الجمعة، 12 مايو 2023

التوبة والأعمال الصالحة

 

التوبة

بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
    أيها الإخوة الكرام، من ألزم لوازم الإيمان التوبة إلى الله، ذلك لأن المؤمن مذنب تواب، بمعنى أن الله سبحانه وتعالى أودع في كيانه شيئاً من الأرض، وشيئاً من السماء ، فركب من شهوة وعقل، فحينما تسمو شهوته على عقله يحتاج إلى التوبة، وحينما يسمو عقله على شهوته يحتاج إلى الشكر، ولو تصورنا ديناً من دون توبة لوجدت تسعة وتسعين بالمئة من الناس إلى النار، لأنه إذا ارتكب الإنسان ذنباً بحسب ما أودع الله فيه من شهوات، وباب التوبة مغلق، فحينما ييئس من التوبة يرتكب أكبر الآثام، لذلك أرجى آية في القرآن الكريم:

 
   
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً﴾
    (سورة الزمر)
    وليس أبلغ من كلام النبي صلى الله عليه وسلم حينما ذكر لنا قصة أعرابي ارتحل ناقته، وعليها طعامه وشرابه ليقطع بها مفازة خطيرة، في منتصف المفازة الصحراء جلس ليستريح أخذته سنة من النوم، استيقظ فلم يجد الناقة، أيقن مئة بالمئة أنه هالك لا محالة، فبكى، ثم بكى، حتى أدركته سنة من النوم أخرى، فاستيقظ، فرأى الناقة فاختل توازنه، من شدة الفرح قال: يا رب، أنا ربك، وأنت عبدي، هل هناك من صورة أبلغ ردت إليه روحه.
    عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
    (( لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ أَضَلَّ رَاحِلَتَهُ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ فَالْتَمَسَهَا حَتَّى إِذَا أَعْيَى تَسَجَّى بِثَوْبِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ سَمِعَ وَجْبَةَ الرَّاحِلَةِ حَيْثُ فَقَدَهَا، فَكَشَفَ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ، فَإِذَا هُوَ بِرَاحِلَتِهِ ))
    (سنن ابن ماجة)
    مهما بلغت ذنوبك لو بلغت عنان السماء، ثم جئته تائباً غفرها لك ولا يبالي، باب التوبة مفتوح على مصارعه، لكن لئلا نقع في أوهام قاتلة الله عز وجل في أكثر من خمس آيات، ولعلها ثمانية آيات يقول:
    ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110)
    (سورة النحل)
    غفور إذا أقلعت عن الذنب فوراً، وإذا ندمت، وأصلحت، وإذا عزمت على ألاّ تقع في الذنب:
    ﴿إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110)
    ولو تتبعتم آيات التوبة:
    ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)
    (سورة الحجر)
    ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54)
    التوبة مقبولة بشرط أن الإقلاع الفوري عن الذنب.
    ثانياً: العزم على ألاّ أعود إليه.
    ثالثاً: الإصلاح فيما مضى، في حقوق تجاوزات ديون هذه كلها ينبغي أن تؤدى، لذلك العلماء وجدوا أن للتوبة أركان ثلاثة: الركن الأول العلم، والثاني الحال، والثالث: العمل، في ركن علمي، وركن نفسي، وركن سلوكي، العلم ما لم تطلب العلم لا تكتشف أخطاءك، تجد الإنسان غارقًا في المعاصي الكبرى الصارخة، كالقتل، والسرقة، والزنى معروفة، لكن في التعامل اليومي قد يقع في الربا، وهو لا يشعر.
    أوضح مثل: يأتيك من يقول: هل تشاركني في شراء هذا البيت ولك أجرة ؟ جيد !! البيت ثمنه عشرة ملايين، ومطلوب منك خمسة ملايين، ولهذا البيت أجرة، فأنت كلمة أجرة وشريك كلها كلمات شرعية، أنت حينما تريد مبلغك بالتمام والكمال بعد حين فهذا الذي أخذته أجراً يعد ربا، أما إذا كان الموضوع مفتوحًا بعد سنتين الأسعار هبطت، أو ارتفعت، إذا كان يمكن أن يقيم البيت تقييمًا جديدًا بعد سنتين هذه أجرة، الغرم بالغنم، أما إذا كنت ضامناً لمالك مئة في المئة، ولا علاقة لك بهبوط الأسعار أو بارتفاعها، ولا بالكوارث لو استملك البيت فأنت تردي خمسة ملايين، هذا هو الربا بعينه، فلذلك من دخل السوق من دون فقه أكل الربا، شاء أم أبى، فمتى تكتشف أخطاءك ؟ حينما تطلب العلم، وأوضح مثل: لو كلفنا إنسانًا ضعيفًا في اللغة العربية أن يفحص طالبًا في هذه المادة، وقال: اقرأ هذه الصفحة - الذي قرأ الصفحة ارتكب ثمانية وعشرين خطأ، لأن الفاحص ضعيف في اللغة يقول له: جيد، علامة تامة، أما الخبير باللغة فيكشف الأخطاء، ما لم تكن خبيراً في الأمر والنهي فلا تعرف ما إذا كنت عاصياً أو مطيعاً، البيوع فيها منزلقات، الشراء فيه منزلقات، واستثمار المال العلاقات الاجتماعية.
    فلذلك أيها الإخوة، قضية التوبة تحتاج إلى علم.
    أوضحُ مثلٍ، هناك أمراض لا أعراض لها أبداً مثل كالضغط، وفي حالات نادرة فيها أعراض في الرأس، أما الضغط قد يرتفع لاثنين وعشرين، وثلاثة وعشرين، وثمانية وعشرين، وأنت لا تشعر، أقول لك: متى تعالج نفسك من ارتفاع الضغط ؟ حينما تعلم أنه معك ضغط مرتفع، ومتى تتوب من ذنب ؟ حينما تعلم أنه ذنب، فإن لم تعلم أنه ذنب لن تتوب منه.
    لذلك لا يمكن لإنسان أن يحقق التوبة، والله عز وجل يقول:
    ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾
    (سورة النساء)
    إلا إذا عرفت ما لك وما عليك، أزواج كثيرون يرتكبون بحق زوجاتهم أخطاء كبيرة جداً قد يقول لك أنا لا أعلم لك حق وعليم واجب ‍!
    ارتكبت مرة في أميركا جريمة، في أثناء التحقيق والمحاكمة قالت امرأة: هو أناني، ينصرف قبل أن أقضي حاجتي، فحقدت عليه إلى أن قتلته، فهناك قضايا حتى في العلاقات الزوجية، حتى في تربية الأولاد، حتى في كسب الأموال، وإنفاقها، والعلاقات العامة، وفي علاقتك مع الله عز وجل الإنسان من دون علم كائن يخبط خبط عشواء، أكثر الناس قد يترك صلاته، يقول: العمل عبادة، أليس كذلك ؟ !!! يتلبس، العمل عبادة، ينبغي أن تكون الصلوات الخمس الأولوية في عملك، فمن أجل عمل قد يتعامل بمادة محرمة، وهو لا يدري لذلك التوبة تحتاج إلى علم، حينما تجلس في المسجد على ركبتيك تتعلم الأحكام، هذا وقت مستثمر، وليس مستهلكاً، لأن أقل خطأ مع الله مدمِّر، الله عز وجل يعاقب الإنسان بجهله فقط، في القانون يقال: لا جهل في القانون، والمغفل لا يحميه القانون، فلذلك: ما لم تطلب العلم فلن تكتشف أخطاءك، فالتوبة تحتاج إلى علم، الآن تحتاج إلى حال، عَنِ ابْنِ مَعْقِلٍ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى عَبْدِ اللَّهِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
    (( النَّدَمُ تَوْبَةٌ ))
    (سنن ابن ماجة)
    بالضبط، وأنت تمشي في بستان وجدت ثعبانًا، لو أنك لم تقلق إطلاقاً، وبقيت هادئًا ومرتاحًا، تترنم ببعض الأبيات، معنى ذلك أنك لم ترَ الثعبان إطلاقاً، لو رأيته لخرجت من جلدك، وصرخت لوليت هارباً، فإنسان يعرف أنه مذنب، ومع الذنب عقاب، وهو مرتاح هذا مستحيل، فأنت حينما ترى الثعبان فهناك ثلاث حالات، حالة إدراك، وحالة اضطراب، وحالة سلوك، إن أدركت أنه ثعبان تشعر بخوف واضطراب شديدين، هذا الخوف والاضطراب يحملك على أن تغادر، وتبتعد عنه كثيراً، لذلك قالوا: الإنسان في تعامله مع المحيط الخارجي يحكمه قانون إدراك انفعال سلوك.
    يوجد مثل آخر أستخدمه للتوضيح: واحد قال لك: على كتفك من الجهة الخلفية عقرب ! فنبهك أنت بقيت هادئًا جداً، والتفت نحوه، وابتسمت وقلت له: أنا شاكر لك لهذه الملاحظة، وأسأل الله جل جلاله أن يعينني على أن أشكرك عليها في المستقبل !! معنى ذلك أنه ما سمع ما قلت له إطلاقاً، لو أنه فهم ما قلت لاضطرب، وقفز، وخلع معطفه، وصرخ أحياناً فما لم تنفعل لمعصية فأنت لا تعرف أبعاد هذه المعصية.
    تجده يتعامل بالربا وهو مرتاح، هذا لم يقرأ القرآن:
    ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾
    (سورة البقرة)
    ولا يعلم أن المرابي ماله ينتهي إلى المحق.
    ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾
    (سورة البقرة)
    أخ في بلد آخر له محل تجاري في أوجه شارع، لا يوجد أعلى من هذا المستوى، أخذ قروضًا، فلما تراكمت الفوائد اضطر أن يبيع المحل ليسدد هذه الفوائد، الله عز وجل قال:
    ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾
    فأنت ما لم تعلم حقائق الشرع لا تكتشف الخطأ، فإذا اكتشفت الخطأ، وأنت مؤمن بالله مؤمن بوعده ووعيده ينبغي أن تضطرب، لذلك النبي الكريم اختصر موضوع التوبة بكلمة واحدة قال:
    (( النَّدَمُ تَوْبَةٌ ))
    فالعلماء شرحوا ذلك فقالوا: الندم لا بد أن يسبقه علم، ولا بد من أن يعقبه عمل، علم وعمل، والإنسان حينما يتوب من ذنبه، ولا أبالغ أنه يشعر كأن جبالاً أزيحت عن صدره، لذلك حال التائب حال لا يصدق من الفرح، هو خفيف، إلا أنه حينما تقع في الذنب مرة ثانية نقول لك: أن تتوب مرة ثانية، لكن التوبة الثانية أصعب، والثالثة أصعب وأصعب، فكلما تكرر الذنب نفسه وجد صعوبة الإنسان في التوبة.
    لذلك في المرة الثانية يفضل أن تدعم التوبة بصدقة،
    ((اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحوها وخالق الناس بخلق حسن ))
    فلا بد من دعم التوبة الثانية بعمل طيب، من صدقة أو صيام أو خدمة، لكن يجب أن تعلم أن الله سبحانه وتعالى يحب أن يتوب علينا.
    ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾
    ويجب أن تعلم ثانية أن الله يحب التوابين، أنت حينما تتوب فأنت حبيب الله، وما لنا غير الله شئنا أم أبينا.
    مرة ثانية، وثالثة، ورابعة، للمليون، لكن من باب التناصح كل مرة إذا أذنبتَ الذنب نفسه كانت التوبة أصعب من التي تسبقها، لكن بالنهاية لا بد من أن نتوب، وليس لنا إلا الله.
    أيها ا لإخوة: مرة ثانية أوجه هذه الملاحظة: لو أن إنسانا ما أعجبه صيامه، وكان صيامه دون طموحه ماذا يفعل ؟ نقول له : العام كله رمضان، استأنف التوبة، لذلك في مدارج السالكين هناك منزلة اسمها استئناف التوبة، التوبة ليست مرة واحدة، المؤمن مذنب تواب، كلما زلت قدمه تاب إلى الله عز وجل، والله عز وجل يعلم ما إذا كان هذا الذنب سببه غفلة، وغلبة، أو كبر، وعناد، الذي يرتكب المعاصي كبراً وعناداً، والذي يستنكف أن يعبد الله، ويأبى أن يعبد الله هذا إنسان لا توبة له، أما حينما يغلب عليك شيء، تغلبك الشهوة، ثم تستغفر، وتتوب تشعر أن الطريق لله سالك، وأن الله سيقبله.
    أيها الإخوة الكرام: الندم توبة، والمؤمن مذنب تواب.
    ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾
    ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ﴾
    (( لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ أَضَلَّ رَاحِلَتَهُ ))
    والحمد لله رب العالمين =

العمل الصالح

يروى أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله ويطلب منه مالا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أما في بيتك شيء؟). فقال الرجل: بلى، حلس (كساء) نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقدح نشرب فيه الماء.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ائتني بهما)، فجاء بهما الرجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يشتري هذين؟). فقال رجل: أنا آخذهما بدرهم. فقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يزيد على درهم؟)-مرتين أو ثلاثًا-.

فقال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الدرهمين، فأعطاهما الرجل الفقير، وقال له: (اشترِ بأحدهما طعامًا فانبذه إلى أهلك، واشترِ بالآخر قدومًا (فأسًا) فأتني به).

فاشتري الرجل قدومًا وجاء به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فوضع له الرسول صلى الله عليه وسلم يدًا وقال له: (اذهب فاحتطب وبع ولا أَرَينَّك (لا أشاهدنَّك) خمسة عشر يومًا).

فذهب الرجل يجمع الحطب ويبيعه، ثم رجع بعد أن كسب عشرة دراهم، واشترى ثوبًا وطعامًا، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (هذا خير لك من أن تجيء المسألة نُكْتَةً (علامة) في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مُدْقِع (شديد)، أو لذي غُرْم مفظع (كبير)، أو لذي دم موجع (عليه دية)) [أبو داود].

*ما هو العمل؟

للعمل معانٍ كثيرة واسعة، فهو يطلق على ما يشمل عمل الدنيا والآخرة.

عمل الآخرة: ويشمل طاعة الله وعبادته والتقرب إليه، والله -تعالى- يقول: {فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض} [آل عمران: 195].

وسُئِل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: (إيمان بالله ورسوله)، قيل: ثم ماذا؟ قال: (جهاد في سبيل الله)، قيل: ثم ماذا؟ قال: (حج مبرور) [البخاري].

عمل الدنيا: ويطلق على كل سعي دنيوي مشروع، ويشمل ذلك العمل اليدوي وأعمال الحرف والصناعة والزراعة والصيد والتجارة والرعي وغير ذلك من الأعمال. وقد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم: أي الكسب أفضل؟ فقال: (عمل الرجل بيده) [الحاكم].

أمرنا الله -تعالى- بالعمل، والجـد في شئون الحياة، في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، فقال سبحانه: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرًا لعلكم تفلحون} [الجمعة: 10]. وقـال تعالى: {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور} [الملك: 15]. وقـال تعالى: {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} [التوبة: 105].

وعلى كل مسلم أن يؤدي ما عليه من عملٍ بجد وإتقان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بإحسان العمل وإتقانه، كذلك فإن الطالب عليه أن يجتهد في مذاكرته؛ لأنها عمله المكلف به؛ فيجب عليه أن يؤديه على خير وجه، حتى يحصل على النجاح والتفوق.

والمسلم لا يتوقف عن العمل مهما كانت الظروف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة؛ فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها، فليغرسها) [أحمد].

وقد نهى الإسلام عن أن يجلس الرجل بدون عمل، ثم يمد يده للناس يسألهم المال، وقد وصف الله -تعالى- فقراء المؤمنين بالعفة، فهم مهما اشتد فقرهم لا يسألون الناس ولا يلحُّون في طلب المال، يقول تعالى: {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربًا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافًا} [البقرة: 273].

والذي يطلب المال من الناس مع قدرته على العمل ظالم لنفسه؛ لأنه يُعرِّضها لذل السؤال، وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من المسألة، وبالغ في النهي عنها والتنفير منها، فقال صلى الله عليه وسلم: (اليد العُلْيَا خير من اليد السُّفْلَى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعِفَّه الله، ومن يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ الله) [متفق عليه]. وقال صلى الله عليه وسلم: (لأن يأخـذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلا فيسأله أعطاه أو منعه) [البخاري].

ويقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة. فعلى المسلم أن يعمل ويجتهد حتى تتحقق قيمته في الحياة، يقول الشاعر:

بِقَدْرِ الْكَـدِّ تُكْتَسَـبُ المعَـالِـي

ومَنْ طلب العُلا سَهرَ اللَّـيالِــي

ومن طلب العُـلا من غير كَــدٍّ

أَضَاع العُمْـرَ في طلب الْمُحَــالِ

العمل خلق الأنبياء:

عمل نبي الله نوح -عليه السلام- نجارًا، وقد أمره الله بصنع السفينة ليركب فيها هو ومن آمن معه. واشتغل يعقوب -عليه السلام- برعي الغنم. وعمل يوسف -عليه السلام- وزيرًا على خزائن مصر.

ويروى أن نبي الله إدريس -عليه السلام- كان خياطًا، فكان يعمل بالخياطة، ولسانه لا يكفُّ عن ذكر الله؛ فلا يغرز إبرة ولا يرفعها إلا سبح الله؛ فيصبح ويمسي وليس على وجه الأرض أحد أفضل منه. كما اشتغل نبي الله موسى

-عليه السلام- برعي الغنم عشر سنين.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أكل أحدٌ طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده) [البخاري]. وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم نبي الله داود -عليه السلام- لأنه كان مَلِكًا، ومع كونه ملكًا له من الجاه والمال الكثير، إلا أنه كان يعمل ويأكل من عمل يده؛ فقد كان يشتغل بالحدادة، ويصنع الدروع الحديدية وآلات الحرب بإتقان وإحكام. وقد اشتغل رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك برعي الغنم في صغره، ثم عمل في شبابه بالتجارة.

فضل العمل:

المسلم يعمل حتى يحقق إنسانيته؛ لأنه كائن مُكلَّف بحمل رسالة، وهي عمارة الأرض بمنهج الله القويم، ولا يتم ذلك إلا بالعمل الصالح، كما أن الإنسان لا يحقق ذاته في مجتمعه إلا عن طريق العمل الجاد.

وبالعمل يحصل الإنسان على المال الحلال الذي ينفق منه على نفسه وأهله، ويسهم به في مشروعات الخير لأمته، ومن هذا المال يؤدي فرائض الله؛ فيزكي ويحج ويؤدي ما عليه من واجبات، وقد أمر الله عباده بالإنفاق من المال الطيب، فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم} [البقرة: 267].

وقد ربط الله -عز وجل- بين العمل والجهاد في سبيل الله، فقال تعالى: {وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله} [المزمل: 20].

وجعل النبي صلى الله عليه وسلم من يخرج ليعمل ويكسب من الحلال؛ فيعف نفسه أو ينفق على أهله، كمن يجاهد في سبيل الله. وقد مر رجل على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فرأى الصحابة جده ونشاطه، فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن كان خرج يسعى على ولده صغارًا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يَعفُّها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياءً ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان) [الطبراني].

كما أن العمل يكسب المرء حب الله ورسوله واحترام الناس. روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى يحب العبد المؤمن المحترف (أي: الذي له عمل ومهنة يؤديها)) [الطبراني والبيهقي].

أخلاقيات العمل في الإسلام:

نظم الإسلام العلاقة بين العامل وصاحب العمل، وجعل لكلِّ منهما حقوقًا وواجبات.

أولا: حقوق العامل:

ضمن الإسلام حقوقًا للعامل يجب على صاحب العمل أن يؤديها له، ومنها:

* الحقوق المالية: وهي دفع الأجر المناسب له، قال الله تعالى: {ولا تبخسوا الناس أشيائهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين} [هود: 85]. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه) [ابن ماجه].

* الحقوق البدنية: وهي الحق في الراحة، قال تعالى: {لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها} [البقرة: 286]. ويقول صلى الله عليه وسلم: (إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فلْيطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم) [متفق عليه]. وكذلك يجب على صاحب العمل أن يوفر للعامل ما يلزمه من رعاية صحية.

* الحقوق الاجتماعية: وهي التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (مَنْ كان لنا عاملا فلم يكن له زوجة فليكتسب زوجة، فإن لم يكن له خادم فليكتسب له خادمًا، فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكنًا. من اتخذ غير ذلك فهو غَالٌّ أو سارق) [أبو داود].

ثانيا: واجبات العامل:

وكما أن العامل له حقوق فإن عليه واجبات، ومن هذه الواجبات:

* الأمانة: فالغش ليس من صفات المؤمنين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من غش فليس مني) [مسلم وأبو داود والترمذي].

* الإتقان والإجادة: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) [البيهقي].

* التبكير إلى العمل: حيث يكون النشاط موفورًا، وتتحقق البركة، قال صلى الله عليه وسلم: (اللهم بارك لأمتي في بكورها) [الترمذي وابن ماجه].

* التشاور والتناصح: حيث يمكن التوصل للرأي السديد، قال صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة) [مسلم والترمذي].

* حفظ الأسرار: يجب على العامل أن يحفظ أسرار عمله، فلا يتحدث إلى أحد -خارج عمله- عن أمورٍ تعتبر من أسرار العمل.

* الطاعة: فيجب على العامل أن يطيع رؤساءه في العمل في غير معصية، وأن يلتزم بقوانين العمل.

=====

التعاون

يحكى أن شيخًا كبيرًا جمع أولاده، وأعطاهم حزمة من الحطب، وطلب منهم أن يكسروها، فحاول كل واحد منهم كسر الحزمة لكنهم لم يستطيعوا، فأخذ الأب الحزمة وفكها إلى أعواد كثـيـرة، وأعطى كل واحد من أبنائه عودًا، وطلب منه أن يكسره، فكسره بسهـولة.

*أمر الله إبراهيم -عليه السلام- أن يرفع جدران الكعبة، ويجدد بناءها، فقام إبراهيم -عليه السلام- على الفور لينفذ أمر الله، وطلب من ابنه إسماعيل -عليه السلام- أن يعاونه في بناء الكعبة، فأطاع إسماعيل أباه، وتعاونا معًا حتى تم البناء، قال تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} [البقرة: 127].

*أرسل الله موسى -عليه السلام- إلى فرعون؛ يدعوه إلى عبادة الله وحده، فطلب موسى -عليه السلام- من الله -سبحانه- أن يرسل معه أخاه هارون؛ ليعاونه ويقف بجانبه في دعوته، فقال: {واجعل لي وزيرًا من أهلي . هارون أخي . اشدد به أزري . وأشركه في أمري} [طه: 29-32]. فاستجاب الله تعالى لطلب موسى، وأيده بأخيه هارون، فتعاونا في الدعوة إلى الله؛ حتى مكنهم الله من النصر على فرعون وجنوده.

*أعطى الله -سبحانه- ذا القرنين مُلكًا عظيمًا؛ فكان يطوف الأرض كلها من مشرقها إلى مغربها، وقد مكَّن الله له في الأرض، وأعطاه القوة والسلطان، فكان يحكم بالعدل، ويطبق أوامر الله.

وكان في الأرض قوم مفسدون هم يأجوج ومأجوج، يهاجمون جيرانهم، فينهبون أموالهم، ويظلمونهم ظلمًا شديدًا؛ فاستغاث هؤلاء الضعفاء المظلومون بذي القرنين، وطلبوا منه أن يعينهم على إقامة سـد عظيم، يحول بينهم وبين يأجوج ومأجوج، {قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجًا على أن تجعل بيننا وبينهم سدًا} [الكهف: 94].

فطلب منهم ذو القرنين أن يتحدوا جميعًا، وأن يكونوا يدًا واحدة؛ لأن بناء السد يحتاج إلى مجهود عظيم، فعليهم أن يُنَقِّبُوا ويبحثوا في الصحراء والجبال، حتى يحضروا حديدًا كثيرًا لإقامة السد، قال تعالى: {قال ما مكني فيه خيرًا فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردمًا} [الكهف: 95]. وتعاون الناس جميعًا حتى جمعوا قدرًا عظيمًا من الحديد بلغ ارتفاعه طول الجبال، وصهروا هذا الحديد، وجعلوه سدَّا عظيمًا يحميهم من هؤلاء المفسدين.

*كان أول عمل قام به الرسول صلى الله عليه وسلم حينما هاجر إلى المدينة هو بناء المسجد، فتعاون الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى هيئوا المكان، وأحضروا الحجارة والنخيل التي تم بها بناء المسجد، فكانوا يدًا واحدة حتى تم لهم البناء.

وكان الصحابة يدًا واحدة في حروبهم مع الكفار، ففي غزوة الأحزاب اجتمع عليهم الكفار من كل مكان، وأحاطوا بالمدينة، فأشار سلمان الفارسي -رضي الله عنه- على النبي صلى الله عليه وسلم بحفر خندق عظيم حول المدينة، حتى لا يستطيع الكفار اقتحامه. وقام المسلمون جميعًا بحفر الخندق حتى أتموه، وفوجئ به المشركون، ونصر الله المسلمين على أعدائهم.

ما هو التعاون؟

التعاون هو مساعدة الناس بعضهم بعضًا في الحاجات وفعل الخيرات. وقد أمر الله -سبحانه- بالتعاون، فقال: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} [المائدة: 2].

فضل التعاون:

والتعاون من ضروريات الحياة؛ إذ لا يمكن للفرد أن يقوم بكل أعباء هذه الحياة منفردًا. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان معه فضل ظهر فلْيعُدْ به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فلْيعُدْ به على من لا زاد له)

[مسلم وأبو داود].

وحث النبي صلى الله عليه وسلم على معونة الخدم، فقال: (ولا تكلِّفوهم ما يغلبهم فإن كلَّفتموهم فأعينوهم) [متفق عليه].

والله -سبحانه- خير معين، فالمسلم يلجأ إلى ربه دائمًا يطلب منه النصرة والمعونة في جميع شئونه، ويبتهل إلى الله -سبحانه- في كل صلاة مستعينًا به، فيقول: {إياك نعبد وإياك نستعين} [الفاتحة: 5].

وقد جعل الله التعاون فطرة في جميع مخلوقاته، حتى في أصغرهم حجمًا، كالنحل والنمل وغيرها من الحشرات، فنرى هذه المخلوقات تتحد وتتعاون في جمع طعامها، وتتحد كذلك في صد أعدائها. والإنسان أولى بالتعاون لما ميزه الله به من عقل وفكر.

فضل التعاون:

حينما يتعاون المسلم مع أخيه يزيد جهدهما، فيصلا إلى الغرض بسرعة وإتقان؛ لأن التعاون يوفر في الوقت والجهد، وقد قيل في الحكمة المأثورة: المرء قليل بنفسه كثير بإخوانه.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) [مسلم].

وقال صلى الله عليه وسلم: (يد الله مع الجماعة) [الترمذي].

وقال صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضُه بعضًا)

[متفق عليه].

والمسلم إذا كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن يسَّر على معسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.

وقال صلى الله عليه وسلم: (وعَوْنُكَ الضعيفَ بِفَضْلِ قُوَّتِكَ صدقة) [أحمد].

التعاون المرفوض: نهى الله -تعالى- عن التعاون على الشر لما في ذلك من فساد كبير، فقال تعالى: {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} [المائدة: 2].

والمسلم إذا رأى أحدًا ارتكب معصية فعليه ألا يسخر منه، أو يستهزئ به، فيعين الشيطان بذلك عليه، وإنما الواجب عليه أن يأخذ بيده، وينصحه، ويُعَرِّفه الخطأ.

=======

التراحم والرحمة

الرحمة

دخل رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجده يقَبِّلُ حفيده

الحسن بن علي -رضي الله عنهما-، فتعجب الرجل، وقال: والله يا رسول الله إن لي عشرة من الأبناء ما قبَّلتُ أحدًا منهم أبدًا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لا يرْحم لا يرْحم) [متفق عليه].

*يحكي لنا النبي صلى الله عليه وسلم قصة رجل غفر الله له؛ لأنه سقى كلبًا عطشان، فيقول صلى الله عليه وسلم: (بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرًا فيها، فشرب، ثم خرج، فإذا كلب يلهث، يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ بي، فنزل البئر فملأ خُفَّهُ (حذاءه) بالماء، ثم أمسكه بفيه (بفمه)، فسقى الكلب، فشَكَرَ اللهُ له، فَغَفَر له).

فقال الصحابة: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم لأجرًا؟

قال: (في كل ذات كبد رطبة أجر (يقصد أن في سقي كل كائن حي ثوابًا) [البخاري].

*ما هي الرحمة؟

الرحمة هي الرقة والعطف والمغفرة. والمسلم رحيم القلب، يغيث الملهوف، ويصنع المعروف، ويعاون المحتاجين، ويعطف على الفقراء والمحرومين، ويمسح دموع اليتامى؛ فيحسن إليهم، ويدخل السرور عليهم.

ويقول الشاعر:

ارحم بُنَي جمـيــع الخـلـق كُلَّـهُـمُ

وانْظُرْ إليهــم بعين اللُّطْفِ والشَّفَقَةْ

وَقِّــرْ كبيـرَهم وارحم صغيـرهــم

ثم ارْعَ في كل خَلْق حقَّ مَنْ خَلَـقَـهْ

رحمة الله:

يقول الله تعالى: {كتب ربكم على نفسه الرحمة} [الأنعام: 54]. ويقول الله تعالى: {فالله خير حافظ وهو أرحم الراحمين} [يوسف: 64].

ونحن دائمًا نردد في أول أعمالنا: (بسم الله الرحمن الرحيم). ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لما خلق الله الخلق كتب عنده فوق عرشه: إن رحمتي سبقت غضبي) [متفق عليه].

فرحمة الله -سبحانه- واسعة، ولا يعلم مداها إلا هو، فهو القائل: {ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون} [الأعراف: 156]. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (جعل الله الرحمة مائة جزءٍ، فأمسك تسعة وتسعين، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق؛ حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه) [متفق عليه].

رحمة النبي صلى الله عليه وسلم:

الرحمة والشفقة من أبرز أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وصفه الله في القرآن الكريم بذلك، فقال تعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} [التوبة: 128]. وقال تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم: {وما أرسلناك إلا رحمة للعاملين} [الأنبياء: 107].

وقال تعالى: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك} [آل عمران: 159].

*وتحكي السيدة عائشة -رضي الله عنها- عن رحمة النبي صلى الله عليه وسلم، فتقول: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده خادمًا له قط ولا امرأة) [أحمد].

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقَبِّلُ ابنه إبراهيم عند وفاته وعيناه تذرفان بالدموع؛ فيتعجب عبدالرحمن بن عوف ويقول: وأنت يا رسول الله؟!

فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يابن عوف، إنها رحمة، إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون) [البخاري].

وكان صلى الله عليه وسلم يدخل في الصلاة، وهو ينوي إطالتها، فإذا سمع طفلاً يبكي سرعان ما يخففها إشفاقًا ورحمة على الطفل وأمه. قال صلى الله عليه وسلم: (إني لأدخل في الصلاة، فأريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي؛ فأتجوَّز لما أعلم من شدة وَجْدِ (حزن) أمه من بكائه) [متفق عليه].

رحمة البشر:

قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ارحم من في الأرض، يرحَمْك من في السماء) [الطبراني والحاكم]، وقال صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم؛ مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) [مسلم].

والمسلم رحيم في كل أموره؛ يعاون أخاه فيما عجز عنه؛ فيأخذ بيد الأعمى في الطرقات ليجنِّبه الخطر، ويرحم الخادم؛ بأن يحسن إليه، ويعامله معاملة كريمة، ويرحم والديه، بطاعتهما وبرهما والإحسان إليهما والتخفيف عنهما.

والمسلم يرحم نفسه، بأن يحميها مما يضرها في الدنيا والآخرة؛ فيبتعد عن المعاصي، ويتقرب إلى الله بالطاعات، ولا يقسو على نفسه بتحميلها ما لا تطيق، ويجتنب كل ما يضر الجسم من أمراض، فلا يؤذي جسده بالتدخين أو المخدرات... إلى غير ذلك. والمسلم يرحم الحيوان، فرحمة المسلم تشمل جميع المخلوقات بما في ذلك الحيوانات.

الغلظة والقسوة:

حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من الغلظة والقسوة، وعدَّ الذي لا يرحم الآخرين شقيا، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تُنْزَعُ الرحمةُ إلا من شَقِي)

[أبو داود والترمذي] وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يرحم اللهُ من لا يرحم الناس) [متفق عليه].

وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة دخلت النار من أجل قسوتها وغلظتها مع قطة، فيقول صلى الله عليه وسلم: (دخلت امرأة النار في هرة (قطة) ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعْها تأكل من خشاش الأرض (دوابها كالفئران والحشرات)) [متفق عليه]. فهذه المرأة قد انْتُزِعَت الرحمة من قلبها، فصارت شقية بتعذيبها للقطة المسكينة التي لا حول لها ولا قوة.

أما المسلم فهو أبعد ما يكون عن القسوة، وليس من أخلاقه أن يرى الجوعى ولا يطعمهم مع قدرته، أو يرى الملهوف ولا يغيثه وهو قادر، أو يرى اليتيم ولا يعطف عليه، ولا يدخل السرور على نفسه؛ لأنه يعلم أن من يتصف بذلك شقي ومحروم.

====

لأمل

يُحكى أن قائدًا هُزِمَ في إحدى المعارك، فسيطر اليأس عليه، وذهب عنه الأمل، فترك جنوده وذهب إلى مكان خال في الصحراء، وجلس إلى جوار صخرة كبيرة.

وبينما هو على تلك الحال، رأى نملة صغيرة تَجُرُّ حبة قمح، وتحاول أن تصعد بها إلى منزلها في أعلى الصخرة، ولما سارت بالحبة سقطت منها، فعادت النملة إلى حمل الحبة مرة أخري. وفي كل مرة، كانت تقع الحبة فتعود النملة لتلتقطها، وتحاول أن تصعد بها...وهكذا.

فأخذ القائد يراقب النملة باهتمام شديد، ويتابع محاولاتها في حمل الحبة مرات ومرات، حتى نجحت أخيرًا في الصعود بالحبة إلى مسكنها، فتعجب القائد المهزوم من هذا المنظر الغريب، ثم نهض القائد من مكانه وقد ملأه الأمل والعزيمة فجمع رجاله، وأعاد إليهم روح التفاؤل والإقدام، وأخذ يجهزهم لخوض معركة جديدة.. وبالفعل انتصر القائد على أعدائه، وكان سلاحه الأول هو الأمل وعدم اليأس، الذي استمده وتعلمه من تلك النملة الصغيرة.

*حكى الرسول صلى الله عليه وسلم لصحابته قصة رجل قتل تسعة وتسعين نَفْسًا، وأراد أن يتوب إلى الله -تعالى- فسأل أحد العباد الزهاد: هل تجوز لي التوبة؟ فأجابه ذلك العابد: لا. فاغتاظ الرجل وقتله وأكمل به المائة، وبعد أن قتله زادت حيرته وندمه، فسأل عالـمًا صالحًا: هل لي من توبة؟

فقال له: نعم تجوز لك التوبة،ولكن عليك أن تترك القرية التي تقيم فيها لسوء أهلها وتذهب إلى قرية أخرى أهلها صالحون؛ لكي تعبد الله معهم.

فخرج الرجل مهاجرًا من قريته إلى القرية الصالحة، عسى الله أن يتقبل توبته، لكنه مات في الطريق، ولم يصل إلى القرية الصالحة. فنزلت ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، واختلفوا فيما بينهم أيهم يأخذه، فأوحى الله إليهم أن يقيسوا المسافة التي مات عندها الرجل، فإن كان قريبًا إلى القرية الصالحة كتب في سجلات ملائكة الرحمة، وإلا فهو من نصيب ملائكة العذاب.

ثم أوحى الله -سبحانه- إلى الأرض التي بينه وبين القرية الصالحة أن تَقَارَبِي، وإلى الأخرى أن تَبَاعَدِي، فكان الرجل من نصيب ملائكة الرحمة، وقبل الله توبته؛ لأنه هاجر راجيًا رحمته سبحانه، وطامعًا في مغفرته ورحمته.

[القصة مأخوذة من حديث متفق عليه].

*ما هو الأمل؟

الأمل هو انشراح النفس في وقت الضيق والأزمات؛ بحيث ينتظر المرء الفرج واليسر لما أصابه، والأمل يدفع الإنسان إلى إنجاز ما فشل فـيه من قبل، ولا يمل حتى ينجح في تحقيقه.

الأمل عند الأنبياء:

الأمل والرجاء خلق من أخلاق الأنبياء، وهو الذي جعلهم يواصلون دعوة أقوامهم إلى الله دون يأس أو ضيق، برغم ما كانوا يلاقونه من إعراض ونفور وأذي؛ أملا في هدايتهم في مقتبل الأيام.

الأمل عند الرسول صلى الله عليه وسلم: كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا على هداية قومه، ولم ييأس يومًا من تحقيق ذلك وكان دائمًا يدعو ربه أن يهديهم، ويشرح صدورهم للإسلام.

وقد جاءه جبريل -عليه السلام- بعد رحلة الطائف الشاقة، وقال له: لقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك، إن شئتَ أطبقتُ عليهم الأخشبيْن (اسم جبلين)، فقال صلى الله عليه وسلم: (بل أرجو أن يُخْرِجَ الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا) [متفق عليه].

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم واثقًا في نصر الله له، وبدا ذلك واضحًا في رده على أبي بكر الصديق، أثناء وجودهما في الغار ومطاردة المشركين لهما، فقال له بكل ثقة وإيمان: {لا تحزن إن الله معنا} [التوبة: 40].

أمل نوح -عليه السلام-: ظل نبي الله نوح -عليه السلام- يدعو قومه إلى الإيمان بالله ألف سنة إلا خمسين عامًا، دون أن يمل أو يضجر أو يسأم، بل كان يدعوهم بالليل والنهار.. في السر والعلن.. فُرَادَى وجماعات.. لم يترك طريقًا من طرق الدعوة إلا سلكه معهم أملا في إيمانهم بالله: {قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهارًا . فلم يزدهم دعائي إلا فرارًا . وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارًا . ثم إني دعوتهم جهارًا . ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارًا} [نوح: 5-9].

فأوحى الله -تعالى- إليـه أنه لن يؤمن معه أحد إلا من اتبعه، فصنع السفينة، وأنجاه الله هو والمؤمنين.

أمل يعقوب -عليه السلام-: ابتلى الله -سبحانه- نبيه يعقوب -عليه السلام- بفقد ولديْه: يوسف وبنيامين، فحزن عليهما حزنًا شديدًا حتى فقد بصره، لكن يعقوب -عليه السلام- ظل صابرًا بقضاء الله، ولم ييأس من رجوع ولديه، وازداد أمله ورجاؤه في الله -سبحانه- أن يُعِيدَهما إليه، وطلب يعقوب -عليه السلام- من أبنائه الآخرين أن يبحثوا عنهما دون يأس أو قنوط، لأن الأمل بيد الله، فقال لهم: {يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} [يوسف: 87]، وحقق الله أمل يعقوب ورجاءه، وَرَدَّ عليه بصره وولديه.

أمل موسى -عليه السلام-: ظهر الأمل والثقة في نصر الله بصورة جليَّة في موقف نبي الله موسى -عليه السلام- مع قومه، حين طاردهم فرعون وجنوده، فظنوا أن فرعون سيدركهم، وشعروا باليأس حينما وجدوا فرعون على مقربة منهم، وليس أمامهم سوى البحر، فقالوا لموسى: {إنا لمدركون}

[الشعراء: 61].

فقال لهم نبي الله موسى -عليه السلام- في ثقة ويقين: {قال كلا إن معي ربي سيهدين} [الشعراء: 62]. فأمره الله -سبحانه- أن يضرب بعصاه البحر، فانشق نصفين، ومشى موسى وقومه، وعبروا البحر في أمان، ثم عاد البحر مرة أخرى كما كان، فغرق فرعون وجنوده، ونجا موسى ومن آمن معه.

أمل أيوب -عليه السلام-: ابتلى الله -سبحانه- نبيه أيوب -عليه السلام- في نفسه وماله وولده إلا أنه لم يفقد أمله في أن يرفع الله الضر عنه، وكان دائم الدعاء لله؛ يقول تعالى: {وأيوب إذ نادى ربه إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين} [الأنبياء: 83]. فلم يُخَيِّب الله أمله، فحقق رجاءه، وشفاه الله وعافاه، وعوَّضه عما فقده.

الأمل والعمل:

الأمل في الله ورجاء مغفرته يقترن دائمًا بالعمل لا بالكسل والتمني، قال تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا} [_الكهف: 110]. وقال عز وجل: {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم} [البقرة: 218].

فلا يقول الإنسان: إن عندي أملا في الله، وأُحسن الظن بالله، ثم بعد ذلك نراه لا يؤدي ما عليه تجاه الله من فروض وأوامر، ولا ينتهي عما نهى الله عنه، والذي يفعل ذلك إنما هو مخادع يضحك على نفسه.

روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حسن الظن من حسن العبادة) [أبوداود وأحمد].

فضل الأمل:

الأمل يدفع الإنسان دائمًا إلى العمل، ولولا الأمل لامتنع الإنسان عن مواصلة الحياة ومجابهة مصائبها وشدائدها، ولولاه لسيطر اليأس على قلبه، وأصبح يحرص على الموت، ولذلك قيل: اليأس سلم القبر، والأمل نور الحياة.

وقيل: لا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس.

وقال الشاعر:

لا خير في اليأس، كُلُّ الخير في الأمل

أَصْلُ الشجـاعـةِ والإقدام ِفي الرَّجُـلِ

والمسلم لا ييأس من رحمة الله؛ لأن الأمل في عفو الله هو الذي يدفع إلى التوبة واتباع صراط الله المستقيم، وقد حث الله -عز وجل- على ذلك، ونهى عن اليأس والقنوط من رحمته ومغفرته، فقال تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم} [الزمر: 53].

وإذا فعل المسلم ذنبًا فهو يسارع بالتوبة الصادقة إلى ربه، وكله أمل في عفو الله عنه وقَبُول توبته. والأمل طاقة يودعها الله في قلوب البشر؛ لتحثهم على تعمير الكون، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة (نخلة صغيرة)، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسَها فليْغرسْها) [أحمد].

وقال حكيم: لولا الأمل ما بنى بانٍ بنيانًا، ولا غرس غارس شجرًا.

ولولا الأمل لما تحققت كل الإنجازات التي وصلت إليها البشرية، وذلك لأن المخترع لم يتمكن من تحقيق إنجازه من أول مرة في أغلب الأحيان، وإنما حاول تحقيقه مرة بعد مرة دون يأس أو ملل، ولذلك قيل: الأمل يُنَمِّي الطموح والإرادة، واليأس يقتلهما.

فليحرص المسلم على الأمل في كل جوانب حياته، ولْيتمسك به تمسكه بالحياة، ولا يستسلم لليأس والقنوط أبدًا.

وقد قال الشاعر:

أُعَلِّلُ النَّفــْسَ بـالآمــال أَرْقُـبُــها

ما أَضْيَقَ الْعَيْـشَ لولا فُسْحَة الأمل

فالإنسان يصبر على ضيق العيش في الدنيا على أمل أن يفرج الله همومه، ويوسع عليه، ولولا ذلك لضاق الإنسان بمعيشته، يقول الله -سبحانه-: {ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} [يوسف: 87].

===========

التأني

بعث النبي صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى قبيلة بني المصطلق ليجمع منهم الزكاة وأموال الصدقات، فلما أبصروه قادمًا، أقبلوا نحوه لاستقباله؛ فظن الوليد أنهم أقبلوا نحوه ليقتلوه، وأنهم ارتدوا عن الإسلام. ورجع إلى المدينة دون أن يتبين حقيقة الأمر، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.

فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد -رضي الله عنه- ومعه جيش من المسلمين، وأمرهم بالتأني، وألا يتسرعوا في قتال بني المصطلق حتى يتبينوا حقيقة الأمر، فأرسل خالد إليهم بعض الرجال، ليعرف أحوالهم قبل أن يهاجمهم؛ فعاد الرجال، وهم يؤكدون أن بني المصطلق لا يزالون متمسكين بالإسلام وتعاليمه، وقد سمعوهم يؤذنون للصلاة ويقيمونها، فعاد خالد إلى النبي صلى الله عليه وسلم دون قتال، ليخبره أن بني المصطلق ما يزالون على إسلامهم.

ونزل قول الله -تعالى-: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} [الحجرات: 6].

*بعث الرسول صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد إلى أقوام رفضوا دعوة الإسلام، فحاربهم أسامة ومن معه حتى هزمهم، وفرَّ رجل منهم؛ فتبعه أسامة ورجل من الأنصار؛ ولـمَّـا اقتربا من هذا الرجل الفارِّ، وأوشكا على قتله. قال الرجل: لا إله إلا الله، فكف الأنصاري وتركه، أمَّا أسامة فظن أنَّه قال: لا إله إلا الله خوفًا من القتل، فطعنه برمحه، فقتله.

ولما قدموا المدينة بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ما حدث، فقال: (يا أسامة، أقتلتَه بعدما قال: لا إله إلا الله؟!). فأجاب أسامة: يا رسول الله، إنما كان متعوذًا (أي: قالها لينجو بها من القتل)؛ فكرر الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: (أقتلتَه بعدما قال لا إله إلا الله؟).

قال أسامة: فما زال يكررها، حتى تمنيتُ أني لم أكن أسلمتُ قبل ذلك اليوم. [مسلم].

*وقع سُهَيْل بن عمرو أسيرًا في أيدي المسلمين يوم بدر، وكان خطيبًا مفوَّهًا بليغًا، فأراد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن يقتلع أسنانه الأمامية حتى لا يخطُب في الكفار، ويحرِّض المشركين على القتال، فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم قائلا: دعني أنزع ثنيتي سهيل؛ فلا يقوم علينا خطيبًا؛ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (دعها؛ فلعلها أن تَسُرَّك يومًا).

وفي فتح مكة أسلم سهيل، وحسن إسلامه، ولما مات النبي صلى الله عليه وسلم أراد بعض أهل مكة أن يرتدوا عن الإسلام، فقام سهيل -رضي الله عنه- يخطب فيهم، ويذكرهم بالله، ويحثهم على الثبات، والتمسك بالدين، فسمعوا له وأطاعوا.

*ما هو التأني؟

التأني هو التَّثَبُّت والتمهُّل وعدم التعجُّل. والمسلم يحرص على التأني والتمهل في أموره كلها، فهو لا يهمل في عمله، وإنما يؤدي ما عليه بتأنٍّ وإخلاص وإتقان، وقد قال الإمام علي -رضي الله عنه-: لا تطلب سرعة العمل، واطلب تجويده، فإن الناس لا يسألون في كم فرغ، وإنما ينظرون إلى إتقانه وجودته.

والطالب يتأنى في مذاكرته، ويفهم دروسه جيدًا، وقد قال بعض الحكماء: من أسرع في الجواب حاد عن الصواب. وقال آخر: من تأنَّى نال ما تمنى.

والمسلم يخشع في عبادته، ويؤديها بتمهل وتأنٍّ وإتقان؛ فإن كان مصليَّا صلى في خضوع وخشوع لله رب العالمين، وإن كان يدعو ربه دعاه في تضرع وتذلل، يبدأ دعاءه بحمد الله وتمجيده، والصلاة على رسوله، فقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته، ولم يمجد الله -سبحانه- ولم يصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: (عَجِلْتَ أيها المصلي).

وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصلى فمجَّد الله وحمده، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له صلى الله عليه وسلم: (ادعُ تُجَبْ، وسل تُعْطَ) [النسائي].

وعلى المسلم ألا يتعجل إجابة الدعاء، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يُسْتَجَابُ لأحدكم ما لم يَعْجَل؛ يقول: دعوتُ، فلم يُسْتَجَبْ لي)

[متفق عليه].

فضل التأني:

قال صلى الله عليه وسلم: (السَّمْتُ الحسن والتؤدة والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءًا من النبوة) [الترمذي].

وقال صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة: (إنَّ فيك خصلتين يُحِبُّهُما الله: الحـلم، والأناة) [مسلم].

وقال صلى الله عليه وسلم: (الأناة من الله، والْعَجَلَةُ (التسرع في غير موضعه) من الشيطان) [الترمذي].

العجلة:

أمرنا الله -تعالى- بعدم الاستعجال؛ فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} [الأنبياء: 37].

وقيل: إن المُنْبَتَّ لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى (أي الرجل الذي يستعجل دابته؛ فيضربها لكي يصل سريعًا، فإنه باستعجاله لا يصل إلى مراده، ولا يريح دابته، وقد تهلك منه).

وقيل: من ركب الْعَجَلَ أدركه الزلل.

العجلة في الخيرات:

المسلم إذا أراد أن يفعل خيرًا، فإنه يقدم على فعله، ولا يتأخر، فإذا أراد أن يتصدق بصدقة، فعليه أن يسرع في إخراجها. كذلك إذا فعل طاعة معينة فعليه أن يبادر بها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (التُّؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة) [أبو داود].

كما أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بتعجيل الفطر عند الصيام؛ فقال: (لا يزال الناس بخير ما عَجَّلوُا الفطر) [متفق عليه].

ويتضح من هذا أنه ليس هناك تأنٍّ في فعل الخيرات، والدخول فيها، قال تعالى: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين} [آل عمران: 133].

وهنا تكون العجلة في سبيل الفوز بالجنة، أما ما سوى ذلك من أمور الدنيا، فالمسلم يتأنى فيها ويتمهل.

=========

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

أيها الإخوة الكرام، من ألزم لوازم الإيمان التوبة إلى الله، ذلك لأن المؤمن مذنب تواب، بمعنى أن الله سبحانه وتعالى أودع في كيانه شيئاً من الأرض، وشيئاً من السماء ، فركب من شهوة وعقل، فحينما تسمو شهوته على عقله يحتاج إلى التوبة، وحينما يسمو عقله على شهوته يحتاج إلى الشكر، ولو تصورنا ديناً من دون توبة لوجدت تسعة وتسعين بالمئة من الناس إلى النار، لأنه إذا ارتكب الإنسان ذنباً بحسب ما أودع الله فيه من شهوات، وباب التوبة مغلق، فحينما ييئس من التوبة يرتكب أكبر الآثام، لذلك أرجى آية في القرآن الكريم:

﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً﴾

(سورة الزمر)

وليس أبلغ من كلام النبي صلى الله عليه وسلم حينما ذكر لنا قصة أعرابي ارتحل ناقته، وعليها طعامه وشرابه ليقطع بها مفازة خطيرة، في منتصف المفازة الصحراء جلس ليستريح أخذته سنة من النوم، استيقظ فلم يجد الناقة، أيقن مئة بالمئة أنه هالك لا محالة، فبكى، ثم بكى، حتى أدركته سنة من النوم أخرى، فاستيقظ، فرأى الناقة فاختل توازنه، من شدة الفرح قال: يا رب، أنا ربك، وأنت عبدي، هل هناك من صورة أبلغ ردت إليه روحه.

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ أَضَلَّ رَاحِلَتَهُ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ فَالْتَمَسَهَا حَتَّى إِذَا أَعْيَى تَسَجَّى بِثَوْبِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ سَمِعَ وَجْبَةَ الرَّاحِلَةِ حَيْثُ فَقَدَهَا، فَكَشَفَ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ، فَإِذَا هُوَ بِرَاحِلَتِهِ ))

(سنن ابن ماجة)

مهما بلغت ذنوبك لو بلغت عنان السماء، ثم جئته تائباً غفرها لك ولا يبالي، باب التوبة مفتوح على مصارعه، لكن لئلا نقع في أوهام قاتلة الله عز وجل في أكثر من خمس آيات، ولعلها ثمانية آيات يقول:

﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110)

(سورة النحل)

غفور إذا أقلعت عن الذنب فوراً، وإذا ندمت، وأصلحت، وإذا عزمت على ألاّ تقع في الذنب:

﴿إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110)

ولو تتبعتم آيات التوبة:

﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)

(سورة الحجر)

﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54)

التوبة مقبولة بشرط أن الإقلاع الفوري عن الذنب.

ثانياً: العزم على ألاّ أعود إليه.

ثالثاً: الإصلاح فيما مضى، في حقوق تجاوزات ديون هذه كلها ينبغي أن تؤدى، لذلك العلماء وجدوا أن للتوبة أركان ثلاثة: الركن الأول العلم، والثاني الحال، والثالث: العمل، في ركن علمي، وركن نفسي، وركن سلوكي، العلم ما لم تطلب العلم لا تكتشف أخطاءك، تجد الإنسان غارقًا في المعاصي الكبرى الصارخة، كالقتل، والسرقة، والزنى معروفة، لكن في التعامل اليومي قد يقع في الربا، وهو لا يشعر.

أوضح مثل: يأتيك من يقول: هل تشاركني في شراء هذا البيت ولك أجرة ؟ جيد !! البيت ثمنه عشرة ملايين، ومطلوب منك خمسة ملايين، ولهذا البيت أجرة، فأنت كلمة أجرة وشريك كلها كلمات شرعية، أنت حينما تريد مبلغك بالتمام والكمال بعد حين فهذا الذي أخذته أجراً يعد ربا، أما إذا كان الموضوع مفتوحًا بعد سنتين الأسعار هبطت، أو ارتفعت، إذا كان يمكن أن يقيم البيت تقييمًا جديدًا بعد سنتين هذه أجرة، الغرم بالغنم، أما إذا كنت ضامناً لمالك مئة في المئة، ولا علاقة لك بهبوط الأسعار أو بارتفاعها، ولا بالكوارث لو استملك البيت فأنت تردي خمسة ملايين، هذا هو الربا بعينه، فلذلك من دخل السوق من دون فقه أكل الربا، شاء أم أبى، فمتى تكتشف أخطاءك ؟ حينما تطلب العلم، وأوضح مثل: لو كلفنا إنسانًا ضعيفًا في اللغة العربية أن يفحص طالبًا في هذه المادة، وقال: اقرأ هذه الصفحة - الذي قرأ الصفحة ارتكب ثمانية وعشرين خطأ، لأن الفاحص ضعيف في اللغة يقول له: جيد، علامة تامة، أما الخبير باللغة فيكشف الأخطاء، ما لم تكن خبيراً في الأمر والنهي فلا تعرف ما إذا كنت عاصياً أو مطيعاً، البيوع فيها منزلقات، الشراء فيه منزلقات، واستثمار المال العلاقات الاجتماعية.

فلذلك أيها الإخوة، قضية التوبة تحتاج إلى علم.

أوضحُ مثلٍ، هناك أمراض لا أعراض لها أبداً مثل كالضغط، وفي حالات نادرة فيها أعراض في الرأس، أما الضغط قد يرتفع لاثنين وعشرين، وثلاثة وعشرين، وثمانية وعشرين، وأنت لا تشعر، أقول لك: متى تعالج نفسك من ارتفاع الضغط ؟ حينما تعلم أنه معك ضغط مرتفع، ومتى تتوب من ذنب ؟ حينما تعلم أنه ذنب، فإن لم تعلم أنه ذنب لن تتوب منه.

لذلك لا يمكن لإنسان أن يحقق التوبة، والله عز وجل يقول:

﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾

(سورة النساء)

إلا إذا عرفت ما لك وما عليك، أزواج كثيرون يرتكبون بحق زوجاتهم أخطاء كبيرة جداً قد يقول لك أنا لا أعلم لك حق وعليم واجب ‍!

ارتكبت مرة في أميركا جريمة، في أثناء التحقيق والمحاكمة قالت امرأة: هو أناني، ينصرف قبل أن أقضي حاجتي، فحقدت عليه إلى أن قتلته، فهناك قضايا حتى في العلاقات الزوجية، حتى في تربية الأولاد، حتى في كسب الأموال، وإنفاقها، والعلاقات العامة، وفي علاقتك مع الله عز وجل الإنسان من دون علم كائن يخبط خبط عشواء، أكثر الناس قد يترك صلاته، يقول: العمل عبادة، أليس كذلك ؟ !!! يتلبس، العمل عبادة، ينبغي أن تكون الصلوات الخمس الأولوية في عملك، فمن أجل عمل قد يتعامل بمادة محرمة، وهو لا يدري لذلك التوبة تحتاج إلى علم، حينما تجلس في المسجد على ركبتيك تتعلم الأحكام، هذا وقت مستثمر، وليس مستهلكاً، لأن أقل خطأ مع الله مدمِّر، الله عز وجل يعاقب الإنسان بجهله فقط، في القانون يقال: لا جهل في القانون، والمغفل لا يحميه القانون، فلذلك: ما لم تطلب العلم فلن تكتشف أخطاءك، فالتوبة تحتاج إلى علم، الآن تحتاج إلى حال، عَنِ ابْنِ مَعْقِلٍ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى عَبْدِ اللَّهِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( النَّدَمُ تَوْبَةٌ ))

(سنن ابن ماجة)

بالضبط، وأنت تمشي في بستان وجدت ثعبانًا، لو أنك لم تقلق إطلاقاً، وبقيت هادئًا ومرتاحًا، تترنم ببعض الأبيات، معنى ذلك أنك لم ترَ الثعبان إطلاقاً، لو رأيته لخرجت من جلدك، وصرخت لوليت هارباً، فإنسان يعرف أنه مذنب، ومع الذنب عقاب، وهو مرتاح هذا مستحيل، فأنت حينما ترى الثعبان فهناك ثلاث حالات، حالة إدراك، وحالة اضطراب، وحالة سلوك، إن أدركت أنه ثعبان تشعر بخوف واضطراب شديدين، هذا الخوف والاضطراب يحملك على أن تغادر، وتبتعد عنه كثيراً، لذلك قالوا: الإنسان في تعامله مع المحيط الخارجي يحكمه قانون إدراك انفعال سلوك.

يوجد مثل آخر أستخدمه للتوضيح: واحد قال لك: على كتفك من الجهة الخلفية عقرب ! فنبهك أنت بقيت هادئًا جداً، والتفت نحوه، وابتسمت وقلت له: أنا شاكر لك لهذه الملاحظة، وأسأل الله جل جلاله أن يعينني على أن أشكرك عليها في المستقبل !! معنى ذلك أنه ما سمع ما قلت له إطلاقاً، لو أنه فهم ما قلت لاضطرب، وقفز، وخلع معطفه، وصرخ أحياناً فما لم تنفعل لمعصية فأنت لا تعرف أبعاد هذه المعصية.

تجده يتعامل بالربا وهو مرتاح، هذا لم يقرأ القرآن:

﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾

(سورة البقرة)

ولا يعلم أن المرابي ماله ينتهي إلى المحق.

﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾

(سورة البقرة)

أخ في بلد آخر له محل تجاري في أوجه شارع، لا يوجد أعلى من هذا المستوى، أخذ قروضًا، فلما تراكمت الفوائد اضطر أن يبيع المحل ليسدد هذه الفوائد، الله عز وجل قال:

﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾

فأنت ما لم تعلم حقائق الشرع لا تكتشف الخطأ، فإذا اكتشفت الخطأ، وأنت مؤمن بالله مؤمن بوعده ووعيده ينبغي أن تضطرب، لذلك النبي الكريم اختصر موضوع التوبة بكلمة واحدة قال:

(( النَّدَمُ تَوْبَةٌ ))

فالعلماء شرحوا ذلك فقالوا: الندم لا بد أن يسبقه علم، ولا بد من أن يعقبه عمل، علم وعمل، والإنسان حينما يتوب من ذنبه، ولا أبالغ أنه يشعر كأن جبالاً أزيحت عن صدره، لذلك حال التائب حال لا يصدق من الفرح، هو خفيف، إلا أنه حينما تقع في الذنب مرة ثانية نقول لك: أن تتوب مرة ثانية، لكن التوبة الثانية أصعب، والثالثة أصعب وأصعب، فكلما تكرر الذنب نفسه وجد صعوبة الإنسان في التوبة.

لذلك في المرة الثانية يفضل أن تدعم التوبة بصدقة،

((اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحوها وخالق الناس بخلق حسن ))

فلا بد من دعم التوبة الثانية بعمل طيب، من صدقة أو صيام أو خدمة، لكن يجب أن تعلم أن الله سبحانه وتعالى يحب أن يتوب علينا.

﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾

ويجب أن تعلم ثانية أن الله يحب التوابين، أنت حينما تتوب فأنت حبيب الله، وما لنا غير الله شئنا أم أبينا.

مرة ثانية، وثالثة، ورابعة، للمليون، لكن من باب التناصح كل مرة إذا أذنبتَ الذنب نفسه كانت التوبة أصعب من التي تسبقها، لكن بالنهاية لا بد من أن نتوب، وليس لنا إلا الله.

أيها ا لإخوة: مرة ثانية أوجه هذه الملاحظة: لو أن إنسانا ما أعجبه صيامه، وكان صيامه دون طموحه ماذا يفعل ؟ نقول له : العام كله رمضان، استأنف التوبة، لذلك في مدارج السالكين هناك منزلة اسمها استئناف التوبة، التوبة ليست مرة واحدة، المؤمن مذنب تواب، كلما زلت قدمه تاب إلى الله عز وجل، والله عز وجل يعلم ما إذا كان هذا الذنب سببه غفلة، وغلبة، أو كبر، وعناد، الذي يرتكب المعاصي كبراً وعناداً، والذي يستنكف أن يعبد الله، ويأبى أن يعبد الله هذا إنسان لا توبة له، أما حينما يغلب عليك شيء، تغلبك الشهوة، ثم تستغفر، وتتوب تشعر أن الطريق لله سالك، وأن الله سيقبله.

أيها الإخوة الكرام: الندم توبة، والمؤمن مذنب تواب.

﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾

﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ﴾

(( لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ أَضَلَّ رَاحِلَتَهُ ))

والحمد لله رب العالمين = ==

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دليلك إلى المواقع الإسلامية المنتقاة بأكثر من ( 42 ) لغة !!

دليلك إلى المواقع الإسلامية المنتقاة بأكثر من ( 42 ) لغة !! اللغة الرابط اللغة الأذرية http://www.islamhouse.com/s/9357 ...