوله إن قول الموكل لوكيله بع يدل التزاما على الثمن البخس الذي هو مطلق الثمن لأنه أدنى الرتب فلا بد منه بالضرورة وثمن المثل الزائد على ذلك إنما دلت عليه العادة لا اللفظ إذ كيف يدل اللفظ على ما لا يقصده المتكلم به ولا جرت عادة ولا عرف باستعماله فيه وهل يريد عاقل بيع مبيعه بالبخس من غير ضرورة إلى ذلك ثم كيف يكون البخس هو مطلق الثمن وهو أحد أنواع مطلق الثمن وهل يمكن أن يكون النوع هو البخس بعينه وهل يمكن اجتماع الإطلاق والتقييد في شيء واحد هذا كله خطأ فاحش لا ريب فيه ا ه

قلت وحيث ثبت بطلان هذا الفرق فالصواب إبداله بالفرق بين قاعدة العموم في خصوص العين وقاعدة العموم في خصوص الحال قال الإمام ابن العربي في كتابه أحكام القرآن من غريب فنون الترجيح ترجيح العموم في خصوص العين على العموم

____________________

(2/25)

أما قولهم إن ثمن المثل إنما تعين من جهة العادة لا من جهة اللفظ فصحيح وأما قولهم إن اللفظ لا إشعار له بشيء من هذه الأنواع فليس كذلك بل يشعر بالثمن البخس الذي هو مطلق الثمن لأنه أدنى الرتب فلا بد منه بالضرورة فكان اللفظ دالا عليه بطريق الالتزام والزائد على ذلك دلت عليه العادة فظهر الفرق بين القاعدتين ويحصل من هذا الفرق والفرق المتقدم في التخيير أن ذوات الرتب مستثناة من قاعدتين قاعدة التخيير فيختلف الحكم مع التخيير وقاعدة أن الأعم لا يستلزم الأخص عينا فإن الأعم فيها يستلزم الأخص عينا فتأمل ذلك فهو من نوادر المباحث

هامش أنوار البروق

البخس الذي هو مطلق الثمن لأنه أدنى الرتب فلا بد منه بالضرورة فكان اللفظ دالا عليه بطريق الالتزام والزائد على ذلك دلت عليه العادة قلت لا يمكن أن يفوه أحد بأشد فسادا من هذا الكلام وكيف يدل اللفظ على ما لا يقصده المتكلم به ولا جرت له عادة ولا عرف باستعماله فيه وهل يريد عاقل بيع مبيعه بالبخس من غير ضرورة إلى ذلك ثم كيف يكون البخس هو مطلق الثمن وهو أحد أنواع مطلق الثمن وهل يمكن أن يكون النوع هو البخس بعينه وهل يمكن اجتماع الإطلاق والتقييد في شيء واحد وهما نقيضان هذا كله خطأ فاحش لا ريب فيه وإنما أوقعه في ذلك توهمه أن الأقل المنفصل جزء من الأكثر المتصل وهو باطل كما سبق القول فيه والتنبيه عليه

قال فظهر الفرق بين القاعدتين إلى قوله فإن الأعم فيها يستلزم الأخص عينا قلت لم يظهر فرق والأصح أنهما قاعدتان بل قاعدة واحدة لا تتفرع ولا تنقسم من الوجه الذي ذكره بوجه وكذلك قاعدة التخيير التي أشار إليها قد تبين أنه لا فرق فيها بين المختلفين المخير بينهما وإن كان اختلافهما بالأقل والأكثر والجزء والكل

قال فتأمل ذلك فهو من نوادر المباحث قلت في اقتضائه من الخطأ إلى أبعد الغايات

هامش إدرار الشروق

في خصوص الحال وذلك أن بعض علمائنا قال إن دم الحيض كسائر الدماء يعفى عن قليله تمسكا بعموم قوله تعالى أو دما مسفوحا فإنه يتناول الكثير دون القليل وهو عموم في خصوص حال الدم

وقال البعض الآخر قليله وكثيره سواء في التحريم رواه أبو ثابت عن ابن القاسم وابن وهب وابن سيرين عن مالك تمسكا بقوله تعالى بل هو أذى فإنه يعم القليل والكثير وهو عموم في خصوص عين الدم فيترجح على الآخر لأن حال العين أرجح من حال الحال قال وقد بيناه في أصول الفقه وهو ما لم نسبق إليه ولم نزاحم عليه انتهى بتصرف والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(2/26)

@ 27 الفرق الثاني والخمسون بين قاعدة خطاب غير المعين وقاعدة الخطاب بغير المعين وتحرير الفرق بينهما أن الأول لم يقع في الشريعة والثاني واقع والسبب في ذلك والسر فيه أن خطاب المجهول يؤدي إلى ترك الأمر ويقول كل واحد من المكلفين ما تعين على الامتثال فإنه لم يقع الخطاب معي ولا نص علي فلا أفعل فتبطل مصلحة الأمر ولذلك لما كان خطاب فرض الكفاية يقتضي من حيث اللغة خطاب غير المعين كقوله تعالى ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وقوله فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ونحو ذلك مما يقتضي مخاطبا غير

هامش أنوار البروق

قال الفرق الثاني والخمسون بين قاعدة خطاب غير المعين وقاعدة الخطاب بغير المعين إلى قوله فتبطل مصلحة الأمر قلت ما قاله من إن خطاب غير المعين لم يقع في الشريعة إن أراد بالخطاب ما هو ظاهره من القصد للإفهام فما قاله صحيح وإن أراد بالخطاب التكليف والإلزام فما قاله غير صحيح فإنه لا مانع من أن يقول السيد لجماعة عبيده ليفعل أحدكم من غير تعيين الفاعل من قبلي ولا يفعله أحد غيره فمن فعله أثبته ومن شاركه فيه عاقبته وإن لم يفعل أحد منكم ذلك الفعل عاقبتكم أجمعين فالخطاب في هذا المثال متوجه إلى الجميع بأن يجتمعوا على تعيين أحدهم لذلك الفعل أو يعين من شاء منهم نفسه وهكذا هو فرض الكفاية الخطاب للجميع والتكليف لواحد غير معين منهم أو لجماعة غير معينة منهم وما قاله من أن السبب في ذلك والسر فيه أن خطاب المجهول يؤدي إلى ترك الأمر ليس كما قال فإنه يريد هنا على ما يقتضيه كلامه بعد بالخطاب التكليف ولا مانع منه من جهة العقل كما في

هامش إدرار الشروق

الفرق الثاني والخمسون بين قاعدة خطاب غير المعين وقاعدة الخطاب بغير المعين على مذهب الأصل المبني على قول علماء الأصول أن طلب الكفاية متوجه على الجميع لكن إذا قام به بعضهم سقط عن الباقين من أن خطاب غير المعين لم يقع في الشريعة إذ لو وقع لأدى إلى ترك الأمر ويقول كل واحد من المكلفين ما تعين على الامتثال فإنه لم يقع الخطاب معي ولا نص علي فلا أفعل فتبطل مصلحة الأمر ولذلك جعل صاحب الشرع الوجوب في فروض الكفايات متعلقا بالكل ابتداء على سبيل الجمع لتنبعث داعية كل واحد للفعل ليخلص عن العقاب فإذا فعل البعض سقط عن الكل وإن كان خطاب فرض الكفاية يقتضي من حيث اللغة خطاب غير المعين كقوله تعالى ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وقوله تعالى فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ونحو ذلك مما يقتضي مخاطبا غير معين وأما الخطاب بغير المعين

____________________

(2/27)

معين جعل صاحب الشرع الوجوب في فروض الكفايات متعلقا بالكل ابتداء على سبيل الجمع فإذا فعل البعض سقط عن الكل وسبب تعلقه بالكل ابتداء لئلا يتعلق الخطاب بغير معين مجهول فيؤدي ذلك إلى تعذر الامتثال فإذا وجب على الكل ابتداء انبعثت داعية كل واحد للفعل ليخلص عن العقاب فهذا هو خطاب غير المعين فعرف أنه غير واقع في الشريعة وأما الخطاب بغير المعين فهو واقع في الشريعة كثيرا جدا كالأمر بإخراج شاة غير معينة ودينار من أربعين والسترة بثوب ولم يعين الشرع في هذه المواطن شيئا من أشخاص ذلك المأمور به لتمكن المكلف من إيقاع غير المعين في ضمن معين من ذلك الجنس وقيام الحجة عليه بسبب ذلك فلا تتعذر مصلحة المأمور به بسبب عدم تعين المأمور به بخلاف عدم تعين المأمور الذي هو المكلف فظهر الفرق بين خطاب غير المعين وبين الخطاب بغير المعين ولنذكر من هذا الفرق مسألتين

هامش أنوار البروق

المثال السابق ولا من جهة الشرع كما في قوله تعالى ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وكما في قوله تعالى فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم وكما في قوله تعالى وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة إلى آخرها

وكل هذه الآيات وقع الخطاب فيها للجميع أو لمن يقوم مقام الجميع وهو النبي صلى الله عليه وسلم والتكليف لم يشمل الجميع ولا علق بمعين أما في الآيتين الأوليين فمطلقا وأما في آية

هامش إدرار الشروق

فهو واقع في الشريعة كثيرا جدا كالأمر بإخراج شاة غير معينة ودينار من أربعين والسترة بثوب ونحو ذلك مما لم يعين الشرع فيه شيئا من أشخاص المأمور به لتمكن المكلف من إيقاع غير المعين في ضمن معين من ذلك الجنس وقيام الحجة عليه بسبب ذلك فلا تتعذر مصلحة المأمور به بسبب عدم تعينه أي المأمور به بخلاف عدم تعين المأمور الذي هو المكلف كما علمت

قال ويؤخذ من القاعدة الإجماعية المتقدمة يعني قاعدة أن خطاب غير المعين لم يقع في الشريعة لما ذكر أن الأمر في قوله تعالى وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين متوجه على الجميع بالحضور عند حد الزناة حتى يفعل ذلك الحضور طائفة من المؤمنين فيسقط الأمر عن الباقين وإن اقتضى لفظ الآية أن المأمور بالحضور المذكور غير معين والقاعدة الثانية أعني قاعدة أن الخطاب بغير المعين واقع وجائز وإن اقتضت عدم توجه السؤال على قوله تعالى اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم من جهة عدم تعين الظن المحرم إلا أنه يتوجه عليه سؤالان من جهة أخرى أحدهما أن صاحب الشرع إذا حرم غير معين من جنس فإما أن يحرم الجميع ليجتنب ذلك المحرم وإما أن يدل بعد ذلك على نفسه فما الواقع ها هنا من هذين وجوابه أن الواقع ها هنا أما الأول بأن يحرم الجميع كما حرم في الأخت من الرضاع تختلط بأجنبيات والميتة تختلط بمذكيات

فإذا دل الدليل بعد ذلك على إباحة الظن عند أسبابه الشرعية كالظن المأذون فيه عند سماع البينات والمقومين والمفتين والرواة للأحاديث والأقيسة الشرعية وظاهر العمومات اعتبرناه تخصيصا لهذا العموم ولم نجتنبه بل لابسناه وأبقينا ما لا دليل على إباحته تحت نهي الآية وأما الثاني فهما دل الدليل على تحريم ظن حرمناه كالظن الناشئ عن قول الفاسق والنساء في الدماء وغيرها من المثيرات للظن التي حرم علينا اعتبار الظن الناشئ عنها وما لم يدل دليل على تحريمه

____________________

(2/28)

المسألة الأولى قوله تعالى وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين يقتضي أن المأمور ها هنا غير معين وهو خلاف ما تقدم والجواب عنه أن الأمر متوجه على الجميع بالحضور عند حد الزناة حتى يفعل ذلك طائفة من المؤمنين فيسقط الأمر على الباقين وهذا ليس مأخوذا من اللفظ بل من القاعدة الاجتماعية التي تقدمت

المسألة الثانية قوله تعالى اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم إشارة إلى ظن غير معين بالتحريم والخطاب بغير المعين يجوز من حيث إنه غير معين أن ها هنا سؤالين من جهة أخرى

السؤال الأول ما ضابط هذا الظن فإن صاحب الشرع إذا حرم شيئا ولم يعينه من جنس له حالتان تارة يدل بعد ذلك على نفسه وتارة يحرم الجميع ليجتنب ذلك المحرم فما الواقع ها هنا من هذين القسمين

هامش أنوار البروق

الصلاة فلم يشمل الجميع التكليف بإقامتها في حالة واحدة بل توجه التكليف إلى بعضهم بالدخول في الصلاة وإلى الباقين في تلك الحال بالحراسة ثم توجه التكليف بالدخول في الصلاة إلى الحارسين أولا وبالحراسة إلى المصلين أولا وهذه الآية أوضح الآيات في أن التكليف في فرض الكفاية لا يشمل الجميع من جهة أن الحالة تقتضي انقسام الجميع إلى قسمين كل قسم يقوم بواجب

هامش إدرار الشروق

أبحناه عملا بالبراءة قال ابن الشاط والأول عندي أظهر وأقوى والسؤال الثاني كيف صح النهي عن الظن وهو ضروري لأنه يهجم على النفس عند حضور أسبابه والضروري لا ينهى عنه وجوابه أن النهي هنا محمول على آثار الظن وسببه الذي هو التحدث عن الإنسان بما ظن فيه أو أذيته بطريق من الطرق بل يكف عن ذلك حتى يوجد سبب شرعي يبيحه ففي الآية مجاز بالحذف أي اجتنبوا كثيرا من سبب الظن على قول من يجعل المحذوف مجازا مطلقا أو مرسلا علاقته المسببية وذلك لأن القاعدة أن الخطاب في التكليف لا يتعلق إلا بمقدور مكتسب لا بالضروري اللازم الوقوع أو اللازم الامتناع فإذا ورد ما ظاهره تعلقه بغير مقدور صرف إما لثمرته كقوله تعالى ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله فالرأفة أمر يهجم على القلب قهرا عند حصول أسبابها فالنهي عنها نهي عن ثمرتها التي هي نقص الحد فيصير معنى الآية لا تنقص من مجاز التعبير بالسبب عن المسبب

كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وأما لسببه كقوله تعالى سارعوا إلى مغفرة من ربكم فالمغفرة مضافة إلى الله تعالى ليست مقدورة للعبد فالأمر بالمسارعة إليها أمر بالمسارعة لسببها والمعنى إما سارعوا إلى سبب مغفرة من باب الإضمار وإما أنه عبر بها عن سببها مجازا علاقته المسببية وهو كثير في الكتاب والسنة ولسان العرب هذا مذهب الأصل والحق خلافه وأن خطاب غير المعين بمعنى تكليفه وإلزامه وقع في الشريعة كما وقع بغير المعين بلا فرق

قال ابن الشاط إذ لا مانع منه وإن كان الخطاب بمعنى القصد للإفهام لم يقع في الشريعة إلا للجميع لا من جهة العقل بأن يقول السيد لجماعة عبيده ليفعل أحدكم من غير تعيين الفاعل من قبلي ولا يفعله أحد غيره فمن فعله أثبته ومن شاركه فيه عاقبته وإن لم يفعل أحد منكم ذلك الفعل عاقبتكم أجمعين فالخطاب في هذا المثال متوجه إلى الجميع بأن يجتمعوا على تعيين أحدهم لذلك الفعل أو يعين من

____________________

(2/29)

السؤال الثاني الظن يهجم على النفس عند حضور أسبابه والضروري لا ينهى عنه فكيف صح النهي عنه ها هنا والجواب عن الأول أن نقول لنا ها هنا طريقان أحدهما أن نقول المحرم الجميع حتى يدل الدليل على إباحة البعض فيخرج من العموم كما إذا حرم الله تعالى أخته من الرضاعة واختلطت بأجنبيات فإنهن يحرمن كلهن وكذلك الميتة مع المذكيات إذا اختلطن فإذا دل الدليل بعد ذلك على إباحة الظن عند أسبابه الشرعية لابسناه ولم نجتنبه وكان ذلك تخصيصا لهذا العموم وذلك كالظن المأذون فيه عند سماع البينات والمقومين والمفتين والرواة للأحاديث والأقيسة الشرعية وظاهر العمومات فإن هذه المواطن كلها تحصل الظنون المأذون في العمل بها فأي شيء من الظنون دل الدليل عليه اعتبرناه وما لا دليل عليه أبقيناه تحت نهي الآية

هامش أنوار البروق

يتعذر قيام القسم الآخر به في تلك الحال لقيامه فيها بالواجب الآخر وقول من يقول يتوجه التكليف بفرض الكفاية إلى الجميع ثم يسقط عن البعض بفعل البعض لا دليل ألبتة عليه ولا ضرورة من جهة العقل والنقل تدعو إليه ولم يحمل القائلين بذلك القول عليه إلا توهمهم أن الخطاب بمعنى الإفهام يلزم منه الخطاب بمعنى الإلزام أو توهمهم أن الخطابين بمعنى واحد وليس الأمر كما توهموه

قال ولذلك لما كان خطاب فرض الكفاية يقتضي من حيث اللغة غير المعين كقوله تعالى

هامش إدرار الشروق

شاء منهم نفسه وهكذا هو فرض الكفاية الخطاب للجميع والتكليف لواحد غير معين منهم أو لجماعة غير معينة منهم ولا من جهة الشرع كما في قوله تعالى ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وكما في قوله تعالى فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم وكما في قوله تعالى وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة إلى آخرها فكل هذه الآيات وقع الخطاب للجميع أو لمن يقوم مقام الجميع وهو النبي صلى الله عليه وسلم والتكليف لم يشمل الجميع ولا علق بمعين أما في الآيتين الأوليين فمطلقا وأما في آية الصلاة فلم يشمل الجميع التكليف بإقامتها في حالة واحدة بل توجه التكليف إلى بعضهم بالدخول في الصلاة وإلى الباقين في تلك الحال بالحرابة ثم توجه التكليف بالدخول في الصلاة إلى الحارسين أولا وبالحرابة إلى المصلين أولا وهذه الآية أوضح الآيات في أن التكليف في فرض الكفاية لا يشمل الجميع من جهة أن الحالة تقتضي انقسام الجميع إلى قسمين كل قسم يقوم بواجب يتعذر قيام القسم الآخر به في تلك الحال لقيامه فيها بالواجب الآخر فلم يظهر الفرق بين الخطاب لغير المعين والخطاب بغير المعين من الوجه الذي زعم انتهى

وصل وأما ما بنى عليه الأصل مذهبه من قول علماء الأصول أن طلب الكفاية متوجه على الجميع لكن إذا قام به بعضهم سقط عن الباقين فقال ابن الشاط إنه قول لا دليل ألبتة عليه ولا ضرورة من جهة العقل والنقل تدعو إليه ولم يحمل القائلين به عليه إلا توهمهم أن الخطاب بمعنى الإفهام يلزم منه الخطاب بمعنى الإلزام أو توهمهم أن الخطابين لمعنى واحد ليس الأمر كما توهموه ا ه

وقال الشيخ أبو إسحاق في موافقاته وما قاله علماء الأصول صحيح من جهة كلي الطلب وأما من

____________________

(2/30)

الطريق الثاني في الجواب عن هذا السؤال أن نقول لا نقول بالعموم في تحريم جميع الظنون بل نقول هذا البعض المشار إليه بالتحريم من الظن بعينه في الأدلة الشرعية مهم دل الدليل على تحريم ظن حرمناه كالظن الناشئ عن قول الفاسق والنساء في الدماء وغيرها من المثيرات للظن التي حرم علينا اعتبار الظن الناشئ عنها وما لم يدل فيه دليل على تحريمه قلنا هو مباح عملا بالبراءة فهذا هو الجواب عن السؤال الأول وأما الجواب عن السؤال الثاني فنقول قاعدة وهي أن الخطاب في التكليف لا يتعلق إلا بمقدور مكتسب دون الضروري اللازم الوقوع أو اللازم الامتناع فإذا ورد خطاب وكان متعلقه مقدورا حمل عليه نحو أقيموا الصلاة أو غير مقدور صرف الخطاب لثمرته أو لسببه ومثال ما يحمل على ثمرته قوله تعالى ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله

هامش أنوار البروق

ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وقوله فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين الآية ونحو ذلك مما يقتضي مخاطبا غير معين جعل صاحب الشرع الوجوب في فروض الكفايات متعلقا بالكل ابتداء على سبيل الجمع فإذا فعل البعض سقط عن الكل قلت لم يجعل صاحب الشرع الوجوب في فروض الكفايات متعلقا بالكل بل بالبعض غير المعين ولا دليل على ما ذهب إليه ولا ضرورة تحمل عليه

هامش إدرار الشروق

جهة جزئيه ففيه تفصيل وينقسم أقساما وربما تشعب تشعبا طويلا ولكن الضابط للجملة من ذلك أن الطلب وارد على البعض ولا على البعض كيف كان ولكن على من فيه أهلية القيام بذلك الفعل المطلوب لا على الجميع عموما والدليل على ذلك أمور أحدها النصوص الدالة على ذلك كقوله تعالى وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة فورد التخصيص على طائفة لا على الجميع وقوله ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف الآية وقوله تعالى وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم الآية إلى آخرها وفي القرآن من هذا النحو أشياء كثيرة ورد الطلب فيها نصا على البعض لا على الجميع

والثاني ما ثبت من القواعد الشرعية القطعية في هذا المعنى كالإمامة الكبرى أو الصغرى فإنها إنما تتعين على من فيه أوصافها المرعية لا على كل الناس وسائر الولايات بتلك المنزلة إنما يطلب بها شرعا باتفاق من كان أهلا للقيام بها والغناء أي النفع فيها وكذلك الجهاد حيث يكون فرض كفاية إنما يتعين القيام به على من فيه نجدة وشجاعة وما أشبه ذلك من الخطط الشرعية إذ لا يصح أن يطلب بها من لا يبدي فيها ولا يعيد فإنه من باب تكليف ما لا يطاق بالنسبة إلى المكلف ومن باب العبث بالنسبة إلى المصلحة المجتلبة أو المفسدة المستدفعة وكلاهما باطل شرعا والثالث ما وقع من فتاوى العلماء وما وقع أيضا في الشريعة من هذا المعنى فمن ذلك ما روي عن محمد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وقد قال لأبي ذر يا أبا ذر إني أراك ضعيفا وإني أحب لك ما أحب لنفسي لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم وكلا الأمرين من فروض الكفاية ومع ذلك فقد نهاه عنهما فلو فرض إهمال الناس لهما لم يصح أن يقال بدخول أبي ذر في حرج الإهمال ولا من كان مثله وفي الحديث لا تسأل

____________________

(2/31)

فالرأفة أمر يهجم على القلب قهرا عند حصول أسبابها فيتعين الحمل على الثمرة والآثار وهو تنقيص الحد فيصير معنى الآية لا ننقص الحد قال ابن عباس ويكون من مجاز التعبير بالسبب عن المسبب

ومثال ما هو غير مقدور ويحمل على سببه قوله تعالى سارعوا إلى مغفرة من ربكم والمغفرة مضافة إلى الله تعالى ليس مقدورة للعبد فيتعين الحمل على سبب المغفرة فيصير معنى الكلام سارعوا إلى سبب مغفرة من ربكم فيكون ذلك من باب الإضمار أو عبر بالمغفرة عن سببها من مجاز التعبير بالمسبب عن السبب عكس الأول وقوله تعالى فطلقوهن لعدتهن والطلاق الذي هو التحريم غير مقدور للعبد لأنه كلام الله تعالى وصفته القديمة فيتعين حمله على سببه الذي هو قول الزوج أنت طالق ويكون ذلك من باب التعبير بالسبب عن المسبب وقوله تعالى ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون والموت لا ينهى عنه

هامش أنوار البروق

قال وسبب تعلقه بالكل ابتداء لئلا يتعلق الخطاب بغير معين مجهول فيؤدي ذلك إلى تعذر الامتثال قلت لا يتعلق الخطاب بمعنى الإفهام إلا بالكل والإلزام والتكليف للبعض ولا يتعذر الامتثال على هذا الوجه ولا يحتاج إلى تعلق التكليف بالكل ثم سقوطه عن البعض بفعل البعض

قال فإذا وجب على الكل ابتداء انبعثت داعية كل واحد للفعل ليخلص من العقاب قلت وإذا وجب على البعض غير المعين مع مخاطبة الكل على وجه أنهم متى أهملوا القيام بذلك

هامش إدرار الشروق

الإمارة

وهذا النهي يقتضي أنها غير عامة الوجوب ونهى أبو بكر رضي الله تعالى عنه بعض الناس عن الإمارة فلما مات رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وليها أبو بكر فجاءه الرجل فقال نهيتني عن الإمارة ثم وليت فقال له وأنا الآن أنهاك عنها واعتذر له عن ولايته هو بأنه لم يجد من ذلك بدا وروي أن تميما الداري استأذن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما في أن يقص فمنعه من ذلك وهذا النوع من القصص الذي طلبه تميم رضي الله تعالى عنه من مطلوبات الكفاية وروي نحوه عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وعلى هذا المهيع جرى العلماء في تقرير كثير من فروض الكفاية فقد جاء عن مالك أنه سئل عن طلب العلم أفرض هو فقال أما على كل الناس فلا يعني به الزائد على الفرض العيني

وقال أيضا أما من كان فيه موضع للإمامة فالاجتهاد في طلب العلم عليه واجب والأخذ في العناية بالعلم على قدر النية فيه فأنت تراه قسم فجعل من فيه قبولية للإمامة مما يتعين عليه ومن لا جعله مندوبا إليه وفي ذلك بيان أنه ليس على كل الناس وقال سحنون من كان أهلا للإمامة وتقليد العلوم ففرض عليه أن يطلبها لقوله تعالى ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ومن لا يعرف المعروف كيف يأمر به أو لا يعرف المنكر كيف ينهى عنه وبالجملة فالأمر في هذا المعنى واضح وباقي البحث في المسألة موكول إلى علم الأصول وبيان بعض تفاصيل هذه الجملة ليظهر وجهها ونتبين صحتها بحول الله هو أن الله عز وجل خلق الخلق غير عالمين بوجوه مصالحهم لا في الدنيا ولا في الآخرة ألا ترى إلى قوله تعالى والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا ثم وضع فيهم العلم بذلك على التدريج والتربية تارة بالإلهام كما يلهم الطفل التقام الثدي ومصه وتارة بالتعليم فطلب الناس بالتعلم والتعليم لجميع ما يستجلب به المصالح أو كافة ما تدرأ به المفاسد إنهاضا لما جبل فيهم من تلك الغرائز

____________________

(2/32)

فيتعين حمله على سبب يقتضي حصول الموت في حالة الإسلام وهو تقديم الإسلام قبل ذلك والتصميم عليه فيأتي الموت حينئذ في حالة الإسلام وهو كثير في الكتاب والسنة ولسان العرب فكذلك هاهنا لما تعذر حمل الأمر على الظن نفسه فتعين حمله على آثاره من باب التعبير بالمسبب عن السبب وآثاره التحدث عن الإنسان بما ظن فيه أو أذيته بطريق من الطرق بل يكف عن ذلك حتى يوجد سبب شرعي يبيح ذلك

هامش أنوار البروق

الواجب كلهم لزمهم العقاب ومتى قام به بعضهم المعين بتعيينهم إياه أو بانبعاثه إلى ذلك وعلمهم بذلك إن كان محلا لإمكان العلم أو ظنهم ذلك إن كان محلا يتعذر فيه العلم خصه الثواب انبعثت داعية كل واحد للفعل أو العلم أو الظن بأن غيري انبعث لذلك

قال وأما الخطاب بغير المعين فهو كثير جدا إلى قوله ولنذكر من هذا الفرق مسألتين قلت ما قاله من أن الخطاب بغير المعين كثير جدا صحيح وما قاله من أنه بخلاف عدم تعيين المأمور الذي هو المكلف ليس بصحيح كما سبق فلم يظهر الفرق بين الخطابين من الوجه الذي زعم

قال المسألة الأولى إلى آخرها قلت ما قاله في هذه المسألة ليس بصحيح لما سبق بيانه

قال المسألة الثانية قوله تعالى اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم إشارة إلى ظن غير معين بالتحريم والخطاب بغير المعين يجوز من حيث إنه غير معين

هامش إدرار الشروق

الفطرية والمطالب الإلهامية لأن ذلك كالأصل للقيام بتفاصيل المصالح كان ذلك من قبيل الأفعال أو الأقوال أو العلوم والاعتقادات أو الآداب الشرعية أو العادية

وفي أثناء العناية بذلك يقوى في كل واحد من الخلق ما فطر عليه وما ألهم إليه من تفاصيل الأحوال والأعمال فيظهر فيه وعليه ويبرز فيه أقرانه ممن لم يهيأ تلك التهيئة فلا يأتي زمان التعقل إلا وقد نجم على ظاهره ما فطر عليه في أوليته فترى واحدا قد تهيأ لطلب العلم وآخر لطلب الرياسة وآخر للتصنع ببعض المهن المحتاج إليها وآخر للصراع والنطاح إلى سائر الأمور هذا وإن كان كل واحد قد غرز فيه التصرف الكلي فلا بد في غالب العادة من غلبة البعض عليه فيرد التكليف عليه معلما ومؤدبا في حالته التي هو عليها فعند ذلك ينهض الطلب على كل مكلف في نفسه من تلك المطلوبات بما هو ناهض فيه ويتعين على الناظرين فيهم الالتفات إلى تلك الجهات فيراعونهم بحسبها ويراعونها إلى أن تخرج في أيديهم على الصراط المستقيم ويعينونهم على القيام بها ويحرضونهم على الدوام فيها حتى يبرز كل واحد منهم فيما غلب عليه ومال إليه من تلك الخطط ثم يخلى بينهم وبين أهلها فيعاملونهم بما يليق بهم ليكونوا من أهلها إذا صارت لهم كالأوصاف الفطرية والمدركات الضرورية فعند ذلك يحصل الانتفاع وتظهر نتيجة تلك التربية

فإذا فرض مثلا واحد من الصبيان ظهر عليه حسن إدراك وجودة فهم ووفور حفظ لما يسمع وإن كان مشاركا في غير ذلك من الأوصاف ميل به نحو ذلك القصد وهذا واجب على الناظر فيه من حيث الجملة مراعاة لما يرجى فيه من القيام بمصلحة التعليم فطلب بالتعلم وأدب بالآداب المشتركة بجميع العلوم ولا بد أن يمال منها إلى بعض فيؤخذ به ويعان عليه ولكن على الترتيب الذي نص عليه ربانيو العلماء فإذا دخل في ذلك البعض فمال به طبعه إليه على الخصوص وأحبه أكثر من غيره ترك وما أحب وخص بأهله فوجب عليهم إنهاضه فيه حتى

____________________

(2/33)

فارغة

هامش أنوار البروق

قلت هكذا وقع هذا اللفظ ولعله فيه تصحيف أو فيه تغيير

قال غير أن ها هنا سؤالين من جهة أخرى الأول ما ضابط هذا الظن إلى قوله فهذا هو الجواب عن السؤال الأول قلت الطريقان اللذان ذكرهما محتملان غير أن الأول عندي أظهر وأقوى والله أعلم

قال وأما الجواب عن السؤال الثاني إلى آخره قلت ما قاله في ذلك صحيح ظاهر

هامش إدرار الشروق

يأخذ منه ما قدر له من غير إهمال له ولا ترك لمراعاته ثم إن وقف هنالك فحسن وإن طلب الأخذ في غيره أو طلب به فعل معه فيه ما فعل فيما قبله هكذا إلى أن ينتهي كما لو بدأ بعلم العربية مثلا فإنه الأحق بالتقديم فإنه يصرف إلى معلميها فصار من رعيتهم وصاروا هم رعاة له فوجب عليهم حفظه فيما طلب بحسب ما يليق به وبهم فإذا انتهض عزمه بعد إلى أن صار يحذق القرآن صار من رعية مفسريه وصاروا هم رعاة له كذلك

ومثله إن طلب الحديث أو التفقه في الدين إلى سائر ما يتعلق بالشريعة من العلوم وهكذا الترتيب فيمن ظهر عليه وصف الإقدام والشجاعة وتدبير الأمور فيمال به نحو ذلك ويعلم آدابه المشتركة ثم يصار به إلى ما هو الأولى فالأولى من صنائع التدبير كالعرافة أو النقابة أو الجندية أو الهداية أو الإمامة أو غير ذلك مما يليق به وما ظهر له فيه نجابة ونهوض وبذلك يتربى لكل فعل هو فرض كفاية قوم لأنه سير أولا في طريق مشترك فحيث وقف السائر وعجز عن السير فقد وقف في مرتبة محتاج إليها في الجملة وإن كان به قوة زاد في السير إلى أن يصل إلى أقصى الغايات في المفروضات الكفائية وهي التي يندر من يصل إليها كالاجتهاد في الشريعة والإمارة فبذلك تستقيم أحوال الدنيا وأعمال الآخرة فليس الترقي في طلب الكفاية على ترتيب واحد ولا هو على الكافة بإطلاق ولا على البعض بإطلاق ولا هو مطلوب من حيث المقاصد دون الوسائل ولا بالعكس بل لا يصح أن ينظر فيه نظر واحد حتى يفصل بنحو من هذا التفصيل ويوزع في أهل الإسلام بمثل هذا التوزيع وإلا لم ينضبط القول فيه بوجه من الوجوه من التجوز لأن القيام بذلك الفرض قيام بمصلحة عامة فهم مطلوبون بسدها على الجملة فبعضهم هو قادر عليها مباشرة وذلك من كان لها أهلا والباقون وإن لم يقدروا عليها قادرون على إقامة القادرين فمن كان قادرا على الولاية فهو مطلوب بإقامتها ومن لا يقدر عليها مطلوب بأمر آخر وهو إقامة ذلك القادر وإجباره على القيام بها فالقادر إذا مطلوب بإقامة الفرض وغير القادر مطلوب بتقديم ذلك القادر إذ لا يتوصل إلى قيام القادر إلا بالإقامة من باب ما لا يتم الواجب إلا به وبهذا الوجه يرتفع مناط الخلاف فلا يبقى للمخالفة وجه ظاهر ا ه كلام أبي إسحاق بتغيير ما والله أعلم

____________________

(2/34)

الفرق الثالث والخمسون بين قاعدة إجزاء ما ليس بواجب عن الواجب وبين قاعدة تعين الواجب أما إجزاء ما ليس بواجب عن الواجب فهو خلاف الأصل فلو صلى الإنسان ألف ركعة ما أجزأت عن صلاة الصبح ودفع ألف دينار صدقة لا تجزئ عن دينار الزكاة وغير ذلك ووقع في المذهب في سبع مسائل الأولى إذا توضأ مجددا ثم تيقن أنه كان محدثا هل يجزئه أم لا قولان والمذهب عدم الإجزاء

الثانية إذا اغتسل لجمعته ناسيا لجنابته المذهب عدم الإجزاء وقيل تجزئ

الثالثة إذا نسي لمعة من الغسلة الأولى في وضوئه وكان غسلها بنية الفرض هل تجزئه إذا غسل الثانية بنية السنة قولان في المذهب ومقتضاه عدم الإجزاء كالتجديد

الرابعة إذا سلم من اثنين ساهيا ثم قام فصلى ركعتين بنية النافلة هل

هامش أنوار البروق

قال الفرق الثالث والخمسون بين قاعدة إجزاء ما ليس بواجب عن الواجب وبين قاعدة تعين الواجب إلى قوله فهذا الذي رأيته وقع من هذه القاعدة في المذهب قلت إجزاء ما ليس بواجب عن الواجب خلاف الأصل كما

قال وذكر ما وقع في المذهب من

هامش إدرار الشروق

الفرق الثالث والخمسون بين قاعدة إجزاء ما ليس بواجب عن الواجب وبين قاعدة تعين الواجب المخير والفرق بينهما من جهتين الأولى أن الواجب في القاعدة الأولى خصوص معين من قبل الآمر لا موكول تعينه إلى خيرة المأمور والواجب في القاعدة الثانية خصوص غير معين من قبل الآمر وإنما تعينه موكول إلى خيرة المأمور والجهة الثانية أن القاعدة الأولى لما تعين فيها الواجب من قبل الآمر كان الأصل عدم إجزاء غيره عنه وإنما جرى إجزاء غير الواجب عنه على خلاف الأصل في إحدى عشرة مسألة في المذهب أشار لها الشيخ أبو العباس أحمد بن عبد الله الزواوي كما في كبير ميارة على نظم ابن عاشر بقوله مسائل يجري نقلها عن فريضة شذوذا فلا تتبع سوى قول شهرة مجدد طهر ساهيا وهو محدث ولمعة عضو طهرت بفضيلة وآت بغسل ساهيا عن جنابة نوى جمعة واحكم لتارك سجدة من الفرض يأتي بالسجود لسهوه ومبطلها يأتي بخامس ركعة ومن لم يسلم ظن فيها سلامه وآت بنفل قبل ختم فريضة ومن لم يسلم أو يظن سلامه لثالثة قد قام فافهم بصورة ويجزئ في المشهور من طاف عندهم طواف وداع ذاهلا عن إفاضة وذو متعة قد ساق هدي تطوع فيجزئ قد قالوا لواجب متعة وقد قاله ابن الماجشون إذا رمى جمارا لسهو لا يعيد لجمرة

____________________

(2/35)

تجزئاه عن ركعتي الفرض أم لا قولان

الخامسة إذا ظن أنه سلم من فرضه فصلى بقية فرضه بنية النافلة هل يجزئه أم لا قولان السادسة إذا سها عن سجدة من الركعة الأولى وقام إلى خامسة ساهيا هل تجزئه عن الركعة التي نسي منها السجدة أم لا قولان

السابعة إذا نسي طواف الإفاضة وقد طاف طواف الوداع وراح إلى بلده أجزأه طواف الوداع عن طواف الإفاضة

فهذا هو الذي رأيته وقع من هذه القاعدة في المذهب وأما قاعدة تعين الواجب فليس على خلاف الأصل وتحريره أنه حينئذ يعتقد أن المرأة والعبد والمسافر ونحوهم لما لم تجب عليهم الجمعة فإذا حضروها أجزأت عنهم مع أنها غير واجبة فيكون من باب إجزاء ما ليس بواجب عن الواجب وليس كذلك بل الواجب عليهم إحدى الصلاتين إما الظهر وإما الجمعة فالواجب هو القدر المشترك بين الصلاتين وهو مفهوم إحداهما كالواجب في خصال الكفارة إحدى الخصال فإذا أحرم العبد بالجمعة فقد أحرم بإحدى الصلاتين

هامش أنوار البروق

ذلك وفيه قولان مسألة المجدد والمغتسل للجمعة ناسيا للجنابة وناسي اللمعة من الغسلة الأولى وهذه الثلاث مسائل من الطهارة ويحتمل عندي أن لا يكون القائل بالإجزاء في هذه بنى قوله على هذا الأصل بل على أن كل واحد من الموقعين لهذه الطهارات إنما أراد بها إحراز كمالها والكمال في رأيه يتضمن الإجزاء بخلاف رأي غيره من أن الكمال لا يتضمن الإجزاء فيكون الخلاف في الإجزاء وعدمه مبنيا على الخلاف في ذلك فلا تكون ثلاث مسائل من إجزاء ما ليس بواجب عن الواجب من هذا الوجه

ويحتمل أن لا يكون القائل أيضا بالإجزاء بنى قوله على ذلك الأصل بل على أن الطهارة لا يشترط فيها تعيين نية الفرض ولا نية النفل فلا يكون على هذا من إجزاء ما ليس بواجب عن الواجب وأما مسألة المسلم من اثنتين والظان أنه سلم فمن ذلك أعني من إجزاء ما ليس بواجب عن الواجب على أحد القولين وأما السادسة وهي مسألة الساهي عن سجدة من الأولى القائم إلى خامسة فيحتمل أيضا أن لا يكون من إجزاء ما ليس بواجب عن الواجب من جهة أنه إنما قام في الخامسة لأداء بقية فرضه فيما يعتقد وأما السابعة وهي ناسي طواف الإفاضة فمن تلك لكنه لم

هامش إدرار الشروق

وبيانها أنها على ثلاثة أقسام القسم الأول محتو على ثلاث مسائل من الطهارة وقعت في المذهب على قولين بالإجزاء وعدمه مشهورهما الثاني وذكرها الأصل بقوله الأولى إذا توضأ مجددا ثم تيقن أنه كان محدثا هل يجزئه أم لا قولان والمذهب عدم الإجزاء

الثانية إذا اغتسل لجمعة ناسيا لجنابته المذهب عدم الإجزاء وقيل تجزئ الثالثة إذا نسي لمعة من الغسلة الأولى في وضوئه وكان غسلها بنية السنة قولان في المذهب ومقتضاه عدم الإجزاء كالتجديد ا ه

قال ابن الشاط ويحتمل عندي أن لا يكون القائل بالإجزاء في هذه بنى قوله على هذا الأصل أي إجزاء ما ليس بواجب عن الواجب بل على أن كل واحد من الموقعين لهذه الطهارات إنما أراد بها إحراز كمالها والكمال في رأيه يتضمن الأجزاء بخلاف رأي غيره من أن الكمال لا يتضمن الإجزاء فيكون الخلاف في الإجزاء وعدمه مبنيا على الخلاف في ذلك فلا تكون هذه الثلاث المسائل من إجزاء ما ليس بواجب عن الواجب من هذا الوجه ويحتمل أن لا يكون القائل أيضا بالإجزاء بنى قوله على ذلك

____________________

(2/36)

وعين ذلك المشترك في أحد معنييه كما يعين المكفر إحدى الخصال بالعتق فهو معين للواجب لا فاعل لغير الواجب من كل وجه فأجزأه عن الواجب بل غير الواجب ها هنا هو خصوص الجمعة لا مطلق إحدى الصلاتين فالجمعة مشتملة على أمرين خصوص غير واجب وهو كونها جمعة وعموم واجب وهو كونها إحدى الصلاتين فأجزأت عن الواجب من جهة عمومها الواجب لا من جهة خصوصها الذي ليس بواجب كما أن المكفر عن اليمين بالعتق في عتقه أمران خصوص وهو كونه عتقا وعموم وهو كونه إحدى الخصال الثلاث فيجزئ العتق عنه من جهة عمومه الواجب لا من جهة خصوصه الذي ليس بواجب وهذا ليس على خلاف الأصل بخلاف القاعدة الأولى في الامتناع ويتمهد الفرق بأربع مسائل أخر

المسألة الأولى قالوا العبد لا يؤم في الجمعة لأن المذهب أن المفترض لا يأتم بالمتنفل

هامش أنوار البروق

يذكر فيها قولين وهي محل لاحتمال الخلاف والله أعلم

قال وأما قاعدة تعين الواجب فليس على خلاف الأصل إلى قوله ويتمهد الفرق بأربع مسائل

قلت ما قاله في ذلك صحيح إلا قوله فالواجب هو القدر المشترك بين الصلاتين وهو مفهوم إحداهما فإنه ليس القدر المشترك هو مفهوم إحداهما بل مفهوم إحداهما واحدة غير معينة من الصلاتين

قال المسألة الأولى قالوا العبد لا يؤم في الجمعة لأن المذهب أن المفترض لا يأتم بالمتنفل إلى آخر المسألة قلت ما قاله فيها غير صحيح فإنه جعلها من الواجب المخير وموقع نوعي الواجب المخير أو أنواعه لا يوقع إلا واجبا فالعبد إذا اختار إيقاع الجمعة لا تقع إلا واجبة فالحر إذا اقتدى به لم يكن مفترضا ائتم بمتنفل فينبغي أن يصح اقتداؤه به وما قاله من أن الخصوصات غير واجبة مسلم لكن من حيث هي خصوصات معينات لا من حيث هي داخلة تحت العموم فإن العموم على ما التزمه هو

هامش إدرار الشروق

الأصل بل على أن الطهارة لا يشترط فيها تعيين نية الفرض ولا نية النفل فلا يكون على هذا من إجزاء ما ليس بواجب عن الواجب

ا ه

والقسم الثاني محتو على خمس مسائل من الصلاة وقعت في المذهب أيضا على قولين بالإجزاء وعدمه مشهورهما الثاني ذكر الأصل منها ثلاثة الأولى إذا سلم من اثنين ساهيا ثم قام فصلى ركعتين بنية النافلة هل تجزئاه عن ركعتي الفرض أم لا قولان

الثانية إذا ظن أنه سلم من فرضه فصلى بقية فرضه بنية النافلة هل يجزئه أم لا قولان

الثالثة إذا سها عن سجدة من الركعة الأولى وقام إلى خامسة ساهيا هل تجزئه عن الركعة التي نسي منها السجدة أم لا قولان

قال ابن الشاط ومسألة المسلم من اثنتين والظان أنه سلم من إجزاء ما ليس بواجب عن الواجب على أحد القولين وأما مسألة الساهي عن سجدة من الأولى القائم إلى خامسة فيحتمل أيضا أن لا يكون من إجزاء ما ليس بواجب عن الواجب من جهة أنه إنما قام في الخامسة لأداء بقية فرضه فيما يعتقد الرابعة أشار لها أبو العباس الزواوي بقوله

____________________

(2/37)

فقيل إذا حضرها صار من أهلها ووجبت عليه بالشروع فصار مفترضا فما ائتم الحر إلا بمفترض فإن قيل إنما تجب بالشروع فيكون الشروع غير واجب فيقع الائتمام به فيه وهو غير واجب قيل فإن كان الشروع غير واجب فقد أجزأه تكبيرة الإحرام وهي غير واجبة عليه فخصوص الجمعة غير واجب وغير الواجب لا يجزئ عن الواجب فكيف أجزأته تكبيرة إحرامه فقيل تكبيرة الإحرام أيضا فيها خصوص وهو كونها بالجمعة وعموم وهو كونها تكبيرة الإحرام فالواجب على العبد تكبيرة الإحرام أما بالجمعة وأما بالظهر فإذا أحرم بالجمعة فقد عين الواجب عليه في إحرام خاص وكذلك نقول إذا أحرم بالظهر الرباعية أيضا خصوص إحرامه غير واجب بل يعين الواجب وإذا عقلت ذلك في تكبيرة الإحرام فاعقله في بقية أركان الصلاة ففي الركوع خصوص غير واجب وعموم واجب وهو مطلق الركوع وفي السجود خصوص غير واجب وهو كونه في جمعة أو في ظهر وعموم

هامش أنوار البروق

واجب وهل يمكن إيقاع العام من حيث هو عام هذا لا سبيل إليه وإنما يقع من حيث الخصوص الشخصي خاصة لا يمكن غير ذلك بوجه فالعام على هذا لا يقع إلا في الخاص وهذا كله مجاراة له على تسليم أن الوجوب في الواجب المخير يتعلق بالمعنى العام من حيث هو عام وذلك عند التحقيق غير صحيح وإنما هو أعني الوجوب متعلق في الواجب المخير بواحد غير معين مما فيه المعنى العام الذي يقال له المشترك وعلى هذا لم يتعلق الوجوب في الواجب المخير إلا بخصوص لكنه خصوص غير معين من قبل الآمر وتعينه موكول إلى خيرة المأمور هذا هو الصحيح لا ما سواه

قال المسألة الثانية المسافر في رمضان يجب عليه أحد الشهرين إما شهر الأداء أو شهر القضاء قلت ذلك صحيح

قال فإذا اختار صوم رمضان فهو فاعل لخصوص غير واجب وهو كونه رمضان وعموم واجب وهو كونه أحد الشهرين فأجزأ عنه من جهة أنه أحد الشهرين لا من جهة كونه رمضان قلت ما قاله هنا ليس بصحيح بل إذا اختار صيام رمضان فهو فاعل لخصوص واجب وكيف لا

هامش إدرار الشروق

واحكم لتارك سجدة من الفرض يأتي بالسجود لسهوه يعني واحكم بالإجزاء على مقابل المشهور لتارك سجدة من صلاة الفرض في حال إتيانه بسجدة سهوه في الصلاة قبل السلام أو بعده

الخامسة أشار لها أبو العباس الزواوي بقوله ومن لم يسلم أو يظن سلامه لثالثة قد قام فافهم بصورة يعني ومن قام من ثانية فرض من غير أن يسلم أو يظن السلام لثالثة بنية النفل أيضا أما إن سلم أو ظن السلام فهما المسألة الأولى والمسألة الثانية من هذا القسم ولذا قال فافهم بصورة

والقسم الثالث محتو على ثلاث مسائل من الحج وقعت في المذهب أيضا على قولين بالإجزاء وعدمه لكن المشهور منهما هنا الإجزاء ذكر الأصل منها واحدة

الأولى إذا نسي طواف الإفاضة وقد طاف طواف الوداع وراح إلى بلده أجزأه طواف الوداع عن طواف الإفاضة كذا في الأصل قال ابن الشاط وهذه المسألة من إجزاء ما ليس بواجب عن الواجب لكنه لم يذكر فيها قولين وهي محل لاحتمال الخلاف ا ه

قلت

____________________

(2/38)

واجب وهو مطلق السجود وكذلك بقية الأركان فيكون الحر إذا اقتدى به في الخصوصيات وهي عليه واجبة وعلى العبد غير واجبة تكون من باب اقتداء المفترض بالمتنفل فيمتنع ذلك على المذهب

واعلم أن مقتضى هذا البحث أن لا يقتدي الحر بالعبد في ظهر يوم الجمعة إذا صلاها أربعا أيضا فإنه غير مفترض بالخصوصيات بخلاف الاقتداء به في ظهر غير يوم الجمعة فإنه مفترض بالخصوصيات والعموم فاستوى الحر معه في ذلك فصح الاقتداء مع أني لم أذكر أني رأيت هذا الفرع منقولا غير أنه مقتضى المذهب ويلحق بالعبد في هذه المباحث المسافر والمرأة ونحوهما حرفا بحرف ولا حاجة إلى تعديد المسائل بذكرهم

المسألة الثانية المسافر في رمضان يجب عليه أحد الشهرين إما شهر الأداء أو شهر القضاء فإذا اختار صوم رمضان فهو فاعل لخصوص غير واجب وهو كونه رمضان

هامش أنوار البروق

يكون واجبا وهو قد عينه لإيقاع الواجب كما فوض إليه تعيينه وقوله فأجزأ عنه من جهة أنه أحد الشهرين صحيح وقوله لا من جهة كونه رمضان غير صحيح وهل رمضان إلا أحد الشهرين وهل أحد الشهرين إلا رمضان

قال وكذلك إذا اختار شهر القضاء إلى قوله لأنه واجب بحكم الأصالة قلت ما قاله هنا صحيح

قال مفرق بين قضاء رمضان على المفرط الذي يتعين في حقه الأداء وبين القضاء في حق المسافر آخر المسألة قلت أما قوله إن القضاء على المفرط واجب بخصوصه وعمومه بسبب واحد فصحيح وأما قوله وعلى المسافر بسببين أحدهما رؤية الهلال فإنها أوجبت العموم الذي في القضاء وهو كونه أحد الشهرين فلم توجب الرؤية العموم فإن العموم من حيث هو عموم لا يتعلق به الوجوب وليس العموم هو كونه أحد الشهرين بل أحد الشهرين خصوص غير معين

هامش إدرار الشروق

وقد صرح بالخلاف فيها كغيرها وأن المشهور منهما الإجزاء قول أبي العباس الزواوي ويجزئ في المشهور من طاف عندهم طواف وداع ذاهلا عن إفاضة الثانية أشار إليها أبو العباس الزواوي بقوله وذو متعة قد ساق هدي تطوع فيجزئ قد قالوا لواجب متعة يعني أن المعتمر إذا ساق هدي التطوع في عمرته فلما حل منها وجب نحره إلا إن أخره ليوم النحر ثم بدا له وأحرم بالحج وحج من عامه ذلك وصار متمتعا فإن هدي التطوع يجزئه عن متعته ولو لم ينو عند سوقه أنه يجعله في متعته على تأويل سند وهو المذهب كما أجزأ عن قرانه كما في حاشية شيخنا على توضيح المناسك للوالد رحمه الله تعالى

الثالثة أشار لها أبو العباس الزواوي بقوله وقد قال ابن الماجشون إذا رمى جمار السهو لا يعيد لجمرة أي إذا نسي جمرة العقبة ثم رماها ساهيا كما وقع ذلك لعبد الملك أي ابن الماجشون كما في كبير ميارة على ابن عاشر قلت ويؤخذ من قول شيخنا في حاشيته كما أجزأ أي هدي التطوع عن قرانه زيادة

____________________

(2/39)

وعموم واجب وهو كونه أحد الشهرين فأجزأ عنه من جهة أنه أحد الشهرين لا من جهة كونه رمضان وكذلك إذا اختار شهر القضاء فخصوصه ليس واجبا عليه غير أنه يتعين عليه خصوص القضاء لتعذر غيره لا لأنه واجب بخصوصه كما يتعين آخر وقت الصلاة لتعذر ما قبله وتعذر غيره لا لأنه واجب بحكم الأصالة ففرق بين قضاء رمضان على المفرط الذي يتعين في حقة الأداء وبين القضاء في حق المسافر أن القضاء على المفرط واجب بخصوصه وعمومه بسبب واحد وهو الفطر في رمضان وعلى المسافر بسببين أحدهما رؤية الهلال فإنها أوجبت العموم الذي في القضاء وهو كونه أحد الشهرين وثانيهما خروج شهر الأداء ولم يصم فيه فإنه يوجب خصوص القضاء فتأمل الفرق

المسألة الثالثة المريض إذا كان يقدر على الصوم لكن مع مشقة عظيمة لا يخشى معها على نفسه ولا عضو من أعضائه فهذا يسقط عنه الخطاب بخصوص رمضان لأجل

هامش أنوار البروق

قال المسألة الثالثة المريض إذا كان يقدر على الصوم لكن مع مشقة عظيمة لا يخشى معها على نفسه ولا عضو من أعضائه فهذا يسقط عنه الخطاب بخصوص رمضان لأجل المشقة ويبقى مخاطبا بأحد الشهرين إلى قوله إن بقي مستجمع الشرائط سالم الموانع في زمن القضاء قلت ما قاله من أن الواجب عليه أحد الشهرين وأنه يتعين القضاء عند تعذر الأداء صحيح

قال فإن أقدم وصام وفعل المحرم لا يمكن أن يقال إنه غير الواجب إلى قوله وهو تخريج حسن قلت ما قاله ظاهر قال المسألة الرابعة الصبي إذا صلى بعد الزوال ثم بلغ في القامة قال مالك يجب عليه أن يصلي مرة أخرى إلى آخر المسألة قلت ما قاله فيها صحيح

هامش إدرار الشروق

مسألة رابعة في هذا القسم ونظمتها في بيت يلحق بنظم أبي العباس المذكور بقولي وزد قارنا يجزئه هدي تطوع بواجب هدي للقران كمتعة ومن هنا اشتهر أن تطوعات الحج تجزئ عن واجب جنسها فتكون جملة النظائر اثني عشر مسألة أربعة من إجزاء ما ليس بواجب عن الواجب شذوذا على احتمال وأربعة من ذلك شذوذا بدون احتمال وأربعة من ذلك على مشهور المذهب وما عدا هذه النظائر فهو جار على الأصل من عدم إجزاء ما ليس بواجب عن الواجب اتفاقا فلو صلى الإنسان ألف ركعة ما أجزأت عن صلاة الصبح أو دفع ألف دينار صدقة ما أجزأت عن دينار الزكاة وغير ذلك فمن هنا قال مالك رحمه الله تعالى إذا صلى الصبي بعد الزوال ثم بلغ في القامة يجب عليه أن يصلي مرة أخرى لأن سبب الوجوب وجد في حقه وهو ما قارنه من أجزاء القامة في زمن بلوغه وما ليس بواجب وهو ما أوقعه أولا لا يجزئ عن الواجب الذي توجه عليه ثانيا وذلك أن كل جزء من أجزاء القامة ظرف للوجوب وسبب للوجوب كما تقدم فالجزء الأول الذي قارنه شرط الندب الذي هو الصبا في حق الصبي سبب الفعل ندبا لا وجوبا والجزء الذي قارنه بعد شرط الوجوب الذي هو البلوغ سبب للوجوب في صلاة أخرى فقول الشافعي رحمه الله تعالى لا تجب عليه الصلاة لأن

____________________

(2/40)

المشقة ويبقى مخاطبا بأحد الشهرين إما شهر الأداء أو شهر القضاء ويتعين القضاء في حقه بالسببين المتقدمين كما تقدم في مسألة العبد حرفا بحرف فإن كان يخشى على نفسه أو عضو من أعضائه أو منفعة من منافعه فهذا يحرم عليه الصوم ولا نقول إنه يجب عليه أحد الشهرين بل يتعين الأداء للتحريم والقضاء للوجوب إن بقي مستجمع الشرائط سالم الموانع في زمان القضاء فإن أقدم وصام وفعل المحرم لا يمكن أن يقال إنه غير الواجب بعد عمومه كما تقدم فهل يجزئ عنه قال الغزالي في المستصفى يحتمل عدم الإجزاء لأن المحرم لا يجزئ عن الواجب ويحتمل الإجزاء كالصلاة في الدار المغصوبة فإنه متقرب إلى الله تعالى بترك شهوتي فمه وفرجه جان على نفسه كما أن المصلي في الدار المغصوبة متقرب إلى الله بركوعه وسجوده وتعظيمه وإجلاله وجان على صاحب الدار وهو تخريج حسن

هامش أنوار البروق

فارغه

هامش إدرار الشروق

الزوال مثلا إنما جعله الله تعالى سببا لوجوب صلاة واحدة وقد فعلها فلو أوجبنا عليه صلاة أخرى لكان الزوال سببا لوجوب صلاتين وهو خلاف الإجماع لا يرد لأنه إما أن يدعي أن الزوال لا يكون سببا لصلاتين في كل صورة فيكون ذلك مصادرة على صورة النزاع وإما أن يدعي ذلك فيما عدا صورة النزاع فلا يمكنه إلحاق صورة النزاع بصورة الإجماع إلا بالقياس

فإذا قاس فرقنا بأن صورة النزاع وجد فيها حالتان تقتضيان الندب والوجوب وهما الصبا والبلوغ وليس في صورة الإجماع إلا حالة واحدة تقتضي الوجوب هي البلوغ فاتحدت الصلاة في صورة الإجماع لاتحاد الشرط الذي هو البلوغ وتعددت في صورة النزاع لتعدد الشرط واختلافه فلذا جاز فيها اختلاف المشروط الذي هو الصلاتان باختلاف الشرط الذي هو الصبا الشرط في توجه الندب والبلوغ الشرط في توجه الوجوب وأما القاعدة الثانية فإنه لما كان الواجب فيها خصوص غير معين من قبل الآمر لم يكن إجزاء الجمعة عن الظهر مثلا لنحو المرأة والعبد والمسافر إذا حضروها مع أنها غير واجبة عليهم بعينها على خلاف الأصل وأنه من باب إجزاء ما ليس بواجب عن الواجب بل هو على الأصل من إتيان المأمور بما تعلق به الوجوب لا بغيره إذ الوجوب هنا متعلق بواحد غير معين من الصلاتين إما الظهر وإما الجمعة فإذا أحرم كل من المرأة والعبد والمسافر بالجمعة فقد أحرم بإحدى الصلاتين وعين ذلك الواحد المبهم الذي علق الآمر به الوجوب ووكل تعينه إلى خيرة المأمور فإذا اختار إيقاع الجمعة لا تقع إلا واجبة فالحر إذا اقتدى به لم يكن مفترض ائتم بمتنفل فينبغي أن يصح اقتداؤه به في الجمعة كما يصح اقتداؤه به في الظهر بيوم الجمعة وغيره كما هو مقتضى المذهب

وإن قال الأصل مع أني لم أذكر أني رأيت فرع صحة اقتداء الحر بالعبد في ظهر غير يوم الجمعة واقتداؤه به في ظهر يوم الجمعة كاقتدائه به في يوم الجمعة ولم يظهر قول أهل المذهب لا يؤم العبد في الجمعة حرا لأن المذهب أن المفترض لا يأتم بالمتنفل فافهم وبالجملة فالواجب نوعان مخير وواجب غير مخير والوجوب في غير المخير متعلق بواحد معين مما فيه المعنى العام الذي يقال له المشترك أي خصه به الآمر ولم يكل تعينه إلى خيرة المأمور فلذا كان الأصل عدم إجزاء غيره من أفراد جنسه عنه والقول بإجزائه عنه إنما وقع في المذهب على خلاف الأصل في اثنتي عشرة مسألة كما علمت

____________________

(2/41)

لمسألة الرابعة الصبي إذا صلى بعد الزوال ثم بلغ في القامة قال مالك يجب عليه أن يصلي مرة أخرى لأن سبب الوجوب وجد في حقه وهو ما قارنه من إجزاء القامة في زمن بلوغه وما ليس بواجب وهو ما أوقعه أولا يجزئ عن الواجب الذي توجه عليه ثانيا وقال الشافعي لا تجب عليه الصلاة لأن الزوال مثلا إنما جعله الله تعالى سببا لوجوب صلاة واحدة وقد فعلها فلو أوجبنا عليه صلاة أخرى لكان الزوال سببا لوجوب صلاتين وهو خلاف الإجماع وجوابه أن القامة كلها أسباب فجميع أجزائها ظرف للوجوب وسبب للوجوب كما تقدم البحث في هذا الفرق فالجزء الأول من القامة في حق الصبي سبب للفعل والجزء الذي قارنه بعد البلوغ سبب للوجوب في صلاة أخرى ونحن نمنع أن الزوال لا يكون سببا لصلاتين لأنه إما أن يدعيه في كل صورة فيكون ذلك مصادرة على صورة النزاع وإن ادعاه فيما عدا صورة النزاع فلا يمكنه إلحاق صورة النزاع بصورة الإجماع إلا بالقياس فإذا قاس فرقنا بأن صورة النزاع وجد فيها حالتان تقتضيان الوجوب والندب وهما الصبا والبلوغ بخلاف صورة الإجماع ليس فيها إلا حالة واحدة فكانت الصلاة واحدة لاتحاد الشرط أما مع تعدد الشرط واختلافه جاز اختلاف

هامش أنوار البروق

فارغه

هامش إدرار الشروق

والوجوب في المخير متعلق بواحد غير معين مما فيه المعنى العام الذي يقال له المشترك أي لم يعينه الآمر بل وكل تعينه إلى خيرة المأمور فما اختاره المأمور من الواحد المبهم الذي تعلق به الوجوب كان هو الواجب عليه وأوضح لك قاعدة الواجب المخير بثلاث مسائل أخر

المسألة الأولى أن الواجب على المكفر إحدى خصال الكفارة من العتق أو الإطعام أو الكسوة بلا تعيين من قبل الآمر بل التعيين موكول لخيرة المكفر فإذا اختار واحدة منها كان هو الواجب عليه على الأصل لا غيره حتى يكون على خلاف الأصل

والمسألة الثانية أن المسافر في رمضان يجب عليه أحد الشهرين إما شهر الأداء أو شهر القضاء بدون تعيين من قبل الآمر بل التعيين وكله لخيرة المسافر فإذا اختار صوم رمضان أو شهر القضاء وصامه كان قد صام ما هو الواجب عليه على الأصل لا غيره حتى يكون على خلاف الأصل وتعين خصوص شهر القضاء عليه إذا لم يختر صيام رمضان إنما كان لتعذر غيره لا لأنه واجب بخصوصه كما يتعين آخر وقت الصلاة لتعذر ما قبله وتعذر غيره لا لأنه واجب بحكم الأصالة فقضاء رمضان على المفرط الذي يتعين في حقه الأداء يفارق القضاء في حق المسافر من جهة أن الأول واجب بخصوصه وعمومه بسبب واحد وهو الفطر في رمضان والثاني لا يتعلق بعمومه وجوب أصلا وإنما يتعين في حقه خصوص شهر القضاء عند تعذر الأداء بسببين أحدهما رؤية الهلال وثانيهما خروج شهر الأداء ولم يصم فيه فافهم

والمسألة الثالثة أن المريض إذا كان يقدر على الصوم لكن مع مشقة عظيمة لا يخشى معها على نفسه ولا عضو من أعضائه فإنه يسقط عنه الخطاب بخصوص رمضان لأجل المشقة ويبقى مخاطبا بأحد الشهرين إما شهر الأداء أو شهر القضاء ويتعين القضاء في حقه عند تعذر الأداء بالسببين المتقدمين في مسألة المسافر فإن كان يخشى على نفسه أو عضو من أعضائه أو منفعة من منافعه تعين الأداء للتحريم

____________________

(2/42)

المشروط والصبا شرط في توجه الندب والبلوغ شرط في توجه الوجوب

الفرق الرابع والخمسون بين قاعدة ما ليس بواجب في الحال والمآل وبين قاعدة ما ليس بواجب في الحال وهو واجب في المآل فالأول لا يجزئ عن الواجب والثاني قد يجزئ عنه ويتضح الفرق بذكر ثلاث مسائل المسألة الأولى الزكاة إذا عجلت قبل الحول إما بالشهر ونحوه عندنا وإما في أول الحول عند الشافعي فهذا المعجل ليس بواجب فإن دوران الحول شرط في الوجوب والمشروط لا يوجد قبل شرطه فإذا دار الحول وتوجه الخطاب بوجوب الزكاة عليه أجزأ عنه ما تقدم مع أنه غير واجب فما الفرق بين هذا المخرج وبين ما إذا نوى بإخراجه صدقة

هامش أنوار البروق

قال الفرق الرابع والخمسون بين قاعدة ما ليس بواجب في الحال والمآل وبين قاعدة ما ليس بواجب في الحال وهو واجب في المآل إلى آخره قلت ما قاله من احتمال الخلاف ظاهر وما قاله من الجواب عن السؤال لا بأس به والأصح

هامش إدرار الشروق

كما يتعين القضاء للوجوب إن كان مستجمع الشرائط سالم الموانع زمنه فإن أقدم وهو في هذه الحالة وصام الأداء المحرم عليه احتمل كما قاله الغزالي في المستصفى عدم الإجزاء نظرا لكون المحرم لا يجزئ عن الواجب والإجزاء نظرا لكونه متقربا إلى الله تعالى بترك شهوتي فمه وفرجه إذ لا يمكن أن يقال أنه غير الواجب بعد عمومه كما تقدم جانيا على نفسه بعدم حفظها عن الإلقاء في التهلكة كما أن المصلي في الدار المغصوبة متقرب إلى الله تعالى بركوعه وسجوده وتعظيمه وإجلاله وجان على صاحب الدار والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق الرابع والخمسون بين قاعدة ما ليس بواجب في الحال والمآل وبين قاعدة ما ليس بواجب في الحال وهو واجب في المآل ما ليس بواجب في الحال والمآل نحو ما يخرجه مالك النصاب مطلقا ناويا بإخراجه صدقة التطوع لا الزكاة فلا يجزئه عما يجب عليه في زكاة ما ملكه من النصاب على تقدير دوران الحول قطعا إذ الأصل عدم إجزاء ما ليس بواجب أصلا عن الواجب وما ليس بواجب في الحال وهو واجب في المآل نحو ما يخرجه مالك النصاب ناويا به الزكاة لا صدقة التطوع قبل الحول إما بالشهر ونحوه عندنا وإما في أول الحول عند الشافعي ففي إجزائه عما يجب عليه في زكاة ما ملكه من النصاب على تقدير دوران الحول نظر لأمرين أحدهما أنه قصد بالمخرج الواجب في المآل على تقدير دوران الحول لا التطوع فما أجزأ عن الواجب إلا واجب على الأصل

____________________

(2/43)

التطوع فإنه لا يجزئ عنه والفرق أن صدقة التطوع ليست بواجبة في الحال ولا في المآل فلم تجزئ عنه وأما المعجل للزكاة فهو قاصد بالمخرج الواجب على تقدير دوران الحول ولم يقصد التطوع وإذا قصد به الواجب في المآل فما أجزأ عن الواجب إلا واجب

المسألة الثانية قال جماعة من الحنفية يتعلق الوجوب في الواجب الموسع بآخر الوقت وفعل المعجل قبل ذلك نفل يسد مسد الفرض على ما تقرر عندهم فقال الأصحاب لهم لو صح ما ذكرتموه لصح أن يصلي قبل الزوال ويجزئ عنه إذا زالت الشمس فيكون نفلا سد مسد الفرض وأجزأ عنه بعد طريانه وهو خلاف الإجماع فكذلك ما بعد الزوال لانحصار الوجوب عندكم في آخر القامة فما وقع بعد الزوال أو قبله سواء في كونه غير واجب فإذا أجزأ أحدهما عن الواجب وجب أن يجزئ الآخر عن

هامش أنوار البروق

نظر امتناع التقديم في الزكاة ولزوم عدم الإجزاء في مسألة الحنفية فيصادمهم الإجماع والله أعلم

هامش إدرار الشروق

وثانيهما قاعدة أن كل حق ولو بدنيا خلافا لجديد الشافعي تعلق بسببين أو بسبب وشرط لا يمتنع قطعا تقديمه على شرطه أو ثاني سببه بخلاف تقديمه عليها فإنه يمتنع قطعا وعدم إجزائه خلاف قال ابن الشاط والأصح نظرا امتناع التقديم في الزكاة قلت وذلك لأن تعليق وجوب الأداء بالشرط أو السبب الثاني يمنع تمام السببية ولا يتحقق الوجوب قبل تمام سببه والإجماع على عدم إجزاء نفل عن فرض فمن هنا قال في شرح التحرير الأصولي والأوجه قول الحنفية بعدم جواز تقديم كفارة اليمين قبل الحنث لعقلية سببية الحنث لها دون عقلية سببية اليمين لها لأن الكفارة في التحقيق لستر ما وقع من الإخلال بتوقير ما يجب لاسم الله تعالى وتلافيه وهذا إنما يكون عن الحنث لا عن اليمين من حيث هي وأيضا أقل ما في السبب أن يكون مفضيا إلى المسبب واليمين ليست كذلك لأنها مانعة من عدم المحلوف عليه فكيف تكون مفضية إليه على أنه لو سلم أن اليمين سببها فالحنث شرط وجوبها للقطع بأنها لا تجب قبله وإلا وجبت بمجرد اليمين والمشروط لا يوجد قبل شرطه فلا تقع واجبة قبله فلا يسقط الوجوب قبل ثبوته ولا عند ثبوته بفعل قبله لم يكن واجبا وما وقع من الشرع بخلافه كالزكاة يقتصر على مورده ولا يلحق به غيره

قال وما فرقوا به بين الحق المالي والبدني لقول الشافعي في الجديد بجواز تعجيل الكفارة المالية لليمين قبل الحنث دون البدنية وهي الصوم بأن الحنث شرط في الكفارة واليمين سببها والشرط عنده إنما يؤثر في تأخير وجوب الأداء لا في انعقاد السبب والحق المالي لله تعالى ينفصل وجوب أدائه عن نفس وجوبه لتغاير المال والفعل فجاز اتصاف المال بنفس الوجوب ولا يثبت وجوب الأداء الذي هو الفعل إلا بعد الحنث كما في الحق المالي للعبد بخلاف الحق البدني لله فإنه لا ينفصل وجوب أدائه عن نفس وجوبه بل نفس وجوبه وجوب أدائه فلو تأخر وجوب أدائه انتفى الوجوب فلا يجوز الأداء لأنه أداء قبل الوجوب حينئذ

ومن ثمة جاز تعجيل الزكاة قبل الحول ولم يجز تعجيل الصلاة قبل الوقت فهو ساقط لأن الحق الواجب لله تعالى على العباد هو العبادة وهو فعل يباشره المرء بخلاف هوى النفس ابتغاء مرضاة الله تعالى بإذنه والمال آلة يتأدى به الواجب كمنافع البدن فيكون المالي كالبدني في أن المقصود بالوجوب الأداء وأن تعلق وجوب الأداء بالشرط يمنع تمام السببية فيهما جميعا على أن وجوب الأداء بعد تمام السبب قد

____________________

(2/44)

الواجب فإذا قلتم قد قصد به الواجب عليه في المآل عند آخر الوقت ولم يقصد به التطوع قلنا وكذلك يقصد به قبل الزوال الواجب عليه في آخر الوقت ويجزئ ولم يقل به أحد

وهذا السؤال قوي جدا في بادئ الرأي غير أن الجواب عنه أن الصلاة قبل الزوال إذا قصد بها الواجب عليه في المآل عند آخر القامة إنما وزانه إخراج الزكاة قبل ملك النصاب وينوي بها ما يجب عليه في المآل عند ملك النصاب ودوران الحول وهذا لا يجزئ إجماعا لأنه إيقاع الفعل قبل سببه ووزان مسألتنا الإخراج بعد ملك النصاب وقبل الحول فإن النصاب سبب والزوال أيضا سبب للوجوب آخر القامة كما أن النصاب سبب الوجوب بعد الحول فالصلاة قبل الزوال إنما وزانها الإخراج قبل النصاب فظهر الفرق بين الصلاة قبل الزوال وينوي بها الواجب في المآل في أنه تقدم على الأسباب مطلقا وبين الصلاة بعد الزوال في أنه بعد السبب فلا يلزم أحدهما على الآخر فاندفع السؤال عن الحنفية ولم يكن ما أوقعه المصلي نفلا مطلقا لا يجب في الحال ولا في المآل بل ما يجب في المآل وبه يظهر الفرق أيضا بين صلاته هذه وبين أن يصلي بنية النافلة

هامش أنوار البروق

فارغه

هامش إدرار الشروق

ينفصل عن نفس الوجوب في البدني أيضا فإن المسافر إذا صام في رمضان جاز اتفاقا وإن تأخر وجوب الأداء إلى ما بعد الإقامة بالإجماع ا ه كلامه مع شيء من متن التحرير بتصرف وحذف ما فتأمل ذلك بإمعان وصل في زيادة توضيح هذا الفرق بذكر ثلاث مسائل

المسألة الأولى قال جماعة من الحنفية يتعلق الوجوب في الواجب الموسع بآخر الوقت وفعل المعجل قبل ذلك نفل يسد مسد الفرض على ما تقرر عندهم فقال الأصحاب لهم لو صح ما ذكرتموه لصح أن يصلي قبل الزوال ويجزئ عنه إذا زالت الشمس فيكون نفلا سد مسد الفرض وأجزأ عنه بعد جريانه وهو خلاف الإجماع فكذلك ما بعد الزوال لانحصار الوجوب عندكم في آخر القامة فما هو واقع بعد الزوال أو قبله سواء في كونه غير واجب فإذا أجزأ أحدهما عن الواجب وجب أن يجزئ الآخر عن الواجب فإذا قلتم قد قصد به الواجب عليه في المآل عند آخر الوقت ولم يقصد به التطوع

قلنا وكذلك يقصد به قبل الزوال الواجب عليه في آخر الوقت ويجزئ ولم يقل به أحد قلت وما فرق به الأصل لهم بين الصلاة قبل الزوال وينوي بها الواجب في المآل وبين الصلاة بعد الزوال وينوي بها الواجب في المآل أيضا بأن الصلاة قبل الزوال إذا قصد بها الواجب عليه في المآل عند آخر القامة إنما وزانها إخراج الزكاة قبل ملك النصاب وينوي بها ما يجب عليه في المآل عند ملك النصاب ودوران الحول وهذا لا يجزئ إجماعا لأنه إيقاع الفعل قبل سببه وشرطه والصلاة بعد الزوال إذا قصد بها الواجب عليه في المآل عند آخر القامة إنما وزانها إخراج الزكاة بعد ملك النصاب وقبل الحول إذا كما أن النصاب سبب للوجوب بعد الحول كذلك الزوال سبب للوجوب آخر القامة وهذا لم يجمع على عدم إجزائه لأنه إيقاع للفعل بين سببه وشرطه والحكم إذا توسط بين سببيه أو سببه وشرطه جرى فيه الخلاف بين العلماء بخلاف تقدمه عليهما فكان ما أوقعه المصلي قبل الزوال نفلا

____________________

(2/45)

المسألة الثالثة زكاة الفطر يجوز تعجيلها قبل غروب الشمس بيوم أو ثلاثة عندنا وتجزئ عن الزكاة الواجبة إذا توجهت عليه عند سببها ولو أخرج صدقة التطوع لم تجزئ عنه والفرق أنه أخرجها بنية الواجب عليه في المآل عند طريان السبب بخلاف صدقة التطوع فإنها ليست واجبة عليه في الحال ولا في المآل فلم تجزئ عنه فإن قلت فهذا

هامش أنوار البروق

فارغه

هامش إدرار الشروق

مطلقا وإن نوى به الواجب عليه في المال بخلاف ما أوقعه بعد الزوال فإنه لا يكون نفلا مطلقا إذا لم ينو به الواجب عليه في المآل أما إذا نوى به ذلك فإنه وإن كان نفلا في الحال إلا أنه واجب في المآل فما أجزأ عن الواجب إلا واجب ا ه بتوضيح وإن كان أي ما فرق به الأصل بين الصلاة إلخ جوابا عن الحنفية لا بأس به كما قال ابن الشاط إلا أنه يعلم سقوطه مما قدمته عن شرح التحرير الأصولي فمن هنا قال ابن الشاط والأصح نظرا لزوم عدم الإجزاء في مسألة الحنفية فيصادمهم الإجماع ا ه فافهم

المسألة الثانية تعجيل زكاة الفطر قبل غروب الشمس من آخر أيام رمضان بيوم أو ثلاثة يجوز عندنا وتجزئ عن الزكاة الواجبة إذا توجهت عليه عند سببها الذي هو غروب الشمس من آخر أيام رمضان أو طلوع الفجر على الخلاف في ذلك ونوى بها الواجب عليه في المآل عند جريان السبب لا صدقة التطوع وإلا لم تجز عنه وذلك لأن إخراجها بعد أحد أسبابها الذي هو الخلل الواقع في الصوم لأن زكاة الفطر جابرة لما عساه اختل عن صوم رمضان بالرفث وغيره من أسباب النقص كما أن سجود السهو جابر لما نقص من الصلاة ولذلك ورد في الحديث أنها طهرة للصائم وقد تقدم الصوم والحكم إذا توسط بين سببيه أو سببه وشرطه جرى فيه الخلاف بين العلماء كما علمت فتنبه

المسألة الثالثة قال الحطاب عند قول خليل ودم التمتع يجب بإحرام الحج أي وجوبا غير محتم لأنه معرض للسقوط بالموت والفوات فإذا رمى العقبة تحتم الوجوب كما نقول في كفارة الظهار أنها تجب بالعود وجوبا غير محتم بمعنى أنها تسقط بموت الزوجة وطلاقها فإن وطئ تحتم الوجوب نقله كنون في حاشيته على عبق وفي حاشية البناني على عبق إن الأبي في شرح مسلم على أحاديث الإشراك في الهدي على قول الراوي فأمرنا إذا أحللنا أن نهدي نقل عن المازري أنه قال مذهبنا أن هدي التمتع إنما يجب بالإحرام بالحج

وفي وقت جواز نحره ثلاثة أوجه فالصحيح والذي عليه الجمهور أنه يجوز نحره بعد الفراغ من العمرة وقبل الإحرام بالحج والثاني لا يجوز حتى يحرم بالحج والثالث أنه يجوز بعد الإحرام بالعمرة ا ه

وعن عياض أنه قال وفي الحديث حجة لمن يجيز نحر الهدي للتمتع بعد التحلل بالعمرة وقبل الإحرام بالحج وهو إحدى الروايتين عندنا والأخرى أنه لا يجوز إلا بعد الإحرام بالحج لأنه بذلك يصير متمتعا والقول الأول جار على تقديم الكفارة على الحنث وعلى تقديم الزكاة على الحول وقد يفرق بين هذه الأصول والأول ظاهر الأحاديث لقوله إذا أحللنا أن نهدي

ا ه

قال وبكلام الأبي هذا تعلم أنه يتعين صحة حمل قول خليل وأجزأ قبله على ظاهره أي وأجزأ نحر دم التمتع قبل الإحرام بالحج وسقوط تعقب الشراح المعتد بهم عليه بأنه لم يصرح أحد من أهل المذهب بأن نحر الهدي قبل الإحرام بالحج مجزئ وتأولهم له بأن المراد وأجزأ دم التمتع بمعنى تقليده وإشعاره قبل الإحرام بالحج ولو عند إحرام العمرة بل ولو ساقه فيها ثم حج من عامه كما يأتي له من غير داع لذلك ا ه

بتوضيح للمراد

وقال الرهوني وكنون واللفظ له يتعين فيه ما قاله الشراح ولا دليل للبناني في كلام الأبي لأن قوله عن

____________________

(2/46)

واجب تقدم على سببه فإن سبب وجوب زكاة الفطر غروب الشمس من آخر أيام رمضان أو طلوع الفجر على الخلاف في ذلك فالإخراج قبل ذلك إخراج قبل السبب وهو الإخراج قبل ملك النصاب والإخراج قبل ملك النصاب لا يجزئ فيلزم أن لا تجزئ الزكاة المخرجة هنا

قلت سؤال حسن غير أن زكاة الفطر لها تعلق بصوم رمضان فهي جابرة لما عساه اختل عنه بالرفث وغيره من أسباب النقص كما أن السجود في السهو جابر لما نقص من الصلاة فتأمل ذلك ولذلك ورد في الحديث أنها طهرة للصائم وقد تقدم الصوم فيكون إخراجها بعد أحد سببيها الذي هو الخلل الواقع في الصوم والحكم إذا توسط بين سببيه أو سببه وشرطه جرى فيه الخلاف بين العلماء بخلاف تقدمه عليهما وفي الإخراج قبل ملك النصاب تقدم عليهما فلا جرم لم يجزئ وهاهنا توسط وهو سبب الإجزاء فظهر بهذه

هامش أنوار البروق

فارغه

هامش إدرار الشروق

المازري والجمهور إلخ يحتمل أن المراد به جمهور المجتهدين كما هو الشأن في هذه العبارة حيث أطلقها أهل الخلاف الكبير وإن كانت تشمل الإمام مالكا لكن لا تصريح فيها بنسبة ذلك إليه مع أن غير واحد من حفاظ المذهب أي كالباجي وأبي بكر بن العربي والقاضي عبد الوهاب وسند وابن الفرس والجنيد وغيرهم نسبوا له عكس ذلك نصا

وأما ما نقله عن عياض فليس فيه أن الرواية بالجواز هي المشهورة أو الراجحة أو مساوية للأخرى على أن قوله وفي الحديث حجة لمن يجيز نحر هدي التمتع إلخ وإن كان في الأبي كذلك مخالفا لما لعياض في الإكمال فإن الذي فيه تقليد هدي التمتع إلخ كذا في نسخة عتيقة مظنون بها الصحة ويؤيده أنه أي عياضا ذكر المسألة في موضع آخر فلم يذكر فيها جواز ذلك عن أحد أصلا وإنما ذكر جواز نحره بعد الإحرام بالحج لا قبله عن الشافعي فكيف يذكر في ذلك الروايتين عن مالك

ويؤيده أيضا أن اللخمي إنما ذكر الخلاف في التقليد لا في النحر فتعين أن لفظة نحر في نقل الأبي عن عياض تصحيف وإنما هي تقليد ويشهد لذلك كلام حفاظ المذهب انظره في الرهوني والحطاب ا ه

وخلاصة ما يفيده كلامهما أن كلام المازري وإن أفاد أن القول له بجواز نحر دم التمتع بعد الفراغ من العمرة وقبل الإحرام بالحج قول في المذهب إلا أنه ليس قول جمهور أهل المذهب حتى يكون هو المشهور بل هو قول جمهور المجتهدين كما هو الشأن في هذه العبارة حيث أطلقها أهل الخلاف الكبير وشمولها احتمالا للإمام مالك حينئذ لا يقتضي أنها المشهور في مذهبه كيف وقد نسب له غير واحد من حفاظ المذهب عكس ذلك نصا وأن كلام عياض على نقل الأبي ليس فيه أن الرواية بالجواز مشهورة أو راجحة أو مساوية للأخرى على أن في نسخة عتيقة مظنون بها الصحة من نسخ الإكمال مخالفة لما في نقل الأبي عنه حيث إنها بلفظ يجيز تقليد هدي التمتع إلخ لا بلفظ يجيز نحر هدي إلخ كما في نقل الأبي ويؤيدها أمران أحدهما ذكر عياض المسألة في موضع آخر بدون أن يذكر فيها جواز ذلك عن أحد بل إنما ذكر جواز النحر بعد الإحرام بالحج لا قبله عن الشافعي فقط فكيف يذكر في ذلك الروايتين عن مالك وثانيهما أن اللخمي إنما ذكر الخلاف في التقليد لا في النحر فتعين أن لفظة نحر في نقل الأبي عن عياض تصحيف وإنما هي تقليد كما يشهد لذلك كلام حفاظ المذهب نعم القول بجواز نحر هدي التمتع بعد الفراغ من العمرة وقبل الإحرام بالحج وإن ثبت بذلك أنه ضعيف في مذهبنا إلا أنه قوي

____________________

(2/47)

المسائل الفرق بين قاعدة ما ليس بواجب في الحال ولا في المآل وبين قاعدة ما ليس بواجب في الحال وهو واجب في المآل وأن الأول أبعد في الإجزاء عن الواجب من إجزاء الثاني عن الواجب

الفرق الخامس والخمسون بين قاعدة ملك القريب ملكا محققا يقتضي العتق على المالك وبين قاعدة ملك القريب ملكا مقدرا لا يقتضي العتق على المالك وذلك أن الملك المحقق هو أن يحقق تنافيه بإجلال الآباء واحترام الأبناء فيعتق

هامش أنوار البروق

قال شهاب الدين الفرق الخامس والخمسون بين قاعدة ملك القريب ملكا محققا يقتضي العتق على المالك وبين قاعدة ملك القريب ملكا مقدرا لا يقتضي العتق على المالك إلى آخره قلت هذا الفرق مبني على لزوم تقدير الملك فيما مثل به وقد تقدم أن تقدير الملك في ذلك ليس باللازم فلا مانع من إجزاء العتق عن المعتق عنه من غير تقدير ملكه لمن أعتقه عنه

هامش إدرار الشروق

عند الشافعي بناء على القاعدة المعتبرة عندهم من أن كل حق مالي تعلق بسببين جاز تقديمه على ثانيهما كما نقله الجمل على الجلالين عن شيخه ثم قال وأما صوم الثلاثة الأيام ممن فقد الهدي أو ثمنه فلا يجوز تقديمها على ثاني سببيها لأن الصوم عبادة بدنية لا مالية ا ه

قلت وقد ترتب الآن على إخراج الهدي من مكة إلى الحل وذبحه بمكة وعلى الإتيان به من عرفة إلى منى وذبحه بمنى إما إتلاف مال وإما عدم انتفاع الفقراء بالهدي كما لا يخفى على من حج وشاهد ذلك فالأسهل إما العمل بمقابل المشهور بناء على ما ذكره الحطاب عن ابن عمر من جواز العمل بالشاذ في خاصة النفس وأنه يقدم على العمل بمذهب الغير لأنه قول في المذهب وهو اختيار المغاربة وإما تقليد الشافعي في جواز نحره بعد الفراغ من العمرة وقبل الإحرام بالحج بناء على ما نقله الدسوقي عن أشياخه من عدم جواز العمل بالقول الضعيف في خاصة النفس بل يقدم العمل بقول الغير عليه إن كان راجحا لأن قول الغير قوي في مذهبه وتقليد الشافعي أو أبي حنيفة في عدم اشتراط الجمع في الهدي بين الحل والحرم بناء على الخلاف عندنا في أنه إذا لم يوجد نص لأهل المذهب في نازلة فالذي أفتى به بعض المتأخرين أنه يرجع لمذهب أبي حنيفة لأن مسائل الخلاف التي بين مالك وبينه اثنان وثلاثون مسألة فقط وظاهر كلام القرافي وعليه جرى عمل جد عج أنه ينتقل في تلك المنزلة لمذهب الشافعي لأنه تلميذ الإمام كما في حاشية الخرشي للشيخ علي العدوي وإذا قلد جاز له الأكل من الهدي بناء على جواز التلفيق في العبادة الواحدة من مذهبين لأنه فسحة في الدين ودين الله يسر كما قال الشيخ علي العدوي في حاشية الخرشي فافهم والله أعلم

الفرق الخامس والخمسون بين قاعدة ملك القريب ملكا محققا يقتضي العتق على المالك وبين قاعدة ملك القريب ملكا مقدرا لا يقتضي العتق على المالك بناء على ما زعمه الأصل من لزوم تقدير الملك للقريب كالأب إذا طلب قريبه كابنه من غيره أن يعتق عن كفارة عليه عبدا من عبيده فأعتق المطلوب عن الطالب أباه في الكفارة التي عليه وأن براءة ذمة الابن

____________________

(2/48)

الأبناء والآباء به وغيرهم فيه الخلاف فمن اشترى أباه أو وهب له فقبله ونحو ذلك فقد ملكه ملكا محققا فيعتق عليه

وأما إن قال لغيره أعتق عن كفارة علي عبدا من عبيدك فأعتق عنه أبا الطالب للعتق الذي عليه الكفارة فإن القاعدة أن العتق يصح وتبرأ ذمته من العتق ويكون الولاء للمعتق عنه فلأجل براءة الذمة وثبوت الولاء يتعين تقدير الملك للمعتق عنه قبل صدور العتق في الزمن الفرد حتى يكون العتق في ملك له فتبرأ ذمته من الكفارة ويصير الولاء له بمقتضى العتق في ملكه فهذا ملك مقدر من قبل صاحب الشرع لضرورة ثبوت الأحكام لا إنه ملك محقق فلا يلزم من هذا الملك المقدر هو أن بالمملوك من جهة من قدر الملك له فإن الواقع أنه لم يملكه وإنما الشرع أعطى هذا الملك المعدوم حكم الموجود والواقع المحقق عدم الملك فلا جرم لا يلزم بهذا الملك المقدر عتق بل يقع عتق والده عن كفارته وتجزئ عنه ولو قلنا إنه عتق عليه بالملك لم يجزئ عن الكفارة لأن المستحق عتقه بسبب غير العتاق عن الكفارة لا يجزئ عتقه عن الكفارة وهذا هو تحقيق الفرق بين القاعدتين

هامش أنوار البروق

فارغه

هامش إدرار الشروق

من الكفارة التي عليه وصيرورة ولاء أبيه له بعتق مالكه له عنه في كفارته يتوقفان على تقدير الملك للابن المعتق عنه قبل صدور العتق في الزمن الفرد من قبل صاحب الشرع لضرورة ثبوت الأحكام وأن هذا الملك المقدر بضرورة ثبوت الأحكام يفارق الملك المحقق الحاصل بنحو الشراء للآباء أو للأبناء أو لنحوهم في اقتضاء المحقق العتق دون المقدر لأنه لا يلزم من الملك المقدر هو أن بالمملوك من جهة من قدر الملك له حتى ينافي الإجلال للآباء والاحترام للأبناء ونحوهم المطلوب شرعا كما في المحقق فإن الواقع أنه لم يملكه وإنما الشرع أعطى هذا الملك المعدوم حكم الموجود لما ذكر والواقع المحقق عدم الملك فلا جرم لا يلزم بهذا الملك المقدر عتق بل يقع عتق والده عن كفارته وتجزئ عنه إذ لو قلنا إنه عتق عليه بالملك لم يجز عن الكفارة لأن المستحق عتقه بسبب غير العتاق عن الكفارة لا يجزئ عتقه عن الكفارة ا ه

والحق أن تقدير الملك في ذلك ليس باللازم بل لا حاجة إليه إذ لا مانع من إجزاء العتق عن المعتق عنه وثبوت الولاء له من غير تقدير ملكه لمن أعتق عنه ففي شرح المواق على خليل ابن رشد إذا قال لعبده أنت حر عن المسلمين وولاؤك لي لم يختلف المذهب أن ذلك جائز والولاء للمسلمين ا ه

ولا دليل يدل عليه بل الدليل على خلافه وهو صحة العتق عن الميت وهو لا يصح أن يملك ثم أن المعتق عن غيره لم يقصد إلى ذلك المقدر ولو قصد إليه لما صح عتقه إياه لأنه كأن يكون حينئذ معتقا ملك غيره بغير إذنه وذلك لا يصح وما ذكره هو وغيره في ذلك من تقدم توكيل المعتق عنه إنما يتجه إذا كان العتق بإذنه أما إذا كان بغير إذنه فلا يتجه على أنه لا يخلو إما أن يريد بالتقدير ما يرجع إلى الباري تعالى وهو محال عليه تعالى فإنه لا يقوم بذاته تعالى تقدير أمر من الأمور بالمعنى الذي يقال ذلك في حقنا بل لا يقوم بذاته إلا العلم بوجود ذلك الأمر أو بعدمه وإما أن يريد به ما يرجع إلينا وهو أيضا محال لأنه إذا كان سبب قيام الخبر ببراءة ذمة الابن من الكفارة وصيرورة ولاء أبيه له بعتق مالكه له عنه في كفارته بذاته تعالى تقديرنا نحن ذلك الأمر وتقديرنا حادث فيلزم حدوث ذلك الخبر لضرورة سبق السبب للمسبب أو معيته

____________________

(2/49)

الفرق السادس والخمسون بين قاعدة رفع الواقعات وبين قاعدة تقدير ارتفاعها هاتان القاعدتان تلتبسان على كثير من الفقهاء الفضلاء مع أن القاعدة الأولى قاعدة امتناع واستحالة عقلية لا سبيل إلى أن يقع شيء منها في الشريعة والقاعدة الثانية واقعة في الشريعة في مواقع الإجماع ومواقع الخلاف ولقد حضرت يوما في مجلس فيه فاضلان كبيران من الشافعية فقال أحدهما للآخر ما معنى قول العلماء الرد بالعيب رفع للعقد من أصله أو من حينه قولان أما من حينه فمسلم معقول

وأما من أصله فغير معقول بسبب أن العقد واقع في نفسه وهو من جملة ما تضمنه الزمان الماضي والقاعدة العقلية أن رفع الواقع محال وإخراج ما تضمنه الزمان الماضي محال فما معنى قولهم إنه رفع للعقد من

هامش أنوار البروق

قال الفرق السادس والخمسون بين قاعدة رفع الواقعات وبين قاعدة تقدير ارتفاعها إلى آخره قلت جميع ما قاله في هذا الفرق صحيح غير قوله بتقدير الملك للمعتق عنه فإنه

وإن كان التقدير

هامش إدرار الشروق

وبالجملة القول بتلك التقديرات في هذا الموضع لا يصح كما يفيده كلام ابن الشاط في موضعين من حاشيته على الأصل وإن أمكن الجواب عن الترديد باختيار الشق الثاني وإرجاع سببية التقدير للمخبر به لا لقيام الخبر بذاته تعالى فافهم والله أعلم

الفرق السادس والخمسون بين قاعدة رفع الواقعات وبين قاعدة تقدير ارتفاعها وهو أن رفع الواقعات مستحيل مطلقا وأن تقدير ارتفاعها ممكن مطلقا وقد ثبت الحكم للتقادير الشرعية بإعطاء الموجود حكم المعدوم أو المعدوم حكم الموجود في مواضع منها تقدير النجاسة في حكم العدم في صور الضرورات كدم البراغيث وموضع الحدث من المخرجين

ومنها تقدير رفع الإباحة بالرد بالعيب بعد ثبوتها قبل الرد ونقل ارتفع العقد من أصله لا من حينه على أحد القولين للعلماء وذلك لأن هذا العقد وإن كان واقعا إلا أن الشرع يعطيه الآن حكم عقد لم يوجد إلا أنه يرفع بعد وجوده حتى يقال القاعدة العقلية أن رفع الواقع محال وإخراج ما تضمنه الزمان الماضي محال وتظهر فائدة الخلاف في ولد الجارية والبهائم المبيعة لمن تكون وكذلك الغلات عند من يقول بذلك فإنها تكون في الزمان الماضي للبائع على القول بتقدير العقد معدوما من أصله وللمشتري على القول بتقديره معدوما من حينه ومنها تقدير ما أجمعوا عليه من إباحة وطء الزوجة التي قال لها إن قدم زيد آخر الشهر فأنت طالق من أوله إلى أن يقدم زيد في حكم العدم لا أننا نعتقد أنها ارتفعت من الزمن الماضي حتى يلزم المحال من رفع الواقع كما تقدم وذلك أنه إذا قدم زيد فهل تطلق من الآن أو من أول الشهر وهو الذي يراه ابن يونس من أصحابنا مقتضى المذهب فيقضي بوقوع الطلاق والتحريم في أول الشهر ويقدر الآن أن

____________________

(2/50)

أصله قال له الآخر معنى ذلك أنه يرجع إلى رفع آثاره دون نفس العقد فقال له الآثار والأحكام هي أيضا واقعة من جملة الواقعات وقد تضمنها أيضا الزمان الماضي فيستحيل رفعها كالعقد ويمتنع إخراجها من الزمان الماضي كسائر الماضيات فقال له الآخر هذا السؤال يرد على مثلي وأظهر الغضب والنفور لقلقه وقوة السؤال وافترقا عن غير جواب وما سبب ذلك إلا الجهل بهذا الفرق وها أنا أوضحه لك بذكر مسائل أربع

المسألة الأولى الرد بالعيب المتقدم ذكرها والسؤال فيها فنقول العقد واقع ولا سبيل إلى رفعه لكن من قواعد الشرع التقديرات وهي إعطاء الموجود حكم المعدوم والمعدوم حكم الموجود فهذا العقد وإن كان واقعا لكن يقدره الشرع معدوما أي يعطيه الآن حكم عقد لم يوجد لا أنه يرفع بعد وجوده فاندفع الإشكال وفائدة الخلاف تظهر في ولد الجارية والبهائم المبيعة لمن تكون وكذلك الغلات عند من يقول بذلك هل تكون في الزمان الماضي للبائع إن قدرناه معدوما من أصله أو المشتري إن جعلناه مرفوعا من حينه

هامش أنوار البروق

مما ثبت له حكم في مواضع فلا حاجة في هذه المسألة إليه ولا دليل عليه وغير قوله بتقدير ملك الدية في قتل الخطأ فإنه ليس موضع تقدير الملك أعني بعد إنفاذ المقاتل وقبل زهوق الروح بل هو موضع تحقيق للملك والله تعالى أعلم

هامش إدرار الشروق

الإباحة الكائنة في أول الشهر ووسطه في حكم المرتفعة لا إننا نجزم بارتفاعها بالفعل وقد تقدمت هذه المسألة والبحث فيها مع الشافعي في باب فرق الشروط فلتطالع ثمة ومنها غير ذلك من مسائل التقدير التي لا يخلو باب من أبواب الفقه عنها نعم ليس منها تقدير الملك للمعتق عنه إذ لا حاجة إلى التقدير في هذه المسألة ولا دليل عليه والتقدير لا يصار إليه إلا بدليل والأصل عدمه كما تقدم ولا منها تقدير ملك الدية في قتل الخطأ بعد إنقاذ المقاتل وقبل زهوق الروح بل هو موضع تحقيق الملك كما أفاده ابن الشاط

قلت وليس منها أيضا مسألة تأثير رفض النية فيما عدا الحج والعمرة في الأثناء اتفاقا في الطواف والسعي والغسل والصلاة والصوم وعلى الخلاف في الوضوء والتيمم والاعتكاف ولا تأثير رفضها في الوضوء والتيمم والصلاة والصوم والاعتكاف والطواف والسعي بعد الفراغ على الخلاف أما بالنسبة للرفض في الأثناء فلأن الحق صحته في جميع العبادات بدون احتياج إلى التقدير لأن معناه أنه كان قاصدا بالعبادة امتثال الأمر ثم أتمها بنية أخرى ليست بعبادته التي شرع فيها كالمتطهر ينوي أولا رفع الحدث ثم ينسخ تلك النية ثانيا بنية التبرد أو التنظف من الأوساخ البدنية

وأما بالنسبة للرفض بعد الفراغ فلأن الأصل عدم صحته في جميع العبادات ضرورة أن صحته حينئذ متوقفة على رجوعه للتقدير لأن معناه بعد كمالها على مشروطها قصده أن لا تكون عبادة ولا يترتب عليها حكمها من إجزاء أو استباحة أو غير ذلك والواقع يستحيل رفعه والتقدير لا يصار إليه إلا بدليل والأصل عدمه فلزم أن لا يؤثر فيها بل تكون على حكمها لو لم يكن ذلك القصد

وخرج عن هذا الأصل خلاف الفقهاء في الصلاة والصوم والطواف والسعي والاعتكاف فمن هنا نقل صاحب الجمع عن ابن راشد أنه قال إن القول بعدم تأثير الرفض بعد الفراغ من العبادة عندي أصح لأن الفرض يرجع إلى التقدير لأن الواقع يستحيل رفضه والتقدير لا يصار إليه إلا بدليل والأصل عدمه ولأنه بنفس الفراغ من الفعل سقط التكليف به ومن ادعى أن التكليف

____________________

(2/51)

فهذا كله فقه مستقيم وليس فيه مخالفة قاعدة عقلية حتى يلزم ورود الشرع بخلاف العقل وهو من قاعدة تقدير رفع الواقعات لا من قاعدة رفع الواقعات

المسألة الثانية رفض النيات في العبادات كالصلاة والصوم والحج والطهارة ورفع هذه العبادات بعد وقوعها في جميع ذلك قولان والمشهور في الحج والوضوء عدم الرفع وفي الصلاة والصوم صحة الرفض وذلك كله من المشكلات فإن النية وقعت وكذلك العبادة فكيف يصح رفع الواقع وكيف يصح القصد إلى المستحيل بل النية واقعة قطعا والعبادة محققة جزما فالقصد لرفض ذلك وإبطاله قصد للمستحيل ورفع الواقع وإخراج ما اندرج في الزمن الماضي منه وكل ذلك مستحيل كما تقدم ذلك في الرد بالعيب

والجواب عنه أن ذلك من باب التقديرات الشرعية بمعنى أن صاحب الشرع يقدر هذه النية أو هذه العبادة في حكم ما لم يوجد لا أنه يبطل وجودها المندرج في الزمن الماضي بل يجري عليها الآن حكم عبادة أخرى لم توجد قط وما لم يوجد قط يستأنف فعله فيستأنف فعل هذه فهي من قاعدة تقدير رفع الواقعات لا من قاعدة رفع الواقعات فإن قلت وأي دليل وجد في الشريعة يقتضي تمكن المكلف من هذا التقدير وأن هذا التقدير يتحقق ولو صح ذلك لتمكن المكلف من إسقاط جميع أعماله الحسنة والقبيحة في الزمان الماضي بطريق التقدير والقصد إليها فيقصد الإنسان إبطال ما مضى له من جهاد وهجرة وسعي في طلب العلم وغير ذلك من الأعمال بل يكون إذا قصد إلى إبطال ما تقدم له من الإيمان بمجرد القصد لعدم اعتباره من غير كفر ولا ردة ولا معنى من المعاني المنافية للإيمان أن يصير كافرا غير مؤمن في الزمان الماضي وأن حكم إيمانه المتقدم الآن حكم عدمه وحكم جميع أعماله الصالحة كلها كذلك

وكذلك يقصد إلى إبطال زناه وسرقته وحرابته وأكله الربا وأموال اليتامى وغير ذلك من المناحس والقبائح أن يصير حكمها الآن حكم المعدوم في الزمان الماضي فيستريح من مؤاخذتها لأن عدم المؤاخذة هي أثر هذا التقدير وجميع ذلك لم يقل به ولا قال فقيه بفتح هذا القياس ولم نجده إلا في هذه المسائل الأربع وجميع ما يمكن أن يقال فيه من التعليل أمكن وجوده في جميع تلك الصور أو

هامش أنوار البروق

فارغه

هامش إدرار الشروق

يرجع بعد سقوطه لأجل الرفض فعليه الدليل ا ه وجرى على هذا الأصل إجماع الفقهاء على عدم تأثير الرفض بعد فراغ الحج والعمرة والغسل

وأما خلافهم في رفض الوضوء والتيمم بعد الكمال فإنه غير خارج عن هذا الأصل من جهة أن الطهارة هنا لها وجهان في النظر فمن نظر إلى فعلها على ما ينبغي قال إن استباحة الصلاة بها لازم ومسبب عن ذلك الفعل فلا يصح رفعه إلا بناقض طارئ ومن نظر إلى حكمها أعني استباحة الصلاة مستصحبا إلى أن يصلي وذلك أمر مستقبل فيشترط فيه استصحاب النية الأولى المقارنة للطهارة وهي منسوخة بنية الرفض المنافية لها فلا يصح استباحة الصلاة الآتية بها لأن ذلك كالرفض المقارن للفعل وما قارن الفعل مؤثر فكذلك ما شابهه فلو انتفت المشابهة بأن رفض نية الطهارة بعد ما أدى

____________________

(2/52)

في بعضها ولم يرد في هذه الصور الأربع نص يخصصها بهذا الحكم ويمنع من القياس عليها بل المقرر في الشريعة أن عدم اعتبار ما وقع في الزمن الماضي يتوقف على أسباب غير الرفض كالإسلام يهدم ما قبله والهجرة تهدم ما قبلها وكذلك التوبة والحج وعكسها في الأعمال الصالحة لها ما يبطلها وهي الردة والنصوص دلت على اعتبار هذه الأسباب أما الرفض فما نعلم أحدا ذكر دليلا شرعيا يقتضي اعتباره وأن مجرد القصد مؤثر في الأعمال هذا التأثير قلت هذا سؤال حسن قوي متجه ولم أجد شيئا له اتجاه يقتضي اندفاعه على الوجه التام فالأحسن الاعتراف به

المسألة الثالثة إذا قال لامرأته إن قدم زيد آخر الشهر فأنت طالق من أوله فإنها مباحة الوطء بالإجماع إلى قدوم زيد فإذا قدم زيد آخر الشهر هل تطلق من الآن أو من أول الشهر وهو الذي يراه ابن يونس من أصحابنا مقتضى المذهب فيقضي بوقوع الطلاق فيه والتحريم في أول الشهر فيرفع الإباحة الكائنة في وسط الشهر وهي كانت واقعة فيلزم رفع الواقع وهو محال كما تقدم

والجواب أنه من باب التقدير الشرعي بمعنى أنا نقدر أن تلك الإباحة في حكم العدم لا أنا نعتقد أنها ارتفعت من الزمن الماضي بل حكمها الآن حكم المرتفعة وقد تقدمت هذه المسألة في باب فرق الشروط والبحث فيها مع الشافعي فلتطالع من هناك فإنه مستوفى

المسألة الرابعة إذا أعتق عن غيره فإنا نقدر له الملك قبل العتق عنه مع أن الواقع عدم ملكه له قبل العتق وذلك العدم من جملة الواقعات والواقع من عدم أو وجود في الزمن الماضي يستحيل رفعه فكيف يرتفع عدم الملك ويثبت نقيضه وهو الملك والجواب عنه أنه من باب التقدير فيقدر ذلك العدم في حكم المرتفع لا لأنا نرفعه بل نعطيه الآن حكم الارتفاع من إجزاء العتق وثبوت الولاء وغير ذلك وكذلك تقدر ملك الدية في قتل الخطأ من قبل الموت بالزمن ليصح الإرث خاصة وهذه التقادير كثيرة في الشريعة وقد بينت ذلك كله مستوفى في كتاب الأمنية في إدراك النية وأنه لا يخلو باب من أبواب الفقه عن التقدير وهذه الفروع كلها تقتضي الفرق بين قاعدة ارتفاع الواقع وبين قاعدة تقدير ارتفاع الواقع وأن الأول مستحيل مطلقا والثاني ممكن مطلقا وبالله التوفيق

هامش أنوار البروق

فارغه

هامش إدرار الشروق

بها الصلاة وتم حكمها لم يصح أن يقال إنه يجب عليه استئناف الطهارة والصلاة فكذلك من صلى ثم رفض تلك الصلاة بعد السلام منها وقد كان أتى بها على ما أمر به

فإن قال من تكلم في الرفض في مثل هذا فالقاعدة ظاهرة في خلاف ما قال كما تقدم عن أبي إسحاق في موافقاته وقد مر أن اللزوم بين الوضوء والغسل مشروط بعدم طريان التناقض في أثناء الغسل فلذا لم يتأت فيه جريان الوجهين المذكورين في الوضوء والتيمم وأجمعوا على عدم تأثير الرفض بعد كماله فافهم والله أعلم

____________________

(2/53)

الفرق السابع والخمسون بين قاعدة تداخل الأسباب وبين قاعدة تساقطها اعلم أن التداخل والتساقط بين الأسباب قد استويا في أن الحكم لا يترتب على السبب الذي دخل في غيره ولا على السبب الذي سقط بغيره فهذا هو وجه الجمع بين القاعدتين والفرق بينهما أن التداخل بين الأسباب معناه أن يوجد سببان مسببهما واحد فيترتب عليهما مسبب واحد مع أن كل واحد منهما يقتضي مسببا من ذلك النوع ومقتضى القياس أن يترتب من ذلك النوع مسببان وقد وقع الأول في كثير من الصور والثاني أيضا واقع في الشريعة وهو الأكثر أما التداخل الذي هو أقل فقد وقع في الشريعة في ستة أبواب الأول الطهارات كالوضوء والغسل إذا تكررت أسبابهما المختلفة كالحيض والجنابة أو المتماثلة كالجنابتين والملامستين في الوضوء فإنه يجزئ وضوء واحد وغسل واحد

هامش أنوار البروق

وما قاله في الفرق السابع والخمسين صحيح

هامش إدرار الشروق

الفرق السابع والخمسون بين قاعدة تداخل الأسباب وبين قاعدة تساقطها التداخل والتساقط بين الأسباب وإن اتفقا في جهتين أحدهما أن الحكم لا يترتب على السبب الذي دخل في غيره ولا على السبب الذي سقط بغيره وثانيهما جريان كل منهما على خلاف الأصل إلا أنهما تفارقا في جهات الجهة الأولى أن تساقط الأسباب إنما يكون عند التعارض وتنافي المسببات بأن يكون أحد السببين يقتضي شيئا والآخر يقتضي ضده فيقدم صاحب الشرع الراجح منهما على المرجوح فيسقط المرجوح أو يستويان فيتساقطان معا وتداخلها إنما يكون عند اتحاد مسببها بأن يوجد سببان مسببهما واحد

الجهة الثانية أن التداخل جرى على خلاف الأصل في اتحاد المسبب والتساقط جرى على خلاف الأصل في تنافي المسببات إذ الأصل والقياس عدم التداخل مع تماثل الأسباب بأن يترتب على كل سبب مسببه

الجهة الثالثة أن التداخل وقع في الشريعة في ستة أبواب الأول الطهارة فمن التداخل فيه إجزاء غسل واحد مع تعدد أسبابه المختلفة كالحيض والجنابة أو المتماثلة كالجنابتين ومنه إجزاء وضوء واحد مع تعدد أسبابه المتماثلة كالملامستين أو المختلفة كالملامسة وإخراج الريح ومنه إجزاء الغسل عن الوضوء وإن تحقق سببه الذي هو الملامسة مع سبب الغسل الذي هو الجنابة لاندراج سببه في الجنابة فلم يترتب عليه وجوب وضوء

الثاني الصلوات فمن التداخل فيها تداخل تحية المسجد في صلاة الفرض مع تعدد سببيهما فيدخل دخول المسجد الذي هو سبب التحية في الزوال الذي هو سبب الظهر مثلا فيقوم سبب الزوال مقام سبب الدخول فيكتفى به

الثالث الصيام فمن التداخل فيه تداخل الصوم الذي سببه الاعتكاف في صوم رمضان الذي سببه رؤية الهلال فيقوم سبب الرؤية مقام سبب الاعتكاف فيكتفى به

الرابع الكفارات فمن التداخل فيه حمل الأيمان في المشهور على التكرار لا على الإنشاء فتكفيه كفارة واحدة ومنه تكرار الوطء في اليوم الواحد من رمضان عندنا على الخلاف وفي اليومين عند أبي حنيفة تكفيه كفارة واحدة وله قولان في الرمضانين

الخامس الحدود المتماثلة فمن التداخل فيه تداخل أسبابها المختلفة

____________________

(2/54)

ودخل أحد السببين في الآخر فلم يظهر له أثر وكالوضوء مع الغسل فإن سبب الوضوء الذي هو الملامسة اندرج في الجنابة فلم يترتب عليه وجوب وضوء وأجزأه الغسل الثاني الصلوات كتداخل تحية المسجد مع صلاة الفرض مع تعدد سببهما فيدخل دخول المسجد الذي هو سبب التحية في الزوال الذي هو سبب الظهر مثلا فيقوم سبب الزوال مقام سبب الدخول فيكتفى به الثالث الصيام كصيام رمضان مع صيام الاعتكاف فإن الاعتكاف سبب لتوجه الأمر بالصوم ورؤية هلال رمضان سبب توجه الأمر بصوم رمضان فيدخل سبب الاعتكاف في سبب رؤية الهلال ويتداخل الاعتكاف ورؤية الهلال

الرابع الكفارات في الأيمان على المشهور في حل الأيمان على التكرار دون الإنشاء بخلاف تكرار الطلاق يحمل على الإنشاء حتى يريد التكرار وفي كفارة إفساد رمضان إذا تكرر الوطء منه في اليوم الواحد عندنا على الخلاف وعند أبي حنيفة في اليومين وله قولان في الرمضانين الخامس الحدود المتماثلة وإن اختلفت أسبابها كالقذف وشرب الخمر أو تماثلت كالزنى مرارا والسرقة مرارا والشرب مرارا قبل إقامة الحد عليه وهي من أولى الأسباب بالتداخل لأن تكررها مهلك

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

كالقذف وشرب الخمر أو المتماثلة كالزنا مرارا والسرقة مرارا والشرب مرارا قبل إقامة الحد عليه وهي من أولى الأسباب بالتداخل لأن تكررها مهلك

السادس الأموال فمن التداخل فيها أنه لا يجب في تكرار وطء الشبهة المتحدة إلا صداق واحد من صداق المثل وإن كانت كل وطأة لو انفردت أوجبت مهرا تاما من صداق المثل ومنه اكتفاء صاحب الشرع فيما إذا قطع أطرافه وسرى ذلك لنفسه بدية واحدة للنفس وإن كان الواجب قبل السريان نحو عشر ديات بحسب تعدد العضو المجني عليه فدخل في هذه المسألة الكثير وهو دية الأطراف في القليل وهو دية النفس وقد يدخل القليل كدية الأصبع في الكثير كدية النفس تنبيه لا يتنافى عندنا في التداخل إلا أربع صور أحدها دخول القليل في الكثير

وثانيها دخول الكثير في القليل وقد مرت مثلهما

وثالثها دخول المتقدم في المتأخر كحدث الوضوء المتقدم مع الجنابة المتأخرة

ورابعها دخول المتأخر في المتقدم كالوطآت المتأخرة مع الوطأة المتقدمة الأولى وأسباب الوضوء أو الغسل المتأخرة في الموجب الأول منها وعند الشافعية تزيد صورة خامسة وهي دخول الطرفان في الوسط فيما إذا وطئت المرأة بالشبهة الواحدة أولا وهي مريضة الجسم عديمة المال وثانيا بعد أن صحت وورثت مالا عظيما وثالثا بعد سقم جسمها وذهاب مالها فإنها عندهم يجب لها صداق المثل في أعظم أحوالها وأعظم أحوالها في هذه الصورة الحالة الوسطى فيجب الصداق باعتبارها وتدخل فيها الحالة الأولى والحالة الأخيرة فيندرج الطرفان في الوسط ولا يعتبر على مذهب مالك في هذا المثال إلا الوطأة الأولى كيف كانت وكيف صادفت ويندرج ما بعدها فيها فهذه الصورة عنده من باب اندراج المتأخر في المتقدم لا من باب اندراج الطرفين في الوسط

وأما التساقط فإما أن يكون بسبب التنافي في جميع الوجوه وجميع الأحكام وله مثل منها الردة مع الإسلام ومنها القتل والكفر يقتضيان عدم الإرث

____________________

(2/55)

السادس الأموال كالواطئ بالشبهة المتحدة إذا تكرر الوطء فإن كل وطأة لو انفردت أوجبت مهرا تاما من صداق المثل ولا يجب في ذلك إلا صداق واحد وكدية الأطراف مع النفس فإنه إذا قطع أطرافه وسرى ذلك لنفسه اكتفى صاحب الشرع بدية واحدة للنفس مع أن الواجب قبل السريان نحو عشر ديات بحسب تعدد العضو المجني عليه ومع ذلك يسقط الجميع ولا يلزم إلا دية واحدة تفريع على هذا قد يدخل القليل مع الكثير كدية الأصبع مع النفس والكثير مع القليل كدية الأطراف مع النفس والمتقدم مع المتأخر كحدث الوضوء مع الجنابة والمتأخر مع المتقدم كالوطآت المتأخرة مع الوطأة المتقدمة الأولى

وموجبات أسباب الوضوء والغسل مع اندراجه في الموجب الأول والطرفان في وسط كاندراج الوطأة الأولى والآخرة في وطء الشبهة فإنها قد توطأ أولا وهي مريضة الجسم عديمة المال ثم تصح وترث مالا عظيما ثم تسقم في جسمها ويذهب مالها وهي توطأ في تلك الأحوال كلها بشبهة واحدة فإنها يجب لها عند الشافعي صداق المثل في أعظم أحوالها وأعظم أحوالها في هذه الصورة الحالة الوسطى فيجب الصداق باعتبارها وتدخل فيها الحالة الأولى والحالة الأخيرة فيندرج الطرفان في الوسط وهذا المثال إنما يجب على مذهب الشافعي وأما

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

والقرابة تقتضي الإرث ومنها الدين مسقط للزكاة وأسبابها توجبها ومنها تعارض البينتين ومنها تعارض الأصلين فيما إذا قطع رجل ملفوف في الثياب فتنازع القاطع والولي في كونه كان حيا حالة الجناية فالأصل بقاء الحياة والأصل أيضا عدم وجوب القصاص ومنها تعارض الغالبين الظاهرين في بحث اختلاف الزوجين في متاع البيت فإن اليد للرجل ظاهرة في الملك فإذا كان المدعي فيه من قماش النساء دون الرجال وكان ظاهرا في كونه للمرأة دون الرجل قدمنا نحن هذا الظاهر وسوى الشافعي بينهما بناء على أن لهما معا يدا وهي ظاهرة في الملك واليد عند مالك خاصة بالرجل لأنه صاحب المنزل وإذا كان يصلح لهما قدم ملك الرجل فيه بناء على اختصاصه باليد ونحو المنفردين برؤية الهلال والسماء مصحية والمصر كبير فمالك قدم ظاهر العدالة وسحنون قدم ظاهر الحال ولم يوجب الصوم بشهادتهما وقال الظاهر كذبهما لأن العدد العظيم مع ارتفاع الموانع يقتضي أن يراه جمع عظيم فانفراد هذين دليل كذبهما

ومنها تعارض الأصل والظاهر في نحو المقبرة المنبوشة فإن الأصل عدم النجاسة والظاهر وجودها بسبب النبش قلت ومنها ما قدمته عن كتاب الأحكام للإمام ابن العربي من تعارض العموم في خصوص العين في قوله تعالى في دم الحيض بل هو أذى والعموم في خصوص الحال في قوله تعالى أو دما مسفوحا فيترجح الأول ويكون قليل دم الحيض وكثيره سواء في التحريم كما رواه أبو ثابت عن ابن القاسم وابن وهب وابن سيرين عن مالك على الثاني الذي تمسك به بعض علمائنا فقال يعفى عن قليله كسائر الدماء لأن حال العين أرجح من حال الحال وإما أن يكون أي التساقط بسبب التنافي في بعض الوجوه وفي بعض الأحكام وله مسائل منها اقتضاء النكاح مع الملك إباحة الوطء فيغلب الأقوى وهو الملك لأنه مع كونه يوجب إباحة الوطء كالنكاح يوجب ملك الرقبة والمنافع وتكون

____________________

(2/56)

على مذهب مالك فإنما يعتبر الوطأة الأولى كيف كانت وكيف صادفت ويندرج ما بعدها فيها وتكون عنده من باب اندراج المتأخر في المتقدم لا من باب اندراج الطرفين في الوسط

وأما القسم الذي هو أكثر في الشريعة وهو عدم التداخل مع تماثل الأسباب فكالإتلافين يجب بهما ضمانان ولا يتداخلان وكالطلاقين يتعدد أثرهما ولا يتداخلان بل ينقص كل طلاق من العصمة طلقة إلا أن ينوي التأكيد أو الخبر عن الأول والزوالين فإنهما يوجبان ظهرين وكذلك بقية أوقات الصلوات وأسبابها وكالنذرين يتعدد منذورهما ولا يتداخل وكالوصيتين بلفظ واحد لشخص واحد فإنه يتعدد له الموصى به على الخلاف وكالسببين لرجل واحد أو رجلين بمعنى واحد أو مختلف فإنه يوجب تعدد التعزير والمؤاخذة وكما لو استأجر منه شهرا ثم استأجر منه شهرا ولم يعين فإنه يحمل على شهرين وكما لو اشترى منه صاعا من هذه الصبرة ثم اشترى منه صاعا من هذه الصبرة فإنه يحمل على صاعين وهو كثير جدا في الشريعة الأصل أن يترتب على كل سبب مسببه والتداخل على خلاف الأصل

وأما تساقط الأسباب فإنما يكون عند التعارض وتنافي المسببات بأن يكون أحد السببين يقتضي شيئا والآخر يقتضي ضده فيقدم صاحب الشرع الراجح منهما على المرجوح فيسقط المرجوح أو يستويان فيتساقطان معا هذا هو ضابط هذا القسم وهو قسمان تارة يقع الاختلاف في جميع الأحكام وتارة في البعض

أما القسم

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الإباحة الحاصلة مضافة له فقط ويسقط النكاح ولا يحصل تداخل فلا يقال الإباحة مضافة لهما ألبتة سواء تقدم الملك كما إذا عقد على أمته أو تأخر كما إذا اشترى زوجته وصيرها أمته ومنها علم الحاكم مع البينة إذا شهدت بما يعلمه فإن الحكم يضاف للبينة دون علمه فيسقط القضاء به عند مالك حذرا من القضاة السوء وسدا لذريعة الفساد على الحكام بالتهم وعلى الناس بالقضاء عليهم بالباطل

وعند الشافعي يقدم القضاء بعلمه على القضاء بالبينة لأن البينة لا تفيد إلا الظن والعلم أولى من الظن ويحتمل مذهبه أنه يجمع بينهما ويجعل الحكم مضافا إليهما لعدم التنافي بينهما ومنها من وجد في حقه سببا توريث بالفرض في أنكحة المجوس فإنه يرث بأقواهما ويسقط الآخر مع أن كليهما يقتضي الإرث كالابن إذا كان أخا لأم كما إذا تزوج أمه فولدها حينئذ ابنه وهو أخوه لأمه فيرث بالبنوة وتسقط الأخوة أما إن كانا سببين للتوريث بالفرض والتعصيب فإنه يرث بها كالزوج ابن عم يأخذ النصف بالزوجية والنصف الآخر بكونه ابن عم

تنبيه عدم تداخل الأسباب مع تماثلها الجاري على مقتضى القياس والأصل من أن يترتب على كل سبب مسببه هو الأكثر في الشريعة فمن مسائله الإتلافان يجب بهما ضمانان ولا يتداخلان ومنها الطلاقان ينقص كل طلاق منهما من العصمة طلقة ولا يتداخلان إلا أن ينوي التأكيد أو الخبر عن الأول ومنها الزوالان يوجبان ظهرين وكذلك بقية أوقات الصلوات وأسبابها ومنها النذران يتعدد منذورهما ولا يتداخل ومنها الوصيتان بلفظ واحد لشخص واحد فإنه يتعدد له الموصى به على الخلاف ومنها القذفات لرجل واحد أو رجلين بمعنى واحد أو مختلف فإنه يوجب تعدد التعزير والمؤاخذة ومنها ما إذا استأجر منه شهرا ثم استأجر منه شهرا ولم يعين فإنه يحمل على شهرين ومنها ما إذا

____________________

(2/57)

الأول وهو التنافي في جميع الأحكام فكالردة مع الإسلام والقتل والكفر مع القرابة الموجبة للميراث فإنهما يقتضيان عدم الإرث وكالدين مسقط للزكاة وأسبابها توجبها وكالبينتين إذا تعارضتا أو الأصلين إذا قطع رجل ملفوف في الثياب فتنازع هو والولي في كونه كان حيا حالة الجناية فالأصل بقاء الحياة والأصل أيضا عدم وجوب القصاص والغالبين وهما الظاهران كاختلاف الزوجين في متاع البيت فإن اليد للرجل ظاهرة في الملك وكون المدعي فيه من قماش النساء دون الرجال ظاهر في كونه للمرأة دون الرجل فقدمنا نحن هذا الظاهر وسوى الشافعي بينهما بناء على أن لهما معا يدا وهي ظاهرة في الملك ومالك يقول اليد خالصة بالرجل لأنه صاحب المنزل

وكذلك إذا كان المتاع يصلح لهما قدم ملك الرجل فيه بناء على اختصاصه باليد وكالمنفردي ن برؤية الهلال والسماء مصحية والمصر كبير قدم ملك ظاهر العدالة وقدم سحنون ظاهر الحال وقال الظاهر كذبهما لأن العدد العظيم مع ارتفاع الموانع يقتضي أن يراه جمع عظيم فانفراد هذين دليل كذبهما ولم يوجب الصوم بشهادتهما والأصل والظاهر كالمقبرة المنبوشة الأصل عدم النجاسة والظاهر عدم وجودها بسبب النبش فهذه الأقسام كلها متنافية من جميع الوجوه في مسبباتها

وأما التساقط بسبب التنافي في بعض الوجوه وفي بعض الأحكام كالنكاح مع الملك إذا عقد على أمته فإن النكاح يوجب إباحة الوطء والملك يوجب مع ذلك ملك الرقبة والمنافع فسقط النكاح تغليبا للملك بسبب قوته وتكون الإباحة الحاصلة مضافة للملك فقط ولا يحصل تداخل فلا يقال هي مضافة لهما ألبتة وكما إذا اشترى امرأته وصيرها أمته فإن النكاح السابق يقتضي الإباحة وكذلك الشراء اللاحق يقتضي الإباحة مع بقية آثار الملك فأسقط الشرع النكاح السابق بالملك اللاحق عكس القسم الأول فإن الأول قدم فيه السابق وهذا قدم فيه اللاحق

والفرق أن الملك أقوى من النكاح لاشتماله على إباحة الوطء وغيره فلما كان أقوى قدمه صاحب الشرع سابقا ولاحقا ولاحظنا أن السابق يقدم بحصوله في المحل وسبقه وإلا لاندفع الشراء عن الزوجة وبقيت زوجة وبطل البيع لكن السر ما ذكرته لك ومن ذلك علم الحاكم مع البينة إذا شهدت بما يعلمه فإن الحكم مضاف للبينة دون علمه عند مالك والقضاء بالعلم ساقط حذرا من القضاة السوء وسدا لذريعة الفساد على الحكم بالتهم وعلى الناس بالقضاء عليهم بالباطل وعند الشافعي علمه مقدم على البينة لأن البينة لا تفيد إلا الظن والعلم أولى من الظن ويحتمل مذهبه أنه يجمع بينهما ويجعل الحكم مضافا إليهما لعدم التنافي بينهما ومن ذلك من وجد في حقه سببان للتوريث بالفرض في أنكحة المجوس فإنه يرث بأقواهما ويسقط الآخر مع أن

هامش أنوار البروق

فارغه

هامش إدرار الشروق

اشترى منه صاعا من هذه الصبرة ثم اشترى منه صاعا من هذه الصبرة فإنه يحمل على صاعين ومنها غير ذلك مما هو كثير جدا في الشريعة والله أعلم

____________________

(2/58)

كليهما يقتضي الإرث كالابن إذا كان أخا لأم كما إذا تزوج أمه فولدها حينئذ ابنه وهو أخوه لأمه فإنه يرث بالبنوة وتسقط الأخوة أما إن كانا سببين الفرض والتعصيب فإنه يرث بهما كالزوج ابن عم يأخذ النصف بالزوجية والنصف الآخر بكونه ابن عم فهذه مثل ومسائل توجب الفرق بين قاعدة تداخل الأسباب وتساقطها على اختلاف التداخل والتساقط

الفرق الثامن والخمسون بين قاعدة المقاصد وقاعدة الوسائل وربما عبر عن الوسائل بالذرائع وهو اصطلاح أصحابنا وهذا اللفظ المشهور في مذهبنا ولذلك يقولون سد الذرائع ومعناه حسم مادة وسائل الفساد دفعا لها فمتى كان الفعل السالم عن المفسدة وسيلة للمفسدة منع مالك من ذلك الفعل في كثير من الصور وليس سد الذرائع من خواص مذهب مالك كما يتوهمه كثير من المالكية بل الذرائع ثلاثة أقسام قسم أجمعت الأمة على سده ومنعه وحسمه كحفر الآبار في طرق المسلمين فإنه

هامش أنوار البروق

قال الفرق الثامن والخمسون بين قاعدة المقاصد وقاعدة الوسائل قلت جميع ما قاله في هذا الفرق صحيح غير ما قاله من أن حكم الوسائل حكم ما أفضت إليه من وجوب أو غيره فإن ذلك مبني على قاعدة أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب والصحيح أن ذلك غير لازم فيما لم يصرح الشرع بوجوبه والله تعالى أعلم

وما قال في الفرق التاسع والخمسين والفرق الستين والحادي والستين صحيح والله تعالى أعلم

هامش إدرار الشروق

الفرق الثامن والخمسون بين قاعدة المقاصد وقاعدة الوسائل وكذا بين قاعدة كون المعاصي أسبابا للرخص وبين قاعدة مقارنة المعاصي لأسباب الرخص

أما الفرق بين المقاصد والوسائل فهو أن موارد الأحكام على قسمين الأولى المقاصد وهي المتضمنة للمصالح والمفاسد في أنفسها قال الإمام أبو إسحاق في موافقاته وقول الرازي إن أحكام الله ليست معللة بعلة ألبتة كما أن أفعاله كذلك خلاف المعتمد وذلك لأنا استقرينا من الشريعة أنها وضعت لمصالح العباد استقراء لا ينازع فيه الرازي ولا غيره فإن الله تعالى يقول في بعثة الرسل وهي الأصل رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين وقال في أصل الخلقة وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا

وأما التعاليل لتفاصيل الأحكام في الكتاب والسنة فأكثر من أن تحصى كقوله بعد آية الوضوء ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم وقال في الصيام كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون وفي الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر

وقال في القبلة فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة وفي الجهاد أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وفي القصاص ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب وفي التقرير على التوحيد ب

____________________

(2/59)

وسيلة إلى إهلاكهم وكذلك إلقاء السم في أطعمتهم وسب الأصنام عند من يعلم من حاله أنه يسب الله تعالى عند سبها وقسم أجمعت الأمة على عدم منعه وأنه ذريعة لا تسد ووسيلة لا تحسم كالمنع من زراعة العنب خشية الخمر فإنه لم يقل به أحد وكالمنع من المجاورة في البيوت خشية الزنى

وقسم اختلف فيه العلماء هل يسد أم لا كبيوع الآجال عندنا كمن باع سلعة بعشرة دراهم إلى شهر ثم اشتراها بخمسة قبل الشهر فمالك يقول إنه أخرج من يده خمسة الآن وأخذ عشرة آخر الشهر فهذه وسيلة لسلف خمسة بعشرة إلى أجل توسلا بإظهار صورة البيع لذلك والشافعي يقول ينظر إلى صورة البيع ويحمل الأمر على ظاهره فيجوز ذلك وهذه البيوع يقال إنها تصل إلى ألف مسألة اختص بها مالك وخالفه فيها الشافعي وكذلك اختلف في النظر إلى النساء هل يحرم لأنه يؤدي إلى الزنى أو لا يحرم والحكم بالعلم هل يحرم لأنه وسيلة للقضاء بالباطل من القضاة السوء أو لا يحرم وكذلك اختلف في تضمين الصناع لأنهم يؤثرون في السلع بصنعتهم فتتغير السلع فلا يعرفها ربها إذا بيعت فيضمنون سدا لذريعة الأخذ أم لا يضمنون لأنهم أجراء وأصل الإجارة على الأمانة قولان وكذلك تضمين حملة الطعام لئلا تمتد أيديهم إليه وهو كثير في المسائل فنحن قلنا بسد هذه الذرائع ولم يقل بها الشافعي فليس سد الذرائع خاصا بمالك رحمه الله بل قال بها هو أكثر من غيره وأصل سدها مجمع عليه

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين والمقصود التنبيه وإذا دل الاستقراء على هذا وكان في مثل هذه القضية مفيدا للعلم فنحن نقطع بأن الأمر مستمر في جميع تفاصيل الشريعة ومن هذه الجملة ثبت القياس والاجتهاد فلنجر على مقتضاه ويبقى البحث في كون ذلك واجبا أو غير واجب موكولا إلى علمه ثم إنه قسم المقاصد وبين أقسامها بمسائل بديعة فانظره

القسم الثاني الوسائل والمشهور في الاصطلاح عند أصحابنا التعبير عنها بالذرائع وهي الطرق المفضية إلى المقاصد قيل وحكمها حكم ما أفضت إليه من وجوب أو غيره إلا أنها أخفض رتبة في حكمها مما أفضت إليه فليس كل ذريعة يجب سدها بل الذريعة كما يجب سدها يجب فتحها وتكره وتندب وتباح بل قد تكون وسيلة المحرم غير محرمة إذا أفضت إلى مصلحة راجحة كالتوسل إلى فداء الأسارى بدفع المال للكفار الذي هو محرم عليهم الانتفاع به بناء على الصحيح عندنا من خطابهم بفروع الشريعة وكدفع مال لرجل يأكله حراما حتى لا يزني بامرأة إذا عجز عن دفعه عنها إلا بذلك وكدفع المال للمحارب حتى لا يقع القتل بينه وبين صاحب المال عند مالك رحمه الله تعالى ولكنه اشترط فيه أن يكون يسيرا ومما يدل على حسن الوسائل الحسنة قوله تعالى ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح فأثابهم الله على الظمأ والنصب وإن لم يكونا من فعلهم بسبب أنهم حصلا لهم بسبب التوسل إلى الجهاد الذي هو وسيلة لإعزاز الدين وصون المسلمين فيكون الاستعداد وسيلة الوسيلة فالذرائع المفضية إلى المحرم ثلاثة أقسام

والقسم الأول ما أجمعت الأمة على سده ومنعه وحسمه وله مثل منها حفر الآبار في طريق المسلمين

____________________

(2/60)

تنبيه اعلم أن الذريعة كما يجب سدها يجب فتحها وتكره وتندب وتباح فإن الذريعة هي الوسيلة فكما أن وسيلة المحرم محرمة فوسيلة الواجب واجبة كالسعي للجمعة والحج وموارد الأحكام على قسمين مقاصد وهي المتضمنة للمصالح والمفاسد في أنفسها ووسائل وهي الطرق المفضية إليها وحكمها حكم ما أفضت إليه من تحريم وتحليل غير أنها أخفض رتبة من المقاصد في حكمها والوسيلة إلى أفضل المقاصد أفضل الوسائل وإلى أقبح المقاصد أقبح الوسائل وإلى ما يتوسط متوسطة ومما يدل على حسن الوسائل الحسنة قوله تعالى ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح فأثابهم الله على الظمأ والنصب وإن لم يكونا من فعلهم بسبب أنهما حصلا لهم بسبب التوسل إلى الجهاد الذي هو وسيلة لإعزاز الدين وصون المسلمين فيكون الاستعداد وسيلة الوسيلة

تنبيه القاعدة أنه كلما سقط اعتبار المقصد سقط اعتبار الوسيلة فإنها تبع له في الحكم وقد خولفت هذه القاعدة في الحج في إمرار الموسى على رأس من لا شعر له مع أنه وسيلة إلى إزالة الشعر فيحتاج إلى دليل يدل على أنه مقصود في نفسه وإلا فهو مشكل على القاعدة

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

فإنه وسيلة إلى إهلاكهم فيها ومنها إلقاء السم في أطعمتهم ومنها سب الأصنام عند من يعلم من حاله أنه يسب الله تعالى عند سبها

والقسم الثاني ما أجمعت الأمة على عدم منعه وأنه ذريعة لا تسد ووسيلة لا تحسم وله أمثلة منها زراعة العنب وسيلة إلى الخمر ولم يقل أحد بالمنع منها خشية الخمر ومنها المجاورة في البيوت وسيلة إلى الزنا ولم يقل أحد بمنعها خشية الزنا

والقسم الثالث ما اختلف فيه العلماء هل يسد أم لا وله أمثلة منها بيوع الآجال وهي كما قيل تصل إلى ألف مسألة كمن باع سلعة بعشرة دراهم إلى شهر ثم اشتراها بخمسة قبل الشهر فاختص مالك رحمه الله تعالى بالقول بوجوب سدها نظرا إلى أنه توسل بإظهار صورة البيع لسلف خمسة بعشرة إلى أجل مثلا لأنه أخرج من يده خمسة الآن وأخذ عشرة آخر الشهر في المسألة المذكورة

وقال الشافعي ينظر إلى صورة البيع ويحمل الأمر على ظاهره فيجوز ذلك ومنها النظر إلى النساء قيل يحرم لأنه يؤدي إلى الزنا وقيل لا يحرم ومنها حكم بعلمه قيل يحرم لأنه وسيلة للقضاء بالباطل من القضاة السوء وقيل لا يحرم ومنها صناع السلع قيل يضمنونها إذا ادعوا ضياعها سدا لذريعة الأخذ لأنهم يؤثرون فيها بصنعتهم فتتغير فلا يعرفها ربها إذا بيعت وقيل لا يضمنون لأنهم أجراء وأصل الإجارة على الأمانة ومنها حملة الطعام قيل يضمنونه إذا تلف لئلا تمتد أيديهم إليه وقيل لا يضمنونه قلت ومنها آلات الملاهي فإنها مجمع على تحريمها إن ترتب فسوق ومشهور المذاهب الأربعة التحريم مطلقا كما في مجموع الأمير والصاوي على أقرب المسالك بل قال العلامة ابن حجر في الزواجر وقد حكى الشيخان أنه لا خلاف في تحريم

____________________

(2/61)

تنبيه قد تكون وسيلة المحرم غير محرمة إذا أفضت إلى مصلحة راجحة كالتوسل إلى فداء الأسارى بدفع المال للكفار الذي هو محرم عليهم الانتفاع به بناء على أنهم مخاطبون بفروع الشريعة عندنا وكدفع مال لرجل يأكله حراما حتى لا يزني بامرأة إذا عجز عن دفعه عنها إلا بذلك وكدفع المال للمحارب حتى لا يقع القتل بينه وبين صاحب المال عند مالك رحمه الله تعالى ولكنه اشترط فيه أن يكون يسيرا فهذه الصور كلها الدفع وسيلة إلى المعصية بأكل المال ومع ذلك فهو مأمور به لرجحان ما يحصل من المصلحة على هذه المفسدة

تنبيه تفرع على هذا الفرق فرق آخر وهو الفرق بين كون المعاصي أسبابا للرخص وبين قاعدة مقارنة المعاصي لأسباب الرخص فإن الأسباب من جملة الوسائل وقد التبست هاهنا على كثير من الفقهاء فأما المعاصي فلا تكون أسبابا للرخص ولذلك العاصي بسفره لا يقصر ولا يفطر لأن سبب هذين السفر وهو في هذه الصورة معصية فلا يناسب الرخصة لأن ترتيب الترخص على المعصية سعي في تكثير تلك المعصية بالتوسعة على المكلف بسببها

وأما مقارنة المعاصي لأسباب الرخص فلا تمتنع إجماعا كما يجوز لأفسق الناس وأعصاهم التيمم إذا عدم الماء وهو رخصة وكذلك الفطر إذا أضر به الصوم والجلوس إذا أضر به القيام في الصلاة ويقارض ويساقي ونحو ذلك من

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

المزمار العراقي وما يضرب به من الأوتار ا ه

واختلف في كونه كبيرة أو صغيرة والأصح الثاني كما في الدسوقي على الدردير على خليل وفي الإحياء المنع من الأوتار كلها لثلاث علل كونها تدعو إلى شرب الخمر فإن اللذة الحاصلة تدعو إليها فلهذا حرم شرب قليلها وكونها في قريب العهد بشربها تذكره مجالس الشرب والذكر سبب انبعاث الفسوق وانبعاثه سبب الإقدام وكون الاجتماع على الأوتار صار من عادة أهل الفسق مع التشبه بهم ومن تشبه بقوم فهو منهم كما في الزواجر قال أي فالتشبه بهم حرام وفي شرح المجموع ولا يبعد ما في الإحياء وغيره من النظر لما يترتب ا ه

قال الشيخ حجازي لأن الحكم يدور مع العلة فمن حسن قصده وتطهر من حظوظ الشهوات ورذائل الشبهات فلا يصح أن يحكم على سماعه بالحرمة ا ه المراد

وفي ضوء الشموع لكن المشهور داعي درء المفاسد فلذا قال ولا يبعد إلخ ولم يجزم ا ه

بتغيير

ومنها غير ذلك من المسائل الكثيرة التي قلنا بسدها ولم يقل بسدها الشافعي فليس سد الذرائع خاصا بمالك كما يتوهمه كثير من المالكية بل قال بها هو أكثر من غيره وأصل سدها مجمع عليه ا ه

قال ابن الشاط وكون ما أفضى إلى الواجب واجبا مبني على قاعدة أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب والصحيح أن ذلك غير لازم فيما لم يصرح الشرع بوجوبه ا ه

تنبيهان الأول قال الإمام ابن العربي في كتاب الأحكام وقاعدة الذريعة التي يجب سدها شرعا هو ما يؤدي من الأفعال المباحة إلى محظور منصوص عليه لا مطلق محظور فمن هنا قال مالك وأبو حنيفة يشتري الولي في مشهور الأقوال من مال يتيمه إذا كان نظرا له وهو صحيح لأنه من باب الإصلاح المنصوص عليه في آية ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير إلخ فلا يقال لم ترك مالك أصله

____________________

(2/62)

الرخص ولا تمنع المعاصي من ذلك لأن أسباب هذه الأمور غير معصية بل هي عجزه عن الصوم ونحوه والعجز ليس معصية فالمعصية هاهنا مقارنة للسبب لا سبب وبهذا الفرق يبطل قول من قال إن العاصي بسفره لا يأكل الميتة إذا اضطر إليها لأن سبب أكله خوفه على نفسه لا سفره فالمعصية مقارنة لسبب الرخصة لا أنها هي السبب ويلزم هذا القائل أن لا يبيح للعاصي جميع ما تقدم ذكره وهو خلاف الإجماع فتأمل هذا الفرق فهو جليل حسن في الفقه ويلزم هذا القائل أن يجعل السفر هو سبب عدم الطعام المباح حتى احتاج إلى أكل الميتة أن من خرج ليسرق فوقع فانكسرت يده أن لا يمسح على الجبيرة ولا يفطر إذا خاف من الصوم ومن الكسر الهلاك وأن لا يتيمم إذا عجز عن استعمال الماء حتى يتوب كما قال في الأكل في السفر فيلزم بقاء المصر على معصيته بلا صلاة لعدم الطهارة وتتعطل عليه أمور كثيرة من الأحكام ولا قائل بها فتأمل ذلك

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

في التهمة والذرائع وجوز ذلك من نفسه مع يتيمته لأنا نقول قد أذن الله تعالى هاهنا في صورة المخالطة ووكل الحاضنين إلى أمانتهم بقوله تعالى والله يعلم المفسد من المصلح وكل أمر مخوف ووكل الله تعالى فيه المكلف إلى أمانته لا يقال فيه أنه يتذرع إلى محظور فمنع منه كما جعل الله سبحانه النساء مؤتمنات على فروجهن مع عظم ما يترتب على قولهن في ذلك من الأحكام ويرتبط به من الحل والحرمة والأنساب وإن جاز أن يكذبن وهذا فن بديع فتأملوه واتخذوه دستورا في الأحكام وأصلوه ا ه

التنبيه الثاني قال الأصل القاعدة أنه كلما سقط اعتبار المقصد سقط اعتبار الوسيلة فإنها تبع له في الحكم وقد خولفت هذه القاعدة في الحج في إمرار الموسى على رأس من لا شعر له مع أنه وسيلة إلى إزالة الشعر فيحتاج إلى دليل يدل على أنه مقصود في نفسه وإلا فهو مشكل على القاعدة ا ه

قلت والصحيح أن هذه القاعدة أغلبية كقاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وكذا كون الوسيلة إلى أفضل المقاصد أفضل الوسائل وإلى أقبح المقاصد أقبح الوسائل وإلى ما يتوسط متوسطة كما لا يخفى فافهم

وأما الفرق بين كون المعاصي أسبابا للرخص وبين مقارنة المعاصي لأسباب الرخص فهو أن المعاصي لا تكون أسبابا للرخص لأن ترتيب الترخص على المعصية سعي في تكثير تلك المعصية بالتوسعة على المكلف بسببها فالعاصي بسفره كالآبق وقاطع الطريق ولا يقصر ولا يفطر لأن سبب هذين الرخصتين السفر وهو في هذه الصورة معصية فلا يناسب الرخصة

وأما مقارنة المعاصي لأسباب الرخص فلا تمتنع إجماعا ومن مثله إذا عدم الماء أفسق الناس وأعصاهم جاز له التيمم وهو رخصة وإذا أضر الصوم بأفسق الناس جاز له الفطر وإذا أضر به القيام في الصلاة جاز له الجلوس ويقارض ويساقي ولا يمنعه عصيانه من فعل شيء من هذه الرخص ونحوها لأن أسباب هذه الرخص غير معصية وإنما

____________________

(2/63)

الفرق التاسع والخمسون بين قاعدة عدم علة الإذن أو التحريم وبين عدم علة غيرهما من العلل اعلم أن عدم كل واحدة من هاتين العلتين علة للحكم الآخر بخلاف غيرهما من العلل فعدم علة الإذن علة التحريم وعدم علة التحريم علة الإذن

وأما عدم علة الوجوب فلا يلزم منه شيء فقد يكون غير الواجب محرما وقد يكون مباحا أو مندوبا أو مكروها وكذلك عدم علة الندب أو الكراهة قد يكون الفعل بعد ذلك واجبا أو محرما أو مباحا أو متى عدمت علة الإذن تعين التحريم ومتى عدمت علة التحريم تعين الإذن ويتضح ذلك بذكر ثلاث مسائل

المسألة الأولى علة النجاسة الاستقذار فمتى كانت العين ليست بمستقذرة فحكم الله تعالى في تلك العين عدم النجاسة وأن تكون طاهرة فعلة الطهارة عدم علة النجاسة فهذا هو شأن هذا المقام إلا أن يحدث معارض من جهة أخرى يعارضنا عند عدم العلة كما في الخمر فإن الخمر ليست بمستقذرة وإنما قضي بتنجيسها لأنها مطلوبة الإبعاد والقول بتنجيسها يفضي إلى إبعادها وما يفضي إلى المطلوب مطلوب فتنجيسها مطلوب فتكون نجسة فهذه علة أخرى غير الاستقذار وجدت عند عدمه فقامت مقامه وإلا

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

المعصية مقارنة للسبب الذي هو عدم الماء أو العجز عن الصوم أو عن القيام أو نحوهما مما ليس هو بمعصية لا أنها هي السبب حتى يصح قول من قال إن العاصي بسفره لا يأكل الميتة إذا اضطر إليها ويلزمه أن لا يبيح للعاصي جميع ما تقدم ذكره وهو خلاف الإجماع وذلك لأن ما قاله مساو لجميع ما تقدم ذكره ضرورة أن سبب أكله خوفه على نفسه لا سفره الذي هو معصية فالمعصية مقارنة لسبب الرخصة لا أنها هي السبب فافهم والله تعالى أعلم

وما قال في الفرق التاسع والخمسين والفرق الستين والحادي والستين صحيح والله تعالى أعلم الفرق التاسع والخمسون بين قاعدة عدم علة الإذن أو التحريم وبين عدم علة غيرهما من العلل وذلك أنه متى عدمت علة الإذن تعين التحريم ومتى عدمت علة التحريم تعين الإذن فعدم كل واحدة من هاتين العلتين علة للحكم الآخر أي عدم علة الإذن علة التحريم وعدم علة التحريم علة الإذن

وأما عدم علة كل من الوجوب أو الندب أو الكراهة فلا يلزم منه شيء فإن غير الواجب قد يكون محرما أو مباحا أو مندوبا أو مكروها وغير المندوب كذلك قد يكون واجبا أو محرما أو مباحا أو مكروها وغير المكروه كذلك قد يكون واجبا أو محرما أو مباحا أو مندوبا ويتضح ذلك بذكر أربع مسائل الثلاثة الأول توضح اطراد القاعدة الأولى والرابعة توضح عدم اطراد القاعدة الثانية

المسألة الأولى النجاسة ترجع إلى تحريم الملابسة في الصلوات والأغذية للاستقذار أو التوسل للإبعاد فقيد للاستقذار إلخ مخرج لما تحرم ملابسته في الأغذية لا لأجل ذلك بل لكونه مضرا كالسموم والأغذية والأشربة الموجبة للأسقام والأمراض فلا تكون نجسة ومدخل للخمر ونحوها مما قضي بتنجيسه لا لاستقذاره بل لأن القول بتنجيسه يفضي إلى إبعاد وإبعاده مطلوب شرعا فالقول بتنجيسه

____________________

(2/64)

فالحكم ما ذكر عند عدم المعارض وأكثر الفقهاء يمكنه أن يعلل النجاسة وإذا سألته عن علة الطهارة لا يعلمها وهي عدم علة النجاسة وإذا سئل أيضا أكثر الفقهاء عن النجاسة إلى أي الأحكام الخمسة ترجع ربما عسر عليه ذلك وظن أنها حكم آخر من أحكام الوضع أو غيرها وليس كذلك بل هي ترجع إلى أحد الأحكام الخمسة وهو التحريم وكذلك إذا قيل لهم ما الطهارة عسر عليهم ذلك حتى رأيت لبعض الأكابر أن الطهارة عبارة عن استعمال الماء الطهور في العين التي قضي عليها بالطهارة وهذا ليس بصحيح فإن بطون الجبال وتلال الرمال وبطون الأرض طاهرة مع عدم استعمال الماء فيها بل النجاسة ترجع إلى تحريم الملابسة في الصلوات والأغذية لأجل الاستقذار أو التوسل للإبعاد فقولي لأجل الاستقذار احترازا من السموم فإنها تحرم ملابستها في الأغذية وكذلك الأغذية والأشربة الموجبة للأسقام والأمراض تحرم ملابستها في الأغذية وليست نجسة وقولي أو التوسل للإبعاد احترازا من الخمر حتى تندرج في الحد ولو اقتصرت على قولي تحرم ملابستها في الصلوات لكان ذلك كافيا لكن أردت بذكر الأغذية زيادة البيان والطهارة عبارة عن إباحة الملابسة في الصلوات وبهذا التفسير تندرج بطون الجبال وسائر الأعيان فظهر أن النجاسة ترجع

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

يفضي إلى مطلوب شرعا وما يفضي إلى المطلوب مطلوب فتنجسه مطلوب فيكون نجسا للتوسل للإبعاد لا للاستقذار وزيادة والأغذية لا للاحتراز بل لزيادة البيان ولولا ذلك لكان قولنا تحريم الملابسة في الصلوات كافيا والطهارة ترجع إلى إباحة الملابسة في الصلوات لعدم علة النجاسة التي هي الاستقذار فمتى كانت العين ليست بمستقذرة فحكم الله فيها عدم النجاسة وأن تكون طاهرة ما لم تكن مطلوبة الإبعاد كالخمر وإلا قضى بتنجيسها مع عدم الاستقذار لقيام علة التوسل إلى الإبعاد مقام الاستقذار فظهر أن كلا من الطهارة والنجاسة لا يخرج عن أحكام التكليف الخمسة بل النجاسة ترجع للتحريم والطهارة ترجع للإباحة وأن عدم علة التنجيس علة الطهارة وأن عدم علة التحريم علة الإباحة

المسألة الثانية علة تحريم الخمر الإسكار فمتى زال الإسكار بنحو تخليله أو تحجيره زال التحريم وثبت الإذن بجواز أكلها وشربها وعلة إباحة شرب العصير مسالمته للعقل وسلامته عن المفاسد فعدم هذه المسالمة والسلامة علة لتحريم العصير فظهر أيضا أن عدم علة التحريم علة الإذن وعدم علة الإذن علة التحريم

المسألة الثالثة الحدث كما يطلق على الأسباب الموجبة للوضوء فيقال أحدث إذا خرج منه خارج كذلك يطلق على المنع المرتب على هذا السبب وعليه قول العلماء ينوي رفع الحدث بفعله أي ينوي ارتفاع المنع المرتب على ذلك السبب المتقدم لا أنه ينوي ارتفاع أعيان تلك الأسباب المستقذرة بوضوئه لأنها صارت واقعة داخلة في الوجود والواقعات يستحيل رفعها والمنع وإن كان أيضا وقع وصار من جملة

____________________

(2/65)

للتحريم والطهارة ترجع للإباحة وأن عدم علة التنجيس علة الطهارة وأن عدم علة التحريم علة الإباحة

المسألة الثانية تحريم الخمر معلل بالإسكار فمتى زال الإسكار زال التحريم وثبت الإذن وجاز أكلها وشربها وعلة إباحة شرب العصير مسالمته للعقل وسلامته عن المفاسد فعدم هذه المسالمة والسلامة علة لتحريمه فظهر أيضا في هذه المسألة أن عدم التحريم علة الإذن وعدم علة الإذن علة التحريم

المسألة الثالثة الحدث له معنيان أحدهما الأسباب الموجبة للوضوء فلذلك يقال أحدث إذا خرج منه خارج وثانيهما أنه المنع المرتب على هذا السبب وهو المراد بقول العلماء ينوي رفع الحدث بفعله أي ينوي ارتفاع المنع المرتب على ذلك السبب المتقدم ولا يمكن في نيته رفع الحدث إلا بهذا فإن تلك الأسباب الموجبة للوضوء يستحيل رفعها لأنها صارت واقعة داخلة في الوجود ولا يمكن لعاقل أن يقول إنه يرفع تلك الأعيان المستقذرة من غيرها بوضوء بل الذي ينوي برفعه هذا المنع المرتب على تلك الأسباب والمنع وإن كان أيضا وقع وصار من جملة الواقعات والواقعات يستحيل رفعها غير أن المقصود برفعه منع استمراره كما أن عقد النكاح يمنع استمرار منع الوطء في الأجنبية كذلك هاهنا وأكثر الفقهاء لا يعرف معنى الحدث أيضا وهو يرجع إلى تحريم ملابسة

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

الواقعات إلا أن المراد برفعه منع استمراره ألا ترى أن عقد النكاح إنما يمنع استمرار منع الوطء في الأجنبية لا نفس الوطء ولا منعه فالحدث عبارة عن المنع المستمر من ملابسة الصلاة ونحوها فهو أيضا يرجع إلى تحريم الملابسة المذكورة حتى يتطهر فيباح له الإقدام على العبادة

فالإباحة في هذه الحالة مضافة إلى عدم سبب يقتضي وجوب استعمال الماء في الطهارة فالسبب الذي هو الخارج المعتاد من المخرج المعتاد على سبيل الصحة والاعتياد مثلا هو علة الحدث الذي هو التحريم وعدمه علة الإباحة بعد التطهر واستعمال الماء سبب ارتفاع ذلك التحريم والمنع وحصول هذه الإباحة فحصل في هذا المثال أيضا أن علة الإباحة عدم علة التحريم وعدم سبب الإباحة علة التحريم نعم على تقدير أن الوضوء هو الموجب للإباحة في الإقدام على الصلوات ونحوها مما اشترط فيه الوضوء وتقول إن الطهارة سبب للإباحة المستمرة حتى يطرأ الحدث والحدث بمعنى الأسباب الموجبة للوضوء سبب المنع المستمر حتى تطرأ الطهارة ويحصل المقصود فيكون عدم الطهارة بالكلية بسبب المنع وعدم الحدث بالكلية سبب الإباحة فإذا فرض وقوع عدم خروج شيء من الإنسان ألبتة فلا مانع لا بنص ولا بإجماع ولا بقياس من التزامنا الإباحة في حقه

قلت ومما يقرب هذا الفرض ما حكاه السبكي في طبقاته من حديث رحمة بنت إبراهيم عن الحاكم عن أبي زكريا يحيى بن محمد العنبري عن أبي العباس عيسى بن محمد بن عيسى الطهماني المروزي أنه ورد في سنة ثمان وثلاثين ومائتين مدينة من مدائن خوارزم تدعى هزارنيف وهي في غربي وادي جيحون ومنها إلى المدينة العظمى مسافة نصف يوم قال وأخبرت أن بها امرأة من نساء الشهداء رأت رؤيا كأنها أطعمت في منامها شيئا فهي لا تأكل شيئا ولا تشرب منذ عهد أبي العباس بن طاهر والي

____________________

(2/66)

الصلاة حتى يتطهر وإذا كان الحدث عبارة عن التحريم فإذا تطهر الإنسان وصار يباح له الإقدام على العبادة فالإباحة في هذه الحالة مضافة إلى عدم سبب يقتضي وجوب استعمال الماء في الطهارة فعلة هذه الإباحة عدم علة التحريم التي هي علة الحدث الذي هو المنع فذلك الخارج مثلا هو علة التحريم وعدمه علة الإباحة بعد التطهر واستعمال الماء سبب ارتفاع ذلك المنع وحصول هذه الإباحة فحصل أيضا في هذا المثال أن علة الإباحة عدم علة التحريم وعدم سبب الإباحة علة التحريم فتأمل ذلك فإن قلت لم لا يكون الوضوء مثلا هو سبب الإباحة وعدمه هو علة التحريم ولا حاجة إلى اعتبار تلك الفضلات المستقذرة وغيرها من الملامسة ونحوها قلت لا خفاء أن الوضوء موجب للإباحة في الإقدام على الصلوات وما هو مشترط فيه الوضوء ونقول على هذا التقدير الطهارة سبب للإباحة المستمرة حتى يطرأ الحدث والحدث سبب المنع المستمر حتى تطرأ الطهارة ويحصل المقصود فإن عدم الطهارة بالكلية سبب المنع وعدم الحدث بالكلية سبب الإباحة فإن قلت فمن لم يحدث قط يلزمك أن تباح له الصلاة وإن لم يتطهر لأن سبب الإباحة موجود في حقه وهو عدم الحدث قلت التزمه مع أنه فرض محال فإن الإنسان لا بد له أن تخرج منه فضلات غذائه بعد الولادة وعند الولادة فإذا فرض وقوع هذا المحال وهو عدم خروج شيء منه ألبتة لا مانع لي من التزام الإباحة في حقه لا بنص ولا إجماع

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

خراسان وكان توفي قبل ذلك بثمان سنين رحمه الله تعالى

ثم مررت بتلك المدينة سنة اثنين وأربعين ومائتين فرأيتها وحدثتني بحديثها فلم أستقص عليها لحداثة سني ثم إني عدت إلى خوارزم في آخر سنة اثنين وخمسين ومائتين فرأيتها باقية ووجدت حديثها شائعا مستفيضا وهذه المدينة على مدرجة القوافل وكان الكثير ممن ينزلها إذا بلغهم قصتها أحبوا أن ينظروا إليها فلا يسألون عنها رجلا ولا امرأة ولا غلاما إلا عرفها ودل عليها فلما وافيت الناحية طلبتها فوجدتها غائبة على عدة فراسخ فمضيت في أثرها من قرية إلى أخرى فأدركتها بين قريتين تمشي مشية قوية وإذا هي امرأة نصف جيدة القامة ظاهرة الدم متوردة الخدين زكية الفؤاد فسايرتني وأنا راكب فعرضت عليها مركبا فلم تركبه وأقبلت تمشي معي بقوة وحضر مجلسي قوم من التجار والدهاقين وفيهم فقيه يسمى محمد بن حمدويه الحارثي وقد كتب عنه موسى بن هارون البزار بمكة وكهل له عبارة ورواية للحديث وشاب حسن يسمى عبد الله بن عبد الرحمن وكان يحلق أصحاب المظالم بناحيته فسألتهم عنها فأحسنوا الثناء عليها وقالوا عنها خيرا وقالوا إن أمرها ظاهر عندنا فليس فينا من يختلف فيها قال المسمى عبد الله بن عبد الرحمن أنا أسمع حديثها منذ أيام الحداثة ونشأت والناس يتفاوضون في خبرها وقد فرغت بالي لها وشغلت نفسي بالاستقصاء عليها فلم أر إلا سترا و عفافا ولم أعثر منها على كذب في دعواها ولا حيلة في التلبيس وذكر أن من كان يلي خوارزم من العمال كانوا فيما خلا يشخصونها ويحضرونها الشهر والشهرين والأكثر في بيت يغلقونه عليها ويوكلون عليها من يراعيها فلا يرونها تأكل ولا تشرب ولا يجدون لها أثر بول ولا غائط فيبرونها ويكسونها ويخلون سبيلها فلما تواطأ أهل الناحية على تصديقها قصصتها عن حديثها

____________________

(2/67)

ولا قياس

وكذلك أقول في الجنابة والحيض والنفاس في سبب المنع المستمر حتى تطرأ الطهارة والطهارة سبب الإباحة المستمرة حتى تطرأ هذه الأحداث وعدم هذه الأحداث سبب الإباحة من هذا الوجه فلولا اشتراط صاحب الشرع الوضوء لأبحنا الصلاة لمن عدمت في حقه هذه الأحداث الكبار وصح لنا حينئذ في الحدث الأكبر والأصغر والطهارة الكبرى والصغرى أن عدم سبب الإباحة سبب المنع وعدم سبب المنع سبب الإباحة واطردت القاعدة وهذا الخلاف سبب الوجوب وعلته

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

وسألتها عن اسمها وشأنها كله فذكرت أن اسمها رحمة بنت إبراهيم وأنه كان لها زوج نجار فقير معيشته من عمل يده يأتيه رزقه يوما ويوما لا فضل في كسبه عن قوت أهله وأنها ولدت منه عدة أولاد وجاء الأقطع ملك الترك إلى القرية وكان كافرا عاتيا كثير العداوة للمسلمين في زهاء ثلاثة آلاف فارس وعاث وأفسد وقتل ومثل وعجزت عنه خيول خوارزم فلما بلغ خبره أبا العباس عبد الله بن طاهر أنهض إليهم أربعة من القواد وشحن البلد بالعساكر والأسلحة ورتبهم في أرباع البلد كل في ربع فحموا الحريم بإذن الله تعالى

ثم إن وادي جيحون وهو الذي في أعلى نهر بلخ جمد لما اشتد البرد قالت المرأة فعبر الكافر في خيله إلى باب الحصن وقد تحصن الناس وضموا أمتعتهم فحضر أهل الناحية وأرادوا الخروج فمنعهم العامل عن الخروج إلا في عساكر السلطان فشد طائفة من شبان الناس وأحداثهم فتقاربوا من السور بما أطاقوا حمله من السلاح وحملوا على الكفرة فتهارج الكفرة واستحروهم من بين الأبنية والحيطان فلما أصحروا أكثر الترك عليهم وانقطع ما بينهم وبين الحصن وبعدت المؤنة عنهم فحاربوا كأشد حرب وثبتوا حتى تقطعت الأوتار والقسي وأدركهم التعب ومسهم الجوع والعطش وقتل عامتهم وأثخن الباقون بالجراحات ولما جن عليهم الليل تحاجز الفريقان قالت المرأة ورفعت النار على المناظر ساعة عبور الكافر فاتصلت بالجرجانية وهي مدينة عظيمة في قاصية خوارزم وكان ميكال مولى طاهر مرابطا بها في عسكر فخف في الطلب وركض إلى هزارنيف في يوم وليلة أربعين فرسخا بفراسخ خوارزم وفيها فضل كثير على فراسخ خراسان وعن للترك الفراغ من أمر أولئك النفر فبينما هم كذلك إذ ارتفعت لهم الأعلام السود سمعوا أصوات الطبول فأفرجوا عن القوم ووافى ميكال موضع المعركة فوارى القتلى وحمل الجرحى

قالت المرأة وأدخل الحصن ذلك اليوم زهاء أربعمائة جنازة فلم يبق دار إلا حمل إليها قتيل وعمت المصيبة وارتجت الناحية بالبكاء قالت ووضع زوجي بين يدي قتيلا فأدركني من الجزع والهلع عليه ما يدرك المرأة الشابة على الزوج أبي الأولاد وكانت لنا عيال قالت فاجتمع النساء من قراباتي والجيران يساعدنني على البكاء وجاء الصبيان وهم أطفال لا يعقلون من الأمور شيئا يطلبون الخبز وليس عندي ما أعطيهم فضقت صدرا بأمري

ثم إني سمعت أذان المغرب ففزعت إلى الصلاة فصليت ما قضى لي ربي ثم سجدت أدعو وأتضرع إلى الله تعالى وأسأله الصبر وأن يجبر يتم صبياني قالت فذهب بي النوم في سجودي فرأيت في منامي كأني في أرض خشناء ذات حجارة وأنا أطلب زوجي فناداني رجل إلى أين أيتها الحرة قلت أطلب زوجي فقال خذي ذات اليمين فرفع لي أرض سهلة طيبة الري ظاهرة العشب وإذا قصور وأبنية لا أحفظ أن أصفها ولم أر مثلها وإذا أنهار تجري على وجه الأرض غير أخاديد ليست لها حافات فانتهيت إلى قوم جلوس حلقا حلقا عليهم ثياب خضر قد

____________________

(2/68)

فإن سبب وجوب إراقة دم المرتد ردته فإذا فقدت الردة كان دمه حراما وسبب وجوب النفقة الزوجية أو القرابة فإذا عدم ذلك لا تحرم النفقة بل يندب إليها في الأجانب وسبب وجوب القراءة في الصلاة حضور محلها الذي هو القيام فإذا ركع وسجد وعدم القيام كرهت القراءة فلما كان عدم سبب الوجوب لا يستلزم من ذلك حكما معينا فارق بذلك ما تقدم من علة الإباحة والمنع فهذا هو الفرق بين هاتين القاعدتين

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

علاهم النور فإذا هم الذين قتلوا في المعركة يأكلون على موائد بين أيديهم فجعلت أتصفح وجوههم لألقى زوجي فناداني يا رحمة يا رحمة فيممت الصوت فإذا أنا به في مثل حال من رأيت من الشهداء وجهه مثل القمر ليلة البدر وهو يأكل مع رفقة له قتلوا يومئذ معه فقال لأصحابه إن هذه البائسة جائعة منذ اليوم أفتأذنوا لي أن أناولها شيئا تأكله فأذنوا لي فناولني كسرة خبز قالت وأنا أعلم حينئذ أنه خبز ولكن لا أدري كيف هو أشد بياضا من الثلج واللبن وأحلى من العسل وألين من الزبد فأكلته فلما استقر في جوفي قال اذهبي كفاك الله مؤنة الطعام والشراب ما حييت في الدنيا فانتبهت من نومي شبعى ريانة لا أحتاج إلى طعام ولا شراب وما ذقتهما منذ ذلك اليوم إلى يومي هذا ولا شيئا يأكله الناس

قال أبو العباس وكانت تحضرنا وكنا نأكل فتأخذ على أنفها تزعم أنها تتأذى من رائحة الطعام فسألتها تتغذي بشيء أو تشربي شيئا غير الماء فقالت لا فسألتها هل يخرج منها ريح أو أذى كما يخرج من الناس فقالت لا عهد لي بالأذى منذ ذلك الزمان قلت والحيض أظنها قالت انقطع بانقطاع الطعام قلت فهل تحتاجين حاجة النساء إلى الرجال قالت أما تستحي مني تسألني عن مثل هذا قلت إني لعلي أحدث الناس عنك ولا بد أن أستقصي قالت لا أحتاج قلت فتنامين قالت نعم أطيب نوم قلت فما ترين في منامك قالت مثل ما ترون قلت فتجدين لفقد الطعام وهنا في نفسك قالت ما أحسست بالجوع منذ طعمت ذلك الطعام وكانت تقبل الصدقة فقلت ما تصنعين بها قالت أكتسي وأكسو ولدي قلت فهل تجدين البرد وتتأذين بالحر قالت نعم قلت يدركك اللغوب والإعياء إذا مشيت قالت نعم ألست من البشر قلت فتتوضئين للصلاة قالت نعم قلت لم قالت أمرني بذلك الفقهاء فقلت إنهم أفتوها على حديث لا وضوء إلا من حدث أو نوم وذكرت لي أن بطنها لاصق بظهرها وأمرت امرأة من نسائنا فنظرت فإذا بطنها كما وصفت وإذا قد اتخذت كيسا مصمتا بالقطن وشدته على بطنها كي لا يقصف ظهرها إذا مشت

ثم لم أزل أختلف إلى هزارنيف بين السنتين والثلاث فتحضرني فأعيد مسألتها فلا تزيد ولا تنقص وعرضت كلامها على عبد الله بن عبد الرحمن الفقيه فقال أنا أسمع هذا الكلام منذ نشأت فلا أجد من يدفعه أو يزعم أنها تأكل أو تشرب أو تتغوط ا ه

المراد هذا والجنابة والحيض والنفاس مثل الحدث الأصغر في سبب المنع المستمر حتى تطرأ الطهارة والطهارة سبب الإباحة من هذا الوجه فلولا اشتراط صاحب الشرع الوضوء لأبحنا الصلاة لمن عدمت في حقه هذه الأحداث الكبار وصح لنا حينئذ في الحدث الأكبر والأصغر والطهارة الكبرى والصغرى أن عدم سبب الإباحة سبب المنع وعدم سبب المنع سبب الإباحة واطردت القاعدة الأولى

المسألة الرابعة الردة والعياذ بالله تعالى علة وسبب لوجوب إراقة دم المرتد فإذا فقدت الردة كان

____________________

(2/69)

الفرق الستون بين قاعدة إثبات النقيض في المفهوم وبين قاعدة إثبات الضد فيه اعلم أن مفهوم المخالفة يقتضي أن الحكم المنطوق غير ثابت للمسكوت عنه فهل القاعدة فيه عند القضاء بأن حكم المسكوت يقتضي إثبات ضد الحكم المنطوق به أو إثبات نقيضه والثاني هو الحق بأن يقتصر على عدم الحكم الثابت للمنطوق ولا يتعرض لإثبات حكم المسكوت ألبتة فهو ينقسم إلى عشرة أقسام كلها مستقيمة مع النقيض فقط مفهوم العلة نحو ما أسكر كثيره فهو حرام مفهومه ما لم يسكر كثيره فليس بحرام ومفهوم الصفة في الغنم السائمة الزكاة مفهومه ما ليس بسائمة لا زكاة فيه ومفهوم الشرط من تطهر صحت صلاته مفهومه من لم يتطهر لا تصح صلاته ومفهوم المانع لا يسقط الزكاة إلا الدين مفهومه أن من لا دين عليه لا تسقط عنه ومفهوم الزمان سافرت يوم الجمعة مفهومه أنه لم يسافر يوم الخميس ومفهوم المكان جلست أمامك مفهومه أنه لم يجلس عن يمينك ومفهوم الغاية أتموا الصيام إلى الليل مفهومه لا يجب بعد الليل ومفهوم الحصر إنما الماء من الماء مفهومه أنه لا يجب من غير الماء ومفهوم الاستثناء قام القوم إلا زيدا مفهومه أن زيدا لم يقم ومفهوم اللقب تعليق الحكم على أسماء الذوات نحو في الغنم الزكاة مفهومه لا تجب في غير الغنم عند من قال بهذا المفهوم وهو أضعفها فهذه

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

دمه حراما والزوجية والقرابة علة وسبب لوجوب النفقة على الزوجة والقريب فإذا عدمت الزوجية والقرابة لا تحرم والنفقة بل يندب إليها في الأجانب وحضور محل القراءة في الصلاة الذي هو القيام علة وسبب لوجوب القراءة في الصلاة فإذا ركع وسجد وعدم القيام كرهت القراءة فلم يستلزم عدم سبب الوجوب وعلته كما رأيت حكما معينا كما استلزم عدم سبب المنع وعلته الإباحة وعدم سبب الإباحة وعلتها المنع في المسائل قبل واتضح الفرق بين القاعدتين والله أعلم

الفرق الستون بين قاعدة إثبات النقيض في المفهوم بين قاعدة إثبات الضد فيه مفهوم المخالفة أبدا يقتضي أن حكم المنطوق غير ثابت للمسكوت عنه قطعا وإنما الخلاف في أن المسكوت عنه هل يثبت له ضد الحكم الثابت للمنطوق به وإليه ذهب ابن أبي زيد من أصحابنا حيث استدل على وجوب صلاة الجنازة لقوله تعالى في حق المنافقين ولا تصل على أحد منهم مات أبدا فقال إن مفهومه يقتضي وجوب الصلاة على المسلمين أو يثبت له نقيض الحكم الثابت للمنطوق به ونقيض كل شيء رفعه أي يثبت له عدم الحكم الثابت للمنطوق به وهذا هو مذهب الجمهور وهو الحق في جميع مفاهيم المخالفة لا فرق بين مفهوم الصفة كما في الآية المذكورة فإن مفهوم منهم فيها عدم تحريم الصلاة على المؤمنين وهو صادق مع الوجوب والندب والكراهة والإباحة فلا يستلزم الوجوب لأن الأعم من الشيء لا يستلزمه وكما في قوله صلى الله عليه وسلم في الغنم السائمة الزكاة فإن مفهومه ما ليس بسائمة لا زكاة فيه

ومفهوم العلة كما في نحو ما أسكر كثيره فهو حرام فإن مفهومه أن ما لم يسكر كثيره فليس بحرام ومفهوم الشرط كما في نحو من تطهر صحت صلاته فإن مفهومه أن من لم يتطهر لا تصح صلاته

____________________

(2/70)

المفهومات جميعها أثبتنا فيها نقيض حكم المنطوق للمسكوت وحصل فيها معنى المفهوم فظهر أن مفهوم المخالفة إثبات نقيض حكم المنطوق للمسكوت وأن هذا هو قاعدته وليس قاعدته إثبات الضد

ويظهر التفاوت بينهما في قول ابن أبي زيد من أصحابنا حيث استدل على وجوب صلاة الجنازة بقوله تعالى في حق المنافقين ولا تصل على أحد منهم مات أبدا أن مفهومه يقتضي وجوب الصلاة على المسلمين وليس الأمر كما قاله بل مفهومه عدم تحريم الصلاة على المؤمنين وعدم التحريم صادق مع الوجوب والندب والكراهة والإباحة فلا يستلزم الوجوب لأن الأعم من الشيء لا يستلزم فلا يلزم الوجوب في هذه الصورة فكذلك يكون دأبك أبدا في مفهوم المخالفة إثبات النقيض فقط ولا تتعرض للضد ألبتة لما ظهر لك من الفرق بين القاعدتين

الفرق الحادي والستون بين قاعدة مفهوم اللقب وبين قاعدة غيره من المفهومات فإن قاعدة مفهوم اللقب لم يقل بها إلا الدقاق وقاعدة مفهوم غير اللقب قال بها جمع

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

ومفهوم المانع كما في نحو لا يسقط الزكاة إلا الدين فإن مفهومه أن من لا دين عليه لا تسقط عنه الزكاة ومفهوم الزمان كما في نحو سافرت يوم الجمعة فإن مفهومه أنه لم يسافر يوم الخميس ومفهوم المكان كما في نحو جلست أمامك فإن مفهومه أنه لم يجلس عن يمينك ومفهوم الغاية كما في نحو أتموا الصيام إلى الليل فإن مفهومه أن الصوم لا يجب بعد الليل ومفهوم الحصر كما في إنما الماء من الماء فإن مفهومه أنه لا يجب الغسل من غير الماء ومفهوم الاستثناء كما في نحو قام القوم إلا زيدا فإن مفهومه أن زيدا لم يقم

واعلم أن جميع ما ذكر من المفاهيم التسعة ترجع إلى مفهوم الصفة ففي حاشية السعد على عضد ابن الحاجب ذكر الإمام في البرهان أن جميع جهات التخصيص ترجع إلى الصفة فإن المحدود والمعدود موصوفان بعددهما وحدهما والمخصص بالكون في زمان ومكان موصوف بالاستقرار فيهما ا ه

وكذا الباقي كما لا يخفى ومفهوم اللقب أي تعليق الحكم على أسماء الذوات كما في نحو في الغنم الزكاة فإن مفهومه أن الزكاة لا تجب في غير الغنم عند من قال بهذا المفهوم وهو الدقاق ومن معه كما سيأتي وهذا المفهوم أضعف المفاهيم العشرة المذكورة فقاعدة مفهوم المخالفة أبدا إثبات نقيض حكم المنطوق به فقط للمسكوت عنه على القول الحق وليس قاعدته إثبات ضد حكم المنطوق به للمسكوت عنه خلافا لابن أبي زيد من أصحابنا فليكن دأبك أبدا فيه إثبات النقيض فقط ولا تتعرض للضد ألبتة لما ظهر لك من الفرق بين القاعدتين والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق الحادي والستون بين قاعدة مفهوم اللقب لم يقل بها إلا الدقاق والصيرفي من الشافعية وابن خويز من المالكية وبعض الحنابلة كما في جمع الجوامع وبين قاعدة غيره من المفهومات قال بها جمع كثير كمالك والشافعي وغيرهما وذلك أن غير مفهوم اللقب من بقية المفاهيم كمفهوم الصفة والغاية والحصر فيه رائحة التعليل ضرورة أن الصفة والغاية

____________________

(2/71)

كثير كمالك والشافعي وغيرهما وسر الفرق بينهما أن مفهوم اللقب أصله كما قال التبريزي تعليق الحكم على أسماء الأعلام لأنها الأصل في قولنا لقب

وأما أسماء الأجناس نحو الغنم والبقر ونحوهما لا يقال لها لقب فالأصل حينئذ إنما هي الأعلام وما يجري مجراها قال ويلحق بها أسماء الأجناس وعلى التقديرين فالفرق أن العلم نحو قولنا أكرم زيدا أو اسم الجنس نحو زك عن الغنم لا إشعار فيه بالعلة لعدم المناسبة في هذين القسمين ومفهوم الصفة ونحوه فيه رائحة التعليل فإن الشروط اللغوية أسباب أيضا فمتى جعل الشيء شرطا أشعر ذلك بسببية ذلك الشرط عند المتعلق عليه أدركنا نحن ذلك أم لا وكذلك إذا حصر أو جعل غاية وإذا كانت هذه الأشياء تشعر بالتعليل عند المتكلم بها والقاعدة أن عدم العلة علة لعدم المعلول فيلزم في صورة المسكوت عنه عدم الحكم لعدم علة الثبوت فيه أما الأعلام والأجناس فلا إشعار لها بالعلية فلا جرم لا يكون عدمها من صورة السكوت علة لشيء لأنه ليس عدم علة فلا يلزم عدم الحكم في صورة المسكوت عنه فهذا هو سبب ضعفه وقلة القائلين به وينبغي لك أن تتفطن له فإن جماعة ممن لم يقل به وقع فيه عند الاستدلال وما شعر

وقال صاحب المهذب من الشافعية التيمم بغير التراب لا يجوز لقوله عليه السلام جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وفي أخرى وترابها طهورا ومفهوم قوله

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

والحصر والزمان والمكان والمانع والاستثناء والشرط شروط لغوية والشروط اللغوية أسباب شرعية كالعلة فمتى جعل الشيء شرطا أشعر بسببية ذلك الشرط للمعلق عليه سواء أدركنا نحن ذلك أم لا وإذا كانت هذه الأشياء تشعر بالتعليل عند المتكلم بها والقاعدة أن عدم العلة علة لعدم المعلول كان اللازم في صورة المسكوت عنه عدم الحكم لعدم علة الثبوت فيه وأما مفهوم اللقب فإنه وإن استدل له من احتج له بأنه لا فائدة لذكره إلا نفي الحكم عن غيره كالصفة ونحوها إلا أنه يفرق بينه وبين الصفة ونحوها من جهتين الأولى أن الكلام لا يستقيم بدون ذكره بخلاف الصفة ونحوها

والجهة الثانية أنه لما كان أصله كما قال التبريزي تعليق الحكم عن أسماء الأعلام لأنها الأصل في قولنا لقب وأما أسماء الأجناس نحو الغنم والبقر فلا يقال لها لقب إلا أنها تلحق بها فتجري مجراها جامدة كانت أو مشتقة غلبت عليه الاسمية فاستعلمت استعمال الأسماء كالطعام في حديث لا تبيعوا الطعام بالطعام كما مثل به الغزالي في المستصفى للقب ولم تكن للأعلام ولا للأجناس إشعار بالعلة لعدم المناسبة فيهما بخلاف الصفة ونحوها كما علمت كان عدمهما من صورة السكوت ليس علة لشيء لأنه ليس عدم علة فلا يلزم عدم الحكم في صورة المسكوت عنه فلذا قل القائلون به وحكم بضعفه ومن هنا تعلم صحة استدلال صاحب المهذب من الشافعية على مالك بأن التيمم لا يجوز بغير التراب بقوله عليه السلام جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وفي رواية أخرى وترابها طهورا حيث قال مفهوم قوله وترابها طهورا أن غير التراب لا يجوز التيمم به ا ه

وذلك لأن التراب اسم جنس فمفهومه مفهوم لقب ليس حجة عنده ولا عند

____________________

(2/72)

وترابها طهورا أن غير التراب لا يجوز التيمم به واستدلاله بذلك على مالك لا يصح لأنه لقب ليس حجة عنده ولا عند مالك لأن التراب اسم جنس فقد استدل بما ليس حجة عنده ولا عند خصمه وكذلك استدل على أبي حنيفة بأن الخل لا يزيل النجاسة بقوله عليه السلام حتيه ثم اقرضيه بالماء فمفهوم قوله عليه السلام يقتضي أنه لا يجوز أن يغسل بغيره من الخل وغيره وهذا أيضا غير مستقيم فإن الماء اسم جنس فمفهومه مفهوم لقب ليس بحجة عنده ولا عند أبي حنيفة بل أبو حنيفة لم يقل بالمفهوم مطلقا فضلا عن مفهوم اللقب فاستدلاله على أبي حنيفة أبعد من استدلاله على مالك بسبب أن مالكا قال بالمفهوم من حيث الجملة وأما أبو حنيفة فلا فهذا هو الفرق بين القاعدتين والتنبيه عليه بالمثل

الفرق الثاني والستون بين قاعدة المفهوم إذا خرج مخرج الغالب وبين ما إذا لم يخرج مخرج الغالب

هامش أنوار البروق

قال الفرق الثاني والستون بين قاعدة المفهوم إذا خرج مخرج الغالب وبين ما إذا لم يخرج مخرج الغالب

هامش إدرار الشروق

مالك فقد استدل بما ليس حجة عنده ولا عند خصمه وكذا عدم صحة استدلاله على أبي حنيفة بأن الخل لا يزيل النجاسة بقوله عليه السلام لأسماء في دم الحيض يصيب الثوب حتيه ثم اقرضيه بالماء حيث قال مفهوم قوله عليه السلام بالماء يقتضي أنه لا يجوز أن يغسل بغيره من الخل وغيره ا ه

وذلك لأن الماء اسم جنس فمفهومه مفهوم لقب ليس بحجة عنده ولا عند أبي حنيفة بل أبو حنيفة لم يقل بالمفهوم مطلقا فضلا عن مفهوم اللقب فاستدلاله على أبي حنيفة أبعد من استدلاله على مالك بسبب أن مالكا قال بالمفهوم من حيث الجملة

وأما أبو حنيفة فلا كذا قال الأصل وفي حاشية العطار على محلى جمع الجوامع وأجيب بأن ذلك ليس من الاستدلال بمفهوم اللقب لأنه بالحديث الأول من جهة أن الأمر إذا تعلق بشيء بعينه لا يقع الامتثال إلا بذلك الشيء فلا يخرج عن العهدة بغيره سواء كان الذي تعلق به الأمر صفة أو لقبا ولأنه بالحديث الثاني من جهة أن قرينة الامتنان تدل على الحصر فيه وأن العدول عن أسلوب التعميم مع الإيجاز إلى التخصيص مع ترك الإيجاز لا بد له من نكتة ونكتته اختصاص الطهورية

وقد صرح الغزالي في المنخول بأن مفهوم اللقب حجة مع قرائن الأحوال وأشار ابن دقيق العيد أن التحقيق أن يقال اللقب ليس بحجة ما لم يوجد فيه رائحة التعليق فإن وجدت كان حجة فإنه قال في حديث الصحيحين إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها يحتج به على أن الزوج يمنع امرأته من الخروج إلا بإذنه لأجل تخصيص النهي بالخروج للمسجد فإنه مفهوم لقب لما في المسجد من المعنى المناسب وهو كونه محل العبادة فلا تمنع منه بخلاف غيره ا ه

فتأمل والله سبحانه وتعالى أعلم الفرق الثاني والستون بين قاعدة المفهوم إذا خرج مخرج الغالب قيل لا يكون حجة إجماعا وبين ما إذا لم يخرج مخرج الغالب قيل يكون حجة عند القائلين بالمفهوم

____________________

(2/73)

فإنه إن لم يخرج مخرج الغالب كان حجة عند القائلين بالمفهوم وإذا خرج مخرج الغالب لا يكون حجة إجماعا وضابطه أن يكون الوصف الذي وقع به التقييد غالبا على تلك الحقيقة وموجودا معها في أكثر صورها فإذا لم يكن موجودا معها في أكثر صورها فهو المفهوم الذي هو حجة وسر الفرق بينهما أن الوصف إذا كان غالبا على الحقيقة يصير بينها وبينه لزوم في الذهن

هامش أنوار البروق

فإنه إن لم يخرج مخرج الغالب كان حجة عند القائلين بالمفهوم وإذا خرج مخرج الغالب لا يكون حجة إجماعا وضابطه أن يكون الوصف الذي وقع به التقييد غالبا على تلك الحقيقة موجودا معها في أكثر صورها فإذا لم يكن موجودا معها في أكثر صورها فهو المفهوم الذي هو حجة وسر الفرق بينهما

هامش إدرار الشروق

والصحيح كما في شرح التحرير الأصولي أن الوصف الذي وقع به تقييد الحقيقة إذا خرج مخرج الغالب بأن وجد معها في أكثر صورها كوصف الربائب باللاتي في حجوركم في قوله تعالى وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن وهن جمع ربيبة بنت زوجة الرجل من آخر سميت به لأنه يربيها غالبا كما يربي ولده ثم اتسع فيه فسميت به وإن لم يربها وإنما لحقته الهاء مع أنه فعيل بمعنى مفعول لأنه صار اسما فكونهن في حجور أزواج الأمهات هو الغالب من حالهن فوصفهن به لكونه الغالب فلا يدل الكلام المفيد للحكم المتعلق بالحقيقة المقيدة به على نفي الحكم عند عدمه كالكلام المفيد لتحريمهن عليهم على عدم تحريمهن عليهم عند عدم كونهن في حجورهم عند الجمهور لا إجماعا

فقد روي عن علي رضي الله عنه جعله شرطا حتى إن البعيدة عن الزوج لا تحرم عليه كما نقله ابن عطية وغيره وأسنده إليه ابن أبي حاتم فقال حدثنا أبو زرعة حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام بن يوسف عن ابن جريج قال حدثني إبراهيم بن عبيد بن رفاعة قال أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان قال كانت عندي امرأة فتوفيت وقد ولدت لي فوجدت عليها فلقيني علي بن أبي طالب فقال ما لك فقلت توفيت المرأة فقال علي هل لها ابنة فقلت نعم وهي بالطائف قال كانت في حجرك قلت لا قال فانكحها قلت فأين قول الله تعالى وربائبكم اللاتي في حجوركم قال إنها لم تكن في حجرك إنما ذلك إذا كانت في حجرك قال الحافظ العماد بن كثير إسناده قوي ثابت إلى علي على شرط مسلم وهو غريب جدا ا ه بتوضيح وزيادة من العطار

نعم قد يقال المراد إجماع الأربعة الأئمة لا جميع المجتهدين لكن في المحلى على جمع الجوامع

وقد مشى في النهاية في آية الربيبة على ما نقله عن الشافعي من أن القيد فيها لموافقة الغالب لا مفهوم له بعد أن نقل عن مالك القول بمفهومه ومن أن الربيبة الكبيرة وقت التزوج بأنها لا تحرم على الزوج لأنها ليست في حجره وتربيته وهذا وإن لم يستمر عليه مالك فقد نقله الغزالي وغيره كالماوردي وابن الصباغ وغيرهما عن داود كما نقله ابن عطية عن علي كرم الله وجهه ورواه عنه ابن أبي حاتم وغيره ومرجع ما نقل عن داود وعلي رضي الله عنه إلى أن القيد ليس لموافقة الغالب أي بل لنفي الحكم عن المسكوت عنه ا ه فافهم

وأورد الإمام ابن عبد السلام أنه كيف يكون لغير الغالب مفهوما دون الغالب والقاعدة تقتضي العكس وهو أنه إذا خرج مخرج الغالب يكون له مفهوم لا إذا لم يكن غالبا لأن الغالب على الحقيقة تدل العادة على ثبوته لها فالمتكلم يكتفي بدلالتها على

____________________

(2/74)

فإذا استحضر المتكلم الحقيقة ليحكم عليها حضر معها ذلك الوصف الغالب لأنه من لوازمها فإذا حضر في ذهنه نطق به لأنه حاضر في ذهنه فعبر عن جميع ما وجده في ذهنه لا أنه قصد بالنطق به نفي الحكم عن صورة عدمه بل الحال تضطره للنطق به أما إذا لم يكن غالبا على الحقيقة لا يلزمها في الذهن فلا يلزم من استحضار الحقيقة المحكوم عليها

هامش أنوار البروق

أن الوصف إذا كان غالبا على الحقيقة يصير بينها وبينه لزوم في الذهن فإذا استحضر المتكلم الحقيقة ليحكم عليها حضر معها ذلك الوصف الغالب لأنه من لوازمها فإذا حضر في ذهنه نطق به لأنه حاضر في ذهنه فعبر عن جميع ما وجده في ذهنه لا أنه قصد بالنطق به نفي الحكم عن صورة عدمه بل الحال تضطره للنطق به أما إذا لم يكن غالبا على الحقيقة لا يلزمها في الذهن فلا يلزم من استحضار

هامش إدرار الشروق

ثبوته لها عن ذكره فإنما ذكره ليدل على نفي الحكم عما عداه بانحصار غرضه فيه فإذا لم يكن عادة فغرض المتكلم بتلك الصفة إفهام السامع بثبوتها للحقيقة

وأجاب بأن القول بالمفهوم لخلو القيد عن الفائدة لولاه وهو إذا كان الغالب يفهم من الظن باللفظ أولا لغلبته فذكره بعده يكون تأكيدا لثبوت الحكم للمتصف به وهذه فائدة أمكن اعتبار القيد فيها فلا حاجة إلى المفهوم بخلاف غير الغالب

وأجاب الأصل بأن الغالب ملازم للحقيقة في الذهن فذكره معها عند الحكم عليها لحضوره في ذهنه لأنه من لوازمها فيضطره الحال للنطق به لذلك لا لتخصيص الحكم به بخلاف غيره فإنه لا يلزم من استحضار الحقيقة المحكوم عليها حضوره معها فلا يضطره الحال لنطقه به معها فلا بد حينئذ من أن يكون للمتكلم غرض في نطقه به وإحضاره مع الحقيقة وسلب الحكم عن صورة عدمه يصلح أن يكون غرضه فيحمل عليه حتى يصرح بخلافه لأنه المتبادر إلى الذهن من التقييد وتعقبه ابن الشاط بأن ما أورده ابن عبد السلام وارد ودعوى الاضطرار باطلة إذ كيف يكون الشارع سواء قلنا الله تعالى أو الرسول صلى الله عليه وسلم مضطرا إلى النطق بما لا يقصده واضطرار الله تعالى إلى أمر ما محال وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم من حيث هو معصوم والحامل على هذا الحال إنما هو القول بالمفهوم والصحيح أنه باطل عند التجرد عن القرائن المفهمة لمقتضاه

قلت يعين أن الباطل هو ما للشافعي وأحمد والأشعري والإمام وكثير من القول بمفهوم المخالفة بأقسامه الراجعة إلى مفهوم الصفة كما مر عند التجرد عن القرائن المفهمة لمقتضاه إذا توفرت الشروط لتحققه وهي أمور أحرى أن لا تظهر أولوية المسكوت عنه في الحكم وإلا استلزم ثبوت الحكم في المسكوت عنه فكان مفهوم موافقة لا مخالفة كتحريم الضرب من قوله تعالى فلا تقل لهما أف وتأدية ما دون القنطار من قوله تعالى ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك

والثاني أن لا يكون قد خرج مخرج الغالب المعتاد مثل وربائبكم اللاتي في حجوركم فإن الغالب كون الربائب في الحجور ومن شأنهن ذلك فقيد به لذلك لا لأن حكم اللاتي لسن في الحجور بخلافة ومثل قوله تعالى فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به إذ الخلع غالبا إنما يكون عند خوف أن لا يقوم كل من الزوجين بما أمر الله تعالى فلا يفهم منه أن الخلع لا يجوز عند عدم الخوف ومثل قوله صلى الله عليه وسلم أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل إذ المرأة إنما تباشر نكاح نفسها عند منع الولي فلا يفهم منه أنها إذا نكحت نفسها بإذن وليها لم يكن باطلا

والثالث أن لا يكون لسؤال سائل عن

____________________

(2/75)

حضوره فيكون المتكلم حينئذ له غرض في النطق به وإحضاره مع الحقيقة ولم يكن مضطرا لذلك بسبب الحضور في الذهن وإذا كان له غرض فيه وسلب الحكم عن المسكوت عنه يصلح أن يكون غرضه فحملناه عليه حتى لا يصرح بخلافه لأنه المتبادر للذهن من التقييد وهذا هو الفرق بين القاعدتين وسر انعقاد الإجماع على عدم اعتباره

هامش أنوار البروق

حقيقة المحكوم عليها حضوره فيكون المتكلم حينئذ له غرض في النطق به وإحضاره مع الحقيقة ولم يكن مضطرا لذلك بسبب الحضور في الذهن وإذا كان له غرض فيه وسلب الحكم عن المسكوت عنه يصلح أن يكون غرضه فحملناه عليه حتى يصرح بخلافه لأنه المتبادر للذهن من التقييد وهذا هو الفرق بين القاعدتين وسر انعقاد الإجماع على عدم اعتباره

هامش إدرار الشروق

المذكور ولا لحادثة خاصة بالمذكور مثل أن يسأل هل في الغنم السائمة زكاة فيقول في الغنم السائمة زكاة أو يكون الغرض بيان ذلك له السائمة دون المعلوفة

والرابع أن لا يكون هناك تقدير جهالة بحكم المسكوت عنه وإلا ربما ترك التعرض له لعدم العلم بحاله ولا يكون خوف يمنع من ذكره كقول قريب العهد بالإسلام لعبده بحضور المسلمين تصدق بهذا على المسلمين يريد وغيرهم وتركه خوفا من أن يتهم بالنفاق أو غير ذلك مما يقتضي تخصيصه بالذكر كموافقة الواقع في نحو قوله تعالى لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين نزلت كما قال الواحدي وغيره في قوم من المؤمنين والوا اليهود دون المؤمنين

وأما إذا لم تتوفر هذه الشروط بانتفاء المذكورات بل ثبت واحد منها فلا يستند في العمل إلى المفهوم ضرورة أن هذه المذكورات فوائد ظاهرة والمفهوم فائدة خفيفة فيؤخر عنها ويكون العمل حينئذ على مقتضى الدليل ولو خالف المفهوم فإذا دل على إعطاء المسكوت عنه حكم المنطوق به عمل بمقتضاه كما في نحو آيتي الربيبة والموالاة وقول قريب العهد بالإسلام إلخ فإن إرادة قريب العهد وغيرهم كما علمت وتحقق علة حكم المنطوق به في المسكوت عنه في الآيتين من حيث إن الربيبة حرمت لئلا يقع بينها وبين أمها التباغض لو أبيحت بأن يتزوجها فيوجد نظرا للعادة في مثل ذلك سواء كانت في حجر الزوج أم لا ومن حيث إن موالاة المؤمن الكافر حرمت لعداوة الكافر له وهي موجودة سواء والى المؤمن أم لا وقد عم من والاه ومن يواليه قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم إلى قوله والكفار أولياء وقياس المسكوت المشتمل على علة الحكم على المنطوق لا يمتنع إذ كيف يمتنع وهناك من يقول إن المعروض للصفة ونحوها كالغنم في حديث في الغنم السائمة زكاة يعم المسكوت عنه كالمعلوفة في الحديث المذكور بدون قياس لأن عارضه من الصفة ونحوها بالنسبة إلى المسكوت المشتمل على العلة كأنه لم يذكر

نعم الحق عدم العموم لا سيما وقد ادعى بعضهم الإجماع عليه وقول إمامنا رحمه الله تعالى بأن المعلوفة فيها الزكاة لم يكن من حيث شمول الغنم للمعلوفة في الحكم كما قيل بل إما لكون حديث في كل أربعين شاة شاة منطوقا عارض مفهوم حديث في الغنم السائمة زكاة فيقدم عليه كما قالوا بالمنة من قتل من لم يجن جناية توجب القتل ولدا كان أو غير ولد للأدلة الدالة على ذلك المعارضة لمفهوم قوله تعالى ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق لا لكونه غالبا في مجرى العادة في ذلك الوقت فإنهم كانوا لا يقتلون إلا خوف الفقر والفضيحة في البنات وهو الوأد الذي صرح به الله تعالى بقوله في كتابه العزيز وإذا الموءودة سئلت والوأد القتل فإنهم كانوا يدفنونهن أحياء فيمتن من غم التراب وثقله

____________________

(2/76)

وكان الشيخ عز الدين بن عبد السلام من الشافعية رحمه الله يورد على هذا سؤالا فيقول الوصف الغالب أولى أن يكون حجة مما ليس بغالب

وما انعقد عليه الإجماع يقتضي الحال فيه العكس بسبب أن الوصف إذا خرج مخرج الغالب وكانت العادة شاهدة بثبوت ذلك

هامش أنوار البروق

قلت ما أبعد ما قاله أن يكون سرا وسببا لانعقاد الإجماع فكيف يكون الشارع مضطرا إلى النطق بما لا يقصده هذا محال فإنه إما أن يكون المراد بالشارع الله تعالى فاضطراره إلى أمر ما محال وإما أن يكون المراد بالشارع الرسول صلى الله عليه وسلم فكذلك هو من حيث هو معصوم والحامل على هذا الحال إنما هو القول بالمفهوم والصحيح أنه باطل عند التجرد عن القرائن المفهمة لمقتضاه والله أعلم

هامش إدرار الشروق

ومنه قوله تعالى ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم أي لا يثقله وإما لكونه عموما في خصوص عين الغنم فيترجح على حديث في الغنم إلخ لأنه عموم في خصوص حال الغنم لما مر عن الإمام ابن العربي في كتاب الأحكام من أن حال العين أرجح من حال الحال

وإذا دل الدليل على إعطاء المسكوت عنه نقيض حكم المنقوض به عمل بمقتضاه كما في نحو الغنم المعلوفة قال الشافعي وأبو حنيفة بعدم الزكاة فيها لأنه الأصل فتبقى المعلوفة التي لم ينص عليها الأصل كما سيأتي وإذا كان القول بمفهوم المخالفة باطلا كان الصحيح مقابله وهو ما أشار له في جمع الجوامع بقوله وأنكر أبو حنيفة الكل مطلقا قال المحلي أي لم يقل بشيء من مفاهيم المخالفة وإن قال في المسكوت بخلاف حكم المنطوق فلأمر آخر كما في انتفاء الزكاة عن المعلوفة قال إن الأصل عدم الزكاة ووردت في السائمة فبقيت المعلوفة على الأصل ا ه

ومحصله أنه لا يستند في العمل إلى المفهوم ولو توفرت شروط تحققه المذكورة بل إنما يستند إلى القرائن المفهمة لموافقته أو مخالفته لحكم المنطوق مطلقا في كلام الشارع أو كلام الناس

نعم قال العطار في حاشيته على محلي جمع الجوامع إن المصنف إنما نقل عن أبي حنيفة لا عن أصحابه فإنهم إنما ينكرون مفهوم المخالفة في كلام الشارع أما في كلام الناس فهو حجة عندهم عكس ما لوالد المصنف من إنكاره الكل في غير الشرع من كلام المصنفين والواقفين لغلبة الذهول عليهم بخلافه في الشرع من كلام الله ورسوله المبلغ عنه لأنه تعالى لا يغيب عنه شيء قال سم وحاصل كلام والد المصنف أن المفهوم معنى يقصد تبعا للمنطوق فلا يعتبر ممن غلب عليه الذهول إذ الأمور التابعة إنما يعتد بها ممن قصدها ولاحظها ومن غلب عليه الذهول ولا وثوق بقصده وملاحظته وليس في هذا المعنى توقف الدلالة على الإرادة بل الذي فيه توقف اعتبارها في المعاني التابعة لا مطلقا على من يوثق فيه بإرادته وشتان ما بين المقامين ا ه

ووجه بطلان القول بمفهوم المخالفة عند التجرد عن القرائن المفهمة لمقتضاه إذا توفرت شروط تحققه وإن قالوا إنه المذهب المختار أمران أحدهما أنه داع إلى دعوى الاضطرار إلى النطق بما لا يقصد واضطرار الله تعالى أو الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أمر ما محال كما علمت

الثاني أن وجوه الاستدلال عليه ضعيفة

أما الوجه الأول فإما أن يقرر بأنه لو لم يكن ظاهرا للحصر لزم اشتراك المسكوت عنه للمذكور في الحكم إذ لا واسطة بين الاختصاص والاشتراك فإنه يثبت الحكم في المذكور قطعا فإن لم يثبت في المسكوت عنه فهو الاختصاص وإن ثبت فهو الاشتراك وهذا ترديد بين النفي والإثبات فلا واسطة بينهما واللازم أعني الاشتراك المذكور منتف لاتفاقهم على أنه ليس للاشتراك غايته أنه محتمل وإما أن يقرر بأنه لو لم يفد الحصر لم يفد الاختصاص به دون غيره إذ لا معنى للحصر فيه إلا اختصاصه به دون غيره

____________________

(2/77)

الوصف لتلك الحقيقة يكون المتكلم مستغنيا عن ذكره للسامع بدليل أن العادة كافية في إفهام السامع ذلك فلو أخبره بثبوت ذلك الوصف لكان ذلك تحصيلا للحاصل أما إذا لم يكن غالبا فإنه لا دليل على ثبوته لتلك الحقيقة من جهة العادة فيتجه أن المتكلم بخبره به لعدم دليل يدل على ثبوته لتلك الحقيقة وهو حينئذ يفيده فائدة جديدة وغير مفيد له في الوصف الغالب الذي دلت عليه العادة وإذا كان في الغالب غير مفيد بإخباره عن ثبوته للحقيقة فيتعين أنه

هامش أنوار البروق

قال وكان الشيخ عز الدين بن عبد السلام من الشافعية رحمه الله يورد على هذا سؤالا إلى آخر السؤال

هامش إدرار الشروق

فإذا لم يحصل لم يحصل واللازم أعني انتفاء إفادته اختصاص الحكم بالمذكور دون غيره منتف للعلم الضروري بأنه يفيد اختصاص الحكم بالمذكور دون غيره

وأما ضعفه فمن جهتين الجهة الأولى أنه على التقرير الأول والثاني إن أراد باختصاص الحكم بالمذكور دون المسكوت أن الحكم النفسي المعبر عنه بالذكر اللفظي مختص به بمعنى أنا حكمنا على السائمة مثلا ولم نحكم على المعلوفة فلا نزاع فيه وإن أراد أن متعلق الحكم النفسي وهو النسبة الواقعة في نفس الأمر المعبر عنها بالحكم الخارجي مختص بالمذكور بمعنى أن الزكاة واجبة في السائمة ليست بواجبة في المعلوفة فممنوع إذ غاية الأمر عدم الحكم بالوجوب في المعلوفة وهو لا يستلزم الحكم بعدم الوجوب فيها لجواز أن تثبت نسبته ولا يحكم بثبوتها وحاصله تسليم اختصاص النسبة الذهنية دون الخارجية لكن لا يخفى أن هذا إنما يصح في الإخبار دون الإنشاء إذ ليس لنفسه متعلق هو الخارجي إلا أن يئول بالخبر أو يقال إن المراد بالمتعلق هاهنا هو طرف الحكم كالسائمة مثلا بناء على أن متعلق الذكر النفسي هو الطرفان ليصح في الإخبار والإنشاء جميعا

الجهة الثانية أن هذا الاستدلال بكلا تقريريه كما يجري هنا يجري في اللقب بأن يقال لو لم يكن للحصر لكان للاشتراك واللازم باطل أو يقال لو لم يفد الحصر لم يفد الاختصاص وأنه يفيده قطعا مع أن اللقب باطل اتفاقا وأما الوجه الثاني فهو أنه إذا قيل الفقهاء الحنفية فضلاء ولا مقتضى لتخصيص الحنفية بالفضل نفرت الشافعية ولولا فهمهم نفي الفضل عن غيرهم لما نفروا

وأما ضعفه فبمنع الملازمة بين النفرة وفهمهم نفي الفضل عن غيرهم لجواز أن تكون النفرة إما لتصريح بغيرهم وتركهم على الاحتمال كما ينفر من التقدير في الذكر لاحتمال أن يكون للتفضيل وإن جاز أن يكون لغيره وإما لتوهم المعتقدين لإفادة النفي عن الغير قصد تلك الإفادة في الصورة المذكورة إما بمعنى أنهم نفروا عن أن تذكر عبارة يتوهم منها بعض الناس نفي الفضل عنهم أو بمعنى أن النفرة إنما هو للمعتقدين تلك الإفادة بحسب اعتقادهم وأنه توهم

وأما الوجه الثالث فهو أنه صلى الله عليه وسلم عقب نزول قوله تعالى إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم قال كما في الحديث الصحيح الذي لا قدح في رواته لأزيدن على السبعين وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم فهم من الآية أن ما زاد على السبعين حكمه بخلاف السبعين وذلك مفهوم العدد وكل من قال به قال بمفهوم الصفة فيثبت مفهوم الصفة

وأما ضعفه فبمنع فهم ذلك لأن ذكر السبعين للمبالغة وما زاد على السبعين مثله في الحكم المشترك بين السبعين وما فوقها وهو ما يتبادر إلى الفهم من عدم المغفرة فلا يتبادر من ذكر السبعين أن ما فوقها بخلافها وأما قوله عليه الصلاة والسلام لأزيدن على السبعين فلعله من جهة علمه أن هذا

____________________

(2/78)

إنما نطق به لقصد آخر غير الإخبار عن ثبوته للحقيقة وهو سلب الحكم عن المسكوت عنه وهذا الغرض لا يتعين إذا لم يكن غالبا لأنه غرضه حينئذ يكون الإخبار عن ثبوته للحقيقة لا سلب الحكم عن المسكوت عنه فظهر أن الوصف الغالب على الحقيقة أولى أن يكون حجة وهو سؤال حسن متجه غير أنه عارضنا فيه ما تقدم من تقدير كونه حجة وهو أنه اضطر للنطق به بخلاف غير الغالب وأورد لك ثلاث مسائل توضح لك القاعدتين والفرق بينهما

المسألة الأولى قوله عليه السلام في الغنم السائمة الزكاة أو زكوا عن الغنم السائمة

هامش أنوار البروق

قلت السؤال وارد قال وهو سؤال حسن غير أنه عارضنا فيه ما تقدم إلى آخر قوله والفرق بينهما قلت قد سبق ما ورد على دعوى الاضطرار

هامش إدرار الشروق

المعنى المشترك بين السبعين وما فوقها غير مراد في هذا المقام بخصوصه لا من جهة فهمه من هذا الكلام ولو سلم أنه فهمه من هذا الكلام فيجوز أن لا يكون من التقييد بالعدد بل من جهة أن الأصل قبول استغفار النبي عليه الصلاة والسلام وقد تحقق النفي في السبعين فبقي ما فوقها على الأصل

وأما الوجه الرابع فهو أن يعلى بن أمية وعمر بن الخطاب فهما من قوله تعالى فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم حيث قيد قصر الصلاة بحال الخوف أن عدم قصرها عند عدم الخوف وأقر الرسول عليه الصلاة والسلام عمر عليه فقال يعلى لعمر ما بالنا نقصر وقد أمنا وقد قال الله تعالى فليس عليكم جناح إلخ فقال عمر رضي الله عنه عجبت مما عجبت منه فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته إذ لولا إفادة تقييد القصر بالخوف في الآية لعدمه عند عدمه لغة ما فهماه ولما أقره الرسول عليه الصلاة والسلام

وأما ضعفه فبمنع فهمها منه لجواز أنهما حكما بذلك باستصحاب الحال في وجوب إتمام الصلاة من حيث إنه الأصل وخولف في الخوف بالآية ولذا ذكروا الآية عند التعجب يعنون أن القصر حال الخوف إنما يثبت بالآية فما بال حال الأمن لم يبق على ما هو الأصل من الإتمام بحيث لا يعدل عنه فيه إلا لدليل ولا دليل وإذا جاز ذلك لم يتعين أن يكون الفهم منه فلا تقوم به حجة فيه واعلم أن هذا مفهوم الشرط لا الصفة ولعل الغرض منه إلزام من لا يفصل بينهما

وأما الوجه الخامس فهو أن إفادته لتخصيص تفضي إلى تكثير الفائدة فإن إثبات المذكور ونفي غيره أكثر فائدة من إثبات المذكور وحده وكثرة فائدته ترجح المصير إليه لأنه ملائم لغرض العقلاء وأما ضعفه فمن جهة أن هذا لا يلزم إلا القائلين بأن تكثير الفائدة دال على الوضع كعباد الصيمري والجمهور على أن الدال على الوضع إنما هو النقل تواترا أو آحادا كما تقرر في محله وعليه فلا يلزم ذلك على أن دلالته على النفي عن الغير على القول بأن الدال على الوضع تكثير الفائدة تتوقف على تكثير الفائدة إذ به تثبت وتكثير الفائدة إنما يحصل بدلالته على النفي على الغير وذلك دور ظاهر

نعم قد يقال إن ما تتوقف عليه الدلالة تعقل كثرة الفائدة لا حصولها والموقوف على الدلالة حصول كثرة الفائدة لا تعقلها

وأما الوجه السادس فهو أنه لو لم يكن المسكوت عنه مخالفا للمذكور في الحكم ففي نحو قوله صلى الله عليه وسلم طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسله سبعا إحداهن بالتراب يلزم أن لا تكون السبع مطهرة

____________________

(2/79)

استدل به الشافعية على عدم وجوب الزكاة في المعلوفة ولا دليل فيه لوجهين الأول أنه خرج مخرج الغالب فيكون من المفهوم الذي ليس حجة إجماعا لأن السوم يغلب على الغنم في أقطار الدنيا لا سيما في الحجاز لعزة العلف هنالك والاستدلال بما ليس حجة إجماعا لا يستقيم الثاني أن هذا مفهوم وإن سلم أنه حجة فهو معارض بالمنطوق وهو قوله عليه السلام في كل أربعين شاة شاة فهذا الاستدلال باطل

هامش أنوار البروق

قال المسألة الأولى قوله عليه السلام في الغنم السائمة الزكاة إلى آخرها قلت ما قاله من أنه لا دليل فيه للشافعية لوجهين الأول أنه قد خرج مخرج الغالب قد سبق ما

هامش إدرار الشروق

لأن الطهارة إذا حصلت بدون السبع فلا تحصل بالسبع لأنه تحصيل الحاصل وأنه محال وكذلك في قوله عليه السلام خمس رضعات يحرمن يلزم أن لا يكون الخمس محرمة لأن الحرمة تحصل بدون الخمس فلا تحصل بالخمس لأنه تحصيل الحاصل وأنه محال

وأما ضعفه فبأنه لا يلزم من عدم دلالة السبع على نفي الطهارة فيما دونها حصول الطهارة قبل السابعة ولا من عدم دلالة الخمس على نفي تحريم المرضعة حصول التحريم قبل الخمس لجواز أن يثبت التحريم وأن تثبت النجاسة بدليل آخر

أما في الرضاع فظاهر بناء على أن الأصل عدم التحريم وأما في الإناء فلأنه وإن كان الأصل الطهارة ما لم يظهر دليل النجاسة والأصل عدمه إلا أن الإجماع على التنجس قائم هنا بوجود النجس وهو دليل قاطع فإذا لم يدل العدد على النفي فيما دونه بقي ما كان ثابتا من النجاسة وعدم التحريم حتى يظهر الدليل كذا في شرح العضد على مختصر ابن الحاجب وحاشية السعد عليه ولا يخفاك أن بطلان القول بمفهوم المخالفة لا ينتجه واحد من الأمرين المذكورين

أما الأول فلأنا لا نسلم أن القول بالمفهوم في غير الغالب لا في الغالب داع إلى الاضطرار المذكور في الغالب دون غيره كما قال الأصل بذلك في بيان سر الفرق بينهما ودفع ما أورده ابن عبد السلام لجواز أن يكون سر الفرق بينهما غير ذلك وهو ما مر عن عبد السلام في جوابه عما أورده من أن التقييد بالغالب لما كانت فائدته هي التأكيد لثبوت الحكم للمتصف به لأنه لغلبته على الحقيقة يفهم من النطق بلفظها أولا لم يحتج فيه إلى المفهوم ضرورة أن فائدة التأكيد فيه ظاهرة والمفهوم فائدة خفية لأن استفادته بواسطة أن التخصيص بالذكر لا بد له من فائدة وغير التخصيص بالحكم منتف فتعين التخصيص بخلاف غير الغالب فإنه لما لم يظهر للتقييد به فائدة غير التخصيص تعين فيه التخصيص ومن هنا يندفع قول إمام الحرمين أن المفهوم من مقتضيات اللفظ فلا تسقطه موافقة الغالب بل قال زكريا للشافعي رضي الله عنه في الرسالة كلام آخر يندفع به أيضا توجيه إمام الحرمين لما نفاه مخالفا للشافعي بما ذكر وحاصله أنه إذا ظهر لتخصيص المنطوق فائدة غير نفي الحكم بطريق الاحتمال إلى المفهوم فيصير الكلام مجملا حتى لا يقضي فيه بموافقة أو مخالفة ا ه فافهم

وأما الثاني فلأن ضعف دليل الشيء لا يقتضي بطلانه على أن وجوه الاستدلال على القول بإنكار المفهوم مطلقا قد ضعفت أيضا فما وجه إبطال مقابله دونه أما الوجه الأول فهو أنه لو ثبت المفهوم لثبت بدليل ولا دليل لأنه إما عقلي ولا مدخل له في مثله وإما نقلي إما متواتر فكان يجب أن لا يختلف فيه وإما آحاد وأنه لا يفيد في مثله

وأما ضعفه فيمنع اشتراط التواتر وعدم إفادة الآحاد في مثله وإلا امتنع العمل بأكثر أدلة الأحكام لعدم التواتر في مفرداتها وأيضا فإنا نقطع أن العلماء في الأعصار والأمصار كانوا يكتفون في فهم معاني الألفاظ بالآحاد كنقلهم عن

____________________

(2/80)

المسألة الثانية قوله عليه السلام أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل مفهومه أنه إذا أذن لها وليها صح نكاحها وهذا المفهوم ملغي بسبب أن الغالب أنها لا تنكح نفسها في مجرى العادة إلا ووليها غير آذن بل غير عالم فصار عدم إذن الولي غالبا في العادة على تزويجها لنفسها فالتقييد به تقييد بما هو غالب فلا يكون حجة

هامش أنوار البروق

أورده عليه عز الدين وقوله الثاني أنه معارض بالمنطوق وهو قوله صلى الله عليه وسلم في كل أربعين شاة شاة لا بأس به

قال المسألة الثانية قوله عليه السلام أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل إلى آخره

هامش إدرار الشروق

الأصمعي والخليل وأبي عبيد وسيبويه

وأما الوجه الثاني فهو أنه لو ثبت المفهوم للزم ثبوته في الخبر لأن الذي به ثبت في الأمر وهو الحذر من عدم الفائدة قائم في الخبر والعلة تدور مع المعلول وجودا وعدما واللازم وهو ثبوته في الخبر باطل لأنه لو قال في الشام الغنم السائمة لم يدل على عدم المعلوفة بها وهو معلوم من اللغة والعرف قطعا

وأما ضعفه فيمنع انتفاء اللازم لقول السعد الحق عدم التفرقة بين الخبر والإنشاء كما في قولنا الفقهاء الحنفية أئمة فضلاء ومطل الغني ظلم عند قصد الإخبار إلى غير ذلك من المواضع ونفي المفهوم في بعض المواضع بمعونة القرائن كما في قولنا في الشام الغنم السائمة لا ينافي ذلك

وأما الوجه الثالث فهو أنه لو صح القول بالمفهوم للزم أن لا يصح أن يقال أد زكاة الغنم السائمة والمعلوفة مجتمعا أو أد زكاة الغنم السائمة أد زكاة الغنم المعلوفة متفرقا وتحقق التخصيص بالصفة في صورة الاجتماع من حيث إن الحكم علق بالسائمة تارة بالمعلوفة أخرى أما أولا فلأن وزان قولك في مفهوم المخالفة أد زكاة الغنم السائمة والمعلوفة مجتمعا أو متفرقا وزان قولك في مفهوم الموافقة لا تقل له أف واضربه في منافاة المفهوم للمنطوق فكما لا يجوز بلا شك أن يقال لا تقل له أف واضربه لأن مفهوم لا تقل له أف وهو حرمة الضرب يناقض منطوق اضربه وهو جواز الضرب ومفهوم اضربه وهو جواز أن يقال له أف يناقض منطوق لا تقل له أف وهو حرمة أن يقال له أف كذلك لا يجوز أن يقال أد زكاة الغنم السائمة والمعلوفة مجتمعا أو متفرقا

وأما ثانيا فلأن المنطوقين مع المفهومين متعارضان والمنطوق أقوى من المفهوم فيندفع المفهومان فلا يبقى لذكر القيدين فائدة إذ فائدة التقييد المفهومة ويكون بمثابة قولك أد زكاة الغنم فيضيع ذكر السائمة والمعلوفة بخصوصهما واللازم أعني صحة أن يقال أد زكاة الغنم السائمة والمعلوفة مجتمعا أو متفرقا ظاهر البطلان

وأما ضعفه فيمنع الملازمة بوجوه أحدها أن دلالة مفهوم الموافقة على ثبوت الحكم للمسكوت عنه قطعية ودلالة مفهوم المخالفة على نفي الحكم عن المسكوت عنه ظنية

وثانيها أنه لا تناقض في الظواهر مع إمكان الصرف عن معانيها لدليل ودفع التناقض أقوى دليل عليه

وثالثها أن الفائدة في ذكر القيدين السائمة والمعلوفة عدم تخصيص أحدهما عن العام فإن العام ظاهر في تناول الخاصين ويمكن إخراج أحدهما عنه تخصيصا له إذا ذكرهما بالنصوصية لم يمكن ذلك

وأما الوجه الرابع فهو أنه لو ثبت المفهوم للزم أن لا يثبت خلافه إذا لو ثبت خلافه مع ثبوته لثبت

____________________

(2/81)

المسألة الثالثة قوله تعالى ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ومفهومه أنكم إذا لم تخشوا الإملاق لا يحرم عليكم القتل وهو مفهوم ملغي إجماعا بسبب أنه قد غلب في العادة أن الإنسان لا يقتل ولده إلا لضرورة وأمر قاهر لأن حنة الأبوة مانعة من قتله فتقييد القتل بخشية الإملاق تقييد له بوصف هو كان الغالب عليهم في القتل في ذلك الوقت فكانوا لا يقتلون إلا خوف الفقر أو الفضيحة في البنات وهو الوأد الذي صرح به في الكتاب العزيز في قوله وإذا الموءودة سئلت والوأد الثقل فإنهم كانوا يدفنونهن أحياء فيمتن من غم التراب وثقله ومنه قوله تعالى ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم أي لا يثقله وعلى هذا القانون اعتبر المفهوم الغالب من غيره الفرق الثالث والستون بين قاعدة حصر المبتدأ في خبره وهو معرفة أو ظرف أو مجرور وبين قاعدة حصر المبتدأ في خبره وهو نكرة

اعلم أن المبتدأ يجب انحصاره في خبره مطلقا كان معرفة أو نكرة بسبب أن خبر

هامش أنوار البروق

قلت يرد على ما قاله فيها سؤال عز الدين

قال المسألة الثالثة قوله تعالى ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق إلى آخرها قلت إنما ألغي هذا المفهوم لمعارضته الأدلة الدالة على المنع من قتل من لم يجن جناية توجب القتل ولدا كان أو غير ولد

قال الفرق الثالث والستون بين قاعدة حصر المبتدأ في خبره وهو معرفة أو ظرف أو مجرور وبين قاعدة حصر المبتدأ في خبره وهو نكرة اعلم أن المبتدأ يجب انحصاره في خبره مطلقا كان معرفة أو نكرة بسبب أن خبر المبتدأ لا يجوز أن يكون أخص بل مساويا أو أعم

هامش إدرار الشروق

التعارض بين دليل المفهوم ودليل خلافه والأصل عدم التعارض واللازم أعني عدم ثبوت خلاف المفهوم منتف لأن خلاف المفهوم قد ثبت في نحو لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة فإن قوله أضعافا مضاعفة في معنى الوصف ومفهومه عدم النهي عن القليل منه وقد تحقق التحريم في القليل مع انتفاء الوصف كما تحقق في الكثير لتحقق الوصف

وأما ضعفه فبوجهين أحدهما منع الملازمة في أصل الدليل لجواز أن يكون المفهوم حقا وثبت خلافه أحيانا بناء على دليل قطعي لا يعارضه دليل المفهوم لكونه ظنيا

وثانيهما منع انتفاء اللازم لجواز أن يثبت التعارض لقيام دليل عليه وإن كان الأصل عدمه ألا ترى أن الأصل البراءة ويخالفها بالدليل وهو أكثر من أن يحصى ا ه ملخصا من العضد والسعد بزيادة من المحلي والعطار فتأمل بإنصاف والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق الثالث والستون بين قاعدة حصر المبتدأ في خبره وهو معرفة باللام الجنسية وبين قاعدة حصر المبتدأ في خبره وهو نكرة

____________________

(2/82)

المبتدأ لا يجوز أن يكون أخص بل مساويا أو أعم فالمساوي نحو الإنسان ناطق والأعم نحو الإنسان حيوان والعشرة عدد أو زوج هذا شأن الخبر ولو قلت الحيوان إنسان أو العدد عشرة لم يصح والمبتدأ على هذا يجب أن يكون مساويا إن كان الخبر مساويا أو أخص إن كان الخبر أعم وإذا وجب للمبتدأ أن يكون مساويا أو أخص في جميع الصور كان الحصر لازما في جميع الصور لأن المساوي منحصر في مساويه والأخص منحصر في الأعم فالإنسان كما هو منحصر في الناطق منحصر في الحيوان فلا يوجد في غيره فهذا برهان عقلي قطعي في وجوب انحصار المبتدأ في خبره ومع ذلك فقد فرق العلماء بين قولنا زيد قائم لم يجعلوه للحصر وبين قولنا زيد القائم فجعلوه للحصر فكيف صح من العلماء مخالفة الدليل القاطع في المبتدأ إذا كان خبره نكرة

والجواب عن هذا السؤال أن الحصر حصران حصر يقتضي نفي النقيض فقط وحصر يقتضي نفي النقيض والضد والخلاف وما عدا ذلك الوصف على الإطلاق فهذا الحصر الثاني هو الذي نفاه العلماء عن الخبر إذا

هامش أنوار البروق

قلت ما قاله هنا من أن المبتدأ يجب انحصاره في الخبر مطلقا بمعنى أنه لا يوجد إلا فيه ومعه ليس بصحيح بل الصحيح أنه لا يجب ذلك لا مطلقا ولا مقيدا وقوله بسبب أن خبر المبتدأ لا يجوز أن يكون أخص بل مساويا أو أعم ليس بصحيح أيضا بل لا يجوز أن يكون الخبر إلا مساويا للمبتدأ لا أخص منه ولا أعم فإنه إذا أخبر بشيء عن شيء فليس المراد إلا أن الذي هو المبتدأ هو بعينه الخبر ولو صح ما قاله لكان قولنا الإنسان حيوان معناه أن الإنسان الخاص هو الحيوان العام له ولغيره من الحيوانات فيكون من مضمون ذلك أن الإنسان حمار وثور وكلب وغير ذلك من أصناف الحيوان وذلك غير صحيح بل معنى قولنا الإنسان حيوان الإنسان حيوان ما

قال فالمساوي نحو الإنسان ناطق والأعم نحو الإنسان حيوان إلى قوله هذا شأن الخبر

هامش إدرار الشروق

اعلم أن خبر المبتدأ لا يجوز إلا أن يكون مساويا للمبتدأ من حيث قصد الإخبار به وإن كان من حيث لفظه أعم من المبتدأ على الصحيح لأنه إذا أخبر بشيء عن شيء فليس المراد إلا أن الذي هو المبتدأ هو بعينه الخبر فمعنى قولنا الإنسان حيوان الإنسان حيوان ما وليس معناه الإنسان الخاص هو الحيوان العام له ولغيره وإلا لتضمن ذلك أن الإنسان حمار وثور وكلب وغير ذلك من أصناف الحيوان وذلك غير صحيح وحينئذ فلا فرق بين قول القائل الإنسان ناطق وقوله الإنسان حيوان من حيث القصد بالخبر وإنما بينهما فرق من حيث إن لفظ الناطق يختص بالإنسان لوضعه لما هو مختص به ولفظ الحيوان غير مختص به لوضعه لما هو غير مختص به فيصدق في غير هذا القول على غير الإنسان

وأما في هذا القول فلا يصح ألبتة أن يراد به إلا الإنسان لا غيره ولا هو وغيره وأن الحصر حصران حصر يقتضي نفي النقيض فقط وحصر يقتضي نفي النقيض والضد والخلاف وما عدا ذلك الوصف على الإطلاق والأول حاصل بمقتضى العقل لكل مبتدأ في خبره ولو لم يكن خبره معرفا باللام الجنسية ضرورة أن انتفاء نقيضه لازم لثبوته للمبتدأ فنحو قولك زيد قائم مخبرا عن ثبوت القيام لزيد يلزمه عقلا انتفاء عدم القيام عنه وإن لم يدل عليه اللفظ صريحا والثاني حاصل صريحا يدل عليه خصوص الخبر المعرف فاللام الجنس بمقتضى استقرار

____________________

(2/83)

كان نكرة وأما الحصر الأول فلم يتعرضوا له

وبيان ذلك أنك إذا قلت زيد قائم فزيد منحصر في مفهوم قائم لا يخرج عنه إلى نقيضه لكن قولنا قائم مطلق في القيام فهي موجبة جزئية في وقت واحد فنقيضه إنما هو السالبة الدائمة وهو أن لا يكون زيد قائما دائما لا في الماضي ولا في الحال ولا في الاستقبال ومعلوم أن هذا النقيض منفي إذا صدق قولنا زيد قائم في وقت كذا فكذلك جميع الأخبار التي هي نكرات فالحصر ثابت بحسب النقيض لا بحسب غيره فإذا صدق مفهوم الحصر باعتبار النقيض صدق الخبر ولم يخالف الدليل العقلي ولا يلزم من عدم الاتصاف بالنقيض عدم الاتصاف بالضد والخلاف فجاز أن يكون مع كونه قائما جالسا في وقت آخر ونحوه ومن الأضداد وحيا وفقيها وعابدا في جميع الأوقات وكذلك كل وصف هو خلاف أو ضد فجميع ذلك يجوز ثبوته

وأما النقيض فلا سبيل للاتصاف به ألبتة فالحصر باعتباره لا باعتبار غيره هذا في النكرات وأما غير النكرات فأذكر فيه سبع مسائل توضحه وتبين الفرق

المسألة الأولى قوله عليه السلام في الصلاة تحريمها التكبير وتحليلها التسليم استدل

هامش أنوار البروق

قلت لا فرق بين قول القائل الإنسان ناطق والإنسان حيوان من حيث القصد بالخبر نعم بينهما الفرق في اللفظ من حيث إن لفظ الناطق يختص بالإنسان ولفظ الحيوان غير مختص به أي يصدق في غير هذا القول على غير الإنسان وأما في هذا القول فلا يصح ألبتة أن يراد به إلا الإنسان لا غيره ولا هو وغيره

قال ولو قلت الحيوان إنسان أو العدد عشرة لم يصح قلت إن أريد بالألف واللام اللتين في الحيوان والعدد العهد في الإنسان وفي العشرة صح وإن أريد العهد في الحقيقة أو العموم لم يصح للزوم مساواة المبتدأ للخبر وأنه هو بعينه

قال والمبتدأ على هذا يجب أن يكون مساويا إن كان الخبر مساويا أو أخص إن كان الخبر أعم

هامش إدرار الشروق

تراكيب البلغاء فهذا الحصر الثاني وهو مراد من فرق من العلماء بين قولنا زيد قائم وبين قولنا زيد القائم بجعله الثاني للحصر دون الأول فزيد في المثال الأول وإن كان بمقتضى العقل لا اللفظ منحصرا في مفهوم قائم بمعنى أنه لا يخرج عنه إلى نقيضه وهو أن لا يكون زيد قائما دائما لا في الماضي ولا في الحال ولا في الاستقبال ضرورة أن لفظ قائم مطلق في القيام

فقولنا زيد قائم موجبة جزئية في وقت واحد فنقيضه إنما هو السالبة الدائمة إلا أنه ليس بمنحصر في مفهومه بمعنى أنه لا يخرج عنه إلى ضده أو خلافه أيضا إذ لا يلزم من عدم الاتصاف بالنقيض عدم الاتصاف بالضد والخلاف إذ يجوز أن يكون مع كونه قائما جالسا في وقت آخر ونحوه مما لا يمكن اجتماعه معه من الأضداد وحيا وفقيها وعابدا ونحو ذلك مما يمكن اجتماعه معه من خلافه في جميع الأوقات

وأما زيد في المثال الثاني فكما أنه منحصر في مفهوم القائم بمعنى أنه لا يخرج عنه إلى نقيضه كذلك وهو منحصر فيه بمعنى أنه لا يخرج عنه إلى ضده أو خلافه أيضا ويوضح لك هذا مسألة وهي أن العلماء استدلوا بقوله عليه الصلاة والسلام في الصلاة تحريمها التكبير وتحليلها التسليم على انحصار سبب تحريمها أي الدخول في حرماتها بتحريم الكلام والأكل والشرب وغير ذلك مما يحرم فيها في التكبير وانحصار سبب تحليلها أي حلها بإباحة جميع ما حرم بها في التسليم فلا يدخل في

____________________

(2/84)

به العلماء على انحصار سبب تحريمها في التكبير وسبب تحليلها في التسليم فلا يدخل في حرمات الصلاة إلا بالتكبير ولا يخرج من حرماتها إلى حلها إلا بالتسليم فهذا خبر معرف بالألف واللام اقتضى الحصر في التكبير دون نقيضه الذي هو عدم التكبير وضده الذي هو الهزل واللعب والنوم والجنون وخلافه الذي هو الخشوع والتعظيم فأي شيء فعل من هذه الأضداد والخلافات ولم يفعل التكبير لم يدخل في حرمات الصلاة وكذلك تحليلها التسليم يقتضي الحصر في التسليم دون نقيضه الذي هو عدم التسليم وضده الذي هو النوم والإغماء وخلافه الذي هو الحدث وغير ذلك من التعظيم والإجلال وغيرهما فلا يخرج من حل الصلاة إلى حرماتها إلا بالتسليم فقط

ونعني بالحرمات تحريم الكلام والأكل والشرب وغير ذلك مما يحرم في الصلاة ونعني بحلها إباحة جميع ما حرم بالصلاة فإن قلت فهو يخرج من الصلاة بالضد الذي هو النوم والجنون والإغماء وبالخلاف الذي هو الحدث ونعني بالضد ما لا يمكن اجتماعه معه وبالخلاف ما يمكن اجتماعه معه قلت ليس مرادنا بالخروج من حرمات الصلاة إلى حلها

هامش أنوار البروق

قلت قوله يجب أن يكون مساويا إن كان الخبر مساويا كلام لا حاصل له فإنه يوهم أن يكون مساويا مع أن الخبر غير مساو وقوله وأخص قد تبين أنه لا يكون أخص بل مساويا من حيث القصد والمراد وإن كان أعم من جهة اللفظ قال وإذا وجب للمبتدأ أن يكون مساويا أو أخص في جميع الصور كان الحصر لازما في جميع الصور لأن المساوي منحصر في مساويه والأخص منحصر في الأعم فالإنسان كما هو منحصر في الناطق منحصر في الحيوان فلا يوجد في غيره فهذا برهان عقلي قطعي في وجوب انحصار المبتدأ في خبره قلت ما قاله من أن المبتدأ منحصر في الخبر إذا كان الخبر مساويا أو أعم غير مسلم كما سبق

هامش إدرار الشروق

حرمات الصلاة إلا بالتكبير ولا يخرج من حرماتها إلى حلها إلا بالتسليم فالتكبير في قوله صلى الله عليه وسلم تحريمها التكبير خبر معرف بالألف واللام اقتضى حصر المبتدأ وهو تحريمها فيه فيكون مفهومه أن تحريمها لا يثبت مع نقيضه الذي هو عدم التكبير ولا مع ضده الذي هو الهزل واللعب والنوم والجنون ولا مع خلافه الذي هو الخشوع والتعظيم بحيث إذا فعل أي شيء من هذه الأضداد والخلافات ولم يفعل التكبير لم يدخل في حرمات الصلاة عند من يقول بالمفهوم

وكذا التسليم في قوله صلى الله عليه وسلم تحليلها التسليم خبر معرف بالألف واللام اقتضى حصر المبتدأ وهو تحليلها فيه فيكون مفهومه أن تحليلها لا يثبت مع نقيضه الذي هو عدم التسليم ولا مع ضده الذي هو النوم والإغماء ولا مع خلافه الذي هو الحدث وغير ذلك من نحو التعظيم والإجلال بحيث إذا فعل أي شيء من هذه الأضداد والخلافات ولم يفعل التسليم لم يخرج من حرمات الصلاة إلى حلها أي إباحة جميع ما حرم بها عند من يقول بالمفهوم ومعنى قوله عليه السلام تحليلها التسليم أن من أراد أن يخرج عن عهدة حرمات الصلاة على وجه الإباحة الشرعية لا على وجه بطلانها كيف كان فلا سبب له إلا السلام المشروع المأذون فيه في آخر الصلاة أما سهو السلام وعمده في أثناء الصلاة فلم يرد ولا يفهم من قوله عليه السلام تحليلها التسليم لا سيما ولفظ السلام خبر معناه

____________________

(2/85)

بطلان الصلاة كيف كان إنما مرادنا بذلك الخروج على وجه الإباحة الشرعية والخروج عن العهدة فمن أراد أن يخرج على هذا الوجه فلا سبب له إلا السلام المشروع والخروج على غير هذا الوجه ليس مرادنا فإن قلت السلام إذا وقع في أثناء الصلاة يخرج من حرماتها ومع ذلك فلا إباحة ولا براءة ذمة قلت إنما أخرج السلام من حرمات الصلاة في أثنائها لأنه كلام ليس بمشروع كما لو تكلم في أثناء الصلاة فهو كسبق الحدث وغيره ومن المبطلات وإخراجه في أثناء الصلاة ليس من باب إخراجه في آخر الصلاة والحصر إنما تعرض له صاحب الشرع من الوجه الثاني دون الأول فاندفع السؤال وهذا الجواب على مذهب ابن نافع من أصحابنا فإنه يرى أن السلام على وجه السهو لا يبطل الصلاة ولا يحتاج في الرجوع إلى تكبير وهو مذهب الشافعي فجعل السلام في أثناء الصلاة كالكلام في أثناء الصلاة والكلام على وجه السهو في أثناء الصلاة لا يبطلها وكذلك السلام سهوا وهذا هو الذي يتجه ومن جهة النظر

وأما الحديث فإنه أريد به السلام المأذون

هامش أنوار البروق

قال ومع ذلك فقد فرق العلماء بين قولنا زيد قائم لم يجعلوه للحصر وبين قولنا زيد القائم فجعلوه للحصر فكيف صح من العلماء مخالفة الدليل القاطع في المبتدأ إذا كان خبره نكرة

والجواب عن هذا السؤال أن الحصر حصران حصر يقتضي نفي النقيض فقط وحصر يقتضي نفي النقيض والضد والخلاف وما عدا ذلك الوصف على الإطلاق فهذا الحصر الثاني هو الذي نفاه العلماء عن الخبر إذا كان نكرة وأما الحصر الأول فلم يتعرضوا له

قلت قوله يقتضي نفي النقيض فقط إن أراد يقتضي نفي النقيض نطقا وصريحا فليس قوله بصحيح وإن أراد يقتضي ذلك ضرورة فقوله صحيح فإن القائل إذا قال زيد قائم فقد أثبت له القيام ومن ضرورة ثبوت القيام انتفاء عدمه فالقائل زيد قائم إنما أخبر عن ثبوت القيام لزيد ولم يخبر عن انتفاء عدم القيام عنه ولكن ذلك لازم ضرورة

هامش إدرار الشروق

الدعاء بالسلامة والدعاء لا يقدح في الصلاة لا سهوا ولا عمدا أما نقول بأنه إذا وقع في أثناء الصلاة مخرج منها مطلقا ومحوج لتكبيرة الإحرام للدخول في الصلاة كما هو مشهور مذهب مالك مشكل والمتجه أنه في أثناء الصلاة كالكلام في أثنائها سهوا في كونه لا يبطلها ولا يحوج لتكبيرة الإحرام للدخول فيها كما هو مذهب الشافعي وابن نافع من أصحابنا والسلام في أثنائها قد يقع مع نية الخروج من الصلاة وقد لا يقع فإن المذهب على قولين في اشتراط النية فيه وليست النية إذا وقعت برفض حتى يقال إن رفض الصلاة يقتضي إبطالها فلذلك أحوج للتكبير لأن من نوى الخروج من الصلاة عند سلامه أثناءها لم يقصد إبطالها بل إنما اعتقد أن صلاته كملت فأتى بنية الخروج من الصلاة وهذا ليس رفضا وكون جنس السلام مبطلا للصلاة إجماعا فيلحق بذلك الفرد بقية صوره بالقياس مدفوع بأنه قياس بلا جامع ضرورة أن السلام دعاء والدعاء لا ينافي الصلاة فلم يكن جعله مخرجا من الصلاة بمعقول المعنى حتى يتأتى القياس عليه

والقياس بلا جامع لا يصح وكون عدم الصحة إنما هي في قياس المعنى وهذا قياس الشبه مدفوع بأن قياس الشبه ضعيف وقد منع القاضي شيخ الأصوليين من أنه حجة على أن السلام في أثناء الصلاة معارض بالمقتضى لإكمال الصلاة والمداومة عليها وفي آخر الصلاة هو سالم عن هذه

____________________

(2/86)

فيه في آخر الصلاة أما سهو السلام وعمده في أثناء الصلاة فلم يرد ولا يفهم من قوله عليه السلام مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم إلا التكبير الأول المشروع سببا للدخول في الصلاة والسلام الذي هو في آخرها المشروع سببا في الخروج منها لا سيما ولفظ السلام خبر معناه الدعاء بالسلامة والدعاء لا يقدح في الصلاة لا سهوا ولا عمدا فالقول بكونه إذا وقع في أثناء الصلاة محوج لتكبيرة الإحرام للدخول في الصلاة وأنه مخرج منها مطلقا مشكل فإن قلت النية المقترنة به تقتضي رفض الصلاة ورفض الصلاة يقتضي إبطالها فذلك أحوج للتكبير ولأن جنسه مبطل للصلاة إجماعا وقع في أجزائها ويلحق بذلك الفرد بقية صوره بالقياس أو نقول اللام فيه للعموم فيشمل صورة النزاع

قلت السلام قد يقع مع نية الخروج من الصلاة وقد لا يقع فإن المذهب على قولين في اشتراط النية فيه فإن لم تكن معه نية فلا كلام وإن وقعت فليست رفضا لأن الرفض

هامش أنوار البروق

قال وبيان ذلك أنك إذا قلت زيد قائم فزيد منحصر في مفهوم قائم لا يخرج عنه إلى نقيضه إلى منتهى قوله ولم يخالف الدليل العقلي قلت ما قاله هنا صحيح كما قال لكن من مقتضى العقل لا من مقتضى اللفظ

قال ولا يلزم من عدم الاتصاف بالضد والخلاف إلى قوله فاذكر فيه سبع مسائل توضحه وتبين الفرق قلت ما قاله في ذلك صحيح

قال المسألة الأولى قوله عليه السلام في الصلاة تحريمها التكبير وتحليلها التسليم إلى قوله وخلافه الذي هو الخشوع والتعظيم

هامش إدرار الشروق

المعارضة فافترقا ولا قياس مع الفارق وكون اللام في السلام في قوله عليه السلام تحليلها التسليم للعموم فيشمل السلام في أثناء الصلاة مدفوع بأن قرينة السياق تدل على أن اللام ها هنا إنما أريد بها حقيقة الجنس الذي هو القدر المشترك إلى العموم لأن ما ذكر معه في قوله عليه السلام مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم من الطهور والتكبير المحليين باللام إنما أريد بكل منهما الفرد المقارن لأول الصلاة فقط فلا يدخل فيها بفرد التكبير الذي في أثنائها فكذلك بحمل السلام على فرده المقارن لآخر الصلاة تسوية بينه وبين ما قرن معه ولأنه المتبادر للذهن ولو كان السلام في أثناء الصلاة يخرج من حرمات الصلاة ويحوج للتكبير لبطل ما مضى من الصلاة وابتدئت من أولها ولم يقل به مالك في السهو ألبتة فلما لم تعد الصلاة من أولها كان المصلي في حرمات الصلاة قال الأصل وبالجملة فما أجد مشهور مذهب مالك في أن السلام سهوا محوج للتكبير إلا مشكلا والمتجه مذهب الشافعي ا ه هذا حاصل ما اختاره ابن الشاط من كلام الأصل هنا

وأما قول الأصل إن قوله صلى الله عليه وسلم ذكاة الجنين ذكاة أمه وقد روي برفع الذكاة الثانية وبها تمسك المالكية والشافعية في قولهم باستغناء الجنين عن الذكاة وأنه يؤكل بذكاة أمه

____________________

(2/87)

هو قصد إبطال الصلاة ولم يقصد إبطالها إنما اعتقد أن صلاته كملت فأتى بنية الخروج من الصلاة وهذا ليس رفضا وعن الثاني أن السلام كونه مخرجا من الصلاة غير معقول المعنى ولا يناسب لفظ هو دعاء الخروج من الصلاة وإنما يناسب في ذلك ما ينافيها والدعاء لا ينافي الصلاة فإذا لم يكن معقول المعنى امتنع القياس لأن القياس بلا جامع لا يصح فإن قلت هو قياس الشبه لا قياس المعنى قلت قياس الشبه ضعيف وقد منع القاضي شيخ الأصوليين أنه حجة سلمنا صحته لكن الفرق أنه في أثناء الصلاة معارض فالمقتضى لا كمال الصلاة الذي يقتضي المداومة عليها وفي آخر الصلاة وهو سالم عن هذا المعارض فافترقا

وأما التمسك بالعموم فالجواب عنه أن قرينة السياق تدل على أن اللام ههنا إنما أريد بها حقيقة الجنس الذي هو القدر المشترك لا العموم لأن ما ذكر معه من الطهور المحلى باللام إنما أريد به الفرد المقارن للأول فقط فكذلك التكبير لا يدخل فيه إلا بالمقارن

هامش أنوار البروق

قلت ما قاله نقل لا كلام فيه قال فأي شيء فعل من هذه الأضداد والخلافات ولم يفعل التكبير لم يدخل في حرمات الصلاة قلت إن أراد أن قوله صلى الله عليه وسلم تحريمها التكبير يقتضي صريحا المنع من الدخول في الصلاة بغير التكبير فذلك ممنوع وإن أراد أنه يقتضي المنع مفهوما فيجري على الخلاف في المفهوم فذلك مسلم

قال وكذلك تحليلها التسليم يقتضي الحصر في التسليم إلى منتهى قوله ومعنى تحليلها إباحة جميع ما حرم الله بالصلاة قلت الكلام فيه كما تقدم

هامش إدرار الشروق

حيث إنها تقتضي حصر ذكاته في ذكاة أمه بمعنى أن ذكاة أمه تبيحه فيستغنى بها عن الذكاة التي هي في العرف الشرعي عبارة عن الذبح الخاص في حلقه فبينه وبين أمه ملابسة تصحح أن تكون ذكاة أمه هي عين ذكاته حقيقة لا مجازا بناء على قاعدة أن إضافة المصادر مخالفة لإسناد الأفعال في أنه يكفي في كونها حقيقة لغوية أدنى ملابسة كقولنا صوم رمضان وحج البيت بخلاف إسناد الأفعال فإنه يلزم لكونه حقيقة مراعاة الفاعل الحقيقي لا مطلق ملابس

وروي بنصب الذكاة الثانية وبهذه الرواية تمسك الحنفية في قولهم باحتياج الجنين للذكاة وأنه لا يؤكل بذكاة أمه بناء على أن التقدير ذكاة الجنين أن يذكى ذكاة مثل ذكاة أمه فحذف المضاف مع بقية الكلام وأقيم المضاف إليه مقامه فأعرب كإعرابه على قاعدة حذف المضاف مع أنه يمكن أن يكون التقدير على رواية النصب ذكاة الجنين داخلة في ذكاة أمه فحذف حرف الجر فانتصبت الذكاة على أنها مفعول على حد دخلت الدار بل هذا التقدير أرجح مما قدره الحنفية بوجهين أحدهما قلة الحذف

وثانيهما الجمع بين الروايتين ودفع التعارض بينهما ا ه

فقال ابن الشاط وما ذكره من أن الحديث يقتضي

____________________

(2/88)

الأول والذي في أثناء الصلاة منه لا يدخل به في حرمات الصلاة فكذلك يحمل السلام على المقارن لآخر الصلاة تسوية بينه وبين ما قرن معه ولأنه المتبادر للذهن ولو كان السلام في أثناء الصلاة يحوج للتكبير ويخرج من حرمات الصلاة لبطل ما مضى من الصلاة وابتدئت من أولها ولم يقل به مالك في السهو ألبتة فلما لم تعد الصلاة من أولها دل على أن المصلي في حرمات الصلاة وبالجملة فما أجد مشهور مذهب مالك في أن السلام سهوا محوج للتكبير إلا مشكلا والمتجه مذهب الشافعي

المسألة الثانية قوله عليه السلام ذكاة الجنين ذكاة أمه يقتضي حصر ذكاة الجنين في ذكاة أمه فلا يحوج إلى ذكاة أخرى ومعنى الكلام أن ذكاة الجنين تغني عنها ذكاة أمه فإن قلت فذكاة الجنين هي الذبح الخاص في حلقه هذا هو الحقيقة اللغوية فجعل هذه الذكاة عين ذكاة أمه إنما يصدق حينئذ على سبيل المجاز كقولنا أبو يوسف أبو حنيفة والأصل عدم المجاز وهو خلاف

هامش أنوار البروق

قال فإن قلت فهو يخرج من الصلاة والضد الذي هو النوم والجنون والإغماء إلى آخر الكلام في المسألة قلت ما قاله في ذلك صحيح وجواباته صحيحة واستشكاله لما استشكل من مشهور المذهب صحيح والله أعلم قال

المسألة الثانية قوله صلى الله عليه وسلم ذكاة الجنين ذكاة أمه يقتضي حصر ذكاة الجنين في ذكاة أمه فلا يحوج إلى ذكاة أخرى ومعنى الكلام أن ذكاة الجنين تغني عنها ذكاة أمه فإن قلت ذكاة الجنين هو الذبح الخاص في حلقه هذا هو الحقيقة اللغوية قلت ليس الذكاة حقيقة لغوية بل حقيقة عرفية شرعية

هامش إدرار الشروق

الحصر واستغنى الجنين عن الذكاة بذكاة أمه غير مسلم وما قاله من ترجيح التقدير على مذهب المالكية والشافعية بقلة الحذف وإن سلم إلا أنه يضعف بأنه ليس في مساق الكلام دليل على دخول ذكاة الجنين في ذكاة أمه كما أن التقدير على قول الحنفية وإن ضعف بكثرة الحذف إلا أنه يرجح بأنه من مقتضى مساق الكلام وما قاله من ترجيح التقدير على ما للمالكية والشافعية بالجمع لا يتم إلا إذا تعذر الجمع على ما للحنفية مع أن الجمع متجه على المذهبين معا والشأن إنما هو في ترجيح أحد الجمعين على الآخر وفي ذلك نظر وبسطه يطول ا ه

وأما قول الأصل أن قوله صلى الله عليه وسلم الشفعة فيما لم يقسم يقتضي حصر الشفعة في الذي هو قابل للقسمة ولم يقسم بعد والتقدير الشفعة مستحقة فيما لم يقسم وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم الأعمال بالنيات يقتضي حصر الأعمال المعتبرة في النيات والتقدير الأعمال معتبرة بالنيات فكما أن العمل لا يعتبر شرعا بغير نية كذلك طلب الشفعة لا يعتبر شرعا فيما لا يقبل القسمة ا ه

فقال ابن الشاط هو دعوى مبنية على المذهب ومثله في كونه دعوى لم يأت عليها بحجة قوله إن الحج قوله تعالى أشهر معلومات بتقدير زمان الحج أشهر معلومات يقتضي حصر وقت الحج في هذه الأشهر وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة وفي كونه باعتبار الأجزاء فلا يحرم بالحج قبله وهو مذهب الشافعي أو باعتبار

____________________

(2/89)

الظاهر فكيف يقال إن هذا اللفظ بوضعه يقتضي أن عين ذكاة الجنين هي عين ذكاة أمه قلت سؤال حسن والجواب عنه يحتاج إلى جودة ذهن وفكر في فهمه بسبب النظر في قاعدة وهي أن إضافة المصادر مخالفة لإسناد الأفعال فالإضافة تكفي فيها أدنى ملابسة ويكون ذلك حقيقة لغوية كقولنا صوم رمضان وحج البيت فنضيف الصوم لرمضان والحج للبيت فتكون إضافة حقيقة ولو أسندنا الفعل فقلنا صام رمضان بأن يجعل الشهر هو الفاعل أو البيت يحج لم يصدق ذلك حقيقة وينفر منه سمع السامع فكذلك ينبغي هاهنا أن يفرق بين ذكيت الجنين وبين ذكاة الجنين فذكيت الجنين لا يصدق إلا إذا قطع منه موضع الذكاة وذكاة الجنين تصدق بأيسر ملابسة وأحد طرق الملابسة أن ذكاة أمه تبيحه فمن هذا الوجه صار بينه وبين ذكاة أمه ملابسة تصدق أنها ذكاته فيكون على التقدير ذكاة أمه هي عين ذكاته حقيقة لا مجازا وهذا هو مقتضى قول النحاة عن العرب فإنهم قالوا يكفي في الإضافة أدنى ملابسة كقول أحد حاملي الخشبة للآخر شل طرفك فجعل طرف الخشبة طرفا له بسبب الملابسة وأنشدوا إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة

هامش أنوار البروق

قال فجعل هذه الذكاة عين ذكاة أمه إنما يصدق حينئذ على سبيل المجاز كقولنا أبو يوسف أبو حنيفة والأصل عدم المجاز وهو خلاف الظاهر فكيف يقال إن هذا اللفظ يقتضي بوضعه أن عين ذكاة الجنين هو عين ذكاة أمة قلت لم يقل أحد أن عين ذكاة الجنين هي عين ذكاة أمه ولا يصح أن يقال ذلك وإنما يقال هذا القول على سبيل المجاز لا غير لامتناع أن يكون المتحد متعددا

قال قلت سؤال حسن والجواب عنه يحتاج إلى جودة ذهن وفكر في فهمه بسبب النظر في قاعدة وهي أن إضافة المصادر مخالفة لإسناد الأفعال فالإضافة تكفي فيها أدنى ملابسة ويكون ذلك حقيقة لغوية كقولنا صوم رمضان وحج البيت إلى منتهى قوله واستغنى الجنين عن الذكاة بسبب ذكاة أمه

هامش إدرار الشروق

الفضيلة فيصح الإحرام قبله إذا وقع وهو مذهب مالك قولان

وكذا قوله إن مثل قولنا السفر يوم الجمعة يفهم منه الحصر للسفر في هذا الظرف وأنه لا يقع في يوم الخميس ولا في غيره من الأيام ومثله أيضا في كونه دعوى قول الغزالي إذا قلت صديقي زيد أو زيد صديقي اقتضى الأول حصر أصدقائك في زيد فلا تصادق أنت غيره وهو يجوز أن يصادق غيرك والثاني حصر زيد في صداقتك فلا يجوز أن يصادق غيرك وأنت يجوز أن تصادق غيره على عكس الأول ومثله في كونه دعوى أيضا قول الفخر الرازي في كتابه الإعجاز الألف واللام قد ترد لحصر الثاني في الأول على خلاف قاعدة الحصر من كون الأول أبدا منحصرا في الثاني كقولك زيد القائم تريد لا قائم إلا زيد بحصر وصف القيام في زيد وقولك أبو بكر الصديق الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم تريد أن الخلافة بعده عليه السلام منحصرة في أبي بكر ومن هذا القبيل زيد الناقل لهذا الخبر والمتسبب في هذه القضية ا ه كلام ابن الشاط

قلت ولا يخفاك أن في اختياره حصر المبتدأ في خبره المعرف باللام وأن قول الإمام الفخر بعكسه في نحو زيد القائم أو الناقل لهذا الخبر أو المتسبب في هذه القضية دعوى لا حجة لها وإن المسند النكرة لا يقتضي لغة الحصر ألبتة ولو عرف المسند إليه باللام وإنما يقتضي عقلا حصر المبتدأ فيه دون نقيضه

____________________

(2/90)

فأضاف الكوكب إليها لأنها كانت تقوم لشغلها عند طلوعه وإذا استقريت ذلك وجدته كثيرا على وجه الحقيقة فصح ما ذكرنا من إضافة الذكاة للجنين وأن الحديث يقتضي الحصر واستغنى الجنين عن الذكاة بسبب ذكاة أمه

واعلم أن هذا الحديث يروى بالرفع في الذكاة الثانية وبالنصب فتمسك المالكية والشافعية براوية الرفع على استغناء الجنين عن الذكاة وتمسك الحنفية برواية النصب على احتياجه للذكاة وأنه لا يؤكل بذكاة أمه والتقدير عندهم ذكاة الجنين أن يذكى ذكاة مثل ذكاة أمه فحذف المضاف مع بقية الكلام وأقيم المضاف إليه مقامه فأعرب كإعرابه وهو القاعدة في حذف المضاف

والجواب عما تمسك به الحنفية من هذه الرواية أن هاهنا تقديرا آخر وهو أن يكون التقدير ذكاة الجنين داخلة في ذكاة أمه فحذف حرف الجر فانتصبت الذكاة على أنها مفعول كقولك دخلت الدار ويكون المحذوف أقل مما قدره الحنفية ويكون في هذا التقدير جمع بين الروايتين فيكون أولى من التعارض والتنافي بينهما فيرجح بقلة المحذوف والجمع لا يبقى لهم فيه مستند على الروايتين ويكون حجة عليهم

هامش أنوار البروق

قلت ما قاله من أن الإضافة تصح بأدنى ملابسة وهي حقيقة لغوية صحيح وما قاله من الفرق بين الإضافة والإسناد كذلك لأن الإسناد يلزم فيه مراعاة الفاعل وهل هو مما وقع في إسناد ذلك الفعل إليه فيكون ذلك حقيقة فيه أو لا فيكون مجازا وما ذكره من أن الحديث يقتضي الحصر واستغنى الجنين عن الذكاة بذكاة أمه غير مسلم

قال واعلم أن هذا الحديث يروى بالرفع في الذكاة الثانية وبالنصب فتمسك المالكية والشافعية براوية الرفع على استغناء الجنين عن الذكاة وتمسك الحنفية برواية النصب على احتياجه للذكاة إلى آخر المسألة قلت ما قاله ومن أن قول المالكية والشافعية يرجح بقلة الحذف مسلم إلا أنه يرجح أيضا قول

هامش إدرار الشروق

مخالفة لما قاله علماء المعاني في مبحث القصر مما حاصله كما في الدسوقي على مختصر السعد وابن يعقوب على التلخيص أن التعريف فاللام الجنس إن كان المسند إليه فهو المقصور على المسند سواء كان المسند معرفة نحو الأمير زيد أو نكرة نحو التوكل على الله أي لا على غيره وإن كان للمسند فهو المقصور على المسند إليه وهل ولو عرف المسند إليه فاللام الجنس أيضا نحو الكرم التقوى وبه صرح السعد في المطول أو إن عرف المسند إليه بها أيضا احتمل قصره على المسند أو قصر المسند عليه إلا أن الأظهر حينئذ قصر المسند إليه على المسند لأن القصر مبني على قصد الاستغراق وشمول جميع الأفراد وذلك أنسب بالمسند إليه لأن القصد فيه إلى الذات وفي المسند إلى الصفة وإلى هذا ذهب السيد أو إن عرف المسند إليه بها أيضا فالأعم مطلقا منهما سواء قدم وجعل مبتدأ أو أخر وجعل خبرا يقصر على الأخص نحو العلماء الناس أو الناس العلماء وإن كان بينهما عموم وخصوص وجهي فبحسب القرائن ففي نحو العلماء الخاشعون تارة يقصد قصر العلماء على الخاشعين وتارة يقصد عكسه فإن لم تكن قرينة فالأظهر قصر المسند إليه على المسند ومعنى تصور العموم في القصر جواز أن يكون أحدهما أعم مفهوما وإن تساويا ما صدقا وإلى هذا ذهب عبد الحكيم أقول والجنس في الخبر قد يبقى على إطلاقه وقد يقيد بوصف أو حال أو ظرف أو

____________________

(2/91)

المسألة الثالثة قوله صلى الله عليه وسلم الشفعة فيما لم يقسم يقتضي حصر الشفعة الذي هو قابل للقسمة ولم يقسم بعد والخبر هاهنا ليس معرفة بل مجرورا وتقدير الخبر الشفعة مستحقة فيما لم يقسم وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم الأعمال بالنيات يقتضي حصر الأعمال المعتبرة في النيات وتقدير الكلام الأعمال معتبرة بالنيات فالعمل بغير نية لا يعتبر شرعا كما أن طلب الشفعة فيما لا يقبل القسمة لا يعتبر شرعا

المسألة الرابعة قوله تعالى الحج أشهر معلومات تقديره زمان الحج أشهر معلومات فيكون وقت الحج محصورا في هذه الأشهر وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة وهو الميقات الزماني وهل هذا الحصر باعتبار الأجزاء وهو مذهب الشافعي فلا يحرم بالحج قبله أو باعتبار الفضيلة وهو مذهب مالك فيكره الإحرام قبله فإن وقع صح قولان

المسألة الخامسة قال الغزالي إذا قلت صديقي زيد أو زيد صديقي اختلف الحكم في

هامش أنوار البروق

الحنفية بأن تقديرهم من مقتضى مساق الكلام وتقدير غيرهم ليس كذلك بل من مقتضى رأيه ومذهبه فإنه ليس في مساق الكلام دليل على دخول ذكاة الجنين في ذكاة أمه وما قاله ومن أن قول المالكية والشافعية يرجح بالجمع ممنوع فإنه مبني على تعذر الجمع على الحنفية وليس الأمر كذلك بل الجمع متجه على المذهبين معا والشأن إنما هو في ترجيح أحد الجمعين على الآخر وفي ذلك نظر وبسطه يطول قال المسألة الثالثة قوله عليه السلام الشفعة فيما لم يقسم يقتضي حصر الشفعة في الذي هو قابل للقسمة ولم يقسم بعد إلى آخر المسألة قلت ما قاله دعوى مبنية على المذهب

هامش إدرار الشروق

نحو ذلك نحو هو الرجل الكريم وهو السائر راكبا وهو الأمير في البلد وهو الواهب ألف قنطار وكون التعريف فاللام الجنس لإفادة الحصر وإن علم بالاستقراء وتصفح تراكيب البلغاء إلا أنه غير مطرد ألا ترى أن تعريف الخبر فاللام الجنس في قول الخنساء في مرثية أخيها صخر إذا قبح البكاء على قتيل رأيت بكاءك الحسن الجميلا لم يكن لإفادة الحصر وأن معناه أن بكاءك هو الحسن الجميل فقط دون بكاء غيره فإنه ليس بحسن كما توهم بل إنما هو لإفادة الإشارة إلى معلومية الحسن لذلك ادعاء وذلك لأن الحصر لا يلائمه إذا قبح البكاء على قتيل لإشعاره بأن الكلام للرد على من يتوهم أن البكاء على هذا المرثي قبيح كغيره والرد على ذلك المتوهم يحصل بمجرد إخراج بكائه من القبح إلى كونه حسنا ويتصور في تعريف كل من المسند إليه والمسند كل من قصر الأفراد وقصر القلب ولا يتصور في تعريف كل منهما فاللام العهد الخارجي قصر الأفراد لأنه إنما يتصور فيما فيه عموم كالجنس فيحصر في بعض الأفراد ولا عموم في المفهوم الخارجي وإنما يتصور فيه قصر القلب فيقال لمن اعتقد أن ذلك المنطلق المعهود هو عمرو المنطلق زيد أي لا عمرو كما تعتقد وهو ظاهر ا ه

وقد نظمت هذا الحاصل مذيلا لبيتي الشيخ علي الأجهوري بقولي

____________________

(2/92)

زيد فالأول يقتضي حصر أصدقائك في زيد فلا تصادق أنت غيره وهو يجوز أن يصادق غيرك والثاني يقتضي حصره في صداقتك فلا يجوز أن يصادق غيرك وأنت يجوز أن تصادق غيره على عكس الأول

المسألة السادسة قال الإمام فخر الدين في كتاب الإعجاز له الألف واللام قد ترد لحصر الثاني في الأول كقولك زيد القائم أي لا قائم إلا زيد فيحصر وصف القيام وكذلك إذا قلت أبو بكر الصديق الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الخلافة بعده عليه السلام منحصرة في أبي بكر ومنه زيد الناقل لهذا الخبر والمتسبب في هذه القضية فالثاني أبدا منحصر في الأول بخلاف قاعدة الحصر أبدا الأول منحصر في الثاني

المسألة السابعة إذا قلت السفر يوم الجمعة فهم منه الحصر في هذا الظرف وأنه لا يقع في يوم الخميس ولا في غيره من الأيام وكذلك هذا النوع من الخبر فقد اتضح لك الحصر للمبتدأ في خبره مع التعريف والظرف والمجرور بخلاف قولنا زيد قائم وعمرو خارج

هامش أنوار البروق

قال المسألة الرابعة قوله تعالى الحج أشهر معلومات إلى آخرها قلت وما قاله في هذه المسألة دعوى أيضا

قال المسألة الخامسة قال الغزالي إذا قلت صديقي زيد وزيد صديقي إلى آخرها قلت قول الغزالي دعوى أيضا

قال المسألة السادسة قال الإمام فخر الدين في كتاب الإعجاز له الألف واللام قد ترد الحصر الثاني في الأول كقولك زيد القائم إلى آخرها قلت وقول الفخر دعوى أيضا

قال المسألة السابعة إذا قلت السفر يوم الجمعة فهم منه الحصر في هذا الظرف إلى آخرها قلت ما قاله له هنا أيضا دعوى لم يأت عليها بحجة

هامش إدرار الشروق

مبتدأ فاللام جنس عرفا منحصر في مخبر به وفا وإن خلا عنها وعرف الخبر باللام مطلقا فبالعكس استقر كذا إذا ما عرف الجزءان باللام عند السعد ذي الإتقان والسيد بأن ذا يحتمل أيضا لحصر المبتدأ بل أكمل والثالث الأعم منهما بنص حينئذ يحصر دوما ما في الأخص وإن أتى عمومه وجهيا حيل على قرائن مليا وحيث لا قرائن فالأظهر مبتدأ في خبر ينحصر وكل أقسام الحصر قد أتت فيما فاللام الجنس حصره ثبت وقد أتى معرف باللام لغير حصر فافهم كلامي وما فاللام العهد خارجا فلا حصر لإفراد به تحصلا وقد مر عن السعد في حاشيته على عضد ابن الحاجب أن الحق عدم التفرقة بين الخبر والإنشاء كما

____________________

(2/93)

الفرق الرابع والستون بين قاعدة التشبيه في الدعاء وبين قاعدة التشبيه في الخبر والفرق بينهما أن التشبيه في الخبر يصح في الماضي والحال والمستقبل فتشبه ما

هامش أنوار البروق

قال الفرق الرابع والستون بين قاعدة التشبيه في الدعاء وبين قاعدة التشبيه في الخبر إلى قوله إنما يقع في أمرين مستقبلين معدومين لم يوجدا بعد

هامش إدرار الشروق

في قولنا الفقهاء الحنفية أئمة فضلاء ومطل الغني ظلم عند قصد الإخبار إلى غير ذلك من المواضع التي يثبت فيها مفهوم المخالفة ونفيه في بعض المواضع بمعونة القرائن كما في قولنا في الشام الغنم السائمة لا ينافي ذلك

ا ه

قال العلامة الشربيني في تقريراته على حواشي محلي جمع الجوامع ولعله مبني على أن الخلاف بين كون مدلول الخبر الإيقاع والانتزاع أو الوقوع واللا وقوع لفظي بناء على ما قاله عبد الحكيم في حاشية المطول من أن القائل بأن مدلوله الإيقاع أراد من حيث تعلقه بالوقوع والقائل بأن مدلوله الوقوع أراد من حيث إنه متعلق الإيقاع وليس مبنيا على أن الموضوع له الصورة الذهنية أو الخارجية بل ولو بنينا على أنه موضوع للصورة الذهنية أعني الحكم بالنسبة قلنا أن نقول هو وإن كان كذلك إلا أن المقصود بالإفادة هو المتعلق الذي هو النسبة بمعنى الوقوع أو اللا وقوع إذ هو الذي يقصده المتكلم ولهذا جزم السعد في حاشية العضد بأن هذا هو الموضوع له هذا وغير خاف عليك أن طريق حجة المفهوم سواء في الإنشاء والخبر هو أنه المفهوم لغة ا ه

وما مر عن الإمام الفخر جار على هذا الذي قاله علماء المعاني فكيف يكون دعوى لا حجة لها وإنما الصحيح أن يقال إن الأصل في الخبر مطلقا سواء غير المعرف باللام أو المعروف بها إذا كان المبتدأ معرفا بها أن يكون المبتدأ محصورا فيه بمعنى اتصافه به دون نقيضه وضده وخلافه على قاعدة حصر الأول في الثاني والأصل في الخبر المعرف فاللام الجنس إذا لم يعرف مبتدؤه باللام أن يكون محصورا في المبتدأ على خلاف قاعدة الحصر للأول في الثاني وقد يجيء على خلاف هذا الأصل فيجري على قاعدة الحصر للأول في الثاني كما في حديث مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم كما أنه قد يأتي لغير الحصر كما في وجدت بكاءك الحسن الجميلا وإذا كان هذا كذلك فالفرق بين الخبر المعرف فاللام الجنس وغيره إذا لم يعرف مبتدؤه من ثلاثة وجوه الوجه الأول أن الأصل فيه حصر الثاني في الأول وقد يجيء على خلاف هذا الأصل إما بحصر الأول في الثاني وإما بدون الحصر وغيره إنما يكون لحصر الأول في الثاني

والوجه الثاني أن حصره لغوي لا عقلي فقط وحصر غيره عقلي فقط

والوجه الثالث أن حصره الحقيقي يقتضي نفي النقيض والضد والخلاف جميعا وحصر غيره إنما يقتضي حصر النقيض فقط

هذا ما ظهر لي في تحقيق هذا المقام فتأمله بإنصاف فإنه نفيس جدا والله تعالى أعلم

الفرق الرابع والستون بين قاعدة التشبيه في الدعاء وبين قاعدة التشبيه في الخبر بناء على ما زعمه الأصل من أن التشبيه في الدعاء ونحوه من الأمر والنهي والوعد والوعيد والترجي

____________________

(2/94)

وقع لك أمس بما وقع أمس لشخص آخر وتشبه ما وقع لك اليوم بما وقع لغيرك اليوم وتشبه ما يقع لك غدا بما يقع لغيرك غدا وكل ذلك حقيقة ولا يقع التشبيه في الدعاء إلا في المستقبل خاصة بسبب أن عشرة ألفاظ في كلام العرب لا تتعلق إلا بمستقبل وهي الأمر والنهي والدعاء والشرط والجزاء والوعد والوعيد والترجي والتمني والإباحة فلا يؤمر إلا بمعدوم مستقبل ولا ينهى إلا عن معدوم مستقبل ولا يدعى إلا بمعدوم مستقبل وكذلك البواقي وإذا كانت هذه الألفاظ لا تتناول إلا المعدوم المستقبل فمتى وقع التشبيه في باب من هذه الأبواب بين لفظين دعاء أو أمر أو نهي أو واحد مما ذكر معها إنما يقع في أمرين مستقبلين معدومين لم يوجدا بعد

وباعتبار الفرق بين هاتين القاعدتين ظهرت فائدة عظيمة ذلك أن الشيخ عز الدين بن عبد السلام كان يورد سؤالا في

هامش أنوار البروق

قلت ما قاله وأطلق قوله فيه من أن التشبيه لا يقع في الدعاء إلا بالمستقبل ليس بصحيح وما المانع من ذلك أما ما ذكره من أن عشرة ألفاظ لا يتعلق إلا بالمستقبل صحيح إلا في الشرط خاصة وقد سبق التنبيه على ذلك وما قاله من أن السبب في التشبيه في الدعاء لا يكون إلا بالمستقبل كون هذه الألفاظ لا تتعلق إلا بالمستقبل ليس كذلك فإن كون هذه الألفاظ لا تتعلق إلا بالمستقبل لا يمنع من تشبيه ما يتعلق به بغير المستقبل اللهم إلا أن يريد تشبيه دعاء بدعاء وأمر بأمر وما أشبه ذلك فما قاله صحيح

قال وباعتبار الفرق بين هاتين القاعدتين ظهرت فائدة عظيمة وذكر ما كان يورده عز الدين على قوله صلى الله عليه وسلم اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد إلى قوله فاندفع الإشكال قلت قد سبقت هذه المسألة ووقع التنبيه عليها

قال فجعل التشبيه في الدعاء كالتشبيه في الخبر وليس الأمر كذلك بل إنما وقع التشبيه بين

هامش إدرار الشروق

والتمني والإباحة لا يقع إلا في المستقبل خاصة بسبب أن هذه الألفاظ الثمانية لا تتعلق في كلام العرب إلا بمستقبل كما مر في الفرق الرابع بخلاف الخبر فإنه من حيث إنه يتعلق في كلام العرب بالماضي والحال والمستقبل يصح التشبيه فيه في الماضي والحال والمستقبل بأن تشبه ما وقع لك أمس بما وقع أمس لشخص آخر وتشبه ما وقع لك اليوم بما وقع لغيرك اليوم وتشبه ما يقع لك غدا بما يقع لغيرك غدا وكل ذلك حقيقة لكن تعقبه ابن الشاط بأن كون هذه الألفاظ الثمانية من الدعاء والأمر والنهي إلخ لا تتعلق في كلام العرب إلا بالمستقبل لا يمنع من تشبيه ما يتعلق به واحد منها بغير المستقبل ألا ترى أن قول القائل أعط زيدا كما أعطيت عمرا كما يحتمل أن يكون مراده سو بينهما في مطلق العطية من غير تعرض لقصد التسوية لا في مقدار العطية ولا في صفتها أو مراده سو بينهما في مقدار العطية وصفتها من غير محاسبة زيد بما أعطيته قبل هذا كذلك يحتمل أن يكون مراده سو بينهما في مقدار العطية وصفتها مع محاسبة زيد بما أعطيته قبل هذا فيكون قد شبه ما أعطى لزيد أمس أو في الحال بما أعطى لعمرو أمس أو في الحال اللهم إلا أن يريد تشبيه دعاء بدعاء وأمر بأمر وما أشبه ذلك ا ه

وقد مر عن ابن الشاط في

____________________

(2/95)

قوله عليه السلام قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد فيقول كيف وقع التشبيه بين الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة على إبراهيم عليه السلام مع أن الصلاة من الله تعالى هي إعطاؤه وإحسانه وعطية النبي صلى الله عليه وسلم كانت أعظم من عطية الله لإبراهيم عليه السلام والتشبيه يقتضي أن يكون المشبه أدنى رتبة من المشبه به أو مساويا فكيف وقع هذا التشبيه وكان يجيب عن هذا السؤال بأن آل إبراهيم عليه السلام أنبياء وآل النبي عليه السلام ليسوا أنبياء والتشبيه إنما وقع بين المجموع الحاصل للنبي عليه السلام وآله والمجموع الحاصل لإبراهيم عليه السلام وآله فيحصل لآل إبراهيم عليه السلام من تلك العطية أكثر مما يحصل لآل النبي عليه السلام من هذه العطية فيكون الفاضل للنبي عليه السلام بعد أخذ آله من هذه العطية أكثر من الفاضل لإبراهيم عليه السلام من تلك العطية وإذا كانت عطية النبي عليه السلام أعظم كان أفضل فاندفع السؤال فجعل التشبيه في

هامش أنوار البروق

عطية تحصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن حصلت له قبل الدعاء فإن الدعاء إنما يتعلق بالمعدوم المستقبل إلى قوله فإن التشبيه وقع في دعاء لا في خبر قلت ما قاله هنا صحيح لكنه مبني على أن المراد بالدعاء أن يكون المطلوب به عطاء مساويا لعطاء المشبه به زائدا على ما ثبت للمدعو له من العطاء قبل الدعاء وعلى ذلك لا يرد السؤال من أصله كما قال قال نعم لو قيل إن العطية التي حصلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم مثل العطية التي حصلت لإبراهيم عليه السلام لزم الإشكال لكون التشبيه وقع في الخبر إلى آخر كلامه في هذا الفرق

قلت قوله لكون التشبيه وقع في الخبر ليس بلازم فإنه يحتمل أن يكون مراد الداعي أن يكون المطلوب بالدعاء تسوية المدعو له ومع الشبه بعطائه فإن كان المدعو له قد أعطي قبل الدعاء عطاء فيكون المطلوب بالدعاء زيادة تقتضي التسوية وعلى هذا الاحتمال يتجه ورود السؤال ويتضح ذلك بمثال وهو أن القائل إذا قال أعط زيدا كما أعطيت عمرا يحتمل أن يريد سو بينهما في مطلق العطاء من غير تعرض لقصد التسوية في مقدار العطية ولا صفتها ويحتمل أن يريد سو بينهما في مقدار

هامش إدرار الشروق

الفرق الرابع أن هذه الاحتمالات الثلاث كذلك تأتي في حديث أنه صلى الله عليه وسلم لما قيل له كيف نصلي عليك قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد وأن ما أورده العز بن عبد السلام عليه من أن قاعدة العرب تقتضي أن المشبه بالشيء يكون أخفض رتبة منه وأعظم أحواله أن يكون مثله وها هنا صلاة الله سبحانه وتعالى معناها الإحسان مجاز أو نحن نعلم أن إحسان الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من إحسانه لإبراهيم عليه السلام على خلاف ما يقتضيه التشبيه فما وجه التشبيه إنما يصح وروده على الاحتمال الثالث لا على الاحتمالين الأولين فليس بلازم أن يقال إن الإشكال المذكور إنما يتوجه على التشبيه لو وقع في الخبر بأن قيل إن العطية التي حصلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم مثل العطية التي حصلت لإبراهيم عليه السلام فافهم والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(2/96)

الدعاء كالتشبيه في الخبر وليس الأمر كذلك بل إنما وقع التشبيه بين عطية تحصل للنبي عليه السلام لم تكن حصلت له قبل الدعاء فإن الدعاء إنما يتعلق بالمعدوم المستقبل وحينئذ يكون الذي حصل للنبي عليه السلام قبل الدعاء لم يدخل في التشبيه وهو الذي فضل به إبراهيم عليه السلام فهما صلوات الله عليهما كرجلين أعطي لأحدهما ألف وللآخر ألفان ثم طلب لصاحب الألفين مثل ما أعطي لصاحب الألف فيحصل له ثلاثة آلاف والآخر ألف فقط فلا يرد السؤال من أصله لأن التشبيه وقع في دعاء لا في خبر نعم لو قيل إن العطية التي حصلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم مثل العطية التي حصلت لإبراهيم عليه السلام لزم الإشكال لكون التشبيه وقع في الخبر لكن التشبيه ما وقع إلا في الدعاء فتأمل الفرق بين ذلك واضبط القاعدة والفرق يندفع لك بهما أسئلة كثيرة وإشكالات عظيمة الفرق الخامس والستون بين قاعدة ما يثاب عليه من الواجبات وبين قاعدة ما لا يثاب عليه منها وإن وقع ذلك واجبا اعلم أن المأمورات قسمان ما صورة فعله كافية في تحصيل مصلحته كأداء الديون ورد

هامش أنوار البروق

العطية وصفتها ومن غير محاسبة زيد بما أعطيته قبل هذا ويحتمل أن يريد سو بينهما في مقدار العطية وصفتها مع محاسبة زيد بما أعطيته قبل هذا وسؤال عز الدين لا يصح وروده على الاحتمالين الأولين ويصح وروده على الاحتمال الثالث والله أعلم

قال الفرق الخامس والستون بين قاعدة ما يثاب عليه من الواجبات وبين قاعدة ما لا يثاب عليه منها وإن وقع واجبا اعلم أن المأمورات قسمان ما صورة فعله كافية في تحصيل مصلحته كأداء الديون ورد المغصوب ودفع الودائع ونفقات الزوجات والأقارب والدواب وغير ذلك إلى منتهى قوله وكذلك النظر الأول المفضي إلى العلم بثبوت الصانع لا يثاب عليه لأنه لا يقصد به التقرب قلت ما قاله في أداء الديون وشبهه ومن أنه لا ثواب فيه حتى ينوي به امتثال أمر الله تعالى إن أراد أنه لا بد من استحضار نية الامتثال ولا يكتفي بنية أداء الديون ففي ذلك نظر فإن الذي يؤدي دينه لا

هامش إدرار الشروق

الفرق الخامس والستون بين قاعدة ما يثاب عليه من الواجبات وبين قاعدة ما لا يثاب عليه منها وإن وقع ذلك واجبا اعلم أن الفرق بين هاتين القاعدتين مبني على ما للأصل من أن القبول غير الإجزاء وغير الفعل الصحيح وأن بعض الواجبات يثاب عليها ويكون مقبولا دون بعض لأن الله تعالى قد يبرئ الذمة بالفعل ولا يثيب عليه وإن كان مستكملا لشروطه بناء على أن شرط تحقيق القبول والثواب أمران

____________________

(2/97)

الغصوب ودفع الودائع ونفقات الزوجات والأقارب والدواب ونحو ذلك صورة هذا الفعل تحصل مقصودة وإن لم يحصل به التقرب فإذا فعل ذلك من غير قصد ولا نية وقع ذلك واجبا مجزئا ولا يلزم فيه الإعادة ولا ثواب فيه حتى ينوي به امتثال أمر الله تعالى فإن فعله غير قاصد امتثال أمر الله تعالى ولا عالم به لم يحصل له ثواب وإن سد الفعل مسده ووقع واجبا ومن هذا الباب النية لا يقصد بها التقرب وتقع واجبة ولا تفتقر إلى نية أخرى وكذلك النظر الأول أفضى إلى العلم بإثبات الصانع لا يثاب عليه لأنه لا يقصد به التقرب والقسم الآخر لا يقع واجبا إلا مع النية والقصد كالصلاة والصيام والحج والطهارات وجميع أنواع العبادات التي يشترط فيها النيات فهذا القسم إذا وقع بغير نية لا يعتد به ولا يقع واجبا ولا يثاب عليه وإذا وقع منويا على الوجه المشروع كان قابلا للثواب وهو سبب شرعي له من حيث الجملة غير أن هاهنا قاعدة وهي أن القبول غير الإجزاء وغير الفعل الصحيح فالمجزئ من

هامش أنوار البروق

يخلو أن ينوي بأدائه امتثال أمر الله تعالى بذلك أو لا فإن نوى ذلك فلا نزاع في الثواب وإن لم ينو امتثال أمر الله تعالى فلا يخلو من أن ينوي سببا للأداء غير الامتثال كتخوفه أن لا يداينه أحد إذا عرف بالامتناع من الأداء وما أشبه ذلك أو لا فإن نوى بالأداء شيئا غير الامتثال فلا نزاع أيضا في عدم الثواب

وإن عرى عن نية الامتثال ونية سبب غيره ولم ينو إلا مجرد أداء دينه فلقائل أن يقول لا يحرم صاحب هذه الحالة الثواب استدلالا بسعة بابه والله أعلم وما قاله من أن النية والنظر الأول لا ينوي بهما التقرب صحيح في النظر الأول لعدم العلم بالمتقرب إليه وغيره صحيح في النية فإن نية الظهر مثلا يمكن فيه التقرب بها لأن الشارع جعلها شرطا في صحة الصلاة والشرط كالركن فكما ينوي

هامش إدرار الشروق

أحدهما قصد الامتثال بالعمل وثانيهما التقوى العرفية وذلك أن المأمورات قسمان الأول ما صورة فعله كافية في تحصيل مصلحته كأداء الديون ورد الغصوب ودفع الودائع ونفقات الزوجات والأقارب والدواب ونحو ذلك فيسد فعله مسده ويقع واجبا مجزئا لا يلزم فيه الإعادة وإن لم يكن قصد به امتثال أمر الله تعالى ولا عالما به إلا أنه لا يثاب عليه ولا يكون مقبولا إلا إذا نوى به امتثال أمر الله تعالى ومن هذا الباب النية لا يقصد بها التقرب وتقع واجبة ولا تفتقر إلى نية أخرى لئلا يلزم التسلسل وكذلك النظر الأول المفضي إلى العلم بإثبات الصانع لا يثاب عليه لأنه لا يقصد به التقرب لما مر في الفرق الثامن عشر والقسم الثاني ما لا تكون صورة فعله كافية في تحصيل مصلحته كالصلاة والصيام والحج والطهارات وجميع أنواع العبادات التي يشترط فيها النيات فلا يقع واجبا مجزئا بحيث لا تلزم فيه الإعادة إلا إذا وقع منويا على الوجه المشروع غير أن ها هنا قاعدة وهي أن الثواب والقبول غير لازم لصحة الفعل وإجزائه كما عليه المحققون ويدل على ذلك أمور أحدها أن ابني آدم لما قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر مع أن قربانه كان على وفق الأمر بدليل أن أخاه علل عدم القبول بعدم التقوى كما حكاه الله تعالى عنه في كتابه العزيز بقوله تعالى إنما يتقبل الله من المتقين إذ لو لم يكن على وفق الأمر بل كان مختلا

____________________

(2/98)

الأفعال هو ما اجتمعت شرائطه وأركانه وانتفت موانعه فهذا يبرئ الذمة بغير خلاف ويكون فاعله مطيعا بريء الذمة فهذا أمر لازم مجمع عليه وأما الثواب عليه فالمحققون على عدم لزومه وأن الله تعالى قد يبرئ الذمة بالفعل ولا يثيب عليه في بعض الصور وهذا هو معنى القبول ويدل على ذلك أمور أحدها قوله تعالى حكاية عن ابني آدم إنما يتقبل الله من المتقين لما قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر مع أن قربانه كان على وفق الأمر ويدل عليه أن أخاه علل عدم القبول بعدم التقوى ولو أن الفعل مختل في نفسه لقال له إنما يتقبل الله العمل الصحيح الصالح لأن هذا هو السبب القريب لعدم القبول فحيث عدل عنه دل ذلك على أن الفعل كان صحيحا مجزئا وإنما انتفى القبول لأجل انتفاء التقوى فدل ذلك على أن العمل المجزئ قد لا يقبل وإن برئت الذمة به وصح في نفسه وثانيها قوله تعالى حكاية عن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم فسؤالهما القبول في

هامش أنوار البروق

الركن ينوي الشرط ولا مانع من ذلك لا في النية ولا في غيرها وما ذكر من التسلسل لا يلزم لأنه لم يشرع فيه نية التقرب بالنية فلا تسلسل والله تعالى أعلم وما قاله من أنه لا ثواب فيهما فيه نظر لأن الدليل على اشتراط النية في الأعمال إنما هو حديث إنما الأعمال بالنيات وما في معناه ومطلقه مقيد بإمكان النيات فبقي محل امتناعها غير متناول له دليل اشتراطها فيستدل على إثبات الثواب في النية والنظر الأول بقاعدة سعة باب الثواب إذ لا معارض لذلك والله أعلم

قال شهاب الدين والقسم الآخر لا يقع واجبا إلا مع النية والقصد كالصلاة والصيام والحج إلى قوله وهو سبب شرعي له من حيث الجملة

هامش إدرار الشروق

في نفسه لقال له إنما يتقبل الله العمل الصحيح الصالح لأن هذا هو السبب القريب لعدم القبول فدل عدوله عنه على أن الفعل كان صحيحا مجزئا وإنما انتفى عنه القبول لأجل انتفاء شرطه الذي هو التقوى في عرف الشرع وأن العمل المجزئ قد لا يقبل وإن برأت الذمة به وصح في نفسه

وثانيها أن سؤال إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام القبول في فعلهما كما حكاه الله تعالى عنهما بقوله وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وهما لا يفعلان إلا فعلا صحيحا يدل على أن القبول غير لازم للفعل الصحيح بل المحل قابل له لحصول شرطه الذي هو التقوى في عرف الشرع إذ لا يلزم من حصول الشرط حصول المشروط

وثالثها أن اشتراطه صلى الله عليه وسلم في الجزاء الذي هو الثواب أن يحسن في الإسلام بقوله صلى الله عليه وسلم فيما خرجه مسلم أما من أسلم وأحسن في إسلامه فإنه يجزى بعمله في الجاهلية والإسلام يدل على أن الإحسان في الإسلام هو التقوى في عرف الشرع التي هي المبالغة في اجتناب المحرمات وفعل الواجبات لا بالمعنى اللغوي الذي هو مجرد الاتقاء للمكروه من حيث الجملة حتى يصح قول من قال المراد بالمتقين في قوله تعالى إنما يتقبل الله من المتقين المؤمنون لأنه عليه السلام صرح بالإسلام ثم

____________________

(2/99)

فعلهما مع أنهما صلوات الله عليهما وسلامه لا يفعلان إلا فعلا صحيحا يدل على أن القبول غير لازم من الفعل الصحيح ولذلك دعوا به لأنفسهما

وثالثها الحديث الصحيح خرجه مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أما من أسلم وأحسن في إسلامه فإنه يجزى بعمله في الجاهلية والإسلام فاشترط في الجزاء الذي هو الثواب أن يحسن في الإسلام والإحسان في الإسلام هو التقوى وهو يرد على من قال في قوله تعالى إنما يتقبل الله من المتقين أن المراد المؤمنون لأنه عليه السلام صرح بالإسلام ثم ذكر الإحسان فيه

ورابعها قوله عليه السلام في الأضحية لما ذبحها اللهم تقبل من محمد وآل محمد فسأل عليه السلام القبول مع أن فعله في الأضحية كان على وفق الشريعة فدل ذلك على أن القبول وراء براءة الذمة والإجزاء وإلا لما سأله عليه السلام فإن سؤال تحصيل الحاصل لا يجوز

وخامسها أنه لم يزل صلحاء الأمة وخيارها يسألون الله تعالى القبول في العمل ولو كان ذلك طلبا للصحة والإجزاء لكان هذا الدعاء إنما يحسن قبل الشروع في العمل فيسأل الله تعالى تيسير الأركان والشرائط وانتفاء الموانع أما بعد الجزم بوقوعها فلا يحسن ذلك

هامش أنوار البروق

قلت ما قاله في هذا الفصل صحيح

قال غير أن هاهنا قاعدة وهي أن القبول غير الإجزاء وغير الفعل الصحيح فالمجزئ من الأفعال هو ما اجتمعت شرائطه وأركانه وانتفت موانعه وهذا يبرئ الذمة بغير خلاف ويكون فاعله مطيعا بريء الذمة فهذا أمر لازم مجمع عليه

وأما الثواب عليه فالمحققون على عدم لزومه وأن الله تعالى قد يبرئ الذمة بالفعل ولا يثيب عليه في بعض الصور وهذا هو معنى القبول ويدل على ذلك أمور أحدهما قوله تعالى حكاية عن ابني آدم إنما يتقبل الله من المتقين إلى منتهى قوله فدل ذلك على أن العمل المجزئ قد لا يقبل وإن برئت الذمة به وصح في نفسه قلت المسألة قطعية لا يكفي فيها مثل هذا الدليل وعلى تسليم أنها ظنية لقائل أن يقول ليس المعنى الذي تأوله من الآية بظاهر لاحتمال الآية أن يريد بالتقوى الإيمان على الإطلاق والإيمان الموافي عليه

هامش إدرار الشروق

@ 100 ذكر الإحسان فيه

ورابعها أن سؤاله صلى الله عليه وسلم القبول في الأضحية لما ذبحها بقوله صلى الله عليه وسلم اللهم تقبل من محمد وآل محمد مع أن فعله صلى الله عليه وسلم في الأضحية كان على وفق الشريعة قطعا يدل على أن القبول وراء براءة الذمة والإجزاء وأنه لم يحصل وإن حصل شرطه الذي هو التقوى في عرف الشرع لأنه سيد المتقين وإلا لما سأله عليه السلام فإن سؤال تحصيل الحاصل لا يجوز

وخامسها أن صلحاء الأمة وخيارها لم يزالوا يسألون الله تعالى القبول في العمل بعد فعله وفي أثنائه ولو كان ذلك طلبا للصحة والإجزاء لكان إنما يحسن قبل الشروع في العمل فيسأل الله تعالى تيسير الأركان والشرائط وانتفاء الموانع وأما بعد الجزم بوقوعها فإنما يحسن إذا كان القبول غير الإجزاء وغير الصحة وأنه الثواب

وسادسها أن حمل الصوفية وقليل من الفقهاء قوله صلى الله عليه وسلم إن من الصلاة لما يقبل الله نصفها وثلثها وربعها وأن منها لما يلف كما يلف

____________________

(2/100)

فدلت هذه الوجوه على أن القبول غير الإجزاء وغير الصحة وأنه الثواب

وسادسها قوله عليه السلام إن من الصلاة لما يقبل نصفها وثلثها وربعها وإن منها لما يلف كما يلف الثوب الخلق فيضرب بها وجه صاحبها فحمله الصوفية وقليل من الفقهاء على عدم الإجزاء وأنه تجب الإعادة إذا غفل عن صلاته لقوله صلى الله عليه وسلم ليس للمؤمن من صلاته إلا ما

هامش أنوار البروق

وعلى تسليم ظهور تأويله لعله كان شرعا لهم اشتراط عدم العصيان في القبول ثم جميع الآيات والأحاديث المتضمنة لوعد المطيع بالثواب معارضة لذلك الظاهر إن قلنا إن شرع من قبلنا شرع لنا

قال ثانيها قوله جل جلاله حكاية عن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم فسؤالهما القبول في فعلهما مع أنهما صلوات الله عليهما وسلامه لا يفعلان إلا فعلا صحيحا يدل على أن القبول غير لازم في الفعل في الصحيح ولذلك دعوا به لأنفسهما قلت يحتمل أن يكون سؤالهما ذلك على تقدير علمهما بعاقبة أمرهما ليقتدي بهما من لا يعلم عاقبة أمره من أتباعهما وهذا الاحتمال حال لا مقالي والاحتمالات الحالية لا تفاوت فيها حتى يكون بعضها أظهر من بعض فيستدل بالظاهر منها بخلاف الحالات المقالية فإنه تكون مستوية في المحتملات وغيره مستوية في الظاهر والمؤولات

قال وثالثها الحديث الصحيح خرجه مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أما من أسلم وأحسن في إسلامه فإنه يجزى بعمله في الجاهلية والإسلام فاشترط في الجزاء الذي هو الثواب أن يحسن في إسلامه والإحسان في الإسلام هو التقوى وهو يرد على من قال في قوله تعالى إنما يتقبل الله من المتقين إن المراد المؤمنون لأنه عليه السلام صرح بالإسلام ثم ذكر الإحسان فيه قلت يحتمل أن يريد بالإحسان الموافاة على الإيمان لا اجتناب العصيان والموافاة على الإيمان هو

هامش إدرار الشروق

الثوب الخلق فيضرب بها وجه صاحبها على أن المراد عدم الإجزاء وأنه تجب الإعادة إذا غفل عن صلاته لقوله صلى الله عليه وسلم ليس للمؤمن من صلاته إلا ما عقل منها مع حكاية الغزالي الإجماع في إجزائها إذا علم عدد ركعاتها وأركانها وشرائطها وإن كان غير مشتغل بالخشوع والإقبال عليها

وقال أكثر الفقهاء إن المراد بالثلث وبالربع ونحوه الثواب والإجزاء لا الصحة ظاهر في أن القبول غير الإجزاء وأن بعض الواجبات يثاب عليها دون بعض وهو المقصود من الفرق وكون ما ذكر من المدارك والتقارير يقتضي أن المثوبات لا تحصل إلا بالتقوى في عرف الشرع وإن عارضه ظواهر نحو قوله تعالى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وقوله صلى الله عليه وسلم صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة في غيره إلا المسجد الحرام وقوله صلى الله عليه وسلم صلاة في المسجد الحرام خير من ألف ألف صلاة في غيره وصلاة في بيت المقدس بستمائة صلاة وقوله تعالى والله يضاعف لمن يشاء وقوله صلى الله عليه وسلم صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس أو سبع وعشرين درجة من حيث إن هذه الظواهر تقتضي حصول المثوبات مطلقا فإن أمثال العشر حسنات والألف صلاة والزائد عليها والستمائة صلاة والمضاعفة لمن يشاء تعالى والخمس أو السبع والعشرين درجة هي عبارة عن مثوبات تتضاعف إلا أنه يتعين رد أحد الظاهرين إلى الآخر وأن يجمع بينهما على الوجه الأسد بحمل هذه الظواهر على ما تقتضيه تلك المدارك والتقارير من اشتراط التقوى في الجميع هذا ما للأصل وحاصله أن ترتب الثواب على الأعمال المستوفية لشروطها

____________________

(2/101)

عقل منها وحكى الغزالي الإجماع في إجزائها إذا علم عدد ركعاتها وأركانها وشرائطها وإن كان غير مشتغل بالخشوع والإقبال عليها

وقال أكثر الفقهاء إن المراد بالثلث وبالربع ونحوه الثواب لا الإجزاء والصحة فظهر حينئذ أن القبول غير الإجزاء وأن بعض الواجبات يثاب عليها دون بعض وهو المقصود من الفرق إذا تقرر الفرق فالظاهر أن وصف التقوى شرط في القبول بعد الإجزاء والتقوى هاهنا ليس محمولا على

هامش أنوار البروق

شرط ثبوت الأعمال الذي لا شرط لثبوت الأعمال سواه فكل ما ورد من الآيات والأخبار ومما يقتضي اشتراط أمر زائد على صحة العمل وبراءة الذمة فهو متأول بأنه المراد هذا إن سلم ظهور آية أو حديث في غيره وذلك غير مسلم

قال ورابعهما قوله صلى الله عليه وسلم في الأضحية لما ذبحها صلى الله عليه وسلم اللهم تقبل من محمد وآل محمد فسأل عليه الصلاة والسلام القبول إلى قوله فإن سؤال تحصيل الحاصل لا يجوز قلت الاحتمال في قوله صلى الله عليه وسلم ذلك كالاحتمال في قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام

قال وخامسها أنه لم يزل صلحاء الأمة وخيارها يسألون الله تعالى القبول في العمل إلى آخره قلت يحتمل أنهم طلبوا حصول الشرط الذي هو الموافاة على الإيمان لعدم علمهم بذلك أو طلبوا المسامحة في إغفال بعض شروط الأعمال لعدم علمهم بتحصيل ذلك على الكمال

قال وسادسها قوله عليه الصلاة والسلام أن من الصلاة لما يقبل نصفها وثلثها وربعها وأن منها لما يلف كما يلف الثوب الخلق فيضرب بها وجه صاحبها إلى آخر قوله وهو المقصود من الفرق قلت قوله وقول من قال مثله أن المراد بهذا الحديث الثواب مع تقدير كمال شروط الصلاة وجميع أوصافها خلاف ظاهر الحديث بدليل قوله صلى الله عليه وسلم وأن منها لما يلف كما يلف الثوب الخلق فيضرب بها وجه صاحبها إذ لو كانت مستوفية لشروطها وأوصافها لم يكن لتشبيهها بالثوب الخلق وجه ولا ريب

هامش إدرار الشروق

وأركانها مشروط كما هو مقتضى تلك المدارك والتقارير بالتقوى العرفية التي هي المبالغة في اجتناب المحرمات وفعل الواجبات وإجزائه حيث قال الصحيح عندي خلافه وإن قال إنه رأى عليه جماعة من المحققين أو لعلهم محققون في غير هذه المسألة أما في هذه فلا وذلك لأن الدليل على القطع فتتعارض ظواهر الأدلة المتكاثرة المتظافرة بترتب الثواب على الأعمال الصحيحة بدون اشتراط التقوى العرفية ويتعين حمل هذه الظواهر على اشتراط التقوى العرفية جريا على قاعدة حمل المطلق على المقيد

لكن تعقبه ابن الشاط أولا في قوله بعدم ترتيب الثواب على صحة العمل بلزوم ترتب الثواب على الأعمال المستوفية لشروطها وأركانها هو أن ما تقتضيه تلك المدارك والتقارير من اشتراط التقوى العرفية لا يقاوم تلك الظواهر على تسليم أنها لم تبلغ القطع حتى يتعين دفع التعارض والجمع بينهما على قاعدة حمل المطلق على المقيد على أن الصحيح أن الظواهر المذكورة قد بلغت القطع فإنها قد تظافرت وتكاثرت ولم يعارضها سواها وليس ما ذكر أنه معارض بمعارض لاستواء احتمالاته أما قوله تعالى حكايته عن ابني آدم إنما يتقبل الله من المتقين فليس المعنى الذي تأوله به بظاهر لاحتمال الآية أن يكون المراد بالتقوى الإيمان على الإطلاق والإيمان الموافي عليه وعلى تسليم ظهور تأويله لعله كان شرعا لهم اشتراط عدم العصيان في القبول وكون شرع من قبلنا شرع لنا محله إذا لم يعارض وجميع

____________________

(2/102)

المعنى اللغوي وهو مجرد الاتقاء للمكروه من حيث الجملة فإن الفسقة في عرف الشرع لا يسمون أتقياء ولا من المتقين ولو اعتبرنا المعنى اللغوي لقيل لهم ذلك بل التقوى في عرف الشرع المبالغة في اجتناب المحرمات وفعل الواجبات حتى يكون ذلك الغالب على الشخص هذا هو الظاهر وإذا حصل هذا الوصف ينبغي أن يعتقد أيضا أن القبول غير

هامش أنوار البروق

أن هذا الحديث إنما هو مغزاه التحذير من التهاون بشروطها والتحريض على مراعاة أحوالها فلا دليل له ولا لغيره في هذا الحديث على ما أراد لا بظاهر ولا بنص ألبتة

قال وإذا تقرر الفرق فالظاهر أن وصف التقوى شرط في القبول بعد الإجزاء إلى منتهى قوله حتى يكون ذلك الغالب على الشخص هذا هو الظاهر قلت ما قاله من أن الظاهر في أن التقوى شرط في القبول مسلم وما قاله من أن وصف التقوى في العرف الشرعي المبالغة في اجتناب المنهيات وفعل المأمورات مسلم أيضا إلا أنه ليس المراد بالتقوى المشترطة في القبول التقوى العرفية المذكورة لمعارضة تلك الأدلة المتكاثرة المتظافرة بترتب الثواب على الأعمال الصحيحة وليس كون التقوى عرفا ما فسرها به بالمقاوم في الظهور لتلك الأدلة هذا إن لم تقل بانتهاء تلك الأدلة إلى القطع بلزوم ترتب الثواب على الأعمال المستوفية لشروطها وأركانها والقطع بذلك هو الصحيح عندي ومن تتبع الآيات والأحاديث الواردة في ذلك وتأمل مساق الكلام فيه علم صحة ما ذهب إليه والله أعلم

قال وإذا حصل هذا الوصف ينبغي أن يعتقد أيضا أن القبول غير لازم إلى منتهى قوله فتعين أن يكون الثواب يمكن حصوله وعدم حصوله قلت ما قاله من أنه لا يلزم من حصول الشرط حصول المشروط صحيح ولكن لا يلزم من ذلك عدم حصول الثواب بل يلزم حصوله لا لمجرد حصول الشرط بل للأدلة الدالة على حصوله وما استدل به من كون الرسول عليه السلام دعا بالقبول قد تقدم تأويله وما قاله من أن المدعو به لا بد

هامش إدرار الشروق

الآيات والأحاديث المتضمنة لوعد المطيع بالثواب معارضة لذلك

وأما قوله تعالى حكاية عن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم فيحتمل أن يكون سؤالهما ذلك على تقدير علمهما بعاقبة أمرهما ليقتدي بهما من لا يعلم عاقبة أمره فيتبعهما في ذلك وهذا الاحتمال حالي لا مقالي والاحتمالات الحالية لا تفاوت فيها حتى يكون بعضها أظهر من بعض فيستدل بالظاهر منها بخلاف الحالات المقالية فإنه تكون مستوية في المحتملات وغير مستوية في الظاهر والمؤولات وأما ما خرجه مسلم من قوله صلى الله عليه وسلم أما من أسلم وأحسن في إسلامه فإنه يجزى بعمله في الجاهلية والإسلام فيحتمل أن يريد بالإحسان الموافاة على الإيمان الذي لا شرط لثبوت الأعمال سواه بل لو سلم ظهور آية أو حديث في اشتراط غيره لكان كل ما ورد من الآيات والأخبار مما يقتضي اشتراط أمر زائد على صحة العمل وبراءة الذمة متأولا بأنه المراد لاجتناب المعاصي مع أن ذلك غير مسلم

وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الأضحية لما ذبحها اللهم تقبل من محمد وآل محمد فالاحتمال فيه كالاحتمال في قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأما كون صلحاء الأمة وخيارها لم يزالوا يسألون الله تعالى القبول في العمل فيحتمل أنهم طلبوا حصول الشرط الذي هو الموافاة

____________________

(2/103)

لازم بل المحل قابل له لحصول الشرط وأن القبول مشروط بالتقوى ولا يلزم من حصول الشرط حصول المشروط ويدل على أن المحل يبقى قابلا للقبول من غير لزومه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بالقبول مع أنه سيد المتقين وكذلك إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام والمدعو به لا بد وأن يكون بصدد الوقوع وعدمه إذ لو تعين وقوعه لكان ذلك طلبا لتحصيل الحاصل وهو غير جائز فتعين أن يكون الثواب يمكن حصوله وعدم

هامش أنوار البروق

أن يكون بصدد الوقوع وعدمه إن أراد باعتبار علمنا فمسلم وإن أراد مطلقا فغير مسلم لأن علم الله تعالى قد تعلق أزلا بما يكون وما لا يكون وما قاله من أنه لو تعين وقوعه لكان ذلك طلبا لتحصيل الحاصل فكلام ليس له حاصل فإن الدعاء مشروع لا شك فيه والمدعو به مستقر في علم الله تعالى حصوله أو عدم حصوله فعلى تقدير تعلق علم الله تعالى بحصوله يكون الدعاء طلبا لتحصيل الحاصل وعلى تقدير تعلق علم الله تعالى بعدم حصوله يكون الدعاء طلبا لتحصيل الممتنع وكلا الأمرين في بادي الرأي محال

وذلك ليس بصحيح بل الصحيح أنه لا يستلزم الطلب عقلا جواز المطلوب بل يجوز طلب الجائز وغير الجائز فلا فرق في العقل بين طلب تحصيل الواقع الحاصل وبين طلب تحصيل غيره فإن ثبت في ذلك فرق شرعي فذاك وإلا فلا فرق بوجه

قال وعلى هذه المدارك وهذه التقادير يكون قوله تعالى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها مشروطا بالتقوى إلى منتهى قوله صلى الله عليه وسلم صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس أو سبع وعشرين درجة قلت ما قاله من أن ذلك كله مشروط بالتقوى مسلم لكن بمعنى الموافاة على الإيمان لا بمعنى مجانبة العصيان

قال فتأمل ذلك فإن هذه الظواهر كلها تقتضي المثوبات مطلقا وما تقدم ومن التقرير يقتضي أنها لا تحصل إلا بالتقوى

هامش إدرار الشروق

على الإيمان لعدم علمهم بذلك أو طلبوا المسامحة في إغفال بعض شروط الأعمال لعدم علمهم لتحصيل ذلك على الكمال

وأما قول صلى الله عليه وسلم إن من الصلاة لما يقبل نصفها وثلثها وربعها وإن منها لما يلف كما يلف الثوب الخلق فيضرب بها وجه صاحبها فلا دليل له ولا لغيره فيه على ما أورد لا بظاهر ولا بباطن وذلك لأن ظاهره أن الصلاة لم تكن مستوفية لشروطها وأوصافها بدليل قوله صلى الله عليه وسلم وإن منها لما يلف كما تلف إلخ إذ لو كانت مستوفية لشروطها وأوصافها لم يكن لشبهها بالثوب الخلق وجه

ولا ريب أن مغزى هذا الحديث إنما هو التحذير من التهاون بشروطها والتحريض على مراعاة أحوالها فالقول بأن المراد به الثواب مع تقدير كمال شروط الصلاة وجميع أوصافها خلاف ظاهر الحديث كما علمت ينافي قوله إن أداء الديون وشبهه لا ثواب فيه حتى ينوي به امتثال أمر الله تعالى حيث قال إن أراد به لا بد من استحضار نية الامتثال ولا يكتفي بمجرد نية أداء الديون فغير مسلم بل لقائل أن يقول لا يحرم صاحب هذه الحالة الثواب استدلالا بقاعدة سعة باب الثواب وإن أراد أنه لا ثواب له إذا نوى سببا للأداء غير الامتثال كتخوفه أن لا يداينه أحد إذا عرف بالامتناع من الأداء وما أشبه ذلك فمسلم إذ لا نزاع في عدم الثواب حينئذ لكنه

____________________

(2/104)

حصوله وعلى هذه المدارك وهذه التقادير يكون قوله تعالى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها مشروطا بالتقوى فإن أمثال العشر هي المثوبات ولا تحصل إلا للمتقين وكذلك قوله عليه السلام صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة في غيره إلا المسجد الحرام فإن هذه الألف والزائد عليها هي مثوبات تتضاعف وقوله عليه السلام صلاة في المسجد الحرام خير من ألف صلاة في غيره وصلاة في بيت المقدس بستمائة صلاة وقوله تعالى والله يضاعف لمن يشاء يقتضي ما تقدم من التقرير أن يكون هذا كله مشروطا بالتقوى وقوله عليه السلام صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس أو سبع وعشرين درجة

هامش أنوار البروق

قلت لا يقاوم ما تقدم من التقرير تلك الظواهر على تسليم أنها لم تبلغ القطع على أن الصحيح أنها قد بلغته فإن الظواهر إذا تظاهرت وتكاثرت ولم يعارضها سواها حصل القطع بمعناها وهذه الظواهر وقد تظاهرت وتكاثرت ولم يعارضها سواها فإن ما ذكره معارضا ليس بمعارض لاستواء احتمالاته على ما سبق بيانه

قال فيتعين رد أحد الظاهرين إلى الآخر والجمع بينهما على الوجه الأسد قلت إن سلم عدم القطع فليس الوجه الأسد ما ذكره واختاره وإن لم يسلم فلا وجه لقوله الأسد

هامش إدرار الشروق

لا ينفعه وثالثا في قوله إن النية والنظر الأول ولا ينوي بهما التقرب حيث قال هذا صحيح في النظر الأول لعدم العلم بالمتقرب إليه وغير صحيح في النية فإن نية الظهر مثلا يمكن فيه التقرب بها لأن الشارع جعلها شرطا في صحة الصلاة والشرط كالركن فكما ينوي الركن ينوي الشرط ولا مانع من ذلك لا في النية ولا في غيرها ولا يلزم التسلسل إلا لو شرع نية التقرب بالنية من حيث ذاتها لا من حيث كونها شرطا فافهم

ورابعا في قوله إن النية والنظر لا ثواب فيهما حيث قال يدل على إثبات الثواب فيهما قاعدة سعة باب الثواب إذ لا يعارضها حديث إنما الأعمال بالنيات وما في معناه لأن مطلقه مقيد بإمكان النيات فبقي محل امتناعها غير متناول له دليل اشتراطها فافهم ا ه

قلت وقاعدة إن الأعمال لا تكون معتبرة حتى تقرن بها المقاصد مستمرة في باب خطاب التكليف خاصة لا في باب خطاب الوضع قال الإمام أبو إسحاق في موافقاته وإذا عريت الأفعال والتروك عن المقاصد لم يتعلق بها الأحكام الخمسة والدليل عن ذلك أمور أحدها ما ثبت من أن الأعمال بالنيات وهو أصل متفق عليه في الجملة والأدلة عليه لا تقصر عن مبلغ القطع ومعناه أن مجرد الأعمال من حيث هي محسوسة فقط غير معتبرة شرعا على حال إلا ما قام الدليل على اعتباره في باب خطاب الوضع خاصة أما في غير ذلك فالقاعدة مستمرة وإذا لم تكن معتبرة حتى تقترن بها المقاصد كان مجردها في الشرع بمثابة حركات العجماوات والجمادات والأحكام الخمسة لا تتعلق بها عقلا ولا سمعا فكذلك ما كان مثلها

والثاني ما ثبت من عدم اعتبار الأفعال الصادرة من المجنون والنائم والصبي والمغمى عليه وأنها لا حكم لها في الشرع فلا يقال فيها جائز أو ممنوع أو واجب أو غير ذلك كما لا اعتبار بها من البهائم وفي القرآن وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وقال ربنا لا تؤاخذنا إن

____________________

(2/105)

فتأمل ذلك فإن هذه الظواهر كلها تقتضي المثوبات مطلقا وما تقدم من التقدير يقتضي أنها لا تحصل إلا بالتقوى فيتعين رد أحد الظاهرين إلى الآخر وأن يجمع بينهما على الوجه الأسد وقد بينت لك وجه التعارض ووجه الجمع فتأمل ذلك فهو موضع صعب مشكل والذي رأيت عليه جماعة من المحققين هو ما ذكرته لك فتأمله

هامش أنوار البروق

قال وقد بينت لك وجه التعارض ووجه الجمع فتأمل ذلك فهو موضع صعب مشكل قلت قد تبين ما قال لكنه ليس بصحيح وتأملته كما أمر ولم أجد ما وجد من الصعوبة والإشكال ولله الحمد ذي المنة والإفضال

هامش إدرار الشروق

نسينا أو أخطأنا قال قد فعلت وفي معناه روي الحديث أيضا رفع القلم عن ثلاث فذكر الصبي حتى يحتلم والمغمى عليه حتى يفيق فجميع هؤلاء لا قصد لهم وهي العلة في رفع أحكام التكليف عنهم

والثالث الإجماع على أن تكليف ما لا يطاق غير واقع في الشريعة وتكليف من لا قصد له تكليف ما لا يطاق والمباح وإن كان لا تكليف فيه إلا تعليق التخيير ومتى صح تعلق التخيير صح تعلق الطلب وذلك يستلزم قصد المخبر وقد فرضناه غير قاصد هذا خلف

وأما تعلق الغرامات والزكاة بالأطفال والمجانين وغير ذلك فإنه من قبيل خطاب الوضع لا خطاب التكليف الذي كلامنا فيه وأما تعلق خطاب التكليف بالسكران كما في قوله تعالى لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى فإما لأنه لما أدخل السكر على نفسه كان كالقاصد لرفع الأحكام التكليفية فعومل بنقيض المقصود ولم يكن محجورا عليه كما حجر على الصبي والمجنون إلا في خصوص عقوده وبيوعه وإما لأن الشرب سبب لمفاسد كثيرة فصار استعماله تسببا في تلك المفاسد فيؤاخذه الشرع بها وإن لم يقصدها كما وقعت مؤاخذة أحد ابني آدم بكل نفس تقتل ظلما وكما يؤاخذ الزاني بمقتضى المفسدة في اختلاط الأنساب وإن لم يقع منه غير الإيلاج المحرم ونظائر ذلك كثيرة ا ه بتصرف فافهم

وحاصل ما لابن الشاط أنه لم يكن في الشرع واجب صحيح مجزئ إلا وهو مقبول مثاب عليه كما هو مقتضى قاعدة سعة باب الثواب والآيات والأحاديث المتضمنة لوعد المطيع بالثواب بدون أدنى معارض صحيح سالم من الاحتمال وبالجملة ففي لزوم الثواب والقبول للعمل الصحيح المجزئ بناء على أن الشرط في الثواب والقبول هو التقوى بمعنى الإيمان الموافي عليه وعدم لزوم الثواب والقبول للعمل المذكور بناء على أن شرط الثواب والقبول أمر إن قصد الامتثال والتقوى العرفية التي هي المبالغة في اجتناب المحرمات وفعل الواجبات قولا ابن الشاط والشهاب وعلى الثاني تتحقق القاعدتان المذكورتان والفرق بينهما وعلى الأول لا تتحقق إلا قاعدة واحدة وهي أن كل عمل صحيح مجزئ يثاب عليه وهذا هو الظاهر فتأمل والله سبحانه وتعالى أعلم

فائدتان الأولى ما ذكر من المضاعفة صرح العلماء بأنه فيما يرجع إلى الثواب فقط ولا يتعدى ذلك إلى الإجزاء عن الفوائت حتى لو كان عليه صلاتان فصلى في مسجد مكة أو المسجد النبوي أو المسجد الأقصى صلاة لم تجزه عنهما قطعا خلافا لما يغتر به بعض الجهلة أفاده شيخنا نقلا عن الوالد في حاشيته على كتابه توضيح المناسك ونقل الصاوي في مناسكه عن الحسن البصري في رسالته أن المضاعفة المذكورة في الحرم لا يختص بالصلوات بل كل حسنة يعملها العبد فيه بمائة ألف فمن صام فيه يوما كتب

____________________

(2/106)

الفرق السادس والستون بين قاعدة ما تعين وقته فيوصف فيه بالأداء وبعده بالقضاء وبين قاعدة ما تعين وقته ولا يوصف فيه بالأداء ولا بعده بالقضاء والتعيين في القسمين شرعي

هامش أنوار البروق

قال والذي رأيت عليه جماعة من المحققين هو ما ذكرته فتأمله قلت لعلهم محققون في غير هذه المسألة أما في هذه فلا الفائدة الثانية قال الباجي والذي تقتضيه الأحاديث الواردة في فضل المسجدين مسجد مكة ومسجد المدينة مخالفة حكم مسجد مكة لسائر المساجد وكذا مسجد الرسول ولا يعلم منها حكم مكة والمدينة في التفاضل إلا أن حديث حسنات الحرم بمائة ألف إذ أثيب صريح في أن نفس مكة أفضل من نفس المدينة كما في حاشية الوالد على كتابه توضيح المناسك قلت على أنا لا نسلم أن حديث حسنات الحرم إلخ صريح في ذلك لقول مالك رحمه الله تعالى إن أسباب التفضيل لا تنحصر في مزيد المضاعفة ألا ترى أن الصلوات الخمس بمنى عند التوجه بعرفة أفضل منها بمسجد مكة وإن انتفت عنها نعم إن ثبت حديث خير بلد على وجه الأرض وأحبها إلى الله تعالى مكة كما في مناسك الصاوي عن الحسن البصري في رسالته لأخيه كان صريحا في ذلك فتأمل والله سبحانه وتعالى أعلم

وما قاله في الفرق السادس والستين صحيح

قال

هامش إدرار الشروق

الله له صوم مائة ألف يوم ومن تصدق فيه بدرهم كتب الله له مائة ألف درهم صدقة ومن ختم القرآن فيه مرة واحدة كتب الله له مائة ألف ختمة بغيره ومن سبح الله تعالى فيه مرة كتب الله له مائة ألف مرة بغيره إلى غير ذلك من أعمال البر ا ه

الفائدة الثانية قال الباجي والذي تقتضيه الأحاديث الواردة في فضل المسجدين مسجد مكة ومسجد المدينة مخالفة حكم مسجد مكة لسائر المساجد وكذا مسجد الرسول ولا يعلم منها حكم مكة والمدينة في التفاضل إلا أن حديث حسنات الحرم بمائة ألف إذ أثيب صريح في أن نفس مكة أفضل من نفس المدينة كما في حاشية الوالد على كتابه توضيح المناسك قلت على أنا لا نسلم أن حديث حسنات الحرم إلخ صريح في ذلك لقول مالك رحمه الله تعالى إن أسباب التفضيل لا تنحصر في مزيد المضاعفة ألا ترى أن الصلوات الخمس بمنى عند التوجه بعرفة أفضل منها بمسجد مكة وإن انتفت عنها نعم إن ثبت حديث خير بلد على وجه الأرض وأحبها إلى الله تعالى مكة كما في مناسك الصاوي عن الحسن البصري في رسالته لأخيه كان صريحا في ذلك فتأمل والله سبحانه وتعالى أعلم

وما قاله في الفرق السادس والستين صحيح

الفرق السادس والستون بين قاعدة ما تعين وقته فيوصف فيه بالأداء وبعده بالقضاء وبين قاعدة ما تعين وقته ولا يوصف فيه بالأداء ولا بعده بالقضاء والتعين في القسمين شرعي اعلم وفقني الله وإياك لما فيه رضاه أن تحرير الفرق بين هاتين القاعدتين يتوقف على بيان أمور أحدها أن الواجب قسمان القسم الأول الواجب الموسع وهو ما جعل الشارع لأدائه وقضائه من العبادات وقتا حدد طرفاه لمصلحة فيه معينا في حق كل مكلف بحيث لا يختلف وقت أدائه ولا وقت قضائه باختلاف الناس كالصوم عين الشارع لأدائه بالأمر الأول شهر رمضان في كل مكلف لمصلحة فيه ولقضائه ما بعده إلى شعبان بالأمر الثاني في حق كل مكلف أيضا بحيث لا يختلف واحد منهما باختلاف الناس

والقسم الثاني الواجب على الفور وهو ما جعل الشارع له من الفوريات وقتا مرتبا على ثبوت أمر يختلف باختلاف الناس لا لمصلحة فيه كالحج إذا قلنا إنه على الفور ولم يعين له الشارع إلا ما كان عقيب الاستطاعة وهي تختلف باختلاف الناس بحيث لو تأخرت الاستطاعة تأخرت السنة أو تقدمت تقدمت السنة فصار تعيين الوقت تابعا للاستطاعة لا لمصلحة فيه فحينئذ تعين أوقات العبادات لمصالح فيها بحيث إنا نعتقد أن الله تعالى إنما عين شهر رمضان للصوم مثلا لمصلحة يشتمل عليها دون غيره طردا لقاعدة الشرع

____________________

(2/107)

اعلم أن هذا الموضع وهذا الفرق لم أره لأحد من العلماء فيم رأيته ولم يقع التصريح به فيما وجدته ولا التعريض بل التصريح في حد الأداء والقضاء بضده في كتب الأصول والفروع فيقولون في حد الأداء هو إيقاع الواجب في وقته المحدود له شرعا وفي حد القضاء هو إيقاع الواجب خارج وقته المحدود له شرعا وهذان التفسيران باطلان بسبب أن الواجبات الفورية كرد الغصوب والودائع إذا طلبت والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأقضية الحكام إذا نهضت الحجاج كل ذلك واجب على الفور ومع ذلك لا يقال لها إنها أداء إذا وقعت في وقتها المحدود لها شرعا ولا قضاء إذا وقعت بعده فإن الشرع حدد لها زمانا وهو زمان الوقوع فأوله أول زمان التكليف وآخره الفراغ منها بحسبها في طولها وقصرها فزمانها محدود شرعا مع انتفاء الأداء والقضاء عنها في الوقت وبعده

وكذلك إنقاذ الغريق حدد له الشرع الزمان فأوله ما يلي زمن السقوط وآخره الفراغ من علاجه بحسب حاله ولا يوصف بأنه أداء في الوقت ولا قضاء بعده مع التحديد الشرعي ومن ذلك الحج إذا قلنا إنه على الفور فإن الشارع حدد له زمانا من هذه السنة ولا يوصف بأنه قضاء بعد هذه السنة إذا أخرت هذه الحجة ولا يلزم معها هدي القضاء

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

في رعاية المصالح على سبيل التفضل فإنا إذا لاحظنا الشرائع وجدناها مصالح في الأغلب أدركنا ذلك وخفي علينا في الأقل فقلنا ذلك الأقل من جنس ذلك الأكثر كما لو جرت عادة ملك بأن لا يخلع الأخضر إلا على الفقهاء فإذا رأينا من خلع عليه الأخضر ولا نعلم قلنا هو فقيه طردا لقاعدة ذلك الملك

وهكذا لما كانت قاعدة الشرع رعاية المصالح في جانب الأوامر والمفاسد في جانب النواهي على سبيل التفضيل لا على سبيل الوجوب العقلي كما تقوله المعتزلة لزم أن نعتقد فيما لم نطلع فيه على مفسدة ولا مصلحة إن كان في جانب الأوامر أن فيه مصلحة وإن كان في جانب النواهي أن فيه مفسدة كأن نقول في أوقات الصلوات إنها مشتملة على مصالح لا نعلمها وكذلك كل تعبدي معناه أن فيه مصلحة لا نعلمها

وأما تعين أوقات الفوريات كرد المغصوب والودائع إذا طلبت والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأقضية الحكام إذا نهضت الحجاج وإنقاذ الغريق وامتثال الأمر إذا قلنا إنه على الفور فإن القاضي أبا بكر رحمه الله تعالى قال لا بد من زمان للسماع وزمان للتأمل وتعرف معنى الخطاب وفي الزمن الثالث يكون الفعل زمانيا وبالتأخير عنه يوصف المكلف بالمخالفة فليس كذلك بل تبع للمأمورات وطريان الأسباب فتعين وقت إنقاذ الغريق تابع لسقوطه في البحر فلو تأخر سقوطه في البحر تأخر الزمان أو تعجل تعجل الزمان

وتعين وقت امتثال الأمر إذا قلنا إنه على الفور تابع لورود الصيغة فإن تقدمت تقدم الوقت أو تأخرت تأخر الوقت وتعين وقت أقضية الأحكام تابع لنهوض الحجاج لا لمصلحة في نفس الوقت وهكذا يقال في الباقي

والأمر الثاني أن الواجبات الفورية وإن حد الشارع لها زمانا وهو زمان الوقوع الذي أوله أول

____________________

(2/108)

وكذلك إذا قلنا الأمر للفور فإن القاضي أبا بكر رحمه الله قال لا بد من زمان للسماع وزمان للتأمل وتعرف معنى الخطاب وفي الزمن الثالث يكون الفعل زمانيا وبالتأخير عنه يوصف المكلف بالمخالفة

وقد حدد الشرع الزمان حينئذ أوله الزمن الثالث من زمن السماع وآخره الفراغ من الفعل بحسبه وهذه النقوض كلها تبطل حد الأداء فإن حده يتناولها وليست أداء فيكون غير مانع وإيقاعها بعد وقتها يتناوله حد القضاء وليست قضاء فيكون غير جامع فحينئذ تتعين العناية بتحرير الفرق وتحرير هذه الضوابط والحدود حتى يتضح الحق في ذلك وهو أن نقول الأداء هو إيقاع الواجب في وقته المحدود له شرعا لمصلحة اشتمل عليها الوقت بالأمر الأول والقضاء إيقاع الواجب خارج وقته المحدود له شرعا لأجل مصلحة فيه بالأمر الثاني فقوله في وقته احتراز من القضاء وقولنا المحدود له احتراز من المغيا بجميع العمر وقولنا شرعا احتراز مما يحده أهل العرف وقولنا لمصلحة اشتمل عليها الوقت احتراز من تلك النقوض كلها وتحريره أنا نعتقد أن الله تعالى إنما عين شهر رمضان لمصلحة يشتمل عليها دون غيره طردا لقاعدة الشرع في رعاية المصالح على سبيل التفضل فإنا إذا لاحظنا الشرائع وجدناها مصالح في الأغلب أدركنا ذلك وخفي علينا في الأقل فقلنا ذلك الأقل من جنس ذلك الأكثر كما لو جرت عادة ملك بأن لا يخلع الأخضر إلا على الفقهاء فإذا رأينا من خلع عليه الأخضر ولا نعلم قلنا هو فقيه طردا لقاعدة ذلك الملك وكذلك نعتقد فيما لم نطلع فيه على مفسدة ولا مصلحة أنه مصلحة إن كان في جانب الأمر وفيه مفسدة إن كان في جانب النواهي

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

زمان التكليف وآخره الفراغ منها بحسبها في طولها وقصرها إلا أنه لما كان تابعا لما يختلف باختلاف الناس لا لمصلحة فيه ولم يكن محدود الطرفين بخلاف زمان العبادات لم يقل للواجبات الفورية إذا وقعت في وقتها المحدود لها شرعا أداء ولا إذا وقعت بعده قضاء بخلاف العبادات

والأمر الثالث أن الأداء هو إيقاع الواجب في وقته المحدود له شرعا لمصلحة اشتمل عليها الوقت بالأمر الأول فقيد في وقته يخرج القضاء وقيد المحدود له يخرج الواجب المغيا بجميع العمر كالإيمان بالله تعالى وقيد شرعا يخرج المحدود عرفا وقيد لمصلحة اشتمل عليها الوقت يخرج الواجبات الفورية المذكورة كلها لأن تحديد وقتها شرعا تابع لحصول أمر لا لمصلحة في الوقت كما علمت فلا يوصف الفعل بالأداء إلا إذا وقع في وقته المحدود لمصلحة فيه فوقت الأداء عندنا وعند الشافعية هو الكل لا جزء منه لا بعينه يتعين بالوقوع فيه سواء وقع في الكل أو البعض وعند الحنفية هو الجزاء الذي وقع فيه الفعل بمعنى أن وقت وجوب الأداء جزء من تلك الأجزاء لا بعينه وهو القدر المشترك بينهما يتعين بالوقوع فيه إن فعل في الوقت وإلا تعين بنفسه وهو الآخر فالوجوب للأداء عندهم إنما يتعلق مع الشروع في الفعل كما نص على ذلك السعد في شرح

____________________

(2/109)

طردا لقاعدة الشرع في رعاية المصالح والمفاسد على سبيل التفضل لا على سبيل الوجوب العقلي كما تقوله المعتزلة وكذا نقول في أوقات الصلوات إنها مشتملة على مصالح لا نعلمها وكذلك كل تعبدي ومعناه أن فيه مصلحة لا نعلمها فحينئذ تتعين أوقات العبادات لمصالح فيها وتعيين الفوريات ليس كذلك بل تبع للمأمورات وطريان الأسباب فالغريق لو تأخر سقوطه في البحر تأخر الزمان أو تعجل تعجل الزمان فتأمل ذلك

وكذلك الحج تابع للاستطاعة فلو تأخرت تأخرت السنة أو تقدمت تقدمت السنة فصار تعيين الوقت تابعا للاستطاعة لا لمصلحة فيه وكذلك نقول إن الفور تعين الوقت إذا قلنا الأمر على الفور تابع لورود الصيغة فإن تقدمت تقدم الوقت أو تأخرت تأخر الوقت وكذلك أقضية الحكام الوقت تابع لنهوض الحجاج فتتعين حينئذ وكذلك رد المغصوب وبقية النقوض قد اتضح لك التخريج في ذلك وظهر الفرق بينهما وبين أوقات العبادات فإنها متعينة لمصالح فيها ولولاها لما تعين بعد الزوال دون ما قبله ولا رمضان دون بقية شهور السنة إذا اتضح لك الفرق فقوله في الحد لمصلحة اشتمل عليها الوقت احتراز من تعيين الوقت لمصلحة المأمور والتبعية لطريان الأسباب

واتجه أيضا حد القضاء بذلك لما قلنا إنه إيقاع الواجب خارج وقته المحدود له شرعا لمصلحة اشتمل عليها الوقت فلا يكون الفعل موصوفا بالقضاء إلا إذا وقع خارج وقته المحدود لمصلحة فيه وقولنا في القضاء بالأمر الثاني احتراز من نقض وهو أن الله تعالى جعل لقضاء رمضان جملة السنة كلها التي تلي شهر الأداء فهو واجب

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

التوضيح أفاده الشربيني على حواشي محلي جمع الجوامع

وأما القضاء فهو في اللغة فعل الشيء كيف كان وعليه قوله تعالى فإذا قضيت الصلاة أي فإذا فعلت وفي الاصطلاح له أربعة معان أحدها ما يقابل الأداء المذكور وهو إيقاع الواجب خارج وقته المحدود له شرعا لمصلحة اشتمل عليها الوقت بالأمر الثاني فقيد خارج وقته يخرج الأداء وقيد المحدود له شرعا يخرج المحدود وقته عرفا وقيد لمصلحة اشتمل عليها الوقت يخرج الواجبات الفورية لأن تحديد وقتها شرعا تابع لحصول أمر لا لمصلحة كما علمت فلا يوصف الفعل بالقضاء إلا إذا وقع خارج وقته المحدود لمصلحة فيه وقيد بالأمر الثاني لدفع نقض وهو أن الله تعالى جعل لقضاء رمضان جملة السنة كلها التي تلي شهر الأداء فهو واجب وقع في وقته المحدود له شرعا وليس أداء وحاصل الدفع أن قضاء رمضان وإن دخل في حد الأداء باعتبار أن الله تعالى عين له السنة تعيينا لا كسنة الحج لخصوص كونها تابعة للاستطاعة غير محدودة الطرفين بل إنما عينها له محدودة الطرفين لمصلحة يختص بها لا نعلمها لا لخصوص كونها تابعة لترك الصوم إلا أنه خرج عن حد الأداء بقيد بالأمر الأول وفيه ودخل في حد القضاء ولم يخرج منه بقيد بالأمر الثاني فيه فافهم

وثانيها إيقاع الواجب تعيينه بالشروع وعليه قول مالك وأبي حنيفة بقضاء ما شرع فيه من الطاعات

____________________

(2/110)

وقع في وقته المحدود له شرعا وليس أداء فخرج بقولنا بالأمر الأول أن القضاء وجب بأمر جديد ودخل في حد القضاء ولم يخرج منه بقولنا بالأمر الثاني وسبب اندراجه في حد الأداء أن الله تعالى عين السنة لمصلحة تختص بها لا نعلمها فالسنة كأوقات الصلوات ليست تابعة لغيرها بخلاف سنة الحج تابعة للاستطاعة فإن قلت وسنة القضاء أيضا تابعة لترك الصوم قلت مسلم لكن هذا وقت حدد طرفاه وجعل واجبا موسعا بخلاف الحج

ولما ترتب رمضان من بين سائر الشهور للأداء رتب ما بعده للقضاء إلى شعبان في أصل الشريعة معينا في حق كل مكلف بخلاف الحج لم يعين له إلا ما كان عقيب الاستطاعة وهي تختلف باختلاف الناس وسنة القضاء لا تختلف باختلاف الناس فهذا هو الفرق فإن قلت ما ذكرته لا يتم لاتفاق الناس على أن الحج يوصف بالقضاء مع خروجه عما ذكرته من التحديد فيقولون في الحج بعد الحجة الفاسدة قضاء ويقولون إن النوافل تقضى وليس لها وقت محدود بالتفسير الذي ذكرته فعند الشافعي يقضى ما له سبب وعند مالك وأبي حنيفة ما شرع فيه من الطاعات وأبطله على تفصيل عند الإمامين مذكور في كتب الفروع للفريقين فقد اتفقوا على القضاء في النوافل ويقولون المأموم فيما فاته هل يكون قاضيا أم بانيا خلاف بين العلماء في تعيين القضاء لا في أنه يسمى قضاء لو وقع فاتفق الكل على أنه لو فعل ما فاته من المغرب جهرا لكان قضاء اتفاقا إنما الخلاف هل حكم الله تعالى ذلك أم لا قال الله تعالى فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض مع أن صلاة المأموم وقضاء صلاة الجمعة في الوقت فبطل بهذه الأنواع حد الأداء وحد القضاء قلت القضاء في اصطلاح حملة الشريعة لفظ مشترك يطلق على ثلاث معان أحدهما إيقاع

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

وأبطله لوجوبها بالشروع على تفصيل عند الإمامين مذكور في كتب الفروع للفريقين ومنه حجة القضاء في الحج بعد الحجة الفاسدة

وثالثها ما وقع على خلاف وضعه في الشريعة مع قطع النظر عن الوقت والتعيين بالشروع ومنه قضاء المأموم المسبوق ما فاته مع الإمام فإن صلاته الركعتين اللتين فاتتاه مع الإمام من المغرب أو العشاء جهرا تسمى قضاء اتفاقا لأنهما لما صليتا جهرا وقد صارا أخيرين كانا على خلاف الوضع الشرعي من تقدم الجهر على السر وقولهم المأمور فيما فاته هل يكون قاضيا أو بانيا إنما هو خلاف بين العلماء في تعيين القضاء أي هل حكم الله تعالى ذلك أولا لا في أنه يسمى قضاء لو وقع كذلك فافهم

ورابعها إيقاع الفعل بعد تقدم سببه وعليه قول الشافعي ومن قال بقوله إن السنن تقضى لتقدم

____________________

(2/111)

الواجب خارج وقته على ما تقدم تحديده وثانيها إيقاع الواجب بعد تعيينه بالشروع ومنه حجة القضاء ومنه قضاء النوافل إذا شرع فيها وهذا مغاير للقسم الأول لأن مفهوم قولنا خارج وقته مخالف لقولنا بعد تعينه بالشروع فإن بعدية الوقت غير بعدية الشروع وثالثها ما وقع على خلاف وضعه في الشريعة مع قطع النظر عن الوقت والتعيين بالشروع ومنه قضاء المأموم لأن الركعتين الأخيرتين من العشاء إذا صليتا جهرا فهذا خلاف الوضع الشرعي فإن وضع الشريعة تقدم الجهر على السر فتأخيره خلاف الوضع الشرعي فهذه ثلاثة معان في الاصطلاح ويلحق بها قسم رابع عند الشافعي ومن قال بقوله إن السنن تقضى لتقدم أسبابها لا للشروع فيها فيكون مفسرا عنده أيضا بإيقاع الفعل بعد تقدم سببه فهذه أربعة اصطلاحية

وأما قوله تعالى فإذا قضيت الصلاة فذلك وضع لغوي لا اصطلاحي فيقال قضي الفعل إذا فعل كيف كان فقضى بمعنى فعل وهذا غير ما نحن فيه وحينئذ يصير لفظ القضاء يطلق باعتبار اللغة والاصطلاح على خمسة معان مختلفة أربعة منها اصطلاحية وواحد لغوي واللفظ إذا كان مشتركا بين معان مختلفة وحددنا بعض تلك المعاني لا يرد علينا غيره من تلك المعاني نقضا ولا سؤالا كما إذا حددنا العين بمعنى الحدقة بأنها عضو يتأتى به الإبصار فيقول السائل ينتقض عليك بعين الماء وبالذهب وغير ذلك مما يسمى عينا فلا يسمع هذا السؤال فإن الحقائق المختلفة أن تكون حدودها مختلفة فحينئذ لا يرد علينا حقيقة من تلك الحقائق الأربعة على تحديدنا القضاء بالموقع خارج الوقت لأنها معان مختلفة فاندفعت الأسئلة التي وردت من هذا الباب واستقام حد القضاء وحد الأداء وظهر حينئذ الفرق بين قاعدة ما تعين وقته فيوصف بالأداء والقضاء وبين قاعدة ما لا يتعين وقته فلا يوصف لا بالأداء ولا بالقضاء

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

أسبابها لا للشروع فيها وبالجملة فمعاني لفظ القضاء خمسة مختلفة أربعة اصطلاحية وواحد لغوي فلا يرد صدقه باعتبار أحد معانيه على غير ما يصدق عليه حدنا له باعتبار معناه الآخر لا نقضا ولا سؤالا ألا ترى أنا إذا حددنا العين بمعنى الحدقة بأنها عضو يتأتى به الإبصار لا نلتفت للقول بنقضه بعين الماء وبالذهب وغير ذلك ضرورة أن المعاني المختلفة يجب أن تكون حدودها مختلفة فحينئذ استقام ما ذكر من حد القضاء وحد الأداء وظهر الفرق بين قاعدة ما تعين وقته بتحديد طرفيه لمصلحة فيه فيوصف بالأداء والقضاء وبين قاعدة ما تعين وقته بغير تحديد طرفيه لانتفاء المصلحة فيه بل تعيينا تابعا لتحقق أمر يختلف باختلاف الناس فلا يوصف لا بالأداء ولا بالقضاء

وظهر أيضا أن المكلف إذا ما غلب على ظنه أنه لا يعيش إلى آخر الوقت ثم عاش أن الفعل يكون منه أداء لأن تعيين الوقت لم تكن المصلحة فيه بل تبع للظن الكاذب وهل هو قضاء قولان للقاضي والغزالي رحمهما الله تعالى وسيأتي عن ابن الشاط أن قول الغزالي بأنه قضاء دعوى لا حجة عليها ألبتة ثم اعلم أن العبادات باعتبار الاتصاف بالأداء والقضاء ثلاثة أقسام الأول ما يوصف بهما بالمعنى الأول الاصطلاحي كالصلوات الخمس ورمضان

____________________

(2/112)

فائدة العبادات ثلاثة أقسام منها ما يوصف بالأداء والقضاء كالصلوات الخمس ورمضان ومنها ما لا يوصف بهما كالنوافل إلا بذلك التفسير الآخر الذي تقدم تحريره ومنها ما يوصف بالأداء فقط كالجمعة

فائدة اتضح بما تحرر أن المكلف إذا غلب على ظنه أنه لا يعيش إلى آخر الوقت ثم عاش أن الفعل يكون منه أداء لأن تعيين الوقت لم تكن المصلحة فيه بل تبع للظن الكاذب وقيل هو قضاء قولان للقاضي والغزالي رحمهما الله

الفرق السابع والستون بين قاعدة الأداء الذي يثبت معه الإثم وبين قاعدة الأداء الذي لا يثبت معه الإثم اعلم أن هذا الفرق قد أشكل على جماعة من الفقهاء واستشكلوا كيف تكون العبادة أداء وفاعلها آثم وسر الفرق في ذلك أن الله سبحانه وتعالى جعل أرباب الأعذار يدركون الظهر والعصر عند غروب الشمس بإدراك وقت يسع خمس ركعات بعد الطهارة واتفق الناس

هامش أنوار البروق

الفرق السابع والستون بين قاعدة الأداء الذي يثبت معه الإثم وبين قاعدة الأداء الذي لا يثبت معه الإثم إلى قوله فيأثم الأول بتعديها إلى غير وقتها قلت ما قاله صحيح على تقدير أن اصطلاح الفقهاء موافق لتحديده الأداء وإلا فهو اصطلاح اخترعه وما قاله صحيح أيضا على تسليم اصطلاحه ولا مشاحة في الاصطلاح

قال ألا ترى أن القامة وقت أداء بلا خلاف لصلاة الظهر من حيث الجملة ومع ذلك لو غلب

هامش إدرار الشروق

والثاني ما لا يوصف بهما بالمعنى الأول الاصطلاحي وإنما يوصف بهما بالمعنى الثاني الاصطلاحي عند المالكية والأحناف أو بالمعنى الرابع عند الشافعية كالنوافل فافهم

والثالث ما يوصف بالأداء بالمعنى المتقدم فقط كالجمعة والله سبحانه وتعالى أعلم الفرق السابع والستون بين قاعدة الأداء الذي يثبت معه الإثم وبين قاعدة الأداء الذي لا يثبت معه الإثم وذلك أن ما ذكر من حد الأداء وحد القضاء لما لم يتعرض فيهما لأحوال المكلف بل للعبادة فقط وكان حد الأداء يصدق على أن وقت أداء الظهر من أول الزوال إلى غروب الشمس ووقت أداء المغرب من غروب الشمس إلى طلوع الفجر بسبب أن أرباب الأعذار يدركون الظهرين بزوال عذرهم في مقدار ما يسع خمس ركعات قبل غروب الشمس ويدركون صلاتي الليل بزواله في مقدار ما يسع أربع ركعات قبل طلوع الفجر الإجماع منعقد على أن ما خرج وقته لا يلزم أرباب الأعذار ألا ترى أنهم لا يلزمهم صلاة النهار إذا لم يزل عذرهم إلا بعد غروب الشمس ولا صلاة الليل إذا لم يزل إلا بعد طلوع الفجر إلا أن الشرع لما منع المكلف الذي لا عذر له من تأخير العبادات إلى آخر الوقت مطلقا وحد وقت الاختيار في

____________________

(2/113)

على أن ما خرج وقته قبل زوال العذر لا يلزم أرباب الأعذار فدل لزوم الصلاتين لهم عند غروب الشمس على بقاء وقتها ولما كان الأداء كما تقدم إيقاع الواجب في وقته المحدود له شرعا كما تقدم تحريره لزم أن يكون الظهر والعصر أداء في حق كل أحد إلى غروب الشمس لأنا لما حددنا الأداء لم نحده بالنسبة للفاعلين وإنما حددناه بالنسبة إلى العبادة خاصة مع قطع النظر عن الفاعل من هو هل هو ذو عذر أم لا

ولم يتعرض أحد في حد الأداء والقضاء لأحوال المكلف في حدهما بل للعبادة فقط فصار الأداء والقضاء تابعا لكون العبادة في وقتها أم لا فكان الظهر أداء إلى غروب الشمس بناء على صدق حد الأداء عليه ولما كان الشرع قد منع المكلف الذي لا عذر له من تأخير العبادات إلى آخر الوقت مطلقا بل عليه أن يوقع في آخر فسمي الوقت وهو من أول الزوال إلى آخر القامة ويبقى من آخر القامة إلى غروب الشمس هو من الوقت باعتبار حد الأداء وغير المعذور ممنوع منه فإذا أخر الفعل إليه وأوقعه فيه كان مؤديا آثما أما أداؤه فلصدق حد

هامش أنوار البروق

على ظن طائفة أنها لا تعيش إلى آخر القامة بل لنصفها جعل صاحب الشرع نصف القامة وقتا لهؤلاء خاصة دون غيرهم والنصف الآخر من القامة ليس وقتا لهم قلت ما قاله من أن صاحب الشرع جعل نصف القامة وقتا لمن غلب على ظنه أنه لا يعيش إلى نصفها باطل لا شك فيه وإن كان ذهب إلى ذلك طائفة فهو مذهب ذاهب ودعوى لا حجة عليها ألبتة ومن غلب على ظنه ذلك فلا يخلو أن يقع الأمر كما ظنه أو لا فإن وقع الأمر كما ظنه فلا يخلو أن يكون قد أوقع الصلاة قبل موته أو لا فإن كان قد أوقعها فقد أوقع الواجب وفاز بأجره وإن لم يكن أوقعها فلا مؤاخذة عليه فإنه مات في أثناء الوقت فلا يعد مفرطا بوجه وإن لم يقع الأمر كما ظنه فلا يخلو أن يوقع الصلاة في بقية القامة أو لا فإن أوقعها فقد فعل ما أمر به ولم تلحقه مؤاخذة ولم يعد مفرطا وإن لم يوقعها إلا بعد القامة فهو مفرط أثم والله أعلم

هامش إدرار الشروق

الظهر بآخر القامة وفي العصر بالاصفرار وفي المغرب على زاوية اتحاده

قال ابن الحاجب وهي الأشهر وقال في الاستذكار الاتحاد هو المشهور بقدر ما يسع فعلها بعد شروطها وعلى رواية امتداده

قال ابن العربي في عارضته القول بالامتداد هو الصحيح وقال في أحكامه إنه هو المشهور من مذهب مالك وقوله الذي في موطئه الذي قرأه طول عمره وأملاه حياته ا ه

بغياب الشفق الأحمر كما في الحطاب على خليل وفي العشاء أما بثلث الليل الأول

وأما بنصفه على الخلاف وحد وقت الاضطرار في الظهر من بعد القامة والعصر من بعد الاصفرار إلى غروب الشمس فيهما وفي المغرب إما من بعد ما يسعها بشروطها أو من بعد غياب الشفق الأحمر على الروايتين وفي العشاء إما من بعد الثلث أو النصف إلى طلوع الفجر فيهما بحيث إن صاحب الشرع حجر على المختارين من إيقاع الظهر مثلا فيما بعد القامة إلى غروب الشمس ومن إيقاع المغرب مثلا فيما بعد ما يسعها بشروطها أو فيما بعد غياب الشفق الأحمر إلى طلوع الفجر وإن كان كل من الوقتين المذكورين يصدق عليه حد الأداء المار كان إيقاع المختارين الظهر بعد القامة والعصر بعد الاصفرار والمغرب بعد ما يسعها بشروطها أو بعد غياب الشفق الأحمر والعشاء بعد الثلث أو النصف أداء

____________________

(2/114)

الأداء

وأما ثمة فلتأخيره عن الحد الذي حدد له من الوقت ولصاحب الشرع أن يحدد للعبادة وقتا ويجعل نصفه الأول لطائفة ونصفه الآخر لطائفة أخرى فتأثم الأولى بتعديها لغير وقتها ألا ترى أن القامة وقت أداء بلا خلاف لصلاة الظهر من حيث الجملة ومع ذلك لو غلب على ظن طائفة أنها لا تعيش إلى آخر القامة بل لنصفها جعل صاحب الشرع نصف القامة وقتا لهؤلاء خاصة دون غيرهم والنصف الآخر من القامة ليس وقتا لهم كذلك هاهنا وقت الظهر إلى غروب الشمس وحجر صاحب الشرع على المختارين الوصول إليه وحدد لهم آخر القامة فإذا تعدوا القامة كانوا مؤدين آثمين فكذلك القول في المغرب أداء إلى طلوع الفجر بسبب أن أرباب الأعذار يدركون صلاتي الليل إلى طلوع الفجر والإجماع منعقد على أن ما خرج وقته لا يلزم أرباب الأعذار ألا ترى أنهم يدركون المغرب والعشاء بإدراك أربع ركعات قبل الفجر ولا يلزم بذلك

هامش أنوار البروق

قال فكذلك هاهنا وقت الظهر إلى غروب الشمس إلى منتهى قوله فإن الله تعالى خصه بقطعة من الوقت فتعداها لنصيب غيره منه قلت ما قاله في هذا الفصل صحيح على تسليم اصطلاحه وتصحيح حده بخلاف ما نظر به ومن مسألة الذي يظن أنه لا يعيش إلى تمام الوقت والفرق بين الأمرين أن تحديد وقت الاختيار بالقامة ثابت من الشرع متفق عليه وتحديد الوقت بالظن المذكور غير ثابت من الشرع ولا متفق عليه لا بدليل ظني ولا قطعي بوجه

قال وإنما كان يلزم الإشكال إلى قوله فمذهب ابن القاسم اجتماعهما ومذهب غيره عدم اجتماعهما

هامش إدرار الشروق

معه الإثم لتعديهم ما حدده لهم صاحب الشرع وإيقاعهم الظهر في القامة والمغرب فيما يسعها بشروطها أداء ليس معه إثم لعدم تعديهم ما حدده لهم صاحب الشرع إذ لصاحب الشرع أن يحدد للعبادة وقتا ويجعل نصفه الأول لطائفة ونصفه الآخر لطائفة أخرى فتأثم الأولى بتعديها لغير وقتها ألا ترى أن القامة وقت أداء بلا خلاف لصلاة الظهر من حيث الجملة ومع ذلك لو غلب على ظن طائفة أنها لا تعيش إلى آخر القامة بل لنصفها لجعل صاحب الشرع نصف القامة وقتا لهؤلاء خاصة دون غيرهم والنصف الآخر من القامة ليس وقتا لهم فكذلك ها هنا جعل صاحب الشرع وقت الظهر إلى غروب الشمس ووقت المغرب إلى طلوع الفجر وحجر على المختارين الوصول إليه وجعلهم بتعدي القامة وغياب الشفق الأحمر مؤدين آثمين وجعل لأرباب الأعذار إدراك الظهر والعصر أداء بلا إثم فيما يسع خمس ركعات قبل الغروب وإدراك المغرب والعشاء أداء بلا إثم فيما يسع أربع ركعات قبل الفجر

فظهر بهذا تحرير الفرق وزال ما استشكله الشافعية علينا من الجمع بين الأداء والإثم على أنهم قائلون به فيمن ظن ما ذكر فكذلك يلزمهم أن يقولوا به في المختارين بالأولى هذا خلاصة ما قاله الأصل قال ابن الشاط وما قاله صحيح على تقدير أن اصطلاح الفقهاء موافق لتحديده الأداء أو على تسليم

____________________

(2/115)

صلاة النهار المتقدم بسبب أن وقته خرج بغروب الشمس

فإذا أخر أيضا المكلف المختار المغرب أو العشاء إلى طلوع الفجر كان مؤديا آثما أما أداؤه فلوجود الأداء في حقه

وأما إثمه فلأن الله تعالى خصصه بقطعة من الوقت فتعداها لنصيب غيره منه وإنما كان يلزم الإشكال في الجمع بين الأداء والإثم أن لو كان حد الأداء إيقاع الواجب في وقته الاختياري له فكان حينئذ إيقاعه في غير الاختياري قضاء لكن حد الأداء إيقاع الواجب في وقته مطلقا والقضاء إيقاعه خارج وقته مطلقا ولم نقل إنه خارج وقته الاختياري وكتب أصول الفقه مجمعة على ذلك ومصرحة به فظهر إمكان اجتماع الأداء والإثم في حق من حجر عليه في بعض الوقت وعدم اجتماع الإثم مع الأداء في حق من لم يحجر عليه في شيء من الوقت كما يجتمع الأداء والإثم فيمن أخر إلى آخر القامة وهو كان يعتقد أنه لا يتمكن من إيقاع الفعل آخر القامة فقدر وأخر وصلى فإنه مؤد آثم ويجتمع في حقه الأداء على الخلاف والإثم إجماعا وإنما وقع الخلاف في اجتماعهما آخر النهار وعند طلوع الفجر فمذهب ابن القاسم

هامش أنوار البروق

قلت ما قاله من أنه إنما كان يلزم الإشكال لو كان حد الأداء إيقاع الواجب في وقته الاختياري صحيح وما قاله من أن كتب الأصول مجمعة على ذلك ومصرحة به إن أراد أنها مجمعة على إطلاق لفظ أن الإجزاء فعل الواجب في وقته المحدود له هكذا فذلك صحيح وإن أراد أن كتب الأصول مصرحة بلفظ الإطلاق بأن يكون اللفظ مثلا لأداء فعل الواجب في وقته المحدود له مطلقا أو على الإطلاق فلا أعرف أني وقفت لهم على ذلك وما ذكره من أن من كان يعتقد أنه لا يتمكن من إيقاع الفعل آخر القامة فقدر تمكنه وصلى مدا آثم إجماعا غير صحيح وإنما هو رأي لبعض الناس وهو باطل لا شك في بطلانه

قال فعلى هذا يجتمع الأداء والإثم في حق فريقين من الناس أحدهما المختارون الذين لا عذر لهم إذا أخروا إلى غروب الشمس أو بعد القامة من حيث الجملة إلى آخر قوله وهل تؤخر المغرب إلى الشفق أم لا

هامش إدرار الشروق

اصطلاحه ولا مشاحة في الاصطلاح وتصحيح تحديده إلا أن دعواه أن صاحب الشرع جعل نصف القامة وقتا لمن غلب على ظنه أنه لا يعيش إلى نصفها باطلة بلا شك وإن كان ذهب إلى ذلك طائفة فهو مذهب ذاهب ودعوى لا حجة عليها ألبتة فلا يصح التنظير به ضرورة أن تحديد وقت الاختيار بالقامة مثلا ثابت من الشرع متفق عليه وتحديد الوقت بالظن المذكور غير ثابت من الشرع ولا متفق عليه لا بدليل ظني ولا قطعي بوجه بل الحق أن من غلب على ظنه ذلك إن وقع الأمر لما ظنه فأما أن يوقع الصلاة قبل موته فيكون قد أوقع الواجب عليه وفاز بأجره

وأما أن لا يوقعها فلا يؤاخذ لأنه مات في أثناء الوقت فلا يعد مفرطا بوجه وإن لم يقع الأمر كما ظنه فأما أن يوقع الصلاة في بقية القامة فيكون قد فعل ما أمر به فلا يلحقه مؤاخذة ولا يعد مفرطا وأما أن لا يوقعها إلا بعد القامة فيكون مفرطا آثما وأن من قال من الشافعية بالجمع بين الأداء والإثم في حق من ظن ما ذكر إذا صلى في النصف

____________________

(2/116)

اجتماعهما ومذهب غيره عدم اجتماعهما فعلى هذا يجتمع الإثم والأداء في حق فريقين من الناس أحدهما المختارون الذين لا عذر لهم إذا أخروا إلى غروب الشمس أو بعد القامة ومن حيث الجملة أو أخروا المغرب والعشاء إلى بعد ثلث الليل أو نصفه على الخلاف في آخر وقت العشاء هل هو ثلث الليل أو نصفه وهل تؤخر المغرب إلى الشفق أم لا وثانيهما الفرق الذي يغلب على ظنهم عدم المكنة في آخر الوقت الاختياري فيؤخرون إلى آخره فإنهم آثمون مع الأداء إذا فعلوا آخر الوقت الاختياري في القامة للظهر مثلا ونحوه من الأوقات الاختيارية وتحرر بهذا الفرق زوال ما استشكله الشافعية علينا من الجمع بين الأداء والإثم فإنهم قائلون به في الفريق الثاني فكذلك يلزمهم في الفريق الأول ويتضح مذهبنا اتضاحا جيدا وأنا لم نخالف قاعدة بل مشينا على القواعد ويلزم الشافعية إشكال لا جواب لهم عنه وهو أن يكون حدهم الأداء والقضاء في كتبهم الأصولية باطلا لأنهم أطلقوا القول فيها وليس مطلقا على ما زعموا بل يتعين أن يكون الأداء في كتبهم إيقاع العبادة في وقتها الاختياري والقضاء إيقاع العبادة خارج وقتها الاختياري أصل لكنهم في كتب الأصول لم يصنعوا ذلك

هامش أنوار البروق

قلت ما قاله في هذا الفرق صحيح بناء على تسليم الاصطلاح المتقدم وتصحيح حده

قال وثانيهما الفريق الذي يغلب على ظنهم عدم المكنة في آخر الوقت الاختياري فيؤخرون إلى آخره فإنهم آثمون مع الأداء إذا فعلوا آخر الوقت الاختياري في القامة للظهر مثلا ونحوه من الأوقات الاختيارية قلت قد تقدم أن ذلك ليس بصحيح

قال وتحرر بهذا الفرق زوال ما استشكله الشافعية علينا من الجمع بين الأداء والإثم فإنهم قائلون به في الفريق الثاني فكذلك يلزمهم في الفريق الأول قلت يلزم ذلك كما ذكر لمن

قال به من الشافعية وذلك إذا قال إنه أداء أما إذا قال إنه قضاء فلا يلزمه

قال ويتضح مذهبنا اتضاحا جيدا فإنا لم نخالف قاعدة بل مشينا على القواعد قلت ما قاله هنا صحيح بناء على ما قرر

قال ويلزم الشافعية إشكال لا جواب لهم عنه وهو أن يكون حدهم الأداء والقضاء في كتبهم الأصولية باطلا فإنهم أطلقوا القول فيها إلى قوله لكنهم في كتب الأصول لم يصنعوا ذلك قلت ولا صنعه غيرهم من المالكية وغيرهم فيما علمت وليس بنكير أن يطلق القول والمراد التقييد وغايته أن تقول تجنب ذلك في الحدود أكيد

هامش إدرار الشروق

الأخير من القامة لا يلزمه أن يقول به في المختارين بالأولى إلا إذا قال إنه أداء هو إنما قال أنه قضاء ا ه والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(2/117)

الفرق الثامن والستون بين قاعدة الواجب الموسع وبين قاعدة ما قيل به من وجوب الصوم على الحائض قد اختلف العلماء رضي الله عنهم في وجوب الصوم على الحائض في زمن الحيض مع اتفاقهم على عدم صحة الصوم ولو أوقعته حينئذ وعلى أنها آثمة إذا فعلت فقال القاضي عبد الوهاب من المالكية ووافقه جماعة إن الحيض يمنع من صحة الصوم دون وجوبه ويمنع من صحة الصلاة ووجوبها وقالت الحنفية يجب عليها الصوم وجوبا موسعا يشيرون بهذه التوسعة إلى عدم تحتم الصوم في زمن الحيض حتى لا يجتمع الوجوب والإثم في الفعل فإن الواجب لا يمنع وهذه تمنع من فعله فلا يتصور الوجوب في حقها واحتج الحنفية ومن قال بقولهم بوجوب الصوم عليها بوجوه أحدها قوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه وهي شهدت الشهر فيلزمها الصوم لعموم النص وثانيها أنها تنوي رمضان ولولا تقدم الوجوب لما كان لهذا الصوم برمضان تعلق وثالثها

هامش أنوار البروق

قال الفرق الثامن والستون بين قاعدة الواجب الموسع وبين قاعدة ما قيل فيه من وجوب الصوم على الحائض إلى قوله ويمنع من صحة الصلاة ووجوبها قلت ليس مراد من قال بوجوب الصوم على الحائض أنها مكلفة بإيقاع الصوم في حال الحيض كيف وقد اتفقوا على عدم صحته إن أوقعته وعلى أنها آثمة بذلك ولكن مرادهم أنها مكلفة بالتعويض ومن أيام الحيض التي هي من رمضان ولا يصح أن يقال أن تكليفها بذلك لم يقع في أيام الحيض بل

هامش إدرار الشروق

الفرق الثامن والستون بين قاعدة الواجب الموسع وبين قاعدة ما قيل به من وجوب الصوم على الحائض وذلك هو أن الواجب الموسع لقضاء رمضان يجب موسعا من شوال إلى آخر شعبان من السنة المستقبلة شرطه أن يمكن فعله في أول أزمنة التوسعة ولا يجب على الحائض الصوم إلا بعد زوال العذر فقط بالإجماع فقد اتفق العلماء رضي الله عنهم على عدم صحة الصوم لو أوقعته زمن الحيض وعلى أنها آثمة إذا فعلت فمراد القاضي عبد الوهاب من المالكية وكل من قال إن الحيض يمنع من صحة الصوم دون وجوبه ويمنع من صحة الصلاة ووجوبها أن الحائض مكلفة زمن الحيض بالتعويض من أيام الحيض التي هي من رمضان ولا يصح أن يقال إن تكليفها بذلك لم يقع في أيام الحيض بل في أيام التعويض إذ لا يلزم أن لا يكون زمن التكليف غير زمن إيقاع الفعل المكلف به وإلا للزم أن لا يكون أحد مكلفا بجملة عبادة مترتبة الأجزاء بل بكل جزء في زمنه وذلك معلوم البطلان

وقد مر في الفرق الحادي والأربعين أن زمن التكليف يكون غير زمن إيقاع الفعل المكلف به فظهر لزوم تقدم زمن التكليف على زمن الإيقاع في العبادات ذوات

____________________

(2/118)

أن القضاء يقدر بقدر الأداء الفائت فأشبه قيم المتلفات القائمة مقام الأعيان المتلفة فكذلك هذا القضاء يقوم مقام الواجب الذي فات فلو لم يجب شيء متقدم لم يكن شيء يقوم هذا القضاء مقامه

والجواب عن الأول أن عموم النص يجب تخصيصه بالدليل الضروري فإن حقيقة الواجب ما لا يمنع من فعله وهذه ممنوعة من الفعل ولما كانت ممنوعة من ذلك دل ذلك على عدم الوجوب عليها بالضرورة وكيف يمكن أن يقال إن صاحب الشرع أوجب على مكلف شيئا ويعاقبه إن لم يفعله ومع ذلك فهو يعاقبه إذا فعل أو لم يفعل

وهذا لم يعهد في الشريعة أصلا ونحن وإن جوزناه على الله تعالى من باب تكليف ما لا يطاق فنحن نقطع بأن الشريعة لم ترد بهذا الجائز بل بالرحمة وترك المشاق والتيسير والإحسان ولذلك قال عليه السلام بعثت بالحنيفية السمحة وإذا كان هذا معلوم النفي بالضرورة من الشريعة المحمدية كان ذلك من أعظم أدلة التخصيص فيتخصص به عموم الآية بالضرورة فلا يستقيم التمسك بها وعن الثاني أنها إنما تنوي رمضان بسبب أن هذا الصوم ليس تطوعا ولا واجبا ابتداء ولا بسبب حدث الآن ولا نذرا ولا كفارة بل من نوع آخر من الصوم غير الأنواع المعهودة في الشريعة فيحتاج إلى نية تميزه عن بقية الأنواع لأن النية إنما شرعت لتمييز العبادات عن العادات ولتمييز مراتب العبادات وسبب هذا الصوم هو الترك في رمضان

هامش أنوار البروق

في أيام التعويض لأنه ليس بلازم أن يكون زمن التكليف غير زمن إيقاع الفعل المكلف به ولو لزم ذلك للزم أن لا يكون أحد مكلفا بجملة عبادة مترتبة الأجزاء بل بكل جزء زمنه وذلك معلوم البطلان قطعا وقد تقدم له تقرير أن زمن التكليف يكون غير زمن إيقاع الفعل المكلف به في الفرق الحادي والأربعين ومن لزوم تقدم زمن التكليف على زمن إيقاع الفعل في العبادات ذوات الأجزاء المترتبة ظهرت صحة قول من يقول بترتب العبادات في الذمم كالديون وظهر بطلان قول من يقول بعدم ترتبها في الذمم بخلاف الديون

قال وقالت الحنفية يجب عليها الصوم وجوبا موسعا يشيرون بهذه التوسعة إلى عدم تحتم الصوم في زمن الحيض حتى لا يجتمع عليها الوجوب والإثم في الفعل فإن الواجب لا يمنع من فعله وهذه تمنع فلا يتصور الوجوب في حقها قلت إن سلم الحنفية منعها من الصوم فكيف يقولون بوجوبه عليها وذلك متناقض إلا أن يعنوا بذلك أن التعويض من أيام رمضان موسع الوقت فذلك صحيح أما أن يعنوا بذلك التوسعة في إيقاع الصوم في أيام الحيض أو غيرها فذلك لا يصح بوجه

هامش إدرار الشروق

الأجزاء المترتبة ومنه تظهر صحة قول من يقول بترتب العبادات في الذمم كالديون وبطلان قول من يقول بعدم ترتبها في الذمم بخلاف الديون وأما قول الأحناف ومن قال بقولهم يجب عليها الصوم وجوبا موسعا محتجين بثلاثة وجوه أحدها قوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه وهي شهدت الشهر فيلزمها الصوم لعموم النص

____________________

(2/119)

فأضيف لسببه ليتميز عن غيره لا لأن الوجوب تقدم بل جعل صاحب الشرع رؤية هلال رمضان سببا لوجوب الصوم على المختارين الذين لا مانع في حقهم وسببا لجعل ترك كل يوم سببا لوجوب فعل يوم آخر بعد رمضان فرؤية الهلال سبب لسببية ترك الصوم ونصب الترك سببا لا يقتضي وجوب الإيقاع فيه بل لو صرح الشارع هكذا

وقال جعلت ترك رمضان عند رؤية الهلال سببا لوجوب مثله خارج رمضان ولا يجب الفعل في رمضان لم يكن ذلك متناقضا ألا ترى أن الصبي والمجنون إذا ترك إخراج قيم المتلفات من أموالهم في زمن الصبا والجنون يكون ذلك الترك سببا لوجوب دفع القيم بعد زوال الصبا والجنون ويكلفون ح بالغرامات من أموالهم في ذممهم مع أنه لم يتقدم عليهم وجوب قبل ذلك وصار الترك سببا للتكليف بعد زوال العذر كذلك هاهنا جعل الترك سببا للوجوب بعد زوال العذر مع عدم التكليف في زمان الترك ويضاف هذا الصوم لذلك الترك ليتميز عن غيره كما تضاف القيمة للإتلاف في زمان الصبا أو الجنون ليتميز هذا المال المدفوع عن غيره من الديون والواجبات ومن النفقات

هامش أنوار البروق

قال واحتج الحنفية ومن قال بقولهم بوجوب الصوم عليها بوجوه أحدها قوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه وهي شهدت الشهر فيلزمها الصوم لعموم النص وثانيها أنها تنوي رمضان ولولا تقدم الوجوب لما كان لهذا الصوم برمضان تعلق وثالثها أن القضاء يقدر بقدر الأداء الفائت فأشبه قيم المتلفات القائمة مقام الأعيان المتلفة فكذلك هذا القضاء يقوم مقام الواجب الذي فات فلو لم يجب شيء متقدم لم يكن شيء يقوم هذا القضاء مقامه والجواب عن الأول أن عموم النص يجب تخصيصه بالدليل الضروري فإن حقيقة الواجب ما لا يمنع من فعله وهذه ممنوعة من الفعل إلى قوله فيتخصص به عموم الآية بالضرورة فلا يستقيم التمسك بها قلت إن أراد بقوله إن حقيقة الواجب ما لا يمنع من فعله ألبتة وإن منع على وجه ما فذلك مسلم ولا يتناول محل النزاع فإنها لم تمنع منه ألبتة في أيام الحيض فقط وإن أراد ما لا يمنع بوجه من الوجوه فذلك ممنوع

قال وعن الثاني أنها إنما نوت رمضان بسبب أن هذا الصوم ليس تطوعا ولا واجبا ابتداء ولا بسبب حدث الآن ولا نذرا ولا كفارة بل هو نوع آخر من الصوم غير هذه الأنواع المعهودة قلت إن أراد بالأنواع المعهودة الأنواع التي سماها فذلك أمر لا يجهله أحد ولا فائدة في ذلك وإن أراد أنه نوع من الصوم غير معهود في الشرع فذلك باطل فإنه صوم معهود في الشرع كسائر أنواعه

هامش إدرار الشروق

وثانيها أنها تنوي رمضان ولولا تقدم الوجوب لما كان لهذا الصوم برمضان تعلق

وثالثها القضاء يقدر بقدر الأداء الفائت فأشبه قيم المتلفات القائمة مقام الأعيان المتلفة فكذلك هذا القضاء يقوم مقام الواجب الذي فات فلو لم يجب شيء متقدم لم يكن شيء يقوم هذا القضاء مقامه فيتعين حيث سلم الأحناف منعها من الصوم في زمن الحيض أن يحمل على أن مرادهم أن التعويض من

____________________

(2/120)

وغيرها من الأموال المتنوعة في الدفع وعن الثالث أن القضاء إنما قدر بقدر المتروك من الصوم لأن صاحب الشرع جعل ترك كل يوم سببا لوجوب صوم يوم بعد رمضان كما قدرت قيم المتلفات بعد البلوغ لزوال الجنون بحسب قدر المتلفات مع انعقاد الإجماع على عدم الوجوب في زمان الصبا والجنون وكذلك هاهنا والحق أنه لا يجب على الحائض شيء من الصوم لأن أقل رتب الواجب أن يؤذن في فعله وهذا لم يؤذن لها في فعله فلا يجب عليها ما لم يؤذن لها فيه وأما قول الحنفية إنه واجب موسع فهو في بادي الرأي يظهر أنه لا يلزمهم محذور لعدم التضييق وعند التحقيق يبطل ما قالوه بسبب أن الواجب الموسع من شرطه إمكان وقوعه في أول أزمنة التوسعة وهذه ممنوعة إجماعا إلى زمن الطهر في جميع زمن الحيض فلا يصح في حقها أنه واجب موسع

ولو صح ما قالوه لصح أن يقال إن الظهر يجب من طلوع الشمس وجوبا موسعا فإنها تفعل بعد الزوال كما تفعل في الصوم بعد زوال العذر ويصح أن يقال إن رمضان يجب من رجب وجوبا موسعا ويفعل بعد انسلاخ

هامش أنوار البروق

قال فيحتاج إلى نية تميزه عن بقية الأنواع لأن النية إنما شرعت لتمييز العبادات عن العادات ولتمييز مراتب العبادات قلت لم تشرع النيات لذلك ولكن شرعت للتقرب بالعبادات لمن أمر بالعبادات وهو أهل لذلك ومن لازم التقرب بها للمعبود الواجب الطاعة أن يتقرب بها على الوجه الذي أمر وللسبب الذي نصب فالتمييز ليس بسبب لشرع النيات بل هو لازم لما شرعت له النيات

قال وسبب هذا الصوم هو الترك في رمضان فأضيف لسببه ليتميز عن غيره لا لأن الوجوب تقدم قلت ولم كان تركها للصوم في رمضان سببا في وجوب الصوم في غيره بنية التعويض منه وكيف يجب التعويض من غير واجب هذا مما لا خفاء ببطلانه بل الصحيح أنه وجب عليها في رمضان لكن تعذر عليها فعل هذا الواجب تعذرا شرعيا وحكم العذر الشرعي كحكم العذر الحسي أما الحسي فكالنوم المستغرق لوقت الصلاة

وأما الشرعي فكمزاحمة واجب تفوت مصلحته إن أخر كما في إنقاذ غريق يستغرق وقت الصلاة وكلا المكلفين بذلك يقضيان بعد الوقت وقد كان الوجوب تعلق بهما عند دخول الوقت واستقر في ذمتهما إلى حين القضاء وليس يشكل وجوب واجب من العبادات في وقت يمتنع إيقاعه فيه على كل من يرى ترتب العبادات في الذمم كالديون وإنما يشكل ذلك على من يفرق بين العبادة والديون

هامش إدرار الشروق

أيام رمضان موسع الوقت لا أن التوسعة في إيقاع الصوم في أيام الحيض أو غيرها لعدم صحة ذلك بوجه إذ كيف يصح قولهم بأنها مكلفة بإيقاع الصوم في حال الحيض وهم يقولون بعدم صحته إن أوقعته وبأنها آثمة بذلك وهل يجامع الوجوب الإثم والواجب لا يمتنع إذ لم يعهد في الشريعة أن صاحب الشرع يعاتب المكلف إذا فعل أو لم يفعل وذلك لأنا وإن جوزنا على الله تعالى ذلك من باب تكليف ما لا يطاق

____________________

(2/121)

شعبان كما يفعل الصوم بعد زوال العذر ولكن هذا كله خلاف الإجماع فلا يصح ما قالوه من الواجب الموسع ويتضح حينئذ الفرق بين الواجب الموسع وبين صوم

هامش أنوار البروق

قال بل جعل صاحب الشرع رؤية الهلال سببا لوجوب الصوم على المختارين الذين لا مانع في حقهم وسببا لجعل ترك كل يوم سببا لوجوب فعل يوم آخر بعد رمضان فرؤية الهلال سبب لسببية ترك اليوم ونصب الترك سببا لا يقتضي وجوب الإيقاع فيه قلت إيقاع صومها في أيام رمضان مسلم أنه ليس بواجب بل هو ممنوع وجعل رؤية الهلال سببا لسببية الترك دعوى وقوله إن نصب الترك سببا لا يقتضي وجوب الإيقاع في اليوم المتروك دعوى أيضا وبالجملة لا حاجة إلى هذه الدعاوى التي لا حجة عليها

قال بل لو صرح الشارع هكذا وقال جعلت ترك رمضان عند رؤية الهلال سببا لوجوب مثله خارج رمضان ولا يجب الفعل في رمضان لم يكن ذلك متناقضا ألا ترى أن الصبي والمجنون إذا ترك إخراج قيم المتلفات من أموالهم في زمن الصبا والجنون يكون ذلك الترك سببا لوجوب دفع القيم بعذر زوال الصبا والجنون ويكلفون ح بالغرامات من أموالهم في ذممهم مع أنه لم يتقدم عليهم وجوب قبل ذلك وصار الترك سببا للتكليف بعد زوال العذر كذلك هاهنا جعل الترك سببا للوجوب بعد زوال العذر مع عدم التكليف في زمن الترك ويضاف هذا الصوم لذلك الترك ليتميز عن غيره كما تضاف القيم للإتلاف في زمن الصبا أو الجنون ليتميز هذا المال المدفوع عن غيره من الديون والواجبات من النفقات وغيرها من الأموال المتنوعة في الدفع قلت إضافة وجوب الصوم بعد رمضان إلى تركه في رمضان مشعر بتعلق الوجوب بالمكلفة بذلك في رمضان وإلا فلا معنى لتلك الإضافة لأنها إن كانت إنما تركت غير واجب فلا شيء عليها وهل عهد في الشرع أن ترك غير الواجب يكون سببا في الوجوب وما سبب هذا الارتباك الموجب لمثل هذا الكلام الواضح الضعف إلا الغفلة عن تقرر العبادات في الذمم عند وجود أسبابها كالديون والغرامات أو التغافل عن ذلك والصبي والحائض وإن كان حالهما مستويا من حيث إنها لا تكلف عند وجود السبب الذي هو رمضان بإيقاع الصوم فيه والصبي أيضا لا يطلب عند وجود السبب الذي هو الإتلاف بإيقاع الغرامة يوم الإتلاف بينهما فرق من جهة أن الصبي خال عن شرط التكليف بخلافها فيصح أن يقال فيها إنها مكلفة باعتبار اتصافها بشرط التكليف ولا يصح أن يقال فيه إنه مكلف بذلك الاعتبار ويصح فيهما معا أن يقال ترتب العوض في ذمتهما يوم وجود السبب والموجب لصحة القول بترتب العوض في ذمتهما وصحة القول بتكليفها دونه أن لفظ التكليف ولفظ الترتيب في الذمة وما أشبه ذلك اختلاف عبارات مبني على اعتبارات والاعتبارات أمور وضعية تتبع المقاصد والله أعلم

قال وعن الثالث أن القضاء إنما قدر بقدر المتروك من الصوم لأن صاحب الشرع جعل ترك يوم سببا لوجوب صوم يوم بعد رمضان إلى قوله فلا يجب عليها ما لم يؤذن لها فيه

هامش إدرار الشروق

إلا أنا نقطع بأن الشريعة لم ترد بهذا الجائز بل بالرحمة وترك المشاق والتيسير والإحسان ولذلك قال عليه الصلاة والسلام

____________________

(2/122)

الحائض أن الواجب الموسع يمكن فعله في أول أزمنة التوسعة وهذه لا يمكن أن تفعل في أول زمن الحيض ولا يكون زمن الحيض من أزمنة التوسعة لها فإن أرادوا بأنه واجب وجوبا موسعا إنه يجب بعد زوال العذر فقط فهذا مجمع عليه فلا يصرحون بالخلاف في المسألة ويقولون إن هذا مذهب يختصون به فظهر الحق واتضح الفرق بفضل الله تعالى

الفرق التاسع والستون بين قاعدة الواجب الكلي وبين قاعدة الكلي الواجب فيه وبه وعليه وعنده ومنه ومثله وإليه فهذه عشر قواعد في الكلي الذي يتعلق به الوجوب خاصة وهي عشر قواعد كلها

هامش أنوار البروق

قلت إن أراد أنها لم يجب عليها إيقاع الصوم في زمن الحيض فذلك صحيح وقد حكى هو الإجماع على ذلك وإن كان يريد أن الوجوب لم يتعلق بذمتها عند وجود سببه وهو رمضان فهو محل النزاع وقد سبق بيان لزوم تقرر العبادات في الذمم بدليل أوائل إجزاء العبادات ذوات الأجزاء المرتبة مع أواخر أجزائها فإنه لا قائل بأن الوجوب إنما توجه على المكلف عند الشروع في العبادات بأول جزء منها دون سائر أجزائها ثم عند الفراغ من الجزء الأول توجه الوجوب عليه بالجزء الثاني ثم كذلك إلى آخر الأجزاء

قال وأما قول الحنفية إنه واجب موسع فهو في بادئ الرأي يظهر أنه لا يلزمهم محذور إلى آخر الفرق قلت ما قاله في ذلك صحيح

قال الفرق التاسع والستون بين قاعدة الواجب الكلي وبين قاعدة الكلي الواجب فيه وبه وعليه وعنده ومنه وعنه ومثله وإليه إلى آخر قوله فاذكر كل قاعدة على حيالها قلت ما قاله من أن الوجوب في هذه القواعد يتعلق بالكلي لا بالجزئي إن أراد ظاهر لفظه فليس ذلك بصحيح وكيف يتعلق التكليف بالكلي وهو مما لا يدخل في الوجود العيني وإنما يدخل في الوجود الذهني والتكليف إنما يتعلق بالوجود العيني وإن أراد أن الوجوب يتعلق بالكلي أي بإيقاع

هامش إدرار الشروق

بعثت بالحنيفية السمحة وحينئذ فيرجع خلافهم في المسألة لفظيا بل لا وجه لتصريحهم بالخلاف فيها واحتجاجهم لما قالوه بتلك الأوجه الثلاثة فلا داعي إلى الإطالة بالجواب عن تلك الوجوه بتكلف الدعاوى التي لا حجة عليها كما قاله ابن الشاط فافهم والله أعلم

الفرق التاسع والستون بين قاعدة الواجب الكلي وبين قاعدة الكلي الواجب فيه وبه وعليه وعنده ومنه وعنه ومثله وإليه اعلم أن متعلق خطاب الشرع نوعان

____________________

(2/123)

يتعلق فيها الوجوب بالكلي دون الجزئي وهي متباينة الحقائق مختلفة المثل والأحكام فأذكر كل قاعدة على حيالها ليظهر الفرق بينهما وبين غيرها

اعلم أن خطاب الشرع قد يتعلق بجزئي كوجوب التوجه إلى خصوص الكعبة الحرام والإيمان بالنبي المعين والتصديق بالرسالة المخصوصة كالقرآن وقد لا يعين متعلق التكليف بل يجعله دائرا بين أفراد جنس ويكون متعلق الخطاب هو القدر المشترك بين أفراد ذلك الجنس دون خصوص كل واحد من تلك الأفراد وهو المقصود في هذا الفرق وهو المنقسم إلى عشرة أجناس كما يأتي إن بيانه شاء الله عز وجل

هامش أنوار البروق

ما فيه الكلي بمعنى ما هو داخل تحت الكلي من غير تعرض لتعيين ما وقع به التكليف فذلك صحيح

قال اعلم أن خطاب الشرع قد يتعلق بجزئي كوجوب التوجه إلى خصوص الكعبة إلى قوله وهو المنقسم إلى عشرة أجناس كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى قلت قوله في أثناء هذا الفصل قد لا يعين متعلق التكليف بل يجعله دائرا بين أفراد جنس يشعر بأن مراده بتعلق الوجوب بالكلي أن تعلقه به لا من حيث هو كلي بل من حيث يكون الفعل الموقع من أفراد ذلك الكلي

قال القاعدة الأولى الواجب الكلي هذا هو الواجب المخير إلى قوله والصادق على أشياء مشترك بينها قلت قد سبق أنه يريد أن تعلق التكليف بالمشترك الكلي إنما معناه أن التكليف تعلق بإيقاع شيء مما فيه المشترك الكلي لا بالكلي من حيث هو كلي

قال وهذا القدر المشترك هو متعلق خمسة أحكام إلى قوله فالواجب واجب من غير تخيير والمخير فيه مخير فيه من غير إيجاب قلت ما قاله صحيح غير قوله بل مفهوم أحدها الذي هو قدر مشترك فإنه ليس بصحيح فإن القدر المشترك عنده هو الكلي واحد الأشياء ليس هو المشترك الذي هو الكلي لتلك الأشياء بل أحد الأشياء واحد منها غير معين من الآحاد الصادق عليها ذلك المشترك وقد سبق التنبيه على مثل هذا في مواضع غير هذا

هامش إدرار الشروق

أحدهما جزئي معين كوجوب التوجه إلى خصوص الكعبة الحرام والإيمان بالنبي المعين والتصديق بالرسالة المخصوصة كالقرآن

وثانيهما جزئي غير معين من الجزئيات الداخلة تحت المشترك الكلي فيتعلق حينئذ الخطاب بالكلي لكن لا من حيث إنه كلي ضرورة أن التكليف إنما يتعلق بالوجود العيني والكلي لا يدخل في الوجود العيني وإنما يدخل في الوجود الذهني بل من حيث إن الفعل الموقع من أفراد ذلك الكلي وهذا النوع هو المقصود في هذا الفرق وهو المنقسم إلى عشرة أجناس متباينة الحقائق مختلفة المثل والأحكام يذكر كل جنس منها قاعدة على حيالها ليظهر الفرق بينها وبين غيرها

____________________

(2/124)

القاعدة الأولى الواجب الكلي هذا هو الواجب المخير في خصال الكفارة في اليمين وحيث قيل به فالواجب هو أحد الخصال وهو مفهوم مشترك بينها لصدقه على كل واحد منهما والصادق على أشياء مشترك بينها وهذا القدر المشترك هو متعلق خمسة أحكام الحكم الأول الوجوب فلا وجوب إلا فيه والخصوصات التي هي العتق والكسوة والإطعام متعلق التخيير من غير إيجاب والمشترك هو متعلق الوجوب ولا تخيير فيه فلم يخير الله المكلف بين فعل أحدها وبين ترك هذا المفهوم فإن ترك هذا المفهوم إنما هو بترك جميعها ولم يقل به أحد بل مفهوم أحدها الذي هو قدر مشترك بينهما متعين للفعل متحتم الإيقاع فالمشترك متعلق الوجوب ولا تخيير فيه

هامش أنوار البروق

قال الحكم الثاني المتعلق بهذا المشترك الثواب على تقدير الفعل فإذا فعل الجميع أو بعضه لا يثاب ثواب الواجب إلا على القدر المشترك وما وقع معه يثاب عليه ثواب الندب أو لا يثاب عليه قلت ما قاله من أنه لا يثاب إلا على القدر المشترك ليس بصحيح فإن الثواب إنما يكون على الفعل الذي وقع من المكلف وهذا لم يوقع القدر المشترك ولا يصح منه إيقاعه وإنما أوقع ما كلف أن يوقعه ويصح منه إيقاعه وهو فرد مما يدخل تحت المشترك وتعلق التكليف به على الإبهام ولكن الوجود عينه فإنه لا يتحقق الوجود إلا في المعين وما قاله من أن ما أوقعه مع ذلك يثاب عليه ثواب الندب أو لا يثاب عليه ليس بمسلم فإنه دعوى لم يأت عليها بحجة ولقائل أن يقول يثاب على الزائد ثواب الواجب من حيث إنه إنما يفعله استظهارا وتأكيدا لبراءة ذمته من ذلك الواجب فإن اتفق أن يفعله لغير ذلك القصد فيحتمل أن لا يثاب لأنه إن لم يفعله لذلك لم يفعله لوجه مشروع وما لم يفعل لوجه مشروع فلا دليل على ثبوت الثواب عليه

قال وبحسب ما يختاره إن اختار أفضلها حصل له ثواب الندب على ذلك الخصوص وإن اختار أدناها إن كان بينها تفاوت أو إحداها وليس بينها تفاوت فلا ثواب في الخصوص قلت ما قاله هنا ليس بصحيح بل إنما يثاب ثواب الواجب لا ثواب الندب بعد اختيار أفضلها أو أدناها ولكن يكون ثواب أفضلها ثواب واجب أفضل وثواب أدناها ثواب واجب أدون ولا وجه لدخول الندب هنا وقوله فلا ثواب في الخصوص ليس بصحيح فإن الثواب إنما يكون على ما أوقع ولم يوقع إلا الخصوص

هامش إدرار الشروق

القاعدة الأولى الواجب الكلي هو الواجب المخير في خصال الكفارة في اليمين المتعلق بالكلي المشترك بينها من حيث صدقه بواحد منها غير معين الذي هو متعلق خمسة أحكام

الحكم الأول الوجوب فلا وجوب إلا في ذلك الواحد المبهم منها فمفهوم أحدها متعين للفعل متحتم الإيقاع لا تخيير فيه وإنما متعلق التخيير الخصوصيات التي هي العتق والكسوة والإطعام فكل واحد منها بخصوصه لا إيجاب فيه نعم لما كان وجود متعلق الوجوب الذي هو الواحد المبهم لا يتحقق إلا في معين كان تعلق التكليف به لكن على الإبهام لا على التعيين الذي اقتضاه تحقق الوجود فلم يكن التعيين الزائد الذي هو متعلق التخيير واجبا فافهم

____________________

(2/125)

والخصوصات متعلق التخيير ولا وجوب فيها فالواجب واجب من غير تخيير والمخير فيه مخير فيه من غير إيجاب الحكم الثاني المتعلق بهذا القدر المشترك الثواب على تقدير الفعل فإذا فعل الجميع أو بعضه لا يثاب ثواب الواجب إلا على القدر المشترك وما وقع معه يثاب عليه ثواب الندب أو لا يثاب عليه بحسب ما يختاره إن اختار أفضلها حصل له ثواب الندب على ذلك الخصوص

وإن اختار أدناها إن كان بينها تفاوت أو إحداها وليس بينها تفاوت فلا ثواب في الخصوص أما ثواب الوجوب فلا يتعلق إلا بالمشترك خاصة فإن القاعدة أن متعلق الوجوب ومتعلق ثوابه يجب أن يتحدا أما إنه يجب شيء ويفعل ويثاب ثواب الواجب على غيره فلا

هامش أنوار البروق

قال أما ثواب الوجوب فلا يتعلق إلا بالمشترك خاصة فإن القاعدة أن متعلق الوجوب ومتعلق ثوابه يجب أن يتحدا أما أنه يجب شيء ويفعل ويثاب ثواب الواجب على غيره فلا قلت ما قاله هنا من أن ثواب الوجوب لا يتعلق إلا بالمشترك ليس بصحيح وقد تقدم بيان ذلك وما قاله من لزوم توارد الوجوب وثوابه على شيء متحد صحيح لكن ذلك إنما هو الفعل الذي أوقعه وليس هو القدر المشترك ولا تعلق الوجوب بالقدر المشترك بل بفرد غير معين مما فيه المعنى المشترك والإيقاع إفادة التعيين

قال الحكم الثالث العقاب على تقدير الترك يجب أن يكون على القدر المشترك الذي هو مفهوم أحدها قلت قد تقدم مرارا أن القدر المشترك ليس مفهوم أحدها

قال فإذا تركه فقد ترك الجميع وتركه لا يتأتى إلا بترك الجميع فإنه إذا ترك البعض وفعل البعض فقد فعل المشترك وهو مفهوم أحدها لأنه في ضمن المعين فيستحق حينئذ العقاب على تركه إذا تركه بترك الجميع لأن متعلق الوجوب يجب أن يكون متعلق العقاب على تقدير الترك ومتعلق الثواب على تقدير الفعل قلت ما قاله من أن ترك الواجب لا يتأتى إلا بترك الجميع صحيح وما قاله من أنه إذا فعل البعض فقد فعل المشترك إنما يعني فعل ما فيه المعنى المشترك لا الكلي وما قاله من أنه مفهوم أحدها

هامش إدرار الشروق

الحكم الثاني ثواب الواجب فلا يتعلق إلا بفعل واحد مبهم مما يدخل تحت المشترك الكلي لكن لما كان لا يتحقق وجوده إلا في المعين كان ثواب الواجب متعلقا بفعل المعين على الإبهام لا على تعيينه الذي اقتضاه تحقق الوجود لكونه زائدا على الإبهام الذي هو متعلق الوجوب وثوابه

نعم لقائل أن يقول يثاب على التعيين الزائد ثواب الواجب من حيث إنه إنما يفعله استظهارا وتأكيدا لبراءة ذمته من ذلك الواجب حتى إنه إذا اختار أفضل الخصال أثيب ثواب واجب أفضل أو أدناها أثيب ثواب واجب أدون فإن اتفق أن يفعله لغير ذلك القصد فيحتمل أن لا يثاب لأنه إن لم يفعله لذلك لم يفعله لوجه مشروع فلا دليل على ثبوت الثواب عليه فافهم

الحكم الثالث العقاب على تقدير ترك ذلك الواجب الذي هو فعل واحد مبهم مما يدخل تحت المشترك

____________________

(2/126)

الحكم الثالث العقاب على تقدير الترك يجب أن يكون على القدر المشترك الذي هو مفهوم أحدها فإذا تركه فقد ترك الجميع وتركه لا يتأتى إلا بترك الجميع فإنه إذا ترك البعض وفعل البعض فقد فعل المشترك وهو مفهوم أحدها لأنه في ضمن المعين فيستحق حينئذ العقاب على تركه إذا تركه ترك الجميع لأن متعلق الوجوب يجب أن يكون متعلق العقاب على تقدير الترك ومتعلق الثواب على تقدير الفعل ولا وجه لمن قال إنه إذا فعل الجميع أثيب ثواب الواجب على أكثرها ثوابا وإذا ترك الجميع عوقب على ترك أدونها عقابا فإن أكثرها ثوابا لو أثيب عليه ثواب الواجب لكان هو الواجب ولتعين الواجب ولم يكن الواجب أحدها لا بعينه فكان يبطل معنى التخيير والتقدير ثبوته

وأما أدونها عقابا فهو قريب من قولنا إنه يعاقب على القدر المشترك لأنه لا أقل من المشترك ولكن

هامش أنوار البروق

فقد تقدم ما فيه وأنه إن كان يعني ما فيه المشترك أو يحويه المشترك فذلك صحيح وإلا فلا وما قاله من أنه يستحق العقاب حينئذ على تركه إذا تركه بترك الجميع صحيح وما قاله من أن متعلق الوجوب يجب أن يكون متعلق العقاب على تقدير الترك ومتعلق الثواب على تقدير الفعل ليس كما

قال فإن متعلق الثواب في الواجب المخير فعل إحدى الخصال المخير فيها ومتعلق العقاب ترك جميعها فليس متعلق الوجوب هو بعينه متعلق الثواب ومتعلق العقاب معا من هذا الوجه إلا أن يريد أن متعلق الوجوب هو متعلق الثواب والعقاب على الجملة فلذلك وجه والله أعلم

قال ولا وجه لمن قال إنه إذا فعل الجميع أثيب ثواب الواجب على أكثرها ثوابا وإذا ترك الجميع عوقب على ترك أدونها عقابا قلت لقائل أن يقول بل لقول قائل ذلك وجه ثبت تقديره في الشريعة من سعة باب الثواب بدليل تضعيف الحسنات وضيق العقاب بدليل عدم تضعيف السيئات فالثواب عن الأكثر ثوابا والعقاب على الأدون عقابا مناسب لتلك القاعدة

قال فإن أكثرها ثوابا لو أثبت عليه ثواب الواجب لكان هو الواجب ولتعين الواجب ولم يكن الواجب أحدها لا بعينه فكان يبطل معنى التخيير والتقدير ثبوته قلت إن أراد بقوله ولتعين الواجب باعتبار تعلق الوجوب فذلك ممنوع وكيف يتعين باعتبار تعلق الوجوب وقد فرض غير متعين هذا ما لا يصح بوجه وإن أراد ولتعين الواجب باعتبار الوجود

هامش إدرار الشروق

الكلي لا يتأتى إلا بترك الجميع إذ بفعل البعض يتحقق متعلق الوجوب وثوابه الذي هو الواحد المبهم في ضمن المعين فإذا ترك الجميع عوقب على ترك أدونها عقابا بخلاف ما إذا فعل الجميع فإنه يثاب ثواب الواجب على أكثرها ثوابا نظرا لقاعدة سعة الثواب بدليل تضعيف الحسنات وقاعدة ضيق باب العقاب بدليل عدم تضعيف السيئات فالثواب على الأكثر ثوابا والعقاب على الأدون عقابا هو المناسب لقاعدتيهما المذكورتين فافهم

الحكم الرابع براءة الذمة من الواجب الذي متعلقه واحد مبهم مما يدخل تحت المشترك الكلي فإنما تحصل بما أوقعه مما فيه المشترك سواء كان الموقع جميع الخصال أو شيئا منها من حيث إن الواحد المبهم

____________________

(2/127)

تشخيصه في خصلة معينة له فيقال هذا أقلها عقابا له وهي متعلق العقاب على تقدير الترك يقتضي أنها هي بعينها متعلق الوجوب فيبطل معنى التخيير والتقدير ثبوته هذا خلف بل التصريح بالقدر المشترك في ذلك هو الصواب الحكم الرابع المتعلق بالقدر المشترك براءة الذمة فلا تبرأ إلا بالقدر المشترك الذي هو مفهوم أحدها فإذا فعل الجميع أو شيئا معينا منها إنما تبرأ ذمته من ذلك بالقدر المشترك لأن الواجب هو سبب براءة الذمة من الواجب إذا وقع بعينه ولا تبرأ الذمة من الواجب بشيء غيره ألبتة ولذلك نقول فيمن صلى الظهر إنما برأت ذمته بالقدر المشترك بين صلاته هذه وجميع صلوات الناس وهو مفهوم الظهر من حيث هو ظهر أما خصوص هذا

هامش أنوار البروق

فذلك مسلم ولا بد منه فإن الوجود يستلزم التعيين بخلاف الوجوب فإنه لا يستلزم ذلك والسبب في ذلك أن الوجوب أمر إضافي والوجود أمر حقيقي والثواب والعقاب أمران حقيقان لا يترتبان إلا على الأمر الحقيقي فهما يستلزمان ما يترتبان عليه وتعيينه وإنما أوقع شهاب الدين في هذا الإشكال ذهاب وهمه إلى أن التعيين في الوجود يستلزم التعيين في الوجوب وليس الأمر كذلك على ما بينته آنفا

قال وأما أدونها عقابا فهو قريب من قولنا إنه يعاقب على القدر المشترك لأنه لا أقل من المشترك قلت ما قاله من أن قول القائل إنه يعاقب على أدونها عقابا قريب من قول القائل إنه يعاقب على القدر المشترك لأنه لا أقل من المشترك ليس بصحيح لأن المشترك الذي هو الكلي لا يلحقه وصف القلة والكثرة ولا ما أشبههما من الأوصاف

قال ولكن تشخيصه في خصلة معينة له فيقال هذه أقلها عقابا وهي متعلق العقاب على تقدير الترك يقتضي أنها هي بعينها متعلق الوجوب فيبطل معنى التخيير والتقدير ثبوته هذا خلف قلت ما قاله من أن تشخيصه خصلة يقال إنها أقلها عقابا يقتضي أنها بعينها متعلق الوجوب ليس بصحيح بل لا يقتضي تشخيصها ذلك ولا يستلزمه

قال بل التصريح بالقدر المشترك في ذلك هو الصواب قلت ليس ما صوبه بصواب وقد سبق بيان ذلك قال الحكم الرابع المتعلق بالقدر المشترك براءة الذمة فلا تبرأ إلا بالقدر المشترك الذي هو مفهوم أحدها

هامش إدرار الشروق

هو متعلق الوجوب متحقق به لا من حيث تعينه إذ لا مدخل للمعين في براءة الذمة من الواجب إلا من حيث إن به تعيين وجود الواجب لا من حيث إن به تعيين الوجوب فافهم

الحكم الخامس النية فإنما تتعلق بما يختار إيقاعه من حيث إن به يحصل مقتضى التكليف بالمطلق الذي هو الواحد المبهم لا من حيث خصوصه فإذا أعتق في الواجب المخير لا ينوي براءة ذمته ولا فعل الواجب بالعتق من حيث هو عتق بل من حيث إن العتق أحد خصال كفارة اليمين فقط وإذا جمع بين العتق والكسوة والإطعام لا ينوي بالمجموع براءة الذمة ولا فعل الواجب إلا من حيث إن في المجموع أحد الخصال لا من حيث الخصوصيات وبالجملة فهذه الأحكام إنما تتعلق بالمطلق الذي هو واحد مبهم من

____________________

(2/128)

الظهر وهو كونه واقعا في البقعة المعينة وعلى الهيئة المعينة فلا مدخل له في براءة الذمة لأنه لم يدخل في الوجوب وكذلك من صام رمضان إنما تبرأ ذمته من صوم رمضان بما في صومه من القدر المشترك بين صومه هذا وبين صوم عامة الناس وهو مفهوم شهر رمضان

أما خصوص هذا الشهر فلا مدخل له في البراءة كما أنه لا مدخل له في الوجوب فكونه صامه المكلف في البلد المعين أو وهو يأكل الغذاء المعين وغير ذلك من خصوصات ساقط عن الاعتبار في البراءة والوجوب والثواب والعقاب على تقدير الترك وكذلك جميع هذا الباب إنما المعتبر فيه القدر المشترك

هامش أنوار البروق

قلت قد تقدم بيان أن القدر المشترك ليس مفهوم أحدها مرارا عديدة

قال فإذا فعل الجميع أو شيئا معينا منها فلا تبرأ الذمة إلا بالقدر المشترك قلت لا تبرأ الذمة بالقدر المشترك لأنه لا يمكن إيقاعه ولا دخوله في الوجود العيني وإنما تبرأ الذمة بما أوقعه مما فيه المشترك أي قسط منه على ما قرره أهل هذا العلم

قال لأن الواجب هو سبب البراءة من الواجب إذا وقع بعينه ولا تبرأ الذمة من الواجب بشيء غيره ألبتة قلت إن أراد بقوله إذا وقع بعينه إذا وقع وتعين بالوقوع فذلك صحيح وإن أراد بقوله إذا وقع بعينه إذا وقع على حسب ما تعلق به الوجوب فذلك ليس بصحيح فإنه لا يمكن وقوعه كذلك لأن تعلق الوجوب به على سبيل الإبهام وليس تعلق الوجود به على ذلك الوجه بل على التعيين

قال ولذلك تقول فيمن صلى الظهر إنما برئت ذمته بالقدر المشترك بين صلاته هذه وجميع صلوات الناس وهو مفهوم الظهر من حيث هو ظهر قلت إن أراد ظاهر لفظه وهو أن براءة ذمة مصلي الظهر إنما تقع بصلاته وصلاة غيره فذلك واضح البطلان وذلك يستلزم أن لا تبرأ ذمة زيد حتى يصلي عمرو وغيره من سائر الناس وهذا خطأ فاحش وإن أراد أن براءة ذمة مصلي الظهر إنما تقع بالكلي من حيث هو كلي فهو خطأ أيضا وإن أراد أن براءة ذمة المصلي إنما تقع بصلاته لا من جهة خصوصها بل من جهة أن فيها معنى المشترك فذلك صحيح ولكن هذا الاحتمال بعيد من لفظه ومساق كلامه

هامش إدرار الشروق

خصال كفارة اليمين لا نفس المشترك الكلي كما قيل لكن لما كان الإطلاق عبارة عن الإبهام والإبهام لا يتأتى تحققه في الخارج بل إنما يتأتى فيه عتق رقبة معينة أو إطعام طعام معين أو إعطاء كسوة معينة كان حصول الواجب والثواب عليه وبراءة الذمة منه بنية فعل ذلك الخاص من حيث حصول مقتضى التكليف بالمطلقة به لا من حيث تحقق الإطلاق الذي هو متعلق الأحكام المذكورة فيه كما قيل

إذ كيف يجتمع الإبهام والتعيين فيه وهما نقيضان وليست المطلقات هي الكليات حتى يقال إن المناطقة قد نوعوا الكلي إلى منطقي وعقلي وطبيعي وقالوا المنطقي هو مفهوم الكلي أعني ما لا يمنع نفس تصوره من وقوع الشركة فيه والطبيعي هو معروضه كمفهوم الإنسان أي حيوان ناطق والعقلي عبارة عن المركب

____________________

(2/129)

الحكم الخامس النية فلا ينوي المكلف إيقاعه بنية الوجوب وأداء الفرض إلا القدر المشترك فهو المنوي فقط دون الخصوصات فإذا أعتق في الواجب المخير لا ينوي براءة ذمته ولا فعل الواجب بالعتق من حيث هو عتق بل لكون العتق أحد الخصال فقط وكذلك إذا جمع بين العتق والكسوة والإطعام لا ينوي فعل الواجب إلا بما في المجموع من القدر المشترك الذي هو أحد الخصال دون الخصوصيات وكذلك إذا فعل واجبا مطلقا في ضمن معين إنما ينوي ذلك المطلق الذي هو في ضمن المعين فمن صلى الظهر مثلا ينوي مفهوم صلاة الظهر الذي هو قدر مشترك بين صلاته وصلاة غيره فيه تبرأ ذمته وهو الذي يتعين عليه نيته فهذه الأحكام الخمسة هي متعلقة بالقدر المشترك دون الخصوصات وهذا هو الحق الذي يندفع به جميع الشكوك

هامش أنوار البروق

قال أما خصوص هذا الظهر وهو كونه واقعا في البقعة المعينة وعلى الهيئة المعينة فلا مدخل له في براءة الذمة لأنه لم يدخل في الوجوب قلت كون الصلاة واقعة في بقعة معينة وعلى هيئة معينة وإن لم يكن له مدخل في الوجوب أي لم تشترط تلك البقعة ولا تلك الهيئة في الوجوب فلم تقع براءة الذمة إلا بتلك الصلاة المقيدة بتلك القيود وذلك لتعيين الوجود لا لتعيين الوجوب

قال وكذلك من صام رمضان إنما تبرأ ذمته من صوم رمضان بما في صومه من القدر المشترك بين صومه هذا وبين صوم عامة الناس وهو مفهوم شهر رمضان أما خصوص هذا الشهر فلا مدخل له في البراءة كما أنه لا مدخل له في الوجوب قلت لو اقتصر على قوله بما في صومه من القدر المشترك كان كلامه كافيا صحيحا لكنه زاد ما أفسده به وهو باقي كلامه وقوله أما خصوص هذا الشهر فلا مدخل له في البراءة كما أنه لا مدخل له في الوجوب من أشد الكلام فسادا وأوضحه بطلانا فإنه يلزم عنه أن شهر رمضان المعين من السنة المعينة لا يتعلق الوجوب بصومه وذلك باطل قطعا

قال فكونه صامه المكلف في البلد المعين أو وهو يأكل الغذاء المعين وغير ذلك من خصوصات ساقط عن الاعتبار في البراءة والوجوب والثواب والعقاب على تقدير الترك وكذلك جميع هذا الباب إنما المعتبر فيه القدر المشترك

هامش إدرار الشروق

من هذين المفهومين واتفق المتقدمون والمتأخرون منهم على أن الماهية مع اتصافها بالكلية واعتبار عروضها لها لا وجود لها في الخارج قال الشيخ ابن سينا إذ لا دليل على وجودها فيه بل بديهية العقل حاكمة بأن الكلية تنافي الوجود الخارجي ا ه

واختلفوا هل يوجد الكلي الطبيعي خارجا بوجود أشخاصه حيث كان من غير ممتنع الوجود في الخارج كشريك الباري ومن غير المعدوم الممكن كالعنقاء أو هو من الأمور الانتزاعية وتحققه في الفرد بالذهن فقط والثاني للمتأخرين والأول للمتقدمين وهو الحق ضرورة أن حقيقة الإنسان مثلا حال اقتران العوارض التي هي خارجة عنها موجودة في الخارج فتكون تلك الحقيقة من حيث هي هي وذاتياتها التي هي متحدة معها موجودة في الخارج وذلك أن الحقيقة لا بشرط شيء ليست

____________________

(2/130)

والأسئلة عن هذه المسألة

فإن قلت القدر المشترك كلي والكلي لا يمكن دخوله في الوجود الخارجي إنما يقع الكلي في الذهن دون الخارج وجميع ما يقع في الخارج إنما هو جزئي أما الكلي فلا يوجد إلا في الذهن وما لا يقع في الخارج لا يجب فعله في الخارج وإلا لزم تكليف ما لا يطاق وإذا لم يكن متعلق الوجوب بطل كونه متعلق الثواب أو العقاب أو البراءة أو النية قلت المشتركات والكليات لا تقع في الأعيان مجردة عن المشخصات والمعينات بل ذلك إنما يوجد في الأذهان

وأما وقوعها في ضمن المعينات فحق فمن أعتق الرقبة المعينة فقد أعتق رقبة مطلقة ومن أخرج الشاة المعينة في الزكاة فقد أخرج شاة مطلقة في ضمن تلك المعينة

هامش أنوار البروق

قلت ما قاله من أن تلك الخصوصات ساقطة عن الاعتبار إن أراد أن البراءة لم تقع بالمقيد بتلك الخصوصات وكذلك الثواب والعقاب لكون الوجوب لم يتعلق بالمقيد بها فذلك غير صحيح وإن أراد أن البراءة والثواب والعقاب لم يكن كل منها مرتبا على الواجب المفعول أو المتروك مشروطا بتلك الخصوصات بل مرتب على ما عرض له من جهة ضرورة الوجود من تلك الخصوصات وإن لم يقع في تعلق الوجوب اشتراطها فذلك صحيح

قال الحكم الخامس النية فلا ينوي المكلف إيقاعه بنية الوجوب وأداء الفرض إلا القدر المشترك فهو المنوي فقط دون الخصوصات قلت ما قاله من تعلق النية بالقدر المشترك ليس بصحيح بل يتعلق بالخصوص المعين الذي يختار إيقاعه لما فيه من المشترك أو لكونه من المشترك لا بخصوصه

قال فإذا أعتق في الواجب المخير لا ينوي براءة ذمته ولا فعل الواجب بالعتق من حيث هو عتق بل لكون العتق أحد الخصال فقط قلت ما قاله هنا صحيح

قال وكذلك إذا جمع بين العتق والكسوة والإطعام لا ينوي فهل الواجب إلا بما في المجموع من القدر المشترك الذي هو أحد الخصال دون الخصوصات قلت وما قاله هنا صحيح أيضا غير قوله الذي هو أحد الخصال فإن القدر المشترك ليس أحد الخصال

قال وكذلك إذا فعل واجبا مطلقا في ضمن معين إنما ينوي ذلك المطلق الذي هو في ضمن المعين

هامش إدرار الشروق

معينة في حد ذاتها لأن تعينها ليس عينها ولا جزأها بل يمكن أن نلاحظها بشرط لا شيء فتعرض لها الكلية ويكون كليا طبيعيا ويمكن أن تلاحظها بشرط شيء فتعرض لها الجزئية ويكون فردا وحصة فالماهية مع قطع النظر عن الأعراض المخصوصة موجودة وليست بمحسوسة انظر رسالتي السوانح الجازمة في التعاريف اللازمة على أن الإطلاق نظير الكلية في كون بديهية العقل حاكمة بمنافاتها للوجود الخارجي فافهم

القاعدة الثانية الواجب فيه هو الواجب الموسع كإيجاب الله تعالى الظهر من أول القامة إلى آخرها

____________________

(2/131)

ويدل من حيث العقل على وجود المطلقات في الخارج في ضمن المعينات إن الله تعالى خلق مفهوم الإنسان بالضرورة في الخارج فهو في الخارج إما وحده فقد وجد مطلق الإنسان في الخارج وإما أن يكون في الخارج مع قيد ومتى وجد مع قيد فقد وجد لأن الموجود مع غيره موجود بالضرورة فمطلق الإنسان في الخارج بالضرورة وكذلك القول في جميع الأجناس التي نجزم بأن الله تعالى خلقها ومن قال بأن الله تعالى ما خلق الأجناس من الجماد والنبات والحيوان فقد خالف الضرورة وكذلك أيضا يصح أن يقال إن زيد إنسان في الخارج بالضرورة ونجد الفرق بين هذا الخبر وبين قولنا زيد في الخارج بالضرورة وأن الأول مفيد دون الثاني وكذلك نقول هذا السواد المعين سواد وندرك الفرق بينه وبين قولنا المعين معين

هامش أنوار البروق

قلت هذا هو سبب ارتباكه واختلال أقواله في هذه المسألة وشبهها وهو اعتقاده أن المطلق هو القدر المشترك وذلك ليس بصحيح فإن القدر المشترك هو الحقيقة الكلية والمطلق هو الواحد غير المعين مما فيه الحقيقة قال فمن صلى الظهر مثلا ينوي مفهوم صلاة الظهر الذي هو قدر مشترك بين صلاته وصلاة غيره فبه تبرأ ذمته وهو الذي تعين عليه نيته إلى آخر قوله في هذا الحكم قلت إن أراد ظاهر لفظه وهو أن ينوي إيقاع المشترك من حيث هو مشترك فذلك غير صحيح وإن أراد أن ينوي إيقاع المعين لما فيه من المشترك فذلك صحيح

قال فإن قلت القدر المشترك كلي والكلي لا يمكن دخوله في الوجود الخارجي إلى قوله وأما وقوعها في ضمن المعينات فحق قلت ما قاله هنا من أن وقوعه ضمن المعينات حق وإن أراد وقوعها كليات فليس بصحيح وإن أراد وقوع ما فيه قسط من الكلي أوما هو داخل تحت الكلي فذلك صحيح

قال فمن أعتق الرقبة المعينة فقد أعتق رقبة مطلقة ومن أخرج الشاة المعينة في الزكاة فقد أخرج شاة مطلقة فمن ضمن تلك المعينة قلت إن أراد أنه أعتق الرقبة المطلقة من حيث هي مطلقة فذلك ليس بصحيح فإن الإطلاق هو الإبهام وهو مناقض للتعيين فكيف يجتمع النقيضان وإن أراد أنه أعتق الرقبة المعينة فحصل بها مقتضى التكليف بالمطلقة فذلك صحيح

هامش إدرار الشروق

وقد اختلف الفقهاء في القول به وبجحده وعلى الأول إذا قصد التأخير لوسط الوقت أو آخره فهل يجوز له ذلك بغير بدل هو العزم لعدم دليل عليه إذ الدليل إنما هو على الصلاة فوجب نفيه أو لا بد من العزم على الفعل في بقية الوقت لأن من أمره سيده فلم يفعل ولم يعزم على الفعل في مستقبل الزمان يعد معرضا عن أمر سيده والإعراض عن الأمر حرام وما يندفع به الحرام واجب فالعزم واجب قولان ثالثها للغزالي وجوب العزم على من خطر بباله الفعل والترك لأنه إن لم يعزم على الفعل عزم على الترك بالضرورة بخلاف الغافل عن الفعل والترك قال ابن الشاط والصحيح أن لا حاجة إلى بدل أصلا وعلى الثاني ففي متعلق الوجوب خمسة مذاهب

____________________

(2/132)

ويدرك الإنسان من نفسه أنه ثبت له مفهوم الجسم ومفهوم الحيوان ومفهوم الإنسان ومفهوم الممكن ومفهوم المخلوق وجميع هذه الكليات المشتركة يجزم كل عاقل بثبوتها له بالضرورة من غير عكس فجحد كون الكليات والمشتركات موجودة في الخارج في ضمن المعينات خلاف الضرورة فهذا هو تلخيص قاعدة الكلي الواجب وبه يظهر الفرق بينه وبين ما بعده من الكليات

القاعدة الثانية الواجب فيه وهذا هو الواجب الموسع فإذا أوجب الله تعالى الظهر من أول القامة إلى آخرها فقد اختلف العلماء فيه على سبعة مذاهب وتحريرها أن القائل قائلان قائل بالوجوب الموسع وقائل بجحده والأولون لهم قولان أحدهما أنه يفتقر إلى العزم إذا تأخر والآخر أنه لا يفتقر ولا يجب العزم فهذان قولان والقائلون بجحده منهم

هامش أنوار البروق

قال ويدل من حيث العقل على وجود المطلقات في الخارج في ضمن المعينات أن الله تعالى خلق مفهوم الإنسان بالضرورة في الخارج قلت قوله هذا جار على فاسد اعتقاده الذي لم يزل يرده وهو أن الكليات هي المطلقات وقد وقع التنبيه على ذلك مرارا وقوله إن الله تعالى خلق مفهوم الإنسان بالضرورة في الخارج غير صحيح عند جمهور مثبتي الكلي وصحيح عند بعضهم فإن جمهور القائلين بالكلي مطبقون على أنه لا وجود له في الخارج وقد نوع بعضهم الكلي إلى منطقي وعقلي وطبيعي وجزم بأن المنطقي لا وجود له في الخارج وأن الطبيعي له وجود في الخارج وأن العقلي مختلف فيه

قال فهو في الخارج إما وحده فقد وجد مطلق الإنسان في الخارج وأما أن يكون في الخارج مع قيد ومتى وجد مع قيد فقد وجد قلت لا كلام أشد فسادا من هذا الكلام فإنه إن حمل قوله بأن المطلق موجود في المقيد على أنه يريد المطلق حقيقة والمقيد حقيقة فذلك بين البطلان والفساد فإنه كيف يجتمعان معا في الوجود الخارجي وهما نقيضان وإن حمل قوله ذلك على أنه يريد بالمطلق الكلي فذلك باطل أيضا فإنه كيف يجتمع الكلي بما هو كلي والجزئي بما هو جزئي معا في شيء واحد في الوجود الخارجي وهما نقيضان أيضا هذا كله كلام من لم يحصل هذه العلوم ولا أشرف على هذه المباحث بوجه أصلا

قال لأن الموجود مع غيره موجود بالضرورة

هامش إدرار الشروق

المذهب الأول لبعض الشافعية أن متعلقه أول الوقت مستندا إلى أن الوجوب ينافي جواز التأخير وأن الزوال سبب الوجوب والأصل ترتب المسبب على سببه فيكون الوجوب أول الوقت وما يقع بعد ذلك قضاء يسد مسد الأداء ويرد عليه أن الإذن في تفويت الأداء لفعل القضاء من غير ضرورة خلاف قواعد الشرع وإنما المعهود في قواعد الشريعة أن الإذن في ذلك إنما يكون لأجل العذر كضرورة السفر أو المرض في رمضان أو غيره من العبادات

المذهب الثاني لبعض الحنفية أن متعلقه آخر الوقت مستند إلى أن ثبوت خصيصة الشيء يستدل به على عدم ثبوته وعدم خصيصته يستدل به على عدمه والعقاب على تقدير الترك من خصائص الوجوب وهو

____________________

(2/133)

بعض الشافعية قال يتعلق الوجوب بأول الوقت معتمدا على أن الوجوب مع جواز التأخير متنافيان والأصل ترتب المسبب على سببه والزوال سبب فيكون الوجوب الذي هو مسببه أول الوقت وما يقع بعد ذلك قضاء يسد مسد الأداء فهذا مستنده ويرد عليه أن الإذن في تفويت الأداء لفعل القضاء من غير ضرورة خلاف قواعد الشرع نعم يجوز الإذن في تفويت الأداء لفعل القضاء لضرورة السفر أو المرض كما في رمضان أو غيره من العبادات التي يجوز ترك أدائها للقضاء لأجل العذر أما لغير عذر فغير معهود في الشريعة وأخفق الناس كلهم على جواز تأخير الصلاة عن أول الوقت فهذا مستند هذا المذهب وما عليه من القول المذهب الثاني لبعض الحنفية أن الوجوب متعلق بآخر الوقت ومستنده أنا نستدل بثبوت خصيصة الشيء على ثبوته وبعدم

هامش أنوار البروق

قلت ذلك صحيح لكن وجود المطلق بما هو مطلق مع المقيد ووجود الكلي بما هو كلي مع الجزئي في الوجود الخارجي ممتنع فدليله لا يتناول محل النزاع

قال فمطلق الإنسان في الخارج بالضرورة قلت قد تبين أن دليله لم ينتج مقصوده

قال وكذلك القول في جميع الأجناس التي تجزم بأن الله تعالى خلقها ومن قال بأن الله تعالى ما خلق الأجناس من الجماد والنبات والحيوان فقد خالف الضرورة قلت ذلك مبني على اختلاف المذاهب فمن أنكر الكليات أنكر تلك الضرورة وكذلك من أثبتها في الخارج أيضا قال وكذلك يصح أيضا أن يقال إن زيدا إنسان في الخارج بالضرورة ونجد الفرق بين هذا الخبر وبين قولنا زيد في الخارج بالضرورة وأن الأول مفيد دون الثاني قلت ذلك غير صحيح بل هما مفيدان لكن الأول أفاد ما ليس بمعلوم ولا صدق والثاني أفاد ما هو معلوم وصدق

قال وكذلك نقول هذا السواد المعين سواد وندرك الفرق بينه وبين قولنا المعين معين قلت لا فرق بينهما في عدم الفائدة

قال ويدرك الإنسان من نفسه أنه ثبت له مفهوم الجسم ومفهوم الحيوان ومفهوم الإنسان ومفهوم

هامش إدرار الشروق

منتف في غير آخر الوقت وثابت في آخره فيستدل بثبوته آخر الوقت على ثبوت الوجوب آخر الوقت وبنفيه في غير آخر الوقت على نفي الوجوب في غير آخر الوقت فإذا وقع الفعل قبل آخر الوقت كان نفلا يسد مسد الفرض ويرد عليه أن إجراء ما ليس بواجب عن الواجب خلاف القواعد

المذهب الثالث للكرخي أن متعلقه آخر الوقت أيضا إلا أنه بطريقة أخرى وهي أن المكلف إذا عجل الفعل فإن جاء آخر الوقت وهو موصوف بصفات المكلفين كان فعله واجبا فما أجزأ عن الواجب إلا واجب وإن جاء آخر الوقت وهو غير موصوف بها كان نفلا لأنه وقع قبل وقت الوجوب وسبب اختياره هذه الطريقة الخروج من عهدة ما أورد على من قال من الحنفية بتعلق الوجوب بآخر الوقت من

____________________

(2/134)

خصيصة الشيء على عدمه

ومن خصائص الوجوب العقاب على تقدير الترك ووجدنا هذه الخصيصة منتفية في غير آخر الوقت فقلنا بنفي الوجوب في غير آخر الوقت ووجدناها آخر الوقت فقلنا بالوجوب في آخر الوقت وإن وقع الفعل قبل ذلك كان نفلا يسد مسد الفرض ويرد عليه أن إجزاء ما ليس بواجب عن الواجب خلاف القواعد والمذهب الثالث مذهب الكرخي أن الفعل موقوف إذا عجله المكلف فإن جاء آخر الوقت وفاعله موصوف بصفات المكلفين كان فعله هذا واجبا فما أجزأ عن الواجب إلا واجب وإن لم يكن موصوفا بصفات المكلفين كان نفلا لأنه وقع قبل وقت الوجوب وسبب هذا المذهب عند الكرخي أن من الحنفية من يقول يتعلق الوجوب بآخر الوقت ورأى ما ورد على الحنفية من إجزاء النفل عن الفرض فاختار هذه الطريقة ويرد عليه أن يكون الفعل

هامش أنوار البروق

الممكن ومفهوم المخلوق وجميع هذه الكليات المشتركة يجزم كل عاقل بثبوتها له بالضرورة من غير عكس قلت لم يجزم كل عاقل بذلك بل من العقلاء من جزم بنفيها جملة عن الوجودين معا وزعم أن الشركة لم تقع إلا في مجرد الألفاظ لا في المعاني ومنهم من جزم بإثباتها في الأذهان وهم جمهور المثبتين ومحققوهم ومنهم من أثبتها في الأعيان وقوله من غير عكس إن أراد أن هذا العاقل الذي جزم بثبوت هذه الكليات له لم يثبت لها فذلك غير صحيح لأن الفرض خلاف ذلك فإنه قد فرض ثابتا وإن أراد أنه لا يلزم ثبوت كل جزئي في الإمكان لكل كلي ويكون ثبوته في الخارج أي لا يلزم حصول جميع الممكنات في الوجود فذلك صحيح

قال فجحد كون الكليات والمشتركات موجودة في الخارج في ضمن المعينات خلاف الضرورة إلى آخر كلامه في هذه القاعدة قلت قد تبين ما في ذلك من الخلاف وتبين على قول الجمهور بإثبات الكليات في الأذهان أن وجودها في الجزئيات ليس على أنها على حقيقتها من كونها كلية بل على أن في الجزئيات قسطا من الكليات يختص كل جزئي بقسط لا يصح أن يختص به جزئي سواه

قال القاعدة الثانية الواجب فيه وهذا هو الواجب الموسع إلى آخر ما قال فيه

قلت ما قاله من حكاية المذاهب ورد ما رده منها صحيح وما مال إلى تحسينه من قول الغزالي ليس

هامش إدرار الشروق

إجزاء النفل عن الفرض كما علمت مع أنه يرد عليه أن كون الفعل حالة الإيقاع لا يوصف بكونه فرضا ولا نفلا ولا تتعين فيه نية لأحدهما خلاف المعهود في القواعد

المذهب الرابع لبعض الحنفية أيضا أن متعلقه آخر الوقت حيث لم يعجل المكلف الفعل بعد فعله آخر الوقت فصار آخر الوقت موصوفا بالوجوب فإن عجل المكلف الفعل لم يكن آخر الوقت موصوفا بصفة الوجوب فالتعجيل مانع من تعليق الوجوب بآخر الوقت فلم يجز نفل عن فرض ولم يكن الفعل المعجل موقوفا بل ينوي به النفل نعم يرد عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يطيعوا الله تعالى بصلاة واجبة ولا أثيبوا ثواب الواجب على شيء منها وذلك حظ عظيم يفوت عليهم لا سيما وقد قال عليه الصلاة

____________________

(2/135)

حالة الإيقاع لا يوصف بكونه فرضا ولا نفلا ولا تتعين فيه نية لأحدهما خلاف المعهود في القواعد

والمذهب الرابع للحنفية أيضا أن المكلف إن عجل الفعل منع تعجيله من تعليق الوجوب بآخر الوقت فلا يجزئ نفل عن فرض ولا يكون موقوفا بل ينوي به النفل وإن لم يعجله كان آخر الوقت واجبا موصوفا بصفة الوجوب فلا يرد عليه ما ورد على الكرخي ويرد عليه أن النبي عليه السلام وأصحابه رضي الله عنهم لم يطيعوا الله تعالى بصلاة واجبة ولا أثيبوا ثواب الواجب على شيء منها وذلك حظ عظيم يفوت عليهم لا سيما مع قوله عليه السلام عن ربه عز وجل ما تقرب إلي عبد أو أحد بمثل أداء ما افترضته عليه ولا يزال يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه الحديث المشهور فثواب الواجبات هو أفضل المثوبات فالقول بفواته عليهم محذور كبير

المذهب الخامس حكاه سيف الدين في الأحكام أن الوجوب متعلق بوقت الإيقاع أي وقت كان أوله أو وسطه أو آخره فلا يلزم شيء من الإشكالات المتقدمة ويرد عليه أن شأن الوجوب أن يكون متقدما على الفعل ويكون الفعل متأخرا عن الوجوب وتابعا أما كون الوجوب تابعا للفعل فغير معهود في الشريعة وعنده الوجوب في هذا الوقت وتحتم الإيقاع فيه تابع للفعل فكان ذلك على خلاف القواعد فهذا هو مستند كل واحد منها وما فيه من المخالفات للقواعد فلم يبق إلا القولان اللذان في التوسعة والقول فيهما أن الوجوب في الخارج متعلق بالقدر المشترك بين أجزاء القامة الكائنة بين طرفي القامة كالواجب المخير ومعنى ذلك أن صاحب الشرع قال صل إما في أول الوقت أو في وسطه أو في آخره فالواجب الصلاة في أحد هذه الأزمنة وهو قدر مشترك بينهما كما أن الواجب في الموسع هو أحد الخصال فيكون الوجوب مرتبا على الزوال في القدر المشترك ويجوز التأخير لبقاء المشترك

هامش أنوار البروق

بصحيح إنما الصحيح أن لا حاجة إلى بدل أصلا وما قاله من تعلق الوجوب بالقدر المشترك إن أراد

هامش إدرار الشروق

والسلام عن ربه عز وجل ما تقرب إلي عبد أو أحد بمثل أداء ما افترضته عليه ولا يزال يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه الحديث المشهور وبالجملة فثواب الواجبات هو أفضل المثوبات والقول بفواته عليهم محذور كبير

المذهب الخامس حكاه سيف الدين في الأحكام أن متعلقه وقت الإيقاع أي وقت كان أوله أو وسطه أو آخره فلا يلزم شيء من الإشكالات المتقدمة لكن يرد عليه أن القواعد تقتضي أن يكون الوجوب متقدما على الفعل والفعل متأخرا عنه وتابعا له وهذا المذهب جعل تحتم الإيقاع في الوقت تابعا للفعل على خلاف القواعد فظهر أن في كل من الأقوال الخمسة المبنية على جحد التوسعة مخالفات للقواعد ولم يبق غير مخالف لقاعدة ما بل تجتمع أسباب القواعد كلها فيه إلا الأقوال الثلاثة المبنية على التوسعة وأن الوجوب متعلق بالمطلق أعني جزءا مبهما من الأجزاء الكائنة بين طرفي القامة كالواجب المخير ومعنى

____________________

(2/136)

ويبرأ بالفعل أول الوقت لوجود المشترك فيه وأي وقت فعل فيه صادف المشترك فلا يلزم تأخير المسبب عن سببه ولا أن الفعل بعد أول الوقت قضاء وأوله نفل ينوب مناب الفرض ولا يلزم مخالفة قاعدة من تلك القواعد التي لزمت الأقوال الأول بل تجتمع أسباب تلك القواعد كلها

وهذا هو الحق غير أن أرباب هذا المذهب اختلفوا إذا قصد التأخير لوسط الوقت أو آخره هل يجوز ذلك لغير بدل هو العزم لأن الأمر ما دل إلا على الصلاة أما هذا العزم فلم يدل عليه دليل فوجب نفيه أو لا بد من العزم على الفعل في بقية الوقت لأن من أمره سيده فلم يفعل ولم يعزم على الفعل في مستقبل الزمان يعد معرضا عن أمر سيده والإعراض عن الأمر حرام وما يندفع به الحرام واجب فالعزم واجب واختار الغزالي طريقة وسطى وهي الفرق بين الغافل عن الفعل والترك لا يجب عليه العزم وبين من خطر بباله الفعل والترك فهذا إن لم يعزم على الفعل عزم على الترك بالضرورة فيجب عليه العزم على الفعل وهي طريقة حسنة

فرع مرتب إذا قلنا بالتوسعة فهل ذلك مشروط بسلامة العاقبة فإن مات قبل الفعل فقد أخر مختارا يأثم وهو قول الشافعية أو لا يأثم لأن صاحب الشرع أذن له في التأخير فهو فعل ما أذن له فيه وفعل المأذون فيه لا إثم فيه والأصل عدم اشتراط سلامة العاقبة وهو مذهب المالكية وهو الصحيح من جهة النظر فهذا هو قاعدة الواجب فيه وهو القدر المشترك وهو كلي لا جزئي على المذهبين الأخيرين

القاعدة الثالثة الواجب به وهو سبب وتقديره أن الله تعالى جعل مطلق زوال الشمس سبب وجوب الظهر متى وجد في أي يوم كان وكذلك بقية أوقات الصلوات وجعل مطلق الإتلاف سببا لوجوب الضمان ومطلق ملك النصاب موجبا لوجوب الزكاة أما خصوص كونها هذه الدنانير أو تلك الدنانير فلا مدخل له في وجوب الزكاة فلو

هامش أنوار البروق

الكلي فليس ذلك بصحيح وإن أراد تعلق الوجوب بفرد مما فيه المشترك فذلك صحيح وما اختاره وصححه ونسبه إلى المالكية في مسألة المؤخر الذي يموت قبل الفعل صحيح

هامش إدرار الشروق

ذلك أن صاحب الشرع قال صل إما في أول الوقت أو في وسطه أو في آخره فالواجب الصلاة في أحد هذه الأزمنة غير معين كما أن الواجب المخير في كفارة اليمين هو أحد الخصال غير معين فيكون الوجوب مرتبا على الزوال في جزء مبهم مما بين طرفي القامة فأي جزء صلى فيه صادف المطلق الذي تعلق به الوجوب ولم يلزم تأخير المسبب عن سببه ولا أن الفعل بعد أول الوقت قضاء ولا أنه في أوله نفل ينوب مناب الفرض حتى يكون مخالفا لقاعدة من تلك القواعد التي لزمت مخالفتها للأقوال الخمسة المارة فالقول بالتوسعة هو الحق وقد مر عن ابن الشاط أن الصحيح من الأقوال الثلاثة فيما إذا قصد المكلف التأخير لوسط الوقت أو آخره القول بأنه لا حاجة إلى بدل أصلا وبقي أنه على القول بالتوسعة هل يشترط سلامة العاقبة فإن مات قبل الفعل وقد أخر مختارا يأثم أو لا يشترط سلامة العاقبة فلا يأثم

____________________

(2/137)

قدر نصاب مكان نصاب في ملك المزكي لم يختلف الحكم وكذلك إتلاف بدل إتلاف فالمنصوب سببا إنما هو المطلق الذي هو قدر مشترك بين النصب والخصوصات ساقطة عن الاعتبار في وجوب الزكاة وكذلك كل سبب يقتضي ثبوته الثبوت فهذا كله مشترك وهو واجب به أي بسببه

القاعدة الرابعة والواجب به وهو أداة يفعل بها فإن الباء كما تكون سببية تكون للاستعانة نحو كتبت بالقلم ونجرت بالقدوم فالواجب به الذي هو أداة في الشريعة له مثل أحدها الماء الذي يتوضأ به ويغتسل فإنه ليس سببا للوجوب بل هو أداة يعمل بها الفعل وسبب الطهارة إنما هو الحدث وكذلك التراب في التيمم أداة وليس سببا وثانيها الثوب للسترة في الصلاة لم يوجب الله تعالى السترة بثوب معين بل بمطلق الثوب الذي هو قدر مشترك بين جميع الثياب كما لم يوجب الطهارة بماء معين بل بالقدر المشترك بين جميع المياه وكذلك نجيب عن مغلطة عادتها تلقى على الطلبة فيقال الوضوء واجب ومن هذه الفسقية المعينة لأن الوضوء واجب بالإجماع وهو لا يجب من غيرها بالإجماع فتعينت هي وإلا لبطل الوجوب وكذلك يقال السترة واجبة بهذا الثوب المعين لأن السترة واجبة بالإجماع وهي لا تجب بغير هذا الثوب المعين بالإجماع لجواز الاقتصار على هذا الثوب فتعين هذا الثوب

وعلى هذا المنوال تورد هذه الشبهات والجواب عنها واحد وهو أن الوجوب إنما يتعلق بالقدر المشترك بين هذه الفسقية وغيرها فإذا لم يكن غيرها واجبا بالإجماع لا تتعين هي بل القدر المشترك بينها وبين غيرها لا هي ولا غيرها وكذلك إذا لم تجب السترة بغير هذا الثوب لا يتعين هذا الثوب بل القدر المشترك بينه وبين غيره لا هو ولا غيره بل الخصوصات كلها ساقطة عن الاعتبار وثالثها الجمار في النسك أداة يعمل بها الواجب لا أنها سبب الوجوب بل سبب الوجوب

هامش أنوار البروق

قال القاعدة الثالثة الواجب به وهو سبب قلت ما قاله من أن الله تعالى جعل زوال الشمس سببا لصلاة الظهر وجعل مطلق الإتلاف سببا

هامش إدرار الشروق

إذا مات قبل الفعل وقد أخر مختارا قولان الأول للشافعية والثاني للمالكية وهو الصحيح من جهة النظر لأن صاحب الشرع أذن له في التأخير وقد فعل ما أذن له فيه وفعل المأذون فيه لا إثم فيه والأصل عدم اشتراط سلامة العاقبة

القاعدة الثالثة الواجب به أي بسببه كمطلق زوال الشمس جعله الله تعالى سبب وجوب الظهر متى وجد في أي يوم كان وكذلك بقية أوقات الصلوات وكمطلق الإتلاف جعل سببا لوجوب الضمان وكمطلق ملك النصاب جعل سببا لوجوب الزكاة ولا مدخل لخصوص كونها هذه الدنانير أو تلك الدنانير في وجوب الزكاة فلو قدر نصاب مكان نصاب في ملك المزكي لم يختلف الحكم إذ المنصوب سببا إنما هو المطلق الذي هو واحد مبهم من أفراد النصب وكذلك كل سبب وجوب يقتضي بثبوته الثبوت إنما هو المطلق أي فرد مبهم من أفراده وخصوصات أفراده ساقطة عن الاعتبار في ذلك الوجوب فلو

____________________

(2/138)

هو تعظيم البيت لقوله تعالى ولله على الناس حج البيت ولتذكر قصة إبراهيم عليه السلام في ذبح ولده وفدائه بالكبش وأنه هرب منه فلحقه ورماه بالحجارة هناك فشرع رمي الجمار لتذكر تلك الأحوال السنية والطواعية التامة والإنابة الجميلة ليقتدى بهما في ذلك وعلى التقديرين فالجمار ليست سببا بل أداة يفعل بها الواجب ولم يوجب الله تعالى منها شيئا معينا بل القدر المشترك بينها فأي حصاة أخذها أجزأت وسدت المسد وخصوص كل واحدة منها ساقط عن الاعتبار والوجوب متعلق بالقدر المشترك بينهما دون خصوصاتها ورابعها الضحايا والهدايا أدوات يفعل بها الواجب وسبب الوجوب هو أيام النحر في الضحايا والتمتع ونحوه من أسباب الهدي

وأما هذه الأنعام فليست أسبابا للوجوب بل أدوات يفعل بها الواجب ولم يوجب الله تعالى خصوص بدنة دون أخرى بل القدر المشترك بينهما هو المطلوب فأيها فعل سد المسد ولا يفوت بفوات الخصوص مقصد شرعي مع الاستواء في الصفات كما تقدم في الثواب والماء حرفا بحرف وخامسها الرقاب في العتق ليست أسبابا للحكم بل السبب الظهار مثلا أو اليمين أو إفساد صوم رمضان عمدا أو القتل فهذه هي الأسباب وأما الرقاب فهي أدوات يفعل بها الواجب كالماء والسترة ولم يوجب الله تعالى خصوص رقبة دون أخرى مع الاستواء في الصفات بل القدر المشترك بينهما هو متعلق الوجوب وهو واجب به أداة لا واجب به سببا

القاعدة الخامسة الواجب عليه وهو المكلف في فرض الكفاية فإن مقتضى الخطاب فيه التعلق بطائفة غير معينة بل هو بمطلق الطائفة الصالحة لا إيقاع ذلك على الوجه الشرعي وإنما يتعلق الوجوب بالكل حتى لا يضيع الواجب وإلا فالمقصود إنما هو طائفة غير

هامش أنوار البروق

لوجوب الضمان ومطلق النصاب سببا لوجوب الزكاة صحيح وما قاله من أن المطلق هو القدر المشترك ليس بصحيح وقد سبق له هذا مرارا عديدة وقد كان يحتمل أن يحمل ذلك على أن مراده بالقدر

هامش إدرار الشروق

قدر إتلاف بدل إتلاف لم يختلف الحكم بوجوب الضمان

القاعدة الرابعة الواجب الذي هو أداة يفعل بها الواجب لا سبب للوجوب فإن الباء كما تكون سببية كذلك تكون للاستعانة ككتبت بالقلم ونجرت بالقدوم ولهذا الواجب مثل أحدها مطلق الماء الطهور في الطهارة وضوء كانت أو غسلا أداة يعمل بها الطهارة لا سبب للطهارة لأن سببها إنما هو الحدث وكذلك التراب في التيمم أداة وليس سببا ولا مدخل لعين الماء في وجوب الطهارة ولا لتعين التراب في وجوب التيمم إذ لم يوجب الله تعالى الطهارة بماء معين بل بفرد مبهم من أفراد الماء ولا التيمم بتراب معين بل بفرد مبهم من أفراد التراب

وثانيها مطلق الثواب الذي هو فرد مبهم من أفراد الثياب أداة للسترة الواجبة في الصلاة ولا مدخل للثوب المعين في وجوب السترة إذ لم يوجب الله تعالى السترة بثوب معين بل بمطلق الثوب الذي هو فرد

____________________

(2/139)

معينة وأي طائفة فعلت سدت المسد كالثوب في السترة والماء في الطهارة فالقدر المشترك في الطوائف واجب عليه لأنه المكلف والمكلف يجب عليه لا به ولا فيه فإذا فعلت طائفة سقط عن البقية لتحقق الفعل المشترك بينها وإذا ترك الجميع أثموا لتعطيل المشترك بينها عن الفعل وإذا لم يوجد إلا من يقوم بذلك الواجب تعين الفعل عينا لانحصار المشترك فيه كآخر الوقت في الصلاة وتعذر غير الثوب الموجود في السترة حرفا بحرف

القاعدة السادسة الواجب عنده وله مثل في الشريعة أحدها الشرط فإن الحول إذا دار بعد ملك النصاب وجبت الزكاة لا بالشرط الذي هو دوران الحول بل بالسبب الذي هو ملك النصاب ولكن أثر السبب إنما يظهر عند دوران الحول فدوران الحول واجب عنده لا به ولم يختص حول معين بالوجوب عنده بل مطلق الحول وهذه هي الحقيقة اللغوية من الحول فمتى وجدت بعد ملك النصاب حصل الوجوب عندها لا بها لا لخصوص ذلك الحول بل لمطلق الحول الموجب لحصول التمكن من التنمية في النصاب فالمحصل لمقصود الشرع هو مطلق الحول لا خصوص هذا الحول فالقدر المشترك بين جميع هذه الأحوال هو الواجب عنده كما أن القدر المشترك بين النصب هو الواجب به وثانيها عدم المانع نحو عدم الدين في الزكاة والحيض في الصلاة تجب الزكاة عنده بالسبب الذي هو ملك النصاب أو زوال الشمس في الصلاة لا لعدم الدين ولا لعدم الحيض فعدم الدين والحيض واجب عنده ولم يعتبر صاحب الشرع عدم خصوص دين دون دين ولا خصوص حيض دون حيض بل مطلق الدين ومطلق الحيض فهذا المشترك واجب عنده وثالثها وجوب التيمم عند عدم الماء فإن عدم الماء يجب عنده التيمم وليس هو سبب

هامش أنوار البروق

المشترك واحد غير معين مما فيه المشترك وأن مراده بالمطلق ذلك أيضا لولا أن كثيرا من المواضع التي

هامش إدرار الشروق

مبهم من أفراد الثياب ومن هنا يظهر لك جواب المغالطة التي تلقى عادة على الطلبة فيقال السترة واجبة بهذا الثوب المعين لأن السترة واجبة بالإجماع وهي لا تجب بغير هذا الثوب بالإجماع فتعين هو وإلا لبطل الوجوب أو يقال الوضوء واجب من هذه الفسقية المعينة لأن الوضوء واجب بالإجماع وهو لا يجب من غيرها بالإجماع فتعينت هي وإلا لبطل الوجوب وهكذا إذا أوردت هذه الشبهات على هذا المنوال كان الجواب عنها واحدا وهو أن الوجوب لكل من الوضوء والسترة إنما يتعلق بفرد مبهم داخل تحت القدر المشترك بين هذه الفسقية وغيرها وبين هذا الثوب المعين وغيره فإذا لم يكن غيرها ولا غيره واجبا بالإجماع لا تتعين هي ولا هو فالخصوصات كلها ساقطة عن الاعتبار

وثالثها مطلق الجمار في النسك أداة يعمل بها الواجب لا سبب للوجوب بل سبب الوجوب إما تعظيم البيت لقوله تعالى ولله على الناس حج البيت وإما تذكر قصة إبراهيم عليه

____________________

(2/140)

الوجوب لأن سبب الوجوب للصلاة أوقاتها وأسباب الطهارات الأحداث أما عدم الماء فليس سببا لوجوب التيمم بل الحدث اقتضى إحدى الطهارتين على الترتيب فإن عدمت طهارة الماء تعينت طهارة التراب فعدم الماء واجب عنده لا به ولم يلاحظ صاحب الشرع عدم ماء معين بل عدم الماء الطهور الكافي للطهارة دون خصوص ماء فالقدر المشترك هاهنا واجب عنده

ورابعها وجوب أكل الميتة عند عدم الطعام المباح إذا خاف الهلاك فيجب عليه أكل الميتة لا لأن السبب عدم الطعام المباح بل السبب إحياء النفس وعدم الطعام المباح واجب عنده لأن إحياء النفس اقتضى أحد الغذاءين إما المباح أو الميتة على الترتيب فإذا تعذر المباح تعينت الميتة كاقتضاء الحدث إحدى الطهارتين سواء بسواء ولم يلاحظ صاحب الشرع عدم طعام مباح بعينه بل مطلق الطعام المباح الذي يصلح لإقامة البنية وخامسها عدم الخصلة الأولى من الخصال المرتبة في الكفارة نحو كفارة الظهار فإن تعذر العتق يوجب الصيام وعدم العتق ليس هو سبب الوجوب لأن سبب الوجوب هو الظهار وعدم العتق واجب عنده لا به ولم يلاحظ الشرع عدم رقبة معينة بل عدم مطلق الرقبة الصالحة لبراءة الذمة من الظهار فهذه الأقسام كلها كلي مشترك ليس بجزئي والوجوب فيها متعلق بالقدر المشترك من أفراده وهو كله واجب عنده

القاعدة السابعة الكلي المشترك الواجب منه وله مثل في الشريعة أحدها الجنس المخرج منه زكاة الإبل غنما في الخمس والعشرين إبلا فيما فوقها فإن ذلك جنس كلي يجب الإخراج منه ولم يلاحظ الشرع شاة معينة ولا حقة معينة مع استواء الصفات في الجنس المجزئ بل القدر المشترك الكلي هو متعلق الحكم فقط

هامش أنوار البروق

وقع له فيها ذلك القول يصرح فيها بأن القدر المشترك هو الكلي وهذا يمنع من صحة تأويل كلامه بذلك

هامش إدرار الشروق

السلام في ذبح ابنه وفدائه بالكبش قيل لأن منها أنه هرب منه فلحقه ورماه بالحجارة هناك قلت ولا يخفى ما فيه من المخالفة لقوله تعالى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين فالصواب ما في حاشية شيخنا على توضيح المناسك أن في القصة هو أن الشيطان تعرض للذبيح عليه السلام لما ذهب مع أبيه للذبح وقال له إن أباك يريد أن يذبحك فأمره إبراهيم عليه السلام أن يرجمه بسبع حصيات ا ه فشرع رمي الجمار لتذكر تلك الأحوال السنية والطواعية التامة والإنابة الجميلة ليقتدى بهما في ذلك ولا مدخل لتعين الجمار في وجوب الرمي بل أي حصاة أخذها أجزأت وسدت المسد وخصوص كل واحدة منها ساقط عن الاعتبار

ورابعها مطلق الضحايا والهدايا أدوات يفعل بها الواجب لا سبب للوجوب بل سببه في الضحايا أيام النحر وفي الهدايا التمتع ونحوه من أسباب الهدي ولا مدخل للبدنة المعينة في الوجوب إذ لم يوجب الله تعالى خصوص بدنة دون أخرى بل

____________________

(2/141)

وثانيها الجنس المخرج منه زكاة النقدين وهو النقدان أيضا يجب أن يخرج منهما مقدار ربع العشر زكاة عما يملكه ولم يلاحظ الشرع خصوص دينار ولا درهم وثالثها الجنس المخرج منه زكاة الفطر وهو الحب الذي غالب قوت أهل البلد منه يجب أن يخرج منه صاع عن كل آدمي إلا من استثني في كتب الفقه ورابعها الجنس المخرج منه الكفارات في الإطعام وهو الجنس الذي تخرج منه زكاة الفطر بعينه وخامسها الجنس المخرج منه زكاة الحبوب والثمار يجب أن يخرج من ذلك الجنس مما في الملك أو غيره بأن يحصله بشراء أو غيره ويخرج منه العشر عما ملكه من الحب أو الثمن فهذه الخمسة كلها أجناس كلية ليست معينة يجب الإخراج منها ولم يلاحظ الشارع فيها معينا بل الحكم الذي هو الوجوب متعلق بالقدر المشترك بين تلك المعينات

القاعدة الثامنة الواجب عنه وهو جنس المولى عليه يجب أن يخرج عن كل فرد منه صاع في زكاة الفطر ولم يلاحظ الشارع خصوص شخص دون شخص بل مفهوم الإنسان الموصوف بالصفات التي لأجلها تجب عنه زكاة الفطر كان ذلك المخرج عنه من المحجور عليه بوصية أو حاكم أو ولي بقرابة أو زوجية أو رقيق فتعلق الحكم هو القدر المشترك بين هذه الأجناس دون خصوص عبد معين أو زوجة معينة

القاعدة التاسعة الواجب مثله وله مثالان أحدهما جزاء الصيد في الحج فإنه يجب إخراج مثل الصيد المقتول في الإحرام أو الحرم والمعتبر في ذلك مطلق الغزال ومطلق بقر الوحش دون خصوص ظبي معين أو بقرة معينة بل الواجب منوط بمطلق ذلك

هامش أنوار البروق

قال القاعدة الرابعة الواجب به وهو أداة يفعل بها فإن الباء كما تكون سببية تكون للاستعانة إلى آخر كلامه في القاعدة

هامش إدرار الشروق

المطلوب فرد مبهم من أفراد القدر المشترك بين هذه البدنة المعينة وغيرها من البدن فأيها فعل سد المسد ولا يفوت بفوات الخصوص مقصد شرعي مع الاستواء في الصفات كما تقدم في الثوب والماء حرفا بحرف

وخامسها مطلق الرقاب في العتق أدوات يفعل بها الواجب لا أسباب للوجوب بل السبب الظهار أو اليمين أو إفساد صوم رمضان عمدا أو القتل ولا مدخل لتعين الرقبة في الوجوب إذ لم يوجب الله تعالى خصوص رقبة دون أخرى مع الاستواء في الصفات بل فرد مبهم من أفراد القدر المشترك بين هذه الرقبة المعينة وغيرها فأي رقبة عتقها سدت المسد كما علمت

القاعدة الخامسة الواجب عليه هو المكلف في فرض الكفاية فإن مقتضى الخطاب فيه التعلق بطائفة

____________________

(2/142)

الجنس الكلي وخصوص كل صيد من كل جنس ساقط عن الاعتبار في الجزاء فهذا الجنس الكلي هو الواجب مثله وثانيهما المتلف المثلي من المكيلات والموزونات تجب غرامة مثله كمن أتلف قفيز قمح يجب عليه غرامة قفيز مثله أو رطل زيت يجب عليه إخراج رطل زيت مثله مع قطع النظر عن خصوص ذلك الرطل الزيت وتعينه بل المعتبر كونه زيتا موصوفا بصفة هي متعلق الأغراض نحو كونه زيتا اتفاقا وزيت بزر كتان ونحو ذلك فهذا هو المعتبر في وجوب إخراج مثله حتى إن أفراد الأرطال من الغلة الواحدة من الزيت سواء في الحكم والمعتبر القدر المشترك بينهما دون خصوص رطل دون رطل وكذلك المثليات المعتبر في الحكم أجناسها وصفاتها العامة دون خصوص المعينات فهذا جنس كلي هو الواجب مثله

القاعدة العاشرة الواجب إليه وله مثل في الشريعة أحدها غروب الشمس في الصوم يجب الصوم إليه والمعتبر من ذلك جنس الغروب من كل يوم أما كونه غروب الشمس من يوم الجمعة أو غيرها فساقط عن الاعتبار في نظر الشرع بل متى تحقق الغروب في أي يوم كأن سقط وجوب الصوم في نظر الشرع وانتقل المكلف إلى تحريم الصوم لوجود مفهوم الغروب في أي يوم كان ولا عبرة بخصوص الأيام فهذا جنس عام كلي يجب الفعل إليه وهو ملابسة ضد الأكل والجماع

وثانيها هلال شوال يجب تتابع الصوم في الأيام إليه كما يجب إيصال الصوم في كل يوم إلى غروب الشمس فمتعلق الحكم هو كونه هلال شوال أما كونه هذا الهلال أو ذلك أو كونه من سنة ستين أو من سنة سبعين فلا عبرة به في هذا الحكم بل مطلق هلال شوال كيف كان من أي سنة كان

هامش أنوار البروق

قلت ما قاله فيها صحيح غير ما في قوله القدر المشترك على ما سبق

قال القاعدة الخامسة الواجب عليه وهو المكلف في فرض الكفاية إلى آخر كلامه فيها

هامش إدرار الشروق

غير معينة أي بمطلق طائفة صالحة لإيقاع ذلك على الوجه الشرعي فأي طائفة من الطوائف الصالحة لإيقاع ذلك على وجهه الشرعي الداخلة تحت القدر المشترك بينها وبين غيرها هي المكلفة والمكلف يجب عليه لا به ولا فيه فإذا فعلت سدت المسد كالثوب في السترة والماء في الطهارة وسقط بفعلها الطلب عن بقية الطوائف لتحقق الفعل المشترك بينها وإذا ترك الجميع أثموا لتعطيل المشترك بينها عن الفعل وإذا لم يوجد إلا من يقوم بذلك الواجب تعين الفعل عليه عينا لانحصار المشترك فيه كآخر الوقت في الصلاة وتعذر غير الثوب الموجود في السترة حرفا بحرف

قال القاعدة السادسة الواجب عنده إلى آخر ما قاله فيها قلت ما قاله صحيح غير ما قاله من تعلق الوجوب بالكلي المشترك على ما سبق

القاعدة السادسة الواجب عنده له أمثلة في الشريعة أحدها الشرط كدوران مطلق الحول تجب عنده الزكاة بسببها الذي هو ملك النصاب فأثر السبب إنما يظهر عند دوران مطلق الحول الموجب لحصول التمكن من التنمية في النصاب فمطلق الحول هو الواجب عنده لأنه المحصل لمقصود الشرع ولا مدخل

____________________

(2/143)

وثالثها أواخر العدة والاستبراء والإحداد في عدة الوفاة يجب إيصال العدة والاستبراء إلى تلك الغايات وكذلك الإحداد مع قطع النظر عن كون تلك الغاية من سنة معينة بل متعلق الحكم كونه كمال ثلاثة أشهر في عدة الطلاق أو أربعة أشهر وعشرا في عدة الوفاة هذا هو المعتبر وما عداه لغو في هذا الحكم فهذه أجناس عشرة اشتركت

هامش أنوار البروق

قلت ما قاله صحيح غير ما قاله من تعلق الوجوب بالكل فإنه ليس بصحيح قال القاعدة السادسة الواجب عنده إلى آخر ما قاله فيها قلت ما قاله صحيح غير ما قاله من تعلق الوجوب بالكلي المشترك على ما سبق

هامش إدرار الشروق

لخصوص الحول المعين في حصول مقصود الشرع كما أن مطلق نصاب داخل تحت القدر المشترك بين النصب هو الواجب به لا خصوص النصاب المعين

وثانيها عدم المانع كعدم مطلق الدين في الزكاة وعدم مطلق الحيض في الصلاة فتجب الزكاة عند عدم مطلق الدين بسببها الذي هو ملك النصاب والصلاة عند عدم مطلق الحيض بسببها الذي هو زوال الشمس مثلا ولم يعتبر صاحب الشرع في الوجوب عنده عدم خصوص دين دون دين ولا عدم خصوص حيض دون حيض

وثالثها عدم مطلق الماء الطهور يجب التيمم عنده لا به لأن سبب الوجوب للصلاة أوقاتها وأسباب الطهارات الأحداث فالحدث اقتضى إحدى الطهارتين على الترتيب فإن عدمت طهارة الماء تعينت طهارة التراب فعدم مطلق الماء الطهور الكافي للطهارة هو الواجب عنده التيمم لا عدم خصوص ماء لأن صاحب الشرع لم يلاحظ عدم ماء معين

ورابعها عدم مطلق الطعام المباح يجب على المكلف عنده أكل الميتة إذا خاف الهلاك ولا يجب عليه ذلك به بل بخوف الهلاك لوجوب إحياء النفس بدليل ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة فإحياء النفس اقتضى أحد الغذاءين إما المباح وإما الميتة على الترتيب فإذا تعذر المباح تعينت الميتة كاقتضاء الحدث إحدى الطهارتين بلا فرق ولم يلاحظ صاحب الشرع عدم طعام مباح بعينه بل مطلق الطعام المباح الذي يصلح لإقامة البنية وخامسها عدم الخصلة الأولى من الخصال المرتبة في نحو كفارة الظهار كعدم مطلق الرقبة الصالحة لبراءة الذمة من كفارة الظهار يجب عنده الصيام لا به لأن سبب الوجوب الظهار لأن الظهار اقتضى أحد الخصال على الترتيب فإذا تعذرت الأولى تعينت الثانية نظير ما مر ولم يلاحظ صاحب الشرع عدم رقبة معينة

القاعدة السابعة الواجب منه له أمثلة في الشريعة أحدها الجنس المخرج منه زكاة الإبل كانت غنما كما في الخمس والعشرين أو إبلا مطلقا كما فيما فوقها يتعلق وجوب الإخراج منه بمطلق شاة من الغنم في الخمس والعشرين من جنس الإبل ومطلق حقه فيما فوق الخمس والعشرين من جنس الإبل إذ لم يلاحظ الشرع شاة معينة ولا حقة معينة مع استواء الصفات في الجنس المجزئ فافهم

وثانيها الجنس المخرج منه زكاة ما يملكه من النقدين بشرطه يتعلق وجوب الإخراج منه بمطلق النقد ذهبا أو فضة إذ لم يلاحظ الشرع خصوص دينار لا درهم

وثالثها الجنس المخرج منه زكاة الفطر وهو ما كان غالب قوت أهل البلد منه كالحب يتعلق وجوب الإخراج منه بمطلق مكيل صاع عن كل آدمي إلا من استثني في كتب الفقه ورابعها الجنس المخرج منه الكفارات في الإطعام وهو ما تخرج منه زكاة الفطر بعينه

____________________

(2/144)

كلها في تعلق الوجوب بمعنى كلي واختص كل واحد منها بخصوص كما تقدم ككونه فيه وبه وعنه ومنه وإليه وعليه وعنده وبه نجيب عن قول القائل إذا كان الحكم في الأبواب كلها متعلقا بالقدر المشترك فليكن الكل واجبا مخيرا فلم اختلفت الأسماء

هامش أنوار البروق

قال القاعدة السابعة الكلي المشترك الواجب منه إلى آخر ما قاله فيها قلت ما قاله في ذلك صحيح غير ما قاله من أن متعلق الحكم هو القدر المشترك الكلي وكذلك ما قال في القاعدة الثامنة والتاسعة والعاشرة غير ما يشعر كلامه من متعلق الحكم بالكلي فإنه ليس بصحيح على ما تقرر مرارا بل الصحيح تعلق الحكم بفرد غير معين مما فيه المعين المشترك فإن عنى ذلك فمراده صحيح

القاعدة الثامنة الواجب عنه هو المولى عليه يجب أن يخرج صاع في زكاة الفطر عن كل فرد مبهم داخل تحت مفهوم الإنسان الموصوف بالصفات التي لأجلها تجب عنه زكاة الفطر من المحجور عليه بوصية أو حاكم أو ولي بقرابة أو زوجية أو رق فمتعلق الوجوب هو الفرد المبهم من أفراد القدر المشترك بين هذه الأجناس دون خصوص عبد معين أو زوجة معينة لأن الشارع لم يلاحظ خصوص شخص دون شخص

القاعدة التاسعة الواجب مثله له مثالان في الشريعة أحدهما جزاء الصيد المقتول في الإحرام أو الحرم أي جزاء مطلق الغزال ومطلق بقر الوحش دون خصوص ظبي معين أو بقرة معينة فالواجب مثله منوط بمطلق ذلك الجنس الكلي وخصوص كل صيد من كل جنس ساقط عن الاعتبار في الجزاء

وثانيهما غرامة مثل مطلق المتلف المثلي من المكيلات والموزونات فمن أتلف قفيز قمح وجب عليه غرامة قفيز مثله من مطلق قمح موصوف بصفة عامة هي متعلق الأغراض ومن أتلف رطل زيت وجب عليه إخراج رطل من مطلق زيت موصوف بصفة هي متعلق الأغراض ككونه زيتا اتفاقا وزيت بزر الكتان ونحو ذلك حتى إن أفراد الأرطال من الغلة الواحدة من الزيت سواء في الحكم والمعتبر الفرد المبهم الداخل تحت القدر المشترك بين سائر الأفراد دون خصوص رطل دون رطل وبالجملة فالمعتبر في الحكم فرد مبهم من أجناس المثليات موصوف بصفاتها العامة دون خصوص المعينات

هامش إدرار الشروق

وخامسها الجنس المخرج منه زكاة الحبوب والثمار يتعلق وجوب الإخراج منه بمطلق عشره سواء كان مما في ملكه أو مما يحصله بشراء أو غيره

القاعدة الثامنة الواجب عنه هو المولى عليه يجب أن يخرج صاع في زكاة الفطر عن كل فرد مبهم داخل تحت مفهوم الإنسان الموصوف بالصفات التي لأجلها تجب عنه زكاة الفطر من المحجور عليه بوصية أو حاكم أو ولي بقرابة أو زوجية أو رق فمتعلق الوجوب هو الفرد المبهم من أفراد القدر المشترك بين هذه الأجناس دون خصوص عبد معين أو زوجة معينة لأن الشارع لم يلاحظ خصوص شخص دون شخص

القاعدة التاسعة الواجب مثله له مثالان في الشريعة أحدهما جزاء الصيد المقتول في الإحرام أو الحرم أي جزاء مطلق الغزال ومطلق بقر الوحش دون خصوص ظبي معين أو بقرة معينة فالواجب مثله منوط بمطلق ذلك الجنس الكلي وخصوص كل صيد من كل جنس ساقط عن الاعتبار في الجزاء

وثانيهما غرامة مثل مطلق المتلف المثلي من المكيلات والموزونات فمن أتلف قفيز قمح وجب عليه غرامة قفيز مثله من مطلق قمح موصوف بصفة عامة هي متعلق الأغراض ومن أتلف رطل زيت وجب عليه إخراج رطل من مطلق زيت موصوف بصفة هي متعلق الأغراض ككونه زيتا اتفاقا وزيت بزر الكتان ونحو ذلك حتى إن أفراد الأرطال من الغلة الواحدة من الزيت سواء في الحكم والمعتبر الفرد المبهم الداخل تحت القدر المشترك بين سائر الأفراد دون خصوص رطل دون رطل وبالجملة فالمعتبر في الحكم فرد مبهم من أجناس المثليات موصوف بصفاتها العامة دون خصوص المعينات

القاعدة العاشرة الواجب إليه له ثلاثة أمثلة في الشريعة أحدها غروب الشمس في الصوم يجب الصوم إلى فرد غير معين من أفراد الغروب من كل يوم فمتى تحقق الغروب في أي يوم كان سقط وجوب الصوم في نظر الشرع وانتقل المكلف إلى تحريم الصوم لوجود مفهوم الغروب في أي يوم كان ولا عبرة بخصوص الأيام في الغروب ككونه غروب شمس يوم الجمعة أو غيرها فهو ساقط الاعتبار في نظر الشرع

وثانيها مطلق هلال شوال كيف كان يجب تتابع الصوم في أيام رمضان إليه كما يجب إيصال الصوم في كل يوم إلى غروب الشمس ولا دخل للحكم في كونه خصوص هذا الهلال أو ذلك أو كونه من سنة ستين أو من سنة تسعين فلا عبرة به في هذا الحكم

وثالثها مطلق غايات العدة والاستبراء والإحداد الموصوف بالصفة العامة ككونه كمال ثلاثة أشهر في عدة الطلاق أو كمال أربعة أشهر وعشر

____________________

(2/145)

فنجيب أن هذا القدر العام الذي هو تعلق بالقدر المشترك قد حصل تحته أيضا أجناس كلية مشتركة بين أفرادها ولكل جنس من هذه الأجناس خصوص عام مشترك فيه بين أفراد ذلك الجنس والأصل إذا اختلفت الحقائق الكلية أو الجزئية أن تختلف الأسماء لغة واصطلاحا حتى تحصل فائدة التعبير عن خصوص كل حقيقة كانت جنسا أو شخصا فهذا تقرير هذا الفرق بين قواعده العشرة

الفرق السبعون بين قاعدة اقتضاء النهي الفساد في نفس الماهية وبين قاعدة اقتضاء النهي الفساد في أمر خارج عنها هذا الفرق بالغ أبو حنيفة في اعتباره حتى أثبت عقود الربا وإفادتها الملك في أصل

هامش أنوار البروق

قال شهاب الدين الفرق السبعون بين قاعدة اقتضاء النهي الفساد في نفس الماهية وبين قاعدة اقتضاء النهي الفساد في أمر خارج إلى قوله وهذا فقه حسن قلت ما قاله حكاية مذهب وتقريره وذلك صحيح غير ما قاله من أن الماهية المركبة كما تعدم لعدم كل أجزائها تعدم بعدم بعض أجزائها فإن ذلك ليس بصحيح فإنه إذا عدم بعض الأجزاء لم تتركب

هامش إدرار الشروق

في عدة الوفاة هو المتعلق المعتبر في الشريعة لوجوب إيصال العدة والاستبراء والإحداد إليه مع قطع النظر عن كون تلك الغاية من سنة معينة فهذه أجناس عشرة تشترك كلها في تعلق الوجوب بفرد غير معين مما فيه المعنى الكلي المشترك ويختص كل واحد منها بخصوص ككونه فيه وبه وعنه ومنه وعليه وعنده وإليه كما تقدم وبهذا الاختصاص نجيب عن قول القائل إذا كان الحكم في أبواب هذه الأجناس العشرة كلها متعلقا بفرد غير معين مما فيه المعنى المشترك فليكن الكل واجبا مخيرا فلم اختلفت الأسماء فنقول إن هذا القدر العام الذي هو التعلق بفرد غير معين مما فيه المعنى المشترك قد حصل تحته أيضا أجناس كلية مشتركة بين أفراد ذلك الجنس والأصل اختلاف الأسماء لغة واصطلاحا إذا اختلفت الحقائق الكلية أو الجزئية لتحصل فائدة التعبير عن خصوص كل حقيقة كانت جنسا أو شخصا فهذا تقرير هذا الفرق بين قواعده العشرة والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق السبعون بين قاعدة اقتضاء النهي الفساد في نفس الماهية وبين قاعدة اقتضاء النهي الفساد في أمر خارج عنها مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن النهي إذا كان في ركن من أركان ماهية البيع مثلا التي هي العاقدان والعوضان كالنهي عن بيع الخنزير والميتة وبيع السفيه وتحريره كانت المفسدة في نفس الماهية لأن النهي إنما يعتمد المفاسد كما أن الأمر إنما يعتمد المصالح والمتضمن للمفسدة فاسد وإذا كان أي النهي إنما هو في خارج عنها كالنهي عن بيع نقد بنقد أكثر منه فإن متعلق النهي وصف أحد العوضين بالكثرة لا نفس أحد العوضين كان أصل الماهية سالما عن المفسدة النهي إنما هو في الخارج عنها فلا يقتضي فساد الماهية كما اقتضاه تعلق النهي بركن من أركانها الأربعة قال إذ لو قلنا بالفساد مطلقا لسوينا

____________________

(2/146)

المال الربوي ورد الزائد فإذا باع درهما بدرهمين أوجب العقد درهما من الدرهمين ويرد الدرهم الزائد وكذلك بقية الربويات وبالغ قبالته أحمد بن حنبل في إلغاء هذا الفرق حتى أبطل الصلاة بالثوب المغصوب والوضوء بالماء المسروق والذبح بالسكين المغصوبة وسوى فيه بين موارد النهي وتوسط مالك والشافعي بين المذهبين فأوجبا الفساد في بعض الفروع دون بعض وأنا أذكر حجج الفريقين ثم أذيل بمسائل توضح الفرق

احتج أبو حنيفة رحمه الله بأن النهي إذا كان في نفس الماهية كانت المفسدة في نفس الماهية والمتضمن للمفسدة فاسد فإن النهي إنما يعتمد المفاسد كما أن الأمر إنما يعتمد المصالح كالنهي عن بيع الخنزير والميتة وبيع السفيه وتحريره أن أركان العقد أربعة عوضان وعاقدان فمتى وجدت الأربعة من حيث الجملة سالمة عن النهي فقد وجدت الماهية المعتبرة شرعا سالمة عن النهي فيكون النهي إنما تعلق بأمر خارج عنها ومتى انخرم واحد من الأربعة فقد عدمت الماهية لأن الماهية المركبة كما تعدم لعدم كل أجزائها تعدم لعدم بعض أجزائها فإذا باع سفيه من سفيه خمرا بخنزير فجميع الأركان معدومة

هامش أنوار البروق

تلك الماهية فلا يكون ذلك الجزء المعدوم جزءا منها إلا بالتوهم وبتقدير أن يكون جزءا في غير هذا الفرض أما في هذا فلا وغير ما قاله من أن ذلك الذي قرره عن أبي حنيفة فقه حسن وهو قوله

قال أبو حنيفة أصل الماهية سالم عن المفسدة والنهي إنما هو في الخارج عنها فلو قلنا بالفساد مطلقا لسوينا بين الماهية المتضمنة للفساد وبين السالمة عن الفساد ولو قلنا بالصحة مطلقا لسوينا بين الماهية السالمة في ذاتها وصفاتها وبين المتضمنة للفساد في صفاتها وذلك غير جائز فإن التسوية بين مواطن

هامش إدرار الشروق

بين الماهية المتضمنة للفساد وبين السالمة عن الفساد كما أنا لو قلنا بالصحة مطلقا لسوينا بين الماهية السالمة في ذاتها وصفاتها وبين المتضمنة للفساد في صفاتها وذلك غير جائز فإن التسوية بين مواطن الفساد وبين السالم عن الفساد خلاف القواعد فتعين حينئذ أن يقابل الأصل بالأصل والوصف بالوصف فنقول أصل الماهية سالم عن النهي والأصل في تصرفات المسلمين وعقودهم الصحة حتى يرد نهي فيثبت لأصل الماهية الأصل الذي هو الصحة ويثبت للوصف الذي هو الزيادة المتضمنة للمفسدة الوصف العارض وهو النهي فيفسد الوصف دون الأصل وهو المطلوب ا ه

قال ابن الشاط لقائل أن يقول ليس الأمر كذلك فإن الوصف إذا نهي عنه سرى النهي إلى الموصوف لأن الوصف لا وجود له مفارقا للموصوف فيئول الأمر إلى أن النهي يتسلط على الماهية الموصوفة بذلك الوصف فتكون الماهية على ضربين عار عن ذلك الوصف فلا يتسلط النهي عليه ومتصف بذلك الوصف فيتسلط النهي عليه ا ه

ومذهب الإمام أحمد بن حنبل التسوية بين الأصل والوصف في جميع موارد النهي حتى أبطل الصلاة بالثوب المغصوب والوضوء بالماء المسروق والذبح بالسكين المغصوبة محتجا بأن النهي يعتمد المفاسد ومتى ورد نهي أبطلنا ذلك العقد وذلك التصرف بجملته فإن ذلك العقد إنما اقتضى تلك الماهية بذلك الوصف أما بدونه فلم يتعرض له المتعاقدان فيبقى

____________________

(2/147)

فالماهية معدومة والنهي والفساد في نفس الماهية وإذا باع رشيد من رشيد ثوبا بخنزير فقد فقد ركن من الأربعة وهو أحد العوضين فتكون الماهية معدومة شرعا ولا فرق في ذلك بين واحد من الأربعة أو اثنين أو أكثر

فإذا باع رشيد من رشيد فضة بفضة فالأركان الأربعة موجودة سالمة عن النهي الشرعي فإذا كانت إحدى الفضتين أكثر فالكثرة وصف حصل لأحد العوضين فالوصف متعلق النهي دون الماهية فهذا هو تحرير كون النهي في الماهية أو في أمر خارج عنها وخرج على ذلك جميع عقود الربا وجميع ما هو من هذا الضابط على ما ذكرته في المثال فمتى وجدت الأركان كلها وأجزاء الماهية فالنهي في الخارج ومتى كان النهي في جزء من أجزاء الماهية أو في جميع أجزائها فالنهي في الماهية إذا تقرر هذا قال أبو حنيفة أصل الماهية سالم عن المفسدة والنهي إنما هو في الخارج عنها فلو قلنا بالفساد مطلقا لسوينا بين الماهية المتضمنة للفساد وبين السالمة عن الفساد ولو قلنا بالصحة مطلقا لسوينا بين الماهية السالمة في ذاتها وصفاتها وبين المتضمنة للفساد في صفاتها وذلك غير جائز فإن التسوية بين مواطن الفساد وبين السالم عن الفساد خلاف

هامش أنوار البروق

الفساد وبين السالم عن الفساد خلاف القواعد فتعين حينئذ أن يقابل الأصل بالأصل والوصف بالوصف فنقول أصل الماهية سالم عن النهي والأصل في تصرفات المسلمين وعقودهم الصحة حتى يرد نهي فيثبت لأصل الماهية الأصل الذي هو الصحة ويثبت للوصف الذي هو الزيادة المتضمنة للمفسدة الوصف العارض وهو النهي فيفسد الوصف دون الأصل وهو المطلوب قلت لقائل أن يقول ليس الأمر كذلك فإن الوصف إذا نهى عنه سرى النهي إلى الموصوف لأن

هامش إدرار الشروق

على الأصل غير معقود عليه فيرد من يد قابضه بغير عقد

وكذلك الوضوء بالماء المغصوب معدوم شرعا والمعدوم شرعا كالمعدوم حسا ومن صلى بغير وضوء حسا فصلاته باطلة فكذلك صلاة المتوضئ بالماء المغصوب باطلة وكذلك الصلاة في الثوب المغصوب والمسروق والذبح بالسكين المغصوبة والمسروقة فهي كلها معدومة شرعا فتكون معدومة حسا ومن فرى الأوداج بغير أداة حسا لم تؤكل ذبيحته فكذلك ذبيحة الذابح بسكين مغصوبة وعلى هذا المنوال قال ابن الشاط وفي تسويته بين الوضوء بالماء المغصوب وما أشبهه وبين مسألة الربا نظر فإن هذه الأمور لم يتسلط النهي فيها على الماهية ولا على وصفها بل الغصب من غير تعرض لكونه في وضوء أو غير وضوء بخلاف مسألة الربا فإنه وإن كان النهي في الآية ظاهره التسلط على الربا من غير تعرض لكونه في البيع أو لا فإن الحديث قد بين ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل فسلط النهي على البيع المشتمل على الزيادة ولم يأت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تتوضأ بالماء المغصوب فبين الموضعين فرق من هذا الوجه لا خفاء فيه ا ه

وبالجملة فمذهب الإمام أبي حنيفة المبالغة في اعتبار الفرق بين هاتين القاعدتين حتى أثبت عقود الربا وإفادتها الملك في أصل المال الربوي ورد الزائد فإذا باع درهما بدرهمين أوجب العقد درهما من الدرهمين ويرد الدرهم الزائد وكذلك بقية الربويات ومذهب الإمام أحمد المبالغة في إلغاء هذا الفرق حتى أبطل

____________________

(2/148)

القواعد فتعين حينئذ أن يقابل الأصل بالأصل والوصف بالوصف فنقول أصل الماهية سالم عن النهي

والأصل في تصرفات المسلمين وعقودهم الصحة حتى يرد نهي فيثبت لأصل الماهية الأصل الذي هو الصحة ويثبت للوصف الذي هو الزيادة المتضمنة للمفسدة الوصف العارض وهو النهي فيفسد الوصف دون الأصل وهو المطلوب وهو فقه حسن واحتج أحمد بن حنبل رضي الله عنه بأن النهي يعتمد المفاسد ومتى ورد نهي أبطلنا ذلك العقد وذلك التصرف بجملته فإن ذلك العقد إنما اقتضى تلك الماهية بذلك الوصف أما بدونه فلم يتعرض له المتعاقدان فيبقى على الأصل غير معقود عليه فيرد من يد قابضه بغير عقد وكذلك الوضوء بالماء المغصوب معدوم شرعا والمعدوم شرعا كالمعدوم حسا ومن صلى بغير وضوء حسا فصلاته باطلة فكذلك صلاة المتوضئ بالماء المغصوب باطلة وكذلك الصلاة في الثوب المغصوب والمسروق والذبح بالسكين المغصوبة والمسروقة فهي كلها معدومة شرعا فتكون معدومة حسا ومن فرى الأوداج بغير أداة حسا لم تؤكل ذبيحته فكذلك ذبيحة الذابح بسكين مغصوبة وعلى هذا المنوال

وأما نحن فتوسطنا بين المذهبين فقلنا بالفساد لأجل النهي عن الوصف في مسائل دون مسائل ولنذكر من ذلك ثلاث مسائل

هامش أنوار البروق

الوصف لا وجود له مفارقا للموصوف فيئول الأمر إلى أن النهي يتسلط على الماهية الموصوفة بذلك الوصف فتكون الماهية على ضربين عار عن ذلك الوصف فلا يتسلط النهي عليه ومتصف بذلك الوصف فيتسلط النهي عليه

قال واحتج أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه بأن النهي يعتمد المفاسد إلى قوله ولنذكر من ذلك ثلاث مسائل قلت فيما قاله أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه في الوضوء بالماء المغصوب وما أشبهه ومن تسويته

هامش إدرار الشروق

الصلاة بالثوب المغصوب وما أشبه ذلك وفي كل منهما نظر قد علمته وتوسط مالك والشافعي بين المذهبين وفي الفرق بين هاتين القاعدتين وخلاصة ما فرقا به بينهما أن النهي إذا كان في حقيقة المأمور به بأن كان في ركن من أركانه أي في نفس الركن أو صفته كالنهي عن بيع الخنزير وكالنهي عن لبس الخف في الإحرام وكالنهي عن بيع درهم بدرهمين كان مقتضيا لفساد المأمور به ضرورة عدم حصول الحقيقة المأمور به بكماله حينئذ لأن النهي إنما يعتمد المفاسد كما أن الأمر إنما يعتمد المصالح

وإذا كان أي النهي لا في حقيقة المأمور به بل في المجاور كالنهي عن الغصب والسرقة كان مقتضيا لفساد المجاور لا لفساد المأمور به فطهارة غاصب الخف إذا مسح عليه مع نهيه عن الغصب فإن طهارته صحيحة عندنا لكونه محصلا لها بكمالها على الوجه المطلوب شرعا وإنما هو جان على حق صاحب الخف بخلاف طهارة المحرم إذا مسح على الخف فإنه لم يحصلها بكمالها مع نهيه عن لبس الخف لكونه مخاطبا في طهارته بالغسل ولم يأت به فلم تحصل حقيقة الطهارة المأمور بها بكمالها مع النهي عن لبس الخف لكونه في نفس الحقيقة لا في مجاورها فبكل من الغاصب والمحرم وإن اشتركا في العصيان بلبس الخف بسبب نهيه عنه إلا أن النهي

____________________

(2/149)

المسألة الأولى الصلاة المغضوبة في الدار المغصوبة قلنا نحن والشافعية والحنفية بصحتها وقال الحنابلة ببطلانها فنحن نلاحظ أن متعلق الأمر قد وجد فيها بكماله مع متعلق النهي فالصلاة من حيث هي صلاة حاصلة غير أن المصلي جنى على حق صاحب الدار فالنهي في المجاور والحنابلة مشوا على أصلهم في التسوية بين الأصل والوصف

المسألة الثانية غاصب الخف إذا مسح عليه عندنا صحت طهارته وصلاته وعند الحنابلة تبطل والمدرك عندنا أنه محصل للطهارة بكمالها على الوجه المطلوب شرعا وإنما هو جان على حق صاحب الخف كالصلاة في الدار المغصوبة وبهذه القاعدة يظهر الفرق بين هذا الفرع وبين المحرم إذا مسح على الخف أن المحرم مخاطب في طهارته بالغسل ولم يأت به فلم تحصل به حقيقة المأمور به بكماله بخلاف الغاصب حصل حقيقة المأمور به بكماله مع حقيقة النهي فكان النهي في المجاور وكثيرا ما يسأل عن الفرق بين هاتين المسألتين فيفرق بينهما بأمور وعبارات ليس فيها إبانة عن المقصود وسر الفرق ما ذكرته لك من وجود كمال حقيقة المأمور به في الغاصب وعدم وجودها في المحرم ففي صورة الغاصب نهي عن مجاور وفي صورة المحرم عدم المأمور به فبقيت

هامش أنوار البروق

بينه وبين مسألة الربا نظر فإن هذه الأمور لم يتسلط النهي فيها على الماهية ولا على وصفها بل تسلط على الغصب من غير تعرض لكونه في وضوء أو غير وضوء بخلاف مسألة الربا فإنه وإن كان النهي في الآية ظاهره التسلط على الربا من غير تعرض لكونه في البيع أو لا فإن الحديث قد بين ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل فسلط النهي على البيع المشتمل على الزيادة ولم

هامش إدرار الشروق

في الغاصب لما تعلق بالمجاور للمأمور به لا بنفس حقيقة المأمور به اقتضى فساد المجاور لا فساد المأمور به فلم تبق الذمة مشغولة بالمأمور به والنهي في المحرم لما تعلق بنفس حقيقة المأمور به لا بمجاوره اقتضى فساد المأمور به فبقيت الذمة مشغولة بالمأمور به

وصل في زيادة توضيح المقام بمسألتين المسألة الأولى الصلاة في الدار المغصوبة أو في ثوب مغصوب والوضوء بماء مغصوب والحج بمال حرام سواء في الصحة عندنا وعند الشافعية والحنفية خلافا لأحمد وذلك لأنا نلاحظ أن متعلق الأمر في هذه المسائل قد وجد فيها بكماله مع متعلق النهي فحقيقة المأمور به من المكان الطاهر والسترة الكاملة وصورة التطهير والحج قد وجدت من حيث المصلحة لا من حيث الإذن الشرعي وإذا حصلت حقيقة المأمور به من حيث المصلحة كان النهي في مجاور وهي الجناية على الغير والإمام أحمد مشى على أصله في التسوية بين الأصل والوصف نظرا لعدم وجود حقيقة المأمور به في المسائل المذكورة من المكان والسترة وصورة التطهر لأن المعدوم شرعا كالمعدوم حسا فيكون المكان والسترة وصورة التطهير معدومة حسا مع العمد وذلك مبطل للصلاة والطهارة ولا يخفاك أن هذا النظر إنما يتم لو سلم أن الله تعالى أمر بالطهارة والسترة والمكان الطاهر واشترط في ذلك أن تكون الأداة مباحة ونحن لا نسلم

____________________

(2/150)

الذمة مشغولة بالمأمور فالبابان مختلفان من هذا الوجه وإن اشتركا في أن كل واحد منهما عاص باللبس

المسألة الثالثة الذي يصلي في ثوب مغصوب أو يتوضأ بماء مغصوب أو يحج بمال حرام كل هذه المسائل عندنا سواء في الصحة خلافا لأحمد والعلة وما تقدم أن حقيقة المأمور به من الحج والسترة وصورة التطهر قد وجدت من حيث المصلحة لا من حيث الإذن الشرعي وإذا حصلت حقيقة المأمور به من حيث المصلحة كان النهي مجاورا وهي الجناية على الغير كما في الدار المغصوبة فإن قلت لا نسلم وجود حقيقة المأمور به لأن المعدوم شرعا كالمعدوم حسا فتكون السترة معدومة حسا مع العمد وذلك مبطل للصلاة وكذلك الوضوء بعين هذا التقرير ولا يمكنني أن أقول ذلك في الحج فإن النفقة لا تعلق لها بالحج لأنها ليست ركنا ولا صرفت في ركن بل نفقة الطريق لحفظ حياة المسافر بخلاف المحرم هاهنا صرف فيما هو شرط فكان الشرط معدوما قلت نمنع أن الله تعالى أمر بالطهارة والسترة واشترط فيهما أن تكون الأداة مباحة بل حرم الغصب مطلقا وأوجب الطهارة مطلقا ولم يقيد واحدا منهما ألبتة فكما يتحقق الغصب وإن قارن مأمورا يتحقق المأمور وإن قارن تحريما فما أمر الله تعالى إلا بالصلاة ولم يشترط فيها بقعة مباحة بل أوجب الصلاة مطلقا وحرم الغصب ولا يلزم من تحريم الشيء أن يكون عدمه شرطا كما أنه لو سرق في صلاته لم تبطل صلاته

وكذلك لو عزم في صلاته على قتل إنسان لم تبطل صلاته مع مقارنة المحرم فكذلك في هذه المواطن فإن قلت فما الفرق بين هذه المسائل وبين مسائل الربا ولم لا وافقت الحنفية في تصحيح العقد فيها كما صحت العبادة مع ثبوت النهي في الوصف وفي الجميع النهي في الوصف دون الأصل والحنفية طردت أصلها وأنت لم تطرد أصلك وكذلك الشافعية قلت السر في ذلك أن تلك الحقائق متعلقات العقود والرضا لم يحصل إلا بمقابلة

هامش أنوار البروق

يأت عنه صلى الله عليه وسلم أنه

قال لا تتوضأ بالماء المغصوب فبين الموضعين فرق من هذا الوجه لا خفاء فيه والله أعلم

قال المسألة الأولى الصلاة في الدار المغصوبة إلى آخرها قلت لم يزد على حكاية المذاهب ومستندها ولا كلام في ذلك

هامش إدرار الشروق

ذلك بل نقول إن الله تعالى أوجب الصلاة مطلقا وحرم الغصب ولا يلزم من تحريم الشيء أن يكون عدمه شرطا

ألا ترى أنه لو سرق في صلاته لم تبطل صلاته مع مقارنة المحرم فكذلك في هذه المواطن على أن هذا النظر لا يتأتى في الحج فإن النفقة لا تعلق لها بالحج لأنها ليست ركنا ولا صرفت في

____________________

(2/151)

الواحد بالاثنين فلو صححنا العقد في البعض لنقلنا ملك البائع بغير رضاه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه وهذا لم تطب نفسه إلا بما تعلق العقد به فكان الدرهم الباقي بعد إسقاط الدرهم الزائد باقيا على ملك باذله لعدم تناول العقد مقابلته بمثله بل بمثليه وأما في هذه الصور حيث قلت بالصحة فالموجود كمال متعلق الأمر فقلت بالصحة لكمال وجود المتعلق وهناك لم يوجد كمال المتعلق وهذا فرق جلي جليل فإن قلت من رضي بأن يكون درهمان من عنده بإزاء درهم فقد رضي بأن يكون درهم واحد من قبله بإزاء درهم واحد بطريق الأولى فقوله لم يحصل الرضا ممنوع بل الرضا حاصل

قلت الجواب عن هذا السؤال من وجهين الأول هب أن باذل الدرهمين راض فباذل الدرهم غير راض ببذله بإزاء درهم واحد وإنما رضي ببذله بإزاء درهمين سلمنا حصول الرضا لكن الرضا لا يكفي وحده في نقل الأملاك فإنه لو رضي بنقل ملكه وهو ساكت من غير قول ولا فعل ولم ينتقل ملكه فيما علمته إجماعا بل لا بد من عقد أو ما يقوم مقامه أما الرضا وحده فليس هو سببا شرعيا بل السبب الشرعي هو الدال على الرضا وهذا السبب له متعلق ولم يوجد فوجب أن لا يقضى باللزوم حينئذ فهذا هو سر الفرق بين الربويات والعبادات فتأمل ذلك فهو حسن

هامش أنوار البروق

قال المسألة الثانية غاصب الخف إذا مسح عليه صحت طهارته وصلاته عندنا وعند الحنابلة تبطل إلى آخرها قلت ما قاله في ذلك صحيح إلى منتهى المسألة

هامش إدرار الشروق

ركن بل نفقة الطريق لحفظ حياة المسافر بخلاف المحرم في مسألة المكان والسترة وصورة التطهير فإنه صرف فيما هو شرط فكان الشرط معدوما فافهم

المسألة الثانية النهي عن بيع درهم بدرهمين ونحوه من الربويات وإن تعلق بالوصف الذي هو الزيادة لا بنفس حقيقة البيع كما في مسألة المكان والسترة وصورة التطهير والحج إلا أن الوصف هنا أي في مسألة بيع درهم بدرهمين لما كان من متعلقات العقد من حيث إن رضا البائع لم يحصل إلا بمقابلة الواحد بالاثنين وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه وهذا البائع لم تطب نفسه إلا بما تعلق العقد به لم تحصل حقيقة العقد المأمور به بكماله بل كان الدرهم الباقي بعد إسقاط الدرهم الزائد باقيا على ملك باذله

وأما الوصف في مسائل العبادات المارة فلما لم يتعلق بالمأمور به بحيث تتوقف صحته على صحته كان متعلق الأمر موجودا بكماله فقولنا بالصحة في مسائل العبادات وعدمها في مسألة الربا إنما هو بالنظر لكمال وجود متعلق الأمر في الأولى دون الثانية باذل الدرهمين من عنده بإزاء درهم واحد وإن رضي بمقابلة الدرهم بمثله بطريق الأولى إلا أن باذل الدرهم غير راض ببذله بإزاء درهم واحد وإنما يرضى بما وقع عليه العقد من بذله بإزاء درهمين على أنه لو رضي بذلك أيضا لا يكفي حصول الرضا وحده في نقل الأملاك فإنه لو رضي بنقل ملكه وهو ساكت من غير قول ولا فعل لم

____________________

(2/152)

الفرق الحادي والسبعون الفرق بين قاعدة حكاية الحال إذا تطرق إليها الاحتمال سقط بها الاستدلال وبين قاعدة حكاية الحال إذا ترك فيها الاستفصال تقوم مقام العموم في المقال ويحسن بها الاستدلال هذا موضع نقل عن الشافعي فيه هذان الأمران على هذه الصورة واختلفت أجوبة الفضلاء في ذلك فمنهم من يقول هذا مشكل ومنهم من يقول هما قولان للشافعي والذي ظهر لي أنهما ليستا قاعدة واحدة فيها قولان بل هما قاعدتان متباينتان ولم يختلف قول الشافعي ولا تناقض وتحرير الفرق بينهما ينبني على قواعد

هامش أنوار البروق

قال الفرق الحادي والسبعون بين قاعدة حكاية الحال إذا تطرق إليها الاحتمال سقط بها الاستدلال وبين قاعدة حكاية الحال إذا ترك فيها الاستفصال تقوم مقام العموم في المقال ويحسن بها الاستدلال إلى قوله وتحرير الفرق بينهما ينبني على قواعد قلت قوله بل هما قاعدتان متساويتان إن أراد بذلك أن معناهما واحد فليس قوله بصحيح وإن أراد بذلك أنهما متساويتان في كون كل واحدة منها قاعدة مستقلة مساوية للأخرى في الاستقلال فقوله صحيح

قال القاعدة الأولى أن الاحتمال المرجوح لا يقدح في دلالة اللفظ وإلا لسقطت دلالة العمومات كلها لتطرق احتمال التخصيص إليها قلت ما قاله في ذلك صحيح

هامش إدرار الشروق

ينتقل ملكه إجماعا بل لا بد من عقد أو ما يقوم مقامه مما يدل على الرضا لأنه هو السبب الشرعي لا الرضا وحده فوجب أن لا يقضي باللزوم حينئذ هذا هو سر الفرق بين الربويات والعبادات فتأمله فإنه حسن والله سبحانه وتعالى أعلم الفرق الحادي والسبعون بين قاعدة حكاية الحال إذا تطرق إليها الاحتمال سقط بها الاستدلال وبين قاعدة حكاية الحال إذا ترك فيها الاستفصال تقوم مقام العموم في المقال ويحسن بها الاستدلال هاتان قاعدتان متباينتان نقلتا عن الشافعي رضي الله تعالى عنه لا قاعدة واحدة فيها قولان له وذلك أن مراده بقوله إن حكاية الحال إذا تطرق إلخ أن الدليل من كلام صاحب الشرع إذا استوت فيه الاحتمالات ولم يترجح أحدها سقط به الاستدلال لقاعدتين القاعدة الأولى أن الاحتمال الذي يوجب الإجمال إنما هو الاحتمال المساوي أما المرجوح فلا وإلا لسقطت

____________________

(2/153)

القاعدة الأولى أن الاحتمال المرجوح لا يقدح في دلالة اللفظ وإلا لسقطت دلالة العمومات كلها لتطرق احتمال التخصيص إليها بل تسقط دلالة جميع الأدلة السمعية لتطرق احتمال المجاز والاشتراك إلى جميع الألفاظ لكن ذلك باطل فتعين حينئذ أن الاحتمال الذي يوجب الإجمال إنما هو الاحتمال المساوي أو المقارب أما المرجوح فلا

القاعدة الثانية أن كلام صاحب الشرع إذا كان محتملا احتمالين على السواء صار مجملا وليس حمله على أحدهما أولى من الآخر القاعدة الثالثة أن لفظ صاحب الشرع إذا كان ظاهرا أو نصا في جنس وذلك الجنس متردد بين أنواعه وأفراده لا يقدح ذلك في الدلالة كقوله تعالى فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا اللفظ ظاهر في إعتاق جنس الرقبة وهي مترددة بين الذكر والأنثى والطويلة والقصيرة وغير ذلك من الأوصاف ولم يقدح ذلك في دلالة اللفظ على إيجاب الرقبة وكذلك الأمر بجميع المطلقات الكليات وقد تقدم أنها عشرة ولم يظهر في شيء من مثلها قدح ولا إجمال إذا تحررت هذه القواعد فنقول الاحتمالات تارة تكون في كلام صاحب الشرع على السواء فتقدح وتارة تكون في محل مدلول اللفظ فلا تقدح فحيث قال الشافعي رضي الله عنه إن حكاية الحال إذا تطرق إليها الاحتمال سقط بها الاستدلال مراده إذا استوت الاحتمالات في كلام صاحب الشرع ومراده أن حكاية الحال إذا ترك

هامش أنوار البروق

قال بل تسقط دلالة جميع الأدلة السمعية لتطرق احتمال المجاز والاشتراك إلى جميع الألفاظ قلت ما قاله هنا ليس بصحيح فإن من الألفاظ ما لا يلحقه ذلك وقد سبق له من هذا أن أسماء الأعداد لا يدخلها المجاز

هامش إدرار الشروق

دلالة العمومات كلها لتطرق احتمال التخصيص إليها وذلك باطل القاعدة الثانية أن كلام صاحب الشرع إذا كان محتملا احتمالين على السواء صار مجملا وليس حمله على أحدهما أولى من الآخر وإن مراده بقوله إن حكاية الحال إذا ترك فيها إلخ أن الاحتمالات إذا كانت في محل مدلول اللفظ من كلام صاحب الشرع دون الدليل تقوم مقام العموم في المقال ويحسن بها الاستدلال بمعنى أن الشارع إذا ترك الاستفصال في قضايا الأعيان وهي محتملة الوقوع على أحد وجهين أو وجوه دل ذلك على أن الحكم فيها متحد في الوجهين أو الوجوه

قاعدة وهي أن لفظ صاحب الشرع لا يقدح الاستدلال به إذا كان ظاهرا أو نصا في فرد غير معين من أفراد الجنس كقوله تعالى فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا فإن اللفظ ظاهر في إعتاق مطلق رقبة مترددة بين الذكر والأنثى والطويلة والقصيرة وغير ذلك من الأوصاف ولم يقدح ذلك في دلالة اللفظ على إيجاب الرقبة وكذلك الأمر بجميع المطلقات وقد تقدم في الفرق التاسع والستين أنها عشرة ولم يظهر في شيء من مثلها قدح ولا إجمال وصل في توضيح هذا الفرق بثلاث مسائل

قال المسألة الثانية استدلت المعتزلة على أن الشر من العبد لا من الله تعالى بقوله عليه السلام في الحج الخير كله بيدك والشر ليس إليك إلى آخره ما قاله في المسألة قلت الأظهر أن ما قدرته المعتزلة أظهر ولكن المسألة قطعية لا يكتفى فيها بالظواهر مع أن الدليل العقلي القطعي قد ثبت أن الشر بقدرته كما أن الخير كذلك فبطل مقتضى ذلك الظاهر وتعين التأويل وما ذكره في المسألة الثالثة والرابعة والخامسة صحيح ظاهر والله أعلم

المسألة الأولى استدلال الشافعية بقوله صلى الله عليه وسلم في المحرم الذي وقصت به ناقته لا تمسوه بطيب فإنه

____________________

(2/154)

فيها الاستفصال قامت مقام العموم في المقال إذا كانت الاحتمالات في محل المدلول دون الدليل ولنوضح ذلك بذكر ثمان مسائل المسألة الأولى قوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الوضوء بنبيذ التمر قال تمرة طيبة وماء طهور ليس في اللفظ إلا أن التمرة طاهرة طيبة والماء طهور فيبقى إذا جمع بين التمرة والماء الطهور كيف يكون الحال هل يسلب الطهورية أم لا لم يتعرض لذلك فيحتمل أن يريد أن كل واحد منهما بقي على حاله لم يتغير عن وصفه فلذلك وصفهما بما كانا عليه قبل الاجتماع ويحتمل أنهما تغيرا عن حالتهما الأولى فتفتتت التمرة واحمر الماء وحلا ومع ذلك فالماء طهور على حاله وهو مراد الحنفية وليس في اللفظ إشعار بالتفتت ولا بعدمه فقوله عليه الصلاة والسلام تمرة طيبة وماء طهور لم يتعرض في ذلك لما قبل التغير ولا لما بعده فإن قلت لو لم يتعرض لما بعد التغير لم يكن الجواب حاصلا فإنه عليه السلام إنما سئل عنهما بعد اجتماعهما قلت مسلم إنه سئل عنهما بعد اجتماعهما ولكنه لم يقل للسائل توضأ ولا لا تتوضأ بل اقتصر على ذكر وصفي المجتمعين ولم يتعرض للتغير ولا لعدمه فلا جرم لما تساوت الاحتمالات في ذلك سقط الاستدلال بالحديث على الجواز بعد التغير فإن الدال على الأعم غير دال على الأخص وحالة التغير أخص مما فهم من اللفظ من وصفي المجتمعين

هامش أنوار البروق

قال لكن ذلك باطل فتعين حينئذ أن الاحتمال الذي يوجب الإجمال إنما هو الاحتمال المساوي أو المقارب أما المرجوح فلا

هامش إدرار الشروق

يبعث يوم القيامة ملبيا على أن المحرم إذا مات لا يغسل ساقط لأنه صلى الله عليه وسلم لم يرتب الحكم على وصف يقتضي أنه علة له فيعم جميع الصور لعموم علته بل علل حكم الشخص المعين فقط ولو أراد عليه السلام الترتيب على الوصف لقال فإن المحرم يبعث يوم القيامة ملبيا ولم يقل فإنه ولقال لا تمسوا المحرم ولم يقل لا تمسوه فلما عدل فيهما عن الوصف إلى الضمير الجامد دل ذلك ظاهرا على عدم إرادته لترتيب الحكم على الوصف فبقيت الاحتمالات بالنسبة إلى بقية المحرمين مستوية وهو المطلوب

المسألة الثانية لا يحصل بنهيه عليه الصلاة والسلام عن البتراء استدلال للحنفية على أن الركعة المنفردة لا تجزئ فلا يجوز أن يوتر بركعة واحدة بل بثلاث بتسليمة واحدة إذ ليس الأبتر في اللغة هو المنفرد وحده حتى يحصل الاستدلال بذلك بل الأبتر في اللغة هو الذي لا يتبعه غيره ويضاف إليه من ذنب أو عقب وحينئذ فالبتراء يحتمل أن يريد بها ركعة ليس قبلها شيء ويحتمل أن يريد بها ركعة منفردة والاحتمالان مستويان ونحن نقول الركعتان متقدمتان تابعتان للوتر وتوطئة له فلا حجة للحنفية في ذلك على ما قالوا فالاحتمالات وقعت في هاتين المسألتين في نفس الدليلين وتساوت فيسقط الاستدلال بهما

____________________

(2/155)

المسألة الثانية استدلت المعتزلة على أن الشر من العبد لا من الله بقوله عليه السلام في الحج الخير كله بيديك والشر ليس إليك وهذا سلب عام تقوم به الحجة على الأشعرية فجوابه أن قوله عليه السلام ليس إليك هذا الجار والمجرور لا بد له من عامل يتعلق به فالمعتزلة يقدرونه والشر ليس منسوبا إليك حتى يكون من العبد على زعمهم ونحن نقدره والشر ليس قربة إليك لأن الملوك كلهم يتقرب إليهم بالشر إلا الله تعالى لا يتقرب إليه إلا بالخير وهذا معنى حسن جميل يحمل اللفظ عليه وعليه هذا يكون لفظ صاحب الشرع محتملا لما قلناه ولما قالوه وليس اللفظ ظاهرا في أحدهما من حيث الوضع بل الاحتمالان مستويان فيسقط استدلال المعتزلة به لحصول الإجمال فيه المسألة الثالثة قوله عليه السلام في المحرم الذي وقصت به ناقته لا تمسوه بطيب فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا هذه واقعة عين في هذا المحرم وليس في اللفظ ما يقتضي أن هذا الحكم ثابت لكل محرم أو ليس بثابت وإذا تساوت الاحتمالات بالنسبة إلى بقية المحرمين سقط استدلال الشافعية به على أن المحرم إذا مات لا يغسل ولم يقل عليه السلام والمحرم يبعث يوم القيامة ملبيا حتى يكون فيه عموم ولا رتب الحكم على وصف يقتضي أنه علة له فيعم جميع الصور لعموم علته بل علل حكم الشخص المعين فقط فكان اللفظ مجملا بالنسبة إلى غيره ولو أراد عليه السلام الترتيب على الوصف لقال فإن المحرم يبعث يوم القيامة ملبيا ولم يقل فإنه ولقال لا تقربوا المحرم و لم يقل لا تقربوه

هامش أنوار البروق

قلت إيجاب الاحتمال المساوي الإجمال مسلم وأما إيجاب المقارب فلا فإنه إن كان متحقق المقاربة فهو متحقق عدم المساواة وإن كان متحقق عدم المساواة فهو متحقق المرجوحية فلا إجمال

هامش إدرار الشروق

وكذا يسقط في كل واقعة عين وقع فيها مثل هذا وهي التي أفتى فيها الشافعي بالإجمال وعدم الدلالة

المسألة الثالثة اللفظ في قوله صلى الله عليه وسلم لغيلان لما أسلم على عشر نسوة أمسك أربعا وفارق سائرهن ظاهر ظهورا قويا في الإذن والتخيير في الحالين حال ما إذا عقد عليهن عقودا مرتبة عقدا بعد عقد وحال ما إذا عقد عليهن عقدا واحدا فالاحتمالات المستوية بين هذين الحالين ليست في الدليل الدال على الحكم حتى يقدح في الدلالة بل هي في محل الحكم والاحتمالات المستوية في محل الحكم لا تقدح في الدلالة فمن هنا قال مالك والشافعي رضي الله عنهما له الخيار في الحالين بلا فرق خلافا لأبي حنيفة في قوله لا يجوز له أن يختار في الحالة الأولى من المؤخرات لفساد عقودهن بعد أربع عقود فإن عقد الخامسة وما فوقها باطل والخيار في الباطل لا يجوز وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام لو أراد أحد الحالين دون الأخرى لاستفصل غيلان عن ذلك وحيث لم يستفصل والأصل عدم علمه صلى الله عليه وسلم بحالة غيلان وهو في مقام تقرير قاعدة كلية لجميع الخلق ومن كان في مثل هذا المقام شأنه البيان والإيضاح كان أبين دليل على أن الحالين سواء في الحكم

تنبيهات الأول ليس في جوابه صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الوضوء بنبيذ التمر فقال تمرة طيبة وماء طهور احتمال ما في محل الحكم بل ولا فيه احتمالات متساوية كما قيل في نفس الدليل حتى يدعي سقوط

____________________

(2/156)

فلما عدل عن هذين المقامين إلى الضمائر الجامدة دل ذلك ظاهرا على عدم إرادته لترتيب الحكم على الوصف فبقيت الاحتمالات مستوية وهو المطلوب المسألة الرابعة قال الحنفية لا يجوز أن يوتر بركعة واحدة بل بثلاث بتسليمة واحدة لنهيه عليه السلام عن البتراء وهي الركعة المنفردة قلنا ليس في لفظ البتراء ما يقتضي ذلك بل الأبتر في اللغة هو الذي لا ذنب ولا عقب له ومنه قوله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام إن شانئك هو الأبتر أي لا عقب له فالبتراء يحتمل أن يريد بها ركعة ليس قبلها شيء ويحتمل أن يريد بها ركعة منفردة والاحتمالان متقاربان فلا يحصل الاستدلال به على أن الركعة المنفردة لا تجزي نعم لو كان الأبتر في اللغة هو المنفرد وحده صح ذلك بل هو الذي لا يتبعه غيره ويضاف إليه من ذنب أو عقب ونحن نقول الركعتان متقدمتان تابعتان للوتر وتوطئة له فلا حجة فيه فهذه المسائل كلها الاحتمالات فيها في نفس الدليل وقد تقاربت فيسقط الاستدلال بها فمتى وقعت واقعة عين ووقع فيها مثل هذا سقط بها الاستدلال وهي التي أفتى فيها الشافعي بالإجمال وعدم الدلالة وأشرع الآن في المسائل التي تجري مجرى العموم بسبب عدم الاستفصال

المسألة الخامسة قوله عليه السلام لغيلان لما أسلم على عشر نسوة أمسك أربعا وفارق سائرهن قال أبو حنيفة إن عقد عليهن عقودا مرتبة عقدا بعد عقد لم يجز له أن

هامش أنوار البروق

قال القاعدة الثانية إن كلام صاحب الشرع إذا كان محتملا احتمالين على السواء صار مجملا وليس حمله على أحدهما أولى من الآخر

هامش إدرار الشروق

استدلال الحنفية به على جواز الوضوء بالماء بعد تغيره بالتمر إذ لا شك كما قال ابن الشاط أن ظاهر الحديث أنه أراد صلى الله عليه وسلم أن أصل النبيذ تمرة طيبة وماء طهور وأنه باق على حكم الأصل من الطيب والطهورية لأنه صلى الله عليه وسلم إنما سئل عن الوضوء بالنبيذ والنبيذ اسم للماء المستنقع فيه التمر حتى يتغير حقيقة أما قبل التغير فلا يسمى نبيذا إلا مجازا بمعنى أنه يئول إلى ذلك ولا يجوز على الشارع صلوات الله وسلامه عليه أن يسأل عن شيء ثم لا يجيب عنه ولا أن يخبر بما لا فائدة فيه فالواجب حينئذ أن يقال إنه صلى الله عليه وسلم قال توضأ بالنبيذ الذي ليس هو إلا المتغير لكن لا باللفظ بل باقتضاء المساق وضرورة حمل كلامه صلى الله عليه وسلم على الفائدة وعلى جواب وليس الأمر كما قيل إنه صلى الله عليه وسلم لم يتعرض للتغير ولا لعدمه بل اقتصر على ذكر وصفي المجتمعين ا ه

التنبيه الثاني ليس الاحتمالان في تقدير متعلق إليك في قوله صلى الله عليه وسلم في الحج الخير كله بيديك والشر ليس إليك أعني تقدير المعتزلة والشر ليس منسوبا إليك وتقدير الأشعرية والشر ليس قربة إليك بمستويين حتى يقال بسقوط استدلال المعتزلة به على زعمهم من أن الشر من العبد لحصول الإجمال في نفس الدليل بل ما قدرته المعتزلة هو الأظهر ولكن المسألة قطعية لا يكتفى فيها بالظواهر مع أن الدليل العقلي القطعي قد ثبت أن الشر بقدرته تعالى كما أن الخير كذلك فبطل مقتضى ذلك الظاهر وتعين التأويل قاله ابن الشاط

____________________

(2/157)

يختار من المؤخرات لفساد عقودهن بعد أربع عقود فإن الخامسة وما فوقها باطل والخيار في الباطل لا يجوز وإن كان عقد عليهن عقدا واحدا جاز أن يختار لعدم التفاوت بينهن

وقال الشافعي ومالك رضي الله عنهما الحكم في ذلك سواء وله الخيار في الحالين لأنه عليه السلام أطلق القول في هذه القضية ولم يستفصل فكان ذلك كالتصريح بالعموم في جميع هذه الأحوال فيجوز التخيير مطلقا ولو أراد عليه السلام أحد القسمين دون الآخر لاستفصل غيلان عن ذلك وحيث لم يستفصل دل ذلك على التسوية في الحكم فإن قيل لعله على أن الواقع اتحاد العقد فلذلك أطلق القول قلت الجواب عن هذا من وجهين الأول أن الأصل عدم العلم بحالة غيلان الثاني أن هذه القضية من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تقرير قاعدة كلية لجميع الخلق ومثل هذا شأنه البيان والإيضاح فلو كان في نفسه عليه السلام علم ينبني عليه الحكم لبينه للناس وحيث لم يبينه وأطلق القول دل ذلك على أن الحالين سواء فهذا الحديث ليس في لفظه إجمال والاحتمالات مستوية بل اللفظ ظاهر ظهورا قويا في الإذن والتخيير وإنما الاحتمالات المستوية في محل الحكم وهذه النسوة وعقودهن يحتمل أن يكون عقدا واحدا أو عقودا والاحتمالات في محل الحكم لا تقدح وإنما يقدح في الدلالة الاستواء في الاحتمالات في الدليل الدال على الحكم أما إذا كان الدليل ظاهرا ومحل الحكم فيه احتمالات لا يقدح ذلك

هامش أنوار البروق

قلت ما قاله في ذلك صحيح

قال القاعدة الثالثة إن لفظ صاحب الشرع إذا كان ظاهرا أو نصا في جنس وذلك الجنس متردد بين أنواعه وأفراده لا يقدح ذلك في الدلالة كقوله تعالى فتحرير رقبة إلى قوله ولم يظهر في شيء من مثلها قدح ولا إجمال

هامش إدرار الشروق

التنبيه الثالث قوله صلى الله عليه وسلم للمفطر في رمضان أعتق رقبة وإن احتمل على السواء في محل الحكم لا في دليله أن تكون الرقبة سوداء أو بيضاء أو ذكرا أو أنثى أو طويلة أو قصيرة أو نحو ذلك

وقوله صلى الله عليه وسلم إذا شهد عدلان فصوموا وأفطروا وانسكوا وإن احتمل على السواء في محل الحكم لا في دليله أن يكون العدلان عربيين أو عجميين شيخين أو كهلين أبيضين أو أسودين ونحو ذلك

وقوله تعالى فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم وإن احتمل على السواء في محل الحكم لا في دليله أن يكون الموضع الذي يرجع إليه غربا أو شرقا أو شمالا أو جنوبا أو مدينة أو برية أو قرية ليست من مسائل ما يجري مجرى العموم لترك الاستفصال كما قيل بل هي من مسائل الإطلاق المقتضي تخيير المكلف في مختلفات الأشخاص والصفات والأحوال فافهم قاله ابن الشاط فظهر أن قول الشافعي حكاية الحال إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال وسقط بها الاستدلال إنما هو في الاحتمالات الثابتة في نفس دليل الحكم لا في محل الحكم عكس قوله إن ترك الاستفصال في حكاية الحال تقوم مقام العموم في المقال فإنه

____________________

(2/158)

المسألة السادسة قوله عليه السلام للمفطر في رمضان أعتق رقبة ظاهر في وجوب الإعتاق لا إجمال فيه مع احتمال أن تكون الرقبة المأمور بها سوداء أو بيضاء أو ذكرا أو أنثى أو طويلة أو قصيرة ومن هذا التنويع كثير في الرقبة ولا تقدح هذه الاحتمالات وإن استوت في دلالة الدليل على وجوب إعتاق رقبة لأن الاحتمالات في محل الحكم لا في دليله المسألة السابعة قوله عليه السلام إذا شهد عدلان فصوموا وأفطروا وانسكوا لفظ ظاهر في ربط هذه الأحكام بشهادة العدلين مع احتمال أن يكون العدلان عربيين أو عجميين شيخين أو كهلين أبيضين أو أسودين ونحو ذلك فيعم الحكم الجميع لأن الاحتمالات في محل الحكم لا في دليله ونقول جميع هذه الاحتمالات تندرج في محل الحكم وهو معنى قول الشافعي أنه يقوم مقام العموم في المقال

المسألة الثامنة قوله تعالى فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم اللفظ نص قطعي في السبعة والثلاثة لا احتمال في الدليل من هذا الوجه أصلا والاحتمالات في الموضع الذي يرجع إليه فيحتمل أن يكون غربا أو شرقا أو شمالا أو جنوبا أو مدينة أو برية أو قرية وجميع هذه الاحتمالات في محل الحكم فلا جرم أن يعم الحكم جميعها ويستوي فيما حكم به صاحب الشرع فهذا مثال الدليل يكون نصا والاحتمالات مستوية في محل الحكم فلو كانت هذه الاحتمالات المستوية في الدليل سقط به الاستدلال وصار مجملا كما قاله الشافعي رضي الله عنه فقد ظهر بهذه القواعد وهذه المسائل الفرق بين حكاية الحال إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال وسقط بها الاستدلال وبين قاعدة إن ترك الاستفصال في حكاية الحال تقوم مقام العموم في المقال ولم يتناقض قول الشافعي رضي الله عنه ولا اختلف بل كل قول له موضع يخصه

هامش أنوار البروق

قلت ليس ما مثل به الجنس بصحيح فإنه ليس لفظ رقبة في هذا الموضع جنسا ولكنه واحد غير معين من الجنس وكذلك قوله وكذلك الأمر بجميع المطلقات الكليات فإن المطلقات ليست الكليات وقد تقدم التنبيه على ذلك مرارا

قال إذا تحررت هذه القواعد فنقول الاحتمالات تارة تكون في كلام صاحب الشرع على السواء فتقدح وتارة تكون في محل مدلول اللفظ فلا تقدح قلت ما قاله هنا صحيح

قال فحيث قال الشافعي رضي الله عنه إن حكاية الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال سقط بها الاستدلال مراده إذا استوت الاحتمالات في كلام صاحب الشرع

هامش إدرار الشروق

في الاحتمالات الثابتة في محل الحكم لا في دليله فكلا قوليه لم يتناقضا ولم يختلفا بل كل قول له موضع يخصه والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(2/159)

الفرق الثاني والسبعون بين قاعدة الاستثناء من النفي إثبات في غير الأيمان وبين قاعدة الاستثناء من النفي ليس بإثبات في الأيمان اعلم أن مذهب مالك رحمه الله أن الاستثناء من النفي إثبات في غير الأيمان هذه قاعدته في الأقارير وقاعدته في الأيمان أن الاستثناء من النفي ليس بإثبات وعند الشافعي في ذلك قولان فمنهم من طرد أن الجميع إثبات في الأيمان وغيرها ومنهم من وافقنا ويظهر ذلك بذكر ثلاث مسائل

المسألة الأولى إذا حلف لا يلبس ثوبا إلا كتانا في هذا اليوم وقعد عريانا فالكتان قد استثني من النفي السابق فيكون إثباتا فيكون كلامه جملتين جملة سلبية وجملة ثبوتية بعد الاستثناء وقبله وقد دخل القسم عليهما فيحنث إذا قعد عريانا نحنثه في الجملة الثبوتية ويكون قد حلف أن لا يلبس غير الكتان وليلبس الكتان وما لبس الكتان فيحنث هذا هو مقتضى قاعدة اللغة من جهة أن الاستثناء من النفي إثبات والشافعية مشوا على ذلك على أحد القولين فحنثوه ووافقونا في القول الآخر فلم يحنثوه لنا وجوه الأول أن

هامش أنوار البروق

قلت الأظهر أن ذلك ليس مراده وإن مراده أن قضايا الأعيان إذا نقلت إلينا ونقل حكم الشارع فيها واحتمل عندنا وقوعها على أحد وجهين أو وجوه ولم ينقل إلينا على أي الوجهين أو الوجوه وقع الأمر فيها فإن مثل هذا يثبت فيه الإجمال ويسقط به الاستدلال ودليل ظهور ما قلته دون ما قاله أن ما قلته يطلق عليه حكاية حال حقيقة وما قاله يطلق عليه حكاية حال مجازا والله أعلم

قال ومراده أن حكاية الحال إذا ترك فيها الاستفصال قامت مقام العموم في المقال إذا كانت الاحتمالات في محل المدلول دون الدليل

هامش إدرار الشروق

الفرق الثاني والسبعون بين قاعدة الاستثناء من النفي إثبات في غير الأيمان وبين قاعدة الاستثناء من النفي ليس بإثبات في الأيمان مذهب بعض الشافعية أنه لا فرق بين هاتين القاعدتين جريا على القاعدة الأصولية أن الاستثناء من النفي إثبات كما أنه من الإثبات نفي مذهب بعض الشافعية أنه لا فرق بين هاتين القاعدتين جريا على القاعدة الأصولية أن الاستثناء من النفي إثبات كما أنه من الإثبات نفي في الأيمان وغيرها ومذهب مالك رحمه الله تعالى وبعض الشافعية أن قاعدة أن الاستثناء من النفي إثبات إنما هي في غير الأيمان كالأقارير

وأما الاستثناء في الأيمان فقاعدته أنه ليس بإثبات لا إثبات أيضا كما في الأصول لوجوه الوجه الأول أن إلا كما تستعمل للإخراج كذلك تستعمل صفة ومنه قوله تعالى لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فإنه لم يرد به الاستثناء وإلا لوجب النصب استثناء من موجب بل معناه لو كان فيهما آلهة غير الله لفسدتا والأيمان مبنية على العرف وأهل العرف قد جعلوا إلا في الأيمان بمعنى غير صفة للمستثنى منه لا للإخراج الوجه الثاني سلمنا أن أهل العرف لم ينقلوها عن الإخراج لمعنى غير وسوى وهو الوصفية لكن

____________________

(2/160)

إلا تستعمل للإخراج وتستعمل صفة ومنه قوله تعالى لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا معناه لو كان فيهما آلهة غير الله لفسدتا ولو أراد الاستثناء به لنصب فقال إلا الله لأنه استثناء من موجب وهي في العرف قد جعلوها في الأيمان بمعنى غير فلا يفهم من قول القائل والله لا لبست ثوبا إلا الكتان أنه حلف على لبس الكتان بل يفهم لا لبست ثوبا غير الكتان وأن غير الكتان هو المحلوف عليه أما الكتان فلا يفهم أهل العرف ذلك فيه وإذا كان الكتان غير محلوف عليه لم يحنث إذا قعد عريانا الثاني سلمنا أن أهل العرف لم ينقلوها لمعنى غير وسوى ولكن القسم يحتاج في جوابه إلى جملة واحدة وقد أجمعنا على أن جوابه حصل بقوله لا لبست ثوبا وإنه لو سكت هنالك كان كلاما عربيا والأصل عدم تعلقه بالجملة الثانية التي بعد إلا وإذا لم يتعلق بها القسم كان لبس الكتان غير محلوف عليه فلا يحنث إذا جلس عريانا وهو المطلوب الثالث سلمنا أنه تناول الجملتين لكن الاستثناء في هذه الصور عندنا من إثبات فيكون نفيا بيان أن معنى الكلام أن جميع الثياب محلوف عليها إلا الكتان فكأنه قال أحلف على عدم لبس كل ثوب إلا الكتان فلا أحلف عليه لأن استثناءه من الحلف الذي هو ثبوتي وإذا كان الكتان غير مقسم عليه لا يحنث بتركه وهو المطلوب فهذه الوجوه هي الفروق بين قاعدة الاستثناء من النفي إثبات في غير الأيمان وبين قاعدة الاستثناء في الأيمان

هامش أنوار البروق

قلت إن أراد بمحل المدلول أن قضايا الأعيان إذا عرضت على الشارع وهي محتملة الوقوع على أحد وجهين أو وجوه وترك الاستفصال فيها فتركه الاستفصال فيها دليل أن الحكم فيها متحد في الوجهين أو الوجوه فقوله فيها صحيح وهو مراد الشافعي بلا شك والله أعلم قال ولنوضح ذلك بذكر ثمان مسائل

هامش إدرار الشروق

القسم إنما يحتاج في جوابه إلى جملة واحدة لا إلى جملتين ولذا قد أجمعنا على أن جواب القسم في نحو قول القائل والله لا لبست ثوبا إلا الكتان على أن جوابه حصل بقوله لا لبست ثوبا وإنه لو سكت هنالك كان كلاما عربيا والأصل عدم تعلقه بالجملة الثانية التي بعد إلا وإذا لم يتعلق بها القسم كان لبس الكتان غير محلوف عليه فلا يحنث إذا جلس عريانا وهو المطلوب

الوجه الثالث سلمنا أن القسم تناول الجملتين لكن الاستثناء في هذه الصورة عندنا من الحلف الذي هو ثبوتي فكأنه قال احلف على عدم لبس كل ثوب إلا الكتان ويكون معنى الكلام أن جميع الثياب أحلف عليها إلا الكتان فلا أحلف عليه ضرورة أن الاستثناء من الإثبات نفي وإذا كان الكتان غير مقسم عليه لا يحنث بتركه وهو المطلوب وصل في زيادة توضيح الخلاف بين المالكية والشافعية في الفرق بين هاتين القاعدتين وعدمه بثلاث مسائل المسألة الأولى إذا حلف لا يلبس ثوبا إلا كتانا في هذا اليوم وقعد عريانا فإن جعلت إلا لاستثناء

____________________

(2/161)

المسألة الثانية حكى صاحب القبس أبو بكر بن العربي أنه جلس رجلان ببيت المقدس يلعبان بالشطرنج فتعارضا في الكلام فحلف أحدهما لا لعب مع صاحبه غير هذا الدست فجاء رجل ونقض الرقعة وخلطها وجهل ترتيبها كيف كان وامتنع تكميل ذلك الدست فسأل الفقهاء عن تحنيثه بذلك فاختلفوا في تحنيثه على قولين قال ثم اجتمعت بشيخنا أبي الوليد الطرطوشي فأخبرته بالمسألة فاختار عدم الحنث

هامش أنوار البروق

@ 162 المسألة الأولى قوله عليه السلام لما سئل عن الوضوء بنبيذ التمر قال تمرة طيبة وماء طهور ليس في اللفظ إلا أن التمرة طاهرة طيبة والماء طهور فيبقى إذا جمع بين التمرة والماء الطهور كيف يكون الحال هل يسلب الطهورية أم لا لم يتعرض لذلك فيحتمل أن يريد أن كل واحد منهما بقي على حاله لم يتغير عن وصفه فلذلك وصفهما بما كانا عليه قبل الاجتماع ويحتمل أنهما تغيرا عن حالتهما الأولى فتفتتت التمرة واحمر الماء وحلا ومع ذلك فالماء طهور على حاله وهو مراد الحنفية وليس في اللفظ إشعار بالتفتت ولا بعدمه فقوله عليه السلام تمرة طيبة وماء طهور لم يتعرض في ذلك لما قبل التغير ولا لما بعده قلت لا يجوز على الشارع صلوات الله وسلامه عليه أن يسأل عن شيء ثم لا يجيب عنه ولا يجوز عليه أن يخبر بما لا فائدة فيه وهو صلى الله عليه وسلم إنما سئل عن الوضوء بالنبيذ والنبيذ اسم الماء المستنقع

هامش إدرار الشروق

الكتان من النفي السابق ويكون قد حلف أن لا يلبس غير الكتان وليلبس الكتان كما هو مقتضى قاعدة اللغة أن الاستثناء من النفي إثبات حنث بقعوده عريانا لأنه لم يلبس الكتان ومشى على هذا بعض الشافعية وإن جعلت إلا لاستثناء الكتان من الحلف الذي هو ثبوتي لا من النفي السابق ويكون قد حلف على عدم لبس كل ثوب إلا الكتان أو جعلت أي إلا لاستثناء الكتان من النفي السابق إلا أن الحلف لم يتعلق بالاستثناء بل بما قبله ويكون قد حلف على عدم لبس كل ثوب فقط أو جعلت أي إلا بمعنى غير عرف صفة للثوب لا للاستثناء أصلا ويكون قد حلف على عدم لبس ثوب غير كتان لم يحنث بقعوده عريانا في الجميع كما مر توضيحه ومشى على هذا المالكية وبعض الشافعية المسألة الثانية حكى صاحب القبس أبو بكر بن العربي أنه جلس رجلان ببيت المقدس يلعبان بالشطرنج فتعارضا في الكلام فحلف أحدهما لا لعب مع صاحبه غير هذا الدست فجاء رجل ونقض الرقعة وخلطها وجهل ترتيبها كيف كان وامتنع تكميل ذلك الدست فسأل الفقهاء عن تحنيثه بذلك فاختلفوا في تحنيثه وعدم تحنيثه أي بناء على جعل غير لاستثناء هذا الدست من النفي السابق والحلف متعلق به وبالمستثنى معا أو بالنفي السابق فقط أو من الحلف الذي هو ثبوت أو صفة لمحذوف على ما مر بيانه قال ثم اجتمعت بشيخنا أبي بكر الطرطوشي فأخبرته بالمسألة فاختار عدم الحنث

المسألة الثالثة لو قال والله لأعطينك في كل يوم درهما من دينك إلا في يوم الجمعة فأعطاه يوم الجمعة مع سائر الأيام جرى الخلاف المتقدم أيضا في تحنيثه وعمد تحنيثه وإن كان استثناء من إثبات مطلقا وذلك لأن إلا إن جعلت للإخراج على الأصل كان الكلام مفهما الحلف على منع نفسه من الإعطاء في يوم الجمعة مع عدم الإخلال بالإعطاء في سائر الأيام فيحنث وإن جعلت بمعنى سوى نظرا لكون أهل العرف نقلوها من الإخراج إليه في الأيمان حتى لا يفهمون من قول القائل ذلك أنه منع

____________________

(2/162)

المسألة الثالثة لو قال والله لأعطينك في كل يوم درهما من دينك إلا في يوم الجمعة فأعطاه يوم الجمعة مع سائر الأيام فإن الخلاف المتقدم يجري فيه وإن كان استثناء من إثبات لأن إلا بمعنى سوى في الأيمان عند أهل العرف ولا يفهمون من قول القائل أنه منع نفسه من الإعطاء في يوم الجمعة بل استثناء توسعة وأن المقصود أنه لو أعطى فيه لم يضر وإنما المقصود من اليمين أن لا يخل بالإعطاء في غير يوم الجمعة فغير يوم الجمعة هو المقصود باليمين لا يوم الجمعة فتأمل ذلك

هامش أنوار البروق

فيه التمر حتى يتغير حقيقة أما قبل التغير فلا يسمى بنبيذ إلا مجازا بمعنى أنه يئول إلى ذلك فلا شك أن ظاهر الحديث أنه أراد صلى الله عليه وسلم أن أصل النبيذ تمرة طيبة وماء طهور وأنه باق على حكم الأصل من الطيب والطهورية

قال فإن قلت لو لم يتعرض لما قبل التغير لم يكن الجواب حاصلا فإنه عليه الصلاة والسلام إنما سئل عنهما بعد اجتماعهما قلت مسلم أنه سئل عنهما بعد اجتماعهما ولكنه لم يقل للسائل توضأ ولا لا تتوضأ بل اقتصر على ذكر وصفي المجتمعين ولم يتعرض للتغير ولا لعدمه فلا جرم لما تساوت الاحتمالات في ذلك سقط الاستدلال بالحديث على الجواز بعد التغير فإن الدال على الأعم غير دال على الأخص وحالة التغير أخص مما فهم من اللفظ من وصفي المجتمعين قلت السؤال وارد لازم وما قاله من أنه صلى الله عليه وسلم لم يقل للسائل توضأ ولا لا توضأ ليس بصحيح بل قال توضأ لكن لا باللفظ ولكن باقتضاء المساق وضرورة حمل كلامه صلى الله عليه وسلم على الفائدة وعلى الجواب وما قاله من أنه صلى الله عليه وسلم اقتصر على ذكر وصفي المجتمعين ليس كذلك بل لم يقتصر لضرورة المساق وحمل كلامه صلى الله عليه وسلم على الجواب وعلى الفائدة وما قاله من أنه صلى الله عليه وسلم لم يتعرض للتغير ولا لعدمه ليس كما قال بل تعرض لذلك لأنه عن النبيذ سئل وهو المتغير على ما سبق بيانه وما قاله من أنه لما تساوت الاحتمالات سقط الاستدلال على الجواز بعد التغير ليس كما قال بل لم تتساو الاحتمالات ولا سقط الاستدلال وما قاله من أن الدال على الأعم غير دال على الأخص إلى آخر كلامه صحيح لكن ليس الأمر في المسألة من ذلك بل من الدال على الأخص بل من جهة أنه إنما سئل عن النبيذ وليس النبيذ إلا المتغير

قال المسألة الثانية استدلت المعتزلة على أن الشر من العبد لا من الله تعالى بقوله عليه السلام في الحج الخير كله بيدك والشر ليس إليك إلى آخره ما قاله في المسألة قلت الأظهر أن ما قدرته المعتزلة أظهر ولكن المسألة قطعية لا يكتفى فيها بالظواهر مع أن الدليل العقلي القطعي قد ثبت أن الشر بقدرته كما أن الخير كذلك فبطل مقتضى ذلك الظاهر وتعين التأويل وما ذكره في المسألة الثالثة والرابعة والخامسة صحيح ظاهر والله أعلم

المسألة الثالثة اللفظ في قوله صلى الله عليه وسلم لغيلان لما أسلم على عشر نسوة أمسك أربعا وفارق سائرهن ظاهر ظهورا قويا في الإذن والتخيير في الحالين حال ما إذا عقد عليهن عقودا مرتبة عقدا بعد عقد وحال ما إذا عقد عليهن عقدا واحدا فالاحتمالات المستوية بين هذين الحالين ليست في الدليل الدال على الحكم حتى يقدح في الدلالة بل هي في محل الحكم والاحتمالات المستوية في محل الحكم لا تقدح في الدلالة فمن هنا قال مالك والشافعي رضي الله عنهما له الخيار في الحالين بلا فرق خلافا لأبي حنيفة في قوله لا يجوز له أن يختار في الحالة الأولى من المؤخرات لفساد عقودهن بعد أربع عقود فإن عقد الخامسة وما فوقها باطل والخيار في الباطل لا يجوز وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام لو أراد أحد الحالين دون الأخرى لاستفصل غيلان عن ذلك وحيث لم يستفصل والأصل عدم علمه صلى الله عليه وسلم بحالة غيلان وهو في مقام تقرير قاعدة كلية لجميع الخلق ومن كان في مثل هذا المقام شأنه البيان والإيضاح كان أبين دليل على أن الحالين سواء في الحكم

التنبيه الثاني ليس الاحتمالان في تقدير متعلق إليك في قوله صلى الله عليه وسلم في الحج الخير كله بيديك والشر ليس إليك أعني تقدير المعتزلة والشر ليس منسوبا إليك وتقدير الأشعرية والشر ليس قربة إليك بمستويين حتى يقال بسقوط استدلال المعتزلة به على زعمهم من أن الشر من العبد لحصول الإجمال في نفس الدليل بل ما قدرته المعتزلة هو الأظهر ولكن المسألة قطعية لا يكتفى فيها بالظواهر مع أن الدليل العقلي القطعي قد ثبت أن الشر بقدرته تعالى كما أن الخير كذلك فبطل مقتضى ذلك الظاهر وتعين التأويل قاله ابن الشاط

هامش إدرار الشروق

نفسه من الإعطاء في يوم الجمعة بل إن مقصوده من اليمين إنما هو غير يوم الجمعة لا يوم الجمعة بمعنى أنه لا يخل بالإعطاء في غير يوم الجمعة وإن استثناءه يوم الجمعة استثناء توسعة لو أعطى فيه لم يضر فتأمل ذلك وبالجملة فالفقهاء خالفوا ما في الأصول من قاعدة الاستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات نفي ولم يقولوا بذلك في الأيمان على ما تقدم من الخلاف والسبب ما علمته والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(2/163)

الفرق الثالث والسبعون بين قاعدة المفرد المعرف بالألف واللام يفيد العموم في غير الطلاق نحو أحل الله البيع ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق وبين قاعدة المعرف بالألف واللام في الطلاق لا يفيد العموم فلو قال الطلاق يلزمني لم يلزمه مع عدم النية إلا طلقة واحدة ومقتضى اللغة أن يلزمه الثلاث لأن قاعدة المعرف فاللام التعريف أنه عام في جميع أفراد الجنس الذي دخل عليه وقد دخل على مفهوم الطلاق فيعم أفراده إلى غير النهاية ومقتضى ذلك أن يلزمه من الطلاق عدد غير متناه إلا أن المحل لا يقبل إلا ثلاثا فيقتصر عليها كما لو قال أنت طالق مائة فإنه يلزمه الثلاث فقط لعدم قبول المحل الزيادة على ذلك لكن الفقهاء اليوم على

هامش أنوار البروق

قال المسألة السادسة قوله عليه الصلاة والسلام للمفطر في رمضان أعتق رقبة إلى آخر ما قاله في هذا الفرق قلت هذه المسألة والمسألتان بعدها ليست من مسائل ما يجري مجرى العموم لترك الاستفصال بل هي مسائل الإطلاق المقتضي تخيير المكلف في مختلفات الأشخاص والصفات والأحوال فليس ما أورده من هذه المسائل الثلاث لما وقع تصديق الكلام به بمثال والحمد لله الكبير المتعال وما قاله في الفرق الثاني والسبعين أكثره نقل لا كلام فيه

وقوله صلى الله عليه وسلم إذا شهد عدلان فصوموا وأفطروا وانسكوا وإن احتمل على السواء في محل الحكم لا في دليله أن يكون العدلان عربيين أو عجميين شيخين أو كهلين أبيضين أو أسودين ونحو ذلك

المسألة الثانية حكى صاحب القبس أبو بكر بن العربي أنه جلس رجلان ببيت المقدس يلعبان بالشطرنج فتعارضا في الكلام فحلف أحدهما لا لعب مع صاحبه غير هذا الدست فجاء رجل ونقض الرقعة وخلطها وجهل ترتيبها كيف كان وامتنع تكميل ذلك الدست فسأل الفقهاء عن تحنيثه بذلك فاختلفوا في تحنيثه وعدم تحنيثه أي بناء على جعل غير لاستثناء هذا الدست من النفي السابق والحلف متعلق به وبالمستثنى معا أو بالنفي السابق فقط أو من الحلف الذي هو ثبوت أو صفة لمحذوف على ما مر بيانه قال ثم اجتمعت بشيخنا أبي بكر الطرطوشي فأخبرته بالمسألة فاختار عدم الحنث

قال الفرق الثالث والسبعون بين قاعدة المفرد المعرف بالألف واللام يفيد العموم في غير الطلاق نحو أحل الله البيع ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق

وبين قاعدة المعرف بالألف واللام في الطلاق لا يفيد العموم فلو قال الطلاق يلزمني لم يلزمه مع عدم النية إلا طلقة واحدة ومقتضى اللغة أن يلزمه الثلاث إلى قوله فهذه اللام للمعهود الذي تقدم ذكره قلت ما قاله صحيح إلا في قوله وأحل الله البيع ولا تقتلوا النفس إنه للجنس فإنه إن كان يعني الحقيقة فذلك صحيح وإن كان يعني أنه للاستغراق فلا

هامش إدرار الشروق

الفرق الثالث والسبعون بين قاعدة المفرد المعرف بالألف واللام يفيد العموم في غير الطلاق نحو أحل الله البيع ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق وبين قاعدة المعرف بالألف واللام في الطلاق لا يفيد العموم اعلم أن الذي رجحه السيد الصفوي أن لام التعريف قد تستعمل للمعهود من أفراد الجنس خارجا نحو قوله تعالى كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول ونحو وليس الذكر كالأنثى ونحو اليوم أكملت لكم دينكم أو للجنس أما من حيث هو أي للماهية من حيث حضورها

____________________

(2/164)

خلافه ولا يلزمون به إلا واحدة بسبب أن لام التعريف قد تستعمل لاستغراق الجنس نحو أحل الله البيع وللمعهود من الجنس نحو قوله تعالى كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول فهذه اللام للمعهود الذي تقدم ذكره ولحقيقة الجنس كقول السيد لعبده اذهب إلى السوق فاشتر لنا الخبز واللحم يريد إثبات هاتين الحقيقتين ولا يريد العموم بأن يأتي بجميع أفراد الجنس وليس بينهما معهود ينصرف الكلام إليه بل المراد به حقيقة الجنس أي الماهية الكلية التي تصدق بفرد إذا تقرر أن لام التعريف تستعمل في أحد هذه الأمور الثلاثة فاعلم أن أهل العرف قد نقلوها وخصصوها بحقيقة الجنس دون استغراق الجنس فيصير معنى كلام المطلق أن حقيقة جنس الطلاق يلزمني وإذا لزمته هذه الحقيقة وهذه الحقيقة تصدق بفرد لم يلزمه إلا فرد وهو طلقة واحدة لأن الأيمان مبنية على العرف في اليمين بالله تعالى والطلاق وغيره فإذا حدث عرف بعد اللغة قدم عليها لأنه ناسخ لها والناسخ مقدم على المنسوخ وهاتان قاعدتان في الأصول خالفهما الفقهاء في الفروع وهما قاعدة الاستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات نفي ولم يقولوا بذلك في الأيمان على

هامش أنوار البروق

قال ولحقيقة الجنس كقول السيد لعبده اذهب إلى السوق فاشتر لنا الخبز واللحم يريد إثبات هاتين الحقيقتين ولا يريد العموم إلى قوله أي الماهية الكلية التي تصدق بفرد قلت لا يصح أن يكون المراد بقوله اشتر الخبز وما أشبهه الماهية الكلية فإنه من المحال عند مثبتيها وجودها في الخارج وما اشترى لا بد من وجوده في الخارج

قال إذا تقرر أن لام التعريف تستعمل في أحد هذه الأمور الثلاثة فاعلم أن أهل العرف قد نقلوها وخصصوها بحقيقة الجنس دون استغراق الجنس قلت إذا كان من جملة ما يطلق عليه اللفظ حقيقة الجنس فلا نقل أما التخصيص فنعم

هامش إدرار الشروق

الذهني بقطع النظر عن الأفراد فتسمى لام الحقيقة نحو الرجل خير من المرأة والإنسان حيوان ناطق والحيوان جنس والناطق فصل

وأما من حيث وجوده في بعض مبهم مع قرينة ذلك البعض فتسمى لام العهد الذهني نحو قوله تعالى حكاية عن سيدنا يعقوب عليه السلام وأخاف أن يأكله الذئب لعهدية الحقيقة التي لذلك البعض وإن كان ذلك البعض مبهما فمدخولها وإن جرت عليه أحكام المعارف بالنظر لوضعه للحقيقة المعينة ذهنا فيجيء مبتدأ وذا حال بلا مسوغ ووصفا للمعرفة إلا أنه في المعنى كالنكرة نظرا لقرينة ذلك البعض المبهم كالأكل في الآية

وأما من حيث وجوده في جميع الأفراد فتسمى لام الاستغراق كقوله تعالى أحل الله البيع ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق إذ لا عهد مع تحقق قرينة إرادة الفرد دون البعضية المبهمة ودون الحقيقة وهي في الآية تعلق الحكم الشرعي المقتضي للوجود الخارجي ولا وجود للحقيقة في الخارج وقاعدة المعرف فاللام التعريف في الأصول حينئذ أن يحمل على الكلية فيعم جميع أفراد الجنس الذي دخل عليه وإن لم توجد قرينة الكلية كالاستثناء فعلى هذا إذا قال الشخص الطلاق يلزمني مع عدم النية يحتمل أن يكون مقصوده الاستغراق أو العهد وعلى قاعدة الاحتياط في الفروج كان ينبغي أن تلزمه الثلاث كمن طلق ولا يدري أواحدة أم ثلاثا تلزمه الثلاث

____________________

(2/165)

ما تقدم من الخلاف وقاعدة المعرف فاللام التعريف قالوا بأنه للعموم ولم يقولوا به في الطلاق والسبب ما تقدم بيانه

الفرق الرابع والسبعون الفرق بين قاعدة الاستثناء من النفي إثبات في غير الشروط وبين قاعدة الاستثناء من النفي ليس بإثبات في الشروط خاصة دون بقية أبواب الاستثناء هذا الفرق مبني على قاعدة وهي أن السبب يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم والشرط يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم والمانع يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم وقد تقدم بسط هذه الحقائق وتحريرها وتعليلها والفرق بينها فلا حاجة لإعادتها غير أن المقصود ها هنا أن تعلم أن الشرط لا يلزم من وجوده شيء إنما المؤثر عدمه فإذا قلنا الحياة شرط في العلم فمذهب مالك رحمه الله يلزم من عدم الحياة عدم العلم به ولا يلزم من وجود الحياة العلم به ولا عدم العلم به فكم من حي لا يعلم مذهب مالك وكذلك يلزم من عدم الطهارة الجزم بعدم صحة الصلاة ولا يلزم من وجود الطهارة الجزم بصحة الصلاة لاحتمال أن لا يصلي أو يصلي ولكن بغير نية أو ستارة أو ركوع أو غير ذلك وكذا يلزم من عدم الحول

هامش أنوار البروق

قال فيصير معنى كلام المطلق أن حقيقة جنس الطلاق يلزمني وإذا لزمته هذه الحقيقة وهذه الحقيقة تصدق بفرد لم يلزمه إلا فرد وهو طلقة واحدة لأن الأيمان مبنية على العرف إلى قوله والناسخ مقدم على المنسوخ

هامش إدرار الشروق

احتياطا وذلك أن مقتضى اللغة والاحتياط أن يلزمه من الطلاق عدد غير متناه إلا أن المحل لا يقبل إلا ثلاثا فيقتصر عليها كما لو قال أنت طالق مائة فإنه يلزمه الثلاث فقط لعدم قبول المحل لزيادة على ذلك لكن الفقهاء خالفوا هذه القاعدة الأصولية في الطلاق كما خالفوا قاعدة الاستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات نفي في الأيمان على ما تقدم من الخلاف بسبب أن مبنى الطلاق والأيمان على العرف والعرف صرف ذلك اللفظ لمطلق الطلاق أي واحد غير معين من أفراده قال ابن الشاط لا أعلم أحدا ألزم الطلاق الثلاث بذلك اللفظ فهو عرف في مطلق الطلاق ا ه والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق الرابع والسبعون بين قاعدة الاستثناء من النفي إثبات في غير الشروط وبين قاعدة الاستثناء من النفي ليس بإثبات في الشروط خاصة دون بقية أبواب الاستثناء وذلك لأن الشروط لما كان وجودها غير مؤثر في وجود المشروط ولا في عدمه وإنما المؤثر عدمها في عدمه لأن الشرط كما مر ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم كان من الضروري استثناء الشروط من إطلاق العلماء قاعدة الاستثناء من النفي إثبات وإلا لاتجه ما يورده الحنفية علينا من قولهم لو كان الاستثناء من النفي إثباتا للزم القضاء بصحة الصلاة عند الطهور لقوله صلى الله عليه وسلم لا يقبل الله صلاة إلا بطهور والقضاء بصحة النكاح عند الولي لقوله صلى الله عليه وسلم لا نكاح إلا بولي واللازم

____________________

(2/166)

عدم وجوب الزكاة أما إذا دار الحول فقد تجب الزكاة

وقد لا تجب لكونه فقيرا أو مديانا فوجود الشرط لا يلزم منه شيء إنما اللزوم عند عدمه إذا تقررت هذه القاعدة فقوله عليه السلام لا يقبل الله صلاة إلا بطهور لا يلزم من القضاء قبل إلا بعدم القبول لعدم الطهارة القضاء بالقبول بعد إلا لوجود الطهارة التي هي شرط لأنه لا يلزم من وجود الشرط شيء فكذلك قوله عليه السلام لا نكاح إلا بولي لا يلزم من القضاء بنفي النكاح قبل إلا لأجل عدم الشرط الذي هو الولي القضاء بصحة النكاح بعد إلا لأجل وجود الشرط الذي هو الولي لأنه لا يلزم من وجود الشرط شيء إنما المؤثر عدمه لا وجوده وكذلك قوله عليه السلام لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد لا يقتضي أنه تحصل له صحة الصلاة أو الفضيلة إذا صلى في المسجد لجواز أن يصليها في المسجد وتكون صلاته باطلة والسر في جميع ذلك واحد وهو أن الشرط لا يلزم من وجوده شيء فيكون الاستثناء من النفي إثباتا مطردا فيما عدا الشرط وتكون الشروط مستثناة من إطلاق العلماء هذه القاعدة وإن مرادهم غير الشروط

وأما الشروط فلا وهذا التخصيص من هذه القاعدة غريب قل من يتفطن له وبسبب التفطن له يبطل ما يورده الحنفية علينا في مسألة أن الاستثناء من النفي إثبات فيقولون لو كان الاستثناء من النفي إثباتا للزم القضاء بصحة الصلاة عند الطهور وبصحة النكاح عند الولي الوارد في الأحاديث ولما لم يلزم ذلك دل على أن الاستثناء من النفي ليس بإثبات وإلا لزم تخلف المدلول عن الدليل وهو خلاف الأصل فنجيب بما تقدم أن هذه الاستثناءات من باب الشروط ونحن إنما ندعي ذلك في غير الشروط فلا يرد علينا الشروط فاندفع السؤال فهذا هو حقيقة الفرق بين القاعدتين فتأمله وخرج عليه الاستثناءات الواقعة في الكتاب والسنة وكلام العرب والحالفين وغيرهم

هامش أنوار البروق

قلت قد تبين أن الحقيقة الكلية لا وجود لها في الخارج فلا يمكن أن تكون هي المقصودة في قوله الطلاق يلزمني ولكن يمكن أن يكون المقصود الاستغراق أو العهد فعلى هذا كان ينبغي أن تلزمه الثلاث احتياطا كمن طلق ولا يدري أواحدة أم ثلاثا تلزمه الثلاث احتياطا ولكن لا أعلم أحدا ألزم الطلاق الثلاث بذلك اللفظ فهو عرف في مطلق الطلاق والله تعالى أعلم وما قاله إلى آخر الفرق ظاهر وكذلك الفرق بعده

هامش إدرار الشروق

ضرورة أن كلا من الطهور والولي شرط لا يلزم من وجوده شيء فلا يلزم من القضاء بعدم قبول الصلاة قبل إلا ولا من القضاء بنفي النكاح قبل إلا لأجل عدم الشرط فيهما القضاء بالقبول للصلاة بعد إلا لوجود الطهارة والقضاء بصحة النكاح بعد إلا لوجود الولي ولما لم يلزم ذلك دل على أن الاستثناء من النفي ليس بإثبات وإلا لزم تخلف المدلول عن الدليل وهو خلاف الأصل فلزم أن نقول في دفعه أن هذا الاستثناء الوارد في الحديثين المذكورين ونحوهما من باب الشروط ونحن إنما ندعي أن ذلك في غير الشروط فلا يرد علينا الشروط هذا هو حقيقة الفرق بين القاعدتين المذكورتين فتأمله وخرج عليه الاستثناءات الواقعة في الكتاب والسنة وكلام العرب والحالفين وغيرهم والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(2/167)

الفرق الخامس والسبعون الفرق بين قاعدة إن وقاعدة إذا وإن كان كلاهما للشرط لكن الفرق بينهما من وجوه أحدها إن تدل على الزمان بالالتزام وعلى الشرط بالمطابقة وإذا على العكس في ذلك

فإذا قلت إن جاء زيد فأكرمه فلفظك يدل على أن إن شرط والإكرام يتوقف على المجيء مطابقة ويدل بالالتزام على أن المجيء لا بد أن يكون في زمان وإذا قلت إذا جاء زيد فأكرمه فإذا تدل على الزمان بالمطابقة وعلى الشرط بالالتزام في بعض الصور فإنها قد يلزمها الشرط في بعض الصور نحو إذا جاء نصر الله إلى قوله فسبح وقد لا يلزمها وتكون ظرفا محضا نحو قوله تعالى والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى أي أقسم بالليل في حالة غشيانه وبالنهار في حال تجليه لأنهما أكمل أحوال الليل والنهار والقسم تعظيم والتعظيم يناسب أعظم الأحوال فإذا في مثل هذا ظرف محض في موضع نصب على الحال فصارت إذا الظرفية قد يلزمها الشرط فتدل عليه في بعض الصور وقد لا يلزمها في بعض الصور فلا تدل عليه

هامش أنوار البروق

قال الفرق الخامس والسبعون بين قاعدة إن وقاعدة إذا وإن كان كلاهما للشرط إلى قوله وقد لا يلزمها في بعض الصور فلا تدل عليه التزاما قلت ما قاله في ذلك صحيح إلا قوله في إن أنها تدل على الزمان التزاما فإنه إن أراد أنها تدل على

هامش إدرار الشروق

الفرق الخامس والسبعون بين قاعدة إن وقاعدة إذا وإن اشتركا في كون كل منهما للشرط أي لمطلق الربط بين جملتين وفي الدلالة على مطلق الزمان أي زمن غير معين لا عموم الأزمان لكن بينهما فرق من وجهين الوجه الأول أن إن تدل على الزمان التزاما من جهة أنها من الحروف التي تلازم الدخول على الفعل والفعل يدل على الزمان وعلى الشرط بالمطابقة بعكس إذا ففي قولك إن جاء زيد فأكرمه تدل على إن بالمطابقة على أن الإكرام يتوقف على المجيء وبالالتزام من الجهة المذكورة على أن المجيء لا بد له من أن يكون في زمان فافهم وفي نحو قولك إذا جاء زيد فأكرمه تدل إذا بالمطابقة على الزمان وبالالتزام على الشرط أي توقف الإكرام على المجيء كما في قوله تعالى إذا جاء نصر الله إلى قوله فسبح وقد تكون ظرفا محضا كما في قوله تعالى والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى أي أقسم بالليل في حالة غشيانه وبالنهار في حالة تجليه لأنهما أكمل أحوال الليل والنهار والقسم تعظيم والتعظيم يناسب أعظم الأحوال فلا تدل إذا الظرفية على الشرط التزاما إلا في بعض صورها وهو ما إذا دخلت على شرط ومشروط بخلاف إن فلا تفارق الدلالة على الشرط

____________________

(2/168)

التزاما وثانيها أن إن وإذا وإن كانا مطلقين في الدلالة على الزمان لا عموم فيهما غير أن إن لا توسعة فيها وإذا ظرف والظرف يجوز أن يكون أوسع من المظروف

وبذلك يظهر الفرق بين قوله إن مت فأنت طالق وبين قوله إذا مت فأنت طالق أنه لا يلزمه طلاق في الأول لأنه لا طلاق بعد الموت ويلزمه في الثاني لأن الظرف يجوز أن يكون أوسع من المظروف فظرف الموت يحتمل دخول زمن من أزمنة الحياة فيه فيقع في ذلك الزمن الطلاق في زمن الحياة فيلزمه وفي ذلك خلاف بين العلماء مبني على ملاحظة هذا الوجه من الفروق ويدل على أن الظرف قد يكون أوسع من المظروف أن تقول ولد النبي عليه السلام عام الفيل وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ستين من عام الفيل وهو لم يولد في جملة عام الفيل بل في جزء من ذلك العام مع أنك جعلته بجملته ظرفا فتعين أن يكون هذا الظرف أوسع من مظروفه الذي هو الولادة وكذلك جعلت جملة سنة ستين ظرفا للموت

هامش أنوار البروق

الزمان التزاما بنفسها وعلى ما شرطوه في دلالة الالتزام من أنها يسبق ذلك فهم السامع فليس ذلك بصحيح وإن أراد أنها تدل على الزمان التزاما بمعنى أنها من الحروف التي تلازم الدخول على الفعل والفعل يدل على الزمان فهي تدل على الزمان التزاما من هذا الوجه فذلك صحيح

قال وثانيها أن إن وإذا وإن كانا مطلقين في الدلالة على الزمان لا عموم فيهما غير أن إن لا توسعة فيها وإذا ظرف والظرف يجوز أن يكون أوسع من المظروف وبذلك يظهر الفرق بين قوله إن مت فأنت طالق وبين قوله إذا مت فأنت طالق إلى قوله فيكون هذا الظرف أوسع من المظروف قلت ما قاله من أن الظرف يجوز أن يكون أوسع من المظروف بمعنى أنه يجاء بلفظ اليوم مثلا فيقال أكلت يوم الخميس وإن كان الأكل لم يقع في جميعه بل في بعضه صحيح ظاهر لكنه لا يلزم

هامش إدرار الشروق

والوجه الثاني أن إن لا يجوز أن يكون ما تدل عليه من الزمان بالجهة المذكورة أوسع من المظروف فإذا قال إن مت فأنت طالق لم يلزمه طلاق قطعا إذ لا طلاق بعد الموت

وأما إذا فالصحيح كما قال ابن الشاط أنها إن لم تدخل على شرط ومشروط يجوز أن يكون زمانها أوسع من المظروف إذ لا إشكال في أن الظرف يجوز فيه ذلك بمعنى أنه يجاء بلفظ اليوم مثلا فيقال أكلت يوم الخميس وإن كان الأكل لم يقع في جميعه كما يقال ولد النبي صلى الله عليه وسلم عام الفيل وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ستين من عام الفيل وهو لم يولد إلا في جزء من عام الفيل ولم يقع موته إلا في جزء من السنة المذكورة وإن دخلت على شرط ومشروط فإما أن يكون وقوع ذلك المشروط بعد وقوع الشرط ممكنا أو لا فإن كان غير ممكن كقوله إذا مت فأنت طالق لم يقع الطلاق إذ ليس معناه إيقاع الطلاق في زمن الموت بعينه حتى يقال يلزمه الطلاق لأن ظرف الموت يجوز أن يكون أوسع من المظروف الذي هو الطلاق فيدخل فيه زمن من أزمنة الحياة يقع فيه الطلاق فيلزمه على خلاف بين العلماء مبني على ملاحظة هذا الوجه بل معناه إيقاع الطلاق في الزمن الذي يلي زمن الموت لما سيتضح ولا طلاق بعد الموت وإن كان ممكنا كقوله إذا دخلت الدار فأنت طالق لزمه الطلاق إذ ليس معناه إيقاع الطلاق في زمن الدخول بعينه بل معناه إيقاعه في الزمن الذي يلي زمن الدخول لضرورة مقتضى الفاء التي للتعقيب وإن لزم عن ذلك أمران أحدهما أن إذا ظرف للدخول لا ظرف للطلاق بل ظرف الطلاق غير مصرح به والثاني تعلقها بدخلت الذي هو

____________________

(2/169)

مع أنه لم يقع في جميع السنة بل في جزء منها فيكون هذا الظرف أوسع من المظروف وكذلك قوله تعالى واذكر ربك إذا نسيت

أورد بعض الفضلاء فيه سؤالا فقال الشرط وجوابه إذا جعل الشرط ظرفا لا بد وأن يكونا معا واقعين فيه نحو إذا جاء زيد فأكرمه فالمجيء والإكرام في زمن واحد وهو المعبر عنه بإذا وكذلك إذا جاء نصر الله والفتح إلى قوله فسبح بحمد ربك الآية كلاهما واقع في إذا المجيء والتسبيح ولذلك جوزوا أن يعمل في إذا كلا الفعلين واختاروا فعل الجواب للعمل لأنه ليس مضافا إليه بخلاف الشرط فإنه مضاف إلى مخفوض والمضاف إليه لا يعمل في المضاف وإذا جوزوا عمل كل واحد من الفعلين في هذا الظرف دل ذلك على وقوعهما فيه لأن من شرط العامل في الظرف أن يكون واقعا فيه حتى يصير مظروفه إذا تقرر هذا فالذكر ضد النسيان وقد دلت الآية على وقوعهما في إذا والضدان لا يجتمعان فكيف أمر بالذكر في زمن

هامش أنوار البروق

من جواز ذلك أن يكون كل ظرف كذلك وإذا لم يلزم أن يكون كل ظرف كذلك فالصحيح في إذا أنها لا تخلو أن تدخل على شرط ومشروط أو لا فإن لم تدخل على شرط ومشروط فلا إشكال وإن دخلت على شرط ومشروط فلا يخلو أن يكون وقوع ذلك المشروط بعد وقوع الشرط ممكنا أو لا فإن كان ممكنا كقوله إذا دخلت الدار فأنت طالق لزمه الطلاق وإن كان وقوع ذلك المشروط غير ممكن لم يقع الطلاق كقوله إذا مت فأنت طالق هذا هو الصحيح لأن قوله إذا دخلت الدار فأنت طالق ليس معناه إيقاع الطلاق في زمن الدخول بعينه بل معناه إيقاعه في الزمن الذي يلي زمن الدخول لضرورة مقتضى الفاء فإنها للتعقيب ويلزم عن ذلك أن تكون إذا يراد بها ظرف الدخول لا ظرف الطلاق وظرف الطلاق غير مصرح به ويلزم عن ذلك تعلق إذا بدخلت الذي هو فعل الشرط ولا يعترض

هامش إدرار الشروق

فعل الشرط لا بطالق وإن كان هو مقتضى قول النحويين المضاف إليه لا يعمل في المضاف لأن قولهم هذا قاعدة لا يسلم فيها الإطلاق ا ه كلام ابن الشاط بتصرف وتوضيح

قلت ويقر به قول النحويين العامل في أسماء الشروط فعل الشرط لا الجواب لأن رتبة الجواب مع متعلقاته التأخير عن الشرط فلا يعمل في متقدم عليه ولأنه قد يقترن بالفاء وإذا الفجائية وما بعدهما لا يعمل فيما قبلهما وهاتان العلتان متحققتان أيضا في إذا والعلة تدور مع المعلول فلذا اضطروا في إذا ونحوها على تسليم إطلاق القاعدة المذكورة إلى تكلفات منها أن عاملها محذوف يدل عليه الجواب لا الجواب لما علمت ومنها أن عاملها هو الجواب وتقييد القاعدتين المذكورتين أعني قاعدة ما رتبته لا يعمل فيما تقدم عليه وقاعدة ما بعد الفاء وإذا الفجائية إلخ بغير الظروف لتوسعهم في الظروف وإن لم تستحق التصدير فما ظنك بما يستحقه ومنها قول العلامة الخضري على ابن عقيل على الألفية ومن جعل شرطها هو العامل كسائر الشروط قال إنها غير مضافة إليه مثلها كما يقول الجميع فيها إذا جزمت كما في المغني وحينئذ فالفرق بينها وبين إذ وحيث أنها يحصل الربط فيها بين جملتي الجواب والشرط بكونها شرطا كما في أين ومتى وأما إذ وحيث فلولا الإضافة ما حصل بهما ربط وعند تجردها عن الشرط تكون مضافة للجملة بعدها بلا خلاف فيما يظهر ليحصل بها الربط فتدبر ا ه

ومنها قول العلامة الأمير على المغني كل كلمتين فأكثر كانتا بمنزلة كلمة واحدة بمعنى وقوعهما معا جزء كلام يجوز أن تعمل أولاهما في الثانية

____________________

(2/170)

النسيان

والجواب عنه من هذه القاعدة أن الظرف قد يكون أوسع من المظروف فيفضل من زمان إذا زمان ليس فيه نسيان يقع فيه الذكر فلا يجتمع الضدان وكذلك وقع الإشكال في قوله تعالى ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون فإعراب اليوم ظرف وإذ ظرف أيضا وهو بدل من اليوم والبدل هنا غير المبدل منه فيكون يوم القيامة هو عين زمن الظلم لكن زمن الظلم في الدنيا والدنيا ليست هي عين الآخرة ولا يوم القيامة فكيف صحت البدلية أورد ابن جني هذا السؤال فقال الظرف يجوز أن يكون أوسع من المظروف وزمن الظلم يجوز أن يكون أوسع منه حتى يمتد ليوم القيامة فيطلق عليه ويقبل يوم القيامة الامتداد حتى يطلق على يوم الظلم فيتحدان فتحسن البدلية

وهذا الموضع في الاتساع أبعد من آية الذكر والنسيان بطول البعد وإفراطه وبعده عن أكثر الاستعمالات وبالجملة قد ظهر لك بهذه الآيات وهذا التقرير أن الظرف

هامش أنوار البروق

ذلك بقولهم المضاف إليه لا يعمل في المضاف لأنها قاعدة لا يسلم فيها الإطلاق والله أعلم

قال وكذلك قوله تعالى واذكر ربك إذا نسيت إلى آخر السؤال والجواب قلت إنما يلزم السؤال على تقدير أن يكون ظرف النسيان هو بعينه ظرف الذكر أما إذا قلنا إن ظرف الذكر غير ظرف النسيان لكنه يعقبه فتكون إذا في قوله تعالى واذكر ربك إذا نسيت ظرفا للنسيان خاصة فظرف الذكر غير مصرح به فلا يلزم السؤال وجوابه بأن الظرف يكون أوسع من المظروف فيفضل من إذا زمن لا نسيان فيه وهو جواب رافع للسؤال من أصله لا جواب مترتب على صحة السؤال

هامش إدرار الشروق

كالمضاف إليه ولا يجوز العكس إذ لم تعهد كلمة واحدة بعض أجزائها مقدم من وجه مؤخر من آخر فكذلك ما هو بمنزلتها في المعنى فمن ثم لم تعمل صلة في موصول ولا تابع في متبوع ولا مضاف إليه في مضاف

وأما كلمة الشرط والشرط فليستا ككلمة واحدة إذ لا يقعان موقع المفرد كالفاعل والمفعول والمبتدأ فيجوز عمل كل واحد منهما في الآخر نحو متى تذهب أذهب و أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى نعم إن لم يعمل الشرط في كلمته نحو من قام قمت جاز وقوعها موقع المبتدأ على ما هو مذهب بعضهم ا ه

قال الشيخ الأبياري في القصر المبني أي فإن من هنا غير ظرف فهي تعمل في الشرط وهو لا يعمل فيها لكن هذا المذهب ضعيف ا ه إذ لا معنى لجعل كلمة إذا مع الشرط إذا جزمت ككلمة واحدة وجعلها معه إذا لم تجزم ليست ككلمة واحدة وأهل العربية قد جعلوهما كسائر كلمات الشرط مع شروطها مطلقا قيدا لجملة الجزاء

وأما عدم تسليم إطلاق القاعدة المذكورة كما لابن الشاط فلا يحتاجون لشيء من هذه التكلفات فتأمل بإنصاف بل قال ابن الشاط رحمه الله تعالى على الجزم بعدم تسليم إطلاقها وجعل إذا في قوله تعالى واذكر ربك إذا نسيت ظرفا للنسيان

ولم يصرح بظرف الذكر يندفع من أصله ما أورده بعض الفضلاء على جعل إذا ظرفا لا ذكر الذي هو الجواب لأنه ليس مضافا إليه لا لنسيت الذي هو الشرط وإن جاز بالنظر لذاته لكونه مضافا إليه والمضاف إليه لا يعمل في المضاف من أن الذكر ضد النسيان وقد دلت الآية على وقوعهما في إذا والضدان لا يجتمعان فكيف أمر بالذكر في زمن النسيان ولم نحتج للجواب عنه المبني على صحته بأن الظرف قد يكون أوسع من المظروف فيفضل من زمان إذا زمان

____________________

(2/171)

من حيث هو يقبل السعة أكثر من مظروفه فيكون أوسع منه وقد لا يسع أكثر منه نحو صمت رمضان وصمت يوم الخميس فإن الظرف في هذه الصور مساو للمظروف فتلخص الفرق أيضا بين إن وإذا من هذا الوجه وثالثها أن إن لا يعلق عليها إلا مشكوك فيه فلا تقول إن غربت الشمس فأت وإذا تقبل المعلوم والمشكوك فيه فتقول إذا غربت

هامش أنوار البروق

قال وكذلك وقع الإشكال في قوله تعالى ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون إلى قوله وبعده عن أكثر الاستعمالات قلت إنما وقع الإشكال في الآية بناء على أن إذ بدل من اليوم وليس ذلك بصحيح بلا إشكال وما المانع من أن يكون معنى الكلام ولن ينفعكم اليوم اشتراككم في العذاب بسبب ظلمكم إذ ظلمتم هذا لا مانع منه ألبتة

قال وبالجملة قد ظهر لك بهذه الآيات وهذا التقرير أن الظرف من حيث هو يقبل السعة أكثر من مظروفه فيكون أوسع إلى قوله فتلخص الفرق أيضا بين إن وإذا من هذا الوجه قلت لم يظهر ما ذكره من تلك الآيات بوجه ولا يصح تقرير ما قرره ولا يصح أن يكون الظرف أوسع من المظروف على الحقيقة وإنما معنى كون الظرف يجوز أن يكون أوسع من المظروف أنه يطلق

هامش إدرار الشروق

ليس فيه نسيان يقع فيه الذكر فلا يجتمع الضدان على أن لا يصح أن يكون الظرف أوسع من المظروف على الحقيقة وإنما معنى كون الظرف يجوز أن يكون أوسع من المظروف كما مر أنه يطلق لفظ اليوم مثلا في فعل يقع في بعضه لا في جميعه وذلك الإطلاق حقيقة لغوية للإطراد وليس ذلك حقيقة معنوية بمعنى أن ظرف الفعل يكون أوسع منه في المعنى فإن ذلك شيء لا يصح بوجه ولم يزل الإشكال يقع عند كثير من الناس بين الحقائق المعنوية والحقائق اللفظية فيظنها شيئا واحدا وليس الأمر كذلك قال ومعنى قوله تعالى ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون ولن ينفعكم اليوم اشتراككم في العذاب بسبب ظلمكم إذ ظلمتم يعني أن إذ ظلمتم تعليل لنفي النفع المأخوذ من لن أي أنهم لعظم ما هم فيه لا يهون عليهم اشتراكهم في العذاب كما كان في الدنيا كما في المغني وحواشيه نعم ظاهر قوله بسبب ظلمكم إذ ظلمتم الجري على القول بأن إذا التعليلية ظرف والتعليل مستفاد من قوة الكلام لا من اللفظ فإنه إذا قيل ضربته إذ أساء وأريد بإذ الوقت اقتضى ظاهر الحال أن الإساءة سبب الضرب لأن تعليق الحكم بوصف يشعر بعليته لا على القول بأنها حرف بمنزلة لام العلة وذلك لقوله في المغني والجمهور لا يثبتون هذا القسم أي كون إذ حرفا بمنزلة لام العلة ولذا قال الرضي في قوله تعالى وإذ لم يهتدوا به الآية وقوله وإذ اعتزلتموهم الآية

وقوله فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم الآية أن الفاء لإجراء الظرف مجرى كلمة الشرط كما ذكره سيبويه في نحو زيد حين لقيته فأنا أكرمه وهو في إذ مطرد ويجوز أن يكون من باب والرجز فاهجر أي مما أضمر فيه وإنما جاز إعمال المستقبل الذي هو سيقولون وآووا وأقيموا في الظروف الماضية التي هي إذ لم يهتدوا وما معه وإن كان وقوع المستقبل في الزمن الماضي محالا لما ذكر في نحو أما زيد فمنطلق من أن الغرض المعنوي هو قصد الملازمة حتى كان هذه الأفعال المستقبلة وقعت في الأزمنة الماضية وصارت لازمة لها كل ذلك لقصد المبالغة ا ه نقله الأبياري في القصر لكن أورد في المغني على القول بأن إذ التعليلة ظرف إشكالين

____________________

(2/172)

الشمس فأت وإذا دخل العبد الدار فهو حر فهذه فروق من جهة المعاني وأما الفرق من جهة الصناعة النحوية فإن إن حرف وإذا اسم وظرف وإن لا يخفض ما بعدها بل يكون ما بعدها في موضع جزم بالشرط وإذا ما بعدها في موضع خفض بالظرف

وإذا عرض لها البناء لأن البناء في الأسماء عارض والبناء في إن أصل لأن الأصل في الحروف البناء فكلها مبنية وغير ذلك من الفروق النحوية التي ليس هذا موضعها

هامش أنوار البروق

لفظ اليوم مثلا في فعل يقع في بعضه لا في جميعه وذلك الإطلاق حقيقة لغوية للإطراد وليس ذلك حقيقة معنوية بمعنى أن ظرف الفعل يكون أوسع منه في المعنى فإن ذلك شيء لا يصح بوجه ولم يزل الإشكال يقع عند كثير من الناس بين الحقائق المعنوية والحقائق اللفظية فيظنها شيئا واحدا وليس الأمر كذلك

قال وثالثها أن إن لا يعلق عليها إلا مشكوك إلى قوله فهذه فروق من جهة المعاني قلت قد تقدم أنه ليس بلازم دخول إن على المشكوك وأنها لمطلق الربط فقط

قال وأما الفرق من جهة الصناعة النحوية إلى آخر الفرق قلت ما قاله في ذلك ظاهر لا نزاع فيه

هامش إدرار الشروق

أحدهما أنه لو استفيد التعليل من قوة الكلام لكان إذا حذفت إذ وحل محلها وقت استفيد التعليل مع أنه ليس كذلك لاختلاف زمن الفعلين فإن ينفع مستقبل لاقترانه بلن وظلم ماض وكذا إذ ولا بد في التعليل من اتحاد الزمانين في المثال

وثانيهما أن إذ لا تبدل من اليوم لاختلاف الزمانين أي الدنيا والآخرة فهما متباينان ولا يصح إبدال أحد المتباينين من الآخر ولا تكون ظرفا لينفع لأنه لا يعمل في ظرفين زمانيين ليس أحدهما تابعا للآخر ولا مندرجا فيه مع أن النفع ليس واقعا في وقت الظلم ولا تكون ظرفا لمشتركون لأن معمول خبر الأحرف الستة يعني إن وأخواتها لا يتقدم عليها

ولأن معمول الصلة لا يتقدم على الموصول ولأن اشتراكهم في الآخرة لا في زمن ظلمهم وأجاب عن هذا الثاني بأربعة أجوبة أشار لأولها وثانيها بقوله

وقال أبو الفتح راجعت أبا علي مرارا في قوله تعالى ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم الآية مستشكلا إبدال إذ من اليوم فآخر ما تحصل منه أن الدنيا والآخرة متصلتان وأنهما في حكم الله تعالى سواء فكان اليوم ماض أو كان إذ مستقبلة ا ه

ولثالثها ورابعها بقوله وقيل المعنى إذ ثبت ظلمكم وقيل التقدير بعد إذ ظلمتم وعليهما أيضا فإذ بدل من اليوم ومعنى إن بعد وقبل غير صالحين للاستغناء عنهما عند إضافتهما إلى إذ أنه لا بد من ملاحظة معناهما وإن كان يجوز حذفهما لدليل وهو هنا توقف صحة الكلام على تقدير بعد فهي دلالة اقتضائية قال وإذا لم تقدر إذ تعليلا أي بل جعلت بدلا على أحد الأوجه المتقدمة فيجوز أن تكون إن وصلتها تعليلا أي على تقدير حرف التعليل والفاعل مستتر راجع إلى قولهم يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين أو إلى القرين ويشهد له قراءة بعضهم إنكم بالكسر على الاستئناف ويجوز أن تكون هي وصلتها فاعل ينفع ا ه

بتوضيح من الأبياري هذا وزاد الأصل في الفرق بين إن وإذا وجها ثالثا وهو أن إن لا يعلق عليها إلا مشكوك فيه فلا تقول إن غربت الشمس فأت بخلاف إذا فإنها تقبل المعلوم والمشكوك فيه فتقول إذا غربت الشمس فأت وإذا دخل العبد الدار فهو حر وهذا الوجه وإن صرح به البيانيون إلا

____________________

(2/173)

الفرق السادس والسبعون بين قاعدة المسائل الفروعية يجوز التقليد فيها من أحد المجتهدين فيها للآخر وبين قاعدة مسائل الأواني والنسيان والكعبة ونحوها لا يجوز لأحد المجتهدين فيها أن يقلد الآخر هذه المسألة نقل أن الشافعي سئل عنها فقيل له أيجوز أن يصلي الشافعي خلف المالكي وإن خالفه في مسح الرأس وغيره من الفروع ولا يجوز لأحد من المجتهدين في الكعبة والأواني أن يصلي خلف المجتهد الآخر فسكت عن الجواب عن ذلك وكان الشيخ ابن عبد السلام يحكي ذلك عن الشافعي وكان هو رحمه الله يفرق بأن الجماعة في الصلاة مطلوبة لصاحب الشرع فلو قلنا بالمنع من الائتمام لمن يخالف في المذهب وأن لا يصلي المالكي إلا خلف المالكي ولا شافعي إلا خلف شافعي لقلت الجماعات وإذا

هامش أنوار البروق

قال الفرق السادس والسبعون بين قاعدة المسائل الفروعية يجوز التقليد فيها من أحد المجتهدين فيها للآخر وبين قاعدة مسائل الأواني والثياب والكعبة ونحوها لا يجوز لأحد المجتهدين فيها أن يقلد الآخر إلى قوله فسكت عن الجواب عن ذلك قلت قوله يجوز التقليد قول موهم وكان حقه أن يقول يجوز الاقتداء وهو مراده بلا شك

قال وكان الشيخ عز الدين رحمه الله يحكي ذلك عن الشافعي وكان هو رحمه الله تعالى يفرق بأن الجماعة في الصلاة مطلوبة لصاحب الشرع فلو قلنا بالمنع من الائتمام لمن يخالف في المذهب وأن لا

هامش إدرار الشروق

أن ابن الشاط جزم بأن إن لا يلزم دخولها على المشكوك بل هي لمطلق الربط فقط وكما يفرق بينهما من جهة المعنى بما ذكر كذلك يفرق بينهما أيضا من جهة الصناعة النحوية بأن إن حرف وإذا اسم وظرف وبأن ما بعد إن يكون في موضع جزم بها وما بعد إذا في موضع خفض بها وبأن البناء في إن أصل وفي إذا عارض لأن البناء في الأسماء عارض وفي الحروف أصل إلى غير ذلك من الفروق النحوية التي ليس هذا موضعها فافهم والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق السادس والسبعون بين قاعدة المسائل الفروعية يجوز الاقتداء فيها من أحد المجتهدين فيها بالآخر وبين قاعدة مسائل الأواني والثياب والكعبة ونحوها لا يجوز لأحد المجتهدين فيها أن يقتدي بالآخر قد وقع الفرق بينهما بثلاثة فروق الأول لابن الشاط رحمه الله تعالى قال الفرق الصحيح أن مسألة اقتداء المالكي بالشافعي مع أنه لا يتدلك لا يمكن الخطأ فيها على القول بتصويب المجتهدين أو لا يمكن تعيين الخطأ فيها على القول بعدم التصويب ومسألة الأواني ونحوها لا بد من الخطأ فيها ويمكن تعيينه في بعض الأحوال قلت وإليه يشير قول المازري حكى المذهب الإجماع على صحة الاقتداء بالمخالف في الفروع الظنية وإنما يمنع فيما

____________________

(2/174)

منعنا من ذلك في القبلة ونحوها لم يخل لنا ذلك بالجماعات كبير خلل لندرة وقوع مثل هذه المسائل وكثرة وقوع الخلاف في مسائل الفروع وهذا جوابه رحمه الله وقد ظهر لي في ذلك جواب هو أقوى من هذا وهو أن القاعدة أن قضاء القاضي متى خالف إجماعا أو نصا أو قياسا جليا أو القواعد نقضناه

وإذا كنا لا نقر حكما تأكد بقضاء القاضي فأولى أن لا نقره إذا لم يتأكد فعلى هذا لا يجوز التقليد في حكم هو بهذه المثابة لأنا لا نقره شرعا وما ليس بشرع لا يجوز التقليد فيه فعلى هذه القاعدة كل من اعتقدنا أنه خالف الإجماع لا يجوز تقليده وبهذه القاعدة يحصل الفرق في غاية الجودة وبيانه بذكر أربع مسائل المسألة الأولى المجتهدون في الكعبة إذا اختلفوا لا يجوز أن يقلد واحد منهم الآخر لأن كل واحد منهم يعتقد أنه ترك أمرا مجمعا عليه وهو الكعبة وتارك المجمع عليه لا يقلد أما المختلفان في مسح جميع الرأس فإنما يعتقد كل واحد منهم في صاحبه أنه خالف ظاهرا من نص أو منطوق به أو مفهوم لفظ وذلك ليس مجمعا على اعتباره ولا وصل

هامش أنوار البروق

يصلي المالكي إلا خلف المالكي ولا شافعي إلا خلف شافعي لقلت الجماعات وإذا منعنا من ذلك في القبلة ونحوها لم يخل ذلك بالجماعات كبير خلل لندرة وقوع مثل هذه المسائل وكثرة وقوع الخلاف في مسائل الفروع قلت ذلك فرق ضعيف وليس ذلك عندي بالفرق بل الفرق الصحيح أن مسألة اقتداء المالكي بالشافعي مع أنه لا يتدلك لا يمكن الخطأ فيها على القول بتصويب المجتهدين أو لا يمكن تعيين الخطأ فيها على القول بعدم التصويب ومسألة الأواني ونحوها لا بد من الخطأ فيها ويمكن تعيينه في بعض الأحوال والله أعلم

هامش إدرار الشروق

علم خطؤه كنقض قضاء القاضي قال ويدل على ذلك تفرقة أشهب بين القبلة ومس الذكر ا ه

أي حيث قال عند ابن سحنون من صلى خلف من لا يرى الوضوء من مس الذكر لا شيء عليه بخلاف القبلة يعيد أبدا

وقال سحنون يعيد فيهما في الوقت كذا في الحطاب عن الذخيرة بتوضيح ما من المواق والفرق الثاني للعز بن عبد السلام بأن الجماعة في الصلاة مطلوبة لصاحب الشرع وكل مطلوب له يغتفر فيه ما يؤدي لقلته ولا يغتفر فيه ما لا يؤدي لقلته فلكثرة وقوع الخلاف في مسائل الفروع لو قلنا بالمنع من الائتمام لمن يخالف في المذهب وأن لا يصلي المالكي إلا خلف المالكي ولا الشافعي إلا خلف الشافعي لقلت الجماعات ولندرة وقوع مثل مسألة الأواني والقبلة لو قلنا بالمنع من الائتمام لمن يخالف في الاجتهاد فيها لم يخل ذلك بالجماعات كبير خلل قال ابن الشاط وهذا فرق ضعيف وليس ذلك عندي بالفرق أي لأن الفرق إنما ينبغي أن يكون من أحد الأمرين اللذين يقع الفرق بينهما لا من غيرهما فافهم

والفرق الثالث للأصل بأن مخالفة الإجماع لتعين المناط في مسألة الأواني ونحوها دون مخالفته لعدم تعين المناط في مسألة البسملة ونحوها اقتضى أن لا يجوز التقليد في الأولى دون الثانية وذلك لأن القاعدة أن قضاء القاضي متى خالف إجماعا أو نصا أو قياسا جليا أو القواعد نقضناه ولا نقره شرعا وإن تأكد

____________________

(2/175)

إلى حد القطع بل هو في محل الاجتهاد فجاز له الصلاة خلفه وتقليده بخلاف اعتقاده أنه خالف الكعبة المجمع عليها المقطوع باعتبارها وهذا الفرق في غاية الجلاء فأين المقطوع من المظنون وأين المجمع عليه من المختلف فيه المسألة الثانية المجتهدون في الأواني التي اختلط طاهرها بنجسها إذا اختلفوا وهم يعتقدون أن النجاسة مبطلة للصلاة إما باجتهادهم وصلوا إلى ذلك أو قلدوا من وصل إلى ذلك باجتهاده فإن حكم الله تعالى في حقهم بالإجماع ما أدى إليه اجتهادهم أو اجتهاد إمامهم الذي قلدوه وإذا كان حكم الله في حقهم ذلك بالإجماع فكل واحد منهم يعتقد أن صاحبه لابس في صلاته ما هو مبطل لصلاته بالإجماع فقد خالف مجمعا عليه ومقطوعا

هامش أنوار البروق

قال وقد ظهر لي في ذلك جواب هو أقوى من هذا وهو أن القاعدة أن قضاء القاضي متى خالف إجماعا أو نصا أو قياسا جليا أو القواعد قضاه وإذا كنا لا نقر حكما تأكد بقضاء القاضي فأولى أن لا تقره إذا لم يتأكد فعلى هذا لا يجوز التقليد في حكم هو بهذه المثابة لأنا لا نقره شرعا وما ليس بشرع لا يجوز التقليد فيه فعلى هذه القاعدة كل من اعتقدنا أنه خالف الإجماع لا يجوز تقليده وبهذه القاعدة يحصل الفرق في غاية الجودة وبيانه بذكر أربع مسائل قلت ما ذكره فرقا ليس بفرق لأن الفرق إنما ينبغي أن يكون من أحد الأمرين اللذين يقع الفرق بينهما وذلك موجود فيما ذكرته لا فيما ذكره والله أعلم

قال المسألة الأولى إلى آخر الفرق

هامش إدرار الشروق

بقضاء القاضي فأولى أن لا نقره شرعا إذا لم يتأكد كما هنا فكل من اعتقد أنه خالف الإجماع لا نقره شرعا وما ليس بشرع فلا يجوز التقليد فيه ويوضح لك هذا الفرق الأخير مسألتان المسألة الأولى اللذان اختلف اجتهادهما في الكعبة من حيث إن أحدهما يعتقد أن الآخر قد خالف الكعبة المجمع عليها المقطوع باعتبارها لا يجوز له أن يقتدي به لأن تارك المجمع عليه المقطوع باعتباره لا يقتدى به والمختلفان في مسح جميع الرأس من حيث إن كل واحد منهما إنما يعتقد في صاحبه أنه خالف ظاهرا من نص أو منطوق به أو مفهوم لفظ لا مجمعا على اعتباره ولا واصلا إلى حد القطع بل هو في محل اجتهاد يجوز لكل منهما أن يصلي خلف صاحبه

المسألة الثانية اللذان اختلف اجتهادهما في الأواني أو في الثياب التي اختلط طاهرها بنجسها من حيث إن حكم الله في حق كل واحد منهما وفي حق من قلده في اجتهاده بالإجماع هو ما أدى إليه اجتهاده لا ما أدى إليه اجتهاد غيره يعتقد هو ومن قلده أن غيره لابس في صلاته ما هو مبطل لصلاته بالإجماع وخالف مجمعا عليه ومقطوعا به فلا يجوز له ولا لمن قلده الاقتداء بذلك الغير على القاعدة المتقدمة ومن لم يتدلك في غسله أو لم يبسمل في صلاته

أو توضأ بإناء وقع فيه روث عصفور أو صلى بثوب فيه روث عصفور مجتهدا كان أو مقلدا في ذلك المجتهد من حيث إن حكم الله في حقه وحق من قلده صحة صلاته بما أدى إليه اجتهاده أو اجتهاد مقلده وأنه لم يخالف مجمعا عليه ولا مقطوعا به بل خالف ظاهرا محتملا للتأويل يجوز لغيره أن يقتدي به قال ابن الشاط وهذا الذي ذكره فرقا ليس بفرق لأن الفرق إنما ينبغي أن يكون من أحد الأمرين اللذين يقع الفرق بينهما وذلك موجود فيما ذكرته لا فيما ذكره ا ه

قلت

____________________

(2/176)

به فلا يجوز تقليده على القاعدة المتقدمة بخلاف من لا يتدلك في غسله أو لم يبسمل لم يخالف مجمعا عليه ولا مقطوعا به بل ظاهرا محتمل التأويل فأين أحدهما من الآخر

المسألة الثالثة المجتهدون في الثياب التي اختلط طاهرها بنجسها إذا اختلفوا وهم يعتقدون أن النجاسة مبطلة للصلاة إما باجتهادهم أو باجتهاد إمام قلدوه لا يقلد بعضهم بعضا كما تقدم في مسألة الأواني بعينه حرفا بحرف

المسألة الرابعة إناء وقع فيه روث عصفور وتوضأ به مالكي وصلى يجوز للشافعي أن يصلي خلفه ولا يضر ذلك الشافعي كما لا يضره ترك المالكي البسملة وغيرها مما يعتقده الشافعي ولو اختلط هذا الإناء بإناء طاهر فاجتهد فيه هذا الشافعي مع شافعي آخر لا يجوز لأحدهما أن يقتدي بالآخر إذا اختلفا في الاجتهاد ولو اجتمع مالك والشافعي رضي الله عنهما واجتهدا في روث العصفور فحكم مالك بطهارته والشافعي بنجاسته جاز للشافعي أن يصلي خلف مالك إذا توضأ بالماء الذي هو فيه مع تعين روث العصفور في جهة الإمام وفي المسألة الأولى يجوز المأموم أن يكون ذلك في إناء الإمام من غير تعيين فهو أولى بالجواز من أن يعين ومع ذلك فالإجماع منعقد على امتناع التقليد في الإناءين إذا اجتهدا في الطاهر منهما دون أن يتعين في جهة الإمام

وهذا أيضا من أشكل المسائل وجوابه أن للشافعيين إذا اجتهدا في الإناءين فهما مقلدان لمن يعتقد نجاسة روث العصفور

هامش أنوار البروق

قلت ما قاله في المسائل صحيح بناء على ما قرر وهو أن الفرق مخالفة الإجماع في أحد الطرفين

هامش إدرار الشروق

وذلك لأن مخالفة الإجماع وعدم مخالفته وصفان للمجتهد لا للمسألتين المفروق بينهما بخلاف القطع بالخطأ وإمكان تعيينه وعدم إمكان الخطأ ولا إمكان تعيينه فإنهما وصفان للمسألتين المفروق بينهما فافهم وصل الظاهر أن ما ذكر في هذا الفرق ليس مبنيا على قاعدة العوفي التي في قول العلامة الأمير في مجموعه وشرحه والعبرة في شرط صحة الصلاة بمذهبه أي الإمام وفي شرط صحة الاقتداء بمذهب المأموم على ما قاله العوفي وارتضوه قال الرماصي يصح اقتداء مالكي بشافعي في ظهر بعد العصر لاتحاد عين الصلاة والمأموم يراها أداء كما في كبير الخرشي ا ه

قال الشيخ حجازي فشرط الاقتداء موجود على مذهب المأموم بل كذلك لو التفتنا إلى مذهب الإمام جدلا فإنهما قضاء عنده ولا موجب للتلفيق ا ه

قال العلامة الأمير عقب ما ذكر بقي أن قاعدة العوفي هل تجري في الأركان حتى يصح خلف حنفي لا يرفع من الركوع وبه صرح شيخنا في حاشية الخرشي أو تقتصر على ما صرح به من الشرط كمسح رأس ونقض وضوء لأن الركن أعظم

ويؤيد هذا الاحتمال ما في الذخيرة عن ابن القاسم لو علمت أن رجلا ترك القراءة في الأخيرتين لم أصل خلفه نقله الحطاب يحرر ا ه بتوضيح ما وبالاحتمال الثاني جزم العلامة الدسوقي حيث قال

وأما ما كان ركنا داخلا في ماهيتها فالعبرة فيه بمذهب المأموم مثل

____________________

(2/177)

والإجماع منعقد على أن حكم الله تعالى في حق الشافعي وحق من قلده ما ظهر في اجتهاده فالشافعي يعتقد أن الشافعي الآخر قد أصاب في صلاته ما هو مبطل لصلاته بالإجماع ومن اعتقدنا فيه مخالفة الإجماع لا نقلده بخلاف صلاة هذا الشافعي خلف المالكي حكم الله تعالى في حق مالك والمالكي صحة صلاته بروث العصفور إجماعا وأنه لم يخالف إجماعا بل خالف قياسا مظنونا أو ظاهر نص غير مقطوع به وكذلك الشافعي إذا صلى خلف مالك وعليه روث عصفور أو في مائه الذي توضأ به فإن الشافعي يعتقد أن مالكا لم يخالف إجماعا ولا مقطوعا به بل ظاهر قياس أو ضربا من ضروب الاجتهاد فجاز له الصلاة خلفه بخلاف أن يكون إمامه يعتقد ما يعتقده من إبطال روث العصفور للصلاة فتأمل هذه المسائل وهذه المباحث فهي كلها دائرة على حرف واحد وهو أن من اعتقدنا فيه أنه خالف مقطوعا به لم يجز لنا تقليده وإن لم نعتقد فيه ذلك جاز لنا تقليده والصلاة خلفه وهو روح الفرق وهو فرق جيد جدا ولكن بعد التأمل فهذا هو الفرق بين هاتين القاعدتين وهو أجلى من قولنا إن ذلك يؤدي إلى قلة الجماعات أو كثرتها

هامش أنوار البروق

دون الآخر لتعين المناط في مسألة الأواني ونحوها وعدم تعينه في مسألة البسملة ونحوها والله أعلم

المسألة الأولى اللذان اختلف اجتهادهما في الكعبة من حيث إن أحدهما يعتقد أن الآخر قد خالف الكعبة المجمع عليها المقطوع باعتبارها لا يجوز له أن يقتدي به لأن تارك المجمع عليه المقطوع باعتباره لا يقتدى به والمختلفان في مسح جميع الرأس من حيث إن كل واحد منهما إنما يعتقد في صاحبه أنه خالف ظاهرا من نص أو منطوق به أو مفهوم لفظ لا مجمعا على اعتباره ولا واصلا إلى حد القطع بل هو في محل اجتهاد يجوز لكل منهما أن يصلي خلف صاحبه

المسألة الثانية اللذان اختلف اجتهادهما في الأواني أو في الثياب التي اختلط طاهرها بنجسها من حيث إن حكم الله في حق كل واحد منهما وفي حق من قلده في اجتهاده بالإجماع هو ما أدى إليه اجتهاده لا ما أدى إليه اجتهاد غيره يعتقد هو ومن قلده أن غيره لابس في صلاته ما هو مبطل لصلاته بالإجماع وخالف مجمعا عليه ومقطوعا به فلا يجوز له ولا لمن قلده الاقتداء بذلك الغير على القاعدة المتقدمة ومن لم يتدلك في غسله أو لم يبسمل في صلاته

هامش إدرار الشروق

شرط الاقتداء فلو اقتدى مالكي بحنفي لا يرى ركنية السلام ولا الرفع من الركوع فإن أتى بهما صحت صلاة مأمومه المالكي وإن ترك الإمام الحنفي الرفع من الركوع أو خرج من الصلاة بأجنبي كانت صلاة مأمومه المالكي باطلة ولو فعل ذلك المأموم المذكور كذا قرر شيخنا العدوي ا ه

وليس مبنيا أيضا على القاعدة التي يقتضيها قول صاحب الطراز أن الإمام المخالف في الفروع الظنية متى تحقق فعله للشرائط جاز الاقتداء به وإن كان لا يعتقد وجوبها وإلا لم يجز فالشافعي مسح جميع رأسه سنة فلا يضر اعتقاده بخلاف ما لو أم في الفريضة بنية النافلة أو مسح رجليه نقله الخطاب عن الذخيرة وفي المواق قال عياض إن أبا المعالي الجويني قدم عبد الحق الصقلي صلى به وقال له البعض يدخل في الكل يعرض له بمسح الرأس إذ كان أبو المعالي شافعيا ا ه

وهي أن العبرة بمذهب المأموم مطلقا وإنما ينبغي ما ذكر في هذا الفرق على القاعدة التي حكاها الشيخ حجازي على المجموع بقيل من أن العبرة بمذهب الإمام مطلقا قال الحطاب أجاز القرافي في الفرق السادس والسبعين الصلاة خلف المخالف وإن رآه يفعل ما يخالف مذهبه ا ه فتأمل ذلك وحرر والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(2/178)

الفرق السابع والسبعون بين قاعدة الخلاف يتقرر في مسائل الاجتهاد قبل حكم الحاكم وبين قاعدة مسائل الاجتهاد يبطل الخلاف فيها ويتعين قول واحد بعد حكم الحاكم وذلك القول هو ما حكم به الحاكم على الأوضاع الشرعية اعلم أن حكم الحاكم في مسائل الاجتهاد يرفع الخلاف ويرجع المخالف عن مذهبه لمذهب الحاكم وتتغير فتياه بعد الحكم عما كانت عليه على القول الصحيح من مذاهب العلماء فمن لا يرى وقف المشاع إذا حكم حاكم بصحة وقفه ثم رفعت الواقعة لمن كان يفتي ببطلانه نفذه وأمضاه ولا يحل له بعد ذلك أن يفتي ببطلانه وكذلك إذا قال إن تزوجتك فأنت طالق فتزوجها وحكم حاكم بصحة هذا النكاح فالذي كان يرى لزوم الطلاق له ينفذ هذا النكاح ولا يحل له بعد ذلك أن يفتي بالطلاق هذا هو مذهب الجمهور وهو مذهب

هامش أنوار البروق

قال الفرق السابع والسبعون بين قاعدة الخلاف يتقرر في مسائل الاجتهاد قبل حكم الحاكم وبين قاعدة مسائل الاجتهاد يبطل الخلاف فيها ويتعين قول واحد بعد حكم الحاكم وذلك القول هو ما حكم به الحاكم على الأوضاع الشرعية قلت ما قاله يوهم أن الخلاف يبطل مطلقا في المسألة التي تعلق بها حكم الحاكم وليس الأمر كذلك بل الخلاف يبقى على حاله إلا أنه إذا استفتى المخالف في عين تلك المسألة التي وقع حكم فيها لا تسوغ الفتوى فيها بعينها لأنه قد نفذ فيها الحكم بقولة قائل ومضى العمل بها فإذا استفتى في

هامش إدرار الشروق

الفرق السابع والسبعون بين قاعدة الخلاف يتقرر في مسائل الاجتهاد قبل حكم الحاكم وبين قاعدة مسائل الاجتهاد يبطل الخلاف فيها ويتعين قول واحد بعد حكم الحاكم وهو ما حكم به الحاكم على الأوضاع الشرعية بمعنى أن المفتي المخالف إذا استفتى في عين تلك المسألة التي وقع الحكم فيها لا تسوغ له الفتوى فيها بعينها لأنه قد نفذ فيها الحكم بقوله قائل ومضى العمل بها أما إذا استفتى في مثل تلك المسألة قبل أن يقع الحكم فيها فإنه يفتي بمذهبه على أصله فالخلاف إنما يبطل بالنظر إلى المسألة المعينة خاصة مثلا وقف المشاع إذا حكم حاكم بصحته ثم رفعت الواقعة عينها لمن لا يرى صحته وكان يفتي ببطلانه فهو لا يرده ولا ينقضه ونكاح من قال لها إن تزوجتك فأنت طالق إذا حكم حاكم بصحته ثم رفعت مسألته عينها لمن كان يرى لزوم الطلاق له كان عليه أن لا يرد هذا النكاح ولا ينقضه هذا هو مذهب الجمهور وهو مذهب مالك رحمه الله تعالى ولذلك وقع له في كتاب الزكاة وغيره أن حكم الحاكم في مسائل الاجتهاد لا يرد ولا ينقض وأفتى مالك في الساعي الشافعي إذا أخذ من الأربعين شاة لرجلين خليطين في الغنم شاة بأنهما يقتسمانها بينهما ولا يختص بها من أخذت منه كما قاله الشافعي وأبطل ما كان يفتي به ويعتقده

____________________

(2/179)

مالك ولذلك وقع له في كتاب الزكاة وغيره أن حكم الحاكم في مسائل الاجتهاد لا يرد ولا ينقض وأفتى مالك في الساعي إذا أخذ من الأربعين شاة لرجلين خليطين في الغنم شاة أنهما يقتسمانها بينهما ولا يختص بها من أخذت منه كما قاله الشافعي مع أنه يفتي إذا أخذها الساعي المالكي أنها تكون مظلمة ممن أخذت منه وعلل مالك ذلك بأنه حكم حاكم فأبطل ما كان يفتي به عند حكم الحاكم بخلاف ما يعتقده مالك ووقع له ذلك في عدة مسائل في العقود والفسوخ وصلاة الجمعة إذا حكم الإمام فيها أنها لا تصلى إلا بإذن من الإمام وغير ذلك ووقع للشافعية في كتبهم عن بعض أصحابهم أن الحكم إذا رفع لمن لا يعتقده لا ينفذ ولا ينقضه ويتركه على حاله والجمهور على التنفيذ لوجهين وهما الفرق المقصود في هذا الموضع أحدهما أنه لولا ذلك لما استقرت للحكام قاعدة ولبقيت الخصومات على حالها بعد الحكم وذلك يوجب دوام التشاجر والتنازع وانتشار الفساد ودوام العناد وهو مناف للحكمة التي لأجلها نصب الحكام وثانيهما وهو أجلهما أن الله تعالى جعل للحاكم أن ينشئ الحكم في مواضع الاجتهاد بحسب ما يقتضيه الدليل عنده أو عند إمامه الذي قلده فهو منشئ لحكم الإلزام فيما

هامش أنوار البروق

مثلها قبل أن يقع الحكم فيها أفتى بمذهبه على أصله فكيف يقول يبطل الخلاف ولو بطل الخلاف لما ساغ ذلك نعم يبطل الخلاف بالنظر إلى المسألة المعينة خاصة

قال اعلم أن حكم الحاكم في مسائل الاجتهاد يرفع الخلاف إلى قوله ولذلك وقع له في كتاب الزكاة وغيره أن حكم الحاكم في مسائل الاجتهاد لا يرد ولا ينقض

هامش إدرار الشروق

من أن الشاة تكون مظلمة ممن أخذت منه معللا بأنه قد حكم الحاكم بخلافه فلا يتعرض لحكمه برد ولا نقض ووقع له ذلك في عدة مسائل في العقود والفسوخ وإن صلاة الجماعة إذا حكم الإمام فيها لا تصلى إلا بإذن من الإمام وغير ذلك بل قال في جمع الجوامع لا ينقض الحكم في الاجتهاديات وفاقا قال المحلي لا من الحاكم به ولا من غيره بأن اختلف الاجتهاد ا ه

لكن قال الأصل ووقع للشافعية في كتبهم عن بعض أصحابهم أن الحكم إذا رفع لمن لا يعتقده لا ينفذه أي لا يقره على حكم ذلك الحاكم بل يمكن من الخصومة فيه على خلاف ما عليه الجمهور ومالك من أنه يقره على حكم ذلك الحاكم

ولا ينقضه بل يزجر عن الخصومة فيه نظرا لوجهين هما سر الفرق بين القاعدتين المذكورتين أحدهما أنه لولا ذلك لما استقرت للحكام قاعدة ولبقيت الخصومات على حالها بعد الحكم وذلك يوجب دوام التشاجر والتنازع وانتشار الفساد ودوام العناد وهو مناف للحكمة التي لأجلها نصب الحكام وعلى هذا الوجه اقتصر المحلي حيث قال إذ لو جاز نقضه لجاز نقض النقض وهلم فتفوت مصلحة نصب الحاكم من فصل الحكومات وثانيهما أن الله تعالى جعل للحاكم أن ينشئ الحكم في مواضع الاجتهاد بحسب ما يقتضي الدليل عنده أو عند إمامه الذي قلده فهو منشئ لحكم الإلزام فيما يلزم والإباحة فيما يباح كالقضاء بأن الموات الذي ذهب إحياؤه صار مباحا مطلقا كما كان قبل الإحياء والإنشاء بمعنى

____________________

(2/180)

يلزم والإباحة فيما يباح كالقضاء بأن الموات الذي ذهب إحياؤه صار مباحا مطلقا كما كان قبل الإحياء والإنشاء والفرق بينه وبين المفتي بأن المفتي مخبر كالمترجم مع الحاكم والحاكم مع الله تعالى كنائب الحاكم معه يحكم بغير ما تقدم الحكم فيه من جهة مستنيبه بل ينشئ بحسب ما يقتضيه رأيه والمترجم لا يتعدى صورة ما وقع فينقله

وقد بسطت هذا المعنى بشروطه وما يتعلق به في كتاب الإحكام في الفرق بين الفتاوى والأحكام وتصرف القاضي والإمام وهو كتاب جليل في هذا المعنى وإذا كان معنى حكم الحاكم في مسائل الاجتهاد إنشاء الحكم فهو مخبر عن الله تعالى بذلك الحكم والله تعالى قد جعل له أن ما حكم به فهو حكمه وهو كالنص الوارد من قبل الله تعالى في خصوص تلك الواقعة فيصير الحال إلى تعارض الخاص والعام فيقدم الخاص على العام على القاعدة في أصول الفقه وتقريبه بالمثال أن مالكا رحمه الله تعالى دل الدليل عنده على أن تعليق الطلاق قبل الملك يلزم وهذا الدليل يشمل صورا لا نهاية لها فإذا رفعت صورة من تلك الصور إلى حاكم شافعي وحكم بصحة النكاح واستمرار العصمة وإبطال الطلاق المعلق كان حكم الشافعي نصا من الله تعالى ورد في خصوص تلك الصورة

ولو أن الله تعالى قال التعليق قبل الملك

هامش أنوار البروق

قلت ما قاله من أنه إذا حكم حاكم بصحة وقف المشاع ثم رفعت الواقعة لمن كان يفتي ببطلانه نفذه وأمضاه لقائل أن يقول لا ينفذه ولا يمضيه ولكنه لا يرده ولا ينقضه وفرق بين كونه ينفذه ويمضيه وكونه لا يرده ولا ينقضه

قال وأفتى مالك في الساعي إذا أخذ من أربعين شاة لرجلين خليطين في الغنم شاة أنهما

هامش إدرار الشروق

أنه منفذ لحكم الله تعالى على وجه الإلزام بل إن الله تعالى قد جعل له أن ما حكم به فهو إما نفس حكمه تعالى بناء على القول بتصويب المجتهدين وإما أنه كالنص الوارد من قبل الله تعالى في خصوص تلك الواقعة من جهة منعه تعالى من نقض أحكام المجتهدين لما في ذلك من المفسدة بناء على القول بعدم التصويب فيئول الحال فيها إلى ما يشبه تعارض الخاص والعام بوجه ما فيقدم الخاص على القاعدة في أصول الفقه مثلا دل الدليل عند مالك رحمه الله تعالى على أن تعليق الطلاق قبل ملك العصمة يلزم وهذا الدليل يشمل صورا لا نهاية لها فإذا رفعت صورة من تلك الصور إلى حاكم شافعي وحكم بصحة النكاح واستمرار العصمة وإبطال الطلاق المعلق على ذلك النكاح كان حكم الشافعي كالنص من الله تعالى الوارد من خصوص تلك الصورة من الجهة المذكورة فيكون الحال في هذه الصورة بمنزلة ما لو قال الله تعالى التعليق قبل الملك لازم وقال التعليق قبل الملك في حق هذه المرأة غير لازم والعصمة فيها تستمر فقلنا هذان نصان خاص وعام فنقدم الخاص على العام على القاعدة الأصولية فكما أن مالكا رحمه الله تعالى يقول فيما لو قال الله تعالى اقتلوا المشركين

وقال لا تقتلوا الرهبان إنا نقتل المشركين ونترك الرهبان جمعا بين نصي الخاص والعام كذلك يقول مالك رحمه الله تعالى هنا أعمل هذا الحكم في هذه الصورة فتبقى بقية الصورة عندي يصح فيها التعليق قبل النكاح جمعا بين ما هو كنصي الخاص والعام وليس المفتي

____________________

(2/181)

لازم وقال التعليق قبل الملك في حق هذه المرأة غير لازم والعصمة فيها تستمر لقلنا هذان نصان خاص وعام فنقدم الخاص على العام كما لو قال اقتلوا المشركين لا تقتلوا الرهبان فإنا نقتل المشركين ونترك الرهبان كذلك يقول مالك أعمل هذا الحكم في هذه الصورة فتبقى بقية الصور عندي لا يصح فيها التعليق قبل النكاح جمعا بين نصي الخاص والعام ومن فهم الفرق بين المفتي

هامش أنوار البروق

يقتسمانها بينهما ولا يختص بها من أخذت منه كما قاله الشافعي رضي الله تعالى عنه مع أنه يفتي إذا أخذها للساعي المالكي أنها تكون مظلمة ممن أخذت منه وعلل مالك ذلك بأنه حكم حاكم إلى قوله وهو مناف للحكمة التي لأجلها نصب الحكام قلت ما قاله من أن الجمهور على التنفيذ إن أراد به إبقاء الحكم على حاله وإقراره من غير تعرض له برد ولا نقض فذلك صحيح وإن أراد أن الحاكم الثاني الذي يخالف رأيه ذلك الحكم ينشئ تنفيذه الآن على خلاف رأيه موافقة لرأي من قد حكم به قبله ونفذه فليس ذلك عندي بصحيح وكيف يصح ذلك وفيه تحصيل الحاصل والحكم بما يخالف رأي الحاكم

هامش إدرار الشروق

كالحاكم فيما ذكر بل هو ناقل ومخبر ومعرف بالحكم انظر كتاب الإحكام في الفرق بين الفتاوى والأحكام للأصل والله سبحانه وتعالى أعلم تنبيه الشرط في كون حكم الاجتهاديات لا ينقض أن يكون ما حكم به على الأوضاع الشرعية كما علمت وإلا نقض قال في جمع الجوامع وشرحه للمحلي

فإن خالف الحكم نصا أو ظاهرا جليا ولو قياسا وهو القياس الجلي نقض لمخالفته للدليل المذكور قال في الأشباه وما ذكرناه من النقض عند مخالفة القياس الجلي ذكره الفقهاء وعزاه الغزالي في المستصفى إليهم ثم قال فإن أرادوا به ما هو في معنى الأصل مما نقطع به فهو صحيح وإن أرادوا به قياسا مظنونا مع كونه جليا فلا وجه إذ لا فرق بين ظن وظن ا ه

أو حكم حاكم بخلاف اجتهاده قلد غيره فيه أو لا نقض حكمه لمخالفته لاجتهاده وامتناع تقليده فيما اجتهد فيه أو حكم حاكم بخلاف نص إمامه غير مقلد غيره من الأئمة حيث يجوز لمقلد إمام تقليد غيره بأن لم يقلد في حكمه أحدا لاستقلاله فيه برأيه أو قلد فيه غير إمامه حيث يمتنع تقليده نقض حكمه لمخالفته لنص إمامه الذي هو في حقه لالتزامه تقليده كالدليل في حق المجتهد أما إذا قلد في حكمه غير إمامه حيث يجوز تقليده فلا ينقض حكمه لأنه لعدالته إنما حكم به لرجحانه عنده ا ه

بزيادة من حاشية العطار قال العطار قال الإسنوي في التمهيد نقلا عن الغزالي إذا تولى مقلد للضرورة فحكم بمذهب غير مقلده فإن قلنا لا يجوز للمقلد تقليد من شاء بل عليه إتباع مقلده نقض حكمه وإن قلنا له تقليد من شاء لم ينقض ا ه

ونقل ابن الرفعة في الكفاية أن الدامغاني قاضي بغداد الحنفي في أيام المعتضد ولى ابن سريج القضاء وشرط عليه أن لا يحكم إلا بمذهب أبي حنيفة فالتزم ذلك ا ه

____________________

(2/182)

والحاكم وإن حكم الحاكم نص من الله تعالى خاص في تلك الصورة المعينة لم يسعه إلا ما قال مالك والجمهور ولكن لما كان الفرق بينهما خفيا جدا حتى إني لم أجد أحدا يحققه خالف في ذلك من خالف ولم يوجب تنفيذ أقضية الحكام في مواقع الخلاف فهذا هو الفرق بين قاعدة الخلاف قبل الحكم وبين قاعدته بعد الحكم ومن أراد استيعابه فليقف على كتاب الإحكام في الفرق بين الفتاوى والأحكام فليس في ذلك الكتاب إلا هذا الفرق لكنه مبسوط في أربعين مسألة منوعة حتى صار المعنى في غاية الضبط والجلاء الفرق الثامن والسبعون الفرق بين قاعدة من يجوز له أن يفتي وبين قاعدة من لا يجوز له أن يفتي اعلم أن طالب العلم له أحوال الحالة الأولى أن يشتغل بمختصر من مختصرات مذهبه فيه مطلقات مقيدة في غيره وعمومات مخصوصة في غيره ومتى كان الكتاب المعين حفظه وفهمه كذلك أو جوز عليه أن يكون كذلك حرم عليه أن يفتي بما فيه وإن أجاده حفظا وفهما إلا في مسألة يقطع فيها أنها مستوعبة التقييد وأنها لا تحتاج إلى معنى آخر من كتاب آخر فيجوز له أن ينقلها لمن يحتاجها على وجهها من غير زيادة ولا نقصان

هامش أنوار البروق

أما إذا كان المراد بتنفيذه إقراره وعدم نقضه والزجر عن الخصومة فيه لأنه حكم قد نفذه حاكم فذلك صحيح أو يحمل ذلك على قول من قال من الشافعية إنه إذا رفع لمن لا يعتقده لا ينفذه ولا ينقضه على أن يكون مرادهم بذلك أن لا يقره على حكم ذلك الحاكم ويزجر عن الخصومة فيه ولا ينقضه أيضا ابتداء بل يمكن من الخصومة فيه والله أعلم

هامش إدرار الشروق

والمراد بالنص ما يقابل الظاهر فيدخل فيه الإجماع القطعي وفي الظاهر الظني ومحل ذلك في النص الموجود قبل الاجتهاد فإن حدث بعده وهو إنما يتصور في عصره صلى الله عليه وسلم لم ينقض صرح به الماوردي وهو ظاهر ويقاس بالنص الإجماع والقياس ا ه زكريا والله أعلم

الفرق الثامن والسبعون بين قاعدة من يجوز له أن يفتي وبين قاعدة من لا يجوز له أن يفتي اعلم أن المفتي في اصطلاح الأصوليين كما في تحرير الكمال هو المجتهد المطلق وهو الفقيه قال الصيرفي موضوع لمن قام للناس بأمر دينهم وعلم جمل عموم القرآن وخصوصه وناسخه ومنسوخه وكذلك في السنن والاستنباط ولم يوضع لمن علم مسألة وأدرك حقيقتها وقال ابن السمعاني هو من استكمل فيه ثلاثة شرائط الاجتهاد والعدالة والكف عن الترخيص والتساهل وللمتساهل حالتان إحداهما أن يتساهل في طلب الأدلة وطرق الأحكام ويأخذ ببادئ النظر وأوائل الفكر وهذا مقصر في حق الاجتهاد ولا يحل له أن يفتي ولا يجوز والثانية أن يتساهل في طلب الرخص وتأول السنة فهذا متجوز في دينه وهو آثم من الأول ا ه

لكن قال من وصفه الشيخ تاج الدين السبكي في توشيح الترشيح بالمجتهد المطلق الإمام تقي الدين بن دقيق العيد توقيف الفتيا على حصول المجتهد يفضي إلى حرج عظيم واسترسال الخلق في أهوائهم فالمختار أن

____________________

(2/183)

وتكون هي عين الواقعة المسئول عنها لا أنها تشبهها ولا تخرج عليها بل هي هي حرفا بحرف لأنه قد يكون هنالك فروق تمنع من الإلحاق أو تخصيص أو تقييد يمنع من الفتيا بالمحفوظ فيجب الوقف

الحالة الثانية أن يتسع تحصيله في المذهب بحيث يطلع من تفاصيل الشروحات والمطولات على تقييد المطلقات وتخصيص العمومات ولكنه مع ذلك لم يضبط مدارك إمامه ومسنداته في فروعه ضبطا متقنا بل سمعها من حيث الجملة من أفواه الطلبة والمشايخ فهذا يجوز له أن يفتي بجميع ما ينقله ويحفظه في مذهبه اتباعا لمشهور ذلك المذهب بشروط الفتيا ولكنه إذا وقعت له واقعة ليست في حفظه لا يخرجها على محفوظاته ولا يقول هذه تشبه المسألة الفلانية لأن ذلك إنما يصح ممن أحاط بمدارك إمامه وأدلته وأقيسته وعلله التي اعتمد عليها مفصلة ومعرفة رتب تلك العلل ونسبتها إلى المصالح الشرعية وهل هي من باب المصالح الضرورية أو الحاجية أو التتميمية وهل هي من باب المناسب الذي اعتبر نوعه في نوع الحكم أو جنسه في جنس الحكم وهل هي من باب المصلحة المرسلة التي هي أدنى رتب المصالح أو من قبيل ما شهدت لها أصول الشرع بالاعتبار أو هي من باب قياس الشبه أو المناسب أو قياس الدلالة

هامش أنوار البروق

قال وثانيهما وهو أجلهما أن الله سبحانه جعل للحاكم أن ينشئ الحكم في مواضع الاجتهاد بحسب ما يقتضيه الدليل عنده أو عند إمامه الذي قلده إلى قوله وهو كتاب جليل في هذا المعنى قلت ما قاله من أن الحاكم منشئ للحكم وأن المفتي مخبر بالحكم كالمترجم صحيح وما قاله من أن الحاكم مع الله تعالى كنائب الحاكم معه يحكم بغير ما تقدم الحكم فيه من جهة مستنيبه بل ينشئ

هامش إدرار الشروق

الراوي عن الأئمة المتقدمين إذا كان عدلا متمكنا من فهم كلام الإمام ثم حكى للمقلد قوله فإنه يكتفي به لأن ذلك مما يغلب على ظن العامي أنه حكم الله عنده وقد انعقد الإجماع في زماننا على هذا النوع من الفتيا هذا مع العلم الضروري بأن نساء الصحابة كن يرجعن في أحكام الحيض وغيره إلى ما يخبر به أزواجهن عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك فعل علي رضي الله عنه حين أرسل المقداد في قصة المذي وفي مسألتنا أظهر فإن مراجعة النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذاك ممكنة ومراجعة المقلد الآن للأئمة السابقين متعذرة وقد أطبق الناس على تنفيذ أحكام القضاة مع عدم شرائط الاجتهاد اليوم أي لطول المدة بيننا وبين زمن الأئمة المجتهدين مع ضعف العلم وغلبة الجهل سيما وقد ادعى الإمام محمد بن جرير الطبري وكان إماما جليلا متضلعا من العلوم المنطوق والمفهوم ومن أهل القرن الرابع بلوغه رتبة الاجتهاد المطلق فلم يسلموا له فما بالك بغيره ممن هو في هذه الأعصار البعيدة كما في رسالة كيفية الرد على أهل الزيغ لشيخ شيوخنا السيد أحمد دخلان وفي الحطاب عن ابن عرفة أن استعاذة الفخر في المحصول وتبعه السراج في تحصيله والتاج في حاصله في قولهم في كتاب الاجتهاد ما نصه ولو بقي من المجتهدين والعياذ بالله

____________________

(2/184)

أو قياس الإحالة أو المناسب القريب إلى غير ذلك من تفاصيل الأقيسة ورتب العلل في نظر الشرع عند المجتهدين وسبب ذلك أن الناظر في مذهبه والمخرج على أصول إمامه نسبته إلى مذهبه وإمامه كنسبة إمامه إلى صاحب الشرع في اتباع نصوصه والتخريج على مقاصده فكما أن إمامه لا يجوز له أن يقيس مع قيام الفارق لأن الفارق مبطل للقياس

هامش أنوار البروق

بحسب ما يقتضيه رأيه كلام يوهم بحسب التشبيه أن الحاكم يحكم بغير ما هو حكم الله تعالى وليس ذلك بصحيح ولا هو مراده بل لفظه لم يساعده على المراد على الوجه المختار ومراده على الجملة أن

هامش إدرار الشروق

واحد كان قوله حجة ا ه

وإن بنى على بقاء الاجتهاد في عصرهم والفخر توفي سنة ست وستمائة لكنهم قالوا في كتاب الاستفتاء انعقد الإجماع في زماننا على تقليد الميت إذ لا مجتهد فيه ا ه وإذا انعقد الإجماع على أنه لا مجتهد في القرن السابع فكيف لا ينعقد بالأولى في القرن الرابع عشر وقد قال العطار وفي عصرنا وهو القرن الثالث عشر ضعف الطالب والمطلوب بتراكم عظائم الخطوب نسأل السلامة ا ه

ثم قال السبكي لمن لم يبلغ درجة الاجتهاد المطلق مراتب إحداها أن يصل إلى رتبة الاجتهاد المقيد فيستقل بتقرير مذهب إمام معين ونصوصه أصولا يستنبط منها نحو ما يفعله بنصوص الشارع وهذه صفة أصحاب الوجوه والذي أظنه قيام الإجماع على جواز فتيا هؤلاء وأنت ترى علماء المذهب ممن وصل إلى هذه الرتبة هل منعهم أحد الفتوى أو منعوا هم أنفسهم عنها الثانية من لم يبلغ رتبة أصحاب الوجوه لكنه فقيه النفس حافظ للمذهب قائم بتقريره غير أنه لم يرتض في التخريج والاستنباط كارتياض أولئك وقد كانوا يفتون ويخرجون كأولئك ا ه وفي جواز إفتاء من في هذه الرتبة وهو الأصح وثالثها عند عدم المجتهد كما حكاه شافعي متأخر عنه الثالثة من لم يبلغ هذا المقدار ولكنه حافظ لواضحات المسائل غير أن عنده ضعفا في تقرير أدلتها فعلى هذا الإمساك فيما يغمض فهمه فيما لا نقل عنده فيه وليس هذا الذي حكينا فيه الخلاف فإنه لا اطلاع له على المأخذ وكل هؤلاء غير عوام ا ه وهذا يشير إلى أن له الإفتاء فيما لا يغمض فهمه قال متأخر شافعي وينبغي أن يكون هذا راجعا لمحل الضرورة لا سيما في هذه الأزمان ا ه

وثاني الأقوال فيه المنع مطلقا وثالثها الجواز عند عدم المجتهد وعدم الجواز عند وجود المجتهد وقيل الصواب إن كان السائل يمكنه التوصل إلى عالم يهديه السبيل لم يحل له استفتاء مثل هذا ولا يحل لهذا أن ينصب نفسه للفتوى مع وجود هذا العالم وإن لم يكن في بلده أو ناحيته غيره فلا ريب أن رجوعه إليه أولى من أن يقدم على العمل بلا علم أو يبقى مرتبكا في حيرته مترددا في عماه وجهالته بل هذا هو المستطاع من تقواه المأمور بها وهو حسن إن شاء الله تعالى

أما العامي إذا عرف حكم حادثة بدليلها فهل له أن يفتي به ويسوغ لغيره تقليده ففيه أوجه للشافعية وغيرهم أحدها لا مطلقا لعدم أهليته للاستدلال وعدم علمه بشروطه وما يعارضه ولعله يظن ما ليس بدليل دليلا وهذا في بحر الزركشي الأصح ثانيها نعم مطلقا لأنه قد حصل له العلم به كما للعالم وتميز العالم عنه لقوة يتمكن بها من تقرير الدليل ودفع المعارض له أمر زائد على معرفة الحق بدليله ثالثها إن كان الدليل كتابا أو سنة جاز وإلا لم يجز لأنهما خطاب لجميع المكلفين فيجب على المكلف العمل بما وصل إليه منهما وإرشاد غيره إليه رابعها إن كان نقليا جاز وإلا فلا قال السبكي وأما العامي الذي عرف من المجتهد حكم مسألة ولم يدر دليلها كمن حفظ مختصرا من مختصرات

____________________

(2/185)

والقياس الباطل لا يجوز الاعتماد عليه فكذلك هو أيضا لا يجوز له أن يخرج على مقاصد إمامه فرعا على فرع نص عليه إمامه مع قيام الفارق بينهما لكن الفروق إنما تنشأ عن رتب العلل وتفاصيل أحوال الأقيسة فإذا كان إمامه أفتى في فرع بني على علة اعتبر فرعها في نوع الحكم لا يجوز له هو أن يخرج على أصل إمامه فرعا مثل ذلك الفرع لكن علته من

هامش أنوار البروق

المفتي ناقل ومخبر ومعرف بالحكم والحاكم ليس كذلك بل هو ملزم للحكم ومنفذ له وذلك بين والله تعالى أعلم

هامش إدرار الشروق

الفقه فليس له أن يفتي ورجوع العامي إليه إذا لم يكن سواه أولى من الارتباك في الحيرة

وكل هذا في من لم ينقل عن غيره أما الناقل فلا يمنع فإذا ذكر العامي أن فلانا المفتي أفتاني بكذا لم يمنع من نقل هذا القدر

ا ه

لكن ليس للمذكور له العمل به على ما في الزركشي لا يجوز للعامي أن يعمل بفتوى مفت لعامي مثله أفاد جميع هذا أمير الحاج في موضعين من شرحه على التحرير الأصولي مع زيادة وتوضيح المقام على ما يرام أن الإفتاء كان في القرون الثلاثة التي شهد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم من خواص المجتهد المطلق ضرورة أن الاجتهاد استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن بحكم والفقيه هو المجتهد المطلق وتحقق ماهية المجتهد المطلق لا يوجد إلا بشروط منها ما هي صفة فيه وهي ما ذكره في جمع الجوامع بقوله مع توضيح من شرح المحلي وغيره هو البالغ العاقل أي ذو الملكة التي يدرك بها المعلوم أي ما من شأنه أن يعلم فقيه النفس أي شديد الفهم بالطبع لمقاصد الكلام وإن أنكر القياس العارف بالدليل العقلي أي البراءة الأصلية والتكليف به في الحجية بأن يعلم أنا مكلفون بالتمسك باستصحاب العدم الأصلي إلى أن يصرف عنه دليل شرعي من نص أو إجماع أو قياس ذو الدرجة الوسطى أو الكاملة لغة وعربية من نحو وتصريف وأصولا بأن يكون عارفا بالقواعد الأصولية وبلاغة من معان وبيان وما تتعلق الأحكام به بدلالته عليها من كتاب وسنة وإن لم يحفظ المتون ليتأتى له الاستنباط المقصود بالاجتهاد أما علمه بآيات الأحكام وأحاديثها أي مواقعها

وإن لم يحفظها فلأنها المستنبط منه وأما علمه بأصول الفقه فلأنه يعرف به كيفية الاستنباط وغيرها لما يحتاج إليه وأما علمه بالباقي فلأنه لا يفهم المراد من المستنبط منه إلا به لأنه عربي بليغ ومنها ما هو شرط في الاجتهاد لا صفة في المجتهد وهي ما نقله ابن السبكي عن والده في جمع الجوامع من كونه خبيرا بمواقع الإجماع كي لا يخرقه وبالناسخ والمنسوخ ليقدم الأول على الثاني وبأسباب النزول لترشده إلى فهم المراد وبشرط المتواتر والآحاد المحقق لهما ليقدم الأول على الثاني وبالصحيح والضعيف من الحديث أي ماصدقات الأحاديث الصحيحة والحسنة والضعيفة لا مفاهيمها فإن ذلك اصطلاح حادث ليقدم ماصدق الصحيحة والحسنة على ماصدق الضعيفة وبحال الرواة في القبول والرد ليقدم المقبول على المردود ويشترط لاعتماد قوله لا لاجتهاده العدالة واختلفوا في كون البحث عن المعارض كالمخصص والمقيد والناسخ

وعن اللفظ هل معه قرينة تصرفه عن ظاهره ليسلم ما يستنبطه عن تطرق الخدش إليه لو لم يبحث واجبا أو أولى فيجوز له أن يتمسك بالعام قبل البحث عن المخصص على الأصح ا ه وهذه الشروط قد اتفقوا على تسليم تحققها في علماء تلك القرون ولم يعارضوا من ادعى الاجتهاد

____________________

(2/186)

قبيل ما شهد جنسه لجنس الحكم فإن النوع على النوع مقدم على الجنس في النوع ولا يلزم من اعتبار الأقوى اعتبار الأضعف وكذلك إذا كان إمامه قد اعتبر مصلحة سالمة عن المعارض لقاعدة أخرى فوقع له هو فرع فيه عين تلك المصلحة لكنها معارضة بقاعدة أخرى أو بقواعد فيحرم عليه التخريج حينئذ لقيام الفارق أو تكون مصلحة إمامه التي

هامش أنوار البروق

قال وإذا كان معنى حكم الحاكم في مسائل الاجتهاد إنشاء الحكم فهو مخبر عن الله تعالى بذلك الحكم

هامش إدرار الشروق

المطلق منهم

وأما علماء القرن الرابع وعلماء من بعده من القرون إلى هذا القرن فوقع الاختلاف في تسليم تحقق تلك الشروط في بعضهم وعدم تسليم ذلك فادعى جماعة من علماء القرن الرابع فما بعده تحقق تلك الشروط فيه وأنه بلغ درجة الاجتهاد المطلق بناء على أمور أحدها قول ابن السبكي في جمع الجوامع مع توضيح من المحلي ويكفي الخبرة بحال الرواة في زماننا الرجوع إلى أئمة ذلك من المحدثين كالإمام أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم فيعتمد عليهم في التعديل والتجريح لتعذرهما في زماننا إلا بواسطة وهم أولى من غيرهم

وثانيها قول العلامة المحقق الشيخ جلال الدين بن عبد الرحمن السيوطي رحمه الله تعالى في رسالته الرد على من أخلد إلى الأرض أن الاجتهاد المطلق قسمان مستقل وغير مستقل والمستقل هو الذي استقل بقواعده لنفسه يبني عليها الفقه خارجا عن قواعد المذاهب المقررة كمالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل وداود وغيرهم من مجتهدي القرون الثلاثة المشهود لهم بالخيرية قال السيوطي

وهذا القسم قد فقد من دهر بل لو أراده الإنسان اليوم لامتنع عليه ولم يجز له نص عليه غير واحد قال ابن برهان في كتابه في الأصول أصول المذاهب وقواعد الأدلة منقولة عن السلف فلا يجوز أن يحدث في الأعصار خلافها ا ه كلام ابن برهان وهو من أصحابنا الشافعية

وقال ابن المنير وهو من أئمة المالكية اتباع الأئمة الآن الذين حازوا شروط الاجتهاد مجتهدون ملتزمون أن لا يحدثوا مذهبا أما كونهم مجتهدين فلأن الأوصاف قائمة بهم

وأما كونهم ملتزمين أن لا يحدثوا مذهبا فلأن إحداث مذهب زائد بحيث يكون لفروعه أصول وقواعد مباينة لسائر قواعد المتقدمين متعذر الوجود لاستيعاب المتقدمين سائر الأساليب ا ه كلامه وذكر نحوه ابن الحاج في المدخل وهو مالكي أيضا والمجتهد غير المستقل هو الذي وجدت فيه شروط الاجتهاد المذكورة التي اتصف بها المجتهد المستقل إلا أنه لم يبتكر لنفسه قواعد بل سلك طريقة إمام من أئمة المذاهب في الاجتهاد قال النووي في شرح المهذب تبعا لابن الصلاح في كتابه آداب الفتيا وهذا لا يكون مقلد الإمامة لا في المذهب ولا في دليله لاتصافه بصفة المستقل وإنما ينسب إليه لسلوكه طريقه في الاجتهاد وادعى الأستاذ أبو إسحاق هذه الصفة لأصحابنا فحكى عن أصحاب مالك وأحمد وداود وأكثر الحنفية أنهم صاروا إلى مذهب أئمتهم تقليدا لهم ثم قال والصحيح الذي عليه المحققون ما ذهب إليه أصحابنا وهو أنهم صاروا إلى مذهب الشافعي لا تقليدا له بل لما وجدوا طريقه في الاجتهاد والقياس أسد الطرق ولم يكن لهم بد من الاجتهاد سلكوا طريقه فطلبوا معرفة الأحكام بطريق الشافعي وذكر أبو علي السنجي نحو هذا فقال اتبعنا الشافعي دون غيره لأنا وجدنا قوله أرجح الأقوال وأعدلها لا أنا قلدناه

____________________

(2/187)

اعتمد عليها من باب الضروريات فيفتي هو بمثلها ولكنها من باب الحاجات أو التتمات وهاتان ضعيفتان مرجوحتان بالنسبة إلى الأولى ولعل إمامه راعى خصوص تلك القوية والخصوص فائت هنا ومتى حصل التردد في ذلك والشك

وجب التوقف كما أن إمامه لو وجد صاحب الشرع قد نص على حكم ومصلحة من باب الضروريات حرم عليه أن يقيس

هامش أنوار البروق

قلت ما قاله هنا من أن الحاكم مخبر عن الله بذلك الحكم ليس بصحيح فإن الحاكم ليس بمخبر

هامش إدرار الشروق

قال النووي

هذا الذي ذكره موافق لما أمرهم به الشافعي ثم المزني في أول مختصره وغيره بقوله مع إعلامه بنهيه عن تقليد غيره قال ثم فتوى المفتي في هذا النوع كفتوى المستقل في العمل بها والاعتداد بها في الإجماع والخلاف ا ه كلام النووي قال السيوطي فالمطلق أعم مطلقا من المستقل فكل مستقل مطلق وليس كل مطلق مستقلا والذي ادعيناه هو الاجتهاد المطلق لا الاستقلال بل نحن تابعون للإمام الشافعي رضي الله عنه وسالكون طريقه في الاجتهاد امتثالا لأمره ومعدودون من أصحابه وكيف يظن أن اجتهادنا مقيد والمجتهد المقيد إنما ينقص عن المطلق بإخلاله بالحديث والعربية وليس على وجه الأرض من مشرقها إلى مغربها أعلم بالحديث والعربية مني إلا أن يكون الخضر أو القطب أو أولياء الله فإن هؤلاء لم أقصد دخولهم في عبارتي والله أعلم ا ه كلام السيوطي الأمر الثالث أن الاجتهاد المطلق فرض كفاية فكيف يدعي خلو الأرض عمن يقوم به فيأثم جميع الأمة المحمدية كما في رسالة السيوطي المذكورة وفي حاشية الباجوري على ابن قاسم وادعى الجلال السيوطي بقاءه إلى آخر الزمان واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم يبعث الله على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها ومنع الاستدلال بأن المراد بمن يجدد أمر الدين من يقرر الشرائع والأحكام لا المجتهد المطلق ا ه

والجمهور على أن شروط الاجتهاد المطلق المذكورة لم تتحقق في شخص من علماء القرن الرابع فما بعده وأن من ادعى بلوغها منهم لا تسلم له دعواه ضرورة أن بلوغها لا يثبت بمجرد الدعوى وأن فرض الكفاية لا يجب على المكلفين به تحصيله وإنما يجب عليهم الاجتهاد في تحصيل شروطه بقدر ما في طاقاتهم البشرية فإذا تعذر عليهم تحصيلها كيف يدعي تأثيم جميعهم قال ابن أبي الدم عالم الأقطار الشامية بعد سرده شروط الاجتهاد المطلق هذه الشروط يعز وجودها في زماننا في شخص من العلماء بل لا يوجد في البسيطة اليوم مجتهد مطلق

وقال حجة الإسلام الغزالي في كتابه الوسيط

وأما شروط الاجتهاد المعتبرة في القاضي فقد تعذرت في وقتنا وفي الإنصاف من كتب السادة الحنابلة أنه من زمن طويل عدم المجتهد المطلق وقال الفخر الرازي والرافعي والنووي إن الناس كالمجمعين اليوم على أنه لا مجتهد وقد تقدم عن شيخ شيوخنا في رسالته كيفية الرد على أهل الزيغ أن الإمام محمد بن جرير الطبري قد ادعى بلوغه رتبة الاجتهاد المطلق فلم يسلموا له وهو إمام جليل متضلع من العلوم المنطوق والمفهوم ومن أهل القرن الرابع فما بالك بغيره ممن هو في هذه الأعصار البعيدة وعلى أن المجتهد المطلق لا يكون إلا مستقلا وأن من له أن يفتي عبارة عن غير العامي ومن ليس له أن يفتي عبارة عن العامي وأن غير العامي إما مجتهد غير مستقل وله مرتبتان المرتبة الأولى أشار لها في جمع الجوامع بقوله مع الشرح ودونه أي دون المجتهد المطلق المتقدم مجتهد المذهب وهو المتمكن من تخريج الوجوه التي يبديها على نصوص إمامه في المسائل ا ه

وقال النووي في شرح المهذب تبعا لابن الصلاح أيضا وهو ما يكون مستقلا بتقرير أصوله بالدليل غير أنه لا يتجاوز في أدلته أصول

____________________

(2/188)

عليه ما هو من باب الحاجات أو التتمات لأجل قيام الفارق فكذلك هذا المقلد له لأن نسبته إليه في التخريج كنسبة إمامه لصاحب الشرع والضابط له ولإمامه في القياس والتخريج أنهما متى جوزا فارقا يجوز أن يكون معتبرا حرم القياس ولا يجوز القياس إلا بعد الفحص المنتهي إلى غاية أنه لا فارق هناك ولا معارض ولا مانع يمنع من القياس

هامش أنوار البروق

بالحكم بل هو ملزم للحكم وقوله هذا نقيض لقوله آنفا إن الحاكم منشئ لحكم الإلزام فيما يلزم وأن المفتي مخبر فسبحان الله العظيم ما أسرع ما نسي

هامش إدرار الشروق

إمامه وقواعده وشرطه كونه عالما بالفقه وأصوله وأدلة الأحكام تفصيلا بصيرا بمسالك الأقيسة والمعاني تام الارتياض في التخريج والاستنباط قيما بإلحاق ما ليس منصوصا عليه لإمامه بأصوله ولا يعرى عن شوب تقليد له لإخلاله ببعض أدوات المستقل بأن يخل بالحديث أو العربية وكثيرا ما أخل بهما المقيد ثم يتخذ نصوص إمامه أصولا يستنبط منها كفعل المستقل بنصوص الشرع وربما اكتفى في الحكم بدليل إمامه ولا يبحث عن معارض كفعل المستقل في النصوص وهذه صفة أصحابنا أصحاب الوجوه والعامل بفتوى هذا مقلد لإمامه لا له ثم ظاهر كلام الأصحاب أن من هذا حاله لا يتأدى به فرض الكفاية قال ابن الصلاح ويظهر تأدي الفرض به في الفتوى وإن لم يتأد في إحياء العلوم التي منها استمداد للفتوى ا ه

ومراده بقوله وهذه صفة أصحابنا إلخ مثل المزني والبويطي صاحبي الشافعي وابن القاسم وأشهب صاحبي مالك وأبي يوسف ومحمد صاحبي أبي حنيفة والإمام الخلال وإبراهيم الحربي والشيخ حنبل وصالح بن الإمام أحمد من أصحاب الإمام أحمد بن حنبل ولا خلاف في جواز إفتاء من في هذه المرتبة والأصل لم يتعرض لمن في هذه المرتبة ولعله لعدم وجوده سيما في هذه الأعصار قال شيخ شيوخنا في رسالته المذكورة لا يجوز لأهل هذه الأعصار الاستنباط في شيء من الآيات والأحاديث بل يجب عليهم الأخذ بأقوال أئمة الدين واتباعهم في كل ما يقولون من الأحكام الفقهية وتفسير الآيات القرآنية والأحاديث النبوية

ولو لم نقل ذلك لزم الزيغ والضلال والإلحاد في الدين لأن كثيرا من الآيات والأحاديث يعارضها مثلها من الآيات والأحاديث ولا إطلاع لغير المجتهدين على ذلك إلا بالنقل عنهم وبعضها منسوخ وبعضها مخصوص وبعضها مجمل وبعضها متشابه إلى غير ذلك من الأقسام ا ه المراد وهو مبني على قول الأكثرين من جواز خلو الزمان حتى عن مجتهد المذهب ففي العطار على محلي جمع الجوامع قال الصفي الهندي المختار عند الأكثرين أنه يجوز خلو عصر من الأعصار عن الذي يمكن تفويض الفتوى إليه سواء كان مجتهدا مطلقا أو كان مجتهدا في مذهب المجتهدين المطلق ومنع منه الأقلون كالحنابلة ا ه سم سيما ونحن الآن في القرن الرابع عشر وقد قال الشيخ الأخضري في سلمه المنورق لا سيما في عاشر القرون ذي الجهل والفساد والفتون المرتبة الثانية أشار لها في جمع الجوامع بقوله مع الشرح ودونه إلخ أي دون مجتهد المذهب مجتهد الفتيا وهو المتبحر في مذهب إمامه المتمكن من ترجيح قول له على آخر أطلقهما ا ه

وسماه العلامة السيوطي في رسالته المذكورة مجتهد الترجيح وقال النووي في شرح المهذب تبعا لابن الصلاح أيضا وهو من لم يبلغ رتبة أصحاب الوجوه لكنه فقيه النفس حافظ لمذهب إمامه عارف بأدلته قائم بتقريرها

____________________

(2/189)

وهذا قدر مشترك بين المجتهدين والمقلدين للأئمة المجتهدين فمهما جوز المقلد في معنى ظفر به في فحصه واجتهاده أن يكون إمامه قصده أو يراعيه حرم عليه التخريج فلا يجوز التخريج حينئذ إلا لمن هو عالم بتفاصيل أحوال الأقيسة والعلل ورتب المصالح وشروط القواعد وما يصلح أن يكون معارضا وما لا يصلح وهذا لا يعرفه

هامش أنوار البروق

قال والله تعالى قد جعل له أن ما حكم به فهو حكمه قلت أما على قول من يقول بتصويب المجتهدين فقوله ذلك صحيح وأما على قول من لا

هامش إدرار الشروق

يصور ويحرر ويقرر ويمهد ويزيف ويرجح لكنه قصر عن أولئك لقصوره عنهم في حفظ المذهب أو الارتياض في الاستنباط ومعرفة الأصول ونحوها من أدلتها ا ه

وقال شيخ شيوخنا في رسالته ومجتهدو الفتوى من كملوا في العلم والمعرفة من أرباب المذهب حتى وصلوا لرتبة الترجيح للأقوال وهم كثيرون كالرافعي والنووي وابن حجر والرملي في مذهب الشافعي ا ه بتوضيح

وقال شيخ والدي الشيخ إبراهيم الباجوري على ابن قاسم إن الرملي وابن حجر لم يبلغا مرتبة الترجيح بل هما مقلدان فقط نعم قال بعضهم بل لهما ترجيح في بعض المسائل بل والشبراملسي أيضا ا ه وكالمازري وابن رشد واللخمي وابن العربي والقرافي في مذهب الإمام مالك وكابن نجيم والسرخسي والكمال بن الهمام والطحاوي في مذهب أبي حنيفة وكأبي يعلى وابن قدامة وأبي الخطاب والقاضي علاء الدين في مذهب الإمام أحمد بن حنبل وقال الأصل وحال من في هذه المرتبة أن يحيط بتقييد جميع مطلقات المذهب وتخصيص جميع عموماته وبمدارك إمامه ومستنداته وحكمه أنه يفتي بما يحفظه ويخرج ويقيس بشروط القياس ما لا يحفظه على ما يحفظه ا ه

وهذا أصح الأقوال الثلاثة المتقدمة وأما عالم غير مجتهد بأن لم يبلغ درجة مجتهد الفتوى ولا ينزل إلى درجة العامي وسماه العلامة السيوطي في رسالته المذكورة مجتهد الفتيا نظرا لما تقدم عن ابن دقيق العيد وعن شارح التحرير الأصولي من أنه رتبة ثالثة لغير المجتهد المطلق من العلماء المقلدين إلا أن كلام شارح التحرير المار وكلام ابن رشد الآتي على أنه ليس بمجتهد فتيا بل مجتهد الفتيا هو مجتهد الترجيح فتأمل قال النووي في شرح المهذب تبعا لابن الصلاح أيضا وهو من يقوم بحفظ المذهب ونقله وفهمه في الواضحات والمشكلات ولكن عنده ضعف في تقرير أدلته وتحرير أقيسته فهذا يعتمد نقله وفتواه فيما يحكيه من مسطورات مذهبه وما لا يجده منقولا إن وجد في المنقولات معناه بحيث يدرك بغير كبير فكر أنه لا فرق بينهما جاز إلحاقه به والفتوى به وكذا ما يعلم اندراجه تحت ضابط مجتهد في المذهب وما ليس كذلك يجب إمساكه عن الفتوى فيه ا ه

وهذا هو الراجح من الأقوال الأربعة المتقدمة وهو مثل قول الأصل وحال هذا أن يتسع إطلاعه بحيث يعلم بتقييد المطلقات وتخصيص العمومات لكنه لم يضبط مدارك إمامه ومستنداته وحكمه أنه يفتي بما يحفظه وينقله من مذهبه اتباعا لمشهور ذلك المذهب بشروط الفتيا لا بكل قول فيه إذ لا يعرى مذهب من المذاهب عن قول خالف فيه المجتهد الإجماع أو القواعد أو النص أو القياس الجلي السالم عن المعارض الراجح لكنه قد يقل وقد يكثر

وهذا النوع لا يجوز للمقلد أن ينقله للناس ولا يفتي به في دين الله تعالى وذلك لأنه لو حكم به حاكم لنقضناه ولا نقره شرعا وإن تأكد بحكمه فأولى أن نقره شرعا إذا لم يتأكد ولا يعلم في مذهبه إلا من عرف القواعد الشرعية والقياس الجلي والنص الصريح وعدم المعارض لذلك بالمبالغة في تحصيل مسائل الفقه بأصولها مع معرفة علم أصول الفقه معرفة

____________________

(2/190)

إلا من يعرف أصول الفقه معرفة حسنة فإذا كان موصوفا بهذه الصفة وحصل له هذا المقام تعين عليه مقام آخر وهو النظر وبذل الجهد في تصفح تلك القواعد الشرعية وتلك المصالح وأنواع الأقيسة وتفاصيلها فإذا بذل جهده فيما يعرفه ووجد ما يجوز أن يعتبره إمامه فارقا أو مانعا أو شرطا وهو ليس في الحادثة التي يروم تخريجها حرم عليه

هامش أنوار البروق

يصوب فليس ذلك بصحيح بل ربما صادف حكم الله تعالى فيكون حكمه حكم الله تعالى وربما لم يصادف حكمه حكم الله تعالى فلا يكون حكمه حكمه لكنه معذور ومأجور والله أعلم

هامش إدرار الشروق

حسنة لا بمجرد معرفة أصول الفقه فإن القواعد ليست مستوعبة في أصول الفقه بل للشريعة قواعد كثيرة جدا عند أئمة الفتوى والفقهاء لا توجد في كتب أصول الفقه أصلا وذلك هو الباعث على وضع هذا الكتاب المسمى كتاب الأنوار والقواعد السنية لأضبط تلك القواعد حسب طاقتي ولاعتبار هذا الشرط يحرم على أكثر الناس الفتوى فتأمل ذلك فهو أمر لازم وكذلك كان السلف رضي الله عنهم متوقفين في الفتيا توقفا شديدا

وقال مالك لا ينبغي للعالم أن يفتي حتى يراه الناس أهلا لذلك ويرى هو نفسه أهلا لذلك يريد تثبت أهليته عند العلماء ويكون هو بيقين مطلعا على ما قاله العلماء في حقه من الأهلية لأنه قد يظهر من الإنسان أمر على ضد ما هو عليه إذا كان مطلعا على ما وصفه به الناس حصل اليقين في ذلك وما أفتى مالك حتى أجازه أربعون محنكا لأن التحنيك وهو اللثام بالعمائم تحت الحنك شعار العلماء حتى إن مالكا سئل عن الصلاة بغير تحنيك فقال لا بأس بذلك وهو إشارة إلى تأكد التحنيك وهذا هو شأن الفتيا في الزمن القديم

وأما اليوم فقد انخرق هذا السياج وسهل على الناس أمر دينهم فتحدثوا فيه بما يصلح وما لا يصلح وعسر عليهم اعترافهم بجهلهم وأن يقول أحدهم لا يدري فلا جرم آل الحال للناس إلى هذه الغاية بالاقتداء بالجهال والمتجرئين على دين الله تعالى ا ه

قال الحطاب في شرحه على المختصر والظاهر أن قوله بحيث يعلم تقييد المطلقات وتخصيص العمومات يعني يغلب على ظنه ذلك وأما القطع بأن هذه الرواية ليست مقيدة فبعيد ويكفي الآن في ذلك وجود المسألة في التوضيح أو في ابن عبد السلام قال ابن فرحون قال المازري في كتاب الأقضية الذي يفتي في هذا الزمان أقل مراتبه في نقل المذهب أن يكون قد استبحر في الاطلاع على روايات المذهب وتأويل الشيوخ لها وتوجيههم لما وقع فيها من اختلاف ظواهر واختلاف مذاهب وتشبيههم مسائل بمسائل قد يسبق إلى النفس تباعدها وتفريقهم بين مسائل ومسائل قد يقع في النفس تقاربها وتشابهها إلى غير ذلك مما بسطه المتأخرون في كتبهم وأشار إليه المتقدمون من أصحاب مالك في كثير من رواياتهم فهذا لعدم النظار يقتصر على نقله عن المذهب ا ه

وفي آخر خطبة البيان والتحصيل لابن رشد قال إذا جمع الطالب المقدمات إلى هذا الكتاب يعني البيان والتحصيل حصل على معرفة ما لا يسع جهله من أصول الديانات وأصول الفقه وعرف العلم من طريقه وأخذه من بابه وسبيله وأحكم رد الفرع إلى الأصل واستغنى بمعرفة ذلك كله عن الشيوخ في المشكلات وحصل مرتبة من يجب تقليده في النوازل المعضلات ودخل في زمرة العلماء الذين أثنى الله عليهم في غير ما آية من كتابه ووعدهم فيه بترفيع الدرجات ا ه كلام الحطاب بتغيير ما

قال وجعل القرافي أن ما خالف فيه الإمام النص نظير ما خالف فيه الإجماع في عدم جواز نقله للناس وإفتائهم به ليس بشيء لنص مالك في كتاب الجامع من العتبية وغيره

____________________

(2/191)

التخريج وإن لم يجد شيئا بعد بذل الجهد وتمام المعرفة جاز له التخريج حينئذ

وكذلك القول في إمامه مع صاحب الشرع لا بد أن يكون إمامه موصوفا بصفات الاجتهاد التي بعضها ما تقدم اشتراطه في حق المقلد المخرج ثم بعد اتصافه بصفات الاجتهاد ينتقل إلى مقام بذل الجهد فيما علمه من القواعد وتفاصيل المدارك فإذا بذل جهده ووجد حينئذ

هامش أنوار البروق

قال وهو كالنص الوارد من قبل الله تعالى في خصوص تلك الواقعة فيصير الحال إلى تعارض الخاص والعام فيقدم الخاص على العام على القاعدة في أصول الفقه

هامش إدرار الشروق

على مخالفة نص الحديث الصحيح إذا كان العمل بخلافه ا ه وهو مبني على جعل قوله السالم عن المعارض الراجح وصفا لخصوص القياس الجلي لا له وللنص وإلا لم يرد عليه ذلك فتأمل بإنصاف

هذا وقال الأصل وما ليس محفوظا من روايات المذهب لمن في هذه المرتبة لا يجوز له تخريجه على ما هو محفوظ له منها وإن كثرت منقولاته جدا إلا إذا حصلت له شروط التخريج من حفظه قواعد الشريعة بالمبالغة في تحصيل مسائل الفقه بأصولها ومعرفته علم أصول الفقه وكتاب القياس وأحكامه وترجيحاته وشرائطه وموانعه معرفة حسنة وعلمه بأن قول إمامه المخرج عليه ليس مخالفا للإجماع ولا للقواعد ولا لنص ولا لقياس جلي سالم عن معارض راجح وكثير من الناس يقدمون على التخريج دون هذه الشروط بل صار يفتي من لم يحط بالتقييدات ولا بالتخصيصات من منقول إمامه وذلك فسق ولعب في دين الله تعالى ممن يتعمده ا ه ويتعين جعل قوله سالم عن معارض راجح وصفا لكل من القياس الجلي والنص لا لخصوص القياس الجلي حتى يتوجه عليه إيراد الحطاب فافهم

وأما العامي فله مرتبتان المرتبة الأولى أن يعرف من المجتهد حكم حادثة بدليلها وفي جواز إفتائه بما عرفه مطلقا وأن يقلده غيره فيه ثالثها إن كان الدليل كتابا أو سنة رابعها إن كان نقليا والأصح منها كما في بحر الزركشي الثاني أي المنع مطلقا المرتبة الثانية أن يعرف من المجتهد حكم مسألة ولم يدر دليلها أو يحفظ مختصرا من مختصرات الفقه فلا يجوز له أن يفتي بما عرفه نعم رجوع العامي إليه إذا لم يكن سواه أولى من الارتباك في الحيرة ويجوز له أن ينقل ما أفتاه به المجتهد لغيره نعم في بحر الزركشي لا يجوز للعامي أن يعمل بفتوى مفت لعامي مثله وإلى حال من في هذه المرتبة الثانية وحكم فتواه أشار الأصل بقوله أن يحفظ كتابا فيه عمومات مخصصة في غيره ومطلقات مقيدة في غيره فهذا يحرم عليه أن يفتي بما فيه إلا في مسألة يقطع أنها مستوفية للقيود وتكون هي الواقعة بعينها ا ه

وإلى حكم فتوى من في المرتبة الأولى يشير قوله إلا في مسألة يقطع أنها مستوفية إلخ فتأمل بدقة إذا علمت هذا علمت أن كلام الأصل في هذا الفرق وجواب ابن رشد لما سئل عن الفتوى وصفة المفتي قد حصراه في مجتهد الفتوى والترجيح والعالم الذي لم يبلغ درجته وصاحب المرتبة الثانية من مرتبتي العامي المارتين مع إدماج صاحب المرتبة الأولى منهما مع صاحب الثانية وحاصل كلام الأصل كما في الحطاب على متن سيدي خليل أن لطالب العلم ثلاث حالات الأولى أن يحفظ كتابا فيه عمومات مخصصة في غيره ومطلقات مقيدة في غيره فهذا يحرم عليه أن يفتي بما فيه إلا في مسألة يقطع أنها مستوفية القيود وتكون هي الواقعة بعينها

____________________

(2/192)

ما يصلح أن يكون فارقا أو مانعا أو شرطا قائما في الفرع الذي يروم قياسه على كلام صاحب الشرع حرم عليه القياس ووجب التوقف

وإن غلب على ظنه عدم جميع ذلك وأن الفرع مساو للصورة التي نص عليها صاحب الشرع وجب عليه الإلحاق حينئذ وكذلك مقلده وحينئذ بهذا التقرير يتعين على من لا يشتغل بأصول الفقه أن لا يخرج

هامش أنوار البروق

قلت إن أراد أنه من باب الخاص والعام المتعارضين على التحقيق فليس كذلك وإن أراد أنه يشبه العام والخاص المتعارضين بوجه ما فذلك صحيح

هامش إدرار الشروق

الثانية أن يتسع اطلاعه بحيث يعلم بتقييد المطلقات وتخصيص العمومات لكنه لم يضبط مدارك إمامه ومستنداته فهذا يفتي بما يحفظه وينقله من المشهور في ذلك المذهب ولا يخرج مسألة ليست منصوصة على ما يشبهها الثالثة أن يحيط بذلك وبمدارك إمامه ومستنداته وهذا يفتي بما يحفظه ويخرج ويقيس بشروط القياس ما لا يحفظه على ما يحفظه ا ه

وجواب ابن رشد كما في شرح الحطاب على خليل نقلا عن وثائق ابن سلمون أن الجماعة التي تنسب إلى العلوم وتتميز عن جملة العوام في المحفوظ والمفهوم تنقسم على ثلاثة طوائف طائفة منهم اعتقدت صحة مذهب مالك تقليدا بغير دليل فأخذت أنفسها بحفظ مجرد أقواله وأقوال أصحابه في مسائل الفقه دون التفقه في معانيها بتمييز الصحيح منها والسقيم فهذه لا يصح لها الفتوى بما علمته وحفظته من قول مالك وقول أحد من أصحابه إذ لا علم عندها بصحة شيء من ذلك إذ لا يصح الفتوى بمجرد التقليد من غير علم ويصح لها في خاصتها إن لم تجد من يصح لها أن تستفتيه أن تقلد مالكا أو غيره من أصحابه فيما حفظته من أقوالهم وإن لم يعلم من نزلت به نازلة من يقلده فيها من قول مالك وأصحابه فيجوز للذي نزلت به النازلة أن يقلده فيما حكاه له من قول مالك في نازلته ويقلد مالكا في الأخذ بقوله فيها وذلك أيضا إذا لم يجد في عصره من يستفتيه في نازلته فيقلده فيها

وإن كانت النازلة قد علم فيها اختلافا من قول مالك وغيره فأعلمه بذلك كان حكمه في ذلك حكم العامي إذا استفتى العلماء في نازلته فاختلفوا عليه فيها وقد اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال أحدها أن يأخذ بما شاء من ذلك الثاني أن يجتهد من ذلك فيأخذ من ذلك بقول أعلمهم الثالث أن يأخذ بأغلظ الأقوال والطائفة الثانية منهم اعتقدت صحة مذهب مالك بما بان لها من صحة أصوله التي بناه عليها فأخذت أنفسها بحفظ مجرد أقواله وأقوال أصحابه في مسائل الفقه وتفقهت في معانيها فعلمت الصحيح منها الجاري على أصوله من السقيم الخارج إلا أنها لم تبلغ درجة التحقيق بمعرفة قياس الفروع على الأصول وهذه يصلح لها إذا استفتيت أن تفتي بما علمته من قول مالك وقول غيره من أصحابه إذا كانت قد بانت لها صحته كما يجوز لها في خاصتها الأخذ بقوله إذا بانت لها صحته ولا يجوز لها أن تفتي بالاجتهاد فيما لا تعلم فيه نصا من قول مالك أو قول غيره من أصحابه وإن كانت قد بانت لها صحته إذ ليست ممن كمل لها آلات الاجتهاد الذي يصح لها بها قياس من الفروع على الأصول والطائفة الثالثة منهم اعتقدت صحة مذهبه بما بان لها أيضا من صحة أصوله لكونها عالمة أحكام القرآن عارفة للناسخ والمنسوخ والمفصل والمجمل والخاص من العام عالمة بالسنن الواردة في

____________________

(2/193)

فرعا أو نازلة على أصول مذهبه ومنقولاته وإن كثرت منقولاته جدا فلا تفيد كثرة المنقولات مع الجهل بما تقدم كما أن إمامه لو كثرت محفوظاته لنصوص الشريعة من الكتاب والسنة وأقضية الصحابة رضي الله عنهم ولم يكن عالما بأصول الفقه حرم عليه القياس والتخريج على المنصوصات من قبل صاحب الشرع بل حرم عليه الاستنباط من

هامش أنوار البروق

قال وتقريبه بالمثال أن مالكا رحمه الله تعالى دل الدليل عنده على أن تعليق الطلاق قبل الملك يلزم إلى قوله جمعا بين نصي الخاص والعام

هامش إدرار الشروق

الأحكام مميزة بين صحيحها من معلولها عالمة بأقوال العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من فقهاء الأمصار وبما اتفقوا عليه واختلفوا فيه عالمة من علم اللسان بما يفهم به معاني الكلام عالمة بوضع الأدلة في مواضعيها وهذه هي التي يصح لها الفتوى عموما بالاجتهاد والقياس على الأصول التي هي الكتاب والسنة وإجماع الأمة بالمعنى الجامع بينها وبين النازلة وعلى ما قيس عليها إن قدم القياس عليها ومن القياس جلي وخفي لأن المعنى الذي يجمع بين الأصل والفرع قد يعلم قطعا بدليل قاطع لا يحتمل التأويل وقد يعلم بالاستدلال فلا يوجب إلا غلبة الظن ولا يرجع إلى القياس الخفي إلا بعد القياس الجلي وهذا كله يتفاوت العلماء في التحقيق بالمعرفة به تفاوتا بعيدا وتفترق أحوالهم أيضا في جودة الفهم لذلك وجودة الذهن فيه افتراقا بعيدا إذ ليس العلم الذي هو الفقه في الدين بكثرة الرواية والحفظ وإنما هو نور يضعه الله حيث يشاء فمن اعتقد في نفسه أنه ممن تصح له الفتوى بما آتاه الله عز وجل من ذلك النور المركب على المحفوظ المعلوم جاز له أن يفتي وإذا اعتقد الناس فيه ذلك جاز له أن يفتي فمن الحق للرجل أن لا يفتي حتى يرى نفسه أهلا لذلك على ما حكى مالك عن ابن هرمز أشار بذلك على من استشاره السلطان فاستشاره في ذلك ا ه

تنبيهات الأول الاستنباط لغة استخراج الماء من العين من قولهم نبط الماء إذا خرج من منبعه واصطلاحا استخراج المعاني من النصوص بفرط الذهن وقوة القريحة كما في تعريفات الجرجاني قال المحلي على جمع الجوامع أن يستنبط الحكم بأن الجمع المعرف بأل عام مما نقل أن هذا الجمع يصح الاستثناء منه حيث لا حصر فيه أي إخراج بعضه بإلا أو إحدى أخواتها بأن يضم إليه كبرى مأخوذة من قولهم معيارا لعموم الاستثناء وهي كل ما صح الاستثناء منه مما لا حصر فيه فهو عام لينتج مطلوب وهو أن هذا الجمع عام ا ه بتوضيح للمراد

وفي حاشيتي الشربيني والعطار على محلي جمع الجوامع الاستنباط استنتاج الأحكام من الأدلة قال الشافعي رضي الله عنه إذا رفعت إلى المجتهد واقعة فليعرضها على نصوص الكتاب فإن أعوزه فعلى الأخبار المتواترة ثم على الآحاد فإن أعوزه لم يخض في القياس بل يلتفت إلى ظواهر القرآن فإن وجد ظاهرا نظر في المخصصات من قياس أو خبر فإن لم يجد تخصيصا حكم به وإن لم يعثر على لفظ من كتاب ولا سنة نظر إلى المذاهب فإن وجدها مجمعا عليها اتبع الإجماع

فإن لم يجد إجماعا خاض في القياس ويلاحظ القواعد الكلية أولا ويقدمها على الجزئيات كما في القتل بالمثقل يقدم قاعدة الردع والزجر على مراعاة الآلة فإن عدم قاعدة كلية نظر في النصوص ومواقع الإجماع فإن وجدها في معنى واحد ألحق به وإلا انحدر إلى قياس مخيل فإن أعوزه تمسك بالشبه ولا يعود على طرد إن كان يؤمن بالله ويعرف مأخذ الشرع هذا تدريج النظر على ما قاله الشافعي رحمه الله تعالى ولقد أخر الإجماع

____________________

(2/194)

نصوص الشارع لأن الاستنباط فرع معرفة أصول الفقه فهذا الباب المجتهدون والمقلدون فيه سواء في امتناع التخريج بل يفتي كل مقلد وصل إلى هذه الحالة التي هي ضبط مطلقات إمامه بالتقييد وضبط عمومات مذهبه بمنقولات مذهبه خاصة من غير تخريج إذا فاته شرط التخريج كما أن إمامه لو فاته شرط أصول الفقه وحفظ النصوص واستوعبها

هامش أنوار البروق

قلت هو مثال صحيح غير أنه إن أراد أنه من الخاص والعام حقيقة فليس الأمر كذلك وإن أراد أنه يشبهه بوجه ما فذلك صحيح

هامش إدرار الشروق

عن الإخبار وذلك تأخير مرتبة لا تأخير عمل إذ الفعل به مقدم لكن الخبر يتقدم في المرتبة عليه فإنه مستند قبول الإجماع قاله الغزالي في المنخول ا ه

التنبيه الثاني القياس لغة عبارة عن رد الشيء إلى نظيره وعند أهل الأصول إبانة مثل حكم المذكور بمثل علته في الآخر أي إظهار مثل حكم المذكور في النص بمثل علته في آخر لم ينص عليه لا إثباته لأن القياس غير مثبت للحكم بل مظهر له واحترز بمثل الحكم ومثل العلة عن لزوم القول بانتقال الأوصاف واختيار لفظ المذكور ليشمل القياس بين المعدومين أيضا وأركانه

أربعة مقيس عليه ومقيس ومعنى مشترك بينهما وحكم المقيس عليه يتعدى بواسطة المشترك إلى المقيس وفي التعبير بالأصل والفرع عن الأولين وهو الأقرب أو عن غيرهما كحكم المقيس عليه أو الأصل دليل حكم المقيس عليه خلاف وينقسم إلى جلي وهو ما تسبق إليه الأفهام وإلى خفي وهو ما يكون بخلافه ويسمى في الأغلب بالاستحسان وإن كان الاستحسان أعم مطلقا منه لأنه قد يطلق على ما ثبت بالنص والإجماع والضرورة كما في تعريفات الجرجاني ومحلي جمع الجوامع ولكل واحد من أركانه الأربعة شروط تطلب من كتب الأصول قال الحطاب في شرح ورقات إمام الحرمين مع المتن

وينقسم القياس إلى ثلاثة أقسام قياس علة وقياس دلالة وقياس شبه فقياس العلة ما كانت العلة فيه موجبة للحكم بحيث لا يحسن عقلا تخلف الحكم عنها ولو تخلف عنها لم يلزم منه محال كما هو شأن العلل الشرعية كقياس تحريم ضرب الوالدين على التأفيف بجامع الإيذاء فإنه لا يحسن في العقل إباحة الضرب مع تحريم التأفيف بناء على القول بأن الدلالة فيه على الحكم قياسية والقول الثاني أن الدلالة فيه من دلالة اللفظ على الحكم وقياس الدلالة ما كانت العلة فيه دالة على الحكم غير موجبة له أي ما يكون الحكم فيه لعلة مستنبطة يجوز أن يترتب الحكم عليها في الفرع ويجوز أن يتخلف وهذا أضعف من الأول وهو غالب أنواع الأقيسة كقياس مال الصبي على مال البالغ في وجوب الزكاة فيه بجامع أنه مال نام ويجوز أن يقال لا يجب في مال الصبي كما قال أبو حنيفة وقياس الشبه ما كان الفرع فيه مترددا بين أصلين وهو أكثر شبها بأحدهما فيلحق به كالعبد المقتول فإنه متردد في الضمان بين الإنسان الحر من حيث إنه آدمي وبين البهيمة من حيث إنه مال وهو بالمال أكثر شبها من الحر بدليل أنه يباع ويورث ويوقف وتضمن أجزاؤه بما نقص من قيمته فيلحق به وتضمن قيمته وإن زادت على دية الحر وهذا أضعف مما قبله فلا يصار إليه مع إمكان ما قبله ا ه

بتصرف قلت والأول هو المراد بالجلي والثاني والثالث هو المراد بالخفي نعم قال الرازي كما في حاشية الجمل على الجلالين إن قوله تعالى في سورة العنكبوت ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم

____________________

(2/195)

يصير محدثا ناقلا فقط لا إماما مجتهدا كذلك هذا المقلد فتأمل ذلك فالناس مهملون له إهمالا شديدا ويقتحمون على الفتيا في دين الله تعالى والتخريج على قواعد الأئمة من غير شروط التخريج والإحاطة بها فصار يفتي من لم يحط بالتقييدات ولا بالتخصيصات من منقولات إمامه وذلك لعب في دين الله تعالى وفسوق ممن يتعمده أو ما علموا أن

هامش أنوار البروق

قال ومن فهم الفرق بين المفتي والحاكم وإن حكم الحاكم نص من الله تعالى خاص في تلك الصورة المعينة لم يسعه إلا ما قال مالك والجمهور ولكن لما كان الفرق بينهما خفيا جدا حتى أني لم

هامش إدرار الشروق

بها من أحد من العالمين دال على وجوب الحد في اللواطة لأنها اشتركت مع الزنا في كونها فاحشة وهذا وإن كان قياسا أي من أمثلة قياس الدلالة الظني إلا أن الجامع مستفاد من الآية ا ه

أي من النص وكل ما استفيد من النص فهو قطعي الدلالة لا ظنيها فتأمل بإمعان وقد اقتصرت في المقدمة تبعا لابن رشد الحفيد في بدايته على القول بأن دلالة نحو تحريم التأفيف في الآية على تحريم الضرب لفظية لا قياسية وهو الذي اعتمده ابن السبكي في جمع الجوامع فافهم

قال الأصل ولا يجوز القياس للمقلد ولا لإمامه إلا بعد الفحص المنتهي إلى غاية أنه لا فارق هناك ولا معارض ولا مانع يمنع من القياس ولا يتأتى الفحص المذكور من المقلد إلا بعد إحاطته بمدارك إمامه وأدلته وأقيسته وعلله التي اعتمد عليها مفصلة ومعرفته رتب تلك العلل ونسبتها إلى المصالح الشرعية وهل هي من باب المصالح الضرورية أو الحاجية أو التتمية وهل هي من باب المناسب الذي اعتبر نوعه في نوع الحكم أو جنسه في جنس الحكم وهل هي من باب المصلحة المرسلة التي هي أدنى رتب المصالح أو من قبيل ما شهدت لها أصول الشرع بالاعتبار أو هي من باب قياس الشبه أو المناسب أو قياس الدلالة أو قياس الإحالة أو المناسب القريب إلى غير ذلك من تفاصيل الأقيسة ورتب العلل في نظر الشرع عند المجتهدين الموضحة في كتب أصول الفقه وذلك لأن نسبة هذا المقلد إلى إمامه في القياس على أصول مذهبه كنسبة إمامه لصاحب الشرع في القياس على مقاصده فكما أن إمامه لا يجوز له أن يقيس مع قيام الفارق لأن الفارق مبطل للقياس والقياس الباطل لا يجوز الاعتماد عليه مثلا لو وجد إمامه صاحب الشرع قد نص على حكم ومصلحة من باب الضروريات حرم عليه أن يقيس عليه ما هو من باب الحاجات أو التتمات لكون هاتين ضعيفتين ومرجوحتين بالنسبة إلى الأولى ولا يلزم من اعتبار الأقوى اعتبار الأضعف كذلك هذا المقلد لا يجوز له أن يقيس فرعا على فرع نص إمامه عليه مع قيام الفارق بينهما مثلا إمامه أفتى في فرع بني على علة اعتبر فرعها في نوع الحكم لا يجوز له هو أن يقيس على أصل إمامه فرعا مثل ذلك الفرع لكن علته من قبيل ما شهد جنسه لجنس الحكم لقوة النوع ولا يلزم من اعتبار الأقوى اعتبار الأضعف أو وجد إمامه اعتمد على مصلحة من باب الضروريات لا يجوز له هو أن يقيس عليها مثلها لكنها من باب الحاجات أو التتمات إذ لعل إمامه راعى خصوص تلك القوة وذلك لخصوص منتف هنا أو وجد إمامه اعتبر مصلحة سالمة عن المعارض لقاعدة أخرى حرم عليه أن يفتي فيما فيه عن تلك المصلحة لكنها معارضة لقاعدة أخرى أو بقواعد لقيام الفارق

التنبيه الثالث التخريج في اصطلاح العلماء تعرف أحكام جزئيات موضوع القاعدة من القاعدة المشتملة على تلك الأحكام بالقوة القريبة من الفعل بإبرازها من القوة إلى الفعل بأن تجعل القاعدة نحو

____________________

(2/196)

المفتي مخبر عن الله تعالى وأن من كذب على الله تعالى أو أخبر عنه مع ضبط ذلك الخبر فهو عند الله تعالى بمنزلة الكاذب على الله فليتق الله تعالى امرؤ في نفسه ولا يقدم على قول أو فعل بغير شرطه

تنبيه كل شيء أفتى فيه المجتهد فخرجت فتياه فيه على خلاف الإجماع أو القواعد

هامش أنوار البروق

أجد أحدا يحققه خالف في ذلك من خالف ولم يوجب تنفيذ أقضية الحكام في مواقع الخلاف إلى آخر كلامه في الفرق

هامش إدرار الشروق

الأمر للوجوب حقيقة كبرى قياس من الشكل الأول لصغرى سهلة الحصول لأن محمولها موضوع الكبرى وموضوعها هو الجزئي الذي قصد تعرف حكمه فيقال أقيموا الصلاة أمر والأمر للوجوب حقيقة تنتج أقيموا الصلاة للوجوب حقيقة فلذا عرفوا القاعدة بقضية كلية يتعرف منها أحكام جزئيات موضوعها وفي صيغة التفعل إشارة إلى أن تلك المعرفة بالكلفة والمشقة فخرج من التعريف القضية التي تكون فروعها بديهية غير محتاجة إلى التخريج فيكون ذكرها في الفن من قبيل المبادي لمسائل أخر ويقال للإبراز المذكور تفريع كما في العطار والشربيني على محلي جمع الجوامع وأطلق الأصل التخريج على معنى القياس فلذا قال لا يجوز إلا لمن ضبط مدارك إمامه ومستنداته بخلافه بالمعنى الأول فإنه يجوز لمن يتسع اطلاعه بحيث يعلم بتقييد المطلقات وتخصيص العمومات ولو لم يضبط مدارك إمامه ومستنداته

قال الشيخ محمد عليش في فتاويه فتح العلي المالك في جواب بعض معاصريه لما سئل عن رجلين اشتركا في بهيمة اشترياها والتزم أحدهما للآخر نفقتها ثم بعد انفصال الشركة أراد الملتزم محاسبة شريكه بما أنفقه على حصته في البهيمة المذكورة فهل لا يجاب لذلك بقوله حيث التزم أحد الشريكين الإنفاق فلا رجوع له على شريكه لأن ذلك معروف لازم لمن أوجبه على نفسه عند مالك وأصحابه ما لم يفلس أو يمت كما نص عليه ابن رشد فيما نقله عنه العلامة الحطاب ونص مسألة من التزم الإنفاق على شخص مدة معينة أو مدة حياة المنفق أو المنفق عليه أو حتى يقدم زيد أو إلى أجل مجهول لزمه ذلك ما لم يفلس أو يمت لأنه تقدم في كلام ابن رشد أن المعروف على مذهب مالك وأصحابه لازم لمن أوجبه على نفسه ما لم يفلس أو يمت ا ه

فالمنفق على البهيمة في تلك النازلة لا محاسبة له للمنفق له وهذا هو الحق واتباعه أسلم ما نصه الجواب المذكور صحيح في غاية الحسن والنص الذي فيه هو كذلك في التزامات الحطاب وليس فيه قياس على من التزم الإنفاق على رجل إلخ وإنما فيه تخريج حكم الجزئي من القاعدة التي تشمله وغيره فالمنفي به يستحق أن يشكر عليه ويدعى له بخير والاعتراض عليه من التغيير في الوجوه الحسان سببه فساد التصور والحسد وكم من عائب قولا صحيحا وآفته من الفهم السقيم كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسدا وبغضا إنه لدميم ا ه

قلت ومنه تخرجي في رسالتي شمس الإشراق في حكم التعامل بالأوراق حكم الأنواط مما في المدونة قال لي مالك في الفلوس لا خير فيها نظرة بالذهب ولا بالورق ولو أن الناس أجازوا بينهم الجلود حتى تكون لها سكة وعين لكراهتها أن تباع بالذهب والورق نظرة وقال مالك لا يجوز فلس بفلسين ا ه كما وضحته في تلك الرسالة وأنه ليس هو من قبيل قياسه على الفلوس النحاس فراجعها إن شئت

التنبيه الرابع قال الإمام أبو إسحاق في موافقاته ما حاصله إن الاجتهاد على ثلاثة أضرب الأول ما يسمى تنقيح المناط وذلك أن يكون الوصف المعتبر في الحكم مذكورا مع غيره

____________________

(2/197)

أو النص أو القياس الجلي السالم عن المعارض الراجح لا يجوز لمقلده أن ينقله للناس ولا يفتي به في دين الله تعالى فإن هذا الحكم لو حكم به حاكم لنقضناه وما لا نقره شرعا بعد تقرره بحكم الحاكم أولى أن لا نقره شرعا إذا لم يتأكد وهذا لم يتأكد فلا نقره شرعا والفتيا بغير شرع حرام فالفتيا بهذا الحكم حرام وإن كان الإمام المجتهد غير عاص

هامش أنوار البروق

قلت قد سبق أنه إن أراد أنه خاص وعام تعارضا حقيقة فليس كذلك وإن أراد أنه يشبه العام والخاص من وجه ما فهو كذلك قلت وما قاله من أن الفرق بين المفتي والحاكم خفي جدا ليس كما

هامش إدرار الشروق

في النص فينقح بالاجتهاد حتى يميز ما هو معتبر مما هو ملغى كما جاء في حديث الأعرابي الذي جاء ينتف شعره ويضرب صدره وقد قسمه الغزالي إلى أقسام ذكرها في شفاء العليل وهو مبسوط في كتب الأصول قالوا وهو خارج عن باب القياس ولذلك قال به أبو حنيفة مع إنكاره القياس في الكفارات وإنما هو راجع إلى نوع من تأويل الظواهر

الضرب الثاني ما يسمى بتخريج المناط وهو راجع إلى أن النص الدال على الحكم لم يتعرض للمناط فكأنه أخرجه بالبحث وهو الاجتهاد القياسي وهو معلوم

الضرب الثالث ما يسمى بتحقق المناط وهو نوعان عام وخاص فتحقيق المناط العام نظر في تعيين المناط من حيث هو لمكلف ما مثلا إذا نظر المجتهد في العدالة ووجد هذا الشخص متصفا بها على حسب ما ظهر له أوقع عليه ما يقتضيه النص من التكاليف المشروطة بالعدول من الشهادات والانتصاب للولايات العامة أو الخاصة وإذا نظر في الأوامر والنواهي الندبية والأمور الإباحية ووجد المكلفين والمخاطبين على الجملة أوقع عليهم أحكام تلك النصوص كما يوقع عليهم نصوص الواجبات والمحرمات من غير التفات إلى شيء غير القبول المشروط بالتهيئة الظاهرة فالمكلفون كلهم في أحكام تلك النصوص على سواء في النظر وتحقيق المناط الخاص نظر في تعيين المناط في حق كل مكلف بالنسبة إلى ما وقع عليه من الدلائل التكليفية بحيث يتعرف منه مداخل الشيطان ومداخل الهوى والحظوظ العاجلة حتى يلقيها هذا المجتهد على ذلك المكلف مقيدة بقيود التحرر من تلك المداخل وهذا بالنسبة إلى التكليف المتحتم وغيره ويختص غير المتحتم بوجه آخر وهو النظر فيما يصلح بكل مكلف في نفسه بحسب وقت دون وقت وحال دون حال وشخص دون شخص إذ النفوس ليست في قبول الأعمال الخاصة على وزان واحد كما أنها في العلوم والصنائع كذلك فرب عمل صالح يدخل بسببه على رجل ضرر أو فترة ولا يكون كذلك بالنسبة إلى آخر ورب عمل يكون حظ النفس والشيطان فيه بالنسبة إلى العامل أقوى منه في عمل آخر ويكون بريئا في بعض الأعمال دون بعض فصاحب هذا التحقيق الخاص هو الذي رزق نورا يعرف به النصوص ومراميها وتفاوت إدراكها وقوة تحملها للتكليف وصبرها على حمل أعبائها أو ضعفها ويصرف التفاتها إلى الحظوظ العاجلة وعدم التفاتها فهذا النوع أعلى وأدق من النوع الأول ومنشؤه في الحقيقة عن نتيجة التقوى المذكورة في قوله تعالى إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا وقد يعبر عنه بالحكمة قال تعالى يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا قال مالك من شأن ابن آدم أن لا يعلم ثم يعلم أما سمعت قول الله تعالى إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا

وقال أيضا إن الحكمة مسحة ملك على قلب العبد وقال الحكمة نور يقذفه الله في قلب العبد وقال أيضا

____________________

(2/198)

به بل مثابا عليه لأنه بذل جهده على حسب ما أمر به وقد قال النبي عليه السلام إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران فعلى هذا يجب على أهل العصر تفقد مذاهبهم فكل ما وجدوه من هذا النوع يحرم عليهم الفتيا به ولا يعرى مذهب من المذاهب عنه لكنه قد يقل وقد يكثر غير أنه لا يقدر أن يعلم هذا في مذهبه إلا من عرف

هامش أنوار البروق

قال وكذلك ما قاله من أن حكم الحاكم نص من الله تعالى في القضية المعينة فليس كما قال بل منع الله تعالى من نقض أحكام المجتهدين لما في ذلك من المفسدة والله تعالى أعلم وما قاله في الفرق

هامش إدرار الشروق

يقع بقلبي أن الحكمة الفقه في دين الله وأمر يدخله الله القلوب من رحمته وفضله وهذا النوع من تحقيق المناط هو الاجتهاد الذي لا يمكن أن ينقطع حتى ينقطع أصل التكليف وذلك عند قيام الساعة بخلاف النوع الأول من تحقيق المناط وبخلاف تخريج المناط وتنقيح المناط فإنها من أفراد الاجتهاد الذي يمكن أن ينقطع قبل فناء الدنيا وذلك لأن هذا النوع الخاص من تحقيق المناط كلي في كل زمان عام في جميع الوقائع أو أكثرها فلو فرض ارتفاعه لارتفع معظم التكليف الشرعي أو جميعه وذلك غير صحيح لأنه إن فرض في زمان ارتفعت الشريعة ضربة لازب بخلاف غيره فإن الوقائع المتجددة التي لا عهد بها في الزمان المتقدم قليلة بالنسبة إلى ما تقدم لاتساع النظر والاجتهاد من المتقدمين فيمكن تقليدهم فيه لأنه معظم الشريعة فلا تتعطل الشريعة بتعطل بعض الجزئيات كما لو فرض العجز عن تحقيق المناط في بعض الجزئيات دون السائر فإنه لا ضرر على الشريعة في ذلك فوضح أنهما ليسا سواء انظر الموافقات إن شئت التنبيه الخامس الفتوى من المفتي كما تحصل من جهة القول كما مر بيانه وهو الأمر المشهور كذلك تحصل من جهة الفعل والإقرار كما في موافقات أبي إسحاق الشاطبي قال أما بالفعل فمن وجهين أحدهما ما يقصد به الإفهام في معهود الاستعمال فهو قائم مقام القول المصرح به كقوله عليه السلام الشهر هكذا وهكذا وهكذا وأشار بيديه وسئل عليه السلام في حجته فقال ذبحت قبل أن أرمي فأومأ بيده قال لا حرج

وقال يقبض العلم ويظهر الجهل والفتن ويكثر الهرج قيل يا رسول الله وما الهرج فقال هكذا بيده فحرفها كأنه يريد القتل وحديث عائشة في صلاة الكسوف حين أشارت إلى السماء قلت آية فأشارت برأسها أي نعم وحين سئل عليه السلام عن أوقات الصلوات قال للسائل صل معنا هذين اليومين ثم صلى ثم قال له الوقت ما بين هذين أو كما قال وهو كثير جدا والثاني ما يقتضيه كونه أسوة يقتدى به ومبعوثا لذلك قصدا وأصله قول الله تعالى فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج الآية وقال قبل ذلك لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة الآية

وقال في إبراهيم قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم إلى آخر القصة والتأسي إيقاع الفعل على الوجه الذي فعله وشرع من قبلنا شرع لنا وقال عليه السلام لأم سلمة ألا أخبرته أني أقبل وأنا صائم وقال صلوا كما رأيتموني أصلي وخذوا عني مناسككم وحديث ابن عمر وغيره في الاقتداء بأفعاله أشهر من أن يخفى ولذلك جعل الأصوليون أفعاله في بيان الأحكام كأقواله وإذا كان كذلك وثبت للمفتي أنه قائم مقام النبي ونائب منابه لزم من ذلك أن أفعاله محل للاقتداء أيضا فما قصد به البيان والإعلام فظاهر وما لم يقصد به ذلك فالحكم فيه كذلك أيضا من وجهين أحدهما أنه وارث

____________________

(2/199)

القواعد والقياس الجلي والنص الصريح وعدم المعارض لذلك وذلك يعتمد تحصيل أصول الفقه والتبحر في الفقه فإن القواعد ليست مستوعبة في أصول الفقه بل للشريعة قواعد كثيرة جدا عند أئمة الفتوى والفقهاء لا توجد في كتب أصول الفقه أصلا وذلك هو الباعث لي على وضع هذا الكتاب لأضبط تلك القواعد بحسب طاقتي ولاعتبار هذا الشرط يحرم على أكثر الناس الفتوى فتأمل ذلك فهو أمر لازم وكذلك كان السلف رضي الله عنهم متوقفين في الفتيا توقفا شديدا وقال مالك لا ينبغي للعالم أن يفتي حتى يراه الناس أهلا لذلك ويرى هو نفسه أهلا لذلك يريد تثبت أهليته عند العلماء

ويكون هو بيقين مطلعا على ما قاله العلماء في حقه من الأهلية لأنه قد يظهر من الإنسان أمر على ضد ما هو عليه فإذا كان مطلعا على ما وصفه به الناس حصل اليقين في ذلك وما أفتى مالك حتى أجازه أربعون محنكا لأن التحنك وهو اللثام بالعمائم تحت الحنك شعار العلماء حتى إن مالكا سئل عن الصلاة بغير تحنك فقال لا بأس بذلك وهو إشارة إلى تأكد التحنيك وهذا هو شأن الفتيا في الزمن القديم وأما اليوم فقد انخرق هذا السياج وسهل على الناس أمر دينهم فتحدثوا فيه بما يصلح وبما لا يصلح وعسر عليهم اعترافهم بجهلهم وأن يقول أحدهم لا يدري فلا جرم آل الحال للناس إلى هذه الغاية بالاقتداء بالجهال

الحالة الثالثة أن يصير طالب العلم إلى ما ذكرناه من الشروط مع الديانة الوازعة

هامش أنوار البروق

الثامن والسبعين صحيح وكذلك ما قال في الفرق التاسع والسبعين إلا ما ذكره في آخره مما أحال فيه على الفرق بين تحريم المشترك وثبوت الحكم في المشترك فإنه قد تقدم ما فيه وكذلك ما بعده من

هامش إدرار الشروق

وقد كان المورث بقوله وفعله مطلقا فكذلك الوارث وإلا لم يكن وارثا على الحقيقة والثاني أن التأسي بالأفعال بالنسبة إلى من يعظم في الناس سر مبثوث في طباع البشر لا يقدرون على الانفكاك عنه بوجه ولا بحال لا سيما عند الاعتياد والتكرار وإذا صادف محبة وميلا إلى المتأسي به وإمكان الخطأ والنسيان والكذب عمدا وسهوا من حيث إنه ليس بمعصوم لما لم تعتبر في الأقوال كان إمكان الخطأ والنسيان والمعصية والكفر من حيث ذلك غير معتبر في الأفعال ولأجل هذا تستعظم شرعا زلة العالم فلا بد لمن ينتصب للفتوى بفعله وقوله من المحافظة على أفعاله حتى تجري على قانون الشرع ليتخذ فيها أسوة

وأما الإقرار فراجع إلى الفعل لأن الكف فعل وكف المفتي عن الإنكار إذا رأى فعلا من الأفعال كتصريحه بجوازه وقد أثبت الأصوليون ذلك دليلا شرعيا بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكذلك يكون بالنسبة إلى المنتصب للفتوى وما تقدم من الأدلة في الفتوى الفعلية جاز هنا بلا إشكال ومن هنا ثابر السلف على القيام بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولم يبالوا في ذلك بما ينشأ عنه من عود المضرات عليهم بالقتل فما دونه ومن أخذ بالرخصة في ترك الإنكار فر بدينه واستخفى بنفسه ما لم يكن ذلك سببا للإخلال بما هو أعظم من ترك الإنكار فإن ارتكاب خير الشرين أولى من ارتكاب شرهما وهو راجع في الحقيقة إلى

____________________

(2/200)

والعدالة المتمكنة فهذا يجوز له أن يفتي في مذهبه نقلا وتخريجا ويعتمد على ما يقوله في جميع ذلك

الفرق التاسع والسبعون الفرق بين قاعدة النقل وقاعدة الإسقاط اعلم أن الحقوق والأملاك ينقسم التصرف فيها إلى نقل وإسقاط فالنقل ينقسم إلى ما هو بعوض في الأعيان كالبيع والقرض وإلى ما هو في المنافع كالإجارة والمساقاة

هامش أنوار البروق

الفروق إلى الفرق الثالث والثمانين إلا ما قال في الفرق الثاني والثمانين من نسبة قول النبي صلى الله عليه وسلم أصليت بأصحابك وأنت جنب لحسان فإنه إنما كان لعمار المسألة الثالثة المشهور في العتق أنه إذا أعتق أحد عبيده يختار وقيل يعم العتق الجميع وفي الطلاق إذا طلق أحد نسائه يعم الطلاق النسوة وقيل يختار وقد مر آخر الفرق الخامس والعشرين بين قاعدة ثبوت الحكم في المشترك وقاعدة النهي عن المشترك أنه لا فرق بين الطلاق والعتق في أن كلا رافع وحال لما يبيح الزوجة والمملوكة فيستلزم التحريم إلا أن الوجه في نظر مالك في الطلاق للاحتياط للفروج وإن لزمه فخالفه الإجماع في ثبوت الحكم بغير مقتض وفي العتق لما اقتضاه الإجماع من عدم ثبوت الحكم بغير مقتضى وإن لزمه مخالفة الاحتياط للفروج هو أن استلزام الطلاق للتحريم لخصوص الوطء مطرد إذ لا يكون غير مستلزم له بخلاف العتق فافهم والله سبحانه وتعالى أعلم

هامش إدرار الشروق

إهمال القاعدة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمراتب الثلاث في هذا الوجه مذكورة شواهدها في مواضعها من الكتب المصنفة فيه وبالجملة فمن حقيقة نيل كل منتصب للفتيا بقوله وفعله وإقراره لرتبة الوراثة للأنبياء عليهم الصلاة والسلام ظهور فعله على مصداق قوله هذا بالنسبة لصحة الانتصاب والانتفاع في الوقوع وإلا فالواجب على العالم المجتهد الانتصاب والفتوى على الإطلاق طابق قوله فعله أم لا فإن كان موافقا قوله لفعله حصل الانتفاع والاقتداء به في القول والفعل معا أو كان مظنة للحصول لأن الفعل يصدق القول أو يكذبه

وإن خالف فعله قوله فإما أن تؤديه المخالفة إلى الانحطاط عن رتبة العدالة إلى الفسق أو لا فإن كان الأول فلا إشكال في عدم صحة الاقتداء وعدم صحة الانتصاب شرعا وعادة ومن اقتدى به كان مخالفا مثله فلا فتوى في الحقيقة ولا حكم وإن كان الثاني صح الاقتداء به واستفتاؤه وفتواه فيما وافق دون ما خالف فإذا أفتى بترك الزنا والخمر وبالمحافظة على الواجبات وهو في فعله على حسب قوله حصل تصديق قوله بفعله وإذا أفتاك بالزهد في الدنيا أو ترك مخالطة المترفين أو نحو ذلك مما لا يقدح في أصل العدالة ثم رأيته يحرض على الدنيا ويخالط من نهاك عن مخالطتهم فلم يصدق القول الفعل فهذا وإن نصبه الشارع أيضا ليؤخذ بقوله وفعله لأنه وارث النبي إلا أنه لا يصح الاقتداء ولا الفتوى على كمالها في الصحة إلا مع مطابقة القول الفعل على الإطلاق وقد قال أبو الأسود الدؤلي ابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم فهناك يسمع ما تقول ويقتدى بالرأي منك وينفع التعليم لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم وهو معنى موافق للنقل والعقل لا خلاف فيه بين العلماء ا ه كلام الشاطبي ملخصا والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق التاسع والسبعون بين قاعدة النقل وقاعدة الإسقاط التصرف في الحقوق والأملاك ينقسم إلى قسمين الأول النقل وهو تصرف يفتقر إلى القبول وينقسم إلى ما هو بعوض في الأعيان كالبيع والقرض وإلى ما هو بعوض في المنافع كالإجارة والمساقاة والمزارعة والقراض والجعالة وإلى ما هو بغير عوض كالهدايا والوصايا والعمرى والوقف والهبات والصدقات والكفارات والزكاة والمسروق من

____________________

(2/201)

والمزارعة والقراض والجعالة وإلى ما هو بغير عوض كالهدايا والوصايا والعمرى والوقف والهبات والصدقات والكفارات والزكاة والمسروق من أموال الكفار والغنيمة في الجهاد فإن ذلك كله نقل ملك في أعيان بغير عوض

وأما الإسقاط فهو إما بعوض كالخلع والعفو على مال والكتابة وبيع العبد من نفسه والصلح على الدين والتعزير فجميع هذه الصور يسقط فيها الثابت ولا ينتقل إلى الباذل ما كان يملكه المبذول له من العصمة وبيع العبد ونحوهما وإما بغير عوض كالإبراء من الديون والقصاص والتعزير وحد القذف والطلاق والعتاق وإيقاف المساجد وغيرها فجميع هذه الصور يسقط فيها الثابت ولا ينتقل لغير الأول ويخرج على هذا الفرق ثلاث مسائل المسألة الأولى الإبراء من الدين هل يفتقر إلى القبول فلا يبرأ من الديون حتى يقبل أو يبرأ من الديون إذا أبرأه وإن لم يقبل خلاف بين العلماء فظاهر المذهب اشتراط القبول ومنشأ الخلاف هل الإبراء إسقاط والإسقاط لا يحتاج إلى القبول كالطلاق والعتاق فإنهما لا يفتقران إلى قبول المرأة والعبد ولذلك ينفذ الطلاق والعتق وإن كرهت المرأة والعبد أو هو تمليك لما في ذمة المدين فيفتقر إلى القبول كما لو ملكه عينا بالهبة أو غيرها لا بد من رضاه وقبوله وكذلك ها هنا يتأكد ذلك بأن المنة قد تعظم في الإبراء وذوو المروآت والأنفات يضر ذلك بهم لا سيما من السفلة فجعل صاحب الشرع لهم قبول ذلك أو رده نفيا للضرر الحاصل من المنن من غير أهلها أو من غير حاجة

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

أموال الكفار والغنيمة في الجهاد فإن ذلك كله نقل ملك في أعيان بغير عوض والقسم الثاني الإسقاط وهو تصرف لا يفتقر إلى القبول وهو إما بعوض كالخلع والعفو على مال والكتابة وبيع العبد من نفسه والصلح على الدين وعلى التعزير فجميع هذه الصور يسقط فيها الثابت ولا ينتقل إلى الباذل ما كان يملكه المبذول من العصمة وبيع العبد ونحوهما وإما بغير عوض كالإبراء من الديون والقصاص والتعزير وحد القذف والطلاق والعتاق وإيقاف المساجد وغيرها فجميع هذه الصور يسقط فيها الثابت ولا ينتقل لغير الأول ويخرج على هذا الفرق ثلاث مسائل المسألة الأولى في افتقار الإبراء من الدين إلى القبول فلا يبرأ من الدين إذا أبرأه منه حتى يقبل وهو ظاهر المذهب وعدم افتقاره إلى القبول فيبرأ من الدين إذا أبرأه منه وإن لم يقبل خلاف بين العلماء منشؤه هل الإبراء إسقاط فلا يفتقر إلى القبول كالطلاق والعتاق فإنهما لا يفتقران إلى قبول المرأة والعبد ولذلك ينفذ الطلاق والعتق وإن كرهت المرأة والعبد أو هو نقل وتمليك لما في ذمة المدين فيفتقر إلى القبول كما لو ملكه عينا بالهبة أو غيرها على أن المنة في الإبراء قد تعظم وهي تضر بذوي المروآت والأنفات لا سيما من السفلة فجعل صاحب الشرع لهم قبول ذلك أو رده نفيا للضرر الحاصل من المنن من غير أهلها أو من غير حاجة

المسألة الثانية في افتقار الوقف على معين إلى القبول أو لا خلاف في المذهب وبين العلماء منشؤه هل الواقف أسقط حقه من منافع العين الموقوفة فيكون كالعتق أو أنه نقل ملكه لمنافع العين الموقوفة

____________________

(2/202)

المسألة الثانية الوقف هل يفتقر إلى القبول أو لا خلاف في المذهب وبين العلماء ومنشأ الخلاف هل الواقف أسقط حقه من المنافع في الموقوف فيكون ذلك كالعتق أو هو تمليك لمنافع العين الموقوفة للموقوف عليه فيفتقر إلى القبول كالبيع والهبة وهذا إذا كان الموقوف عليه معينا أما غير المعين فلا يشترط قبوله لتعذره هذا في منافع الموقوف أما أصل ملكه فهل يسقط أو هو باق على ملك الواقف وهو ظاهر المذهب لأن مالكا رحمه الله أوجب الزكاة في الحائط الموقوف على غير المعين نحو الفقراء والمساكين إذا كان خمسة أوسق بناء على أنه ملك الواقف فيزكي على ملكه

وأما الحائط على المعينين فيشترط في حصة كل واحد منهم خمسة أوسق واتفق العلماء في المساجد أنها من باب الإسقاط والعتق لا ملك لأحد فيها وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ولأنها تقام فيها الجماعات والجمعة والجمعة لا تقام في المملوكات لا سيما على أصل مالك فإنها لا يصليها أرباب الحوانيت في حوانيتهم لأجل الملك والحجر فلا يجري في المساجد القولان

المسألة الثالثة إذا أعتق أحد عبيده يختار على المشهور وقيل يعم العتق الجميع وإذا طلق أحد نساؤه يعم الطلاق النسوة على المشهور وقيل يختار والفرق على المشهور أن الطلاق إسقاط للعصمة والإباحة والعتق قربة لا إسقاط وإن لزمها الإسقاط وتمام هذا الفرق قد تقدم في الفرق بين تحريم المشترك وثبوت الحكم في المشترك فليطالع من هناك ولا حاجة للإعادة وإنما ذكرت الفرعين ها هنا لأجل تعلقهما بالنقل والإسقاط فقط

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

وملكها للموقوف عليه المعين فيفتقر إلى القبول كالبيع والهبة أما غير المعين فلا يشترط قبوله لتعذره

وأما أصل ملك الواقف فاتفق العلماء في المساجد أنها من باب الإسقاط والعتق لا ملك لأحد فيها وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ولأنها تقام فيها الجماعات والجمعة والجمعة لا تقام في المملوكات لا سيما على أصل مالك فإنها لا يصليها أرباب الحوانيت في حوانيتهم لأجل الملك والحجر واختلفوا في غير المساجد فقيل يسقط أصل ملكه فيها وظاهر المذهب أنها باقية على ملك الواقف لأن مالكا رحمه الله تعالى أوجب الزكاة في الحائط الموقوف على غير المعين كالفقراء والمساكين إذا كان خمسة أوسق بناء على أنه ملك الواقف فيزكي على ملكه وأما الحائط على المعينين فيشترط في حصة كل واحد منهم خمسة أوسق المسألة الثالثة المشهور في العتق أنه إذا أعتق أحد عبيده يختار وقيل يعم العتق الجميع وفي الطلاق إذا طلق أحد نسائه يعم الطلاق النسوة وقيل يختار وقد مر آخر الفرق الخامس والعشرين بين قاعدة ثبوت الحكم في المشترك وقاعدة النهي عن المشترك أنه لا فرق بين الطلاق والعتق في أن كلا رافع وحال لما يبيح الزوجة والمملوكة فيستلزم التحريم إلا أن الوجه في نظر مالك في الطلاق للاحتياط للفروج وإن لزمه فخالفه الإجماع في ثبوت الحكم بغير مقتض وفي العتق لما اقتضاه الإجماع من عدم ثبوت الحكم بغير مقتضى وإن لزمه مخالفة الاحتياط للفروج هو أن استلزام الطلاق للتحريم لخصوص الوطء مطرد إذ لا يكون غير مستلزم له بخلاف العتق فافهم والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(2/203)

الفرق الثمانون الفرق بين قاعدة الإزالة في النجاسة وبين قاعدة الإحالة فيها اعلم أن إزالة النجاسة في الشريعة تقع على ثلاث أقسام إزالة وإحالة وهما معا ولكل قاعدة من هذه القواعد خاصية تمتاز بها أما الإزالة فبالماء في الثوب والجسد والمكان

وأما الإحالة ففي الخمر تصير خلا وأما هما معا ففي الدباغ فإنه إزالة للفضلات المتنجسة التي توجب العصر فيخرج ما في الجلود من ذلك وأما الإحالة فلأن صفة الجلود تتغير عن هيئتها إلى هيئة أخرى أما الخواص فخاصية الإزالة الماء الطهور والنية على الخلاف ووصول الغسل حدا ينفصل الماء غير متغير وأن السبب الاستقذار وخاصية الإحالة عدم النية والماء والاستقذار فلا تحتاج للماء بل قد توجد مع عدمه وقد يلقي في الخمر ماء فيكون ذلك سببا لإحالتها للخلية غير أن الماء غير محتاج إليه في الإحالة ويحتاج إليه في الإزالة وأما النية فمانعة من تطهيرها على الخلاف في القصد إلى تخليل الخمر والمذهب أن القصد مانع وليس شرطا إجماعا وهو شرط في الإزالة على الخلاف وحيث قال الفقهاء في كتبهم النية شرط في إزالة النجاسة إنما يريدون أحد أقسامها وهي الإزالة ومن خواصها عدم الاستقذار بل سبب تنجيسها طلب إبعادها فهذه ثلاث خواص للإحالة تمتاز بها عن الإزالة

وأما الصورة التي يجتمعان فيها وهو الدباغ فمن خواصه عدم اشتراط الماء وعدم اشتراط النية إجماعا وليس القصد مانعا إجماعا

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

الفرق الثمانون بين قاعدة الإزالة للنجاسة وبين قاعدة الإحالة فيها تقع إزالة النجاسة في الشريعة على ثلاثة أقسام إزالة فقط وإحالة فقط وإزالة وإحالة معا فالإزالة فقط بالماء في الثوب والجسد والمكان وخاصيتها التي تمتاز بها أربع أحدها اشتراط الماء الطهور وثانيها اشتراط النية على الخلاف وثالثها وصول الغسل إلى حد أن ينفصل الماء غير متغير ورابعها أن السبب الاستقذار والإحالة فقط في الخمر تصير خلا وخاصيتها التي تمتاز بها ثلاث أحدها عدم اشتراط النية إجماعا وفي كون القصد إلى تخليل الخمر مانعا من تطهيرها وهو المذهب أو غير مانع من تطهيرها خلاف فقول الفقهاء في كتبهم النية شرط في إزالة النجاسة إنما يريدون أحد أقسامها وهي الإزالة فقط وثانيها أن الماء غير محتاج إليه فيها بل قد توجد مع عدمه وقد يلقي في الخمر ماء فيكون ذلك سببا لإحالتها بخلاف الإزالة وثالثها عدم الاستقذار بل سبب تنجيسها طلب إبعادها والإزالة والإحالة معا في الدباغ فإنه إزالة للفضلات المتنجسة التي توجب العصر فيخرج ما في الجلود من ذلك وإحالة لصفة الجلود بتغير هيئتها إلى هيئة أخرى وخاصيتها التي تمتاز بها ثلاث أيضا أحدها عدم اشتراط الماء وثانيها عدم اشتراط النية إجماعا وليس القصد إلى الدبغ مانعا من تطهير الجلد إجماعا بخلاف الإحالة فقط وثالثها أن الاستقذار والاستحباب سبب التنجيس وصل قد وقع في هذه القواعد الثلاث والفرق بينها قاعدة تعرف عند الأصوليين بجمع الفروق

____________________

(2/204)

بخلاف الإحالة المنفردة والاستقذار والاستخباث سبب التنجيس لأجل ما فيها من النجاسة فخواصها أيضا ثلاثة فهذه خواص هذه القواعد وبها يحصل الفرق بينها وقد وقع في هذه القواعد والفرق بينها قاعدة تعرف بجمع الفرق وهو أن المعنى الواحد يوجب الضدين المتنافيين وهذا النوع قليل في الشريعة وفيها مثل أحدها هذه المسألة فإن القصد مناسب للتطهير فاشترطه من اشترط المناسب في الإزالة وجعله مانعا في الإحالة سدا للذريعة فإنه إذا جوزنا القصد للتخليل جوزنا إبقاءها في الملك ففي ذلك الزمان ربما انبعثت الدواعي لشربها فمنع من القصد لتخليلها سدا للذريعة فصار القصد يقتضي ها هنا المنع وفي الإزالة الإباحة في الصلاة بذلك الثوب المزال عنه النجاسة وقد رتب على المعنى الواحد الضدان وهما المنع والإباحة فناسب الضدين وهذا هو المسمى عند الأصوليين بجمع الفرق أي جمع المتفرقات من الأضداد

المثال الثاني لجمع الفرق قال العلماء ترد تصرفات السفيه في حالة الحياة صونا لماله على مصالحه لئلا يضيع ماله بتصرفات ردية فصون ماله على مصالحه هو سبب رد تصرفاته وتنفذ تصرفاته في الوصايا عند الموت صونا لماله على مصالحه فإنا لو رددنا وصاياه لأخذ ماله وارثه ولم يحصل له من ماله مصلحة فصون ماله على مصالحه اقتضى رد تصرفاته حال الحياة وتنفيذ

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

أي جمع من الأضداد في معنى واحد وهو قليل في الشريعة وله مثل أحدها ما هنا فإن القصد مناسب للتطهير فاشترطه من اشترط المناسب في الإزالة وجعله مانعا في الإحالة سدا للذريعة فإنا إذا جوزنا القصد للتخليل فقد جوزنا إبقاءها في الملك زمانا وفي ذلك الزمان ربما انبعثت الدواعي لشربها فقد رتب على المعنى الواحد كون القصد إليه يقتضي في الإحالة المنع وفي الإزالة الإباحة في الصلاة بذلك الثوب المزال عنه النجاسة والمعنى الواحد هو التطهير والضدان هما المنع والإباحة المثال الثاني قال العلماء ترد تصرفات السفيه في حالة الحياة صونا لماله على مصالحه لئلا يضيع ماله بتصرفات رديئة وتنفذ تصرفاته في الوصايا عند الموت صونا لماله على مصالحه فإنا لو رددنا وصاياه لأخذ ماله وارثه ولم يحصل له من ماله مصلحة فصون ماله على مصالحه وصف واحد ناسب الضدين المتنافيين اللذين هما رد تصرفاته حال الحياة وتنفيذ تصرفاته عند الممات وترتبا عليه في الشريعة

المثال الثالث الجهالة مانعة من صحة عقد البيع والإجارة ونحوهما وهي شرط في صحة عقد الجعالة والعارية والقراض فمصلحة هذه العقود اقتضت أن يكون الأجل مجهولا وأن لا يجوز تحديده بيوم معلوم لأن المطلوب قد لا يحصل في ذلك الأجل ولذلك لا يجوز تحديد يوم معلوم لخياطة الثوب وغيره من الإجارات التي من قبيل الجعالة لأنه يوجب الغرر فتفوت المصلحة فقد اقتضت الجهالة الضدين

____________________

(2/205)

تصرفاته عند الممات فقد ناسب الوصف الواحد الضدين المنافيين وترتبا عليه في الشريعة وهذا هو جمع الفرق أيضا لأنه جمع المتفرقات من الأضداد المثال الثالث الجهالة مانعة من عقد البيع والإجارة ونحوهما وهي شرط في الجعالة والعارية والقراض فلا يجوز إلى يوم معلوم لأن المطلوب قد لا يحصل في ذلك الأجل فاقتضت مصلحة هذه العقود أن يكون الأجل مجهولا ولذلك لا يجوز أن يحدد لخياطة الثوب وغيره من الإجارات يوما معلوما لأنه يوجب الغرر وتفوت المصلحة بل المصلحة تقتضي بقاء الأجل مجهولا

المثال الرابع الأنوثة اقتضى ضعفها التأخر عن الولايات واقتضى ضعفها ولاية الحضانة والتقدمة فيها على الذكور فقد اقتضت الضدين كما اقتضته الجهالة المثال الخامس قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتضى تعظيمها بذل المال للأقارب والمبادرة إلى سد الخلات في حقهم واقتضى منع المال منهم في الزكاة فقد ترتب عليها البذل والمنع وهما ضدان وإنما قلت هذه النظائر لأن الأصل في المناسب أن ينافي ضد ما يناسبه

الفرق الحادي والثمانون الفرق بين قاعدة الرخصة وبين قاعدة إزالة النجاسة وذلك أن جماعة من العلماء قالوا إزالة النجاسة رخصة بسبب أن السبب في تنجيس الطاهر ملاقاته للنجس إجماعا فإذا صببنا الماء على النجاسة لنزيلها من الإبريق مثلا

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

المثال الرابع الأنوثة اقتضى ضعفها التأخر عن الولايات واقتضى ضعفها ولاية الحضانة والتقدمة فيها على الذكور فقد اقتضت الضدين كالجهالة المثال الخامس قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتضى تعظيمها بذل المال للأقارب والمبادرة إلى سد الخلات في حقهم واقتضى منع المال منهم في الزكاة فقد ترتب عليها البذل والمنع وهما ضدان وإنما قلت هذه النظائر لأن الأصل في المناسب أن ينافي ضد ما يناسبه والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق الحادي والثمانون بين قاعدة الرخصة وبين قاعدة إزالة النجاسة اعلم أن الرخصة كما في موافقات الشاطبي لها في الشرع إطلاقات أربعة الإطلاق الأول على ما شرع من الأحكام لعذر شاق استثناء من أصل كلي يقتضي المنع مع الاقتصار على مواضع الحاجة فيه فقيد لعذر شاق مخرج لما كان من أصل الحاجيات الكليات مستثنى من أصل مشروع لعذر مجرد الحاجة من غير مشقة موجودة كشرعية القراض فإنه لعذر في الأصل وهو عجز صاحب المال عن الضرب في الأرض ويجوز حيث لا عذر ولا عجز وكذلك القرض والمساقاة والسلم ونحوها مما شرع في الأصل لعذر مجرد الحاجة وإن جاز بعد زوال العذر فيجوز للإنسان أن يقترض وإن لم يكن به حاجة إلى الاقتراض وأن يساقي حائطه

وإن كان قادرا على عمله بنفسه أو بالاستئجار عليه وهكذا فلا يسمى هذا كله عند العلماء باسم الرخصة ومخرج أيضا لما كان من أصل التكميلات مستثنى من أصل

ج4.

ج4. الفروق أو أنوار البروق في أنواء الفروق (مع الهوامش )

أبو العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي

سنة الولادة بلا/ سنة الوفاة 684هـ

فالجزء الواصل إلى النجاسة المتصل بها تنجس لملاقاته النجاسة كما تقدم حكاية الإجماع في القاعدة وإذا تنجس الجزء الملاقي للنجاسة تنجس ذلك الجزء الذي يليه وتنجس الجزء الثاني للثالث والثالث للرابع والرابع للخامس وكذلك حتى ينجس الماء الذي داخل الإبريق بل ينجس ماء البحر المالح إذا وضعنا النجاسة في طرفه والسر في ذلك كله ملاقاة النجس للطاهر وحيث قضى الشرع بأن النجاسة تزول وأن الماء لم يفسد مطلقا كان ذلك على خلاف هذه القاعدة فكان رخصة من صاحب الشرع وهذا كلام متين قوي لم أر أحدا تعرض للجواب عنه

والجواب عنه أن إزالة النجاسة ليس من باب الرخصة وذلك أن الله تعالى لم يقض على الأعيان بأنها نجسة ولا متنجسة بمجرد كونها جواهر ولا أجساما إجماعا بل لأجل أعراض خاصة قامت بتلك الأجسام من لون خاص وكيفية خاصة معلومة في العادة فإذا انتفت تلك الكيفية وتلك الأعراض انتفى الحكم لانتفاء موجبه وانتفاء الحكم الشرعي لانتفاء سببه ليس من باب الرخص إجماعا وعلى هذه القاعدة يبطل السؤال بسبب أنا نعلم بالضرورة أن الأعراض الخاصة والكيفية الخاصة اللتين قضى الشرع لأجلها بالتنجيس ليسا موجودين في جميع أجزاء ماء الإبريق ولا في

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

مشروع لعذر مجرد التكميل من غير مشقة موجودة كشرعية صلاة المأمومين جلوسا لعذر مجرد طلب الموافقة لإمامهم الذي لا يقدر على الصلاة قائما أو يقدر بمشقة حتى شرع في حقه الانتقال إلى الجلوس وإن كان مخلا بركن من أركان الصلاة لأنه بسبب المشقة صار الجلوس رخصة في حقه ففي الحديث إنما جعل الإمام ليؤتم به ثم قال وإن صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين فلا يسمى مثل هذا رخصة وإن كان مستثنى لعذر وقيد استثناء من أصل كلي يقضي المنع مدخل لما عرض لها من الرخص أن تكون كليات في الحكم بعد استقرار أصلها الكلي الذي استثنيت منه للعذر كجواز القصر والفطر للمسافر فإنه إنما كان بعد استقرار أحكام الصلاة والصوم وهذا وإن كانت آيات الصوم نزلت دفعة واحدة إلا أن الاستثناء ثان عن استقرار حكم المستثنى منه على الجملة وكذلك أكل الميتة للمضطر في قوله تعالى فمن اضطر الآية ومخرج لباقي أنواع العزيمة مما شرع ابتداء لا استثناء من أصل إلخ وقيد مع الاقتصار على مواضع الحاجة فيه مدخل لباقي أنواع الرخص وموضح للفرق بين ما شرع من الرخص وما شرع من الحاجيات الكلية بأن الرخص جزئية يقتصر فيها على موضع الحاجة فإن المصلي إذا انقطع سفره وجب عليه الرجوع إلى الأصل من إتمام الصلاة وإلزام الصوم والمريض إذا قدر على القيام في الصلاة لم يصل قاعدا وإذا قدر على مس الماء لم يتيمم وكذلك سائر الرخص بخلاف القرض والقراض والمساقاة ونحو ذلك من الحاجيات الكلية التي تشبه الرخصة فإنه مشروع أيضا وإن زال العذر كما علمت

الإطلاق الثاني على ما استثنى من أصل كلي يقتضي المنع مطلقا ولو لم يكن لعذر شاق فيدخل فيه ما استند إلى أصل الحاجيات من القرض والقراض والمساقاة ورد الصاع من الطعام في مسألة المصراة وبيع

____________________

(2/207)

جميع أجزاء ماء البحر إذا وضعنا النجاسة في طرفه بل الأجزاء بعيدة من محل النجاسة ليس فيها شيء من ذلك قطعا فلا يكون القضاء بتطهير الأجزاء البعيدة رخصة بل قضاء

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

العرية بخرصها ثمرا وضرب الدية على العاقلة وما أشبه ذلك كما يدل عليه قوله نهى عن بيع ما ليس عندك وأرخص في السلم فيجري عليها في التسمية كما جرى عليها حكمها في الاستثناء من أصل مشروع ويدخل فيه أيضا ما استند إلى أصل التكميلات من صلاة المأمومين جلوسا اتباعا للإمام المعذور وصلاة الخوف المشروعة بالإمام كذلك أيضا ونحو ذلك فيطلق على ذلك لفظ الرخصة وإن لم يجتمع معها في أصل واحد كما أنه قد يطلق لفظ الرخصة على ما استمد من الرخص من أصل الضروريات كالمصلي لا يقدر على القيام فإن الرخصة في حقه ضرورية وإنما تكون حاجية إذا كان قادرا على القيام لكن بمشقة تلحقه فيه أو بسببه الإطلاق الثالث على ما وضع عن هذه الأمة من التكاليف الغليظة والأعمال الشاقة التي دل عليها قوله تعالى ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا وقوله تعالى ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فإن الرخصة في اللغة راجعة إلى معنى اللين وعلى هذا يحمل ما جاء في بعض الأحاديث أنه عليه السلام صنع شيئا ترخص فيه ويمكن أن يرجع إليه معنى الحديث الآخر إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه كما يمكن أن يحمل على أن الرخص التي هي محبوبة ما ثبت الطلب فيه أو ما أدى تركه إلى المشقة الفادحة التي قال في مثلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس من البر الصيام في السفر فيوافق قوله تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر وقوله تعالى يريد الله أن يخفف عنكم بعد ما قال في الأولى وأن تصوموا خير لكم

وفي الثانية وأن تصبروا خير لكن فليتفطن فكان ما جاء في هذه الملة السمحة من المسامحة واللين رخصة بالنسبة إلى ما حمله الأمم السابقة من العزائم الشاقة الإطلاق الرابع على ما كان من المشروعات توسعة على العباد مطلقا مما هو راجع إلى نيل حظوظهم وقضاء أوطارهم فالرخصة على هذا عبارة عن الإذن في نيل الحظ الملحوظ من جهة العبد فيدخل عليه كل ما كان تخفيفا وتوسعة على المكلف وإن العزيمة كذلك لها في الشرع أربع إطلاقات تقابل إطلاقات الرخصة الأربعة المذكورة

فإطلاقها المقابل لهذا الإطلاق الرابع هو ما نبه عليه قوله تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون وقوله تعالى وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا الآية ونحو ذلك مما دل على أن العبادة ملك لله على الجملة والتفصيل فحق عليهم التوجه إليه وبذل المجهود في عبادته لأنهم عباده وليس لهم حق لديه ولا حجة عليه فإذا وهب لهم حظا ينالونه فذلك كالرخصة لهم لأنه توجه إلى غير المعبود واعتناء بغير ما اقتضته العبودية وذلك المعنى المنبه عليه بذلك هو امتثال الأوامر واجتناب النواهي على الإطلاق والعموم كانت الأوامر وجوبا أو ندبا والنواهي كراهة أو تحريما وترك كل ما يشغل عن ذلك من المباحات فضلا عن غيرها لأن الأمر من الآمر مقصود أن يمتثل على الجملة وبالجملة فالعزائم ثم على هذا الإطلاق حق الله على العباد والرخص حظ العباد من لطف الله فتشترك المباحات مع الرخص على هذا الترتيب من حيث كانا معا توسعة على العبد ورفع حرج عنه وإثباتا لحظه وتصير المباحات عند هذا النظر تتعارض مع المندوبات على

____________________

(2/208)

بالحكم لانتفاء سببه وليس هو من باب الرخص وكذلك إذا توالى الصب والغسل على الثوب المتنجس فقطع بعدم تلك الصفات الموجبة لكون العين نجسة أو متنجسة

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

الأوقات فيؤثر حظه في الأخرى على حظه في الدنيا أو يؤثر حق ربه على حظ نفسه فيكون رافعا للمباح من عمله رأسا أو آخذا له حقا لربه فيصير حظه مندرجا تابعا لحق الله وحق الله هو المقدم هو المقصود فإن العبد بذل المجهود والرب يحكم ما يريد وهذا الوجه يعتبره الأوليات من أصحاب الأحوال وكذا غيرهم ممن رقى عن الأحوال وعليه يربون التلاميذ ألا ترى أن من مذاهبهم الأخذ بعزائم العلم واجتناب الرخص جملة حتى آل الحال بهم أن عدوا أصل الحاجيات كلها أو جلها

وهو ما يرجع إلى حظ العبد منها حسبما بان لك في هذا الإطلاق الأخير من الرخص وإطلاق العزيمة المقابل للإطلاق الثالث هو التكاليف الغليظة والأعمال الشاقة التي كانت على الذين من قبلنا ووضعت عن هذه الأمة رخصة في حقها كرامة لنبيها صلى الله عليه وسلم وإطلاقها المقابل للإطلاق الثاني هو ما لا يكون من الأحكام الكلية المشروعة ابتداء مستثنى من أصل كلي يقتضي المنع فلا تشمل على هذا ما استند من الأحكام إلى أصل الحاجيات ولا ما استند منها إلى أصل التكميلات كما لا تشمل ما كان منها مستند إلى أصل الضروريات وإطلاقها المقابل للإطلاق الأول هو ما شرع من الأحكام الكلية ابتداء ومعنى كونها كلية أنها لا تختص ببعض المكلفين دون بعض فيدخل تحتها جميع كليات الشريعة لا فرق بين ما كان منها من العبادات كالصلاة والصوم والزكاة والحج والجهاد فإنها مشروعة على الإطلاق والعموم في كل شخص وفي كل حال وما كان منها مشروعا للتوصل إلى إقامة مصالح الدارين من البيع والإجارة وسائر عقود المعاوضات من القصاص والضمان وسائر أحكام الجنايات ومعنى شرعيتها ابتداء أن يكون قصد الشارع بها إنشاء الأحكام التكليفية على العبادتين من أول الأمر فلا يسبقها حكم شرعي قبل ذلك ولو حكما كالحكم الشرعي الأخير الناسخ لما قبله فإنه كالحكم الابتدائي تمهيدا للمصالح الكلية العامة وكذلك ما كان من الكليات واردا على سبب فإن الأسباب قد تكون مفقودة قبل ذلك فإذا وجدت اقتضت أحكاما كقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقوله تعالى ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله وقوله تعالى ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم وقوله تعالى علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم الآية وقوله تعالى فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه

ونحو ذلك مما كان تمهيدا لأحكام وردت شيئا بعد شيء بحسب الحاجة إلى ذلك وكذلك المستثنيات من العمومات وسائر المخصوصات كقوله تعالى ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله وقوله تعالى ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وقوله تعالى فاقتلوا المشركين ونهى عليه السلام عن قتل النساء والصبيان فهذا وما أشبهه من العزائم لأنه راجع إلى أحكام كلية ابتدائية وهذه الإطلاقات الأربعة للرخصة وما يقابلها للعزيمة منها ما هو خاص ببعض الناس وهو الرابع ومنها ما هو عام للناس كلهم وهو ما عدا الرابع كما هو ظاهر مما تقرر وهذا واختلف في إزالة النجاسة فقال جماعة من العلماء إنها رخصة لا عزيمة بناء على أنها حكم مستثنى من أصل كلي يقتضي المنع مطلقا وذلك الأصل هو أن القاعدة من أن السبب في

____________________

(2/209)

فوجب أن يزول حكم التنجيس لزوال سببه كما يزول وجوب الزكاة لعدم النصاب ويزول وجوب الصوم في رمضان لزوال رمضان وغير ذلك من الأحكام في الشريعة التي لا يسمى شيء منها رخصة فكذلك ها هنا فظهر أن ما قالوه من أن إزالة النجاسة من باب الرخص لا حقيقة له بل هي من باب العزائم على وفق القواعد لا على خلافها الفرق الثاني والثمانون الفرق بين قاعدة إزالة الوضوء للجنابة بالنسبة إلى النوم خاصة وبين قاعدة إزالة الحدث عن الرجل خاصة بالنسبة إلى الخف اعلم أنه قد وقع في مذهب مالك رحمه الله وفي غيره من المذاهب فتاوى مشكلة في الأحداث وأحكامها وقد ورد الحديث الصحيح في الجنب يريد النوم أنه يتوضأ للنوم

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

تنجيس الطاهر ملاقاته للنجس إجماعا تقتضي أنا إذا صببنا الماء من الإبريق مثلا على النجاسة لنزيلها تنجس الجزء الواصل إلى النجاسة المتصل بها لملاقاته النجاسة فيتنجس الذي يليه لملاقاته له

وهكذا حتى يتنجس الماء الذي داخل الإبريق بل ينجس ماء البحر المالح إذا وضعنا النجاسة في طرفه فلما قضى الشرع بأن النجاسة تزول وأن الماء لم يفسد مطلقا على ما تقتضيه هذه القاعدة كان ذلك رخصة من صاحب الشرع استثناها من تلك القاعدة والحق أن ما قالوه من أنها من باب الرخص لا حقيقة له بل هي من باب العزائم على وفق القواعد لا على خلافها وذلك أن الله تعالى لم يقض على الأعيان بأنها نجسة ولا متنجسة بمجرد كونها جواهر ولا أجساما إجماعا بل لأجل أعراض خاصة قامت بتلك الأجسام من لون خاص وكيفية خاصة معلومة في العادة فإذا انتفت تلك الكيفية وتلك الأعراض انتفى الحكم لانتفاء موجبه وانتفاء الحكم الشرعي لانتفاء سببه ليس من باب الرخص إجماعا ولا شك أن الأعراض الخاصة والكيفية الخاصة اللذين قضى الشرع لأجلها بالتنجيس ليسا موجودين في جميع أجزاء ماء الإبريق ولا في جميع أجزاء ماء البحر إذا وضعنا النجاسة في طرفه بل الأجزاء بعيدة من محل النجاسة ليس فيها شيء من ذلك قطعا فوجب أن يزول حكم التنجيس لزوال سببه كما يزول وجوب الزكاة لعدم النصاب ويزول وجوب الصوم في رمضان لزوال رمضان ونحو ذلك من الأحكام في الشريعة التي لا يسمى شيء من زوالها لزوال سببها رخصة فافهم والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق الثاني والثمانون بين قاعدة إزالة الوضوء للجنابة بالنسبة إلى النوم خاصة وقاعدة إزالة الحدث عن الرجل خاصة بالنسبة إلى الخف أما قاعدة إزالة الوضوء للجنابة بالنسبة إلى النوم خاصة فقد ورد فيها الحديث الصحيح أن الجنب الذي يريد النوم يتوضأ للنوم خاصة لا للصلاة ولا لغيرها

وقال الفقهاء هذا وضوء يرفع حدث الجنابة بالنسبة إلى شيء خاص وهو النوم ولا يزيله الحدث الأصغر لأنه لم يجعل رافعا للحدث الأصغر وإنما يزيله الحدث الأكبر وهو الجنابة فقط ولبعضهم إذا سئلت وضوءا ليس ينقضه إلا الجماع وضوء النوم للجنب ويلقون هذا الوضوء لغزا على الطلبة فيقولون لهم هل تعلمون وضوءا لا يزيله البول ونحوه ويريدون هذا الوضوء فهذه قاعدة ورد بها النص وتقررت في المذهب

وأما قاعدة إزالة الحدث عن الرجل

____________________

(2/210)

خاصة لا للصلاة ولا لغيرها فقال الفقهاء هذا وضوء يرفع حدث الجنابة بالنسبة إلى النوم خاصة فهذا حدث قد ارتفع بالنسبة إلى شيء خاص وهذا وضوء لا يزيله الحدث الأصغر لأنه لم يجعل رافعا للحدث الأصغر وإنما يزيله الحدث الأكبر وهو الجنابة فقط فهذه قاعدة مقررة في الحدث في المذهب ويلقون هذا الوضوء لغزا على الطلبة فيقولون هل تعلمون وضوءا لا يزيله البول ونحوه فيشكل ذلك على المسئول ويريدون هذا الوضوء هذه قاعدة قد تقررت ثم قالوا إذا غسل إحدى رجليه ثم أدخلها في الخف قبل غسل الأخرى هل يجوز له أن يمسح على الخف قولان مبنيان على أن الحدث هل يرتفع عن كل عضو على حياله أو لا يرتفع إلا بعد غسل الجميع فعلى القول الأول يجوز له المسح على هذا الخف لأنه لبسه بعد رفع الحدث عن محله وعلى القول الآخر لا يجوز له المسح فقيل لهم إن الحدث له معنيان أحدهما الأسباب الموجبة له كالخارج من السبيلين ونحوه فيقال أحدث إذا وجد منه شيء من ذلك وكذلك يقول الفقهاء النوم هل هو حدث أو سبب للحدث قولان وللخارج من السبيلين على وجه العادة حدث قولا واحدا وثانيهما المنع المرتب على هذه الأسباب يسمى حدثا وهو حكم شرعي يرجع إلى

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

خاصة بالنسبة إلى الخف فهي وإن قال بها بعض الفقهاء فأجاز لمن غسل إحدى رجليه في وضوئه ثم أدخلها في الخف قبل غسل الأخرى أن يمسح على هذا الخف في الوضوء الذي بعد بناء على القول بأن الحدث يرتفع عن كل عضو على حياله إلا أن الراجح القول بأنه لا يجوز لمن ذكر أن يمسح على هذا الخف لأن الصحيح أن الحدث لا يرتفع إلا بعد غسل جميع أعضاء الوضوء ضرورة أن الحدث إما أن يراد به الأسباب الموجبة له كالخارج من السبيلين على وجه العادة ونحوه فيقال أحدث إذا وجد منه شيء من ذلك ويقول الفقهاء النوم هل هو حدث أو سبب للحدث قولان وإما أن يراد به المنع المرتب على هذه الأسباب

وهو حكم شرعي يرجع إلى التحريم المتعلق بالمكلف لا بعضوه الخاص بالإقدام على الصلاة ومس المصحف ونحو ذلك وهذا المنع هو الذي يقول الفقهاء فيه إن المتطهر ينوي رفع الحدث أي ينوي بفعله ارتفاع ذلك المنع لأنه هو الذي يقبل الرفع كما يرتفع تحريم الأجنبية بالعقد عليها وتحريم المطلقة بالرجعة وتحريم الميتة بالاضطرار وأما رفع تلك الفضلات الخارجة من السبيلين بالوضوء فمتعذر بالضرورة فالحدث الذي أجمع الناس على رفعه بالطهارة هو المنع من الإقدام على الصلاة ومس المصحف ونحو ذلك والممنوع من الصلاة ونحوها هو المكلف لا أن العضو هو الممنوع من الصلاة ونحوها والمنع في حق المكلف باق ولو غسل جميع الأعضاء إلا لمعة واحدة فالقول بأن الحدث يرتفع عن كل عضو بانفراده غير معقول وتخريج مسألة الخف على هذه القاعدة لا يصح وقياس ارتفاع المنع بغسل الرجل عن المكلف باعتبار لبس الخف خاصة ويبقى المكلف ممنوعا من الصلاة على ارتفاع الجنابة

____________________

(2/211)

التحريم الخاص بالإقدام على الصلوات ونحوها فهذا المنع يسمى حدثا أيضا وهو الذي يقول الفقهاء فيه إن المتطهر ينوي رفع الحدث أي ينوي بفعله ارتفاع ذلك المنع والمنع قابل للرفع كما يرتفع تحريم الأجنبية بالعقد عليها وتحريم المطلقة بالرجعة وتحريم الميتة بالاضطرار

وأما رفع تلك الفضلات الخارجة من السبيلين بالوضوء فمتعذر بالضرورة ولما أجمع الناس على أن الحدث يرتفع بالطهارة دل على أنه المنع من الإقدام على الصلاة ومس المصحف ونحو ذلك فتحرر حينئذ أن الحدث له معنيان الأسباب الموجبة والمنع المرتب عليها وإذا كان كذلك فقولهم إن الحدث يرتفع عن كل عضو على حياله مشكل بسبب أن هذا المنع يتعلق بالمكلف لا بالعضو فالمكلف هو الممنوع من الصلاة لا إن العضو هو الممنوع من الصلاة والمنع في حق المكلف باق ولو غسل جميع الأعضاء إلا لمعة واحدة فقولهم الحدث يرتفع عن العضو بانفراده غير معقول وإنما يعقل أن لو كان ذلك العضو ممنوعا في نفسه من الصلاة فإذن له وحده دون غيره من الأعضاء فحينئذ نقول إن الحدث ارتفع عنه وحده لكن الممنوع هو المكلف والمنع باق ولم يتغير حكم القول بأن الحدث يرتفع عن كل عضو بانفراده غير معقول وتخريج مسألة الخف على هذه القاعدة لا يصح فإن قلت لم لا يجوز أن يكون غسل الرجل يرتفع المنع به عن المكلف باعتبار لبس الخف خاصة ويبقى المكلف ممنوعا من الصلاة كما قلنا في الوضوء يرفع الجنابة باعتبار النوم خاصة ويبقى المكلف ممنوعا من الصلاة فتكون هذه القاعدة مثل هذه القاعدة سواء ويندفع الإشكال عن هذه المقالة قلت هذا الجواب لا يصح لأن قولهم الحدث يرتفع عن عضو وحده لم يخصصوا به

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

بوضوء النوم للجنب باعتبار النوم خاصة ويبقى المكلف ممنوعا من الصلاة لا يصح بوجوه

الوجه الأول أن قولهم الحدث يرتفع عن عضو وحده لم يخصصوا به الرجل بل عمموه في جميع الأعضاء واتفقوا على أن غسل الوجه لا يرفع الحدث باعتبار خف ولا غيره وكذا اليدان والرأس لا يرفع الحدث باعتبار شيء

الوجه الثاني أن الوضوء إنما قلنا إنه يرفع الجنابة باعتبار اليوم خاصة لورود النص فيه ورفع الحدث عن كل عضو وحده ليس فيه نص والظاهر أن هذه الأمور تعبدية ومع التعبد لا يصح القياس

الوجه الثالث أن الأمور التي عللوا بها رفع وضوء النوم للجنابة بالنسبة إلى النوم خاصة كلها لا تصح وعلى فرض صحتها فليست موجودة في كل عضو وحده

الوجه الرابع أن الوضوء إنما رفع الجنابة باعتبار النوم عن المكلف لا عن أعضاء الوضوء فظهر أن

____________________

(2/212)

الرجل بل عمموه في جميع الأعضاء واتفقنا على أن غسل الوجه لا يرفع الحدث باعتبار خف ولا غيره

وكذا اليدان والرأس لا يرفع الحدث باعتبار شيء ولا المكلف تباح له الصلاة به وحده فصارت هذه المقالة غير معقولة ولأن الوضوء إنما قلنا إنه يرفع الجنابة باعتبار النوم خاصة لورود النص فيه وفي رفع الحدث عن كل عضو وحده ليس فيه نص ولا قياس فإن هذه الأمور تعبدية وقد علل الوضوء هناك بأمور كلها باطلة والظاهر أنه تعبد ومع التعبد لا يصح القياس ولو صحت تلك المعاني فليست موجودة في كل عضو وحده فإن مسح الرأس وحده ليس من جملة الوضوء حتى يصح القياس عليه فظهر أن القول برفع الحدث عن كل عضو بانفراده قول باطل وإنما يصح أن لو ثبتت الإباحة عقيبه لكن المنع باق إجماعا فالحدث باق وينبغي أن يعلم أن قولنا إن الحدث يرتفع عن كل عضو وحده قول باطل وإن القول بثبوت الحدث في الأعضاء وفي كل عضو وحده أيضا قول باطل لأن الحدث هو المنع الشرعي عن ملابسة الصلاة والعضو ليس ممنوعا من الصلاة إنما الممنوع هو المكلف فلا معنى لثبوت المنع على العضو وحده وهذا يؤكد أن الحدث لا يرتفع عن العضو وحده لأن الارتفاع عنه فرع الثبوت فيه فما لا منع فيه كيف يتصور رفع المنع منه وهذا ضروري وهو يوضح عندك بطلان تلك المقالة برفع الحدث عن العضو وحده وأنها مقالة باطلة ويتضح لك أيضا أن الوضوء إنما رفع الجنابة هنالك باعتبار النوم على المكلف لا عن أعضاء الوضوء يستفاد من هذا البحث أيضا بطلان قولهم إن التيمم لا يرفع الحدث وهو عكس المسألة الأولى بسبب أن الحدث هو المنع الشرعي من الصلاة وهذا الحدث الذي هو المنع متعلق بالمكلف وهو بالتيمم قد أبيحت له الصلاة إجماعا وارتفع المنع إجماعا لأنه لا منع مع الإباحة فإنهما ضدان

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

القول يرفع الحدث عن كل عضو بانفراده قول باطل وإنما يصح أن لو ثبتت الإباحة عقيبه لكن المنع باق إجماعا فالحدث باق وإن القول بثبوت الحدث في الأعضاء وفي كل عضو وحده قول باطل أيضا لأن الحدث هو المنع الشرعي عن ملابسة الصلاة والعضو ليس ممنوعا من الصلاة الممنوع هو المكلف فلا معنى لثبوت المنع على العضو وحده

وصل يستفاد من البحث المذكور أن القول بأن التيمم لا يرفع الحدث باطل قطعا وذلك أن الحدث هو المنع الشرعي من الصلاة وهذا الحدث الذي هو المنع متعلق بالمكلف وهو بالتيمم قد أبيحت له الصلاة إجماعا وارتفع المنع إجماعا لأنه لا منع مع الإباحة فإنهما ضدان والضدان لا يجتمعان إجماعا وإذا كانت الإباحة ثابتة قطعا والمنع مرتفع قطعا كان التيمم رافعا للحدث قطعا وقوله صلى الله عليه وسلم لحسان لما تيمم وصلى بالناس أصليت بأصحابك وأنت جنب لا يدل على أنه لا يرفع الحدث لأنه وإن سماه جنبا مع

____________________

(2/213)

والضدان لا يجتمعان وإذا كانت الإباحة ثابتة قطعا والمنع مرتفع قطعا كان التيمم رافعا للحدث قطعا فالقول بأنه لا يرفع الحدث باطل قطعا

فإن قلت يدل على أنه لا يرفع الحدث النص والمعقول أما النص فقوله عليه السلام لحسان لما تيمم وصلى بالناس أصليت بأصحابك وأنت جنب فسماه جنبا مع التيمم ولا نعني بعدم رفع الحدث إلا الجنابة ونحوها وأما المعقول فلأنه يجب عليه استعمال الماء في غسل الجنابة إذا وجد الماء فلو كان الحدث ارتفع لكانت الجنابة ارتفعت بالتيمم ولما احتاج للغسل عند وجود الماء فهذا ظاهر في بقاء الحدث وصحة القول به ثم هذه المقالة قال بها أكثر الفقهاء والقائلون بأنه يرفع الحدث قليلون جدا والحق لا يفوت الجمهور غالبا قلت الجواب عن الأول أن قوله عليه السلام خرج مخرج الاستفهام للاستطلاع على ما عند المسئول من الفقه في التيمم وبماذا يجيب فيظهر فقهه لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما سأل معاذا لما بعثه عليه السلام إلى اليمن بم تحكم فقال بكتاب الله تعالى الحديث إلى آخره لا أنه عليه السلام أصدر هذا الكلام مصدر الخبر الجازم حتى يلزم الحجة منه ولو كان قد خرج مخرج الخبر لوجب تأويله وحمله على المجاز لأن ما ذكرناه نكتة عقلية قطعية فمتى عارضها نص وجب تأويله هذا هو قاعدة تعارض القطعيات مع الألفاظ وعن الثاني أن وجوب استعمال الماء عند وجوده ليس متفقا عليه فلنا منعه على ذلك القول سلمناه لكنا نقول التيمم يرفع الحدث ارتفاعا مغيا بأحد ثلاثة أشياء إما طريان الحدث بأن يطأ امرأته أو يباشر حدثا من الأحداث أو يفرغ من الصلاة الواحدة وتوابعها من النوافل فيصير محدثا حينئذ ممنوعا من الصلاة أو يجد الماء فيصير محدثا عند وجود

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

التيمم إلا أنه خرج مخرج الاستفهام للاستطلاع على ما عند المسئول من الفقه في التيمم وبماذا يجيب فيظهر لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما سأل معاذا لما بعثه عليه السلام إلى اليمن بم تحكم فقال بكتاب الله تعالى الحديث إلى آخره لا أنه عليه السلام أصدر هذا الكلام مصدر الخبر الجازم حتى يلزم الحجة منه على أنه لو كان قد خرج مخرج الخبر لوجب تأويله وحمله على المجاز لأن ما ذكرناه نكتة عقلية قطعية عارضها نص فمتى عارضها نص وجب تأويله كما هو القاعدة في تعارض القطعيات مع الألفاظ

وأما أن المتيمم يجب عليه استعمال الماء في غسل الجنابة إذا وجد الماء فلا يظهر في بقاء الحدث وصحة القول به من حيث إنه لو كان الحدث ارتفع لكانت الجنابة ارتفعت بالتيمم ولما احتاج للغسل عند وجود الماء أما أولا فلأن وجوب استعمال الماء عند وجوده ليس متفقا عليه فلنا منعه على ذلك القول وأما ثانيا فلأنا لو سلمناه لكنا نقول التيمم يرفع الحدث ارتفاعا مغيا بأحد ثلاثة أشياء إما أن يطرأ عليه الحدث بأن يطأ امرأته أو يباشر حدثا من الأحداث وإما أن يفرغ الصلاة الواحدة وتوابعها من النوافل فيصير محدثا حينئذ ممنوعا من الصلاة وإما

____________________

(2/214)

الماء ويكون الحكم ثابتا إلى آخر غايات كثيرة أو قليلة فهو معقول وأما ثبوت المنع مع الإباحة واجتماع الضدين فغير معقول وإذا تعارض المستحيل والممكن وجب العدول إلى القول بما هو ممكن

وقد رفع استعمال الماء الحدث إلى غاية وهي طريان الحدث فجاز أن يرفع التيمم الحدث إلى غايات وكذلك نقول الأجنبية ممنوعة محرمة والعقد عليها رافع لهذا المنع ارتفاعا مغيا بغايات أحدها الطلاق وثانيها الحيض وثالثها الصوم ورابعها الإحرام وخامسها الظهار فقد وجدنا المنع يرتفع ارتفاعا مغيا بغايات فكذلك ها هنا يرتفع الحدث مغيا بأحد ثلاث غايات وهذا أمر معقول وواقع في الشريعة وما ذكرتموه مستحيل فأين أحدهما من الآخر وعن الثالث أن كون الجمهور على شيء يقتضي القطع بصحته بل القطع إنما يحصل في الإجماع لأن مجموع الأمة معصوم أما جمهورهم فلا فالظاهر أن الحق معهم والظاهر إذا عارضه القطع قطعنا ببطلان ذلك الظهور وها هنا كذلك لأن اجتماع الضدين مستحيل مقطوع به فيندفع به الظهور والناشئ عن قول الجمهور فظهر لك بهذه المباحث بطلان هذين القولين وظهر الفرق بين قاعدة رفع الوضوء للجنابة باعتبار النوم وقاعدة رفع غسل الرجل للحدث باعتبار لبس الخف

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

أن يجد الماء فيصير محدثا عند وجود الماء وكون الحكم ثابتا إلى آخر غايات كثيرة أو قليلة ممكن معقول وثبوت المنع مع الإباحة مستحيل وغير معقول لأنه اجتماع الضدين وإذا تعارض المستحيل والممكن وجب العدول إلى القول بما هو ممكن سيما وقد وجدنا مثل هذا الممكن واقعا في الشريعة ألا ترى أن رفع استعمال الماء الحدث إلى غاية وهي طريان الحدث وأن الأجنبية ممنوعة محرمة والعقد عليها رافع لهذا المنع ارتفاعا مغيا بغايات أحدهما الطلاق وثانيها الحيض وثالثها الصوم ورابعها الإحرام وخامسها الظهار فما المانع هاهنا أن يكون رفع الحدث مغيا بإحدى ثلاث غايات وكون القائلين بأن التيمم يرفع الحدث قليلين جدا وأما القائلون بأنه لا يرفعه فأكثر الفقهاء والحق لا يفوت الجمهور غالبا لا يقتضي القطع بصحة ما قاله الجمهور بل القطع إنما يحصل في الإجماع لأن مجموع الأمة معصوم أما جمهورهم فلا

وإنما الظاهر أن الحق معهم وهو معارض هنا بمستحيل مقطوع به وهو اجتماع الضدين والظاهر يقطع ببطلانه إذا عارضه القطع فوجب أن يقطع ببطلان الظهور الناشئ عن قول الجمهور كما قطع ببطلان القول برفع الحدث عن كل عضو بانفراده والله أعلم

____________________

(2/215)

الفرق الثالث والثمانون الفرق بين قاعدة الماء المطلق وبين قاعدة الماء المستعمل لا يجوز استعماله أو يكره على الخلاف اعلم أن الماء المطلق هو الباقي على أصل خلقته أو تغير بما هو ضروري له كالجاري على الكبريت وغيره مما يلازم الماء في مقره وكان الأصل في هذا القسم أن لا يسمى مطلقا لأنه قد تقيد بإضافة عين أخرى إليه لكنه استثني للضرورة فجعل مطلقا توسعة على المكلف واختير هذا اللفظ لهذا الماء وهو قولنا مطلق لأن اللفظ يفرد فيه إذا عبر عنه فيقال ماء وشربت ماء

وهذا ماء وخلق الله الماء رحمة للعالمين ونحو ذلك من العبارات فأما غيره فلا يفرد اللفظ فيه بل يقال ماء الورد ماء الرياحين ماء البطيخ ونحو ذلك فلا يذكر اللفظ إلا مقيدا بإضافة أو معنى آخر

وأما في هذا الماء فيقتصر على لفظ مفرد مطلق غير مقيد وإن وقعت الإضافة فيه كقولنا ماء البحر وماء البئر ونحوهما فهي غير محتاج إليها بخلاف ماء الورد ونحوه لا بد من ذلك القيد وتلك الإضافة فمن هنا حصل الفرق من جهة التعيين واللزوم وعدمه أما جواز الإطلاق من حيث الجملة فمشترك فيه بين البابين فهذا هو ضابط المطلق وأما الماء المستعمل فهو الذي أديت به طهارة وانفصل من الأعضاء لأن الماء ما دام في الأعضاء فلا خلاف أنه طهور مطلق ما دام مترددا

فإذا انفصل عن العضو اختلف فيه هل هو صالح للتطهير أم لا وهل هو نجس أم لا وهل ينجس الثوب إذا لاقاه أم لا هذه أقوال للحنفية ولغيرها واختلف القائلون بخروجه عن صلاحيته للتطهير هل ذلك معلل بإزالة المانع أو بأنه أديت به قربة ويتخرج على القولين مسائل فإن قلنا

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

الفرق الثالث والثمانون بين قاعدة الماء المطلق وبين قاعدة الماء المستعمل لا يجوز استعماله أو يكره على الخلاف الماء المطلق ما صدق عليه اسم ماء بلا قيد لازم فيقال هذا ماء وشربت ماء وخلق الله الماء رحمة للعالمين ونحو ذلك لكونه إما باقيا على أصل خلقته أو متغيرا بما هو ضروري له كالجاري على الكبريت وغيره مما يلازم الماء في مقره وإضافته في نحو ماء البحر وماء البئر وإن كانت قيدا إلا أنها غير محتاج إليها ويقابل الماء المطلق الماء المقيد وهو ما لا يصدق عليه اسم الماء إلا بقيد لازم من إضافة أو وصف كماء الورد وماء الشيشة وله حكم قيده من طهارة وخلافها ومنه الماء المستعمل وهو الذي أديت به طهارة بأن انفصل عن الأعضاء وجمع في إناء إذ لا خلاف في أن الماء ما دام مترددا في الأعضاء طهور ومطلق فإذا انفصل عنها اختلف الحنفية وغيرهم في كونه صالحا للتطهير أم لا وفي كونه نجسا أم لا وفي كون ملاقيه ينجس أم لا وفي كون عدم صلاحيته للتطهير معللا بإزالة المانع أو بأنه أديت به قربة وثمرة

____________________

(2/216)

إن العلة إزالة المانع لم يندرج في الماء المستعمل الغسل في المرة الثانية والثالثة في الوضوء إذا نوى في الأولى الوجوب ولا الماء المستعمل في تجديد الوضوء ونحو ذلك مما لا يزيل المانع ويندرج فيه الماء المستعمل في غسل الذمية لأنه أزال المانع من الوطء وإن قلنا إن سبب ذلك كونه أديت به قربة اندرج فيه الماء المستعمل في المرة الثانية والثالثة وفي تجديد الوضوء ولا يندرج الماء المستعمل في غسل الذمية لأنه لم تحصل به قربة عكس ما تقدم وللقائلين بالمنع وخروجه عن كونه صالحا للتطهير مدارك أحسنها أن قوله تعالى وأنزلنا من السماء ماء طهورا وقوله تعالى ليطهركم به

مطلق في التطهير لا عام فيه بل عام في المكلفين فإذا قال السيد لعبيده أخرجت هذا الثوب لأغطيكم به لا يدل ذلك على أنه يغطيهم به مرات ولا مرتين بل يدل على أصل التغطية في جميعهم فإذا غطاهم به مرة حصل موجب اللفظ وكذلك هنا إذا تطهرنا بالماء مرة حصل موجب اللفظ فبقيت المرة الثانية فيه غير منطوق بها فتبقى على الأصل غير معتبرة فإن الأصل في الأشياء عدم الاعتبار في التطهير إذ الأصل أن لا يعتبر في التطهير وغيره إلا ما وردت الشريعة به وهذا وجه قوي حسن ومدرك جميل واحتجوا مع هذا الوجه بقولهم إنه ماء أديت به عبادة فلا تؤدى به عبادة أخرى كالرقبة في العتق وبقولهم إنه ماء الذنوب فيكون نجسا

وإنما قلنا إنه ماء الذنوب لما ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا توضأ المؤمن فغسل يديه خرجت الخطايا من بين أنامله وإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من أطراف أذنيه الحديث

فدل ذلك على أن هذا الماء تخرج معه الذنوب وإنما قلنا إنه إذا كان ماء الذنوب يكون نجسا لأن الذنوب ممنوع من ملابستها شرعا والنجاسة هي منع شرعي فإذا حصل المنع حصلت النجاسة

والجواب عن الأول أنكم تجوزون عتق الرقبة

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

هذين القولين أنه على القول بكون العلة إزالة المانع لا يندرج في الماء المستعمل الماء المنفصل عن الأعضاء في المرة الثانية والثالثة إذا نوى في الأولى الوجوب ولا الماء المنفصل عن الأعضاء في تجديد الوضوء ونحو ذلك مما لا يزيل المانع ويندرج فيه الماء المستعمل في غسل الذمية لأنه أزال المنع من الوطء

وعلى القول بأن علة ذلك أنه أديت به قربة بالعكس فيندرج فيه الماء المنفصل عن الأعضاء في المرة الثانية والثالثة وفي تجديد الوضوء ولا يندرج فيه الماء المستعمل في غسل الذمية لأنه لم تحصل به قربة وأحسن مدارك القائلين بإزالته المنع وخروجه عن صلاحيته للتطهير أن قوله تعالى وأنزلنا من السماء ماء طهورا وقوله تعالى ليطهركم به مطلق في التطهير لا عام فيه بل عام في المكلفين فلا يدل إلا على أصل التطهير فإذا تطهرنا بالماء مرة حصل موجب اللفظ فبقيت المرة الثانية فيه غير منطوق بها فتبقى على الأصل غير معتبرة في التطهير وغيره إلا ما وردت الشريعة به ألا ترى أن السيد إذا قال لعبيده أخرجت هذا الثوب لأغطيكم لا يدل على أنه يغطيهم به مرات ولا مرتين بل يدل على أصل التغطية في جميعهم فإذا غطاهم به مرة حصل موجب اللفظ واحتجوا مع هذا المدرك الحسن بثلاثة أمور الأمر الأول قولهم إنه ماء أديت به عبادة فلا تؤدى

____________________

(2/217)

الكافرة في الكفارات الواجبات ولو أعتق عبدا كافرا ذميا ثم خرج إلى أهل الحرب ناقضا للعهد ثم غنمناه عاد رقيقا وجاز عتقه في الواجب مرة أخرى عندكم فما قستم عليه لا يتم على أصولكم سلمنا صحة القياس لكنه معارض بأنه عين أديت به عبادة فيجوز أن تؤدى به عبادة أخرى كالثوب في سترة الصلاة واستقبال الكعبة

وكذلك المال في الزكاة لو اشتراه ممن انتقل إليه من الفقراء جاز أن يخرجه في الزكاة مرة أخرى وكذلك السيف في الجهاد يجاهد به مرارا والفرس وغيره من آلات الحرب وكم من شيء في الشريعة تؤدى به العبادات مرارا كثيرة نعارضكم به في هذا القياس وعن الثاني أن الذنوب ليست أجراما توجب تنجيس الماء والنجاسة في الشرع إنما تكون في الأجرام عند اتصافها بأعراض أخر وهذه ليست أجراما فلا تكون توجب التنجيس وأما قولهم إن ملابسة الذنوب حرام فليس من هذا القبيل وإنما الذنوب التي تحرم ملابستها في الشريعة هي أفعال خاصة للمكلف اختيارية مكتسبة متعلقة بأشياء مخصوصة

وأما هذه الذنوب فمعناها استحقاق المؤاخذة وذلك حكم من الله تعالى لا فعل للمكلف ومما يتعلق بالله تعالى ويختص به لا اختيار للمكلف فيه ولا كسب وحينئذ لا يوصف بتحريم ولا تحليل فظهر أن هذا إيهام لا حقيقة له واحتجوا أيضا بأن السلف رضي الله عنهم كانوا يباشرون الأسفار مع قلة الماء فيها ولم ينقل عن أحد منهم أنه جمع ماء طهارته ليستعمله بعد ذلك فكان ذلك إجماعا على أن الماء المستعمل لا يتطهر به والجواب عنه أن الغالب في ذلك الماء التغير لا سيما في زمن الصيف وشعث السفر فلا ينفصل إلا متغيرا بالأعراق وغيرها والمتغير لا يصلح للتطهير إنما النزاع في الماء

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

عبادة أخرى كالرقبة في العتق وفيه أن القياس على الرقبة في العتق لا يتم على أصولهم لأنهم يجوزون عتق الرقبة الكافرة في الكفارات الواجبات وأنه إذا أعتق عبدا كافرا ذميا ثم خرج إلى أهل الحرب ناقصا للعهد ثم غنمناه وعاد رقيقا جاز عتقه في الواجب مرة أخرى سلمنا صحة القياس لكنه معارض بأنه كم من عين في الشريعة تؤدى به الكثيرة من ذلك المال في الزكاة لو اشتراه ممن انتقل إليه من الفقراء جاز أن يخرجه في الزكاة مرة أخرى والسيف والفرس وغيرهما من آلات الحرب يجاهد مرارا وللثوب يستتر به والكعبة تستقبل في الصلاة مرارا

الأمر الثاني قولهم إنه ماء الذنوب لقوله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ المؤمن فغسل يديه خرجت الخطايا من بين أنامله وإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من أطراف أذنيه الحديث وإذا كان ماء الذنوب يكون نجسا لأن الذنوب ممنوع من ملابستها شرعا والنجاسة هي منع شرعي فإذا حصل المنع حصلت النجاسة وفيه أن النجاسة في الشرع إنما تكون في الأجرام عند اتصافها بأعراض أخر والذنوب ليست أجراما حتى توجب التنجيس والذنوب في قولهم إن ملابسة الذنوب حرام في الشريعة معناها أفعال خاصة للمكلف اختيارية مكتسبة متعلقة بأشياء مخصوصة والذنوب هنا معناها استحقاق المؤاخذة وذلك حكم من الله تعالى لا فعل للمكلف ومما يتعلق بالله تعالى ويختص به لا اختيار للمكلف فيه

____________________

(2/218)

المستعمل إذا لم يتغير أما هذا فمانع آخر غير كونه مستعملا فظهر الفرق بين الماء المستعمل والماء المطلق

الفرق الرابع والثمانون الفرق بين قاعدة النجاسات في الباطن من الحيوان وبين قاعدة النجاسات ترد على باطن الحيوان اعلم أن باطن الحيوان مشتمل على رطوبات كالدم والمذي والمني والبول وغير ذلك من الرطوبات وكذلك أثفال الغذاء والأخلاط الأربعة وهي الدم والصفراء والسوداء والبلغم وجميع ذلك في باطن الحيوان كله لا يقضي عليه بنجاسة فمن حمل حيوانا في صلاته لا تبطل صلاته فإذا انفصلت هذه الرطوبات والأثفال من باطن الحيوان فحينئذ يقبل أن يقضي عليها بالنجاسة فالدم لم أر أحدا قضى عليه بالطهارة

وأما البول والعذرة فهما نجسان من بني آدم ومن كل حيوان يحرم أكله وأما ما يؤكل لحمه فهما منه عند مالك طاهران وعند الشافعي نجسان ومن الحيوان المكروه الأكل قيل مكروهان كاللحم وقيل نجسان تغليبا للاستقذار وأما الدم والسوداء فهما عند المالكية وغيرهم نجسان والبلغم والصفراء

عند المالكية طاهران من الآدمي وغيره

وأما المني فنجس عند مالك وطاهر عند الشافعي والمذي نجس عندهما وكذا الودي والمعدة

هامش أنوار البروق

قال الفرق الرابع والثمانون بين قاعدة النجاسات في الباطن من الحيوان وبين قاعدة النجاسات ترد على باطن الحيوان إلى قوله هذا حكم الحيوان وما في باطنه قبل انفصاله قلت ما قاله في ذلك وحكاه صحيح

هامش إدرار الشروق

ولا كسب وحينئذ لا يوصف بتحريم ولا تحليل فظهر أنه لا حقيقة لدعوى أن الذنوب ممنوع من ملابستها شرعا بل هو محض إيهام

الأمر الثالث أنه لم ينقل عن أحد من السلف رضي الله عنهم وهم يباشرون الأسفار مع قلة الماء فيها أنه جمع ماء طهارته ليستعمله بعد ذلك فكان ذلك إجماعا على أن الماء المستعمل لا يتطهر به وفيه أن النزاع إنما هو في الماء المستعمل إذا لم يتغير وماء طهارة السلف في أسفارهم ففيه مانع آخر غير كونه مستعملا إذ الغالب فيه التغير لا سيما في زمن الصيف وشعث السفر فلا ينفصل إلا متغيرا بالإعراق وغيرها والمتغير لا يصلح للتطهير والله أعلم

الفرق الرابع والثمانون بين قاعدة النجاسات في الباطن من الحيوان وبين قاعدة النجاسات ترد على باطن الحيوان اعلم أن الفرق بينهما إما أن يبني على أن عين ما في الباطن هو عين ما في الخارج من العذرة والبول وغيرهما وأنه إذا حكم لما في الباطن من ذلك بالطهارة لزم أن يحكم لما في الخارج بها أيضا وأنه لما لم يحكم لما في الخارج بالطهارة إجماعا عادل ذلك على أنه لم يحكم لما في الباطن بالطهارة بل هو نجس فيكون

____________________

(2/219)

طاهرة عند مالك نجسة عند الشافعي هذا حكم الحيوان وما في باطنه قبل انفصاله

وأما ما حصل في باطنه من خارج من النجاسات بعد أن قضى عليه بالتنجيس فهو نجس وينجس ما ورد عليه من المعدة وغيرها فمن شرب خمرا أو أكل ميتة أو شرب بولا أو غيره من الأعيان النجسة بطلت صلاته لأنه ملابس في صلاته ما قضى الله عليه بالنجاسة وقولنا ما في باطن الحيوان لا يقضى عليه بشيء إنما يريد العلماء بذلك الذي لم يقض عليه قبل ذلك بالتنجيس أما ما قضي عليه بالتنجيس قبل ذلك فلا فرق بينه في ظاهر الجسد وفي باطنه تبطل به الصلاة فإن حدث عنه عرق يختلف في نجاسة ذلك العرق بناء على الخلاف في رماد الميتة ونحوه من النجاسات التي طرأت عليها التغيرات والاستحالات فإذا صار غذاء وأجزاء من الأعضاء لحما وعظما وغيرهما من الأعضاء فقد صار طاهرا بعد الاستحالة فكذلك نقول في البقرة الجلالة والشاة تشرب لبن خنزير ونحو ذلك إذا بعدت الاستحالة طهر كما أن الدم إذا صار منيا ثم آدميا قضي بطهارته بعد

هامش أنوار البروق

قال أما ما حصل في باطنه من خارج من النجاسات بعد أن قضى عليه بالتنجيس فينجس ما ورد عليه من المعدة وغيرها فمن شرب خمرا أو أكل ميتة أو شرب بولا أو غيره من الأعيان النجسة بطلت صلاته لأنه ملابس في صلاته ما قضى الله عليه بالنجاسة إلى قوله فلا فرق بينه في ظاهر الجسد وفي باطنه تبطل به الصلاة قلت لم أقف لأحد غيره على ما قاله هنا من بطلان صلاة من في جوفه نجاسة وردت عليه ولا أراه صحيحا

قال فإن حدث عنه عرق يختلف في نجاسة ذلك العرق إلى قوله لأنها عنده نجسة قلت ما قاله هنا وحكاه صحيح

قال وعرض ها هنا فرع وهو جبن الروم إلى قوله والذي رأيت عليه فتاوى العلماء في العصر تحريمه وتنجيسه بناء على هذا

هامش إدرار الشروق

سره أنه عفي عما في الباطن لتعذر الوصول إلى إزالته ضرورة أن العفو عما تعذرت فيه الإزالة أحرى من عفوهم عما على المخرج وقد أمكنت إزالته مع المشقة دفعا للمشقة فافهم وأما أن يبني على أن عين ما في الباطن وإن كان عين ما في الخارج إلا أنه يحتمل أن يقال بطهارته في الباطن دون الظاهر فيكون سره هو أن استصحاب الحال فيهما أوجب الحكمين المختلفين وذلك أن الذي نشأ في باطن الحيوان أصله الطهارة فاستصحب والوارد على باطنه قد قضي عليه بالنجاسة قبل أن يرد فكان الأصل فيه النجاسة فاستصحبت وتفصيل ذلك أن جميع ما اشتمل عليه باطن الحيوان من الرطوبات كالدم والمذي والمني والبول وغير ذلك وكذلك أثفال الغذاء والأخلاط الأربعة التي هي الدم والصفراء والسوداء والبلغم لا يقضي عليه كله ما دام في الباطن بنجاسة فلا تبطل صلاة من حمل حيوانا فيها فإذا انفصلت هذه الرطوبات والأثفال من باطن الحيوان قبلت أن يقضي عليها بالنجاسة فالدم والسوداء لم يقض أحد بطهارتهما وقضى بنجاسة البول والعذرة من بني آدم ومن كل حيوان يحرم أكله وبطهارتهما مما يباح أكله كالنعم عند مالك فقط خلافا للأئمة

وأما من مكروه الأكل كالسبع والهرة فقيل مكروهان كاللحم وقيل نجسان تغليبا للاستقذار وبطهارة البلغم والصفراء من الآدمي وغيره عند المالكية كالمني عند الشافعي

____________________

(2/220)

الاستحالة وما طرح من الأغذية الطاهرة في معدة الحيوان كان طاهرا عند مالك حتى يتغير إلى صفة العذرة أو يختلط بنجاسة من عرق ينشر في باطن الجسد ونحوه وعند الشافعي كل ما يصل إلى المعدة يتنجس بها لأنها عنده نجسة وعرض ها هنا فرع وهو جبن الروم فإنهم يعملونه بالإنفحة وهم لا يذكون بل الإنفحة ميتة قال المالكية المحققون هو نجس لذلك وقال بعض الفقهاء هو طاهر لأن المعدة طاهرة واللبن الذي يشربه فيها طاهر فيكون الجبن طاهرا وهذا ليس بجيد لأن بالموت صار جرم المعدة نجسا فينجس اللبن الكائن فيه فيصير الجبن نجسا والذي رأيت عليه فتاوى العلماء في العصر تحريمه وتنجيسه بناء على هذا إذا تقررت هذه المباحث فيكون سر الفرق بين ما ينشأ في باطن الحيوان من النجاسات وبين ما ورد عليه من النجاسات أن الذي نشأ فيه أصله الطهارة فاستصحبت والوارد قد قضى عليه بالنجاسة قبل أن يرد فكان الأصل فيه النجاسة فاستصحبت فاستصحاب الحال فيهما أوجب الحكمين المختلفين

هامش أنوار البروق

قلت ما قاله من أن الروم لا يذكون قد حكى بعض الناس أن منهم من يذكي وعلى تقدير أنهم لا يذكون ليست الإنفحة متعينة لعقد الجبن فإنه قد يعقد بغيرها مما هو طاهر كبعض الأعشاب فإذا ثبت أن الروم لا يذكون وأن الطائفة الذين يكون الجبن المعين جبنهم لا يذكون وأنهم لا يعقدون بغير الإنفحة فلا شك أن القول ما ارتضاه وحكاه وإذا لم يثبت شيء من ذلك ووقع الاحتمال فهو موضع خلاف العلماء والأقوى نقلا ونظرا الجواز وعدم التنجيس والله أعلم

قال إذا تقررت هذه المباحث فيكون سر الفرق بين ما ينشأ في باطن الحيوان من النجاسات وبين ما ورد عليه من النجاسات أن الذي نشأ فيه أصله الطهارة فاستصحبت والوارد قد قضى عليه بالنجاسة قبل أن يرد فكان الأصل فيه النجاسة فاستصحبت فاستصحاب الحال فيهما أوجب الحكمين المختلفين

هامش إدرار الشروق

فقط خلافا للأئمة وبنجاسة المذي والودي وبطهارة المعدة عند مالك وبنجاستها عند الشافعي فعنده كل ما يصل إليها من الأغذية الطاهرة يتنجس بها وعند مالك لا يتنجس حتى يتغير إلى صفة العذرة أو يختلط بما في باطن الجسد من نجاسة وكل ما قضى عليه بالتنجيس قبل وروده على باطن الحيوان قضى عليه بذلك بعد وروده عليه إذ لا فرق حينئذ بينه في ظاهر الجسد وفي باطنه فإن حدث عن ذلك عرق ففي نجاسة ذلك العرق وطهارته خلاف مبني على الخلاف في رماد الميتة ونحوه من النجاسات التي طرأت عليها التغيرات والاستحالات

وأما إذا صار ما ورد على باطن الحيوان غذاء من النجاسة لحما وعظما وغيرهما من الأعضاء فإنه يصير طاهرا يبعد الاستحالة كما أن الدم إذا صار منيا ثم آدميا فإنه يكون يبعد هذه الاستحالة ظاهرا وكذا ما تغذت به البقرة الجلالة من النجاسة ولبن الخنزير تشربه الشاة يطهر إذا بعدت الاستحالة قال ابن الشاط وقول الأصل ببطلان صلاة من في جوفه نجاسة وردت عليه قبل استحالتها لحما وعظما لم أقف عليه لأحد غيره ولا أراه صحيحا

قال وقوله إن الروم لا يذكون فينجس جبنهم ويحرم لأنهم يعلمون بالإنفحة كما قاله محققو المالكية وهو الذي رأيت عليه فتاوى العلماء في العصر غير ظاهر على إطلاقه فقد حكى بعض الناس أن منهم من يذكي وعلى تقدير أنهم لا يذكون ليست

____________________

(2/221)

الفرق الخامس والثمانون الفرق بين قاعدة المندوب الذي لا يقدم على الواجب وقاعدة المندوب الذي يقدم على الواجب اعلم أن القاعدة والغالب أن الواجب يكون أفضل من المندوب وإليه الإشارة بقوله عليه السلام حكاية عن الله تعالى ما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها الحديث في مسلم وغيره قد صرح الحديث بأن

هامش أنوار البروق

قلت لا شك أن عين ما في الباطن هو عين ما في الخارج من العذرة والبول وغيرهما فإذا حكم لما في الباطن من ذلك بالطهارة فيلزم أن يحكم لما في الخارج بالطهارة لأنه عين ما كان في الباطن ولما لم يحكم لما في الخارج بالطهارة إجماعا دل ذلك على أنه لم يحكم لما في الباطن بالطهارة لأن أصله الطهارة بل لأمر آخر هذا إن سلم أن حكم ما في الباطن الطهارة لكنه لقائل أن يقول ليس ما في الباطن من ذلك بطاهر بل هو نجس لكنه عفي عنه لتعذر الوصول إلى إزالته وإذا كان ما على المخرج معفوا عنه مع إمكان الإزالة دفعا لمشقة الإزالة مع إمكانها فأحرى أن يعفى عما تعذرت فيه الإزالة والداعي إلى هذا الكلام واختياره دون ما اختاره أن عين ما في الخارج هو عين ما في الباطن مع أنه يحتمل أن يقال بطهارته في الباطن دون الظاهر وبالجملة فكلامه ليس بالقوي ولا الظاهر والله أعلم

قال الفرق الخامس والثمانون بين قاعدة المندوب الذي لا يقدم على الواجب وقاعدة المندوب الذي يقدم على الواجب إلى قوله فتفوت مصلحة الوقت قلت ما ذكره وقرره هنا صحيح كما قرر

قال وتأخير الصلاة إلى وقتها واجب فضاع الواجب بالجمع فلو حفظ هذا الواجب ضاع المندوب

هامش إدرار الشروق

الإنفحة متعينة لعقد الجبن فإنه قد يعقد بغيرها مما هو طاهر كبعض الأعشاب وحينئذ فلا يظهر ما ارتضاه وحكاه بلا شك إلا إذا ثبت أن الطائفة الذين يكون الجبن المعين جبنهم لا يذكون وإنهم لا يعقدون بغير الإنفحة أما إذا لم يثبت شيء من ذلك ووقع الاحتمال فهو موضع خلاف العلماء والأقوى نقلا ونظرا الجواز وعدم التنجيس والله أعلم

الفرق الخامس والثمانون بين قاعدة المندوب الذي لا يقدم على الواجب وقاعدة المندوب الذي يقدم على الواجب المندوب الذي لا يقدم على الواجب هو ما لم تعرض ضرورة لا تندفع إلا بتقديمه عليه فيقدم الواجب حينئذ عليه جريا على القاعدة الأغلبية من تقديمه عليه لأنه أفضل منه ففي مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال حكاية عن الله تعالى ما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه ولا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى

____________________

(2/222)

الواجب أفضل من غيره ومتى تعارض الواجب والمندوب قدم الواجب على المندوب وباعتبار هذه القاعدة ورد سؤال مشكل وهو أن السنة وردت بالجمع بين الصلاتين للظلام والمطر والطين وهذا الجمع يلزم منه تقديم المندوب على الواجب وذلك أن الجماعة يلحقهم ضرر بخروجهم من المسجد إلى بيوتهم وعودهم لصلاة العشاء وكذلك إذا قيل لهم أقيموا في المسجد حتى يدخل وقت العشاء حتى تصلوها وهذا الضرر يندفع بأحد أمرين إما بتفويت فضيلة الجماعة بأن يخرجوا الآن ويصلوا في بيوتهم أفذاذا وإما بأن يصلوا الآن الصلاتين على سبيل الجمع فتفوت مصلحة الوقت وتأخير الصلاة إلى وقتها واجب فضاع الواجب بالجمع فلو حفظ هذا الواجب ضاع المندوب الذي فضيلة الجماعة فقد تعارض واجب ومندوب في دفع هذه الضرورة عن المكلف فقدم المندوب على الواجب فحصل وترك الواجب فذهب وهو خلاف القاعدة والمعهود في الشريعة دفع الضرر بترك الواجب إذا تعين طريقا لدفع الضرر كالفطر في رمضان وترك ركعتين من الصلاة لدفع ضرورة السفر وكذلك يستعمل المحرم لدفع الضرر كأكل الميتة

هامش أنوار البروق

الذي هو فضيلة الجماعة فقد تعارض واجب ومندوب في دفع هذه الضرورة عن المكلف فقدم المندوب على الواجب فحصل وترك الواجب فذهب وهو خلاف القاعدة قلت ما قاله هنا ليس بصحيح فإن تأخير الصلاة إلى وقتها في الحال التي شرع فيها الجمع وتقديم الصلاة الثانية إلى وقت الأولى ليس بواجب أصلا بل هو جائز والتقديم أولى لتحصيل فضل الجماعة فلم يضع واجب بالجمع ولا تعارض واجب ومندوب ولا قدم مندوب على واجب ولا خولفت في ذلك القاعدة وإنما حمله على ما قاله ذهاب وهمه إلى أن تأخير الصلاة إلى وقتها واجب على الإطلاق وليس الأمر كذلك بل تأخير الصلاة إلى وقتها ليس واجبا على الإطلاق بل هو واجب فيما عدا الحال التي شرع فيها الجمع فإنه ليس تأخيرها إلى وقتها من الواجب بل هو جائز قال والمعهود في الشريعة دفع الضرر بترك الواجب إذا تعين طريقا لدفع الضرر كالفطر في رمضان وترك ركعتين من الصلاة لدفع ضرورة السفر قلت ومتى كان ترك الصوم في السفر طريقا متعينا لدفع ضرر السفر في مذهبنا والمختار عند

هامش إدرار الشروق

أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها الحديث فقد صرح بأن الواجب أفضل من غيره والمندوب الذي يقدم على الواجب هو ما دعت الضرورة التي لا تندفع إلا بتقديمه على الواجب إلى تقديمه عليه على خلاف القاعدة المذكورة وله مثل منها الجمع للمسافر وكذا للمريض إذا خاف الغلبة على عقله آخر الوقت فهو متعين لرفع الضرر ومنها الظهر والعصر عند الزوال يوم عرفة فإنه مندوب قدم على واجبين أحدهما تأخير الصلاة لوقتها وهي العصر ترك لأن الجمع لضرورة الحجاج في ذلك اليوم للإقبال على الدعاء والابتهال والتقرب اللائق بعرفة وهو يوم لا يكاد يحصل في العمر إلا مرة بعد ضنك الأسفار وقطع البراري والقفار وإنفاق الأموال من الأقطار البعيدة والأوطان النائية ناسب أن يقدم على مصلحة وقت العصر لأن فوات الزمان هنا للضرورة المذكورة أعظم من فوات الزمان بجمع التقديم بين

____________________

(2/223)

لدفع ضرر التلف وتساغ الغصة بشرب الخمر كذلك وذلك كله لتعين الواجب أو المحرم طريقا لدفع الضرر أما إذا أمكن تحصيل الواجب أو ترك المحرم مع دفع الضرر بطريق آخر من المندوبات أو المكروهات لا يتعين ترك الواجب ولا فعل المحرم ولذلك لا يترك الغسل بالماء ولا القيام في الصلاة ولا السجود لدفع الضرر والألم والمرض إلا لتعينه طريقا لدفع ذلك الضرر وهذا كله قياس مطرد وقد خولف هذا القياس بالجمع المتقدم ذكره وترك الواجب وفعل المندوب في دفع الضرر وكذلك الجمع بعرفة ترك فيه واجبان أحدهما تأخير الصلاة لوقتها وهي العصر فتقدم وتصلى مع الظهر مع إمكان الجمع في تحصيل مصلحة الوقت ودفع الضرر وثانيهما ترك الجمعة إذا جاءت يوم عرفة ويصلى الظهر أربعا فترك الواجب أيضا لا لدفع الضرر لأنه يندفع بالجمع بين العصر والجمعة كما يندفع بالجمع بين الظهر والعصر ولذلك لما حج هارون الرشيد ومعه أبو يوسف واجتمعا بمالك في المدينة على

هامش أنوار البروق

إمامنا الصوم والفطر جائز ومتى كان ترك الركعتين أيضا طريقا متعينا والإتمام سائغ بل ضرر السفر جائز الدفع بذلك وإذا كان الدفع بذلك جائزا فالمكلف مخير في إيقاع الصوم في حال السفر وتأخيره إلى وقت آخر مع اختيار الصوم وكذلك هو مخير في القصر والإتمام مع اختيار القصر فإذا أفطر لم يترك واجبا وإذا قصر كذلك ومن زعم أن المسافر إذا أفطر ترك واجبا لزمه إنكار الواجب الموسع ومن زعم أن المسافر إذا قصر ترك واجبا لزمه إنكار الواجب المخير

قال وكذلك يستعمل المحرم لدفع الضرر كأكل الميتة لدفع ضرر التلف وتساغ الغصة بشرب الخمر كذلك وذلك كله لتعين الواجب أو المحرم طريقا لدفع الضرر قلت إذا أكل المضطر الميتة أو شرب الغاص الخمر فلم يفعل واحد منهما محرما بل فعل واجبا وما هذا الكلام كله إلا كلام من ذهب وهمه إلى أن الحكم الشرعي وصف حقيقي فالتحريم لا يفارق الميتة والخمر بحال وذلك وهم باطل وغلط واضح لا شك فيه

هامش إدرار الشروق

الصلاتين للمسافر لضرورة السفر لأن الإنسان يمكنه أن لا يسافر أو يسافر معه رفقة موافقون على النزول في أوقات الصلوات فهو ضرر يمكن التحرز منه من حيث الجملة بخلاف ضرورة مصالح الحج فإنها أمر لازم للعبد لا خروج له عنها ولا يمكنه العدول عنها إلى غيرها

وثانيها ترك الجمعة إذا جاءت يوم عرفة لأنها وإن كانت أفضل وواجبة قبل الظهر مع الإمكان كما قال أبو يوسف للإمام مالك لما اجتمع به في المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام عام حجه مع هارون الرشيد إلا أن مالكا قال له إن ذلك خلاف السنة فقال له أبو يوسف من أين لك ذلك وأنه خلاف السنة وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس ركعتين قبلهما خطبة

وهذه هي صلاة الجمعة فقال له مالك جهر فيهما أو أسر فسكت أبو يوسف وظهرت الحجة لمالك رضي الله تعالى عنهم أجمعين بسبب الإسرار لأن الجمعة جهرية فلما صلى عليه السلام ركعتين سرا دل ذلك على أنه صلى الظهر سفرية وترك الجمعة

____________________

(2/224)

ساكنها أفضل الصلاة والسلام وقع البحث في ذلك فقال أبو يوسف إذا اجتمع الجمعة والظهر يوم عرفة قدمت الجمعة لأنها أفضل وواجبة قبل الظهر مع الإمكان قال له مالك إن ذلك خلاف السنة فقال له أبو يوسف من أين لك ذلك وأنه خلاف السنة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالناس ركعتين قبلهما خطبة وهذه هي صلاة الجمعة فقال له مالك جهر فيهما أو أسر فسكت أبو يوسف فظهرت الحجة لمالك رضي الله عنهم أجمعين بسبب الإسرار لأن الجمعة جهرية فلما صلى عليه السلام ركعتين سرا دل ذلك على أنه صلى الظهر سفرية وترك الجمعة والخطبة ليوم عرفة لا ليوم الجمعة لأن عرفة إنما خطبته لتعليم الناس مناسك الحج كانت في يوم الجمعة أم لا والجواب عن الجمع وترك الجمعة بعرفة أيسر من الجواب عن الجمع ليلة المطر

أما الجواب عن عرفة وترك الجمعة فلأن الغالب على الحجيج السفر وفرض المسافر الظهر دون الجمعة فجعل النادر تبعا للغالب فمن هو مقيم بعرفة أو منزله قريب من عرفة فترك الجمعة على هذا التقدير ليس ترك الواجب

وأما ترك تأخير الصلاة إلى وقتها وهي

هامش أنوار البروق

قال أما إذا أمكن تحصيل الواجب أو ترك المحرم مع دفع الضرر بطريق آخر من المندوبات أو المكروهات لا يتعين ترك الواجب ولا فعل المحرم قلت لا يتعين ترك واجب ولا فعل محرم إلا بمعنى ما كان واجبا في غير هذه الحال ومحرما كذلك ثم قال ولذلك لا يترك الغسل بالماء ولا القيام في الصلاة ولا السجود لدفع الضرر والألم والمرض إلا لتعينه طريقا لدفع الضرر وهذا كله قياس مطرد قلت إذا تعين ترك ما ذكره طريقا لدفع الضرر صارت تلك الواجبات غير واجبة وهذا كله قياس مطرد قال وقد خولف هذا القياس بالجمع المتقدم ذكره وترك الواجب وفعل المندوب في دفع الضرر قلت إن أراد ترك الواجب في غير هذه الحال فذلك صحيح ولا يفيده ذلك مقصوده وإن أراد

هامش إدرار الشروق

وإن الخطبة ليوم عرفة ولو لم يكن يوم الجمعة لتعليم الناس مناسك الحج لا ليوم الجمعة وذلك لأن الغالب على الحجيج السفر وفرض المسافر الظهر دون الجمعة فجعل النادر وهو المقيم بعرفة ومن منزلته قريب منها تبعا للغالب في ترك الجمعة فترك الجمعة على هذا التقدير ليس ترك الواجب وليس من مثله الجمع بين المغرب والعشاء للظلام والمطر والطين الذي وردت به السنة أما أولا فلأن تأخير الصلاة إلى وقتها ليس واجبا على الإطلاق بل هو واجب فيما عدا الحال التي شرع فيها الجمع أما في الحال التي شرع فيها الجمع كما هنا فليس تأخير صلاة العشاء مثلا إلى وقتها من الواجب بل هو جائز كما أن تقديمها إلى وقت الأولى ليس بواجب أصلا بل هو جائز إلا أن تقديمها لتحصيل فضل الجماعة أولى من تأخيرها إلى وقتها فلم يضع واجب بالجمع ولا قدم مندوب على واجب ولا خولفت في ذلك القاعدة المذكورة

وأما ثانيا فلأنا لو سلمنا أن تأخير العشاء إلى وقتها واجب هنا أيضا وأن هذا الواجب إنما

____________________

(2/225)

العصر فلضرورة الحجاج في ذلك اليوم للإقبال على الدعاء والابتهال والتقرب اللائق بعرفة وهو يوم لا يكاد يحصل في العمر إلا مرة بعد ضنك الأسفار وقطع البراري والقفار وإنفاق الأموال من الأقطار البعيدة والأوطان النائية فناسب أن يقدم هذا على مصلحة وقت العصر ويكون هذا ضررا يوجب التقديم كما يوجب فوات الزمان التقديم في حق المسافر يجمع بين الصلاتين بل هذا أعظم من فوات الزمان لأن الإنسان يمكنه أن لا يسافر أو يسافر معه رفقة موافقين على النزول في أوقات الصلوات فهو ضرر يمكن التحرز منه من حيث الجملة أما مصالح الحج فأمر لازم للعبد ولا خروج له عنها ولا يمكن العدول عنها إلى غيرها فهذا جواب يمكن أن يقال في جمع عرفة دون جمع ليلة المطر

وأما جمع المسافر والمريض إذا خاف الغلبة على عقله آخر الوقت فهو متعين لدفع الضرر بخلاف جمع المطر لم يتعين ترك الواجب لدفع الضرر ولو لم يجمع المسافر والمريض ضاع الواجب آخر الوقت وهو الصلاة الأخيرة بغيبة العقل وضرورة المرض أو دخل الضرر بفوات الرفاق والجمع ليلة المطر لو ترك إنما يفوت المندوب الذي هو الجماعة

وأما

هامش أنوار البروق

ترك الواجب في حال شرعية الجمع فليس تأخير الصلاة إلى وقتها بواجب فلم يترك واجبا بل صارت الأخيرة في هذه الحال من الواجب الموسع بالنسبة إلى وقتها ووقت الأولى ومن فعل الواجب الموسع في أول أجزاء وقته الموسع لم يترك واجبا أصلا وإنما السبب فيما ارتكبه ذهاب الوهم إلى أن تأخير الصلاة إلى وقتها واجب على الإطلاق وأن تأخير الصلاة هو بعينه الواجب وليس تأخير الصلاة إلى وقتها واجبا على الإطلاق ولا هو بعينه الواجب أما كونه ليس واجبا على الإطلاق فلما قد سبق بيانه

وأما كونه ليس هو بعينه الواجب فلأن الواجب إنما هو الصلاة والتأخير والتقديم أمران إضافيان فمتى نسب الوجوب إلى التأخير أو إلى التقديم فليس على ظاهره بل المقصود بوجوب التأخير وجوب فعل الصلاة مؤخرة وبوجوب التقديم وجوب فعلها مقدمة وإذا كان الأمر كذلك فلا يخفى على من فهم شيئا من مقاصد الشرع أن المكلف في حال المطر مخير بين إيقاع صلاة العشاء مقدمة قبل وقتها المحدود لها في غير هذه الحال إيثارا لإحراز فضيلة الجماعة وبين إيقاعها فذا في

هامش إدرار الشروق

ضاع بالمندوب الذي هو وصف الجماعة لما يلحق الجماعة من الضرر الحاصل إما بخروجهم من المسجد إلى بيوتهم وعودهم لصلاة العشاء وإما بإقامتهم في المسجد حتى يدخل وقت العشاء ويصلوها لا نسلم أن هذا الضرر لا يندفع إلا بالجمع لجواز دفعه بغيره أيضا وهو تفويت فضيلة الجماعة بأن يخرجوا الآن ويصلوا في بيوتهم أفذاذا فقد تعارض واجب ومندوب في دفع هذه الضرورة عن المكلف والمعهود في الشريعة أن محل دفع الضرر بترك الواجب وتقديم المندوب عليه إذا تعين ذلك طريقا لدفع الضرر وإلا وجب تقديم الواجب وترك المندوب على القاعدة

وأما ثالثا فلأنا ولو سلمنا أنه مع هذا التعارض وعدم تعين ترك الواجب طريقا لدفع الضرر ولا يجب تقديم الواجب مطلقا لأن المندوبات قسمان قسم تقصر مصلحته عن مصلحة الواجب

وهذا هو الغالب فإن أوامر الشرع تتبع المصالح الخالصة أو الراجحة ونواهيه تتبع المفاسد الخالصة أو الراجحة حتى يكون أدنى رتب المصالح والندب يترتب عليه الثواب ثم

____________________

(2/226)

الصلوات فتصلى على أفضل الأحوال في البيوت عند دخول الأوقات فهذا جمع يختص بهذا السؤال القوي والجواب عنه إذا حصل يقوي الجواب يوم عرفة فنشرع في الجواب عنه فإنه من الأسئلة المشكلة فنقول إن المندوبات قسمان قسم تقصر مصلحته عن مصلحة الواجب وهذا هو الغالب فإن أوامر الشرع تتبع المصالح الخالصة أو الراجحة ونواهيه تتبع المفاسد الخالصة أو الراجحة حتى يكون أدنى المصالح يترتب عليه الثواب ثم تترقى المصلحة والندب وتعظم رتبته حتى يكون أعلى رتب المندوبات تليه أدنى رتب الواجبات وأدنى رتب المفاسد يترتب عليها أدنى رتب المكروهات ثم تترقى المفاسد والكراهة في العظم حتى يكون أعلى رتب المكروهات يليه أدنى رتب المحرمات هذا هو القاعدة العامة ثم إنه قد وجد في الشريعة مندوبات أفضل من الواجبات وثوابها أعظم من ثواب الواجبات وذلك يدل على أن مصالحها أعظم من مصالح الواجبات لأن الأصل في كثرة الثواب وقلته كثرة المصالح وقلتها ألا ترى أن ثواب التصدق بدينار أعظم من ثواب التصدق بدرهم لأنه أعظم مصلحة وسد خلة الوالي الصالح أعظم من سد خلة الفاسق الطالح لأن مصلحة بقاء الولي والعالم في الوجود

هامش أنوار البروق

وقتها المذكور ولا غرو في التخيير بين أمر راجح ومرجوح وفاضل ومفضول كما في خصال الكفارة فإن العتق أرجحها لرجحان قيمة الرقبة على قيمة الكسوة والإطعام في غالب العادة بل كما في رقبة قيمتها ألف ورقبة قيمتها مائة وكما في التخيير بين إطالة سجود الصلاة وتقصيره وذلك لا يحصى كثرة في الشريعة

قال وكذلك الجمع بعرفة ترك فيه واجبان إلى منتهى قوله فنشرع في الجواب عنه فإنه من الأسئلة المشكلة قلت ما قاله ذلك صحيح لا بأس به

قال فنقول إن المندوبات قسمان قسم تقصر مصلحته عن مصلحة الواجب وهذا هو الغالب فإن أوامر الشرع تتبع المصالح الخالصة أو الراجحة ونواهيه تتبع المفاسد الخالصة أو الراجحة إلى قوله هذا هو القاعدة العامة

هامش إدرار الشروق

تترقى المصلحة والندب وتعظم رتبته حتى يكون أعلى رتب المندوبات تليه أدنى رتب الواجبات وأدنى رتب المفاسد يترتب عليها أدنى رتب المكروهات ثم تترقى المفاسد والكراهة في العظم حتى يكون أعلى رتب المكروهات يليه أدنى المحرمات وقسم من المندوبات لا تقصر مصلحته عن مصلحة الواجب بل تارة يساوي الواجب وتارة يفضله فيها فما ورد في الشريعة من تقديم المندوبات على الواجب كما هنا فإن المندوب الذي هو أداء العشاء في جماعة يجمعها مع العشاء قدم على الواجب الذي هو أداؤها في وقتها يجب حمله على هذا القسم سواء أعلمنا أن مصلحة ذلك المندوب أعظم ثوابا من مصلحة ذلك الواجب أو أنهما متساويان فيها أو لم نعلم ذلك أما إذا علمنا أن مصلحته أكثر كما في المندوبات التي وجد في الشريعة أنها أعظم من الواجبات وأن ثوابها أعظم من ثواب الواجبات فدلنا ذلك على أن مصالحها أعظم من مصالح الواجبات فلا كلام كما إذا علمنا التساوي لأن لله تعالى أن يفضل

____________________

(2/227)

لنفسه وللخلق أعظم من مصلحة الفاسق وعلى هذا القانون هذه هي القاعدة العامة في غالب موارد الشريعة مع أنه قد وقع في الشريعة مواضع مستوية في المصلحة وأحدها أكثر ثوابا كقراءة الفاتحة داخل الصلاة أكثر ثوابا من قراءتها خارج الصلاة لوجوبها داخل الصلاة وشاة الزكاة الواجبة أعظم ثوابا من شاة صدقة التطوع مع مساواتها لنفسها ودينار الزكاة أكثر ثوابا من دينار صدقة التطوع

وهو في الشريعة قليل ولله تعالى أن يفضل أحد المتساويين على الآخر بإرادته مع أنه يجوز أن يكون في أحد هذين المتساويين مصلحة لم يطلع عليها أحد بسبب قصد الوجوب فيه أو وقوعه في حيز الواجب إذا ظهر أن كثرة الثواب تدل على كثرة المصلحة غالبا أو مطلقا فأذكر من المندوبات التي فضلها الشرع على الواجبات سبع صور الصورة الأولى إنظار المعسر بالدين واجب وإبراؤه منه مندوب إليه وهو أعظم أجرا من الإنظار لقوله تعالى وأن تصدقوا خير لكم فجعله أفضل من الإنظار وسبب ذلك أن مصلحته أعظم لاشتماله على الواجب الذي هو الإنظار فمن أبرئ مما عليه فقد حصل له الإنظار وهو عدم المطالبة في الحال

هامش أنوار البروق

قلت ما قال صحيح على تسليم أن الأوامر تتبع المصالح والنواهي تتبع المفاسد ولقائل أن يقول إن الأمر بالعكس وهو أن المصالح تتبع الأوامر والمفاسد تتبع النواهي أما في المصالح والمفاسد الأخروية فلا خفاء به فإن المصالح هي المنافع ولا منفعة أعظم من النعيم المقيم والمفاسد هي المضار ولا ضرر أعظم من العذاب المقيم

وأما في المصالح والمفاسد الدنيوية فعلى ذلك دلائل من الظواهر الشرعية كقوله تعالى إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وكقوله تعالى واتقوا الله ويعلمكم الله وكقوله صلى الله عليه وسلم من أخلص لله أربعين صباحا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه إلى أمثال ذلك مما لا يكاد ينحصر وبالجملة فهذا الموضع محل نظر هذا إن كان يريد بالتبعية حصول هذه بعد حصول هذه وإن أراد بذلك أن الأوامر وردت لتحصل عند امتثالها المصالح وأن النواهي وردت لترتفع عند امتثالها المفاسد فذلك صحيح

قال ثم إنه قد وجد في الشريعة مندوبات أفضل من الواجبات وثوابها أعظم من ثواب الواجبات وذلك يدل على أن مصالحها أعظم من مصالح الواجبات

هامش إدرار الشروق

أحد المتساويين على الآخر بإرادته على أنه يجوز أن يكون في أحد المتساويين مصلحة لم يطلع عليها أحد بسبب قصد الوجوب فيه أو وقوعه في حيز الواجب

وأما إذا لم نعلم ذلك فلأنا نستدل بالأثر على المؤثر ونقول ما قدم صاحب الشرع هذا المندوب على هذا الواجب إلا لكون مصلحته أعظم من مصلحة الواجب وذلك لأنا استقرينا الشريعة فوجدناها مصالح على وجه التفضل من الله تعالى

ولذلك قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إذا سمعتم قراءة كتاب الله تعالى فاستمعوا فإنه إنما يأمركم بخير وينهاكم عن شر هذا كلام الأصل ملخصا إلا أنا نقول قوله إن أوامر الشرع تتبع المصالح ونواهيه تتبع المفاسد محل نظر ولقائل أن يقول إن الأمر بالعكس وهو أن المصالح تتبع الأوامر والمفاسد تتبع النواهي أما في المصالح والمفاسد الأخروية فلا خفاء به فإن المصالح هي المنافع ولا منفعة أعظم من النعيم المقيم والمفاسد هي المضار ولا ضرر أعظم من العذاب المقيم

وأما في المصالح والمفاسد الدنيوية

____________________

(2/228)

الصورة الثانية صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين صلاة أي بسبع وعشرين مثوبة مثل مثوبة صلاة المنفرد كذلك خرجه مسلم في صحيحه وهذه السبع والعشرون مثوبة هي مضافة لوصف صلاة الجماعة خاصة ألا ترى أن من صلى وحده ثم صلى في جماعة حصلت له مع أن الإعادة في جماعة غير واجبة عليه فصار وصف الجماعة المندوب أكثر ثوابا من ثواب الصلاة الواجبة وهو مندوب فضل واجبا فدل ذلك على أن مصلحته عند الله تعالى أكثر من مصلحة الواجب

الصورة الثالثة للصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من ألف صلاة في غيره بألف مثوبة مع أن الصلاة فيه غير واجبة فقد فضل المندوب الذي هو الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الواجب الذي هو أصل الصلاة وذلك يدل على أن الصلاة في هذا المكان أعظم مصلحة عند الله تعالى وإن كنا لا نعلم ذلك

الصورة الرابعة الصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة في غيره كما

هامش أنوار البروق

قلت ما قاله في ذلك ليس بمسلم ولا صحيح

قال لأن الأصل في كثرة الثواب وقلته كثرة المصالح وقلتها ألا ترى أن ثواب التصدق بدينار أعظم من ثواب التصدق بدرهم لأنه أعظم مصلحة وسد خلة الولي الصالح أعظم من سد خلة الفاسق الطالح إلى قوله هذه هي القاعدة العامة في غالب موارد الشرع قلت ما ذكره من أن ثواب التصدق بدينار أكثر ثوابا من التصدق بدرهم مسلم صحيح لكن على شرط الاستواء في حال المتصدق والمتصدق عليه من كل وجه أما عند تفاوت حال المتصدق والمتصدق عليه فلا لما في قوله صلى الله عليه وسلم سبق درهم مائة ألف وقد تقدم الكلام فيه

قال مع أنه قد وقع في الشريعة مواضع مستوية في المصالح وأحدها أكثر ثوبا كقراءة الفاتحة داخل الصلاة إلى قوله إذا ظهر أن كثرة الثواب تدل على كثرة المصلحة غالبا أو مطلقا فاذكر من المندوبات التي فضلها الشرع على الواجبات سبع صور قلت ما قاله من استواء مصلحة فاتحة الكتاب داخل الصلاة وخارجها غير مسلم ولم يأت على

هامش إدرار الشروق

فعلى ذلك دلائل من الظواهر الشرعية كقوله تعالى إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وكقوله تعالى واتقوا الله ويعلمكم الله وكقوله صلى الله عليه وسلم من أخلص لله أربعين صباحا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه إلى أمثال ذلك مما لا يكاد ينحصر نعم إن أراد بذلك أن الأوامر وردت لتحصل عند امتثالها المصالح وإن النواهي وردت لترتفع عند امتثالها المفاسد فذلك صحيح وقوله إنه وجد في الشريعة مندوبات أفضل من الواجبات وثوابها أعظم من ثواب الواجبات فدلنا ذلك على أن مصالحها أعظم من مصالح الواجبات فليس بمسلم ولا صحيح فإن القاعدة أن الواجب أعظم من المندوب بدليل الحديث المتقدم ولا معارض له

وما استدل به من قوله تعالى وأن تصوموا خير لكم نقول بموجبه ولا يلزم منه مقصوده والمناسب للبناء على رعاية المصالح أن يكون الأعظم مصلحة بحيث يبلغ إلى حد مصالح الواجبات واجبا والأدنى مصلحة مندوبا أما أن

____________________

(2/229)

خرجه الثقات ابن عبد البر وغيره مع أن الصلاة فيه غير واجبة فقد فضل المندوب الواجب الذي هو أصل الصلاة من حيث هي صلاة

الصورة الخامسة الصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة مع أن الصلاة فيه غير واجبة فقد فضل المندوب الواجب الذي هو أصل الصلاة

هامش أنوار البروق

ذلك بحجة وما قاله من أن لله تعالى أن يفضل أحد المتساويين على الآخر بإرادته صحيح وكذلك ما قاله من أنه يجوز أن يكون في أحد هذين المتساويين مصلحة لم يطلع عليها أحد بسبب قصد الوجوب فيه أو وقوعه في حيز الواجب

قال الصورة الأولى إنظار المعسر بالدين واجب وإبراؤه منه مندوب إليه إلى آخرها قلت ما قاله في ذلك ليس بمسلم ولا بصحيح بل الإنظار أعظم أجرا من جهة أنه واجب والقاعدة أن الواجب أعظم أجرا من المندوب بدليل الحديث المتقدم ولا معارض له وما استدل به من قوله تعالى وأن تصدقوا خير لكم نقول بموجبه ولا يلزم منه مقصوده وما قاله من أن مصلحة الإبراء أعظم لاشتماله على الواجب الذي هو الإنظار ليس بصحيح لأن الإنظار تأخير الطلب بالدين وهو مستلزم لطلب الدين بعد والإبراء إسقاط بالكلية وهو مستلزم لعدم طلبه بعد فكيف يصح أن يكون ما يستلزم عدم الطلب متضمنا لما يستلزم الطلب

قال الصورة الثانية صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين صلاة إلى آخرها قلت ليست الجماعة متفضلة عن الصلاة بل الجماعة وصف للصلاة فضلت به على وصف الانفراد فصلاة المكلف إذا فعلها في جماعة وقعت واجبة وإذا فعلها وحده وقعت كذلك غير أنه أحد الواجبين أعظم أجرا من الآخر ولا ينكر مثل ذلك وأما أن يقال إن صلاة الظهر مثلا إذا أوقعها المكلف في جماعة فكونها صلاة ظهر هو الواجب وكونها في جماعة هو المندوب فذلك ليس بصحيح بوجه لأن كونها في جماعة ليس منفصلا من كونها ظهرا بل هي ظهر وهي في جماعة

قال الصورة الثالثة الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من ألف صلاة في غيره إلى آخرها قلت إن كانت الصلاة التي تصلى في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم واجبة فهي تفضل تلك الصلاة بنفسها إذا صليت في غيره وإن كانت نافلة فهي تفضل تلك الصلاة بنفسها إذا صليت في غيره

قال الصورة الرابعة الصلاة في المسجد الحرام إلى آخرها قلت الكلام في هذه الصورة كالكلام في التي قبلها

قال الصورة الخامسة الصلاة في بيت المقدس إلى آخرها قلت وهذه الكلام فيها أيضا كالكلام فيما قبلها وحقيقته أن إيقاع الصلاة في مكان ما ليس غير

هامش إدرار الشروق

يكون الأعظم مصلحة مندوبا والأدنى مصلحة واجبا فليس بمناسب لرعاية المصالح بوجه وما مثل به من الصور السبع على أنه من تلك المندوبات فلا يصح شيء منه

أما الصورة الأولى فإن الأعظم فيها أجرا إنما هو إنظار المعسر بالدين من جهة أنه واجب لا كما قال من أن الأعظم أجرا هو إبراؤه منه من جهة اشتماله على الواجب الذي هو الإنظار إذ كيف يصح أن يكون الإبراء الذي هو إسقاط للطلب

____________________

(2/230)

الصورة السادسة روي أن صلاة بسواك خير من سبعين صلاة بغير سواك مع أن وصف السواك مندوب إليه ليس بواجب فقد فضل المندوب الواجب الذي هو أصل الصلاة ويؤكد ذلك قوله عليه السلام في الحديث الآخر لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة قال بعض العلماء هذا يدل على أن مصلحته تصلح للإيجاب ولكن ترك الإيجاب رفقا بالعباد

هامش أنوار البروق

الصلاة حتى يصح أن يقال إن إيقاعها في ذلك المكان مندوب وهي في نفسها واجبة ولكن إيقاع الصلاة في المكان هو نفس الصلاة وتوهم الانفصال أوجب الغلط في مثل هذه الصورة

قال الصورة السادسة روي أن صلاة بسواك خير من سبعين صلاة بغير سواك إلى آخر الصورة قلت ما قاله من أن وصف السواك مندوب صحيح ولكن جعل الشارع الصلاة مع السواك بسبعين صلاة بغير سواك أي فيها ثواب سبعين صلاة بدون سواك فالسواك وإن كان مندوبا سبب في تضعيف ثواب الواجب ولا يلزم من ذلك أن هذا المندوب خير من أصل الصلاة لأجل كونه سببا في تضعيف ثوابها وبيان ذلك أن نص الشارع لا يقتضي أن هذا التضعيف ثواب للسواك وإنما يقتضي أن التضعيف ثواب للصلاة المصاحبة للسواك وما ذهب إليه من أن المندوب الذي هو السواك خير من أصل الصلاة لا دليل عليه من الحديث ولا من غيره

قال الصورة السابعة الخشوع في الصلاة مندوب إليه لا يأثم تاركه فهو غير واجب مع أنه ورد في الصحيح قوله عليه الصلاة والسلام إذا نودي للصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وعليكم السكينة والوقار فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا وروي وما فاتكم فاقضوا قال بعض العلماء إنما أمر بعدم الإفراط في السعي لأنه إذا قدم على الصلاة عقيب شدة السعي يكون عنده انبهار وقلق يمنعه من الخشوع اللائق بالصلاة فأمره عليه السلام بالسكينة والوقار واجتناب ما يؤدي إلى فوات الخشوع وإن فاتته الجمعة والجماعات إلى قوله في الحديث ولا يزال يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه الحديث قلت لا يتعين ما قاله ذلك العالم من كون عدم السكينة موجبا لعدم الخشوع سببا للأمر بالسكينة حتى يلزم عن ذلك ترك الواجب الذي هو صلاة الجمعة للمندوب الذي هو الخشوع بل لقائل أن يقول إن الأمر بالسكينة إنما كان لأن ضدها المنهي عنه الذي هو شدة السعي شاغل للبال مناف للحضور الذي هو شرط في صحة الصلاة بحسب الوسع فإذا كانت شدة السعي من كسبه فعدم الحضور المسبب عن الشغل بآثار شدة السعي من الانبهار والقلق من كسبه فليس في الحديث على هذا الوجه ما يدل على تقديم مندوب ولا تفضيله على واجب بل فيه النهي عن التسبب إلى الإخلال

هامش إدرار الشروق

بالكلية ومستلزم لعدم طلبه بعد متضمنا للإنظار الذي هو تأخير الطلب بالدين ومستلزم لطلبه بعد وأما الصورة الثانية فلأن صلاة المكلف نحو الظهر إذا فعلها في جماعة وقعت واجبة

وإذا فعلها وحده وقعت كذلك فليس فيها إلا أن أحد الواجبين أعظم أجرا من الآخر وكونها في جماعة ليس منفصلا من كونها ظهرا حتى إنه هو المندوب بل هي ظهر وهي في جماعة وأما الصورة الثالثة والرابعة والخامسة فلأن الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم أو في المسجد الحرام أو في بيت المقدس إن كانت واجبة فهي

____________________

(2/231)

الصورة السابعة الخشوع في الصلاة مندوب إليه لا يأثم تاركه فهو غير واجب مع أنه قد ورد في الصحيح قوله عليه السلام إذا نودي للصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وعليكم السكينة والوقار فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا وروي وما فاتكم فاقضوا قال بعض العلماء إنما أمر بعدم الإفراط في السعي لأنه إذا قدم على الصلاة عقيب شدة السعي يكون عنده انبهار وقلق يمنعه من الخشوع اللائق بالصلاة فأمره عليه السلام بالسكينة والوقار واجتناب ما يؤدي إلى فوات الخشوع وإن فاتته الجمعة

هامش أنوار البروق

بشرط الواجب مع أن منافاة القلق والانبهار للخشوع ليس بالأمر الواضح وإن ثبتت المنافاة بينهما فإنما ذلك من منافاة الحضور إذ الحضور شرط في الخشوع والله أعلم

قال إذا تقرر هذا وظهر أن بعض المندوبات قد تفضل الواجبات في المصلحة إلى قوله طرد القاعدة الشرع في رعاية المصالح قلت لم يتقرر ما قال ولا أقام عليه حجة ولا يصح بناء على قاعدة رعاية المصالح فإنه إذا كانت المصلحة في أمر ما أعظم منها في أمر آخر وبلغ إلى حد مصالح الواجبات فالذي يناسب رعاية المصالح أن يكون الأعظم مصلحة على الوجه المذكور واجبا والأدنى مصلحة مندوبا أما أن يكون الأعظم مصلحة مندوبا ويكون الأدنى مصلحة واجبا فليس بمناسب لرعاية المصالح بوجه

قال ولما وردت السنة الصحيحة بالجمع بين الصلاتين وقدم فيه المندوب الذي هو وصف الجماعة على الواجب الذي هو الوقت قلنا هذا المندوب أعظم مصلحة من ذلك الواجب إلى آخر ما قاله في هذا الفرق قلت لم يقدم المندوب على الواجب ولا يصح على قاعدة مراعاة المصالح أن يكون أعظم مصلحة من الواجب والله أعلم

هامش إدرار الشروق

تفضل على نفسها إذا صليت في غيره وإن كانت نافلة فهي تفضل على نفسها إذا صليت في غيره فليس في هذه الصورة إلا أن أحد الواجبين أو أحد المندوبين أعظم من الآخر

وأما الصورة السادسة فلأن ما روي من أن صلاة بسواك خير من سبعين صلاة بغير سواك لا يقتضي أن هذا التضعيف ثواب السواك الذي هو مندوب وإنما يقتضي أن التضعيف ثواب الصلاة المصاحبة للسواك فلا دليل لا من الحديث ولا من غيره على أن المندوب الذي هو السواك خير من أصل الصلاة

وأما الصورة السابعة فلأن قوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح إذا نودي للصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وعليكم السكينة والوقار فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا وروي وما فاتكم فاقضوا ليس فيه ما يدل على تقديم مندوب وتفضيله على واجب إلا على احتمال أن الأمر بالسكينة والوقار واجتناب الإفراط في السعي الذي يكون عند المكلف عقيبه انبهار وقلق يمنعه من الخشوع اللائق بالصلاة

وإن فاتته الجمعة والجماعات وأما على احتمال أن الأمر بالسكينة إنما كان لأن ضده المنهي عنه الذي هو شدة السعي شاغل للبال مناف للحضور الذي هو شرط في صحة الصلاة بحسب الوسع فيكون عدم الحضور من كسبه لكونه مسببا عما هو من كسبه الذي هو الشغل بآثار شدة السعي من الانبهار والقلق فليس فيه ما يدل على ذلك بل فيه النهي عن التسبب إلى الإخلال بشرط الواجب ولا دلالة مع الاحتمال على أن منافاة القلق والانبهار للخشوع ليس بالأمر الواضح إذ ثبوتها بينهما إنما هو عن

____________________

(2/232)

والجماعات وذلك يدل على أن مصلحة الخشوع أعظم من مصلحة وصف الجمعة والجماعات مع أن الجمعة واجبة فقد فضل المندوب الواجب في هذه الصورة فهي على خلاف القاعدة العامة التي تقدم تقريرها التي شهد لها الحديث في قوله تعالى ما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه الحديث

إذا تقرر هذا وظهر أن بعض المندوبات قد تفضل الواجبات في المصلحة فنقول إنا حيث قلنا إن الواجب يقدم على المندوب والمندوب لا يقدم على الواجب حيث كانت مصلحة الواجب أعظم من مصلحة المندوب أما إذا كانت مصلحة المندوب أعظم ثوابا فإنا نقدم المندوب على الواجب كما تقدم في الخشوع وغيره فإذا وجدنا الشرع قدم مندوبا على واجب فإن علمنا أن مصلحة ذلك المندوب أكثر فلا كلام حينئذ وإن لم نعلمها استدللنا بالأثر على المؤثر وقلنا ما قدم صاحب الشرع هذا المندوب على هذا الواجب إلا لمصلحة ومصلحته أعظم من مصلحة الواجب لأنا استقرينا الشرائع فوجدناها مصالح على وجه التفضل من الله تعالى ولذلك قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إذا سمعتم قراءة كتاب الله تعالى فاستمعوا فإنه إنما يأمركم بخير وينهاكم عن شر فحيث لم نعلم ذلك قلنا هو كذلك طرد القاعدة الشرع في رعاية المصالح ولما وردت السنة الصحيحة بالجمع بين الصلاتين وقدم فيه المندوب الذي هو وصف الجماعة على الواجب الذي هو الوقت قلنا هذا المندوب أعظم مصلحة من ذلك الواجب أو مساو للواجب فخير الشرع بينهما وجعل له اختيار أحدهما فاندفع السؤال حينئذ

الفرق السادس والثمانون الفرق بين قاعدة ما يكثر الثواب فيه والعقاب وبين قاعدة ما يقل الثواب فيه والعقاب اعلم أن الأصل في كثرة الثواب وقلته وكثرة العقاب وقلته أن يتبعا كثرة المصلحة

هامش أنوار البروق

قال الفرق السادس والثمانون بين قاعدة ما يكثر الثواب فيه والعقاب وبين قاعدة ما يقل الثواب فيه والعقاب اعلم أن الأصل في كثرة الثواب وقلته وكثرة العقاب وقلته أن يتبعا كثرة المصلحة في الفعل وقلتها كتفضيل التصدق بالدينار على التصدق بالدرهم إلى قوله وهذا هو غالب الشريعة

هامش إدرار الشروق

منافاة الحضور الذي هو شرط في الخشوع فافهم أفاده ابن الشاط والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق السادس والثمانون بين قاعدة ما يكثر الثواب فيه والعقاب وبين قاعدة ما يقل الثواب فيه والعقاب يكثر الثواب أو العقاب غالبا في أحد فعلين وقعت المساواة بينهما من كل وجه فيما عدا المصلحة

____________________

(2/233)

في الفعل وقلتها كتفضيل التصدق بالدينار على التصدق بالدرهم وإنقاذ الغريق من بني آدم مع إنقاذ الغريق من الحيوان البهيمي وإثم الأذية في الأعراض والنفوس أعظم من الأذية في الأموال وهذا هو غالب الشريعة وقد يستوي الفعلان في المصلحة والمفسدة من كل وجه ويوجب الله تعالى أحدهما دون الآخر كتكبيرة الإحرام مع غيرها من التكبيرات وسجدة التلاوة مع سجدة الصلاة وسجدة النافلة مع سجدة الفريضة وكذلك الركوع فيهما بل قد تترك هذه القاعدة وتعكس بأن يصير الأقل أكثر ثوابا كتفضيل القصر على الإتمام مع اشتمال الإتمام على مزيد الخشوع والإجلال وأنواع التقرب وكتفضيل

هامش أنوار البروق

قلت إن أراد أن ذلك أمر يدرك بالعقل ويلزم فيه فليس ما قاله بصحيح فإن ترتب الثواب والعقاب على الأعمال لا مجال للعقل فيه فإنه من باب وقوع أحد الجائزين وإن أراد أن ذلك أمر يدرك شرعا ويلزم فيه فما قاله صحيح لكن ليس ذلك على الإطلاق بل ذلك إذا وقعت المساواة من كل وجه ولم يقل التفاوت إلا في المصلحة خاصة

قال وقد يستوي الفعلان في المصلحة والمفسدة من كل وجه ويوجب الله تعالى أحدهما دون الآخر كتكبيرة الإحرام مع غيرها من التكبيرات وسجدة التلاوة مع سجدة الصلاة وسجدة النافلة مع سجدة الفريضة وكذلك الركوع فيهما قلت ما قاله لا يصح على قاعدة مراعاة المصالح وأنها إذا بلغت إلى حدها في الكثيرة لزم الوجوب وإذا لم تبلغ فلا بد من الثواب وعلى ذلك يلزم إذا تساوت أن يلزم الوجوب في المتساويين إن بلغت مصلحتهما إلى رتبة الواجبات أو الندب فيهما وإن لم تبلغ إلى تلك الرتبة وما أورده من الأمثلة لا نسلم فيها المساواة لم يأت على دعوة المساواة فيها بحجة غير ما سبق إلى الوهم بذلك بسبب المساواة في الصورة والمقدار وذلك لا دليل فيه

هامش إدرار الشروق

خاصة أو المفسدة خاصة على حسب ما يدرك فيه شرعا من كثرة المصلحة أو المفسدة مثلا ثواب التصدق بدينار أكثر من ثواب التصدق بدرهم لأن مصلحة الدينار أعظم من مصلحة الدرهم عند استواء حال المتصدق والمتصدق عليه من كل وجه أما عند تفاوت حال المتصدق والمتصدق عليه فلا لقوله صلى الله عليه وسلم سبق درهم مائة ألف وسد خلة الولي الصالح أعظم من سد خلة الفاسق الطالح لأن مصلحة بقاء الولي والعالم في الوجود لنفسه وللخلق أعظم من مصلحة بقاء الفاسق وإنقاذ الغريق من بني آدم لعظيم مصلحة بقائه أعظم من إنقاء الغريق من الحيوان البهيمي وإثم الأذية في الأعراض والنفوس لعظم مفسدتها أعظم من إثم الأذية في الأموال وعلى هذا القانون في غالب الشريعة وقد يكثر الثواب أو العقاب في أحد الفعلين المذكورين على خلاف هذا القانون بأن يصير الأقل مفسدة أكثر عقابا والأقل مصلحة أكثر ثوابا كتفصيل القصر على الإتمام مع اشتمال الإتمام على مزيد الخشوع والإجلال وأنواع التقرب وكتفضيل الصبح على سائر الصلوات عندنا بناء على أنها الصلاة الوسطى وكتفضيل العصر على رأي أبي حنيفة بناء على أنها الصلاة الوسطى مع تقصير القراءة فيها بالنسبة إلى الظهر وكتفضيل ركعة الوتر على ركعتي الفجر ومن ذلك ما ورد في الحديث الصحيح أن النبي عليه السلام قال من قتل الوزغة في الضربة الأولى فله مائة حسنة

____________________

(2/234)

الصبح على سائر الصلوات عندنا بناء على أنها الصلاة الوسطى وكتفضيل العصر على رأي أبي حنيفة مع تقصير القراءة فيها بالنسبة إلى الظهر وكتفضيل ركعة الوتر على ركعتي الفجر ومن ذلك ما ورد في الحديث الصحيح أن النبي عليه السلام قال من قتل الوزغة في الضربة الأولى فله مائة حسنة ومن قتلها في الثانية فله سبعون حسنة فكلما كثر الفعل كان الثواب أقل وسبب ذلك أن تكرار الفعل والضربات في القتل يدل على قلة اهتمام الفاعل بأمر صاحب الشرع إذ لو قوي عزمه واشتدت حميته لقتلها في الضربة الأولى فإنه حيوان لطيف لا يحتاج إلى كثرة متونة في الضرب فحيث لم يقتلها في الضربة الأولى دل ذلك على ضعف عزمه فلذلك ينقص أجره عن المائة إلى السبعين والأصل هو ما تقدم أن قاعدة كثرة الثواب كثرة الفعل وقاعدة قلة الثواب قلة الفعل فإن كثرة الأفعال في القربات تستلزم كثرة المصالح غالبا ولله تعالى أن يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا راد لحكمه ولا معقب لصنعه

هامش أنوار البروق

قال بل قد تترك هذه القاعدة وتعكس بأن يصير الأقل أكثر ثوابا كتفضيل القصر على الإتمام مع اشتمال الإتمام على مزيد الخضوع والإجلال وأنواع التقرب وكتفضيل الصبح على سائر الصلوات عندنا بناء على أنها الصلاة الوسطى وكتفضيل العصر على رأي أبي حنيفة مع تقصير القراءة فيها بالنسبة إلى الظهر وكتفضيل ركعة الوتر على ركعتي الفجر إلى آخر الفرق قلت قد اعترف بأنها قاعدة غير مطردة وأن الأمر في ذلك إلى الله تعالى يفضل ما شاء على ما شاء وهذا هو الصحيح لا ما سواه والله أعلم

هامش إدرار الشروق

ومن قتلها في الثانية فله سبعون حسنة فدل على أنه كلما كثر الفعل كان الثواب أقل وما ذلك إلا لأنه لما لم يقتلها في الضربة وهي حيوان لطيف لا يحتاج إلى كثرة متونة في الضرب دل على ضعف عزمه وقلة اهتمامه بأمر صاحب الشرع فنقص أجره عن المائة إلى السبعين وإن كثر فعله على خلاف القاعدة إذ لله تعالى أن يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا راد لحكمه ولا معقب لصنعه قلت ومن ذلك أيضا ما ذهب إليه الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى من تفضيل المدينة على مكة إذ لا معنى لتفضيل مكة عليها عند غيره من الأئمة إلا أن ثواب العمل في مكة أكثر من ثواب العمل فيها

وقد قال مالك إن أسباب التفضيل لا تنحصر في مزيد المضاعفة فالصلوات الخمس بمنى عند التوجه لعرفة أفضل منها بمسجد مكة وإن انتفت عنها المضاعفة فافهم قال ابن الشاط ما حاصله ولم يثبت في الشريعة ما يصلح أن يكون دليلا على تفضيل الله تعالى أحد الفعلين المتساويين في المصلحة على الآخر وقاعدة مراعاة المصالح وإنها إذا بلغت إلى حدها في الكثرة لزم الوجوب وإذا لم تبلغ فلا بد من الثواب والندب تقتضي لزوم الوجوب في المتساويين معا إن بلغت مصلحتهما إلى رتبة الواجبات أو الندب فيهما معا وإن لم تبلغ مصلحتهما إلى تلك الرتبة فوجب حمل المتساويين في المصلحة حينئذ على ما تقتضيه هذه القاعدة فتأمل ا ه والله أعلم

____________________

(2/235)

الفرق السابع والثمانون الفرق بين قاعدة ما يثبت في الذمم وبين قاعدة ما لا يثبت فيها اعلم أن المعينات المشخصات في الخارج المرئية بالحس لا تثبت في الذمم ولذلك أن من اشترى سلعة معينة فاستحقت انفسخ العقد ولو ورد العقد على ما في الذمة كما في السلم فأعطاه ذلك وعينه فظهر ذلك المعين مستحقا رجع إلى غيره لأنه تبين أن ما في الذمة لم يخرج منها وكذلك إذا استأجر دابة معينة للحمل أو غيره فاستحقت أو ماتت انفسخ العقد ولو استأجر منه حمل هذا المتاع من غير تعيين دابة أو على أن يركبه إلى مكة من غير تعيين مركوب معين فعين له لجميع ذلك دابة للحمل أو لركوبه فعطبت أو استحقت رجع فطالبه بغيرها لأن المعقود عليه غير معين بل في الذمة فيجب عليه الخروج منه بكل معين شاء ويظهر أثر ذلك في قاعدة أخرى فإن المطلوب متى كان في

هامش أنوار البروق

قال الفرق السابع والثمانون بين قاعدة ما يثبت في الذمم وبين قاعدة ما لا يثبت فيها إلى قوله فيقبل ما لا يتعلق منها البدل والمعين لا يقبل البدل والجمع بينهما محال قلت ما قاله في ذلك صحيح ما عدا قوله بل يتعلق الحكم فيه بالأمور الكلية والأجناس المشتركة فإنه إن أراد أن الحكم يتعلق بالأمور الكلية من حيث هي كلية فليس ذلك بصحيح وإن أراد أن الحكم يتعلق بالأمور الكلية أي بواحد غير معين منها فذلك صحيح وقد سبق التنبيه على مثل هذا

قال وهذا الفرق بين هاتين القاعدتين يظهر أثره في المعاملات والصلوات والزكوات فلا ينتقل

هامش إدرار الشروق

الفرق السابع والثمانون بين قاعدة ما يثبت في الذمم وبين قاعدة ما لا يثبت فيها الذي لا يثبت في الذمم هو المعينات المشخصات في الخارج المرئية بالحس والذي يثبت فيها هو ما عداها ويظهر أثر ذلك في المعاملات وفي الصلوات والزكوات أما في المعاملات ففي قاعدتين إحداهما قاعدة الاستحقاق أو الموت لما وقع العقد عليه يوجب في المعين انفساخ العقد وفي غير المعين لا يوجبه فإذا اشترى سلعة معينة فاستحقت انفسخ العقد أو ما في الذمة كما في السلم فأعطاه ذلك وعينه ثم استحق لم ينفسخ العقد بل يرجع إلى غير ما استحق لأنه تبين أن ما في الذمة لم يخرج منها وإذا استأجر دابة معينة للحمل أو غيره كالركوب فاستحقت أو ماتت انفسخ العقد أو غير معينة لذلك فعطبت أو استحقت لم ينفسخ العقد بل يطالبه بغيرها لأن المعقود عليه غير معين بل في الذمة فيجب الخروج منه بكل معين شاء القاعدة الثانية قاعدة التخيير في تسليم المعقود عليه وعدمه فمتى كان في الذمة كان لمن هو عليه أن يتخير بين الأمثال ويعطي أي مثل شاء ومتى كان معينا من تلك الأمثال لم يكن له الانتقال عنه إلى غيره

____________________

(2/236)

الذمة فإن لمن هو عليه أن يتخير بين الأمثال ويعطي أي مثل شاء ولو عقد على معين من تلك الأمثال لم يكن له الانتقال عنه إلى غيره فلو اكتال رطل زيت من خابية وعقد عليه لم يكن له أن يعطي غيره من الخابية

وكذلك إذا فرق صبرته صيعانا فعقد على صاع منها بعينه لم يكن له الانتقال عنه إلى غيره من تلك الأمثال ولو كان في الذمة لكان له الخروج عنه بأي مثل شاء من تلك الأمثال فهذا أيضا يوضح لك أن المعينات لا تثبت في الذمم وأن ما في الذمم لا يكون معينا بل يتعلق الحكم فيه بالأمور الكلية والأجناس المشتركة فيقبل ما لا يتعين منها البدل والمعين لا يقبل البدل والجمع بينهما محال وهذا الفرق بين هاتين القاعدتين يظهر أثره في المعاملات والصلوات والزكوات فلا ينتقل الأداء إلى الذمة إلا إذا خرج وقته لأنه معين بوقته والقضاء ليس له وقت معين يتعين حده بخروجه فهو في الذمة والقاعدة أن من شرط الانتقال إلى الذمة تعذر المعين كالزكاة مثلا ما دامت معينة بوجود نصابها لا تكون في الذمة فإذا تلف النصاب بعذر لا يضمن

هامش أنوار البروق

الأداء إلى الذمة إلا إذا خرج وقته لأنه معين بوقته والقضاء ليس له وقت معين يتعين حده بخروجه فهو في الذمة قلت ما قاله هنا ليس بصحيح فإنه لا فرق بين الأداء والقضاء في كون كل واحد منهما في الذمة فإن الأفعال لا تتعين إلا بالوقوع وكل فعل لم يقع لا يصح أن يكون معينا وما قاله من أن الفعل الموقت معين بوقته لا يفيده المقصود فإنه وإن كان معينا بوقته أي وقته معين فهو غير معين بمكانه وسائر أحواله

قال والقاعدة أن من شرط الانتقال إلى الذمة تعذر المعين كالزكاة مثلا ما دامت معينة بوجود نصابها لا تكون في الذمة فإذا تلف النصاب بعذر لا يضمن نصيب الفقراء ولا ينتقل الواجب إلى الذمة

هامش إدرار الشروق

فلو اكتال رطل زيت من خابية وعقد عليه لم يكن له أن يعطي غيره من الخابية وإذا فرق صبرته صيعانا فعقد على صاع منها بعينه لم يكن له الانتقال عنه إلى غيره من تلك الأمثال

وأما إذا عقد على صاع غير معين من جنس هذه الصبرة أو على رطل غير معين من جنس هذا الزيت فإن المعقود عليه لعدم تعينه يكون في الذمة فله الخروج عنه بأي مثل شاء من تلك الأمثال وبالجملة فالمعينات لا تثبت في الذمم وما في الذمم لا يكون معينا بل يتعلق الحكم فيه بواحد غير معين من الأمور الكلية والأجناس المشتركة فيقبل ما لا يتعين منها البدل والمعين لا يقبل البدل والجمع بينهما محال

وأما في الصلوات والزكوات ففي قاعدة أن من شرط الانتقال إلى الذمة تعذر المعين والصلاة من حيث إنها فعل لا تعين لها ما لم تقع من أداء الصلوات التي لم تقع مع بقاء وقتها وقضاء الصلوات التي لم تقع مع خروج وقتها يكون في الذمة إذ لا يصح في الفعل الذي لم يقع وإن تعين بتعين وقته أن يكون معينا لأن تعينه بتعين وقته لا يقتضي جعله معينا بمكانه وسائر أحواله والزكاة من حيث إنها حق واجب في المال المعين لا تكون إلا حقا معينا بمعنى أنه جزء لمعين فلا تكون في الذمة ما وجد نصابها فإذا تلف بعذر لم ينتقل الحق الواجب لتعينه إلى الذمة فلا يضمن مالك النصاب حينئذ نصيب الفقراء وإذا تلف بغير عذر ترتب الحق الواجب

____________________

(2/237)

نصيب الفقراء ولا ينتقل الواجب إلى الذمة وكذلك الصلاة إذا تعذر فيها الأداء بخروج وقتيها لعذر لا يجب القضاء وإن خرج لغير عذر ترتبت في الذمة ووجب القضاء ولا يعتبر في القضاء التمكن من الإيقاع أول الوقت خلافا للشافعي رحمه الله كما لا يعتبر في ضمان الزكاة تأخر الجائحة عن الزرع أو الثمرة بعد زمن الوجوب وكما لو باع صاعا من صبرة وتمكن من كيلها ثم تلفت الصبرة من غير البائع فإنه لا يخاطب بالتوفية من جهة أخرى ولا ينتقل الصاع للذمة ولذلك أجمعنا في المسافر يقيم والمقيم يسافر على اعتبار آخر الوقت وهذا الفرق قد خالفناه أيها المالكية في صورتين إحداهما في النقدين عندنا لا يتعين بالتعيين وإنما تقع المعاملة بهما على الذمم

وإن عينت إلا أن تخص بأمر يتعلق به الغرض كشبهة في أحدهما أو سكة رائجة دون النقد الآخر ولو غصب غاصب دينارا معينا فله أن يعطي غيره مثله في المحل ويمنع ربه من أخذ ذلك المعين المغصوب وعلل ذلك أصحابنا بأن خصوصات الدنانير والدراهم لا تتعلق بها الأغراض فسقط

هامش أنوار البروق

وكذلك الصلاة إذ تعذر فيها الأداء بخروج وقتها لعذر لا يجب القضاء وإن خرج لغير عذر ترتبت في الذمة ووجب القضاء قلت تسويته بين الصلاة والزكاة ليست بصحيحة فإن الزكاة حق واجب في المال المعين فالحق متعين بمعنى أنه جزء لمعين وأما الصلاة فليست كذلك فإنها فعل والأفعال لا تعين لها ما لم تقع

قال ولا يعتبر في القضاء التمكن من الإيقاع أول الوقت خلافا للشافعي رحمه الله كما لا يعتبر في ضمان الزكاة تأخر الجائحة عن الزرع أو الثمرة إلى قوله ولذلك أجمعنا في المسافر يقيم والمقيم يسافر على اعتبار الوقت قال وهذا الفرق قد خالفناه أيها المالكية في صورتين إحداها في النقدين عندنا لا يتعين بالتعيين وإنما تقع المعاملة بهما على الذمم وإن عينت إلا أن تختص بأمر يتعلق به

هامش إدرار الشروق

في الذمة فيضمن مالك النصاب حينئذ نصيب الفقراء ولا يعتبر في الضمان تأخر الجائحة عن زمن الوجوب في الزرع أو الثمرة مثلا فافهم والله أعلم وصل هذا الفرق غير مطرد عند المالكية بل خالفوه في صورتين

الصورة الأولى قولهم لا يتعين النقدان بالتعيين وإنما تقع المعاملة بهما على الذمم وإن عينت النقود إلا أن تختص بأمر يتعلق به الغرض كشبهة في أحدهما أو سكة رائجة دون النقد الآخر وأنه إذا غصب غاصب دينارا معينا فله أن يعطي غيره مثله في المحل ويمنع ربه من أخذ ذلك المعين المغصوب معللين بأن خصوصات الدنانير والدراهم لا تتعلق بها الأغراض فسقط اعتبارها في نظر الشرع إذ لا يعتبر صاحب الشرع إلا ما فيه نظره صحيح ويرد عليه سؤالان أحدهما أنه يلزمه أن لا تكون أعيان الدراهم والدنانير مملوكة أيضا إذ لو كانت الخصوصات مملوكة لكان لصاحب المعين المطالبة بملكه وأخذه المعين من الغاصب والمشتري واللازم باطل لأنهم يقولون إن للغاصب المنع من المعين وكذلك المشتري في العقود وإذا لم تملك أعيان الدنانير والدراهم عندهم لم يكن المملوك إلا الجنس الكلي والجنس الكلي لا يصح أن يملك أما على قول نافيه فظاهر

وأما على قول مثبته فلأنه ذهني صرف والذهني الصرف لا يتأتى ملكه فيلزم على هذا القول أن من ملك

____________________

(2/238)

اعتبارها في نظر الشرع فإن صاحب الشرع إنما يعتبر ما فيه نظر صحيح ولزمهم على ذلك سؤالان أحدهما يلزم أن أعيان الدنانير والدراهم لا تملك أيضا لأجل أن للغاصب المنع من المعين وكذلك المشتري في العقود ولو كانت الخصوصات مملوكة لكان لصاحب المعين المطالبة بملكه وأخذه المعين من الغاصب والمشتري فلا يكون المملوك عندهم إلا الجنس الكلي دون الشخصي ومتى شخص من الجنس شيء لا يملك خصوصه ألبتة وهو أمر شنيع وثانيهما أنا اتفقنا على أن الصيعان المستوية والأرطال المستوية من الزيت تملك أعيانها وإنما تعين بالتعيين مع أن الأغراض مستوية في تلك الأفراد فهي نقض كبير عليهم ولهم الجواب عن الأول بالتزامه والشناعة لا عبرة بها من غير دليل شرعي

وقد تمسكوا بدليل صحيح وهو أن الشرع لا يعتبر ما لا غرض فيه وهذا كلام حق وعن الثاني الفرق بين النقدين وغيرهما فإنهما وسائل لتحصيل الأغراض من السلع والمقاصد إنما هي السلع وإذا كانت السلع مقاصد وقعت المشاحنة من تعييناتها بخلاف الوسائل اجتمع فيها أمران أحدهما أنها وسائل والثاني عدم تعلق الأغراض بخلاف المقاصد فيها حيثية واحدة فظهر الفرق واندفع النقض

هامش أنوار البروق

الغرض كشبهة في أحدهما أو سكة رائجة دون النقد الآخر إلى قوله فظهر الفرق واندفع النقض

هامش إدرار الشروق

دينارا أو غيره من النقود إما أن نقطع بأنه لم يملك شيئا عند من ينفي الأجناس أو يقع الشك في أنه ملكه أو لم يملكه عند من يشك في الأجناس وهذا كله خروج عن المعقول ولا شك في شناعته فلا وجه لالتزامه وعدم الالتفات لشناعته وكيف يسوغ لعاقل التزام ما لا يصح ولا يعقل قاله ابن الشاط

قلت وأنت خبير بأنه على ما حققه الجلال الدواني وغيره من المحققين من أن الجنس قد يعتبر لا بشرط شيء من تشخص أو كلية فيتحقق أفراده وهو الحق كما مر التنبيه عليه لا يظهر أنه يلزم على هذا القول أن من ملك دينارا أو غيره من النقود لم يملك شيئا أو يقع الشك في ملكه وعدمه بل إنما يلزم عليه أنه مالك الجنس المتحقق في فرد ما فتأمل بإنصاف السؤال الثاني أنهم وافقوا الجمهور على أن الصيعان المستوية من الصبرة والأرطال المستوية من الزيت تملك أعيانها وإنما تعين بالتعيين مع أن الأغراض مستوية في تلك الأفراد استواءها في أعيان النقود وقول الأصل إن الصيعان والأرطال المستوية وسائل لتحصيل الأغراض من السلع والمقاصد إنما هي السلع فتقع المشاحنة من تعييناتها من حيث إنها مقاصد والسلع وإن لم تتعلق الأغراض بأفرادها كأعيان النقود إلا أن أعيان النقود تفارقها في أنها وسائل لتحصيل الأغراض من السلع فاجتمع فيها أمران كونها وسائل وعدم تعلق الأغراض بخلاف السلع فلم يوجد إلا الثاني فقط قال ابن الشاط إنه فرق لا أثر له لاحتمال أن يكون لصاحب ذلك المعين غرض فيه فإن لم يكن ذلك الغرض من الأغراض المعتادة فالصحيح تعين النقدين بالتعين ولزوم رد المغصوب منهما بعينه إلا أن يفوت فيلزم البدل والله أعلم ا ه فتأمل

الصورة الثانية قول ابن القاسم لا يجوز لمن

____________________

(2/239)

الصورة الثانية التي خالف فيها المالكية الفرق إذا كان له على رجل دين فأخذ منه ما يتأخر قبضه كدار يسكنها أو ثمرة يتأخر جذاذها أو عبد يستخدمه ونحو ذلك قال ابن القاسم لا يجوز ذلك لأنه فسخ دين من دين لأن هذه الأمور لما كانت يتأخر قبضها أشبهت الدين وفيها مفسدة الدين من جهة أن فيها المطالبة وقال أشهب يجوز ذلك وليس هذا فسخ دين في دين بل دين معين في معين وعلى هذا المذهب يطرد الفرق إنما مخالفته في القول الأول الفرق الثامن والثمانون الفرق بين قاعدة وجود السبب الشرعي سالما عن المعارض من غير تخيير فيترتب عليه مسببه وبين قاعدة وجود السبب الشرعي سالما عن المعارض مع التخيير فلا يترتب عليه مسببه ولم يميز أحدهما عن الآخر إلا بالتخيير وعدمه مع اشتراكهما في الوجود والسلامة عن المعارض

هامش أنوار البروق

قلت السؤالان واردان والجواب عنهما ليس بصحيح أما الأول فلا خفاء ببطلانه وكيف يسوغ لعاقل التزام ما لا يصح ولا يعقل وما يشك أحد من أن من ملك دينارا ملك عينه وكيف يصح أن يملك الجنس الكلي وهو ذهني عند مثبتيه ثم على قول نافيه يلزم أن من ملك دينارا لم يملك عينه ولا جنسه لبطلان القول به فيلزم أن من ملك دينارا أو غيره من النقود لم يملك شيئا على هذا القول أو يقع للشك في أنه ملكه أو لم يملكه عند من يشك في الأجناس وهذا كله خروج عن المعقول لا شك فيه وأما الثاني فلا أثر للفرق لاحتمال أن يكون لصاحب ذلك المعين غرض فيه فإن لم يكن ذلك الغرض من الأغراض المعتادة فالصحيح تعين النقدين بالتعيين ولزوم رد المغصوب منهما بعينه إلا أن يفوت فيلزم البدل والله أعلم

هامش إدرار الشروق

له دين على رجل أن يأخذ منه ما يتأخر قبضه كدار يسكنها أو ثمرة يتأخر جذاذها أو عبد يستخدمه ونحو ذلك لأنه فسخ دين في دين لأن هذه الأمور لما كانت يتأخر قبضها أشبهت الدين وفيها مفسدة الدين من جهة أن فيها المطالبة ففيه مخالفة لما في هذا الفرق من أن المعين لا يكون في الذمة فلا يكون دينا

وأما على قول أشهب يجوز ذلك وليس هذا فسخ دين في دين بل دين معين في معين فلا مخالفة فمن هنا جرى عمل الشيخ علي الأجهوري على قول أشهب فكانت له حانوت ساكن فيها مجلد الكتب وكان إذا ترتب له أجرة في ذمته يستأجره بها على تجليد كتبه ويقول هذا على قول أشهب وصححه المتأخرون وأفتى به ابن رشد كما في حاشية الصاوي على شرح أقرب المسالك والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق الثامن والثمانون بين قاعدة وجود السبب الشرعي سالما عن المعارض من غير تخيير فيترتب عليه مسببه وبين قاعدة وجود السبب الشرعي سالما عن المعارض مع التخيير فلا يترتب عليه مسببه ولم يميز أحدهما عن الآخر إلا بالتخيير وعدمه مع اشتراكهما في الوجود والسلامة عن المعارض وذلك أن أجزاء الوقت كالذي بين الزوال إلى آخر القامة إنما يجب منها لأداء الظهر جزء واحد فقط

____________________

(2/240)

وهذا الفرق بين هاتين القاعدتين فيه صعوبة وغموض ويظهر لك الغموض والصعوبة بما ورد على المالكية لما خالفوا الشافعية فقالوا المعتبر من الأوقات في الصلوات أواخرها دون أوائلها فإن وجد العذر المسقط للصلاة آخر الوقت سقطت الصلاة التي لم تكن فعلت قبل طريان العذر

ولا عبرة بما وجد من الوقت في أوله أو وسطه سالما من العذر وكذلك إذا ذهب العذر آخر الوقت فطهرت الحائض حينئذ وجبت الصلاة ولا عبرة بوجود العذر أول الوقت أو وسطه والشافعية سلموا القسم الثاني وإنما نازعوا في الأول فقالوا أجمعتم معنا على أن الوجوب في الصلاة وجوب موسع متعلق بالقدر المشترك بين أجزاء القامة وإذا وجد أول الوقت فقد وجد القدر المشترك في ضمنه وهو متعلق الوجوب وسببه فإذا لم يكن عذر في أول الوقت كالحيض وغيره وقد وجد السبب الموجب للصلاة أول الوقت سالما عن المعارض فيترتب عليه الوجوب فإذا حاضت بعد ذلك حاضت بعد ترتب الوجوب عليها فتقضى بعد زوال العذر وانقضاء مدة الحيض وأنتم إذا قلتم لا يجب عليها بذلك شيء بل إنما يعتبر آخر الوقت في طريان العذر وزواله فهذا من مالك رحمه الله يقتضي أنه يعتقد أن الوجوب متعلق بآخر

هامش أنوار البروق

قال الصورة الثانية التي خالف فيها المالكية الفرق إذا كان له على رجل دين فأخذ منه ما تأخر

هامش إدرار الشروق

فإذا تصرفت المرأة في ضياع ما عدا الآخر منها بالإتلاف ثم طرأ عليها عذر الحيض في ذلك الجزء الآخر قام وجود ذلك العذر فيه مقام وجوده في جميع أجزاء الوقت فكما أن وجوده في جميعها يسقط الصلاة كذلك وجوده في الجزء الآخر يسقطها إذ من حجة المرأة أن تقول إن تسلطي على أول الوقت بالتخيير بين أجزاء القامة في إيقاع الصلاة ينفي عني وجوب الصلاة فإني جعل لي أن أؤخر وأعين مطلق جزء من القدر المشترك بين أجزاء القامة في الجزء الأخير فلما عينه تلف بالحيض وما سر ذلك إلا التخيير هنا بخلاف رؤية الهلال فإنه سبب لوجوب الصوم يترتب عليه إذا وجد سالما عن المعارض الوجوب بلا تخيير فمن هنا يظهر قول المالكية المعتبرة من الأوقات في الصلوات أواخرها دون أوائلها

فإن وجد العذر المسقط للصلاة آخر الوقت سقطت الصلاة التي لم تكن فعلت قبل طريان العذر ولا عبرة بما وجد من الوقت في أوله أو وسطه سالما من العذر وكذلك إذا ذهب العذر آخر الوقت فظهرت الحائض حينئذ وجبت الصلاة ولا عبرة بوجود العذر أول الوقت أو وسطه ويسقط ما أورده الشافعية عليهم حيث وافقوهم في الشق الثاني وخالفوهم في الشق الأول وقالوا إنكم معاشر المالكية أجمعتم معنا على أن الوجوب في الصلاة وجوب موسع متعلق بمطلق من القدر المشترك بين أجزاء القامة وإذا وجد أول الوقت فقد وجد القدر المشترك في ضمنه وهو متعلق الوجوب وسببه فإذا لم يكن عذر في أول الوقت كالحيض وغيره وقد وجد السبب الموجب للصلاة أول الوقت سالما عن المعارض فيترتب عليه الوجوب فإذا حاضت بعد ذلك حاضت بعد ترتب الوجوب عليها فتقضى بعذر وانقضاء مدة الحيض وأنتم إذا قلتم لا يجب عليها بذلك شيء بل إنما يعتبر آخر الوقت في طريان العذر وزوله فهذا من مالك رحمه الله يقتضي أنه يعتقد أن الوجوب متعلق بآخر الوقت كما قاله الحنفية مع أن المالكية لا تساعد على ذلك فيكون مذهب مالك من جهة عدم اعتبار السبب الموجب السالم عن المعارض وعدم جريه على

____________________

(2/241)

الوقت كما قاله الحنفية والمالكية لا تساعد على ذلك فيبقى مذهب مالك مشكلا جدا أما مذهب الشافعية في اعتبار السبب الموجب السالم عن المعارض فهو القياس وجرى على أصله في الواجب الموسع أما مالك فلا والجواب عن هذا السؤال مبني على معرفة الفرق بين هاتين القاعدتين وذلك أن السبب السالم عن المعارض إذا لم يكن فيه تخيير هو الذي يلزم فيه ما قاله الشافعي

أما مع التخيير فلا لسبب ما نذكره من الفروق ونوضحه بذكر نظائر من الشريعة أحدها أنه إذا باع صاعا من صبرة فله بيع بقية الصيعان وبقيتها من غير المشتري فلو فعل ذلك وبقي صاع وتلف بآفة سماوية انفسخ العقد ولم ينقل الصاع للذمة كما لو تلفت الصبرة كلها بآفة سماوية والسبب في ذلك أن العقد تعلق بالقدر المشترك بين صيعان الصبرة وهو مطلق الصاع فتصرف بمقتضى التخيير فيما عدا الصاع الواحد وأتت الجائحة على ذلك الصاع فكان التخيير في غيره مع أن الآفة فيه كالآفة في الجميع كذلك أجزاء الوقت كالصيعان يجب منها واحد فقط فإذا تصرفت المرأة في ضياع ما عدا الآخر منها بالإتلاف ثم طرأ العذر في آخرها قام ذلك مقام وجود العذر في جميعها ولو وجد العذر في جميعها سقطت الصلاة وكذلك إذا وجد ما يقوم مقامه ومر التخيير مع العذر في الأخير وبالتخيير حصل الفرق بين سبب الوجوب الذي هو القدر المشترك بين أجزاء

هامش أنوار البروق

قبضه كدار يسكنها أو ثمرة يتأخر جذاذها أو عبد يستخدمه ونحو ذلك قال ابن القاسم لا يجوز

هامش إدرار الشروق

أصله في الواجب الموسع مشكلا جدا ومذهب الشافعية من جهة اعتبار السبب الموجب السالم عن المعارض والجري على أصله في الواجب الموسع سالما عن الإشكال وبيان سقوطه أنا لا نسلم أن مالكا لم يعتبر السبب الموجب السالم من المعارض وخالف أصله في الواجب الموسع إذ ليس كل سبب كذلك يترتب عليه مسببه بل إنما يترتب عليه مسببه حيث كان من غير تخيير كرؤية الهلال أما حيث كان مع التخيير كما هنا فلا يترتب عليه مسببه إلا إذا تعين الجزء الأخير من بين أجزاء القدر المشترك المخير فيها بفوات ما عداه

فالفرق في الشرع واقع بين وجود السبب سالما عن المعارض مع عدم التخيير بين أفراده فيترتب عليه مسببه لتحقق شرط الترتب الذي هو عدم التخيير كما قلناه في رؤية الهلال وغيره وبين وجوده مع التخيير فلا يترتب عليه مسببه لعدم تحقق شرط الترتب الذي هو عدم التخيير كما قلناه في أوقات الصلوات وله نظائر في الشريعة الحنيفية السمحة أحدها إذا باع صاعا واحدا من صبرة فتصرف بمقتضى التخيير فيما عدا الصاع الواحد ببيع من غير مشتري الصاع أو نحوه وتلف الصاع الباقي بآفة سماوية انفسخ العقد ولم ينقل الصاع للذمة كما لو تلفت الصبرة كلها بآفة سماوية ضرورة أن العقد لما تعلق بمطلق صاع من القدر المشترك بين صيعان الصبرة وكان له أن يتصرف مقتضى التخيير فيما عدا الصاع الواحد كانت الآفة في الصاع الواحد حينئذ كالآفة في الجميع إذ من حجة البائع أن يقول إن تسلطي بالتخيير بين صيعان الصبرة في توفيته ينفي عني العدوان فيما تعديت فيه فلا أضمن

والسر

____________________

(2/242)

القامة فإذا وجد أولا سالما عن المعارض فأتلفه المكلف بالضياع لا يضمن الصلاة وبين رؤية الهلال فإنه سبب للوجوب فإذا وجد سالما عن المعارض ترتب عليه الوجوب والسر في ذلك التخيير وعدمه ولولا التخيير لكان للمشتري في الصيعان أن يقول العقد اقتضى مطلق الصاع وقد وجد في صاع من الصيعان التي تعديت عليها أيها البائع ومن تعدى على المبيع ضمنه فيلزمك أيها البائع الضمان ولما كان من حجته أن يقول إن تسلطي بالتخيير بين صيعان الصبرة في توفيته ينفي عني العدوان فيما تعديت فيه فلا أضمن كان للمرأة أيضا أن تقول إن تسلطي على أول الوقت بالتخيير بين أجزاء القامة في إيقاع الصلاة ينفي عني وجوب الصلاة فإني جعل لي أن أؤخر وأعين المشترك في الجزء الأخير فلما عينته تلف بالحيض كما تلف الصاع بالآفة وما سر ذلك إلا التخيير وثانيها لو وجب عليه عتق رقبة في الكفارة وعنده رقاب فله أن يتصرف فيما عدا الواحد بالعتق وغيره فإذا فعل ذلك ولم يبق إلا رقبة ماتت أو تعيبت سقط عنه الأمر بالعتق وجاز له الانتقال إلى الصيام ولا نقول تعينت عليه رقبة وثبتت في ذمته لا بد منها بل يسقط التكليف بالرقبة بالكلية فيكون التخيير مع الآفة السماوية في الأخير يقوم مقام حصول الآفة في جميع الرقاب ابتداء

وثالثها لو كان له عدة ثياب للسترة في الصلاة فله أن يتصرف فيما عدا الواحد منها فإذا وهب أو باع وخلى واحدا منها فطرأت عليه الآفة المانعة له من أن يصلي فيه صلى عريانا من غير إثم ويسقط التكليف بالكلية فظهر بذلك

هامش أنوار البروق

ذلك لأنه فسخ دين في دين لأن هذه الأمور لما كانت يتأخر قبضها أشبهت الدين وفيها مفسدة الدين

هامش إدرار الشروق

في ذلك هو التخيير إذ لولا التخيير لكان للمشتري أن يقول العقد اقتضى مطلق الصاع وقد وجد في صاع من الصيعان التي تعديت عليها أيها البائع ومن تعدى على المبيع ضمنه فيلزمك أيها البائع الضمان وثانيها إذا وجب عليه عتق رقبة في الكفارة وعنده رقاب فله أن يتصرف بالعتق وغيره فيما عدا الواحد فإذا تصرف ولم يبق إلا رقبة فماتت أو تعيبت سقط عنه الأمر بالعتق وجاز له الانتقال إلى الصيام ضرورة التصرف بالتخيير مع الآفة السماوية في الأخير يقوم مقام حصول الآفة في جميع الرقاب ابتداء فلذا لم نقل تتعين عليه رقبة لا بد منها تثبت في ذمته وثالثها إذا كان له عدة ثياب للسترة في الصلاة فله أن يتصرف بهبة أو بيع أو نحوهما فيما عدا واحدا منها فإذا تصرف وأبقى واحدا فطرأت عليه الآفة المانعة له من أن يصلي فيه صلى عريانا غير آثم ويسقط التكليف بالكلية ضرورة أن التصرف بالتخيير مع العذر في الأخير يقوم مقام العذر في الجميع ورابعها إذا كان عنده قدر كفايته من الماء لطهارته مرارا فله هبة ما عدا كفايته من القدر المشترك بين تلك المقادير فإذا وهبه وأبقى كفايته منه فتلف ما أبقاه سقط التكليف بالوضوء بالكلية من غير إثم وقام التصرف بالتخيير مع الآفة في الأخير مقام حصول العذر في الجميع في عدم الإثم وسقوط التكليف وخامسها إذا كان عنده صاعان فأكثر من الطعام لزكاة الفطر فله التصرف ببيع أو هبة فيما عدا الصاع الواحد فإذا باعه أو وهبه وترك صاعا واحدا فلم يتمكن من إخراجه حتى تلف من غير سبب من قبله سقط عنه زكاة الفطر إذا قلنا إن وجوبها موسع من غروب

____________________

(2/243)

أن التصرف بالتخيير مع العذر في الأخير يقوم مقام العذر في الجميع فكذلك آخر الوقت ورابعها لو كان عنده قدر كفايته من الماء لطهارته مرارا فالواجب عليه القدر المشترك بين تلك المقادير كما تقدم أن الواجب القدر المشترك بين الثياب والرقاب فله هبة ما عدا كفايته فإذا تصرف فيه بالهبة بمقتضى التخيير ثم تلف الماء الآخر الذي استبقاه سقط التكليف بالوضوء بالكلية من غي إثم وقام التصرف بالتخيير مع الآفة في الأخير مقام حصول العذر في الجميع في عدم الإثم وسقوط التكليف كذلك ها هنا يقوم التصرف في الأوقات الأول بالتخيير مع حصول العذر في الأخير مقام حصول العذر في جميعها

وخامسها لو كان عنده صاعان من الطعام لزكاة الفطر فإن الواجب عليه القدر المشترك بينهما وهو مطلق الصاع وهو مخير بينهما فله التصرف فيما عدا الصاع الواحد فإذا باعه أو وهبه وترك صاعا واحدا فلم يتمكن من إخراجه حتى تلف من غير سبب من قبله فإنه تسقط عنه زكاة الفطر إذا قلنا بأنها تجب وجوبا موسعا من غروب الشمس من رمضان إلى غروبها من يوم الفطر وأشبه من جاءه وقت الوجوب وليس عنده طعام ألبتة وبالجملة فإذا استقريت الشريعة تجد فيها صورا كثيرة الخطاب فيها متعلق بالقدر المشترك بين أفراد ذلك الجنس ويقوم التخيير بين تلك الأفراد والتصرف في البعض بالإتلاف بمقتضى التخيير في الجميع مقام التلف في الجميع فكذلك صورة النزاع فعلم بهذه النظائر أن الفرق في الشرع واقع بين وجود السبب سالما عن المعارض مع التخيير وبين وجوده مع عدم التخيير فلا يعتقد أن سبب الوجوب متى وجد سالما عن المعارض ترتب عليه الوجوب بل ذلك مشروط بعدم التخيير

هامش أنوار البروق

من جهة أن فيها المطالبة وقال أشهب يجوز ذلك وليس هذا فسخ دين في دين بل دين معين في معين وعلى هذا المذهب يطرد الفرق إنما مخالفته في القول الأول قلت ما قاله صحيح وكذا ما قاله في الفرق بعده

هامش إدرار الشروق

الشمس من رمضان إلى غروبها من يوم الفطر وصار بمنزلة من جاء وقت الوجوب وليس عنده طعام ألبتة

وبالجملة فالتصرف بالتخيير بين أفراد الجنس مع الآفة في الأخير كما يقوم مقام حصول العذر في الجميع في هذه النظائر ونحوها من الصور الكثيرة التي تجدها في الشريعة إذا استقريتها كذلك يقوم تفويت غير الجزء الأخير من أجزاء القامة مثلا بمقتضى التخيير مع حصول العذر كالحيض في الجزء الأخير مقام حصول العذر في جميع الأجزاء إذ كما أنه لا فرق بين قيام المعارض في جميع صور السبب وبين قيامه في بعض صوره إذا كان التخيير في البعض الآخر في جميع صوره هذه النظائر ونحوها مما هو كثير في الشريعة كذلك لا فرق بينهما في صورة النزاع فتأمل هذا الفرق فهو دقيق وهو عمدة المذهب في هذه المواضع والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(2/244)

بين أفراده كما قلناه في رؤية الهلال وغيره وظهر أنه لا فرق بين قيام المعارض في جميع صور السبب وبين قيامه في بعض صوره إذا كان التخيير في البعض الآخر فتأمل هذا الفرق فهو دقيق وهو عمدة المذهب في هذه المواضع

الفرق التاسع والثمانون بين قاعدة استلزام إيجاب المجموع لوجوب كل واحد من أجزائه وبين قاعدة الأمر الأول لا يوجب القضاء وإن كان الفعل في القضاء جزء الوقت الأول والجزء الآخر خصوص الوقت هاتان القاعدتان ملتبستان جدا بسبب أن الأمر بالعبادة في وقت معين أمر بالعبادة

هامش أنوار البروق

قال الفرق التاسع والثمانون بين قاعدة استلزام إيجاب المجموع لوجوب كل واحد من أجزائه وبين قاعدة الأمر الأول لا يوجب القضاء وإن كان الفعل في القضاء جزء الواجب الأول والجزء الآخر خصوص الوقت

هاتان القاعدتان ملتبستان جدا بسبب أن الأمر بالعبادة في وقت معين أمر بالعبادة وبكونها في وقت معين وهو أمر بمجموع الفعل وتخصيصه بالزمان فإذا ذهب أحد الجزأين وهو تخصيصه بعين ذلك الزمان ينبغي أن يبقى الفعل واجبا بالأمر الأول لأن القاعدة أن إيجاب المركب يقتضي إيجاب مفرداته قلت ما قاله من استلزام إيجاب المجموع لوجوب كل واحد من أجزائه إن أراد أن إيجاب المجموع

هامش إدرار الشروق

الفرق التاسع والثمانون بين قاعدة استلزام إيجاب المجموع لوجوب كل واحد من أجزائه وبين قاعدة الأمر الأول لا يوجب القضاء وإن كان الفعل في القضاء جزء الأول والجزء الآخر خصوص الوقت قال الأصل أنهما وإن اشتركتا في أن الأمر مركب فيهما بسبب أن الأمر بالعبادة في وقت معين أمر بالعبادة وبكونها في وقت معين وهو أمر بمجموع الفعل وتخصيصه بالزمان إلا أنه يفرق بينهما بأن تخصيص صاحب الشرع بعض الأوقات بأفعال معينة دون بقية الأوقات لما كان يقتضي اختصاص ذلك الوقت المعين بمصلحة وكان الأصل عدم مصلحة الفعل في غير الوقت الذي عين له كان لفظ تخصيصه دالا على عدم مصلحة ذلك الفعل في غيره فلا تفعل تلك العبادة ألبتة فإن ورد الأمر بالقضاء دل الأمر الثاني على أن ما بعد ذلك الوقت مما يقارب الوقت الأول في مصلحة الوجوب وإن لم يصل إلى مثل مصلحته إذ لو وصل إليها لسوى بينهما في الأمر الأول وحيث لم يسو بينهما دل ذلك على التفاوت بينهما وبني هذا الفرق على أمرين الأمر الأول أن المراد بقاعدة استلزام إيجاب المجموع لوجوب كل واحد من أجزائه هو أن إيجاب المجموع يستلزم إيجاب كل جزء مطلقا كان مجموعا مع غيره أم غير مجموع فإذا كان الأمر بالعبادة في وقت معين أمرا بالعبادة وبكونها في وقت وذهب الجزء الثاني وهو تخصيصه

____________________

(2/245)

وبكونها في وقت معين وهو أمر بمجموع الفعل وتخصيصه بالزمان فإذا ذهب أحد الجزأين وهو تخصيصه بعين ذلك الزمان ينبغي أن يبقى الفعل واجبا بالأمر الأول لأن القاعدة أن إيجاب المركب يقتضي إيجاب مفرداته فلا بد من الفرق بين هذه القاعد وقاعدة أن الأمر الأول لا يقتضي القضاء فإنه المشهور من مذهب العلماء وسر الفرق بين القاعدتين بعد اشتراكهما في أن الأمر مركب فيهما أن تخصيص صاحب الشرع بعض الأوقات بأفعال معينة دون بقية الأوقات يقتضي اختصاص ذلك الوقت المعين بمصلحة لا توجد في غير ذلك الوقت ولولا ذلك لكان الفعل عاما في جميع الأوقات ولا بد لما بعد الزوال من معنى لاحظه صاحب الشرع لم يكن موجودا قبل الزوال طردا لقاعدة صاحب الشرع في رعاية المصالح وهكذا كل أمر تعبدي معناه أن فيه معنى لم نعلمه لا أنه ليس فيه معنى وإذا كانت الأوقات المعينة إنما خصصت بالعبادة لأجل مصالح فيها دون

هامش أنوار البروق

يستلزم إيجاب كل واحد من الأجزاء مجموعا مع غيره منها فذلك صحيح وإن أراد أن إيجاب المجموع يستلزم إيجاب كل جزء مطلقا مجموعا مع غيره وغير مجموع فذلك غير مسلم وغير صحيح وما قاله من أن الأمر بالعبادة في وقت معين أمر بالعبادة وبكونها في وقت معين وأنه إذا ذهب أحد الجزأين وهو تخصيصه بعين ذلك الزمان يبقى الفعل واجبا ليس بصحيح فإن الفعل المعين زمانه لا يصح انفكاكه عن ذلك الزمان ومتى قدر انفكاكه عنه فليس هو ذلك الفعل وليس الزمان بالنسبة إلى الفعل الموقع فيه كالركعة الأولى مع الثانية في تصور انفكاك إحدى الركعتين من الأخرى عن صلاة الصبح مثلا مع أنه إذا فعلت ركعة منفردة لا تكون جزءا من صلاة الصبح أصلا وإنما تكون جزءا منها إذا فعلت مع أخرى بشرط استيفاء شروط صلاة الصبح من نية وغيرها وبالجملة في كلامه هذا في هذا الفرق ضروب من الفساد لا يفوه بمثلها محصل

هامش إدرار الشروق

بعين ذلك الزمان يبقى الفعل واجبا

الأمر الثاني اطراد قاعدة صاحب الشرع في رعاية المصالح لوجوب رعايتها عقلا في كل فعل ولو تعبديا ومعنى كونه تعبديا أن فيه معنى لم نعلمه لا أنه ليس فيه معنى

وقال وقاعدة أن الأمر الأول لا يقتضي القضاء بل القضاء إنما يجب بأمر جديد هو القول المشهور من مذهب العلماء الملاحظين هذا الفرق بين القاعدتين والقول بأن القضاء بالأمر الأول قول من لاحظ التسوية والمشترك بين القاعدتين هذا خلاصة كلامه

قال ابن الشاط وفي كلامه هذا في هذا الفرق ضروب من الفساد لا يفوه بمثلها محصل الضرب الأول أنه لا يصح أن يراد بالقاعدة الأولى أن إيجاب المجموع يستلزم إيجاب كل جزء مطلقا بل إنما يصح أن يراد بها أن إيجاب المجموع يستلزم إيجاب كل واحد من الأجزاء مجموعا مع غيره منها

الضرب الثاني أن الفعل المعين زمانه لا يصح انفكاكه عن ذلك الزمان ومتى قدر انفكاكه عنه فليس هو ذلك الفعل كما أنه ليس هو ذلك الزمان بالنسبة إلى الفعل الموقع فيه ألا ترى أنه إذا فعلت ركعة مفردة من صلاة الصبح مثلا لا تكون جزءا من صلاة الصبح أصلا وإنما تكون جزءا منها إذا فعلت مع أخرى بشرط استيفاء شروط صلاة الصبح من نية وغيرها

الضرب الثالث أنه لا يصح اطراد قاعدة صاحب الشرع في رعاية المصالح

____________________

(2/246)

غيرها كان مقتضى هذا الدليل أن لا يشرع الفعل في غيرها لعدم المصلحة في غير ذلك الوقت لأن الأمر الأول دل بالالتزام على عدم المصلحة بدليل التخصيص فإذا لم يوجد أمر

هامش أنوار البروق

قال فلا بد من الفرق بين هذه القاعدة وقاعدة إن الأمر الأول لا يقتضي القضاء فإنه المشهور من مذهب العلماء

قلت لا يحتاج إلى الفرق في مثل هذه الأمور فإنه شيء لا يلتبس على محصل ويحق إن كان المشهور من مذهب العلماء قال وسر الفرق بين القاعدتين بعد اشتراكهما في أن الأمر مركب فيهما أن تخصيص صاحب الشرع بعض الأوقات بأفعال معينة دون بقية الأوقات يقتضي اختصاص ذلك الوقت المعين بمصلحة لا توجد في غيره ولولا ذلك لكان الفعل عاما في جميع الأوقات ولا بد لما بعد الزوال من معنى لاحظه صاحب الشرع لم يكن موجودا قبل الزوال طردا لقاعدة صاحب الشرع في رعاية المصالح وهكذا كل أمر تعبدي معناه أن فيه معنى لم نعلمه لا أنه ليس فيه معنى

قلت رعاية المصالح ليست واجبة عقلا فيجوز عقلا شرع أمر ما لغير مصلحة فيه إلا ما يترتب عليه من الثواب فإن أراد بالمصالح المنافع على الإطلاق دنيوية كانت أو أخروية فذلك صحيح وإن أراد

هامش إدرار الشروق

بمعنى المنافع الدنيوية خاصة لأن رعايتها بهذا المعنى من مجوزات العقل لا من موجباته والدلائل الشرعية القطعية وإن دلت على رعاية مصالح أمور كثيرة من المأمورات والمنهيات إلا أنها لم تدل على رعايتها في جميع المأمورات والمنهيات إذ لا نعلم قاطعا في ذلك وليست رعاية الشارع المصالح بحكم منه شرعي فيكفي فيه الظن بل ذلك أمر وجودي لا بد فيه من القطع وبالجملة فيجوز عقلا شرع أمر ما لغير مصلحة فيه إلا ما يترتب عليه من الثواب فلا يصح أن تكون قاعدة رعاية المصالح مطردة إلا إذا أريد بالمصالح المنافع على الإطلاق دنيوية أو أخروية فافهم

الضرب الرابع أن قوله في الفرق أن تخصيص الشارع بعض الأوقات بأفعال معينة من حيث إنه يقتضي اختصاص ذلك الوقت المعين بمصلحة والأصل عدم وجودها في غيره يدل لفظ تخصيص ذلك الوقت على عدم مصلحة ذلك الفعل في غيره وقوله فيه فإن ورد الأمر بالقضاء دل الأمر الثاني إلخ ليس بصحيحين إلا على تسليم دعوى عموم رعاية المصالح وقد علمت أنه لم يثبت ذلك بقاطع

الضرب الخامس أن من قال القضاء بأمر جديد لم يلاحظ ذلك الفرق بل لاحظ أن الأمر المؤقت لا يقتضي القضاء فلا بد في شرع القضاء من أمر جديد وأن من قال القضاء بالأمر الأول لا يقول إنه من مقتضاه لفظا بل يقول إنه من مقتضاه قياسا على الحقوق المترتبة في الذمم ا ه

كلام ابن الشاط وفي جمع الجوامع مع شرح المحلي مسألة قال أبو بكر الرازي من الحنفية وعبد الجبار من المعتزلة الأمر بشيء مؤقت يستلزم القضاء له إذا لم يفعل في وقته لإشعار الأمر بطلب استدراكه أي الفعل إن لم يقع في وقته لأن القصد منه الفعل أي مطلقا سواء كان في الوقت أو خارجه

وقال الأكثر القضاء بأمر جديد كالأمر في حديث الصحيحين من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها وفي حديث مسلم إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها والقصد من الأمر الفعل في الوقت لا مطلقا ا ه

وشرح ذلك أنه لا خفاء في أنا إذا تعقلنا صوما مخصوصا وقلنا صم صوم يوم الخميس فقد تعقلنا أمرين وتلفظنا بلفظين وأما أن المأمور به هو هذان الأمران أو شيء واحد يصدقان

____________________

(2/247)

دال على القضاء

قلنا الأصل عدم مصلحة الفعل في غير الوقت الذي عين له ومع الأصل لفظ التخصيص يدل على عدمه فلا تفعل تلك العبادة ألبتة فإن ورد الأمر بالقضاء دل الأمر الثاني على أن ما بعد ذلك الوقت مما يقارب الوقت الأول في مصلحة الوجوب وإن

هامش أنوار البروق

بها المنافع الدنيوية خاصة فذلك من مجوزات العقل لا من موجباته وقد دلت الدلائل الشرعية القطعية على رعاية مصالح أمور كثيرة من المأمورات والمنهيات فأما رعايتها في جميع المأمورات والمنهيات فلا أعلم قاطعا في ذلك وليست رعاية الشارع المصالح بحكم منه شرعي فيكفي فيه الظن بل ذلك أمر وجودي لا بد فيه من القطع

قال وإذا كانت الأوقات المعينة إنما خصصت بالعبادات لأجل مصالح فيها دون غيرها كان مقتضى هذا الدليل أن لا يشرع الفعل في غيرها لعدم المصلحة في غير ذلك الوقت لأن الأمر الأول دال بالالتزام على عدم المصلحة بدليل التخصيص

قلت ما قاله هنا ليس بمسلم لعدم القاطع في رعاية المصالح في كل تعبدي قال فإذا لم يوجد أمر دال على القضاء قلنا الأصل عدم مصلحة الفعل في غير الوقت الذي عين له ومع الأصل لفظ التخصيص يدل على عدمه فلا تفعل تلك العبادة ألبتة قلت ما قاله هنا مبني على دعواه عموم رعاية المصالح ولم يثبت ذلك بقاطع فما قاله ليس بصحيح

هامش إدرار الشروق

عليه ويعبر عنه باللفظ المركب منهما مثل صوم يوم الخميس فمختلف فيه فمن ذهب إلى الأول جعل القضاء بالأمر الأول لأن المأمور به شيئان فإن انتفى أحدهما بقي الآخر ومن ذهب إلى الثاني جعل القضاء بأمر جديد لأنه ليس في الوجود إلا شيء واحد فإذا انتفى سقط المأمور به ثم اختلافهم في هذا الأصل وهو أن المطلق والقيد بحسب الوجود شيئان أو شيء واحد يصدق عليه المعنيان ناظرين إلى اختلاف في أصل آخر وهو أن تركب الماهية من الجنس والفصل وتمايزهما هل هو بحسب الخارج أو مجرد العقل فإن قلنا بالأول كان المطلق والقيد شيئين لأنهما بمنزلة الجنس والفصل وإن قلنا بالثاني وهو الحق كانا بحسب الوجود شيئا واحدا كذا ذكره المحقق التفتازاني في حاشية العضد وحاصل ما أشار إليه المحلي بقوله والقصد من الأمر الأول إلخ من رد قول الأول لأن القصد منه الفعل أنا سلمنا أن الكون في الوقت به كمال الفعل لأنه مصلحة له لكن لا نسلم بقاء الوجوب مع النقص لأنه إنما يبقى إذا انفرد به الطلب وليس كذلك بل المطلوب شيء واحد وقد انتفى بانتفاء جزئه أفاده الشربيني قال العطار ولم يذكر المحلي هذا الاستدلال قصدا بل على سبيل التبع والتتمة للاستدلال بالحديثين المذكورين الدالين على أن القضاء بأمر جديد فلا يقال إن هذا الاستدلال بمجرده لا يستلزم كون القضاء بأمر جديد ا ه

قلت ومنه يعلم أمور الأمر الأول الفرق بين القاعدتين بما يندفع عنه جميع ما أورده ابن الشاط من ضروب الفساد وهو أن القاعدة الأولى من استلزام المجموع لوجوب كل واحد من أجزائه مبنية كقول الرازي وعبد الجبار بأن الأمر الأول يوجب القضاء على أن المطلق والقيد بحسب الوجود الخارجي شيئان متمايزان تمايز الجنس والفصل بحسب الخارج على القول به

والقاعدة الثانية من أن الأمر الأول لا يوجب القضاء مبنية على أن المطلق والقيد شيء واحد يصدق عليه المعنيان ويتميزان فيه تميز الجنس والفصل بمجرد العقل به ويكون سر هذا الفرق هو ما ذكره الأصل

الأمر الثاني اندفاع الضرب الأول عن كلام الأصل إذ لا يتجه عدم صحة قاعدة أن إيجاب المجموع يستلزم إيجاب كل جزء مطلقا إلا إذا قلنا ببنائها على أن المطلق

____________________

(2/248)

لم يصل إلى مثل مصلحته إذ لو وصل إليها لسوى بينهما في الأمر الأول وحيث لم يسو بينهما دل ذلك على التفاوت بينهما فمن لاحظ هذا الفرق بين القاعدتين قال القضاء إنما يجب بأمر جديد ومن لاحظ التسوية والمشترك بينهما قال القضاء بالأمر الأول فتأمل ذلك

الفرق التسعون بين قاعدة أسباب الصلوات وشروطها يجب الفحص عنها وتفقدها وقاعدة أسباب الزكاة لا يجب الفحص عنها

هامش أنوار البروق

قال فإن ورد الأمر بالقضاء دل الأمر الثاني على أن ما بعد ذلك الوقت مما يقارب الوقت الأول في مصلحة الوجوب وإن لم يصل إلى مثل مصلحته إذ لو وصل إليها لسوى بينهما في الأمر الأول وحيث لم يسو بينهما دل ذلك على التفاوت بينهما

قلت ما قاله مبني أيضا على تلك الدعوى قال فمن لاحظ هذا الفرق بين القاعدتين قال القضاء إنما يجب بأمر جديد ومن لاحظ التسوية والمشترك بينهما قال القضاء بالأمر الأول

قلت ما أرى من قال القضاء بأمر جديد لاحظ ذلك الفرق بل لاحظ أن الأمر المؤقت لا يقتضي القضاء فلا بد في شرع القضاء من أمر جديد وأما من قال القضاء بالأمر الأول فلا أراه أيضا يقول إنه من مقتضاه لفظا بل قياسا على الحقوق المترتبة في الذمم

والله أعلم

قال الفرق التسعون بين قاعدة أسباب الصلوات وشروطها يجب الفحص عنها إلى آخر الفرق

هامش إدرار الشروق

والقيد شيء واحد أما إذا بنيناها على أنهما شيئان فلا يتجه ذلك

الأمر الثالث اندفاع الضرب الثاني أيضا حيث بنينا على أن المطلق والقيد شيئان لا شيء واحد إذ لا يتم قياس القاعدة المذكورة على كونها مفردة من صلاة الصبح مثلا لا يصح أن تكون هي نفس الصبح إلا إذا بنيت تلك القاعدة على أنهما شيء واحد فافهم

الأمر الرابع اندفاع الضرب الثالث والرابع إذ لا يتوجهان إلا إذا أريد مصلحة دنيوية غير الكون في الوقت أما إذا أريد مصلحة دنيوية هي الكون في الوقت بقطع النظر عن أن يكون للكون فيه مصلحة أم لا فلا يتوجهان لأن معنى اطراد قاعدة رعاية المصالح بمعنى المنافع الدنيوية خاصة حينئذ هو أنا نعتبر أن تخصيص جميع الأمور التعبدية بوقت ونحوه هو مصلحته الدنيوية لا أن لهذا التخصيص مصلحة لم نعلمها حتى يقال لم يرد بعموم رعاية المصالح قاطع نعم لا يساعد هذا الدفع كلام الأصل لأنه ظاهر في أن هذا التخصيص مصلحة لم نعلمها فافهم

الأمر الخامس اندفاع الضرب الخامس بمنع كون الخلاف في أن القضاء بأمر جديد أو بالأمر الأول ليس مبنيا على الفرق المذكور بين هاتين القاعدتين فتأمل بأنصاف والله أعلم

الفرق التسعون بين قاعدة أسباب الصلوات وشروطها يجب الفحص عنها وتفقدها وقاعدة أسباب الزكاة لا يجب الفحص عنها

____________________

(2/249)

اعلم أن أسباب التكليف وشروطه وانتفاء موانعه لا يجب تحصيلها إجماعا إنما الخلاف فيما يتوقف عليه إيقاع الواجب بعد وجوبه وفيه ثلاثة مذاهب ثالثها الفرق بين الأسباب فتجب دون غيرها فلا تجب أما ما يتوقف عليه الوجوب فلم يقل أحد بوجوب تحصيله فلا يجب على أحد أن يحصل نصابا حتى تجب عليه الزكاة لأنه سبب وجوبها ولا يوفي الدين لغرض أن تجب عليه الزكاة لأنه مانع منها ولا تجب عليه الإقامة حتى يجب عليه الصوم لأن الإقامة شرط في وجوبه هذا كله متفق عليه إنما الخلاف فيما يتوقف عليه إيقاع الواجب بعد وجوبه وتقتضي هذه القاعدة أن لا يجب علينا الفحص عن أسباب الصلوات ولا أسباب وجوب الصوم وجميع الواجبات غير أن الواجبات انقسمت قسمين قسم يجب فيه الفحص وقسم لا يجب ولكل واحد منهما قاعدة تخصه

وتحرير الفرق بينهما والضابط لهما أن الواجب تارة يقتضي الحال فيه أنه لا بد من طريان سببه وترتب التكاليف عليه جزما لا محيد عنه كالزوال ورؤية الهلال فإنه لا بد أن يكون في الوجود

ويترتب عليه وجود الفعل قطعا فهذا يجب الفحص عنه كان شرطا أو سببا بسبب أنه لو أهمل لوقع التكليف

والمكلف غافل عنه فيعصي بترك الواجب بسبب إهماله وهو قد علم أنه لا بد أن يكون ولا عذر عند الله تعالى فهذا هو ضابط ما يجب الفحص عنه كان شرطا أو سببا من أسباب الوجوب ومنه أوقات الصلوات كلها وهلال رمضان وهلال ذي الحجة على من تعين عليه الحج وهلال شوال لوجوب الفطر وإخراج زكاته وأيام الرمي والمبيت ومن

هامش أنوار البروق

قلت ما قاله فيه صحيح غير أنه ذكر في آخره في القسم الثاني أشياء من فروض الكفايات وكان الأولى أن يقتصر على ما هو من فروض الأعيان لأن فروض الكفايات لا تخص كل مكلف ولا تتوجه على من لا علم عنده بخلاف فروض الأعيان

هامش إدرار الشروق

في أنه لا يجب تحصيل ما يتوقف عليه وجوب جميع الواجبات من أسباب التكليف بها وشروطه وانتفاء موانعه فلا يجب على أحد أن يحصل نصابا حتى تجب عليه الزكاة لأنه سبب وجوبها ولا أن يوفي الدين لغرض أن تجب عليه الزكاة لأنه منع منها ولا تجب عليه الإقامة حتى يجب عليه الصوم لأنها شرط في وجوبه وإنما الخلاف في وجوب تحصيل ما يتوقف عليه إيقاع الواجب بعد وجوبه وعدم وجوبه

ثالثها الفرق بين الأسباب فتجب دون غيرها فلا تجب إلا أن الواجبات باعتبار تعيين وقوع أسبابها أو شروطها وعدم تعيين وقوعها على قسمين القسم الأول ما لا بد من أن يكون في الوجود طريان ما يترتب عليه التكليف بها جزما لا محيد عنه كالزوال لوجوب الظهر ورؤية الهلال لرمضان لوجوب صومه ولشوال لوجوب فطره وإخراج زكاته ولذي الحجة لوجوب الحج على من تعين عليه وكأيام الرمي والمبيت لوجوب أدائهما فهذا القسم وإن لم يجب تحصيل ما يترتب عليه التكليف به لكنه يجب الفحص عنه كان شرطا أو سببا بسبب أنه لو أهمل لوقع التكليف والمكلف غافل عنه فيعصي بترك الواجب بسبب إهماله وهو قد علم أنه لا بد أن يكون ولا عذر له عند الله تعالى ومن ذلك قضاء رمضان يسد في

____________________

(2/250)

ذلك من نذر يوما معينا أو شهرا معينا فيجب عليه أن يفحص عن هلال ذلك الشهر وتحري ذلك اليوم حتى يوقع ذلك الواجب ولا يتعداه فيعصي بالإهمال مع إمكان الضبط له

ومن ذلك قضاء رمضان يسد في بقية العام إلى شعبان فيجب عليه إذا أخر أن يتفقد الأهلة لئلا يدخل شعبان وهو غير عالم به فيؤدي ذلك إلى ضياع القضاء عن وقته

أما ما لا يتعين وقوعه من الأسباب والشروط والظروف الواجبات فلا يجب الفحص عنه لعدم تعينه ويمكن أن يقال فيه الأصل عدم طريانه لأجل عدم التعيين ويمكن أن يكون ذلك حجة للمكلف وعذرا عند الله تعالى ومن ذلك إذا كان فقيرا وله أقارب أغنياء وهو في كل وقت يجوز أن يموت أحدهم فيرثه فينتقل المال إليه فيجب عليه الزكاة بإغفال ذلك وترك السؤال عنه إذا كانوا في بلاد بعيدة عنه يؤدي إلى ترك إخراج الزكاة مع وجوبها عليه ولو فحص لحاز المال ووجبت فيه الزكاة ومع ذلك لا يجب الفحص في هذه الصورة لعدم تعين هذا فقد يقع وقد لا يقع ومن ذلك تجويزه لأن يكون هناك جائع يجب سد خلته وعريان يجب ستر عورته وغريق يجب رفعه ونحو ذلك من المتوقعات

ومع ذلك لا يجب الفحص عن شيء من ذلك إلا أن تقوم عليه أمارة دالة على وقوعه لأن جميع ذلك غير متعين والأصل عدمه بخلاف القسم الأول فهذا هو ضابط ما يجب الفحص عنه من الأسباب والشروط وضابط ما لا يجب الفحص عنه من ذلك فاعلم ذلك واعتمد عليه

هامش أنوار البروق

فارغه

هامش إدرار الشروق

بقية العام إلى شعبان فيجب عليه إذا أخر أن يتفقد الأهلة لئلا يدخل شعبان وهو غير عالم به فيؤدي ذلك إلى ضياع القضاء عن وقته كما أنه يجب على من نذر يوما معينا أو شهرا معينا أن يفحص عن هلال ذلك الشهر ويتحرى ذلك اليوم حتى يوقع ذلك الواجب ولا يتعداه فيعصي بالإهمال مع إمكان الضبط له

القسم الثاني ما لا يتعين وقوع ما يترتب عليه التكليف بها من أسبابها وشروطها فقد يقع وقد لا يقع بل الأصل عدم وقوعه ومن أمثلته ما إذا كان المكلف فقيرا وله أقارب أغنياء في بلاد بعيدة عنه وهو في كل وقت يجوز أن يموت أحدهم فيرثه فينتقل المال إليه فيجب عليه الزكاة فهذا القسم كما لا يجب تحصيل ما يترتب عليه التكليف به كذلك لا يجب الفحص عنه وإن كان إغفال ذلك وترك السؤال عنه مع أنه لو فحص لحاز المال ووجبت فيه الزكاة يؤدي إلى ترك إخراج الزكاة مع وجوبها عليه لأن عدم التعيين وكون الأصل عدم وقوعه يمكن أن يكون حجة للمكلف وعذرا عند الله تعالى هذا هو ضابط ما يجب الفحص عنه من الأسباب والشروط وضابط ما لا يجب الفحص عنه من ذلك فاعلمه واعتمد عليه والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(2/251)

الفرق الحادي والتسعون بين قاعدة الأفضلية وبين قاعدة المزية والخاصية اعلم أنه لا يلزم من كون العبادة لها مزية تختص بها أن تكون أرجح مما ليس له تلك المزية فقد ورد في الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال إذا أذن المؤذن ولى الشيطان وله ضراط فإذا فرغ المؤذن من الأذان أقبل فإذا أقيمت الصلاة أدبر فإذا أحرم العبد بالصلاة جاءه الشيطان فيقول له اذكر كذا اذكر كذا حتى يضل الرجل فلا يدري كم صلى فحصل من ذلك أن الشيطان ينفر من الأذان والإقامة ولا ينفر من الصلاة وأنه لا يهابها

هامش أنوار البروق

قال الفرق الحادي والتسعون بين قاعدة الأفضلية وبين قاعدة المزية والخاصية قلت ما قاله في هذا الفرق صحيح

هامش إدرار الشروق

@ 252 الفرق الحادي والتسعون بين قاعدة الأفضلية وبين قاعدة المزية والخاصية وذلك أن القاعدة أن المفضول يجوز أن يختص بخصلة ليست في المجموع الحاصل للفاضل من الفضائل وحينئذ فقاعدة الأفضلية أن يكون المجموع الحاصل للفاضل من الفضائل دون المجموع الحاصل للمفضول وقاعدة المزية والخاصية أن يختص المفضول بخصلة لم تحصل في مجموع الفاضل ومن استقرى ذلك في المخلوقات وجد له أمثلة كثيرة منها ما ورد في الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال إذا أذن المؤذن ولى الشيطان وله ضراط فإذا فرغ المؤذن من الأذان أقبل فإذا أقيمت الصلاة أدبر فإذا أحرم العبد بالصلاة جاءه الشيطان فيقول له اذكر كذا اذكر كذا حتى يضل الرجل فلا يدري كم صلى فحصل من ذلك أن الشيطان ينفر من الأذان والإقامة ولا ينفر من الصلاة وأنه لا يهابها ويهابهما مع أنهما وسيلتان إليها والوسائل أخفض رتبة من المقاصد وأيضا أين هي منهما ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أفضل أعمالكم الصلاة وكتب عمر رضي الله عنه إلى عماله أن أهم أموركم عندي الصلاة كما جاء في الأثر ومنها ما ورد في الحديث الصحيح عن النبي عليه السلام أنه قال أقرؤكم أبي وأفرضكم زيد وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل وأقضاكم علي إلى غير ذلك مما ورد في فضل الصحابة مع أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أفضل من الجميع وعلي بن أبي طالب أفضل من أبي وزيد ومع ذلك فقد فضلاه في الفرائض والقراءة وما سبب ذلك إلا أنه يجوز أن يحصل للمفضول ما لم يحصل للفاضل ومنها قوله عليه السلام لعمر ما سلك عمر واديا ولا فجا إلا سلك الشيطان فجا غيره فأخبره عليه السلام أن الشيطان ينفر من عمر ولا يلابسه وأخبر عن نفسه عليه السلام أنه قد تفلت علي الشيطان البارحة ليفسد علي صلاتي فلولا أني تذكرت دعوة أخي سليمان لربطته بسارية من سواري المسجد حتى يلعب به صبيان المدينة وفي حديث الإسراء أن شيطانا قصده عليه السلام بشعلة من نار فأمره جبريل عليه السلام بالتعوذ منه فلم ينفر الشيطان منه عليه السلام كما نفر من عمر وأين عمر منه عليه السلام غير أنه يجوز أن يحصل للمفضول ما لا يحصل للفاضل

ومنها أن الأنبياء صلوات الله عليهم أفضل من الملائكة على الصحيح

____________________

(2/252)

ويهابهما فيكونان أفضل منها وليس الأمر كذلك بل هما وسيلتان إليها والوسائل أخفض رتبة من المقاصد وأين الصلاة من الإقامة والأذان ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أفضل أعمالكم الصلاة وكتب عمر رضي الله عنه إلى عماله أن أهم أموركم عندي الصلاة كما جاء في الأثر ولنا هاهنا قاعدة وهي الفرق بين الأفضلية والمزية وهي أن المفضول يجوز أن يختص بما ليس للفاضل فيكون المجموع الحاصل للفاضل لم يحصل للمفضول إما أنه حصل للمفضول في المجموع الحاصل له خصلة ليست في مجموع الفاضل فقد يكون في المدينة فقير عنده ابنة حسناء أو تحفة غريبة ليست عند ملكها

ومجموع ما حصل للملك قدر ما حصل لذلك الفقير أضعافا مضاعفة من ذلك ما ورد في الحديث الصحيح عن النبي عليه السلام أنه قال أقرؤكم أبي وأفرضكم زيد وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل وأقضاكم علي إلى غير ذلك مما ورد في فضل الصحابة مع أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أفضل من الجميع وعلي بن أبي طالب أفضل من أبي وزيد

ومع ذلك فقد فضلاه في الفرائض والقراءة وما سبب ذلك إلا أنه يجوز أن يحصل للمفضول ما لم يحصل للفاضل ومن ذلك قوله عليه السلام لعمر ما سلك عمر واديا ولا فجا إلا سلك الشيطان فجا غيره فأخبر عليه

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وقد حصل للملائكة المواظبة على العبادة مع جميع الأنفاس يلهم أحدهم التسبيح كما يلهم أحدنا النفس إلى غير ذلك من الفضائل والمزايا التي لم تحصل للبشر ومع ذلك فالأنبياء أفضل منهم لأن المجموع الحاصل للأنبياء من المزايا والمحاسن أعظم من المجموع الحاصل للملائكة ومنها ما مر عن الإمام مالك من أن المدينة أفضل من مكة وإن كان العمل في مكة أكثر من العمل فيها لأن أسباب التفضيل لا تنحصر في مزيد المضاعفة فالصلوات الخمس بمنى عند التوجه لعرفة أفضل منها بمسجد مكة وإن انتفت عنها المضاعفة ومنها أن في الشعير من الخواص الطيبة ما ليس في البر وفي الخواص النافعة بالحال وغيرها ما ليس في الذهب ومنها أنه قد يكون في المدينة فقير عنده ابنة حسناء أو تحفة غريبة ليست عند ملكها ومجموع ما حصل للملك قدر ما حصل لذلك الفقير أضعافا مضاعفة وبالجملة فبسبب قاعدة أن المفضول يجوز أن يختص بما ليس للفاضل ظهر الفرق بين القاعدتين واندفع التناقص في مثل كون الصلاة أفضل من الأذان والإقامة وقد جعل الله تعالى لهما أن الشيطان ينفر منهما دونهما والله أعلم

فائدة ذكر الشيخ أحمد بن أحمد بابا التنبكتي في نيل الابتهاج آخر ترجمة الإمام عبد العزيز العبدوسي عن الشيخ أبي عبد الله الرصاع أن صاحب الترجمة كان يقول في مجلسه بجامع القصر من تونس مما جرب لتسهيل الرزق والأمان والتحصن من آفات الزمان أن تكتب في ورقة ويجعل على الرأس مناقب السادات الكرام من الصحابة جمعهم من كتب عديدة أثنى عليهم سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم قال الرصاع وقد قيدتها قديما ووجدت لها بركات في جميع الحالات

قال رضي الله عنه وهي قال صلى الله عليه وسلم من أحب أبا بكر فقد أقام الدين ومن أحب عمر بن الخطاب فقد أوضح السبيل ومن أحب عثمان بن عفان فقد استضاء

____________________

(2/253)

السلام أن الشيطان ينفر من عمر ولا يلابسه وأخبر عن نفسه عليه السلام أنه قد تفلت علي الشيطان البارحة ليفسد علي صلاتي فلولا أني تذكرت دعوة أخي سليمان لربطته بسارية من سواري المسجد حتى يلعب به صبيان المدينة فلم ينفر الشيطان من النبي عليه السلام كما نفر من عمر وفي حديث الإسراء أن شيطانا قصده عليه السلام بشعلة من نار فأمره جبريل عليه السلام بالتعوذ منه وأين عمر من النبي عليه السلام غير أنه يجوز أن يحصل للمفضول ما لا يحصل للفاضل ومن ذلك أن الأنبياء صلوات الله عليهم أفضل من الملائكة على الصحيح وقد حصل للملائكة المواظبة على العبادة مع جميع الأنفاس يلهم أحدهم التسبيح كما يلهم أحدنا النفس إلى غير ذلك من الفضائل والمزايا التي لم تحصل للبشر

ومع ذلك فالأنبياء أفضل منهم لأن المجموع الحاصل للأنبياء من المزايا والمحاسن أعظم من المجموع الحاصل للملائكة فمن استقرى هذا وجده كثيرا في المخلوقات فيجد في الشعير من الخواص الطيبة ما ليس في البر وفي النحاس ما ليس في الذهب من الخواص النافعة بالإكحال وغيرها فعلى هذه القاعدة تخرجت الإقامة والأذان وأن من خواصهما التي جعل الله تعالى لهما أن الشيطان ينفر منهما دون الصلاة وأن الصلاة أفضل منهما ولا تناقض في ذلك بسبب أن

هامش أنوار البروق

فارغه

هامش إدرار الشروق

بنور الله ومن أحب علي بن أبي طالب فقد استمسك بالعروة الوثقى ألا وإن أرأف أمتي بأمتي أبو بكر وإن أقواهم صلابة في دين الله عمر بن الخطاب وإن أشدهم حياء عثمان بن عفان وإن أقضاهم علي بن أبي طالب ولكل نبي حواري وحواريي الزبير ومن أراد أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد من أحباب الرحمن وسعد بن أبي وقاص يدور مع الحق وعبد الرحمن بن عوف تاجر الله وأبو عبيدة بن الجراح أمين الله وما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر

ومن أراد أن ينظر إلى زهد عيسى فلينظر إلى زهد أبي ذر وإن الله ليرضى لرضا سلمان ويسخط لسخط سلمان وإن الجنة لتشتاق إلى سلمان أشد من اشتياق سلمان إلى الجنة ولكل أمة حليم وحليم هذه الأمة أبو هريرة وحذيفة بن اليمان من أصفياء الرحمن وإن أعلم الناس بالحلال والحرام معاذ بن جبل وإن أعلم الناس بالفرائض زيد بن ثابت وإن أقرأ أمتي أبي بن كعب وحمزة أسد الله وأسد رسوله

وخالد بن الوليد سيف الله وسيف رسوله وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين في الجنة يطير بهما فيها حيث يشاء والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما والعباس عمي وصنو أبي ورضيت لأمتي ما رضي لها عبد الله بن مسعود وصوت أبي طلحة في الجيش خير من مائة أو خير من فئة ولكل نبي خادم وخادمي أنس بن مالك ولكل نبي خليل وخليلي سعد بن معاذ ولكل أمة فارس وفارس القرآن عبد الله بن العباس وأول من يقرع باب الجنة بلال وإن أول من يأكل من ثمارها أبو الدحداح وإن أول من تصافحه الملائكة أبو الدرداء وإن أول من يرد حوضي صهيب بن سنان والمقداد بن الأسود من المجتهدين وعمار بن ياسر من الصديقين وعبد الله بن عمر من وفود الرحمن وإن أفضل النساء آسية ومريم وخديجة وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام

____________________

(2/254)

المفضول يجوز أن يختص بما ليس للفاضل فظهر بما تقدم الفرق بين قاعدة الأفضلية وبين قاعدة المزية

الفرق الثاني والتسعون بين قاعدة الاستغفار من الذنوب المحرمات وبين قاعدة الاستغفار من ترك المندوبات اعلم أن الاستغفار طلب المغفرة

وهذا إنما يحسن من أسباب العقوبات كترك الواجبات وفعل المحرمات لأنها هي التي فيها العقوبات أما المكروهات والمندوبات والمباحات فلا يحسن الاستغفار فيها لعدم العقوبات في فعلها وتركها وهذا أمر ظاهر لا خفاء فيه غير أنه وقع لمالك رحمه الله فيمن ترك الإقامة أنه يستغفر الله تعالى ووقع له

هامش أنوار البروق

قال الفرق الثاني والتسعون بين قاعدة الاستغفار من الذنوب المحرمات وبين قاعدة الاستغفار من ترك المندوبات قلت وما قاله في هذا الفرق صحيح

هامش إدرار الشروق

ونسائي خير نساء هذه الأمة وأحبهن إلي عائشة وأصحابي كلهم كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ومن أحب أصحابي فقد أحبني ومن أبغض أصحابي فقد أبغضني ألا وإن عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا

هذه وصية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في ساداتنا نفعنا الله بهم وحشرنا في زمرتهم ونرغب من حامل هذا الكتاب أن يعطي منه نسخا للمؤمنين والسلام من كاتبه محمد بن قاسم الرصاع ا ه

نقلته من خط والدي قائلا نقلته من خط عبد العزيز بن إبراهيم بن هلال قال نقلته من خط الرصاع وقد رأيت لعمي نزيل المدينة الحاج أبي بكر بن أحمد شرحا على هذه المناقب رحمه الله ا ه بلفظه الفرق الثاني والتسعون بين قاعدة الاستغفار من الذنوب المحرمات وبين قاعدة الاستغفار من ترك المندوبات لا خفاء في أن الاستغفار من حيث إنه طلب المغفرة لا يحسن فيما ليس في فعله أو تركه العقوبات من المكروهات والمندوبات والمباحات وإنما يحسن فيما في فعله أو تركه العقوبات من ترك الواجبات وفعل المحرمات إلا أنه تعالى لما كان يعاقب على الذنب بأحد ثلاثة أشياء ويثيب على الطاعة بأحد ثلاثة أشياء أيضا أما ثلاثة العقاب فأحدها المؤلمات كالنار وغيرها وهذا هو الغالب في ذلك وثانيها تيسير المعصية في شيء آخر فيجتمع على العاصي عقوبتان الأولى والثانية فقد جعل سبحانه العسرى مسببة عن المعاصي المتقدمة في قوله تعالى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى وجعل سبحانه الردة مسببة عن المعصية في قوله تعالى إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما أنزل الله الآية لأن قوله تعالى ذلك إشارة إلى الردة وقوله بأنهم قالوا الباء سببية وقال عليه السلام إن الرجل ليختم له بالكفر بسبب كثرة ذنوبه وثالثها تفويت الطاعات كما يدل على ذلك الآيات الدالة على سلب الفلاح والخير بسبب

____________________

(2/255)

أيضا ذلك في غير الإقامة من المندوبات وقد سبق الجلاب والتهذيب على نقل ذلك عنه ووجه ذلك أن الله تعالى يعاقب على الذنب بأحد ثلاثة أشياء أحدها المؤلمات كالنار وغيرها وهذا هو الأمر الغالب في ذلك

وثانيها تيسير المعصية في شيء آخر فيجتمع على العاصي عقوبتان الأولى والثانية كقوله تعالى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى فجعل العسرى مسببة عن المعاصي المتقدمة ومنه قوله تعالى إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما أنزل الله الآية فجعل سبحانه الردة مسببة عن المعصية المذكورة لأن قوله تعالى ذلك إشارة إلى الردة وقوله بأنهم قالوا الباء سببية ومنه قوله عليه السلام إن الرجل ليختم له بالكفر بسبب كثرة ذنوبه

وثالثها تفويت الطاعات لقوله تعالى سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وقوله تعالى والله لا يهدي القوم الفاسقين إنه لا يفلح الظالمون ونحو ذلك من الآيات الدالة على سلب الفلاح والخير بسبب الأوصاف المذمومة المذكورة في تلك الآيات وكما يعاقب الله تعالى بأحد ثلاثة أشياء يثيب أيضا بأحد ثلاثة أشياء أحدها الأمور المستلذة كما في الجنات من المأكول والمشروب وغيرهما

وثانيها تيسير الطاعات فيجتمع للعبد مثوبتان لقوله تعالى فسنيسره لليسرى

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الأوصاف المذمومة المذكورة فيها من نحو قوله تعالى سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وقوله تعالى والله لا يهدي القوم الفاسقين إنه لا يفلح الظالمون وأما ثلاثة الثواب فأحدها الأمور المستلذات كما في الجنات من المأكول والمشروب وغيرهما وثانيها تيسير الطاعات فيجتمع للعبد مثوبتان فقد جعل سبحانه اليسرى مسببة عن الإعطاء وما معه في قوله تعالى فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وقال تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ومن يتق الله يجعل له مخرجا يجعل لكم فرقانا إلى غير ذلك من الآيات وثالثها تعسير المعاصي عليه وصرفها عنه وكان نسيان الإنسان الأذان أو الإقامة أو غيرهما من المندوبات فيحرم ثوابها من أعظم المصائب سيما وكلمات الأذان طيبة مشتملة على الثناء على الله تعالى وتوجب لقائلها ثوابا سرمديا خيرا من الدنيا وما فيها ومصيبة فوات ثوابها مسببة عن معاص سابقة وقعت منه قال تعالى وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ظهر لك أن ما وقع لمالك رحمه الله فيمن ترك الإقامة أو غيرها من المندوبات أنه يستغفر الله وقد اتفق الجلاب والتهذيب على نقل ذلك عنه هو أنه يتعين على الإنسان الاستغفار لأجل ما دل عليه تركها من ذنوب سالفة لا أنه يعتقد أن الاستغفار يشرع في ترك المندوبات وظهر أن الفرق بين هاتين

____________________

(2/256)

فجعل اليسرى مسببة عن الإعطاء وما معه في الآية وقوله تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ومن يتق الله يجعل له مخرجا يجعل لكم فرقانا إلى غير ذلك من الآيات

وثالثها تعسير المعاصي عليه وصرفها عنه إذا تقررت هذه القاعدة فإذا نسي الإنسان الإقامة أو غيرها من المندوبات دل هذا الحرمان على أنه مسبب عن معاص سابقة لقوله تعالى وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير وفوات الطاعة مصيبتها أعظم المصائب فإن كلمات الأذان طيبة مشتملة على الثناء على الله تعالى وتوجب لقائلها ثوابا سرمديا خيرا من الدنيا وما فيها من إصابة شوكة أو غم يغمه في فلس يذهب له وإذا كان ترك الطاعات مسببا عن المعاصي المتقدمة فحينئذ إذا رأى المكلف ذلك سأل المغفرة من تلك المعاصي المتقدمة حتى لا يتكرر عليه مثل تلك المصيبة فالاستغفار عند ترك الإقامة لأجل غيرها لا أنه لها وكذلك بقية المندوبات إذا فاتت يتعين على الإنسان الاستغفار لأجل ما دل عليه الترك من ذنوب سالفة لأجل هذه التروك فهذا هو وجه أمر مالك رحمه الله تعالى بالاستغفار في ترك المندوبات لا أنه يعتقد أن الاستغفار من ترك المندوبات فقد ظهر الفرق بين قاعدة الاستغفار عن الذنوب المحرمات وبين قاعدة الاستغفار من ترك المندوبات وأنها في فعل المحرمات وترك الواجبات لأجلها مطابقة وفي ترك المندوبات لأجل ما دلت عليه بطريق الالتزام لا أنه لها مطابقة

وبهذا التقرير تحل مواضع كثيرة مما وقع للعلماء من ذكر الاستغفار عن ترك المندوبات فيشكل ذلك على كثير من الناس وليس فيها إشكال بسبب ما تقدم من الفرق والبيان

هامش أنوار البروق

فارغه

هامش إدرار الشروق

القاعدتين هو أن الاستغفار في ترك المحرمات وترك الواجبات لأجلها مطابقة وفي ترك المندوبات لأجل ما دلت عليه بطريق الالتزام لا أنه لها مطابقة وبه ينحل كل إشكال يرد على ما وقع للعلماء من ذكر الاستغفار عن ترك المندوبات والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(2/257)

الفرق الثالث والتسعون بين قاعدة النسيان في العبادات لا يقدح وقاعدة الجهل يقدح وكلاهما غير عالم بما أقدم عليه اعلم أن هذا الفرق بين هاتين القاعدتين مبني على قاعدة وهي أن الغزالي حكى الإجماع في إحياء علوم الدين والشافعي في رسالته حكاه أيضا في أن المكلف لا يجوز له أن يقدم على فعل حتى يعلم حكم الله فيه فمن باع وجب عليه أن يتعلم ما عينه الله وشرعه في البيع ومن آجر وجب عليه أن يتعلم ما شرعه الله تعالى في الإجارة ومن قارض وجب عليه أن يتعلم حكم الله تعالى في القراض ومن صلى وجب عليه أن يتعلم حكم الله تعالى في تلك الصلاة وكذلك الطهارة وجميع الأقوال والأعمال فمن تعلم وعمل بمقتضى ما علم أطاع الله تعالى طاعتين ومن لم يعلم ولم يعمل فقد عصى الله معصيتين ومن علم ولم يعمل بمقتضى علمه فقد أطاع الله تعالى طاعة وعصاه معصية

ويدل على هذه القاعدة أيضا من جهة القرآن قوله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم ومعناه ما ليس لي بجواز سؤاله علم فدل ذلك على أنه لا يجوز له أن يقدم على الدعاء والسؤال إلا بعد علمه بحكم الله تعالى

هامش أنوار البروق

قال الفرق الثالث والتسعون بين قاعدة النسيان في العبادات لا يقدح وقاعدة الجهل يقدح قلت وما قاله في هذا الفرق مما وقفت عليه منه صحيح ووقع فيه في النسخة التي رأيتها منه نقص دل عليه الكلام فلذلك قلت ما وقفت عليه

هامش إدرار الشروق

@ 258 الفرق الثالث والتسعون بين قاعدة النسيان في العبادات لا يقدح وقاعدة الجهل يقدح وكلاهما غير عالم بما أقدم عليه الجهل والنسيان وإن اشتركا في أن المتصف بواحد منهما غير عالم بما أقدم عليه إلا أنه يفرق بينهما من جهتين الجهة الأولى أن النسيان يهجم على العبد قهرا بحيث لا تكون له حيلة في دفعه عنه بخلاف الجهل فإن له حيلة في دفعه بالتعلم الجهة الثانية أن الأمة قد أجمعت على أن النسيان لا إثم فيه من حيث الجملة ودل قوله عليه السلام رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه على أن الناسي معفو عنه

وأما الجهل فليس كذلك لأن من القاعدة التي حكى الغزالي في إحياء علوم الدين والشافعي في رسالته الإجماع عليها من أن المكلف لا يجوز له أن يقدم على فعل حتى يعلم حكم الله تعالى فيه ويدل عليها من جهة القرآن قوله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم إذ معناه ما ليس لي بجواز سؤاله علم وذلك أنه عليه السلام لما عوتب على سؤال الله عز وجل لابنه أن يكون معه في السفينة لكونه سأل قبل العلم بحال الولد وأنه مما ينبغي طلبه أم لا

وأجاب بما ذكر كان كلا العتب والجواب يدل على أنه لا بد من تقديم العلم بما يريد الإنسان أن يشرع فيه وكذا قوله تعالى

____________________

(2/258)

في ذلك السؤال وأنه جائز وذلك سبب كونه عليه السلام عوتب على سؤال الله عز وجل لابنه أن يكون معه في السفينة لكونه سأل قبل العلم بحال الولد وأنه مما ينبغي طلبه أم لا فالعتب والجواب كلاهما يدل على أنه لا بد من تقديم العلم بما يريد الإنسان أن يشرع فيه إذا تقرر هذا فمثله أيضا قوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم نهى الله تعالى نبيه عليه السلام عن اتباع غير المعلوم فلا يجوز الشروع في شيء حتى يعلم فيكون طلب العلم واجبا في كل حالة ومنه قوله عليه السلام طلب العلم فريضة على كل مسلم قال الشافعي رحمه الله طلب العلم قسمان فرض عين وفرض كفاية ففرض العين علمك بحالتك التي أنت فيها

وفرض الكفاية ما عدا ذلك فإذا كان العلم بما يقدم الإنسان عليه واجبا كان الجاهل في الصلاة عاصيا بترك العلم فهو كالمتعمد الترك بعد العلم بما وجب عليه فهذا هو وجه قول مالك رحمه الله إن الجهل في الصلاة كالعمد والجاهل كالمتعمد لا كالناسي

وأما الناسي فمعفو عنه لقوله عليه السلام رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وأجمعت الأمة على أن النسيان لا إثم فيه من حيث الجملة فهذا فرق وفرق ثان وهو أن النسيان يهجم على العبد قهرا لا حيلة له في دفعه عنه والجهل له حيلة في دفعه بالتعلم وبهذين الفرقين ظهر الفرق بين قاعدة النسيان وقاعدة الجهل

هامش أنوار البروق

فارغه

هامش إدرار الشروق

ولا تقف ما ليس لك به علم حيث نهى الله تعالى نبيه عليه السلام عن اتباع غير المعلوم فدل على أنه لا يجوز الشروع في شيء حتى يعلم وكذا قوله عليه السلام طلب العلم فريضة على كل مسلم يعلم أن طلب العلم واجب عينا في كل حالة يقدم عليها الإنسان فمن باع يجب عليه أن يتعلم ما عينه الله وشرعه في البيع ومن آجر يجب عليه أن يتعلم حكم الله تعالى في الإجارة ومن قارض يجب عليه أن يتعلم حكم الله تعالى في القراض ومن صلى يجب عليه أن يتعلم حكم الله تعالى في تلك الصلاة وهكذا الطهارة وجميع الأقوال والأعمال فمن تعلم وعمل بمقتضى ما علم فقد أطاع الله تعالى طاعتين ومن لم يعمل فقد عصى الله معصيتين ومن علم ولم يعمل بمقتضى علمه فقد أطاع الله تعالى طاعة وعصاه معصية فمن هنا قال الشافعي رحمه الله تعالى طلب العلم قسمان فرض عين وفرض كفاية ففرض العين علمك بحالتك التي أنت فيها وفرض الكفاية ما عدا ذلك

وقال مالك رحمه الله إن الجهل في الصلاة كالعمد والجاهل كالمتعمد لا كالناسي بل قال العلامة الأمير في شرحه على نظم بهرام فيما لا يعذر فيها بالجهل للقاعدة أن الجاهل في العبادات كالعامد ا ه وذلك أنه بتركه الواجب عليه من العلم بما يقدم عليه من نحو الصلاة كان عاصيا كالمتعمد الترك بعد العلم بما وجب عليه

والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(2/259)

الفرق الرابع والتسعون بين قاعدة ما لا يكون الجهل عذرا فيه وبين قاعدة ما يكون الجهل عذرا فيه اعلم أن صاحب الشرع قد تسامح في جهالات في الشريعة فعفا عن مرتكبها وأخذ بجهالات فلم يعف عن مرتكبها وضابط ما يعفى عنه من الجهالات الجهل الذي يتعذر الاحتراز عنه عادة وما لا يتعذر الاحتراز عنه ولا يشق لم يعف عنه ولذلك صور أحدها من وطئ امرأة أجنبية بالليل يظنها امرأته أو جاريته عفي عنه لأن الفحص عن ذلك مما يشق على الناس وثانيها من أكل طعاما نجسا يظنه طاهرا فهذا جهل يعفى عنه لما في تكرر الفحص عن ذلك من المشقة والكلفة

وكذلك المياه النجسة والأشربة النجسة لا إثم على الجاهل بها وثالثها من شرب خمرا يظنه جلابا فإنه لا إثم عليه في جهله بذلك

هامش أنوار البروق

قال الفرق الرابع والتسعون بين قاعدة ما لا يكون الجهل عذرا فيه وبين قاعدة ما يكون الجهل عذرا فيه إلى آخره قلت ما قاله فيه صحيح غير إطلاقه لفظ الظن في وطء الأجنبية وما معه فإنه إن أراد حقيقة الظن الذي يخطر لصاحبه احتمال نقيضه فلا أرى ذلك صوابا وإن أراد بالظن الاعتقاد الجزمي الذي لا يخطر معه احتمال النقيض فذلك صواب وغير قوله تكليف المرأة البلهاء المفسودة المزاج فإنه إن

هامش إدرار الشروق

@ 260 الفرق الرابع والتسعون بين قاعدة ما لا يكون الجهل عذرا فيه وبين قاعدة ما يكون الجهل عذرا فيه

اعلم أن الجهل نوعان النوع الأول جهل تسامح صاحب الشرع عنه في الشريعة فعفا عن مرتكبه وضابطه أن كل ما يتعذر الاحتراز عنه عادة فهو معفو عنه وله صور إحداها من وطئ امرأة أجنبية بالليل يظنها امرأته أو جاريته عفي عنه لأن الفحص عن ذلك مما يشق على الناس

الصورة الثانية الجهل بنجاسة الأطعمة والمياه والأشربة يعفى عنه لما في تكرر الفحص عن ذلك من المشقة والكلفة فالجاهل المستعمل لشيء منها لا إثم عليه بذلك

الصورة الثالثة لا إثم على من شرب خمرا يظنه جلابا في جهله به لمشقة فحصه عنه

الصورة الرابعة لا إثم على من قتل مسلما في صف الكفار يظنه حربيا في جهله به

____________________

(2/260)

ورابعها من قتل مسلما في صف الكفار يظنه حربيا فإنه لا إثم عليه في جهله به لتعذر الاحتراز عن ذلك في تلك الحالة ولو قتله في حالة السعة من غير كشف عن ذلك أثم

وخامسها الحاكم يقضي بشهود الزور مع جهله بحالهم لا إثم عليه في ذلك لتعذر الاحتراز من ذلك عليه وقس على ذلك ما ورد عليك من هذا النحو وما عداه فمكلف به ومن أقدم مع الجهل فقد أثم خصوصا في الاعتقادات فإن صاحب الشرع قد شدد في عقائد أصول الدين تشديدا عظيما بحيث إن الإنسان لو بذل جهده واستفرغ وسعه في رفع الجهل عنه في صفة من صفات الله تعالى أو في شيء يجب اعتقاده من أصول الديانات ولم يرتفع ذلك الجهل فإنه آثم كافر بترك ذلك الاعتقاد الذي هو من جملة الإيمان ويخلد في النيران على المشهور من المذاهب مع أنه قد أوصل الاجتهاد حده

وصار الجهل له ضروريا لا يمكنه دفعه عن نفسه ومع ذلك فلم يعذر به حتى صارت هذه

هامش أنوار البروق

أراد الفاسدة المزاج بحيث لا تفقه شيئا فلا أرى ذلك صوابا فإن مثل هذه لا تكليف عليها وإن أراد أنها تفقه ولكن بعد تعب ومشقة شديدة فذلك صواب مع أن قوله المفسودة المزاج فاسد وصوابه الفاسدة المزاج وغير ما أطلق القول فيه من أن أصول الفقه ملحقة بأصول الدين في أن المصيب واحد والمخطئ آثم فإن المسألة مختلف فيها والمتقدمون من الأصوليين على التخطئة والتأثيم والمتأخرون على خلاف ذلك

هامش إدرار الشروق

لتعذر الاحتراز عن ذلك في تلك الحالة

الصورة الخامسة لا إثم على الحاكم يقضي بشهود الزور جاهلا بحالهم لتعذر الاحتراز من ذلك عليه

الصورة السادسة قال الحطاب عند قوله عاطفا على ما يبطل الشهادة أو شهد وحلف ما نصه قال ابن عبد السلام إلا أن يكون الشاهد من جهلة العوام فإنهم يتسامحون في مثل ذلك فينبغي عندي أن يعذروا به ا ه

النوع الثاني جهل لم يتسامح صاحب الشرع عنه في الشريعة فلم يعف عن مرتكبه وضابطه أن كل ما لا يتعذر الاحتراز عنه ولا يشق لم يعف عنه وهذا النوع يطرد في أصول الدين وأصول الفقه وفي بعض أنواع من الفروع أما أصول الدين فلأن صاحب الشرع لما شدد في جميع الاعتقادات تشديدا عظيما بحيث إن الإنسان لو بذل جهده واستفرغ وسعه في رفع الجهل عنه في صفة من صفات الله أو في شيء يجب اعتقاده من أصول الديانات ولم يرتفع ذلك الجهل لكان بترك ذلك الاعتقاد آثما كافرا يخلد في النيران على المشهور من المذاهب مع أنه قد أوصل الاجتهاد حده وصار الجهل له ضروريا لا يمكنه رفعه عن نفسه حتى صارت هذه الصورة فيما يعتقد أنها من باب تكليف ما لا يطاق وبحيث إنه يكلف بأدلة الوحدانية ودقائق أصول الدين نحو المرأة البلهاء المفسودة المزاج الناشئة في الأقاليم المنحرفة عما يوجب استقامة العقل كأقاصي بلاد السودان وأقاصي بلاد الأتراك فإن هذه الأقاليم لا يكون للعقل فيها كبير رونق ولذلك قال الله تعالى في بلاد الأتراك عند يأجوج ومأجوج وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا حتى صار تكليف من لا يفهم القول وبعدت أهليته لهذه الغاية بذلك من

____________________

(2/261)

الصورة فيما يعتقد أنها من باب تكليف ما لا يطاق فإن تكليف المرأة البلهاء المفسودة المزاج الناشئة في الأقاليم المنحرفة عما يوجب استقامة العقل كأقاصي بلاد السودان

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

باب تكليف ما لا يطاق لما اختصه الشرع بثلاثة أحكام عن الفقه أحدها أن المصيب واحد وثانيها أن المخطئ فيه آثم وثالثها لا يجوز التقليد فيه

وأما أصول الفقه فقال العلماء يلحق بأصول الدين قال أبو الحسين في كتاب المعتمد في أصول الفقه إن أصول الفقه اختص بثلاثة أحكام عن الفقه أن المصيب فيه واحد والمخطئ فيه آثم ولا يجوز التقليد فيه وأما بعض أنواع الفروع فأحدها نوع العبادات لما مر عن العلامة الأمير من أن القاعدة أن الجاهل فيها كالعامد وذلك أنه قال عند قول بهرام وذاك كثير في الوضوء ومثله بفرض صلاة ثم حج تحصلا ما نصه أطلق في التوضيح الثلاث فلم يقيدها بالفرض والمشهور إطلاق العبادة فتشمل الصوم والعمرة

وقال عند قوله وواطئ رهين اعتكاف بالشريعة جاهلا من وطئ في اعتكافه جهلا فسد اعتكافه ولا يعذر بجهله وظاهره سواء جهل الحرمة أو جهل أنه مفسد ثم قال إن الاعتكاف من العبادات والقاعدة أن الجاهل فيها كالعامد ولا مفهوم للوطء بل كل ما يفسد به الاعتكاف كذلك كالخروج جهلا والفطر جهلا إلى غير ذلك وقال عند قوله وكل زكاة من دفعها لكافر وغير فقير ضامن تلك مسجلا

من دفع الزكاة لغير مستحق جهلا لم يعذر ولا مفهوم للكافر وغير الفقير كما هو مصرح به في المختصر وشروحه وهذا في اجتهاد بها أما بدفع الإمام أو نائبه فتجزئ ويأتي هنا ما سبق في الاعتكاف وهذا أسهل لشائبة المعاملة ا ه

وثانيها نوع العقود قال الأمير عند قوله ويفسخ بيع فاسد مطلقا ولا يسامح فيه من عن الحق عولا البيع الفاسد يفسخ ولا يعذر فيه بالجهل ولا خصوصية في البيع كما يظهر بل كذلك غيره كالنكاح مثلا لأن العبرة في صحة العقد بموافقة الشرع في الواقع ونفس الأمر لا في ظن العاقد فقط كما يفيده العلامة القاسمي علي المحلي وغيره

ا ه

ثالثها نوع مسقط للشفعة قال الأمير عند قوله ومن قام بعد العام يشفع حاضرا مع العلم بالمبتاع والبيع أولا

ما حاصله أنه لا شفعة لشريك علم البيع وسكت سنة لا أقل ولو كتب شهادته وما لابن رشد من أن الكتابة تسقط الشفعة بشهرين ضعيف وإن جنح له في المختصر بل في الخرشي وعبق عن المدونة أنه لا بد من شهرين زيادة على السنة وقرره شيخنا ولا يعذر بدعواه الجهل لا بأن ذلك مسقط للشفعة ولا بأن الشفعة واجبة وفي عبق والخرشي أن أبا الحسن والحطاب عن ابن كوثر والتتائي عن الذخيرة عن ابن عتاب ذكروا أن شراء الشفيع الشقص من المشتري يسقط الشفعة ولا يعذر بالجهل ولو كان امرأة بل مقتضى أن المذهب أن الشفعة لا يعذر فيها بالجهل جريان ذلك في بقية المسقطات من الاستئجار والمقاسمة وبيع حصة نفسه ثم فائدة سقوط الشفعة بالشراء يظهرها اختلاف الثمنين ا ه

ورابعها نوع العيب المانع من إجزاء عتق الرقبة في الكفارات قال الأمير عند قوله ومن يعتق الشخص الكفور لجهله فلا يجزي في كفارة وتبتلا في التوضيح قال أصبغ فيمن اشترى نصرانية فأعتقها في الكفارة أنها لا تجزيه ولا يعذر بجهل

ا ه وظاهره جهل الحكم أو أنها كافرة ثم لا مفهوم للكفر بل كذلك للعيوب المانعة من الإجزاء ولا يعذر

____________________

(2/262)

وأقاصي بلاد الأتراك فإن هذه الأقاليم لا يكون للعقل فيها كبير رونق ولذلك قال الله تعالى في بلاد الأتراك عند يأجوج ومأجوج وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

فيها بجهل كما يفيده قول الخرشي في الظهار إذا اطلع بعد العتق على عيب يمنع الإجزاء استعان بأرشه في رقبة أخرى وقوله وتبتلا أي ثم عتقه وإن لم يجز ا ه

وخامسها نوع بيع الخيار قال الأمير عند قوله وبائع عبد بالخيار يروم أن يرد وقد ولى الزمان به ولا بيع الخيار يلزم واضع اليد بمضي المدة فلا يعذر بالجهل ولا معنى لتخصيص العبد بذلك بل كل بيع بالخيار كما صرح به المختصر وشروحه ا ه

ولا يطرد هذا النوع من الجهل فيما عدا هذه الأنواع الخمس من الفروع بل هو في مسائل ذكرها العمدة الشيخ خليل في توضيحه ونظمها الشيخ بهرام في أربع وأربعين بيتا وشرحها العلامة الأمير ونقحها في

ثلاث وثلاثين مسألة المسألة الأولى صمت البكر وضحكها رضا بالنسبة للإذن في العقد وفي تعيين الصداق والزوج ولا تعذر بدعواها الجهل بأن ذلك يعد رضا ولو عرفت بالبله على المعتمد خلافا لعبد الحميد الصائغ وإن كان كلامه وجيها ولذلك روعي حقها ابتداء بندب إعلامها بأن ذلك يعد رضا ويكفي في الندب مرة ولابن شعبان ثلاثا وقال الأقل تعذر بالجهل والظاهر أنه مبني على وجوب الإعلام

قال في كتاب محمد والبكاء أيضا رضا لاحتمال أن تكون بكت على فقد أبيها وتقول في نفسها لو كان أبي حيا لما احتجت لذلك وانظر أيضا لو جهلت حكم أن ذلك رضا ا ه وأما الثيب وكذا السبعة الأبكار ففي قول خليل والثيب تعرب كبكر رشدت أو عضلت أو زوجت بعرض أي ممن لا يزوج به أو برق أو بذي عيب أو يتيمة أو أفتيت عليها ا ه

يعني أنهن في تعيين الزوج والصداق لا بد من نطقهن وأما الإذن للولي في العقد فهل كذلك إذا غبن عن مجلس العقد وهو مذهب ابن القاسم أو يكفي فيه الصمت ولو غبن وهو قول ابن حبيب وعليه اقتصر الأمير حيث قال الثيب تساوي البكر في أن الصمت رضا بالنسبة للإذن في العقد لا في تعيين الصداق والزوج فتعرب الثيب وانظر لو جهلت حكم الصمت هل يجري فيها ما جرى في البكر كما هو الظاهر ا ه انظر المختصر وشروحه

المسألة الثانية من عقد لها غير مجبرة بلا إذنها فلها إمضاؤه بالقول حيث قرب واليوم بعد وكان بالبلد ولم تره قبل ولم يجبر الولي بتعديه حال العقد ولم يفتت على الزوج أيضا ولها رد العقد ما لم تمكن من الجماع وإلا كان رضا ولا ينفعها دعوى الجهل بكون الجماع رضا فقولهم المفتات عليها لا بد من إذنها بصريح القول حصر إضافي بالنسبة لنحو الصمت وأما التمكين فهو أقوى من القول ولا فرق في هذا بين بكر وثيب فافهم

المسألة الثالثة من أكل مال يتيم جهلا ضمنه ولا يعذر بجهله كذا في التوضيح قال الأمير وانظر ما معنى تخصيص اليتيم فإن من أكل مال شخص مطلقا جاهلا ضمنه وذلك أولى من الخطأ الذي هو والعمد في أموال الناس سواء إلا أن يفرض في الغلة فإنها لذي الشبهة فيستثنى منه غلة مال اليتيم لكن الذي رأيناه استثناء غلة الوقف في بعض صوره فقط فيحرر ذلك

المسألة الرابعة من قذف حرا جاهلا بحريته حد ولا يعذر بالجهل سواء كان القذف في زنا أو نسب قال الأمير واقتصر على هذا الفرع في التوضيح ولم يذكر جهله بإسلامه أو بلوغه أو عتقه أو عقله والظاهر أنه كذلك ا ه

____________________

(2/263)

قولا ومن لا يفهم القول وبعدت أهليته لهذه الغاية مع أنه مكلف بأدلة الوحدانية ودقائق أصول الدين أنه تكليف ما لا يطاق فتكليف هذا الجنس كله من هذا

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

المسألة الخامسة إذا أطلق الزوج تمليك الزوجة أو تخييرها وانقضى مجلس يتروى في مثله فقول مالك الأول أنه يسقط ما بيدها ولا تعذر بجهل وقوله الآخر ببقاء ما بيدها ما لم توقف أو توطأ وذكره في المختصر وهو ضعيف لأن مالكا رجع للأول وأخذ به ابن القاسم وبه العمل فإن عين الزوج شيئا عمل به أو قال متى شئت لم يسقط بالمجلس أمير

المسألة السادسة الطبيب بحسب زعمه لا يعذر بجهله لكنه إن تعمد الضرر اقتص منه وإن قصد النفع فضر ضمن في ماله ولا شيء على عاقلته كما في عبق

المسألة السابعة المفتي لا يعذر بجهل في فتواه ويضمن ما أفسد بها المسألة الثامنة قال في التوضيح من أثبتت أن زوجها يضربها فتلوم لها الحاكم ثم أحضره ليطلق عليه فادعى أنه وطئها سقط حقها ولو ادعت الجهل أي صدقت على الوطء وجهلت أنه مسقط

المسألة التاسعة إذا زنى العبد أو شرب الخمر أو قذف جاهلا بالعتق حد كالحر

المسألة العاشرة أن يشتري من يعتق عليه وهو الأصل والفصل وقريب الحواشي جاهلا فيعتق عليه سواء جهل القرابة أو الحكم والظاهر أن مثل ذلك إن قال له إن اشتريتك فأنت حر فاشتراه جاهلا بأنه هو حيث أطلق في يمينه

المسألة الحادية عشرة من توجه له على أبيه أو أمه دنية حد أو يمين فاستوفى ما ذكر جاهلا بأن ذلك مفسق بطلت شهادته ولا يعذر بجهل أما لو فرض أنه جهل الأبوة فيعذر

المسألة الثانية عشرة في التوضيح من يقطع الدنانير والدراهم لا تجوز شهادته ولو كان جاهلا ا ه وقد صرحوا في باب الزكاة بحرمة كسر المسكوك لغير سبك أي ما لم يكن مغشوشا فيكسر

المسألة الثالثة عشرة في المختصر في محض حق الله تعالى تجب المبادرة أي بأداء الشهادة ورفعها للحاكم بالإمكان إن استديم تحريم كعتق وطلاق ووقف ورضاع فإن لم يفعلا ردت شهادتهما ولا عذر بجهل قال ابن رشد الشهادة بما يستدام تحريمه تبطل بترك رفعه إلى السلطان الأعلى ظاهر قول أشهب ا ه وضابط حق الله كما في شروح المختصر وقد مر كل ما ليس للمخلوق إسقاطه

قال ابن عبد السلام إن كان هناك غيره ممن يتم الحكم بشهادته فإنه يستحب له المبادرة تحصيلا لفرض الكفاية فإن أبى غيره أو منعه من ذلك مانع تعين عليه القيام وفي التوضيح قيد ابن شاس الوقف بأن يكون على غير معينين أي ويأكله غير الواقف وأطلق القول فيه الباجي وابن رشد ا ه

قال البناني وعلى ما لابن شاس اقتصر عبق وفصل بعض المحققين في الوقت لمعين قائلا إن كان الواقف بذله أولا ولكن جعله لمعين فالحق في هذا حق الله لأن ذلك المعين إذا لم يقبله رجع للفقراء والمساكين لا للواقف أو ورثته

وأما إذا كان من أول وهلة على معين من غير تبتيل له أولا كأن يجعله حبسا بشرط أن يكون على فلان فهو حق آدمي لأنه إذا لم يقبله هنا رد لمالكه أو لورثته ا ه

قال الخطاب وفي كون العتق وما عطف عليه من محض حق الله تعالى عندي نظر ا ه قال عبق أما عدم تمحض الثلاثة الأول فلأن العبد له حق في العتق بتخليص رقبته من الرق والمرأة في تخليص عصمتها من الزوج والموقوف عليهم في استحقاقهم فيه تتمحض هذه الثلاثة عن حق الآدمي كرضا العبد بخدمته كخدمة من يعتق والمرأة ببقائها تحته والموقوف عليه بتركه ما يستحقه من

____________________

(2/264)

النوع مع أنهم من أهل اليأس بسبب الكفران وقعوا للجهل

وأما الفروع دون الأصول فقد عفا صاحب الشرع عن ذلك ومن بذل جهده في الفروع فأخطأ فله أجر ومن أصاب فله أجران كما جاء في الحديث

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

الوقف أي فيحرم ويجب الرفع وأما الرضاع فظاهر تمحضه لله قاله بعض المحشين

المسألة السابعة عشرة من سرق ثوبا لا يساوي ربع دينار وفيه ربع دينار كما في التوضيح قال الأمير وهذا فرض

مثال قال في المختصر أو ظن أي ربع الدينار أو ثلاثة الدراهم فلوسا أو الثوب فارغا وقيده بما إذا كان مثله يرفع فيه نصاب لا إن كان خلقا ولا إن سرق خشبة أو حجرا يظنه فارغا فإذا فيه نصاب فلا يقطع لأن ذلك لا يجعل فيه ذلك إلا أن تكون قيمة تلك الخشبة تساوي نصابا فيقطع في قيمتها دون ما فيها

قال والعصا المفضضة لا تساوي ذاتها نصابا إن سرقت ليلا أو من محل مظلم فلا قطع ا ه

المسألة الخامسة عشرة قال في التوضيح إذا وطئ المرتهن الأمة المرتهنة فإنه يحد ولا يعذر بجهالة قال الأمير أي لأن شبهة الارتهان ضعيفة فلا تمنع الحد

قال عبق أما إذا أذن له الراهن فلا حد لأنها صارت حينئذ أمة محللة وفي وطئها الأدب والظاهر أنه لا يعذر فيه أيضا ا ه

المسألة السادسة عشرة قال في التوضيح المرتهن يرد الرهن فتبطل الحيازة ولا يعذر بالجهل ا ه

قال الأمير أي إذا رده اختيارا وإلا فله أخذه متى قدر ومعنى بطلان الحيازة أن الرهن يبطل بمفوت كعتق أو قيام غرماء فإن لم يحصل مفوت فله رده بعد أن يحلف أنه جهل إبطال الجواز بذلك حيث أشبه كما نقله شراح المختصر عن اللخمي ا ه

المسألة السابعة عشرة قال في التوضيح البدوي يقر بالزنا والشرب ويقول فعلت ذلك جهلا ا ه قال الأمير والبدوي نص على المتوهم لأن شأنه الجهل ومثله حديث عهد بالإسلام ولا فرق بين جهل الحد والحرمة وأما جهل العين بأن يظنها امرأته والخمر عسلا فعذر حيث أشبه ذلك وفي المختصر عذره بجهل الحكم في الزنا غير الواضح إن جهل مثله وفرق عبق بينه وبين الشرب أولا بأن الشرب أكثر وقوعا من غيره وثانيا بأن مفاسده أشد من مفاسد الزنا إذ ربما حصل بالشرب زنا وسرقة وقتل ولذا ورد أنها أم الخبائث وثالثا بأن حرمة الزنا ووجوب الحد فيه من الواضح الذي لا يجهل بخلاف الزنا فإن فيه واضحا وغيره

قال لكنه خلاف ظاهر قول مالك وقد ظهر الإسلام وفشا فلا يعذر جاهل في شيء من الحدود ا ه وتناول قول مالك هذا القذف والسرقة ا ه

المسألة الثامنة عشرة قال الأمير الأمة المعتقة إذا وطئها بعد عتقها أو مكنته من المقدمات وأولى إن حاولت هي منه ذلك سقط خيارها ولا تعذر بدعواها الجهل بأصل التخيير أو بأن ذلك مسقط ومثل الجهل النسيان والمشهور ولو لم يشتهر الحكم عند الناس وعذر البغداديون حديثة العهد بالجهل واختاره بعض المتأخرين قال وإنما تكلم مالك على من اشتهر عندهم الحكم ولم يخف على أحد كأهل المدينة ومما لم تعذر فيه بالجهل أيضا قول ابن عرفة روى محمد أن بيع زوجها قبل عتقها بأرض غربة فظنت أن ذلك طلاق ثم عتقت ولم تختر نفسها حتى عتق زوجها فلا خيار لها ويدخل في قول المختصر في مسقطات الخيار أو عتق قبل الاختيار وتعذر بجهل العتق ولها على الزوج الأكثر من المسمى وصداق المثل حيث كان قبل البناء ويؤدب إن وطئها عالما بالعتق والحكم ولا تعذر بنسيان العتق

قال عبق لما عند الناس من زيادة التفريط على الجاهل ا ه بتصرف للإصلاح

____________________

(2/265)

قال العلماء ويلحق بأصول الدين أصول الفقه قال أبو الحسين في كتاب المعتمد في أصول الفقه إن أصول الفقه اختص بثلاثة أحكام

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

المسألة التاسعة عشرة قال في التوضيح المرأة يغيب عنها زوجها فتنفق من ماله ثم يأتي نعيه فترد ما أنفقت من يوم الوفاة

المسألة العشرون قال الأمير من رأى حمل زوجته فأخر اللعان بلا عذر فليس له نفيه ولا يعذر بجهل وليس من العذر تأخيره خيفة أن يكون انتفاخا فينفش وأما اللعان لرؤيتها تزني فلا يسقط بالتأخير نعم يسقطان بالوطء والظاهر أنه لا يعذر فيه بجهل وكلامهم يقتضي أن المقدمات لا تسقط

المسألة الحادية والعشرون قال في التوضيح المطلقة يراجعها زوجها فتسكت حتى يطأها زوجها ثم تدعي أن عدتها كانت انقضت وتدعي الجهل في سكوتها ا ه

وليس الوطء شرطا لما في المختصر إذا أشهد برجعتها فصمتت ثم قالت بعد يوم أو بعضه كما في عبق عن المدونة كانت انقضت لم يقبل قولها لأن سكوتها دليل كذبها ا ه أمير

المسألة الثانية والعشرون قال في التوضيح الرجل يباع عليه ماله ويقبضه المشتري وهو حاضر لا يغير ولا ينكر ثم يقوم ويدعي أنه لم يرض ويدعي الجهل ا ه

قال الأمير أي فيلزمه البيع وله الثمن ما لم تمض سنة والغائب له الرد ما لم تمض سنة فالثمن ما لم تمض ثلاث هذا حاصل ما قرره لنا شيخنا العلامة العدوي قال عبق والمعتمد حرمة بيع الفضولي وشرائه كما قال القرافي أنه المشهور لا جوازه ولا ندبه

قال الحطاب والحق أنه يختلف بحسب المقاصد وما يعلم من حال المالك أنه الأصلح ا ه كلام عبق

المسألة الثالثة والعشرون قال في التوضيح من حاز مال رجل مدة الحيازة التي تكون عاملة وادعى أنه ابتاعه منه فإنه يصدق مع يمينه ولا يعذر صاحب المال إن ادعى الجهل ا ه قال الأمير وتفصيل مدة الحوز مذكورة في المختصر وشروحه وليس التطويل له من مهمنا الآن

المسألة الرابعة والعشرون قال في التوضيح المظاهر يطلق امرأته في الصيام فيلزمه الابتداء ولا يعذر بجهل

ا ه

قال الأمير أي إذا وطئ المظاهر منها ليلا أو نهارا وكذلك النسيان والغلط لا عذر بهما وإذا وقع ذلك في الإطعام فكالصوم على المشهور كما في المختصر قال عبد الملك بن الماجشون الوطء لا يبطل الإطعام المتقدم مطلقا والاستئناف أحب إلى الله تعالى ومفهوم وطئ أن القبلة والمباشرة لا يقطعانه وشهره يوسف بن محمد وقيل يقطعانه وشهره الزناتي ا ه عبق واقتصر الخرشي على الثاني ا ه أمير

المسألة الخامسة والعشرون قال في التوضيح الرجل يجعل امرأته بيد غيرها فلا يقضي المملك حتى يطأ ثم تريد أن يقضي وتقول جهلت وظننت أن ذلك لا يقطع ما كان ا ه قال الأمير والمقدمات كالوطء فالمدار على التمكين طوعا وظاهره ولو بغير علم ذلك وصححه في الشامل انظر التتائي ونحوه للشيخ سالم والذي في المدونة وأبي الحسن عليها وابن عرفة أنه لا يسقط إلا بعلمه ورضاه ا ه عبق وكذلك إن ملكها هو أو خير ا ه

المسألة السادسة والعشرون قال في التوضيح الذي يملك امرأته أمرها فتقول قد قبلت ثم تصالحه بعد ذلك قبل أن تسأل ما قبلت ثم تقول كنت أردت ثلاثا لترجع فيما صالحت أنها لم ترجع على الزوج بشيء لأنها حين صالحت علمت أنها لم تطلق ثلاثا ولا تعذر بالجهل ا ه

المسألة السابعة والعشرون قال الأمير من ملك زوجته فقضت بالبتة وادعى الجهل بحكم التمليك

____________________

(2/266)

عن الفقه أن المصيب فيه واحد والمخطئ فيه آثم ولا يجوز التقليد فيه وهذه الثلاثة التي حكاها هي في أصول الدين بعينها فظهر لك الفرق بين قاعدة ما يكون الجهل فيه عذرا وبين قاعدة ما لا يكون الجهل فيه عذرا

الفرق الخامس والتسعون بين قاعدة استقبال الجهة في الصلاة وبين قاعدة استقبال السمت اعلم أنه قد وقع في المذاهب عامة قولهم إن القاعدة أن استقبال الجهة يكفي وآخرون

هامش أنوار البروق

قال الفرق الخامس والتسعون بين قاعدة استقبال الجهة في الصلاة وبين قاعدة استقبال السمت إلى قوله وإذا كان الإجماع في الصورتين فأين يكون الخلاف قلت أما معاين الكعبة فلا خلاف في أن فرضه استقبال سمتها كما ذكر

وأما غير المعاين فنقل

هامش إدرار الشروق

فقيل يلزمك ما أوقعت فقال ما أردت إلا واحدة هكذا في التوضيح فجعل ادعاءه الجهل مكذبا له وإلا فله مناكرة المملكة إن نوى دون الثلاث كما في المختصر وشروحه ا ه

المسألة الثامنة والعشرون قال في التوضيح في الواضحة فيمن باع جاريته وقال كان لها زوج وطلقها أو مات عنها وقالت ذلك الجارية لم يجز للمشتري أن يطأ ولا يزوج حتى تشهد البينة على الطلاق أو الوفاة وإن أراد ردها وادعى أن قول البائع والجارية يقتضي ذلك لم يكن له ذلك وإن كان ممن يجهل معرفة ذلك ا ه

المسألة التاسعة والعشرون قال في التوضيح قال أصبغ في المظاهر يطأ قبل الكفارة أنه يعاقب ولا يعذر بجهل ا ه ومثل الوطء مقدماته كما في شروح المختصر

المسألة الثلاثون إذا أطلق الزوج في تخيير امرأته بعد البناء فقضت بواحدة بطل ما بيدها وليس لها أن تختار بعد ذلك وتقول جهلت وظننت أن لي أن أختار واحدة ومثل الواحدة الاثنان لأن التخيير ثلاث قال عبق فإن رضي الزوج بما أوقعت لزم أفاده الأمير

المسألة الحادية والثلاثون في التوضيح التي يقول لها زوجها إن غبت عنك أكثر من ستة أشهر فأمرك بيدك فيغيب عنها وتقيم بعد الستة المدة الطويلة من غير أن تشهد أنها على حقها ثم تريد أن تقضي وتقول جهلت وظننت أن الأمر بيدي متى شئت ا ه

المسألة الثانية والثلاثون قال الأمير عد في التوضيح منها الشاهد يخطئ في الأموال والحدود

المسألة الثالثة والثلاثون قال الأمير عد في التوضيح منها الغريم يعتق بحضرة غرمائه فيسكتون ولا ينكرون ثم يريدون القيام وبقي مسألة ذكرها الأصل وهي من قتل مسلما في حالة السعة يظنه حربيا من غير كشف عن ذلك أثم والله أعلم

الفرق الخامس والتسعون بين قاعدة استقبال الجهة في الصلاة وبين قاعدة استقبال السمت لا خلاف في أن فرض من قرب من الكعبة وعاينها استقبال السمت أي عينها فإذا صف صف مع

____________________

(2/267)

يقولون بل القاعدة أن استقبال سمت الكعبة لا بد منه وهذه المقالات والإطلاقات في غاية الإشكال بسبب أمور أحدها أن الكلام في هذا إنما وقع فيمن بعد عن الكعبة أما من قرب فإن فرضه استقبال السمت قولا واحدا والذي بعد لا يقول أحد إن الله تعالى أوجب عليه استقبال عين الكعبة ومقابلتها ومعاينتها فإن ذلك تكليف ما لا يطاق بل الواجب عليه أن يبذل جهده في تعيين جهة يغلب على ظنه أن الكعبة وراءها وإذا غلب على ظنه بعد بذل الجهد في الأدلة الدالة على الكعبة أنها وراء الجهة التي عينتها أدلته وجب عليه استقبالها إجماعا فصارت الجهة مجمعا عليها والسمت الذي هو العين والمعاينة مجمع على عدم التكليف به وإذا كان الإجماع في الصورتين فأين يكون الخلاف وثانيها أن الصف الطويل أجمع الناس على صحة صلاته مع أنه خرج بعضه عن السمت قطعا فإن الكعبة عرضها عشرون ذراعا وطولها خمسة وعشرون ذراعا على ما قيل والصف الطويل مائة ذراع فأكثر فبعضه خارج عن السمت قطعا فقولهم إن القاعدة استقبال السمت مشكل

وثالثها أن البلدين المتقاربين يكون استقبالهما واحدا مع أنا نقطع بأنهما أطول من

هامش أنوار البروق

الخلاف فيه معروف هل فرضه استقبال السمت كالمعاين أم فرضه استقبال الجهة وظاهر المنقول عن القائلين بالسمت أنهم يريدون بذلك أن المستقبل للكعبة فرضه أن يكون بحيث لو قدر خروج خط مستقيم على زوايا قائمة من بين عينيه نافذا إلى غير نهاية لمر بالكعبة قاطعا لها لا أنهم يريدون أن فرضه استقبال عينها ومعاينتها فإن ذلك كما قال من تكليف ما لا يطاق ولا قائل به فالذي يظهر أنه مرادهم يلزم منه تكليف ما لا يطاق إذ فيه تكليف المعاينة مع عدمها والوجه الآخر ليس فيه ذلك فالخلاف معجم في الجهة هل هي المطلوب أم لا وفي السمت هل هو المطلوب أم لا لكن ترجيح

هامش إدرار الشروق

حائط الكعبة فصلاة الخارج عنها ببدنه أو ببعضه باطلة لأنه مأمور بأن يستقبل بجملته الكعبة فإن لم يحصل له ذلك استدار وكذلك الصف الطويل بقرب الكعبة يصلون دائرة وقوسا إن قصروا عن الدائرة قال ابن الحاجب أما لو خرج عن السمت بالمسجد الحرام لم يصح أي لكونه خالف ما أمر به وكذا من بمكة أي فتجب عليه المسامتة لقدرته على ذلك بأن يطلع على سطح أو غيره ويعرف سمت الكعبة بالمحل الذي هو فيه فإن لم يقدر استدل أي إن من كان في بيته ولم يقدر على الخروج أو كان بليل مظلم فإنه يستدل بأعلام البيت مثل جبل أبي قبيس ونحو ذلك أو يستدل بالمطالع أو المغارب إن كان له علم بذلك فإن قدر بمشقة أي على المسامتة كما لو كان يحتاج إلى صعود السطح وهو شيخ كبير أو مريض ففي الاجتهاد نظر أي تردد حكاه ابن شاس عن بعض المتأخرين

قال ابن رشد الصواب المنع ا ه بتوضيح من شرحي خليل وابن فرحون قال الحطاب هذا ما نعرفه لأصحابنا وما حكي عن مالك أنه قال الكعبة قبلة لأهل المسجد والمسجد قبلة أهل مكة والحرم قبلة أهل الدنيا فهذا النقل عنه غريب وما أخرجه البيهقي في سننه من حديث عمر بن حفص المكي عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله تعالى

____________________

(2/268)

سمت الكعبة ولم يقل أحد بأن صلاة أحدهما صحيحة والأخرى باطلة ولو قيل ذلك لكان ترجيحا من غير مرجح فإنه ليس إحداهما أولى من الأخرى بالبطلان فهذه أمور مجمع عليها كلها وجميعها يقتضي الإشكال على هاتين القاعدتين

الجواب عنه وهو سر الفرق ما كان يذكره الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله تعالى بعد أن كان يورد هذا الإشكال فلا يجيبه أحد عنه فكان يقول الشيء قد يجب إيجاب الوسائل وقد يجب إيجاب المقاصد فالأول كالنظر في أوصاف المياه فإنه واجب وجوب الوسائل فإنه يتوسل به إلى معرفة الطهورية وكالنظر في قيم المتلفات فإنه وسيلة إلى معرفة قيمة المتلف وكالسعي إلى الجمعة واجب لأنه وسيلة إلى إيقاعها في الجامع وكذلك السفر إلى الحج وهو كثير في الشريعة ومثال ما يجب وجوب المقاصد الصلوات الخمس وصوم رمضان والحج والعمرة والإيمان والتوحيد وغير ذلك مما هو واجب لأنه مقصد لنفسه لا لأنه وسيلة لغيره إذا تقررت هذه القاعدة فاختلف الناس في الجهة هل هي واجبة وجوب الوسائل وأن النظر فيها إنما هو لتحصيل عين الكعبة وهو مذهب الشافعي رحمه الله وإذا أخطأ في الجهة وجبت الإعادة لأن القاعدة أيضا أن الوسيلة إذا لم يحصل مقصدها سقط اعتبارها والنظر في الجهة واجب وجوب المقاصد

هامش أنوار البروق

القول بالجهة من الإجماع على صحة صلاة الصف المستقيم الطويل وما في معناه من الموضعين المتحاذيين أو المواضع ويرجح أيضا بأن التوصل إلى تحقيق الجهة متيسر على المكلفين أو أكثرهم بخلاف التوصل إلى تحقيق السمت والحنيفية سمحة ودين الله يسر قال وثانيها أن الصف الطويل أجمع الناس على صحة صلاته إلخ قلت هو أقوى حجج القائلين بالجهة

هامش إدرار الشروق

عنهما قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال البيت قبلة لأهل المسجد والمسجد قبلة لأهل الحرم والحرم قبلة لأهل الأرض فقال الترمذي تفرد به عمر بن حفص وهو ضعيف لا يحتج به والحمل فيه عليه ا ه

وإنما الخلاف فيمن بعد عن الكعبة بأن كان بغير مكة هل فرضه استقبال السمت كالمعاين أو فرضه استقبال الجهة قولان في المذهب وخارجه ويرجع للثاني أمران أحدهما أن الأول وإن كان ظاهر المنقول عن القائلين به أنهم لا يريدون بذلك أن المستقبل للكعبة فرضه استقبال عينها ومعاينتها حتى يقال إنه من تكليف ما لا يطاق ولا قائل به وإنما يريدون أن فرضه أن يكون بحيث لو قدر خروج خط مستقيم على زوايا قائمة من بين عينيه نافذا إلى غير نهاية لمر بالكعبة قاطعا لها إلا أنه يلزم من هذا الذي يظهر أنه مرادهم تكليف ما لا يطاق إذ فيه تكليف السمت والمعاينة مع عدمها بخلاف القول بالجهة فإنه ليس فيه ذلك وإنما فيه التكليف بتحقيق الجهة والتوصل إليه متيسر على جميع المكلفين أو أكثرهم

وثانيهما إجماع الناس على صحة صلاة الصف المستقيم الطويل الذي طوله مائة ذراع فأكثر وصحة صلاة ما في معناه من الموضعين المتحاذيين أو المواضع مع أن بعض الصف وأحد الموضعين أو المواضع

____________________

(2/269)

وأن الكعبة لما بعدت عن الأبصار جدا وتعذر الجزم بحصولها جعل الشرع الاجتهاد في الجهة هو الواجب نفسه وهو المقصود دون عين الكعبة فإذا اجتهد ثم تبين خطؤه لا تجب عليه الإعادة

وهو مذهب مالك رحمه الله تعالى فعلى هذا التقرير يصير الخلاف في السمت هل يجب وجوب المقاصد أو لا يجب ألبتة لا وجوب المقاصد ولا وجوب الوسائل لأنه ليس وسيلة لغيره قولان وهل تجب الجهة وجوب المقاصد أم وجوب الوسائل قولان هذا هو توجيه القولين في كل واحدة من القاعدتين فعلى هذا تكون الجهة واجبة بالإجماع إنما الخلاف في صورة وجوبها هل وجوب الوسائل أو المقاصد ويكون السمت ليس واجبا مطلقا إلا على أحد القولين فإنه واجب وجوب المقاصد فقول العلماء هل الواجب الجهة أو السمت قولان يصح فيه قيد لطيف فيكون معناه هل الواجب وجوب المقاصد السمت أو الجهة قولان فبهذا القيد استقام حكاية الخلاف واتضح أيضا به تخريج الخلاف هل تجب الإعادة على من أخطأ في اجتهاده أم لا قولان مبنيان على أن الجهة واجبة وجوب المقاصد وقد حصل الاجتهاد فيها وهو الواجب عليه فقط لا شيء وراءه أو واجبة وجوب الوسائل فتجب الإعادة لأن الوسيلة إذا

هامش أنوار البروق

قال والجواب عنه وهو سر الفرق ما كان يذكره الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله تعالى إلى قوله لا أنه وسيلة لغيره

قلت ما ذكره حاكيا له عن عز الدين من أن الواجب على ضربين واجب وجوب الوسائل وواجب وجوب المقاصد صحيح كما ذكر قال إذا تقررت هذه القاعدة فاختلف الناس في الجهة هل هي واجبة وجوب الوسائل وأن النظر

هامش إدرار الشروق

خارج عن السمت قطعا فإن الكعبة على ما قيل عرضها عشرون ذراعا وطولها خمسة وعشرون ذراعا والجواب عن الأمر الثاني بأن القول بالسمت مبني على قاعدة إن الله تعالى إنما أوجب علينا أن نستقبل الكعبة الاستقبال العادي لا الحقيقي والعادة أن الصف الطويل إذا قرب من الشيء القصير الذي يستقبل يكون أطول منه ويجد بعضهم نفسه خارجة عن ذلك الشيء المستقبل الذي هو قصير من الصف الطويل

وإذا بعد ذلك الصف الطويل بعدا كثيرا عن ذلك الشيء القصير بأن كان بمصر أو خراسان يجد كل واحد ممن في ذلك الصف الطويل نفسه مستقبلا لذلك الشيء القصير في نظر العين بسبب البعد ألا ترى أن النخلة البعيدة أو الشجرة إذا استقبلهما الركب العظيم الكثير العدد من البعد يجد كل واحد من أهل الركب نفسه قبالة تلك الشجرة أو النخلة ويقول الراكب بجملته نحن قبالة تلك الشجرة أو النخلة ونحن سايرون إليها

وإذا قربوا منها جدا لم يبق قبالتها إلا النفر اليسير من ذلك الركب وكذلك البلدان المتقاربان لو كشف الغطاء بين من فيهما وبين الكعبة لرأى كل واحد منهم نفسه قبالة الكعبة فيه نظر لأن القول بالسمت العادي دون الحقيقي مآله إلى القول بالجهة فهو على التحقيق تسليم لقول المخالف وتحرير الخلاف المذكور

____________________

(2/270)

لم تفض إلى مقصودها سقط اعتبارها واتضح الخلاف والتخريج واندفع الإشكال حينئذ بهذا القيد الزائد وبهذا التقرير وأما الجواب عن الصف الطويل فهو أن الله تعالى إنما أوجب علينا أن نستقبل الكعبة الاستقبال العادي لا الحقيقي والعادة أن الصف الطويل إذا قرب من الشيء القصير الذي يستقبل يكون أطول منه ويجد بعضهم نفسه خارجة عن ذلك الشيء المستقبل الذي هو أقصر من الصف الطويل وإذا بعد ذلك الصف الطويل بعدا كثيرا عن ذلك الشيء القصير يجد كل واحد ممن في ذلك الصف الطويل نفسه مستقبلا لذلك الشيء القصير في نظر العين بسبب البعد ألا ترى أن النخلة البعيدة أو الشجرة إذا استقبلها الركب العظيم الكثير العدد من البعد يجد كل واحد من أهل الركب أو القافلة نفسه قبالة تلك الشجرة ويقول الركب بجملته نحن قبالة تلك الشجرة ونحن سائرون إليها وإذا قربوا من الشجرة جدا لم يبق قبالتها إلا النفر اليسير من ذلك الركب فكذلك الصف الطويل بمصر أو بخراسان لو كشف الغطاء بينهم وبين الكعبة المعظمة بحيث كان كل واحد منهم يبصر الكعبة لرأى نفسه قبالة الكعبة بسبب البعد كما قلنا في

هامش أنوار البروق

فيها إنما هو لتحصيل عين الكعبة وهو مذهب الشافعي رحمه الله وإذا أخطأ في الجهة وجبت الإعادة لأن القاعدة أيضا أن الوسيلة إذا لم يحصل مقصدها سقط اعتبارها والنظر في الجهة واجب وجوب المقاصد وأن الكعبة لما بعدت من الأبصار جدا وتعذر الجزم بحصولها جعل الشرع الاجتهاد في الجهة هو الواجب نفسه وهو المقصود دون عين الكعبة فإذا اجتهد ثم تبين خطؤه لا تجب عليه الإعادة وهو مذهب مالك قلت ينبغي أن يكون مراده بالخطأ خطأ عين الكعبة لا خطأ الجهة فإن خطأ الجهة خطأ المقصود فتلزم الإعادة على المذهب كما تقدم في خطأ العين في مذهب الشافعي

هامش إدرار الشروق

وسر الفرق بين قاعدة إن استقبال الجهة يكفي عند القائلين بها وبين قاعدة إن استقبال السمت لا بد منه عند القائلين بها هو ما كان يذكره الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله تعالى جوابا عن استشكاله أن من بعد عن مكة لا يقول أحد إن الله تعالى أوجب عليه استقبال عين الكعبة ومقابلتها ومعاينتها فإن ذلك تكليف ما لا يطاق بل الواجب عليه أن يبذل جهده في تعيين جهة يغلب على ظنه أن الكعبة وراءها وإذا غلب على ظنه بعد ذلك أنها وراء الجهة التي عينتها أدلته وجب عليه استقبالها إجماعا فصارت الجهة مجمعا عليها والسمت الذي هو العين والمعاينة مجمع على عدم التكليف به وإذا كان الإجماع في الصورتين فأين يكون الخلاف بقوله الشيء قد يجب إيجاب الوسائل وهو كثير في الشريعة كالنظر في أوصاف المياه المتوسل به إلى معرفة الطهورية وفي قيم المتلفات المتوسل به إلى معرفة قيمة المتلف والسعي إلى الجمعة المتوسل به إلى إيقاعها في الجامع والسفر إلى الحج المتوسل به إلى إيقاعه بعرفة وحول الكعبة

وقد يجب إيجاب المقاصد وهو كثير في الشريعة أيضا كالصلوات الخمس وصوم رمضان والحج والعمرة وغير ذلك مما هو واجب لأنه مقصد لنفسه لا لأنه وسيلة لغيره فعلى قاعدة أن استقبال الجهة يكفي يكون

____________________

(2/271)

الركب مع الشجرة فقد حصل في حقهم الاستقبال العادي وهو المطلوب الشرعي وكذلك نقول في البلدين المتقاربين لو كشف الغطاء بينهما وبين الكعبة لرأى كل واحد منهم نفسه قبالة الكعبة فهما كالصف الطويل سواء والجميع مبني على هذه القاعدة وهي أن الله تعالى إنما أمر بالاستقبال العادي دون الحقيقي مع البعد ومع القرب الواجب

هامش أنوار البروق

قال فعلى هذا التقرير يصير الخلاف في السمت هل يجب وجوب المقاصد أو لا يجب ألبتة لا وجوب المقاصد ولا وجوب الوسائل لأنه ليس وسيلة لغيره قولان وهل تجب الجهة وجوب المقاصد أم وجوب الوسائل قولان هذا هو توجيه القولين في كل واحدة من القاعدتين فعلى هذا تكون الجهة واجبة بالإجماع إنما الخلاف في صورة وجوبها هل وجوب الوسائل أو المقاصد ويكون السمت ليس واجبا مطلقا إلا على أحد القولين فإنه واجب وجوب المقاصد فقول العلماء هل الواجب الجهة أو السمت قولان يظهر فيه قيد لطيف فيكون معناه هل الواجب وجوب المقاصد السمت أو الجهة قولان فبهذا القيد استقام حكاية الخلاف واتضح أيضا به تخريج الخلاف هل تجب الإعادة على من أخطأ في اجتهاده أم لا قولان مبنيان على أن الجهة واجبة وجوب المقاصد وقد حصل الاجتهاد فيها وهو الواجب عليه فقط لا شيء وراءه أو واجبة وجوب الوسائل فتجب الإعادة لأن الوسيلة إذا لم تفض إلى مقصودها سقط اعتبارها واتضح الخلاف والتخريج واندفع الإشكال حينئذ بهذا القيد الزائد وبهذا التقرير قلت جميع ما قاله في هذا الفصل تحرير خلاف ولا كلام فيه غير أن الصحيح من الأقوال أن الجهة واجبة وجوب المقاصد وأن الإعادة لازمة عند الخطأ والله أعلم قال وأما الجواب عن الصف الطويل إلى آخر ما قاله في هذا الفرق

قلت هذا الجواب إنما هو جواب القائلين بالسمت دفعا لاستدلال القائلين بالجهة عليهم بالصف الطويل وللقائلين بالجهة أن يقولوا سلمنا صحة هذا الجواب لأنه محصل لمقصودنا من القول بالجهة وغير محصل لمقصودكم من القول بالسمت الحقيقي الذي هو العين من غير شرط المعاينة لتعذر ذلك مع البعد ومآل قولكم بالسمت العادي غير الحقيقي إلى قولنا بالجهة فعلى التحقيق ذلك الجواب ليس بجواب بل تسليم لقول المخالف والله أعلم

هامش إدرار الشروق

النظر في الجهة واجبا وجوب المقاصد وذلك لأن الكعبة لما بعدت عن الإبصار جدا وتعذر الجزم بحصولها جعل الشرع الاجتهاد في الجهة هو الواجب نفسه وهو المقصود دون عين الكعبة فلا يجب ألبتة فإذا اجتهد ثم تبين أنه أخطأ عين الكعبة لا تجب عليه الإعادة أما إذا أخطأ الجهة فقد أخطأ المقصود فيلزم الإعادة وهو مذهب مالك رحمه الله تعالى وعلى قاعدة أن استقبال السمت لا بد منه يكون النظر في الجهة واجبا وجوب الوسائل وذلك لأنه إنما هو لتحصيل عين الكعبة الذي هو الواجب المقصود لنفسه فإذا أخطأ العين في اجتهاده في الجهة وجبت الإعادة لأن القاعدة أن الوسيلة إذا لم يحصل مقصدها سقط اعتبارها وهو مذهب الشافعي رحمه الله تعالى وبالجملة فالخلاف في كل من السمت والجهة أما في السمت فهو أنه هل يجب وجوب المقاصد أو لا يجب مطلقا لا وجوب المقاصد ولا وجوب الوسائل لأنه ليس وسيلة لغيره قولان وأما في الجهة فهو أنها هل تجب وجوب المقاصد أو

____________________

(2/272)

الاستقبال الحقيقي

حتى إنه إذا صف صف مع حائط الكعبة فصادف أحدهم نصفه قبالة الكعبة ونصفه خارجا عنها بطلت صلاته لأنه مأمور بأن يستقبل بجملته الكعبة فإذا لم يحصل ذلك استدار وكذلك الصف الطويل بقرب الكعبة يصلون دائرة أو قوسا إن قصروا عن الدائرة وفي البعد يصلون خطا مستقيما بسبب ما تقدم من التقرير وأنهم إذا كانوا خطا مع البعد يكونون مستقبلين عادة بخلافهم مع القرب فقد ظهر الفرق بين قاعدة استقبال السمت وبين قاعدة استقبال الجهة

وصح جريان الخلاف في ذلك واندفعت الإشكالات التي عليها وهو من المواطن الجليلة التي يحتاج إليها الفقهاء ولم أر أحدا حرره هذا التحرير إلا الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله وقدس روحه فلقد كان شديد التحرير لمواضع كثيرة في الشريعة معقولها ومنقولها وكان يفتح عليه بأشياء لا توجد لغيره رحمه الله رحمة واسعة

الفرق السادس والتسعون بين قاعدة من يتعين تقديمه وبين قاعدة من يتعين تأخيره في الولايات والمناصب والاستحقاقات الشرعية اعلم أنه يجب أن يقدم في كل ولاية من هو أقوم بمصالحها على من هو دونه فيقدم في ولاية الحروب من هو أعرف بمكائد الحروب وسياسة الجيوش والصولة على

هامش أنوار البروق

قال الفرق السادس والتسعون بين قاعدة من يتعين تقديمه وبين قاعدة من يتعين تأخيره في الولايات والمناصب والاستحقاقات الشرعية اعلم أنه يجب أن يقدم في كل ولاية من هو أقوم بمصالحها على من هو دونه إلى قوله لأن الرجال أقوم بمصالح تلك الولايات منهن

هامش إدرار الشروق

وجوب الوسائل قولان فالجهة واجبة بالإجماع وإنما الخلاف في صورة وجوبها هل وجوب الوسائل أو المقاصد وفي السمت هل يجب وجوب المقاصد أو لا مطلقا

فقول العلماء هل الواجب الجهة أو السمت قولان فيه قيد محذوف تقديره هل الواجب وجوب المقاصد السمت أو الجهة قولان وبهذا القيد يتضح أن القولين في أنه هل تجب الإعادة على من أخطأ في اجتهاده أم لا مبنيان على الخلاف في أن الجهة هل تجب وجوب المقاصد فإذا حصل الاجتهاد فيها فلا إعادة وإن أخطأ العين لأنه قد أدى الواجب عليه أو تجب وجوب الوسائل فإذا حصل الاجتهاد فيها وأخطأ العين وجبت الإعادة لأن الوسيلة إذا لم تفض إلى مقصودها سقط اعتبارها والصحيح من الأقوال أن الجهة واجبة وجوب المقاصد وأن الإعادة لازمة عند تبين الخطأ فيها لا في العين فافهم والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق السادس والتسعون بين قاعدة من يتعين تقديمه وبين قاعدة من يتعين تأخيره في الولايات والمناصب والاستحقاقات الشرعية لا خفاء في أنه يجب تقديم من هو متصف بالأهلية لأي ولاية أو منصب أو استحقاق من الولاية

____________________

(2/273)

الأعداء والهيبة عليهم ويقدم في القضاء من هو أعرف بالأحكام الشرعية وأشد تفطنا لحجاج الخصوم وخدعهم وهو معنى قوله عليه السلام أقضاكم علي أي هو أشد تفطنا لحجاج الخصوم وخدع المتحاكمين

وبه يظهر الجمع بينه وبين قوله عليه السلام أعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل وإذا كان معاذ عرف بالحلال والحرام كان أقضى الناس غير أن القضاء لما كان يرجع إلى معرفة الحجاج والتفطن لها كان أمرا زائدا على معرفة الحلال والحرام فقد يكون الإنسان شديد المعرفة بالحلال والحرام

وهو يخدع بأيسر الشبهات فالقضاء عبارة عن هذا التفطن ولهذا قال عليه السلام إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع الحديث فدل ذلك على أن القضاء تبع الحجاج وأحوالها فمن كان لها أشد تفطنا كان أقضى من غيره ويقدم في القضاء ويقدم في أمانة اليتيم من هو أعلم بتنمية أموال اليتامى وتقدير أموال النفقات وأحوال الكوافل والمناظرات عند الحكام عن أموال الأيتام ويقدم في جباية الصدقات من هو أعرف بمقادير النصب وأحكام الزكاة من الخلطة وغيرها

ويقدم في الصلاة من هو أعرف بأحكامها وعوارض سهوها واستخلافها وغير ذلك من عوارضها ومصالحها حتى يكون المقدم في باب ربما أخر في باب آخر

هامش أنوار البروق

قلت إن أراد بقوله من هو أقوم بمصالحها من هو متصف بالأهلية لذلك وبمن هو دونه من ليس متصفا بالأهلية لذلك فلا خفاء أنه يجب تقديم المتصف دون غيره وإن أراد بمن هو أقوم بمصالحها من هو أتم قياما مع أن من هو دونه ممن له أهلية القيام بها ففي ذلك نظر والأظهر عند التأمل في ذلك أنه لا يجب وجوب حتم تقديم الأقوم بتلك المصالح بل يجوز تقديم غير الأقوم بها وتقديم الأقوم أولى ودليل ذلك أن المقصود من تلك المصالح حاصل بكل واحد منهما لأنه متصف بالأهلية لذلك فلا وجه لتعين الأقوم إلا على وجه الأولوية خاصة ولا يصح الاعتراض على هذا بتعيين تقديم النساء

هامش إدرار الشروق

والمناصب والاستحقاقات الشرعية وتأخير من ليس متصفا بالأهلية لذلك ضرورة أن المصلحة المقصودة من ذلك إنما تحصل ممن اتصف بالأهلية لا ممن ليس كذلك فيقدم في أمانة الأيتام من اتصف بأهلية تنمية أموالهم وتقدير أموال النفقات وأحوال الكوافل والمناظرات عند الحكام عن أموالهم على من لم يتصف بتلك الأهلية ويقدم في جباية الصدقات من فيه أهلية معرفة مقادير النصب وأحكام الزكاة من الخلطة وغيرها على من لم تكن فيه تلك الأهلية ويقدم في الصلاة من كان أهلا في معرفة أحكامها وعوارض سهوها واستخلافها وغير ذلك من عوارضها ومصالحها على من ليس أهلا في ذلك وإن كان أهلا في غير ذلك

وأما الأتم قياما بذلك فلا يجب حتم تقديمه على من هو دونه ممن له أهلية القيام بذلك بل يجوز تقديم غير الأتم على الأتم ضرورة أن المقصود من تلك المصالح حاصل بكل واحد منهما لأنه متصف بالأهلية لذلك فلا وجه لتعيين الأتم إلا على وجه الأولوية خاصة وقول العلماء إن الإمام إذا وجد من هو أصلح للقضاء ممن هو متول الآن وجب عليه عزل الأول وتولية الأصلح لئلا يفوت على المسلمين مصلحة الأفضل منهما ويحرم عليه أن يعزل الأعلى بالأدنى لئلا

____________________

(2/274)

كالنساء مقدمات في باب الحضانة على الرجال لأنهن أصبر على أخلاق الصبيان وأشد شفقة ورأفة وأقل أنفة عن قاذورات الأطفال والرجال على العكس من ذلك في هذه الأحوال فقدمن لذلك وأخر الرجال عنهن وأخرن في الإمامة والحروب وغيرهما من المناصب لأن الرجال أقوم بمصالح تلك الولايات منهن ويظهر لك باعتبار هذا التقرير أن التقديم في الصلاة لا يلزم منه من حيث هو تقديم في الصلاة التقديم في الإمامة العظمى لأن الإمامة العظمى مشتملة على سياسة الأمة ومعرفة معاقد الشريعة وضبط الجيوش وولاية الأكفاء وعزل الضعفاء ومكافحة الأضداد والأعداء وتصريف الأموال وأخذها من مظانها وصرفها في مستحقاتها إلى غير ذلك مما هو معروف بالإمامة الكبرى

وعلى هذا ورد سؤال عن قول عمر لأبي بكر رضي الله عنهما في أمر الإمامة رضيك رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا أفلا نرضاك لدنيانا إشارة لتقديمه في الصلاة فجعل عمر ذلك دليلا على تقديمه رضي الله عنه للإمامة وهذا في ظاهر الحال لا يستقيم لأنه لا يلزم من التقديم في الصلاة التقديم في الخلافة

والجواب عن هذا السؤال من وجوه الأول ما ذكره بعض العلماء وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم أن أبا بكر الصديق هو المتعين للخلافة ولم يمكن أن يفعل ذلك من قبل نفسه لأنه عليه السلام يتبع ما أنزل عليه من ربه وما أنزل عليه في ذلك شيء يعتمد عليه فعند ذلك وكل الأمر فيه إلى الاجتهاد

هامش أنوار البروق

على الرجال في باب الحضانة فإن الرجال ليسوا كالنساء في القيام بمصالح أمور الحضانة فتعين تقديمهن عليهم لذلك وليس الكلام فيما هذا سبيله وإنما الكلام في مثل رجلين لكل واحد منهما أهلية ولاية القضاء غير أن أحدهما أصلح لها مع أن الأدنى صالح لها أيضا

هامش إدرار الشروق

يفوت على المسلمين مصلحة الأعلى ولا ينفذ عزل الأعلى لأن الإمام الذي عزله معزول عن عزله وإنما ولاه الله تعالى على خلاف ذلك ا ه

يتعين أن يحمل على أن المتولي قاصر عن الأهلية لا على أنه أهل ولكن غيره أمس منه بالأهلية إذ لا وجه لعزله حينئذ والحال أن المصلحة المقصودة من القضاء كما تحصل من الفاضل المتصف بالأهلية كذلك تحصل من المفضول المتصف بها وتعيين تقديم النساء على الرجال في باب الحضانة إنما هو لأن الرجال ليسوا كالنساء في أهلية القيام بمصالح أمور الحضانة فإن النساء أصبر على أخلاق الصبيان وأشد شفقة ورأفة وأقل أنفة عن قاذورات الأطفال وأكثر إقامة بالمنزل والرجال على العكس من ذلك في هذه الأحوال فتعيين تقديم النساء عليهم لذلك لا لكونهن أمس منهم بالأهلية كما إن تقديم الرجال عليهن في الإمامة والحروب وغيرهما من المناصب لأنهن لسن كالرجال في أهلية القيام بمصالح تلك المناصب والولايات بل الأهلية فيها ليست بثابتة لجميع الرجال ألا ترى قوله صلى الله عليه وسلم أقضاكم علي مع قوله صلى الله عليه وسلم أعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل فإنه صلى الله عليه وسلم لما علم أن القضاء تبع الحجاج وأحوالها وأن من كان لها أشد تفطنا كان أقضى من غيره ممن لم تكن له تلك الأهلية فيقدم في القضاء عليه

وإن كان ذلك

____________________

(2/275)

فكان عليه السلام يشير إلى خلافته بالإيماء وأنواع التكريم والثناء عليه بمحاسنه التي توجب تقديمه فمن ذلك تقديمه عليه السلام في الصلاة وقوله عليه السلام في مرض موته يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر مشيرا بذلك إلى أن من كان متعينا للخلافة كيف يتقدم عليه غيره للصلاة فمراد عمر رضي الله عنه أنك رضيك النبي عليه السلام لديننا الرضا الخاص الذي تقدم تفسيره فيتعين علينا أن نرضاك للخلافة

وليس المراد مطلق الرضا بحيث يقتصر على أهليته للإمامة في الصلاة خاصة الثاني أن عمر رضي الله عنه قصد بذلك تسكين الثائرة والفتنة وردع الأهواء بذكر حجة ظاهرة ليسكن لها أكثر الناس فيندفع الفساد

وثالثها أن يجعل قول عمر رضيك النبي عليه السلام لديننا على ظاهره وتجعل الإضافة على بابها موجبة للعموم كما تقرر أنه هو اللغة عند الأصوليين فجعلوها من صيغ العموم لغة ومنه قوله عليه السلام هو الطهور ماؤه الحل ميتته فكان ذلك عاما في جميع ماء البحر وميتته بسبب الإضافة ففهم عمر من إشارته عليه السلام أن الصديق مرضي لجميع حرمات الدين ومن جملة ذلك أحوال الأمة والنظر في مصالح الملة فإنه من أعم فروض الكفايات فهو من الدين ويكون قوله أفلا نرضاك لدنيانا أي هؤلاء إنما

هامش أنوار البروق

قال ويظهر لك باعتبار هذا التقرير أن التقديم في الصلاة لا يلزم منه من حيث هو تقديم في الصلاة التقديم في الإمامة العظمى إلى قوله إلى غير ذلك مما هو معروف بالإمامة الكبرى

قلت ما قاله من أن أهلية القيام بإمامة الصلاة لا يلزم أن يكون له أهلية القيام بإمامة الخلافة صحيح

قال وعلى هذا ورد سؤال عن قول عمر لأبي بكر رضي الله عنهما في أمر الإمامة رضيك رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا أفلا نرضاك لدنيانا إشارة لتقديمه رضي الله عنه في الصلاة فجعل عمر رضي الله عنه

هامش إدرار الشروق

الغير شديد المعرفة بالحلال والحرام إذ هو يخدع بأيسر الشبهات ولكون القضاء عبارة عن التفطن للحجاج قال عليه السلام إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع فظهر الجمع بين حديثي علي ومعاذ وأن من له أهلية القيام بالفتيا من حيث إنه شديد المعرفة بالحلال والحرام لا يلزم أن يكون له أهلية القيام بالقضاء كما إن من له أهلية القيام بإمامة الصلاة لا يلزم أن يكون له أهلية القيام بإمامة الخلافة ضرورة أن إمامة الخلافة مشتملة على سياسة الأمة ومعرفة الشريعة وضبط الجيوش وولاية الأكفاء وعزل الضعفاء ومكافحة الأضداد والأعداء وتصريف الأموال وأخذها من مظانها وصرفها في مستحقاتها إلى غير ذلك مما هو معروف بالإمامة الكبرى ومن حيث إنه لا يلزم من التقديم في الصلاة التقديم في الخلافة كانت إشارة عمر بقوله لأبي بكر رضي الله عنهما في أمر الإمامة رضيك رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا أفلا نرضاك لدنيانا إلى أن تقديمه في الصلاة دليل على تقديمه رضي الله عنه للإمامة لا تستقيم في ظاهر الحال إلا أن يقال ليس مراد عمر رضي الله تعالى عنه أنك رضيك النبي عليه السلام لديننا مطلق الرضا بحيث يقتصر على أهليته للإمامة في

____________________

(2/276)

يتنازعون يعني الأنصار في أمور رئاسة وعلو وحصول الأمر والنهي من قبلهم وهذا أمر دنيوي لا ديني فيكون حسيسا بالنسبة إلى الدين الذي هو من جملة مصالح الأمة والملة وهذا كلام صحيح فإن المرضي لمعالي الأمور لا يقصر دون خسيسها فاندفع بهذه الوجوه هذا السؤال وكان الصديق رضي الله عنه أجل من هذا كله بين الصحابة رضي الله عنهم وإنما قام الأنصار في منازعته لطلب العلو والرئاسة ولهذا قال قائلهم منا أمير ومنكم أمير ومعلوم أن الشركة في الإمامة ليست من مصالح الدين فإن ذلك يفضي إلى المخالفة والمشاققة لكن لما لم يجد هذا القائل الأمر يصفو له وحده طلب الشركة تحصيلا لمقصده وإن كان ذلك ليس مصلحة للناس

وقد قال العلماء رحمهم الله إن قوله تعالى وإنه لذكر لك ولقومك إنه الخلافة وإنه كان صلى الله عليه وسلم يطوف على القبائل في أول أمره لينصروه فيقولون له ويكون لنا الأمر من بعدك فيقول صلى الله عليه وسلم إني قد منعت من ذلك وإنه قد أنزل علي وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون فلم يكن للأنصار في هذا الشأن شيء وهذا مستوعب في كتب الإمامة وموضعه من أصول الدين ليس هذا موضعه وقد سئل بعض علماء القيروان من كان مستحقا للخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سبحان الله إنا بالقيروان نعلم من هو أصلح منا بالقضاء ومن هو أصلح منا للفتيا ومن هو أصلح منا للإمامة أيخفى ذلك عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إنما يسأل عن هذه المسائل أهل العراق وصدق رضي الله تعالى عنه فيما قاله

هامش أنوار البروق

ذلك دليلا على تقديمه للإمامة وهذا في ظاهر الحال لا يستقيم لأنه لا يلزم من التقديم في الصلاة التقديم في الخلافة والجواب عن هذا السؤال من وجوه إلى منتهى قوله إنما يسأل عن هذا المسائل أهل العراق وصدق رضي الله تعالى عنه فيما قاله

قلت الجوابات لا بأس بها غير ما تضمنه الجواب الأخير من الحمل على الأنصار في قوله إنما

هامش إدرار الشروق

الصلاة خاصة بل الرضا الخاص المفسر باختصاصه بأنواع التكريم من نحو الثناء عليه بمحاسنه التي توجب تقديمه ومن تقديمه عليه السلام في الصلاة ومن قوله عليه السلام في مرض موته يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر فيتعين علينا أن نرضاك للخلافة وذلك لأنه إنما يشير باختصاصه بذلك إلى أن من كان متعينا للخلافة كيف يتقدم عليه غيره للصلاة فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم أنه رضي الله عنه هو المتعين للخلافة

ولا يمكن أن يفعل ذلك من قبل نفسه لأنه عليه السلام يتبع ما أنزل عليه من ربه وحيث لم ينزل عليه في ذلك شيء وكل الأمر فيه إلى الاجتهاد وإنه عليه السلام كان يشير ويومئ باختصاصه بأنواع التكريم إلى خلافته أو يقال قصد عمر رضي الله عنه بذلك تسكين الثائرة والفتنة وردع الأهواء بذكر حجة ظاهرة ليسكن لها أكثر الناس فيندفع الفساد أو يقال إن عمر رضي الله عنه فهم من إشارته عليه السلام أن الصديق مرضي لجميع حرمات الدين ومن جملة ذلك أحوال الأمة والنظر في مصالح الملة فإنه من أهم فروض الكفاية فهو من الدين بناء على جعل الإضافة في قوله لديننا على بابها موجب للعموم لكون الأصوليين جعلوها من صيغ العموم لغة في نحو قوله عليه السلام هو الطهور ماؤه

____________________

(2/277)

وبهذه المباحث أيضا يظهر ما قاله العلماء أن الإمام إذا وجد من هو أصلح للقضاء ممن هو متول الآن عزل الأول وولى الثاني وكان ذلك واجبا عليه لئلا يفوت على المسلمين مصلحة الأفضل منهما ويحرم عليه أن يعزل الأعلى بالأدنى لئلا يفوت على المسلمين مصلحة الأعلى ولا ينفذ عزل الأعلى لأن الإمام الذي عزله معزول عن عزله وإنما ولاه الله تعالى على خلاف ذلك لقوله تعالى ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن وإذا كان الوصي معزولا عن غير الأحسن في مال اليتيم فمصلحة جميع المسلمين أولى بذلك

فالإمام الأعظم معزول عن عزل الأصلح للناس ومما يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم من ولي من أمور أمتي شيئا ثم لم يجتهد لهم ولم ينصح فالجنة عليه حرام والمنهي عنه المحرم لا ينفذ في الشريعة لقوله صلى الله عليه وسلم من أدخل في ديننا ما ليس منه فهو رد فقد تحرر الفرق بين من يصح تقديمه وبين من يصح تأخيره وذلك عام في الصلاة والقضاء والأوصياء والكفلاء في الحضانة وفي غيرها وولاية النكاح وصلاة

هامش أنوار البروق

قاموا في منازعته لطلب العلو والرئاسة وإنهم لما رأوا أن الأمر لا يصفو لهم طلبوا الشركة فإن ذلك كله أمر لا يليق بهم ولا تصح نسبة مثله إليهم وليس الظن بهم إلا أنهم طلبوا ذلك لتحصيل الأجور الحاصلة لمتولي أمر الإمامة على الوجه الشرعي فلما لم يساعدوا على ذلك طلبوا الشركة طمعا في تحصيل بعض تلك الأجور إذ تعذر تحصيل جميعها هذا هو اللائق بهم لا ما ذكره من إيثار الرئاسة الدنيوية التي لا تناسب أحوالهم في بذلهم في ذات الله تعالى أنفسهم وأموالهم

والله أعلم

قال وبهذه المباحث أيضا يظهر ما قاله العلماء أن الإمام إذا وجد من هو أصلح للقضاء ممن هو متول الآن عزل الأول وولى الثاني وكان ذلك واجبا عليه لئلا يفوت على المسلمين مصلحة الأفضل إلى آخر ما قاله في هذا الفرق

قلت ما حكاه عن العلماء من أن الإمام إذا وجد من هو أصلح للقضاء عزل المتولي ينبغي أن

هامش إدرار الشروق

الحل ميتته فكان ذلك عاما في جميع ماء البحر وميتته بسبب الإضافة ويكون قوله أفلا نرضاك لدنيانا أي من العلو والرئاسة فلا نقدم عليك من الأنصار من يطلب التقدم عليك فيه وإن كان لغرض شرعي من تحصيل الأجور الحاصلة لمتولي أمر الأمة على الوجه الشرعي ولا نشرك معك من يطلب منهم الشركة فيه طمعا لتحصيل بعض تلك الأجور كما هو المناسب لأحوال الأنصار في بذلهم في ذات الله تعالى أنفسهم وأموالهم فإن المرضي لمعالي الأمور لا يقصر دون خسيسها

ولأن المشاركة في الإمامة ليست من مصالح الدين فإن ذلك يفضي إلى المخالفة والمشاققة وقد قال العلماء رحمهم الله تعالى إن قوله تعالى وإنه لذكر لك ولقومك إنه الخلافة وإنه كان صلى الله عليه وسلم يطوف على القبائل في أول أمره لينصروه فيقولون له ويكون لنا الأمر من بعدك فيقول صلى الله عليه وسلم إني قد منعت من ذلك وإنه قد أنزل علي وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون فلم يكن للأنصار في هذا الشأن شيء كما هو مستوعب في موضعه من أصول الدين وقد سئل بعض علماء القيروان من كان مستحقا للخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سبحان الله إنا بالقيروان وإنا نعلم من هو أصلح منا بالقضاء

____________________

(2/278)

الجنازة وكثير من أبواب الفقه يحتاج فيه إلى معرفة هذا الفرق بين هاتين القاعدتين وتحرير ضابطهما وبالله العصمة

الفرق السابع والتسعون بين قاعدة الشك في طريان الإحداث بعد الطهارة يعتبر عند مالك رحمه الله تعالى وبين قاعدة الشك في طريان غيره من الأسباب والروافع للأسباب لا تعتبر اعلم أنه قد وقع في مذهب مالك رحمه الله فتاوى ظاهرها التناقض وفي التحقيق لا تناقض بينها لأن مالكا قال إذا شك في الحدث بعد الطهارة يجب الوضوء فاعتبر الشك وإن شك في الطهارة بعد الحدث فلا عبرة بالطهارة فألغي الشك وإن شك هل طلق ثلاثا أو واحدة لزمه الثلاث فاعتبر الشك وإن شك هل طلق أم لا لا شيء عليه فألغي الشك وإن حلف يمينا وشك في عينها هل هي طلاق أو عتاق أو غيرهما لزمه جميع ما شك فيه فاعتبر الشك وإن شك هل سها أم لا لا شيء عليه فألغي الشك وإن شك هل صلى ثلاثا أم أربعا جعلها ثلاثا وصلى وسجد بعد السلام لأجل الشك فاعتبر الشك فوقعت هذه الفروع متناقضة كما ترى في الظاهر وإذا حققت على القواعد لا يكون بينها تناقض بل القاعدة أن كل مشكوك فيه ملغى فكل سبب شككنا في طريانه لم

هامش أنوار البروق

يحمل على أن المتولي مقصر عن الأهلية لا على أنه أهل ولكن غيره أمس منه بالأهلية ودليل ذلك أن المصلحة المقصودة من القضاء تحصل من المفضول المتصف بالأهلية كما تحصل من الفاضل المتصف بها فلا وجه لعزله وقياسه على الوصي فيه واستدلاله بقوله صلى الله عليه وسلم من ولي من أمور أمتي شيئا ولم يجتهد لهم ولم ينصح فالجنة عليه حرام نقول بموجبه ولا يتناول محل النزاع فإن الكلام ليس فيمن لم يجتهد ولم ينصح وإنما الكلام فيمن يجتهد وينصح وهو أهل لذلك غير أن غيره أمس بالأهلية منه وما قاله فيما بعد ذلك من الفروق السبعة إلى تمام الفرق الثالث والمائة صحيح

هامش إدرار الشروق

ومن هو أصلح منا للفتيا ومن هو أصلح منا للإمامة أيخفى ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إنما يسأل عن هذه المسائل أهل العراق والله سبحانه وتعالى أعلم الفرق السابع والتسعون بين قاعدة الشك في طريان الإحداث بعد الطهارة يعتبر عند مالك رحمه الله تعالى وبين قاعدة الشك في طريان غيره من الأسباب والروافع للأسباب لا تعتبر القاعدة المجمع عليها من حيث الجملة هي أن كل مشكوك فيه سواء كان سببا أو شرطا أو مانعا ملغى فكل سبب شككنا في طريانه لم نرتب عليه مسببه وجعلنا ذلك السبب كالمعدوم والمجزوم بعدمه فلا نرتب الحكم وكل شرط شككنا في وجوده جعلناه كالمجزوم بعدمه فلا نرتب الحكم وكل مانع شككنا في وجوده جعلناه كالمجزوم بعدمه فيترتب الحكم إن وجد سببه إلا أنه لما تعذر الوفاء بهذه القاعدة

____________________

(2/279)

نرتب عليه مسببه وجعلنا ذلك السبب كالعدم المجزوم بعدمه فلا نرتب الحكم وكل شرط شككنا في وجوده جعلناه كالمجزوم بعدمه فلا نرتب الحكم وكل مانع شككنا في وجوده جعلناه ملغى كالمجزوم بعدمه فيترتب الحكم إن وجد سببه فهذه القاعدة مجمع عليها من حيث الجملة غير أنه قد تعذر الوفاء بها في

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

في الطهارات من جميع الوجوه جعل العلماء وإن أجمعوا على اعتبارها فيها أيضا يختلفون في الوجه الذي تلغى به والوجه الذي تعتبر به فيها

فقال الشافعي رضي الله عنه إذا شك في طريان الحدث جعلته كالمجزوم بعدمه لا يجب معه الوضوء فلا يجب على هذا الشاك الوضوء وقال مالك رحمه الله تعالى الشك في طريان الحدث يوجب الشك في بقاء الطهارة والشك في بقاء الطهارة يوجب الشك في الصلاة الواقعة هل هي سبب مبرئ أم لا

وبراءة الذمة تفتقر إلى سبب مبرئ معلوم الوجود أو مظنون الوجود لا مشكوك الوجود فوجب أن تكون هذا الصلاة كالمجزوم بعدمها والمجزوم بعدم الصلاة في حقه يجب عليه أن يصلي فيجب على هذا الشاك أن يصلي بصلاة مظنونة كما قال الشافعي رضي الله عنه حرفا بحرف فكلاهما يقول المشكوك فيه ملغى لكن إلغاء مالك في السبب المبرئ وإلغاء الشافعي في الحدث ومذهب مالك أرجح من جهة أن الصلاة مقصد والطهارات وسائل وطرح الشك تحقيقا للمقصد أولى من طرحه لتحقيق الوسائل فهذا هو الفرق بين قاعدة إلغاء الشك في طريان الإحداث بعد الطهارة عند مالك رحمه الله تعالى وعدم إلغائه في طريان غيرها من الأسباب وروافعها كالشك في طريان الطهارة بعد الحدث فيلغى المشكوك فيه على القاعدة ويجب عليه الطهارة أو في أنه هل طلق أم لا فلا شيء عليه لأنه شك في سبب حل العصمة فيلغى على القاعدة أو في أنه هل سها أم لا فلا شيء عليه لأنه شك في سبب سجود السهو فيلغى على القاعدة أما إذا شك في عين اليمين فيلزمه جميع الأيمان إذ لا يعلم السبب المبرئ إلا باستيعابها كما قلنا في الصلاة إذا شك في طريان الحدث على طهارتها أو شك في كون الطلاق ثلاثا واحدة فيلزمه الثلاث لأن الشك لم يقع في الطلاق بل في بقاء العصمة الذي هو شرط الرجعة فيلغى على القاعدة أو شك هل صلى ثلاثا أو أربعا فيأتي برابعة ويسجد إذ ليس هنا شك في السبب حتى يلغى على القاعدة بل سبب في الشك لأن الشك نصبه صاحب الشرع سببا للسجود لا للزيادة

وهو محقق ولا شك فيه تقدم في الفرق الرابع والأربعين بين الشك في السبب وبين السبب في الشك بسط مسائل الشك في السبب والسبب في الشك فلتطالع ثمة فظهر أنه لا تناقض بين اعتبار مالك رحمه الله تعالى الشك في الحدث بعد الطهارة وفي أنه هل طلق ثلاثا أو واحدة وفي أنه هل حلف بطلاق أو إعتاق أو غيرهما وفي أنه هل صلى ثلاثا أم أربعا حيث قال في الأول يجب الوضوء وفي الثاني يلزمه وفي الثالث يلزمه جميع الأيمان وفي الرابع يجعلها ثلاثا ويصلي الرابعة ويسجد بعد السلام لأجل الشك فاعتبره في جميع هذه الفروع ونحوها وبين عدم اعتباره الشك في الطهارة بعد الحدث وفي أنه هل طلق أم لا وفي أنه هل سها أم لا حيث قال في الأول لا عبرة بالطهارة وفي الثاني وفي الثالث لا شيء عليه لإلغاء الشك في جميع هذه الفروع ونحوها فافهم والله أعلم

وصل حد بعض الأصوليين السبب والعلة بالوصف الظاهر المنضبط المعرف للحكم فخرج بالظاهر

____________________

(2/280)

الطهارات وتعين إلغاؤها من وجه واختلفت العلماء رحمهم الله بأي وجه تلغى وإلا فهم مجمعون على اعتبارها فقال الشافعي رضي الله عنه إذا شك في طريان الحدث جعلته كالمجزوم بعدمه

والمجزوم بعدمه لا يجب معه الوضوء فلا يجب على هذا الشاك الوضوء وقال مالك

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

الخفي كاللذة في نقض الوضوء والعلوق في وجوب العدة فإنهما لخفائهما تركا وجعل السبب في النقض اللمس وفي وجوب العدة الطلاق وخرج بالمنضبط نحو المشقة في السفر لم ينط بها الحكم الذي هو قصر الصلاة لعدم انضباطها لاختلافها باختلاف الأشخاص والأحوال وإنما أنيط بمسافة القصر ودخل بالمعرف للحكم بمعنى النسبة التامة لا خصوص الحكم الشرعي السبب المعرف لحكم غير شرعي كحل الشعر بالنكاح وحرمته بالطلاق جعل عند الشافعية علة لثبوت حياته كاليد وحد المانع المراد عند الإطلاق وهو مانع الحكم بالوصف الوجودي الظاهر المنضبط المعرف نقيض حكم السبب فقيد الوصف في حد المانع بالوجودي لإخراج عدم الشرط فإنه لا يسمى مانعا لا تسمحا كما وقع ذلك لبعض الفقهاء وأطلقه في حد السبب والعلة والفرق بينهما إما على عدم اعتبار الحكمة في السبب والعلة فهو أن المانع مانع لوجود حكم السبب بأن يتحقق كل معتبر في الحكم من السبب والشرط وإلا لما احتاج انتفاء الحكم للمانع وإذا كان المانع عدم شيء لزم أن يكون ذات الشيء سببا في الوجود أو بعض سبب وشرط فيه وقد فرض أن المانع إنما يتحقق بعد تحقق السبب والشرط وإنما قلنا لزم أن يكون ذلك الشيء سببا إلخ لأن المانع هو المعرف للنقيض أي العلامة عليه ونقيض الشيء رفعه فالأبوة مثلا نفت وجوب القصاص ممن قتل ابنه لا غير

وأما ثبوت حرمة القصاص منه فبالدليل المثبت لها كما قاله سم وهو الحق وإذا كان عدم الشيء يترتب عليه رفع الشيء بأن يقال انتفى كذا لعدم كذا كان وجوده يترتب عليه وجوده وأما السبب فإنه لما لم يترتب عليه رفع شيء لأن المعلل به ليس انتفاء الحكم المرتب على السبب بل المعلل به حكم مبتدأ ولو كان ذلك الحكم عدميا كما يعلل عدم نفاذ التصرف بعدم العقل فإن عدم نفاذ التصرف ليس مأخوذا من حيث إنه انتفاء لحكم السبب حتى يكون عدم العقل مانعا فلا يصح بل مأخوذ من حيث إنه حكم مبتدأ هو أنه لا ينفذ التصرف فيصح تعليله بانتفاء علة نفاذ التصرف جوزوا كون السبب والعلة عدما مضافا بخلاف المانع نعم في كون العلة عدمية مع وجود الحكم نزاع كبير

قال ابن الحاجب والعضد والمختار منعه وأما على اعتبار الحكمة في السبب والعلة فأمر الفرق بينهما ظاهر فإن المانع للحكم هو ما استلزم حكمة تقتضي نقيض الحكم كالأبوة في القصاص فإن كون الأب سببا لوجود الابن يقتضي أن لا يصير الابن أي من حيث قتله سببا لعدمه وأما العلة فهي ما يترتب عليها حكمة تقتضي الحكم لا نقيضه نعم ما ذكر من أن اعتبار المانع بعد تحقق ما يتوقف عليه الحكم إنما هو في المانع الاصطلاحي وقد يطلق المانع على ما يتحققه ينتفي الحكم فيشمل عدم الشرط فلذا قال العضد حقيقة الشرط أن عدمه مستلزم لعدم الحكم كما أن المانع وجوده مستلزم لعدم الحكم فبالحقيقة عدمه مانع وذلك لحكمة في عدمه تنافي حكمة الحكم أو السبب إلى آخر ما بينه وكما لا يصح في مانع الحكم أن يكون عدم شيء لما علمت كذلك لا يصح في مانع السبب أن يكون عدم شيء لأنه ما استلزم حكمة تخل بحكمة السبب كالدين في الزكاة إن قلنا إنه مانع من وجوبها فإن حكمة السبب وهو ملك

____________________

(2/281)

رحمه الله براءة الذمة تفتقر إلى سبب مبرئ معلوم الوجود أو مظنون الوجود والشك في طريان الحدث يوجب الشك في بقاء الطهارة والشك في بقاء الطهارة يوجب الشك في الصلاة الواقعة هل هي سبب مبرئ أم لا فوجب أن تكون هذه الصلاة كالمجزوم بعدمها والمجزوم بعدم الصلاة في حقه يجب عليه أن يصلي فيجب على هذا الشاك أن يصلي بطهارة مظنونة كما قال الشافعي رضي الله عنه حرفا بحرف وكلاهما يقول المشكوك فيه ملغى لكن ألغاه مالك في السبب المبرئ وإلغاء الشافعي في الحدث ومذهب مالك أرجح من جهة أن الصلاة مقصد والطهارات وسائل وطرح الشك تحقيقا للمقصد أولى من طرحه لتحقيق الوسائل فهذا هو الفرق بين الطهارات يشك فيها وبين غيرها إذا شك فيه وأما إذا شك في الطهارة بعد الحدث فالمشكوك فيه ملغى على القاعدة فتجب عليه الطهارة وإن شك هل طلق ثلاثا أو واحدة يلزمه الثلاث لأن الرجعة شرطها العصمة ونحن نشك في بقائها فيكون هذا الشرط ملغى على هذه القاعدة

وإن شك هل طلق أم لا لا شيء عليه لأن المشكوك فيه ملغى على القاعدة وإذا شك في عين اليمين لزمه الجميع لأنا نشك إذا اقتصر على بعضها في السبب المبرئ فلعله غير ما وقع فوجب استيعابها حتى يعلم السبب المبرئ كما قلنا في الصلاة إذا شك في طريان الحدث على طهارتها وإن شك هل سها أم لا فلا شيء عليه لأن المشكوك فيه ملغى على القاعدة وإن شك هل صلى ثلاثا أم أربعا سجد لأن الشك نصبه صاحب الشرع سببا للسجود لا للزيادة وقد تقدم بسط هذه المباحث في الفرق الرابع والأربعين بين الشك في السبب وبين السبب في الشك فليطالع من هناك وإنما المقصود هاهنا الفرق بين الشك في الطهارات وبين الشك في غيرها وقد أشرت إليه هاهنا وتكميله هناك

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

النصاب استغناء المالك وليس مع الدين استغناء فالفرض تحقق السبب والذي جعل عدمه مانعا لا يمكن أن يكون حينئذ إلا شرطا للسبب بأن يخل عدمه بحكمة السبب وعدم حكمة السبب عدم له والفرض تحققه وأن هناك حكمة تخل بحكمته وبهذا علم الفرق أيضا بين مانع السبب وعدم شرط السبب كما علم مما قبله الفرق أيضا بين مانع الحكم وعدم شرط الحكم وتحصل أن لنا سببا ومانعا للحكم ومانعا للسبب وشرطا للحكم وشرطا للسبب وعدم شرط للحكم وعدم شرط للسبب وأن مانع الحكم ما أخل بالحكم مع بقاء حكمة السبب فيكون عدمه كعدم الحيض شرطا لتأثير السبب في الحكم إما بمجرد الترتب عليه كما في الزوال لوجوب الظهر أو لما فيه من المناسبة كما في الزنا لوجوب الجلد والإسكار لحرمة الخمر لا شرطا لوجود الحكم حتى ينافي كون تحقق المانع بعد تحقق الشروط ومانع السبب ما استلزم حكمة تخل بحكمة السبب مع تحقق السبب وإنه لا يقال مانع إلا بعد تحقق الحكم أو السبب فلزم أن يكون وجوديا لما عرفت وشرط الحكم ما يقتضي عدمه نقيض حكم السبب مع بقاء حكمة السبب ما أخل عدمه بحكمة السبب فينتفي السبب بعدم حكمته فتأمل بدقة إمعان ا ه بتوضيح من الشربيني والعطار على محلي جمع الجوامع والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(2/282)

الفرق الثامن والتسعون بين قاعدة البقاع جعلت المظان منها معتبرة في أداء الجمعات وقصر الصلوات وبين قاعدة الأزمان لم تجعل المظان منها معتبرة في رؤية الأهلة ولا دخول أوقات العبادات وترتيب أحكامها

اعلم أن الفرق بين هاتين القاعدتين مبني على قاعدة وهي أن الوصف الذي هو معتبر في الحكم إن أمكن انضباطه لا يعدل عنه إلى غيره كتعليل التحريم في الخمر بالسكر والربا بالقوت وغير ذلك من الأوصاف المعتبرة في الأحكام وإن كان غير منضبط أقيمت مظنته مقامه وعدم الانضباط إما لاختلاف مقاديره في رتبه كالمشقة لما كانت سببا للقصر وهي غير منضبطة المقادير فليس مشاق الناس سواء في ذلك وقد يدرك ظاهرا وقد يدرك خفيا

ومثل هذا يعسر ضبطه في محاله حتى تضاف إليه الأحكام فأقيمت مظنته مقامه وهي أربعة برد فإنها تظن عندها المشقة وكالإنزال لما كان غير منضبط في الناس بسبب أن من الناس من لا ينزل إلا بالدفق والإحساس باللذة الكبرى ومنهم من ينزل تقطيرا من غير اندفاق في أول الأمر ثم يندفق بعد ذلك كثيرا ولذلك يحصل الولد مع العزل والإنسان يعتقد أنه ما أنزل وهو قد أنزل على سبيل السيلان من غير دفق فيحصل الولد من ذلك وهو لا يشعر ولما كان الإنزال مختلفا في الناس أقيمت مظنته مقامه وهو التقاء الختانين فإن قلت مجرد الالتقاء لا يحصل به الإنزال فكيف جعل مظنة الإنزال وهو لا يظن عنده ومن شرط المظنة أن يظن عندها الوصف المطلوب لتعليق الحكم عليه

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

الفرق الثامن والتسعون بين قاعدة البقاع جعلت المظان منها معتبرة في أداء الجمعات وقصر الصلوات وبين قاعدة الأزمان لم تجعل المظان منها معتبرة في رؤية الأهلة ولا دخول أوقات العبادات وترتيب أحكامها وذلك أن شهور العبادات كرمضان وشوال وذي الحجة ونحوها لما وجد القطع بحصولها وحصول المعنى المقصود منها شرعا من جهة الرؤية لأهلها وكمال العدة كانت وصفا ظاهرا منضبطا دائما أو في الأغلب غير محتاج في تعريفه للحكم إلى اعتبار مظنته معه كظننا أن الهلال يطلع في هذه الليلة بسبب قرائن تقدمت إما من جهة توالي تمام الشهر فنظن نقص هذا الشهر أو من جهة توالي النقص فنظن تمام هذا الشهر أو من جهة طلوع القمر ليلة البدر قبل غروب الشمس فنظن تمام هذا الشهر أو من جهة تأخره في الطلوع عند غروب الشمس فنظن نقصان هذا الشهر وغير ذلك من الأمارات الدالة عند أرباب المواقيت على أن هذه الليلة هي مظنة رؤية الأهلة إذ مع تيسر الوصول إلى الوصف المطلوب إما بالرؤية أو بكمال العدة لا نعتبر شيئا من تلك المظان وكذلك أوقات الصلوات لما كانت منضبطة في نفسها لحصول القطع بها في أكثر صورها لم تقم مظانها في الصور مقامها

وأما سماع نداء الجمعة الموجبة لأداء الجمعة في قوله صلى الله عليه وسلم الجمعة على من سمع النداء ومشقة السفر الموجبة لترخيص القصر والفطر فإنه لما كان كل واحد

____________________

(2/283)

قلت لا نسلم أنه لا يظن فمن الناس من ينزل بمجرد الملاقاة ومنهم من ينزل بالفكر ومنهم من ينزل بالنظر فقط فالتقاء الختانين أقوى من ذلك فجعل مظنة ومن ذلك العقل الذي هو مناط التكليف يختلف في الناس بسبب اعتدال المزاج وانحرافه فرب صبي لاعتدال مزاجه أعقل من رجل بالغ لانحراف مزاجه وذلك يختلف في الرجال والصبيان جدا فجعل البلوغ مظنته لأن البلوغ منضبط وهو غير منضبط هذا فيما لا ينضبط لاختلاف رتبه في مقاديره

أما ما ينضبط في مقاديره لكنه خفي لا يطلع عليه فذلك كالرضا في انتقال الأملاك لقوله صلى الله عليه وسلم لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه والرضا أمر خفي فجعلت الصيغ والأفعال في بيع المعاطاة قائمة مقامه لأنه يظن عندها وألغي الرضا إذا انفرد حتى لو اعترف بأنه رضي بانتقال الملك في الزمن الماضي من غير أن يكون صدر منه قول أو فعل لم يلزمه انتقال الملك وكذلك لو حصلت مشقة السفر بدون مسافة القصر لم ترتب عليها رخص المشقة من القصر والإفطار فإذا أقام الشرع مظنة الوصف مقامه أعرض عن اعتباره في نفسه نعم لا بد أن يكون متوقعا مع المظنة فلو قطعنا بعدمه عند المظنة فالقاعدة أنه لا يترتب على المظنة حكم كما لو قطعنا بعدم الرضا مع الإكراه على صدور الصيغة أو الفعل غير أن هذا المعنى مع أنه الأصل خولف في التقاء الختانين فإنا لو قطعنا بعدم الإنزال وجب الغسل وخولف أيضا في قولهم في شارب الخمر إنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى فيكون عليه حد المفتري فأقيم الشرب الذي هو مظنة القذف مقامه ونحن مع ذلك نقيم الحد في الشرب على من نقطع

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

منهما وصفا غير منضبط أنيط الحكم بمظنته فاعتبرت في الجمعات البقاع وهي ثلاثة أميال في الإتيان إليها لأنه من تلك المسافة يظن سماع أذانها إذا هدأت الأصوات وانتفت الموانع واعتبرت في ترخيص القصر والفطر البقاع التي على أربعة برد لأنها مظنة المشقة الموجبة للترخيص وبالجملة فالسماع لعدم انضباطه جعلت مظنته من البقاع مقامه والمشقة لعدم انضباطها جعلت مظنتها من البقاع مقامها وأوقات العبادات لما كانت منضبطة لم تجعل مظانها مقامها فالبقاع اعتبرت من حيث إنها سبب غير منضبط والأوقات اعتبرت من حيث إنها سبب منضبط فلم تعتبر مظانها فظهر الفرق بين قاعدتي البقاع والأزمان وصل مبنى هذا الفرق وسره قاعدة أن الوصف المعرف للحكم إن كان وصفا ظاهرا منضبطا لم يعدل عنه إلى غيره كالسكر في تحريم الخمر والقوت في الربا وإن كان وصفا خفيا أو غير منضبط أقيمت مظنته مقامه أما الخفي الذي لا يطلع عليه فكالرضا في انتقال الأملاك لقوله صلى الله عليه وسلم لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه فإن الرضا لما كان أمرا خفيا جعلت الصيغ والأفعال في بيع المعاطاة قائمة مقامه لأنه يظن عندها وألغي الرضا إذا انفرد عنها حتى لو اعترف بأنه رضي بانتقال الملك في الزمن الماضي من غير أن يكون صدر منه قول أو فعل لم يلزمه انتقال الملك

وأما غير المنضبط لاختلاف مقاديره في رتبه فكمشقة السفر في ترخيص القصر والإفطار فإنها لما كانت سببا لذلك الترخيص وهي غير منضبطة المقادير إذ ليس

____________________

(2/284)

بأنه لم يقذف

وكان الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله يستشكل الأثر الوارد في الشرب في هذا المعنى بهذه العبارة ويقول كيف تقام المظنة مقام القذف ونحن نقطع بعدم القذف في حق بعض الناس لكن يمكن أن يجاب عن الأثر بما شهد له بالاعتبار من التقاء الختانين فإنه ورد فيه الحديث النبوي

وهذا قد نقطع فيه بعدم المظنون عند وجود مظنته في بعض الصور فإن قلت ما الفرق بين المظنة والحكمة التي اختلف في التعليل بها وما الفرق بين الثلاثة الوصف والمظنة والحكمة قلت الحكمة هي التي توجب كون الوصف علة معتبرة في الحكم فإذا ثبت كونه معتبرا في الحكم إن كان منضبطا اعتمد عليه من غير مظنة تقام مقامه وإن لم يكن منضبطا أقيمت مظنته مقامه فالحكمة في الرتبة الأولى والوصف في الرتبة الثانية والمظنة في الرتبة الثالثة ومثال الثلاثة في المبيع أن حاجة المكلف إلى ما في يده من الثمن أو المثمن هو المصلحة الموجبة لاعتبار الرضا وهي المصيرة له سببا للانتقال ومظنة الإيجاب والقبول فالحاجة هي في الرتبة الأولى لأنها هي الموجبة لاعتبار الرضا فاعتبار الرضا فرعها

واعتبار الإيجاب والقبول فرع اعتبار الرضا ومثال الثلاثة أيضا في السفر أن مصلحة المكلف في راحته وصلاح جسمه يوجب أن المشقة إذا عرضت توجب عنه تخفيف العبادة لئلا تعظم المشقة فتضيع مصالحه بإضعاف جسمه وإهلاك قوته فحفظ صحة الجسم وتوفير قوته هو المصلحة والحكمة الموجبة لاعتبار وصف المشقة بسبب الترخص فالمشقة في الرتبة الثانية منها لأن الأثر فرع المؤثر والمظنة المشقة واعتبارها

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

مشاق الناس سواء في ذلك أقيمت مظنته مقامه وهي أربعة برد فإن المشقة تظن عندها وكالإنزال في وجوب الغسل وحصول نسبة الولد فإنه لما كان غير منضبط في الناس بسبب أن منهم من لا ينزل إلا بالدفق والإحساس باللذة الكبرى ومنهم من ينزل تقطيرا على سبيل السيلان من غير اندفاق في أول الأمر ثم يندفق بعد ذلك كثيرا ولذلك يحصل الولد مع العزل والإنسان يعتقد أنه ما أنزل أقيمت مظنته مقامه وهي التقاء الختانين لأنه لما كان من الناس من ينزل بمجرد الملاقاة ومنهم من ينزل بالفكر ومنهم من ينزل بالنظر فقط وكان التقاء الختانين أقوى من ذلك جعل مظنة وكالعقل في التكليف فإنه لما كان غير منضبط بسبب اختلافه في الرجال والصبيان جدا بحسب اعتدال المزاج وانحرافه فرب صبي لاعتدال مزاجه أعقل من رجل بالغ لانحراف مزاجه جعل البلوغ مقامه لأنه مظنته وهو منضبط إذا أقام الشرع مظنة الوصف مقامه أعرض عن اعتباره في نفسه نعم لا بد أن يكون متوقعا مع المظنة فلو قطعنا بعدمه عند المظنة

فالقاعدة أنه لا يترتب على المظنة حكم كما لو قطعنا بعدم الرضا مع الإكراه على صدور الصيغة أو الفعل غير أن هذا المعنى وإن كان هو الأصل قد خولف في مواضع منها التقاء الختانين فإنا لو قطعنا بعدم الإنزال وجب الغسل ومنها قولهم في شارب الخمر إنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى فيكون عليه حد المفتري فأقيم الشرب الذي هو مظنة القذف مقامه ونحن مع ذلك نقيم الحد على من نقطع أنه لم

____________________

(2/285)

فرع اعتبار المشقة فهي في الرتبة الثالثة ومثال الحكمة والوصف من غير مظنة فيما هو منضبط الرضاع وصف موجب للتحريم وحكمته أنه يصير جزء المرأة الذي هو اللبن جزء الصبي الرضاع فناسب التحريم بذلك لمشابهته للنسب لأن منيها وطمثها جزء الصبي فلما كان الرضاع كذلك قال صلى الله عليه وسلم الرضاع لحمة كلحمة النسب فالجزئية هي الحكمة وهي في الرتبة الأولى والرضاع الذي هو الوصف في الرتبة الثانية ووصف الزنا موجب للحد وحكمته الموجبة لكونه كذلك اختلاط الأنساب فاختلاط الأنساب في الرتبة الأولى وهي الحكمة ووصف الزنا في الرتبة الثانية وكذلك ضياع المال هو الموجب لكون وصف السرقة سبب القطع فضياع المال في الرتبة الأولى ووصف السرقة في الرتبة الثانية ولما كان وصف الرضاع والزنا والسرقة منضبطا لم يحتج إلى مظنة تقوم مقام هذه الأوصاف فلم يحتج للمرتبة الثانية ويلزم من جواز التعليل بالحكمة أن يلزم أنه لو أكل صبي من لحم امرأة قطعة أن تحرم عليه لأن جزأها صار جزأه

ولم يقل به أحد ولو وجد إنسان يأخذ الصبيان من أمهاتهم صغارا ويأتي بهم كبارا بحيث لا يعرفون بعد ذلك أن يقام عليه حد الزنا بسبب أنه أوجب اختلاط الأنساب ولم يقل به أحد وأن من ضيع المال بالغصب والعدوان أن يجب عليه حد السرقة ولم يقل به أحد ولأجل هذه المعاني خالف الجمهور بالتعليل بالمظنة فقد ظهر الفرق بين المظنة والوصف والحكمة من هذا الوجه وبين الحكمة والمظنة فرق من وجه آخر وذلك أن الحكمة إذا قطعنا بعدمها لا يقدح ذلك في

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

يقذف حتى إن الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله تعالى كان يقول كيف تقام المظنة مقام القذف ونحن نقطع بعدم القذف في بعض الناس لكن يمكن أن يجاب عن الأثر بما شهد له بالاعتبار من التقاء الختانين فإنه ورد فيه الحديث النبوي مع أنا قد نقطع فيه بعدم المظنون عند وجود مظنته في بعض الصور والفرق بين الوصف والمظنة والحكمة هو أن الحكمة هي التي توجب كون الوصف علة معتبرة في الحكم فإذا ثبت كونه معتبرا في الحكم فإن كان خفيا أو غير منضبط أقيمت مظنته مقامه وحينئذ تجتمع الثلاثة ولذلك مثل منها البيع فإن حاجة المكلف إلى ما في يده من الثمن أو المثمن هو المصلحة والحكمة الموجبة لاعتبار الرضا وجعله سببا لانتقال الملك ومظنة الرضا الإيجاب والقبول فالحاجة في الرتبة الأولى لكونها الموجبة لاعتبار الرضا واعتبار الرضا في الرتبة الثانية لأنه فرعها واعتبار الإيجاب والقبول في الرتبة الثالثة لأنه مظنة اعتبار الرضا وفرعه ومنها السفر فإن راحة المكلف وصلاح جسمه مصلحة وحكمة توجب أن المشقة إذا عرضت أوجبت تخفيف العبادة عنه لئلا تعظم المشقة فتضيع مصالحه بإضعاف جسمه وإهلاك قوته

ومظنة المشقة أربعة البرد فحفظ صحة الجسم وتوفير قوته في الرتبة الأولى لكونه هو الموجب لاعتبار وصف المشقة والمشقة في الرتبة الثانية لأنها أثره والأثر فرع المؤثر وأربعة البرد في الرتبة الثالثة لأن اعتبارها فرع اعتبار المشقة وإن كان الوصف ظاهرا منضبطا اعتمد عليه من غير أن تقام مظنته مقامه تتحقق الحكمة والوصف من غير مظنة وله مثل منها أن الرضاع وصف ظاهر منضبط

____________________

(2/286)

ترتب الحكم كما إذا قطعنا بعدم اختلاط الأنساب من الزنا بأن تحيض المرأة ويظهر عدم حملها ومع ذلك نقيم الحد ونأخذ المال المسروق من السارق ونجزم بعدم ضياع المال ومع ذلك نقيم حد السرقة

وأما المظنة فيها بعدم المظنون فالغالب في في موارد الشريعة عدم اعتبار المظنة وذلك فيمن أكره على الكفر أو العقود الناقلة للأملاك أو الموجبة للطلاق والعتاق وغير ذلك فإن تلك المظان يسقط اعتبارها بالإكراه ولا يترتب عليها شيء ألبتة مما شأنه أن يترتب عليه عدم الإكراه فهذا فرق آخر بين المظنة والحكمة من جهة أن القطع بعدم الحكمة لا يقدح والقطع بعدم مظنون المظنة يقدح وينبغي أن يتفطن لهذه القاعدة وهذه التفاصيل فهي وإن انبنى عليها بيان هذا الفرق فهي يحتاج إليها الفقهاء رحمهم الله كثيرا في موارد الفقه والترجيح والتعليل إذا تقررت هذه القاعدة

فنقول إنما اعتبرت البقاع في الجمعات وهي ثلاثة أميال في الإتيان إليها لأنها مظنة أذانها وسماعه من تلك المسافة إذا هدأت الأصوات وانتفت الموانع لقوله صلى الله عليه وسلم الجمعة على من سمع النداء فجعل مظنة السماع مقام السماع ولذلك جعلت البقاع التي في مسافة القصر معتبرة في قصر الصلوات لأنها مظنة المشقة الموجبة للترخيص

وأما أهلة شهور العبادات كرمضان وشوال وذي الحجة ونحوها فلا حاجة فيها إلى مظنة من جهة الزمان بسبب أن القطع بحصولها موجود من جهة الرؤية أو إكمال العدة فيحصل القطع بالمعنى المقصود فلا حاجة إلى مظنة من جهة أن الزمان يقوم مقامه فإن المظنة إنما تعتبر عند عدم الانضباط أما معه فلا فإذا ظننا أن الهلال يطلع في هذه الليلة بسبب قرائن

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

موجب للتحريم وحكمته أنه يصير جزء المرأة الذي هو اللبن جزء الصبي الرضيع فناسب أن يكون إيجاب التحريم بالرضاع نظير إيجاب صيرورة مني المرأة وطمثها جزء الصبي للتحريم بالنسب

فلذا قال صلى الله عليه وسلم الرضاع لحمة كلحمة النسب فالجزئية في الرتبة الأولى وهي الحكمة ووصف الرضاع في الرتبة الثانية لأنه فرعها ومنها أن الزنا وصف كذلك موجب للحد واختلاط الأنساب حكمته الموجبة لكونه كذلك فالاختلاط في الرتبة الأولى ووصف الزنا الرتبة الثانية ومنها أن السرقة وصف كذلك موجب للقطع وضياع المال حكمته الموجبة لكونه كذلك فضياع المال في الرتبة الأولى ووصف السرقة في الرتبة الثانية فوصف كل من الرضاع والزنا والسرقة لما كان ظاهرا منضبطا لم يحتج لقيام مظنته مقامه فلم يحتج للرتبة الثالثة ولا يلزم من جواز التعليل بالحكمة أن يترتب الحكم على كل من تحققت فيه تلك الحكمة وإلا لحرمت المرأة على صبي أكل منها قطعة لحم لتحقق صيرورة جزئها جزءا منه ولوجب حد الزنا على من يأخذ الصبيان من أمهاتهم صغارا

ويأتي بهم كبارا بحيث لا يعرفون بعد ذلك بسبب أنه أوجب اختلاط الأنساب ولوجب حد السرقة على من ضيع المال بالغصب والعدوان ولم يقل بذلك كله أحد ويلزم ذلك جواز التعليل بالمظنة فلذا قال الجمهور بالتعليل بها ولم يقولوا بالتعليل بالحكمة فافهم ويفرق بين الحكمة والمظنة من وجه آخر وهو أنه لا يقدح في ترتب الحكم القطع بعدم الحكمة ألا ترى أنا نقيم حد الزنا وحد السرقة وإن قطعنا بعدم اختلاط الأنساب من الزنا بأن تحيض المرأة ويظهر

____________________

(2/287)

تقدمت إما من توالي تمام الشهور فنظن نقص هذا الشهر أو من جهة توالي النقص فنظن تمام هذا الشهر أو من جهة طلوع القمر ليلة البدر قبل غروب الشمس فنظن تمام هذا الشهر أو من جهة تأخره في الطلوع عند غروب الشمس فنظن نقصان هذا الشهر وغير ذلك من الأمارات الدالة عند أرباب المواقيت على رؤية الأهلة ويوجب أن هذه الليلة هي مظنة رؤية الهلال فإنا لا نعتبر شيئا من ذلك ولا نقيم المظنة مقام الرؤية لأن لنا طريقا للوصول إلى الوصف المطلوب إما بالرؤية أو بكمال العدة والقاعدة أنه لا يعدل إلى المظنة إلا عند عدم انضباط الوصف دائما أو في الأغلب وهاهنا ليس كذلك فلذلك سقط اعتبار المظان من الأزمنة وكذلك أوقات الصلوات لما كانت منضبطة في نفسها لحصول القطع بها في أكثر صورها لم تقم مظانها في الصور مقامها وبهذا ظهر الفرق بين قاعدة البقاع أقيمت مظانها مقامها وبين الأزمنة لم يقم مظانها في الصور المذكورة وسره ما تقدم من القاعدة الكلية التي تقدم تقريرها قبل

الفرق التاسع والتسعون بين قاعدة البقاع المعظمة من المساجد تعظم بالصلاة ويتأكد طلب الصلاة عند ملابستها وبين قاعدة الأزمنة المعظمة كالأشهر الحرم وغيرها لا تعظم بتأكد الصوم فيها مع أن نسبة الصلوات إلى البقاع كنسبة الصوم إلى الأزمان فالمكان يصلى فيه والزمان يصام فيه وليس لنا مكان يصام فيه إلا بطريق الغرض كثلاثة أيام في الحج بمكة جبرا لما

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

عدم حملها أو جزمنا بعدم ضياع المال بسبب أخذ المال المسروق والغالب في موارد الشريعة عدم اعتبار المظنة إذا قطعنا فيها بعدم المظنون ألا ترى أن نحو الكفر والعقود الناقلة للأملاك أو الموجبة للطلاق والعتاق من المظان يسقط اعتبارها بالإكراه لا يترتب عليها شيء ألبتة مما شأنه أن يترتب عليها عند عدم الإكراه فليتفطن لهذه القاعدة وهذه التفاصيل فإنها وإن ذكرت هنا لبناء الفرق المذكور عليها وكونها سره إلا أنها يحتاج إليها الفقهاء رحمهم الله كثيرا في موارد الفقه والترجيح والتعليل والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق التاسع والتسعون بين قاعدة البقاع المعظمة من المساجد تعظم بالصلاة ويتأكد طلب الصلاة عند ملابستها وبين قاعدة الأزمنة المعظمة كالأشهر الحرم لا تعظم بتأكد الصوم فيها البقاع المعظمة والأزمنة وإن اشتركتا من جهة أن نسبة الصلوات إلى مطلق البقاع كما أنه من حيث وقوعها فيها كذلك نسبة الصوم إلى مطلق الأزمنة من حيث وقوعه فيها ومن جهة أن بعض البقاع وهي المساجد كما اختصت بأنها بيوت الله تعالى وطلب الشارع تعظيمها بالتحيات ممن دخلها كذلك اختص بعض الأزمنة وهو الثلث الأخير من الليل به تعالى وطلب الشارع تعظيمه بما يناسبه من الدعاء والتضرع والاستغفار فقد ورد أن الثلث الأخير من الليل ينزل الرب تعالى فيه إلى السماء الدنيا فيقول هل من داع فأستجيب له هل من مستغفر فأغفر له إلا أنهما افترقتا من جهة أن مطلق البقاع لم يقع منها ما

____________________

(2/288)

عرض من النسك وصوم أيام الاعتكاف في المساجد لما عرض من الاعتكاف ويصام رمضان وغيره لعين ذلك الزمان لا لما عرض فيه فالصوم بوصفه خاص بالزمان والصلاة تكون للمكان كتحية المسجد وتكون للزمان كأوقات الصلوات والوتر وركعتي الفجر والضحى ونحوها والفرق من حيث الجملة في كون المساجد تعظم بالتحيات إذا دخل إليها والأشهر الحرم ونحوها لا تعظم بالصوم هو أن الله تعالى غني عن الخلق على الإطلاق لا تزيده طاعتهم ولا تنقصه معصيتهم والأدب معه تعالى اللائق بجلاله متعذر منا فأمرنا تعالى أن نتأدب معه كما نتأدب مع أكابرنا لأنه وسعنا ولذلك أمرنا تعالى بالركوع والسجود والمدح له وإكرام خاصته وعبيده ولما كان الواحد منا إذا أراد تعظيم عظيم منا فعل معه ذلك جعل الله تعالى ذلك تعظيما له ومن ذلك أن أحدنا إذا مر ببيوت الأكابر يسلم عليهم ويحيهم بالتحية اللائقة بهم والسلام في حقه تعالى محال لأنه دعاء بالسلامة وهو سالم لذاته عن جميع النقائص أو هو من المسالمة وهي التأمين من الضرر وهو تعالى يجير ولا يجار عليه فاستغنى عن ذلك لتعذر معانيه في حقه تعالى بل ورد أن نقول له تعالى أنت السلام ومنك السلام وإليك يعود السلام حينا ربنا بالسلام أي أنت السالم لذاتك ومنك يصدر السلام لعبادك

وإليك يرجع طلبها فاعطنا إياها ولما استحال السلام في حقه تعالى أقيمت الصلاة مقامه ليتميز بيت الرب عن غيره من البيوت بصورة التعظيم بما يليق بالربوبية ولذلك نابت الفريضة عن النافلة في ذلك لحصول التمييز بها ولما كان سبب التحيات في هذه البقاع المعظمة تمييزها اختص بالله

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

يصام فيه إلا بطريق العرض كثلاثة أيام بمكة جبرا لما عرض من النسك وصوم أيام الاعتكاف في المساجد لما عرض من الاعتكاف وإنما وقع منها ما يصلى فيه لعينه كالمساجد تصلى فيها النجية وأما مطلق الأزمنة فوقع منها ما يصام فيه لعينه لا لما عرض فيه كرمضان وغيره ووقع منها ما يصلى فيه لعينه لا لما عرض فيه كأوقات الصلوات ونحو الوتر وركعتي الفجر والضحى فالصوم بوصفه خاص بالزمان والصلاة كما تكون للمكان كتحية المسجد تكون للزمان كالصلوات ونحو الوتر وركعتي الفجر والضحى في أوقاتها

ومن جهة أن البقاع المعظمة وهي المساجد لما اختصت بالله واشتهرت باسم يناسب اختصاصها به تعالى وهو لفظ البيوت فإن شأن الرئيس والملك العظيم أن يكون في بيته ويختص به احتاجت إلى تمييز يختص به تعالى يناسب ربوبيته على قدر ما في وسعنا وذلك أن الله تعالى لما كان غنيا عن الخلق على الإطلاق لا تزيده طاعتهم ولا تنقصه معصيتهم وكان الأدب معه اللائق بجلاله متعذرا منا وقد أمرنا تعالى أن نتأدب معه كما نتأدب مع أكابرنا لأنه وسعنا وكان أحدنا إذا مر ببيوت الأكابر يسلم عليهم ويحييهم بالتحية اللائقة بهم

والسلام في حقه تعالى محال لأنه دعاء إما بالسلامة وهو تعالى سالم لذاته عن جميع النقائص وإما بالمسالمة وهي التأمين من الضرر وهو تعالى يجير ولا يجار عليه أمرنا تعالى بالركوع والسجود والمدح له وإكرام خاصته وعبيده وأن نقول له تعالى أنت السلام ومنك السلام وإليك يعود السلام حينا ربنا بالسلام أي أنت السالم لذاتك ومنك يصدر السلام لعبادك وإليك يرجع طلبها فاعطنا إياها فلما استحال السلام

____________________

(2/289)

تعالى واشتهر باسم اختصاصه به وهو لفظ البيوت فإن شأن الرئيس والملك العظيم أن يكون في بيته ويحل في بيته ويختص به ولم يوجد من الأزمنة ما اشتهر بالله تعالى هذه الشهرة حتى يحتاج إلى تمييز يختص به يناسب الربوبية فهذا هو الفرق بين الأزمنة والبقاع في هذا المعنى فإن قلت فقد ورد أن الثلث الأخير من الليل ينزل الرب تعالى فيه سماء الدنيا فيقول هل من داع فأستجيب له هل من مستغفر فأغفر له فقد اختص هذا الوقت من الزمان به تعالى كما اختصت المساجد بأنها بيوته فينبغي أن يشرع فيه ما يوجب التمييز كما شرع في المسجد

قلت الأزمنة التي جرت عادة الملوك بالقدوم فيها على الرعايا شأنها أن تعظم بالزينة في المدائن وغير الزينة من أسباب الاحتفال وكان يلزمنا مثل ذلك في هذا الزمان غير أن الليل لا يلازم الصوم شرعا فشرع فيه ما يناسبه من الدعاء والتضرع والاستغفار وإنما الفرق بين الصلاة والصوم والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق المائة بين قاعدة النواح حرام وبين قاعدة المراثي مباحة اعلم أنه قد اشتهر بين الناس تحريم النواح وتفسيق النائحة دون تفسيق الشعراء الذين يرثون الموتى من الملوك والأعيان وكان الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله يقول إن بعض المراثي حرام كالنواح وتحرير القول فيهما وضبطهما أن النوح إنما حرم لأنه يقتضي نسبة الرب سبحانه وتعالى إلى الجور في قضائه والتبرم بقدره وأن الواقع من

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

في حقه تعالى أقيمت الصلاة في المساجد مقامه ليتميز بيت الرب عن غيره من البيوت بصورة التعظيم بما يليق بالربوبية ولذلك نابت الفريضة عن النافلة في ذلك لحصول التمييز بها

وأما الأزمنة المعظمة وهي الأشهر الحرم ونحوها فلم يوجد منها ما اشتهر بالله تعالى شهرة البقاع المعظمة حتى يحتاج إلى تمييز يختص به يناسب الربوبية كما احتاجت المساجد لذلك بسبب اشتهارها بالله تعالى الشهرة المذكورة والثلث الأخير من الليل وإن اشتهر به تعالى اشتهار المساجد وشرع فيه ما يناسبه من الدعاء والتضرع والاستغفار كما علمت لما أنه يلزمنا ذلك فيه تعظيمه كما إن شأن الأزمنة التي جرت عادة الملوك بالقدوم فيها على الرعايا أن تعظم في المدائن بالزينة ونحوها من أسباب الاحتفال إلا أن تعظيمه لم يكن بالصوم لأن الليل لا يلائم الصوم والفرق إنما هو بين تعظيم البقاع المعظمة بالصلاة والأزمنة المعظمة بالصوم فافهم والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق المائة بين قاعدة النواح حرام وبين قاعدة المراثي مباحة ليس الأمر على تحريم النواح وتفسيق النائحة مطلقا ولا على إباحة المراثي وعدم تفسيق الشعراء الذين يرثون الموتى من الملوك والأعيان مطلقا وإن اشتهر ذلك بين الناس بل الحق أن كلا من النواح والمراثي على أربعة أقسام حرام كبيرة وحرام صغيرة ومباح ومندوب أما ضابط ما هو حرام كبيرة من النواح والمراثي فكل كلام يقرر في النفوس ويوضح للأفهام نسبة الرب سبحانه وتعالى إلى الجور في قضائه

____________________

(2/290)

موت هذا الميت لم يكن مصلحة بل مفسدة عظيمة وتكون النائحة تذكر كلاما يقرر ذلك في النفوس وتوضحه للأفهام وتحمل السامعين على اعتقاد ذلك فكل لفظ تضمن ذلك كان حراما نظما كان أو نثرا مرثية أو نواحا وقد جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التصريح بتحريم النواح وورد في الحديث أن النائحة تكسى يوم القيامة قميصين قميص من جرب وقميص من قطران وسره أن الأجرب سريع الألم لتقرح جلده

والقطران يقوي شعلة النار فيكون عذابها بالنار بسبب هذين القميصين أشد العذاب وفي أبي داود لعن الله النائحة والمستمعة قال سند من أصحابنا هي التي تتخذ النواح صنعة قال وإلا فالمرة مكروهة لما في البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك نساء جعفر لم يسكتهن وفيه عن جابر رضي الله عنه جيء بأبي يوم أحد وقد مثل به وساق الحديث إلى أن قال فسمع صوت نائحة فقال من هذه فقالوا ابنة عمر فقال فلتبكي ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع وفيه عن أم عطية رضي الله عنها أخذ علينا النبي صلى الله عليه وسلم أن لا ننوح فما وفت منا امرأة غير خمس نسوة سمتهن والنواح من الكبائر

وصورته أن تقول النائحة لفظا يقتضي فرط جمال الميت وحسنه وكماله وشجاعته وبراعته وأبهته ورئاسته وتبالغ فيما كان يفعل من إكرام الضيف والضرب بالسيف والذب عن الحريم والجار إلى غير ذلك من صفات الميت التي يقتضي مثلها أن

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

والتبرم بقدره وأن الواقع من موت هذا الميت لم يكن مصلحة بل مفسدة عظيمة فيحمل السامعين على اعتقاد ذلك يكون حراما كبيرة نظما كان أو نثرا مرثية أو نواحا وذلك كأن تقول النائحة لفظا يقتضي فرط جمال الميت وحسنه وكماله وشجاعته وبراعته وأبهته ورئاسته وتبالغ فيما كان يفعل من إكرام الضيف والضرب بالسيف والذب عن الحريم والجار إلى غير ذلك من صفات الميت التي يقتضي مثلها أن لا يموت فإن بموته تنقطع هذه المصالح ويعز وجود مثل الموصوف بهذه الصفات ويعظم التفجع على فقد مثله وأن الحكمة كانت تقتضي بقاءه وتطويل عمره لتكثر تلك المصالح في العالم وكأن يقول الشاعر في رثائه مات من كان بعض أجناده الموت ومن كان يختشيه القضاء فيتضمن شعره من التعريض للقضاء بقوله من كان بعض أجناده الموت تعظيما لشأن هذا الميت وأن مثل هذا الميت ما كان ينبغي أن يخلو منه منصب الخلافة ومتى تأتي الأيام بمثل هذا ونحو ذلك ويشير قوله يختشيه القضاء إلى أن الله تعالى كان يخاف منه وهذا إذا لم يكن كفرا صريحا وهو الظاهر من لفظه فهو قريب منه فلذا لما حضر الشيخ عز الدين بن عبد السلام في المحفل الذي جمع فيه الملك الصالح الأكابر والأعيان والقراء والشعراء لعزاء الخليفة ببغداد وأنشد بعض الشعراء في مرثيته مات من كان بعض أجناده الموت وسمعه الشيخ أمر بتأديبه وحبسه وأغلظ الإنكار عليه وبالغ في تقبيح رثائه وأقام بعد التعزير في

____________________

(2/291)

لا يموت فإن بموته هذه تنقطع هذه المصالح ويعز وجود مثل الموصوف بهذه الصفات ويعظم التفجع على فقد مثله وأن الحكمة كانت تقتضي بقاءه وتطويل عمره لتكثير تلك المصالح في العلم فمتى كان لفظها مشتملا على هذا كان حراما وهذا أشر النواح وتارة لا تصل إلى هذه الغاية غير أنه تبعد السلوة عن أهل الميت وتهيج الأسف عليهم فيؤدي ذلك إلى تعذيب نفوسهم وقلة صبرهم وضجرهم وربما بعثهم ذلك على القنوط وشق الجيوب وضرب الخدود فهذا أيضا حرام ومتى كان لفظ النائحة ليس فيه شيء من ذلك بل ذكر دين الميت وأنه انتقل إلى جزاء أعماله الحسنة ومجاورة أهل السعادة وأنه أتى عليه ما قضى على عامة الناس وأن هذا سبيل لا بد منه وأنه موطن اشترك فيه جميع الخلائق وباب لا بد من دخوله فهذا ليس بحرام فإن زادت على ذلك بأن تأمر أهل الميت بالصبر وتحثهم على طلب الأجر والثواب وأنهم ينبغي لهم أن يحتسبوا ميتهم في سبيل الله

ويعتمدون في حسن الخلف على الله تعالى ونحو ذلك فهذا مندوب إليه مأمور به وعلى هذه القوانين تتخرج المراثي فتنقسم أيضا إلى المحرمة الكبيرة وإلى المحرمة الصغيرة وإلى المباح وإلى المندوب على قدر ما يتضمنه لفظ المرثية فمن المراثي المباحة الخالية عن التحريم ما رثى به ابن عمر أخاه عاصما لما مات فقال فإن تك أحزان وفائض دمعة جرين دما من داخل الجوف منقعا تجرعتها في عاصم واحتسبتها فأعظم منها ما احتسى وتجرعا فليت المنايا كن خلفن عاصما فعشنا جميعا أو ذهبن بنا معا

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

الحبس زمانا طويلا ثم استتابه بعد شفاعة الأمراء والرؤساء فيه وأمره أن ينظم قصيدة يثني فيها على الله عز وجل تكون مكفرة لما تضمنه شعره من التعرض للقضاء والإشارة إلى أن الله تعالى كان يخاف من الميت والشعراء كثيرا ما يهجمون على أمور صعبة مثل ذلك رغبة في الإغراب والتمدح بأنه طرق معنى لم يطرق قبله فيقعون في هذا ومثله ولذلك وصفهم الله تعالى بقوله ألم تر أنهم في كل واد يهيمون قال المفسرون هذه الأودية هي أودية الهجاء المحرم ونحوه مما لا يحل قوله وهذا القسم شر النواح والمراثي وعليه يحمل حديث إن النائحة تكسى يوم القيامة قميصين قميص من جرب وقميص من قطران وسره أن الأجرب سريع الألم لتقرح جلده والقطران يقوي شعلة النار فيكون عذاب النائحة بالنار بسبب هذين القميصين أشد العذاب

وحديث أبي داود لعن الله النائحة والمستمعة

وأما ضابط ما هو حرام صغيرة فكل كلام نظما أو نثرا مرثية أو نواحا لم يصل إلى الغاية المذكورة في القسم الأول إلا أنه يبعد السلوة عن أهل الميت ويهيج الأسف عليهم حتى يؤدي إلى تعذيب نفوسهم وقلة صبرهم وضجرهم وربما بعثهم على القنوط وشق الجيوب وضرب الخدود يكون حراما صغيرة وعليه يحمل ما جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من التصريح بتحريم النواح نعم قال سند من أصحابنا إنما يحرم النواح من النائحة التي

____________________

(2/292)

دفعنا بك الأيام حتى إذا أتت تريدك لم نسطع لها عنك مدفعا فهذا رثاء مباح لا يحرم مثله

وليس فيه ما يشير إلى التجوير ولا تسفيه القضاء بل إنه حزين متألم لميته وكان يشتهي لو مات معه فهذا أمر قريب لا غرو فيه ومثال الرثاء المندوب ما روي أن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه لما مات عظم مصابه على ابنه عبد الله وكان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عظيما عند الناس في نفسه لأنه كان ترجمان القرآن وافر العقل جميل المحاسن والجلالة والأوصاف الحميدة فأعظمه الناس على التعزية إجلالا له ومهابة بسبب عظمته في نفسه وعظمة من أصيب به فإن العباس رضي الله عنه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقي بعد وفاته صلى الله عليه وسلم مثل والده وكان يقال من أشجع الناس فيقال العباس ومن أعلم الناس فيقال العباس

ومن أكرم الناس فيقال العباس فلما مات عظم خطبه وجلت رزيته في صدور الناس وفي صدر ولده عبد الله رضي الله عنهما وأحجم الناس عن تعزيته فأقاموا على ذلك شهرا كما ذكره المؤرخون فبعد الشهر قدم أعرابي من البادية فسأل عن عبد الله بن عباس فقال له الناس ما تريد فقال أريد أن أعزي عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فقام الناس معه عساه أن يفتح لهم باب التعزية فلما رأى عبد الله بن عباس قال له سلام عليك يا أبا الفضل فقال له عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وعليك السلام ورحمة الله وبركاته فأنشده اصبر نكن بك صابرين فإنما صبر الرعية عند صبر الراس خير من العباس أجرك بعده والله خير منك للعباس

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

تتخذه صنعة قال وإلا فالمرة مكروهة لما في البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك نساء جعفر لم يسكتهن وفيه عن جابر رضي الله عنه جيء بأبي يوم أحد وقد مثل به وساق الحديث إلى أن قال فسمع صوت نائحة فقال من هذه فقالوا ابنة عمر فقال فلتبكي أو لا تبكي ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع وفيه عن أم عطية رضي الله عنها أخذ علينا النبي صلى الله عليه وسلم أن لا ننوح فما وفت منا امرأة غير خمس نسوة سمتهن وأما ضابط ما هو مباح من النواح والمراثي فكل كلام لم يكن فيه شيء مما في القسمين قبله بل ذكر فيه دين الميت وأنه انتقل إلى جزاء أعماله الحسنة ومجاورة أهل السعادة

وأنه أتى عليه ما قضى على عامة الناس وأن هذا سبيل لا بد منه وأنه موطن اشترك فيه جميع الخلائق وباب لا بد من دخوله يكون مباحا خاليا عن التحريم ومنه ما رثى به ابن عمر أخاه عاصما لما مات فقال فإن تك أحزان وفائض دمعة جرين دما من داخل الجوف منقعا تجرعتها في عاصم واحتسيتها فأعظم منها ما احتسى وتجرعا فليت المنايا كن خلفن عاصما فعشنا جميعا أو ذهبن بنا معا دفعنا بك الأيام حتى إذا أتت تريدك لم نسطع لها عنك مدفعا فهذا رثاء مباح لا يحرم مثله وليس فيه ما يشير إلى التجوير ولا تسفيه القضاء بل إنه حزين متألم لميته وكان يشتهي لو مات معه فهذا أمر قريب لا غرو فيه وأما ضابط المندوب من النواح والمراثي فكل

____________________

(2/293)

فلما سمع عبد الله بن عباس رثاءه واستوعب شعره سري عنه عظيم ما كان به

واسترسل الناس في تعزيته وهذا كلام في غاية الجودة من الرثاء مسهل للمصيبة مذهب للحزن محسن لتصرف القضاء مثن على الرب تعالى بإحسان وجميل العوارف فهذا حسن جميل ومثله ما ورد في الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما توفي سمع أهل بيته قائلا يقول يسمعون صوته ولا يرون شخصه سلام عليكم أهل البيت إن في الله خلفا من كل فائت وعوضا من كل ذاهب فإياه فارجوا وبه فثقوا فإن المصاب من حرم الثواب فكانوا يرونه الخضر عليه السلام فهذا أيضا كلام من القربات ومندرج في سلك المندوبات ومن الرثاء المحرم الفظيع ما وقع في عصرنا في رثاء الخليفة ببغداد في أيام الصالح رحم الله الجميع فعمل له الملك الصالح عزاء جمع فيه الأكابر والأعيان والقراء والشعراء فأنشد بعض الشعراء في مرثيته مات من كان بعض أجناده الموت ومن كان يختشيه القضاء فسمعه الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله وهو جالس في المحفل فأمر بتأديبه وحبسه

وأغلظ الإنكار عليه وبالغ في تقبيح رثائه وأقام بعد التعزير في الحبس زمانا طويلا ثم استتابه بعد شفاعة الأمراء والرؤساء فيه وأمره أن ينظم قصيدة يثني فيها على الله عز وجل تكون مكفرة لما تضمنه شعره من التعرض للقضاء بقوله من كان بعض أجناده الموت تعظيما لشأن هذا الميت وأن مثل هذا الميت ما كان ينبغي أن يخلو منه منصب الخلافة ومتى تأتي الأيام بمثل هذا ونحو ذلك

وقوله يختشيه القضاء يشير إلى أن الله تعالى

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

كلام زاد على ما في قسم المباح من أمر أهل الميت بالصبر وحثهم على طلب الأجر والثواب وأنهم ينبغي لهم أن يحتسبوا ميتهم في سبيل الله تعالى ويعتمدون في حسن الخلف على الله تعالى ونحو ذلك يكون مندوبا إليه مأمورا به

ومنه ما روي أن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه لما مات عظم مصابه على ابنه عبد الله وعظم خطبه وجلت رزيته في صدور الناس فإنه رضي الله عنه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقي بعد وفاته صلى الله عليه وسلم مثل والده وكان يقال من أشجع الناس فيقال العباس ومن أعلم الناس فيقال العباس ومن أكرم الناس فيقال العباس وكان ابنه عبد الله رضي الله عنهما عظيما عند الناس في نفسه لأنه كان ترجمان القرآن وافر العقل جميل المحاسن والجلالة والأوصاف الحميدة فأحجموا عن تعزيته إجلالا له ومهابة بسبب عظمته في نفسه وأقاموا على ذلك شهرا كما ذكره المؤرخون فبعد الشهر قدم أعرابي من البادية فسأل عن عبد الله بن عباس فقال له الناس ما تريد فقال أريد أن أعزي عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فقام الناس معه عساه أن يفتح لهم باب التعزية فلما رأى عبد الله بن عباس قال له سلام عليك يا أبا الفضل فقال له عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وعليك السلام ورحمة الله وبركاته فأنشده اصبر نكن بك صابرين فإنما صبر الرعية عند صبر الراس خير من العباس أجرك بعده والله خير منك للعباس فلما سمع عبد الله بن العباس رثاءه واستوعب شعره سرى عنه عظيم ما كان به واسترسل الناس في

____________________

(2/294)

كان يخاف منه وهذا إما كفر صريح وهو الظاهر من لفظه أو قريب من الكفر فالشعراء في مراثيهم يهجمون على أمور صعبة رغبة في الإغراب والتمدح بأنه طرق معنى لم يطرق قبله فيقعون في هذا ومثله ولذلك وصفهم الله تعالى بقوله ألم تر أنهم في كل واد يهيمون قال المفسرون هذه الأودية هي أودية الهجاء المحرم ونحوه مما لا يحل قوله فظهر لك بهذا البسط والتقرير الفرق بين النواح المحرم والرثاء المحرم من غيره بتقرير القواعد المتقدمة فقس عليه ما يرد عليك من ذلك في البابين

الفرق الحادي والمائة بين قاعدة فعل غير المكلف لا يعذب به وبين قاعدة البكاء على الميت يعذب به الميت ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الميت ليعذب ببكاء الحي عليه خرجه مالك في الموطإ وغيره من العلماء في الصحاح فأشكل ظاهر الحديث من جهة أن الإنسان لا يؤاخذ بفعل غيره وهي قاعدة صحيحة تعارض هذه القاعدة وحصل الفرق من وجوه أحدها أنه محمول على ما إذا أوصى بالنياحة كما قال طرفة إذا مت فانعيني بما أنا أهله وشقي علي الجيب يا ابنة معبد

وثانيها أنهم كانوا يذكرون في نوائحهم مفاخر هي مخاز عند الشرع كالغصب والفسوق فيعذب بها فيكون المعنى أن الميت يعذب بمدلول ما يقع في البكاء من الألفاظ

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

تعزيته وهذا كلام في غاية الجودة من الرثاء مسهل للمصيبة مذهب للحزن محسن لتصرف القضاء مثن على الرب بإحسان وجميل العوارف فهذا حسن جميل ومثله ما ورد في الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما توفي سمع أهل بيته قائلا يقول يسمعون صوته ولا يرون شخصه سلام عليكم أهل البيت إن في الله خلفا من كل فائت وعوضا من كل ذاهب فإياه فارجوا وبه فثقوا فإن المصاب من حرم الثواب فكانوا يرونه الخضر عليه السلام فهذا أيضا كلام من القربات ومندرج في سلك المندوبات وعلى هذه القوانين يتخرج جميع ما يرد عليك من النواحات والمراثي والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق الحادي والمائة بين قاعدة فعل غير المكلف لا يعذب به وبين قاعدة البكاء على الميت يعذب به الميت لما أشكل على القاعدة الصحيحة وهي أن الإنسان لا يؤاخذ بفعل غيره وعارضها ظاهر ما أخرجه مالك في الموطإ وغيره من العلماء في الصحاح من قوله صلى الله عليه وسلم إن الميت ليعذب ببكاء الحي عليه ذهب بعض العلماء إلى رد البكاء فيه إلى فعل الميت إما بحمله على ما إذا أوصى الميت بالنياحة كما قال طرفة إذا مت فانعيني بما أنا أهله وشقي علي الجيب يا ابنة معبد

وإما بحمله على ما كان يباشره الميت حال حياته من الكفر ونحو الغضب والفسوق من المفاخر التي كانوا يذكرونها في نوائحهم وهي مجاز عند الشرع فيعذب بها فيكون المعنى أن الميت يعذب بمدلول ما

____________________

(2/295)

ولما كان بين البكاء وبين تلك الأمور ملازمة قد حصلت في الواقع عبر بالبكاء عنه مجازا والعلاقة هي هذه الملازمة لأن اللفظ يلازم مدلوله والبكاء يلازم هذا اللفظ فهذه الملازمة هي العلاقة

وثالثها ما قالته عائشة رضي الله عنها يغفر الله لأبي عبد الرحمن أما إنه لم يكذب ولكنه نسي أو أخطأ إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهودية يبكي عليها أهلها فقال عليه السلام إنكم لتبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها واعلم أن هذه الوجوه الثلاثة تكون أجوبة عن الحديث ولا توجب فرقا بين القاعدتين وإنما هي ترد البكاء إلى فعل الميت بالوصية كما قاله أولا أو بالمباشرة كما قاله ثانيا وأما الثالث فهو من جنس الثاني لأن اليهودية إنما عذبت في قبرها بكفرها لا ببكاء أهلها

والفرق في التحقيق إن مشينا اللفظ على ظاهره ما وقع لبعض العلماء من أن امرأة من أهل العراق مات لها ولد فرحلت في بعض مقاصدها إلى المغرب فحضر يوم العيد وعادتها فيه في بلدها تخرج إلى المقابر فتبكي على ولدها فلما لم تكن في بلدها خطر لها أن تخرج إلى مقابر تلك البلدة التي حلت بها فتفعل فيها ما كانت تفعله في بلدها فخرجت إليها وفعلت ذلك وأكثرت البكاء والعويل والتفجيع على ولدها ثم نامت فرأت أهل المقبرة قد هاجوا يسأل بعضهم بعضا هل لهذه المرأة عندنا ولد فقالوا لا فقال السائل منهم للمسئول فكيف جاءت عندنا تؤذينا ببكائها وعويلها

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

يقع في البكاء من الألفاظ مجاز العلاقة الملزومية بواسطة لأن اللفظ يلازم مدلوله والبكاء يلازم هذا اللفظ فقول عائشة رضي الله عنها يغفر الله لأبي عبد الرحمن أما إنه لم يكذب ولكنه نسي أو أخطأ إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهودية يبكي عليها أهلها فقال عليه السلام إنكم لتبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها معناه أن اليهودية إنما عذبت في قبرها بكفرها لا ببكاء أهلها وذهب الأصل إلى أنهما قاعدتان وأن الحديث باق على ظاهره وأنه يفرق بينهما بما وقع لبعض العلماء من أن امرأة من أهل العراق مات لها ولد فرحلت في بعض مقاصدها إلى المغرب فحضر يوم العيد وعادتها فيه في بلدها تخرج إلى المقابر فتبكي على ولدها فلما لم تكن في بلدها خطر لها أن تخرج إلى مقابر تلك البلدة التي حلت بها فتفعل فيها ما كانت تفعله في بلدها فخرجت إليها وفعلت ذلك وأكثرت البكاء والعويل والتفجع على ولدها ثم نامت فرأت أهل المقبرة قد هاجوا يسأل بعضهم بعضا هل لهذه المرأة عندنا ولد فقالوا لا فقال السائل منهم للمسئول فكيف جاءت عندنا تؤذينا ببكائها وعويلها من غير أن يكون لها عندنا ولد ثم ذهبوا إليها فضربوها ضربا وجيعا فاستيقظت فوجدت ألما عظيما من ذلك الضرب وتوضيح الفرق أن هذا يدل أن البكاء والعويل كما كانت الأرواح في حالة الحياة تتأذى به وتنقبض كذلك تتأذى به بعد الموت كان عليها أو على غيرها إلا أنه عليها أشد نكاية لأنها هي المصابة حينئذ

وقد ورد أن الموتى يعلمون أحوال الأحياء وما نزل بهم من شدة ورخاء وفقر واستغناء وغير ذلك مما يتجدد لأهليهم ويتألمون للمؤلمات

____________________

(2/296)

من غير أن يكون لها عندنا ولد ثم ذهبوا إليها فضربوها ضربا وجيعا فاستيقظت فوجدت ألما عظيما من ذلك الضرب فدل ذلك على أن الأرواح تتألم من المؤلمات وتفرح باللذات في البرزخ كما كانت في الدنيا وهو ظاهر وكذلك تعذب الكفار في قبورها كما قال عليه الصلاة والسلام إن اليهود لتعذب في قبورها فالأوضاع البشرية في الأرواح لم تتغير وإنما كانت في مسكن فارقته وبقيت على حالها في أوضاعها ولما كان البكاء والعويل في حالة الحياة تتأذى به الأرواح وتنقبض كانت بعد الموت تتأذى به كذلك كان عليها أو على غيرها وهو عليها أشد نكاية لأنها هي المصابة حينئذ وقد ورد أن الموتى يعلمون أحوال الأحياء وما نزل بهم من شدة ورخاء وفقر واستغناء وغير ذلك مما يتجدد لأهليهم ويتألمون للمؤلمات ويسرون باللذات وقد ورد أنهم يفتخرون بالزيارات ويتألمون بانقطاعها

وإذا كان الأمر كذلك كانوا يتألمون بالبكاء عليهم من أهليهم وغير أهليهم والألم عذاب فلذلك قال صلى الله عليه وسلم إن الميت ليعذب ببكاء الحي عليه ويكون الفرق بين القاعدتين على هذا التقرير أن الإنسان لا يعذب بفعل غيره أي عذاب الآخرة الذي هو عذاب الذنوب والبكاء عذاب ليس عذاب الآخرة الذي هو عذاب الذنوب المتوعد به من قبل صاحب الشرع بل معناه الألم الجبلي الذي إذا وقع في الوجود قد يكون رحمة من الله تعالى كمن يبتليه الله تعالى بالألم لرفع درجاته ومن هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم نحن الأنبياء أشد بلاء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على قدر دينه ومعلوم أن الأنبياء والصالحين يتألمون بالبلايا والرزايا وليس ذلك عذابا بالتفسير الأول بل رحمة من الله تعالى ولذلك قال بعض السلف على القرن الماضي أن كان أحدهم ليفرح بالبلايا كما يفرح أحدكم بالرخاء والعذاب يستعاذ منه ولا يفرح به فهذا الوجه عندي هو الفرق الصحيح ويبق اللفظ على ظاهره ويستغنى عن التأويل وتخطئة

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

ويسرون باللذات وقد ورد أنهم يفتخرون بالزيارات ويتألمون بانقطاعها فالأوضاع البشرية للأرواح في البرزخ كما كانت لها في الدنيا لم تتغير وإنما كانت في مسكن فارقته فقط وبقيت على حالها في أوضاعها فالعذاب في القاعدة التي دل عليها حديث إن الميت ليعذب ببكاء الحي عليه بمعنى الألم الجبلي الذي إذا وقع في الوجود قد يكون رحمة من الله تعالى كمن يبتليه الله تعالى بالألم لرفع درجاته ومن هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم نحن الأنبياء أشدهم بلاء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على قدر دينه ومعلوم أن الأنبياء والصالحين يتألمون بالبلايا والرزايا وليس ذلك عذابا بمعنى عذاب الآخرة الذي هو عذاب الذنوب المتوعد به من قبل صاحب الشرع كما هو بهذا المعنى في قاعدة إن الإنسان لا يعذب بفعل غيره وإنما تألمهم بالبلايا والرزايا رحمة من الله تعالى ولذلك قال بعض السلف على القرن الماضي أن كان أحدهم ليفرح بالبلايا كما يفرح أحدكم بالرخاء والعذاب يستعاذ منه ولا يفرح به قال الأصل فهذا

____________________

(2/297)

الراوي وما ساعده الظاهر من الأجوبة كان أسعدها وأولاها وهذا كذلك فيعتمد عليه في الفرق

الفرق الثاني والمائة بين قاعدة أوقات الصلوات يجوز إثباتها بالحساب والآلات وكل ما دل عليها وبين قاعدة الأهلة في الرمضانات لا يجوز إثباتها بالحساب وفيه قولان عندنا وعند الشافعية رحمهم الله تعالى والمشهور في المذهبين عدم اعتبار الحساب فإذا دل حساب تسيير الكواكب على خروج الهلال من الشعاع من جهة علم الهيئة لا يجب الصوم قال سند من أصحابنا فلو كان الإمام يرى الحساب فأثبت الهلال به لم يتبع لإجماع السلف على خلافه مع أن حساب الأهلة والكسوفات والخسوفات قطعي فإن الله تعالى أجرى عادته بأن حركات الأفلاك وانتقالات الكواكب السبعة السيارة على نظام واحد طول الدهر بتقدير العزيز العليم

قال الله تعالى والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم وقال تعالى الشمس والقمر بحسبان أي هما ذوا حساب فلا ينخرم ذلك أبدا وكذلك الفصول الأربعة لا ينخرم حسابها والعوائد إذا استمرت أفادت القطع كما إذا رأينا شيخا نجزم بأنه لم يولد كذلك بل طفلا لأجل عادة الله تعالى بذلك وإلا فالعقل يجوز ولادته كذلك والقطع الحاصل فيه إنما هو لأجل العادة وإذا حصل القطع

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

الوجه عندي هو الفرق الصحيح ويبقى لفظ الحديث على ظاهره ويستغنى عن التأويل وتخطئة الراوي وما ساعده الظاهر من الأجوبة كان أسعدها وأولاها وهذا كذلك فيعتمد عليه في الفرق والله أعلم

الفرق الثاني والمائة بين قاعدة أوقات الصلوات يجوز إثباتها بالحساب والآلات وكل ما دل عليها وبين قاعدة الأهلة في الرمضانات لا يجوز إثباتها بالحساب وذلك أن الله تعالى نصب زوال الشمس سببا لوجوب الظهر وبقية الأوقات سببا لوجوب بقية الصلوات كما يشهد لذلك أدلة الكتاب والسنة منها قوله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس أي لأجله ومنها قوله تعالى فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون قال المفسرون هذا خبر معناه الأمر بالصلوات الخمس في هذه الأوقات حين تمسون المغرب والعشاء وحين تصبحون الصبح وعشيا العصر وحين تظهرون الظهر والصلاة تسمى سبحة ومنه سبحة الضحى أي صلاتها فالآية أمر بإيقاع هذه الصلوات في هذه الأوقات فمن علم السبب بأي طريق كان لزمه حكمه فلذلك اعتبر الحساب المفيد للقطع في أوقات الصلوات

وأما الأهلة فقال الفقهاء رحمهم الله تعالى حساب تسيير الكواكب على خروج الهلال من الشعاع من جهة علم الهيئة وإن كان قطعيا منضبطا بسبب أن الله تعالى أجرى عادته بأن حركات الأفلاك وانتقالات الكواكب السبعة السيارة التي أشار إليها بعضهم بقوله

____________________

(2/298)

بالحساب ينبغي أن يعتمد عليه كأوقات الصلوات فإنه لا غاية بعد حصول القطع والفرق وهو المطلوب هاهنا وهو عمدة السلف والخلف أن الله تعالى نصب زوال الشمس سبب وجوب الظهر

وكذلك بقية الأوقات لقوله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس أي لأجله وكذلك قوله تعالى فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون قال المفسرون هذا خبر معناه الأمر بالصلوات الخمس في هذه الأوقات حين تمسون المغرب والعشاء وحين تصبحون الصبح وعشيا العصر وحين تظهرون الظهر والصلاة تسمى سبحة ومنه سبحة الضحى أي صلاتها فالآية أمر بإيقاع هذه الصلوات في هذه الأوقات وغير ذلك من الكتاب والسنة الدال على أن نفس الوقت سبب فمن علم السبب بأي طريق كان لزمه حكمه فلذلك اعتبر الحساب المفيد للقطع في أوقات الصلوات

وأما الأهلة فلم ينصب صاحب الشرع خروجها من الشعاع سببا للصوم بل رؤية الهلال خارجا من شعاع الشمس هو السبب فإذا لم تحصل الرؤية لم يحصل السبب الشرعي فلا يثبت الحكم ويدل على أن صاحب الشرع لم ينصب نفس خروج الهلال عن شعاع الشمس سببا للصوم قوله صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ولم يقل لخروجه عن شعاع الشمس كما قال تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس ثم قال فإن غم عليكم أي خفيت

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

زحل شرى مريخه من شمسه فتزاهرت لعطارد الأقمار على نظام واحد طول الدهر بتقدير العزيز العليم قال الله تعالى والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم

وقال تعالى الشمس والقمر بحسبان أي هما ذو حساب فلا ينخرم ذلك أبدا كما لا ينخرم حساب الفصول الأربعة التي هي الصيف والشتاء والربيع والخريف والعوائد إذا استمرت أفادت القطع كما إذا رأينا شيخا نجزم بأنه لم يولد كذلك بل طفلا لأجل عادة الله تعالى وإن جوز العقل ولادته كذلك إلا أنه يعتمد في خروج الأهلة من الشعاع على حصول القطع بالحساب كما اعتمد عليه في أوقات الصلوات لأنه لا غاية بعد حصول القطع بسبب أن صاحب الشرع لم ينصب خروج الأهلة من الشعاع سببا للصوم كما نصب أوقات الصلوات سببا لوجوبها نصب رؤية الهلال خارجا من شعاع الشمس أو إكمال العدة ثلاثين ولم يتعرض لخروج الهلال عن الشعاع فقد قال صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ولم يقل لخروجه عن شعاع الشمس كما قال تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس ثم قال صلى الله عليه وسلم فإن غم عليكم أي خفيت عليكم رؤيته فاقدروا له وفي رواية فأكملوا العدة ثلاثين

قال البناني على عبق وفي الحديثين ثلاثة أقوال الأول للإمام مالك أن الثاني تفسير للأول

والثاني للطحاوي أنه ناسخ وأن التقدير في الأول معناه أن ينظر إلى الهلال ليلة الواحد والثلاثين فإن سقط لستة أسباع ساعة فهو من تلك الليلة وإن سقط لضعفها فما قبلها والثالث

____________________

(2/299)

عليكم رؤيته فاقدروا له في رواية فأكملوا العدة ثلاثين فنصب رؤية الهلال أو إكمال العدة ثلاثين ولم يتعرض لخروج الهلال عن الشعاع

وأما قوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه فلا دلالة فيه على هذا المطلوب قال أبو علي لأن شهد لها ثلاث معان شهد بمعنى حضر ومنه شهدنا صلاة العيد وشهد بدرا وشهد بمعنى أخبر ومنه شهد عند الحاكم أي أخبره بما يعلمه وشهد بمعنى علم ومنه قوله تعالى والله على كل شيء شهيد أي عليم وهو في الآية بمعنى حضر قال وتقدير الآية فمن حضر منكم المصر في الشهر فليصمه أي حاضرا مقيما احترازا من المسافر فإنه لا يلزمه الصوم وإذا كان شهد بمعنى حضر لا بمعنى شاهد ورأى لم يكن فيه دلالة على اعتبار الرؤية ولا على اعتبار الحساب أيضا فإن الحضور في الشهر أعم من كونه ثبت بالرؤية أو بالحساب فلأجل هذا الفرق قال الفقهاء رحمهم الله تعالى إن كان هذا الحساب غير منضبط فلا عبرة به وإن كان منضبطا لكنه لم ينصبه صاحب الشرع سببا فلم يجب به صوم والحق من ترديد الفقهاء رحمهم الله هو القسم الثاني دون الأول غير أن هاهنا إشكالين أحدهما في أوقات الصلوات والآخر في رؤية الأهلة

الإشكال الأول في أوقات الصلوات وذلك أنه جرت عادة المؤذنين وأرباب المواقيت بتيسير درج الفلك فإذا شاهدوا المتوسط من درج الفلك أو غيرها من درج الفلك الذي يقتضي أن درجة الشمس قربت من الأفق قربا يقتضي أن الفجر طلع أمروا

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

لابن رشد بالجمع بينهما وأن التقدير في الأول أن ينظر في الشهور التي قبل شعبان فإن توالى ثلاثة على الكمال حمل على النقض وإلا حمل على الكمال وهو محمل الحديث الثاني قال الحطاب والأول هو الحق الذي لا غبار عليه ا ه

وقد تبع عج في قوله لا يتوالى النقص في أكثر من ثلاثة من الشهور يا فطن كذا توالي خمسة مكملة هذا الصواب وسواه أبطله لابن رشد إلا أن فيه بعض مخالفة له والظاهر أنه أشار بقوله هذا الصواب إلخ لكلام ابن رشد والطحاوي لا كما فهم عبق ومحل ثبوت رمضان بكمال شعبان إذا لم تكن السماء مصحية ليلة الحادي والثلاثين من شعبان وقد كان هلال شعبان ثبت برؤية عدلين ليلة ثلاثين من رجب وإلا فلا يثبت بكمال شعبان لتكذيب الشاهدين أولا كما في خش وهو صحيح ا ه بتصرف ولا دلالة في قوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه على هذا المطلوب لما مر أول الكتاب عن أبي علي من أن شهد فيه بمعنى حضر

قال والتقدير فمن حضر منكم المصر في الشهر فليصمه أي حاضرا مقيما احترازا من المسافر فإنه لا يلزمه الصوم وإذا كان شهد بمعنى حضر لا بمعنى شاهد ورأى لم يكن فيه دلالة على اعتبار الرؤية ولا على اعتبار الحساب أيضا فإن الحضور في الشهر أيضا أعم من كونه ثبت بالرؤية أو بالحساب فالحق من ترديد المالكية والشافعية رحمهم الله تعالى في اعتبار دلالة الحساب على خروج الهلال من الشعاع وعدم اعتباره ما هو المشهور في المذهبين من عدم اعتباره حتى قال سند من أصحابنا فلو كان الإمام يرى الحساب فأثبت الهلال به لم يتبع لإجماع السلف على خلافه

____________________

(2/300)

الناس بالصلاة والصوم مع أن الأفق يكون صاحيا لا يخفى فيه طلوع الفجر لو طلع ومع ذلك فلا يجد الإنسان للفجر أثرا ألبتة وهذا لا يجوز فإن الله تعالى إنما نصب سبب وجوب للصلاة ظهور الفجر فوق الأفق ولم يظهر فلا تجوز الصلاة حينئذ فإنه إيقاع للصلاة قبل وقتها وبدون سببها وكذلك القول في بقية إثبات أوقات الصلوات فإن قلت هذا جنوح منك إلى أنه لا بد من الرؤية وأنت قد فرقت بين البابين وميزت بين القاعدتين بالرؤية وعدمها وقلت السبب في الأهلة الرؤية وفي أوقات الصلوات تحقيق الوقت دون رؤيته فحيث اشترطت الرؤية فقد أبطلت ما ذكرته من الفرق

قلت سؤال حسن والجواب عنه أني لم أشترط الرؤية في أوقات الصلوات لكني جعلت عدم اطلاع الحس على عدم الفجر دليلا على عدمه وأنه في نفسه لم يتحقق لأن الرؤية هي السبب ونظيره في الأهلة لو كانت السماء مصحية والجمع ثير ولم ير الهلال جعلت ذلك دليلا على عدم خلوص الهلال من شعاع الشمس

وكذلك لو رأيت الظل عند الزوال مائل لجهة المغرب ولم أره مائلا إلى جهة المشرق بل متوسطا بين الجهتين جعلت ذلك دليلا على عدم دخول الوقت وعدم السبب ففرق بين كون الحس سببا وبين كونه دالا على عدم السبب فإني في الفجر جعلته دليلا على عدم السبب لا أني اشترطت الرؤية ولذلك أني لم أستشكل ذلك إلا والسماء مصحية والحس لا يجد شيئان من الفجر أما لو كان حسابهم يظهر معه الفجر مع الصحو طالعا من الأفق ويخفى مع الغيم لم أستشكله

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

وبالجملة فصاحب الشرع نصب تحقيق أوقات الصلوات سببا لوجوبها بحيث لا يكون الحس دالا على عدم دخول الوقت بأن يرى الإنسان الظل عند الزوال متوسطا بين جهتي المشرق والمغرب لا مائلا لجهة المشرق أو لا يجد الإنسان للفجر أثرا ألبتة مع كون الأفق صاحيا لا يخفى فيه طلوع الفجر لو طلع فما جرت به عادة المؤذنين وأرباب المواقيت من تسيير درج الفلك فإذا شاهدوا ما يقتضي من درج الفلك المتوسط أو غيره أن الفجر طلع أمروا الناس بالصلاة والصوم

وإن كان الإنسان لا يجد للفجر أثرا ألبتة والأفق صاح لا يخفى فيه طلوع الفجر لو طلع مشكل ونصب رؤية الهلال خارجا من شعاع الشمس أو إكمال العدة ثلاثين سببا لوجوب صوم رمضان ولم ينصب تحقيق الخروج بدون رؤيته كما في أوقات الصلوات سببا لذلك فاشترط في سببية أوقات الصلوات التحقيق دون الرؤية وفي سببية الهلال الرؤية دون مجرد التحقيق إلا أن جعل المالكية والأحناف والحنابلة رؤية الهلال في بلد من البلدان سببا لوجوب الصوم على جميع أقطار الأرض خلافا للشافعية في جعلهم لكل قوم رؤيتهم مع اتفاق الجميع على أن لكل قوم فجرهم وزوالهم وعصرهم ومغربهم وعشاءهم نظرا لسكون الفجر إذا طلع على قوم يكون عند آخرين نصف الليل وعند آخرين نصف النهار وعند آخرين غروب الشمس إلى غير ذلك من الأوقات مشكل إذ لا فارق بين أوقات الصلوات ورؤية الهلال ضرورة أن ما من درجة تطلع من الفلك أو تتوسط أو تغرب إلا وفيها جميع الأوقات بحسب آفاق مختلفة وأقطار متباينة حتى إن جماعة من الفقهاء أشكلت عليهم مسألة

____________________

(2/301)

وقلت إنما يخفى لأجل الغيم لا لأجل عدمه في نفسه لكن لما رأيت حسابهم في الصحو لا يظهر معه الفجر علمت أن حسابهم يقارن عدم السبب فإن الحس كما يدل على وجود الفجر يدل أيضا على عدمه باتساق الظلمة وعدم الضياء فهذا جواب هذا السؤال لا أني سويت بين الأهلة وأوقات الصلوات فتأمل ذلك الإشكال الثاني أن المالكية جعلوا رؤية الهلال في بلد من البلاد سببا لوجوب الصوم على جميع أقطار الأرض ووافقتهم الحنابلة رحمهم الله على ذلك

وقالت الشافعية رحمهم الله لكل قوم رؤيتهم واتفق الجميع على أن لكل قوم فجرهم وزوالهم وعصرهم ومغربهم وعشاءهم فإن الفجر إذا طلع على قوم يكون عند آخرين نصف الليل وعند آخرين نصف النهار وعند آخرين غروب الشمس إلى غير ذلك من الأوقات وما من درجة تطلع من الفلك أو تتوسط أو تغرب إلا فيها جميع الأوقات بحسب آفاق مختلفة وأقطار متباينة فإذا طلعت الشمس في أقصى المشرق كان نصف الليل عند البلاد المغربية منهم أو أقل من ذلك أو أكثر على حسب البعد عن ذلك الأفق غربت الشمس في أقصى المغرب كان نصف الليل عند البلاد المشرقية أو أقل أو أكثر بحسب قرب ذلك القطر من القطر الذي غربت فيه الشمس وكذلك بقية الأوقات تختلف هذا الاختلاف

وكذلك وقع في الفتاوى الفقهية مسألة أشكلت على جماعة من الفقهاء رحمهم الله في أخوين ماتا عند الزوال أحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب أيهما يرث صاحبه فأفتى الفضلاء من الفقهاء بأن المغربي يرث المشرقي لأن زوال المشرق قبل زوال المغرب فالمشرقي مات أولا فيرثه المتأخر لبقائه بعده حيا متأخر الحياة فيرث المغربي المشرقي إذا تقرر الاتفاق على أن أوقات الصلوات تختلف باختلاف الآفاق وأن لكل قوم فجرهم وزوالهم وغير ذلك من الأوقات فيلزم ذلك في الأهلة بسبب أن البلاد المشرقية إذا كان الهلال فيها في الشعاع وبقيت الشمس تتحرك مع القمر إلى الجهة الغربية فما تصل الشمس إلى أفق المغرب إلا وقد خرج الهلال من الشعاع فيراه أهل المغرب ولا يراه أهل المشرق هذا أحد أسباب اختلاف رؤية الهلال وله أسباب أخر مذكورة في علم الهيئة لا يليق ذكرها هاهنا إنما ذكرت ما يقرب فهمه وإذا كان الهلال يختلف باختلاف الآفاق وجب أن يكون لكل قوم رؤيتهم في الأهلة كما أن لكل قوم فجرهم وغير ذلك من أوقات الصلوات وهذا حق ظاهر وصواب متعين أما وجوب الصوم على جميع الأقاليم برؤية الهلال بقطر منها فبعيد عن القواعد والأدلة لم تقتض ذلك فاعلمه

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

أخوين ماتا عند الزوال أحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب أيهما يرث صاحبه فأفتى الفضلاء منهم بناء على هذا الاختلاف بأن المغربي يرث المشرقي لأن زوال المشرق قبل زوال المغرب فالمشرقي مات أولا

____________________

(2/302)

الفرق الثالث والمائة بين قاعدة الصلوات في الدور المغصوبة تنعقد قربة بخلاف الصيام في أيام الأعياد والجمع منهي عنه أما الصلوات فمشهور المذهب ذلك وهو قول الشافعي وأبي حنيفة رضي الله عنهما وقال ابن حنبل وابن حبيب من أصحابنا رحمهما الله لا تنعقد قربة ويجب القضاء فسوى بين البابين فلا فرق على مذهبه لتسويته بين القاعدتين إنما الفرق على مذهب الجماعة وقال جماعة أحمد ومن وافقه مسبوق بالإجماع في الصحة في الصلوات في الدار المغصوبة وقد أجمع السلف رضي الله عنهم على عدم أمر الظلمة بالقضاء إذ صلوا بالدور المغصوبة

وأما الصوم أيام العيدين النحر والفطر ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم الفطر ويوم النحر ففي الجواهر لو قال أصوم هذه السنة لم يلزمه قضاء أيام العيدين والتشريق ورمضان إلا أن ينوي القضاء وروي أن ناذر ذي الحجة يقضي أيام النحر إلا أن ينوي عدم القضاء ولو نذر صوم يوم قدوم فلان فقدم في الأيام المحرم صومها فالمنصوص نفي القضاء لتعذره شرعا وناذر صوم يوم النحر أو الفطر أو الشك ملغى كنذر الصلوات في الأوقات المكروهة قاله مالك رحمه الله في المدونة وقاله الشافعي رضي الله عنه فظاهر مذهبنا ومذهب الشافعي أن الصوم لا ينعقد قربة في هذين

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

فيرثه المغربي المتأخر لبقائه بعده حيا متأخر الحياة نعم قدم هذا الإشكال في الفرق الأول موضحا ومر جوابه به بما فيه كفاية ومنقع لمن له قلب ومسمع والله أعلم

الفرق الثالث والمائة بين قاعدة الصلوات في الدور المغصوبة تنعقد قربة بخلاف الصيام في أيام الأعياد والجميع منهي عنه اعلم رحمك الله تعالى أن الشارع وضع بعض أفعال المكلف لأحكام مقصودة كالصوم للثواب والبيع للملك وقد نهى عن ذلك في مواضع ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم الفطر ويوم النحر وعن بيع درهم بدرهمين فاختلف المجتهدون في بقاء ذلك الوضع الشرعي في المواضع المنهي عنها فيكون الصوم في يوم العيد مناطا للثواب وفي ارتفاعه فيها فلا يكون الصوم في يوم العيد مناطا للثواب فحكم بالارتفاع مالك والشافعي رحمهما الله تعالى نظرا لكون النهي عن العبادة الموصوفة بكونها في الزمان أو الحالة المعينة من بين سائر الأزمنة أو الحالات يدل على اختلاف الأصل لأنه يفهم منه على قواعدهما أن يكون عدم ذلك الوصف شرطا في صحة تلك العبادة فحيث وقعت موصوفة به وقعت فاسدة لعينها أي لذاتها وماهيتها لأنها حينئذ فقد شرطها والقاعدة أن ما فقد ما يتوقف عليه ذاتيا كالركن أو عرضيا كالشرط فهو باطل وفاسد وحكم بعدم الارتفاع أبو حنيفة رحمه الله تعالى نظرا لكون النهي عن العبادة الموصوفة بذلك لا يدل على قواعده على اختلال الأصل لأنه لا يفهم منه أن يكون عدم ذلك الوصف شرطا حتى يكون النهي عنه لعينه

____________________

(2/303)

اليومين بخلاف الصلاة

والصوم والصلاة عبادتان والنهي إنما جاء من جهة الظروف التي هي الزمان في الصوم والمكان في الصلاة والحكم مختلف بين القاعدتين كما ترى والفرق أن المنهي عنه تارة يكون العبادة الموصوفة بكونها في الزمان أو المكان أو الحالة المعينة من بين سائر الأزمنة أو البقاع أو الحالات فتفسد لأن النهي يقتضي فساد المنهي عنه على قواعدنا وقواعد الشافعي رضي الله عنه وتارة يكون المنهي عنه هو الصفة العارضة للعبادة فلا تفسد العبادة لتعلق النهي حينئذ بأمر خارج عن العبادة والمباشر بالنهي في الصوم إنما هو الموصوف بكونه في يوم الفطر أو النحر كما تقدم الحديث والمباشر بالنهي في الصلاة في الدار المغصوبة إنما هو الغصب ولم يرد نهي عن الصلاة في الدار المغصوبة إنما ورد في الغصب دون الصلاة المقارنة للغصب والقضاء على الصفة لا يلزم أن يتعدى إلى الموصوف وبالعكس فيصح أن يقال شرب الخمر مفسدة ولا يصح أن يقال شارب الخمر مفسدة ويصح أن يقال شارب الخمر ساقط العدالة ولا يصح أن يقال شرب الخمر ساقط العدالة فظهر أن أحكام الصفات لا تنتقل للموصوفات وأحكام الموصوفات لا تنتقل للصفات وظهر أن النهي في الصوم عن الموصوف وفي الصلاة في الدار المغصوبة عن الصفة وأن الأحكام على إحدى الجهتين لا تنتقل للأخرى فإن قلت لو نذر الصلاة في الدار المغصوبة لم ينعقد نذره كما في صوم يوم النحر فهما سواء

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

واعلم أيضا أن الفعل الشرعي المنهي عنه إن دل دليل على أن قبحه لعينه أي لفقد ما يتوقف عليه عينه وذاته وماهيته ذاتيا كالركن أو عرضيا كالشرط فهو باطل كما في الصلاة بدون بعض الشروط أو الأركان وكما في بيع الملاقيح وهي ما في البطون من الأجنة لانعدام ركن المبيع من البيع عند الجميع وكما في صوم يوم العيد لفقد شرطه الذي هو عدم الوقوع في ذلك اليوم لما فيه من الإعراض عن ضيافة الله تعالى للناس فيه وكما في بيع الدرهم بالدرهمين لفقد شرطه الذي هو عدم الزيادة عند مالك والشافعي رحمهما الله تعالى كما علمت وحينئذ يكون النهي مستعملا في معنى النفي مجازا لأن المنهي عنه يجب أن يكون متصور الوجود بحيث لو قدم عليه لوجد حتى يكون العبد مبتلى بين أن يقدم على الفعل فيعاقب وبين أن يكف عن الفعل فيثاب بامتناعه وإن دل دليل على أن قبحه لغيره فذلك الغير إن كان مجاورا كالصلوات في الدور المغصوبة فهو صحيح مكروه فينعقد قربة على مشهور مذهب مالك وقولي الشافعي وأبي حنيفة رضي الله عنهم

وقال ابن حنبل وابن حبيب من أصحابنا رحمهما الله تعالى لا ينعقد قربة ويجب القضاء وإن كان وصفا كما في صوم يوم النحر نهي عن إيقاعه في يوم النحر للإعراض بصومه عن ضيافة الله تعالى للناس بلحوم الأضاحي التي شرعها فيه وكما في بيع الدرهم بالدرهمين لاشتماله على الزيادة فيأثم به فهو فاسد عند أبي حنيفة لا باطل لأنه لم يجعل فقد الوصف شرطا كما

____________________

(2/304)

قلت لا لأنهم قالوا إن الصلاة إذ وقعت في الدار المغصوبة تبرئ الذمة

وقالوا إذا وقع الصوم في يوم النحر ويوم الفطر لا ينعقد قربة وبراءة الذمة بالصلاة في الدار المغصوبة يقتضي أنها انعقدت قربة لأن الذمة لا تبرأ من الواجب بما ليس واجبا فضلا على أنه ليس بقربة فتكون الصلاة في الدار المغصوبة قربة واجبة من جهة أنها صلاة لا من جهة اشتمالها على الغصب فإن قلت الصوم والصلاة كلاهما قربة بالإجماع والنهي والمفسدة إنما جاء من جهة أمر خارجي وهو الزمان في الصوم والمكان في الصلاة فأنت إذن فرعت على مذهب من يرى أن النهي عن الوصف لا يتعدى إلى الأصل لزم ذلك فيما قاله أبو حنيفة رحمه الله في عقود الربا أن الوصف يبطل ويصح الأصل لسلامته عن النهي والمفسدة فيلزمك أن تلتزم مذهبه وإن فرعت على مذهب من يرى أن البابين واحد وهو مذهب أحمد فيلزمك أن تلتزم ما قاله في إبطال الصلاة في الدار المغصوبة وبالثوب المغصوب وإبطال الوضوء بالماء المغصوب ونحو ذلك من فروع الحنابلة وأنت لم تقل بهذا المذهب ولا بذاك فكان مذهبنا مشكلا فتحتاج الجواب لمالك والشافعي عن هذا الإشكال وإن تبطل الفرق الذي ذكرته بين الصلاة والصوم فإنك إن اعتبرت الأصل والوصف وفرقت بينهما كقول أبي حنيفة لزمك الصحة في الصلاة والصوم لأن النهي لأمر خارجي وهو الزمان والمكان وإن سويت كما قاله أحمد لزمك البطلان فيهما وعلى التقديرين بطل ما حاولته من الفرق

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

علمت فمن نذر عنده صوم يوم النحر بأن قال لله علي صوم يوم النحر أو نذر صوم غد فوافق يوم النحر صح نذره لأن المعصية في فعله دون نذره ويؤمر بفطره وقضائه ليتخلص عن المعصية ويفي بالنذر ولو صامه خرج عن عهدة نذره لأنه أدى الصوم كما التزمه ومن باع درهما بدرهمين فإن كان بالمجلس وجب عليه إما الفسخ أو رد الزيادة وعاد صحيحا وإن كان بعد تقرر الفساد بالقبض فلا يعود صحيحا برد الزيادة فقد اعتد بالصوم والبيع المذكورين لكونهما فاسدين باطلين إذ الباطل لا يعتد به اتفاقا وهو باطل عند مالك والشافعي لإرجاعهما ذلك إلى النهي عن الذات بأن يجعلا فقد الوصف شرطا كما علمت

قال صاحب الطريقة لأن النهي ورد عن الصوم فإرجاعه إلى غيره عدول عن الحقيقة وإن لم يدل دليل أن قبحه لعينه أو لغيره فباطل عند مالك والشافعي حتى لا يترتب عليه الأحكام لأن الأصل في النهي اقتضاء الفساد وعند أبي حنيفة يصح بأصله إذ لا قرينة على استعماله في النفي مجازا والنهي يقتضي الصحة ولا يفسد بوصفه لعدم الدليل على أن القبح لوصفه أفاده الشربيني عن التفتازاني مع توضيح وزيادة من الأصل ومحلي جمع الجوامع والعطار وبالجملة فالفرق بين القاعدتين بكون النهي عن العبادة لمجاورها لا يوجب البطلان على مشهور مالك وقولي الشافعي وأبي حنيفة رحمهما الله تعالى خلافا لابن حنبل وابن حبيب من أصحابنا والنهي عنها لعينها يوجب البطلان اتفاقا وكذا لوصفها عند مالك والشافعي رحمهما الله تعالى لرجوعه إلى النهي عن الذات

____________________

(2/305)

قلت سؤالات حسنة والجواب عنها أني ألتزم الفرق بين الأصل والوصف ولا أسوي كما قالته الحنابلة

ولا يلزمني عقود الرب بسبب أن انتقال الإملاك في المعاوضات يعتمد الرضا لقوله عليه الصلاة والسلام لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه وصاحب الدرهم أو الصاع من البر ما رضي بإخراجه من ملكه إلا مقابلا بدرهمين أو صاعين فإذا أسقطنا أحد الدرهمين أو أحد الصاعين بطل ما حصل به الرضا ونقل الملك بغير رضا لا يجوز ويلزم أيضا نقل الملك بغير عقد فإن متعلق العقد ومقتضاه إنما هو هذا المجموع إما درهم بدرهم فلم يقتضه العقد بل اقتضى عدمه فإن مفهوم قول القائل بعتك درهما بدرهمين أنه لا يبيعه درهما بدرهم وإذا لم يوجد العقد يكون نقل الملك بغير رضا ولا عقد وهو خلاف الإجماع بخلاف الصلاة موجب الأمر بجملته وجد في الصلاة في الدار المغصوبة فإن الآمر بالصلاة لم يشترط فيها عدم الغصب بل حرم الله تعالى الغصب ولم يشترط فيه عدم الصلاة وأوجب الصلاة ولم يشترط فيه عدم الغصب فقد وجد مقتضى الأمر بجملته ومقتضى النهي بجملته فوجب اعتبارهما وأن يترتب على كل واحد منهم مقتضاه كما أن الله تعالى حرم السرقة ولم يشترط فيه عدم الصلاة وأوجب الصلاة ولم يشترط فيها عدم السرقة فإذا سرق في صلاته فقد وجد موجب الأمر بجملته وموجب النهي بجملته فوجب أن يترتب على كل واحد منهما مقتضاه فتبرأ ذمته بالصلاة ونقطعه للسرقة عملا بتحقق السببين فهذا هو الفرق بين العقود ومقتضياتها وبين الأوامر وموجباتها فتأمل ذلك فهو من النظر الجميل والبحث الدقيق

وأما ما ذكرته من

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

بجعل فقد الوصف شرطا خلافا لأبي حنيفة رحمه الله تعالى فلا فرق بينهما عند أبي حنيفة وابن حنبل وابن حبيب من أصحابنا

وإنما الفرق بينهما على مشهور مالك وقول الشافعي فعندهما نذر صوم يوم النحر لا ينعقد ونذر الصلاة في الدار المغصوبة ينعقد لأنهم قالوا إن الصلاة إذا وقعت في الدار المغصوبة تبرئ الذمة وبراءة الذمة بها يقتضي أنها انعقدت قربة لأن الذمة لا تبرأ من الواجب بما ليس واجبا فضلا على أنه ليس بقربة فتكون الصلاة في الدار المغصوبة قربة واجبة من جهة أنها صلاة لا من جهة اشتمالها على الغصب وذلك لأنهما التزما الفرق بين الوصف والمجاور بأن المأمور به المنهي عنه لمجاوره يوجد بفعله موجب الأمر بجملته فإن الأمر بالصلاة لم يشترط فيها عدم الغصب بل أوجبها ولم يشترط عدمه فيها والناهي عن الغصب لم يشترط فيه عدم الصلاة بل حرمه ولم يشترط عدمها فيه فكل من الأمر والنهي وجد مقتضاه بجملته فوجب اعتبارهما وأن يترتب على كل منهما مقتضاه وأن المأمور به المنهي عنه لوصفه لا يوجد بفعله موجب الأمر بجملته لفقد شرطه الذي يتوقف عليه وهو عدم الوصف فصوم يوم العيد مأمور به ومنهي عن إيقاعه في يوم العيد فيكون عدم إيقاعه في يوم العيد شرطا فيه لا يوجد بفعله موجب الأمر إلا بتحققه والتزم التسوية بين العين والوصف كما علمت

والتزم أحمد وابن حبيب التسوية بين الوصف والمجاور وأبو حنيفة الفرق بين العين والوصف فاتضح الفرق وظهر اندفاع ما أورد عليه من أنه إن اعتبر الأصل والوصف وفرق بينهما كما قاله أبو حنيفة لزم الصحة في الصلاة والصوم لأن النهي لأمر

____________________

(2/306)

سقوط الفرق بسبب أنهما قربتان في أنفسهما والنهي إنما جاء من أمر خارجي فأقول ورود النهي عن العبادة الموصوفة يدل على أن العبادة الموصوفة عرية عن المصلحة التي في العبادة التي ليست موصوفة بتلك الصفة والأوامر تتبع المصالح فإذا ذهبت المصلحة ذهب الطلب والأمر وإذا ذهب الطلب لم يبق للصوم قربة وفي الصلاة لم ينه عنها أصلا إنما ورد النهي عن الصفة خاصة التي هي الغصب فبقيت الصلاة على حالها مشتملة على مصلحة الأمر فكان الأمر ثابت فكانت قربة فظهر بهذا التقرير أن صوم يوم النحر والفطر ليس بقربة والصلاة في الدار المغصوبة قربة وبذلك ظهر الفرق بين القاعدتين واندفعت الإشكالات كلها

الفرق الرابع والمائة بين قاعدة أن الفعل متى دار بين الوجوب والندب فعل ومتى دار بين الندب والتحريم ترك تقديما للراجح على المرجوح وبين قاعدة يوم الشك هل هو من رمضان أم لا فإنه يحرم صومه مع أنه إن كان من شعبان فهو مندوب وإن كان من رمضان فهو

هامش أنوار البروق

قال الفرق الرابع والمائة بين قاعدة أن الفعل متى دار بين الوجوب والندب فعل ومتى دار بين التحريم والندب ترك تقديما للراجح على المرجوح وبين قاعدة يوم الشك هل هو من رمضان أو لا فإنه يحرم صومه مع أنه إن كان من شعبان فهو مندوب وإن كان من رمضان فهو واجب فكان ينبغي أن يتعين صومه إلى قوله ويحتاج إلى الفروق القادحة المعتبرة في الموضعين

قلت قوله مع أنه إن كان من شعبان فهو مندوب ليس بمسلم بل هو من شعبان لا على القطع بل

هامش إدرار الشروق

خارجي وهو الزمان والمكان وإن اعتبر الأصل والوصف وسوي بينهما كما قاله أحمد لزم البطلان فيهما وعلى التقديرين يبطل الفرق المذكور فافهم والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق الرابع والمائة بين قاعدة أن الفعل متى دار بين الوجوب والندب فعل ومتى دار بين الندب والتحريم ترك تقديما للراجح على المرجوح وبين قاعدة يوم الشك هل هو من رمضان أم لا اعتبر المجتهدون كلا من قاعدة أن الفعل متى دار بين الوجوب والندب فعل وقاعدة أن الفعل متى دار بين الندب والتحريم ترك تقديما للراجح وهو درء المفاسد على المرجوح وهو تحصيل المصالح وذلك لأن التحريم يعتمد المفاسد والوجوب يعتمد المصالح وعناية صاحب الشرع والعقلاء بدرء المفاسد أشد من عنايتهم بتحصيل المصالح ولما لم يصح عند الحنابلة حديث من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم لقول ابن عابدين لا أصل لرفعه وإنما يروى موقوفا على عمار بن ياسر

وأورده البخاري معلقا

____________________

(2/307)

واجب فكان ينبغي أن يتعين صومه وبهذه القاعدة تمسك الحنابلة في صومه على وجه الاحتياط وهو ظاهر من هذه القاعدة ووافقنا الشافعي وأبو حنيفة رضي الله عنهما

وكان ابن عمر رضي الله عنهما يصومه احتياطا لهذه القاعدة ثم إنا ناقضنا قاعدتنا فقلنا من شك في الفجر لا يأكل ويصوم مع أنه شاك في طريان الصوم كما شك أول الشهر في طريان الصوم فيهما سواء فإن قلنا بالصوم في الثاني دون الأول فهو إشكال آخر ويحتاج إلى الفروق القادحة المعتبرة في الموضعين أما الأول فالجواب عنه وهو الفرق المقصود هاهنا أن صوم يوم الشك عندنا دائر بين التحريم والندب فتعين الترك إجماعا على هذا التقدير وإنما قلنا إنه دائر بين التحريم والندب لأن النية الجازمة شرط وهي هاهنا متعذرة وكل قربة بدون شرطها حرام فصوم هذا اليوم حرام فإن كان من رمضان فهو حرام لعدم شرطه وإن كان من شعبان فهو مندوب فقد تبين أنه دائر بين التحريم والندب لا بين الوجوب والندب وهذا هو الفرق

هامش أنوار البروق

على الشك وهو ممنوع الصوم للنهي عنه الوارد في الحديث وعلى هذا الإشكال في قولنا بالمنع من صومه أما على قول الحنابلة فصومه على وجه الاحتياط فجار على قاعدة الفرق المذكور وذلك والله أعلم لعدم صحة الحديث عندهم

هامش إدرار الشروق

بقوله وقال صلة عن عمار من صام إلخ تمسكوا في وجوب صوم يوم الشك احتياطا بأمرين الأول ما أخرجه الشيخان عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل هل صمت من سرر شعبان قال لا قال إذا أفطرت فصم يوما مكانه وسرر الشهر بفتح السين وكسرها آخره كذا قال أبو عبيد وجمهور أهل اللغة لاستمرار القمر فيه أي إخفائه وربما كان ليلة أو ليلتين كذا أفاده في حاشية الدرر ا ه من حاشية ابن عابدين

الأمر الثاني القاعدة الأولى لأنه إن كان من رمضان فهو واجب وإن كان من شعبان فهو مندوب ولا تشترط النية الجازمة إلا عند عدم تعذرها قال في الإقناع وشرحه كشاف القناع وإن حال دون منظره أي مطلع الهلال غيم أو قتر أو غيرهما كالدخان ليلة الثلاثين من شعبان لم يجب صومه قبل رؤية هلاله أو إكمال شعبان ثلاثين يوما نصا ولا يثبت بقية توابعه كصلاة التراويح ووجوب الإمساك على من أصبح مفطرا واختاره الشيخ وأصحابه وجمع منهم أبو الخطاب وابن عقيل وذكره في الفائق وصاحب التبصرة وصححه ابن رزين في شرحه والمذهب يجب صومه أي صوم يوم الثلاثين من شعبان إن حال دون مطلعه غيم أو قتر ونحوهما بنية رمضان حكما ظنيا بوجوبه احتياطا لا يقينا

اختاره الخرقي وأكثر شيوخ أصحابنا ونصوص أحمد عليه وهو مذهب عمر وابنه وعمرو بن العاص وأبي هريرة وأنس ومعاوية وعائشة وأسماء بنتي أبي بكر وقاله جمع من التابعين لما روى ابن عمر مرفوعا قال إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له متفق ومعنى فاقدروا له أي ضيقوا لقوله تعالى ومن قدر عليه رزقه أي ضيق وهو أن يجعل شعبان تسعا وعشرين يوما ويجوز أن يكون معناه اقدروا زمانا يطلع في مثله الهلال وهذا الزمان يصح وجوده فيه فاعلموا من طريق الحكم أنه تحت الغيم كقوله

____________________

(2/308)

ومما يدل على تحريمه ما ورد في الحديث من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم

وأما الثاني فالجواب عنه أن رمضان عبادة واحدة وإنما الأكل بالليل رخصة لقوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه والأمر ظاهر في صوم جميع الشهر فالأصل في الليل الصوم وكذلك كان في صدر الإسلام ثم رخص فيه فكان من نام لا يحل له بعد ذلك وطء امرأته حتى نزل قوله تعالى علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر فأباح الله تعالى المفطرات إلى هذه الغاية رخصة وإذا كان الأصل في الليل الصوم ثم استثني منه الليل المتيقن بقي المشكوك فيه على وفق الأصل فلذلك قلنا بوجوب صومه وشعبان الأصل فيه الفطر على عكس ليل رمضان فنفطره حتى نتيقن موجب الصوم فهو عكس ليل الصوم فظهر

هامش أنوار البروق

قال أما الأول فالجواب عنه وهو الفرق المقصود هاهنا إلى قوله فقد عصى أبا القاسم قلت ما قاله من أنه دائر بين التحريم لتعذر النية الجازمة وبين الندب ليس بمسلم من جهة أن

هامش إدرار الشروق

تعالى إلا امرأته قدرناها من الغابرين أي علمناها مع أن بعض المحققين قالوا الشهر أصله تسع وعشرون يؤيده ما رواه أحمد عن إسماعيل عن أيوب عن نافع قال كان عبد الله بن عمر إذا مضى من شعبان تسع وعشرون يوما بعث من ينظر له فإن رآه فذاك وإن لم يره ولم يحل دون منظره سحاب ولا قتر أصبح مفطرا وإن حال دون منظره سحاب أو قتر أصبح صائما ولا شك أنه راوي الخبر وأعلم بمعناه فيتعين المصير إليه كما رجع إليه في تفسير خيار المتبايعين يؤكده قول علي وأبي هريرة وعائشة لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان ولأنه يحتاط له ويجب بخبر الواحد ويجزيه صوم يوم الثلاثين حينئذ إن بان منه أي من رمضان بأن تثبت رؤيته بمكان آخر لأن صيامه وقع بنية رمضان قيل للقاضي لا يصح إلا بنية ومع الشك فيها لا يجزم بها فقال لا يمنع التردد فيها للحاجة كالأسير وصلاة من خمس وتصلى التراويح ليلتئذ احتياطا للسنة

قال أحمد القيام قبل الصيام وتثبت بقية توابعه أي الصوم من وجوب كفارة بوطء فيه ونحوه كوجوب الإمساك على من لم يبيت النية لتبعيتها للصوم ما لم يتحقق أنه من شعبان بأن لم ير مع الصحو هلال شوال بعد ثلاثين ليلة من الليلة التي غم فيها هلال رمضان فيتعين أنه لا كفارة بالوطء في ذلك اليوم ولا تثبت بقية الأحكام من حلول الآجال ووقوع المعلقات من طلاق أو عتق وغيرها كانقضاء العدة ومدة الإيلاء عملا بالأصل خولف للنص واحتياطا لعبادة عامة ا ه

ولما صح عند المالكية والأحناف والشافعية وما في الكتب الستة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه وحديث من صام يوم الشك إلخ تمسكوا بذلك في منع صومه من رمضان

قال العلامة ابن عابدين الحنفي المراد من حديث التقدم هو التقدم بصوم رمضان حتى لا يزاد على صوم رمضان كما زاد أهل الكتاب على صومهم وإنما كره تحريما لصورة النهي في حديث

____________________

(2/309)

الجواب والفرق ومن هذا المنزع إذا شك هل صلى ثلاثا أو أربعا فإنه يصليها مع أنها دائرة بين الرابعة الواجبة والخامسة المحرمة وإذا تعارض الواجب والمحرم قدم المحرم لأن التحريم يعتمد المفاسد

والوجوب يعتمد المصالح وعناية صاحب الشرع والعقلاء بدرء

هامش أنوار البروق

لقائل أن يقول ليست النية الجازمة شرطا إلا مع عدم تعذرها وما ذكره لم يأت عليه بحجة فلا يبقى إلا الحديث إن صح

قال وأما الثاني فالجواب عنه أن رمضان عبادة واحدة وإنما الأكل بالليل رخصة إلى قوله فظهر الجواب والفرق

هامش إدرار الشروق

العصيان وهو وإن روي في البخاري موقوفا على عمار بن ياسر إلا أنه في مثله كالمرفوع كما قال الزيلعي وفي الفتح وأخرجه أصحاب السنن الأربعة وغيرهم وصححه الترمذي عن صلة بن زفر قال كنا عند عمار في اليوم الذي يشك فيه فأتى بشاة مصلية فتنحى بعض القوم فقال عمار من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم قال في الفتح وكأنه فهم من الرجل المتنحي أنه قصد صومه عن رمضان ا ه

وحديث السرار محمول على صومه استحبابا لا عن رمضان لأنه معارض بحديث التقدم توفيقا بين الأدلة ما أمكن كما أوضحه في الفتح ا ه وفي المختصر وإن غيمت ولم ير فصبيحته يوم شك وصيم عادة وتطوعا وقضاء ولنذر صادف لا احتياطا قال الحطاب يعني أن يوم الشك لا يصام لأجل الاحتياط للنهي عن ذلك وهو ما صححه الترمذي من حديث عمار بن ياسر من صام إلخ ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه ولم يبين المصنف كابن الحاجب هل النهي على الكراهة أو التحريم

قال في التوضيح وظاهر الحديث التحريم وهو ظاهر ما نسبه اللخمي لمالك لأنه قال ومنعه مالك وفي المدونة ولا ينبغي صيام يوم الشك وحملها أبو الحسن على المنع وفي الجلاب يكره صوم يوم الشك

وقال ابن عطاء الله الكافة مجمعون على كراهة صومه احتياطا ا ه ونحوه في ابن فرحون وقال ابن عبد السلام الظاهر أن النهي على التحريم لقوله عصى أبا القاسم ا ه وزاد أبو الحسن عن ابن يونس من الواضحة ومن صامه حوطة ثم علم أن ذلك لا يجوز فليفطر متى ما علم ا ه

ونقله ابن عرفة عن الشيخ بلفظ آخر النهار وقال ابن ناجي في شرح الرسالة وحمل أبو إسحاق المدونة على المنع ا ه وقال الفاكهاني في الرسالة صوم يوم الشك في الحياطة من رمضان مكروه ولا يكره صومه تطوعا وقال بعده فقول المصنف ولا يصام يوم الشك يريد على الكراهة لا على التحريم ا ه ثم قال وقيل يصام احتياطا ولا أعلمه في المذهب ا ه

وخرج اللخمي وجوب صوم يوم الشك من مسألة الشاك في الفجر ومن الحائض إذا جاوزت عادتها ورد عليه ذلك ابن بشير وغيره وبحث في ذلك ابن عرفة فلينظره من أراده ثم قال الفاكهاني وإنما هذا الخلاف إذا كان الغيم أما إذا كانت السماء مصحية فهم متفقون على كراهة صومه احتياطا إذ لا وجه للاحتياط في الصحو ا ه بحذف وتصرف ما

قال ابن الشاط ما معناه فتحريم المالكية ومن وافقهم صومه جار على قاعدة أن كل يوم شك منهي عن صيامه عن رمضان نهي تحريم كما يؤخذ من الحديث ولأن الأصل بقاء الشهر فلا ينتقل عنه بالشك لما روى أبو هريرة مرفوعا صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما متفق عليه وما قيل من أنه جار على قاعدة تعارض الندب والتحريم نظرا لندبه على احتمال كونه من شعبان وتحريمه على

____________________

(2/310)

المفاسد أشد من عنايتهم بتحصيل المصالح وكذلك إذا شك في وضوئه هل هي ثانية أو ثالثة فإنه يتوضأ ثالثة مع دورانها بين الثالثة المندوبة والرابعة المحرمة وهاهنا الترك أظهر من الشك في الصلاة لأن المندوب أخفض رتبة من الواجب

والجواب عن الأول أنه موضع اتفاق فيما علمت بخلاف الوضوء لأن التحريم في الخامسة مشروط بتيقن الرابعة أو ظنها ولم يحصل ذلك فلم يحصل التحريم بل

هامش أنوار البروق

قلت ليس ما قاله من أن الأصل في الليل الصوم بصحيح وإنما كان الممنوع بالليل الأكل والوطء بعد النوم خاصة أما غير ذلك وهو ما قبل فلا ثم إن جوابه معارض للنص في قوله تعالى وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر فنص على أن الغاية تبين الفجر وما رأى المالكية ومن قال بقولهم في وجوب إمساك جزء من الليل ذهبوا إلى مخالفة الآية عملا بالاحتياط بل حملوا الآية على المراقب للفجر وهو قليل في مجرى العادة فأطلقوا القول بناء

هامش إدرار الشروق

احتمال كونه من رمضان من حيث إن كل قربة بدون شرطها حرام والنية الجازمة شرط لصومه من رمضان وهي هاهنا متعذرة فليس بشيء لأن كونه من شعبان لا على القطع لا يقتضي ندبه بل تحريمه للحديث كما علمت والنية الجازمة ليست شرطا إلا مع عدم تعذرها ا ه بزيادة

وأطلق المالكية ومن وافقهم القول بوجوب إمساك جزء من الليل وأن من شك في الفجر لا يأكل ويصوم مع أن الشك في الفجر مساو للشك في أول الشهر بوجهيه ألا ترى أن كلا منهما شك في طريان الصوم وأن الأصل كما أنه هناك بقاء الشهر فلا ينتقل عنه بالشك كذلك هو هنا بقاء الليل فلا ينتقل عنه بالشك

وأما منع الأكل والوطء في صدر الإسلام فإنما كان بعد النوم خاصة أما قبله فلا على أنه قد رخص فيه بقوله تعالى علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر فأباح الله تعالى المفطرات إلى هذه الغاية كما أباحها إلى غاية رؤية الهلال أو إكمال شعبان ثلاثين يوما حتى إن اللخمي خرج وجوب صوم يوم الشك من مسألة الشاك في الفجر ومن الحائض إذا جاوزت عادتها كما في كلام الحطاب المتقدم إلا أنهم لم يذهبوا في مسألة الشاك في الفجر إلى مخالفة الآية عملا بالاحتياط حتى يصح تخريج اللخمي مسألة وجوب صوم يوم الشك منها بل إنما ذهبوا إلى حمل الآية على المراقب للفجر وهو قليل في مجرى العادة فبنوا قولهم بوجوب الصوم بجزء من الليل على الشاك في الفجر بناء على الغالب وهو عدم المراقبة كما قاله ابن الشاط ثم إن المالكية وإن قالوا في مسألة ما إذا شك هل صلى ثلاثا أو أربعا أنه يصليها مع أنها دائرة بين الرابعة الواجبة والخامسة المحرمة

والمحرم يقدم على الواجب عند تعارضهما كما يقدم على المندوب عند تعارضهما لاتحاد علة تقديمه على كل منهما ضرورة أن اعتماد المصالح مشترك بين المندوب والواجب نعم الترك للمندوب أظهر لكونه أخفض رتبة من الواجب وقالوا في مسألة ما إذا شك في وضوئه هل هي ثانية أو ثالثة أنه يتوضأ ثالثة مع دورانها بين الثالثة المندوبة والرابعة المحرمة إلا أنهم إنما قالوا بذلك في المسألتين لأن التحريم في الخامسة مشروط في الصلاة بتيقن الرابعة أو ظنها ولم يحصل ذلك فلم يحصل التحريم بل استصحب الوجوب من الدليل الدال على وجوب الأربع وهو الإجماع والنصوص والتحريم في الرابعة مشروط في الوضوء

____________________

(2/311)

استصحب الوجوب من الدليل الدال على وجوب الأربع وهو الإجماع والنصوص

وأما التحريم في الوضوء في الرابعة فمشروط أيضا بتيقن الثالثة أو ظنها ولم يحصل فاستصحب الندب الناشئ عن الدليل الدال على الثلاث وهو فعله صلى الله عليه وسلم وقوله في ذلك فهذه قواعد في العبادات ينبغي الإحاطة بها لئلا تضطرب القواعد وتظلم على طالب العلم

الفرق الخامس والمائة بين قاعدة صوم رمضان وست من شوال وبين قاعدة صومه وصوم خمس أو سبع من شوال اعلم أنه قد ورد في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من صام رمضان

هامش أنوار البروق

على الغالب وهو عدم المراقبة والله أعلم

وما قاله في الجواب عن السؤال بعد هذا صحيح والله أعلم قال الفرق الخامس والمائة بين قاعدة صوم رمضان وست من شوال وبين قاعدة صومه وصوم خمس أو سبع من شوال

قلت جميع ما قاله فيه صحيح إلا ما قاله في جواب السؤال الثاني من أن تخصيص شوال رفق بالمكلف وسد للذريعة فإن ذلك ليس بالقوي وإلا ما قاله في تأويل ذكر ستة أيام من أنه لكون الستة عددا تاما فإن ذلك ليس بالقوي أيضا والله أعلم وما قاله في الفرقين بعد هذا صحيح

هامش إدرار الشروق

أيضا بتيقن الثالثة أو ظنها ولم يحصل فاستصحب الندب الناشئ عن الدليل الدال على الثلاث وهو فعله صلى الله عليه وسلم وقوله في ذلك فلم يكن في قولهم بذلك فيهما مخالفة لقاعدة تعارض الوجوب أو الندب مع التحريم فافهم

فهذه قواعد في العبادات ينبغي الإحاطة بها لئلا تضطرب القواعد وتظلم على طالب العلم

والله سبحانه وتعالى أعلم

قال الفرق الخامس والمائة بين قاعدة صوم رمضان وست من شوال وبين قاعدة صومه وصوم خمس أو سبع من شوال

قلت جميع ما قاله فيه صحيح إلا ما قاله في جواب السؤال الثاني من أن تخصيص شوال رفق بالمكلف وسد للذريعة فإن ذلك ليس بالقوي وإلا ما قاله في تأويل ذكر ستة أيام من أنه لكون الستة عددا تاما فإن ذلك ليس بالقوي أيضا والله أعلم وما قاله في الفرقين بعد هذا صحيح

الفرق الخامس والمائة بين قاعدة صوم رمضان وست من شوال وبين قاعدة صومه وصوم خمس أو سبع من شوال وذلك أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح من صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر هو أن من صام من هذه الأمة رمضان وستة أيام من شوال يشبه من صام سنة من غير هذه الأمة خمسة أسداسها فرض وسدسها نفل لقوله تعالى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها فإن معناه أن من جاء من هذه الأمة بحسنة فله عشر أمثال المثوبة التي كانت تحصل لمن كان قبلها من الأمم فإن تضعيف الحسنات إلى عشرة من خصائص هذه الأمة وحينئذ فيصير صائم رمضان منهم كصائم عشرة أشهر من غيرهم وصائم ستة بعده منهم كصائم شهرين من غيرهم فيكون صائم المجموع منهم كصائم سنة من غيرهم سدسها فقط نفل وباقي أسداسها فرض فإذا تكرر ذلك من صائمه منهم كان كصائم جميع العمر من غيرهم خمسة أسداسه فرض وسدسه نفل فالمراد بالدهر عمره فبإتباع رمضان بستة

____________________

(2/312)

وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر فورد في هذا الحديث مباحث للفضلاء وإشكالات للنبهاء وقواعد فقهية ومعان شريفة عربية

الأول لم قال صلى الله عليه وسلم بست ولم يقل بستة والأصل في الصوم إنما هو الأيام دون الليالي واليوم مذكر والعرب إذا عدت المذكر أنثت عدده فكان اللازم في هذا اللفظ أن يكون مؤنثا لأنه عدد مذكر كما قال الله تعالى سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما أنث مع المذكر وذكر مع المؤنث

الثاني لم قال من شوال وهل لشوال مزية على غيره من الشهور أم لا

الثالث لم قال بست وهل للست مزية على الخمس أو السبع أم لا

الرابع قوله صلى الله عليه وسلم فكأنما صام الدهر شبه صوم شهر وستة أيام بصوم الدهر مع أن القاعدة العربية أن التشبيه يعتمد المساواة أو للتقريب وأين شهر وستة أيام من صوم الدهر بل أين هو من صوم سنة فإنه لم يصل إلى السدس ونحن نعلم بالضرورة من الشريعة أن من عمل عملا صالحا وعمل الآخر قدره مرتين لا يحسن التشبيه بينهما فضلا عن أن يعمل مثله ست مرات ولا يقال إن من صام يوما يشبه من صام يومين في الأجر ولا من تصدق بدرهم يشبه من تصدق بدرهمين في الأجر فضلا عمن تصدق بستة دراهم فإن ذلك يوهم التسوية بين ستة دراهم ودرهم ولا مساواة بينهما فيبعد التشبيه

الخامس هل لنا فرق بين قوله صلى الله عليه وسلم فكأنما صام الدهر وبين قوله فكأنه صام الدهر فإن ما هنا كافة لكأن عن العمل فدخلت لذلك على الفعل ولو لم تدخل ما لدخل كأن على الاسم فهل بين ذلك فرق أم لا

السادس أن التشبيه بين هذا الصوم وصوم الدهر كيف كان صوم الدهر أو على

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

أيام من شوال مع التضعيف في هذه الملة حسن التشبيه بصيام الدهر من غيرها لكن بنسبة أن خمسة أسداسه فرض وسدسه نفل فلا يحصل التشبيه الحقيقي بالمساواة بين الطرفين إلا بأحد أمرين الأول بالست لا بالسبع لأن السبع بالتضعيف سبعون يوما وهي زائدة عن الشهرين وتشبيه الأعلى بالأدنى باطل ولو زاد على السبع لكان أولى بالبطلان ولا بالخمس لأن الخمس بالتضعيف خمسون وهي ناقصة عن الشهرين وكذلك ما دون الخمس وتشبيه الأدنى بالأعلى وإن كان جائزا إجماعا إلا أنه مع المساواة أحسن منه مع عدمها فقاعدة الست مباينة لقاعدة السبع فما فوقها والخمس فما دونها

الأمر الثاني أن يكون صوم الدهر على حال مخصوصة بأن يكون نسبة الستة المقدرة في غير هذه الملة خمسة أسداسها فرض وسدسها وهو الشهران الناشئان عن الستة أيام نفل ومن التشبيه مع المساواة قوله صلى الله عليه وسلم لما آلمته رجله فمدها بين أصحابه فقال أي شيء تشبه هذه فأشكل ذلك على الصحابة رضوان الله عليهم أي شيء يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم فمد رجله الأخرى وقال هذه فكان ذلك من بسطه صلى الله عليه وسلم وتأنيسه مع أصحابه وكراهة أن يمد رجله بينهم إلا لعذر فأظهر هذا السؤال عذرا وذلك لأن التفاوت بين الرجلين بعيد جدا فظهر الفرق بين

____________________

(2/313)

حالة مخصوصة ووضع مخصوص

السابع هل بين هذه الستة الأيام الواقعة في الحديث وبين الستة الأيام الواقعة في الآية في قوله تعالى خلق السموات والأرض في ستة أيام فرق أم لا فرق والحكمة في ذلك واحدة

والجواب عن الأول أنه صلى الله عليه وسلم إنما قال بست ولم يقل بستة لأن عادة العرب تغليب الليالي على الأيام فمتى أرادوا عد الأيام عدوا الليالي وتكون الأيام هي المرادة ولذلك قال تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ولم يقل وعشرة مع أنها عشرة أيام فذكرها بغير هاء التأنيث قال الزمخشري ولو قيل عشرة لكان لحنا ومنه قوله تعالى إن لبثتم إلا عشرا نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما قال العلماء يدل الكلام الأخير وهو قوله تعالى إلا يوما على أن المعدود الأول أيام فكذلك ههنا أتت العبارة بصيغة التذكير الذي هو شأن الليالي والمراد الأيام مثل هذه الآيات

وعن الثاني أنه صلى الله عليه وسلم إنما قال من شوال عند المالكية رفقا بالمكلف لأنه حديث عهد بالصوم فيكون عليه أسهل وتأخيرها عن رمضان أفضل عندهم لئلا يتطاول الزمان فيلحق برمضان عند الجهال قال لي الشيخ زكي الدين عبد العظيم المحدث رحمه الله تعالى إن الذي خشي منه مالك رحمه الله تعالى قد وقع بالعجم فصاروا يتركون المسحرين على عادتهم والقوانين وشعائر رمضان إلى آخر الستة الأيام فحينئذ يظهرون شعائر العيد ويؤيد سد هذه الذريعة ما رواه أبو داود أن رجلا دخل إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الفرض وقام ليتنفل عقب فرضه وهنالك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر بن الخطاب رضي الله عنه فقام إليه عمر بن الخطاب

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

القاعدتين وبانت مزية الست على الخمس أو السبع وأن التشبيه في الحديث جار على قاعدة العرب في كون التشبيه يعتمد المساواة أو التقريب وقال صلى الله عليه وسلم بست ولم يقل بستة مع أن الأصل في الصوم إنما هو الأيام دون الليالي واليوم مذكر وقاعدة العرب ما في قوله في الخلاصة ثلاثة بالتاء قل للعشره في عد ما آحاده مذكره لأن عادة العرب تغليب الليالي على الأيام فمتى أرادوا عد الأيام عدوا الليالي ومرادهم الأيام ولذلك قال تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ولم يقل وعشرة مع أنها عشرة أيام قال الزمخشري ولو قيل عشرة لكان لحنا ومنه قوله تعالى إن لبثتم إلا عشرا نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما قال العلماء يدل الكلام الأخير وهو قوله تعالى إلا يوما على أن المعدود الأول أيام وللمالكية وغيرهم في قوله صلى الله عليه وسلم من شوال أقوال الأول لابن العربي في الأحكام أنه على جهة التمثيل والمراد أن صيام رمضان بعشرة أشهر وصيام ستة أيام بشهرين وذلك المذهب فلو كانت من غير شوال لكان الحكم فيها كذلك

____________________

(2/314)

رضي الله عنه فقال له اجلس حتى تفصل بين فرضك ونفلك فبهذا هلك من كان قبلنا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أصاب الله بك يا ابن الخطاب ومقصود عمر رضي الله عنه أن اتصال النفل بالفرض إذا حصل معه التمادي اعتقد الجهال أن ذلك النفل من ذلك الفرض ولذلك شاع عند عوام مصر أن الصبح ركعتان إلا في يوم الجمعة فإنه ثلاث ركعات لأنهم يرون الإمام يواظب على قراءة السجدة يوم الجمعة ويسجد فيعتقدون أن تلك ركعة أخرى واجبة وسد هذه الذرائع متعين في الدين وكان مالك رحمه الله شديد المبالغة فيها

وقال الشافعية رحمهم الله خصوص شوال مراد لما فيه من المبادرة للعبادة والاستباق إليها لقوله عز وجل فاستبقوا الخيرات و وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ولظاهر لفظ الحديث ومن ساعده الظاهر فهو أولى وجوابهم ما تقدم من سد الذريعة وعن الثالث أن مزية الست على السبع أو الخمس تظهر بتقرير معنى الستة وذلك أن شهرا بعشرة أشهر وستة أيام بستين يوما لأن الحسنة بعشرة والستون يوما بشهرين وشهران مع عشرة أشهر سنة كاملة فمن فعل ذلك في سنة هو بمنزلة من صام تلك السنة لتحصيله اثني عشر شهرا فإذا تكرر ذلك منه في جميع عمره كان كمن صام الدهر والمراد بالدهر عمره إلى آخره فلو قال سبعا لكان ذلك سبعين يوما وكان أزيد من شهرين فيكون أكثر من صيام الدهر وأعلى والأعلى لا يشبه بالأدنى فكان يبطل التشبيه ولو زاد على السبع لكان أولى بالبطلان ولو قال خمسا لكانت بخمسين يوما فينقص عن الشهرين فلا يحصل التشبيه الحقيقي وكذلك لو نقص أكثر من الخمس فظهر أن قاعدة الست مباينة للسبع فما فوقها وقاعدة الخمس فما دونها وهو كان المقصود بهذا الفرق وبقية الأسئلة تبع وزيادة في الفائدة والمنافاة في السبع فما فوقها أشد من المنافاة في الخمس فما دونها

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

قال وهذا من بديع النظر فاعلموه ا ه القول الثاني لابن المبارك واللخمي والشافعي أنه على جهة التعيين من أوله وأن خصوص شوال مراد لما فيه من المبادرة للعبادة والاستباق إليها لقوله عز وجل فاستبقوا الخيرات وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ولظاهر لفظ الحديث ومن ساعده الظاهر فهو أولى قال في العارضة ولست أراه لما سيأتي من سد الذريعة ولو علمت من يصومها أول الشهر وملكت الأمر آذيته وشددت عليه لأن أهل الكتاب غيروا دينهم ا ه القول الثالث لجمهور أصحابنا أنه على جهة التعيين أيضا إلا أن صومها بأول شوال متصلة متتابعة مكروه جدا لأن الناس صاروا يقولون تشييع رمضان وكما لا يتقدم لا يشيع فصومها من غيره أفضل من أوسطه ومن أوسطه أفضل من أوله وهذا بين وهو أحوط للشريعة وأذهب للبدعة كما في العارضة وفي الذخيرة استحب مالك صيام الست في غير شوال خوفا من إلحاقها برمضان عند الجهال وإنما عينه الشرع من شوال للتخفيف على المكلف لقربه من الصوم وإلا فالمقصود حاصل في غيره فيشرع للتأخير

____________________

(2/315)

لأن تشبيه الأعلى بالأدنى منكر مطلقا وأما الأدنى بالأعلى فجائز إجماعا

غير أنه مع المساواة أحسن كما قال صلى الله عليه وسلم لما آلمته رجله فمدها بين أصحابه فقال أي شيء تشبه هذه فأشكل ذلك على الصحابة رضوان الله عليهم أي شيء يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم فمد رجله الأخرى وقال هذه فكان ذلك من بسطه صلى الله عليه وسلم وتأنيسه مع أصحابه وكراهة أن يمد رجله بينهم إلا لعذر فأظهر هذا السؤال عذرا وذكر التشبيه مع المساواة فإن التفاوت بين الرجلين بعيد جدا

وعن الرابع أن صائم سنة لا يشبه عند الله تعالى من صام شهرا وستة أيام وإنما معنى هذا الحديث أن من صام رمضان من هذه الأمة وستة أيام من شوال يشبه من صام سنة من غير هذه الملة لأن معنى قوله تعالى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها أي له عشر مثوبات أمثال المثوبة التي كانت تحصل لعامل من غير هذه الأمة فإن تضعيف الحسنات إلى عشر من خصائص هذه الأمة وإذا كان معنى قوله عشر أمثالها أمثال المثوبة التي كانت تحصل لمن كان قبلنا فيصير صائم رمضان كصائم عشرة أشهر من غير هذه الملة وصائم ستة بعده كصائم شهرين من غير هذه الملة فصائم المجموع كصائم سنة من غير هذه الملة فإذا تكرر ذلك منه كان كصائم جميع العمر من غير هذه الملة فهذا تشبيه حسن وما شبه إلا المثل بالمثل لا المخالف بالمخالف بل المثل المحقق من غير زيادة ولا نقصان فاندفع الإشكال

وعن الخامس أنه لو قال صلى الله عليه وسلم فكأنه صام الدهر لكان بعيدا عن المقصود فإن المقصود تشبيه الصيام في هذه الملة إذا وقع على الوضع المخصوص بالصيام في غير هذه الملة لا تشبيه الصائم بغيره فلو قال فكأنه لكانت أداة التشبيه داخلة على الصائم وكان يلزم أن يكون هو محل التشبيه لا الصوم

والمقصود تشبيه الفعل بالفعل لا الفاعل بالفاعل وإذا قال فكأنما وكفت ما دخلت أداة التشبيه على الفعل نفسه ووقع التشبيه بين الفعل والفعل باعتبار الملتين وهو المقصود بالتشبيه لتنبيه السامع

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

جمعا بين المصلحتين ا ه

وفي التوضيح عن الجواهر لو صامها في عشر ذي الحجة لكان أحسن لحصول المقصود مع حيازة فضل الأيام المذكورة والسلامة مما اتقاه مالك ا ه ومثله للشبيني ويوضحه قول الأصل إنما قال من شوال عند المالكية رفقا بالمكلف لأنه حديث عهد بالصوم فيكون عليه أسهل وتأخيرها عن رمضان أفضل عندهم لئلا يتطاول الزمان فيلحق برمضان عند الجهال قال لي الشيخ زكي الدين عبد العظيم المحدث رحمه الله تعالى إن الذي خشي منه مالك رحمه الله تعالى قد وقع بالعجم فصاروا يتركون المسحرين على عادتهم والقوانين وشعائر رمضان إلى آخر الستة أيام فحينئذ يظهرون شعائر العيد ويؤيد سد هذه الذريعة ما رواه أبو داود أن رجلا دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الفرض وقام ليتنفل عقب فرضه وهناك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر بن الخطاب رضي الله عنه فقام إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال له اجلس حتى تفصل بين فرضك ونفلك فبهذا هلك من كان قبلنا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أصاب الله بك يا ابن الخطاب ومقصود عمر رضي الله عنه أن اتصال التنفل بالفرض إذا حصل معه التمادي اعتقد الجهال أن ذلك النفل من ذلك الفرض ولذلك شاع عند عوام مصر أن الصبح ركعتان

____________________

(2/316)

لقدر الفعل وعظمته فتتوفر رغبته فيه فهذا هو المرجح لقوله فكأنما على فكأنه

وعن السادس أن المراد صوم الدهر على حالة مخصوصة لا الدهر كيف كان وذلك أن صوم رمضان واجب وصوم الست مندوب فيكون نسبة الستة المقدرة في غير هذه الملة خمسة أسداسها فرض وسدسها وهو الشهران الناشئان عن الستة الأيام مندوبة ويكون معنى الكلام فكأنما صام الدهر خمسة أسداسه فرض وسدسه نفل وليس المراد صوم الدهر كله فرض ولا كله نفل ولا البعض فرض والبعض نفل على غير النسبة التي ذكرتها بل يتعين ما ذكرته تحقيقا للتشبيه ولما دل عليه الدليل من فرضية رمضان وندبية الست فلو كان الجميع مندوبا لقلنا المراد بالدهر صومه مندوبا ولو كان الجميع فرضا لقلنا المراد بالدهر جميعه فرضا ولو قال صلى الله عليه وسلم من صام ستة أيام بعد رمضان فكأنما صام شهرين لقلنا هما شهران مندوبان وكذلك نقول في قوله تعالى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها أي من جاء بالمندوبات فله عشر أمثال هذا المندوب أن لو فعله أحد من غير هذه الملة ومن جاء بالفرض من هذه الملة فله مثوبات عشر كل واحدة منها مثوبة هذا الفرض أن لو فعله أحد من غير هذه الملة وكذلك نقول في جميع رتب الواجبات والمندوبات وإن علت فظهر أن التشبيه إنما وقع على وجه خاص

وعن السابع أن الست في هذا الحديث قد تقدمت حكمتها وهي كونها شهرين فتكمل السنة بها من غير زيادة ولا نقصان وأن هذا الحكم لا يحصل بما فوقها من العدد ولا بما دونها من العدد

وأما الستة في الآية فقال بعض الفضلاء الأعداد ثلاثة أقسام عدد تام وعدد زائد وعدد ناقص فالعدد التام هو الذي إذا جمعت أجزاؤه انقام منها ذلك العدد كالستة فإن أجزاءها النصف وهو ثلاثة والثلث اثنان والسدس واحد فلا جزء لها غير هذه ومجموعها ست وهو أصل العدد من غير زيادة ولا

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

إلا في يوم الجمعة فإنه ثلاث ركعات لأنهم يرون الإمام يواظب على قراءة السجدة يوم الجمعة ويسجد فيعتقدون أن تلك ركعة أخرى واجبة وسد هذه الذرائع متعين في الدين وكان مالك رحمه الله شديد المبالغة فيها ا ه وخلاصة هذا القول أن تخصيص شوال رفق بالمكلف فيشرع التأخير لسد الذريعة جمعا بين المصلحتين قال ابن الشاط وهذا ليس بالقوي ا ه

القول الرابع للمازري عن بعض الشيوخ أن خصوص شوال وإن كان مرادا للمبادرة للعبادة كما هو ظاهر الحديث إلا أن الحديث لعله لم يبلغ مالكا رحمه الله تعالى فكره صيامها من شوال ولما كان مقصوده صلى الله عليه وسلم تشبيه الصيام في هذه الملة إذا وقع على الوضع المخصوص بالصيام في غير هذه الملة لا تشبيه الصائم بغيره قال فكأنما ولم يقل فكأنه فأدخل كأن الدالة على التشبيه مكفوفة بما على الفعل نفسه وأوقع التشبيه بين الفعل والفعل باعتبار الملتين لتنبيه السامع لقدر الفعل وعظمته فتتوفر رغبته فيه قيل والفرق بين الستة أيام الواقعة في الحديث والستة أيام الواقعة في قوله تعالى خلق السموات والأرض في ستة أيام هي كون الحكمة فيها في الحديث أمرين أحدهما كونها شهرين فتكمل الستة

____________________

(2/317)

نقصان والأربعة لها نصف وربع خاصة ومجموعها ثلاثة فلم يحصل ذلك العدد فالأربعة عدد ناقص والعشرة لها نصف وهو خمسة وخمس وهو اثنان وعشر وهو واحد ومجموعها ثمانية فهو عدد ناقص والاثنا عشر لها نصف وهو ستة وثلث وهو أربعة وسدس وهو اثنان ونصف سدس وهو واحد ومجموعها ثلاثة عشر فهو عدد زائد والمقصود من الأجزاء أن تكون بغير كسر في هذه الطريقة فالعدد الناقص عندهم كآدمي خلق بغير يد أو عضو من أعضائه فهو معيب والعدد الزائد أيضا معيب لأنه كإنسان خلق بإصبع زائدة والعدد التام كإنسان خلق خلقا سويا من غير زيادة ولا نقص وهو عندهم أفضل الأعداد كما أن الإنسان السوي أفضل الآدميين خلقا وإذا تقرر أن الستة عدد تام محمود فهو أول الأعداد التامة فلذلك ذكر لتمامه ولأنه أولها وذكره الله تعالى في قوله خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان المقصود تنبيه العباد على أن الإنسان مع القدرة على التعجيل ينبغي أن يكون فيه أناة فما دخل الرفق في شيء إلا زانه ولا فقد من شيء إلا شانه قال عليه الصلاة والسلام لأشج عبد القيس إن فيك لخصلتين يحبهما الله الحلم والأناة وهذا المعنى يحصل بذكر العدد كيف كان لكن يرجح هذا بأنه أول عدد يكون تاما ووقع في الحديث لغير هذا الغرض كما تقدم فالبابان مختلفان

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

بها من غير زيادة ولا نقصان بخلاف ما فوقها وما تحتها وثانيهما كونها أول الأعداد التامة فهو لتمامه ولأنه أولها عندهم أفضل الأعداد كما أن الإنسان السوي الذي لا زيادة في أعضائه ولا نقص أفضل الآدميين خلقا وذلك أن بعض الفضلاء قال الأعداد ثلاثة أقسام عدد تام وهو الذي إذا جمعت أجزاؤه المنطقة انقام منها ذلك العدد من غير زيادة ولا نقصان كالستة أجزاؤها النصف ثلاثة والثلث اثنان والسدس واحد ولا جزء لها غير هذه ومجموعها ست

وعدد ناقص وهو الذي إذا جمعت أجزاؤه المنطقة لم يحصل منها ذلك العدد بل أنقص منه كالأربعة أجزاؤها النصف اثنان والربع واحد ولا جزء لها غيرهما ومجموعهما ثلاثة أقل من الأربعة

وعدد زائد وهو الذي إذا جمعت أجزاؤه المنطقة حصل عدد زائد عنه كالاثني عشر أجزاؤها النصف ستة والثلث أربعة والسدس اثنان ونصف السدس واحد ومجموعها ثلاثة عشر وهو زائد على الاثني عشر بواحد والتام عندهم أفضل الأعداد كما أن الإنسان السوي أفضل الآدميين خلقا والناقص معيب لأنه كآدمي خلق بغير يد أو عضو من أعضائه والزائد معيب لأنه كآدمي خلق بأصبع زائدة وليس للستة في الآية إلا الأمر الثاني وهو أنها أول الأعداد التامة

وأما كون المقصود بذكرها التنبيه للعباد على أن الإنسان مع القدرة على التعجيل ينبغي أن يكون فيه أناة فما دخل الرفق في شيء إلا زانه ولا فقد من شيء إلا شانه قال عليه الصلاة والسلام لأشج عبد القيس إن فيك لخصلتين يحبهما الله الحلم والأناة فهذا المعنى يحصل بذكر العدد كيف كان ا ه قال ابن الشاط وهو ليس بالقوي ا ه والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(2/318)

الفرق السادس والمائة بين قاعدة العروض تحمل على القنية حتى ينوي التجارة وقاعدة ما كان أصله منها للتجارة هاتان قاعدتان في المذهب مختلفتان ينبغي بيان الفرق بينهما والسر فيهما فوقع لمالك في المدونة إذا ابتاع عبدا للتجارة فكاتبه فعجز أو ارتجع من مفلس سلعة أو أخذ من غريمه عبدا في دينه أو دارا فأجرها سنين رجع جميع ذلك لحكم أصله من التجارة فإن كان للتجارة لا يبطل إلا بنية القنية والعبد المأخوذ ينزل منزلة أصله قال سند في شرح المدونة فلو ابتاع الدار بقصد الغلة ففي استئناف الحول بعد البيع لمالك روايتان ولو ابتاعها للتجارة والسكنى فلمالك أيضا قولان مراعاة لقصد التنمية بالغلة والتجارة أو التغليب للنية في القنية على نية التنمية لأنه الأصل في العروض فإن اشترى ولا نية له فهي للقنية لأنه الأصل فيها والفرق بين هاتين القاعدتين يقع ببيان قاعدة ثالثة شرعية عامة في هذا الموطن وغيره وهي أن كل ما له ظاهر فهو ينصرف إلى ظاهره إلا عند قيام المعارض أو الراجح لذلك الظاهر وكل ما ليس له ظاهر لا يترجح أحد محتملاته إلا بمرجح شرعي ولذلك انصرفت العقود المطلقة إلى النقود الغالبة في زمان ذلك العقد لأنها ظاهرة فيها وإذا وكل إنسان إنسانا فتصرف الوكيل بغير نية في تخصيص ذلك التصرف بالموكل فإن ذلك التصرف من بيع وغيره ينصرف للمتصرف الوكيل دون موكله لأن الغالب على تصرفاته أنها لنفسه وكذلك تصرفات المسلمين إذا أطلقت ولم تقيد بما يقتضي حلها ولا تحريمها فإنها تنصرف للتصرفات المباحة دون المحرمة لأنه ظاهر حال المسلمين ولذلك تنصرف العقود والأعواض إلى المنفعة المقصودة من العين عرفا لأنه ظاهرها ولا يحتاج إلى التصريح بها كمن استأجر قدوما فإنه

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

الفرق السادس والمائة بين قاعدة العروض تحمل على القنية حتى ينوي التجارة وقاعدة ما كان أصله منها للتجارة يتخرج الفرق بين قاعدتي عروض القنية وعروض التجارة على القاعدة الشرعية العامة في هذا الموطن وغيره وهي أن كل ما له ظاهر فهو ينصرف إلى ظاهره إلا عند قيام المعارض الراجح لذلك الظاهر وكل ما ليس له ظاهر لا يترجح أحد محتملاته إلا بمرجح شرعي وذلك أن العروض لما كان الأصل فيها والغالب أن تكون للقنية كانت ظاهرة في القنية فتصرف إليه إذا لم يقم معارض راجح لذلك الظاهر كما إذا اشترى عروضا كعبد أو دار ولا نية له فهي للقنية إذ لا معارض وتصرف إلى معارضه الراجح عند قيامه ففي المدونة إذا ابتاع عبدا للتجارة فكاتبه فعجز أو ارتجع من مفلس سلعة أو أخذ من غريمه عبدا في دينه أو دارا فأجرها سنين رجع جميع ذلك لحكم أصله من التجارة فإن ما كان للتجارة لا يبطل إلا بنية القنية فالعبد المأخوذ ونحوه ينزل منزلة أصله قال سند في شرح المدونة فلو ابتاع الدار

____________________

(2/319)

ينصرف إلى النجر لأنه ظاهر حاله دون العزاق وعجن الطين ومن استأجر عمامة فإنه ينصرف إلى الاستعمال في الرءوس دون الأوساط لأنه ظاهر حالها وكذلك القميص ينصرف إلى اللبس وكل آلة تنصرف إلى ظاهر حالها عند الإطلاق ولا يحتاج المتعاقدان

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

بقصد الغلة ففي استئناف الحول بعد البيع روايتان لمالك ولو ابتاعها للتجارة والسكنى فلمالك أيضا قولان أي بالاستئناف للحول بعد البيع مراعاة لقصد التنمية بالغلة والتجارة وعدم الاستئناف له بعده تغليبا للنية في القنية على نية التنمية لأنه الأصل في العروض وفي شرح المنتقى للباجي على الموطإ والأموال على ضربين أحدهما مال أصله التجارة كالذهب والفضة فهذا على حكم التجارة حتى ينتقل عنه إلى القنية ولا ينتقل عنه إليها إلا بالنية والعمل والعمل المؤثر في ذلك الصياغة

وثانيهما مال أصله القنية كالعروض والثياب وسائر الحيوان والأطعمة فهذا على حكم القنية حتى ينتقل عنه إلى التجارة ولا ينتقل عنه إليها إلا بالنية والعمل والعمل المؤثر في ذلك الابتياع ا ه بتصرف ثم قال ما معناه والابتياع نوعان أحدهما التقليب على وجه الادخار وانتظار الأسواق فهذا لا زكاة على رب المال فيه وإن أقام أعواما حتى يبيع فيزكي لعام واحد

الثاني التقليب في كل وقت من غير انتظار سوق كفعل أرباب الحوانيت المديرين فهذا فيه الزكاة على رب المال في كل عام على شروط أحدها أن يقوم العرض في رأس الحول من يوم كان زكى المال قبل أن يديره أو من يوم أفاده

والثاني أن يكون التقويم قيمة عدل بما تساوي العرض حين تقويمها

والثالث أن يكون على البيع المعروف دون بيع الضرورة

والرابع أن تبلغ قيمته مع ما يحسبه من عينه ونقده حيث كان بيعه في أكثر من عامه بالعين مما تجب فيه الزكاة فيزكيه بأن يخرج في العشرين دينارا نصف دينار وما زاد فبحسابه وإن لم يبلغ الجميع عشرين دينارا بأن نقص ولو قل من ثلث دينار فلا زكاة ا ه

وفي عبق مع المتن ما خلاصته وإنما يزكي عوض عرض أي قيمته في المدير حيث قوم وثمنه حيث باع كالمحتكر بستة شروط أشار

لأولها بقوله لا زكاة في عينه فخرج ما في عينه زكاة كماشية وحرث وحلي

ولثانيها بقوله ملك بمعاوضة عليه مالية فخرج نحو الموهوب ونحو المملوك بخلع

ولثالثها بقوله وكان مصحوبا بنية تجر منفردة أو مع نية غلة كنية كرائه عند شرائه وإن وجد ربحا باع أو مع نية قنية كنية انتفاع بوطء أو خدمة عند نية بيعه إن وجد ربحا وأو لمنع الخلو لأن انضمامهما لنية التجر كانضمام أحدهما له على المختار والمرجح بلا نية فلا زكاة لأن الأصل في العرض القنية أو مع نية قنية فقط فلا زكاة اتفاقا أو نية غلة فقط كشرائه بنية كرائه فلا زكاة كما رجع إليه مالك خلافا لاختيار اللخمي الزكاة فيه قائلا لا فرق بين التماس الربح من رقاب أو منافع أو نيتهما أي القنية والغلة فلا زكاة على مذهب من أسقط الزكاة من المغتل أما عند من يوجبها في المغتل فيجتمع ههنا موجب ومسقط فقد يختلف قوله إلا أن يراعى الخلاف

____________________

(2/320)

إلى التصريح بذلك بل يكفي ظاهر الحال وكذلك استئجار دواب الحمل ينصرف عقد الإجارة فيها للحمل دون الركوب وعكسه دواب الركوب ويكتفى في جميع ذلك بظاهر حال المعقود عليه واحتاجت العبادات للنيات لترددها بين العبادات والعادات وترددها أيضا بين رتبها الخاصة بها كالفريضة والتطوع والنذور والكفارات والقضاء والأداء وغير ذلك كما احتاجت الكنايات في باب الطلاق والعتاق والظهار وغير ذلك إلى النيات لترددها بين تلك المقاصد وغيرها بخلاف صريح كل باب فإنه ينصرف لذلك الباب بظاهره واستغني عن النية بظاهره فخرجت قاعدة عروض القنية وقاعدة عروض التجارة على هذه القاعدة وهي قاعدة حسنة يتخرج عليها كثير من فروع الشريعة

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

ولرابعها بقوله وكان أصله عينا وإن قل أو كهو أي كأصله عرضا ملك بمعاوضة سواء كان عرض تجارة أو قنية فإذا كان عنده عرض تجر فباعه بعرض نوى به التجارة ثم باعه فإنه يزكي ثمنه لحول أصله اتفاقا أو كان عنده عرض قنية ملك بمعاوضة فباعه بعرض نوى به التجارة ثم باعه فإنه يزكي ثمنه لحول أصله على المشهور لإعطاء الثمن حكم أصله الثاني لا أصله الأول

وأما إذا كان عنده عرض قنية مفاد فباعه بعرض نوى به التجارة ثم باعه ففي ذلك طريقتان الأولى طريقة اللخمي في زكاته وعدمها قولان والثانية طريقة ابن الحارث إن كان أصل عرض القنية من شراء فالقولان لابن القاسم مع أحد قولي أشهب وقوله الآخر وإن كان بإرث فقنية اتفاقا كما في الحطاب عن ابن عرفة

ولخامسها بقوله وبيع بعين لكن لا بد في المحتكر أن يكون ما باع به من العين نصابا ولو في مرات وبعد كمال النصاب يزكي ما بيع به ولو قل والمدير لا يقوم إلا إن نض له شيء ما ولو أقل من درهم ويخرج عما قومه من العرض ثمنا على المشهور لا عرضا بقيمته سواء نض له أول الحول أو وسطه أو آخره بقي ما نض أو ذهب وإذا لم ينض له شيء آخر الحول لم يزك ولا فرق بين أن تكون المعاوضة اختيارية أو جبرية كأن يستهلك شخص لآخر سلعة فيأخذ في قيمتها عرضا ينوي به التجارة ولا بين أن يكون البيع اختياريا أو اضطرارا كمن استهلك عرض تجارة وأخذ منه قيمته

ولسادس الشروط بقوله وإن رصد به الأسواق أي انتظر به ربحا خاصا فكالدين أي زكاة وحولا وقبضا واقتضاء وضما واختلاطا وتلفا واتفاقا وفرارا وبقاء انظر الحطاب وإلا زكى عنه ولو حليا ويزكي وزنه تحقيقا أو تحريا كما إذا كان عرض تجارة مرصعا بذهب أو فضة ودينه أي عدده النقد الحال المرجو المعد للنماء وإلا يكن كذلك بأن كان عرضا أو مؤجلا مرجوين قومه ولو طعام سلم كسلعة أي المدير ولو بإرث لا إن لم يرجه أو كان قرضا ا ه

المراد بإصلاح من بن وبالجملة فمسألة العروض وكذا مسألة النقدين من مسائل ما له ظاهر ينصرف إليه عند عدم قيام معارض راجح له ومنها العقود المطلقة تصرف إلى ما هو الظاهر فيها من العقود الغالبة في زمان ذلك العقد فإذا وكل إنسان إنسانا فتصرف الوكيل بغير نية في تخصيص ذلك التصرف من بيع أو غيره بالوكيل فإن تصرفه ينصرف لنفسه دون موكله إذ غالب تصرفاته أن يكون لنفسه وإذا أطلقت تصرفات المسلمين ولم تقيد بما يقتضي حلها ولا تحريمها انصرفت للتصرفات المباحة دون المحرمة لأن الحل ظاهر حال المسلمين وإذا أطلق العقد على العين ولم يصرح فيه بمنفعة خاصة انصرف إلى المنفعة المقصودة عرفا منه فمن استأجر قاد وما انصرف إلى النجر

____________________

(2/321)

الفرق السابع والمائة بين قاعدة العمال في القراض فإن الزكاة متى سقطت عن رب المال سقطت عن العامل وقاعدة الشركاء لا يلزم أنه متى سقطت عن أحد الشريكين سقطت عن الآخر بل قد تجب الزكاة على أحد الشريكين لاجتماع شرائط الزكاة في حقه دون الآخر لاختلال بعض الشروط في حقه

وعمال القراض ليسوا كذلك على الخلاف فيهم بين العلماء وفي المذهب أيضا الخلاف والفرق بين القاعدتين ينبني على قاعدة وهي أنه متى كان الفرع مختصا بأصل واحد أجري عن ذلك الأصل من غير خلاف ومتى دار بين

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

دون العزاق وعجن الطين ومن استأجر عمامة انصرف إلى استعماله في الرءوس دون الأوساط أو قميصا انصرف إلى اللبس وكذا كل عقد على أي آلة عند الإطلاق ينصرف إلى ما هو الظاهر من حالها ولا يحتاج المتعاقدان إلى التصريح بذلك بل يكفي ظاهر الحال ومن استأجر دابة فإن كانت من دواب الحمل انصرف عقد الإجارة فيها للحمل دون الركوب أو من دواب الركوب انصرف لركوب دون الحمل فيكتفى في جميع ذلك بظاهر حال المعقود عليه ومنها صريح باب الطلاق والعتاق والظهار وغير ذلك فإنه يستغنى عن النية وينصرف لذلك الباب بظاهره ومن مسائل ما ليس لمحتملاته ظاهر فيحمل على أحدها بمرجح شرعي العبادات احتاجت للنيات لترددها إما بين العبادات والعادات وإما بين رتبها الخاصة بها كالفريضة والتطوع والنذور والكفارات والقضاء والأداء وغير ذلك ومنها الكنايات في باب الطلاق والعتاق والظهار وغير ذلك احتاجت إلى النيات لترددها بين تلك المقاصد وغيرها فالقاعدة المذكورة عامة حسنة يتخرج عليها كثير من فروع الشريعة والله أعلم

الفرق السابع والمائة بين قاعدة العمال في القراض فإن الزكاة متى سقطت عن رب المال سقطت عن العامل وقاعدة الشركاء لا يلزم أنه متى سقطت عن أحد الشريكين سقطت عن الآخر ينبني الفرق بينهما على قاعدة أنه متى كان الفرع مختصا بأصل واحد أجري على ذلك الأصل من غير خلاف ومتى دار بين أصلين أو أصول وقع الخلاف بين العلماء في تغليب أحد الأصلين أو الأصول على الآخر فقاعدة العمال في القراض لما كانت دائرة بين أن يكونوا شركاء لرب المال بأعمالهم وأرباب الأموال شركاء بأموالهم ويعضده أمور منها تساوي الفريقين في زيادة الربح ونقصانه كما هو حال الشركاء ومنها أن الذي يستحقه العامل ليس في ذمة رب المال كما هو شأن الشريك وبين أن يكونوا أجراء ويعضده أمور منها اختصاص رب المال بضياع المال وغرامته فلا يكون على العامل منه شيء ومنها أن ما يأخذه معاوضة على عمله كما هو شأن الأجراء وكان من مقتضى الشركة أن تملك بالظهور ومن مقتضى الإجارة أن لا تملك إلا بالقسمة والقبض اختلف العلماء في المذهب وخارجه في تغليب الشركة فتكمل الشروط للزكاة في حق كل واحد منهما أو تغليب الإجارة فيجعل المال وربحه لربه

فلا يعتبر العامل أصلا وابن القاسم رحمه الله تعالى صعب عليه إطراح أحدهما بالكلية فرأى أن العمل بكل واحد منهما من وجه أولى وهي القاعدة المقررة في أصول الفقه فاعتبر وجها من الإجارة ووجها من الشركة

____________________

(2/322)

أصلين أو أصول يقع الخلاف فيه لتغليب بعض العلماء بعض تلك الأصول وتغليب البعض الآخر أصلا آخر فيقع الخلاف لذلك ولذلك اختلف في أم الولد إذا قتلت هل تجب فيها قيمة أم لا لترددها بين الأرقاء من جهة أنها توطأ بملك اليمين وبين الأحرار لتحريم بيعها وإحرازها لنفسها ومالها وتردد إثبات هلال رمضان بين الشهادة والرواية وكذلك الترجمان عند الحاكم والنائب والمقوم وغيرهم جرى الخلاف فيهم هل يشترط فيهم العدد تغليبا للشهادة أو لا يشترط تغليبا للرواية وكتردد العقود الفاسدة من الأبواب المستثنيات كالقراض والمساقاة هل ترد إلى أصلها فيجب قراض المثل أو إلى أصل أصلها فيجب أجرة المثل وذلك المساقاة لتردد هذه الفاسدة بين أصلها وأصل أصلها فإن أصل أصلها أصلها أيضا فلذلك كل ما توسط غرره أو الجهالة فيه من العقود تختلف العلماء فيه لتوسطه بين الغرر الأعلى فيبطل أو الغرر الأدنى المجمع على جوازه واغتفاره في العقود فيجوز والمتوسط أخذ شبها من الطرفين فمن قربه من هذا منع

أو من الآخر أجاز وكذلك المشاق المتوسطة في العبادات دائر بين أدنى المشاق فلا توجب ترخصا وبين أعلاها فتوجب الترخص فتختلف العلماء في تأثيرها في الإسقاط لأجل ذلك وكذلك التهم في رد الشهادات إذا توسطت بين قاعدة ما أجمع عليه أنه موجب الرد كشهادة الإنسان لنفسه وبين قاعدة ما أجمع عليه أنه غير قادح في الشهادة كشهادة الرجل الآخر من قبيلته فيختلف العلماء أي التغليبين يعتبر وذلك كشهادة الأخ لأخيه ونحوه

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

فوقع التفريع هكذا متى كان العامل ورب المال كل واحد فيهما مخاطب بوجوب الزكاة منفردا فيما ينوبه وجبت عليهما ومتى لم يكن كل واحد فيهما مخاطبا بوجوب الزكاة لكونهما عبدين أو ذميين أو لقصور المال وربحه عن النصاب وليس لربه غيره سقطت عنهما ومتى كان أحدهما مخاطبا بوجوب الزكاة وحده دون الآخر فقال ابن القاسم متى سقطت عن أحدهما إما العامل أو رب المال سقطت عن العامل في الربح أما إن سقطت عنه فتغليبا لحال نفسه وتغليبا لحال الشركة وشائبتها

وأما إن سقطت عن رب المال فتسقط أيضا عن العامل في حصته من الربح تغليبا لشائبة الإجارة وهو كونه إذا استأجر أجيرا فقبض أجرته استأنف بها الحول فكذلك هذا العامل ورأى أشهب رحمه الله اعتبار رب المال فتجب في حصة الربح تبعا لوجوبها في الأصل لأنه يزكي ملكه وأن ربح المال مضموم إلى أصله على أصل مالك رحمه الله فيمن اتجر بدينار فصار في آخر الحول نصابا فإنه يزكي ويقدر الربح كامنا من أول الحول إلى آخره وفيما إذا كمل بأولاد المواشي نصابها فمتى خوطب رب المال وجبت على العامل وإن لم يكن أصلا تغليبا لهذا الأصل وهو ضم الربح إلى الأصل في الزكاة ووقع في الموازية يعتبر حال العامل في نفسه فإن كان أهلا بالنصاب وغيره زكى وإلا فلا تغليبا لشائبة الشركة وقول ابن القاسم هو المشهور ومذهب المدونة ومحصله أربعة أمور الأول أن العامل يزكي حصته من الربح وإن قصرت عن النصاب بناء على أنه أجير خلافا لما في الموازية من أنه لا زكاة فيما قل وقصر عن النصاب وخلافا لقول أشهب إن زكاته على رب المال لا على

____________________

(2/323)

فإنه اختلف فيه هل تقبل أو ترد وكذلك الثلث يتردد في مسائل بين القلة والكثرة فيختلف العلماء في إلحاقه بأيهما شاء ونظائره كثيرة في الشريعة من المترددات بين أصلين فأكثر والعمال في القراض دائرون بين أن يكونوا شركاء بأعمالهم ويكون أرباب الأموال شركاء بأموالهم ويعضد ذلك تساوي الفريقين في زيادة الربح ونقصانه وهذا هو حال الشركاء ويعضده أيضا أن الذي يستحقه العامل ليس في ذمة رب المال وهذا هو شأن الشريك وبين أن يكونوا أجراء ويعضده اختصاص رب المال بضياع المال وغرامته فلا يكون على العامل منه شيء ولأن ما يأخذه معاوضة على عمله وهذا هو شأن الأجراء ومقتضى الشركة أن تملك بالظهور ومقتضى الإجارة أن لا تملك إلا بالقسمة والقبض فاجتماع هذه الشوائب سبب الخلاف فمن غلب الشركة كمل الشروط في حق كل واحد منهما ومن غلب الإجارة جعل المال وربحه لربه فلا يعتبر العامل أصلا وابن القاسم رحمه الله صعب عليه إطراح أحدهما بالكلية فرأى أن العمل بكل واحد منهما من وجه أولى

وهي القاعدة المقررة في أصول الفقه فاعتبر وجها من الإجارة ووجها من الشركة

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

العامل قال الحطاب العامل يزكي ربحه ولو كان دون النصاب هذا مذهب المدونة والقول بأن زكاته على رب المال ليس بالمشهور ا ه

الأمر الثاني أن شروط زكاة العامل حصته من الربح سنة ففي المواق ابن يونس إنما تجب الزكاة على العامل عند ابن القاسم باجتماع خمسة أوجه وهي أن يكونا حرين مسلمين بلا دين عليهما وأن يكون رأس المال وحصة ربه من الربح ما فيه الزكاة وأن يعمل العامل بالمال حولا فمتى سقط شرط من ذلك لم يزك العامل ا ه

قال عبق وبقي لزكاة العامل ربحه شرط سادس وهو أن ينض ويقبضه قال واشتراط الثلاثة الأول في رب المال بناء على أن العامل أجير وفي العامل بناء على أنه شريك كاشتراط الخامس

وأما اشتراط الرابع فبناء على أنه أجير وذلك لأنه لو نقص مناب رب المال عن النصاب لم يزك العامل وإن نابه نصاب فأكثر بل يستقبل حولا كالفائدة وأجرة الأجير فإذا كان رأس المال عشرة دنانير ودفعه للعامل على أن يكون لربه جزء من مائة جزء من الربح وربح المال مائة فإن ربه لا يزكي وكذا العامل ابن القاسم ولا يضم العامل ما ربح إلى مال له آخر فيزكي بخلاف رب المال ا ه أي فيضم فإذا كانت حصة ربه بربحه دون نصاب وعنده ما لو ضمه له لصار نصابا وقد حال حوله فإنه يزكي ويزكي العامل ربحه وإن قل في هذه أيضا ففي مفهوم الشرط الرابع تفصيل ا ه

الأمر الثالث قال عبق ومفاد نص المواق أن العامل يزكي ربحه مطلقا لعام واحد عند المفاصلة ولو مديرا أقام بيده أعواما وهو مدير وفي ابن عرفة أنه يلزم العامل زكاة حصته كل عام إذا كان هو ورب المال مديرين لكن إنما يزكيها لكل عام عند المفاصلة ا ه قال البناني وما لابن عرفة هو المعتمد لأنه الذي في المدونة وابن رشد ا ه وسلمه الرهوني وكنون

____________________

(2/324)

فوقع التفريع هكذا متى كان العامل ورب المال كل واحد فيهما مخاطب بوجوب الزكاة منفردا فيما ينوبه وجبت عليهما وإن لم يكن فيهما مخاطب بوجوب الزكاة لكونهما عبدين أو ذميين أو لقصور المال وربحه عن النصاب وليس لربه غيره سقطت عنهما وإن كان أحدهما مخاطبا بوجوب الزكاة وحده

وقال ابن القاسم متى سقطت عن أحدهما إما العامل أو رب المال سقطت عن العامل في الربح أما إن سقطت عنه فتغليبا لحال نفسه عليه وتغليبا لحال الشركة وشائبتها

وأما إن سقطت عن رب المال فتسقط أيضا عن العامل في حصته من الربح تغليبا لشائبة الإجارة وهو كونه استأجر أجيرا فقبض أجرته استأنف بها الحول فكذلك هذا العامل ورأى أشهب رحمه الله اعتبار رب المال فتجب في حصة الربح تبعا لوجوبها في الأصل لأنه يزكي ملكه وأن ربح المال مضموم إلى أصله على أصل مالك رحمه الله فيمن اتجر بدينار فصار في آخر الحول نصابا فإنه يزكي ويقدر الربح كامنا من أول الحول إلى آخره وكذلك أولاد المواشي إذا كمل بها نصابها فمتى خوطب رب المال وجبت على العامل وإن لم يكن أصلا تغليبا لهذا الأصل وهو ضم الربح إلى الأصل في الزكاة ووقع في الموازية يعتبر حال العامل في نفسه فإن كان أهلا بالنصاب وغيره زكى وإلا فلا تغليبا لشائبة الشركة فالفرق يتخرج بين هاتين القاعدتين

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

الأمر الرابع قال المواق ابن يونس وقول ابن القاسم هذا استحسان رآه أي العامل مرة أن له حكم الشريك في وجوه يضمن حصته من الربح وإن اشترى من يعتق عليه عتق ورآه مرة أنه ليس كالشريك إذ ليس في أصل المال شرك وإن ربح المال منه وحوله حول أصله فلما ترجح ذلك عنده توسط أمره ا ه

فمن هنا بحث الناصر في قوله في التوضيح والمشهور مبني على أنه أجير ومقابله على أنه شريك ا ه بأن كونه أجيرا يقتضي استقباله لا زكاته وكونه شريكا يقتضي سقوط الزكاة أصلا عنه وعن رب المال في حصة العامل إذ لا زكاة على شريك حتى تبلغ حصته نصابا ا ه

نعم قال البناني الذي عناه في التوضيح والله أعلم أن أصل الزكاة في ربح العامل مع قطع النظر عن قلته مبني على أنه شريك ووجوبها في القابل أي بعد استقبال عام مع قطع النظر عن كونها على العامل مبني على أنه أجير فلا بحث ويدل على ذلك أن الزكاة كما علم مبنية على أنه شريك وبعض شروطها مبني على أنه أجير وما ذاك إلا لقطع النظر عن كونها على العامل تأمل ا ه

وقاعدة الشريك لما اختصت بأصل واحد وهو كونه شريكا ليس إلا اتفق العلماء على إجرائه على ذلك الأصل وأن الزكاة تجب على أحد الشريكين لاجتماع شرائط الزكاة في حقه دون الآخر لاختلال بعض الشروط في حقه هذا ولقاعدة العامل في التردد بين أصلين أو أكثر نظائر كثيرة في الشريعة منها أم الولد إذا قتلت اختلف في أنها هل تجب فيها قيمة أم لا لترددها بين الأرقاء من جهة أنها توطأ بملك اليمين وبين الأحرار لتحريم بيعها وإحرازها لنفسها ومالها ومنها المخبر عن رؤية هلال نحو رمضان والترجمان عند الحاكم والنائب والمقوم وغيرهم لما ترددوا بين الشهادة والرواية اختلف فيهم هل يشترط فيهم العدد تغليبا للشهادة أو لا يشترط تغليبا للرواية ومنها العقود الفاسدة من الأبواب المستثنيات كالقراض والمساقاة لما ترددت بين أصلها وأصل أصلها فإن أصل أصلها أصلها أيضا اختلف العلماء في أنها هل ترد إلى أصلها

____________________

(2/325)

الفرق الثامن والمائة بين قاعدة الأرباح تضم إلى أصولها في الزكاة فيكون حول الأصل حول الربح ولا يشترط في الربح حول يخصه كان الأصل نصابا أم لا عند مالك رحمه الله ووافقه أبو حنيفة رضي الله عنه إذا كان الأصل نصابا ومنع الشافعي رضي الله عنه مطلقا وبين قاعدة الفوائد التي لم يتقدم لها أصل عند المكلف كالميراث والهبة وأرش الجناية وصدقات الزوجات ونحو ذلك فهذا يعتبر فيه الحول بعد حوزه وقبضه والفرق عندنا عضده قول عمر رضي الله عنه للساعي عد عليهم السخلة يحملها الراعي

هامش أنوار البروق

قال الفرق الثامن والمائة بين قاعدة الأرباح تضم إلى أصولها في الزكاة فيكون حول الأصل حول الربح ولا يشترط في الربح حول يخصه كان الأصل نصابا أم لا عند مالك رحمه الله تعالى ووافقه أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه إذا كان الأصل نصابا ومنع الشافعي رضي الله تعالى عنه مطلقا وبين قاعدة الفوائد التي لم يتقدم لها أصل عند المكلف كالميراث والهبة وأرش الجناية وصدقات الزوجات ونحو ذلك فهذا يعتبر فيه الحول بعد حوزه وقبضه إلى قوله غير أنه غير ذكوي أعني الأصل قلت مسألة المالكية القياس على السخال كما ذكر وللشافعية فروق فيها نظر

هامش إدرار الشروق

فيجب قراض المثل أو إلى أصل أصلها فيجب أجرة المثل ومنها كل ما توسط غرره أو الجهالة فيه من العقود لما تردد بين الغرر الأعلى المجمع على بطلانه والأدنى المجمع على جوازه واغتفاره في العقود لأنه بتوسطه أخذ شبها من الطرفين اختلف فيه فمن قربه من الأعلى منع ومن قربه من الأدنى أجاز ومنها المشاق المتوسطة في العبادات لما دارت بين أدنى المشاق فلا توجب ترخصا وبين أعلاها فتوجب الترخص اختلف العلماء في تأثيرها في الإسقاط لأجل ذلك ومنها نحو شهادة الأخ لأخيه من التهم المتوسطة في رد الشهادة بين قاعدة ما أجمع على أنه موجب للرد كشهادة الإنسان لنفسه وبين قاعدة ما أجمع على أنه غير قادح في الشهادة كشهادة الرجل لآخر من قبيلته لما أخذ شبها منهما اختلف العلماء أي التغليبين يعتبر فتقبل أو ترد ومنها الثلث لما تردد بين القلة والكثرة في مسائل اختلف العلماء في إلحاقه بأيهما شاء وبالجملة فالفرق بين هاتين القاعدتين يتخرج على هذه القاعدة والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق الثامن والمائة بين قاعدة الأرباح تضم إلى أصولها في الزكاة فيكون حول الأصل حول الربح ولا يشترط في الربح حول يخصه كان الأصل نصابا أم لا عند مالك رحمه الله ووافقه أبو حنيفة وأحمد رضي الله عنهما إذا كان الأصل نصابا وإلا فحوله من حين كمل النصاب ومنع الشافعي رضي الله عنه مطلقا وبين قاعدة الفوائد التي لم يتقدم لها أصل عند المكلف كالميراث والهبة وأرش الجناية وصدقات الزوجات ونحو ذلك فهذا يعتبر فيه الحول بعد حوزه وقبضه

____________________

(2/326)

ولا تأخذها والسخلة عين متمولة نشأت عن عين متمولة زكوية كما نشأ الربح وهو عين زكوية عن عين زكوية وهو أصله فكما ضم أحدهما إلى أصله وجعل حوله حولا له كذلك الآخر الذي هو الربح وقولنا زكوية احترازا من أجر العقار فإنه لا يزكى وإن كان متمولا نشأ عن متمول غير أنه غير زكوي أعني الأصل وههنا قاعدة وهي سر الفرق بين الأرباح والفوائد يحتاج إليها بعد تقرر الأحكام فيها وهي أن صاحب الشرع متى أثبت حكما حالة عدم سببه أو شرطه فإن أمكن تقديرهما معه فهو أقرب من إثباته دونهما فإن إثبات المسبب دون سببه والمشروط بدون شرطه خلاف القواعد فإن ألجأت الضرورة إلى ذلك وامتنع التقدير عد ذلك الحكم مستثنى من تلك القواعد كما أثبت الشارع الميراث في دية الخطأ

والميراث في الشريعة مشروط بتقدم ملك الميت على المال الموروث قدر العلماء رحمهم الله الملك في الدية متقدما على الموت بالزمن الفرد حتى يصح حكم التوريث فيها وكذلك إذا صححنا عتق الإنسان عن غيره في كفارة أو تطوع بإذنه أو

هامش أنوار البروق

قال وههنا قاعدة وهي سر الفرق بين الأرباح والفوائد يحتاج إليها بعد تقرر الأحكام فيها إلى قوله عد مستثنى من تلك القواعد

قلت فيما قاله من ذلك نظر قال كما أثبت الشارع الميراث في دية الخطأ والميراث في الشريعة مشروط بتقدم ملك الميت على المال الموروث قدر العلماء الملك في الدية متقدما على الموت بالزمن الفرد حتى يصح حكم التوريث فيها قلت ليس ملك المقتول خطأ للدية مقدرا عندي بل هو محقق وإنما المقدر ملك المقتول عمدا للدية وقد سبق التنبيه على ذلك

هامش إدرار الشروق

لا فرق بين الربح والفائدة عند الشافعي ولا على مقابل مشهور مالك فقد روي عنه مثل قول الشافعي رضي الله عنهما وإنما الفرق بينهما على مشهور مالك وقول أبي حنيفة وأحمد رضي الله عنهم وهو مبني على قاعدة التقادير وهي إعطاء الموجود حكم المعدوم وإعطاء المعدوم حكم الموجود وقد تقدم بسطها في قاعدة خطاب الوضع نعم التقدير من حيث إنه خلاف الأصل لا يجوز إلا إذا دعت الضرورة إليه بأن يدل الدليل على ثبوت الحكم مع عدم سببه أو شرطه أو قيام مانعه وههنا قد دعت الضرورة إليه فإن قول عمر اعتد عليهم بالسخلة ولا تأخذها منهم كما في الموطإ وقول علي عد عليهم الصغار والكبار ولم يعرف لهم مخالف في الصحابة كما في كشاف القناع والمنتقى للباجي يدل على وجوب الزكاة في الأرباح ضرورة أن ربح التجارة كذلك معنى إذ السخلة كما أنها عين متمولة نشأت عن عين متمولة زكوية كذلك الربح عين زكوية نشأت عن عين زكوية وهو أصله فوجب أن يكون مثله حكما فكما تضم السخال إلى أصلها ويجعل حوله حولا لها كذلك يضم الربح إلى أصله ويجعل حوله حولا له وشرط وجوب الزكاة دوران الحول وهو لم يدر على الربح والسخال فتعين تقدير الربح في التجارة

____________________

(2/327)

بغير إذنه خلافا للشافعي رضي الله عنه في اشتراط الإذن قدرنا ثبوت الملك قبل صدور صيغة العتق بالزمن الفرد حتى تبرأ ذمة المعتق عنه من الكفارة الواجبة عليه فإن الواجب من الكفارات لا يبرأ منه بعتق غير مملوكه حتى يثبت له الولاء أيضا فإن الولاء لا يثبت أصله عن غير مملوك للمعتق عنه أما غير أصالة بطريق الإذن فيحصل بغير تملك ههنا هو أصالة فتعين تقدير المالك للعتق عنه قبيل صدور صيغة العتق بالزمن الفرد لضرورة ثبوت هذه الأحكام فإذا قال له أعتق عبدك عني نقدر هذه الصيغة مشتملة على التوكيل في شراء عبد له من نفسه وأنه يتولى طرفي العقد ومشتملة أيضا على أنه وكله أن يعتقه عنه عن كفارته بعد استقرار الملك له فهي صيغة مشتملة على وكالتين وكالة المعاوضة ووكالة العتق فضرورة ثبوت حكم العتق عن الغير يحوج إلى هذه التقادير ونظائره كثيرة في الشريعة وهذه القاعدة تعرف بقاعدة التقديرات وهو إعطاء الموجود حكم المعدوم وإعطاء المعدوم حكم الموجود وقد تقدم بسطها في قاعدة خطاب الوضع وهي يحتاج إليها إذا دل دليل على ثبوت الحكم مع عدم سببه أو شرطه أو قيام مانعه

وإذا لم تدع

هامش أنوار البروق

قال وكذلك إذا صححنا عتق الإنسان عن غيره في كفارة أو تطوع بإذنه أو بغير إذنه خلافا للشافعي رضي الله عنه في اشتراط الإذن قدرنا ثبوت الملك قبل صدور صيغة العتق بالزمن الفرد حتى تبرأ ذمة المعتق عنه من الكفارة الواجبة عليه إلى قوله لضرورة ثبوت هذه الأحكام قلت لا حاجة إلى تقدير الملك للمعتق عنه ولا دليل عليه فإن مثل هذا من الأمور المالية تصح فيه النيابة اتفاقا وقد تقدم التنبيه على ذلك أيضا

قال فإذا قال له أعتق عبدك عني نقدر هذه الصيغة مشتملة على التوكيل في شراء عبد له من نفسه وأنه يتولى طرفي العقد

قلت لا يصح الشراء هنا بوجه فإنه لا عوض فلا وجه لتوكيله على الشراء

هامش إدرار الشروق

والسخال في الماشية في أول الحول تحقيقا للشرط في وجوب الزكاة ومحافظة على الشرط بحسب الإمكان وليست الفائدة كذلك إذ لا أصل لها يقدر حوله حولا لها

نعم في كون هذين التقديرين في يوم الشراء لأنه سبب الربح

والسبب يلازم مسببه وهو مذهب ابن القاسم أو في يوم الحصول لئلا يجمع بين تقديرين تقدير الشراء والأعيان التي حصلت في الربح

والتقدير على خلاف الأصل فيقتصر منه على ما تدعو الضرورة إليه وهو مذهب أشهب أو في يوم ملك أصل المال لأنه السبب وهو مذهب المغيرة خلاف تتخرج عليه مسألة المدونة إذا حال الحول على عشرة فأنفق منها خمسة واشترى سلعة بخمسة فباعها بخمسة عشر فقال ابن القاسم إن تقدم الشراء على الإنفاق وجبت الزكاة فإن التقدير حينئذ والمال عشرة وهذه عشرة ربح فيكمل النصاب حينئذ وإلا فلا تجب وأسقطها أشهب مطلقا لأن التقدير عنده يوم الحصول ويوم الحصول لم تكن إلا خمسة عشر وأوجبها المغيرة مطلقا لأنه يقدر يوم ملكه العشرة ولا عبرة بتقديم الإنفاق على الشراء وعدمه وفي الموطإ قال مالك إذا بلغت الغنم بأولادها ما تجب فيه الصدقة فعليه فيها الصدقة وذلك أن أولاد الغنم منها وذلك مخالف لما أفيد منها باشتراء أو هبة أو

____________________

(2/328)

الضرورة إليها لا يجوز التقدير حينئذ لأنه خلاف الأصل وههنا لما دل الأثر على وجوب الزكاة في الأرباح تعين تقدير الربح والسخال في الماشية في أول الحول تحقيقا للشرط في وجوب الزكاة وهو دوران الحول فإن الحول لم يدر عليهما فيفعل ذلك محافظة على الشرط بحسب الإمكان واختلف في هذين التقديرين ابن القاسم وأشهب رحمهما الله فابن القاسم يقدر حالة الشراء لأنه سبب الربح فقدره ابن القاسم عنده لملازمة السبب لمسببه وعند أشهب يقدر يوم الحصول لئلا يجمع بين تقديرين تقدير الشراء والأعيان التي حصلت في الربح والتقدير على خلاف الأصل فيقتصر منه على ما تدعو الضرورة إليه وعند المغيرة التقدير يوم ملك أصل المال لأنه السبب

وعلى هذه التقادير تتخرج مسألة المدونة إذا حال الحول على عشرة فأنفق منها خمسة واشترى سلعة بخمسة فباعها بخمسة عشر قال ابن القاسم تجب الزكاة إن تقدم الشراء على الإنفاق فإن التقدير حينئذ كان المال عشرة وهذه عشرة ربح فكمل النصاب حينئذ وإلا فلا تجب وأسقطها أشهب مطلقا لأن

هامش أنوار البروق

قال ومشتملة أيضا على أنه وكله أن يعتقه عنه عن كفارته بعد استقرار الملك له فهي صيغة مشتملة على وكالتين وكالة المعاوضة ووكالة العتق

قلت ولا تصح أيضا وكالته على العتق فإنه لم يسبقه ملك قال فضرورة ثبوت حكم العتق عن الغير يحوج إلى هذه التقادير ونظائره كثيرة في الشريعة

هامش إدرار الشروق

ميراث

ومثل ذلك العرض لا يبلغ ثمنه ما تجب فيه الصدقة فيصدق ربحه مع رأس المال ولو كان ربحه فائدة أو ميراثا لم تجب فيه الصدقة حتى يحول عليه الحول من يوم أفاده أو ورثه قال مالك فغذاء الغنم أي سخالها منها كما أن ربح المال منه قال مالك غير أن ذلك يختلف في وجه آخر أنه إذا كان للرجل من الذهب أو الورق ما تجب فيه الزكاة ثم أفاد إليه مالا ترك ماله الذي أفاد فلم يزكه مع ماله الأول حين يزكيه حتى يحول على الفائدة الحول من يوم أفادها ولو كانت لرجل غنم أو بقر أو إبل تجب في كل صنف منها الصدقة ثم أفاد إليها بعيرا أو بقرة أو شاة صدقها مع صنف ما أفاد من ذلك حين يصدقه إذا كان عنده من ذلك الصنف الذي أفاد نصاب ماشية قال مالك وهذا أحسن ما سمعت في هذا كله ا ه

قال الباجي يريد أن الفائدة لا يكمل بها النصاب ويكمل بالنسل وقاسه مالك على نماء العين منه فإذا بلغ الربح مع الأصل النصاب وجبت فيه الزكاة وإن لم يبلغه إلا بفائدة لم يزك حتى يحول الحول على الفائدة وهذا قياس صحيح لم يسلم له أن نصاب الحولين يتم بربحه وإنما سلمه الشافعي فيمن اشترى بمائة درهم سلعة قيمتها مائتا درهم ثم باعها بمائتي درهم بعد أن حال الحول من يوم اشتراها فإن الزكاة فيها وهذا أصل يصح قياسنا عليه ولا يخل بالقياس المذكور اختلاف حكم العين والماشية في الفوائد من جهة أن الماشية إذا أفاد منها شيئا وعنده نصاب من جنسها كان حكم الفائدة في الحول حكم أصل النصاب الذي كان عنده بخلاف العين فإنه يزكي الفائدة لحولها والنصاب الذي كان عنده لحوله وذلك لأنه ليس من شرط الفرع إذا قيس على الأصل لعلة جامعة بينهما في حكم من الأحكام أن يقاس عليه في سائر

____________________

(2/329)

التقدير عنده يوم الحصول ويوم الحصول لم تكن إلا خمسة عشر وأوجبها المغيرة مطلقا لأنه يقدر يوم ملكه العشرة ولا عبرة بتقديم الإنفاق وعدمه وعن مالك مثل قول الشافعي رضي الله عنهما فلا يحتاج إلى هذه القاعدة مطلقا فهذه القاعدة وهي قاعدة التقادير يحتاج إليها في الفرق بين قاعدة الأرباح وقاعدة الفوائد إن قلنا بالفرق بينهما وإلا فلا والله أعلم

الفرق التاسع والمائة بين قاعدة الواجبات والحقوق التي تقدم على الحج وبين قاعدة ما لا يقدم عليه

هامش أنوار البروق

قلت لا حاجة إلى شيء مما ذكره من التقادير في هذه المسألة أما في غيرها فربما احتيج إلى ذلك وكيف يقول إن الصيغة مشتملة على التوكيل وأي صيغة فيما إذا أعتق عنه بغير إذنه هذا كله لا يصح

قال وهذه القاعدة تعرف بقاعدة التقديرات وهو إعطاء الموجود حكم المعدوم وإعطاء المعدوم حكم الموجود إلى قوله محافظة على الشرط بحسب الإمكان

قلت ما قاله في ذلك صحيح وليست مسألة عتق الإنسان عن غيره من ذلك فإنها لم تدع فيها إلى ذلك ضرورة وما قاله بعد حكاية أقوال وتوجيهها ولا كلام في ذلك وما قاله في الفرق بعده صحيح

هامش إدرار الشروق

أحكامه

وإنما يلزم أن يدل الدليل على أن العلة التي جمعت بينهما في ذلك الحكم لها اختصاص بذلك الحكم دون غيره وإن فارق الأصل الفرع في أحكام غيرها لا تعلق لها بتلك العلة لأن ما من فرع إلا وهو يخالف الأصل الذي قيس عليه في عدة أحكام وفي مسألتنا قاس إتمام نصاب الماشية بنمائها الذي هو أولادها على إتمام نصاب العين بنمائه لعلة صحيحة وهي أن هذا أي الأولاد نماء حادث من العين التي تجب فيها الزكاة وهي الماشية وهو من جنسها فوجب أن يكمل بها نصابها كالعين وهذه علة تختص بالنماء دون الفوائد فاختلاف العين والماشية في الفوائد لا في النماء لا يمنع اجتماعهما في النماء الذي هو من جنس الأصل وإنما اختلف في الفوائد لأنها ليست من الأصل وزكاة الماشية لها تعلق بالساعي فإذا لم تجب زكاتها لزكاة الأصل لم يمكن تكرر الساعي ونعمت المعدلة بين أرباب الأموال والمساكين فإن الفائدة إذا أضيفت إلى أقل من النصاب زكيت بعد استكمال حول الفائدة وإذا أضيفت إلى النصاب زكيت لحول النصاب وليس كذلك العين فإن رب المال يخرج زكاته فيمكن إخراجه عند حلول حوله المختص به فلم تدع ضرورة إلى اعتباره لحول النصاب فتعجل قبل حلوله ولا أن يضاف إلى أقل من النصاب فيزكى إلى أكثر من حوله فلذلك افترقا والله أعلم وأحكم ا ه بتصرف ما

الفرق التاسع والمائة بين قاعدة الواجبات والحقوق التي تقدم على الحج وبين قاعدة ما لا يتقدم عليه

الفرق بين ما يقدم وما لا يقدم على الحج من الواجبات والحقوق مبني على قاعدة أنه إذا تعارضت الحقوق قدم منها أحد ثلاثة أنواع على ما يقابله النوع الأول ما جعله صاحب الشرع مضيقا من حيث إن

____________________

(2/330)

والفرق بينهما مبني على معرفة قاعدة في الترجيحات وضابط ما قدمه الله تعالى على غيره من المطلوبات وهي أنه إذا تعارضت الحقوق قدم منها المضيق على الموسع لأن التضييق يشعر بكثرة اهتمام صاحب الشرع بما جعله مضيقا وأن ما جوز له تأخيره وجعله موسعا عليه دون ذلك

ويقدم الفوري على المتراخي لأن الأمر بالتعجيل يقتضي الأرجحية على ما جعل له تأخيره ويقدم فرض الأعيان على الكفاية لأن طلب الفعل من جميع المكلفين يقتضي أرجحية ما طلب من البعض فقط ولأن فرض الكفاية يعتمد عدم تكرر المصلحة بتكرر الفعل والأعيان يعتمد تكرر المصلحة بتكرر الفعل والفعل الذي تتكرر مصلحته في جميع صوره أقوى في استلزام المصلحة من الذي لا توجد المصلحة معه إلا في بعض صوره ولذلك يقدم ما يخشى فواته على ما لا يخشى فواته وإن كان أعلى رتبة منه كما تقدم حكاية قول المؤذن على قراءة القرآن لأن قراءة القرآن لا تفوت

وحكاية قول المؤذن تفوت بالفراغ من الأذان وكذلك يقدم صون الأموال على العبادات إذا خرجت عن

هامش أنوار البروق

فارغه

هامش إدرار الشروق

التضييق يشعر بكثرة اهتمامه به يقدم على ما جوز للمكلف تأخيره وجعله موسعا عليه ومن ذلك تقديم ما يخشى فواته على ما لا يخشى فواته وإن كان أعلى رتبة منه وله نظائر كثيرة في الشريعة منها تقديم حكاية قول المؤذن على قراءة القرآن لأن قراءة القرآن لا تفوت وحكاية قول المؤذن تفوت بالفراغ من الأذان ومنها تقديم صون الأموال إذا خرجت عن العادة على العبادات فينتقل للتيمم عن الوضوء والغسل إذا خرج ثمن الماء في شرائه لهما عن العادة بأن كان له بال لا يلزمه بذله في شرائه إن ظن وجود الماء كما في ابن حمدون على صغير ميارة على ابن عاشر لا إن زاد على الثلث فقط لأن الثلث لا يكون كثيرا إلا إذا كان للماء كبير ثمن أما إذا لم يكن له ذلك كأن يكون بدرهم فهذا وإن زاد بأكثر من نصفه وأضعافه فلا ضرر عليه فيه كما يؤخذ من كلام الحطاب على منسك خليل في شراء نعل الإحرام فتنبه ولا يجب الحج إذا أفرطت الغرامات في الطرقات قال العدوي على الخرشي ولا يسقط الحج إذا أخذ ظالم شيئا لا يجحف به وإذا أخذ لا يرجع بل يقف عند قوله آخذ هذا القدر وعلم منه ذلك عادة كعشار فإن كان يعلم أنه يأخذ ما يجحف أو ينكث ولو قل المجموع ومثل النكوث تعدد الظالم فيسقط عنه الحج ا ه

قال الخرشي وكذا يسقط إن شك أنه ينكث على أحد القولين وهو المذهب ا ه أفاده شيخنا في حاشية توضيح المناسك ومنها تقديم صون النفوس والأعضاء والمنافع على العبادات فيقدم إنقاذ الغريق والحريق ونحوهما إذا تعين ذلك عليه على الصلاة ولو كان فيها أو خشي فوات وقتها ومنها تقديم صون مال الغير إذا خشي فواته على الصلاة عند من يقول حق العبد مقدم بدليل ترك الطهارات والعبادات إذا عارضها ضرر العبد لا عند من يقول حق الله يقدم لأن حق العبد يقبل الإسقاط بالمحاللة والمسامحة دون حق الله تعالى

النوع الثاني الواجب على الفور يقدم على الواجب على التراخي لأن الأمر بالتعجيل يقتضي الأرجحية على ما جعل له تأخيره مثلا حق الوالدين واجب على الفور إجماعا فيقدم على الحج إذا قلنا إنه على التراخي وحق السيد

____________________

(2/331)

العادة كتقديم صون المال في شراء الماء للوضوء والغسل على الوضوء والغسل وينتقل للتيمم وكتقديمه على الحج إذا أفرطت الغرامات في الطرقات ويقدم صون النفوس والأعضاء والمنافع على العبادات فيقدم إنقاذ الغريق والحريق ونحوهما على الصلاة إذا كان فيها أو خارجا عنها وخشي فوات وقتها فيفوتها ويصون ما تعين صونه من ذلك وكذلك يقدم صون مال الغير على الصلاة إذا خشي فواته وهو من باب تقديم حق العبد على حق الله تعالى وهي مسألة خلاف فمنهم من يقول حق الله يقدم لأن حق العبد يقبل الإسقاط بالمحاللة والمسامحة دون حق الله تعالى ومنهم من يقول حق العبد مقدم بدليل ترك الطهارات والعبادات إذا عارضها ضرر العبد ونظائر هذه المسائل كثيرة في الشريعة فعلى هذه القاعدة يتضح لك ما يقدم على الحج مما لا يقدم عليه فيقدم حق الوالدين على الحج إذا قلنا إنه على التراخي لأن حق الوالدين على الفور إجماعا والفوري مقدم على المتراخي وكذلك يقدم حق السيد على الحج لأن الحج لا يلزم العبد وحق السيد واجب فوري وكذلك يقدم حق الزوج على الحج الفرض إن قلنا إنه على التراخي لأن

هامش أنوار البروق

فارغه

هامش إدرار الشروق

واجب فوري فيقدم على الحج إذا قلنا بذلك وحق الزوج فوري فيقدم على الحج إذا قلنا بذلك والدين الحال من حيث إنه فوري يمنع الخروج إلى الحج إذا قلنا بذلك ولا يمنع ذلك الدين المؤجل

النوع الثالث فرض الأعيان يقدم على فرض الكفاية لأن طلب الفعل من جميع المكلفين يقتضي أرجحية ما طلب من البعض فقط ولأن فرض الكفاية يعتمد عدم تكرر المصلحة بتكرر الفعل وفرض الأعيان يعتمد تكرر المصلحة بتكرر الفعل والفعل الذي تتكرر مصلحته في جميع صوره أقوى في استلزام المصلحة من الذي لا توجد المصلحة معه إلا في بعض صوره قال مالك رحمه الله تعالى الحج أفضل من الغزو لأن الغزو فرض كفاية والحج فرض عين وكان ابن عمر رضي الله عنهما يكثر الحج ولا يحضر الغزو واختلف العلماء فيمن أتى مراهقا وعليه صلاة العشاء ولم يبق قبل الفجر إلا مقدار ركعة للعشاء والوقوف فخاف باشتغاله بأحدهما فوات الآخر هل يصلي مطلقا أو يدرك الوقوف مطلقا وإن كان حجازيا صلى وإلا أدرك الوقوف أو يصلي وهو ماش أو راكب كصلاة المسايفة فيدركهما معا أقوال أربعة رجح الأول خليل في مختصره حيث قال وصلى ولو فات وجعله الأصل مذهب مالك وما عداه أقوالا للشافعية وقال إنه الحق لأن الصلاة أفضل وهي فورية إجماعا ا ه وسلمه ابن الشاط وقال في المدخل اختلف علماؤنا فيه على أربعة أقوال وذكرها على الترتيب المذكور وقال والمشهور الأول ورجح الرابع ا ه

وقال العلامة الأمير في حاشيته على عبد السلام على الجوهرة ولا ينافي أفضلية الصلاة قول المالكية كجمع من غيرهم بتقديم الوقوف على الصلاة حيث

خاف فواته وتضعيفهم لقول الشيخ خليل وصلى ولو فات فإن ذلك لمزيد مشقة الحج وعدم إمكانه كل وقت ودين الله يسر وينبغي تقييد كلامهم كما هو ظاهر سياقهم بمن أحرم قبل وإلا صلى ولو فات وقد قالوا بعدم وجوب الحج في البحر حيث حصل له دوخة تمنعه القيام في الصلاة فليحرر ا ه

والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(2/332)

حق الزوج فوري وكذلك يمنع الدين الحال الخروج إلى الحج لأنه فوري ولا يمنع الدين المؤجل

قال مالك رحمه الله الحج أفضل من الغزو لأن الغزو فرض كفاية والحج فرض عين وكان ابن عمر رضي الله عنهما يكثر الحج ولا يحضر الغزو وكذلك تقدم ركعة من العشاء على الحج إذا لم يبق قبل الفجر إلا مقدار ركعة للعشاء والوقوف قال أصحابنا رحمهم الله يفوت الحج ويصلي وللشافعية رحمهم الله أقوال يفوتها ويقدم الحج لعظم مشقته يصلي وهو يمشي كصلاة المسايفة والحق مذهب مالك لأن الصلاة أفضل وهي فورية إجماعا وبالله الإعانة

الفرق العاشر والمائة بين قاعدة ما تصح النيابة فيه وقاعدة ما لا تصح النيابة فيه عن المكلف هذا الفرق مبني على قاعدة وهي أن الأفعال قسمان منها ما يشتمل فعله على مصلحة مع

هامش أنوار البروق

قال الفرق العاشر والمائة بين قاعدة ما تصح النيابة فيه وقاعدة ما لا تصح النيابة فيه عن المكلف

قلت صحة النيابة في الأفعال كلها القلبية وغيرها جائزة عقلا لكن الشرع حكم بصحة النيابة في بعضها دون بعض فأما الأعمال القلبية فلا أعلم خلافا في عدم صحة النيابة فيها إلا ما كان من النية كإحجاج الصبي وفي سائر نيات الأعمال التي تصح النيابة فيها على حسب الخلاف في ذلك أيضا وغير القلبية فالمالية المحضة لا أعلم خلافا في صحة النيابة فيها

وأما غير المالية المحضة فقد حكى بعضهم الإجماع في عدم صحتها في الصلاة والخلاف فيما عداها وحكى بعضهم الخلاف في الصلاة

هامش إدرار الشروق

الفرق العاشر والمائة بين قاعدة ما تصح النيابة فيه وقاعدة ما لا تصح النيابة فيه

عن المكلف تصح النيابة عقلا في جميع الأفعال قلبية أو غيرها وأما الشرع فحكم بصحة النيابة في بعضها دون بعض وذلك أن الأعمال القلبية كالإيمان بالله تعالى لا خلاف في عدم صحة النيابة فيها إلا ما كان من النية كإحجاج الصبي وسائر نيات الأعمال التي تصح النيابة فيها على حسب الخلاف في ذلك أيضا وغير القلبية إن كانت مالية محضة كرد العواري والودائع والغصوبات وقضاء الديون وتفريق الزكوات والكفارات ولحوم الهدايا والضحايا وذبح النسك فلا خلاف في صحة النيابة فيها وإن كانت غير مالية محضة فبعضهم حكى الإجماع في عدم صحتها في الصلاة والخلاف فيما عداها وبعضهم حكى الخلاف في الصلاة أيضا

وجعل الأصل ضابطا للوفاق والخلاف كون الفعل المطلوب شرعا إن اشتمل على مصلحة منظور فيها لذات الفاعل بحيث لا تحصل إلا بمباشرته منعت فيه النيابة قطعا وذلك كاليمين مصلحته الدلالة على صدق المدعي فلا تحصل بحلف غيره عنه ولذا يقال ليس في السنة أن يحلف أحد

____________________

(2/333)

قطع النظر عن فاعله كرد الودائع وقضاء الديون ورد الغصوبات وتفريق الزكوات والكفارات ولحوم الهدايا والضحايا وذبح النسك ونحوها فيصح في جميع ذلك النيابة إجماعا لأن المقصود انتفاع أهلها بها وذلك حاصل ممن هي عليه لحصولها من نائبه ولذلك لم تشترط النيات في أكثرها ومنها ما لا يتضمن مصلحة في نفسه بل بالنظر إلى فاعله كالصلاة فإن مصلحتها الخشوع والخضوع وإجلال الرب سبحانه وتعالى وتعظيمه وذلك إنما يحصل فيها من جهة فاعلها فإذا فعلها غير الإنسان فاتت المصلحة التي طلبها صاحب الشرع ولا توصف حينئذ بكونها مشروعة في حقه فلا تجوز النيابة فيها إجماعا ومنها قسم متردد بين هذين القسمين فتختلف العلماء رحمهم الله في أي الشائبتين تغلب عليه كالحج فإن مصالحه تأديب النفس بمفارقة الأوطان

وتهذيبها بالخروج عن المعتاد من المخيط وغيره لتذكر المعاد والاندراج في الأكفان وتعظيم شعائر الله في تلك البقاع وإظهار الانقياد من العبد لما لم يعلم حقيقته كرمي الجمار والسعي بين الصفا والمروة والوقوف على بقعة خاصة دون سائر البقاع وهذه مصالح لا

هامش أنوار البروق

أيضا وما قاله شهاب الدين وجعله ضابطا للوفاق والخلاف من مراعاة كون مصلحة ذلك الأمر يشترط فيها حصولها من النائب كحصولها من المنوب عنه وحينئذ تصح ينتقض بالصوم فقد صح الحديث بجواز النيابة فيه وما رجح به مذهب مالك في الحج ظاهر والله تعالى أعلم وما قاله في الفرقين بعد هذا صحيح

هامش إدرار الشروق

ويستحق غيره وكالدخول في الإسلام مصلحته إجلال الله وتعظيمه وإظهار العبودية فلا تحصل إلا بمباشرة الشخص نفسه وكوطء الزوجة مصلحته الإعفاف وتحصيل ولد ينسب إليه وذلك لا يحصل بفعل غيره وإن اشتمل على مصلحة منظور فيها لذات الفعل من حيث هو بحيث لا يتوقف حصول مصلحته على المباشرة صحت فيه النيابة قطعا وذلك كرد العواري والودائع والمغصوبات وقضاء الديون وتفريق الزكوات مما مصلحته إيصال الحقوق لأهلها سواء كان بنفسه أو بغيره فيبرأ من كانت عليه بالوفاء وإن لم يشعر وإن اشتمل على مصلحة منظور فيها لجهة الفعل ولجهة الفاعل وهو متردد بينهما اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في أي الشائبتين تغلب عليه وذلك كالحج فإن مصلحته كما أنها تأديب النفس بمفارقة الأوطان وتهذيبها بالخروج عن المعتاد من المخيط وغيره لتذكر المعاد والاندراج في الأكفان وتعظيم شعائر الله في تلك البقاع وإظهار الانقياد من العبد لما لم يعلم حقيقته كمرمى الجمار والسعي بين الصفا والمروة والوقوف على بقعة خاصة دون سائر البقاع وغير ذلك من المصالح التي لا تحصى ولا تحصل إلا للمباشر كالصلاة

كذلك مصلحته القربة المالية غالبا إذ لا يعرى عن الإنفاق في سفره غالبا فلما لاحظ غير مالك وموافقيه مصلحته الثانية قالوا تجوز النيابة في الحج ولما لاحظ مالك رضي الله تعالى عنه ومن وافقه مصلحته الأولى قالوا لا تجوز النيابة في الحج وهو أقوى ضرورة أن التي تحصل في الحج بالذات

وأما المالية فإنما حصلت فيه بطريق العرض بدليل أن المكي يحج بلا مال فكما أن المالية قد تعرض في الجمعات فيمن احتاج للركوب إليها فاكترى لذلك ولا

____________________

(2/334)

تحصى ولا تصلح إلا للمباشر كالصلاة في حكمها ومصالحها فمن لاحظ هذا المعنى وهو مالك رضي الله عنه ومن وافقه قالوا لا تجوز النيابة في الحج ومن لاحظ الفرق بين الحج والصلاة ومشابهة النسك في المالية فإن الحج لا يعرى عن القربة المالية غالبا في الإنفاق في الأسفار قال تجوز النيابة في الحج والشائبة الأولى أقوى وأظهر وهي التي تحصل في الحج بالذات والمالية إنما حصلت بطريق العرض كما تحصل فيمن احتاج للركوب إلى الجمعات فاكترى لذلك فإن المالية عارضة في الجمعات ولا تصح النيابة فيها إجماعا فكذلك ينبغي في الحج وهو الأظهر وبه يظهر رجحان مذهب مالك رحمه الله على غيره والله سبحانه أعلم

الفرق الحادي عشر والمائة بين قاعدة ما يضمن وبين قاعدة ما لا يضمن اعلم أن أسباب الضمان في الشريعة ثلاثة لا رابع لها أحدها العدوان كالقتل والإحراق وهدم الدور وأكل الأطعمة وغير ذلك من أسباب إتلاف المتمولات فمن

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

تصح النيابة فيها إجماعا كذلك ينبغي في الحج نعم لغير مالك أن يفرق بأن عروض المال في الحج أكثر مع ما ورد في الأحاديث من الحج عن الصبيان والمرضى يحرم عنهم غيرهم ويفعل أفعال الحج والعبادات أمر متبع ا ه كلام الأصل

وتعقبه ابن الشاط بأن هذا الضابط ينتقض بالصوم فقد صح الحديث بجواز النيابة فيه ا ه ومراده بالحديث حديث الصحيحين عن عائشة مرفوعا من مات وعليه صيام صام عنه وليه

وأما حديثهما عن ابن عباس أتت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إن أمي ماتت وعليها صوم شهر فقال أرأيت لو كان عليها دين أكنت تقضيه قالت نعم قال فدين الله أحق بالقضاء فقال الزرقاني على الموطإ قد أعل بالاضطراب ففي رواية أن السائل امرأة أن أمها ماتت وعليها صوم شهر

وفي أخرى وعليها خمسة عشر يوما وأخرى أن أختي ماتت وعليها صوم شهرين متتابعين وأخرى قال رجل ماتت أمي وعليها صوم شهر نعم أجيب بأنه ليس اضطرابا وإنما هو اختلاف يحمل على اختلاف الوقائع لكنه بعيد لاتحاد المخرج فالروايات كلها عن ابن عباس ا ه فتأمل وسيأتي في الفرق الحادي والسبعين والمائة بين قاعدة ما يجزئ فيه فعل غير المكلف عنه وبين قاعدة ما لا يجزئ فيه فعل الغير عن ابن الشاط أنه مكرر مع هذا وإنما ذكر فيه مسائل لتوضيح الفرق المذكور لم يذكرها هنا فترقب والله تعالى أعلم

الفرق الحادي عشر والمائة بين قاعدة ما يضمن وبين قاعدة ما لا يضمن للضمان ثلاثة أركان الأول ما يجب فيه الضمان والثاني الموجب للضمان والثالث الواجب في

____________________

(2/335)

تعدى في شيء من ذلك وجب عليه الضمان إما المثل إن كان مثليا أو القيمة إن كان مقوما أو غير ذلك من الجوابر على ما تقدم في الفرق بين قاعدة الزواجر والجوابر وثانيها التسبب للإتلاف كحفر الآبار في طرق الحيوان في غير الأرض المملوكة للحافر أو في أرضه لكن حفرها لهذا الغرض وكوقيد النار قريبا من الزرع أو الأندر فتعدو فتحرق ما جاورها وكرمي ما يزلق الناس في الطرقات فيعطب بسبب ذلك حيوان أو غيره وكالكلمة الباطلة عند ظالم إغراء على مال إنسان فإن الظالم إذا أخذ المال بذلك السبب من الكلام ضمنه المتكلم وكتقطيع الوثيقة المتضمنة للحق وللشهادة به فيضيع الحق بسبب تقطيعها فيضمن عند مالك ذلك الحق لتسببه فيه وعند الشافعي يضمن ثمن الورقة خاصة فاعتبر الإتلاف دون السبب ومالك اعتبرهما معا ورأى أنه أتلف الحق بالمباشرة بالإتلاف وأتلف الحق بالتسبب فرتب على الوجهين مقتضاهما وكمن مر على حبالة فوجد فيها صيدا يمكنه تخليصه وحوزه لصاحبه فتركه حتى مات يضمنه عند مالك

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

الضمان فأما ما يجب فيه الضمان فقال في بداية المجتهد كل مال أتلفت عينه أو تلف عند الغاصب أي أو غيره عينه بأمر من السماء أو سلطت اليد عليه وتملك وذلك فيما ينقل ويحول باتفاق واختلفوا فيما لا ينقل ولا يحول مثل العقار فقال الجمهور إنها تضمن بالغصب أعني أنها إن انهدمت الدار ضمن من قيمتها

وقال أبو حنيفة لا يضمن وسبب اختلافهم هل كون يد الغاصب على العقار مثل كون يده على ما ينقل ويحول فمن جعل حكم ذلك واحدا قال بالضمان ومن لم يجعل حكم ذلك واحدا قال لا ضمان ا ه

وأما الموجب للضمان في الشريعة فثلاثة أسباب لا رابع لها فمتى وجد واحد منها وجب الضمان ومتى لم يوجد واحد منها لم يجب الضمان أحدها العدوان كالقتل والطرق وهدم الدور وأكل الأطعمة وغير ذلك من أسباب إتلاف المتمولات قال في بداية المجتهد وهل يشترط في المباشرة أي مباشرة الإتلاف العمد أو لا يشترط فالأشهر أن الأموال تضمن عمدا وخطأ وإن كانوا قد اختلفوا في مسائل جزئية من هذا الباب وهل يشترط فيه أن يكون مختارا فالمعلوم عن الشافعي أنه يشترط أن يكون مختارا ولذلك رأى على المكره الضمان أعني المكره على الإتلاف ا ه وثانيها التسبب للإتلاف قال الأصل وللسبب الموجب للضمان نظائر كثيرة منها متفق عليه ومنها مختلف فيه لكن حصل الاتفاق من حيث الجملة على أن التسبب موجب للضمان وقال فيما يأتي له في الفرق السابع عشر والمائتين والسبب ما يقال عادة حصل الهلاك به من غير توسط والتسبب ما يحصل الهلاك عنده بعلة أخرى إذا كان السبب هو المقتضي لوقوع الفعل بتلك العلة ا ه

وقال في بداية المجتهد واختلفوا في السبب الذي يحصل بمباشرته الضمان إذا تناول التلف بواسطة سبب آخر هل يحصل به ضمان أم لا ولذلك نظائر منها أن يفتح قفصا فيه طائر فيطير بعد الفتح فقال مالك يضمنه هاجه على الطيران أو لا وقال الشافعي يضمن إن هاجه ولا يضمن إن لم يهجه يعني إن طار عقيب الفتح ضمن وإلا فلا

وقال أبو حنيفة لا يضمن على حال واحتج مالك بأن فتح القفص سبب الإتلاف عادة فيوجب

____________________

(2/336)

لأن صون مال المسلم واجب ومن ترك واجبا في الصون ضمن وكذلك إذا مر بلقطة يعلم أنه إذا تركها أخذها من يجحدها وجب عليه أخذها

وإن تركها حتى تلفت مع قدرته على أخذها ضمنها وللسبب الموجب للضمان نظائر كثيرة منها متفق عليه ومنها مختلف فيه لكن حصل الاتفاق من حيث الجملة على أن التسبب موجب للضمان

وثالثها وضع اليد التي ليست بمؤتمنة وقولي ليست بمؤتمنة خير من قولي اليد العادية فإن اليد العادية تختص بالسراق والغصاب ونحوهم وتبقى من الأيدي الموجبة للضمان قبض بغير عدوان بل بإذن المالك كقبض المبيع أو بقاء يد البائع فإنه من ضمان البائع قبل القبض ومن ضمان المشتري بعد القبض مع عدم العدوان وكقبض المبيع بيعا فاسدا فإنه من ضمان المشتري عندنا بالقيمة إذا تغير سوقه أو تغير في ذاته أو تعلق به حق الغير أو تلف بآفة سماوية أو أتلفه المشتري وهذا السبب الأخير متفق عليه بيننا وبين الشافعية دون ما قبله من حوالة الأسواق ونحوها وكقبض العواري والرهون التي يغاب عليها كالحلي والسلاح وأنواع العروض على الخلاف في ذلك بيننا وبين الشافعي وكقبض الأعيان التي تقترض فإن المقترض يضمنها اتفاقا مع عدم العدوان ونظائرها كثيرة وخرج بقولي التي ليست بمؤتمنة اليد المؤتمنة كوضع اليد في الودائع

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

الضمان كسائر صور التسبب المجمع عليها كما إذا فتح مراحه فخرجت ماشيته فأفسدت الزرع فإنه يضمنه وقد أسقط لقوله تعالى فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم خصوص التسبب فبقي الغرم واحتجوا بأنه إذا اجتمع التسبب والمباشرة اعتبرت المباشرة دونه والطير مباشر باختياره لحركة نفسه كمن حفر بئرا عدوانا في محل فأردى فيها غيره إنسانا فإن المردي يضمن دون الحافر والحيوان قصده معتبر بدليل جوارح الصيد إن أمسكت لأنفسها لا يؤكل الصيد أو للصائد أكل والجواب بوجوه الوجه الأول أنا لا نسلم أن الطائر كان مختارا للطيران ولعله كان مختارا للإقامة لانتظار العلف أو خوف الجوارح الكواسر وإنما طار خوفا من الفاتح وإذا احتمل واحتمل والسبب معلوم فيضاف الضمان إليه كحافر البئر يقع فيها حيوان مع إمكان اختياره لنزولها لفزع خلفه أو غير ذلك

الوجه الثاني أنا لا نسلم أن الصيد لا يؤكل إذا أكل منه الجارح سلمناه لكن الضمان متعلق بالسبب الذي توصل به الطائر لمقصده كمن أرسل بازيا على طائر غيره فقتله البازي باختياره فإن المرسل يضمن وهذه المسألة تقتضي اختيار الحيوان

الوجه الثالث أنا لا نسلم أن الفتح سبب مجرد بل هو في معنى المباشرة لما في طبع الطائر من النفور من الآدمي

الوجه الرابع أنا نفرق بين حافر البئر يضمن من أردى إنسانا فيها دونه وبين فاتح القفص فيطير الطائر منه يضمن الفاتح ولم يعتبر قصد الطائر بأن قصد الطائر ونحوه ضعيف لقوله صلى الله عليه وسلم جرح العجماء

____________________

(2/337)

والقراض والمساقاة وأيدي الأجراء

ووضع الأيدي عند مالك في الإجارة تختلف فاستثنى منها صورتين الأجير الذي يؤثر في الأعيان بصنعته كالخياط والصباغ والقصار لأن السلعة إذا تغيرت بالصنعة لا يعرفها ربها إذا وجدها قد بيعت في الأسواق فكان الأصلح للناس تضمين الأجراء في ذلك وهو من باب الاستحسان ولم يره الشافعي رضي الله عنه بل طرد قاعدة الأمانة في الإجارة والأجير على حمل الطعام الذي تتوق النفس إلى تناوله كالفواكه والأشربة والأطعمة المطبوخة فإن الأجير يضمن سدا لذريعة التناول منها وطرد الشافعي القاعدة أيضا ههنا فلم يضمن أيضا وكأيدي الأوصياء على أموال اليتامى والحكام على ذلك وأموال الغائبين والمجانين فجميع ذلك لا ضمان فيه لأن الأيدي فيه مؤتمنة فهذه الأسباب الثلاثة هي أسباب الضمان فهي قاعدة ما يضمن وما عداها فهو قاعدة ما لا يضمن كما تقدم من النظائر وإذا اجتمع منها سببان كالمباشرة والتسبب من جهتين غلبت المباشرة على التسبب كمن حفر بئرا لإنسان ليقع فيه فجاءه آخر فألقاه فيه فهذا مباشر والأول متسبب فالضمان على الثاني دون الأول تقديما للمباشرة على التسبب لأن شأن الشريعة تقديم الراجح عند التعارض إلا أن تكون المباشرة مغمورة كقتل المكره فإن القصاص يجب عليهما ولا تغلب المباشرة لقوة التسبب وكتقديم السم لإنسان في طعامه فيأكله جاهلا به فإنه مباشر لقتل نفسه

وواضع السم متسبب والقصاص على

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

جبار والآدمي يضمن قصد أو لم يقصد فافهم ومنها من حفر بئرا فسقط فيه شيء فهلك فمالك والشافعي يقولان إن حفره بحيث أن يكون حفره تعديا ضمن ما تلف فيه وإلا لم يضمن ويجيء على أصل أبي حنيفة أنه لا يضمن كمسألة الطائر ومنها وقيد النار قريبا من الزرع أو الأندر فتعدو فتحرق ما جاورها ومنها رمي ما يزلق الناس في الطرقات فيعطب بسبب ذلك حيوان أو غيره ومنها الكلمة الباطلة عند ظالم إغراء على مال إنسان فيأخذه الظالم فإن المتسبب في جميعها يضمن ما تلف بسببه عند مالك والشافعي ويجيء على أصل أبي حنيفة أنه لا يضمنه كمسألة الطائر ومنها من قطع الوثيقة المتضمنة للحق والشهادة به يضمن عند مالك ذلك الحق لتسبب فيه كثمن الوثيقة وعند الشافعي يضمن ثمن الوثيقة خاصة فاعتبر الشافعي الإتلاف دون السبب ومالك اعتبرهما معا ورأى أنه أتلف الورقة بالمباشرة بالإتلاف وأتلف الحق بالتسبب فرتب على الوجهين مقتضاهما ومنها من مر على حبالة فوجد فيها صيدا يمكنه تخليصه وحوزه لصاحبه فتركه حتى مات يضمنه لصاحبه عند مالك لأن صون مال المسلم واجب ومن ترك واجبا في الصون ضمن ومنها من مر بلقطة وعلم أنه إذا تركها أخذها من يجحدها يضمنها عند مالك إذا تركها حتى تلفت مع قدرته على أخذها لأنه يجب عليه أخذها ا ه

كلام البداية بتصرف وزيادة مما يأتي للأصل في الفرق المذكور ومن غيره

وثالثها وضع اليد التي ليست بمؤتمنة سواء كانت عادية كيد السراق والغصاب ونحوهم أو ليست بعادية كما في المبيع بيعا صحيحا يبقى بيد البائع فيضمنه أو يقبضه المشتري فيضمنه أو بيعا فاسدا يقبضه المشتري فيضمنه عندنا فقط إذا تغير سوقه أو في ذاته أو تعلق به حق الغير أو تلف بآفة سماوية

____________________

(2/338)

المتسبب وحده وكشهود الزور أو الجهلة يشهدون بما يوجب ضياع المال على إنسان ثم يعترضون بالكذب أو الجهالة فإنهم يضمنون ما أتلفوه بشهادتهم ولا ينقض الحكم

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

وعندنا وعند الشافعية أيضا إذا أتلفه المشتري وكما في قبض العواري والرهون التي يغاب عليها كالحلي والسلاح وأنواع العروض على الخلاف في ذلك بيننا وبين الشافعي وكما في قبض المقترض الأعيان التي يقترضها فإنه يضمنها اتفاقا ونظائر ذلك كثيرة وخرج بقيد التي ليست بمؤتمنة اليد المؤتمنة كوضع اليد في الودائع والقراض والمساقاة وكأيدي الأوصياء على أموال اليتامى والحكام على ذلك وأموال الغائبين والمجانين وكذا أيدي الأجراء في الإجارة مطلقا عند الشافعي ولو كان الأجير صانعا يؤثر بصنعته في الأعيان أو على حمل الطعام الذي تتوق النفس إلى تناوله كالفواكه والأشربة والأطعمة المطبوخة طردا لقاعدة الأمانة في الإجارة واستثنى مالك من القاعدة المذكورة صورتين الأولى الأجير الذي يؤثر في الأعيان بصنعته كالخياط والقصار استحسن فيها أن الأصلح للناس تضمين الأجراء لأن السلعة إذا تغيرت بالصنعة لا يعرفها ربها إذا وجدها قد بيعت في الأسواق

والثانية الأجير على حمل الطعام الذي تتوق النفس إلى تناوله فإنه رحمه الله تعالى يضمن الأجير فيها سدا للذريعة إذا علمت هذا علمت أن جميع ما وضع الأيدي فيه مؤتمنة من النظائر لا ضمان فيه وهي قاعدة ما لا يضمن وأن جميع ما وضع الأيدي فيه غير مؤتمنة من النظائر فيه الضمان كما في مباشرة إتلاف المتمولات والتسبب للإتلاف وأن هذه الأسباب الثلاثة هي أسباب الضمان وهي قاعدة ما يضمن فهذا هو تقرير قاعدة ما يوجب الضمان وقاعدة ما لا يوجبه

وأما الواجب في الضمان فهو إما رد المال بعينه إن كان قائما عنده بعينه لم تدخله زيادة ولا نقصان وإما رد مثله إن استهلك وكان مثليا أما إن كان عروضا من حيوان وغيره فقال مالك لا يقضى فيه إلا بالقيمة يوم استهلك

وقال الشافعي وأبو حنيفة وداود الواجب في ذلك المثل ولا تلزم القيمة إلا عند عدم المثل وعمدة مالك حديث أبي هريرة المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم من أعتق شقصا له في عبد قوم عليه الباقي قيمة العدل الحديث

ووجه الدليل منه أنه لم يلزمه المثل وألزمه القيمة وعمدة الطائفة الثانية فجزاء مثل ما قتل من النعم ولأن منفعة الشيء قد تكون هي المقصودة عند المتعدى عليه ومن الحجة لهم ما خرج أبو داود من حديث أنس وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عنده بعض نسائه فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين جارية بقصعة لها فيها طعام قال فضربت بيدها فكسرت القصعة فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الكسرتين فضم إحداهما إلى الأخرى وجعل فيها جميع الطعام ويقول غارت أمكم كلوا كلوا حتى جاءت قصعتها التي في بيتها وحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم القصعة حتى فرغوا فدفع الصفحة الصحيحة إلى الرسول وحبس المكسورة في بيته وفي حديث آخر أن عائشة كانت هي التي غارت وكسرت الإناء وأنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما كفارة ما صنعت قال إناء مثل إناء وطعام مثل طعام كما في بداية المجتهد وأما غير ذلك من الجوابر على ما تقدم في الفرق التاسع والثلاثين بين قاعدتي الزواجر والجوابر

وصل إذا اجتمع من أسباب الضمان الثلاثة سببان كالمباشرة والتسبب من جهتين كمن حفر بئرا لإنسان ليقع فيه فجاءه آخر فألقاه فيه فهذا مباشر والأول متسبب فالغالب تقديم المباشرة على التسبب لأن شأن الشريعة تقديم الراجح عند التعارض فيقدم في المثال المذكور الملقي فيكون الضمان عليه دون

____________________

(2/339)

ولا يضمن الحاكم شيئا مع أنه المباشر والشاهد متسبب غير أن المصلحة العامة قد اقتضت عدم تضمين الحكام ما اخطئوا فيه لأن الضمان لو تطرق إليهم مع كثرة الحكومات وتردد الخصومات لزهد الأخيار في الولايات واشتد امتناعهم فيفسد حال الناس بعدم الحكام فكان الشاهد بالضمان أولى لأنه متسبب للحاكم في الإلزام والتنفيذ وكما قيل الحاكم أسير الشاهد ويقع في هذا الباب مسائل كثيرة مختلف فيها ولكن الأصل هو ما قدمته في أسباب الضمان وعدمه الفرق الثاني عشر والمائة بين قاعدة تداخل الجوابر في الحج وقاعدة ما لا يتداخل الجوابر فيه في الحج تقدم الفرق بين قاعدة الجوابر والزواجر من حيث الجملة والمقصود ههنا بيان قاعدة ذلك في الحج خاصة أما الصيد فيتعدد الجزاء فيه لأنه إتلاف على قاعدة الإتلاف وهو غير متوقف على الإثم بل يضمن الصيد عمدا وخطأ فأشبه إتلاف أموال الناس فإن الإجماع منعقد على تعدد الضمان فيما يتعدد الإتلاف فيه وأن العمد والخطأ في ذلك سواء وكذلك ههنا ويتحد الجزاء عند أبي حنيفة رحمه الله بالتأويل وعذره الشافعي رضي الله عنه بالتأويل والنسيان والجهل فلم يوجب عليه شيئا كالواطئ في رمضان

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

الحافر وقد لا تقدم المباشرة على التسبب لضعفها عنه بل إما أن يجعل الضمان على المباشر والمتسبب معا إذا كانت المباشرة مغمورة كقتل المكره فإن القصاص يجب عليها ولا تغلب المباشرة لقوة التسبب وإما أن يجعل الضمان على المتسبب وحده إذا وقعت المباشرة من نفس المقتول جهلا كتقديم السم لإنسان في طعامه فيأكله جاهلا به فإنه مباشر لقتل نفسه وواضع السم متسبب فالقصاص على المتسبب وحده أو وقعت المباشرة من الحكام كما إذا شهد شهود الزور أو الجهلة بما يوجب ضياع المال على الإنسان ثم يعترفون بالكذب أو الجهالة فإنهم يضمنون ما أتلفوه بشهادتهم لأنهم متسببون كالمكره بكسر الراء بجامع مطلق التسبب ولا ينقض الحكم ولا يضمن الحاكم شيئا مع أنه المباشر والشاهد متسبب لأن المصلحة العامة قد اقتضت عدم تضمين الحكام ما أخطئوا فيه لأن الضمان لو تطرق إليهم مع كثرة الحكومات وتردد الخصومات لزهد الأخيار في الولايات واشتد امتناعهم فيفسد حال الناس بعدم الحكام فكان الشاهد بالضمان أولى لأنه متسبب للحاكم في الإلزام والتنفيذ وكما قيل الحاكم أسير الشاهد ويقع في هذا الباب مسائل كثيرة مختلف فيها ولكن الأصل هو ما تقدم في أسباب الضمان وعدمه والله أعلم

الفرق الثاني عشر والمائة بين قاعدة تداخل الجوابر في الحج وقاعدة ما لا يتداخل الجوابر فيه في الحج تقدم الفرق بين قاعدتي الجوابر والزواجر مطلقا وأنه اختلف في بعض الكفارات هل هي زواجر لما فيها من مشاق تحمل الأموال وغيرها أو هي جوابر لأنها عبادات لا تصح إلا بنيات وليس التقرب إلى الله تعالى زاجرا بخلاف الحدود والتعزيرات فإنها ليست قربات لأنها ليست فعلا للمزجورين وذكر الشيخ منلا

____________________

(2/340)

ناسيا وألحق الجاهل بالناسي

وقد تقدم الفرق بين الجهل الذي هو عذر في الشريعة والجهل الذي ليس عذرا في الشريعة وبين العلم الذي هو فرض عين والعلم الذي هو فرض كفاية ومقتضى تلك القواعد أن يضمن الجاهل ههنا فإن الأصل وجوب تحصيل العلم وأن تارك التعلم عاص إلا ما يشق من ذلك فيعذر فيه بالجهل كمن أكل طعاما نجسا لا يعلم أو وطئ أجنبية يظنها امرأته أو شرب خمرا يظنه جلابا ونحوه فإن الاحتراز من الجهل في هذه الصور يشق على المكلف فعذره الشرع بهذا الجهل دون ما يمكن الاحتراز منه وقد تقدم بسط هذا فالحق حينئذ أن الضمان على الجاهل وغيره ولذلك أجرى مالك رحمه الله الجاهل في الصلاة مجرى العامد لا مجرى الناسي لاشتراكهما في العصيان هذا بعمده وهذا بترك تعلمه قال مالك رحمه الله من أفسد حجه فأصاب صيدا أو حلق أو تطيب مرة بعد مرة تعددت الفدية وجزاء الصيد إن أصابه واتحد هذا الوطء لأنه للإفساد وإفساد الفاسد محال فإن كان متأولا بسقوط إجزائه أو جاهلا بموجب إتمامه اتحدت الفدية لأنه لم يوجد منه الجرأة على محرم فعذره بالجهل وإن كانت القاعدة تقتضي عدم عذره به لأنه جهل يمكن دفعه بالتعلم كما قال في الصلاة غير أنه لاحظ ههنا

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

علي قاري في شرحه على المنسك المتوسط في كفارات الحج ثلاثة أقوال الأول للشافعية أنها كالحدود زواجر لا جوابر قال فقد ذكر ابن جماعة عن الأئمة الأربعة أنه إذا ارتكب محظور الإحرام عامدا يأثم ولا يخرجه الفدية والعزم عليها عن كونه عاصيا قال النووي وربما ارتكب بعض العامة شيئا من هذه المحرمات وقال أنا أفتدي متوهما أنه بالتزام الفدية يتخلص من وبال المعصية وذلك خطأ صريح وجهل قبيح فإنه يحرم عليه الفعل فإذا خالف أثم ولزمته الفدية وليست الفدية مبيحة للإقدام على فعل المحرم وجهالة هذا الفعل كجهالة من يقول أنا أشرب الخمر وأزني والحد يطهرني ومن فعل شيئا مما يحكم بتحريمه فقد أخرج حجه عن أن يكون مبرورا ا ه

الثاني والثالث لأصحابه الأحناف أنها وسائر الكفارات ليست كالحدود في كونها زواجر بل هي جوابر إما مطلقا أو لغير المصر قال وقد صرح أصحابنا بأن الحد لا يكون طهرة من الذنب ولا يعمل في سقوط الإثم بل لا بد من التوبة فإن تاب كان الحد طهرة له وسقطت عنه العقوبة الأخروية بالإجماع وإلا فلا

وأما الكفارة ففيها قولان الأول لصاحب الملتقط قال في باب الإيمان إن الكفارة ترفع الإثم وإن لم يوجد منه التوبة من تلك الجناية ا ه

والثاني للشيخ نجم الدين النسفي فقد ذكر في تفسير التيسير عند قوله تعالى فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم أي اصطاد بعد هذا الابتداء قيل هو العذاب في الآخرة مع الكفارة في الدنيا إذا لم يتب منه فإنها لا ترفع الذنب عن المصر ا ه وهذا تفصيل حسن وتقييد مستحسن يجمع به بين الأدلة والروايات والله أعلم بحقائق الحالات ا ه بتوضيح للمراد

وكفارات الحج ثلاث الكفارة الأولى جزاء الصيد وهو دم تخيير بين ما يعدله الحكمان يجب لقتل صيد بري في الإحرام

____________________

(2/341)

معنى مفقودا في الصلاة وهو كثرة مشاق الحج فناسب التخفيف غير أن ههنا إشكالا وهو أن النسيان في الحج لا يمنع الفدية وهو مسقط للإثم إجماعا وأسقط مالك بالجهل والتأويل الفاسد الذي يثبت الإثم معهما والإثم أنسب للزوم

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

أو الحرم مأكولا أو غيره وحشيا أو متأنسا مملوكا أو مباحا فيحكم قاتله حكمين عدلين عدالة شهادة فقيهين بأحكام الصيد ولما أشبه جزاء الصيد إتلاف أموال الناس وكان الإجماع منعقدا على تعدد الضمان فيما يتعدد الإتلاف فيه وأن العمد والخطأ في ذلك سواء قاله مالك رحمه الله تعالى يتعدد الجزاء بتعدد الصيد ولو خطأ على قاعدة الإتلاف بل الجاهل ههنا كالجاهل في الصلاة يجري مجرى العامد لا مجرى الناسي لاشتراكهما في العصيان هذا بعمده وهذا بترك تعلمه وبهذا أيضا قال الحنابلة ففي كشاف القناع على الإقناع مع المتن وتتعدد كفارة الصيد أي جزاؤه بتعدده أي الصيد ولو قتلت الصيود معا لقوله تعالى فجزاء مثل ما قتل من النعم قال

وقال أحمد إذا جامع أهله بطل حجه لأنه شيء لا يقدر على رده والصيد إذا قتله فقد ذهب لا يقدر على رده والشعر إذا حلقه فقد ذهب فهذه الثلاثة العمد والخطأ والنسيان فيها سواء قال ويلحق بالحلق التقليم بجامع الإتلاف ا ه

وعند أبي حنيفة يتحد الجزاء بالتأويل وعند الشافعي يعذر بالتأويل والنسيان والجهل فلا يجب عليه شيء كالوطء في رمضان ناسيا فألحق الجاهل بالناسي لا بالعامد وقد تقدم الفرق بين الجهل الذي هو عذر في الشريعة والجهل الذي ليس عذرا في الشريعة وبين العلم الذي هو فرض عين والعلم الذي هو فرض كفاية ومقتضى تلك القواعد أن يضمن الجاهل ههنا فإن الأصل وجوب تحصيل العلم وأن تارك التعلم عاص وليس الجهل ههنا مما يشق الاحتراز منه على المكلف حتى يعذره الشرع به كمن أكل طعاما نجسا لا يعلم أو وطئ أجنبية يظنها امرأته أو شرب خمرا يظنها جلابا ونحو ذلك ولذلك أجرى مالك رحمه الله تعالى الجاهل في الصلاة مجرى العامد لا مجرى الناسي لاشتراكهما في العصيان هذا بعمده وهذا بترك تعلمه

الكفارة الثانية الفدية وهي دم تخيير بين مقدر شرعا في قوله تعالى ففدية من صيام أو صدقة أو نسك يجب بفعل المتلبس بالإحرام ما فيه ترفه أو إزالة أذى من الممنوعات كأن يلبس مخيطا معمولا على قدر البدن أو بعضه على الوجه المعتاد أو يستعمل طيبا مؤنثا أو يدهن شعر رأسه أو لحيته أو سائر جسده ولو لم يكن في الدهن طيب ما لم يدهن باطن كفه وقدميه لشقوق ونحوها بما لا طيب فيه وإلا فلا فدية أو يزيل وسخا عن ظاهر بدنه أو يزيل ظفرا واحدا لإماطة أذى عنه أو ظفرين فأكثر للترفه لا ظفرا واحدا لكسر بقدره أو يزيل شعرا كثيرا زائدا على اثني عشر مطلقا أو شعرة واحدة لإماطة أذى عنه أو يقتل قملا كثيرا زائدا على اثني عشر ولا يوجبها اللبس إلا إذا انتفع به من حر أو برد أو دام عليه كاليوم كما في ابن شاس فقيد بقوله كاليوم لأنه انتفاع من حر أو برد في الجملة ويوجبها ما عدا اللبس بلا تفصيل لأنه لا يقع إلا منتفعا به كما في عبق وقاعدة الفدية أن النسيان والعذر في ارتكاب موجبها لا يسقطها وإنما يسقط الإثم كما في الأصل والمختصر وضابط قاعدة ما تتحد فيه وما تتعدد عند مالك وأبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه متى ارتكبت موجباتها لمستند محقق أو اتحدت النية أو الزمان بأن يكون الكل على الفور أو السبب بأن يقدم ما نفعه أعم على ما نفعه أخص عندنا أو يتحد المرض أو غيره عند أبي حنيفة اتحدت الفدية ويزاد عند أبي حنيفة أو اتحد الجنس قال في المنسك المتوسط المسمى بلباب المناسك

____________________

(2/342)

الجابر من عدم الإثم

وضابط قاعدة ما تتحد الفدية فيه وما تتعدد أنه متى اتحدت النية أو المرض الذي هو السبب أو الزمان بأن يكون الكل على الفور اتحدت الفدية ومتى وقع التعدد في النية أو السبب أو الزمان تعددت الفدية ويظهر ذلك بالفروع قال مالك

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

وما ذكر من اتحاد الجزاء في تعدد الجناية إنما هو فيما إذا اتحد جنس الجناية فاللبس جنس والطيب جنس والحلق جنس وقلم الأظفار جنس ا ه أي وقس على ذلك ومتى ارتكبت موجباتها جهلا محضا أو تعددت النية أو الزمان أو السبب بأن يقدم ما نفعه أخص على ما نفعه أعم عندنا وعند أبي حنيفة بأن يلبس في موضعين أحدهما لعذر والآخر لغير عذر أو لعذر آخر سواء يكون على وجه الاستمرار أو الانفصال بينهما بالخلع والاسترجاع كما في شرح القاري على المنسك المتوسط أو كفر للموجب الأول قبل فعل الثاني كأن لبس ثم كفر ودام على لبسه أو نزع ثم كفر ثم لبس تعددت الفدية ويزاد عند أبي حنيفة أو يجمع بين الأجناس المختلفة في مجلس واحد قال في المنسك المتوسط فإذا جمع بينهما في مجلس واحد لم يتحد الجزاء بل يتعدد لكل جنس موجبه بفتح الجيم أي الذي أوجبه الشارع بحسب اختلاف موجبه فمواضع اتحادها عند أصحابنا أربعة وعند الإمام أبي حنيفة رحمه الله خمسة الموضع الأول ظن إباحة أسبابها لمستند وصورة عندنا قال الحطاب ثلاثة الأولى قال سند من يطوف على غير وضوء في عمرته ثم يسعى ويحل أي فينعقد أنه خرج من إحرامه فيفعل سائر موجبات الفدية الثانية من يرفض إحرامه فيعتقد استباحة موانعه

الثالثة من أفسد إحرامه بالوطء ثم فعل موجبات الفدية متأولا بأن الإحرام تسقط حرمته بالفساد أو جاهلا بوجوب إتمامه ا ه بتوضيح للمراد

وفي الأصل قال مالك رحمه الله من أفسد حجه فأصاب صيدا أو حلق أو تطيب مرة بعد مرة تعددت الفدية وجزاء الصيد إن أصابه واتحد الهدي ولو تعدد الوطء لأنه للإفساد وإفساد الفاسد محال فإن كان متأولا بسقوط جزائه أو جاهلا بموجب إتمامه اتحدت الفدية لأنه لم يوجد منه الجرأة على محرم فعذره بالجهل وإن كانت القاعدة تقتضي عدم عذره به لأنه جهل يمكن دفعه بالتعلم كما قال في الصلاة غير أنه لاحظ ههنا معنى مفقودا في الصلاة وهو كثرة مشاق الحج فناسب التخفيف غير أن ههنا إشكالا وهو أن النسيان في الحج لا يمنع الفدية وهو مسقط للإثم إجماعا وأسقط مالك أي الجابر بالجهل والتأويل الفاسد الذي يثبت الإثم معهما والإثم أنسب للزوم الجابر من عدم الإثم قاله الأصل ولا يخفاك أنه لم يسقط بهما الجابر رأسا بل إنما أسقط تعدده بتعدد موجبه نظرا لكثرة مشاق الحج فتأمل بدقة وعند الأحناف قال في رد المحتار نقلا عن اللباب واعلم أن المحرم إذا نوى رفض الإحرام فجعل يصنع ما يصنعه الحلال من لبس الثياب والتطيب والحلق والجماع وقتل الصيد فإنه لا يخرج بذلك من الإحرام وعليه أن يعود كما كان محرما ويجب دم واحد لجميع ما ارتكب ولو كل المحظورات وإنما يتعدد الجزاء بتعدد الجنايات إذا لم ينو الرفض ثم نية الرفض إنما تعتبر ممن زعم أنه خرج منه بهذا القصد لجهله مسألة عدم الخروج وأما من علم أنه لا يخرج منه بهذا القصد فإنها لا تعتبر منه ا ه

قلت ولا يخفاك أن هذا تداخل لجميع المحظورات لا لخصوص موجبات الفدية وهو فسحة في الدين فاحفظه

____________________

(2/343)

في المدونة إذا لبس قلنسوة لوجع ثم نزعها وعاد إليه الوجع فلبسها إن نزعها معرضا عنها فعليه في اللبس الثاني والأول فديتان وإن كان نزعها ناويا ردها عند مراجعة المرض ففدية واحدة لأجل اتحاد النية والسبب ولو لبس الثياب مرة بعد مرة ناويا لبسها إلى برئه

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

الموضع الثاني عندنا أن يتعدد موجبها بفور واحد ولو لم يكن من جنس واحد بأن يلبس ويتطيب ويحلق ويقلم سواء كان السبب واحدا أو متعددا بأن يلبس لعذر ويفعل الباقي لغير عذر لكن بشرط أن لا يخرج للأول قبل أن يفعل ما بعده وإلا تعددت وفي كون المراد بالفور حقيقته أي من غير فصل بأن تكون تلك الأفعال في وقت واحد وهو ما يفيده ظاهر المدونة وأقره ابن عرفة أو مجازه وأن اليوم فور والتراخي يوم وليلة لا أقل وهو ما اقتضاه كلام ابن الحاجب واقتصر عليه التتائي خلاف اعتمد عبق الأول وسلم البناني وغيره وعند الأحناف أن يتعدد موجبها بفور واحد بثلاثة شروط الأول أن يكون من جنس واحد لا من أجناس وإلا تعددت كما علمت الثاني أن لا يكفر للأول وإلا فكفارتان كما يعلم مما مر الثالث أن يتحد السبب في تعدد ذلك الموجب قال في لباب المناسك مع بعض من شرح القاري وهذا إذا اتحد سبب اللبس فإن تعدد السبب كما إذا اضطر إلى لبس ثوب فلبس ثوبين فإن لبسهما على موضع الضرورة نحو أن يحتاج إلى قميص فلبس قميصين أو قميصا وجبت أو يحتاج إلى قلنسوة فلبسها مع العمامة فعليه كفارة واحدة لأن محل الجناية متحد فلا نظر إلى الفعل المتعدد يتخير فيها لوقوع أصل الجناية لضرورة ما صرح به في المحيط وكذا إذا لبسهما على موضعين لضرورة بهما في مجلس واحد بأن لبس عمامة وخفا بعذر فيهما فعليه كفارة واحدة يتخير فيها لأن اللبس على وجه واحد وإن لبسهما على موضعين مختلفين موضع الضرورة وغير الضرورة كما إذا اضطر إلى لبس العمامة فلبسها مع القميص مثلا أو لبس قميصا للضرورة وخفين من غير ضرورة فعليه كفارتان كفارة الضرورة يتخير فيها وكفارة الاختيار لا يتخير فيها أي بل يتحتم الكفارة عنها وهذا الحكم في الحلق بأن حلق بعض أعضائه لعذر وبعضها لغير عذر ولو في مجلس يتعدد الجزاء وهذا في الطيب ا ه

واعتمدوا أن اليوم أي مقداره في اللباس كالمجلس في غيره قال القاري على اللباب عند قوله عطفا على ما يتحد فيه الجزاء مع تعدد اللبس وجمع اللباس كله في مجلس أو يوم ما نصه واعلم أنه ذكر بعضهم ما يفيد أن اليوم في اتحاد الجزاء في حكم اللبس كالمجلس في غيره من الطيب والحلق والقص والجماع كما سيأتي لأنه ذكر الفارسي والطرابلسي أنه إن لبس الثياب كلها معا ولبس خفين فعليه دم واحد وإن لبس قميصا بعض يومه ثم لبس في يومه سراويل ثم لبس خفين وقلنسوة فعليه كفارة واحدة فقيد باليوم لا بالمجلس وفي الكرماني ولو جمع اللباس كله في يوم واحد فعليه دم واحد لوقوعه على جهة واحدة وسبب واحد فصار لجناية واحدة ومثله ما ذكر بعضهم في حلق الرأس إذا حلق في أربع مجالس عليه دم واحد وقيل عليه أربع دماء وقد صرح في منية المناسك بتعدد الجزاء في تعدد الأيام حيث قال وإن لبس العمامة يوما ثم لبس القميص يوما آخر ثم الخفين يوما آخر ثم السراويل يوما آخر فعليه لكل لبس دم ثم قال والمعتبر مقدار اليوم لا عينه وبهذا صح قوله وحكم الليل كاليوم أي في جميع ما ذكر ا ه

____________________

(2/344)

من مرضه أو لم يكن به وجع وهو ينوي لبسها مرة جهلا أو نسيانا أو جرأة فكفارة واحدة لاتحاد النية وكذلك الطيب مع اتحاد النية وتعددها فإن داوى قرحة بدواء فيه طيب ففديتان لتعدد السبب والنية وإن احتاج في فور واحد لأصناف من المحظورات

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

الموضع الثالث عندنا أن ينوي التكرار ولو بعد ما بين الأول والثاني بشرط أن يفعل الثاني قبل أن يخرج للأول قال عبق وصور نية التكرار ثلاث الأول أن ينوي فعل كل ما يحتاج إليه من موجبات الفدية

الثانية أن ينوي فعل موجب من موجبات الفدية ويفعل ذلك أو متعددا منه قال الحطاب بأن يلبس لعذر وينوي أنه إذا زال العذر تجرد فإن عاد إليه العذر عاد إلى اللبس أو يتداوى بدواء فيه طيب وينوي أنه كلما احتاج إلى الدواء فعل ومحل النية من حين لبسه الأول قاله سند وهو الذي يفهم من لفظ المدونة وأما من لبس ثوبا ثم نزعه ليلبس غيره أو نزعه عند النوم ليلبسه إذا استيقظ فقال هذا فعل واحد متصل في العرف ولا يضر تفرقته في الحس وقد صرح في المدونة بأن في ذلك فدية واحدة ا ه

الصورة الثالثة أن ينوي متعددا من موجبات الفدية معينا فلا تتعدد عليه الفدية في صورة من الصور الثلاث بفعل ما نواه أو بفعل بعضه وسواء كانت نيته في الصور الثلاث عند فعل موجب من موجبات الفدية أو عند إرادة فعله أو قبلهما وقول تت عقب قول خليل التكرار عند الفعل الأول ا ه مثله نية التكرار عند الإحرام كما يفيده الحطاب والمواق وغيرهما فإنما احترزا به عن نية التكرار بعد الفعل الأول ا ه كلام عبق بتصرف وزيادة

ومراده قول الحطاب فرع مما تتحد فيه الفدية إذا كانت نية فعل جميع ما يحتاج إليه من موجبات الفدية قاله اللخمي ونقله خليل في المناسك ا ه وفي المواق واللخمي إن لبس وتطيب وحلق وقلم فإن كانت بنية فعل جميعها فعليه فدية واحدة وإن بعد ما بين تلك الأفعال فذلك سواء وإن كانت نيته أحدها ثم حدثت نية ففعل أيضا كان لكل شيء من ذلك فدية إلا إن فعل في فور واحد ا ه نعم قد مر عن الحطاب في الصورة الثانية أن محل النية من حين لبسه الأول قاله سند وهو يفهم من لفظ المدونة ا ه وسيأتي لفظ المدونة الذي يفهم منه ذلك ويمكن أن يقال إنما احترز به عن نية التكرار بعد الفعل الأول فعلم ما في تنظير البناني على قوله مثله نية التكرار عند الإحرام فتأمل بإنصاف ولا تنظر لمن قال وسواء كانت نية التكرار للموجب الواحد أو المتعدد لعذر واحد أو متعدد أو جهلا أو نسيانا أو جرأة ففي عبق أن قول تت أما لو تداوى لقرحة أخرى لتعددت ا ه

يحمل على ما إذا لم ينو مداواة الثانية عند الأولى ا ه وسلمه البناني وغيره

وقال مالك في المدونة إذا لبس قلنسوة لوجع ثم نزعها وعاد إليه الوجع فلبسها إن نزعها معرضا عنها فعليه في اللبس الثاني والأول فديتان وإن كان نزعها ناويا ردها عند مراجعة المرض ففدية واحدة لأجل اتحاد النية والسبب ولو لبس الثياب مرة بعد مرة ناويا لبسها إلى برئه من مرضه أو لم يكن به وجع وهو ينوي لبسها مرة جهلا أو نسيانا أو جرأة فكفارة واحدة لاتحاد النية ا ه نقله الأصل وعند الأحناف عدم العزم على الترك عند النزع بثلاثة شروط تعلم مما مر أحدها أن لا يكفر عن الأول

الثاني اتحاد جنس الموجب

الثالث اتحاد السبب قال القاري على اللباب مع المتن ولو كان به حمى غب بكسر الغين المعجمة وتشديد الموحدة أو بأن تأتي يوما بعد يوم ونحو ذلك فجعل يلبس المخيط يوما أي للاحتياج إليه وينزعه

____________________

(2/345)

فلبس خفين وقميصا وقلنسوة وسراويل فكفارة واحدة وإن احتاج إلى خفين فلبسهما ثم احتاج إلى قميص فلبسه فعليه كفارتان لتعدد السبب وإن قلم اليوم ظفر يده وفي غد ظفر يده الأخرى ففديتان لتعدد الزمان وإن لبس وتطيب وحلق وقلم ظفره في فور واحد ففدية

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

يوما للاستغناء عنه فما دامت الحمى تأخذه فاللبس متحد وعليه كفارة واحدة وإن زالت هذه وحدثت أخرى اختلف حكم اللباس فعندهما عليه كفارتان كفر للأول أو لا وعنده كفارة واحدة إن لم يكفر وإن كفر فكفارة أخرى على ما في البدائع وغيره أو حصره عدو أي في حصن ونحوه فاحتاج إلى اللبس للقتال أياما أي مثلا يلبسها إذا خرج عليه أي على العدو أو بعكسه وينزعها إذا رجع أي هو أو عدوه أو لم ينزع أصلا أي ولو رجع العدو أو لم يرجع أي للعدو ولكن يلبس في وقت وينزع في وقت أي والعلة قائمة بأن لم يذهب هذا العدو فإن ذهب وجاء عدو غيره لزمه كفارة أخرى أو كان به أي وقع بالمحرم ضرورة أخرى أي غير ضرورة الإحصار لأجلها يلبس في النهار أي للاحتياج إليه وينزع في الليل للاستغناء عنه أو فعل بالعكس أي بأن لبس في الليل ونزع في النهار لبرد أو غيره من الضرورات أو لم ينزع ولو مع الاستغناء عنه والعلة لازمة لأن لزومها يقوم مقام دوامها فما دام العذر أي موجودا حقيقة وحكما فاللبس متحد في جميع ما ذكر من الصور وعليه كفارة واحدة أي للتداخل يتخير فيها أي لارتكابه معذورا فإن زال العذر الذي لأجله لبس أي بالكلية بيقين فنزع أو لم ينزع وحدث عذر آخر أي فلبس أو لم يحدث عذر ولكن دام على اللبس أي بلا عذر فعليه كفارة أخرى فإذا كان على شك من زوال العذر فاستمر أي على لبسه فعليه كفارة واحدة ما لم يتيقن زواله والأصل في جنس هذه المسائل أنه ينظر إلى اتحاد الجهة واختلافها لا إلى صورة اللبس لكن هنا دقيقة وهي أنه إذا كان بقاء العذر حكميا أو زواله حقيقيا فالظاهر أنه يجب عليه نزعه لئلا يكون عاصيا وإن سقط عنه الكفارة في هذه الصورة فلبقاء العلة في الجملة ا ه بتغير ما

الموضع الرابع أن يتحد السبب وقد مر أن صورته عند الأحناف أن يلبس في موضعين من الجسد كليهما بعذر أو كليهما بغير عذر وعند أصحابنا أن يقدم ما نفعه أعم على ما نفعه أخص كأن يلبس أولا الثوب ثم السراويل أو يقدم القلنسوة على العمامة أو القميص على الجبة إذا كان القميص أطول من الجبة والسراويل أما إذا طالت السراويل أو الجبة طولا له بال يحصل به انتفاع أو دفع حر أو برد فيتعدد كما إذا عكس فقدم السراويل على القميص ففي الجلاب إن احتاج إلى قميص فلبسه ثم احتاج إلى سراويل فلبسها فكفارة واحدة لحصول الستر من القميص لجميع الجسد فإن احتاج إلى سراويل ثم إلى قميص ففديتان لأنه استفاد بالقميص من الستر ما لم يستفده من السراويل نقله الأصل

فرع إذا تعدد موجب الحفنة بأن قتل قملا قليلا وأزال شعرا قليلا لا لإماطة أذى وقلم ظفرا واحدا لا لإماطة أذى أيضا وألقى قرادا كثيرا أو قليلا عن بعيره جرى فيه مثل ذلك أيضا فتتحد إن ظن الإباحة لمستند أو فعل ذلك في فور إذا لم يخرج للأول قتل الثاني وإلا تعددت الجفنة كما إذا تراخى ما بينهما كذا في عبق وحاشية شيخنا على توضيح المناسك

الموضع الخامس عند الأحناف خاصة أن يتحد الجنس كما مر توضيحه عن اللباب هذا وقول الأصل وضابط قاعدة ما تتحد الفدية فيه وما تتعدد أنه متى اتحدت النية أو المرض الذي هو السبب أو الزمان بأن

____________________

(2/346)

واحدة وإن تعددت المحال تعددت الفدية وقاله أبو حنيفة رحمه الله وقال الشافعي رضي الله عنه هذه أجناس لا تتداخل كالحدود المختلفة وحجة مالك رحمه الله أن المعتبر هو الترفه وهو مشترك بينهما فالموجب واحد

وموجب الجميع واحد وهو الفدية

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

يكون الكل على الفور اتحدت الفدية ومتى وقع التعدد في النية أو السبب أو الزمان تعددت الفدية ا ه فيه نظر بوجهين أحدهما أن فيه قصورا لا يخفى من الضابط المار

ثانيهما أن السبب لا ينحصر في المرض لا عندنا ولا عند أبي حنيفة أما عندنا فلأنه مطلق الانتفاع ولو لغير مرض وأما عند أبي حنيفة فلأنه كما علمت المرض أو غيره فتأمل بإنصاف ولا تنظر لمن قال وأما ضابط التداخل وعدمه عند الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى فهو أنه متى اتحد السبب أو الجنس ولو تعدد الزمان اتحدت الفدية وقيل إنه متى اتحد السبب فقط اتحدت ومتى تعدد السبب أو الجنس أو تعدد السبب فقط تعددت قال في كشاف القناع على الإقناع مع المتن وإن كرر محظورا من جنس غير قتل صيد مثل أن حلق ثم أعاد أو قلم ثم أعاد أو لبس مخيطا ثم أعاد أو تطيب ثم أعاد أو وطئ ثم أعاد أو فعل غيرها من المحظورات كأن باشر دون الفرج ثم أعاد ذلك ثانيا ولو غير الموطوء أولا أو كان تكريره للمحظور يلبس مخيطا في رأسه فعليه فدية واحدة قال في الشرح بأن لبس قميصا وسراويل وعمامة وخفين كفاه فدية واحدة لأن الجميع يلبس فأشبه الطيب في رأسه وبدنه أو بدواء فيه طيب ذكره في الإنصاف المذهب وأن عليه الأصحاب وبناه في المستوعب على رواية أن الحكم يختلف باختلاف الأسباب لا باختلاف الأوقات والأجناس وهو ظاهر إذ الطيب وتغطية الرأس جنسان كما تقدم ويمكن حمل كلامه على تكرار الطيب فقط بأن تطيب أولا ثم أعاده بدواء مطيب فهذا جنس واحد لا لبس معه ولا تغطية رأس بخلاف ما لو غطى رأسه ثم أعاده بدواء مطيب فإنه على مقتضى كلامه يلزمه فديتان لتغطية الرأس فدية وللطيب فدية وقوله قبل التكفير عن الأول متعلق بأعاد ف عليه كفارة واحدة تابع الفعل أو فرقه لأن الله تعالى أوجب في حلق الرأس فدية واحدة ولم يفرق بين ما وقع في دفعة أو دفعتان فلو قلم ثلاثة أظفار أو قطع ثلاث شعرات في أوقات قبل التكفير لزمه دم أو صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين ولم تلزمه ثانية لما تقدم وإن كفر عن الفعل الأول لزمه عن الثاني كفارة ثانية لأن السبب الموجب للكفارة الثانية غير عين السبب الموجب للكفارة الأولى أشبه ما لو حلف ثم حنث وكفر ثم حلف وحنث ا ه بحروفه

قال الأصل ومذهب الشافعي رحمه الله تعالى أن موجبات الفدية أجناس لا تتداخل كالحدود المختلفة وحجة مالك رحمه الله تعالى أن المعتبر هو الترفه وهو مشترك بينهما فالموجب بالكسر واحد وموجب الجميع بالفتح واحد وهو الفدية فتتداخل كحدود شرب الخمر المختلفة الأنواع

الكفارة الثالثة الهدي وهو دم مرتب بين مقدر شرعا في قوله تعالى فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة يجب لفساد إحرام أو تمتع أو قران أو نقص في إحرام كترك نحو واجب من واجباته أو فوات حج وكمذي أو مقدمات جماع بلا إنزال أو إنزال بمجرد النظر والفكر أو لنذر عين للمساكين أو أطلق أو يكون تطوعا ولا يتحد الهدي

____________________

(2/347)

فتتداخل كحدود شرب الخمر المختلفة الأنواع وفي الجلاب إن احتاج إلى قميص فلبسه ثم احتاج إلى سراويل فلبسه فكفارة واحدة لحصول الستر من القميص لجميع الجسد وإن احتاج إلى سراويل ثم إلى قميص ففديتان لأنه استفاد بالقميص من الستر ما لم يستفده من السراويل فهذا تحقيق الفرق بين ما يتداخل في الحج وما لا يتداخل

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

مع تعدد سببه إلا في خمس مسائل تصيدتها من كلام أصحابنا الآن ويخلق ما لا تعلمون المسألة الأولى تكرر الوطء المسألة الثانية ترك النزول بالمزدلفة ومبيت ليالي منى ورمي جميع الجمرات ولو عمدا على المعتمد ويدخل بالأولى ترك مبيت ليالي منى فقط وترك رمي جميع الجمرات فقط كما لا يخفى

المسألة الثالثة ترك ذي النفس طواف القدوم مع تأخير السعي للإفاضة المسألة الرابعة ترك الإتيان بالتلبية عقب الإحرام وعقب السعي معا

المسألة الخامسة ترك القادر المشي في الطواف والسعي معا وبالجملة فدماء الحج عندنا ثلاثة مجموعة في قولي ثلاثة دماء حج حصروا أحدها المرتب المقدر وذا هو الهدي لنقص أو فساد فوات حج أو تمتع يراد قران أو نذر لمسكين بدا أو مطلقا أو ذا تطوع غدا والثان جا مخيرا مقدرا وذا هو الفدية حيثما ترى والثالث المخير المعدل وذا جزاء الصيد حيث يحصل وجعل الشافعية في الوطء المفسد والحصر عن إتمام الشك دما مرتبا معدلا لا مقدرا فأوجبوا ذبح الشاة على القادر المحصور للتحلل وعلى العاجز العدول إلى الإطعام في محل الإحصار بقدر قيمة الشاة بتقويم عدلين من المسلمين وعلى العاجز عنه أيضا العدول إلى الصوم عن كل مد يوما حيث شاء وأوجبوا في الوطء المفسد ذبح بدنة فإن عجز عنها فبقرة فإن عجز عنها فسبع شياه من الغنم فإن عجز عنها قوم البدنة عدلان من المسلمين وأخرج بقيمتها طعاما فإن عجز صام بعدد الأمداد أياما فدماء الحج عندهم أربعة المرتب إما مقدر أو معدل والمخير إما مقدر أو معدل والذي يتداخل منها عند أصحابنا الفدية في أربعة مواضع والهدي في خمس مسائل وقد جمعتها في قولي تتحد الفدية مع تعدد لسبب بأربع لم تزد أحدها أن تفعل الأسباب في وقت ونحوه وثانيها قفي نية تكرار لفعل ما إليه أداه عذره الذي يطرا عليه ثالثها تقديم ما نفعا أعم على أخص لم يزد على الأعم رابعها ظن إباحة السبب لمقتض من نحو رفض ما ارتكب واتحد الهدي كذا بخمسة فأول تكرار وطء فاثبت والثان ترك لنزول جمع والرمي والمبيت رأسا فاوع

____________________

(2/348)

الفرق الثالث عشر والمائة بين قاعدة التفضيل بين المعلومات وهي عشرون قاعدة القاعدة الأولى تفضيل المعلوم على غيره بذاته دون سبب يعرض له يوجب التفضيل له على غيره وله مثل أحدها الواجب لذاته المستغني في وجوده عن غيره كذات الله سبحانه وتعالى وصفاته المعنوية السبعة وهي العلم والقدرة والإرادة والحياة والكلام النفساني والسمع والبصر

وثانيهما العلم حسن لذاته وهو أفضل من الظن للقطع بعدم الجهل معه وتجويز الجهل مع الظن وذلك لذات العلم لا لصفة قامت به كما أن الجهل نقيصة لذاته لا لصفة قامت به أوجبت نقصه بخلاف الجاهل والعالم نقص الجاهل لصفة

هامش أنوار البروق

قال الفرق الثالث عشر والمائة بين قاعدة التفضيل بين المعلومات وهي عشرون قاعدة

قلت الفضل كون معلوم ما منفردا بصفة مدح أو بمزية في صفة مدح والتفضيل على ضربين عقلي ووضعي ومعنى العقلي أن فضل المتصف بالفضل لمعقوله لا لغير ذلك ومعنى الوضعي أن فضل المتصف به ليس لمعقوله بل لموجب غيره أوجب له ذلك

هامش إدرار الشروق

وثالث تأخيره للسعي مع ترك قدوم لا لعذر قد وقع ورابع يا صاح ترك التلبيه من بعد إحرام وسعي فادريه والخامس الركوب في الطواف والسعي لا لحاجة توافي والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق الثالث عشر والمائة بين قاعدة التفضيل بين المعلومات الفضل كون معلوم ما منفردا بصفة مدح أو بمزية في صفة مدح والتفضيل على ضربين الأول عقلي بأن يكون الفضل لمعقول المتصف به لا لغير ذلك

والثاني وضعي بأن يكون الفضل لا لمعقول المتصف به بل لموجب غيره أوجب له ذلك وذلك أن التفضيل بين المعلومات إن كان بحسب الذات أو بحسب الصفة الحقيقية فهو عقلي وإن كان بغير ذلك كأن يكون بالطاعة أو بكثرة الثواب أو بشرف الموصوف أو الصدور أو لمدلول أو الدلالة أو التعلق أو المتعلق أو بكثرة التعلق أو بالمجاورة أو بالحلول أو بالإضافة أو بالأنساب والأسباب أو بالثمرة والجدوى أو بأكثرية الثمرة أو بالتأثير أو بجودة النية والتركيب أو باختيار الرب لمن يشاء على من يشاء ولما يشاء على ما يشاء فهو وضعي فقاعدة التفضيل ترجع إلى عشرين قاعدة بل قال ابن الشاط لا أعرف الآن دليل صحة حصر وجوه التفضيل في عشرين قاعدة ا ه

أي بل إنها

____________________

(2/349)

قامت به وهي الجهل وفضل العالم لصفة قامت به وهي العلم

وثالثها الحياة أفضل من الموت لذاتها لا لمعنى أوجب لها ذلك وسبب تفضيلها كونها يتأتى معها العلم والقدرة والإرادة وغير ذلك من التصرفات وصفات الكمال كالنبوءة والرسالة وغيرهما وتعذر جميع ذلك مع الموت

وتلك الحياة لذاتها لا لمعنى أوجب لها ذلك

القاعدة الثانية التفضيل بالصفة الحقيقية القائمة بالمفضل وله مثل أحدها تفضيل العالم على الجاهل بالعلم

وثانيها تفضيل الفاعل المختار على الموجب بالذات بسبب الإرادة والاختيار القائم به

وثالثها تفضيل القادر على العاجز بسبب القدرة الوجودية القائمة به فهذا كله تفضيل بالصفات القائمة بالمفضل لا لذاته وبه خالف القاعدة الأولى

هامش أنوار البروق

قال شهاب الدين القاعدة الأولى تفضيل المعلوم على غيره بذاته دون سبب يعرض له يوجب التفضيل له على غيره وله مثل أحدها الواجب لذاته المستغني في وجوده عن غيره كذات الله سبحانه وتعالى وصفاته المعنوية السبعة وهي العلم والقدرة والإرادة والحياة والكلام النفساني والسمع والبصر قلت ما قاله من أن التفضيل بالذات له مثل ليس بصحيح بل لا مثال له إلا واحد وهو ذات الله تعالى وصفاته ولا يسوغ أن يقال إنها مثل باعتبار الذات والصفات لأنه لا يسوغ أن يقال إنها غيره

قال وثانيها العلم حسن لذاته قلت ما قاله في ذلك ليس بجار على مذهب الأشعرية في قولهم إن الحسن والقبح ليسا بذاتيين وإنما يجري ذلك على مذهب المعتزلة فقوله ليس بصحيح قال وهو أفضل من الظن للقطع بعدم الجهل معه وتجويز الجهل مع الظن قلت ما قاله هنا كلام ساقط عديم التحصيل كيف يكون العلم أفضل من الظن بسبب القطع

هامش إدرار الشروق

تزيد على ذلك وقال الأصل وأسباب التفضيل كثيرة لا أقدر على إحصائها خشية الإسهاب وإنما بعثني على الوصول فيها إلى هذه الغاية ما أنكره بعض فضلاء الشافعية على القاضي عياض رحمهما الله تعالى من قوله إن الأمة أجمعت على أن البقعة التي ضمت أعضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل البقاع فقال الثواب على العمل هو سبب التفضيل والعمل ههنا متعذر ضرورة أن العمل على قبره صلى الله عليه وسلم محرم فيه عقاب شديد فضلا عن أن يكون فيه أفضل المثوبات فكيف مع عدم الثواب يصح هذا الإجماع وشنع عليه كثيرا وما بلغني أيضا عن المأمون بن الرشيد الخليفة أنه قال أسباب التفضيل أربعة وكلها كملت في علي رضي الله عنه فهو أفضل الصحابة وأخذ يرد بذلك على أهل السنة فأردت ببيان تعدد الأسباب والوصول فيها إلى هذه الغاية أن أبطل ما ادعياه من الحصر من حيث إن أسبابه أعم من الثواب بل ومن الأربعة التي زعم المأمون الحصر فيها وإلا لما كان جلد المصحف بل ولا المصحف نفسه أفضل من غيره لتعذر العمل فيه ولعدم تحقق الأسباب الأربعة فيه وهو خلاف المعلوم من الدين بالضرورة ا ه بتصرف وزيادة

القاعدة الأولى تفضيل المعلوم على غيره بذاته وليس له إلا مثال واحد وهو ذات الله سبحانه وتعالى وصفاته المعاني السبعة وهي العلم والإرادة والقدرة والحياة والكلام النفساني والسمع والبصر إذ لا يسوغ أن يقال في صفات المعاني إنها غير الذات كما لا يصح أن يقال إنها عين الذات لأنا لو قلنا هي هو لأدى

____________________

(2/350)

القاعدة الثالثة التفضيل بطاعة الله تعالى وله مثل أحدها تفضيل المؤمن على الكافر

وثانيها تفضيل أهل الكتاب على عبدة الأوثان فأحل الله عز وجل طعامهم وأباح تزويجنا نساءهم دون عبدة الأوثان فإنه جعل ما ذكوه كالميتة وتصرفهم فيه بالذكاة كتصرف الحيوان البهيمي من السباع والكواسر في الأنعام لا أثر لذلك وجعل نساءهم كإناث الخيل والحمير محرمات الوطء كل ذلك اهتضام لهم لجحدهم الرسائل والرسل وأهل الكتاب عظموا الرسل والرسائل من حيث الجملة فقالوا بصحة نبوة موسى وعيسى وغيرهما من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وبصحة التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب فحصل لهم هذا النوع من التعظيم والتمييز بحل

هامش أنوار البروق

بعدم الجهل معه وتجويز الجهل مع الظن وقد زعم أنه حسن لذاته والذاتي لا يعلل وكيف يجوز الجهل مع الظن والجهل والظن ضدان فكيف يجوز اجتماعهما هذا كله كلام من لم يحصل شيئا من علم الكلام ألبتة

قال وذلك لذات العلم لا لصفة قامت به كما أن الجهل نقيصة لذاته لا لصفة قامت به أوجبت نقصه

قلت قوله لا لصفة قامت به يشعر أنه يجوز قيام الصفة بالصفة وذلك محال عند أهل هذا العلم

قال بخلاف الجاهل والعالم نقص الجاهل لصفة قامت به وهي الجهل وفضل العالم لصفة قامت به وهي العلم قلت ما قاله هنا صحيح

قال وثالثها الحياة أفضل من الموت لذاتها لا لمعنى أوجب لها ذلك

هامش إدرار الشروق

إلى اتحاد الصفات والموصوف وهو لا يعقل ولو قلنا غيره لكانت إما محدثة فيكون محلا للحوادث وهو محال وإما قديمة فيلزم تعدد القدماء المتغايرة وهو محال وليس المراد بالغير هنا ما قابل العين بل المراد به المنفك فحاصل المعنى أنها ليست منفكة ولا عينا بل شيء ملازم بخلاف الوجود فقد قيل إنه عين الذات بناء على أنه وجه واعتبار وإنه غيرها بناء على أنه حال وهو ما له ثبوت في نفسه

وفي محله نعم قال السكتاني قولنا الله موجود حكم معنوي يعتقد ويبرهن عليه لا مجرد إخبار لفظي فالحق أن الصفة يكفي فيها مغايرة المفهوم وإن لم تكن زائدة في الخارج كيف وقد عدوا السلوب يعني القدم والبقاء ومخالفته تعالى للحوادث وقيامه تعالى بنفسه والوحدانية صفات وبالجملة فصفات الباري التي عدها المتكلمون وأوجبوا معرفتها تفصيلا إما أن تدل على معنى زائد على الذات وهي المعاني السبعة المذكورة وهذه وإن كانت ليست عين الذات إلا أنها ليست منفكة عنها بل ملازمة لها

وإما أن لا تدل على ذلك بل إما أن تكون عدمية عبارة عن سلبها نقصا عن الذات وهي صفات السلوب الخمس المذكورة وإما أن تكون وجها واعتبارا لا حالا لأن الحق نفيه وهي الصفة النفسية أعني الوجود والصفات المعنوية وهي الكون عالما ومريدا وقادرا ومتكلما وحيا وسميعا وبصيرا والاعتبار قد اختار العلامة الأمير في حاشيته على عبد السلام أن له من اسمه نصيبا فلا ثبوت له إلا في ذهن المعتبر وإنه أمر واحد فقط إن انتزع من خارج

____________________

(2/351)

طعامهم ونسائهم فجعل ذكاتهم كذكاتنا ونساءهم كنسائنا ولم يلحقهم بالبهائم بخلاف المجوس ونحوهم لما حصل لأهل الكتاب من الطاعة من حيث الجملة وإن كانت لا تفيد في الآخرة إلا تخفيف العذاب أما في ترك الخلود فلا

وثالثها تفضيل الولي على آحاد المؤمنين المقتصرين على أصل الدين بسبب ما اختص به الولي من كثرة طاعته لله تعالى وبذلك سمي وليا أي تولى الله بطاعته وقيل لأن الله تعالى تولاه بلطفه وكذلك أيضا تفاضل الأولياء فيما بينهم بكثرة الطاعة فمن كان أكثر تقربا إلى الله تعالى كانت رتبته في الولاية أعظم

هامش أنوار البروق

قلت ما قاله في ذلك دعوى بغير حجة

قال وسبب تفضيلها كونها يتأتى معها العلم والقدرة والإرادة وغير ذلك من التصرفات وصفات الكمال كالنبوءة والرسالة وغيرهما وتعذر جميع ذلك مع الموت وتلك للحياة لذاتها لا لمعنى أوجب لها ذلك

قلت عاد إلى تعليل الذاتي ثم كر إلى عدم التعليل وذلك كله غير صحيح

قال القاعدة الثانية التفضيل بالصفة الحقيقية القائمة بالمفضل وله مثل أحدها تفضيل العالم على الجاهل بالعلم

قلت أطلق القول في التفضيل بالعلم وذلك غير صحيح فإنه ربما كان الجهل ببعض العلوم أفضل من ذلك العلم وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من علم لا ينفع

قال وثانيها تفضيل الفاعل المختار على الموجب بالذات بسبب الإرادة والاختيار القائم به

قلت ما قاله هنا مبني على تصحيح الإيجاب الذاتي وليس ذلك بصحيح عند أهل الحق من المتكلمين

هامش إدرار الشروق

موجود مشاهد كالكون أبيض كان صادقا لتأييد الخارج له وإن كان مجرد اعتبار كاعتبار الكريم بخيلا كان كاذبا لمعارضة الوجود الخارجي له لا أمران بحت لا ثبوت له إلا في الذهن وما له ثبوت في نفسه دون المحل بخلاف الحال وبين وجهه فانظره فالوجود والمعنوية وإن لم تكن زائدة في الخارج على الذات كصفات السلوب لأنها من حيث إنها صفات يحكم بها على الذات حكما معنويا يعتقد ويبرهن عليه كصفات السلوب يكفي في كونها غير الذات مغايرة مفهومها لمفهوم الذات بالأولى من صفات السلوب فافهم

القاعدة الثانية التفضيل بالصفة الحقيقية القائمة بالمفضل وله مثل أحدها تفضيل العالم بعلم نافع على الجاهل به أما الذي لا ينفع فقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم منه فيكون الجاهل به أفضل من العالم به

وثانيها تفضيل القادر بالقدرة القديمة الوجودية القائمة به تعالى على العاجز الذي قدرته حادثة

وثالثها قيل تفضيل الفاعل المختار بسبب الإرادة والاختيار القائم به على الموجب بالذات وهو مبني كما قال ابن الشاط على القول بتصحيح الإيجاب الذاتي لكن أهل الحق من المتكلمين على أن ذلك ليس بصحيح ا ه

وفي حاشية الأمير على عبد السلام اتفق المسلمون على أنه مريد قادر ثم قالت المعتزلة بذاته لئلا يلزم تعدد القدماء

وقال جمهور

____________________

(2/352)

ورابعها تفضيل الشهيد على غيره من حيث الجملة لأنه أطاع الله تعالى ببذل نفسه وماله في نصرة دينه وأعظم بذلك من طاعة

وخامسها تفضيل العلماء على الشهداء كما جاء في الحديث ما جميع الأعمال في الجهاد إلا كنقطة من بحر وما الجهاد وجميع الأعمال في طلب العلم إلا كنقطة من بحر وفي حديث لو وزن مداد العلماء بدم الشهداء لرجح بسبب طاعة العلماء لله تعالى بضبط شرائعه وتعظيم شعائره التي من جملتها الجهاد وهداية الخلق إلى الحق وتوصيل معالم الأديان إلى يوم الدين ولولا سعيهم في ذلك من فضل الله عز وجل لا

هامش أنوار البروق

قال وثالثها تفضيل القادر على العاجز بسبب القدرة الوجودية القائمة به فهذا كله تفضيل بالصفات القائمة بالمفضل لا لذاته وبه خالف القاعدة الأولى

قلت أطلق القول في القدرة وكان حقه أن يفصل القدرة القديمة من الحادثة

قال القاعدة الثالثة التفضيل بطاعة الله تعالى وله مثل أحدها تفضيل المؤمن على الكافر إلى آخر القاعدة

قلت ما قاله فيها وفي القاعدة الرابعة صحيح وعلى الإطلاق إلا ما قاله في صلاة القصر فإن فضيلتها مختصة بالمذهب

قال القاعدة الخامسة التفضيل بشرف الموصوف وله مثل الأول الكلام النفسي القديم أشرف من سائر الكلام إلى آخر القاعدة قلت ما قاله من شرف الصفة بشرف موصوفها صحيح وما قاله من أن شرف الصفات المذكورات من وجوه لم يذكر من تلك الوجوه إلا شرف الموصوف ومنها والله تعالى أعلم قدمها وبقاؤها وذلك مختص بصفات الله تعالى وأما صفات الرسول صلى الله عليه وسلم فلمصاحبتها النبوة والله أعلم

هامش إدرار الشروق

أهل السنة بصفات وجودية زائدة على الذات قائمة بها يصح أن ترى وفسقوا من نفاها قالوا ولزوم تعدد القدماء إنما يظهر إذا كانت منفكة وألزموا أن تكون الذات غير مستقلة لأنها الصفات وأن العلم هو القدرة إلخ لأن الكل الذات الواحدة وحيث جاز عالم بلا علم لزم علم بلا عالم إذ لا فرق في التلازم على أنه نظير أسود بلا سواد وهو بديهي الفساد وكلها تقبل الدفع فإنهم مقرون بتغاير المفاهيم الإضافية وإن قال أليوسي إذا أرادوها للاعتبارات لزم نفيها إذ لا ثبوت للاعتبار إلا في الذهن ثم اختلف جمهور أهل السنة هل وجوبها وقدمها ذاتي لأن الإله الواحد الذات المتصفة بالصفات أو ممكنة في ذاتها على ما للفخر ومن تبعه واجبة لما ليس عينها ولا غيرها وإن لم نفهم له الآن محصولا فإن الصفة مجردة عن الموصوف مستحيلة إلا أن يريد بقطع النظر عن هذا الموصوف بخصوصه فلا ينافي موصوفا ما لكن فيه ما فيه ومما رد به أنه لو كان العلم مثلا ممكنا لكان الجهل ممكنا لأنه مقابله ولا يخفاك أن الإمكان الذاتي لا يضره إنما يضره لو كان إمكانه لله وهو يقول باستحالته عليه ضرورة وجوب العلم له فتدبر وقال قبل وعلى كلام غير الفخر لا نثبت إلا القدم الذاتي للواجب وحده أي الذي هو عبارة عن الاستغناء عن المؤثر وعلى كلام الفخر نثبت القدم العرضي أيضا للممكن الذاتي ولا يكون الإمكان إلا ذاتيا نعم يجوز البقاء في الممكنات اتفاقا لأنه يرجع لعدم وقوف مقدورات الله تعالى القادر المطلق عند حد بخلاف القدم

____________________

(2/353)

نقطع أمر الجهاد وغيره ولم يبق على وجه الأرض من يقول الله وكل ذلك من نعمة الله تعالى عليهم

القاعدة الرابعة التفضيل بكثرة الثواب الواقع في العمل المفضل وله مثل أحدها الإيمان أفضل من جميع الأعمال بكثرة ثوابه فإن ثوابه الخلود في الجنان والخلوص من النيران وغضب الملك الديان

وثانيها صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين صلاة

وثالثها الصلاة في أحد الحرمين أفضل من غيرها بألف مرة من المثوبات

ورابعها صلاة القصر أفضل من صلاة الإتمام وإن كانت أكثر عملا

هامش أنوار البروق

قال القاعدة السادسة التفضيل بشرف الصدور كشرف ألفاظ القرآن على غيرها من الألفاظ لكون الرب تعالى هو المتولي لرصفه ونظامه في نفس جبريل عليه السلام إلى آخر القاعدة

قلت ما قاله من أن المزية للفظ القرآن انفراد إرادة الله تعالى بوضعه دون إرادة جبريل دعوى لا أراها تقوم عليها حجة ولعل جبريل أراد ذلك فليس ما قاله في ذلك بصحيح بل المزية التي امتاز بها لفظ القرآن على كلام الناس كونه دالا على كلام الله تعالى وعبارة عنه وامتيازه عن لفظ التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب المنزلة على الرسل بالإعجاز وغيره من الأوصاف التي امتاز بها كما قال والله تعالى أعلم وما قاله في القاعدة السابعة والثامنة والتاسعة كله صحيح

قال القاعدة العاشرة التفضيل بشرف المتعلق كتفضيل العلم المتعلق بذات الله تعالى وصفاته على غيره من العلوم قلت ما قاله في هذه القاعدة من أن كل مدلول متعلق ليس بصحيح فإن المدلول غير المتعلق في

هامش إدرار الشروق

للممكنات فإنه يرجع لوجود الممكن أزلا وهو محال بالطبع لا تتعلق به القدرة ثم قال بعد قال الشعراني والذي يتلخص من كلام الشيخ ابن عربي رضي الله عنه ورحمه أنه قائل بأن الصفات عين لا غير كشفا ويقينا وبه قال جماعة من المتكلمين وما عليه أهل السنة والجماعة أولى والله تعالى أعلم بالصواب ا ه وأقول كما قال من قال اعتصام الورى بمغفرتك عجز الواصفون عن صفتك تب علينا فإننا بشر ما عرفناك حق معرفتك ا ه كلام الأمير بتصرف وحذف

قال القاعدة الثالثة التفضيل بطاعة الله تعالى وله مثل أحدها تفضيل المؤمن على الكافر إلى آخر القاعدة

قلت ما قاله فيها وفي القاعدة الرابعة صحيح وعلى الإطلاق إلا ما قاله في صلاة القصر فإن فضيلتها مختصة بالمذهب

القاعدة الثالثة التفضيل بطاعة الله تعالى وله مثل أحدها تفضيل المؤمن على الكافر وثانيها تفضيل أهل الكتاب على عبدة الأوثان وذلك بسبب ما حصل لهم من الطاعة بتعظيمهم الرسل والرسائل من حيث الجملة فقالوا بصحة نبوة موسى وعيسى وغيرهما من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وبصحة التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب وإن كانت لا تفيدهم في الآخرة عدم الخلود وإنما تفيد تخفيف العذاب وجحد عبدة الأوثان الرسائل فمن هذه الجهة فضلهم الله تعالى عليهم أحل الله عز وجل طعامهم وأباح تزويجنا نساءهم وجعل ذكاتهم كذكاتنا ونساءهم كنسائنا ولم يلحقهم بالبهائم تعظيما وتمييزا

____________________

(2/354)

القاعدة الخامسة التفضيل بشرف الموصوف وله مثل الأول الكلام النفسي القديم أشرف من سائر الكلام لوجوه منها شرف موصوفه على كل موصوف

وثانيها إرادة الله تعالى وقدرته وجميع الصفات المنسوبة إلى الرب سبحانه وتعالى أفضل لوجوه منه شرف الموصوف

وثالثها صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم كشجاعته وكرمه وجميع ما هو صفة لنفسه الكريمة له الشرف على جميع صفاتنا من وجوه أحدها شرف الموصوف القاعدة السادسة التفضيل بشرف الصدور كشرف ألفاظ القرآن على غيرها من الألفاظ

هامش أنوار البروق

الاصطلاح المعهود إلا أن يريد أن كل مدلول يصح أن يكون متعلقا بوجه ما فذلك صحيح إلا أنه مخالف للاصطلاح وما قاله من أن الإرادة المتعلقة بالخيور أفضل من الإرادة المتعلقة بالشرور إن أراد بذلك إرادتنا فصحيح وإن أراد الإرادة مطلقا فليس ذلك بصحيح فإن إرادة الله تعالى لا يصح تنوعها إلى نوعين لاتحادها ولا يصح ذلك الإطلاق عليها باعتبارين لأنه لم يرد في ذلك من الشرع ما يقتضيه وما قاله في نية الصلاة والطهارة وما بنى ذلك عليه من أن المقاصد أفضل من الوسائل إن أراد بالأفضلية زيادة في الأجور فذلك دعوى لم يأت عليها بحجة وإن أراد بالأفضلية كون المقاصد مفضلة بكونها مقاصد فذلك صحيح وما قاله في القاعدة الحادية عشر والثانية عشر صحيح وكذلك ما قاله في الثالثة عشر إلا حصره لوجود التفضيل في عشرين قاعدة فإني لا أعرف الآن دليل صحة ذلك الحصر

هامش إدرار الشروق

بخلاف المجوس ونحوهم فإنه جعل ما ذكوه كالميتة وتصرفهم فيه بالذكاة كتصرف الحيوان البهيمي من السباع والكواسر في الأنعام لا أثر لذلك وجعل نساءهم كإناث الخيل والحمير محرمات الوطء اهتضاما لهم

وثالثها تفضيل الولي بسبب ما اختص به من كثرة طاعته لله تعالى حتى تولى الله بطاعته فعبادته تجري على التوالي من غير أن يتخللها عصيان فسمي وليا وقيل لأن الله تولاه بلطفه فلم يكله إلى نفسه ولا إلى غيره لحظة على آحاد المؤمنين المقتصرين على أصل الدين وكذلك أيضا تفاضل الأولياء فيما بينهم بكثرة الطاعة فمن كان أكثر تقربا إلى الله تعالى كانت رتبته في الولاية أعظم

ورابعها تفضيل الشهيد على غيره من حيث الجملة لأنه أطاع الله تعالى ببذل نفسه وماله في نصرة دينه وأعظم بذلك من طاعة

وخامسها تفضيل العلماء على الشهداء بسبب طاعة العلماء لله تعالى بضبط شرائعه وتعظيم شعائره التي من جملتها الجهاد وهداية الخلق إلى الحق وتوصيل معالم الأديان إلى يوم الدين ولولا سعيهم في ذلك من فضل الله عز وجل لانقطع أمر الجهاد وغيره ولم يبق على وجه الأرض من يقول الله وكل ذلك من نعمة الله تعالى عليهم فلذا قال صلى الله عليه وسلم ما جميع الأعمال في الجهاد إلا كنقطة من بحر وما الجهاد وجميع الأعمال في طلب العلم إلا كنقطة من بحر وقال صلى الله عليه وسلم لو وزن مداد العلماء بدم الشهداء لرجح

القاعدة الرابعة التفضيل بكثرة الثواب الواقع في العمل المفضل وله مثل أحدها الإيمان بكثرة ثوابه من الخلود في الجنان والخلوص من النيران ومن غضب الملك الديان أفضل من جميع الأعمال

وثانيها

____________________

(2/355)

لكون الرب سبحانه وتعالى هو المتولي لرصفه ونظامه في نفس جبريل عليه السلام وبهذا نجيب عن قول القائل إن الله خالق لجميع ألفاظ الخلائق والمريد لترتيب وصفها فمن قال زيد قائم في الدار فالله تعالى هو الخالق لأصواته هذه والمريد لترتيب هذه الكلمات على هذا الوصف وتقديم قائم على المجرور وكون المجرور بفي دون غيرها من حروف الجر وإذا كان الله تعالى هو المتولي لرصف جميع كلام الناس وفي أنفسهم وهو المتولي لرصف القرآن في نفس جبريل عليه السلام بإرادته وهذه الحروف والألفاظ عندكم مخلوقة مثل ألفاظ الخالق لا فرق بينهما في ذلك فلم لا تقولون للجميع كلام الله وما المزية للفظ القرآن على غيره

فنقول الله تعالى هو المتولي لرصف القرآن في نفس

هامش أنوار البروق

قال القاعدة الرابعة عشر التفضيل بسبب الإضافة كقوله تعالى أولئك حزب الله إلى آخر القاعدة

قلت قوله فهذا كله تفضيل بالإضافة اللفظية إن أراد أنه ليس تشريف ما ذكر في هذه القاعدة أو إهانته إلا بمجرد الإضافة اللفظية فذلك غير صحيح وكيف يصح ذلك ولم يضف حزبه تعالى إليه إلا لطاعتهم ولم يضف حزب الشيطان إليه إلا لمعصيتهم وكذلك قوله تعالى وطهر بيتي ليست إضافة البيت إليه تعالى إلا لكونه جعله محلا لما قرن به من الطاعات في الصلاة والحج وكذلك قوله تعالى وما أنزلنا على عبدنا ليست إضافة العبد إليه تعالى إلا أنه جعله صفوة رسله وخاتمهم وكذلك قوله تعالى في الصوم ليست الإضافة إلا لأنه خصه بجزاء لم يطلعنا على قدره أو ما أشبه ذلك والله تعالى أعلم وإن أراد أن الإضافة نفسها هي التشريف وإن كانت تلك الأمور أسبابا لها فما قاله صحيح والله تعالى أعلم وما قاله في القاعدة الخامسة عشر صحيح وكذلك ما قاله في السادسة عشر إلا ما حكاه عن شيخه عز الدين من ملاحظته في النبوة جهة أخرى نفضلها به على الرسالة فإنه

هامش إدرار الشروق

صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين صلاة

وثالثها الصلاة في أحد الحرمين أفضل من غيرها بألف مرة من المثوبات قال الباجي والذي تقتضيه الأحاديث الواردة في فضل المسجدين مخالفة حكم مسجد مكة والمدينة لسائر المساجد ولا يعلم منها حكم مكة والمدينة في التفاضل إلا أن حديث حسنات الحرم بمائة ألف إذا ثبتت صريح في أن نفس مكة أفضل من نفس المدينة ا ه

نقله شيخنا في حاشية توضيح المناسك لكن في الرهوني عن سيدي أحمد بابا واستدل أي لتفضيل مسجد مكة بحديث صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة في غيره من المساجد إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة حديث صحيح على شرط الشيخين صححه ابن عبد البر قال وهو الحجة عند التنازع وهو صريح بدفع ما قيل في الحديث الصحيح إلا المسجد الحرام باحتمال أنه أفضل منه بدون ألف أو بتساويهما وسيأتي توضيح ذلك فترقب

ورابعها صلاة القصر أفضل في مذهبنا خاصة من صلاة الإتمام وإن كانت أكثر عملا

قال القاعدة الخامسة التفضيل بشرف الموصوف وله مثل الأول الكلام النفسي القديم أشرف من سائر الكلام إلى آخر القاعدة قلت ما قاله من شرف الصفة بشرف موصوفها صحيح وما قاله من أن شرف الصفات المذكورات من وجوه لم يذكر من تلك الوجوه إلا شرف الموصوف ومنها والله تعالى أعلم قدمها وبقاؤها وذلك مختص بصفات الله تعالى وأما صفات الرسول صلى الله عليه وسلم فلمصاحبتها النبوة والله أعلم

القاعدة الخامسة التفضيل بشرف الموصوف وله مثل أحدها الكلام النفسي القديم أشرف من سائر الكلام لوجوه منها شرف موصوفه على كل موصوف ومنها قدمه وبقاؤه

وثانيها إرادة الله تعالى وقدرته وسائر الصفات المنسوبة إلى الرب سبحانه وتعالى أفضل لوجوه منها شرف الموصوف ومنها قدمها وبقاؤها

____________________

(2/356)

جبريل عليه السلام على وفق إرادة الله تعالى دون إرادة جبريل والمتولي لرصف كلام الخلائق في أنفسهم على إرادتهم تبعا لإرادته تعالى فتفرده في هذا الوصف بالإرادة هو الفرق وامتاز القرآن الكريم بوجوه أخر من الإعجاز وغيره على جميع الكتب المنزلة التي هي كلام الله تعالى كالتوراة والإنجيل ويقال إنها مائة وأربعة وعشرون كتابا صحفا وكتبا أنزلت على آدم ومن بعده من الأنبياء إلى محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين

القاعدة السابعة التفضيل بشرف المدلول وله مثل أحدها تفضيل الأذكار الدالة على ذات الله تعالى وصفاته العليا وأسمائه الحسنى

هامش أنوار البروق

إنما كان يصح ما قاله لو لم يكن الرسول نبيا وأما وكل رسول نبي فلا يصح ذلك إذ لا اختصاص للنبي على الرسول بمزية يقع بها التفضيل والله أعلم وما قاله في القاعدة السابعة عشر صحيح قال القاعدة الثامنة عشر التفضيل بالتأثير وله أمثلة أحدها تفضيل قدرة الله تعالى على العلم والكلام

قلت فيما قاله في هذه القاعدة نظر

قال القاعدة التاسعة عشر التفضيل بجودة البنية والتركيب وله أمثلة أحدها تفضيل الملائكة الكرام صلوات الله عليهم على الجان بسبب جودة أبنيتهم وحسن تركيبهم قلت ما قاله في هذه القاعدة غير صحيح لأنه بنى جميع قوله فيها على نسبة تلك الآثار التي ذكرها إلى تأثير غير القدرة القديمة على ما ظهر من مساق كلامه والله تعالى أعلم وما قاله بعد ذلك في القاعدة العشرين وما بعده إلى منتهى قوله فهي من المفضلات التي علم تفضيلها صحيح كله

قال وأما تفضيل مكة على المدينة أو المدينة على مكة فبأمور نعلمها وأمور لا نعلمها وذكر أمورا مما تفضل بها المدينة قلت لم يزد على حكاية المذهبين وإيراد الحجج عليهما ولم يعين الراجح وفيه نظر وما قاله من أن أسباب التفضيل كثيرة هو كما قال وقول من ادعى حصر التفضيل في الثواب غير صحيح كما ذكر

هامش إدرار الشروق

وثالثها صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم من شجاعته وكرمه وجميع ما هو صفة لنفسه الكريمة أفضل من جميع صفاتنا لوجوه منها شرف الموصوف ومنها مصاحبتها النبوة

القاعدة السادسة التفضيل بشرف الصدور قيل كشرف ألفاظ القرآن على غيرها من الألفاظ لأن الله تعالى وإن كان هو المتولي لوصف جميع كلام الناس في أنفسهم وأن من قال منهم زيد قائم في الدار فالله تعالى هو الخالق لأصواته هذه والمريد لترتيب هذه الكلمات على هذا الوصف وتقديم قائم على المجرور وكون المجرور بفي دون غيرها من حروف الجر كما أنه المتولي لرصف القرآن في نفس جبريل عليه السلام بإرادته إذ لا فرق بين ألفاظ الناس وألفاظ الخالق في كونها مخلوقة إلا أن المزية للفظ القرآن على غيره في أننا نقول للفظ القرآن كلام الله دون غيره هي أن الله تعالى هو المتولي لرصف القرآن في نفس جبريل عليه

____________________

(2/357)

وثانيها تفضيل آيات القرآن الكريم المتعلقة بالله على الآيات المتعلقة بأبي لهب وفرعون ونحوهما

وثالثها الآيات الدالة على الوجوب والتحريم أفضل من الآيات الدالة على الإباحة والكراهة والندب لاشتمالها على الحث على أعلى رتب المصالح والزجر عن أعظم المفاسد

القاعدة الثامنة التفضيل بشرف الدلالة لا بشرف المدلول كشرف الحروف الدالة على الأوصاف الدالة على كلام الله تعالى فإن ذلك أوجب شرفها على جميع الحروف لهذه الدلالة

وأمر الشرع بتعظيمها فلا تمسك إلا على طهارة كاملة ويكفر من أصابها

هامش أنوار البروق

والله تعالى أعلم

وما قاله من قصده الاقتصار على ما يتعلق بالقواعد الفقهية إن أراد أنه لم يذكر إلا ما هو من الفقه فليس ما ذكره كذلك وإن أراد أنه ذكر ما هو من الفقه وما يتعلق به بوجه ما فذلك صحيح والله أعلم

هامش إدرار الشروق

السلام على وفق إرادة الله تعالى دون إرادة جبريل والمتولي لرصف كلام الخلائق في أنفسهم على إرادتهم تبعا لإرادته تعالى فتفرده في رصف القرآن بالإرادة هو الفرق ا ه

قال ابن الشاط ودعوى انفراد إرادة الله تعالى بوضع ألفاظ القرآن دون إرادة جبريل لا أراها تقوم عليها حجة ولعل جبريل أراد ذلك بل المزية التي امتاز بها لفظ القرآن على كلام الناس كونه دالا على كلام الله تعالى وعبارة عنه وامتيازه عن لفظ التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب المنزلة على الرسل ويقال إنها مائة وأربعة وعشرون كتابا صحفا وكتبا أنزلت على آدم ومن بعده من الأنبياء إلى محمد صلوات الله عليه وسلامه عليهم أجمعين بالإعجاز وغيره من الأوصاف التي امتاز بها كما قال الشهاب

ا ه

قلت وعليه فلا يصح التمثيل به للتفضيل بشرف الصدور بل مثاله بشرف فعله صلى الله عليه وسلم على فعل غيره من الأمة فافهم

القاعدة السابعة التفضيل بشرف المدلول وله مثل أحدها تفضيل الأذكار الدالة على ذات الله تعالى وصفاته العليا وأسمائه الحسنى

وثانيها تفضيل آيات القرآن الكريم المتعلقة بالله على الآيات المتعلقة بأبي لهب وفرعون ونحوهما

وثالثها الآيات الدالة على الوجوب والتحريم أفضل من الآيات الدالة على الإباحة والكراهة والندب لاشتمالها على الحث على أعلى رتب المصالح والزجر عن أعظم المفاسد

القاعدة الثامنة التفضيل بشرف الدلالة لا المدلول كشرف الحروف الدالة على الأوصاف الدالة على كلام الله تعالى على جميع الحروف التي لم تدل على ذلك بل على غيره فلذا أمر الشرع بتعظيم حروف القرآن فلا تمسك إلا على طهارة كاملة ويكفر من أصابها بالقاذورات وصار لها وقع عظيم في الدين فلا يجوز إخراجها من بلاد المسلمين إلى بلاد الكافرين خشية أن تنالها أيديهم

القاعدة التاسعة التفضيل بشرف التعلق كتفضيل الكلام النفسي لتعلقه بالمخبر عنه واختصاصه بأن له تعلق الاقتضاء والإباحة وغيرهما والعلم لتعلقه بالواجبات والممكنات والمستحيلات والإرادة لتعلقها بالممكنات والقدرة لتعلقها بالمحدثات من الموجودات والسمع لتعلقه بالأصوات والكلام النفسي والبصر لتعلقه بجميع الموجودات الواجبات والممكنات على الحياة فإنها لا تتعلق بشيء بل لها موصوف فقط بخلاف غيرها من صفات المعاني السبعة فإن له موصوفا ومتعلقا كما علمت

____________________

(2/358)

بالقاذورات وله وقع عظيم في الدين فلا يجوز إخراجها من بلاد المسلمين إلى بلاد الكافرين خشية أن تنالها أيديهم القاعدة التاسعة التفضيل بشرف التعلق كتفضيل العلم على الحياة فإن الحياة لا تتعلق بشيء بل لها موصوف فقط والعلم له موصوف ومتعلق فله مزية شرف بذلك وكذلك الإرادة متعلقة بالممكنات والقدرة بالمحدثات من الموجودات والسمع بالأصوات والكلام النفسي والبصر بجميع الموجودات الواجبات والممكنات وليس في صفات الله تعالى السبعة صفة غير متعلقة إلا الحياة القاعدة العاشرة التفضيل بشرف المتعلق كتفضيل العلم المتعلق بذات الله تعالى أو صفاته على غيره من العلوم وكتفضيل علم الفقه على الطب لتعلقه برسائل الله تعالى وأحكامه وهذا القسم عين المدلول فكل مدلول متعلق وليس كل متعلق مدلولا لأن الدلالة والمدلول من باب الألفاظ والحقائق الدالة كالصنعة على الصانع فإنها تدل عليه وأما العلم ونحوه فلا يقال له دال بل هو مدلول في نفسه وليس بدليل على غيره بل له متعلق خاص وهو معلومه وكذلك الإرادة المتعلقة بالخيور أفضل من الإرادة المتعلقة

هامش إدرار الشروق

القاعدة العاشرة التفضيل بشرف المتعلق كتفضيل العلم المتعلق بذات الله تعالى أو صفاته على غيره من العلوم وكتفضيل علم الفقه على الطب لتعلقه برسائل الله تعالى وأحكامه وكتفضيل إرادتنا المتعلقة بالخيور على إرادتنا المتعلقة بالشرور وإرادة الله تعالى لاتحادها لا يصح تنوعها ولا أن يطلق عليها ذلك باعتبارين لأنه لم يرد في ذلك من الشرع ما يقتضيه وكتفضيل النية في الصلاة على النية في الطهارة لأن الصلاة مقصد والطهارة وسيلة والمقاصد بكونها مقاصد لا بزيادة في الأجور إذ لا حجة عليه أفضل من الوسائل وبالأفضل أفضل قال ابن الشاط والمدلول غير المتعلق في الاصطلاح المعهود وإن صح أن يكون كل مدلول متعلقا بوجه ما ا ه فافهم

القاعدة الحادية عشرة التفضيل بكثرة التعلق كتفضيل الكلام النفسي القديم على علمه تعالى لأن الخبر فيه وإن كان مسبوقا للعلم في التعلق وكل معلوم لله تعالى فهو مخبر عنه إلا أن للكلام اختصاصا بتعلق الاقتضاء والإباحة وغيرهما فهو أكثر تعلقا من العلم وكتفضيل علم الله تعالى على قدرته وإرادته وسمعه وبصره لكونه متعلقا بجميع الواجبات والممكنات والمستحيلات واختصاص الإرادة بالممكنات وجودها أو عدمها واختصاص القدرة بوجود الممكنات خاصة واختصاص السمع ببعض الموجودات وهي الأصوات والكلام النفسي واختصاص البصر ببعض الموجودات الممكنات والواجبات دون المستحيلات والمعدومات الممكنات وكتفضيل البصر على السمع لاختصاص السمع بالكلام والبصر يعم جميع الموجودات كانت كلاما أو غيره

القاعدة الثانية عشرة التفضيل بالمجاورة كتفضيل جلد المصحف وليس فيه شيء مكتوب على سائر الجلود فلا يمسه محدث ولا يجوز أن يلامس بقاذورة ولا بما يوجب الإهانة لمجاورته الورق المكتوب فيه القرآن

____________________

(2/359)

بالشرور

والنية في الصلاة أفضل من النية في الطهارة لأنها متعلقة بالمقاصد والثانية متعلقة بالوسائل والمقاصد أفضل من الوسائل والمتعلق بالأفضل أفضل

القاعدة الحادية عشر التفضيل بكثرة التعلق كتفضيل علم الله على قدرته وإرادته وسمعه وبصره لكونه متعلقا بجميع الواجبات والممكنات والمستحيلات واختصاص الإرادة بالممكنات وجودها أو عدمها واختصاص القدرة بوجود الممكنات خاصة واختصاص السمع ببعض الموجودات وهي الأصوات والكلام النفسي واختصاص البصر ببعض الموجودات الممكنات والواجبات دون المستحيلات والمعدومات الممكنات

وأما الكلام النفسي فالخبر فيه مسبوق للعلم في التعلق وكل معلوم لله تعالى فهو مخبر عنه ويختص الكلام بأن له تعلق الاقتضاء والإباحة وغيرها فهو أكثر تعلقا من العلم فيكون له الشرف على العلم من هذا الوجه وكتفضيل البصر على السمع لاختصاص السمع بالكلام والبصر يعم جميع الموجودات كانت كلاما أو غيره

القاعدة الثانية عشر التفضيل بالمجاورة كتفضيل جلد المصحف على سائر الجلود فلا يمسه محدث ولا يجوز أن يلابس بقاذورة ولا بما يوجب الإهانة وليس فيه شيء مكتوب بل لمجاورته الورق المكتوب فيه القرآن الكريم

هامش إدرار الشروق

القاعدة الثالثة عشرة التفضيل بالحلول كتفضيل قبره صلى الله عليه وسلم على جميع بقاع الأرض حكى القاضي عياض رحمه الله في ذلك الإجماع في كتابه الشفاء

وقال البكري جزم الجميع بأن خير الأرض ما قد حاط ذات المصطفى وحواها نعم لقد صدقوا بساكنها علت كالنفس حين زكت زكى مأواها وقد مر أنه لا يصح إنكار بعض فضلاء الشافعية انعقاد الإجماع على ذلك بناء على انحصار التفضيل في الثواب على العمل والعمل متعذر هنا

القاعدة الرابعة عشرة التفضيل اللفظي بسبب في الإضافة في نحو قوله تعالى أولئك حزب الله أضافهم إليه تعالى ليشرفهم بها كما أضاف العصاة إلى الشيطان في قوله تعالى أولئك حزب الشيطان ليهينهم بها ويحقرهم وقوله تعالى وطهر بيتي للطائفين الآية أضاف البيت إليه تعالى ليشرفه بها وقوله تعالى وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان وقوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله تعالى كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به شرف الصوم بإضافته إليه نعم لا بد للتشريف أو التحقير بالإضافة من أسباب تقتضي ذلك ألا ترى أنه لم يضف حزبه تعالى إليه إلا لطاعتهم ولا حزب الشيطان إليه إلا لمعصيتهم ولا البيت إليه تعالى إلا لكونه جعله محلا لما قرن به من الطاعات في الصلاة والحج ولا العبد إليه تعالى إلا لأنه جعله صفوة رسله وخاتمهم ولا الصوم له

____________________

(2/360)

القاعدة الثالثة عشر التفضيل بالحلول كتفضيل قبره صلى الله عليه وسلم على جميع بقاع الأرض حكى القاضي عياض رحمه الله في ذلك الإجماع في كتاب الشفاء ولما خفي هذا المعنى على بعض الفضلاء أنكر الإجماع في ذلك وقال التفضيل إنما هو بكثرة الثواب على الأعمال والعمل على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم محرم فيه عقاب شديد فضلا عن أن يكون فيه أفضل المثوبات فإذا تعذر الثواب هنالك على عمل العامل مع أن التفضيل إنما يكون باعتباره كيف يحكي الإجماع في أن تلك البقعة أفضل البقاع أوما علم أن أسباب التفضيل أعم من الثواب وأنها منتهية إلى عشرين قاعدة أنا ذاكرها إن شاء الله تعالى فالإجماع منعقد على التفضيل بهذا الوجه لا بكثرة الثواب على الأعمال ويلزمه أن لا يكون جلد المصحف بل ولا المصحف نفسه أفضل من غيره لتعذر العمل فيه وهو خلاف المعلوم من الدين بالضرورة بل هذا معنى ما حكاه القاضي عياض رحمه الله فتأمله القاعدة الرابعة عشر التفضيل بسبب الإضافة كقوله تعالى أولئك حزب الله أضافهم إليه تعالى ليشرفهم بالإضافة إليه كما أضاف العصاة إلى الشيطان ليهينهم بالإضافة إليه ويحقرهم في قوله تعالى أولئك حزب الشيطان

هامش إدرار الشروق

تعالى إلا لأنه خصه بجزاء لم يطلعنا على قدره أو ما أشبه ذلك مما مر بسط الخلاف فيه فلا تغفل

القاعدة الخامسة عشرة التفضيل بالأنساب والأسباب كتفضيل ذريته عليه الصلاة والسلام على جميع الذراري بسبب نسبهم المتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم وكتفضيل نسائه صلى الله عليه وسلم على جميع النساء كما قال تعالى يا نساء النبي لستن كأحد من النساء وذلك بالنسبة إليه صلى الله عليه وسلم والاختصاص به

وإن كن في هذه النسبة متفاوتات وذلك أن نسبة من دخل بهن أقوى من نسبة من عقد ولم يدخل بهن ونسبة من دخل ولم يطلقهن أقوى ممن دخل وطلقهن ونسبة من دخل وطلقهن أقوى ممن فارقهن قبل الدخول ونسبة من فارقهن قبله أو بعده على الخلاف أقوى ممن فارقهن قبله باتفاق كما لا يخفى وفي الجمل عن المواهب جملة من عقد عليهن صلى الله عليه وسلم ثلاث وعشرون امرأة مات عن عشر واحدة لم يدخل بها وهي قتيلة بنت قيس وتسع دخل بهن جمعهن بعضهم في قوله توفي رسول الله عن تسع نسوة إليهن تعزى المكرمات وتنسب فعائشة ميمونة وصفية وحفصة تتلوهن هند وزينب جويرية مع رملة

ثم سودة ثلاث وست نظمهن مهذب ومات في حياته باتفاق أربع ثنتان بعد الدخول وهما خديجة وزينب أم المساكين وثنتان قبل الدخول وهما شراف بنت خليفة أخت دحية الكلبي وخولة بنت الهذيل وفارق على خلف في كونه بطلاق أو موت مع الاتفاق على عدم الدخول ثنتين مليكة بنت كعب وسبا بنت أسماء وطلق سبعا باتفاق بعد الدخول باتفاق ثنتين فاطمة بنت الضحاك وعالية بنت ظبيان وقبله باتفاق ثلاثا وهن عمرة بنت يزيد وأسماء بنت النعمان والتي من غفار وعلى خلف في كونه بعده أو قبله ثنتين وهما أم شريك القرشية

____________________

(2/361)

ومنه قوله تعالى وطهر بيتي للطائفين الآية أضاف البيت إليه تعالى ليشرفه بالإضافة إليه ومنه قوله تعالى وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان ومنه قوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله تعالى كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به شرف الصوم بإضافته إليه

واختلف في سبب هذا التشريف الموجب لهذه الإضافة وقد تقدم بسطه ونقل المذاهب فيه فهذا كله تفضيل بالإضافة اللفظية

القاعدة الخامسة عشر التفضيل بالأنساب والأسباب كتفضيل ذريته عليه الصلاة والسلام على جميع الذراري بسبب نسبهم المتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم وكتفضيل نسائه صلى الله عليه وسلم على جميع النساء كما قال تعالى يا نساء النبي لستن كأحد من النساء وذلك بالنسبة إليه صلى الله عليه وسلم والاختصاص به وإن كن في هذه النسبة متفاوتات

القاعدة السادسة عشر التفضيل بالثمرة والجدوى كتفضيل العالم على العابد لأن العلم يثمر صلاح الخلق وهدايتهم إلى الحق بالتعليم والإرشاد والعبادة قاصرة على محلها واجتمع يوما عالمان عظيمان أحدهما يعلم المعقولات والهندسيات والآخر عالم بالسمعيات والشرعيات فقال الأول للثاني الهندسة أفضل من الفقه لأنها قطعية والفقه مظنون والقطع أفضل من الظن فقال له الآخر صدقت من هذا الوجه هي أفضل غير أن

هامش إدرار الشروق

والمستقيلة التي جهل حالها وهي ليلى بنت الخطيم فجملة المتفق على دخوله بهن ولم يطلقهن إحدى عشرة امرأة ست من قريش خديجة وعائشة وحفصة وأم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب وأم سلمة بنت أبي أمية وسودة بنت زمعة وأربع عربيات زينب بنت جحش وميمونة بنت الحارث الهلالية وزينب بنت خزيمة الهلالية أم المساكين وجويرية بنت الحارث الخزاعية المصطلقية وواحدة غير عربية وهي صفية بنت حيي من بني النضير مات في حياته منهن ثنتان خديجة وزينب أم المساكين وتوفي صلى الله عليه وسلم عن الباقي والمتفق على من دخل وطلق بعده ثنتان فاطمة بنت الضحاك وعالية بنت ظبيان ا ه بتلخيص وتصرف وزيادة

وأما تفضيل خديجة وعائشة على باقيهن والخلاف في أفضلهما فليس من هذه الجهة بل إما من جهة الأحوال وكثرة الخصال الجميلة فيستحسن قول شيخ الإسلام في شرح البخاري الذي أختاره الآن أن الأفضلية محمولة على أحوال فعائشة أفضلهن من حيث العلم وخديجة من حيث تقدمها وإعانتها له صلى الله عليه وسلم ا ه

وأما من جهة كثرة الثواب فيكون الأقرب الوقف كما هو قول الأشعري كما في عبد السلام على الجوهرة قال وفي كلام البرهان الحلبي أن زينب بنت جحش تلي عائشة رضوان الله عليهما ولم يقف أستاذنا على نص في باقيهن ولا في مفاضلة بعض أبنائه الذكور على بعض ولا في المفاضلة بينهم وبين البنات الشريفات سوى ما شرف الله به الذكور على الإناث مطلقا ولا بينهن سوى فاطمة فإنها أفضل بناته الكريمات ولا بين باقي البنات سوى فاطمة مع الزوجات الطاهرات وإن جرت علة فاطمة بالبضعية في الجميع فالوقف أسلم ا ه

قال الأمير قال العلامة الملوي أولاده صلى الله عليه وسلم الذكور ثلاثة عبد الله ويلقب بالطيب وبالطاهر فله لقبان زيادة على الاسم والقاسم وإبراهيم والإناث أربعة زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة وينبغي حفظهم ومعرفتهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم سيدنا ويقبح على الإنسان أن لا يعرف أولاد سيده ا ه وكلهم من خديجة

____________________

(2/362)

الفقه أفضل منها لأنه يثمر سعادة الآخرة

ونعيم الجنان ورضوان الرحمن والهندسة لا تفيد ذلك فوافقه الآخر على ذلك وكانا متناصفين رحمهما الله تعالى ومن ثمرات العلم موضوعاته أي تآليفه فينتفع الأبناء بعد الآباء والأخلاف بعد الأسلاف والعبادة تنقطع من حينها وثمرة العلم وهدايته تبقى إلى يوم الدين وجاء من هذا الوجه الرسالة أفضل من النبوة فإن الرسالة مثمرة الهداية للأمة المرسل إليها والنبوة قاصرة على النبي فنسبتها إلى النبوة كنسبة العالم للعابد وكان الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله يلاحظ في النبوة جهة أخرى يفضلها بها على الرسالة فكان يقول النبوة عبارة عن خطاب الله تعالى نبيه بإنشاء حكم يتعلق به كقوله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم اقرأ باسم ربك فهذا وجوب متعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم والرسالة خطاب يتعلق بالأمة والرسول صلى الله عليه وسلم أفضل من الأمة والخطاب متعلق به فيكون أفضل من جهة شرف المتعلق فإن النبوة هو متعلقها والرسالة متعلقها الأمة وإنما حظه منها التبليغ فهذان وجهان متعارضان كما يقال في علم الله تعالى إنه أفضل من الحياة لأجل التعلق الذي له والحياة لا متعلق لها ويلاحظ في الحياة جهة أخرى هي بها أفضل لأنها شرط للعلم والعلم متوقف عليها وهي ليست متوقفة على العلم في ذاتها والعلم ليس شرطا فيها فهي

هامش إدرار الشروق

إلا إبراهيم فمن مارية القبطية أهداها له المقوقس من مصر ا ه

وقد جمعت أولاده صلى الله عليه وسلم في قولي ليسهل حفظهم أولاد طه سبعة أطهار ذكورهم ثلاثة أبرار القاسم إبراهيم عبد الله ذا بالطيب الطاهر تلقيبا خذا وأربع إناثهم فاطمة فأم كلثوم كذا رقية فزينب وأمهم خديجة لكن لإبراهيم مارية وفي الجمل عن المواهب وخطب صلى الله عليه وسلم ثماني نسوة ولم يعقد عليهن باتفاق وسراريه التي دخل عليهن بالملك أربع مارية القبطية وريحانة بنت شمعون من بني قريظة وقيل من بني النضير والثالثة وهبتها له زينب بنت جحش واسمها نفيسة والرابعة أصابها في بعض السبي ولم يعرف اسمها ا ه

القاعدة السادسة عشرة التفضيل بالثمرة والجدوى كتفضيل العالم على العابد لأن العلم يثمر صلاح الخلق وهدايتهم إلى الحق بالتعليم والإرشاد والعبادة قاصرة على محلها ولأن ثمرات العلم من موضوعاته أي تآليفه وهدايته متعلميه تبقى إلى يوم الدين فينتفع بها الأبناء بعد الآباء والأخلاف بعد الأسلاف والعبادة تنقطع من حينها وكتفضيل الرسالة على النبوة لأن الرسالة تثمر الهداية للأمة المرسل إليها والنبوة قاصرة على النبي فنسبتها إلى النبوة كنسبة العالم للعابد وليس للنبوة جهة أخرى نفضلها بها على الرسالة وتكون معارضة لجهة تفضيل الرسالة عليها حتى يحتاج أن يقال لا مانع من أن يكون للحقيقة الواحدة شرف من وجه دون وجه

وأما ملاحظة العز بن عبد السلام في النبوة جهة أخرى وهي أنها عبارة عن خطاب الله تعالى نبيه بإنشاء حكم يتعلق به كقوله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم اقرأ باسم ربك فهذا وجوب

____________________

(2/363)

أفضل من هذا الوجه ولا مانع من أن يكون للحقيقة الواحدة شرف من وجه دون وجه

القاعدة السابعة عشر التفضيل بأكثرية الثمرة بأن تكون الحقيقتان كل واحدة منهما لها ثمرة وهي مثمرة غير أن إحدى الحقيقتين ثمرتها أعظم وجدواها أكثر فتكون أفضل وله أمثلة أحدها الفقه والهندسة كلاهما مثمر أحكاما شرعية لأن الهندسة يستعان بها في الحساب والمساحات والحساب يدخل في المواريث وغيرها والمساحات تدخل في الإجارات ونحوها ومن نوادر المسائل الفقهية التي يدخل فيها الحساب المسألة المحكية عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وذلك أن رجلين كان مع أحدهما خمسة أرغفة ومع الآخر ثلاثة فجلسا يأكلان فجلس معهما ثالث يأكل معهما

ثم بعد الفراغ من الأكل دفع لهما الذي أكل معهما ثمانية دراهم وقال اقسما هذه الدراهم على قدر ما أكلته لكما فقال صاحب الثلاثة إنه أكل نصف أكله من أرغفتي ونصف أكله من أرغفتك فأعطني النصف أربعة دراهم فقال له الآخر لا أعطيك إلا ثلاثة دراهم لأن لي خمسة أرغفة فآخذ خمسة دراهم ولك ثلاثة أرغفة تأخذ ثلاثة دراهم فحلف صاحب الثلاثة لا يأخذ إلا ما حكم به الشرع فترافعا إلى علي رضي الله عنه فحكم لصاحب الثلاثة بدرهم واحد ولصاحب الخمسة بسبعة دراهم فشكا

هامش إدرار الشروق

متعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم والرسالة عبارة عن خطاب الله تعالى المتعلق بالأمة وإنما حظ الرسول منها التبليغ فتكون أفضل بجهة شرف المتعلق من الرسالة فإنما تصح لو لم يكن الرسول نبيا وأما وكل رسول نبي فلا يصح ملاحظة ذلك إذ لا اختصاص للنبي على الرسول بمزية يقع بها التفضيل قاله ابن الشاط نعم وقع التعارض بين جهتين من جهات التفضيل في صفتي علمه تعالى وحياته وفي علمي الفقه والهندسة أما في العلمين فقد حكى الأصل أنه اجتمع يوما عالمان عظيمان أحدهما يعلم المعقولات والهندسيات والآخر عالم بالسمعيات والشرعيات فقال الأول للثاني الهندسة أفضل من الفقه لأنها قطعية والفقه مظنون والقطع أفضل من الظن فقال له الآخر صدقت من هذا الوجه هي أفضل غير أن الفقه أفضل منها لأنه يثمر سعادة الآخرة ونعيم الجنان ورضوان الرحمن والهندسة لا تفيد ذلك فوافقه الآخر على ذلك وكانا متناصفين رحمهما الله تعالى وأما في الوصفين فقال الأصل علمه تعالى أفضل من الحياة من جهة التعلق الذي له والحياة لا تعلق لها وحياته تعالى أفضل من العلم من جهة أنها شرط فيه وهو متوقف عليها وهي في ذاتها ليست متوقفة عليه لأنه ليس شرطا فيها ولا مانع من أن يكون للحقيقة الواحدة شرف من وجه دون وجه

القاعدة السابعة عشرة التفضيل بأكثرية الثمرة بأن تكون لكل واحدة من الحقيقتين ثمرة إلا أن ثمرة إحداهما أعظم وجدواها أكثر فتكون وله أمثلة أحدها الفقه والهندسة كلاهما مثمر أحكاما شرعية أما الفقه فظاهر وأما الهندسة فلأنها يستعان بها في الحساب والمساحات

والحساب يدخل في المواريث وغيرها والمساحات تدخل في الإجارات ونحوها ومن نوادر المسائل الفقهية التي يحتاج إليها الفقيه المفتي والقاضي الملزم وهي لا تعلم إلا بدقيق

____________________

(2/364)

من ذلك صاحب الثلاثة فقال له علي رضي الله عنه الأرغفة ثمانية وأنتم ثلاثة أكل كل واحد منكم ثلاثة أرغفة إلا ثلثا بقي لك ثلث من أرغفتك أكله صاحب الدراهم وأكل صاحبك من أرغفته ثلاثة إلا ثلثا وهي خمسة يبقى له رغيفان وثلث وذلك سبعة أثلاث أكلها صاحب الدراهم فأكل لك ثلثا وله سبعة أثلاث فيكون لك درهم وله سبعة دراهم فهذه مسألة فقهية يحتاج إليها الفقيه المفتي والقاضي الملزم وهي لا تعلم إلا بدقيق الحساب كما ترى ومن مسائل المساحة الغريبة المتعلقة بالفقه رجل استأجر رجلا يحفر له بئرا عشرة في عشرة طولا وعرضا وعمقا جميع ذلك عشرة من كل وجه فحفر له بئرا خمسة في خمسة فاختلف فيما يستحقه من الأجرة فقال ضعفاء الفقهاء يستحق النصف لأنه عمل النصف

وقال المحققون يستحق الثمن لأنه عمل الثمن وبيانه أنه استأجره على عشرة في عشرة وذلك ألف ذراع بسبب أن الذراع الأول من العشرة لو عمل وبسط على الأرض ومسح كان حصيرا طوله عشرة وعرضه عشرة ومساحته عشرة في عشرة بمائة فالذراع الأول تحصل مساحته مائة وهي عشرة أذرع في عشرة ومائة في عشرة بألف وعمل خمسة في خمسة فالذراع الأول لو بسط على الأرض ترابا على وجهه لكان خمسة في خمسة وخمسة في خمسة بخمسة وعشرين فالذراع مساحته خمسة وعشرون

هامش إدرار الشروق

الحساب المسألة المحكية عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وهي أن رجلين كان مع أحدهما خمسة أرغفة ومع الآخر ثلاثة فجلسا يأكلان فجلس معهما ثالث يأكل معهما ثم بعد الفراغ من الأكل دفع الثالث لهما ثمانية دراهم وقال اقسما هذه الدراهم على قدر ما أكلته لكما فقال صاحب الثلاثة إنه أكل نصف أكله من أرغفتي ونصف أكله من أرغفتك فأعطني النصف أربعة دراهم فقال له الآخر لا أعطيك إلا ثلاثة دراهم لأن لي خمسة أرغفة فآخذ خمسة دراهم ولك ثلاثة أرغفة تأخذ ثلاثة دراهم فحلف صاحب الثلاثة لا يأخذ إلا ما حكم به الشرع فترافعا إلى علي رضي الله تعالى عنه فحكم لصاحب الثلاثة بدرهم واحد ولصاحب الخمسة بسبعة دراهم فشكا من ذلك صاحب الثلاثة فقال له علي رضي الله عنه الأرغفة ثمانية وأنتم ثلاثة أكل كل واحد منكم ثلاثة إلا ثلثا فبقي من أرغفتك بعد أكلك ثلث رغيف أكله صاحب الدراهم وبقي بعد أكل صاحب الخمسة رغيفان وثلث وذلك سبعة أثلاث أكلها صاحب الدراهم فيكون لك درهم واحد في مقابلة الثلث الذي أكله لك ولصاحب الخمسة سبعة دراهم في مقابلة سبعة إلا ثلاث التي أكلها له ومن غرائب المسائل المساحية المتعلقة بالفقه ويحتاج إليها الفقيه المفتي والقاضي الملزم مسألة رجل استأجر رجلا يحفر له بئرا عشرة أذرع طولا في عشرة عرضا في عشرة عمقا بأجرة معينة فحفر له بئرا خمسة في خمسة في خمسة فاختلف فيما يستحقه من الأجرة فقال ضعفاء الفقهاء يستحق النصف لأنه عمل النصف

وقال المحققون يستحق الثمن لأنه عمل الثمن وذلك أنه استأجره على ألف ذراع بسبب أن الذراع الأول من العشرة لو عمل وبسط على الأرض ومسح كان حصيرا طوله عشرة وعرضه عشرة ومساحته عشرة في عشرة بمائة فالذراع الأول تحصل مساحته مائة وهي عشرة أذرع في عشرة ومائة في عشرة بألف ولم يعمل إلا مائة وخمسة وعشرين بسبب أن

____________________

(2/365)

وهي خمسة أذرع وخمسة وعشرون في خمسة بمائة وخمسة وعشرين ونسبة مائة وخمسة وعشرين إلى الألف نسبة الثمن فيستحق الثمن من الأجرة لأنه إنما عمل ثمن ما استؤجر عليه وهذه الدقائق من هذه المسائل إنما تحصل من الهندسة فإن علم الهندسة يشمل الحساب والمساحة وغيرهما وهذه المسائل

وإن كانت كثيرة غير أنها بالنسبة إلى مسائل الفقه قليلة فثمرة الفقه أعظم من ثمرة الهندسة فيكون أفضل منها

وثانيها علم النحو وعلم المنطق كلاهما له ثمرة جليلة غير أن ثمرة النحو أعظم بسبب أنه يستعان به على كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلام العرب في نطق اللسان وكتابة اليد فإن اللحن يقع في الكتابة وفي اللفظ ويستعان به في الفقه وفي أصول الفقه وغير ذلك مما علم في مواضعه

وأما المنطق إنما يحتاج إليه في ضبط المعاني المتعلقة بالبراهين والحدود خاصة وقد يكفي فيها الطبع السليم والعقل المستقيم ولا يهتدي العقل بمجرده لتقويم اللسان وسلامته من اللحن فإنها أمور سمعية ولا مجال للعقل فيها على سبيل الاستقلال فلا بد من النحو بالضرورة فيها والمنطق يستغنى عنه بصفاء العقل فصارت الحاجة للنحو أعظم وثمرته أكثر فيكون أفضل

هامش إدرار الشروق

الذراع الأول من الخمسة مساحته خمسة وعشرون وهي خمسة أذرع وخمسة وعشرون في خمسة بمائة وخمسة وعشرين ونسبة مائة وخمسة وعشرين إلى الألف نسبة الثمن فيستحق الثمن من الأجرة لأنه إنما عمل ثمن ما استؤجر عليه وأمثال هذه الدقائق من المسائل التي لا تحصل إلا من الهندسة فإن علم الهندسة يشمل الحساب والمساحة وغيرهما وإن كانت كثيرة غير أنها بالنسبة إلى مسائل الفقه قليلة فثمرة الفقه أعظم من ثمرة الهندسة فيكون أفضل منها

وثانيها علم النحو وعلم المنطق كلاهما له ثمرة جليلة غير أن ثمرة النحو أعظم بسبب أنه يستعان به على كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلام العرب في نطق اللسان وكتابة اليد فإن اللحن كما يقع في اللفظ يقع في الكتابة ويستعان به في الفقه وغير ذلك مما علم في مواضعه ولا يحتاج إلى المنطق إلا في ضبط المعاني المتعلقة بالبراهين والحدود خاصة وأيضا العقل بمجرده لا يهتدي لتقويم اللسان وسلامته من اللحن لأنها أمور سمعية ولا مجال للعقل فيها على سبيل الاستقلال فلا بد من النحو بالضرورة فيها والمنطق يكفي في معرفة قواعده الطبع السليم والعقل المستقيم فيستغنى عنه بصفاء العقل فصارت الحاجة للنحو أعظم وثمرته أكثر فيكون أفضل وثالثها علم النحو مع علم أصول الفقه كلاهما مثمر غير أن أصول الفقه من حيث إن الشريعة من أولها إلى آخرها مبنية عليه فلا تؤخذ أحكامها إلا منه فهي ثمرته والنحو إنما أثره في تصحيح الألفاظ وبعض المعاني والألفاظ إنما هي وسائل والأحكام الشرعية مقاصد بالنسبة إلى الألفاظ والمقاصد أفضل من الوسائل قال القاعدة الثامنة عشر التفضيل بالتأثير وله أمثلة أحدها تفضيل قدرة الله تعالى على العلم والكلام

قلت فيما قاله في هذه القاعدة نظر

القاعدة الثامنة عشرة التفضيل بالتأثير وله أمثلة

____________________

(2/366)

وثالثها علم النحو مع علم أصول الفقه كلاهما مثمر غير أن أصول الفقه يثمر الأحكام الشرعية فإنها منه تؤخذ فالشريعة من أولها إلى آخرها مبنية على أصول الفقه والنحو إنما أثره في تصحيح الألفاظ وبعض المعاني والألفاظ إنما هي وسائل والأحكام الشرعية مقاصد بالنسبة إلى الألفاظ والمقاصد أفضل من الوسائل القاعدة الثامنة عشر التفضيل بالتأثير وله أمثلة أحدها تفضيل قدرة الله تعالى على العلم والكلام فإنها مؤثرة في تحصيل وجود الممكنات والعلم والخبر تابعان ليسا بمؤثرين وكذلك السمع والبصر من قبيل العلم وما له التأثير أفضل مما لا تأثير له

وثانيها تفضيل الإرادة على الحياة فإنها مؤثرة للتخصيص في الممكنات بزمانها وصفاتها الجائزة عليها والحياة لا تؤثر إيجادا ولا تخصيصا وليس في صفات الله السبعة مؤثر إلا القدرة والإرادة فقط

وثالثها تفضيل صاحب الشرع الحياء على ضده وهو القحة فقال الحياء خير كله الحياء لا يأتي إلا بخير الحياء من الإيمان بسبب أن الحياء يؤثر الحث على الخيرات والزجر عن المنكرات والقحة لا ينزجر صاحبها عن مكروه ولا تحثه على معروف

هامش إدرار الشروق

أحدها تفضيل قدرة الله تعالى من حيث إنها مؤثرة في تحصيل وجود الممكنات وإرادته تعالى من حيث إنها مؤثرة للتخصيص في الممكنات بزمانها وصفاتها الجائزة عليها على سائر صفات المعاني السبعة إذ لا تأثير في غيرهما منها

وثانيها تفضيل صاحب الشرع الحياء على ضده وهو القحة فقال الحياء خير كله الحياء لا يأتي إلا بخير الحياء من الإيمان بسبب أن الحياء يؤثر الحث على الخيرات والزجر عن المنكرات والقحة لا ينزجر صاحبها عن مكروه ولا تحثه على معروف

وثالثها تفضيل صاحب الشرع الشجاعة على الجبن بسبب أن الشجاعة تحث على ردء الأعداء ونصرة الجار ودفع العار والجبن لا يأتي معه شيء من ذلك

ورابعها تفضيل صاحب الشرع السخاء على البخل كما ورد الكريم حبيب الله لأن السخاء يؤثر الحنانة والشفقة على المساكين فهو من مكارم الأخلاق وجلب القلوب بخلاف البخل فإنه من طباع اللئام كذا قال الأصل وقال ابن الشاط وفيما قاله في هذه القاعدة نظر ا ه

قلت ولعل وجهه أنه في المثال الأول نسب التأثير للقدرة والإرادة وهو لا ينسب حقيقة إلا للذات وقولهم القدرة فعالة مجاز لا كفر ما لم يرد الانفكاك والاستقلال كما في حاشية الأمير على عبد السلام على الجوهرة قال وقد أشار الشارح لذلك كغيره بقوله بها في تعريف القدرة عرفا بأنها صفة أزلية يتأتى بها إيجاد كل ممكن وإعدامه على وفق الإرادة ا ه

لكن لا يجوز أن يطلق لفظ واسطة أو يمثل بالآلة ولله المثل الأعلى وتعالى عما يقول الظالمون وسبحان ربك رب العزة عما يصفون ويقتصر للقاصرين على قولنا الله على كل شيء قدير وما وراء ذلك من فروض الكفاية وإلا جاء قول الشاعر

____________________

(2/367)

ولذلك فضل صاحب الشريعة الشجاعة على الجبن بسبب أن الشجاعة تحث على درء الأعداء ونصر الجار ودفع العار والجبن لا يأتي معه شيء من ذلك وكذلك فضل صاحب الشريعة السخاء على البخل لكونه من مكارم الأخلاق وجلب القلوب كما ورد الكريم حبيب الله لأن السخاء يؤثر الحنانة والشفقة على المساكين والبخل ليس فيه شيء من ذلك لأنه من طباع اللئام القاعدة التاسعة عشر التفضيل بجودة البنية والتركيب وله أمثلة أحدها تفضيل الملائكة الكرام صلوات الله عليهم على الجان بسبب جودة أبنيتهم وحسن تركيبهم فإنهم خلقوا من نور ويسير جبريل عليه السلام من العرش إلى الفرش سبعة آلاف سنة في لحظة واحدة ويحمل مدائن لوط الخمسة من تحت الأرض على جناحه لا يضطرب منها شيء بل يقتلعها من تحتها على هذا الوجه ويصعد بها إلى الجو ثم يقلبها وهذا عظيم

والملك الواحد من الملائكة يقهر الجمع العظيم من الجان ولذلك سأل سليمان عليه السلام ربه تعالى أن يولي على الجان الملائكة ففعل له ذلك فهم الزاجرون لهم اليوم عند العزائم وغيرها التي يتعاطاها أهل هذا العلم فيقسمون على الملائكة بتلك الأسماء التي تعظمها الملائكة فتفعل في الجان ما يريده المقسم عليهم بتلك

هامش إدرار الشروق

وكان مضلي من هديت برشده قال وفي اليواقيت عن ابن عربي في شرح ترجمان الأشواق أن تعلق القدرة بالمقدور من سر القدر وسر القدر لا يطلع عليه إلا أفراد لأن الله تعالى قد طوى علمه عن سائر الخلق ما عدا سيدنا محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ورثه فيه كأبي بكر الصديق رضي الله عنه فقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم سأله يوما أتدري يوم لا يوم فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه نعم ذلك يوم المقادير أو كما قال قال ابن عربي وقد أطلعنا الله تعالى عليه بحكم الوراثة المحمدية ولكن لا يسعنا الإفصاح عنه لغلبة منازعة المحجوبين فيه قال تعالى ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ا ه بتصرف

وفي بقية الأمثلة نسب التأثير للأسباب وهو إنما يصح على مذهب الحكماء القائلين بالإيجاب والتعليل والمذهب الحق أن لا تأثير إلا لله تعالى وأن الربط بين السبب كالنظر الصحيح ومسببه كالنتيجة إما بطريق اللزوم العقلي كالتلازم بين الجوهر والعرض فوجود أحدهما بدون الآخر مستحيل عقلي لا تتعلق به القدرة بل أن يوجدا معا أو يعدما معا وقيل عادي يقبل التخلف كالإحراق عند مس النار فقد تخلف في نحو إبراهيم وقالت المعتزلة بالتولد على أصلهم في الضرب الناشئ عنه القطع والتولد أن يوجب الفعل لفاعله شيئا آخر كما في حاشية العلامة الأمير على عبد السلام فتأمل والله أعلم

قال القاعدة التاسعة عشر التفضيل بجودة البنية والتركيب وله أمثلة أحدها تفضيل الملائكة الكرام صلوات الله عليهم على الجان بسبب جودة أبنيتهم وحسن تركيبهم قلت ما قاله في هذه القاعدة غير صحيح لأنه بنى جميع قوله فيها على نسبة تلك الآثار التي ذكرها إلى تأثير غير القدرة القديمة على ما ظهر من مساق كلامه والله تعالى أعلم وما قاله بعد ذلك في القاعدة العشرين وما بعده إلى منتهى قوله فهي من المفضلات التي علم تفضيلها صحيح كله

القاعدة التاسعة عشرة التفضيل بجودة البنية والتركيب وله أمثلة

أحدها تفضيل الملائكة الكرام صلوات الله عليهم على الجان بسبب ما جعله الله تعالى فيهم من جودة البنية وحسن التركيب فإنهم خلقوا من نور وجعل الله فيهم سرعة السير ووفور القوة بحيث إن جبريل عليه السلام يسير من العرش إلى الفرش سبعة آلاف سنة في لحظة واحدة ويحمل مدائن لوط الخمسة من

____________________

(2/368)

الأسماء المعظمة وكانوا قبل زمن سليمان عليه السلام يخالطون الناس في الأسواق ويعبثون بهم عبثا شديدا فلما رتب سليمان هذا الترتيب وسأله من ربه انحازوا إلى الفلوات والخراب من الأرض فقلت أذيتهم والملائكة تراقبهم في ذلك فمن عبث منهم وعثا ردوه أو قتلوه كما يفعل ولاة بني آدم مع سفهائهم وما سبب اقتدار الملائكة على الجان إلا فضل أبنيتهم ووفور قوتهم فهم مفضلون على الجان من هذا الوجه مضافا لبقية الوجوه وهذه النكتة ينتفع بها كثيرا في النصوص الدالة على تفضيل الملائكة على البشر فإن الصحيح أن البشر أفضل على تفصيل يذكر في موضعه فإذا قصد الجواب عن تلك النصوص حمل ذلك التفضيل والثناء على الأبنية وجودة التركيب إذا كان النص يحتمل ذلك فيندفع أكثر الأسئلة والنقوض عن المستدل على أفضلية الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ولا نزاع أن الملائكة أفضل في أبنيتهم وأن أبنية بني آدم خسيسة بالنسبة إلى أبنية الملائكة فتحمل آية التفضيل على ذلك

وثانيها تفضيل الجان على بني آدم في الأبنية وجودة التركيب من جهة أنهم يعيشون الآلاف من السنين فلا يعرض لهم الموت وكذلك لا تعرض لهم الأمراض والأسقام

هامش إدرار الشروق

تحت الأرض على جناحه لا يضطرب منها شيء بل يقلعها من تحتها على هذا الوجه ويصعد بها إلى الجو ثم يقلبها وبحيث إن الملك الواحد من الملائكة يقهر الجمع العظيم من الجان ولذلك سأل سليمان عليه السلام ربه تعالى أن يولي على الجان الملائكة ففعل له ذلك فهم الزاجرون لهم اليوم عند العزائم وغيرها التي يتعاطاها أهل العلم فيقسمون على الملائكة بتلك الأسماء التي تعظمها الملائكة فتفعل في الجان ما يريده الله تعالى عند ذلك الإقسام بتلك الأسماء المعظمة وكانوا قبل زمن سليمان عليه السلام يخالطون الناس في الأسواق ويعبثون بهم عبثا شديدا فلما رتب سليمان هذا الترتيب وسأله من ربه انحازوا إلى الفلوات والخراب من الأرض فقلت أذيتهم والملائكة تراقبهم في ذلك فمن عبث منهم وعثا ردوه أو قتلوه كما يفعل ولاة بني آدم مع سفهائهم وتفضيلهم على الجان من هذا الوجه يضاف لبقية الوجوه وعلى هذه النكتة من التفضيل تحمل النصوص الدالة على تفضيل الملائكة على البشر إذا احتمل النص ذلك إذ لا نزاع في أن أبنية بني آدم خسيسة بالنسبة إلى أبنية الملائكة فلا تعارض ما هو الصحيح من أن البشر أفضل على تفصيل يذكر في موضعه لأمور

أحدها أن الملائكة عقل محض والبهائم شهوة محضة والإنسان مركب منهما فكما أن غلبة الشهوة تنزل الإنسان عن البهائم بعذرها بالعدم كما قال تعالى أولئك كالأنعام بل هم أضل كذلك غلبة العقل ترفعه عن الملائكة إذ وجود الشهوات مع قمعها أتم من باب أفضل العبادة أحمزها بحاء مهملة فزاي أي أشقها

الأمر الثاني أن الملائكة مع قدرتهم على التشكل بأشكال مختلفة للطافة أجسامهم النورانية لا يتشكلون في صور بعضهم فلا يتشكل جبريل بصورة ميكائيل ولا العكس بخلاف أولياء البشر فيمكنهم ذلك كما في اليواقيت عن ابن العربي

____________________

(2/369)

التي تعرض لبني آدم بسبب أن أجسادهم ليست مشتملة على الرطوبات وأجرام الأغذية فلا يحصل العفن ولا آفات الرطوبات التي تعرض لبني آدم فلذلك كثر بقاؤهم وطال وأسرع لبني آدم الموت ومما ورد في ذلك قول الشاعر في الجان لما ورد عليه بالليل وهو يقيد النار أتوا ناري فقلت منون أنتم فقالوا الجن قلت عموا ظلاما فقلت إلى الطعام فقال منهم زعيم يحسد الإنس الطعاما لقد فضلتم بالأكل عنا ولكن ذاك يعقبكم سقاما فصرحوا في شعرهم بما تقدم

وقال جماعة من العلماء الغزالي رحمه الله في الإحياء وغيره إنهم يتغذون من الأعيان بروائحها ولذلك جاء في الحديث أنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مر أمتك لا يستجمروا بروث ولا عظم فإنها طعامنا وطعام دوابنا مع أنا نجد العظم يمر عليه الدهر الطويل لا يتغير منه شيء فدل ذلك على أنهم يتغذون بالرائحة ورأيت في بعض الكتب عن وهب بن منبه أنهم طوائف منهم من يتغذى بالرائحة ومنهم من يتغذى بجرم الغذاء ومنهم طائر لا يأوي في الأرض ومنهم من يأوي في الأرض يرحلون وينزلون في البراري كالأعراب وإن أحوالهم مختلفة في ذلك وعلى الجملة فتراكيبهم

هامش إدرار الشروق

الأمر الثالث أن في اليواقيت عن الشيخ الأكبر أن مقام لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل الحديث من خصوصيات البشر وأما الملائكة فكل طاعاتهم محتمة عليهم فلا يفرغون من توظيف حتى يمكنهم التطوع نعم قال السعد لا قاطع في هذه المقامات كذا يؤخذ من الأمير على عبد السلام على الجوهرة وثانيها تفضيل الجان على بني آدم في الأبنية وجودة التركيب من جهة تقديره تعالى أنهم يعيشون الآلاف من السنين فلا يعرض لهم الموت وكذلك لا تعرض لهم الأمراض والأسقام التي تعرض لبني آدم بسبب أن أجسادهم لم يجعلها تعالى مشتملة على الرطوبات وأجرام الأغذية كما جعل أجساد بني آدم مشتملة على ذلك فصار يعرض لها العفن وآفات الرطوبات دون أجساد الجان فلذلك كثر بقاؤهم وطال وأسرع لبني آدم الموت على حسب تقدير العزيز العليم ومما ورد قول الشاعر في الجان لما ورد عليه وهو يقيد النار أتوا ناري فقلت منون أنتم فقالوا الجن قلت عموا ظلاما فقلت إلى الطعام فقال منهم زعيم يحسد الإنس الطعاما لقد فضلتم بالأكل عنا ولكن ذاك يعقبكم سقاما فصرحوا في شعرهم بما تقدم

وقال جماعة من العلماء منهم الغزالي رحمه الله تعالى في الإحياء إنهم يتغذون من الأعيان بروائحها ولذلك جاء في الحديث أنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مر أمتك لا يستجمروا بروث ولا عظم فإنها طعامنا وطعام دوابنا مع أنا نجد العظم يمر عليه الدهر الطويل لا يتغير منه شيء فدل ذلك على أنهم يتغذون بالرائحة

قال الأصل ورأيت في بعض الكتب عن وهب بن منبه أنهم طوائف منهم من يتغذى بالرائحة ومنهم من يتغذى بجرم الغذاء ومنهم طائر لا يأوي في الأرض ومنهم من يأوي في الأرض يرحلون وينزلون في البراري كالأعراب وإن أحوالهم مختلفة في ذلك وعلى الجملة

____________________

(2/370)

أعظم وسيرهم في الأرض أيسر فيسيرون المسافة الطويلة في الزمن القصير ولذلك تؤخذ عنهم أخبار الوقائع والحوادث في البلاد البعيدة عنا بسبب سرعة حركتهم وتنقلهم على وجه الأرض واتخذهم سليمان عليه السلام لأعمال تعجز عنها البشر بسبب فرط قوتهم قال الله تعالى يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب ولهم قوة التنقل على التصور في كل حيوان أرادوا فتقبل بنيتهم التنقل إلى الحيات والكلاب والبهائم وصور بني آدم وهذا لا يتأتى إلا مع جودة البنية ولطافة التركيب وبنيتنا نحن لا تقبل شيئا من هذا لأنا خلقنا من تراب شأنه الثبوت والرصافة والدوام على حالة واحدة وخلقوا من نار شأنها التحرك وسرعة الانتقال واللطافة وهذا المعنى هو الذي غر إبليس فأوجب له الكبر على آدم صلوات الله عليه وترك أن الله يفضل من يشاء على من يشاء ويحكم ما يريد فجاء بالاعتراض في غير موضعه فهلك

وثالثها تفضيل الذهب على الفضة بجودة البنية فإن بنية الذهب ملتزة متداخلة وبنية الفضة متفشفشة رخوة وسبب ذلك من حيث العادة ما ذكره المتحدثون عن المعادن أن طبخ الذهب طال تحت الأرض بحر الشمس أربعة آلاف سنة والفضة لم يحصل لها ذلك فكان بنية الذهب أفضل من بنية الفضة

هامش إدرار الشروق

فتراكيبهم أعظم وسيرهم في الأرض أيسر فيسيرون المسافة الطويلة في الزمن القصير ولذلك تؤخذ عنهم أخبار الوقائع والحوادث في البلاد البعيدة عنا بسبب سرعة حركتهم وتنقلهم على وجه الأرض واتخذهم سليمان عليه السلام لأعمال تعجز عنها البشر بسبب فرط قوتهم قال الله تعالى يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب ولهم قوة التنقل على التصور في كل حيوان أرادوا فتقبل بنيتهم التنقل إلى الحيات والكلاب والبهائم وصور بني آدم وهذا لا يتأتى إلا مع جودة البنية ولطافة التركيب وبنيتنا نحن لا تقبل شيئا من هذا لأنا خلقنا من تراب شأنه الثبوت والرصافة والدوام على حالة واحدة وخلقوا من نار شأنها التحرك وسرعة الانتقال واللطافة وهذا المعنى هو الذي غر إبليس فأوجب له الكبر على آدم صلوات الله عليه وترك أن الله يفضل من يشاء على من يشاء ويحكم ما يريد فجاء بالاعتراض في غير موضعه فهلك ا ه

وفي كتاب مسامرة الأخيار للشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي قدس سره خبر الحية الطائفة بالبيت عن أبي الطفيل قال كانت امرأة من الجن في الجاهلية تسكن ذا طوى وكان لها ابن ولم يكن لها ولد غيره وكانت تحبه حبا شديدا وكان شريفا في قومه فتزوج وأتى زوجته فلما كان يوم سابعه قال لأمه يا أمه إني أحب أن أطوف بالكعبة سبعا نهارا قالت له أمه أي بني إني أخاف عليك سفهاء قريش فقال أرجو السلامة فأذنت له فولى في صورة جان فلما أدبر جعلت تعوذه وتقول أعيذه بالكعبة المستوره ودعوات ابن أبي محذوره وما تلا محمد من سوره إني إلى حياته فقيره وإنني بعيشه مسروره

____________________

(2/371)

القاعدة العشرون التفضيل باختيار الرب تعالى لمن يشاء على من يشاء ولما يشاء على ما يشاء فيفضل أحد المتساويين من كل وجه على الآخر كتفضيل شاة الزكاة على شاة التطوع وتفضيل فاتحة الكتاب داخل صلاة الفرض على الفاتحة خارج الصلاة فإن الواجب أفضل مما ليس بواجب وكذلك تفضيل حج الفرض على تطوعه والأذكار في الصلاة على مثلها خارج الصلاة إذا تقررت هذه القواعد في أسباب التفضيل

فاعلم أن هذه الأسباب الموجبة للتفضيل قد تتعارض فيكون الأفضل من حاز أكثرها وأفضلها والتفضيل إنما يقع بين المجموعات وقد يختص المفضول ببعض الصفات الفاضلة ولا يقدح ذلك في التفضيل عليه لقوله صلى الله عليه وسلم أقضاكم علي وأفرضكم زيد وأقرؤكم أبي وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل رضي الله عنهم مع أن أبا بكر رضي الله عنه أفضل الجميع وكاختصاص سليمان عليه السلام بالملك العظيم ونوح عليه السلام بإنذار المئين من السنين وآدم صلى الله عليه وسلم بكونه أبا البشر مع تفضيل محمد صلى الله عليه وسلم على الجميع فلولا هذه القاعدة وهي تجويز اختصاص المفضول بما ليس للفاضل للزم التناقض واعلم أن تفضيل الملائكة والأنبياء صلوات الله تعالى عليهم أجمعين إنما هو بالطاعات وكثرة المثوبات

هامش إدرار الشروق

فمضى الجان أي وهو في صورة حية نحو الطواف فطاف بالبيت سبعا وصلى خلف المقام ركعتين ثم أقبل منقلبا حتى إذا كان ببعض دور بني سهم عرض له شاب من بني سهم أحمر أكثف أزرق أحول أعسر فقتله فثارت بمكة غبرة حتى لم تبصر لها الجبال قال أبو الطفيل وبلغنا أنه إنما تثور تلك الغبرة عند موت عظيم من الجن قال فأصبح من بني سهم على فراشهم موتى كثير من قبل الجن فكان فيهم سبعون شيخا أصلع سوى الشباب قال فنهضت بنو سهم وحلفاؤها ومواليها وعبيدها فركبوا الجبال والشعاب بالثنية فما تركوا حية ولا عقربا وخنفساء ولا شيئا من الهوام يدب على وجه الأرض إلا قتلوه فأقاموا بذلك ثلاثا فسمعوا في الليلة الثالثة على أبي قبيس هاتفا يهتف بصوت له جهوري يسمع بين الجبلين يا معشر قريش الله الله فإن لكم أحلاما وعقولا أعذرونا أعذرونا من بني سهم فقد قتلوا منا أضعاف ما قتلنا منهم ادخلوا بيننا وبينهم بصلح نعطهم ويعطونا العهد والميثاق أن لا يعود بعضنا لبعض بسوء أبدا ففعلت ذلك قريش واستوثقوا لبعضهم من بعض فسميت بنو سهم العياطلة قتلة الجن ا ه

المراد منه فانظره

وثالثها تفضيل الذهب على الفضة بجودة البنية فإن بنية الذهب ملتززة متداخلة وبنية الفضة متفشفشة رخوة وسبب ذلك كما قيل إن طبخ الذهب طال تحت الأرض بحر الشمس أربعة آلاف سنة والفضة لم يحصل لها ذلك فكانت بنية الذهب أفضل من بنية الفضة

القاعدة العشرون التفضيل باختيار الرب تعالى لمن يشاء على من يشاء ولما يشاء على ما يشاء بأن يفضل أحد المتساويين من كل وجه على الآخر كتفضيل شاة الزكاة على شاة التطوع وتفضيل فاتحة الكتاب داخل صلاة الفرض على الفاتحة خارج الصلاة وحج الفرض على تطوعه فإن الواجب أفضل مما ليس بواجب وكتفضيل الأذكار في الصلاة على مثلها خارج الصلاة خاتمة نسأل الله حسنها

في مهمات

____________________

(2/372)

والأحوال السنيات وشرف الرسالات والدرجات العليات فمن كان فيها أتم فهو أفضل وكذلك التفضيل بين العبادات إنما هو بمجموع ما فيها فقد يختص المفضول بما ليس للفاضل كاختصاص الجهاد بثواب الشهادة والصلاة أفضل منه وليس فيها ذلك والحج أفضل من الغزو وكذلك الحج فيه تكفير الذنوب كبيرها وصغيرها وجاء في الحديث من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وهو يقتضي الذنوب كلها والتبعات لأنه يوم الولادة كان كذلك

وقد ورد في بعض الأحاديث أن الله تعالى تجاوز لهم عن الخطيئات وضمن عنهم التبعات والصلاة ليس فيها ذلك مع أنها أفضل من الحج وما ذلك إلا لأنه يجوز أن يختص المفضول بما ليس للفاضل وقد تقدم أن الشيطان يفر من الأذان والإقامة ولا يفر من الصلاة مع أنها أفضل منهما وقد تقدم تفضيله وأنه يخرج على هذه القاعدة ثم اعلم أن المفضولات منها ما يطلع على سبب تفضيله ومنها لا يعلم إلا بالسمع المنقول عن صاحب الشريعة كتفضيل مسجده صلى الله عليه وسلم وأن الصلاة فيه خير من ألف صلاة في غيره وفي المسجد الحرام بمائة ألف صلاة وفي بيت المقدس بخمسمائة صلاة وهذه أمور لا تعلم إلا بالسمعيات ومن تفضيل المدينة على مكة عند مالك رحمه الله ومكة على المدينة عند الشافعي رضي الله عنه لا يعلم ذلك

هامش إدرار الشروق

المهم الأول أن تفضيل الأزمان والبقاع قسمان الأول دنيوي كتفضيل الربيع على غيره وكتفضيل بعض البلدان بالثمار والأنهار وطيب الهواء وموافقة الأهواء

والثاني ديني كتفضيل الثلث الأخير من الليل على غيره من الأزمنة بإجابة الدعوات ومغفرة الزلات وإعطاء السؤال ونيل الآمال ورمضان على الشهور وعاشوراء ويوم عرفة وأيام البيض والجمعة والخميس والاثنين ونحو ذلك مما ورد الشرع بتفضيله وتعظيمه على ما عداه من الأزمنة وكتفضيل مكة والمدينة وبيت المقدس وعرفة والمطاف والمسعى ومزدلفة ومنى ومرمى الجمار ونحو ذلك من البقاع التي ورد الشرع بتفضيلها على غيرها ومن الأقاليم المفضلة شرعا اليمن لقوله صلى الله عليه وسلم الإيمان يماني والحكمة يمانية والمغرب لقوله صلى الله عليه وسلم لا تزال طائفة من أهل المغرب قائمين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك

المهم الثاني المفضلات ثلاثة أقسام الأول ما يطلع على سبب تفضيله كتفضيل الصلاة بعد الإيمان على سائر العبادات وذلك أنه قد مر أن أقسام تصرف العبادة أربعة أحدها حق الله تعالى فقط كالمعارف والإيمان بما يجب ويستحيل ويجوز عليه سبحانه وتعالى

وثانيها حق العباد فقط بمعنى أنهم متمكنون من إسقاطه وإلا فكل حق للعبد ففيه حق لله تعالى وهو أمره عز وجل بإيصاله إلى مستحقه كأداء الديون ورد الغصوب والودائع

وثالثها حق لله تعالى وحق للعباد والغالب مصلحة العباد كالزكوات والصدقات والكفارات والأموال المنذورات والضحايا والهدايا والوصايا والأوقاف

ورابعها حق لله تعالى وحق لرسوله صلى الله عليه وسلم وللعباد كالأذان فحقه تعالى التكبيرات والشهادة بالتوحيد وحق رسوله الشهادة له بالرسالة وحق العباد الإرشاد للأوقات في حق النساء والمنفردين والدعاء

____________________

(2/373)

إلا بالنصوص وقد ذكرت في مواضعها من الفقه وإنما المقصود ههنا تحرير القواعد الكلية والتنبيه عليها أما جزئيات المسائل ففي مواضعها تنبيه يطلع منه على تفضيل الصلاة على سائر العبادات فنقول تقرر أن تصرف العباد على أربعة أقسام أحدها حق الله تعالى فقط كالمعارف وكالإيمان بما يجب ويستحيل ويجوز عليه سبحانه وتعالى

وثانيها حق العباد فقط بمعنى أنهم متمكنون من إسقاطه وإلا فكل حق للعبد ففيه حق لله تعالى وهو أمره عز وجل بإيصاله إلى مستحقه كأداء الديون ورد الغصوب والودائع

وثالثها حق لله تعالى وحق للعباد والغالب مصلحة العباد كالزكوات والصدقات والكفارات وكالأموال المنذورات والضحايا والهدايا والوصايا والأوقاف

ورابعها حق لله تعالى وحق لرسوله صلى الله عليه وسلم وللعباد كالأذان فحقه تعالى التكبيرات والشهادة بالتوحيد وحق رسوله الشهادة له بالرسالة وحق العباد الإرشاد للأوقات في حق النساء والمنفردين والدعاء للجماعات في حق المقتدين والصلاة مشتملة على حق الله تعالى كالنية والتكبير والتسبيح والتشهد والركوع والسجود وما يصحبها من

هامش إدرار الشروق

للجماعات في حق المقتدين والصلاة مع كونها من المقاصد قد اشتملت على حق الله تعالى كالنية والتكبير والتسبيح والتشهد والركوع والسجود وما يصحبها من الحركات والتروك والكف عن الكلام وكثير الأفعال وعلى حقه صلى الله عليه وسلم كالصلاة عليه والتسليم عليه والشهادة له بالرسالة وعلى حق المكلف وهو دعاؤه لنفسه في القيام بالهداية والاستقامة على العبادة وغيرها والقنوت وفي السجود والجلوس لنفسه وقوله السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم والتسليم آخر الصلاة على الحاضرين فلذا قال صلى الله عليه وسلم أفضل أعمالكم الصلاة

القسم الثاني ما لا يعلم تفضيله إلا بالسمع المنقول عن صاحب الشريعة كتفضيل مسجده صلى الله عليه وسلم وأن الصلاة فيه خير من ألف صلاة في غيره وفي المسجد الحرام بمائة ألف صلاة وفي بيت المقدس بخمسمائة صلاة فإن هذه أمور لا تعلم إلا بالسمعيات

القسم الثالث ما تفضيله بأمور نعلمها وأمور لا نعلمها إلا بالسمع المنقول عن صاحب الشريعة كتفضيل المدينة على مكة في مشهور مذهبنا فمن جهة المعلوم بوجوه ككونها مهاجر سيد المرسلين وموطن استقرار الدين وظهور دعوة المؤمنين ومدفن سيد الأولين والآخرين وبها كمل الدين واتضح اليقين وحصل العز والتمكين وكان النقل عن أهلها أفضل النقول وأصح المعتمدات لأن الأبناء فيه ينقلون عن الآباء والأخلاف عن الأسلاف فيخرج النقل عن حيز الظن والتخمين إلى حيز العلم واليقين ومن جهة النصوص بوجوه

أحدها قوله صلى الله عليه وسلم المدينة خير من مكة

وثانيها دعاؤه صلى الله عليه وسلم بمثل ما دعا به إبراهيم صلى الله عليه وسلم لمكة ومثله معه

____________________

(2/374)

الحركات والتروك والكف عن الكلام وكثير الأفعال وعلى حقه صلى الله عليه وسلم كالصلاة عليه والتسليم عليه والشهادة له بالرسالة وعلى حق المكلف وهو دعاؤه لنفسه بالهداية والاستقامة على العبادة وغيرها والقنوت ودعاؤه في السجود والجلوس لنفسه وقوله السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم والتسليم آخر الصلاة على الحاضرين ولهذه الوجوه ونحوها كانت الصلاة أفضل الأعمال بعد الإيمان وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل أعمالكم الصلاة فهي من المفضلات التي علم سبب تفضيلها وأما تفضيل مكة على المدينة أو المدينة على مكة فبأمور نعلمها وأمور لا نعلمها فمن المعلوم كون المدينة مهاجر سيد المرسلين وموطن استقرار الدين وظهور دعوة المؤمنين ومدفن سيد الأولين والآخرين وبها كمل الدين واتضح اليقين وحصل العز والتمكين وكان النقل من أهلها أفضل النقول وأصح المعتمدات لأن الأبناء فيه ينقلون عن الآباء والأخلاف عن الأسلاف فيخرج النقل عن حيز الظن والتخمين إلى حيز العلم واليقين ومن جهة النصوص بوجوه

أحدها قوله صلى الله عليه وسلم المدينة خير من مكة وهو

هامش إدرار الشروق

وثالثها قوله صلى الله عليه وسلم اللهم إنهم أخرجوني من أحب البقاع إلي فأسكني أحب البقاع إليك وما هو أحب إلى الله يكون أفضل والظاهر استجابة دعائه صلى الله عليه وسلم وقد أسكنه المدينة فتكون أفضل البقاع وهو المطلوب

ورابعها قوله صلى الله عليه وسلم لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شفيعا وشهيدا يوم القيامة

وخامسها قوله صلى الله عليه وسلم إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها أي تأوي

وسادسها قوله صلى الله عليه وسلم إن المدينة تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد

وسابعها قوله صلى الله عليه وسلم ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة وكتفضيل مكة على المدينة في مقابل مشهور مذهبنا فمن جهة المعلوم بوجوه أحدها وجوب الحج والعمرة على الخلاف في وجوب العمرة والإتيان للمدينة لا يجب وثانيها إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بها ثلاث عشرة سنة وبالمدينة عشرا وثالثها ما من نبي إلا حجها آدم فمن سواه من الأنبياء والمرسلين وإنما كثرة الطارئين للمدينة من عباد الله الصالحين لا من الأنبياء

ورابعها وجوب استقبالها وخامسها تحريم استقبالها واستدبارها عند قضاء الحاجة وسادسها تحريمها يوم خلق السموات والأرض ولم تحرم المدينة إلا في زمانه صلى الله عليه وسلم وسابعها كونها مثوى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام

وثامنها كونها مولد سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم

وتاسعها كونها لا تدخل إلا بإحرام وعاشرها الاغتسال لدخولها دون المدينة ومن جهة النصوص بوجوه

____________________

(2/375)

نص في الباب ويرد عليه أنه وإن كان نصا في التفضيل غير أنه مطلق في المتعلق فيحتمل أنها خير من جهة سعة الرزق والمتاجر فما تعين محل النزاع

وثانيها دعاؤه صلى الله عليه وسلم بمثل ما دعا به إبراهيم صلى الله عليه وسلم لمكة ومثله معه ويرد عليه أنه مطلق في المدعو به فيحمل ما صرح به في الحديث وهو الصاع والمد

وثالثها قوله صلى الله عليه وسلم اللهم إنهم أخرجوني من أحب البقاع إلي فأسكني أحب البقاع إليك وما هو أحب إلى الله يكون أفضل والظاهر استجابة دعائه صلى الله عليه وسلم وقد أسكنه المدينة فتكون أفضل البقاع وهو المطلوب ويرد عليه أن السياق لا يأبى دخول مكة في المفضل عليه لإياسه صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت فيكون المعنى فأسكني أحب البقاع إليك مما عداها وإذا لم تدخل مكة في المفضل عليه احتمل أن تكون أفضل من المدينة فتسقط الحجة مع أنه لم يصح من جهة النقل ولو صح فهو من مجاز وصف المكان بصفة ما يقع فيه كما يقال بلد طيب أي هواها والأرض المقدسة أي قدس من فيها أو من دخلها من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم لأنهم مقدسون من الذنوب والخطايا وكذلك الوادي المقدس أي قدس موسى عليه السلام فيه والملائكة الحالون فيه وكذلك وصفه عليه

هامش إدرار الشروق

@ 376 أحدها قوله تعالى إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وثانيها ثناء الله تعالى على البيت الحرام بقوله تعالى إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين وثالثها ما رواه ابن ماجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبل الحجر ثم وضع شفتيه عليه وبكى طويلا ثم التفت فإذا هو بعمر بن الخطاب يبكي فقال يا عمر ههنا تسكب العبرات وروى البخاري في صحيحه أن عمر بن الخطاب جاء إلى الحجر الأسود فقبله ثم قال إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك وروي أن أبيا قال له إنه يضر وينفع فإنه يأتي يوم القيامة وله لسان ذلق يشهد لمن قبله واستلمه وهذه منفعة وقيل إن عليا قال لعمر رضي الله عنهما بل يضر وينفع قال له وكيف ذلك قال إن الله تعالى لما أخذ الميثاق على الذرية كتب كتابا وألقمه هذا الحجر فهو يشهد للمؤمنين بالوفاء وعلى الكافرين بالجحود قال الأمير في مناسكه وإنما طلب التكبير عنده إشارة إلى أن تقبيله إنما هو امتثالا لأمر الله تعالى وتعظيما لما أمر الله بتعظيمه واقتداء بنبيه صلى الله عليه وسلم لا كما يصنع المشركون بأصنامهم فإن الله تعالى أكبر من أن يشرك معه غيره وههنا لطيفة وهي أن هذا الحجر مسه فم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه قبله وعلى التبرك بذلك تبذل النفوس وأيضا ورد أنه يمين الله في أرضه من اليمن وهو البركة والناس تتعبد بتقبيله كما تقبل أيدي الملوك ا ه

ورابعها ما جاء في الحديث من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وهو يقتضي الذنوب كلها والتبعات لأنه يوم الولادة كان كذلك وقد ورد في بعض الأحاديث أن الله تعالى تجاوز لهم عن الخطيئات وضمن عنهم التبعات ولو كان لملك داران فأوجب على عباده أن يأتوا إحداهما ووعدهم على ذلك مغفرة سيئاتهم ورفع درجاتهم دون الأخرى لعلم أنها أفضل

____________________

(2/376)

الصلاة والسلام البقعة بالمحبة وهو وصف لها بما جعله الله تعالى فيها مما يحبه الله تعالى ورسوله وهي إقامته صلى الله عليه وسلم بها وإرشاد الخلق إلى الحق وقد اقتضى ذلك التبليغ وتلك القربات فبطل الوصف الموجب للتفضيل على هذا التقدير ورابعها قوله صلى الله عليه وسلم لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شفيعا وشهيدا يوم القيامة ويرد عليه سؤالان أحدهما أنه يدل على الأفضل لا على الأفضلية وثانيها أنه مطلق في الزمان فيحمل على زمانه صلى الله عليه وسلم والكون معه لنصرة الدين ويعضده خروج الصحابة رضوان الله عليهم بعد وفاته إلى الكوفة والبصرة والشام وغير ذلك من البلاد وخامسها قوله صلى الله عليه وسلم إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها أي تأوي ويرد عليه أن ذلك عبارة عن إتيان المؤمنين لها بسبب وجوده صلى الله عليه وسلم فيها حال حياته فلا عموم له في الأزمان ولا بقاء لهذه الفضيلة بعده لخروج الصحابة رضي الله عنهم إلى العراق وغيره وهم أهل الإيمان وخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حق فيحمل على زمان يكون الواقع فيه ذلك تحقيقا لصدقه صلى الله عليه وسلم

وسادسها قوله صلى الله عليه وسلم إن المدينة تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد ويرد عليه

هامش إدرار الشروق

وخامسها قد مر عن الباجي أن حديث حسنات الحرم بمائة ألف إذا ثبت صريحا في أن نفس مكة أفضل من نفس المدينة وفي الرهوني عن سيدي أحمد بابا وقد كثر الاحتجاج في كل من الفريقين بما أكثره خصائص وهي إنما تدل على الفضيلة لا الأفضلية لأن المفضول قد يختص بشيء عن الفاضل ولا يلزم منه تفضيله به فالأذان يفر منه الشيطان دون الصلاة تأمل نعم حديث المدينة خير من مكة نص في تفضيلها إلا أنه ضعيف ا ه بتصرف

المهم الثالث أن الأسباب الموجبة للتفضيل قد تتعارض فيكون الأفضل من حاز أكثرها وأفضلها والتفضيل إنما يقع بين المجموعات وقد يختص المفضول ببعض الصفات الفاضلة ولا يقدح ذلك في التفضيل عليه لقوله صلى الله عليه وسلم أقضاكم علي وأفرضكم زيد وأقرؤكم أبي وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل رضي الله عنهم مع أن أبا بكر رضي الله عنه أفضل الجميع وقد تقدم ذلك وأن الشيطان يفر من الأذان والإقامة ولا يفر من الصلاة مع أنها أفضل منهما وكاختصاص سليمان عليه السلام بالملك العظيم ونوح عليه السلام بإنذار المئين من السنين وآدم صلى الله عليه وسلم بكونه أبا البشر مع تفضيل محمد صلى الله عليه وسلم على الجميع وكاختصاص الجهاد بثواب الشهادة مع أن الصلاة والحج أفضل منه وليس فيهما ذلك وكاختصاص الحج بتكفير الذنوب كبيرها وصغيرها بل والتبعات كما علمت مع أن الصلاة أفضل منه وليس فيها ذلك وكاختصاص مكة بأن العمل فيها أكثر من العمل في المدينة مع أن المدينة في مشهور مذهب مالك أفضل لما رواه أحمد وابن حبان في صحيحه عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة في مسجدي فيحمل الاستثناء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عنه عليه الصلاة والسلام صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام على ظاهره

____________________

(2/377)

أنه مطلق في الأزمان فيحمل على زمانه صلى الله عليه وسلم لخروج الصحابة بعده فيلزم أن يكونوا خبثا وليس كذلك

وسابعها قوله صلى الله عليه وسلم ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ويرد عليه أنه يدل على فضل ذلك الموضع لا المدينة وأما مكة شرفها الله تعالى ففضلت بوجوه

أحدها وجوب الحج والعمرة على الخلاف في وجوب العمرة والمدينة يندب لإتيانها ولا يجب

وثانيها أن إقامة النبي صلى الله عليه وسلم كان بمكة بعد النبوة أكثر من المدينة فأقام بمكة ثلاث عشرة سنة وبالمدينة عشرا غير أنه يرد على هذا الوجه أن تلك العشرة كان كماله صلى الله عليه وسلم وكمال الدين فيها أتم وأوفر فلعل ساعة بالمدينة كانت أفضل من سنة بمكة أو من جملة الإقامة بها وثالثها فضلت المدينة بكثرة الطارئين من عباد الله الصالحين وفضلت مكة بالطائفين من الأنبياء والمرسلين فما من نبي إلا حجها آدم فمن سواه ولو كان لملك داران فأوجب على عباده أن يأتوا إحداهما ووعدهم على ذلك بمغفرة سيئاتهم ورفع درجاتهم دون الأخرى لعلم أنها عنده أفضل

هامش إدرار الشروق

للزيادة وأن الصلاة في المسجد الحرام أفضل لأن حديث ابن الزبير منطوق وقع صريحا فلا يعارضه مفهوم حديث أبي هريرة

وإن كان صحيحا بناء على أن معناه كما قال ابن نافع وأشهب في روايته عن مالك وجماعة من أصحابه إن الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم أفضل من الصلاة في سائر المساجد بألف صلاة إلا المسجد الحرام فإن الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بدون الألف أي بتسع مائة وعلى غيره بألف محتجين بما روي في مسند الحميدي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه صلاة في المسجد الحرام خير من مائة صلاة فيما سواه على أنه لا يتم الاحتجاج به لأنه يدل على أن صلاة في المسجد الحرام خير من مائة صلاة في مسجد المدينة لأنه داخل فيما سواه من غير ذكر استثناء في مبناه وعليه جرى الأصل فيما مر عنه من أن الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم خير من ألف صلاة في غيره وفي المسجد الحرام بألف ومائة بل قد مر عن الرهوني عن سيدي أحمد بابا أن حديث صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة في غيره من المساجد إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة قال ابن عبد البر حديث صحيح على شرط الشيخين وهو الحجة عند التنازع وهو صريح أي في تفضيل مسجد مكة يدفع ما قيل في الحديث الصحيح إلا المسجد الحرام باحتمال أنه أفضل منه بدون ألف أو بتأولهما فلذا قال مالك إن أسباب التفضيل لا تنحصر في مزيد المضاعفة فالصلوات الخمس بمنى عند التوجه لعرفة أفضل منها بمسجد مكة وإن انتفت عنها المضاعفة كما يؤخذ من حاشية شيخنا على توضيح

____________________

(2/378)

ورابعها أن التعظيم والاستلام نوع من الاحترام وهما خاصان بالكعبة وخامسها وجوب استقبالها يدل على تعظيمها وسادسها تحريم استقبالها واستدبارها عند قضاء الحاجة يدل على تعظيمها ولم يحصل ذلك لغيرها وسابعها تحريمها يوم خلق الله السموات والأرض ولم تحرم المدينة إلا في زمانه صلى الله عليه وسلم وذلك دليل فضلها وثامنها كونها مثوى إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام وتاسعها كونها مولد سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وعاشرها كونها لا تدخل إلا بإحرام وذلك يدل على تعظيمها وحادي عشرها قوله تعالى إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وثاني عشرها الاغتسال لدخولها دون المدينة وثالث عشرها ثناء الله تعالى على البيت الحرام إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين واعلم أن تفضيل

هامش إدرار الشروق

المناسك على أن في حاشية الرهوني على عبق عن سيدي أحمد بابا أن هذا تضعيف نوع من العبادة ولا يلزم منه طرده في جميع أنواعها مع أنه معارض بما في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم اللهم اجعل بالمدينة ضعف ما بمكة من البركة قال وأما احتجاج أبي الوليد بن رشد بأن الله سبحانه جعل في مكة قبلة وكعبة الحج وبأنه صلى الله عليه وسلم جعل لها مزية بتحريم الله سبحانه إياها بقوله إن الله حرم مكة ولم يحرمها الناس وإنه قد أجمع أهل العلم على وجوب الجزاء على من صاد بحرمها ولم يجمعوا على وجوبه على من صاد بحرم المدينة وبأن جماعة رأوا أن تغلظ الحدود في حرم مكة لحرمته ولا تقام فيه لقوله تعالى ومن دخله كان آمنا ولم يقل أحد بذلك في حرم المدينة فجوابه أن المدينة موطن إقامته صلى الله عليه وسلم ومهاجره وموطن ومهاجر أصحابه المجمع على أنهم أفضل هذه الأمة ومدفن جسده الشريف بعد موته صلى الله عليه وسلم وهو أشرف من الكعبة ومن جميع المخلوقات

وقد انعقد الإجماع على أن الروضة المشرفة أفضل بقاع الأرض والسماء فيكون ما قاربها وجاورها أفضل من غيره بجيرانها تغلو الديار وترخص فتأمله بإنصاف ا ه

قلت وفي الحطاب على المختصر عن الشيخ السمهودي في تاريخ المدينة نقل عياض وقبله أبو الوليد والباجي وغيرهما الإجماع على تفضيل ما ضم الأعضاء الشريفة على الكعبة بل نقل التاج السبكي عن ابن عقيل الحنبلي أنها أفضل من العرش وصرح التاج الفاكهي بتفضيلها على السموات قال بل الظاهر المتعين جميع الأرض على السموات لحلوله صلى الله عليه وسلم بها وحكاه بعضهم عن الأكثر بخلق الأنبياء منها ودفنهم فيها لكن قال النووي والجمهور على تفضيل السماء على الأرض أي ما عدا ما ضم الأعضاء الشريفة ا ه

فاندفع قول الأصل إن قوله صلى الله عليه وسلم ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة إنما يدل على

____________________

(2/379)

الأزمان والبقاع قسمان تفضيل دنيوي كتفضيل الربيع على غيره وكتفضيل بعض البلدان بالثمار والأنهار وطيب الهواء وموافقة الأهواء وديني كتفضيل رمضان على الشهور وعاشوراء على الأيام وكذلك يوم عرفة وأيام البيض وعشر المحرم والخميس والاثنين ونحو ذلك مما ورد الشرع بتفضيله وتعظيمه من الأزمنة والبقاع نحو مكة والمدينة وبيت المقدس وعرفة والمطاف والمسعى ومزدلفة ومنى ومرمى الجمار ومن الأقاليم اليمن لقوله صلى الله عليه وسلم الإيمان يمان والحكمة يمانية والمغرب لقوله عليه الصلاة والسلام لا تزال طائفة من أهل المغرب قائمين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك ومن الأزمنة الثلث الأخير من الليل فضله الله تعالى بإجابة الدعوات ومغفرة الزلات وإعطاء السؤال ونيل الآمال وأسباب التفضيل كثيرة لا أقدر على إحصائها خشية الإسهاب وإنما بعثني على الوصول فيها إلى هذه الغاية ما أنكره بعض فضلاء الشافعية على القاضي عياض رحمهما الله تعالى من قوله إن الأمة أجمعت على أن البقعة التي ضمت أعضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل البقاع فقال الثواب هو سبب التفضيل والعمل ههنا متعذر فلا ثواب فكيف يصح هذا الإجماع وشنع عليه كثيرا فأردت أن أبين تعدد الأسباب في ذلك فبطل ما قاله من الرد على القاضي وبلغني أيضا عن المأمون بن الرشيد الخليفة أنه قال أسباب التفضيل أربعة وكلها كملت في علي رضي الله عنه

هامش إدرار الشروق

فضل ذلك الموضع لا المدينة ا ه على أن تحريم الله مكة والإجماع على وجوب جزاء صيدها ورؤية تغلظ الحدود في حرمها وأنها لا تقام فيه مزايا تقتضي الفضيلة لا الأفضلية

وأما الاحتجاج بأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة ثلاث عشرة سنة وبالمدينة عشرا فجوابه كما قال الأصل أن تلك العشرة كان كماله صلى الله عليه وسلم وكمال الدين فيها أتم وأوفر فلعل ساعة بالمدينة كانت أفضل من سنة بمكة أو من جملة الإقامة بها قال الرهوني

وأما الاحتجاج بحديث الترمذي وصححه عبد الله بن عدي مرفوعا والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله فجوابه كما قال ابن العربي أن معنى قوله لخير أرض الله إما إنه قاله قبل علمه بتفضيل المدينة أو خيرها ما عداها ا ه

قلت على أنه قد مر في وجوه تفضيل المدينة قوله صلى الله عليه وسلم اللهم إنهم أخرجوني من أحب البقاع إلي فأسكني أحب البقاع إليك وقوله صلى الله عليه وسلم المدينة خير من مكة وهو نص في الباب وإن قال الأصل إن الثاني مطلق في المتعلق فيحتمل أنها خير من جهة سعة الرزق والمتاجر وأن سياق الأول يقتضي عدم دخول مكة في المفضل عليه لإياسه صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت فيكون المعنى فأسكني أحب البقاع إليك مما عداها ويحتمل أن تكون أفضل من المدينة على أنه لم يصح من جهة الفعل ولو صح فهو من مجاز وصف المكان بصفة ما يقع فيه والمعنى فأسكني أحب البقاع إليك بما جعلته فيها مما يحبه الله تعالى ورسوله من إقامته صلى الله عليه وسلم بها وإرشاد الخلق إلى الحق كما يقال بلد طيب أي هواها والأرض المقدسة أي قدس من فيها أو من دخلها من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم لأنهم مقدسون من الذنوب والخطايا والوادي المقدس أي قدس موسى عليه السلام فيه والملائكة الحالون فيه ا ه

إذ يكفي كونهما ظاهرين في المطلوب لأن الاحتجاج بمجموع أسباب

____________________

(2/380)

فهو أفضل الصحابة وأخذ يرد بذلك على أهل السنة فأردت أيضا أن أبطل ما ادعاه من الحصر ومسائل التفضيل كثيرة بين الصحابة وبين الأنبياء والملائكة وهي أشبه بأصول الدين وهذا الكتاب إنما قصدت فيه ما يتعلق بالقواعد الفقهية خاصة فلذلك اقتصرت على تفضيل الصلاة ومكة والمدينة لأنها من المسائل الفقهية وأحلت ما عداها على موضعه والله الموفق

هامش إدرار الشروق

التفضيل لا بهما فقط حتى يسقطا بمجرد الاحتمال فافهم وأما قول أبي الوليد بن رشد ولا حجة في الأحاديث المرغبة في سكنى المدينة على تفضيلها أما دعاؤه صلى الله عليه وسلم بمثل ما دعا به إبراهيم صلى الله عليه وسلم لمكة ومثله معه فلأنه مطلق في المدعو به فيحمل على ما خرج به في الحديث من الصاع والمد ولا يلزم من أن يبارك لهم في مدينتهم وصاعهم ومدهم أن تكون بذلك أفضل من مكة

وأما قوله صلى الله عليه وسلم أمرت بقرية تأكل القرى فلأنه إنما أخبر أنه أمر بالهجرة إلى قرية تفتح منها البلاد وأما قوله صلى الله عليه وسلم إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها وقوله صلى الله عليه وسلم إن المدينة تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد وقوله صلى الله عليه وسلم لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شفيعا وشهيدا يوم القيامة فلحملها على زمانه صلى الله عليه وسلم والكون معه لنصرة الدين قال الأصل ويعضده خروج الصحابة رضوان الله عليهم بعد وفاته إلى الكوفة والبصرة والشام وغير ذلك من البلاد على أن قوله صلى الله عليه وسلم لا يصبر إلخ يدل على الفضل لا على الأفضلية ا ه فلا يتم في جميعها كما

قال الرهوني لأنه يقتضي أن الترغيب في سكنى المدينة خاص بحياته صلى الله عليه وسلم مع أن الأحاديث الدالة على أن سكناها خير من غيرها بعد موته صلى الله عليه وسلم ثابتة في البخاري وغيره قال وقوله إن معنى حديث إن الإيمان ليأرز إلى المدينة أن الناس ينتابون إليها في حياته صلى الله عليه وسلم للدخول في الإسلام ليس نصا في الحديث ولا ظاهرا منه وقد فهم غيره على خلاف ذلك قال عياض في المشارق قوله إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها كذا لأكثرهم بكسر الراء وكذا قيدناه من شيوخنا في هذه الكتب وغيرها وكذا قيده الأصيلي بخطه وزاد في ابن سراج يأرز بالضم وقيده بعضهم عن كتاب القابسي يأرز بالفتح وحكي عنه أنه هكذا سمعه من المروزي ومعناه ينضم ويجتمع وقيل يرجع كما جاء في الحديث الآخر ليعودن كل إيمان إلى المدينة ا ه منها بلفظها وفي الصحاح ما نصه وأرز فلان يأرز أرزا وأروزا إذا تضام وتقبض من بخله فهو أروز

ثم قال وفي الحديث إن الإسلام ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها أي ينضم إليها فيجتمع بعضه إلى بعض فيها ا ه منه بلفظه ا ه

قلت وما ذكره الأصل من التعضيد مدفوع بما في الموطإ عن سفيان بن أبي زهير أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يفتح اليمن فتأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ويفتح الشام إلخ ويفتح العراق إلخ قال الباجي وقوله صلى الله عليه وسلم والمدينة خير إلخ لهم يريد والله أعلم أن ما يفوتهم من الأجر بالانتقال عنها أعظم وأفضل مما ينالونه من الخصب وسعة العيش حيث ينتقلون إليه من اليمن والشام والعراق ا ه

وما في الموطإ أيضا

وحدثني مالك أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز حين خرج من المدينة التفت إليها فبكى ثم قال يا مزاحم نخشى أن نكون مما نفت المدينة قال الباجي يريد عمر بن عبد العزيز والله أعلم ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها تنفي خبثها فخاف أن يكون ممن نفته المدينة لكونه من الخبث لمخالفة سنة أو ضلال عن هدى ومثله من أهل الفضل والدين يخاف على نفسه ا ه فافهم

____________________

(2/381)

صفحة فارغة

هامش إدرار الشروق

المهم الرابع مسائل التفضيل بين الصحابة والأنبياء والملائكة وإن كانت كثيرة إلا أنها ترجع إلى التفضيل بالطاعات وكثرة المثوبات والأحوال السنيات وشرف الرسالات والدرجات العليات فمن كان فيها أتم فهو أفضل قال الشيخ عبد السلام على الجوهرة وتلخيص ما أشار إليه الناظم أولا وآخرا أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل المخلوقات على العموم ويليه إبراهيم ثم موسى ثم عيسى ثم نوح ثم بقية الرسل ثم الأنبياء غير الرسل ثم هم فيما بينهم متفاضلون أيضا عند الله ثم أرأس رسل الملائكة ثم من يليه منهم ثم بقية رسلهم ثم بقيتهم غير الرسل ثم هم متفاضلون أيضا فيما بينهم ثم قال وقد علم من النظم أن التفضيل إما باعتبار أفراد الصحابة فأبو بكر هو الأفضل ثم عمر ثم عثمان ثم علي وإما باعتبار الأصناف فأفضلهم الخلفاء الأربعة ثم الستة الباقية من العشرة ثم بقية البدريين ثم بقية أصحاب أحد ثم بقية أهل بيعة الرضوان بالحديبية وهو في كلام الشمس البرماوي ا ه وهذه المسائل وإن كانت أشبه بأصول الدين إلا أن لها تعلقا بالفقه بوجه ما سيما على قول من قال الحكم الشرعي ما أخذ من الكتاب أو السنة أو الإجماع ولا على طريق الاعتداد لا الاستقلال كأغلب مسائل التوحيد التي يستقل بها العقل وهذا الكتاب المقصود الاقتصار فيه على ما يتعلق بالقواعد الفقهية خاصة ولو بوجه ما والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

____________________

(2/382)

الفرق الرابع عشر والمائة بين قاعدة ما يصح اجتماع العوضين فيه لشخص واحد وبين قاعدة ما لا يصح أن يجتمع فيه العوضان لشخص واحد اعلم أن القاعدة الشرعية الأكثرية أنه لا يجوز أن يجتمع العوضان لشخص واحد فإنه يؤدي إلى أكل المال بالباطل وإنما يأكله بالسبب الحق إذا خرج من يده ما أخذ العوض بإزائه فيرتفع الغبن والضرر على المتعاوضين فلذلك لا يجوز أن يكون للبائع الثمر والسلعة معا ولا للمؤجر الأجرة والمنفعة معا وكذلك بقية الصور غير أنه قد استثنيت مسائل من هذه القاعدة للضرورة وأنواع من المصالح

هامش أنوار البروق

قال الفرق الرابع عشر والمائة بين قاعدة ما يصح اجتماع العوضين فيه لشخص واحد وبين قاعدة ما لا يصح أن يجتمع فيه العوضان لشخص واحد قلت في هذا الفرق نظر يفتقر إلى بسط وما ذكره من المسائل الثلاث لقائل أن يقول ليس المبذول فيها عوضا عن الثواب بل هو معونة على القيام بتلك الأمور فللقائم بها ثوابه ولمن تولى المعونة ثوابه فلم يجتمع العوضان لشخص واحد بوجه والله تعالى أعلم وما قاله في الفروق الخمسة التي بعده صحيح وكذلك ما قاله في الفرق العشرين والمائة ما عدا قوله كما أن المشترك الذي هو مفهوم أحدها متعلق الوجوب فإن المشترك ليس هو مفهوم أحدها ولا هو متعلق الوجوب كما سلف التنبيه على مثله غير مرة

هامش إدرار الشروق

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لله الملهم للصواب والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله والأصحاب الفرق الرابع عشر والمائة بين قاعدة ما يصح اجتماع العوضين فيه لشخص واحد وبين قاعدة ما لا يصح أن يجتمع فيه العوضان لشخص واحد إنما يتم الفرق بينهما بناء على تسليم ما قاله الأصل من أن قاعدة أنه لا يجوز أن يجتمع العوضان لشخص واحد لأنه يؤدي إلى أكل المال بالباطل وإنما يأكله بالسبب الحق إذا خرج من يده ما أخذ العوض بإزائه فيرتفع الغبن والضرر على المتعاوضين فلذلك لا يجوز أن يكون للبائع الثمن والسلعة معا ولا للمؤجر الأجرة والمنفعة معا أكثرية لا كلية فيستثنى منها مسائل المسألة الأولى الإجارة على الصلاة فيها ثلاثة أقوال الأول الجواز لأن الأجرة بإزاء الملازمة في المكان المعين وهو غير الصلاة والثاني المنع لأن ثواب صلاته له فلو حصلت له الأجرة أيضا لحصل له اجتماع العوض والمعوض وهو غير جائز الثالث التفرقة بين أن يضم إليها الأذان فتصح أو لا يضم

____________________

(3/3)

المسألة الأولى الإجارة على الصلاة فيها ثلاثة أقوال الجواز والمنع والثالث التفرقة بين أن يضم إليها الأذان فتصح أو لا يضم إليها فلا تصح وجه المنع أن ثواب صلاته له فلو حصلت له الأجرة أيضا لحصل العوض والمعوض وهو غير جائز وحجة الجواز أن الأجرة بإزاء الملازمة في المكان المعين وهو غير الصلاة ووجه التفرقة أن الأذان لا يلزمه فيصح أخذ الأجرة عليه فإذا ضم إلى الصلاة قرب العقد من الصحة وهو المشهور المسألة الثانية أخذ الخارج في الجهاد من القاعد من أهل ديوانه جعلا على ذلك ومنع من ذلك الشافعي وأبو حنيفة وأجازه مالك رحمهم الله وقال مالك لا يجعل لغير من في ديوانه لعدم الضرورة لذلك وثواب الجهاد حاصل للخارج فلا يجتمع له العوض والمعوض لأن حكمة المعاوضة انتفاع كل واحد من المتعاوضين بما بذل له حجة مالك عمل الناس في ذلك ولأنه باب ضرورة أن ينوب بعضهم عن بعض إذا كانوا أهل ديوان واحد فإن تعددت الدواوين فلا ضرورة تخالف لأجلها القاعدة المجمع عليها المسألة الثالثة مسألة المسابقة بين الخيل فقلنا السابق لا يأخذ ما جعل للسابق لأن السابق له أجر التسبب للجهاد فلا يأخذ الذي جعل في المسابقة لئلا يجتمع له العوض والمعوض فلهذه الحكمة وبسبب هذه القاعدة اشترط بعض العلماء الثالث المحلل لأخذ العوض

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

إليها فلا تصح لأن الأذان لا يلزمه فيصح أخذ الأجرة عليه فإذا ضم إلى الصلاة قرب العقد من الصحة وهو المشهور وفي بداية المجتهد لابن رشد وأما إجارة المؤذن فإن قوما لم يروا في ذلك بأسا قياسا على الأفعال غير الواجبة وقوما كرهوا ذلك وحرموه محتجين بما روي عن عثمان بن أبي العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرة وسبب الاختلاف هل هو واجب أم ليس بواجب

ا ه بتصرف المسألة الثانية أخذ الخارج في الجهاد من القاعد من أهل ديوانه جعلا على ذلك أجازه مالك رحمه الله تعالى لعمل الناس في ذلك ولأنه باب ضرورة أن ينوب بعضهم عن بعض إذا كانوا أهل ديوان واحد وإلا فلا ضرورة تخالف لأجلها القاعدة المجمع عليها فيقال بالجواز مع اجتماع ثواب الجهاد والجعل للخارج ومنع من ذلك الشافعي وأبو حنيفة رحمهما الله تعالى ولو كان الخارج من أهل ديوانه لا من أهل ديوان آخر عملا بالقاعدة المسألة الثالثة المسابقة بجعل أي مال يجعل بين المتسابقين ليأخذه السابق أو من حضر في الخيل من الجانبين والإبل كذلك والخيل من جانب والإبل من جانب جائزة بمعنى الإذن الصادق بالوجوب إن توقف أصل الجهاد عليها لأن الوسائل تعطى حكم المقاصد ولأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وبالندب إن توقفت البراعة فيه عليها وبالإباحة إن لم يتوقف عليها شيء أن يصح تبع الجعل وإخراجه غير المتسابقين ليأخذه من سبق منهما أو أخرجه أحدهما فإن سبق غيره أخذه السابق وإن سبق هو فلمن حضر كما في مختصر خليل وشراحه فاشترطوا الثالث المحلل لأخذ العوض وفي المنح عن الأصل وهي مستثناة

____________________

(3/4)

الفرق الخامس عشر والمائة بين قاعدة الأرزاق وبين قاعدة الإجارات كلاهما بذل مال بإزاء المنافع من الغير غير أن باب الأرزاق أدخل في باب الإحسان وأبعد عن باب المعاوضة وباب الإجارة أبعد من باب المسامحة وأدخل في باب المكايسة ويظهر تحقيق ذلك بست مسائل المسألة الأولى القضاة يجوز أن يكون لهم أرزاق من بيت المال على القضاء إجماعا ولا يجوز أن يستأجروا على القضاء إجماعا بسبب أن الأرزاق إعانة من الإمام لهم على القيام بالمصالح لا أنه عوض وجب عليهم من تنفيذ الأحكام عند قيام الحجاج ونهوضها ولو استؤجروا على ذلك لدخلت التهمة في الحكم بمعاوضة صاحب العوض ولذلك تجوز الوكالة بعوض ويكون الوكيل عاضدا وناصرا لمن بذل له العوض ويجوز في الأرزاق التي تطلق للقاضي الدفع والقطع والتقليل والتكثير والتغيير ولو كان إجارة لوجب تسليمه بعينه من غير زيادة ولا نقص لأن الإجارة عقد والوفاء بالعقود واجب والأرزاق معروف وصرف بحسب المصلحة وقد تعرض مصلحة أعظم من مصلحة القضاء فيتعين على الإمام الصرف فيها والأجرة في الإجارات تورث ويستحقها الوارث ويطالب بها والأرزاق لا يستحقها الوارث ولا يطالب بها لأنها معروف غير لازم لجهة معينة المسألة الثانية أرزاق المساجد والجوامع يجوز أن تنقل عن جهاتها إذا تعطلت أو

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

من ثلاث قواعد للمنع القمار وتعذيب الحيوان لغير أكله وحصول العوض والمعوض لشخص واحد في بعض الصور وهي ما إذا أخرج الجعل غير المتسابقين ليأخذه السابق مع أن له أجر التسبب للجهاد لكن قال ابن الشاط لا يسلم أن المبذول في هذه المسائل الثلاث عوض عن الثواب بل هو معونة على القيام بتلك الأمور فللقائم بها ثواب ولمن يؤتي المعونة ثواب فلم يجتمع العوضان لشخص واحد بوجه على أن في هذا الفرق نظرا يفتقر إلى بسط

ا ه ولم يظهر لي وجه النظر فتأمل والله أعلم الفرق الخامس عشر والمائة بين قاعدة الأرزاق وبين قاعدة الإجارات الأرزاق والإجارات وإن اشتركا في أن كليهما بذل مال بإزاء المنافع من الغير إلا أنهما افترقا من جهة أن باب الأرزاق دخل في باب الإحسان وأبعد عن باب المعاوضة وباب الإجارة أبعد عن باب الإحسان والمسامحة وأدخل في باب المعاوضة والمكايسة والمغابنة وذلك أن الإجارة عقد والوفاء بالعقود واجب والأرزاق معروف وصرف بحسب المصلحة فإذا عرضت مصلحة أخرى أعظم من تلك المصلحة تعين على الإمام الصرف فيها وترك الأولى فلذلك اختص كل واحد منهما بأحكام لا تثبت للآخر يظهر لك تحقيقها بست مسائل المسألة الأولى القيام بالقضاء من تنفيذ الأحكام عند قيام الحجاج ونهوضها من حيث إنه يجب على القضاة أن يكون لهم عليه أرزاق من بيت المال إجماعا إعانة لهم على القيام بالواجب من بيت المال لأن

____________________

(3/5)

وجدت جهة هي أولى بمصلحة المسلمين من الجهة الأولى ولو كانت وقفا أو إجارة لتعذر ذلك فيها لأن الوقف لا يجوز تغييره والوفاء بعقد الإجارة واجب وهو عقد لازم ويجوز أن يجعل الإمام لمتولي المسجد أن يستنيب دائما ويكون له تلك الأرزاق وتلك الرزقة من الخراج والطين على النظر لا على القيام بالوظيفة وإن كان ذلك لمن تقدمه على القيام بالوظيفة بسبب أن الأرزاق معروف يتبع المصالح فكيفما دارت دار معها ويتعذر مثل ذلك في الأوقاف من الحوانيت والدور وغيرها بسبب أن الوقف لا يجوز تغييره ولا تغيير شرط من شروطه فإذا وقف الواقف على من يقوم بوظيفة الإمامة أو الأذان أو الخطابة أو التدريس لا يجوز لأحد أن يتناول من ريع ذلك الوقف شيئا إلا إذا قام بذلك الشرط على مقتضى شرط الواقف فإن استناب عنه غيره في هذه الحالة دائما في غير أوقات الأعذار لا يستحق واحد منهما شيئا من ريع ذلك الوقف أما النائب فلأنه من شرط استحقاقه صحة ولايته وصحة ولايته مشروطة بأن تكون ممن له النظر وهذا المستنيب ليس له نظر إنما هو إمام أو مؤذن أو مؤذن أو مدرس فلا تصح النيابة الصادرة عنه وأما المستنيب فلا يستحق شيئا أيضا بسبب أنه لم يقم بشرط الواقف فإن استناب في أيام الأعذار جاز له أن يتناول ريع الوقف وأن يطلق لنائبه ما أحب من ذلك الريع

وإن كان المطلق له أرزاقا على وظيفة من تدريس أو غيره من الإمامة أو الأذان أو الحكم بين الناس أو الحسبة ولم يقم بتلك الوظيفة لا يجوز له أن يتناول ذلك القدر لأن الإمام إنما أطلقه له من بيت المال على وظيفة

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

الأرزاق من حيث إنها معروف لا معاوضة كما علمت بجواز دفعها وقطعها وتقليلها وتكثيرها وتغييرها بل يتعين على الإمام إذا عرضت مصلحة أعظم أن يصرف الأرزاق فيها ويقدمها على مصلحة القضاء وورثتهم لا يستحقونها ولا يطالبون بها ولا يشترط فيها مقدار من العمل ولا أجل تنتهي إليه والإجارة من حيث إنها معاوضة لا معروف كما علمت تخالف ذلك فيشترط فيها الأجل ومقدار المنفعة ونوعها ويستحق الأجرة فيها الوارث ويتعين نفعها للأخذ بعينها من غير زيادة ولا نقص ولا تجوز في القيام بالقضاء إجماعا بل ولا في كل ما يجب على الأجير القيام به لئلا يجتمع للأجير العوض والمعوض ولئلا تدخل التهمة في الحكم بمعاوضة صاحب العوض فيكون القاضي كالوكيل يأخذ على الوكالة عوضا ليكون عاضدا وناصرا لمن بذل له العوض

المسألة الثانية ما يدفعه الإمام من الخراج والطين لمن يتولى المساجد والجوامع بالقيام فيها بوظيفة إمامة أو أذان أو خطابة أو تدريس أو نحو ذلك وإن شارك ما يدفع لهم أجرة أو وقفا للقيام بتلك الوظائف في حكمين أحدهما عدم جواز التناول إذا لم يقوموا بتلك الوظائف بأنفسهم على مقتضى شرط الإمام والواقف وما وقع عليه عقد الإجارة لأنه كما لا يجوز عدم الوفاء بعقد الإجارة وشرط الواقف كذلك لا يجوز استباحة أموال بيت المال بدون أذان الإمام فافهم ثامنهما جواز كل من الأرزاق والوقف في المدارس إلا أنه يخالفهما في أحكام منهما أنه يجوز للإمام أن ينقل ما يدفعه لهم إذا تعطلت المساجد أو وجدت جهة هي أولى بمصلحة المسلمين من جهتها بخلاف المجعول لهم أجرة أو وقفا فإنه لا ينقل إلى جهة أخرى غير

____________________

(3/6)

ولم يقم بها واستباحة أموال بيت المال بغير إذن الإمام لا يجوز وأخذ هذا المطلق بغير هذا الشرط لم يأذن فيه الإمام فلا يجوز له أخذه وللإمام أن يطلقه له بعد اطلاعه على عدم قيامه بالوظيفة لمصلحة أخرى غير تلك الوظيفة فيستحقه بالإطلاق الثاني لا بالتقدير الأول ولو كان وقفا ولم يقم بشرطه لم يجز للإمام إطلاقه لمن لم يقم بشرط الواقف في استحقاقه فهذا أيضا يميز لك الأرزاق من باب الأوقاف والإجارات ويجوز في المدارس الأرزاق والوقف والإجارة ولا يجوز في إمامة الصلاة الإجارة على المشهور من مذهب مالك رحمه الله ويجوز الأرزاق والوقف وكثير من الفقهاء يغلظ في هذه المسألة فيقول إنما يجوز تناول الرزق على الإمامة بناء على القول بجواز الإجارة على الإمامة في الصلاة ويتورع عن تناول الرزق بناء على الخلاف في جواز الإجارة وليس الأمر كما ظنه بل الأرزاق مجمع على جوازها لأنها إحسان ومعروف وإعانة لا إجارة وإنما وقع الخلاف في الإجارة لأنه عقد مكايسة ومغابنة فهو من باب المعاوضات التي لا يجوز أن يحصل العوضان فيها لشخص واحد فإن المعاوضة إنما شرعت لينتفع كل واحد من المتعاوضين بما بذل له وأجرا الصلاة له فلو أخذ العوض عنها لاجتمع له العوضان والأرزاق ليس بمعاوضة ألبتة لجوازه في أضيق المواضع المانعة من المعاوضة وهو القضاء والحكم بين الناس فلا ورع حينئذ في تناول الرزق والأرزاق على الإمامة من هذا الوجه وإنما يقع الورع

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

جهة المساجد وإن كانت أولى من جهتها لوجوب الوفاء بعقد الإجارة وشرط الواقف فإذا وقف الواقف حوانيت أو دورا أو غيرها على من يقوم بوظيفة من الوظائف المذكورة في المساجد والجوامع لم يجز للإمام ولا غيره إطلاقه لمن لم يقم بشرط الواقف في استحقاقه

ومنها أنه لا يجوز لأحد أن يتناول من ريع ذلك الوقف شيئا إلا إذا قام بذلك الشرط على مقتضاه بنفسه فإن استناب عنه غيره في هذه الحالة بلا عذر يمنعه من القيام به بنفسه لم يستحق هو ولا نائبه شيئا من ريع ذلك الوقف وإن أذن له الإمام أو غيره في ذلك أما النائب فلأن صحة ولايته مشروطة بأن تكون ممن له النظر وهذا المستنيب ليس له نظر إنما هو إمام أو مؤذن أو مدرس أو نحو ذلك فلا تصح النيابة الصادرة عنه وإن كانت بإذن لأنه على خلاف شرط الواقف وأما المستنيب فلأنه لم يقم بشرط الواقف وإن استناب في هذه الحالة لعذر أيامه فقط جاز له أن يتناول ريع الوقف وأن يطلق لنائبه ما أحب من ذلك الريع نعم في شرح الشيخ منصور بن إدريس الحنبلي كشاف القناع على متن الإقناع في مذهب ابن حنبل رحمه الله تعالى ما نصه مع المتن قال الشيخ والنيابة في مثل هذه الأعمال المشروطة من تدريس وإمامة وخطابة وأذان وغلق باب ونحوها جائزة ولو عينه الواقف وفي عبارة أخرى له ولو نهى الواقف عنه إذا كان النائب مثل مستنيبه في كونه أهلا لمن استنيب فيه وقد يكون هكذا في الفروع والاختيارات قال ابن عقيل صوابه إذا لم يكن في ذلك مفسدة راجحة هكذا هو في فتاوى الشيخ ا ه وكذا ذكر معناه في تصحيح الفروع وجواز النيابة به في هذه الأعمال كالأعمال المشروطة في الإجارة على عمل في

____________________

(3/7)

من جهة قيامه بالوظيفة خاصة فإن الأرزاق لا يجوز تناولها إلا لمن قام بذلك الوجه الذي صرح به الإمام في إطلاقه لتلك الأرزاق المسألة الثالثة الإقطاعات التي تجعل للأمراء والأجناد من الأراضي الخراجية وغيرها من الرباع والعقار وهي أرزاق من بيت المال وليست إجارة لهم ولذلك لا يشترط فيها مقدار من العمل ولا أجل تنتهي إليه الإجارة وليس الإقطاع مقدرا كل شهر بكذا وكل سنة بكذا حتى تكون إجارة بل هو إعانة على الإطلاق نعم لا يجوز تناوله إلا بما قاله الإمام من الشرط من التهيؤ للحرب ولقاء الأعداء والمناضلة على الدين ونصرة كلمة الإسلام والمسلمين والاستعداد بالخيل والسلاح والأعوان على ذلك

ومن لم يفعل ما شرطه عليه الإمام من ذلك لم يجز له التناول لأن مال بيت المال لا يستحق إلا بإطلاق الإمام على ذلك الوجه الذي أطلقه وهو لو أطلق له من بيت المال فوق ما يستحقه على تلك الوظيفة إما غلطا من الإمام وإما جورا منه فإن ذلك الزائد لا يستحقه المطلق له بل يبقى في يده أمانة شرعية يجب ردها لبيت المال وللإمام بعد ذلك أن ينزعه منه ولمن ظفر به ممن له في بيت المال حق أن يتناوله بإذن الإمام إن كان عدلا أو بغير إذنه إن كان جائرا ولو كان إجارة لم يزل ملك الأول لأن الإجارة تنعقد بأجرة المثل وبأكثر منها

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

الذمة كخياطة الثوب وبناء الحائط

ا ه بلفظه وهو فسحة في الدين وسيأتي في الفرق السادس عشر والمائتين بزيادة بيان في هذه المسألة بالنسبة لمذهبنا فترقب ويجوز للإمام فيما يدفعه لمتوليها من الخراج والطين أن يجعل له أن يستنيب دائما ويكون له ذلك على النظر لا على القيام بالوظيفة وإن كان ذلك لمن تقدمه على القيام بالوظيفة لمصلحة أخرى رآها

ومنها أن تناول الأجرة على إمامة الصلاة قد وقع الخلاف في جوازه ومنعه وهو مشهور مذهب مالك لأن الإجارة عقد مكايسة ومغابنة ومن باب المعاوضات التي لا يجوز أن يحصل العوضان فيها لشخص واحد لأن المعاوضة إنما شرعت لينتفع كل واحد من المتعاوضين بما بذل له وأجر الصلاة للإمام فلو أخذ العوض عنها لاجتمع له العوضان وتناول الأرزاق على الإمامة مجمع على جوازه لأنها من باب المعروف كما مر لا من باب الإجارة كما ظنه كثير من الفقهاء فقال إنما يجوز تناول الرزق على الإمامة في الصلاة بناء على القول بجواز الإجارة عليها وتورع عن تناوله بناء على الخلاف في جواز الإجارة عليها ولم يفهم أن جواز الأرزاق عليها كجواز الوقف عليها بدون أدنى خلاف إذ الرزق ليس بمعاوضة ألبتة وكيف يكون كذلك وقد أجازوا تناوله في أضيق المواضع الذي تمتنع فيه المعاوضة قطعا وهو القضاء والحكم بين الناس فحينئذ لا ورع في تناول الأرزاق على الإمامة من هذا الوجه وإنما الورع في أنه لا يجوز أن يتناول الرزق أو الوقف إلا إذا قام بذلك الوجه الذي صرح به الإمام في إطلاقه لتلك الأرزاق أو الواقف في شرطه قلت ومنها إلى آخر ما مر في الأرزاق على القضاء كما هو الظاهر فانظر ذلك وحرر

المسألة الثالثة الإقطاعات التي يجعلها الإمام للأمراء والأجناد من الأراضي الخراجية وغيرها من

____________________

(3/8)

وإذا عقدت بأكثر منها استحقها المعقود له ولا يجوز للإمام انتزاع الزائد على أجرة المثل إذا كان الحال والاجتهاد اقتضى ذلك ولا يجوز لأحد ممن له حق في بيت المال أن يتناول ذلك الزائد من الأجرة لكونه مستحقا بعقد الإجارة لمن عقد له وكأن يشترط فيها الأجل ومقدار المنفعة ونوعها على قواعد الإجارة فهذا أيضا يوضح لك الفرق بين الأرزاق والإجارات

وإذا قطع الأمير أو الجندي أرضا خراجية أو غير خراجية فآجرها ثم مات في أثناء العقد قبل انقضاء مدة الإجارة فللإمام أن يقر ورثته على تلك الأجرة ويمضي لهم تلك الإجارة إلى حل أجلها وله دفع جميع تلك الأجرة للمقطع الثاني إذا كانت المصلحة للمسلمين في ذلك ولا تستقر الأجرة الأولى للأول إلا بمضي العقد وانقضاء أجل الإجارة وهو باق على ذلك الإقطاع ولو كانت إجارة من الإمام له بذلك الإقطاع لاستحقها ورثته ولتعذر على الإمام انتزاعها منهم في مدة عقد الإجارة ويمكن تخريج هذه الإجارة من المقطع على قاعدة الوقف إذا آجر البطن الأول زمان استحقاقه وغير زمان استحقاقه فإنه هل يبطل في غير زمان استحقاقه أم لا خلاف بين العلماء وهذا المقطع إنما يستحق الزمان الذي هو فيه مقطع لتلك الأرض فإذا مات أو حول عنها لغيرها فقد آل الاستحقاق لغيره كالبطن الثاني إذا طرأ بعد الأول وهذا أيضا

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

الرباع والعقار أرزاق من بيت المال وإعانة على الإطلاق فهي وإن شاركت الإجارة في أنه لا يجوز تناولها بما قاله الإمام من اشتراط التهيؤ للحرب ولقاء الأعداء والمناضلة على الدين ونصرة كلمة الإسلام والمسلمين والاستعداد بالخيل والسلاح والأعوان على ذلك فمن لم يفعل ما شرطه عليه الإمام من ذلك لم يجز له التناول كما أنه لا يجوز تناول الأجرة لمن لم يقم بما تضمنه عقد الإجارة إذ كما أن الأجرة لا تستحق إلا بالوفاء بعقد الإجارة لوجوبه كذلك مال بيت المال لا يستحق إلا بالوفاء بما صرح به الإمام في إطلاقه لتلك الأرزاق إلا أنها تخالف الإجارة في أحكام

أحدها أنها إذا كانت فوق ما يستحقه المقتطع له على تلك الوظيفة غلطا أو جورا من الإمام فلا يستحق المقتطع له ذلك الزائد بل يبقى في يده أمانة شرعية يجب رده لبيت المال وللإمام بعد ذلك أن ينزعه منه ولمن ظفر به ممن له في بيت المال حق أن يتناوله بإذن الإمام إن كان عدلا أو بغير إذنه إن كان جائرا والإجارة تنعقد بأجرة المثل وبأكثر منها ويستحق المعقود له الزائد ولا يجوز للإمام انتزاعه منه إذا كان الحال والاجتهاد اقتضى ذلك ولا يجوز لأحد ممن له حق في بيت المال أن يتناول ذلك الزائد من الأجرة لكونه مستحقا بعقد الإجارة لمن عقد له

الثاني أنه لا يشترط في هذه الإقطاعات مقدار من العمل ولا أجل تنتهي إليه وقواعد الإجارة اشتراط الأجل ومقدار المنفعة ونوعها الثالث أنه يجوز للإمام أن يحول هذه الإقطاعات عمن اقتطعها له إلى غيره على حسب ما تقتضيه المصلحة ولو كانت عقد إجارة لامتنع نقلها منه إلى غيره

____________________

(3/9)

يوضح لك الفرق بين الإجارة والوقف والأرزاق والإقطاع ومما يوضح لك الفرق أيضا أن الإمام إذا قطع أميرا أو جنديا إقطاعا يجوز له أن يحوله عنه إلى غيره على حسب ما تقتضيه المصلحة ولو كان عقد إجارة لامتنع نقله منه إلى غيره المسألة الرابعة وقع في كتاب البيان والتحصيل لأبي الوليد بن رشد من أصحابنا رحمه الله ما ظاهره أن للإمام أن يوقف وقفا على جهة من الجهات ووقع للشافعية رحمهم الله مثل ذلك ومقتضى ذلك أن أوقافهم أعني الملوك والخلفاء إذا وقعت على وجه الصحة والأوضاع الشرعية لمصالح المسلمين أنها تنفذ ولا يجوز لأحد أن يتناول منها شيئا إلا إذا قام بشرط الواقف ولا يجوز للإمام أن يطلق ذلك الوقف بعد ذلك لمن لم يقم بذلك الوقف فقد صار ذلك الشرط لازما للناس وللإمام كسائر الأوقاف فليس للإمام تحويله عن تلك الجهة وإطلاقه لمن لم يقم بتلك الوظيفة فإن وقفوا على أولادهم أو جهات أقاربهم لهواهم وحرصهم على حوز الدنيا لهم وذراريهم واتباعا لغير الأوضاع الشرعية لم ينفذ هذا الوقف وحرم على من وقف عليه تناوله بهذا الوقف وللإمام انتزاعه منه وصرفه له ولغيره على حسب ما تقتضيه مصالح المسلمين

وأما الوقف الأول فهو باطل ومن تناول منه شيئا بهذا الوقف كان للإمام أخذه منه وله وقف هذه الجهة على جهة أخرى على الأوضاع الشرعية ولو صح الوقف الأول لمصادفته للأوضاع الشرعية لم يكن للإمام تحويله

فإن قلت فإن وقف على ولد بنص أراضي المسلمين وقراهم أو أحد من أقاربه واشترى

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

الرابع أن الأمير أو الجندي إذا آجر ما جعله الإمام له من الإقطاعات ثم مات في أثناء العقد قبل انقضاء مدة الإجارة فللإمام أن يقر ورثته على تلك الأجرة ويمضي لهم تلك الإجارة إلى حلول أجلها وله دفع جميع تلك الأجرة للمقطع الثاني إذا كانت المصلحة للمسلمين في ذلك ولا تستقر الأجرة الأولى للأول إلا بمضي العقد وانقضاء أجل الإجارة وهو باق على ذلك الإقطاع ويمكن تخريج هذه الإجارة من المقطع له على قاعدة الوقف إذا آجره البطن الأول زمان استحقاقه وغير زمان استحقاقه ففي بطلانه في غير زمان استحقاقه وعدم بطلانه خلاف بين العلماء فإن هذا المقطع له إنما يستحق الزمان الذي هو فيه مقطع لتلك الأرض فإذا مات أو حول عنها لغيرها فقد آل الاستحقاق لغيره كالبطن الثاني إذا طرأ بعد الأول ولو كانت الإجارة له من الإمام بذلك الإقطاع لاستحقها ورثته ولتعذر على الإمام انتزاعها منهم في مدة عقد الإجارة

المسألة الرابعة قال الأصل وقع في كتاب البيان والتحصيل لأبي الوليد بن رشد من أصحابنا رحمه الله تعالى ما ظاهره أن للإمام أن يوقف وقفا على جهة من الجهات ووقع للشافعية رحمهم الله تعالى مثل ذلك ومقتضى ذلك أن أوقاف الملوك إذا وقعت على وجه الصحة والأوضاع الشرعية لمصالح المسلمين كأن يقفوا وقفا على جهات البر والمصالح العامة معتقدين أن المال للمسلمين والوقف للمسلمين فإنها تنفذ ولا يجوز لأحد أن يتناول منها شيئا إلا إذا قام بشرط الواقف ولا يجوز للإمام أن يطلق ذلك الوقف بعد ذلك لمن لم يقم بتلك الوظيفة وإذا لم تقع على وجه الصحة والأوضاع الشرعية لمصالح المسلمين يقول كأن وقفوا على

____________________

(3/10)

ذلك من ماله الذي اكتسبه في زمن مملكته هل يصح ذلك الوقف أم لا قلت الملوك فقراء مدينون بسبب ما جنوه على المسلمين من تصرفاتهم في أموال بيت المال بالهواء في أبنية الدور العالية المزخرفة والمراكب النفيسة والأطعمة الطيبة وإعطاء الأصدقاء والمزاح بالباطل من أموال وغير ذلك من التصرفات المنهي عنها شرعا فهذه كلها ديون عليهم فتكثر من تطاول الأيام فيتعذر بسببها أمران أحدهما الأوقاف والتبرعات والبيوعات على مذهب مالك رحمه الله ومن وافقه فإن تبرعات المديون المتأخرة عن تقرر الدين باطلة فيتخرج ذلك على هذا الخلاف وثانيهما الإرث لأنه لا ميراث مع الدين إجماعا فلا يورث عنهم شيء وما تركوه من المماليك لا ينفذ عتق الوارث فيهم بل هم أموال بيت المال مستحقون بسبب ما عليهم من الدين فلا ينفذ فيهم إلا عتق متولي بيت المال على الوجه الشرعي وإعتاقهم لغير مصلحة المسلمين لا يجوز فإن وقفوا وقفا على جهات البر والمصالح العامة ونسبوه لأنفسهم بناء على أن المال الذي في بيت المال لهم كما يعتقده جهلة الملوك بطل الوقف بل لا يصح إلا أن يوقفوا معتقدين أن المال للمسلمين والوقف للمسلمين أما إن المال لهم والوقف لهم فلا كمن وقف مال غيره على أنه له فلا يصح الوقف فكذلك ها هنا المسألة الخامسة المصروف من الزكاة للمجاهدين ليس أجرة وإجارة بل أرزاق خاص من مال خاص وهل يتعين صرفه لهذه الجهة فيتخرج على الخلاف بين الشافعية والمالكية

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

أولادهم أو جهات أقاربهم لهواهم وحرصهم على حوز الدنيا لهم ولذراريهم واتباعا لغير الأوضاع الشرعية أو وقفوا على جهات البر والمصالح العامة معتقدين أن المال لهم وأن الوقف لهم بناء على ما يعتقده جهلة الملوك أن المال الذي في بيت المال لهم فكان من قبيل من وقف مال غيره على أنه له لم ينفذ هذا الوقف بل هو باطل يحرم على من وقف عليه أن يتناول منه شيئا بهذا الوقف فإذا تناوله كان للإمام أخذه منه وصرفه له ولغيره على حسب ما تقتضيه مصالح المسلمين وللإمام وقف هذه الجهة على جهة أخرى على الأوضاع الشرعية

وأما إذا اشتروا بعض أراضي المسلمين وقراهم من مالهم الذي يكتسبونه في زمن مملكتهم ووقفوا ذلك على أولادهم أو أحد من أقاربهم فإنه يتخرج على الخلاف في بطلان تبرعات المديون المتأخرة عن تقرر الدين عليه كما هو مذهب مالك ومن وافقه وعدم بطلانها كما هو مذهب غيرهم وذلك لأن الملوك بسبب استغراق ذممهم بالديون التي تترتب عليهم بسبب ما يجنونه على المسلمين من تصرفاتهم في أموال بيت المال بالهوى في أبنية الدور العالية المزخرفة والمراكب النفيسة والأطعمة الطيبة وإعطاء الأصدقاء والمزاح بالباطل من أموال وغير ذلك من التصرفات المنهي عنها شرعا فتكون ديونا عليهم وتكثر بتطاول الأيام يتعذر في حقهم أمران أحدهما الأوقاف والتبرعات والبيوعات على مذهب مالك رحمه الله تعالى ومن وافقه فإن تبرعات المديون المتأخرة عن تقرر الدين عليه باطلة وثانيهما الإرث لأنه لا ميراث مع الدين إجماعا فلا يورث عنه شيء وما تركوه من المماليك لا

____________________

(3/11)

رحمهم الله هل اللام للملك أم لا وليس هو إجارة وإلا لاشترط فيه مقدار العمل والمدة

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

ينفذ عتق الوارث فيهم بل هم أموال بيت المال مستحقون بسبب ما عليهم من الدين فلا ينفذ فيهم إلا عتق متولي بيت المال على الوجه الشرعي لمصلحة المسلمين ا ه بتصرف للإصلاح

وفي حاشية العلامة ابن عابدين الحنفي على الدر أن أوقاف الملوك والأمراء إن علم ملكهم لها بالشراء صح وقفهم لها وروعي فيه شرط الوقف وإن لم يعلم شراؤهم لها ولا عدمه فالظاهر أنه لا يحكم بصحة وقفها لأنه لا يلزم من وقفهم لها ملكهم لها بل يحكم بأن ذلك السلطان الذي وقفها أخرجها من بيت المال وعينها لمستحقيها من العلماء والطلبة ونحوهم عونا لهم على وصولهم إلى بعض حقهم من بيت المال فهو إرصاد لا وقف حقيقة فلهذا أفتى علامة الوجود المولى أبو السعود مفتي السلطنة السليمانية بأن أوقاف الملوك والأمراء لا يراعى شرطها لأنها من بيت المال أو ترجع إليه وإذا كان كذلك لا يجوز الإحداث إذا كان المقرر في الوظيفة أو المرتب من مصاريف بيت المال

ا ه ولا يخفى أن المولى أبا السعود أدرى بحال أوقاف الملوك ومثله في المبسوط ولذا لما أراد السلطان نظام المملكة برقوق في عام نيف وثمانين وسبعمائة أن ينقض هذه الأوقاف لكونها أخذت من بيت المال وعقد لذلك مجلسا حافلا حضره الشيخ سراج الدين البلقيني والبرهان بن جماعة وشيخ الحنفية الشيخ أكمل الدين شارح الهداية فقال البلقيني ما وقف على العلماء والطلبة لا سبيل إلى نقضه لأن لهم في الخمس أكثر من ذلك وما وقف على فاطمة وخديجة وعائشة ينقض ووافقه على ذلك الحاضرون كما ذكره السيوطي في النقل المستور في جواز قبض معلوم الوظائف بلا حضور ورأيت نحوه في شرح الملتقى ففي هذا تصريح بأن أوقاف السلاطين من بيت المال إرصادات لا أوقاف حقيقة وأن ما كان منها على مصارف بيت المال لا ينقض بخلاف ما وقفه السلطان على أولاده أو عتقائه مثلا وأنه حيث كانت إرصادا لا يلزم مراعاة شروطها لعدم كونها وقفا صحيحا فإن شرط صحته ملك الواقف والسلطان بدون الشراء من بيت المال لا يملكه وما في التحفة المرضية عن العلامة قاسم من أن وقف السلطان لأرض بيت المال صحيح لعل مراده أنه لازم لا يغير إذا كان على مصلحة عامة كما نقل الطرسوسي عن قاضي خان من أن السلطان لو وقف أرضا من بيت مال المسلمين على مصلحة عامة للمسلمين جاز قال ابن وهب لأنه إذا أبده على مصرفه الشرعي فقد منع من يصرفه من أمراء الجور في غير مصرفه

ا ه فقد أفاد أن المراد من هذا الوقف تأبيد صرفه على هذه الجهة المعينة التي عينها السلطان مما هو مصلحة عامة وهو معنى الإرصاد السابق فلا ينافي ما تقدم والله أعلم

ا ه بتصرف قلت وهو يخالف ما للأصل من جهتين جهة أن كلام الأصل يفيد أن مقتضى ظاهر ما وقع في كتاب ابن رشد وما للشافعية من جواز وقف من الإمام على جهة من الجهات صحة وقفه ومراعاة شرطه وكلام ابن عابدين يفيد أن صريح ما للشافعية والأحناف عدم صحة الوقف وأنه لا يراعى شرطه وكلام الأصل ظاهر بالنسبة لمذهبنا مبني على أن السلطان وإن لم يكن مالكا ما وقفه من بيت المال إلا أنه وكيل على المسلمين فهو كوكيل الواقف يصح وقفه كما في البناني على عبق فلذا قال الشيخ علي المسناوي رحمه الله تعالى في القول الكاشف وحاصل ما لأئمتنا في أوقاف مستغرقي الذمة من الملوك وغيرهم كالقرافي في الفروق ومن تبعه من المحققين أنها إن كانت على بعض وجوه البر والمصالح العامة كالمساجد والمساكين واعتقدوا أن المال للمسلمين والوقف لهم وأيديهم في ذلك أيدي نيابة فقط فإنه يصح وتعتبر شروطهم في ذلك إذا كانت على وفق ضياع الشرعية

____________________

(3/12)

الموجبة لتعيين العمل وغير ذلك من شروط الإجارة ولما لم يكن كذلك كان أرزاقا خاصا

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

وتجري عليه أحكام أوقاف غيرهم من أنه لا يجوز أن يتناول شيئا منها إلا من قام بشرط الوقف وأنه لا يجوز للإمام إن كان هو الواقف أن يطلق ذلك الوقف بعد ذلك لمن لم يقم بذلك الشرط ولا أن يحوله على تلك الجهة إلى جهة أخرى للزوم ذلك له ولغيره كسائر الأوقاف وعلى هذا يحمل ما في سماع محمد بن خالد المذكور في العتبية وسلم ابن رشد في البيان وأشار إليه ابن عرفة بقوله يصح الحبس من الإمام لسماع ابن خالد من ابن القاسم صحة تحبيسه الخيل في الجهاد وأنكر بعض المفتين ببلدنا حين إشهاد إمامها بتحبيس بعض رباعها على بناء سورها فأوقفته على السماع أي سماع ابن خالد من ابن القاسم المذكور فشهد فيه معنا

ا ه أي فشهد ذلك البعض في إشهاد ذلك والإمام بالتحبيس للرباع المذكورة معنا قال كنون وانظر كتاب الحبس من تكميل غ ولا فرق في جميع ما ذكر أي في الأقسام الثلاثة أعني كون أوقافهم على ما يرجع إلى مصالحهم الخاصة أو على وجوه البر والمصالح العامة معتقدين أن أموال بيت المال وما بأيديهم منها لهم وأن الوقف لهم أو على وجوه البر والمصالح العامة معتقدين أن المال والوقف للمسلمين لا لهم بل أيديهم في ذلك أيدي نيابة فقط بين أن يكون ما وقفوه مشترى من مال بيت المال أو من مالهم الذي اكتسبوه في زمن الإمارة إذ هو لبيت المال حكما لعمارة ذمتهم بما جنوه على المسلمين من تصرفهم في أموال بيت المال على غير الوجه الشرعي فيستغرق ما بأيدهم مما اكتسبوه بعد الولاية بل وقبلها فيبطل وقف المشتري بالقبلي أيضا في القسمين الأولين إذا تأخر إلى استغراق الذمة ومما تفارق به أيضا أوقاف الملوك ونحوهم غيرها من الأوقاف إن وفرها أي ما فضل منها عما سموه من المصرف فضلا بينا لا خلاف في جواز صرفه في مصلحة غير ما عينوه ولا يدخله الخلاف المعروف في أوقاف الأحباس كما في جوابي العلامة أبي عثمان العقباني والمحصل المفتي أبي عبد الله القوري المذكورين في المعيار

ا ه وقال عبق وفي تت عند قوله إن كان على محجوره عند الذخيرة إن وقفوا على مدرسة أكثر مما تحتاج إليه بطل فيما زاد فقط لأنهم معزولون عن التصرف إلا على وجه المصلحة والزائد لا مصلحة فيه فهو من غير متول ولا ينفذ

ا ه ولابن وهبان في منظومته ولو وقف السلطان من بيت مالنا بالمصلحة عمت يجوز ويؤجر ويؤخذ من كلام عبق على مختصر خليل مع البناني عليه عند قوله صح وقف مملوك وإن بأجرة

الفرق بين أرصاد الإمام المعبر عنه في كتبنا بالخلو وبين وقفه نيابة عن المسلمين على جهة من المصالح العامة بما حاصله أن منفعة الخلو مملوكة لم يتعلق الحبس بها وإنما تعلق الحبس بأصلها فمالكها كمالك المنفعة لمدة معينة بأجرة فكما يجوز تحبيس مالك المنفعة بأجرة للمدة المعينة لقول المدونة في الإجارات ولا بأس أن يكري أرضه على أن تتخذ مسجدا عشر سنين فإذا انقضت كان النقض للذي بناه

ا ه لأن الوقف لا يشترط فيه التأبيد عندنا كذلك يجوز بالأحرى لمالك منفعة الخلو تحبيسها لكونه يملكها على التأبيد على ما جرى به العمل بمصر فلذا أفتى بصحته جمع منهم شيخ عج والشيخ أحمد السنهوري وأفتى الناصر بجواز بيع الخلو في الدين وارثه ورجوعه لبيت المال حيث لا وارث وما أبداه عج من الفروق بين منفعة الخلو ومنفعة الإجارة بمسائل فجميعها لا يصح وما وقفه الإمام على جهة من المصالح العامة ليست مملوكة لتلك الجهة بل تعلق الحبس بها كأصلها فتجرى عليه أحكام أوقاف غير الإمام لا تراعى شروطه التي على وفق الأوضاع الشرعية كما علمت وأما بالنسبة لمذهب الشافعية فليس بظاهر لأن ما وقع من أن الإمام أن

____________________

(3/13)

من جهة خاصة ويقع الفرق بينه وبين أصل الأرزاق بأن أصل الأرزاق يصح أن يبقى في

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

يوقف وقفا على جهة من الجهات لا يقتضي صحته فقط بل كما يحتملها كذلك يحتمل عدمها وقد نقل الشيخ أبو بكر الزرعة المكي في رسالته بساط الكرم في القول على أوقاف الحرم عن العلامة السيوطي أنه قال في الينبوع ذكر أصحابنا الفقهاء يعني الشافعية أن الوظائف المتعلقة بالأوقاف أوقاف الأمراء والسلاطين كلها إن كان لها أصل من بيت المال أو ترجع إليه فيجوز لمن كان بصفة الاستحقاق من عالم بالعلوم الشرعية وطالب علم كذلك وصوفي على طريقة الصوفية أهل السنة أن يأكل مما وقفوه غير متقيد بما شرطوه إلى آخر ما ذكره ثم قال بعد وإذا وقف السلطان من بيت المال أرضا لمصلحة العامة فذكر قاضي خان في فتاويه جوازه ولا يراعي ما شرطه دائما ا ه أي بل يراعي في الجملة وذكر العلامة ابن حجر الهيتمي في شرح المنهاج أن شروط السلاطين في أوقافهم من بيت المال لا يعمل بشيء منها كما قاله أجلاء المتأخرين فإنه لا يجب مراعاة شروطهم فيها لبقائها على ملك بيت المال

ا ه فأنت ترى أن الشافعية مع قولهم بجواز أوقافهم الجارية على الأوضاع الشرعية قالوا بعدم صحتها وعدم مراعاة شروطها فمذهبهم كمذهب الأحناف مبني على أن الأئمة لا يملكون في بيت المال شيئا وشرط صحة الوقف ملك الواقف فما وقفوه ليس بوقف حقيقة بل صورة من قبيل الأرصاد عينه واقفه من الأئمة والأمراء وأبده على مصرفه ومستحقه الشرعي من العلماء والطلبة ونحوهم عونا على وصولهم إلى بعض حقهم في بيت المال ومنعا لمن يصرفه من أمراء الجور في غير مصرفه قال في بساط الكرم جوز العلماء والحكام لضرورات الناس ما جرت به العادة المستمرة في الأوقاف السلطانية من الفراغ كما نص عليه العلامة العيني رحمه الله تعالى وكيف وله أصل في الجملة عن علمائنا رحمهم الله تعالى والعادة محكمة أي هي المرجع عند النزاع لأنه دليل يبتنى عليه الحكم كما نص عليه العلامة البيري وأصلها قوله صلى الله عليه وسلم ما رآه المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن وما رآه المؤمنون قبيحا فهو عند الله قبيح رواه أحمد في كتاب السنة وهو موقوف حسن أفاده العلامة السيد الحموي وقد أجاب مفتي مكة العلامة السيد عبد الله ابن المرحوم السيد محمد ميرغني لما سأله قاضيها يومئذ بما صورته ما قولكم في خلوات المدارس التي بناها واقفها لطلبة العلم ثم استولى عليها وسكنها غير المشروطة لهم ويفرغون سكناها بعوض دراهم بينهم فهل هذا الفراغ صحيح ويستحق سكناها غير طلبة العلم أم تنزع من أيديهم وتعطى لمن شرط لهم أم كيف الحكم بما نصه نعم هو صحيح على ما عليه العمل من جواز فراغ ما ذكر مما الفراغ جاز فيه وقد جرت به العادة المستمرة حيث كان الاستيلاء بالطريق المعتبر ممن يملك التصرف فلا ينزع من يد من هو في يده بل ولا يتكلف بإثبات ما بيده كما نصوا عليه فليراجع مظانه والله أعلم

فقد أفاد سلمه الله ما جرت به العادة واستمر عليه العرف أخذا من كلامهم وأخذ الشيخ أبو بكر يسوق في رسالته بساط الكرم نصوص علماء مذهبه ومذهب الشافعية في ذلك فانظرها إن شئت وفي شرح العلامة الشيخ منصور بن إدريس الحنبلي كشاف القناع على متن الإقناع في مذهب ابن حنبل رضي الله تعالى عنه ما نصه فإن كان الوقف من بيت المال كأوقاف السلاطين من بيت المال فليس بوقف حقيقي بل كل من جاز له الأكل من بيت المال جاز له الأكل منها كما أفتى به صاحب

____________________

(3/14)

بيت المال ولا يصرف في الوقف وهذا يجب صرفه إما في جهة المجاهدين أو غيرهم

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

المنتهى موافقة للشيخ الرملي وغيره في وقف جامع طولون ونحوه

ا ه فتحصل أن أوقاف السلاطين عندنا أوقاف حقيقة لا أرصاد فمنفعتها ليست مملوكة لمن وقفت عليه فلا يجوز له بيعها ويراعى فيها شرط الواقف بخلاف الأرصاد المعبر عنه بالخلو وعند الأئمة الثلاثة أرصاد لا أوقاف حقيقة فمنفعتها مملوكة لمن وقفت عليه يجوز له بيعها ولا يراعى فيها شرط الواقف فاحفظ ذلك ومن جهة أن كلام الأصل يفيد عدم صحة وقف الأئمة والأمراء ما ملكوه بالشراء من بيت المال أو غيره لاستغراق ذممهم بالديون التي تترتب عليهم بتعديهم على أموال بيت المال وكلام ابن عابدين يفيد صحته والظاهر التفصيل بتقييد الصحة بمن لم يتعد على بيت المال أو على من وقف قبل تقرر الديون عليه أو بعد تقررها عند من يقول بعدم بطلان تبرعاته وتقييد عدم صحة بمن سوى ذلك كما يشهد لذلك قول خليل في جامعه ولا تجوز وصايا المتسلطين بالظلم المستغرقي الذمة ولا عتقهم ولا تورث أموالهم ويسلك بها سبيل ما أفاء الله

ا ه قال كنون ومثله لابن الحاجب وابن شاس وفي الذخيرة وصية السلاطين الظلمة غير جائزة وعتقهم مردود ا ه فتأمل بإنصاف

المسألة الخامسة المصروف من الزكاة للمجاهدين رزق خاص من مال خاص لا أجرة ولا إجارة وفي تعين صرفه لهذه الجهة فلا يجوز أن يختص غيرها من الأصناف الثمانية بالصرف لأن الأصناف الثمانية شركة في الصدقة أو لا يتعين صرفه لها بل يجوز أن تصرف جميع الصدقة إلى واحد من الأصناف الثمانية خلاف بين الشافعية وبين المالكية والأحناف رحمهم الله تعالى مبني على الخلاف بينهم في اللام في إنما الصدقات للفقراء الآية هل هي لام التمليك كقولك هذا المال لزيد وبه قال الشافعي أو لام الأصل كقولك هذا السرج للدابة والباب للدار وبه قال مالك وأبو حنيفة قال ابن العربي في الأحكام واتفقوا على أنه لا يعطى جميعها للعاملين عليها واعتمد هذا أصحاب الشافعي على أن الله أضاف الصدقة فاللام التمليك إلى مستحق حتى يصح منه الملك على وجه التشريك فكان ذلك بيانا للمستحقين وهذا كما لو أوصى لأصناف معينين أو لقوم معينين وتعلق علماؤنا بقوله تعالى إن تبدوا الصدقات الآية والصدقة متى أطلقت في القرآن فهي صدقة الفرض

وقال النبي صلى الله عليه وسلم أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها على فقرائكم وهذا نص في ذكر أحد الأصناف الثمانية قرآنا وسنة وحقق علماؤنا المعنى فقالوا إن المستحق هو الله تعالى ولكنه أحال بحقه لمن ضمن لهم رزقهم بقوله تعالى وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها فكان كما لو قال زيد لعمرو إن لي حقا على خالد يماثل حقك يا عمرو أو يخالفه فخذه منه مكان حقك فإنه يكون بيانا لمصرف حق المستحق لا للمستحق والصنف الواحد في جهة المصرف والحلية كالأصناف الثمانية وقد كنا نقول إن الزكاة تصرف إلى الذمي فخصصنا هذا العموم بما خصصه صاحب الشريعة المبين للناس ما نزل إليهم بقوله صلى الله عليه وسلم أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها على فقرائكم وما فهم المقصود أحد فهم الطبري فإنه قال الصدقة لسد خلة المسلمين أو لسد خلة الإسلام وذلك مفهوم من مأخذ القرآن في بيان الأصناف وتعديدهم والذي جعلناه فصلا بيننا وبينهم أن الأمة اتفقت على أنه لو أعطي كل صنف حظه لم يجب تعميمه فكذلك تعميم الأصناف مثله

ا ه بتصرف ما وفي بداية المجتهد لابن رشد فسبب اختلافهم معارضة اللفظ للمعنى فإن

____________________

(3/15)

من الجهات الثمانية لأن جهة هذا المال عينها الله عز وجل في كتابه العزيز فيجب على

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

اللفظ يقتضي القسمة بين جميعهم والمعنى يقتضي أن يؤثر بها أهل الحاجة إذا كان المقصود به سد الخلة فكان تعديدهم في الآية عند هؤلاء إنما ورد لتمييز الجنس أعني أهل الصدقات لا تشريكهم في الصدقة فالأول أظهر من جهة اللفظ وهذا أظهر من جهة المعنى ومن الحجة للشافعي ما رواه أبو داود عن الصدائي أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيه من الصدقة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم هو فيها فجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك

ا ه وفي أحكام ابن العربي أن النخعي قال إن كان المال كثيرا قسمه على الأصناف وإلا وضعه في صنف وقال أبو ثور إن أخرجه صاحبه جاز له أن يضعه في قسم وإن قسم الإمام استوعب الأصناف وذلك فيما قالوا إنه إن كان كثيرا فليعمهم وإن كان قليلا كان قسمه ضررا عليهم وكذلك إن قسمه صاحبه لم يقدر على النظر في جميع الأصناف فأما الإمام فحق كل واحد من الخلق متعلق به من بيت المال وغيره فيبحث عن الناس ويمكنه تحصيلهم والنظر في أمرهم والذي صار إليه مالك من أنه يجتهد الإمام ويتحرى موضع الحاجة هو الأقوى ثم قال ما معناه وينبني على الخلاف في اللام أيضا أنه على قول مالك وجماعة بعدم بقاء المؤلفة قلوبهم إلى اليوم إما أن يعود سهمهم إلى سائر الأصناف كلها أو ما يراه الإمام حسبما تقدم بيانه في أهل الخلاف

وقال الزهري يعطى نصف سهمهم لعمار المساجد ولا دليل عليه والأول أي عوده للأصناف على الخلاف هو الأصح وهذا مما يدلك على أن الأصناف الثمانية محل لا مستحقون إذ لو كانوا مستحقين لسقط سهمهم بسقوطه عن أرباب الأموال ولم يرجع إلى غيرهم كما لو أوصى لقوم معينين فمات أحدهم لم يرجع نصيبه إلى من بقي منهم

وقال الشافعي وأبو حنيفة بل حق المؤلفة باق إلى اليوم لأن الإمام ربما احتاج أن يستألف على الإسلام وقد قطعهم عمر لما رأى من إعزاز الدين والذي عندي أنه إن قوي الإسلام زالوا وإن احتيج إليهم أعطوا سهمهم كما كان يعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الصحيح قد روي فيه بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ ا ه

وإنما لم يكن المصروف منها للمجاهدين إجارة مع أن المصروف منها للقائلين كذلك قال ابن العربي في أحكامه يدل قوله تعالى والعاملين عليها وهم الذين يقومون لتحصيلها ويوكلون على جمعها على مسألة بديعة وهي أن ما كان من فروض الكفاية فالقائم به يجوز له أخذ الأجرة عليه ومن ذلك الإمامة فإن الصلاة وإن كانت متوجهة على جميع الخلق فإن تقدم بعضهم بهم من فروض الكفاية فلا جرم يجوز أخذ الأجرة عليها وهذا أصل الباب وإليه أشار النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ما تركت بعد نفقة عيالي ومؤنة عاملي فهو صدقة قال والدليل على أنها أن الله سبحانه ملكها له وإن كان غنيا وليس له وصف يأخذ به منها سوى الخدمة في جمعها

ا ه قال الأصيل لأنه لا يشترط فيما يصرف منها للمجاهدين شروط الإجارة من مقدار العمل والمدة الموجبة لتعين العمل وغير ذلك نعم يفرق بينه وبين أصل الأرزاق بأن أصل الأرزاق يصح أن يبقى في بيت المال ولا يصرف في هذه الجهة ونحوها وإنما يصرف في المصالح التي تعرض له وهذا يجب صرفه أما في جهة المجاهدين أو غيرهم من الجهات الثمان لأن جهة هذا المال عينها الله عز وجل في كتابه العزيز فيجب على الإمام إخراجها فيها إلا أن يمنع

____________________

(3/16)

الإمام إخراجها فيها إلا أن يمنع مانع وكذلك كل جهة عينها الله تعالى كالخمس يتعين المبادرة إلى صرفه بحسب المصلحة وأما ما يورث عن الموتى من أموال بيت المال أو يحاز عن الغائب المنقطع خبره فهذا لا جهة له إلا ما يعرض من المصالح فهذا هو الفرق بين هذه الأرزاق الخاصة وبقية الأرزاقات المسألة السادسة ما يصرف للقسام للعقار بين الخصوم من جهة الحكام والترجمان الذي يترجم الكتب عند الحكام وكاتب الحاكم وأمناء الحكام على الأيتام ونحو ذلك فذلك كله أرزاق لا إجارة تجري عليه أحكام الأرزاق دون أحكام الإجارات كما تقدم بيانه وكذلك ما يتناوله الخراص على خرص الأموال الزكوية من الدوالي والنخل وسعاة المواشي والعمال على الزكاة كل ذلك أرزاق لا إجارة ونحو هذه المسائل مما هو في سلكها يتخرج عليها فقد اتضح لك بهذه المسائل الفرق بين قاعدة الأرزاق وقاعدة الإجارة وقاعدة وقف الملوك وأحكام ذلك المختلفة الأوضاع الفرق السادس عشر والمائة بين قاعدة استحقاق السلب في الجهاد وبين قاعدة الإقطاع وغيره من تصرفات الأئمة وإن كان الجميع من تصرفات الإمام وليس بإجارة واعلم أن السلب عند مالك رحمه الله إنما يستحق بقول الإمام من قتل قتيلا فله سلبه وأنه لا يستحق بمجرد القتل وقاله أبو حنيفة رحمه الله وقال الشافعي وابن حنبل رضي

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

مانع وكذلك كل جهة عينها الله تعالى كالخمس يتعين المبادرة إلى صرفه في جهة بحسب المصلحة

ا ه وقد مر عن الأصل أن الإجارة لا تجوز على القضاء وإمامة الصلاة ونحوهما وأن ما يأخذه القاضي والإمام من بيت المال رزق لا أجرة وقال بعض العلماء العامل في الصدقة يستحق يعني منها كفايته بالمعروف بسبب العمل وإن لم يكن بدلا عن العمل حتى لم يحل للهاشمي والأجرة تحل له وسيأتي مثله للأصل نعم أجاب عنه ابن العربي في الأحكام بأن الهاشمي إنما لم يدخل فيها مع أنها أجرة صحيحة تحريا لكرامته وتباعدا عن الزريعة وذلك مبين في شرح الحديث

ا ه فتأمل بإمعان المسألة السادسة ما يصرف من جهة الحكام لقسام العقار بين الخصوم ولمترجم الكتب عند الحكام ولكاتب الحاكم ولأمناء الحكام على الأيتام وللخراص على خرص الأموال الزكوية من الدوالي أو النخل ولسعاة المواشي والعمال على الزكاة ونحو ذلك من المسائل رزق يجري عليه أحكام الأرزاق دون أحكام الإجارات أي على خلاف ما مر عن ابن العربي في أحكامه من أن ما يدفع للعاملين منها أجرة صحيحة لا رزق والله سبحانه وتعالى أعلم الفرق السادس عشر والمائة بين قاعدة استحقاق السلب في الجهاد وبين قاعدة الإقطاع وغيره من تصرفات الأئمة وإن كان الجميع من تصرفات الإمام وليس بإجارة وهو أن الإقطاع يجوز بغير سبب يوجب استحقاقه وتمليكه فله في التمليك حالة متوسطة هي الإعانة على أحوال تقع في مستقبل الزمان لا تمليك حقيقي فلذلك كان للإمام نزعه في أي وقت شاء وله تبديله

____________________

(3/17)

الله عنهما يستحق بمجرد القتل وأنه يستحق بفتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك لا بتصرفه بطريق الإمامة وقد تقدم في الفرق بين تصرفاته صلى الله عليه وسلم أن ما وقع منها على أنه بالإمامة لا بد فيه من إذن الإمام وما وقع منها بتصرفه صلى الله عليه وسلم بطريق القضاء لا بد فيه من قضاء القاضي وما وقع منها بطريق الفتيا والتبليغ يستحق بدون قضاء قاض وإذن إمام قال مالك رحمه الله في المدونة لم يبلغني أن السلب كان للقاتل إلا يوم حنين وهو موكول إلى اجتهاد الإمام فإن قلنا إنه من باب التبليغ والفتيا فقد حصل السلب من باب آخر غير تصرفات الأئمة فلا يحتاج إلى الفرق كما قاله الشافعي رضي الله عنه فليس للإمام نزعه ممن وجد في حوزه بشرطه لأن القتل حينئذ سبب الاستحقاق فلا يجوز للإمام أن يأخذ ما هو مستحق بسببه وإن قلنا إنه من باب تصرفات الأئمة كما قاله مالك رحمه الله فللإمام نزعه ممن وجد معه لأن سبب استحقاقه تصرف الإمام ولم يوجد فبقي من الغنيمة

وأما الإقطاع فإنه يجوز بغير سبب يوجب استحقاقه وتمليكه وإنما هو إعانة على أحوال تقع في مستقبل الزمان وليس تمليكا حقيقيا فلذلك كان للإمام نزعه في أي وقت شاء وتبديله بغيره بخلاف السلب وإنما ساوى السلب ما حازه الأجناد والأمراء من إقطاعاتهم من خراج وغيره فإنه لا يجوز للإمام نزعه منهم لتقرر ملكهم عليه

وأما السلب فقبل حصول سببه لا يكون للقاتل به تعلق ألبتة وبعد حصول سببه يصير مملوكا بالكلية فالحالة المتوسطة القابلة للانتزاع لا تحصل للسلب

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

بغيره

وأما السلب فلا يجوز بغير سبب يوجب استحقاقه وتمليكه فقبل حصول سببه لا يكون للقائل به تعلق ألبتة وبعد حصول سببه يصير مملوكا فلا تحصل له في التمليك الحالة المتوسطة القابلة للانتزاع والإبدال بغيره ألبتة فهو نظير ما حازه الأجناد والأمراء من إقطاعاتهم من خراج أو غيره لتقرر ملكهم عليه نعم وقع في سببه خلاف بين الأئمة الأربعة فعند مالك وأبي حنيفة رحمهما الله تعالى إنما يستحق بقول الإمام من قتل قتيلا فله سلبه لا بمجرد القتل وعند الشافعي وابن حنبل رحمهما الله تعالى يستحق بمجرد القتل وسبب اختلافهم ما تقدم في الفرق بين تصرفاته صلى الله عليه وسلم من أن ما وقع منها على أنه بالأمانة لا بد فيه من إذن الإمام وما وقع منها بتصرفه صلى الله عليه وسلم بطريق القضاء لا بد فيه من قضاء القاضي وما وقع منها بطريق الفتيا والتبليغ يستحق بدون قضاء قاض وإذن إمام فمستند قول الشافعي وابن حنبل أنه يستحق بفتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك لا بتصرفه بطريق الإمامة فهو من باب التبليغ لأنه الغالب على تصرفاته صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم رسول والتبليغ شأن الرسالة وحمل تصرفاته صلى الله عليه وسلم على الغالب طريق حسن وبذلك استندا كمالك في حمل قوله عليه الصلاة والسلام من أحيا أرضا ميتة فهي له وقالوا إذن الإمام ليس شرطا في الملك بالإحياء ومشى أبو حنيفة رحمه الله تعالى في السلب والإحياء على قاعدته فجعلهما من باب التصرف بالإمامة وأما مالك رحمه الله تعالى فهو وإن مشى في الإحياء على أصله في الحمل على الغالب في الفتيا والتبليغ دون الإمامة إلا أنه خالف في السلب أصله المذكور فجعله من باب التصرف بالإمامة بسبب أمور

____________________

(3/18)

ألبتة والإقطاع يحصل لها هذه الحالة المتوسطة القابلة للانتزاع وإبداله بغيره ويدل على صحة قول الشافعي وابن حنبل رحمهما الله أنه من باب الفتيا والتبليغ أنه الغالب على تصرفاته صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم رسول وهذا شأن الرسالة أعني التبليغ وحمل تصرفاته صلى الله عليه وسلم على الغالب طريق حسن وهو مستند مالك رحمه الله في حمل قوله عليه الصلاة والسلام من أحيا أرضا ميتة فهي له وقال إذن الإمام ليس شرطا في الملك بالإحياء وأبو حنيفة رحمه الله مشى على قاعدته فيهما وجعلهما من باب التصرف بالإمامة

وأما مالك رحمه الله فقد نقض أصله والشافعي رضي الله عنه مشى على أصله في الحمل على الغالب في الفتيا دون الإمامة وسبب نقض مالك لأصله أمور أحدها أن أصل الغنيمة مستحق للغانمين لقوله تعالى واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ومفهومه أن الأربعة الأخماس للغانمين كما قال تعالى وورثه أبواه فلأمه الثلث معناه والثلثان للأب ولما كان ذكر الضد المقابل يدل على مقابله اكتفى بذكره عن ذكره في الآيتين ولما كانت الأربعة الأخماس مستحقة للغانمين فلو جعلنا قوله صلى الله عليه وسلم من قتل قتيلا فله سلبه فتيا لكان ذلك أبلغ في منافاة الظاهر المتقدم مما إذا جعلناه من باب التصرف بالإمامة وأنه لا يستحق حتى يقول الإمام تلك المقالة فإن التوقف على شرط أبعد عن التخصيص من الإخراج بغير شرط فكان تقليل التخصيص وإبعاده أولى وثانيها أنه يؤدي

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

أحدهما أن حمل قوله صلى الله عليه وسلم من قتل قتيلا فله سلبه على التصرف بالإمامة وأنه لا يستحق حتى يقول الإمام تلك المقالة أبلغ وأولى من حمله على الفتيا والتبليغ وأنه يستحق بمجرد القتل في منافاته لظاهر قوله تعالى واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه فإن المفهوم منه أن الأربعة الأخماس للغانمين كما أن المفهوم من قوله تعالى وورثه أبواه فلأمه الثلث أن الثلثين للأب فاكتفى بذكر الضد المقابل عن ذكره في الآيتين بسبب أن ذكر الضد المقابل يدل على مقابلة ووجه الأبلغية أن التوقف على شرط كما في الحمل على باب التصرف بالإمامة أبعد عن التخصيص من الإخراج بغير شرط كما في الحمل على باب الفتيا والتبليغ وما كان أبعد عن التخصيص فهو أبلغ وأولى وثانيهما أن حمل الحديث المذكور على الفتيا والتبليغ وإن كان حملا على الغالب على تصرفاته صلى الله عليه وسلم كما علمت إلا أنه من حيث إنه يؤدي إلى مفسدتين عظيمتين يكون بعيدا عن قواعد الدين أحدهما إفساد النيات وأن يقاتل الإنسان من عليه سلب طمعا في سلبه لا نصرة لدين الله تعالى وربما أوقع ذلك خللا عظيما في الجيش فيما إذا كان العجزة والجبناء هم المتزينون باللباس والمتحصنون بأنواع الأسلحة دون الشجعان فيشتغل الناس بالجبناء عن الشجعان رغبة في لباسهم وأسلحتهم فيستولي شجعان الأعداء على أبطال المسلمين وجيشهم فيهلكون والمفسدة الثانية ضياع ثواب الآخرة واكتساب العقاب الأليم بسبب المقاصد الرديئة وأما إذا حمل على التصرف بالإمامة وصار موقوفا على قول الإمام فلا مفسدة لأن الإمام إنما يقول ذلك بحسب المصلحة

____________________

(3/19)

إلى إفساد النيات وأن يقاتل الإنسان من عليه سلب طمعا في سلبه لا نصرة لدين الله تعالى وربما أوقع ذلك خللا عظيما في الجيش فكان ذلك سببا للهزيمة واستئصال المسلمين بأن يكون الشجعان قليلين في التزين واللباس والعجزة والجبناء هم المتحصنون بأنواع الأسلحة فيشتغل الناس بهم عن الشجعان رغبة في لباسهم فيستولي شجعان الأعداء على أبطال المسلمين وجيشهم فيهلكون ثم إنه يؤدي إلى ضياع ثواب الآخرة وهو أعظم المفاسد بل العقاب الأليم بسبب المقاصد الردية

وهذا بعيد عن قواعد الدين فلا يستكثر منه فإذا جعل ذلك موقوفا على قول الإمام اندفعت هذه المفاسد بسبب أنه إنما يتصرف بحسب المصلحة فإذا كان القوم الذين في الجيش بعيدين عن ذلك القول وإلا لم يقل فتدفع المفاسد وإنما يأتي إذا جعلناه فتيا عامة في جميع الأحوال كما قاله الشافعي رضي الله عنه وثالثها أن ظاهر القرآن متواتر مقطوع به والحديث خبر واحد وليس أخص من الآية حتى يخصصها لتناول لفظ الآية وهو قوله تعالى ما غنمتم الغنيمة في الجهاد وغيره وهو مقتضى اللفظ لغة الغنيمة صادقة لغة عن الغارات المحرمة ونحوها وقوله عليه الصلاة والسلام من قتل قتيلا فله سلبه يتناول لغة الغنيمة وغيرها حتى لو قتله غيلة في بيته تناوله اللفظ غير أن الإجماع منعقد على تخصيصه بالجهاد المأمور به فحينئذ كل واحد منهما أعم من الآخر وأخص من وجه والتخصيص والعموم إنما يكون بحسب ما يقتضيه اللفظ لغة والعام والخاص من وجه لا يخص أحدهما الآخر لحصول التعارض فيصار للترجيح ولفظ القرآن متواتر فيكون أرجح فيقدم على الخبر بحسب الإمكان وقد أجمعنا على أن الإمام إذا قال ذلك يستحق فيبقى فيما عداه على مقتضى الأصل ورابعها أن أبا بكر الصديق وعمر رضي الله عنهما تركا ذلك في خلافتهما ولو كان ذلك فتيا لما تركاها بل علما أن ذلك تصرف بطريق الإمامة بحسب المصلحة

ولم يريا أن المصلحة

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

وثالثها إن بين لفظ حديث من قتل قتيلا فله سلبه ولفظ ما غنمتم في الآية عموما وخصوصا من وجه بسبب أن الأول يتناول لغة الغنيمة وغيرها كما لو قتله غيلة في بيته والثاني يتناول الغنيمة الصادقة لغة حتى على الغارات المحرمة ونحوها غير أن الإجماع انعقد على تخصيصها بالجهاد المأمور به والخصوص والعموم إنما يكون بحسب ما يتناوله اللفظ لغة والعام والخاص من وجه لا يخصص أحدهما الآخر لحصول التعارض فيصار للترجيح ولفظ القرآن متواتر فيكون أرجح فيقدم على الخبر بحسب الإمكان وقد أجمعنا على أن الإمام إذا قال ذلك يستحق فيبقى فيما عداه على مقتضى الأصل ورابعها أن الحديث المذكور لو كان فتيا لانصرفا بطريق الإمامة لما تركها أبو بكر الصديق وعمر رضي الله تعالى عنهما في خلافتهما لكنهما تركاها علما منهما أن ذلك تصرف بطريق الإمامة بحسب المصلحة ولم يريا أن المصلحة حينئذ تقتضي ذلك فلم يقولا به فهذه وجوه ظاهرة فيما قاله مالك رحمه الله تعالى وموجبة لأن يخالف أصله لها والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(3/20)

حينئذ تقتضي ذلك فلم يقولا به فهذه وجوه ظاهرة فيما قاله مالك رحمه الله تعالى وأنها موجبة لأن يخالف أصله لها الفرق السابع عشر والمائة بين قاعدة أخذ الجزية على التمادي على الكفر فيجوز وبين قاعدة أخذ الأعواض على التمادي على الزنا وغيره من المفاسد فإنه لا يجوز إجماعا وقد أورده بعض الطاعنين في الدين سؤالا في الجزية فقال شأن الشرائع دفع أعظم المفسدتين بإيقاع أدناهما وتفويت المصلحة الدنيا بدفع المفسدة العليا ومفسدة الكفر تربى على مصلحة المأخوذ من الجزية من أموال الكفار بل على جملة الدنيا وما فيها فضلا عن هذا النزر اليسير فلم وردت الشريعة المحمدية بذلك ولم لا حتم القتل درءا لمفسدة الكفر وجواب هذا السؤال هو سر الفرق بين القاعدتين وذلك أن قاعدة الجزية من باب التزام المفسدة الدنيا لدفع المفسدة العليا وتوقع المصلحة العليا وذلك هو شأن القواعد الشرعية بيانه أن الكافر إذا قتل انسد عليه باب الإيمان وباب مقام سعادة الجنان وتحتم عليه الكفر والخلود في النيران وغضب الديان فشرع الله تعالى الجزية رجاء أن يسلم في مستقبل الأزمان لا سيما مع اطلاعه على محاسن الإسلام والإلجاء إليه بالذل والصغار في أخذ الجزية

فإذا أسلم لزم من إسلامه إسلام ذريته فاتصلت سلسلة الإسلام من قبله بدلا

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

الفرق السابع عشر والمائة بين قاعدة إن أخذ الجزية على التمادي على الكفر يجوز وبين قاعدة إن أخذ الأعواض على التمادي على الزنا وغيره من المفاسد لا يجوز إجماعا

وهو أن قاعدة أخذ المال على مداومة الزنا أو غيره من المفاسد مفسدة صرفة لأنه من باب ترجيح المصلحة الحقيرة التي هي أخذ الدراهم على المفسدة العظيمة التي هي معصية الله تعالى وهو لم يقع في الشريعة بل الشريعة تحرمه ولا تبيحه وإنما الذي من الشرائع الواقعة وتبيحه القواعد الشرعية هو عكس ذلك وهو ترجيح المصلحة العظيمة التي هي إزالة منكر من المنكرات العظيمة على المفسدة الحقيرة التي هي دفع الدراهم لمن يأكلها حراما كما في دفع المال في فداء الأسارى الكفار وهم من حيث كونهم مخاطبين بفروع الشريعة يحرم عليهم أكل ذلك المال ليتوصل بذلك المحرم لتخليص الأسير من أيدي العدو

وكما في دفع المال اليسير كالثوب ونحوه للمحارب ليسلم دفع ذلك المال من المقاتلة معه فيموت أحدهما أو كلاهما ومن ذلك أخذ الجزية فهو مصلحة صرفة لأنه من باب التزام المفسدة الدنيا التي هي الإقرار على الكفر بأخذها لدفع مفسدة العليا التي هي انسداد باب الإيمان وباب مقام سعادة الجنان على الكافر إذا قتل ليتحتم الكفر عليه والخلود في النيران وغضب الديان حينئذ ولتوقع المصلحة العليا التي هي إما رجاء الإسلام في مستقبل الأزمان من المقر على الكفر بأخذ الجزية منه سيما مع اطلاعه على محاسن الإسلام والإلجاء إليه بالذل والصغار في أخذ الجزية فيلزم من إسلامه إسلام ذريته فتتصل سلسلة الإسلام

____________________

(3/21)

عن ذلك الكفر وإن مات على كفره ولم يسلم فنحن نتوقع إسلام ذريته المخلفين من بعده وكذلك يحصل التوقع من ذرية ذريته إلى يوم القيامة وساعة من إيمان تعدل دهرا من كفر وكذلك خلق الله تعالى آدم على وفق الحكمة وأكثر ذريته كفار وعد النبي صلى الله عليه وسلم خلقه من جملة البركات الموجبة لتعظيم يوم الجمعة فقال في تعظيم يوم الجمعة لما ساق تعظيمه والثناء عليه في الحديث الصحيح أفضل يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه تاب عليه وفيه تقوم الساعة فجعل خلق آدم عليه السلام من جملة فضائله لأن خلقه سبب وجود الأنبياء عليهم السلام والصالحين وأهل الطاعة والمؤمنين

وإن كان مع كل رجل مسلم المئون من الكفار فلا عبرة بهم لأجل ذلك المسلم الواحد ولذلك جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يقول لآدم عليه السلام ابعث بعث النار فيخرج من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون فيبقى من كل ألف واحد والبقية كفار فجاز أهل النار والمعاصي والفجور ومع ذلك كان ذلك الواحد تربى مصلحة إسلامه على مفسدة أولئك وأنهم كالعدم الصرف بالنسبة إلى نور الإيمان وعبادة الرحمن فتأمل ذلك فكذلك هاهنا إيمان يتوقع من الأصل أو من آحاد الذراري لا يعادله شيء من ذلك الكفر الواقع من غيره فعقد الجزية من آثار رحمة الله تعالى ومن الشرائع الواقعة على وفق

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

من قبله بدلا عن ذلك الكفر المقر عليه وإما رجاء إسلام ذريته المخلفين من بعده أو من ذرية ذريته إلى يوم القيامة وساعة من إيمان تعدل دهرا من كفر ألا ترى أن الله تعالى خلق آدم على وفق الحكمة وعد النبي صلى الله عليه وسلم خلقه في يوم الجمعة من جملة البركات الموجبة لتعظيمه فقال في الحديث الصحيح أفضل يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه تاب عليه وفيه تقوم الساعة لأن خلقه سبب وجود الأنبياء عليهم السلام والصالحين وأهل الطاعة والمؤمنين

وإن كان أكثر ذريته كفارا ففي الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى يقول لآدم عليه السلام ابعث بعث النار فيخرج من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون فيبقى من كل ألف واحد والبقية كفار فجار أهل النار والمعاصي والفجور إذ لا عبرة بكثرة الكفار لأجل ذلك المسلم الواحد لأن ذلك الواحد تربو مصلحة إسلامه على مفسدة أولئك الكفار وأنهم كالعدم الصرف بالنسبة إلى نور الإيمان وعبادة الرحمن فتأمل ذلك وبالجملة فعقد الجزية لما كانت ثمرته توقع الإيمان من الأصل أو من أحد الذراري الذي لا يعادله شيء من ذلك الكفر الواقع من غيره لا مجرد تحصيل مصلحة تلك الدراهم المأخوذة منه كان من آثار رحمة الله تعالى ومن الشرائع الواقعة على وفق الحكمة الإلهية فلذا أباحته القواعد الشرعية ولم يلتفت إلى قول بعض الطاعنين في الدين في إيراده سؤالا في الجزية إن شأن الشرائع دفع أعظم المفسدتين بإيقاع أدناها وتفويت المصلحة الدنيا بدفع المفسدة العليا ومفسدة الكفر تربوا على مصلحة المأخوذ من الجزية من أموال الكفار بل على جملة الدنيا وما فيها فضلا عن هذا النزر اليسير فلم وردت الشريعة المحمدية بذلك ولم لم تحتم القتل

____________________

(3/22)

الحكمة

ولم تؤخذ الجزية من الكفار لتحصيل مصلحة تلك الدراهم المأخوذة منه بل لتوقع هذه المصلحة أو المصالح العظيمة بالتزام تلك المفسدة الحقيرة بخلاف أخذ المال على مداومة الزنا أو غيره من المفاسد فإن ذلك ترجيح للمصلحة الحقيرة التي هي الدراهم على المفسدة العظيمة التي هي معصية الله تعالى نعم لو عجزنا عن إزالة منكر من هذه المنكرات إلا بدفع دراهم دفعناها لمن يأكلها حراما حتى يترك ذلك المنكر العظيم كما يدفع المال في فداء الأسارى والكفار مخاطبون بفروع الشريعة يحرم عليهم أكل ذلك المال ليتوصل بذلك المحرم لتخليص الأسير من أيدي العدو ولذلك يعطى المحارب المال اليسير كالثوب ونحوه ليسلم صاحبه من المقاتلة معه فيموت أحدهما أو كلاهما أو يكون المأخوذ من المال على وجه التحريم والمعصية أكثر

وأما دفع المال لغرض المداومة على المعصية ليس إلا فهذا لم يقع في الشريعة بل الشريعة تحرمه ولا تبيحه فهذه القاعدة مفسدة صرفة فلم تشرع وقاعدة الجزية مشتملة على التزام المفسدة القليلة لدفع المفسدة العظيمة وتوقع المصلحة العظيمة فشرعت فهذا هو الفرق بين القاعدتين الفرق الثامن عشر والمائة بين قاعدة ما يوجب نقض الجزية وبين قاعدة ما لا يوجب نقضها اعلم أن عقد الجزية موجب لعصمة الدماء وصيانة الأموال والأعراض إلى غير ذلك مما يترتب عليه وحقيقة عقد الجزية هو التزامنا لهم ذلك بشروط نشترطها عليهم مضت سنة الخلفاء الراشدين بها وهي أيضا مستفادة من قوله تعالى حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون قال ابن حزم في مراتب الإجماع الشروط المشترطة عليهم أن

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

درءا لمفسدة الكفر ا ه

ولم كان أخذ المال على مداومة الزنا أو غيره من المفاسد ثمرته مجرد أخذ الدراهم الذي هو مصلحة حقيرة لا تعادل المداومة على المفسدة العظيمة التي هي معصية الله تعالى لم يقع في الشريعة بل منعته من حيث إنه مفسدة صرفة فهذا هو الفرق بين القاعدتين والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق الثامن عشر والمائة بين قاعدة ما يوجب نقض الجزية وبين قاعدة ما لا يوجب نقضها عقد الجزية هو التزامنا للكفار صيانة أموالهم وأعراضهم إلى غير ذلك بشروط نشترطها عليهم بها سنة الخلفاء الراشدين واستفيدت من قوله تعالى حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون قال ابن حزم في مراتب الإجماع وهي أن يعطوا أربعة مثاقيل ذهبا في انقضاء كل عام قمري صرف كل دينار اثنا عشر درهما وأن لا يحدثوا كنيسة ولا بيعة ولا ديرا ولا صومعة ولا يجددوا ما خرب منها ولا يمنعوا المسلمين من النزول في كنائسهم وبيعهم ليلا ونهارا ويوسعوا أبوابها للنازلين ويضيفوا من مر

____________________

(3/23)

يعطوا أربعة مثاقيل ذهبا في انقضاء كل عام قمري صرف كل دينار اثنا عشر درهما وأن لا يحدثوا كنيسة ولا بيعة ولا ديرا ولا صومعة ولا يجددوا ما خرب منها ولا يمنعوا المسلمين من النزول في كنائسهم وبيعهم ليلا ونهارا ويوسعوا أبوابها للنازلين ويضيفوا من مر بهم من المسلمين ثلاثة وأن لا يأووا جاسوسا ولا يكتموا غشا للمسلمين ولا يعلموا أولادهم القرآن ولا يمنعوا أحدا منهم الدخول في الإسلام ويوقروا المسلمين ويقوموا لهم من المجالس ولا يتشبهوا بهم في شيء من لباسهم ولا فرق شعرهم ولا يتكلمون بكلامهم ولا يتكنوا بكناهم ولا يركبوا على السروج ولا يتقلدوا شيئا من السلاح ولا يحملوه مع أنفسهم ولا يتخذوه ولا ينقشوا خواتيمهم بالعربية ولا يبيعوا الخمر من مسلم ويجزوا مقادم رءوسهم ويشدوا الزنانير ولا يظهروا الصليب ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم ولا يطرحوا في طريق المسلمين نجاسة ويخفوا النواقيس وأصواتهم ولا يظهروا شيئا من شعائرهم ولا يتخذوا من الرقيق ما جرت عليه سهام المسلمين ويرشدوا المسلمين ولا يطلعوا عليهم عدوا ولا يضربوا مسلما ولا يسبوه ولا يستخدموه ولا يسمعوا مسلما شيئا من كفرهم ولا يسبوا أحدا من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ولا يظهروا خمرا ولا نكاح ذات محرم وأن يسكنوا المسلمين بينهم فمتى أخلوا بواحدة من هذه الشروط اختلف في نقض عهدهم وقتلهم وسبيهم وأخذ أموالهم

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

بهم من المسلمين ثلاثا وأن لا يأووا جاسوسا ولا يكتموا غشا للمسلمين ولا يعلموا أولادهم القرآن ولا يمنعوا أحدا منهم الدخول في الإسلام ويوقروا المسلمين ويقوموا لهم من المجالس ولا يتشبهوا بهم في شيء من لباسهم ولا فرق شعرهم ولا يتكلموا بكلامهم ولا يتكنوا بكناهم ولا يركبوا على السروج ولا يتقلدوا شيئا من السلاح ولا يحملوه مع أنفسهم ولا يتخذوه ولا ينقشوا خواتيمهم بالعربية ولا يبيعوا الخمر من مسلم ويجزوا مقادم رءوسهم ويشدوا الزنانير ولا يظهروا الصليب ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم ولا يطرحوا في طريق المسلمين نجاسة ويخفوا النواقيس وأصواتهم ولا يظهروا شيئا من شعائرهم ولا يتخذوا من الرقيق ما جرت عليهم سهام المسلمين ويرشدوا المسلمين ولا يطلعوا عليهم عدوا ولا يضربوا مسلما ولا يسبوه ولا يستخدموه ولا يسمعوا مسلما شيئا من كفرهم ولا يسبوا أحدا من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ولا يظهروا خمرا ولا نكاح ذات محرم وأن يسكنوا المسلمين بينهم

ا ه وقد ذهب علماء المذاهب الأربعة في إخلال الذمي بشرط من هذه الشروط إلى طريقتين الطريقة الأولى لبعضهم نقض العهد بإخلاله بأي شرط منها ولو لم يكن منافيا لما هو المقصود من عقد الذمة من الأمان والتأمين والطريقة الثانية لجمهورهم نقض العهد بإخلاله بما ينافي الأمان والتأمين فقط وهذه هي الصواب لأمرين  واعلم أن الجادة من مذاهب العلماء كمالك والشافعي وأبي حنيفة وابن حنبل رضي الله عنهم لا يروا النقض بالإخلال بأحد هذه الشروط كيف كان بل بعضها يوجب النقض وبعضها لا يوجب وقد سبق إلى خاطر الفقيه أن المشروط شأنه الانتفاء عند انتفاء أحد الشروط ولو كان ألف شرط إذا عدم واحد منها لا يفيد حضور ما عداه كما يجده في شرائط الصلاة والزكاة وغيرهما إن عدم شرط واحد عدم جميع الشروط فلذلك يخطر لضعفه الفقهاء أن شروط الجزية ينبغي أن تكون كذلك وليس الأمر كذلك بل مذهب الجمهور هو الصواب وأن قاعدة ما يوجب النقض مخالفة لقاعدة ما لا يوجبه فإن عقد الذمة عاصم للدماء كالإسلام

وقد ألزم الله تعالى المسلم جميع التكاليف في عقد إسلامه كما ألزم الذمي جملة هذه الشروط في عقد أمانة فكما انقسم رفض التكاليف في الإسلام إلى ما ينافي الإسلام ويبيح الدماء والأموال كرمي المصحف في القاذورات وانتهاك حرمة النبوات وإلى ما ليس منافيا للإسلام وهو ضربان كبائر توجب التغليظ بالعقوبة ورد الشهادات وسلب أهلية الولاية وصغائر توجب التأديب دون التغليظ

فكذلك عقد الجزية تنقسم شروطه إلى ما ينافيه كالقتل والخروج عن أحكام السلطان فإن ذلك مناف للأمان والتأمين وهما مقصود العقد وإلى ما

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

أحدهما أن عقد الجزية كعقد الإسلام فكما أن عقد الإسلام عاصم للدماء ونحوها كذلك عقد الذمة عاصم للدماء وكما أن الله تعالى ألزم المسلم جميع التكاليف في عقد إسلامه كذلك ألزم الذمي جملة هذه الشروط في عقد أمانه وكما أن رفض التكاليف في الإسلام ينقسم إلى ما ينافي الإسلام ويبيح الدماء والأموال كرمي المصحف في القاذورات وانتهاك حرمة النبوات وإلى ما ليس منافيا للإسلام وهو ضربان كبائر توجب التغليظ بالعقوبة ورد الشهادات وسلب أهلية الولاية وصغائر توجب التأديب دون التغليظ فكذلك رفض هذه الشروط في الذمة ينقسم إلى ما ينافي ما هو المقصود من عقد الذمة من الأمان والتأمين كالقتل والخروج عن أحكام السلطان وإلى ما ليس بمناف للأمان والتأمين وهو ضربان ما هو عظيم المفسدة كالكبيرة بالنسبة إلى الإسلام كالحرابة والسرقة وما هو خفيف المفسدة كالصغيرة بالنسبة إلى الإسلام كسب المسلم وإظهار الترفع عليه فكما أن ضربي ما ليس بمناف لعقد الإسلام من الصغيرة والكبيرة لا يبطلان عصمة دم ومال المسلم المرتكب لأحدهما كذلك ضربا ما ليس بمناف للأمن والأمان المقصودين من عقد الجزية مما يشبه واحدا من الصغيرة والكبيرة لا يبطلان عصمة دم ومال الذمي الناقض لأحدهما الأمر الثاني أن القاعدة الشرعية المشهورة في أبواب العقود الشرعية أننا لا نبطل عقدا من العقود إلا بما ينافي مقصود ذلك العقد دون ما لا ينافي مقصوده وإن كان منهيا عن مقارنته معه وبالجملة فهذه الشروط على هذه الطريقة التي هي طريقة الجمهور تنقسم إلى ثلاثة أقسام 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دليلك إلى المواقع الإسلامية المنتقاة بأكثر من ( 42 ) لغة !!

دليلك إلى المواقع الإسلامية المنتقاة بأكثر من ( 42 ) لغة !! اللغة الرابط اللغة الأذرية http://www.islamhouse.com/s/9357 ...