.

Translate ابودي

الخميس، 11 مايو 2023

ج5. وج6.الفروق أو أنوار البروق في أنواء الفروق

 

    ج5. وج6.الفروق أو أنوار البروق في أنواء الفروق (مع الهوامش )
    أبو العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي
    سنة الولادة بلا/ سنة الوفاة 684هـ
    ليس بمناف للأمان والتأمين وهو عظيم المفسدة فهو كالكبيرة بالنسبة إلى الإسلام كالحرابة والسرقة وإلى ما هو كالصغيرة بالنسبة إلى الإسلام كسب المسلم وإظهار الترفع عليه فكما أن هذين القسمين لا ينافيان الإسلام ولا يبطلان عصمة الدماء والأموال فكذلك لا يبطلان عقد الجزية لعدم منافاتهما له من جهة الأمن والأمان المقصودين من عقد الجزية والقاعدة الشرعية المشهورة في أبواب العقود الشرعية أنها لا تبطل عقدا من العقود إلا بما ينافي مقصود ذلك العقد دون ما لا ينافي مقصوده وإن كان منهيا عن مقارنته معه فكذلك هنا ينبغي أن لا يبطل عقد الجزية إلا بما تقدم ونحوه وانقسمت هذه الشروط على هذه الطريقة التي هي طريقة الجمهور إلى ثلاثة أقسام منها ما اتفقوا على أنه موجب لمنافاة عقد الذمة كالخروج على السلطان ونبذ العهد والقتل والقتال بمفردهم أو مع الأعداء ونحو ذلك ومنها ما اتفقوا على أنه لا ينافيه كترك الزناد وركوب الخيل وترك ضيافة المسلمين ونقش خواتمهم بالعربية ونحو ذلك مما تخف مفسدته والقسم الثالث اختلف فيه هل يلحق بالقسم الأول فينتقض عقد الجزية أو بالقسم الثاني فلا ينتقض وها أنا أسرد لك مسائل توضح لك هذه الأقسام قال الأصحاب إذا أظهروا معتقدهم في المسيح عليه السلام أو غيره أدبناهم ولا ينقض به العهد وإنما ينقض بالقتال ومنع الجزية والتمرد على الأحكام وإكراه المسلمة على الزنا فإن أسلم لم يقتل لأن قتله لنقض العهد وكذلك
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    القسم الأول ما اتفقوا على أنه موجب لمنافاة عقد الذمة كالخروج على السلطان ونبذ العهد والقتل والقتال بمفردهم أو مع الأعداء ونحو ذلك قال في المدونة فإن خرجوا نقضا للعهد والإمام عادل فهم فيء كما فعل عمرو بن العاص بالإسكندرية لما عصت عليه بعد الفتح قال ابن القاسم إن كان خروجهم وامتناعهم من الجزية الظلم من الإمام أو غيره ردوا إلى ذمتهم
    وقال الداودي إن كان خروجهم من ظلم فهو نقض لأنهم لم يعاهدوا على أن يظلموا من ظلمهم وروي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه أخبر أن ذميا نخس بغلا عليه مسلمة فوقعت فانكشفت عورتها فأمر بصلبه في في ذلك الموضع وقال إنما عاهدناهم على إعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون قال ابن القاسم إذا حارب أهل الذمة وظفر بهم والإمام عدل قتلوا وتسبى نساؤهم ولا نتعرض لمن يظن أنه مغلوب معهم كالشيخ الكبير والضعيف ولو ذهبوا لبلد الحرب وتركوا أولادهم نقضا للعهد لم يسبوا بخلاف ما إذا ذهبوا بهم إلا أن يكون ذلك لظلم أصابهم إلا أن يعينوا علينا المشركين فهم كالمحاربين وقال أيضا إذا حاربوا والإمام عدل استحل سبيهم وذراريهم إلا من يظن به أنه مغلوب كالضعفاء ولم يستثن أصبغ رحمه الله أحدا وألحق الضعفاء بالأقوياء في النقض كما اندرجوا معهم في النقد ولأنه صلى الله عليه وسلم سبى ذراري قريظة ونساءهم بعد نقض العهد قال ابن القاسم إذا استولى العدو على مدينة للمسلمين فيها ذمة فغزوا معهم ثم اعتذروا لنا بالقهر الذي لا يعلم إلا بقولهم فمن قتل منهم مسلما قتل وإلا أطيل سجنه
    ____________________
    (3/26)
    التطلع على عورات المسلمين وأما قطع الطريق والقتل الموجب للقصاص فحكمهم فيه حكم المسلمين وتعرضهم له صلى الله عليه وسلم ولغيره من الأنبياء صلوات الله عليهم موجب للقتل إلا أن يسلموا وروي يوجع أدبا ويشدد به
    فإن رجع عن ذلك قبل منه قال اللخمي إن زنى بالمسلمة طوعا لم ينتقض عهده عند مالك رضي الله عنه وانتقض عند ربيعة وابن وهب
    وإن غرها بأنه مسلم فتزوجها فهو نقض عند ابن نافع وإن علمت به لم يكن نقضا وإن طاوعته الأمة لم يكن نقضا وإن اغتصبها قال محمد ليس بنقض وقيل نقض
    قال فإن عوهد على أنه متى أتى بشيء من ذلك فهو نقض انتقض عهده بذلك قلت وهذه الفروع بعضها أقرب من بعض للقاعدة في النقض فإكراه المرأة المسلمة على الزنا وجعله ناقضا دون الحرابة مشكل بل ينبغي أن يلحق بالحرابة فلا ينتقض أو تلحق الحرابة به فينتقض بطريق الأولى لعموم مفسدة الحرابة في النفوس والأبضاع والأموال وعدم اختصاص ذلك بواحد من الناس قال في الكتاب فإن خرجوا نقضا للعهد والإمام عادل فهم فيء كما فعل عمرو بن العاص بالإسكندرية لما عصت عليه بعد الفتح قال التونسي من أصحابنا لم يجعل مالك رحمه الله القتل في الحرابة نقضا وهو يقول غصب المسلمة على الوطء نقض قال وهو مشكل إلا أن يكون العهد اقتضاه قال ابن القاسم إن كان خروجهم وامتناعهم من الجزية لظلم من الإمام أو غيره ردوا إلى
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    قال المازري رحمه الله وينتقض عهدهم إذا صاروا عونا للحربيين علينا القسم الثاني ما اتفقوا على أنه لا ينافي عقد الذمة كترك الزنا وركوب الخيل وترك ضيافة المسلمين ونقش خواتيمهم بالعربية ونحو ذلك مما تخف مفسدته ففي الأصل عن الأصحاب إذا أظهروا معتقدهم في المسيح عليه السلام أو غيره أدبناهم ولا ينقض به العهد وإن حكمهم في القتل الموجب للقصاص القسم الثالث ما اختلفوا في كونه هل يلحق بالقسم الأول فينتقض به عقد الجزية أو بالقسم الثاني فلا ينتقض به عقد الجزية كإكراه المسلمة على الزنا وقطع الطريق وتعرضهم له صلى الله عليه وسلم ولغيره من الأنبياء صلوات الله عليهم ونحو ذلك مما عظمت مفسدته ففي الأصل عن الأصحاب وإنما ينقض بالقتال ومنع الجزية والتمرد على الأحكام والتطلع على عورات المسلمين وإكراه المسلمة على الزنا
    وأما قطع الطريق فحكمهم فيه حكم المسلمين وتعرضهم له صلى الله عليه وسلم ولغيره من الأنبياء صلوات الله عليهم موجب للقتل إلا أن يسلموا وروي يوجع أدبا ويشد ذنبه فإن رجع عن ذلك قبل منه وقال اللخمي إن زنى بالمسلمة طوعا لم ينتقض عهده عند مالك رضي الله عنه وانتقض عند ربيعة وابن وهب وإن غرها بأنه مسلم فتزوجها فهو نقض عند ابن نافع وإن علمت به لم يكن نقضا وإن طاوعته الأمة لم يكن نقضا وإن اغتصبها قال محمد ليس بنقض وقيل نقض قال فإن عوهد على أنه متى أتى بشيء من ذلك فهو نقض انتقض عهده بذلك قال الأصل وهذه
    ____________________
    (3/27)
    ذمتهم
    وقال محمد بن مسلمة حرابة الذمي نقض للعهد ولا يؤخذ ولده لبقاء العهد في حقه بخلاف ماله إلا أن يكون من الحرابة وقال الداودي إن كان خروجهم من ظلم فهو نقض لأنهم لم يعاهدوا على أن يظلموا من ظلمهم وروي عن عمر رضي الله عنه أنه أخبر أن ذميا نخس بغلا عليه مسلمة فوقعت فانكشفت عورتها فأمر بصلبه في ذلك الموضع وقال إنما عاهدناهم على إعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون وروي عن عمر رضي الله عنه نقض العهد بغصب المسلمة قال ابن القاسم إذا حارب أهل الذمة وظفر بهم والإمام عدل قتلوا وتسبى نساؤهم ولا تعرض لمن يظن أنه مغلوب معهم كالشيخ الكبير والضعيف ولو ذهبوا لبلد الحرب وتركوا أولادهم نقضا للعهد لم يسبوا بخلاف إذا ذهبوا بهم وإلا أن يكون ذلك لظلم أصابهم إلا أن يعينوا علينا المشركين فهم كالمحاربين وقال أيضا إذا حاربوا والإمام عدل استحل سبيهم وذراريهم إلا من يظن به أنه مغلوب كالضعفاء
    ولم يستثن أصبغ رحمه الله أحدا وألحق الضعفاء بالأقوياء في النقض كما أندرجوا معهم في العقد ولأنه صلى الله عليه وسلم سبى ذراري قريظة ونساءهم بعد نقض العهد قال ابن القاسم إذا استولى العدو على مدينة المسلمين فيها ذمة فغزوا معهم ثم اعتذروا لنا بالقهر الذي لا يعلم إلا بقولهم فمن قتل منهم مسلما قتل وإلا أطيل سجنه قال المازري رحمه الله وينتقض عهدهم إذا صاروا عينا للحربيين علينا فهذه المسائل توضح لك الأقسام الثلاثة في نقض العهد وما اختلف في كونه ناقضا وما لم يختلف فيه وما هو قريب من النقض وما هو بعيد وتحرر لك بذلك الفرق بين قاعدة ما يوجب النقض وقاعدة ما لا يوجب النقض فتعتبر ما يقع لك من غير المنصوص بالمنصوص
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الفروع بعضها أقرب من بعض للقاعدة في النقض فإكراه المرأة المسلمة على الزنا وجعله ناقضا دون الحرابة مشكل بل ينبغي أن يلحق بالحرابة فلا ينتقض أو تلحق الحرابة فيه فينتقض بطريق الأولى لعموم مفسدة الحرابة في النفوس والأبضاع والأموال وعدم اختصاص ذلك بواحد من الناس
    ا ه فإذا علمت هذه الأقسام الثلاثة وتوضحت عندك مسائلها ظهر لك تحرير الفرق بين قاعدة ما يوجب النقض وقاعدة ما لا يوجبه فتعتبر ما يقع لك من غير المنصوص بالمنصوص والله سبحانه وتعالى أعلم
    ____________________
    (3/28)
    الفرق التاسع عشر والمائة بين قاعدة بر أهل الذمة وبين قاعدة التودد لهم اعلم أن الله تعالى منع من التودد لأهل الذمة بقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق الآية فمنع الموالاة والتودد وقال في الآية الأخرى لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم الآية وقال في حق الفريق الآخر إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين الآية
    وقال صلى الله عليه وسلم استوصوا بأهل الذمة خيرا وقال في حديث آخر استوصوا بالقبط خيرا فلا بد من الجمع بين هذه النصوص وإن الإحسان لأهل الذمة مطلوب وأن التودد والموالاة منهي عنهما والبابان ملتبسان فيحتاجان إلى الفرق وسر الفرق أن عقد الذمة يوجب حقوقا علينا لهم لأنهم في جوارنا وفي خفارتنا وذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم ودين الإسلام فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء أو غيبة في عرض أحدهم أو نوع من أنواع الأذية أو أعان على ذلك فقد ضيع ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم وذمة دين الإسلام
    وكذلك حكى ابن حزم في مراتب الإجماع له أن من كان في الذمة وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح ونموت دون ذلك صونا لمن
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الفرق التاسع عشر والمائة بين قاعدة بر أهل الذمة وبين قاعدة التودد لهم من حيث إن برهم والإحسان إليهم مأمور به لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم الآية وقال صلى الله عليه وسلم استوصوا بأهل الذمة خيرا وقال في حديث آخر استوصوا بالقبط خيرا وودهم وتوليهم منهي عنه قال تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق الآية
    وقال عز من قائل إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين الآية حتى احتيج للجمع بين هذه النصوص بما هو من الفرق بين قاعدتي برهم والتودد لهم من أن عقد الذمة لما كان عقدا عظيما فيوجب علينا حقوقا لهم منها ما حكى ابن حزم في مراتب الإجماع ونجعلهم في جوارنا وفي حق ربنا وفي ذمة الله تعالى وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذمة دين الإسلام ا ه
    والذي إجماع الأمة عليه أن من كان في الذمة وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح ونموت دون ذلك صونا لمن هو في ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة ومنها أن من اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء أو غيبة في عرض أحدهم أو نوع من أنواع الأذية أو أعان على ذلك فقد ضيع ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم وذمة دين الإسلام تعين علينا أن نبرهم بكل أمر لا يؤدي إلى أحد الأمرين أحدهما ما يدل ظاهره على مودات القلوب وثانيهما ما يدل ظاهره على تعظيم شعائر الكفر وذلك كالرفق بضعيفهم وسد
    ____________________
    (3/29)
    هو في ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة وحكى في ذلك إجماع الأمة فقد يؤدي إلى إتلاف النفوس والأموال صونا لمقتضاه عن الضياع إنه لعظيم وإذا كان عقد الذمة بهذه المثابة وتعين علينا أن نبرهم بكل أمر لا يكون ظاهره يدل على مودات القلوب ولا تعظيم شعائر الكفر فمتى أدى إلى أحد هذين امتنع وصار من قبل ما نهي عنه في الآية وغيرها ويتضح ذلك بالمثل فإخلاء المجالس لهم عند قدومهم علينا والقيام لهم حينئذ ونداؤهم بالأسماء العظيمة الموجبة لرفع شأن المنادى بها هذا كله حرام وكذلك إذا تلاقينا معهم في الطريق وأخلينا لهم واسعها ورحبها والسهل منها وتركنا أنفسنا في خسيسها وحزنها وضيقها كما جرت العادة أن يفعل ذلك المرء مع الرئيس والولد مع الوالد والحقير مع الشريف فإن هذا ممنوع لما فيه من تعظيم شعائر الكفر وتحقير شعائر الله تعالى وشعائر دينه واحتقار أهله
    ومن ذلك تمكينهم من الولايات والتصرف في الأمور الموجبة لقهر من هي عليه أو ظهور العلو وسلطان المطالبة فذلك كله ممنوع وإن كان في غاية الرفق والأناة أيضا لأن الرفق والأناة في هذا الباب نوع من الرئاسة والسيادة وعلو المنزلة في المكارم فهي درجة رفيعة أوصلناهم إليها وعظمناهم بسببها ورفعنا قدرهم بإيثارها وذلك كله منهي عنه
    وكذلك لا يكون المسلم عندهم خادما ولا أجيرا يؤمر عليه وينهى ولا يكون أحد منهم وكيلا في المحاكمات على المسلمين عند ولاة الأمور فإن
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    خلة فقيرهم وإطعام جائعهم وإكساء عاريهم ولين القول لهم على سبيل اللطف لهم والرحمة لا على سبيل الخوف والذلة واحتمال أذيتهم في الجوار مع القدرة على إزالته لطفا منا بهم لا خوفا وتعظيما والدعاء لهم بالهداية وأن يجعلوا من أهل السعادة ونصيحتهم في جميع أمورهم في دينهم ودنياهم وحفظ غيبتهم إذا تعرض أحد لأذيتهم وصون أموالهم وعيالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم ومصالحهم وأن يعانوا على دفع الظلم عنهم وإيصالهم لجميع حقوقهم وكل خير يحسن من الأعلى مع الأسفل أن يفعله ومن العدو أن يفعله مع عدوه فإن ذلك من مكارم الأخلاق
    إلا أنه ينبغي أن يكون لا على وجه التعظيم لهم وتحقير أنفسنا بذلك الصنيع لهم بل امتثالا منا لأمر ربنا عز وجل وأمر نبينا صلى الله عليه وسلم مع كوننا نستحضر في قلوبنا ما جبلوا عليه من بغضنا وتكذيب نبينا صلى الله عليه وسلم وأنهم لو قدروا علينا لاستأصلوا شأفتنا واستولوا على دمائنا وأموالنا وأنهم من أشد العصاة لربنا ومالكنا عز وجل ليمنعنا ذلك الاستحضار من الود الباطن لهم المحرم علينا خاصة لا لأن نظهر آثار تلك الأمور التي نستحضرها في قلوبنا من صفاتهم الذميمة لأن عقد العهد يمنعنا من ذلك كما هو محمل الآية الأولى والحديثين
    أما برنا لهم بما يؤدي إلى أحد الأمرين المذكورين كإخلاء المجالس لهم عند قدومهم علينا والقيام لهم حينئذ وندائهم بالأسماء العظيمة الموجبة لرفع شأن المنادى بها وكإخلائنا لهم أوسع الطرق إذا تلاقينا معهم ورحبها والسهل منها وتركنا أنفسنا في خسيسها وحزنها وضيقها ونحو ذلك مما جرت العادة أن يفعله المرء مع الرئيس والولد مع الوالد والحقير مع الشريف وكتمكينهم من الولايات والتصرف في الأمور الموجبة لقهر من هي عليه أو ظهور العلو وسلطان المطالبة وإن كانوا في غاية الأناة والرفق لأن الرفق والأناة في هذا الباب نوع من الرئاسة والسيادة وعلو
    ____________________
    (3/30)
    ذلك أيضا إثبات لسلطانهم على ذلك المسلم
    وأما ما أمر به من برهم ومن غير مودة باطنية فالرفق بضعيفهم وسد خلة فقيرهم وإطعام جائعهم وإكساء عاريهم ولين القول لهم على سبيل اللطف لهم والرحمة لا على سبيل الخوف والذلة واحتمال إذايتهم في الجوار مع القدرة على إزالته لطفا منا بهم لا خوفا وتعظيما والدعاء لهم بالهداية وأن يجعلوا من أهل السعادة ونصيحتهم في جميع أمورهم في دينهم ودنياهم وحفظ غيبتهم إذا تعرض أحد لأذيتهم وصون أموالهم وعيالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم ومصالحهم وأن يعانوا على دفع الظلم عنهم وإيصالهم لجميع حقوقهم وكل خير يحسن من الأعلى مع الأسفل أن يفعله ومن العدو أن يفعله مع عدوه فإن ذلك من مكارم الأخلاق فجميع ما نفعله معهم من ذلك ينبغي أن يكون من هذا القبيل لا على وجه العزة والجلالة منا ولا على وجه التعظيم لهم وتحقير أنفسنا بذلك الصنيع لهم وينبغي لنا أن نستحضر في قلوبنا ما جبلوا عليه من بغضنا وتكذيب نبينا صلى الله عليه وسلم وأنهم لو قدروا علينا لاستأصلوا شأفتنا واستولوا على دمائنا وأموالنا وأنهم من أشد العصاة لربنا ومالكنا عز وجل ثم نعاملهم بعد ذلك بما تقدم ذكره امتثالا لأمر ربنا عز وجل وأمر نبينا صلى الله عليه وسلم لا محبة فيهم ولا تعظيما لهم ولا نظهر آثار تلك الأمور التي نستحضرها في قلوبنا من صفاتهم الذميمة لأن عقد العهد يمنعنا من ذلك فنستحضرها حتى يمنعنا من الود الباطن لهم والمحرم علينا خاصة ولما أتى الشيخ أبو
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    المنزلة من المكارم فهي درجة رفيعة أوصلناهم إليها وعظمناهم بسببها ورفعنا قدرهم بإيثارهم بها وكأن يكون المسلم خادما عندهم أو أجيرا يؤمر عليه وينهى أو يكون أحد منهم وكيلا في المحاكمات على المسلمين عند ولاة الأمور فإن ذلك أيضا إثبات لسلطانهم على ذلك المسلم فهذا كله حرام وهو محمل النهي في الآية الثانية والثالثة وغيرهما
    فلذا لما أتى الشيخ أبو بكر الطرطوشي رحمه الله الخليفة بمصر ووجد عنده وزيرا راهبا قد سلم إليه قياده وأخذ يسمع رأيه وينفذ كلماته المسمومة في المسلمين وكان الشيخ ممن يسمع الخليفة قوله في مثل هذا دخل عليه في صورة المغضب والوزير الراهب جالس بإزائه وأنشده يا أيها الملك الذي جوده يطلبه القاصد والراغب إن الذي شرفت من أجله يزعم هذا أنه كاذب
    فاشتد غضب الخليفة عند سماع الأبيات وأمر بالراهب فسحب وضرب وقتل وأقبل على الشيخ أبي بكر فأكرمه وعظمه بعد عزمه على إيذائه لكنه لما استحضر تكذيب الراهب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو سبب شرفه وشرف آبائه وأهل السماوات والأرضين بعثه ذلك على البعد عن السكون إليه والمودة له وأبعده عن منازل العز إلى ما يليق به من الذل والصغار ويروى عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول في أهل الذمة أهينوهم ولا تظلموهم وكتب إليه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أن رجلا نصرانيا بالبصرة لا يحسن ضبط خراجها إلا هو وقصد ولايته على جباية الخراج لضرورة تعذر غيره فكتب إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينهاه عن ذلك وقال له في الكتاب مات النصراني والسلام قال صاحب الكشاف يعني هب أنه قد مات فما كنت صانعا فأصنعه الساعة واستغن عنه واصرف ا ه
    قيل يفيد أن قول عمر رضي الله عنه مات
    ____________________
    (3/31)
    الوليد الطرطوشي رحمه الله الخليفة بمصر وجد عنده وزيرا راهبا وسلم إليه قياده وأخذ يسمع رأيه وينفذ كلماته المسمومة في المسلمين
    وكان هو ممن يسمع قوله فيه فلما دخل عليه في صورة المغضب والوزير الراهب بإزائه جالس أنشده يا أيها الملك الذي جوده يطلبه القاصد والراغب إن الذي شرفت من أجله يزعم هذا أنه كاذب فاشتد غضب الخليفة عند سماع الأبيات وأمر بالراهب فسحب وضرب وقتل وأقبل على الشيخ أبي الوليد فأكرمه وعظمه بعد عزمه على إيذائه فلما استحضر الخليفة تكذيب الراهب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سبب شرفه وشرف آبائه وأهل السموات والأرضين بعثه ذلك على البعد عن السكون إليه والمودة له وأبعده عن منازل العز إلى ما يليق به من الذل والصغار ويروى عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول في أهل الذمة أهينوهم ولا تظلموهم وكتب إليه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أن رجلا نصرانيا بالبصرة لا يحسن ضبط خراجها إلا هو وقصد ولايته على جباية الخراج لضرورة تعذر غيره فكتب إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينهاه عن ذلك وقال له في الكتاب مات النصراني والسلام أي افرضه مات ماذا كنت تصنع حينئذ فاصنعه الآن وبالجملة فبرهم والإحسان إليهم مأمور به وودهم وتوليهم منهي عنه فهما قاعدتان
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    خبر استعمل في إنشاء فيكون من المجاز المركب وقال الشهاب الخفاجي يفيد إن في قوله رضي الله عنه مات استعارة في الفعل غير ما عرف فيها بتشبيه الحدث المفروض في الماضي بالحدث المحقق فيه فاتحدا حدثا وزمانا ونسبة واختلفا تحققا وتقديرا فاستعير الحدث المحقق للحدث المفروض واشتق منه مات بمعنى فرض موته أو فسرى التشبيه لما في ضمني الفعلين واستعير الفعل الدال على الحدث المحقق للمفروض وفائدة ذلك أن يترتب على أحدهما ما يرتب على الآخر فيعزل الكاتب المفروض موته ويستغني عنه كما يفعل فيمن تحقق موته وهذا من قضايا عمر العجيبة كما في بيانه الصبان والأنبابي عليها قال الأنبابي وهذا صريح في أن استعمال الألفاظ في معانيها الفرضية مجازي وهو إنما يظهر على القول بأن مدلولات الألفاظ الأمور الخارجية إما على القول بأن مدلولها الأمور الذهنية فلا يظهر إلا إن قلنا إن مراده أن استعمال مات في الموت الفرضي مجاز بالاستعارة من جهة أنه لم يستعمل فيه من حيث إنه موضوع له بل من حيث ملاحظة علاقة بينه وبين الموت المحقق ليرتب على الأول ما يرتب على الثاني فلا ينافي أنه لو استعمل في الموت الفرضي من حيث إنه موضوع له لتحقق الماهية الذهنية فيه فيكون استعمالا حقيقيا نظير ما قاله حفيد السعد في استعمال المشترك اللفظي في أحد معانيه وإن كان ما هنا من قبيل المشترك المعنوي لوضعه للحقيقة الذهنية المتحققة في الأفراد الحاصلة بالفعل في الخارج وفي الأفراد الفرضية ا ه بتصرف
    قلت وعلى القول بأن مدلول الألفاظ الأمور الذهنية لا يظهر كونه في الموت الفرضي مجازا بالاستعارة نظير ما لحفيد السعد في المشترك اللفظي إلا على القول بأن المشترك المعنوي في أفراده حقيقة مطلقا أما على ما قال ابن الهمام إنه مذهب الأصوليين الذي لا يعرفون خلافه من أن المشترك المعنوي في أفراده من حيث خصوصها
    ____________________
    (3/32)
    إحداهما محرمة والأخرى مأمور بها وقد أوضحت لك الفرق بينهما بالبيان والمثل فتأمل ذلك
    الفرق العشرون والمائة بين قاعدة تخيير المكلفين في الكفارة وبين قاعدة تخيير الأئمة في الأسارى والتعزير وحد المحارب ونحو ذلك اعلم أن إطلاق الفقهاء رحمهم الله تعالى شائع في كتبهم بأن الأسارى أمرهم موكول إلى خيرة الإمام وتولية القضاء موكول إلى خيرة الإمام وليس ذلك كقولهم تعيين خصلة في كفارة اليمين موكول إلى خيرة الحانث وليس كذلك بل هما قاعدتان متباينتان فالتخيير في الكفارة في خصالها معناه أن له أن ينتقل عن أي خصلة شاء إلى الخصلة الأخرى بشهوته وما يجده يميل إليه طبعه أو ما هو أسهل عليه فإن الله تعالى ما خيره بينها إلا لطفا به وليفعل ذلك ولو شاء لحتم عليه خصوص كل خصلة كما فعله في خصال الظهار المرتبة بل له الخيرة بهواه بين الخصوصيات لأنها متعلق الوجوب ولا تخيير فيه فلا جرم ليس له العدول عنه بهواه وشهوته بل يتحتم عليه فعله
    وأما الخصوصيات فله ذلك فيها فهذا هو معنى التخيير بين خصال الكفارة في حق الحانث وأما التخيير بين الخصال الخمس في حق الأسارى عند مالك رحمه الله ومن وافقه وهي القتل والاسترقاق والمن والفداء
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    مجاز ومن حيث كونها أفراد حقيقة فلا يظهر إلا أن كونه في الموت الفرضي مجاز مرسل علاقته الإطلاق فتأمل بإنصاف هذا وبالجملة فبر الكفار والإحسان إليهم مأمور به وودهم وتوليهم منهي عنه فهما قاعدتان إحداهما محرمة والأخرى مأمور بها وقد اتضح لك الفرق بينهما بالبيان والمثل والله أعلم
    الفرق العشرون والمائة بين قاعدة تخيير المكلفين في الكفارة وبين قاعدة تخيير الأئمة في الأسارى والتعزير وحد المحارب ونحو ذلك اعلم رحمك الله تعالى أن التخيير في الشريعة يطلق على ثلاثة أقسام الأول تخيير بين شيئين يتصفان بالوجوب من جهة خصوصهما وعمومهما معا وهذا هو الغالب في تخيير الأئمة وله مثل منها تخيير الإمام بين الخصال الخمس في حق الأسارى عند مالك رحمه الله ومن وافقه وهي القتل والاسترقاق والمن والفداء والجزية فإن كل واحد يفعله منها يقع واجبا بخصوصه وهو كونه قتلا أو فداء مثلا وبعمومه من جهة أنه أحد الخصال الخمسة وذلك أن الإمام ليس له فعل أحدها بهواه بل يجب عليه بذل الجهد فيما هو أصلح للمسلمين فإذا فكر واستوعب فكره في وجوه المصالح ووجد بعد ذلك مصلحة هي أرجح للمسلمين وجب عليه فعلها فمن كان من الأسارى شديد الدهاء كثير التأليب على المسلمين برأيه ودهائه فالواجب على الإمام فيه القتل إذا ظهر له ذلك منه في اجتهاده بالسؤال عن أخباره وأحواله وما يتصل به من سيرته ومن كان منهم ليس من هذا القبيل بل هو مأمون الغائلة فإن ظهر له منه أنه بإطلاقه تتألف طائفة كثيرة على الإسلام أو يحصل إطلاق خلق كثير من أسارى المسلمين
    ____________________
    (3/33)
    والجزية فهذه الخصال الخمس ليس له فعل أحدها بهواه ولا لأنها أخف عليه وإنما يجب عليه بذل الجهد فيما هو أصلح للمسلمين فإذا فكر واستوعب فكره في وجوه المصالح ووجد بعد ذلك مصلحة هي أرجح للمسلمين وجب عليه فعلها وتحتمت عليه ويأثم بتركها فهو لا يوجد في حقه الإباحة والتخيير المقرر في خصال كفارة الحنث أبدا لا قبل الاجتهاد ولا بعد الاجتهاد أما قبل الاجتهاد فالواجب عليه الاجتهاد وبذل الجهد في وجوه المصالح ولا تخيير هاهنا في هذا المقام ولا إباحة بل الوجوب الصرف
    وأما بعد الاجتهاد فيجب عليه العمل بالراجح من المصالح ولا خيرة له فيه ومتى تركه أثم فالوجوب قبل والوجوب بعد والوجوب حالة الفكرة فلا تخيير ألبتة وإنما هو وجوب صرف في جميع الأحوال وتسمية الفقهاء رحمهم الله ذلك خيرة إنما يريدون به أنه لا يتحتم عليه قبل الفكر فعل خصلة من هذه الخصال الخمس بل يجتهد حتى يتحصل له الأصلح فيفعله حينئذ بخلاف رد الغصوب وإقامة الحدود فإنها تتحتم عليه ابتداء من غير أن يجعل له في ذلك اجتهاد ولا خيرة له بهذا التفسير فهذا هو وجه تسمية الفقهاء ذلك خيرة وإن هذه الخصال موكولة إلى اجتهاد الإمام وخيرته ووجه ما يعتمده في الأسارى أن من كان منهم شديد الدهاء كثير التأليب على المسلمين برأيه ودهائه فالواجب على الإمام فيه القتل إذا ظهر له ذلك منه في اجتهاده بالسؤال عن أخباره وأحواله وما يتصل به من
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    كان الواجب على الإمام فيه المن وإن ظهر له منه أنه لا يرتجى من إطلاقه ذلك والإمام محتاج للمال لمصالح الغزو وغيره وجب عليه الفداء بالمال أو المسلمون محتاجون إلى من يخدمهم وجب عليه استرقاقهم
    وإن رأى انتفاء هذه الوجوه كلها ولم يجد في اجتهاده شيئا من ذلك مصلحة بل رأى المصلحة في ضرب الجزية لما يتوقع من إسلامهم وأنهم قريبون من الإسلام إذا اطلعوا على محاسن الإسلام وشعائره بمخالطة أهله وجب عليه حينئذ ضرب الجزية عليهم ولا يجوز له العدول عنها إلى غيرها فهو في جميع هذه الوجوه إنما يفعل ما يجب عليه من غير إباحة ولا خيرة في ذلك لا قبل الاجتهاد ولا بعده ولا حالة الاجتهاد فهو أبدا ينتقل من واجب إلى واجب ولا ينفك عنه فقبل الاجتهاد يجب عليه الاجتهاد وبذل الجهد في وجوه المصالح وحالة الاجتهاد هو ساع في أداء الواجب ففعله حينئذ واجب وبعد الاجتهاد يجب عليه فعل ما أدى إليه اجتهاده فلا تخيير ألبتة وإنما هو وجوب صرف في جميع الأحوال وتسمية الفقهاء رحمهم الله تعالى ذلك خيرة إنما هو على سبيل المجاز يريدون به أنه لا يتحتم عليه قبل الفكر قبل خصلة من هذه الخصال الخمس بل يجتهد حتى يتحصل له الأصلح فيفعله حينئذ ومنها تخيير الإمام في حد المحاربين بين الخصال الأربع وهي القتل والصلب والقطع من خلاف والنفي فيجب عليه بذل الجهد فيما هو الأصلح للمسلمين فإذا تعين له الأصلح وجب عليه
    ولا يجوز له العدول عنه إلى غيره فإن كان المحارب صاحب رأي وجب عليه قتله وإن ظهر له في اجتهاده أنه لا رأي له بل له قوة وبطش قطعه من خلاف لتزول مفسدته عن المسلمين بذلك وإن عرف من حاله العفاف وأنه إنما وقع ذلك منه على وجه الفلتة والموافقة لغيره مع توقع الندم منه وجب عليه نفيه ولا يجوز له قتله ولا قطعه فهو أبدا ينتقل من واجب إلى واجب
    ____________________
    (3/34)
    سيرته وإن كان الأسير قد ظهر له منه أنه ليس من هذا القبيل بل هو مأمون الغائلة وتتألف بإطلاقه طائفة كثيرة على الإسلام أو إطلاق خلق كثير من أسارى المسلمين إذا من عليه قوبل على ذلك بمثله ونحو ذلك من المصالح التي تعرض في النظر والفكر المستقيم بعد بذل الجهد فإنه يمن عليه حينئذ من غير شيء وإن كان لا يرتجى منه ذلك والإمام محتاج للمال لمصالح الغزو وغيره فإنه يفديه بالمال
    وإن رأى المسلمين محتاجين إلى من يخدمهم واسترقهم إن انتفت هذه الوجوه كلها ولم يجد في اجتهاده شيئا من ذلك مصلحة ورأى أن ضرب الجزية مصلحة لما يتوقع من إسلامهم وأنهم قريبون من الإسلام إذا اطلعوا على محاسن الإسلام بمخالطة أهله ورؤيتهم لشعائره فحينئذ يجب عليه ضرب الجزية عليهم ولا يجوز له العدول عنها إلى غيرها فهو في جميع الوجوه إنما يفعل ما يجب عليه من غير إباحة ولا خيرة في ذلك بهذا التفسير وكذلك تخييره في حد الحرابة معناه أنه يجب عليه بذل الجهد فيما هو الأصلح للمسلمين فإذا تعين له الأصلح وجب عليه ولا يجوز له العدول عنه إلى غيره فإن كان المحارب صاحب رأي وجب عليه قتله
    وإن ظهر له في اجتهاده أنه لا رأي له بل له قوة وبطش قطعه من خلاف فتزول مفسدته عن المسلمين بذلك
    وإن كان يعرف من حاله العفاف وإنما وقع ذلك منه على وجه الفلتة والموافقة لغيره مع توقع الندم منه على ذلك فهذا يجب نفيه ولا يجوز له قتله ولا قطعه
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    فلا ينفك فعله عن الوجوب في جميع أحواله وإنما تخييره مفسر بأنه لم يتحتم عليه ذلك ابتداء وله النظر وفعل ما ظهر رجحانه بعد الاجتهاد نظير ما تقدم بخلاف ما عينه الله تعالى وحتمه ولم يجعل لأحد فيه اجتهادا من الحدود وغيرها كالصلاة وصوم رمضان وأخذ الزكاة وتعيين مصرفها في الوجوه الثمانية ورجم الزاني وقطع السارق وأن لا يحد في الزنا إلا بأربعة وفي الأموال والدماء بشاهدين وغير ذلك ومنها قولهم إن تفرقة أموال بيت المال موكولة إلى خيرته فإنه يجب عليه أن ينظر في مصالح الصرف ويجب عليه تقديم أهمها فأهمها ويحرم عليه العدول عن ذلك ولا خيرة له إلا بمعنى أنه لا يتحتم عليه ذلك ابتداء بل له النظر في المصلحة الراجحة والخالصة وفعل ما ظهر رجحانه بعد الاجتهاد وليس له أن يتصرف في أموال بيت المال بهواه وشهوته ومنها غير ذلك مما هو أكثر تصرفات الأئمة القسم الثاني تخيير بين شيئين لا يتصفان بالوجوب لا من جهة خصوصهما ولا عمومهما كالتخيير بين المباحات من المطاعم والملابس ونحوهما مثلا التمر والزبيب يخير بينهما وكل منهما ليس بواجب لا بخصوصه من جهة أنه تمر أو زبيب ولا بعمومه من جهة أنه أحد المتناولات والتخيير في هذا صرف حقيقة بخلافه في الأول فمجاز كما علمت القسم الثالث تخيير بين شيئين يتصفان بالوجوب من جهة عمومهما لا من جهة خصوصهما وهذا نوعان الأول تخيير المكلفين في خصوص أنواع المطلق الواجب عليهم وله مثل منها التخيير بين خصال كفارة اليمين في حق الحانث فإن له أن ينتقل من أي خصلة شاء إلى الخصلة الأخرى بشهوته مما يميل طبعه
    ____________________
    (3/35)
    بل يفعل ما هو الأصلح للمسلمين فهو أبدا ينتقل من واجب إلى واجب والوجوب دائما عليه في جميع أحواله قبل الاجتهاد يجب عليه الاجتهاد وحالة الاجتهاد هو ساع في أداء الواجب ففعله حينئذ واجب وبعد الاجتهاد يجب عليه فعل ما أدى إليه اجتهاده فلا ينفك عن الوجوب أبدا وذلك هو ضد التخيير والإباحة وإنما خيرته مفسرة بما تقدم من أنه لم يتحتم عليه ذلك ابتداء وله النظر وفعل ما ظهر رجحانه بعد الاجتهاد بخلاف الحدود وغيرها مما عينه الله تعالى ولم يجعل لأحد فيه اجتهادا كالصلاة وصوم رمضان وأخذ الزكاة وتعيين مصرفها في الوجوه الثمانية ورجم الزاني وقطع السارق وأن لا يحد في الزنا إلا بأربعة وفي الأموال والدماء بشاهدين وغير ذلك من المتحتمات فهذا معنى التخيير في هذه الأمور وكذلك قولهم إن تفرقة أموال بيت المال موكولة إلى خيرته معناه أنه يجب عليه أن ينظر في مصالح الصرف يجب عليه تقديم أهمها فأهمها ويحرم عليه العدول عن ذلك ولا خيرة له في ذلك وليس له أن يتصرف في أموال بيت المال بهواه وشهوته بل بحسب المصلحة الراجحة والخالصة بخلاف تخيير المكلف بين خصال الكفارة كما تقدم وتخييره في إخراج شاة من أربعين أو دينار من أربعين فله أن يعين شاة بشهوته وكذلك دينار من الأربعين بهواه وله أن يعين مقدارا من مياه الدنيا للوضوء ولم يتحتم عليه ماء دون ماء وكذلك خيرته في ثياب السترة للصلاة فإذا اجتمعت ثياب فله تعيين
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    إليه أو ما هو أسهل عليه فإن كل خصلة كالعتق وإن كانت واجبة من جهة عمومها وأنها أحد الخصال إلا أنها ليست بواجبة من جهة خصوصها وأنها خصوص العتق فإن الله تعالى ما خير الحانث بين خصال الكفارة إلا لطفا به وليفعل ذلك ولو شاء لحتم عليه خصوص كل خصلة كما حتم خصوص كل خصلة في خصال الظهار المرتبة لكنه لم يحتم عليه هنا إلا واحدا مبهما من الخصال وخيره في خصوصها ومنها التخيير في إخراج شاة من أربعين أو دينار من أربعين فإن له أن يعين بهواه وشهوته شاة أو دينارا من الأربعين ومنها التخيير في مياه الدنيا للوضوء وفي ثياب السترة للصلاة فله أن يعين بهواه وشهوته مقدارا من مياه الدنيا ولا يتحتم عليه ماء دون ماء وأن يعين واحدا من الثياب المجتمعة عنده ولا يتحتم عليه ثوب بخصوصه دون ثوب ومنها التخيير في أي بقعة من بقاع الدنيا يصلي فيها الصلوات الخمس ويصوم فيها رمضان فله أن يعين بقعة منها إذا استوت بهواه وشهوته والنوع الثاني أمور قليلة جدا من تخيير الأئمة في أنواع المطلق الواجب إذا استوت وله مثل منها قول الفقهاء رحمهم الله إن الإمام مخير بين أربع حقائق وخمس بنات لبون يأخذ أيها شاء من صاحب الماشية إذا وجد إبله مائتين فإن في كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون وقد وجد الأمران فإن المائتين أربع خمسينات وخمس أربعينات فيخير هاهنا إذا استوى الأمران أما إذا كان أحدهما أرجح للفقراء فمقتضى القاعدة أنه يجب عليه ما هو الأرجح لقوله صلى الله عليه وسلم من ولي من أمر أمتي شيئا فلم يجتهد لهم ولم ينصح فالجنة عليه حرام فهذا الحديث يقتضي وجوب الأرجح للفقراء ومنها بيع مال اليتيم من أحد مشتريين مستويين أو تزويج اليتيمة من كفوين مستويين أو تولية القضاء لأحد مستويين ونحوهما فإن الأئمة في هذه
    ____________________
    (3/36)
    واحد منها لسترته بهواه وشهوته
    وكذلك خير الله تعالى في بقعة من بقاع الدنيا يصلي فيها الصلوات الخمس فله أن يعين بقعة منها إذا استوت بهواه وشهوته وكذلك خير الله تعالى في صوم رمضان في أي بقعة شاء من ولده فله أن يصوم في أي دار شاء من ذلك البلد بهواه وهذا جميعه تخيير صرف حقيقة لا مجازا بخلاف تخيير الأئمة في جميع ما تقدم وأكثر تصرفات الأئمة كما تقدم تحريره في الأسارى وغيرهم غير أمور قليلة جدا أطلق فيها التخيير ومرادهم التخيير على بابه كما هو في حق المكلف ومن ذلك قول الفقهاء رحمهم الله تعالى إنه مخير في أربع حقائق وخمس بنات لبون يأخذ أيها شاء من صاحب الماشية إذا وجد إبله مائتين فإن في كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون وقد وجد الأمران فإن المائتين أربع خمسينات وخمس أربعينات فيخير هاهنا إذا استوى الأمران فإن كان أحدهما أرجح للفقراء فمقتضى القاعدة أنه يجب عليه ما هو الأرجح لقوله صلى الله عليه وسلم من ولي من أمر أمتي شيئا فلم يجتهد لهم ولم ينصح فالجنة عليه حرام فظاهر هذا الحديث يقتضي وجوب الأرجح للفقراء وكذلك بيع مال اليتيم من أحد مشتريين مستويين أو تزويج اليتيمة من كفوين مستويين أو تولية القضاء لأحد رجلين مستويين ونحو هذا فإن الأئمة في هذه الصور مساوون لغيرهم من المكلفين في الخيرة المختصة ولا وجوب هاهنا ألبتة بل لهم الترجيح بمجرد إرادتهم من غير ضميمة إليها كالمكلف في إخراج شاة من أربعين سواء بسواء وإطلاق الخيرة في هذه الصور حقيقة وفي تلك الصور فهي وجوب محض بل بمعنى عدم التحتم ابتداء وكون الاجتهاد له مدخل في ذلك القسم المحتم بخلاف غيره من التخييرات فظهر الفرق بين قاعدة تخيير الأئمة وقاعدة تخيير آحاد المكلفين وأن الثاني خيرة حقيقة والأول أكثره مجاز ووجوب صرف كما تقدم مفصلا ممثلا
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الصور مساوون لغيرهم من المكلفين في الخيرة المختصة ولا وجوب هاهنا ألبتة بل لهم الترجيح بمجرد إرادتهم من غير ضميمة إليها كالمكلف في إخراج شاة من أربعين سواء بسواء والتخيير في هذا القسم بنوعيه صرف حقيقة لا مجاز كهو في القسم الثاني بخلافه في القسم الأول فإنه مجاز لا حقيقة بل هو وجوب محض أطلق عليه التخيير بمعنى عدم التحتم ابتداء وكون الاجتهاد له مدخل في ذلك القسم المحتم فظهر الفرق بين قاعدة تخيير الأئمة وقاعدة تخيير آحاد المكلفين وأن الثاني خيرة حقيقة والأول أكثره مجاز ووجوب صرف كما علمته مفصلا ممثلا وبقي من أقسام التخيير
    قسم رابع وهو التخيير بين شيئين يتصفان بالوجوب من جهة الخصوص دون العموم لكن هذا محال شرعا وعقلا بخلاف الثالث بناء على أن الخصوص يتوقف على العموم وأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب بخلاف العكس فإن العموم لا يتوقف على الخصوص وهو الفرق بينهما فتأمل هذه المباحث والفروق فإنها كلها واقعة في الشريعة وقوعا كثيرا والله سبحانه وتعالى أعلم
    ____________________
    (3/37)
    فائدة يطلق التخيير في الشريعة على ثلاثة أقسام مختلفة فيطلق التخير بين الشيئين وكل واحد منهما واجب بخصوصه وعمومه كما تقدم في تخيير الأئمة في الأسارى وغيرهم فإن كل شيء فعلوه من ذلك يقع واجبا بخصوصه وهو كونه قتلا أو فداء مثلا وبعمومه من جهة أنه أحد الخصال الخمسة ويكون التخيير بين الشيئين وكل واحد منهما غير واجب بخصوصه ولا بعمومه كالتخيير بين المباحات من المطاعم والملابس ونحوهما فالتخيير بين التمر والزبيب مثلا فالتمر ليس بواجب لا بخصوصه من جهة أنه تمر ولا بعمومه من جهة أنه أحد المتناولات ويكون التخيير بين الشيئين وكلاهما واجب من جهة عمومه دون خصوصه كالتخيير في كفارة الحنث فإن العتق مثلا واجب من جهة أنه أحد الخصال وغير واجب من جهة أنه عتق وكذلك القول في الخصلتين الأخريين من الكسوة والإطعام فقد ظهر لك أن المخير بينهما قد يتصفان بالوجوب من جهة خصوصهما وعمومهما وقد لا يتصفان به لا من جهة خصوصهما ولا عمومهما وقد يتصفان به من جهة عمومها دون خصوصهما وأما الاتصاف بالوجوب من جهة الخصوص دون العموم فمحال شرعا وعقلا بناء على أن الخصوص يتوقف على العموم وأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب بخلاف العكس فإن العموم لا يتوقف على الخصوص وهو الفرق بينهما فتأمل هذه المباحث والفروق فإنها كلها واقعة في الشريعة وقوعا كثيرا والله أعلم
    الفرق الحادي والعشرون والمائة بين قاعدة من ملك أن يملك هل يعد مالكا أم لا وبين قاعدة من انعقد له سبب المطالبة بالملك هل يعد مالكا أم لا اعلم أن جماعة من مشايخ المذهب رضي الله عنهم أطلقوا عبارتهم بقولهم من ملك
    هامش أنوار البروق
    قال الفرق الحادي والعشرون والمائة بين قاعدة من ملك أن يملك هل يعد مالكا أم لا وبين قاعدة من انعقد له سبب المطالبة بالملك هل يعد مالكا أم لا قلت ما نسبه إلى مشايخ من أهل المذهب واعتقده فيهم من أنهم أرادوا مقتضى عبارتهم المطلقة ليس بصحيح وما اختاره من عدم إرادة مقتضى الإطلاق هو الصحيح والظن بهم أنهم إنما أرادوا ذلك والله تعالى أعلم وما قاله في الفرقين بعد هذا صحيح
    هامش إدرار الشروق
    الفرق الحادي والعشرون والمائة بين قاعدة من ملك أن يملك هل يعد مالكا أم لا وبين قاعدة من انعقد له سبب المطالبة بالملك هل يعد مالكا أم لا القاعدة الأولى وإن أطلقها جماعة من مشايخ المذهب رضي الله عنهم بقولهم من ملك أن يملك هل يعد مالكا أم لا قولان وخرجوا عليها فروعا كثيرة في المذهب
    ____________________
    (3/38)
    أن يملك هل يعد مالكا أم لا قولان ويخرجون على ذلك فروعا كثيرة في المذهب منها إذا وهب له الماء في التيمم هل يبطل تيممه بناء على أنه يعد مالكا أم لا يبطل بناء على أنه لا يعد مالكا ومن عنده ثمن رقبة هل يجوز له الانتقال للصوم في كفارة الظهار أم لا قولان مبنيان على أن من ملك أن يملك هل يعد مالكا أم لا ومن قدر على المداواة في السلس أو التزويج هل يجب عليه الوضوء أم لا قولان بناء على أن من ملك أن يملك هل يعد مالكا أم لا وكثير من هذه الفروع زعموا أنها مخرجة على هذه القاعدة وليس الأمر كذلك بل هذه القاعدة باطلة وتلك الفروع لها مدارك غير ما ذكروه
    وبيان بطلانها أن الإنسان يملك أن يملك أربعين شاة فهل يتخيل أحد أنه يعد مالكا الآن قبل شرائها حتى تجب الزكاة عليه على أحد القولين
    وإذا كان الآن قادرا على أن يتزوج فهل يجري في وجوب الصداق والنفقة عليه قولان قبل أن يخطب المرأة لأنه ملك أن يملك عصمتها والإنسان مالك أن يملك خادما أو دابة فهل يقول أحد إنه يعد الآن مالكا لهما فيجب عليه كلفتهما ومئونتهما على قول من الأقوال الشاذة أو الجادة بل هذا لا يتخيله من عنده أدنى مسكة من العقل والفقه وكذلك الإنسان يملك أن يشتري أقاربه فهل يعده أحد من الفقهاء مالكا لقريبه فيعتقه عليه قبل شرائه على أحد القولين في هذه القاعدة على زعم من اعتقدها بل هذا كله باطل
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    منها إذا وهب له الماء في التيمم هل يبطل تيممه بناء على أنه يعد مالكا أم لا يبطل بناء على أنه لا يعد مالكا ومنها من عنده ثمن رقبة هل يجوز له الانتقال للصوم في كفارة الظهار بناء على أنه لا يعد مالكا أم لا يجوز له بناء على أنه يعد مالكا ومنها من قدر على المداواة في السلس أو التزويج هل يجب عليه الوضوء بناء على أنه يعد مالكا أم لا يجب عليه الوضوء بناء على أنه لا يعد مالكا إلا أنها باطلة إذ لا يمكن جعل مجرد الإمكان والقبول للملك بدون أن يشتمل على موجب الاعتبار قاعدة شرعية ألا ترى أن أحدا لا يتخيل أن الإنسان إذا كان قادرا على أن يملك أربعين شاة هل يعد قبل شرائها مالكا لها فتجب الزكاة عليه على القولين أو قادرا على أن يتزوج هل يعد قبل أن يخطب المرأة مالكا عصمتها أم لا فيجب عليه الصداق والنفقة أم لا على القولين أو قادرا على أن يملك خادما أو دابة هل يعد قبل شرائهما مالكا لهما أم لا فيجب عليه كلفتهما ومؤنتها أم لا على القولين أو قادرا على أن يشتري أقاربه هل يعده أحد من الفقهاء مالكا لقريبه فيعتقه عليه قبل شرائه على أحد القولين في هذه القاعدة على زعم من اعتقدها بل هذا كله باطل بالضرورة لا يتخيله من عنده أدنى مسكة من العقل والفقه والظن بالمشايخ من أهل المذهب أنهم لم يريدوا مقتضى عبارتهم المطلقة وأن من ملك أن يملك مطلقا من غير جريان سبب يقتضي مطالبته بالتمليك ولا غير ذلك من القيود لأن جعل هذه القاعدة شرعية ظاهر البطلان لضعف المناسبة جدا أو لعدمها ألبتة وإنما أرادوا أن من ملك أن يملك مع جريان سبب يقتضي مطالبته بالتمليك أي من انعقد له سبب المطالبة بالملك فيرجع بذلك إلى القاعدة الثانية حتى يكون مناسبا لأن يعد مالكا من حيث الجملة تنزيلا لسبب السبب منزلة السبب وإقامة للسبب البعيد مقام السبب القريب فيمكن أن يتخيل وقوعه قاعدة
    ____________________
    (3/39)
    بالضرورة ونظائر هذه الفروع كثيرة لا تعد ولا تحصى ولا يمكن أن نجعل هذه من قواعد الشريعة ألبتة بل القاعدة التي يمكن أن تجعل قاعدة شرعية ويجري فيها الخلاف في بعض فروعها لا في كلها أن من جرى له سبب يقتضي المطالبة بالتمليك هل يعطى حكم من ملك وملك قد يختلف في هذا الأصل في بعض الفروع ولذلك مسائل المسألة الأولى إذا حيزت الغنيمة فقد انعقد للمجاهدين سبب المطالبة بالقسمة والتمليك فهل يعدون مالكين لذلك أم لا قولان فقيل يملكون بالحوز والأخذ وهو مذهب الشافعي رضي الله عنه وقيل لا يملكون إلا بالقسمة وهو مذهب مالك رحمه الله المسألة الثانية العامل في القراض وجد في حقه سبب يقتضي المطالبة بالقيمة وإعطاء نصيبه من الربح فهل يعد مالكا بالظهور أو لا يملك إلا بالقسمة وهو المشهور قولان في المذهب المسألة الثالثة العامل في المساقاة وجد في حقه من العمل ما يقتضي المطالبة بالقسمة وتمليك نصيبه من الثمن فهل لا يملك إلا بالقسمة أو يملك بالظهور
    وهو المشهور على عكس القراض قولان في المذهب
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    من الشريعة على أن في تمشية القاعدة الثانية مع ما فيها من القوة عسرا من جهة قولنا جرى له سبب التمليك لأجل كثرة النقوض عليها فلذا لم يختلف قول مالك وغيره رحمهم الله تعالى إلا في بعض فروعها كما يتضح لك ذلك بمسائل المسألة الأولى إذا حيزت الغنيمة وانعقد للمجاهدين سبب المطالبة بالقسمة والتمليك فقيل يملكون بمجرد الحوز والأخذ وهو مذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه وقيل لا يملكون إلا بالقسمة وهو مذهب مالك رحمه الله تعالى المسألة الثانية إذا وجد الظهور بالعمل في حق عامل القراض وانعقد له سبب المطالبة بالقسمة وإعطاء نصيبه من الربح فهل يعد مالكا بمجرد الظهور أم لا يملك إلا بالقسمة قولان في المذهب والمشهور الثاني المسألة الثالثة إذا وجد ظهور عامل المساقاة بالعمل وانعقد له سبب المطالبة بالقسمة وتمليك نصيبه من الثمن فهل يعد مالكا بمجرد الظهور أو لا يملك إلا بالقسمة قولان في المذهب المشهور الأول على عكس القراض المسألة الرابعة قال الأصل لم أر خلافا في أن الشريك إذا باع شريكه شقصه على الغير وتحقق له ما يقتضي سبب المطالبة بأن يملك الشقص المبيع بالشفعة لا يكون مالكا إلا بأخذه بالشفعة بالفعل المسألة الخامسة من له من المسلمين سبب يقتضي أن يملك به من بيت المال بأن يتصف بصفة من الصفات الموجبة للاستحقاق منه كالفقر والجهاد والقضاء والفتيا والقسمة بين الناس أملاكهم وغير ذلك مما
    ____________________
    (3/40)
    المسألة الرابعة الشريك في الشفعة إذا باع شريكه تحقق له سبب يقتضي المطالبة بأن يملك الشقص المبيع بالشفعة
    ولم أر خلافا في أنه غير مالك المسألة الخامسة الفقير وغيره من المسلمين له سبب يقتضي أن يملك من بيت المال ما يستحقه بصفة فقره أو غير ذلك من الصفات الموجبة للاستحقاق كالجهاد والقضاء والفتيا والقسمة بين الناس أملاكهم وغير ذلك مما شأن الإنسان أن يعطى لأجله فإذا سرق هل يعد كالمالك فلا يجب عليه الحد لوجود سبب المطالبة بالتمليك أو يجب عليه القطع لأنه لا يعد مالكا وهو المشهور قولان فهذه القاعدة على ما فيها من القوة من جهة قولنا جرى له سبب التمليك في تمشيتها عسر لأجل كثرة النقوض عليها أما هذا المفهوم وهو قولنا من ملك أن يملك مطلقا من غير جريان سبب يقتضي مطالبته بالتمليك ولا غير ذلك من القيود فهذا جعله قاعدة شرعية ظاهر البطلان لضعف المناسبة جدا أو لعدمها ألبتة
    أما إذا قلنا انعقد له سبب يقتضي المطالبة بالتمليك فهو مناسب لأن يعد مالكا من حيث الجملة تنزيلا لسبب السبب منزلة السبب وإقامة للسبب البعيد مقام السبب القريب فهذا يمكن أن يتخيل وقوعه قاعدة في الشريعة أما مجرد ما ذكروه فليس فيه إلا مجرد الإمكان والقبول للملك وذلك في غاية البعد عن المناسبة فلا يمكن جعله قاعدة وتتخرج تلك الفروع بغير هذه القاعدة ففي الثوب للسترة يلاحظ فيها قوة المالية فلا يلزمه أو أنه أعانه على دين الله عز وجل ليس من باب تحصيل الأموال فيلزمه ويكافئ عنه إن شاء
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    شأن الإنسان أن يعطى لأجله فإذا سرق هل يعد كالمالك فلا يجب عليه الحد لوجود سبب المطالبة بالتمليك أو يجب عليه القطع لأنه لا يعد مالكا وهو المشهور قولان
    وأما الفروع المخرجة على القاعدة الأولى فلها مدارك غير ذلك التخريج بأن يلاحظ في الثوب للسترة قوة المالية فلا يلزمه أو أنه إعانة على دين الله تعالى عز وجل ليس من باب تحصيل الأموال فيلزمه ويكافئ عنه إن شاء وفي الماء يوهب له إما يسارته فلا منة وإما المالية المؤدية للمنة وهي ضرر والضرر منفي عن المكلف لقوله صلى الله عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار ولقوله عز وجل وما جعل عليكم في الدين من حرج وفي واجد ثمن الرقبة في كفارة الظهار إما تنزيل وجود الثمن الذي هو وسيلة ملكها منزلته وإما عدم تنزيله منزلته وفي القادر على التداوي من السلس أو التزويج إما أن تنزل قدرته على ذلك التي هي وسيلة التداوي بالفعل منزلته أم لا أو يلاحظ غير ذلك من النصوص وإلا فيه والمناسبات التي اشتهر في الشرع اعتبارها من حيث اشتمالها على موجب الاعتبار لا ما لا يمكن اعتباره شرعا مما لا يشتمل على موجب الاعتبار فتقدم مناسبته وتكثر النقوض عليه ويكون اعتباره من غير ضرورة خلاف المعلوم من نمط الشريعة إلا أن يضاف إليه ما يوجب اشتماله على موجب الاعتبار من القيود الموجبة للمناسبة فتظهر مناسبته وتقل النقوض عليه ويكون اعتبار مثله بلا
    ____________________
    (3/41)
    وكذلك القول في الماء يوهب له هل ينظر إلى يسارته فلا منة أو يلاحظ المالية
    وهي ضرر والضرر منفي عن المكلف لقوله صلى الله عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار ولقوله عز وجل وما جعل عليكم في الدين من حرج وواجد الثمن يخرج على تنزيل وسيلته منزلته أم لا وكذلك القادر على التداوي إلى غير ذلك من النصوص والأقيسة والمناسبات التي اشتهرت في الشرع اعتبارها وهي مشتملة على موجب الاعتبار أما ما لا يشتمل على موجب الاعتبار فلا يمكن جعله قاعدة شرعية بل ينبغي أن يضاف إليه من القيود الموجبة للمناسبة كما تقدم ما يوجب اشتماله على موجب الاعتبار ونقل النقوض عليه وتظهر مناسبته أما عدم المناسبة وكثرة النقوض فاعتبار مثل هذا من غير ضرورة خلاف المعلوم من نمط الشريعة فتأمل ذلك فإنه قد كثر بين المتأخرين خصوصا الشيخ أبا الطاهر بن بشير فإنه اعتمد عليه في كتابه المعروف بالتنبيه كثيرا
    الفرق الثاني والعشرون والمائة بين قاعدة الرياء في العبادات وبين قاعدة التشريك في العبادات اعلم أن الرياء في العبادات شرك وتشريك مع الله تعالى في طاعته وهو موجب للمعصية والإثم والبطلان في تلك العبادة كما نص عليه الإمام المحاسبي وغيره ويعضده ما في الحديث الصحيح أخرجه مسلم وغيره أن الله تعالى يقول أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملا أشرك فيه غيري تركته له أو تركته لشريكي فهذا ظاهر في عدم الاعتداد بذلك العمل عند الله تعالى وكذلك قوله تعالى وما أمروا إلا ليعبدوا الله
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    ضرورة وهو المعلوم من نمط الشريعة فتأمل ذلك فإنه قد كثر بين المتأخرين خصوصا الشيخ الطاهر بن بشير فإنه اعتمد عليه في كتابه المعروف بالتنبيه كثيرا والله سبحانه وتعالى أعلم
    الفرق الثاني والعشرون والمائة بين قاعدة الرياء في العبادات وبين قاعدة التشريك في العبادات من حيث إن التشريك فيها لا يحرم بالإجماع بخلاف الرياء فيها فيحرم هو أن التشريك فيها لما كان بما جعله الله تعالى للمكلف في هذه العبادة مما لا يرى ولا يبصر كمن جاهد ليحصل طاعة الله بالجهاد وليحصل السبايا والكراع والسلاح من جهة أموال العدو وكمن حج وشرك في حجه غرض المتجر بأن يكون جل مقصوده أو كله السفر للتجارة خاصة ويكون الحج إما مقصودا مع ذلك أو غير مقصود وإنما يقع تابعا اتفاقا وكمن صام ليصح جسده أو ليحصل زوال مرض من الأمراض التي تداوى بالصوم بحيث يكون التداوي هو مقصوده أو بعض مقصوده والصوم مقصود مع ذلك وكمن يتوضأ بقصد التبرد أو التنظيف لم يضره في عبادته ولم يحرم عليه بالإجماع لأن جميع هذه الأغراض لا يدخل فيها تعظيم
    ____________________
    (3/42)
    مخلصين له الدين يدل على أن غير المخلصين لله تعالى ليسوا مأمورين به وما هو غير مأمور به لا يجزى عن المأمور به فلا يعتد بهذه العبادة وهو المطلوب وتحقيق هذه القاعدة وسرها وضابطها أن يعمل العمل المأمور به والمتقرب به إلى الله تعالى ويقصد به وجه الله تعالى وأن يعظمه الناس أو يعظم في قلوبهم فيصل إليه نفعهم أو يندفع عنه ضررهم فهذا هو قاعدة أحد قسمي الرياء والقسم الآخر أن يعمل العمل لا يريد به وجه الله تعالى ألبتة بل الناس فقط ويسمى هذا القسم رياء الإخلاص والقسم الأول رياء الشرك لأن هذا لا تشريك فيه بل خالص للخلق والأول للخلق ولله تعالى وأغراض الرياء ثلاثة التعظيم وجلب المصالح الدنيوية ودفع المضار الدنيوية والأخيران يتفرعان عن الأول فإنه إذا عظم انجلبت إليه المصالح واندفعت عنه المفاسد فهو الغرض
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الخلق بل هي تشريك أمور من المصالح ليس لها إدراك ولا تصلح للإدراك ولا للتعظيم فلا تقدح في العبادات إذ كيف تقدح وصاحب الشرع قد أمر بها في قوله صلى الله عليه وسلم يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء أي قاطع نعم إذا تجردت العبادة عن هذه الأغراض زاد الأجر وعظم الثواب وإذا لم تجرد العبادة عنها نقص الأجر وإن كان لا سبيل إلى الإثم والبطلان
    وأما الرياء فيها فإنه لما كان شركا وتشريكا مع الله تعالى في طاعته لمن يرى ويبصر من الخلق لأحد أغراض ثلاثة التعظيم وجلب المصالح الدنيوية ودفع المضار الدنيوية والأخيران يتفرعان عن الأول فإنه إذا عظم انجلبت إليه المصالح واندفعت عنه المفاسد فهو الغرض الكلي في الحقيقة فيقتضي رؤية النفع أو الضر لغيره تعالى فينافي ما أشار له سيدي علي وفا بقوله وعلمك أن كل الأمر أمري هو المعنى المسمى باتحادي قال العلامة الأمير ولا بد عند كل مسلم من حظ في هذا المقام وإن تفاوتوا أهو ذلك إما بأن يعمل العمل المأمور به والمتقرب به إلى الله تعالى ويقصد به وجه الله تعالى وأن يعظمه الناس أو يعظم في قلوبهم فيصل إليه نفعهم أو يندفع عنه ضررهم فيسمى رياء الشرك لأنه للخلق ولله تعالى وإما بأن يعمل العمل لا يريد به وجه الله تعالى ألبتة بل الناس فقط فيسمى رياء الإخلاص لأنه لا تشريك فيه بل خالص للخلق كان مضرا بالعبادة ومحرما على المكلف لأنه موجب للمعصية والإثم والبطلان في تلك العبادة كما نص عليه الإمام المحاسبي وغيره ويعضده ما أخرجه مسلم وغيره أن الله تعالى يقول أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملا أشرك فيه غيري تركته له أو تركته لشريكي وقوله تعالى وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين فإن الحديث ظاهر في عدم الاعتداد بذلك العمل عند الله تعالى والآية تدل على أن غير المخلصين لله تعالى ليسوا مأمورين به وما هو غير مأمور به لا يجزئ عن المأمور به فلا يعتد بهذه العبادة وهو المطلوب وبالجملة ففرق بين من يجاهد ليقول الناس إنه شجاع أو ليعظمه الإمام فيكثر عطاءه من بيت المال فيكون رياء حراما وبين من يجاهد ليحصل السبايا والكراع والسلاح من جهة أموال العدو فلا يضره ولا يحرم عليه إجماعا ولا يقال لفعله رياء مع أنه قد شرك فيه بسبب أن الرياء العمل ليراه غير الله تعالى من خلقه والرؤية لا تصح إلا من الخلق وأما العمل لمن يرى ولا يبصر كالمال المأخوذ في الغنيمة ونحوه فلا يقال فيه رياء والله سبحانه وتعالى أعلم
    ____________________
    (3/43)
    الكلي في الحقيقة فهذه قاعدة الرياء المبطلة للأعمال المحرمة بالإجماع
    وأما مطلق التشريك كمن جاهد ليحصل طاعة الله بالجهاد وليحصل المال من الغنيمة فهذا لا يضره ولا يحرم عليه بالإجماع لأن الله تعالى جعل له هذا في هذه العبادة ففرق بين جهاده ليقول الناس إنه شجاع أو ليعظمه الإمام فيكثر إعطاءه من بيت المال فهذا ونحوه رياء حرام وبين أن يجاهد ليحصل السبايا والكراع والسلاح من جهة أموال العدو فهذا لا يضره مع أنه قد أشرك ولا يقال لهذا رياء بسبب أن الرياء ليعمل أن يراه غير الله تعالى من خلقه والرؤية لا تصح إلا من الخلق فمن لا يرى ولا يبصر لا يقال في العمل بالنسبة إليه رياء والمال المأخوذ في الغنيمة ونحوه لا يقال إنه يرى أو يبصر فلا يصدق على هذه الأغراض لفظ الرياء لعدم الرؤية فيها وكذلك من حج وشرك في حجه غرض المتجر بأن يكون جل مقصوده أو كله السفر للتجارة خاصة ويكون الحج إما مقصودا مع ذلك أو غير مقصود ويقع تابعا اتفاقا فهذا أيضا لا يقدح في صحة الحج ولا يوجب إثما ولا معصية وكذلك من صام ليصح جسده أو ليحصل له زوال مرض من الأمراض التي ينافيها الصيام ويكون التداوي هو مقصوده أو بعض مقصوده والصوم مقصوده مع ذلك وأوقع الصوم مع هذه المقاصد لا تقدح هذه المقاصد في صومه بل أمر بها صاحب الشرع في قوله صلى الله عليه وسلم يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء أي قاطع فأمر بالصوم لهذا الغرض فلو كان ذلك قادحا لم يأمر به عليه الصلاة والسلام في العبادات وما معها ومن ذلك أن يجدد وضوءه وينوي التبرد أو التنظيف وجميع هذه الأغراض لا يدخل فيها تعظيم الخلق بل هي تشريك أمور من المصالح ليس لها إدراك ولا تصلح للإدراك ولا للتعظيم فلا تقدح في العبادات فظهر الفرق بين قاعدة الرياء في العبادات وبين قاعدة التشريك في العبادات غرضا آخر غير الخلق مع أن الجميع تشريك نعم لا يمنع أن هذه الأغراض المخالطة للعبادة قد تنقص الأجر وأن العبادة إذا تجردت عنها زاد الأجر وعظم الثواب أما الإثم والبطلان فلا سبيل إليه ومن جهته حصل الفرق لا من جهة كثرة الثواب وقلته
    الفرق الثالث والعشرون والمائة بين قاعدة عقد الجزية وبين قاعدة غيرها مما يوجب التأمين
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الفرق الثالث والعشرون والمائة بين قاعدة عقد الجزية وبين قاعدة غيرها مما يوجب التأمين من عقدي المصالحة والتأمين وذلك أن القاعدتين وإن اشتركا في وجوب الأمان والتأمين إلا أنهما افترقا من وجوه
    ____________________
    (3/44)
    وهو إما المصلحة أو الأمان والجميع يوجب الأمان والتأمين غير أن عقد الجزية يكون لضرورة ولغير ضرورة لأن الله تعالى إنما أوجب القتال عند عدم موافقتهم على أداء الجزية بقوله حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون فجعل القتال مغيا إلى وقت موافقتهم على أداء الجزية ولا يعقده إلا الإمام ويدوم للمعقود لهم ولذراريهم إلى قيام الساعة إلا أن يحصل للعقد ناقض كما تقدم تفصيل النواقض وأنه ليس رخصة على خلاف القواعد بل على وفق القواعد كما تقدم بيان ذلك وأما التأمين فيصح من آحاد الناس بخلاف عقد الجزية يشترط أن يكون في عدد محصور كالواحد ونحوه
    وأما الجيش الكثير فالعقد في تأمينه للأمير على وجه المصلحة ولا يجوز إلا لضرورة تقتضي ذلك وكذلك عقد المصالحة لا يجوز إلا لضرورة ولا يعقده إلا الإمام ويكون إلى مدة معينة بخلاف الجزية ويجوز بغير مال يعطونه بخلاف الجزية لا بد فيها من المال وهو رخصة على خلاف قاعدة القتال وطلب الإسلام منهم ولذلك لا يكون إلا عند العجز عن قتالهم أو إلجائهم إلى الإسلام أو الجزية وشروط الجزية كثيرة معلومة متقررة في الشرع وشروط المصالحة بحسب ما يحصل الإنفاق عليها ما لم يكن في الشروط فساد المسلمين وكذلك التأمين ليس له شروط بل بحسب الواقع واللازم فيه مطلق الأمان والتأمين وعقد الجزية يوجب على المسلمين حقوقا متأكدة من الصون لهم والذب عنهم كما تقدم بيانه
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الوجه الأول أن عقد الجزية يكون لضرورة ولغير ضرورة لأن الله تعالى إنما أوجب القتال عند عدم موافقتهم على أداء الجزية بقوله تعالى حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون فجعل القتل مغيا إلى وقت موافقتهم على أداء الجزية وعقد المصالحة لا يجوز إلا لضرورة وكذلك عقد الأمير تأمين الجيش الكبير لا يجوز إلا لضرورة تقتضيه
    والوجه الثاني أن عقد الجزية لا يعقده إلا الإمام كعقد المصالحة
    وأما التأمين فيصح من آحاد الناس بشرط أن يكون في عدد محصور كالواحد ونحوه وأما الجيش الكبير فعقد تأمينه للأمير على وجه المصلحة والوجه الثالث أن عقد الجزية يدوم للمعقود لهم ولذراريهم إلى قيام الساعة إلا أن يحصل للعقد ناقض من النواقض المتقدم تفصيلها وعقد المصالحة إنما يكون إلى مدة معينة
    والوجه الرابع أن عقد الجزية ليس رخصة على خلاف القواعد بل على وفق القواعد كما تقدم بيان ذلك وعقد المصالحة رخصة على خلاف قاعدة القتال وطلب الإسلام منهم ولذلك لا يكون إلا عند العجز وقتالهم أو إلجائهم إلى الإسلام أو الجزية والوجه الخامس أن شروط عقد الجزية كثيرة معلومة مقررة في الشرع وشروط عقد المصالحة بحسب ما يحصل الاتفاق عليها ما لم يكن في الشروط فساد على المسلمين وكذلك التأمين ليس له شروط بل بحسب الواقع والوجه السادس أن عقد الجزية لا بد فيه من المال وعقد المصالحة يجوز بغير مال يعطونه والوجه السابع أن عقد الجزية يوجب على المسلمين زيادة على الأمن والتأمين حقوقا متأكدة من
    ____________________
    (3/45)
    والمصالحة لا توجب مثل تلك الحقوق بل يكونون أجانب منا لا يتعين علينا برهم ولا الإحسان إليهم لأنهم ليسوا في ذمتنا غير أنا لا نغدر بهم ولا نتعرض لهم فقط ونقوم بما التزمنا لهم في العقد ومن الشروط واتفقنا عليها من غير أن نواسي فقيرهم وننصر مظلومهم بل نتركهم ينفصلون بأنفسهم بخلاف عقد الجزية يجب علينا فيه دفع التظالم بينهم وغير ذلك مما هو مقرر في الفقه مبسوطا هنالك فهذا هو الفرق بين هذه القواعد
    الفرق الرابع والعشرون والمائة بين قاعدة ما يجب توحيد الله تعالى به من التعظيم وبين قاعدة ما لا يجب توحيده به اعلم أن توحيد الله تعالى بالتعظيم ثلاثة أقسام واجب إجماعا وغير واجب إجماعا ومختلف فيه هل يجب توحيد الله تعالى به أم لا القسم الأول الذي يجب توحيد الله تعالى به من التعظيم بالإجماع فذلك كالصلوات على اختلاف أنواعها والصوم على اختلاف رتبه في الفرض والنفل والنذر فلا يجوز أن يفعل شيء من ذلك لغير الله تعالى وكذلك الحج ونحو ذلك وكذلك الخلق والرزق والأمانة والإحياء والبعث والنشر والسعادة والشقاء
    هامش أنوار البروق
    قال الفرق الرابع والعشرون والمائة بين قاعدة ما يجب توحيد الله تعالى به من التعظيم وبين قاعدة ما لا يجب توحيده تعالى به إلى آخر ما قاله في القسم الأول قلت ما قاله في ذلك صحيح قال القسم الثاني وهو المتفق على عدم التوحيد فيه والتوحد كتوحيده تعالى بالوجود والعلم ونحوهما إلى آخر ما قاله في هذا القسم
    هامش إدرار الشروق
    الصون والذب عنهم ودفع التظالم بينهم وغير ذلك مما هو مقرر ومبسوط في كتب الفقه وتقدم بيانه والمصالحة لا توجب مثل تلك الحقوق بل يكونون أجانب منا لا يتعين علينا برهم ولا الإحسان إليهم لأنهم ليسوا في ذمتنا غير أنا لا نغدر بهم ولا نتعرض لهم فقط بل نقوم بما التزمنا لهم في العقد من الشروط التي اتفقنا عليها ونتركهم ينفصلون بأنفسهم من غير أن ننصر مظلومهم ولا أن نواسي فقيرهم واللازم في عقد التأمين مطلق الأمان والتأمين والله سبحانه وتعالى أعلم
    الفرق الرابع والعشرون والمائة بين قاعدة ما يجب توحيد الله تعالى به من التعظيم وبين قاعدة ما لا يجب توحيده به توحيد الله تعالى بالتعظيم ثلاثة أقسام القسم الأول واجب إجماعا وهو أربعة أنواع النوع الأول عبادة كالصلوات على اختلاف أنواعها والصوم على اختلاف رتبه في الفرض والنفل والنذر والحج فلا يجوز أن يفعل شيء من ذلك لغير الله تعالى
    ____________________
    (3/46)
    والهداية والإضلال والطاعة والمعصية والقبض والبسط فيجب على كل أحد أن يعتقد توحيد الله تعالى وتوحده بهذه الأمور على سبيل الحقيقة وإن أضيف شيء منها لغيره تعالى فإنما ذلك على سبيل الربط العادي لا أن ذلك المشار إليه فعل شيئا حقيقة كقولنا قتله السم وأحرقته النار ورواه الماء فليس شيء من ذلك يفعل شيئا مما ذكر حقيقة بل الله تعالى ربط هذه المسببات بهذه الأسباب كما شاء وأراد ولو شاء لم يربطها وهو الخالق لمسبباتها عند وجودها لا أن تلك الأسباب هذه الموجدة
    وكذلك إخبار الله تعالى عن عيسى عليه الصلاة والسلام أنه كان يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص معناه أن الله تعالى كان يحيي الموتى ويبرئ عند إرادة عيسى عليه السلام لذلك لا أن عيسى عليه السلام هو الفاعل لذلك حقيقة بل الله تعالى هو الخالق لذلك ومعجزة عيسى عليه السلام في ذلك ربط وقوع ذلك الإحياء وذلك الإبراء بإرادته فإن غيره يريد ذلك ولا يلزم إرادته ذلك فاللزوم بإرادته هو معجزته عليه السلام وكذلك جميع ما يظهر على أيدي الأنبياء والأولياء من المعجزات والكرامات الله تعالى هو خالقها وكذلك يجب توحيده تعالى
    هامش أنوار البروق
    قلت ما قاله في ذلك غير صحيح فإنه لا يخلو أن تقول إن الوجود هو عين الموجود أو غيره فإن قلت بالأول لم يصح القول بعدم التوحيد والتوحد من حيث إن وجود الباري تعالى عين ذاته ووجود غيره عين ذاته والغيران كل واحد منهما منفرد بذاته غير مشارك فيها فلا يصح على ذلك القول بعدم التوحيد والتوحد على هذا باعتبار الوجود الخارج عن الذهن
    وأما باعتبار الأمر الذهني فلا يصح على ذلك الاتفاق على القول بعدم التوحيد والتوحد للخلاف في الأمر الذهني وإن قلنا بالأمر الثاني فلا يصح أيضا القول بعدم التوحيد والتوحد من حيث إن وجود كل واحد من الغيرين يختص به هذا على القول بإنكار الحال وأما على القول بالحال فلا يخلو أن يقال إن الحال هي الأمر
    هامش إدرار الشروق
    والنوع الثاني صفات الأفعال كالخلق والرزق والإحياء والإماتة والبعث والنشور والسعادة والشقاء والهداية والإضلال والطاعة والمعصية والقبض والبسط فيجب على كل أحد أن يعتقد توحيد الله وتوحده بهذه الأمور على سبيل الحقيقة وأن ما أضيف منها لغيره تعالى سواء كان في كلامه تعالى كإخباره تعالى عن عيسى عليه السلام أنه كان يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص أو في كلامنا كقولنا قتله السم وأحرقته النار وأرواه الماء ليس معناه أن غيره تعالى فعل شيئا من ذلك حقيقة بل معناه أن الله تعالى ربط المسببات بأسبابها كما شاء وأراد سواء كانت الأسباب أسبابا عادية لمسبباتها كما في سببية السم للقتل والنار للإحراق والماء للإرواء أو أسبابا غير عادية لمسبباتها كما في إرادة عيسى عليه السلام لإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص
    وكذلك جميع ما يظهر على أيدي الأنبياء والأولياء من المعجزات والكرامات عند إرادة ذلك النبي أو الولي ولو شاء تعالى لم يربطها وهو الخالق حقيقة لمسبباتها عند وجودها لا أن تلك الأسباب هي الموجدة حقيقة قلت وذكر شيخ شيوخنا خاتمة المحققين السيد أحمد دخلان رحمه الله تعالى في رسالة له فيما يتعلق بقوله تعالى يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم الآية أن لربط الله تعالى المسببات بأسبابها حكما ومصالح كثيرة منها أن المكلفين إذا تحملوا المشقة في الحرث
    ____________________
    (3/47)
    باستحقاق العبادة والإلهية وعموم تعلق صفاته تعالى فيتعلق علمه بجميع المعلومات وإرادته بجميع الكائنات وبصره بجميع الموجودات الباقيات والفانيات وسمعه بجميع الأصوات وخبره بجميع المخبرات فهذا ونحوه توحيد واجب بالإجماع من أهل الحق لا مشاركة لأحد فيه
    القسم الثاني وهو المتفق على عدم التوحيد فيه والتوحد كتوحيده بالوجود والعلم ونحوهما فمفهوم الوجود مشترك فيه سواء قلنا هو عين الموجود أو غيره فإن قلنا الوجود زائد على الموجود فهو مشترك فيه في الخارج وإن قلنا وجود كل شيء نفس ماهيته فنريد نفس ماهيته في الخارج وأما في الذهن فنحن نتصور من معنى الوجود معنى عاما يشمل الواجب والممكن فتلك الصورة الذهنية وقعت الشركة فيها فعلمنا أن التوحيد في أصل الوجود غير واقع على التقديرين وكذلك مفهوم العلم من حيث هو علم وقعت الشركة فيه بين الواجب والممكن وكذلك مفهوم الحياة والسمع والبصر والإرادة والكلام النفساني
    هامش أنوار البروق
    الذهني أو لا فإن قلنا بالأول لم يصح الاتفاق على عدم التوحيد والتوحد للخلاف في الأمر الذهني وإن قلنا بالثاني لم يصح القول بعدم التوحيد والتوحد لاختصاص كل واحد من الغيرين بحاله كما سبق في الوجود وما قاله من أنه لولا الشركة في أصول هذه المفهومات لتعذر علينا قياس الغائب على الشاهد ليس بصحيح من حيث إن الشركة في أصول هذه المفهومات لم تثبت فيتعذر قياس الغائب على الشاهد وما ذكر من أن بعض الفضلاء أورده وارد وجوابه بالتزام بطلان قياس الغائب على الشاهد وعدم تعذر إثبات الصفات لذلك لأنه لا يتعين لإثباتها قياس الغائب على الشاهد وما أجاب هو به عن ذلك السؤال لا يصح إلا على القول بالأحوال ولا حاجة إلى ذلك لعدم تعين قياس الغائب على الشاهد للدلالة على الصفات والله تعالى أعلم وما قاله في القسم بعده صحيح
    هامش إدرار الشروق
    والغرس طلبا للثمرات وكدوا أنفسهم في ذلك حالا بعد حال علموا أنهم لما احتاجوا إلى تحمل هذه المشاق لطلب هذه المنافع الدنيوية فلأن يحتاجوا إلى تحمل مشاق الطاعة التي هي أقل من مشاق المنافع الدنيوية من باب أولى لأن مشاق الطاعة تثمر المنافع الأخروية التي هي أعظم من الدنيوية
    ومنها أنه تعالى أجرى عادته بتوقف الشفاء على الدواء في بعض الأحيان ليعلم الإنسان أنه إذا تحمل مرارة الأدوية دفعا لضرر المرض فلأن يتحمل مشاق التكليف دفعا لضرر العقاب من باب أولى ومنها أنه سبحانه وتعالى لو خلق المسببات دفعة واحدة من غير وسائط أسبابها لحصل العلم الضروري باستنادها إلى القادر الحكيم وذلك كالمنافي للتكليف والابتلاء لأنه لا يبقى كافر ولا جاحد حينئذ فلما خلقها بهذه الوسائط ظهرت حكمة التكليف والابتلاء وتميزت الفرقة الموصوفة بالشقاء عن الفرقة الموصوفة بالشقاء لأن المهتدي يفتقر في استنادها إلى القادر المختار إلى نظر دقيق وفكر غامض فيستوجب الثواب ولهذا قيل لولا الأسباب لما ارتاب مرتاب ومنها أنه يظهر للملائكة وأولي الاستبصار عبر في ذلك وأفكار صائبة إلى غير ذلك من الحكم التي لا يحيط بها إلا الواحد القهار
    ولما كان المقصود من الاستدلال بهذه الآية على وجود الصانع واتصافه بالكمالات واستحقاقه لأنواع إنما هو العلم وكان علم الإنسان بأحوال نفسه أظهر من علمه
    ____________________
    (3/48)
    وأنواعه من الطلب في الأمر والنهي والخبر وغير ذلك من أنواع الكلام النفساني ولولا الشركة في أصول هذه المفهومات لتعذر علينا قياس الغائب على الشاهد فإن القياس بغير مشترك متعذر وقياس المباين على مباينه لا يصح
    وقد أورد بعض الفضلاء هذا السؤال فقال إن كان القياس صحيحا لمعنى مشترك بين الشاهد والغائب فقد وقعت المشابهة بين صفات الله تعالى وصفات البشر والله سبحانه وتعالى لا تشبه ذاته ذاتا ولا صفة من صفاته صفة من صفات غيره ليس كمثله شيء وهو السميع البصير والسلب الذي في هذه الآية عام في الذات والصفات وإن لم يكن القياس صحيحا تعذر إثبات الصفات فإن مستندها قياس الغائب على الشاهد
    والجواب عن هذا السؤال أن السلب للمثلية المستفاد من الآية صحيح والقياس أيضا صحيح ووجه الجمع بينهما أن المعاني لها صفات نفسية تقع الشركة فيها فبها يقع القياس وتلك الصفات النفيسة حكم لذلك المعنى وحال من أحواله النفسية وهي حالة غير معللة وذلك كما نقول كون السواد سوادا وكون البياض بياضا حالة للسواد والبياض وهي حالة غير معللة وهذه الحال لا موجودة ولا معدومة فليس خصوص السواد الذي امتاز به على جميع الأعراض صفة وجودية قائمة بالسواد وكذلك كونه عرضا ليس بصفة وجودية قائمة بالسواد بل السواد في نفسه بسيط لا تركيب فيه وحقيقة واحدة في الخارج ليس لها صفة بل يوصف بها ولا
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    بأحوال غيره قدم سبحانه وتعالى فيها دلائل الأنفس على دلائل الآفاق ومن دلائل الأنفس نفس الإنسان ثم ذكر آبائه وأمهاته بقوله والذين من قبلكم
    ومن دلائل الآفاق الأرض لأنها أقرب إلى الإنسان من السماء ومعرفته بحالها أكثر من معرفته بحال السماء وقدم ذكر السماء على ذكر الماء وخروج الثمرات بسبب الماء لأن ذلك كالأثر المتولد من السماء والأرض والأثر متأثر عن المؤثر وروي أن بعض الزنادقة أنكر الصانع عند جعفر الصادق رضي الله عنه فقال له جعفر هل ركبت البحر قال نعم قال هل رأيت أهواله قال نعم هاجت يوما رياح هائلة فكسرت السفن وأغرقت الملاحين فتعلقت ببعض ألواحها ثم ذهب عني ذلك اللوح فإذا أنا مدفوع في تلاطم الأمواج حتى دفعت إلى الساحل فقال جعفر قد كان اعتمادك من قبل على السفينة والملاح واللوح بأنه ينجيك فلما ذهبت هذه الأشياء عنك هل أسلمت نفسك للهلاك أم كنت ترجو السلامة بعده قال بل رجوت السلامة قال ممن ترجوها فسكت الرجل فقال جعفر إن الصانع هو الذي ترجوه ذلك الوقت وهو الذي أنجاك من الغرق فأسلم الرجل على يده وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمران بن حصين رضي الله عنهما كم لك من آلة قال عشرة قال فمن نعمك وكرمك ورفع الأمر العظيم إذا نزل بك من جملتهم قال الله تعالى فقال عليه السلام ما لك من إله إلا الله
    وكان الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه سيفا على الدهرية وكانوا ينتهزون الفرصة ليقتلوه فبينما هو قاعد في مسجده إذ هجم عليه جماعة منهم بأيديهم سيوف مسلولة وهموا بقتله فقال لهم أجيبوني على مسألة ثم افعلوا ما شئتم فقالوا له هات فقال ما تقولون في رجل يقول لكم إني رأيت سفينة مشحونة بالأحمال مملوءة بالأثقال قد
    ____________________
    (3/49)
    توصف بصفة وجودية حقيقة تقوم بها وكذلك القول في بقية المعاني
    فكذلك كون العلم علما صفة نفسية وحالة له ليست صفة موجودة في الخارج قائمة بالعلم فالقياس وقع بهذه الحالة النفسية والحكم النفسي لا بصفة وجودية وكذلك القول في الإرادة والحياة وغيرهما من بقية الصفات وإذا كان القياس إنما هو باعتبار أمر مشترك بين الشاهد والغائب وهو حكم نفسي وحالة ذاتية ليست بموجودة في الخارج فالسلب الذي في الآية معناه أن المثلية منفية بين الذات وجميع الذوات
    وكل صفة له تعالى وبين جميع صفات المخلوقات في أمر وجودي فإنه لا صفة وجودية مشتركة بين الله وخلقه ألبتة بل الشركة إنما وقعت في أمور ليست موجودة في الخارج كالأحوال والأحكام والنسب والإضافات كالتقدم والتأخر والقبلية والبعدية والمعية وغير ذلك من النسب والإضافات أما في صفة وجودية فلا فهذا وجه الجمع بين قياس الشاهد على الغائب وبين نفي المشابهة وبسط هذا في كتب أصول الدين وقد بسطته في شرح الأربعين وأوردت هذا السؤال وأجبت عنه هنالك مبسوطا فهذا القسم ونحوه لا يجب التوحيد فيه على هذا التفسير إجماعا فيجوز أن يوصف المخلوق بأنه عالم ومريد وحي وموجود ومخبر وسميع وبصير ونحو ذلك من غير اشتراك في اللفظ بل باعتبار معنى عام على ما تقدم تفسيره
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    احتوشتها في لجة البحر أمواج متلاطمة ورياح مختلفة وهي من بينها تجري مستوية ليس لها ملاح يجريها ولا مدبر يدبر أمرها هل يجوز ذلك في العقل قالوا لا هذا شيء لا يقبله العقل فقال أبو حنيفة يا سبحان الله إذا لم يجوز العقل سفينة تجري من غير ملاح يديرها في جريانها فكيف يجوز قيام هذه الدنيا على اختلاف أحوالها وتغير أعمالها وسعة أطرافها من غير صانع وحافظ فبكوا جميعا وقالوا صدقت وأغمدوا سيوفهم وتابوا
    وروي أن بعض الدهرية سأل الإمام الشافعي رضي الله عنه ما الدليل على الصانع فقال ورقة الفرصاد أي التوت طعمها واحد ولونها واحد وريحها واحد وطبعها واحد عندكم قالوا نعم قال فتأكلها دودة القز فيخرج منها الإبريسم وتأكلها النحل فيخرج منها العسل وتأكلها الشاة فيخرج منها البعر وتأكلها الظبية فينعقد في نوافجها المسك فمن الذي جعلها كذلك مع أن الطبع واحد فاستحسنوا ذلك وآمنوا على يده وكانوا سبعة عشر ا ه
    المراد فالله تعالى هو الخالق للممكنات وللعباد وأفعالهم جميعا قال العلامة الأمير علي عبد السلام على جوهرة التوحيد وليس لقدرة العبد إلا مجرد المقارنة كالأسباب العادية معها لا بها وليس خلق الله تعالى بآلة خلافا لقول ابن عربي للعبد آلة والعبد آلة لفعل الرب ذكره في وما رميت أي إيجابا إذ رميت كسبا فلا تناقض ومع أن الفعل له تعالى فالأدب أن لا ينسب له إلا الحسن بإشارة ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وإن كان معناه كسبا بدليل الأخرى قل كل من عند الله أي خلقا وانظر لقول الخضر فأردت أن أعيبها مع قوله فأراد ربك أن يبلغا أشدهما
    ____________________
    (3/50)
    القسم الثالث الذي اختلف فيه هل يجب توحيد الله تعالى به أم لا فهذا هو التعظيم بالقسم فهل يجوز أن يقسم بغير الله تعالى فلا يكون من التعظيم الذي وجب التوحيد فيه أو لا يجوز فيكون من التعظيم الذي وجب التوحيد فيه وهذا القسم هو الذي سيق الفرق لأجله لأنه المتعلق بالقواعد الفقهية وقد اختلف العلماء فيه فقال الشيخ الفقيه أبو الوليد بن رشد في المقدمات هو مباح كالحلف بالله تعالى وبأسمائه الحسنى وبصفاته العلا ومحرم كالحلف باللات والعزى وما يعبد من دون الله تعالى لأن الحلف تعظيم وتعظيم هذه الأشياء قد يكون كفرا وأقله التحريم ومكروه وهو الحلف بما عدا ذلك
    وقاله الشافعي رضي الله تعالى عنه لما في مسلم قال صلى الله عليه وسلم ألا إن الله تعالى نهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت ومن المكروه الحلف بالرسول صلى الله عليه وسلم أو بالكعبة وقال أبو الحسن اللخمي بالمخلوقات كالنبي صلى الله عليه وسلم ممنوع فمن فعل ذلك استغفر الله تعالى واختلف في جواز الحلف بصفات الله تعالى كالقدرة والإرادة والعلم ونحوها من الصفات السبعة فالمشهور الجواز ولزوم الكفارة في ذلك إذا حنث وقاله أبو حنيفة والشافعي وابن حنبل رضي الله تعالى عنهم أجمعين وروي عن مالك رحمه الله الكراهة في لعمر الله وأمانة الله وإن حلف بالقرآن والمصحف ليس بيمين ولا كفارة فيه
    وقال الشيخ جلال الدين في الجواهر لا يجوز الحلف بصفات الله الفعلية كالرزق
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    والنوع الثالث استحقاق العبادة والآلهية وعموم تعلق صفاته تعالى فيتعلق علمه بجميع المعلومات وإرادته بجميع الممكنات وبصره بجميع الموجودات الباقيات والفانيات وسمعه بجميع الأصوات وخبره بجميع المخبرات فتوحيده تعالى في هذا ونحوه واجب بالإجماع من أهل الحق لا مشاركة لأحد فيه والنوع الرابع كل لفظ أشهر استعماله في حق الله تعالى خاصة كلفظ الله والرحمن ولفظ تبارك فلا يجوز إطلاقه على غيره تعالى فلا يسمى بالله والرحمن غيره تعالى وتقول تبارك الله أحسن الخالقين ولا تقول تبارك زيد قلت وإطلاق بني حنيفة على مسيلمة رحمن اليمامة وقال شاعرهم علوت بالمجد يا ابن الأكرمين أبا وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا قال الصبان في رسالته البيانية أجاب الزمخشري عنه بأنه من تفننهم في كفرهم قال المحقق المحلي إلا أن هذا الاستعمال غير صحيح دعاهم إليه لجاجهم في كفرهم بزعمهم نبوة مسيلمة دون النبي صلى الله عليه وسلم كما لو استعمل كافر لفظة الله في في غير الباري من آلهتهم
    ا ه قال شيخ الإسلام أي فخرجوا بمبالغتهم في كفرهم عن منهج اللغة حيث استعملوا المختص بالله تعالى في غيره
    ا ه قال الأنبابي وقد عارض شاعرهم ابن جماعة بقوله علوت بالكذب يا ابن الأخبثين أبا وأنت مغوي الورى لا زلت شيطانا قال وهؤلاء الأئمة الأعلام لم يقولوا ما ذكر كما لا يخفى إلا بالوقوف على ما يدل على الاختصاص
    ____________________
    (3/51)
    والخلق ولا يجب فيه كفارة ويدل على جواز الحلف بصفات الله تعالى القديمة ما في البخاري أن أيوب عليه الصلاة والسلام قال بلى وعزتك لا غنى لي عن بركتك فإن قلت فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الأعرابي السائل عما يجب عليه أفلح وأبيه إن صدق فقد حلف عليه الصلاة والسلام بأبي الأعرابي وهو مخلوق قلت قد اختلف في صحة هذه اللفظة في الحديث فإنها ليست في الموطإ بل أفلح إن صدق فلنا منعها على الخلاف في زيادة العدل في روايته أو نجيب بأنه منسوخ بالحديث المتقدم قاله صاحب الاستذكار ابن عبد البر أو نقول هذا خرج مخرج توطئة الكلام لا الحلف نحو قولهم قاتله الله تعالى ما أشجعه ولا يريدون الدعاء عليه بل توطئة الكلام ومنه قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها تربت يداك ومن أين يكون الشبه ولم يرد الدعاء عليها بالفقر الذي يكنى بالإلصاق بالتراب تقول العرب التصقت يده بالأرض وبالتراب إذا افتقر بل أراد عليه الصلاة والسلام توطئة الكلام
    فإذا تقرر القسم المختلف في توحيد الله تعالى به في الحلف فهل يجوز أن يشرك معه غيره بأن يقسم عليه ببعض مخلوقاته بأن يقول بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم عليك أو بحرمة الأنبياء والصالحين إلا غفرت لنا أو بحق الملائكة المقربين إلا سترت علينا أو بحرمة البيت الحرام والطائفين والقائمين والركع السجود إلا هديتنا هديهم وسلكت بنا سبيلهم
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    لغة وهو لا يكون إلا باشتراط الوضع عدم استعماله في غيره تعالى إذ من المعلوم أن اختصاص المشتق بشيء بحيث يكون إطلاقه على غيره فاسدا لغة وإن قام مبدأ الاشتقاق بذلك الغير لا يتأتى إلا باشتراط الواضع أن هذا المشتق لا يستعمل في غيره وهو وإن كان بعيدا في ذاته لكن حيث نقل الأئمة الموثوق بهم اختصاصه وجب قبول قولهم ولا عبرة بالبعد كما لا يخفى ودعوى سم عدم الدليل على الاشتراط لا تسمع وأي مانع من كون هؤلاء الأئمة أخذوا عن العرب مشافهة أو بواسطة أنه لا يصح استعمال الرحمن في غيره تعالى وهو دليل اشتراط الوضع فإن ما يحكم به العربي فيما يتعلق باللغة بمقتضى ما يعلمه إنما يكون بسبب حكم الواضع كما لا يخفى وكون العربي يخرج بتعنته عن اللغة ويكابر فيها مما لا يشك فيه
    فالحق هو الجزم بخطأ بني حنيفة في إطلاق الرحمن على غيره تعالى وما أفاده قول الجلال المحلي كما لو استعمل كافر لفظة الله إلخ مع أنه لا يصح ذلك الاستعمال لغة لا حقيقة ولا مجازا مسلم لا يرد عليه أن الصحيح جواز التجوز في الأعلام لأن سبيل هذا أيضا نقل الأئمة الموثوق بهم فلفظ الجلالة مستثنى بلا شبهة فلا محل لهذا الإشكال ولا لدعوى عدم الدليل على اشتراط الواضع أنه لا يستعمل في غيره تعالى ولا لدعوى أنه يصح جواز إطلاقه على غيره تعالى مجازا بعلة أن الصحيح جواز التجوز في الأعلام
    وكذا لا محل لدعوى أن المختص به تعالى المعرف بأل دون غيره على أن سهيل بن عمرو لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عليا كرم الله تعالى وجهه في صلح الحديبية بكتابة بسم الله الرحمن الرحيم قال لا نعرف الرحمن إلا صاحب اليمامة وهذا صريح في أنهم كانوا يطلقونه معرفا ومنكرا فلا تنفع هذه الدعوى وكذا
    ____________________
    (3/52)
    فقد ورد ذلك في بعض الأحاديث أو يمتنع لأنه قسم وتعظيم القسم بغير الله تعالى وقد توقف في هذا بعض العلماء ورجح عنده التسوية بين الحلف بغير الله وبين الحلف على الله تعالى بغيره وقال الكل قسم وتعظيم فإن قلت قد حلف الله تعالى بالشمس وضحاها والتين والزيتون والسماء والطارق وغير ذلك من المخلوقات فكيف يختلف في الجواز مع وروده في القرآن متكررا
    قلت اختلف العلماء في الواقع في القرآن من ذلك فمنهم من قال فيه كله مضاف محذوف تقديره أقسم برب الشمس أقسم برب التين والزيتون وكذا البواقي فما وقع الحلف إلا بالله تعالى دون خلقه ومنهم من قال إنما أقسم الله تعالى بها تنبيها لعباده على عظمتها عنده فيعظمونها ولا يلزم من الحجر على الخلق في شيء أن يثبت ذلك الحجر في حقه تعالى فإنه الملك المالك على الإطلاق يأمر بما يشاء ويحكم بما يريد من غير اعتراض ولا نكير فيحرم على عباده ما يشاء ولا يحرم شيء من ذلك عليه فإن قلت إذا قلنا بالحلف بصفات الله تعالى المعنوية كالعلم والكلام ونحوهما فهل القرآن من هذا القبيل وكذلك التوراة والإنجيل والزبور وسائر الكتب المنزلة أم ليس كذلك قلت قال أبو حنيفة هذه الأشياء ليست منها وإن كان كلام الله تعالى النفسي منها لاشتهار لفظ القرآن في الأصوات المسموعة عرفا وأنه لا يفهم من إطلاق لفظ القرآن إلا هذه الأصوات
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    لا محل لدعوى أن الاختصاص شرعي لا لغوي ودعوى أنه لا إشكال على القول بأنه شرعي دون القول بأنه لغوي علمت ما فيها وأن الواقع عكس ذلك وعلمت أن دعوى أن علة اختصاصه هي كون معناه المنعم الحقيقي البالغ من الإنعام غايته أو المنعم بجلائل النعم وذلك لا يصدق على غيره تعالى المقتضي أن الاختصاص شرعي لا لغوي لا تصح إذ لا وجه لرد كلام الأئمة الأعلام بمجرد عدم الاطلاع على دليلهم فالحق أن منع إطلاق الرحمن على غيره تعالى لغوي وشرعي وأنه مجاز لا حقيقة له ا ه
    أي لأن حقيقة الرحمة وهي ورقة القلب مستحيلة في حقه تعالى فالمراد منها لازمها وهو إرادة الإحسان أو الإحسان القسم الثاني قال الأصل ما لا يجب التوحيد والتوحد به كتوحيده بالوجود لأنه إما عين الموجود أو غيره ومفهومه على الثاني مشترك فيه خارجا وعلى الأول مشترك فيه ذهنا لا خارجا لأن المراد بقولنا وجود كل شيء نفس ماهيته أنه نفسها في الخارج وأما في الذهن فنتصور من معناه معنى عاما يشمل الوجود الواجب والوجود الممكن فوقعت الشركة في تلك الصورة الذهنية فلم يقع التوحيد في أصل الوجود على التقديرين وكتوحيده بالعلم والحياة والسمع والبصر والإرادة والكلام النفساني وأنواعه من الطلب في الأمر والنهي والخبر وغير ذلك لثبوت الشركة في أصول هذه المفهومات وإلا فقياس الغائب على الشاهد بغير مشترك متعذر إذ لا يصح قياس المباين على مباينه وإذا لم يصح قياس للغائب على الشاهد
    ____________________
    (3/53)
    والحروف والأصوات والحروف مخلوقة فعند الإطلاق ينصرف اللفظ إليها والحلف بالمخلوق منهي عنه
    والمنهي عنه لا يوجب كفارة فلا يجب بالحلف بالقرآن كفارة وكذلك بقية الكتب
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    تعذر إثبات الصفات فإنه مستندها وكون السلب في قوله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير عاما في الذات والصفات وإن أورده الفضلاء لا يرد لإمكان الجمع بين صحة سلب المثلية المستفاد من الآية وبين صحة القياس بكون السلب باعتبار معاني تلك الصفات والقياس باعتبار أحوال معانيها النفسانية التي هي غير معللة ولا موجودة ولا معدومة
    فكما نقول كون السواد سوادا وكون البياض بياضا حالة للسواد والبياض غير معللة ولا موجودة ولا معدومة فليس خصوص السواد بالذي امتاز به على جميع الأعراض صفة وجودية قائمة بالسواد بل السواد في نفسه بسيط لا تركيب فيه وحقيقة واحدة في الخارج ليس لها صفة بل يوصف بها ولا توصف بصفة وجودية حقيقة تقوم بها وكذلك القول في بقية المعاني كذلك تقول كون العلم علما صفة نفسية وحالة له ليست صفة موجودة في الخارج قائمة بالعلم وكذلك القول في الإرادة والحياة وغيرهما من بقية الصفات فالقياس إنما هو باعتبار أمر مشترك بين الشاهد والغائب هو حكم نفسي وحالة ذاتية ليست بموجودة في الخارج ومعنى السلب في الآية أن المثلية منفية بين الذات وجميع الذوات وبين كل صفة له تعالى وجميع صفات المخلوقات في أمر وجودي إذ لا صفة وجودية مشتركة بين الله تعالى وخلقه ألبتة بل الشركة إنما وقعت في أمور ليست موجودة في الخارج كالأحوال والأحكام والنسب والإضافات كالتقدم والتأخر والقبلية والبعدية والمعية وغير ذلك من النسب والإضافات ا ه ملخصا
    وتعقبه ابن الشاط أولا بأن عدم التوحيد والتوحد إجماعا لا يصح لا على أن الوجود عين الموجود لأنه إما باعتبار الوجود الخارجي فيختص كل من الباري تعالى وغيره بوجود منفرد بذاته غير مشارك فيه وإما باعتبار الوجود الذهني فيجري الخلاف في وجوده ضمن أفراده كما مر ولا على أن الوجود غير الموجود لأنه إما على إنكار الحال فيختص كل من الباري تعالى وغيره بوجوده وإما على القول بالحال فإما على أن الحال هو الأمر الذهني فيجري الخلاف في وجوده ضمن إفراده كما مر
    وأما على أن الحال هو الأمر الذي له ثبوت في نفسه وفي محله فيختص كل من الباري تعالى وغيره بحاله كما سبق في الوجود وثانيا بأن الشركة في أصول مفهومات العلم وما معه من صفات المعاني كنطق العلم مثلا بين علمه تعالى وعلم غيره لم يثبت فيتعذر قياس الغائب على الشاهد بل على فرض ثبوتها وعدم التعذر نلتزم بطلان قياس الغائب على الشاهد بمنع اللزوم في نحو قولنا لو لم يتصف بالكلام مثلا لزم النقص لإمكان أنه نقص في الشاهد عندنا فقط كعدم الزوجية والولد فيندفع ما أورده بعض الفضلاء بناء على تسليم صحة القياس ولا نسلم تعذر إثبات الصفات ببطلانه إذ لا يتعين مستندا لإثباتها فلا حاجة للجواب عن الإيراد المذكور بما لا يصح إلا على القول بالأحوال والحق خلافه ا ه بتلخيص وتوضيح للمراد
    قلت وقوله إذ لا يتعين مستندا لإثباتها أي فإنها قد تثبت بورود إطلاق مشتقاتها عليه تعالى والأصل في الإطلاق الحقيقة مع إجماع أهل الملل والأديان وجميع العقلاء على الإطلاق المذكور نعم في الأمير على عبد السلام على جوهرة التوحيد وفي الخيالي على الاستدلال بالمشتق يقتضي ثبوت المأخذ في السعد إن أرادوا اقتضاء ثبوت
    ____________________
    (3/54)
    وقال مالك يجب عليه الكفارة إذا حلف بالقرآن لانصرافه عنده للكلام القديم النفسي والظاهر ما قاله أبو حنيفة رضي الله عنه فإنا لا نفهم من قبول القائل القرآن وهو يحفظ القرآن وكتب القرآن إلا هذه الأصوات والرقوم المكتوبة بين الدفتين وهو الذي يفهم من
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    المأخذ في نفسه بحسب الخارج فمنقوض بمثل الواجب والموجود أي مما لا يقتضي الغيرية وإن أرادوا ثبوته لموصوفه بمعنى إنصافه به فلا يتم ذلك غرضهم
    قال الأمير وقول عبد الحكيم في دفع النقض قيل فرق لأن المأخذ أي في صفات المعاني تثبت غيريته مدفوع بأن الغيرية لم تثبت في حقه تعالى عند الخصم وفي الخيالي قال صاحب المواقف لا تثبت في غير الإضافة وفي عبد الحكم عليه ما نصه بالحرف قال صاحب المواقف إلا حجة على ثبوت أمر سوى الإضافة التي يصير بها العالم عالما والمعلوم معلوما قال المحقق الدواني في شرح العقائد العضدية اعلم أن مسألة زيادة الصفات وعدم زيادتها ليست من الأصول التي يتعلق بها تكفير أحد الطرفين وقد سمعت بعض الأصفياء أنه قال عندي إن زيادة الصفات وعدمها وأمثالهما لا يدرك إلا بكشف حقيقي للعارفين وأما من تمرن في الاستدلال فإن اتفق له كشف فإنما يرى ما كان غالبا على اعتقاده بحسب النظر الفكري ولا أرى بأسا في اعتقاد أحد طرفي النفي والإثبات في هذه المسألة ا ه
    قال الأمير ولو اختير الوقف لكان أنسب وأسلم من افتراء الكذب على الله تعالى وماذا على الشخص إذا لقي ربه جازما بأنه على كل شيء قدير مقتصرا عليه مفوضا علم ما وراء ذلك إليه لكن اشتهر عند الناس كلام الجماعة على حد قول الشاعر وهل أنا إلا من غزية إن غوت
    غويت وإن ترشد غزية أرشد قال وقال الشعراني في اليواقيت يتلخص من جميع كلام الشيخ الأكبر رحمه الله أنه قائل بأن الصفات عين لا غين كشفا ويقينا وبه قال جماعة من المتكلمين وما عليه أهل السنة والجماعة أولى والله تعالى أعلم بالصواب ا ه
    ثم قال الأمير بعد أوراق قال الشمس السمرقندي في الصحائف والخلاف في كون صفات المعاني ليست بغير الذات كما للجمهور أو غيرها نظرا للمفهوم وزيادة الوجود وإن لم تنفك كما لبعضهم خلاف لفظي ولكون الصفات ليست غير أوقع في بعض العبارات التسمح بإضافة ما للذات لها نحو تواضع كل شيء لقدرته وفي الحقيقة اللام للأجل أي تواضع كل شيء لذاته لأجل قدرته وإلا فعبادة مجرد الصفات من الإشراك كما أن عبادة مجرد الذات فسق وتعطيل عند الجماعة وإنما الذات المتصفة بالصفات وفي الحقيقة الذات من حيث هي ذات لا سبيل لها وإنما حضرتها وحدة محضة حتى قالوا إن في قولهم في الذات تسمحا لأن بتجليها يتلاشى ما سواها وإنما الآثار ممسوكة بالصفات فكيف تنفى وإذا وصل العارف لوحدة الوجود في الكون فلا يتوقف في التوحيد مع ثبوت الصفات ولا يعقل افتقار في ذات اتصفت بالكمالات فلا تغتر بما سبق عن الشيخ الأكبر يعني قوله في باب الأسرار بناء على ميله لنفي زيادة الصفات من الأدب أن تسمى الصفات أسماء لأن الله تعالى قال ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وما قال فصفوه بها فمن عرفه حق المعرفة الممكنة للعالم سماه ولم يصفه قال ولم يرد لنا خبر في الصفات إلى أن قال وقد قال تعالى سبحان ربك رب العزة عما يصفون فنزه نفسه في
    ____________________
    (3/55)
    نهيه عليه الصلاة والسلام عن أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو فإن المسافرة متعذرة بالقديم وروي عن مالك مثل ما قاله أبو حنيفة رضي الله تعالى عنهم أجمعين ومن الألفاظ التي نص العلماء على توحيد الله تعالى بها لفظ الله والرحمن فلا يجوز إطلاقهما
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    هذه الآية عن الصفة لا عن الاسم فهو المعروف بالاسم لا بالصفة كما في يواقيت الشعراني أواخر المبحث الحادي عشر فتأمل بتدقيق فهو غاية التحقيق
    القسم الثالث ما اختلف في وجوب توحيد الله تعالى به وعدم وجوبه من التعظيم بالقسم أو الإقسام وهذا القسم هو المتعلق بالقواعد الفقهية فلأجله سيق الفرق أما القسم ففي بداية المجتهد لحفيد بن رشد مع زيادته من الأصل اتفق الجمهور على أن الأشياء منها ما يجوز في الشرع أن يقسم به ومنها ما لا يجوز أن يقسم به واختلفوا أي الأشياء هي المتصفة بالجواز والمتصفة بعدمه فقال قوم إن الحلف المباح في الشرع هو الحلف بالله وأن الحالف بغير الله عاص وعليه قول أبي الحسن اللخمي الحلف بالمخلوقات كالنبي صلى الله عليه وسلم ممنوع فمن فعل ذلك استغفر الله تعالى ا ه
    وقال قوم بل يجوز الحلف بكل معظم بالشرع وعليه قول أبي الوليد بن رشد في المقدمات الحلف باللات والعزى وما يعبد من دون الله تعالى محرم لأنه تعظيم وتعظيم هذه الأشياء قد يكون كفرا وأقله التحريم وبما عدا ذلك من المخلوقات كالرسول صلى الله عليه وسلم والكعبة والآباء مكروه ا ه
    وقاله الشافعي رضي الله عنه والذين قالوا إن الأيمان المباحة هي الأيمان بالله تعالى اتفقوا على إباحة الأيمان بأسمائه واختلفوا في الأيمان التي بصفاته وأفعاله وسبب اختلافهم في الحلف بغير الله من الأشياء المعظمة بالشرع أن ظاهر الكتاب حيث حلف الله تعالى في الكتاب بالشمس وضحاها والتين والزيتون والسماء والطارق وغير ذلك من المخلوقات وظاهر قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الأعرابي السائل عما يجب عليه أفلح وأبيه إن صدق فقد حلف عليه الصلاة والسلام بأبي الأعرابي وهو مخلوق معارضان لما في مسلم قال صلى الله عليه وسلم ألا إن الله تعالى نهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت فمن جمع بين حديث مسلم وبين الكتاب وحديث الأعرابي بقوله في الكتاب إما مضاف محذوف تقديره ورب النجم ورب السماء والطارق
    وكذا البواقي فما وقع الحلف إلا بالله تعالى دون خلقه وإما أن إقسامه تعالى بها تنبيه لعباده على عظمتها عنده فيعظمونها ولا يلزم من الحجر على الخلق في شيء أن يثبت ذلك الحجر في حقه تعالى فإنه الملك على الإطلاق يأمر بما يشاء ويحكم بما يريد من غير اعتراض ولا نكير فيحرم على عباده ما يشاء دون أن يحرمه على نفسه وحديث الأعرابي إما أنه منسوخ بحديث مسلم وإما أن لفظة وأبيه فيه لم يقصد بها الحلف بل التوطئة على حد قولهم قاتله الله تعالى ما أشجعه وقوله عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها تربت يداك ومن أين يكون الشبه فإن النبي صلى الله عليه وسلم والعرب لم يريدوا الدعاء بالقتل ولا بالفقر الذي يكني عنه بالإلصاق بالتراب تقول العرب التصقت يده بالأرض وبالتراب إذا افتقر وإنما أرادوا توطئة الكلام أو إنها ليست في الموطإ وإنما فيه أفلح إن صدق وزيادة العدل في روايته اختلف في قبولها قال الأيمان المباحة هي الحلف بالله تعالى ومن جمع بينهما بقوله المقصود بحديث مسلم إنما هو أن لا يعظم من لم يعظم الشرع بدليل قوله فيه ألا إن الله نهاكم أن تحلفوا بآبائكم وأن هذا من باب الخاص أريد به
    ____________________
    (3/56)
    على غيره ولا يسمى بهما غيره ومن ذلك لفظ تبارك فتقول تبارك الله أحسن الخالقين ولا تقول تبارك زيد وكذلك كل لفظ اشتهر استعماله في حق الله تعالى خاصة لا يجوز إطلاقه على غيره وهذه الأمور من القرآن وتبارك ونحوها مما يقبل الحكم فيها التغير إذا
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    العام أجاز الحلف بكل معظم في الشرع في سبب اختلافهم هو اختلافهم في بناء الآية وحديث مسلم ا ه
    وعلى الجمع الأول اقتصر العلامة الأمير حيث قال في ضوء الشموع عند قوله في المجموع وحرم حلف بغير الله ما نصه وإقسام الله تعالى بالنجم ونحوه لأن له أن يقسم بما شاء وبأسراره التي يعلمها في أفعاله تنبيها على عظمتها ولسريان سر الحق فيها من غير حلول ولا اتحاد فإنها مظاهره مع تنزهه كما يعلم ونحن لوقوفنا على ظاهرها وحبسنا مع غيريتها نهينا ولما ذاق من ذاق شيئا من وحدة الوجود فأطلق لسانه حصل له ما حصل ولذلك يشير فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم أي لو تعلمون سريان سر الحق فيها وأنها مظاهره ولما كان هو العالم بذلك أقسم تارة بها وتارة بفاعليته لها فقال والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والأنثى وتارة جمع الأمرين فقال والسماء وما بناها والأرض وما طحاها ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها
    ولله در الجزولي حيث قال في الأقسام الاستعطافية في دلائل الخيرات وبالاسم الذي وضعته على الليل فأظلم وعلى النهار فاستنار إلى ما آخر ما قال فالوضع معنوي أي إن هذه مظاهر تجليه ونكتة أخرى إنما نهينا عن الحلف بغيره لما فيه من مشابهة المشركين في حلفهم بأسماء آلهتهم وهذا في إقسام الله تعالى لا يكون على أن بعضهم يقدر مضافا أي ورب النجم وللزمخشري أن ذلك خرج عن حقيقة القسم إلى مجرد توكيد الكلام وحمل القرافي على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي سأله عما يجب عليه ثم قال لا أنقص ولا أزيد أفلح إن صدق وأبيه نظير قوله لعائشة تربت يمينك وقولهم قاتله الله ما أكرمه انظر ح ا ه
    وأما سبب اختلافهم في منع الحلف بصفات الله وبأفعاله فهو كما في بداية المجتهد اختلافهم في أنه هل يقتصر بحديث مسلم على ما جاء من تعليق الحكم فيه بالاسم فلا يتعداه إلى الصفات والأفعال أو يتعداه إليهما لكن تعليق الحكم في الحديث بالاسم فقط جمود كثير وهو أشبه بمذهب أهل الظاهر وإن كان مرويا في المذهب حكاه اللخمي عن محمد بن المواز فالقول بمنع الحلف بصفات الله وبأفعاله ضعيف والقول بجوازه بصفات المعاني السبعة كالقدرة والإرادة والعلم ولزوم الكفارة بالحنث هو المشهور في المذهب وقول أبي حنيفة والشافعي وابن حنبل رضي الله عنهم أجمعين ويدل له أيضا ما في البخاري أن أيوب عليه السلام قال بلى وعزتك لا غنى لي عن بركتك ا ه
    وأما الحلف بصفات الأفعال ففي المجموع وشرحه وحاشيته ما حاصله أن اليمين لا ينعقد بنحو الإماتة والإحياء اللهم إلا أن يلاحظ المذهب الماتريدي وهو أن صفات الأفعال قديمة ترجع إلى صفة التكوين أو يريد مصدرها ومنشأها وهو القدرة أو الاقتدار الراجع للصفة المعنوية أي كونه قادرا إذ المعنوية ينعقد بها جزما ولا عبرة بتنظير ابن عرفة فيها فقد رده تلميذه الأبي كما في الرماصي والبناني ولا نظر إلى كونها ليست معاني موجودة خلافا للبناني تبعا لابن عاشر في عدم الانعقاد بالسلوب لذلك فإنها تنعقد بالصفة النفسية وليست معنى موجودا عند المحققين على أن وجود صفات المعاني أعني كونها معنى موجودا فيه خلاف طويل في كتب الكلام وقد تقدم في القسم الثاني من هذا الفرق وإن قال به المحققون نعم نظر عج في غير القدم والوحدانية من صفات السلوب لكن استظهر شيخنا الانعقاد أي
    ____________________
    (3/57)
    تغير العرف فإذا جاء عرف بكون أهله لا يريدون بلفظ القرآن إلا الكلام القديم تعين لزوم الكفارة به وجوز الحلف به فإن الأحكام المرتبة على العوائد تتبع العوائد وتتغير عند تغيرها فتأمل ذلك فهذا تلخيص الفرق بين قاعدة ما يجب توحيد الله تعالى به وتوحده وبين ما لا يجب
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    لأن من أنكرها يكفر وظاهره ولو بمخالفته للحوادث لا بمخالفة الحوادث له على الظاهر وإن تلازما لأن الملاحظ في الأول ارتفاع مجده وتقدسه عن مشابهتهم وهو صفة له وفي الثاني انحطاطهم عن مشابهته وقصورهم عنها وهو ليس صفة ا ه
    وما في الجواهر للشيخ جلال الدين من أنه لا يجوز الحلف بصفة الفعل ولا يجب فيه كفارة مبني على أن صفات الأفعال أمور اعتبارية تتجدد بتجدد المقدور وأنها حادثة كما يقول الأشاعرة وبالجملة فصفات الله وأسماؤه نوعان نوع ينعقد القسم بذاته من غير توقف على إرادة ونوع لا ينعقد القسم بذاته بل يتوقف على إرادة وسيأتي في الفرق الذي بعد هذا الفرق توضيح النوعين فترقب
    وأما الإقسام أي الحلف عليه تعالى بغيره من بعض مخلوقاته بأن يقال بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم عليك أو بحرمة الأنبياء والصالحين إلا غفرت لنا أو بحق الملائكة المقربين إلا سترت علينا أو بحرمة البيت الحرام والطائفين والقائمين والركع السجود إلا هديتنا هديهم وسلكت بنا سبيلهم فقد اختلفوا في جوازه لوروده في بعض الأحاديث ومنعه لأنه قسم وتعظيم بالقسم بغير الله تعالى وقد توقف في هذا بعض العلماء ورجح عنده التسوية بين الحلف بغير الله وبين الحلف على الله تعالى بغيره وقال الكل قسم وتعظيم قلت وفي حاشية الشيخ علي العدوي على الخرشي في باب اليمين
    وأما التوسل ببعض مخلوقاته فجائزة وأما الإقسام على الله تعالى في الدعاء ببعض مخلوقاته كقوله يعني الداعي بحق محمد اغفر لنا فخاص به صلى الله عليه وسلم ا ه
    يعني إذا لاحظ الداعي جعل الباء للقسم وإلا كان توسلا لا إقساما يشهد لذلك أمران الأول قوله وأما الإقسام إلى آخره الثاني ما ذكره العلامة الشيخ علي الأجهوري في فتاويه من أن العز بن عبد السلام قال إن صح ما جاء في بعض الأحاديث من أن النبي صلى الله عليه وسلم علم بعض الناس الدعاء فقال له في أوله قل اللهم إني أقسم عليك بنبيك محمد نبي الرحمة فينبغي أن يكون مقصورا عليه صلى الله عليه وسلم لأنه سيد ولد آدم وأن لا يقسم على الله بغيره من الأنبياء وغيرهم لأنهم ليسوا في درجته صلى الله عليه وسلم ا ه
    وخالفه ابن عرفة واستدل بما يدل له بل إنما يدل لجواز التوسل ببعض المخلوقات وهو غير الإقسام وقد نبه على ذلك الحطاب ا ه
    كلام الأجهوري وتبع ابن عرفة في قوله بجواز الإقسام بغيره صلى الله عليه وسلم العلامة ابن حجر في شرح العباب كما يعلم بالوقوف عليه وعلى ما نقل عن فقهاء الأحناف من تحريم قول الداعي بحق محمد وبحق فلان ا ه
    فمحمول إما على ملاحظة الداعي الإقسام أو قصده الحق بمعنى الواجب كما هو ظاهر تعليلهم بقولهم لأنه لا حق لأحد على الله أما إذا لاحظ به التوسل أو قصد الحق بمعنى الرتبة والمنزلة لديه تعالى أو الحق الذي جعله الله له على الخلق وعليه بفضله للخلق كما في الحديث الصحيح قال فما حق العباد على الله فلا يحرم عليه ذلك القول كما هو مقتضى الأدلة الواردة في جواز التوسل
    وما رواه زروق عن مالك من كراهة التوسل فإنما يصح بحمل الكراهة على التحريمية والتوسل على الإقسام إذ لو لم يحمل على ذلك
    ____________________
    (3/58)
    الفرق الخامس والعشرون والمائة بين قاعدة ما مدلوله قديم من الألفاظ فيجوز الحلف به وبين قاعدة ما مدلوله حادث فلا يجوز الحلف به ولا تجب به كفارة اعلم أن الألفاظ انقسمت باعتبار هذا المطلب ثلاثة أقسام قسم علم أن مدلوله قديم
    هامش أنوار البروق
    قال الفرق الخامس والعشرون والمائة بين قاعدة ما مدلوله قديم من الألفاظ فيجوز الحلف به وبين قاعدة ما مدلوله حادث فلا يجوز الحلف به ولا تجب به كفارة إلى قوله فهذان القسمان لا يقصدان بهذا الفرق لوضوحهم
    هامش إدرار الشروق
    لعارضه ما نقله القاضي عياض في الشفاء عن الإمام مالك رضي الله تعالى عنه أنه لما سأله جعفر المنصور عن استقبال القبر حين الدعاء أو استقبال القبلة قال له ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم قبلك بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله فيك قال الله تعالى ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم الآية قال العلامة ابن حجر في الجوهر المنظم رواية ذلك عن الإمام مالك جاءت بالسند الصحيح الذي لا مطعن فيه وقال العلامة الزرقاني في شرح المواهب ورواها ابن فهد بإسناد جيد ورواها القاضي عياض في الشفاء بإسناد صحيح رجاله ثقات ليس في إسنادها وضاع ولا كذاب على أنها قد عضدت بجريان العمل وبالأحاديث الصحيحة الصريحة في جواز التوسل التي يعضد بعضها بعضا وبظاهر استسقاء عمر بالعباس رضي الله عنهما بل مما يعين حمل رواية زروق المذكورة على ما ذكروا وبطلانها رأسا أن زروقا نفسه في شرحه لحزب البحر قال بعد ذكر كثير من الأخيار اللهم إنا نتوسل إليك بهم فإنهم أحبوك وما أحبوك حتى أحببتهم فيك إياهم وصلوا إلى حبك ونحن لم نصل إلى حبهم فيك فتمم لنا ذلك مع العافية الكاملة الشاملة حتى نلقاك يا أرحم الراحمين وله في التوسل قصيدة مشهورة فمن هنا قال العلامة الزرقاني على المواهب وقول ابن تيمية ومالك من أعظم الأئمة كراهية لذلك خطأ قبيح فإن كتب المالكية طافحة باستحباب الدعاء عند القبر مستقبلا له مستدبرا للقبلة وممن نص على ذلك أبو الحسن القابسي وأبو بكر بن عبد الرحمن والعلامة خليل في منسكه ونقله في الشفاء عن ابن وهب عن مالك قال إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم ودعا يقف ووجهه إلى القبر لا إلى القبلة ويدنو ويسلم ولا يمس القبر بيده ا ه
    فتأمل ذلك فهذا تحقيق الفرق بين قاعدة ما يجب توحيد الله تعالى به وتوحده وبين قاعدة ما لا يجب والله أعلم
    الفرق الخامس والعشرون والمائة بين قاعدة ما مدلوله قديم من الألفاظ فيجوز الحلف به وبين قاعدة ما مدلوله حادث فلا يجوز الحلف به ولا تجب به كفارة الألفاظ باعتبار جواز الحلف بها وعدم جوازه ثلاثة أقسام القسم الأول ما علم أن مدلوله قديم فيجوز وينعقد القسم بذاته من غير توقف على إرادة وتلزم الكفارة بالحنث كلفظ الله ونحوه من الأسماء الحسنى وإن قالت المعتزلة إنها ألفاظ وهي حادثة وقسمها
    ____________________
    (3/59)
    كلفظ الله ونحوه وقسم علم أن مدلوله حادث كلفظ الكعبة ونحوها فهذان القسمان لا يقصدان بهذا الفرق لوضوحهما وقسم مشكل على أكثر الطلبة فهو المقصود بهذا الفرق وهو سبعة ألفاظ اللفظ الأول أمانة الله تعالى من حلف بها جاز ولزمته الكفارة بها إذا حنث لأن أمانته تعالى تكليفه وهو أمره ونهيه بالكلام النفسي وهو قديم ويدل على ذلك قوله تعالى إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال إلى قوله ظلوما جهولا قال العلماء معناه أن الله تعالى عرض التكاليف على السموات والأرض والجبال وقال لهن إن حملتن التكاليف وأطعتن فلكن الثواب الجزيل وإن عصيتن فعليكن العذاب الوبيل فقلن لا نعدل بالسلامة شيئا ثم عرضت على الإنسان فالتزم ذلك فأخبر الله تعالى أنه كان ظلوما لنفسه جهولا بالعواقب فلا جرم هلك من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون وسلم من كل ألف واحد كما جاء في الحديث الصحيح والكلام القديم صفة الله تعالى وهذا أيضا يتبع العرف والعادة فإذا جاء عرف آخر يشتهر فيه هذا اللفظ في الأمانة المأمور بها التي هي فعلنا في حفظ الودائع وغيرها من
    هامش أنوار البروق
    قلت ما قاله في ذلك صحيح قال وقسم مشكل على أكثر الطلبة قلت ما قاله في ذلك إلى قوله وتلزم به الكفارة صحيح قال فإن قلت البقاء والعمر ونحوهما من الألفاظ لاستمرار الوجود مع الأزمنة كما تقدم إلى آخر ما أجاب به عن هذا السؤال قلت كيف يقول متى أراد الحالف تلك النسبة التي هي مدلول اللفظ امتنع وسقطت الكفارة بناء على تسليم أن المقصود بذلك اللفظ أمر عدمي لأنه نسبة والنسبة عدمية وقد قال بعد هذا في الفرق السادس والعشرين وفي القسم الثالث من الصفات إن الوحدانية سلب الشريك واختار انعقاد اليمين
    هامش إدرار الشروق
    الشمس السمرقندي في الصحائف إلى قديم وحادث والحادث إلى مشتق من فعله تعالى كالخلاق الرزاق المحيي المميت ومشتق من فعلنا كالمعبود والمشكور لأن معنى قدمها ما نقله العلامة الملوي عن سيدي محمد بن عبد الله المغربي من أن كلام الله تعالى القديم أسماء له هي المحكوم عليها بالقدم كما أن منه أمرا ونهيا إلخ والمراد بالتسمية القديمة دلالة الكلام أزلا على معاني الأسماء وذلك من غير تبعيض ولا تجزئة في نفس الكلام مع تفويض كنه ذلك له تعالى واقتصروا في أقسام الكلام الاعتبارية على الأهم باعتبار ما ظهر لهم إذ ذاك فلا يرد عدم ذكرهم أسماء منها كيف ومدلوله لا يدخل تحت الحصر وليس معنى القدم هنا عدم الأولية كما تقول المعتزلة بل معناه إنها موضوعة قبل الخلق أي إن الله تعالى وضعها لنفسه قبل إيجادنا ثم ألهمها للنور المحمدي ثم للملائكة ثم للخلق كما في الأمير على عبد السلام على جوهرة التوحيد فافهم وكالوجود ونحو القدرة والاقتدار أي الكون قادرا والقدم من صفاته تعالى النفيسة والمعاني والمعنوية والسلبية كما مر عن العلامة الأمير القسم الثاني ما علم أن مدلوله حادث كلفظ الكعبة ونحوها فلا يجوز ولا ينعقد القسم به أصلا قال العلامة الأمير في ضوء الشموع
    وأما الألفاظ الأجنبية بالمرة نحو والحيوان فلا ينعقد على الصحيح
    ____________________
    (3/60)
    الأمانات كقوله تعالى إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ويكون ذلك عرف قطر من الأقطار الآن فإن الحلف حينئذ بها من غير نية تصرف اللفظ للأمانة القديمة لا يجوز أو يكره على الخلاف
    وإذا كانت مشتهرة في القديم وصرفها الحالف بالنية إلى الحادث امتنع الحلف وسقطت الكفارة فهذا معنى هذا اللفظ وضابطه اللفظ الثاني قولنا عمر الله ولعمر الله معنى هذين اللفظين البقاء فبقاء الله عز وجل استمرار وجوده مع الأزمان فوجوده ذاته تعالى فهو قديم يجوز الحلف به وتلزم به الكفارة فإن قلت البقاء والعمر ونحوهما من الألفاظ لاستمرار الوجود مع الأزمنة كما تقدم واستمرار وجود الشيء مع الأزمنة نسبة بين وجود الشيء والزمان والنسبة أمر عدمي فإذا قلنا بجواز الحلف بعمر الله وهو بقاؤه ولزوم الكفارة به لزمنا أن نقول بجواز الحلف بقبلية الله تعالى وبعديته ومعيته فإن الله تعالى قبل كل حادث ومع كل حادث وبعد كل حادث إذا فني ذلك الحادث وما هو قابل للتجدد كالبعدية والمعية أو الفناء كالقبلية كيف يجوز الحلف به وكيف تلزم به كفارة وكذلك القول في بقية النسب والإضافات التي تعرض
    هامش أنوار البروق
    بها وكذلك اختاره في تسبيح الله تعالى وتقديسه وعلل ذلك بكونها سلوبا قديمة فكان حقه أن يلتزم مثل ذلك في القبلية والمعية والبعدية لكونها أيضا سلوبا قديمة لأنها نسب والنسب سلوب فما قاله هنا ليس بالقوي عندي ولا بالصحيح والصحيح أن هذه الأمور المضافة إلى الله تعالى متى عني بها أمر قديم سواء كانت إثباتا أو سلبا فاليمين بها منعقدة والله تعالى أعلم ومتى عني بها أمر حادث فاليمين غير منعقدة بها وقصد الأمر القديم بها هو عرف الشرع ولم يحدث عرف يناقضه فيتغير الحكم لذلك
    قال اللفظ الثالث عهد الله تعالى إلى قوله ولا كفارة فيه حينئذ قلت ما قاله في ذلك صحيح
    هامش إدرار الشروق
    ولو نوى به معنى قديما ولا يجوز ذلك فليس كالطلاق إن نوى بأي لفظ لزم نعم إن جعله على حذف مضاف أي ورب الحيوان ولا ينعقد اليمين بالنية ولا بالكلام النفسي بالأولى من الطلاق ا ه بلفظه القسم الثالث ما لم يعلم قدم مدلوله ولا حدوثه فلا ينعقد الحلف بذاته بل يتوقف على الإرادة للمعنى القديم أو لم ينو شيئا كما في ضوء الشموع فافهم وهذا القسم لعدم وضوحه هو المقصود بهذا الفرق دون الأولين والذي ذكره الأصل من ألفاظ هذا القسم تسعة اللفظ الأول أمانة الله فإنه كما يطلق على القديم وهو أمره ونهيه بالكلام النفسي الذي هو صفة الله تعالى لقوله تعالى إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال إلى قوله ظلوما جهولا قال العلماء معناه أن الله تعالى عرض التكاليف على السماوات والأرض والجبال وقال لهن إن حملتن التكاليف وأطعتن فلكن الثواب الجزيل وإن عصيتن فلكن العذاب الوبيل فقلن لا نعدل بالسلامة شيئا ثم عرضت على الإنسان فالتزم ذلك فأخبر الله تعالى أنه كان ظلوما لنفسه جهولا بالعواقب فلا جرم هلك من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون وسلم من كل ألف واحد كما جاء في الحديث الصحيح كذلك يطلق على الحادث وهو فعلنا في حفظ الودائع وغيرها من الأمانات في قوله تعالى إن الله يأمركم أن تؤدوا
    ____________________
    (3/61)
    لذات الله تعالى وتزول كالتعلقات في الصفات وغيرها قلت سؤال حسن صحيح وأنا أقول متى أراد الحالف تلك النسبة التي هي مدلول اللفظ لغة امتنع وسقطت الكفارة ومتى نقلها العرف إلى أمر وجودي قديم جاز ولزمته الكفارة
    وعليه العرف اليوم وهو الذي أفتى به مالك أن المراد بالعمر والبقاء الباقي فهو مجاز لغوي حقيقة عرفية فإن تغير العرف تغير الحكم كما تقدم قبل هذا
    اللفظ الثالث عهد الله قال مالك يجوز الحلف به وتلزم به الكفارة وأصل هذا اللفظ في اللغة الالتزام والإلزام قال الله تعالى وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم معناه أوفوا بتكاليفي أوف لكم بثوابي الموعود به على الطاعة ومنه العهدة في البيع أي ما يلزم من الرد بالعيب ورد الثمن في الاستحقاق ومنه قوله تعالى والموفون بعهدهم إذا عاهدوا أي بما التزموا ومنه عهدة الرقيق أي ما يلزم فيه وهو كثير في مواد الاستعمال فعهد الله تعالى إلزامه لخلقه تكاليفه وإلزامه أمره ونهيه وأمره ونهيه كلامه القديم وكلامه القديم صفته وصفته القديمة يجوز الحلف بها كما تقدم على الخلاف في ذلك
    هامش أنوار البروق
    قال فإن قلت إلى قوله وهذا القسم هو المنقول عن مالك في المدونة قلت ما قاله في ذلك صحيح قال وأما لك علي عهد الله إلى قوله لأن الأصل عدم النقل وبراءة الذمة قلت فيما قاله في ذلك نظر فإن قول القائل لك علي عهد الله وأعطيك عهد الله يحتمل أن يجري هذان اللفظان مجرى علي عهد الله لقرينة الحال المشعرة بتأكيد الالتزام باليمين ويحتمل أن يجري مجرى أعاهد الله فعلى الاحتمال الأول تنعقد اليمين وتلزم الكفارة عند الحنث وعلى الاحتمال الثاني يقع التردد وأما القول بعدم انعقاد اليمين بذينك اللفظين فذلك ضعيف والله تعالى أعلم
    هامش إدرار الشروق
    الأمانات إلى أهلها
    فيتبع الحلف به العرف والعادة وقد جرى بإطلاقه على القديم العرف فيجوز الحلف به وتلزم الكفارة بالحنث إلا أن ينوي الحالف به المعنى الحادث فحينئذ يمنع الحلف به وتسقط الكفارة كما إذا تغير العرف وجرى بإطلاقه على الحادث في قطر من الأقطار فلا يجوز الحلف به أو يكره على الخلاف وتسقط الكفارة إلا أن ينوي به الحالف القديم فيجوز حينئذ الحلف به وتلزم بالحنث الكفارة وفي مجموع الأمير وشرحه انعقاد اليمين بالله إن لم ينو معنى حادثا أي ما جعله بين عباده بأن نوى قديما أو لم ينو شيئا ا ه
    اللفظ الثاني قولنا عمر الله أو لعمر الله أفتى مالك رحمه الله تعالى بانعقاد اليمين به ولزوم الكفارة بالحنث نظرا لجريان العرف بإطلاقه على القديم وهو بقاء الله تعالى الذي هو من صفات السلوب القديمة فإن تغير العرف وجرى بإطلاقه على أمر حادث في قطر من الأقطار لم ينعقد اليمين به بل قال ابن الشاط
    ____________________
    (3/62)
    فإن أريد بعهد الله تعالى العهد الحادث الذي شرعه نحو قوله تعالى إلا الذين عاهدتم من المشركين ونحوه من العهود التي بين خلقه اندرج في الحلف الممنوع وسقطت الكفارة
    وكذلك إذا اشتهر اللفظ فيه عادة وعرفا امتنع ولا كفارة فيه حينئذ فإن قلت الإضافة تكفي فيها أدنى ملابسة كما نص عليها النحاة ويكون اللفظ حقيقة ومثله بقول أحد حاملي الخشبة شل طرفك فجعل طرف الخشبة طرفا للحامل بسبب الملابسة زمن الحمل وتقول حج البيت وصوم رمضان وتكون الإضافة حقيقة وهذا متفق عليه وإذا كانت الإضافة حقيقية والعهد بأدنى ملابسة صدقت في قولنا على عهد الله بأدنى ملابسة وذلك قدر مشترك بين إضافة العهد القديم والعهد الحادث والدال على الأعم غير دال على الأخص فلا يدل قولنا عهد الله على خصوص القديم فلا يتعين المعنى المقتضي للجواز وللزوم الكفارة فلم قضيتم بالجواز ولزوم الكفارة بمجرد الإطلاق من غير نية قلت سؤال حسن قوي غير أن هذه الإضافة الخاصة لم نستفدها من مجرد اللغة بل
    هامش أنوار البروق
    قال وبقي قسم خامس لم أره لأصحابنا إلى منتهى ما قاله في هذا القسم قلت ما قاله في ذلك صحيح
    قال اللفظ الرابع علي ذمة الله إلى آخر ما قاله قلت والأظهر في هذا اللفظ وشبهه أنه إنشاء للقسم عرفا ولذلك رأى مالك فيه الكفارة والله تعالى أعلم قال اللفظ الخامس كفالة الله قلت وهذا اللفظ أيضا كلفظ الذمة وما اشتغل به من ذكر مرادفاته واشتقاقها لا حاجة إليه في الفقه والله تعالى أعلم
    هامش إدرار الشروق
    ومثل ذلك يقال في قبلية الله تعالى ومعيته وبعديته فإن الله تعالى قبل كل حادث ومع كل حادث وبعد كل حادث إذا فني الحادث فهي نسب وإضافات والنسب سلوب والصحيح أن الأسرار المضافة إلى الله تعالى متى عني بها أمر قديم سواء كانت إثباتا أو سلبا فاليمين بها منعقدة ومتى عني بها أمر حادث فاليمين غير منعقدة بها وقصد الأمر القديم بها هو عرف الشرع ولم يحدث عرف يناقضه فيتغير الحكم لذلك والله تعالى أعلم
    قلت وانظر قوله وقصد الأمر القديم به هو عرف الشرع إلخ مع ما سيأتي له من أن العرف الشرعي لا يتغير حكمه وإن تغير العرف بخلاف العرف الزماني وحرر
    اللفظ الثالث عهد الله قال الشيخ أبو الحسن اللخمي العهد أربعة أقسام تلزم الكفارة في واحد وهو علي عهد الله كما أفتى بذلك مالك رحمه الله تعالى وتسقط في اثنين وهما لك علي عهد الله وأعطيك عهد الله ويختلف في الرابع وهو أعاهدك الله اعتبره ابن حبيب وأسقطه ابن شعبان قال وهو أحسن ا ه
    قال الأصل وبقي خامس وهو قوله وعهد الله لقد كان كذا بواو القسم فهذا وإن لم أره لأصحابنا وكان مشاركا للأول الذي أفتى مالك بلزوم الكفارة به في أن عهد الله فيها لم يدل على
    ____________________
    (3/63)
    باشتهار عرفي في العهد القديم وعلى هذا ينبغي أن يعتبر العرف في كل وقت هل هو كذلك فتجب الكفارة
    ويتحقق الجواز أو ليس كذلك فلا يتحقق الجواز ولا الكفارة ولأجل هذا التردد قال الشيخ أبو الحسن اللخمي العهد أربعة أقسام تلزم الكفارة في واحد وتسقط في اثنين ويختلف في الرابع فالأول علي عهد الله والاثنان لك علي عهد الله وأعطيك عهد الله والرابع أعاهدك الله اعتبره ابن حبيب وأسقطه ابن شعبان قال وهو أحسن وسبب هذا التقسيم اختلاف القرائن اللفظية والمعنوية المقترنة بهذا اللفظ فالأول لما قال علي عهد الله فأشعرت لفظة علي بتكليف الله تعالى وإلزامه وأن تكليف الله تعالى واقع عليه أو موظف عليه فناسب اللزوم كما لو قال علي الطلاق أي يلزمني تحريم الطلاق فإن علي معناها اللزوم لما فيها من الإشعار بالضرر ولذلك تقول شهد عليه إذا أضر به وشهد له إذا نفعه وهذا القسم هو المنقول عن مالك رضي الله عنه في المدونة وأما لك علي عهد الله فلم يلتزمه لله ولكن للمحلوف له فلا يلزمه شيء وأعطيك عهد الله فهو وعد منه للمخاطب بأنه يعاهده في المستقبل فهذا القسم أبعد عن اللزوم
    وأما الرابع وهو
    هامش أنوار البروق
    قال وهنا أربع تنبيهات إلى آخر ما قاله فيها قلت ما قاله في ذلك صحيح والذي يظهر من مالك رحمه الله أنه كان يرى ذلك عرفا في زمانه أو عرفا شرعيا فأما إن كان عرفا زمانيا فإنه إذا تغير تغير الحكم وأما إن كان عرفا شرعيا فلا يتغير الحكم وإن تغير العرف والله تعالى أعلم قال اللفظ السادس الميثاق إلى آخر ما قاله فيه قلت ما قاله صحيح غير قوله والقسم أيضا يرجع إلى الكلام لأنه خبر عن تعظيم المقسم به فإن المقسم ليس خبرا عن تعظيم المقسم به بل هو نوع من أنواع الإنشاء
    هامش إدرار الشروق
    خصوص العهد القديم بل إنما يدل على القدر المشترك بين العهد القديم وهو إلزامه تعالى لخلقه أمره ونهيه بكلامه النفسي القديم الذي هو صفته تعالى كما في قوله تعالى وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم فإن معناه أوفوا بتكليفي أوف لكم بثوابي الموعود به على الطاعة وبين العهد الحادث وهو الذي شرعه لخلقه كما في قوله تعالى والموفون بعهدهم إذا عاهدوا أي بما التزموه وقوله تعالى إلا الذين عاهدتم من المشركين ونحوه من العهود التي بين خلقه كالعهدة في البيع أي ما يلزم من الرد بالعيب ورد الثمن في الاستحقاق وعهدة الرقيق أي ما يلزم فيه وهو كثير في مورد الاستعمال أضيف إليه تعالى لأدنى ملابسة وهي ملابسة تشريعه لعباده وقد اتفق النحاة على أنها إضافة حقيقية إلا أنه عندي قسم صريح بصفة من صفات الله تعالى فينبغي أن تلزم به الكفارة كما لو قال وأمانة الله وكفالته بل هذا عندي بسبب حرف القسم الذي هو حقيقة لغوية صريحة في إنشاء القسم ا ه
    أصرح في الدلالة على العهد القديم من القسم الأول الذي نص مالك على لزوم الكفارة به أعني قوله علي عهد الله لأنه إخبار بالتزام ما لا ينذر من العهد القديم والإخبار بذلك كذب فلا يصير موجبا للكفارة إلا بإنشاء عرفي ونقل عادي ألا ترى إلى اختلاف العلماء في قوله علي الطلاق أو الطلاق يلزمني هل هو
    ____________________
    (3/64)
    أعاهدك الله فيحتمل أن يكون خبرا معناه إنشاء المعاهدة والإلزام كإنشاء الشهادة بلفظ المضارعة نحو أشهد عندك بكذا وإنشاء القسم بالمضارع أيضا نحو أقسم بالله لقد كان كذا ويحتمل أن يكون خبرا وعدا على بابه فلا يلزم به شيء كما لو أخبر عن الطلاق بغير إنشاء فإنه يلزمه طلاق فمن لاحظ الإنشاء ألزم ومن لاحظ الخبر لم يلزم قال أبو الحسن اللخمي وهو أحسن لأن الأصل عدم النقل وبراءة الذمة
    وبقي قسم خامس لم أره لأصحابنا وهو أن يقول وعهد الله لقد كان كذا بواو القسم فهذا قسم صريح بصفة من صفات الله تعالى فينبغي أن تلزم به الكفارة كما لو قال وأمانة الله وكفالته وبقي فيه إشكال الإضافة الذي تقدم ذكره وهل المضاف العهد القديم أو الحادث فيحتاج إلى نقل عرفي وهذا القسم عندي أصرح مما نص عليه مالك من قوله علي عهد الله فإن أداة القسم مفقودة فيه وإنما فيه إشارة إلى أنه التزم عهد الله وليس هو مما ينذر حتى يلتزم كقوله لله علي صوم كذا وقد اختلف العلماء في قوله علي الطلاق أو الطلاق يلزمني هل هو صريح أو كناية بسبب أن الطلاق لا يلزم أحدا فالإخبار عن لزومه كذب فلا يصير
    هامش أنوار البروق
    قال اللفظ السابع أيمن الله قلت ما حكاه من الاشتقاق وغيره لا كلام فيه لأنه نقل وما قاله من أنه إذا قال أيمان المسلمين تلزمني أنه حالف بمحدث لأن أيمان المسلمين حلفهم وهو محدث ليس بصحيح فإن القائل ذلك إنما يقوله في حال يقتضي تأكيد خبره الذي يحلف عليه وذلك قرينة تصرف قوله ذلك إلى قصده إلى ما يؤكد به الخبر شرعا أو إلى ما يلزم مقتضاه شرعا فعلى التقدير الأول يلزمه جمع يمين بالله تعالى إذ هو اليمين الشرعي وأقل ذلك ثلاثة أيمان فإذا حنث يلزمه ثلاث كفارات وقد قيل بذلك وعلى التقدير الثاني يلزمه كل ما يلزمه شرعا من يمين ونذر وطلاق وعتق
    هامش إدرار الشروق
    صريح أو كناية نظرا لكون الطلاق لا يلزم أحدا فالإخبار عن لزومه كذب فلا يصير موجبا إلا بإنشاء عرفي ونقل عادي ا ه ملخصا
    وفي المجموع وشرحه انعقاد اليمين بعهد الله إن لم ينو معنى حادثا أي ما عاهد به إبراهيم من تطهير البيت بأن نوى قديما أو لم ينو شيئا قال ابن الشاط وقول اللخمي بعدم انعقاد اليمين وسقوط الكفارة بقول القائل لك علي عهد الله وأعطيك عهد الله ضعيف والراجح أن هذين اللفظين يحتمل أن يجريا مجرى علي عهد الله لقرينة الحال المشعرة بتأكيد الالتزام باليمين ويحتمل أن يجريا مجرى أعاهدك الله فعلى الاحتمال الأول تنعقد اليمين وتلزم الكفارة عند الحنث وعلى الاحتمال الثاني يقع التردد ا ه
    قال اللفظ الرابع علي ذمة الله إلى آخر ما قاله قلت والأظهر في هذا اللفظ وشبهه أنه إنشاء للقسم عرفا ولذلك رأى مالك فيه الكفارة والله تعالى أعلم اللفظ الرابع قوله علي ذمة الله قال ابن الشاط رأى مالك فيه الكفارة نظرا لكونه وشبهه أي كعلي علم الله أو علي إرادة الله أو علي بصر الله أو علي سمع الله إنشاء للقسم عرفا ا ه
    قال الأصل وكذا تلزم الكفارة بقوله وذمة الله بواو القسم بل هذا وإن شارك قوله علي ذمة الله في عدم دلالة ذمة الله فيهما على خصوص الذمة القديمة بل على القدر المشترك بين الذمة القديمة والذمة الحادثة وذلك أن الذمة لغة الالتزام
    والالتزام إما قديم وهو إخباره تعالى بكلامه النفسي القديم بحفظ عبده
    ____________________
    (3/65)
    موجبا للزوم إلا بإنشاء عرفي ونقل عادي وأما حرف القسم فحقيقة لغوية صريحة في القسم بقديم أو حادث وإشكال الإضافة مشترك بين القسمين وامتاز هذا بصراحة القسم اللفظ الرابع قولنا علي ذمة الله قال مالك تلزم به الكفارة ومعنى ذمة الله تعالى التزامه لأن معنى الذمة في اللغة هو هذا ومنه عقد الذمة للكفار أي التزامنا لهم عصمة النفوس والأموال والأعراض وما معها ومنه الذمام إذا وعده والتزم له أن لا يخذله وأن ينصره على من يقصده بسوء ومنه قول الفقهاء له في ذمته دينار والعقد وارد على الذمة فإن الذمة في الشريعة معنى مقدر في المكلف يقبل الإلزام والالتزام ولذلك إذا اتصف بعد الرشد بالسفه يقال خربت ذمته وذهبت ذمته وإذا مات خربت ذمته أي المعنى الذي كان يقدر لم يبق مقدرا وتقول العرب فلان يفي بذمته أي بما التزمه وخفر ذمة فلان إذا خانها وهذا كله راجع للإخبار عن الالتزام أو معناه
    وجاء في الحديث من قال كذا وكذا كان في ذمة الله أي أن الله تعالى التزم له عند هذا القول حفظه من المكاره
    هامش أنوار البروق
    وصدقة وقد قيل بذلك وما قاله من أن ذلك من باب لزوم الأحكام بدون أسبابها ليس بصحيح بل ذلك من باب لزوم الأحكام بأسبابها عند القائلين بلزوم الكفارات على التقدير الأول أو القائلين بلزوم جميع ما يلزم شرعا بالتزامه على التقدير الثاني وغاية ما في ذلك أن قائل أيمان المسلمين تلزمني لم يصرح فيه بلفظ اليمين الشرعي ولا بالملتزم الشرعي ولكنه يفهم من القرائن أنه عني اليمين الشرعي أو الملتزم الشرعي ومذهب مالك عدم اشتراط معينات الألفاظ فلزوم بمقتضى اليمين الشرعي أو الملتزمات الشرعية جار على مذهبه والله أعلم
    هامش إدرار الشروق
    من المكاره الذي عناه في حديث من قال كذا وكذا كان في ذمة الله أي أن الله التزم له عند هذا القول حفظه من المكاره فإن التزام الله تعالى راجع إلى خبره فهو نوع آخر من الكلام غير نوع العهد فإن العهد يرجع إلى الأمر والنهي كما علمت وإما حادث وهو الذي شرعه الله تعالى لخلقه كعقد الذمة للكفار أي التزامنا لهم عصمة النفوس والأموال والأعراض وما معها مما أمر به وجوبا في بعض الصور وكالتزام أنواع البر والإحسان مما يؤمر به وجوبا بل ندبا وكالتزام الإنسان الأثمان في البياعات والأجر في الإجارات مما يرجع للإخبار عن الالتزام أو معناه من غير وجوب فيه ولا ندب ومنه الذمام إذا وعده والتزم له أن لا يخذله وأن ينصره على من يقصده بسوء ومنه قول الفقهاء له في ذمته دينار والعقد وارد على الذمة فإن الذمة في الشريعة معنى مقدر في المكلف يقبل الإلزام والالتزام ولذلك إذا اتصف بعد الرشد بالسفه يقال خربت ذمته وذهبت ذمته وإذا مات خربت ذمته أي المعنى الذي كان يقدر لم يبق مقدرا أضيف إليه تعالى لأدنى ملابسة وهي ملابسة تشريعه لعباده
    وقد اتفق النحاة على أنها إضافة حقيقية إلا أن هذا بسبب أداة القسم التي هي حقيقة لغوية صريحة في إنشاء القسم أصرح عندي في الدلالة على إنشاء القسم بالذمة القديمة من قوله علي ذمة الله الذي رأى مالك فيه الكفارة لأنه إخبار بالتزام ما لا ينذر من الذمة القديمة والإخبار بذلك كذب فلا يصير موجبا للكفارة لولا ثبوت نقله وما أشبهه من نحو علي
    ____________________
    (3/66)
    والتزام الله تعالى راجع إلى خبره فهو نوع آخر من الكلام غير نوع العهد فإن العهد يرجع إلى الأمر والنهي والذمة إلى الخبر والكل كلام نفسي فهما نوعان منه فافهم ذلك غير أن هذا المعنى يقتضي أن يكون القسم به وذمة الله بواو القسم فيكون صريحا في القسم لغة
    ويبقى إشكال الإضافة فيه من جهة أن ذمة الله تعالى تصدق المعنى القديم كما تقدم وتصدق أيضا بإضافة المعنى المحدث إليه تعالى باعتبار أنه شرعه لأن الذمة تارة تكون مأمورا بها وجوبا كعقد الجزية في بعض الصور وتارة لا يؤمر بها وجوبا بل ندبا كالتزام أنواع البر والإحسان وقد يخبرنا فيها من غير وجوب ولا ندب من قبله كالتزام الأثمان في البياعات والإجارة في الإجارات وعلى التقادير الثلاثة فهي مشروعة من قبله تعالى فتضاف إليه إضافة المشروعية كقولنا عبادة الله وطاعة الله وإذا احتملت الإضافة المعنيين لم يقض بأحدهما إلا بدليل منفصل وهذا الإشكال قائم فيما قاله مالك أيضا من قوله علي ذمة الله مضافا لعدم وجود أداة القسم
    وأما علي فإيجابها للكفارة مشكل إلا أن يكون هناك نقل عرفي من
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    علم الله عرفا من الإخبار بالالتزام إلى إنشاء القسم وذلك لأن هذه الصيغ ليست قسما وإنما هي خبر والخبر ليس بقسم إجماعا والحمل على إنشاء القسم يتوقف على نقل الصيغة عن الخبر إليه وإلا فلا يتجه إلزام الكفارة واعتقاد أن هذا يمين ألبتة ا ه
    اللفظ الخامس قوله علي كفالة الله أو علي ضمانة الله أو حمالة الله أو أذانة الله أو زعامة الله أو قبالة الله أو صبر الله أو عذارة الله أو كدانة الله فإن هذه الألفاظ التسعة مترادفة لغة على الخبر الدال على الضمان قال صاحب المقدمات الحميل والزعيم والكفيل والقبيل والأذين والصبير والضامن سبعة ألفاظ مترادفة يقال حمل يحمل حمالة فهو حميل وزعم يزعم زعامة فهو زعيم وكفل يكفل كفالة فهو كفيل وقبل يقبل قبالة فهو قبيل وأذن يأذن أذانة فهو أذين وصبر يصبر صبرا فهو صبير وضمن يضمن ضمانة فهو ضامن قال الله تعالى وقد جعلتم الله عليكم كفيلا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تكفل الله لمن جاهد في سبيله وابتغاء مرضاته لا يخرجه من بيته إلا الجهاد وابتغاء مرضاته أن يدخله الجنة أو يرده إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر وغنيمة والأذانة في قوله تعالى وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب أي التزم ذلك وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم وأصل الأذانة والأذان والأذين والإذن وما تصرف من هذا الباب الإعلام والكفيل معلم بأن الحق في جهته قال الله تعالى في الحمالة وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ا ه
    وقال الله تعالى في القبالة أو تأتي بالله والملائكة قبيلا أي ضامنا وقال تعالى في الزعامة حكاية عن منادي يوسف عليه السلام ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم وقال القاضي عياض في التنبيهات ومثل حميل عذير وكدين قال وأصل ذلك كله من الحفظ والحياطة قال والكفالة اشتقاقها من الكفل وهو الكساء الذي يحزم حول سنام البعير ليحفظ به الراكب والكفيل
    ____________________
    (3/67)
    الإخبار إلى القسم ألا ترى أنه لو قال علي علم الله أو علي إرادة الله أو علي بصر الله أو علي سمع الله لم يتجه إيجاب الكفارة لأن هذه الصيغ ليست قسما وإنما هي خبر والخبر ليس بقسم إجماعا والإنشاء العرفي بغير القسم لا يوجب كفارة فلا بد من النقل عن الخبر إلى إنشاء القسم وإلا فلا يتجه إلزام الكفارة واعتقاد أن هذا يمين ألبتة فتأمل هذه التنبيهات فالفقيه يحتاج إليها حاجة شديدة في الفقه والفتاوى والفروق وتحرير معاني الألفاظ اللفظ الخامس كفالة الله تعالى قال مالك إذا قال علي كفالة الله تعالى وحنث لزمته الكفارة ومعنى الكفالة لغة الخبر الدال على الضمان وهي القبالة ومنه قوله تعالى أو تأتي بالله والملائكة قبيلا أي ضامنا والحمالة والأذانة والزعامة ومنه قوله تعالى عن منادي يوسف عليه السلام ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم أي ضامن والصبير قال صاحب المقدمات هي سبعة ألفاظ مترادفة الحميل والزعيم والكفيل والقبيل والأذين والصبير والضامن حمل يحمل حمالة فهو حميل وزعم يزعم زعامة فهو زعيم وكفل يكفل كفالة فهو كفيل وقبل يقبل قبالة فهو قبيل وأذن يأذن أذانة فهو أذين
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    حافظ لما التزمه والضامن من الضمن وهو الحرز وكل شيء أحرزته في شيء فقد ضمنته إياه والقبالة القوة ومنه قولهم مالي بهذا الأمر قبل ولا طاقة والقبيل قوة في استيفاء الحق والزعامة السيادة فكأنه لما تكفل به صار له عليه سيادة وحكم عليه والصبير من الصبر وهو الثبات والحبس ومنه المصبورة وهي المحبوسة للرمي بالسهام ومنه قتله صبرا أي حبسه حتى مات جوعا وعطشا والضامن حبس نفسه لأداء الحق والكدين من كدنت لك بكذا وكذا وقالوا عذيرك أي كفيلك وقال بعض الفضلاء الكفالة أصلها الضم ومنه سميت الخشبة التي تعمل في الحائط كفلا ومنه قوله تعالى وكفلها زكريا أي ضمها لنفسه والكفالة هي ضم ذمة إلى ذمة أخرى فصدق المعنى ا ه قال ابن الشاط والذي يظهر من مالك رحمه الله تعالى حيث قال إذا قال علي كفالة الله تعالى وحنث لزمته الكفارة ا ه
    أنه كان يرى ذلك عرفا في زمانه أو عرفا شرعيا فإما إن كان عرفا زمانيا فإنه إذا تغير الحكم وإما إن كان عرفا شرعيا فلا يتغير الحكم وإن تغير العرف فلفظ الكفالة كلفظ الذمة والله تعالى أعلم ا ه
    يعني أن قوله علي كفالة الله في الأصل خبر بالتزام ما لا ينذر من القدر المشترك بين الكفالة القديمة وهي وعده تعالى بكلامه النفسي القديم وبين الحادثة وهي أمران أحدهما وعده تعالى بالكلام اللفظي الحادث المنزل في القرآن وغيره من الكتب الدال على الكلام القديم فهو كفالة حادثة دالة على تلك الكفاية القديمة كما أن أمر الله تعالى اللفظي الذي هو وأقيموا الصلاة دليل أمره النفسي القائم بذاته وكذلك جميع الأحكام والأخبار وثانيهما التي ندبها صاحب الشرع لخلقه من ضمان بعضهم لبعض التي هي من فعلهم وقولهم أضيفت إليه تعالى لأدنى ملابسة وهي ملابسة تشريعية لعباده إذ الإنسان إنما يلتزم فعلا من كسبه وقدرته والقدر المشترك بين القديم والحادثين ليس كذلك بل لو نوى خصوص القديم لكان من قبيل قوله علي علم الله تعالى أو نحو ذلك وقد تقدم أنه يبعد في الفقه أن يجب عليه بهذا كفارة إذ كفارة اليمين بغير يمين ولا حنث لا تلزم المكلف لأن
    ____________________
    (3/68)
    وصبر يصبر صبرا فهو صبير وضمن يضمن ضمانة فهو ضامن قال الله تعالى وقد جعلتم الله عليكم كفيلا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تكفل الله لمن جاهد في سبيله وابتغاء مرضاته لا يخرجه من بيته إلا الجهاد وابتغاء مرضاته أن يدخله الجنة أو يرده إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر وغنيمة والأذانة في قوله تعالى وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب أي التزم ذلك وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم وأصل الأذانة والإذن والأذين والإذن وما تصرف من هذا الباب الإعلام والتكفيل معلم بأن الحق في جهته قال الله تعالى في الحمالة وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء
    قال القاضي عياض في التنبيهات ومثل حميل عذير وكدين قال وأصل ذلك كله من الحفظ والحياطة قال والكفالة اشتقاقها من الكفل وهو الكساء الذي يحزم حول سنام البعير ليحفظ به الراكب والكفيل حافظا التزمه والضامن
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    لزوم المسبب بدون سببه غير واقع شرعا وجعله من قبيل ما إذا قال علي عشر كفارات أو مواثيق أو نذور وفي المدونة إذا قال ذلك لزمه عدد ما ذكر كفارات ا ه
    غايته تصحيح كونه من باب الكفارة مجازا لا تصحيح كونه من باب الحلف والأيمان في شيء الذي كلامنا فيه ولا يصح كونه من باب الحلف إلا إذا جرى العرف الزماني بنقله من ذلك الأصل إلى إنشاء القسم بالكفالة القديمة بحيث يغلب الاستعمال عليه حتى يصير اللفظ يفهم منه المنقول إليه بغير قرينة نعم ذلك وإن وجد في زمان الإمام رحمه الله تعالى لم يوجد في زماننا فحينئذ لا تتجه الفتيا فيه بلزوم الكفارة على الإطلاق ضرورة تغير الحكم بتغير العرف الزماني فتعين أن الإمام كان يرى جريان العرف الشرعي بنقله من ذلك الأصل إلى الإنشاء المذكور وفي العرف الشرعي لا يتغير الحكم وإن تغير العرف فحينئذ تتجه الفتيا فيه بلزوم الكفارة على الإطلاق ويجري مثل ذلك في علي ضمان الله ونحوه من سائر المرادفات المذكورة قال الأصل ويلزمه الكفارة بقوله وكفالة الله أو أقسم بكفالة الله أو نحو ذلك من الصيغ الموضوعة للقسم بلا توقف على نية الحالف النقل إلى إنشاء القسم مجازا أو عليه الاستعمال عرفا في الإنشاء المذكور كما يتوقف على ذلك قوله علي كفالة الله كما علمت فهو أصرح منه من جهة أنه قسم مستغن عما ذكر وإن اشتركا في احتمال الكفالة الحادثة وكون إضافتها إليه تعالى لأدنى ملابسة ا ه
    وفي المجموع وشرحه انعقاد اليمين بكفالة الله أي التزامه إن لم ينو معنى حادثا أي التزامه ما التزمه من الثواب بأن نوى قديما أو لم ينو شيئا ا ه
    ويجري مثل ذلك في قوله وضمان الله أو أقسم بضمان الله ونحوه من الصيغ الموضوعة في سائر المترادفات المذكورة فافهم
    قال اللفظ السادس الميثاق إلى آخر ما قاله فيه قلت ما قاله صحيح غير قوله والقسم أيضا يرجع إلى الكلام لأنه خبر عن تعظيم المقسم به فإن المقسم ليس خبرا عن تعظيم المقسم به بل هو نوع من أنواع الإنشاء اللفظ السادس قوله علي ميثاق الله قال مالك وأبو حنيفة وابن حنبل رحمهم الله تعالى يلزمه الكفارة به إذا حنث كعلي عهد الله وعلي كفالة الله ولا يتجه إلا إذا جرى بنقله من الإخبار بالالتزام المؤكد إلى إنشاء القسم إما عرف زماني وحينئذ فيتغير الحكم بتغير العرف وإما عرف شرعي وحينئذ لا يتغير الحكم وإن
    ____________________
    (3/69)
    من الضمن وهو الحرز وكل شيء أحرزته في شيء فقد ضمنته إياه والقبالة القوة ومنه قولهم ما لي بهذا الأمر قبل ولا طاقة والقبيل قوة في استيفاء الحق والزعامة السيادة فكأنه لما تكفل به صار له عليه سيادة وحكم عليه والصبير من الصبر وهو الثبات
    والحبس ومنه المصبورة وهي المحبوسة المرمى بالسهام ومنه قتله صبرا أي حبسه حتى مات جوعا وعطشا والضامن حبس نفسه لأداء الحق والكدين من كدنت لك بكذا وكذا وقالوا عذيرك أي كفيلك وقال بعض الفضلاء الكفالة أصلها الضم ومنه سميت الخشبة التي تعمل في الحائط كفلا ومنه قوله تعالى وكفلها زكريا أي ضمها لنفسه والكفالة هي ضم ذمة إلى ذمة أخرى فصدق المعنى فتحرر أن الألفاظ المترادفة في هذا الباب تسعة وتكون كفالة الله تعالى وعده بما التزمه ووعده خبره وخبره كلامه النفسي فيكون الحالف قد حلف بكلامه النفساني فتلزمه الكفارة إذا حنث وهنا أربع تنبيهات الأول أن قوله علي يشعر بالالتزام وخبر الله تعالى كيف يصح التزامه وقد تقدم أنه لو قال علي علم الله تعالى وإرادته أو نحو ذلك بعد في الفقه أن يجب عليه بهذا كفارة
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    تغير العرف وذلك لأن الميثاق لغة العهد الموثق باليمين الذي هو نوع من أنواع الإنشاء مأخوذ من التوثق وهو التقوية وهو أن العهد لغة الالتزام فميثاق الله بالإضافة عبارة عن التزامه تعالى المقوى بالقسم فيصدق بالقدر المشترك بين القديم وهو كلامه تعالى النفسي القديم الذي دلت عليه ألفاظ المواثيق القرآنية الأتية وبين الحادثين أحدهما ألفاظ المواثيق القرآنية نحو قوله تعالى قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير وقوله تعالى والشمس وضحاها إلى قوله قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها من الالتزامات القرآنية الكثيرة المؤكدة بالحلف فإن الأول التزام لفظي مؤكد بالحلف أي قوله وربي والثاني التزام لفظي مؤكد بالحلف أي قوله السابق والشمس وضحاها إلى قوله ونفس وما سواها دل على أن الله التزم التزاما مؤكدا بأن من زكى نفسه فإنه يجد عنده تعالى فلاحا وأن من دسا لها أي دسسها بالمعاصي فأبدلت إحدى السينين ألفا فإنه يجد عنده تعالى خيبة وثانيهما ما شرعه الله تعالى لنا بأن من أمره لنا تلتزم الحقوق الواجبة علينا للعباد وأن نزيل الريبة من صدور المؤمنين الذين هم أصحاب تلك الحقوق بتأكيد ذلك بالإيمان النافي لتلك الريبة أضيف إليه تعالى لأدنى ملابسة وهي ملابسة المشروعية كما في قوله تعالى ولا نكتم شهادة الله كما مر فلفظ علي ميثاق الله دائر بين ما هو موجب للكفارة وهو الميثاق القديم وبين ما هو ليس بموجب لها وهما الميثاقان الحادثان أعني اللفظي والمشروع في حقنا وهو حقيقة في أي واحد منها وقع أو كان مرادا والدائر بين الموجب وغير الموجب غير موجب لأن الأصل براءة الذمة حتى يتحقق الموجب كما هو القاعدة الشرعية المجمع عليها فمن هنا قال الشافعي رضي الله عنه العهد والكفالة والميثاق كنايات لا صرائح لترددها بين المعاني
    ____________________
    (3/70)
    ووجب أيضا أن يفهم لهذا الكلام معنى صحيح فإن التزام القديم الذي هو واجب الوجود كيف يصح وإنما يلتزم الإنسان فعلا من كسبه وقدرته فإن قلت الالتزام إنما جاء من جهة أن الحانث في هذه الأمور تجب عليه الكفارة والكفارة مقدورة يمكن التزامها ولذلك قال مالك في المدونة إذا قال على عشر كفارات أو مواثيق أو نذور لزمه عدد ما ذكر كفارات وهذا التزام صحيح
    قلت كفارة اليمين غير يمين ولا حنث لا تلزم المكلف لأن لزوم المسبب بدون سببه غير واقع شرعا وحينئذ لا تكون هذه الكفارات لازمة له من حيث هي كفارات بل من حيث هي نذور وكأنه نذر والتزم بطريق النذر عشر كفارات فهذا صحيح غير أن هذا ليس من باب الحلف والأيمان في شيء ولا يكون اللفظ يعطي ذلك حقيقة بل مجازا فإن استعمال لفظ الكفالة فيما يلزم عنها إذا حلف بها وحنث مجاز والمجاز لا بد فيه من أحد أمرين إما نية المتكلم أو عرف اقتضى نقلا لهذا المجاز فأغنى عن النية فإن كان الواقع هو القسم الأول فينبغي أن لا يلزم شيء بهذه الصيغ وبهذا
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    القديمة وبين المحدثات فإن نوى القديمة وجبت الكفارة وإلا فلا ا ه
    وقد مر عن المجموع وشرحه انعقاد اليمين بكفالة الله وعهد الله إن لم ينو معنى حادثا بأن نوى قديما أو لم ينو شيئا ا ه
    ويجري في هذه الألفاظ مجموعة كعلي عهود الله أو علي كفالات الله أو علي مواثيق الله ما جرى فيها مفردة
    اللفظ السابع قولنا وحق الله وحق الرحمن وحق الرحيم وحق العليم والجبار قال الشافعي من الكنايات لا الصرائح لأن لفظ الحق قد يطلق ويراد به حق الله تعالى على عباده من الطاعة والأفعال المطلوبة منهم وهي حادثة كالصلاة والصوم فلا يجب به كفارة حتى ينوي القديم وهو حق الله تعالى الذي هو أمره ونهيه النفساني الموظف على عباده وفي مجموع الأمير وشرحه انعقاد اليمين بحق الله أي استحقاقه إن لم ينو معنى حادثا أي الحقوق التي على العباد من العبادات التي أمر بها بأن نوى قديما أو لم ينو شيئا ا ه
    وفي كنون على عبق وحق الله قدرته وعظمته وجلاله قاله في البيان وقال أبو زيد القابسي رحمه الله تعالى ما نصه في جواب للونشريسي لا يلزم الحالف بحق الله تعالى كفارة لأن حق الله أمره ونهيه أي أن يطيعوه ولا يخالفوه وأن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا إلا أن يريد به اليمين فيجري على الخلاف في انعقاد اليمين بالنية ا ه
    اللفظ الثامن ايمن الله بلغاته الأربع عشرة التي في قول ابن مالك همز أيم أيمن فافتح واكسرا وأم قل أو قل أو من بالتثليث قد شكلا وأيمن اختم به والله كلا أضف إليه في قسم تسوف ما نقلا وايمن الأخير بفتح الميم وكسر الهمزة في الرهوني على عبق ولابن رشد في رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب الأيمان والنذور ما نصه أما ايم الله فلا إشكال في أنها يمين لأن ايم الله أو ايمن الله أو من الله كلها جاءت للعرب في القسم فمن النحاة من ذهب إلى أن الأصل فيها عندهم أيمن جمع يمين ثم
    ____________________
    (3/71)
    اللفظ وما تقدم البحث فيه قبل هذا إلا بالنية ولا يتحرر الذي يلزم المتكلم بها في الكفارة بل يحسب ما ينويه من كفارة أو كفارات أو بعض كفارة أو شيء آخر من باب المعروف المندوب إليه شرعا مما يمكن استعمال الكفالة فيه مجازا فالقول بأن اللازم الكفارة وتعيين ذلك اللزوم لا يصح إلا في بعض الصور وإن كان الواقع القسم الثاني وهو النقل العرفي فيلزم أن لا يلزم به في زماننا شيء فإنا لا نجد هذا النقل فيه فإن النقل إنما يحصل بغلبة الاستعمال عليه حتى يصير اللفظ يفهم منه المنقول إليه بغير قرينة
    ونحن لا نجد ذلك في زماننا ويلزم أيضا إذا وجد هذا العرف وهذا النقل أن يراقب فيه اختلاف الأزمنة واختلاف الأقاليم والبلدان فكل زمان تغير فيه هذا العرف بطل فيه هذا الحكم وكل بلد لا يكون فيه هذا العرف لا يلزم فيه هذا الحكم فتأمل هذا فهو أمر لازم في قواعد الفقه أما الفتيا بلزوم الكفارة على الإطلاق فغير متجه أصلا ولعل مالكا رحمه الله أفتى بذلك لمن سأل أنه كان نواه أو كان عرف زمانه يتقاضى ذلك وهو الأقرب فإن الفتيا
    لو كانت
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    حذفوا على عادتهم في الحذف لأكثر استعمالهم فقالوا ايم الله لا فعلت أو لأفعلن كما قالوا يمين الله لا فعلت أو لأفعلن قال الشاعر فقلت يمين الله أبرح قاعدا ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي ومنهم من ذهب إلى أن ألف ايمن الله ألف وصل وإنما فتحت لدخولها على اسم غير متمكن واشتقاقه من اليمن والبركة ا ه
    بلفظه وقول عبق وارد بالبركة المعنى القديم قال ح هو إرادة البركة ا ه
    وفي مجموع الأمير وشرحه انعقاد اليمين بايم الله أي بركته وبقية لغاتها كذلك إن لم ينو حادثا أي بركة الذرة بأن نوى قديما أو لم ينو شيئا ا ه
    وفي الأصل قال سيبويه رحمه الله تعالى من اليمن والبركة فيتردد بين المحدث من تسمية الأرزاق والأخلاق وبين القديم الذي هو جلال الله تعالى وعظمته ومنه قوله تعالى تبارك الله أحسن الخالقين و تبارك الذي بيده الملك أي كثر جلاله وعلاه وصفاته العلى ولذلك قال الشافعي رضي الله عنه هو كناية لتردده بين المحدث وبين القديم أي فإن نوى القديم وحنث لزمت الكفارة وإلا فلا وقال الفراء هو جمع يمين فالكلام فيه كالكلام في أيمان المسلمين ا ه
    قال ابن الشاط والشخص إنما يقول أيمان المسلمين تلزمني أو علي أيمان المسلمين في حال يقتضي تأكيد خبره الذي يحلف عليه وذلك قرينة تصرف قوله ذلك إما إلى ما يؤكد به الخبر شرعا فيلزمه جمع يمين بالله تعالى إذ هو اليمين الشرعي وأقل ذلك ثلاثة أيمان فإذا حنث يلزمه ثلاث كفارات وقد قيل بذلك
    وأما إلى ما يلزم مقتضاه شرعا فيلزمه كل ما يلزمه شرعا من يمين ونذر وطلاق وعتق وصدقة وقد قيل بذلك فهو على كل من باب لزوم الأحكام بأسبابها لا من باب لزومها بدون أسبابها كما قيل نعم لزوم ما ذكر بمجرد أن القرائن تفهم أن قائل ذلك عني اليمين الشرعي أو الملتزم الشرعي إنما يجري على مذهب مالك رحمه الله تعالى من عدم اشتراط معينات الألفاظ والله أعلم ا ه
    اللفظ التاسع المصحف أو القرآن أو كلمة منه تخصه ك الم لا نحو قال قال كنون حاصل ما لعبق والبناني أن
    ____________________
    (3/72)
    مبنية على نية لذكرت مع الحكم في الفتيا
    التنبيه الثاني أن قوله كفالة الله تعالى كفالة مضافة إلى الله تعالى وقد تقدم أن الإضافة يكفي فيها أدنى ملابسة حقيقة لغوية كقول أحد حاملي الخشبة شل طرفك وقولنا حج البيت وصوم رمضان وهذه الكفالة المضافة تحتمل ثلاثة أنواع من الكفالة أحدها الكلام القديم والوعد الذي هو الكلام النفسي وثانيها كفالة الله تعالى التي هي التزامه اللفظي المنزل في القرآن وغيره من الكتب الدال على الكلام القديم فهو كفالة حادثة دالة على تلك الكفالة القديمة كما أن أمر الله تعالى اللفظي الذي هو أقيموا الصلاة دليل أمره النفسي القائم بذاته وكذلك جميع الأحكام والأخبار وهذه الكفالة الحادثة لا يوجب الحلف بها كفارة وثالثها كفالة خلقه التي هي ضمان بعضهم لبعض التي هي من فعلنا وقولنا وهي مندوبة من قبل صاحب الشرع فهي تضاف إليه تعالى إضافة المشروعية كما قال تعالى ولا نكتم شهادة الله تعالى أي التي شرعها وأوجب علينا أداءها فأضافها إليه تعالى إضافة المشروعية لأنه تعالى شاهد ولا شهود عليه فكذلك
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    القرآن يطلق على المعنى النفسي الأزلي القائم بذاته تعالى وعلى العبارات الدالة عليه المسموعة لنا وعلى نقوش الكتابة الدالة عليه وبقي أنه يطلق على المحفوظ في الصدور من الألفاظ المتخيلة كما يقال حفظت القرآن فكلام الله يطلق بالاعتبارات الأربعة والقديم من ذلك إنما هو الأول قال العزيز قراءة الخلق صفات لهم فواجب حدوثها مثلهم
    وقوله المعدود من صفاته فواجب قدمه كذاته وهذه الحروف والأصوات دلائل عليه موضوعات وإيضاح قوله دلائل عليه بالمثال أن ينزل كلامه منزلة رجل فيكتب الرجل ويذكر باللسان ويستحضر في الذهن وهو بنفسه غير حال في ذلك فكذلك كلامه تعالى القديم يلفظ ويسمع بالنظم الدال عليه ويحفظ بالألفاظ المتخيلة في الذهن ويكتب بأشكال الحروف الدالة عليه وهو غير حال في ذلك وكما يقال النار جوهر محرق فيذكر باللفظ ويسمع بالآذان ويعرف بالقلب ويكتب بالقلم ولا يلزم كون حقيقة النار حالة في شيء من ذلك وتحقيقه أن للشيء وجودا في الأعيان ووجودا في الأذهان ووجودا في العبارة ووجودا في الكتابة فالكتابة تدل على العبارة وهي على ما في الأذهان وهو على ما في الأعيان فحيث يوصف بما هو من لوازم القديم كقولنا القرآن أو كلام الله غير مخلوق فالمراد حقيقته الموجودة في الخارج أعني المعنى النفسي القائم بالذات العلية وحديث يوصف بما هو من لوازم المخلوقات والمحدثات يراد به الألفاظ المنطوقة المسموعة كما في حديث ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي حسن الترنم يتغنى بالقرآن أو المخيلة كما في قوله تعالى بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وكحديث أحمد وغيره من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال أو الأشكال المنقوشة كحديث الطبراني في الكبير لا يمس القرآن إلا طاهر
    وقد ذكر السعد عن المشايخ أنه ينبغي أن يقال القرآن كلام الله غير
    ____________________
    (3/73)
    هذه الكفالة المندوب إليها تصح إضافتها إليه تعالى إضافة المشروعية إذا كانت الكفالة التي يمكن إضافتها إليه تعالى ثلاثة أنواع متباينة قديمة وحادثتان
    ومطلق الإضافة هو الموجود وهو الذي دل عليه اللفظ والدال على الأعم غير دال على الأخص فلا يكون لقول القائل علي كفالة الله إشعار بالكفالة القديمة ألبتة لأن نوعها أخص مما دل عليه مطلق الإضافة فلا يكون هذا اللفظ موجبا للكفارة من جهة أن المتكلم حلف بصفة من صفات الله تعالى ألبتة بل إما بجهة النذر أو بجهة أخرى كما تقدم بيانه فتأمل ذلك التنبيه الثالث أن المتكلم إذا لم يقل علي كفالة الله وكفالة الله أو أقسم بكفالة الله وغير ذلك من صيغ القسم اللغوي الذي هو القسم بوضعه مستغن عن النية والعرف والنقل يلزمه به الكفارة ويكون أصرح من قول القائل علي كفالة الله من جهة أنه قسم مستغن عن نية المجاز والنقل العرفي وإن كان احتمال الإضافة للحادث والقديم موجودا فيه غير أنه احتمال مشترك بين علي كفالة الله وأقسم بكفالة الله
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    مخلوق ولا يقال القرآن غير مخلوق لئلا يسبق إلى الفهم أن المؤلف من الأصوات والحروف قديم وكان السلف يمنعون أن يقال القرآن مخلوق ولو أريد به اللفظ إلخ دفعا لإيهام خلق المعنى القائم للذات العلية فلا يجوز ذلك إلا في مقام البيان واختلفوا هل يجوز أن يقال لفظي بالقرآن مخلوق وعليه البخاري والأكثر أو لا وعليه الإمام أحمد وفي حاشية الرسالة للح قال في رسم أوصى من سماع عيسى من كتاب النذور إن من حلف بالمصحف وأراد المصحف نفسه دون المفهوم منه أن ذلك لا يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت ا ه
    وفي المجموع وشرحه انعقاد اليمين بالمصحف وأولى القرآن أو كلمة منه تخصه عرفا ك الم لا نحو قال إن لم ينو معنى حادثا أي المكتوب أو اللفظ المنزل من غير ملاحظة دلالته على المعنى القديم بأن نوى قديما أو لم ينو شيئا ا ه
    وفي الأصل في الفرق الذي قبل هذا وهل تجب عليه الكفارة إذا حلف بالقرآن أو التوراة أو الإنجيل أو الزبور وسائر الكتب المنزلة وحنث وهو لمالك رضي الله عنه لانصرافه عنده للكلام القديم النفسي أم لا تجب عليه الكفارة إذا حلف بذلك وحنث وهو ما لأبي حنيفة رضي الله عنه وروي أيضا عن مالك أنه قال إن الحلف بالقرآن والمصحف ليس بيمين ولا كفارة فيه وهو الظاهر فإنا لا نفهم من قول القائل القرآن وهو يحفظ القرآن أو يكتب القرآن إلا هذه الأصوات والرقوم المكتوبة بين الدفتين وهو الذي يفهم من نهيه عليه الصلاة والسلام عن أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو فإن المسافرة متعذرة بالقديم ا ه وزاد العلامة الأمير في ضوء الشموع ستة ألفاظ اللفظ العاشر قوله والاسم الأعظم قال الأمير ينعقد اليمين به إلا أن ينوي به الأعظم من اسمين لشخص اللفظ الحادي عشر قوله ودين الإسلام قال الأمير إن أراد به الأحكام الإلهية انعقد لأنها ترجع لكلامه وخطابه وإن أراد تدين العباد وطاعتهم لم يلزم
    ____________________
    (3/74)
    التنبيه الرابع أن تلك الكلمات السبع ينبغي أن تستوي في لزوم الكفارة وعدم لزومها لأنها مترادفة وشأن أحد الألفاظ المترادفة أن يقوم مقام الآخر في لزوم الحكم وسقوطه فلا فرق حينئذ بين علي كفالة الله تعالى وبين أذانته وزعامته وضمانه وقبالته وجميع ما تقدم في ذلك وكذلك إذا أتى بصيغة القسم تشمل جميع تلك الألفاظ ويكون الحكم في الجميع واحدا لأنها مترادفة فتأمل هذه التنبيهات فهي يحتاج إليها في هذه الكلمات اللفظ السادس الميثاق قال مالك رحمه الله إذا قال علي ميثاق الله تعالى وحنث لزمته الكفارة والميثاق مأخوذ من التوثق وهو التقوية والفرق بينه وبين العهد واليمين أما اليمين فهو القسم وأما العهد فقد تقدم أنه الالتزام والميثاق هو العهد الموثق باليمين فيكون الميثاق مركبا من العهد واليمين معا كذا كان الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله ينقله عن اللغة وإذا كان هذا معنى الميثاق والعهد وقد تقدم أنه يرجع إلى الكلام النفسي والقسم أيضا يرجع إلى الكلام لأنه خبر عن تعظيم المقسم به وإذا كانا معا يرجعان إلى معنى الكلام فالمركب منهما يرجع إلى معنى الكلام قطعا لأن المركبات تابعة للمفردات إذا تقرر أن معنى الميثاق يرجع إلى معنى الكلام ورد عليه الإشكال الوارد من لفظ علي وكيف يصح التزام ميثاق الله تعالى كما تقدم في العهد والكفالة ويرد عليه أيضا أن إيجاب الكفارة به ليس من باب صريح اللغة بل ذلك إما بالنية أو العرف أو النقل وأن الإضافة محتملة لميثاق الله تعالى الذي هو كلام نفسي وميثاق الله تعالى الذي هو كلام لفظي لساني حادث كقوله تعالى قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير فإن هذا التزام لفظي مؤكد بالقسم بقوله وربي فيكون ميثاقا وكقوله تعالى والشمس وضحاها إلى قوله قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها التزم الله تعالى أن من زكى نفسه فإنه يجد عنده تعالى فلاحا وأن من دساها أي دسها بالمعاصي فأبدلت إحدى السينين ألفا فإنه يجد عنده تعالى خيبة
    وأكد هذا الالتزام بالقسم السابق وهو قوله تعالى والشمس وضحاها
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    اللفظ الثاني عشر قوله وخاتم الصوم الذي على فم العباد قال الأمير لا يلزم به اليمين إلا أن يريد الحكم الآلهي به فيلزم كما إذا قال والذي خاتمه على فمي وأراد به الله اللفظ الثالث عشر قوله والعلم الشريف قال الأمير المتبادر منه العلوم المدونة فلا يلزم إلا أن يريد علم الله تعالى أو أحكامه على ما سبق اللفظ الرابع عشر والموجود والشيء قال الأمير وينعقد بالموجود وبالشيء إذا أريد به الله تعالى كما
    ____________________
    (3/75)
    إلى قوله ونفس وما سواها فهذا كله قسم مؤكد لذلك الالتزام ونحو ذلك في القرآن الكريم كثير من الالتزامات لتوكدة بالحلف ويحتمل أيضا ميثاق الله تعالى الذي شرعه لنا فقد أمرنا الله تعالى أن نلتزم الحقوق الواجبة علينا للعباد وأن نزيل الريبة من صدور المؤمنين الذين هم أصحاب تلك الحقوق بالأيمان والتأكيد في ذلك النافي لتلك الريبة فهذا الميثاق يضاف إلى الله تعالى إضافة المشروعية كما تقدم في الكفالة والشهادة في ولا نكتم شهادة الله
    وإذا احتمل الميثاق المضاف إليه تعالى هذه المواثيق الثلاثة ويكون اللفظ حقيقة في أي ذلك وقع أو كان مرادا صار اللفظ دائرا بين ما هو موجب وبين ما هو ليس بموجب وهما القسمان الآخران الحادثان الميثاق اللفظي الدال على كلام الله القديم والميثاق المشروع في حقنا لم يكن موجبا حينئذ لأن المحتمل الموجب وغير الموجب غير موجب لأن الأصل براءة الذمة حتى يتحقق الموجب هذا هو القاعدة الشرعية المجمع عليها وإذا كانت هذه الأسئلة واردة على هذه الألفاظ حالة كونها مفردة فإذا جمعت وقيل كفالات الله تعالى أو مواثيقه فالأسئلة باقية بحالها
    ويرد على الجمع ما يرد على المفردات ووافق مالكا أبو حنيفة وابن حنبل في هذه المسائل وقال الشافعي رضي الله عنه العهد والكفالة والميثاق وقولنا وحق الله الرحمن وحق الرحيم وحق العليم والجبار كنايات لا صرائح لترددها بين المعاني القديمة وبين المحدثات فإن نوى القديمة وجبت الكفارة وإلا فلا لأن لفظ الحق قد يطلق ويراد به حق الله تعالى على عباده من الطاعة والأفعال المطلوبة منهم وهي حادثة كالصلاة والصوم فلا يجب بها كفارة حتى ينوي القديم وهو حق الله تعالى الذي هو أمره ونهيه النفساني الموظف على عباده وكذلك العهد والكفالة والميثاق قد يراد بها الحوادث كما تقدم تقريره والذي قاله الشافعي رضي الله عنه متجه بما تقدم من الأسئلة والتقارير
    اللفظ السابع ايمن الله قال سيبويه رحمه الله هو من اليمن والبركة ولذلك قال الشافعي رضي الله عنه هو
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    في ابن شاس وفي القرآن قل أي شيء أكبر شهادة قل الله وما في عبق من عدم الانعقاد بالموجود لأنه ليس مما يندرج في الأسماء التي بذاتها للقسم من غير توقف على إرادة فالنفسية تنعقد بها لا بالاسم المشتق منها عكس الفعلية وذلك لأنه إذا قيل ووجود الله كان صريحا في القديم وقد قيل إن الوجود عين الموجود والظاهر أنه إذا قيل والوجود معرفا بأل من غير إضافة جرى فيه ما جرى في الموجود بالميم
    ____________________
    (3/76)
    كناية لتردده بين المحدث من تنمية الأرزاق والأخلاق وبين القديم الذي هو من جلال الله تعالى وعظمته ومنه قوله تعالى فتبارك الله أحسن الخالقين و تبارك الذي بيده الملك أي كثر جلاله وعلاه وصفاته العلا
    وقال الفراء وهو جمع يمين فيكون الكلام فيه كالكلام في أيمان المسلمين من هذا الوجه من جهة أنه صريح أو كناية ويقال ايمن الله وأيم الله ومن الله وم الله ثم عليه إذا قلنا إنه جمع يمين إشكال أيضا بسبب أن القائل إذا قال وأيمان المسلمين فحلف بالحلف يكون قد حلف بمحدث أيضا فإن حلف الخلق محدث فلا يلزم به كفارة وكذلك يرد الإشكال على متأخري المالكية القائلين بلزوم أيمان المسلمين على من قال وأيمان المسلمين تلزمني أنه إن أراد القسم فقد حلف بمحدث فلا يلزمه شيء وإن أراد أن يلزم نفسه موجبات الأيمان فإن أراد ذلك أنها تلزمه من جهة أنها مسببات لأسبابها وأسبابها لم توجد فلا يلزمه شيء لأن لزوم الأحكام بدون أسبابها غير معهود في الشريعة بل الشريعة تنكره وإن أراد أنها تلزمه على سبيل النذر فيفتقر ذلك إلى نية النذر والقصد إليه فإن هذه الصيغة ليست موضوعة في الفقه المنذور بل هي أخبار وقسم وهؤلاء القائلون بلزوم هذه الأمور لم يصرحوا بأنها من باب النذور بل ظاهر كلامهم أنها من باب القسم والحلف
    الفرق السادس والعشرون والمائة بين قاعدة ما يوجب الكفارة بالحلف من صفات الله تعالى إذا حنث وبين قاعدة ما لا يوجب كفارة إذا حلف به من ذلك صفات الله تعالى خمسة أقسام معنوية وذاتية وسلبية وفعلية وما يشمل الجميع فأما القسم الأول وهي الصفات المعنوية فهي سبعة العلم والكلام القديم والإرادة
    هامش أنوار البروق
    قال الفرق السادس والعشرون والمائة بين قاعدة ما يوجب الكفارة بالحلف من صفات الله تعالى إذا حنث وبين قاعدة ما لا يوجب كفارة إذا حلف به من ذلك إلى قوله وفي هذا القسم مسائل قلت ما قاله في ذلك صحيح
    هامش إدرار الشروق
    اللفظ الخامس عشر ما تقدم في الفرق الذي قبل هذا عن العلامة الأمير من صفات الأفعال فجملة ما ذكروه من ألفاظ هذا القسم أعني ما لم يعلم قدم مدلوله ولا حدوثه خمسة عشر وسيأتي في الفرق الذي عقب هذا الفرق عن الأصل ألفاظ أخر فترقب والله سبحانه وتعالى أعلم
    الفرق السادس والعشرون والمائة بين قاعدة ما يوجب الكفارة بالحلف من صفات الله تعالى إذا حنث وبين قاعدة ما لا يوجب كفارة إذا حلف به من ذلك صفات الله تعالى خمسة لأنها إما ذاتية لا تدل على معنى موجود قائم بالذات ولا على سلب نقيصة ولا
    ____________________
    (3/77)
    والقدرة والسمع والبصر والحياة فهذه كلها يوجب الحلف بها مع الحنث الكفارة فيجوز الحلف بها ابتداء هذا هو مشهور المذهب وقيل لا توجب كفارة لقوله صلى الله عليه وسلم من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت ولفظ الله مخصوص بالذات فاندرجت الصفات في المأمور بالصمت به ومستند المشهور ما تقدم مما حكاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أيوب عليه السلام أنه قال بلى وعزتك ولكن لا غنى لي عن بركتك وفي هذا القسم مسائل المسألة الأولى الحلف بالقرآن إذا حلف به قلنا نحن تجب به الكفارة لأنه منصرف للكلام القديم وقال أبو حنيفة لا تجب به الكفارة لأنه ظاهر في الكلام المخلوق الذي هو الأصوات فالكلام في تحقيق مناط هل فيه عرف أم لا ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو لم يفهم أحد إلا القرآن الذي هو الأصوات وإذا قيل في مجرى العادة القرآن إنما يسبق إلى الفهم الكلام العربي المعجز والعربي المعجز محدث وهو مروي عن مالك رحمه الله كما قاله أبو حنيفة رضي الله عنه والأول المشهور عن مالك حملا للقرآن على القديم
    هامش أنوار البروق
    قال المسألة الأولى الحلف بالقرآن إلى آخر كلامه في هذه المسألة قلت ما قاله من أن خلاف مالك وأبي حنيفة إنما هو في تحقيق مناط وهو هل في لفظ القرآن عرف أن المراد به الصفة القديمة أم لا ليس الأمر عندي كما زعم بل العرف في الاستعمال أن المراد به الحادث وذلك مستند أبي حنيفة ولكن قرينة القسم صرفت اللفظ إلى أن المراد به الأمر القديم وذلك مستند مالك والله تعالى أعلم
    فخلافهما في تحقيق مناط لكن من غير الوجه الذي ذكر ومما يدل على ذلك تسوية مالك بين لفظ القرآن والمصحف والتنزيل والتوراة والإنجيل مع أن العرف فيها أن المراد بها المحدث
    هامش إدرار الشروق
    على فعل الذات وإما معنوية تدل على معنى موجود قديم قائم بالذات لا ينفك عنها وإما سلبية تدل على سلب نقيصة عن الذات وإما فعلية تدل على فعل الذات وإما أن تشمل الجميع فالقسم الأول منها أعني الصفات الذاتية هي كونه تعالى أزليا أبديا واجب الوجود سماها العلماء بذلك لأنها أحكام للذات لا معان قائمة بالذات نظير جمع البصر في السواد وتفريقه في البياض كذا قال الأصل وهو إنما يظهر على القول بالأحوال وأنها أحوال نفسية لا معنوية أما على إنكار الأحوال وهو الصحيح فهي بجملتها صفات سلبية لا ثبوتية وعلى كلا القولين لا وجود في الأعيان لمعنى واحد منها
    فالظاهر من قول مالك بوجوب الكفارة مع الحنث إذا قال الحالف عمر الله يميني مع أن العمر هو البقاء والبقاء كالقدم من صفات السلوب معناه نفي لحوق العدم للذات وكون النفي على طريقة الامتناع مأخوذ من كون بقاء الذات واجبا كما أن معنى القدم امتناع سبقية العدم للذات فلا وجود لمعنى كل منهما في
    ____________________
    (3/78)
    قال صاحب الخصال ابن زرب الأندلسي ويلحق بالقرآن عند مالك إذا حلف بالمصحف أو بما أنزل الله أو بالتوراة أو بالإنجيل واعلم أن هذه أيضا ظاهرة في العرف المحدث فإن الناس لا يفهمون من المصحف إلا الأوراق المرقومة المجلدة بالجلد وهذه محدثة وكذلك التنزيل والإنزال إنما يتصور في الحادث فإن الصفات القديمة لا تفارق موصوفها وما يستحيل مفارقته يستحيل نزوله وطلوعه ومطلق الحركة عليه
    وأما التوراة والإنجيل فهما كلفظ القرآن لا يفهم منهما إلا الكلمات الخاصة التي نزلت باللغة العبرانية وما يوصف باللغة العربية أو العبرانية فهو محدث بالصورة وكذلك قلنا القرآن لكونه موصوفا بكونه عربيا في قوله تعالى إنا أنزلناه قرآنا عربيا محدث فإن العربية والعجمية من عوارض الألفاظ والكلام النفسي كان قديما أو محدثا لا يوصف بكونه عربيا ولا عجميا المسألة الثانية قال الشيخ الإمام أبو الوليد بن رشد في البيان والتحصيل إذا قال علم الله لا فعلت استحب له مالك الكفارة احتياطا تنزيلا للفظ علم الذي هو فعل ماض منزلة علم الله فكأنه قال وعلم الله لا فعلت
    وقال سحنون إن أراد الحلف وحنث وجبت الكفارة وإلا فلا كفارة عليه لأن حروف القسم قد تحذف فهو كناية تحتمل القسم بعلم الله
    هامش أنوار البروق
    قال المسألة الثانية قال الشيخ الإمام أبو الوليد بن رشد في البيان والتحصيل إذا قال علم الله لا فعلت استحب له مالك الكفارة احتياطا إلى آخر ما قاله في هذه المسألة قلت الأظهر نظرا قول سحنون ولذلك والله أعلم
    استحب مالك الكفارة ولم يوجبها قال المسألة الثالثة الألف واللام في اللغة أصلها العموم على مذهب جمهور الفقهاء القائلين بالعموم إلى آخر ما قاله في هذه المسألة
    قلت الصحيح عندي في قول القائل والعلم وقوله وعلم الله وما أشبهه ذلك أن قرينة القسم عينت أن المراد القديم دون غيره مع أن لفظ العلم سواء كان بالألف واللام أم مضافا ليس اشتماله
    هامش إدرار الشروق
    الأعيان أنه كذلك يوجب الكفارة مع الحنث إذا قال الحالف وأزلية الله تعالى ووجوب وجوده وأبديته إذ لا فرق سيما وقد جعل بعضهم القدم نفسيا زاعما أنه الوجود الأزلي وكذا البقاء أي الوجود المستمر كما في حاشية الأمير على عبد السلام على الجوهرة نعم قد جعل بعضهم القدم والبقاء من المعاني ورد بأنهما ثابتان لصفاته أيضا فيلزم قيام المعنى بالمعنى من الدور أو التسلسل فيهما كما في الأمير أيضا هذا تحقيق المقام فليتأمل
    والقسم الثاني منها أعني المعنوية نسبة للمعاني الوجودية القائمة بالذات على حد قوله والواحد اذكر ناسبا للجمع ما لم يوافق واحدا في الوضع نعم الظاهر أنه هنا وافق واحدا في الوضع فإذا عبر علماء الكلام عن هذا القسم بصفات المعاني وقال السنوسي في شرح الوسطى الإضافة في صفات المعاني للبيان وأن المراد الصفات التي هي نفس المعاني
    ____________________
    (3/79)
    مع حذف أداة القسم والتعبير عن الصفة القديمة بصيغة الفعل فإن أراده وجبت الكفارة وإن أراد الإخبار عن علم الله تعالى بعدم فعله فليس بحلف تجب به كفارة وهو متجه في قواعد الفقه وقد وقع لبعض النحاة جواز فتح إن بعد القسم وعلل ذلك بأن القسم قد يقع بصيغة الفعل المتعدي فتكون أن معمولة لذلك الفعل المتعدي نحو علم الله وشهد الله أن زيدا لمنطلق فلما كانت مظنة وجود الفعل المتعدي فتحت تنزيلا للمظنون منزلة المحقق والظاهر أنه نقلها لغة عن العرب في فتح أن بعد القسم والجادة على كسرها بعد القسم المسألة الثالثة الألف واللام في اللغة أصلها للعموم على مذهب جمهور الفقهاء وقد تكون للعهد مجازا عندهم كقوله تعالى كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول فهذه اللام للعهد أي عصى الرسول المعهود ذكره الآن فهذا مجاز لأنها استعملت في غير موضوعها لأنها موضوعة للعموم وقد استعملت في الخصوص الذي هو العهد فيكون مجازا فإذا تقررت هذه القاعدة وقال القائل والعلم والقدرة فأصلها في الوضع اللغوي أنها للعموم فتشمل كل علم كان قديما أو حادثا فيجتمع في أفراد هذا العموم العلم القديم وهو موجب والعلم المحدث وهو غير موجب
    هامش أنوار البروق
    في القول الصحيح على القديم والحادث من باب العموم الذي يقول به المعممون بل اشتماله على القديم والحادث من باب تعميم اللفظ المشترك والقول به مردود وكل ما قاله في هذه المسألة مبني على أن اشتمال اللفظ على القديم والحادث من باب العموم فما قاله ليس بصحيح والله أعلم قال القسم الثاني من الصفات الصفات الذاتية وهي كونه تعالى أزليا أبديا واجب الوجود إلى قوله فهذا هو تحقيقها قلت ليس ما قاله في ذلك بصحيح فإن الأزلية إنما معناها أن وجوده لم يسبقه عدم والأبدية
    هامش إدرار الشروق
    يعنون بها المعاني الوجودية كالعلم مثلا ويصح أن تكون الإضافة أنه بتقدير من كثوب خز ا ه
    ولم يعبروا بالصفات المعنوية فهي سبعة العلم والكلام القديم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والحياة ومشهور المذهب جواز الحلف بها ابتداء وأن الحلف بها مع الحنث يوجب الكفارة لما في البخاري أن أيوب عليه الصلاة والسلام قال بلى وعزتك لا غنى لي عن بركتك كما مر وقيل لا يوجب كفارة لقوله صلى الله عليه وسلم من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت ولفظ الله مخصوص بالذات فاندرجت الصفات في المأمور بالصمت به لكن قد مر عن حفيد بن رشد قال في بداية المجتهد وتعليق الحكم في الحديث بالاسم فقط أي دون أن يعدى إلى الصفات والأفعال جمود كثير وهو أشبه بمذهب أهل الظاهر وإن كان مرويا في المذهب حكاه اللخمي عن محمد بن المواز ا ه
    وفي هذا القسم ثلاث مسائل المسألة الأولى مذهب مالك رضي الله تعالى عنه أن الحلف بالقرآن تجب به مع الحنث الكفارة وقال أبو
    ____________________
    (3/80)
    وإذا اجتمع الموجب وغير الموجب ترتب الإيجاب على الموجب ووجود غير الموجب لا يقدح ولا يعارض الموجب كمن وجد منه شرب الخمر وشرب الماء وجب عليه الحد لأجل الموجب
    والقاعدة أن الأصل اعتبار الموجب بحسب الإمكان فيعتبر العلم القديم في إيجاب الكفارة نعم يتجه أن يقال إنه حينئذ اندرج في كلامه ما يسوغ الحلف به وهو العلم القديم وما ينهى عن الحلف به تحريما أو كراهة وهو العلم المحدث والمركب من المأذون فيه والمنهي عنه منهي عنه فتكون يمينه هذه منهيا عنها وإن كانت موجبة للكفارة هذا إذا استعملنا الألف واللام للعموم وإن قلنا إنها للعهد أو قرينة الحلف تصرفها للعهد لأنه الغالب من أحوال المؤمنين كان المراد ما عهد الحلف به وهو العلم القديم فتجب الكفارة من غير نهي وهذا هو الظاهر من أحوال الحالفين هذا ما يتعلق بتلخيص الألف واللام في الصفة إذا حلف بها فإن أضيفت وقال الحالف وعلم الله وقدرة الله ونحو ذلك اندرج في المضاف العلم القديم والمحدث وكذلك كل صفة تضاف لأن اسم الجنس إذا أضيف عم كقوله عليه السلام هو الطهور ماؤه الحل ميتته فعم جميع مياه البحر وميتاته ولأنه
    هامش أنوار البروق
    أنه لا يلحقه عدم ووجود الوجود نفي تبدله فهذه الصفات بجملتها سلبية لا ثبوتية هذا على إنكار الأحوال أو إما على إثباتها فذلك متجه على أنها أحوال نفسية لا معنوية قال وأما حكمها في الشريعة إذا حلف بها فالظاهر من قول مالك رحمه الله أنه إذا قال عمر الله يميني يكفر مع أن العمر هو البقاء والبقاء يرجع إلى مقارنة الوجود في الأزمنة إلى قوله من التخريج قلت ما قاله في ذلك صحيح غير ما قاله في البقاء أنه يرجع إلى مقارنة الوجود في الأزمنة فإنه ليس كذلك فإنه تعالى متصف بالبقاء سواء وجد زمان أو لم يوجد فإن الزمان من جملة الحوادث قال فإن قلت الأبدية لا تكون في الأزل
    هامش إدرار الشروق
    حنيفة رضي الله تعالى عنه لا تجب به الكفارة ومستند أبي حنيفة أن المراد به في عرف الاستعمال الحادث ومستند مالك أنه وإن كان المراد به في العرف الحادث إلا أن قرينة القسم صرفت اللفظ إلى أن المراد به الأمر القديم ومما يدل على ذلك تسوية مالك بين لفظ القرآن والمصحف والتنزيل والتوراة والإنجيل مع أن العرف فيها أن المراد بها المحدث أفاده ابن الشاط المسألة الثانية قال الشيخ الإمام أبو الوليد بن رشد في البيان والتحصيل إذا قال علم الله لا فعلت استحب له مالك الكفارة احتياطا تنزيلا للفظ علم الله الذي هو فعل ماض منزلة علم الله فكأنه قال وعلم الله لا فعلت وقال سحنون إن أراد الحلف بعلم الله مع حذف أداة القسم والتعبير عن الصفة القديمة بصيغة الفعل وحنث وجبت الكفارة وإن أراد الإخبار عن علم الله تعالى بعدم فعله فليس بحلف تجب به كفارة فلفظ علم الله لا فعلت كناية تحتمل القسم والإخبار ا ه بتصرف قال ابن
    ____________________
    (3/81)
    المنقول عن الأصوليين والإضافة يكفي فيها أدنى ملابسة كما تقدم بيانه والمحدثات من الصفات والموصوفات تضاف إلى الله تعالى لأنه خلقها وغير ذلك من النسب والإضافات التي بين المخلوق والخالق
    ولذلك قال كعب الأحبار في قوله تعالى فنفخنا فيه من روحنا إنه تعالى نفخ فيه روحا من أرواحه إشارة إلى أن أرواح الخلائق كلها مخلوقة وأن روح عيسى عليه السلام من جملتها فأضافها الله تعالى إليه إضافة الخلق إلى الخالق فإذا وضح أن هذه الإضافة تقتضي العموم في القديم والحادث فإن أبقيناها على عمومها شملت الموجب وغير الموجب والمأذون فيه والمنهي عنه فيكون الكلام حينئذ في الإضافة كما تقدم في عموم الألف واللام وإن لم نحملها على عمومها وقلنا بالعهد فهو في الإضافة قليل وإنما هو مسطور للنحاة في الألف واللام وينبغي أن نقول هاهنا إن قرينة حال الحالف والحلف أن هذا العام أريد به الخاص وهو الصفة القديمة خاصة فيقوم هذا التخصيص مقام العهد في لام التعريف ويحصل المقصود وتكون اليمين ملزمة للكفارة من غير نهي وقد نقل عبد الحق في تهذيب الطالب عن أشهب أنه قال إن أراد الحالف بقوله وعزة الله وأمانته المعنى القديم وجبت الكفارة أو المحدث لم تجب
    وقد قال تعالى سبحان ربك رب العزة و إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها والقديم لا يكون مربوبا
    هامش أنوار البروق
    كما أن الأزلية لا تكون في المستقبل إلى قوله فمع الفرق لا يصح التخريج قلت السؤال غير صحيح وجوابه كذلك أما عدم صحة السؤال فمن جهة أن وجود الباري تعالى وجميع صفاته لا يلحقها الزمان والأزلية والأبدية قد تقدم تفسيرهما بالسلب فكيف يقول السائل إنهما لا يكون أحدهما في الزمن الذي يكون فيه الآخر وهل الكون إلا من لواحق الوجود أو هو هو فما ألزم من أن الأبد لا يكون إلا متجددا لا يلزم وما قاله هو في الجواب من أن البقاء في المحدثات لا يعقل إلا بعد الحدوث مسلم ولا يلزم من ذلك ما بني عليه من أن مالكا اعتبر البقاء من غير ملاحظة كونه ثانيا عن الحدوث ومتى يصح في حقه تعالى أن يكون بقاؤه بتلك
    هامش إدرار الشروق
    الشاط الأظهر نظرا قول سحنون ولذلك والله أعلم استحب مالك الكفارة ولم يوجبها ا ه
    وقال الأصل وقول سحنون متجه في قواعد الفقه وقد وقع لبعض النحاة جواز فتح أن بعد القسم وعلل ذلك بأن القسم قد يقع بصيغة الفعل المتعدي فتكون أن معمولة له نحو علم الله وشهد الله أن زيدا لمنطلق فلما كانت مظنة وجود الفعل المتعدي فتجب تنزيلا للمظنون منزلة المحقق والظاهر أنه نقلها لغة عن العرب في فتح أن بعد القسم والجادة على كسرها بعد القسم ا ه
    المسألة الثالثة الصحيح أن قرينة القسم في قول القائل والعلم بالألف واللام وقوله وعلم الله بالإضافة وما أشبه ذلك تعين أن مراده العلم القديم دون غيره على أن لفظ العلم سواء كان مضافا أم بالألف واللام ليس اشتماله على القديم والحادث في القول الصحيح الذي عليه جمهور الفقهاء من أن أصل الألف واللام وكذا الإضافة في اللغة للعموم وقد تكون للعهد مجازا مرسلا من إطلاق العام وإرادة الخاص
    ____________________
    (3/82)
    ولا مأمورا به إشارة منه إلى أن الإضافة يكفي فيها أدنى ملابسة ويكون اللفظ حقيقة وأن العزة الحادثة للعباد يمكن أن تضاف إليه إضافة الخلق للخالق ولأجل هذه الاحتمالات والترددات خالفنا جمهور الحنفية في الصفات فقالوا إن تعارف الناس الحلف بها كانت يمينا وإن لم تتعارف الناس بها لم تكن يمينا وسواء كانت الصفات من صفات الذات أو صفات الفعل فاشترطوا الشهرة دوننا وسووا بين الصفات الفعلية والذاتية وسبب اشتراطهم الشهرة أن الشهرة تصير ذلك اللفظ المشهور موضوعا لخصوص القديم الذي يحلف به فتجب به الكفارة وقبل النقل والشهرة يكون اللفظ مترددا بين القديم والمحدث والأصل براءة الذمة ومما يعضد هذا التردد أن النكرات قسمان منهما ما يصدق على القليل والكثير من ذلك الجنس كقولنا ماء ومال وذهب وفضة فيقال للكثير من جميع ذلك ماء وذهب وفضة وكذلك القليل ومن النكرات ما لا يصدق إلا على الواحد من ذلك الجنس ولا يصدق على الكثير منه كقولنا رجل وعبد ودرهم ودينار فلا يقال للرجال الكثيرة رجل وللعبيد عبد ولا للفضة والدراهم الكثيرة درهم ولا للذهب الكثير والدنانير دينار
    وإن قيل له الذهب بل لا تصدق هذه النكرات إلا على هذا الجنس بقيد الوحدة
    هامش أنوار البروق
    المثابة حتى يلزم أن مالكا لم يعتبر ذلك فيخرج على قوله في مسألة الأبدية مع تسليم تجددها هذا كله تخليط فاحش لا يفوه بمثله من حصل شيئا من علم الكلام وما قاله بعد ذلك صحيح أو حكاية خلاف ولا كلام فيه
    قال القسم الثالث من صفات الله تعالى الصفات السلبية إلى آخر ما قاله في هذا القسم قلت ما قاله صحيح غير ما قاله في الحلم إنه تأخير العقوبة فإن هذا عندي فيه نظر والأقرب أن الحلم ترك المحاسبة والمعاقبة والعفو ترك المعاقبة والله أعلم
    قال القسم الرابع من صفات الله تعالى الصفات الفعلية كقوله وخلق الله ورزق الله وعطاء الله وإحسان الله ونحو ذلك إلى قوله وهاهنا خمس مسائل
    هامش إدرار الشروق
    كقوله تعالى كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول أي عصى الرسول المعهود ذكره الآن من باب العموم الذي يقول به المعممون بل اشتماله على القديم والحادث فيه من باب تعميم اللفظ المشترك والقول به مردود فكل ما قاله الأصل في هذه المسألة مبني على أن اشتمال اللفظ على القديم والحادث من باب العموم كما زعم ليس بصحيح والله أعلم قاله ابن الشاط
    قال القسم الثالث من صفات الله تعالى الصفات السلبية إلى آخر ما قاله في هذا القسم قلت ما قاله صحيح غير ما قاله في الحلم إنه تأخير العقوبة فإن هذا عندي فيه نظر والأقرب أن الحلم ترك المحاسبة والمعاقبة والعفو ترك المعاقبة والله أعلم
    والقسم الثالث منها أعني السلبية قال الأمير على عبد السلام والحق أن الخلاف في كونها منحصرة أولا لفظي وأن الأصول الكلية كالمخالفة للحوادث تحته أمور كثيرة من أنه ليس جوهرا ولا عرضا إلخ منحصرة وأن الجزئيات غير متناهية ا ه
    وهي كقولنا إن الله تعالى ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ولا في حيز ولا في جهة ولا يشبه شيئا من خلقه في ذاته ولا في صفة من صفاته ليس كمثله شيء وهو السميع البصير فهذه الصفات هي نسبته بين الله تعالى وأمور مستحيلة عليه سبحانه وتعالى واعلم أن السلب
    ____________________
    (3/83)
    فصارت أسماء الأجناس منها ما يصلح للقليل والكثير ومنها ما لا يصلح فأمكن أن يقال إنا وإن قلنا بأن الإضافة تقتضي التعميم إنما نقوله في أسماء الأجناس التي تصدق على الكثير أما التي لا تصدق إلا على الجنس بقيد الوحدة فإن إضافتها لا توجب تعميما ولذلك يفهم العموم من قول القائل مالي صدقة ولا يفهم من قوله عبدي حر ولا امرأتي طالق بل لا يفهم مع الإضافة إلا فرد واحد من ذلك الجنس وهو عبد واحد وامرأة واحدة فيحمل قول الأصوليين إن اسم الجنس إذا أضيف عم على اسم الجنس إذا كان يصدق على الكثير بدليل موارد الاستعمال وهو متجه غاية الاتجاه غير أني لم أره منقولا وقد نبهت عليه في شرح المحصول وإذا كان هذا معنى صحيحا يمكن مراعاته فقولنا وعزة الله وأمانة الله من الألفاظ التي لا تصدق على الكثير أمانة بل أمانات ولا أنواع العزة المختلفة أنها عزة بل عزات وكذلك القدرة الكثيرة ولا يقال لها قدرة بل قدرات لأن الأصل فيما هو بهاء التأنيث أن يكون للواحد نحو تمرة وبرمة وضربة وجرحة وإقامة وإذا لم تكن حالة الإضافة تتناول إلا الواحد كما كانت قبل الإضافة وذلك الواحد لا عموم فيه حتى يشمل القديم والمحدث فيبقى مترددا بين الموجب الذي هو القديم وبين
    هامش أنوار البروق
    قلت ما قاله في ذلك صحيح قال المسألة الأولى قال ابن يونس قال أصحابنا معاد الله ليست يمينا إلا أن يريد اليمين وقيل معاد الله وحاشا الله ليستا بيمين مطلقا لأن المعاد من العود ومحاشاة الله التبرئة إليه فهما فعلان محدثان يريد إلا أن يريد اليمين إلى آخر المسألة قلت ما قاله فيه نظر قال المسألة الثانية هاهنا ألفاظ اختلف في مدلولها هل هو قديم فيجوز الحلف به وتلزم به الكفارة أو هو محدث فلا يجوز الحلف به ولا تلزم به الكفارة تخريجا على قواعدهم وهذه الألفاظ هي غضب الله
    هامش إدرار الشروق
    في حق الله تعالى سلبان سلب نقيصة نحو سلب الجهة والجسمية وغيرهما وسلب المشارك في الكمال وهو سلب الشريك وهو الوحدانية قال الأصل ولم أجد في هذه المواطن نقلا أعتمد عليه في انعقاد اليمين بالسلبية وعدم انعقاده غير أني حركت من وجوه النظر والتخريج ما يمكن أن يعتمد الفقيه عليه نفيا أو إثباتا وهو أن هذه السلوب منها سلوب قديمة نحو سلب الشريك وهو الوحدانية وسلب الجسمية والعرضية والجوهرية والأينية وسلب جميع المستحيلات عليه تعالى فهذه من حيث إنها قديمة متعلقة بالله تعالى أقرب لانعقاد اليمين بها لا سيما إذا كانت بإضافة اللفظ إلى الله تعالى نحو قولنا ووحدانية الله تعالى وتسبيح الله تعالى وتقديس الله تعالى ونحو ذلك بخلاف ما إذا كانت بإضافة اللفظ لغير الله تعالى نحو قولنا وسلب الجسم وسلب الشريك فإن انعقاد اليمين بها يبعد حينئذ من حيث كونها سلوبا ومنها سلوب حادثة نحو عفو الله تعالى وحلمه تعالى فإن العفو ترك المعاقبة بعد تحقق الجناية والحلم ترك المحاسبة والمعاقبة بعد
    ____________________
    (3/84)
    غير الموجب الذي هو المحدث والأصل براءة الذمة حتى تحصل شهرة ونقل عرفي في القديم فتجب الكفارة حينئذ وهذا حسن متجه غير أنه لا يطرد في علم الله تعالى إذا قال وعلم الله فإن العلم الكثير يسمى علما بخلاف الإرادة وكذلك السمع والبصر بخلاف الحياة وهذه كلها مباحث حسنة يمكن الجنوح إليها في مجال النظر وتحقيق الفقه
    القسم الثاني من الصفات الصفات الذاتية وهي كونه تعالى أزليا أبديا واجب الوجود فهذه الصفات ليست معانيها موجودة قائمة بالذات ولا هي سلب نقيصة كقولنا ليس بجسم بل صفات ذات واجب الوجود بمعنى أنها أحكام لتلك الذات كما نقول في السواد إنه جامع للبصر والبياض إنه مفرق للبصر وتصفه بذلك لا بمعنى أن جمع البصر في السواد وتفريقه في البياض صفة قائمة بالسواد والبياض بل بمعنى أنها أحكام ثابتة لتلك الحقائق فكذلك هاهنا من صفات الله تعالى ما تقدم ذكره على هذا التفسير ولما لم تكن صفة معنوية زائدة على الذات سماها العلماء صفات ذاتية فهذا هو تحقيقها
    وأما حكمها في الشريعة إذا حلف بها فالظاهر من قول مالك رحمه الله أنه إذا قال عمر الله يميني يكفر مع أن العمر هو البقاء والبقاء يرجع إلى مقارنة الوجود في الأزمنة والمقارنة نسبة لا وجود لها في الأعيان فقد اعتبر النسبة وجعل حكمها حكم الصفة
    هامش أنوار البروق
    تعالى ورحمته ورضاه ومحبته ومقته إلى قوله ونحو ذلك من هذه الألفاظ التي تمتنع حقائقها على الله تعالى ويتعين حملها على المجاز فاختلف العلماء في المجاز المراد بها قلت ما قاله من امتناع حقائقها على الله تعالى إنما ذلك بناء على تفسيرها بما يمتنع عليه كتفسيرهم الرحمة بالرقة والمحبة بالميل وفي ذلك نظر للكلام فيه مجال لكن على تسليم امتناع تلك الحقائق لا بد من الصرف إلى المجاز كما قال العلماء والله تعالى أعلم قال فقال الشيخ أبو الحسن الأشعري المراد بهذه الأمور إرادة الإحسان لمن وصف بذلك من
    هامش إدرار الشروق
    تحقق الجناية والجناية من العباد حادثة والمتأخر عن الحادث حادث فهي أبعد عن انعقاد اليمين من انعقاده بالسلوب القديمة لاجتماع الحدوث فيها مع السلب وانفراد السلب في السلوب القديمة فالذي يقول لا تنعقد اليمين بالصفات الوجودية يقول ها هنا بعدم الانعقاد بطريق الأولى والذي يقول تنعقد اليمين بالصفات الوجودية كالعلم والقدرة أمكن أن يقول بعدم الانعقاد ها هنا لأجل السلب فهذا موضع يحتمل الإطلاق بانعقاد اليمين وبعدم انعقادها ويحتمل التفصيل بين القديم والمحدث ا ه
    وقال ابن الشاط والصحيح الأمور المضافة إلى الله تعالى سواء كانت إثباتا أو سلبا مثل قبلية الله ومعيته وبعديته متى عني بها أمر قديم فاليمين بها منعقدة ومتى عني بها أمر حادث فاليمين بها غير منعقدة وقصد الأمر القديم بها هو عرف الشرع ولم يحدث عرف يناقضه فيتغير الحكم لذلك ا ه وقد علمت ما في قوله ولم يحدث عرف يناقضه إلخ فلا تغفل
    والقسم الرابع منها أعني الصفات الفعلية كقوله وخلق الله ورزق الله وعطاء الله وإحسان الله من كل
    ____________________
    (3/85)
    الوجودية فلعله يقول في هذه الصفات كذلك ويوجب بها الكفارة إذا قال الحالف وأزلية الله تعالى ووجوب وجوده وأبديته ولم أر فيه نقلا غير ما ذكرته لك من التخريج فإن قلت الأبدية لا تكون في الأزل كما أن الأزلية لا تكون في المستقبل بل الأبدية اقتران الوجود بجميع الأزمنة المستقبلة والأزلية اقتران الوجود بجميع الأزمنة المتوهمة إلى غير نهاية من جهة الأزل فالأزل والأبد متنافيان لا يجتمعان
    ولا يكون أحدهما في الزمن الذي يكون فيه الآخر فعلى هذا لا يكون الأبد إلا متجددا بعد الأزل فإن جعلتم الحلف لا يكون إلا بقديم لم ينعقد الحلف بأبدية الله تعالى لتجددها بعد الأزل ثم إن جعلتم الحلف بالقديم كيف كان وجودا أو عدما يلزمكم أن من حلف بعدم العام أن يكون تلزمه الكفارة وليس كذلك قلت مسلم أن الأبدية لا تكون أزلية وهي متجددة بعد الأزلية غير أن أبدية الله تعالى ترجع إلى وجوده من حيث الجملة كالبقاء وعمر الله تعالى كما تقدم بيانه مع أن البقاء لا
    هامش أنوار البروق
    الخلق في صفة الرحمة ونحوها إلى قوله وبقية هذه الألفاظ تتخرج على هذين المذهبين قلت ما قاله وحكاه صحيح قال وقد رد القاضي بمعنى ثالث يرجع إلى الكلام القديم كقوله تعالى ولا يرضى لعباده الكفر أي لا يشرعه تعالى دينا للعباد وشرعه تعالى كلامه قلت ليس شرع الله تعالى كلامه بل شرعه مقتضى كلامه وهو الأحكام وهي التي يلحقها النسخ إلى بدل وإلى غير بدل وكلام الله تعالى الذي هو صفة ذاته لا يصح نسخه لا لبدل ولا لغير بدل فالأظهر أن قوله تعالى ولا يرضى لعباده الكفر ليس راجعا إلى الكلام القديم والله أعلم
    قال وفي القرآن مواضع يتعين فيها مذهب الشيخ ومواضع يتعين فيها مذهب القاضي ومواضع تحتمل المذهبين فالأول كقوله تعالى ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فهذا ظاهره في الإرادة لأن الوسع
    هامش إدرار الشروق
    ما يصدر عن قدرة الله تعالى قال الأصل فينهى عن الحلف بها ولا يوجب كفارة إذا حنث ا ه
    وقد تقدم عن العلامة الأمير أنه مبني على أن الصفات الفعلية أمور اعتبارية تتجدد بتجدد المقدور وأنها حادثة كما يقول الأشاعرة أما إن لوحظ المذهب الماتريدي من أنها قديمة ترجع إلى صفة التكوين أو أريد مصدرها ومنشؤها وهو القدرة أو الاقتدار الراجع للصفة المعنوية أي كونه قادرا فتنعقد بها اليمين وتجب الكفارة مع الحنث فلا تغفل وها هنا أربع مسائل المسألة الأولى المعنى الحقيقي لمعاد الله وحاشا الله هو هو المعاد الحقيقي للعباد وبراءة الله أي براءة منا لله وهما فعلان محدثان فلذا قال ابن يونس قال أصحابنا معاد الله ليس يمينا إلا أن يريد اليمين وقيل معاد الله وحاشا الله ليستا بيمين مطلقا لأن المعاد من العود ومحاشاة الله تعالى التبرئة إليه فهما فعلان محدثان
    ا ه قال الأصل يريد إلا أن يريد اليمين
    ا ه
    أي بأن يريد بمعاد الله ذات الله تعالى وصفاته تعالى مجازا
    ____________________
    (3/86)
    يعقل في المحدثات إلا بعد الحدوث فهو قرينة تقتضي التأخير من حيث الجملة عن أصل الوجود ومع ذلك فقد اعتبره ولم يلاحظ هذا المعنى ومقتضى ذلك اعتبار الأبدية والمقصود التخريج على المذهب لا إقامة الدليل على صحته وهذا التخريج صحيح في ظاهر الحال ولك أن تقول الأبدية لا تكون في الأزل وما لا يكون في الأزل يكون حادثا قطعا وأما البقاء فواقع في الأزل لأن اقتران الوجود كما حصل بالأزمنة المستقبلة حصل بالأزل وفيه لم يتعين له حدوث فمع الفرق لا يصح التخريج وأما عدم العالم فالجواب عنه أن لا نعتبر القديم كيف كان فإن عدم العالم بل عدم كل حادث قديم
    ولا يصح الحلف به بل يعتبر القدم المتعلق بذات الله ووجوده وصفاته العلا وعدم العالم والحوادث ليس متعلقا بوجود الله تعالى وصفاته فلذلك لم تلزم به كفارة ولم تشرع به يمين فائدة اختلف في القدم هل هو صفة ثبوتية وأنه تعالى قديم بقدم كالعلم وغيره أو هو صفة نسبية لا زائدة على ذاته تعالى بل قدمه استمرار وجوده مع جميع الأزمنة الماضية المحققة والمتوهمة الاستمرار نسبة بين الوجود والذات وكذلك جرى الخلاف في البقاء هل هو وجودي أم لا
    القسم الثالث من صفات الله تعالى الصفات السلبية وهي كقولنا إن الله تعالى ليس
    هامش أنوار البروق
    عبارة عن عموم التعلق ويدل أيضا على ذلك اقترانها بالعلم وإن وسع الرحمة كوسع العلم وهذا ظاهر في الإرادة قلت ليس كلامه هنا بصحيح فإنه قال هذا من المواضع التي يتعين فيها مذهب الشيخ أبي الحسن وقال إنه ظاهر في الإرادة والظاهر لا يتعين إلا حيث يسوغ استعمال الظواهر وذلك في الأحكام الشرعية وليس هذا منها وقال إن وسع الرحمة كوسع العلم بعد تفسير الوسع بعموم التعلق وليس تعلق الإرادة كتعلق العلم فإن العلم يتعلق بالواجب والجائز والمحال والإرادة لا تتعلق إلا بالجائز قال وأما ما يتعين فيه مذهب القاضي
    هامش إدرار الشروق
    وذلك لأن معادا اسم مكان من العود والله تعالى يعود إليه الأمر كله لقوله تعالى وإليه يرجع الأمر كله فأطلق اسم المكان على الله تعالى مجازا فلفظ معاد الله كناية يحتمل أن يريد به المعاد المجازي فيكون حلفا بقديم وهو وجوده تعالى وتلزم الكفارة بالحنث ويحتمل أن يريد به المعاد الحقيقي فيكون حلفا بمحدث فلا يلزم به شيء كما إذا لم تكن له نية أصلا لانصرافه لحقيقته حينئذ وهو المعاد الحقيقي وبأن يريد بحاشا الله الكلام القديم فإن الله تعالى ينزه نفسه بكلامه النفساني فتصح إضافته إليه تعالى باللام فلفظ حاشا الله كلفظ معاد الله إن أريد به المعنى الحادث لم يكن يمينا ولا يلزم به شيء كما إذا لم يرد به شيء أصلا وإن أريد به المعنى القديم كان يمينا يوجب الكفارة عند الحنث هذا هو الموافق لقول ابن الشاط المتقدم في الفرق الذي قبل هذا الفرق متى عني بالأمور المضافة أمر قديم فاليمين بها منعقدة أو أمر حادث فاليمين بها غير منعقدة
    ____________________
    (3/87)
    بجسم ولا جوهر ولا عرض ولا في حيز ولا في جهة ولا يشبه شيئا من خلقه في ذاته ولا في صفة من صفاته ليس كمثله شيء وهو السميع البصير فهذه الصفات هي نسبة بين الله تعالى وأمور مستحيلة عليه سبحانه وتعالى فإذا قال القائل وسلب الشريك عن الله تعالى أو وسلب الجهة والمكان والجسمية وغير ذلك من هذه السلوب نحو وحدانية الله تعالى وعفوه وحلمه وتسبيحه وتقديسه فلم أر فيها نقلا فالوحدانية سلب الشريك والعفو إسقاط العقوبة والحلم تأخيرها فهذه السلوب منها قديم نحو سلب الشريك وهو الوحدانية وسلب الجسمية والعرضية والجوهرية والأينية وسلب جميع المستحيلات عليه تعالى فهذه السلوب قديمة هي أقرب لانعقاد اليمين بها لأنها قديمة متعلقة بالله تعالى لا سيما إذا كانت الإضافة في اللفظ إلى الله تعالى نحو قولنا ووحدانية الله تعالى وتسبيح الله تعالى وتقديس الله تعالى ونحو ذلك بخلاف أن يقول وسلب الجسم وسلب الشريك فإن الإضافة لغير الله تعالى تبعد انعقاد اليمين ومنها سلوب محدثة نحو عفو الله تعالى بعد تحقق الجناية
    وكذلك حلمه تعالى فإنه تأخير العقوبة بعد تحقق الجناية والجناية من العباد حادثة
    هامش أنوار البروق
    فقوله تعالى هذا رحمة من ربي إشارة إلى السد وهو الإحسان من الله تعالى لا إرادة الله تعالى القديمة قلت وكلامه هنا أيضا ليس بالجيد فإن الموضع محتمل وإن كان ظاهرا فيما قاله فأين تعين مذهب القاضي مع قيام الاحتمال
    قال وأما ما يحتمل الأمرين فقوله تعالى الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم إلى آخر ما قاله في المسألة قلت ما قاله في ذلك صحيح وما رجح به مذهب الشيخ أبي الحسن ظاهر والله تعالى أعلم
    وما
    هامش إدرار الشروق
    إلخ فمن هنا نظر ابن الشاط هنا في قول الأصل أنه لا بد مع نية المعنى القديم فيهما من نية أخرى للقسم بواحد منهما أو عرف يقوم مقامها وذلك لأن لفظ كل منها إن نصب فعلى تقدير ألزم نفسي معاد الله وحاشا الله فيكون إلزاما حقيقيا لموجب اليمين وهو الكفارة ولا بد في ذلك من نية أو عرف وإن رفع فعلى تقدير معاد الله أو حاشا الله قسمي فيكون جملة اسمية خبرية استعملت في إنشاء القسم بها إما بالنية أو بالعرف الموجب لنقل الخبر من أصله اللغوي إلى الإنشاء وإن خفض فعلى حذف حرف القسم الجار كقولهم الله بالخفض ولا بد أيضا من نية الإنشاء أو عرف يقتضي ذلك ا ه
    ملخصا قلت ووجه النظر أن واو القسم وجميع حروفه ولفظه بأي صيغة لا تستعمل إلا لإنشاء القسم وقد تقدم التصريح بذلك أول الكتاب ولذلك الزم لا يستعمل إلا لإنشاء الالتزام والتزام القديم التزام لليمين فيوجب الكفارة ولو لم تكن نية لإنشاء القسم فتأمل بإنصاف والله أعلم
    المسألة الثانية رحمة الله ورضاه ومحبته وغضبه ومقته في قوله تعالى كبر مقتا عند الله أن تقولوا
    ____________________
    (3/88)
    فالمتأخر عن الحادث حادث فهي سلوب حادثة فهي أبعد عن انعقاد اليمين من السلوب القديمة لاجتماع السلب والحدوث فيها فبعدت من وجهين بخلاف السلوب القديمة إنما بعدت من حيث السلب فالذي يقول لا تنعقد اليمين بالصفات المعنوية الثبوتية يقول هاهنا بعدم الانعقاد بطريق الأولى والذي يقول تنعقد اليمين بالصفات الثبوتية كالعلم والقدرة أمكن أن يقول بعدم الانعقاد هاهنا لأجل السلب فهذا موضع يحتمل الإطلاق بانعقاد اليمين وبعدم انعقادها ويحتمل التفصيل بين القديم والمحدث ولم أجد في هذه المواطن نقلا أعتمد عليه غير أني حركت من وجوه النظر والتخريج ما يمكن أن يعتمد الفقيه عليه نفيا أو إثباتا فائدة السلب في حق الله تعالى سلبان سلب نقيصة نحو سلب الجهة والجسمية وغيرهما وسلب المشارك في الكمال وهو سلب الشريك وهو الوحدانية فاعلم الفرق بينهما
    القسم الرابع من صفات الله تعالى الصفات الفعلية كقوله وخلق الله ورزق الله وعطاء الله وإحسان الله ونحو ذلك مما يصدر عن قدرة الله تعالى فالحلف بهذه الصفات منهي عنه ولا يوجب كفارة إذا حنث وهاهنا خمس مسائل
    هامش أنوار البروق
    قاله في أول المسألة الثالثة إلى قوله والأول هو المشهور في المذهب ظاهر أيضا قال واعلم أن الفتيا بإلزام الكفارة في هذه الألفاظ على ما نقله ابن يونس إن لم يقيد بأنه نوى إرادة الله تعالى فهو مشكل فإن اللفظ حقيقة في أمور محدثة لا توجب كفارة إلى آخر المسألة قلت لا إشكال في ذلك فإن اللفظ وإن سلم أنه حقيقة في أمور محدثة مجاز غير غالب في الصفة القديمة فقرينة الحلف به كافية في حمله على المجاز والله تعالى أعلم
    قال المسألة الرابعة إلى آخرها قلت ليس ما قاله فيما إذا وقع التخريج على مذهب الشيخ أبي الحسن بمستقيم لقوله تقول قائما
    هامش إدرار الشروق
    ما لا تفعلون وبغضه في قوله عليه الصلاة والسلام أبغض المباح إلى الله الطلاق وإن الله ليبغض الحبر السمين ورأفته في قوله تعالى الرءوف الرحيم ونحو ذلك من الألفاظ التي قيل إن حقائقها لا تتصور إلا في البشر والأمزجة والمخلوقات بناء على تفسيرها بما يمتنع عليه تعالى كتفسيرهم الرحمة بالرقة والمحبة بالميل ونحو ذلك فعلى تسليم امتناع تلك الحقائق لا بد من الصرف إلى المجاز فاختلف العلماء في المجاز المراد بها فقال الشيخ أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه المراد في لفظ الرحمة ونحوها إرادة الإحسان لمن وصف بذلك من الخلق وفي لفظ الغضب ونحوه إرادة العقوبة لمن وصف بذلك من الخلق وقال القاضي أبو بكر الباقلاني رضي الله عنه المراد بذلك أن الله تعالى يعاملهم معاملة الراحم والغضبان فيكون المراد في الأول أي لفظ الرحمة ونحوها الإحسان نفسه وفي الثاني أي لفظ الغضب
    ____________________
    (3/89)
    المسألة الأولى قال ابن يونس قال أصحابنا معاد الله ليست يمينا إلا أن يريد اليمين وقيل معاد الله وحاشا الله ليستا بيمين مطلقا لأن المعاد من العود ومحاشاة الله تعالى التبرئة إليه فهما فعلان محدثان يريد إلا أن يريد اليمين وقيل إن لفظ معاد الله كناية يحتمل أن يريد بها ذات الله تعالى وصفاته العلى فإن معادا من العود وهو اسم مكان العود والله تعالى يعود إليه الأمر كله كقوله تعالى وإليه يرجع الأمر كله فإطلاق لفظ المكان على الله تعالى من المعاد والمرجع مجاز والمجاز يفتقر إلى نية فهي كناية إذا أريد بها المجاز كان حلفا بقديم وهو وجود الله تعالى وإن لم تكن له نية كان منصرفا لحقيقته وهو المعاد الحقيقي فيكون حلفا بمحدث فلا يلزم به شيء ثم إذا أراد به الحلف فلا يخلو إما أن ينصبه أو يرفعه أو يخفضه
    فإن نصبه كان التقدير ألزم نفسي معاد الله ويكون الإلزام هاهنا إلزاما حقيقيا لموجب اليمين وهو الكفارة ولا بد في ذلك من نية أو عرف كما تقدم في قوله علي عهد الله وكفالة الله ونحوه فلا بد من هاتين النيتين وأما إن رفع فتقديره معاد الله قسمي فيكون جملة اسمية خبرية استعملت في الإنشاء للقسم بها إما بالنية أو بالعرف الموجب لنقل الخبر من أصله اللغوي إلى الإنشاء وإن لم ينو لم يلزم به شيء فإن كل قسم لا بد فيه من الإنشاء فمتى عدم الإنشاء لم يكن قسما لأن الخبر بما هو خبر لا يوجب كفارة ولا هو قسم وكذلك إذا قلت أقسم بالله لقد قام زيد هو
    هامش أنوار البروق
    بذاته واجبا الوجود أزليان لأن الرحمة على مذهب الشيخ أبي الحسن إرادة الثواب والغضب إرادة العقاب والإرادة واحدة لا تتعدد بتعدد متعلقها كإرادتنا والله أعلم قال
    المسألة الخامسة مقتضى ما قاله مالك رحمه الله تعالى في قوله علي ميثاق الله وكفالته أنه يوجب الكفارة أنه إذا قال هاهنا علي رزق الله تعالى أو خلقه أن تجب عليه الكفارة قلت ليس ما قاله عندي بصواب لأنه إذا قال علي ميثاق الله فمقتضاه علي يمين فتلزمه كفارة يمين وإذا قال علي رزق الله فلا شيء عليه إلا أن ينوي بذلك الكفارة والفرق بينهما أن الميثاق ونحوه جرى العرف بأن المراد به اليمين ورزق الله ونحوه لم يجر عرف بذلك وليس قول القائل علي
    هامش إدرار الشروق
    ونحوه العقاب نفسه وذلك أن الرحمة التي وضع اللفظ بإزائها
    وهو حقيقة فيها هي رقة الطبع وهذه الرقة في القلب يلزمها أمران أحدهما إرادة الإحسان إليه والثاني الإحسان نفسه فهما لازمان للرقة التي هي حقيقة اللفظ والتعبير بلفظ الملزوم عن اللازم مجاز عرفي شائع غير أن إرادة الإحسان ألزم للرقة فإن كل من رحمته وأحسنت إليه فقد أردت الإحسان إليه وقد تريد الإحسان إليه وتقصر قدرتك عن ذلك فالإرادة أكثر لزوما للرقة وإذا قويت العلاقة كان مجازها أرجح فمجاز الشيخ أبي الحسن أرجح من مجاز القاضي فعلى مذهب الشيخ يجوز الحلف بهذه الأمور ويلزم بها الكفارة لكون مدلولها قديما وعلى مذهب القاضي لا يلزم بها كفارة وينهى عن الحلف بها لأن مدلولها محدث إلا أن يلاحظ الحالف المذهب الماتريدي أو مصدرها على ما مر عن العلامة الأمير في صفة الفصل فلا تغفل
    وإذا قيل لك رحمة الله وغضبه هل هما قائمان بذاته تعالى أم لا وهل هما واجبا الوجود أم لا وهل كانا في الأزل أم لا ونحو ذلك من الأسئلة فقل على مذهب الشيخ هما
    ____________________
    (3/90)
    جملة إنشائية ولذلك لا تحتمل التصديق والتكذيب وإن خفض كان على حذف حرف الجر من القسم كقولهم الله بالخفض ولا بد أيضا من نية الإنشاء أو عرف يقتضي ذلك
    وأما حاشا لله فمعناه براءة لله أي براءة منا لله ويحتمل هذا أيضا أن يكون كناية وأن يراد به الكلام القديم وتصح إضافته إليه تعالى باللام فإن الله تعالى ينزه نفسه بكلامه النفساني وذلك التبرؤ قديم وهو لله تعالى فتمكن إضافته إليه تعالى باللام فإن وجدت نية لذلك رتبة أخرى في القسم به أو عرف يقوم مقامها وجبت الكفارة وإن لم يوجب ذلك لم تجب الكفارة فهو كناية كما مر في مثل معاد الله مع أن أبي يونس لم ينقل إيجاب الكفارة مع النية إلا في معاد الله خاصة المسألة الثانية هاهنا ألفاظ اختلف في مدلولها هل هو قديم فيجوز الحلف به وتلزم به الكفارة أو هو محدث فلا يجوز الحلف به ولا تلزم به الكفارة تخريجا على قواعدهم وهذه الألفاظ هي غضب الله ورحمته ورضاه ومحبته ومقته كقوله تعالى كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون وكذلك بغضه في قوله عليه الصلاة والسلام أبغض المباح إلى الله الطلاق وإن الله ليبغض الحبر السمين وكذلك رأفته في قوله تعالى
    هامش أنوار البروق
    رزق الله كقوله علي صوم يوم لأن رزق الله ليس اسما لطاعته فيلزم نذرها وصوم يوم اسم قال فإن المدرك هنالك إن كان هو أن العرف نقلها لنذر الكفارة في زمان فصار النطق بهذه العبارة نذرا للكفارة فتلزمه بالنذر لا بالحلف إلى قوله ونحو ذلك قلت ما تأوله من أن قول القائل علي ميثاق الله جرى فيه عرف بنذر الكفارة مجرد توهم لا حجة عليه وليس عندي كما توهم بل قول القائل علي ميثاق الله جرى فيه العرف بأن المراد بها اليمين التي شرعها الله تعالى وجعلها ميثاقا بين عباده فلزوم الكفارة ليس بنذر الكفارة بل بالتزام اليمين
    قال فكذلك يلزمه هنا إذا وجد عرفه في رزق الله وخلقه وأنه صار قوله علي رزق الله أنه نذر
    هامش إدرار الشروق
    عبارة عن الإرادة وهي صفة واحدة قائمة بذاته تعالى واجبة الوجود أزلية وقل على مذهب القاضي ليسا قائمين بذاته بل ممكنان مخلوقان ليسا بأزليين والحق أن الأصل في الإطلاق الحقيقة ولا يصار إلى المجاز إلا عند التعذر ولا تعذر ضرورة أن الرحمة التي هي من الأعراض النفسانية هي القائمة بنا ولا يلزم من ذلك أن يكون مطلق الرحمة كذلك حتى يلزم كون الرحمة في حقه تعالى مجازا ألا ترى أن العلم القائم بنا من الأعراض النفسانية وقد وصف الحق تعالى بالعلم ولم يقل أحد إنه في حقه تعالى مجاز وكذا القدرة وغيرها فلم لا يجوز أن تكون الرحمة حقيقة واحدة هي العطف وتختلف أنواعه باختلاف الموصوفين به فإذا نسبت إلينا كانت كيفية نفسانية وإلى الله كانت حقيقة فيما يليق بجلاله من الإحسان أو إرادته وكون الرحمة منحصرة وضعا في الكيفية النفسانية دونه خرط القتاد كما قاله العارف المحقق الملا إبراهيم الكوراني في كتابه قصد السبيل أفاده العلامة ابن عابدين على المنار
    ____________________
    (3/91)
    لرءوف رحيم ونحو ذلك من هذه الألفاظ التي حقائقها لا تتصور إلا في البشر والأمزجة والمخلوقات ولما استحالت حقائقها على الله تعالى وتعين حملها على المجاز فاختلف العلماء في المجاز المراد بها فقال الشيخ أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه المراد بهذه الأمور إرادة الإحسان لمن وصف بذلك من الخلق في صفة الرحمة ونحوها وإرادة العقوبة لمن وصف بذلك من الخلق في لفظ الغضب ونحوه وقال القاضي أبو بكر الباقلاني رضي الله عنه المراد بذلك أن الله تعالى يعاملهم معاملة الراحم والغضبان فيكون المراد في الأول الإحسان نفسه وفي الثاني العقاب نفسه فغضب الله تعالى عند الشيخ إرادته العقاب وعند القاضي العقاب وكذلك الرحمة هل هي إرادة الإحسان أو الإحسان نفسه ورضاه تعالى إرادة الإحسان أو يعاملهم معاملة الراضي فيحسن إليهم أي يفعل بهم ذلك ومحبته إرادة الإحسان في قوله تعالى يحبهم ويحبونه والإحسان نفسه وكذلك بقية هذه الألفاظ تتخرج على هذين المذهبين وقد ورد الرضى بمعنى ثالث يرجع إلى الكلام القديم كقوله تعالى ولا يرضى لعباده الكفر أي لا يشرعه
    هامش أنوار البروق
    أن يتصدق بشيء من رزق الله إلى قوله بل يدور مع العرف كيفما دار قلت صدر كلامه بالعرف في نذر الكفارة ثم خرج إلى العرف في نذر شيء من رزق الله وهذا الذي خرج إليه أجنبي عن مسألة مالك رحمه الله فإنه أوجب الكفارة في قول القائل علي ميثاق الله ونحوه وما قال من أنه يدور مع العرف كيفما دار صحيح إذا ثبت عرف
    قال وإن كان المدرك النية فتصح أيضا في خلق الله ورزقه إلى قوله إن كان نوى بعض المنذورات من الأفعال قلت ما قاله هنا صحيح قال وعلى كل تقدير فالمسألتان سواء
    هامش إدرار الشروق
    الأصولي وإليه والله أعلم يشير العلامة ابن الشاط بقوله وما قاله من امتناع حقائقها على الله تعالى إنما ذلك بناء على تفسيرها بما يمتنع عليه تعالى كتفسيرهم الرحمة بالرقة والمحبة بالميل وفي ذلك نظر للكلام فيه مجال ا ه
    على أن الخادمي نقل عن بعض أن من معاني الرحمة اللغوية إرادة الخير وعن بعض آخر أن منها الإحسان فعلى هذين لا تجوز أصلا فاحفظه أفاده العلامة الأنباصني على بيانية الصبان والله أعلم المسألة الثالثة قال ابن يونس الحالف برضى الله تعالى ورحمته وسخطه عليه كفارة واحدة ا ه
    يعني لأنه كرر الحلف بصفة واحدة وهي الإرادة وهذا يدل على أن الفتيا بطريقة الشيخ أبي الحسن في حمل هذه الأمور على الإرادة وأنه إذا جمع بين عشرة أو أكثر من هذه الأمور لا تجب إلا كفارة واحدة بخلاف قوله وعلم الله وقدرة الله وإرادة الله وعزة الله فإنه يختلف فيه هل تتعدد عليه الكفارة لتغاير الصفات المحلوف بها أو تتحد الكفارة بناء على أن قاعدة الأيمان التأكيد حتى يريد الإنشاء بخلاف تكرير الطلاق الأصل
    ____________________
    (3/92)
    دينا للعباد وشرعه تعالى كلامه القديم وفي القرآن مواضع يتعين فيها مذهب الشيخ ومواضع يتعين فيها مذهب القاضي ومواضع تحتمل المذهبين فالأول كقوله تعالى ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فهذا ظاهر في الإرادة لأن الوسع عبارة عن عموم التعلق ويدل على ذلك أيضا اقترانها بالعلم وإن وسع الرحمة كوسع العلم وهذا ظاهر في الإرادة
    وأما ما يتعين فيه مذهب القاضي فقوله تعالى هذا رحمة من ربي إشارة إلى السد وهو إحسان من الله تعالى لا إرادة الله تعالى القديمة وأما ما يحتمل الأمرين فقوله تعالى الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم يحتمل في الرحمن الرحيم أنه يريد الإحسان أو الإحسان نفسه يحتمل المذهبين لعدم القرينة ومذهب الشيخ أقرب من مذهب القاضي رضي الله عنهما وسبب ذلك أن الرحمة التي وضع اللفظ بإزائها وهو حقيقة فيها هي رقة الطبع
    وإذا رق طبعك على إنسان فإن هذه الرقة في القلب يلزمها أمران أحدهما إرادة الإحسان إليه والثاني الإحسان نفسه فهما لازمان للرقة التي هي حقيقة اللفظ والتعبير بلفظ اللزوم عن اللازم مجاز عرفي شائع فلذلك تجوز العلماء إليها غير أن إرادة الإحسان ألزم للرقة
    هامش أنوار البروق
    قلت قد تقدم أنهما ليستا سواء قال واعلم أنه إذا كان المدرك العرف الناقل فلا بد من النقل في لفظ علي إلى القسم فتكون بمعنى الباء والواو وحروف القسم فتجب الكفارة وتكون يمينا قلت وما المانع أن تكون يمينا من غير نقل في لفظ علي بل يبقى لفظ علي معناه من غير نقل ويكون قائله حالفا فإن الميثاق معناه يمين ما فكأنه قال علي يمين فلزمه الكفارة إذا حنث
    قال أو يقع النقل في أمانة الله وميثاقه ويكون قد عبر بهما عما يلزم بسبب الحنث فيهما وهو الكفارة إلى منتهى قوله فإن الكفارة مسببة عن الحلف بهذه الألفاظ قلت بنى كلامه في هذه المسألة على أن الميثاق ونحوه ليس بيمين ثم إنه هنا بنى على أنه يمين
    هامش إدرار الشروق
    فيه الإنشاء حتى يريد التأكيد أو قاعدة الجميع الإنشاء حتى يريد التأكيد وهذا هو الأنظر والأول هو المشهور في المذهب قال الأصل وما نقله ابن يونس من إلزام الكفارة في هذه الألفاظ إن لم يقيد بأنه نوى إرادة الله تعالى فهو مشكل لأنه خلاف القواعد وذلك أن هذه الألفاظ حقيقة في أمور محدثة لا توجب كفارة وإنما دل الدليل عند الشيخ أبي الحسن على أن المراد بها الإرادة القديمة مجازا خفيا لعدم اشتهارها في الإرادة حتى صارت حقيقة عرفية والقاعدة أن الألفاظ لا تنصرف لمجازاتها الخفية إلا بالنية وأن اللفظ لا يزال منصرفا إلى الحقيقة اللغوية دون مجازه المرجوح حتى تصرفه نية المجاز المرجوح فكان ينبغي أن يقال إن أراد بهذه الألفاظ صفة قديمة لزمته الكفارة وإلا فلا ا ه
    قال ابن الشاط لا إشكال في ذلك فإن اللفظ وإن سلم أنه
    ____________________
    (3/93)
    فإن كل من رحمته وأحسنت إليه فقد أردت الإحسان إليه وقد تريد الإحسان وتقصر قدرتك عن الإحسان إليه فالإرادة أكثر لزوما للرقة وإذا قويت العلاقة كان مجازها أرجح فمجاز الشيخ أرجح لأنه الإرادة فإن قلنا بمذهب الشيخ كانت هذه الأمور قديمة يجوز الحلف بها ويلزم بها الكفارة أو على مذهب القاضي كانت محدثة لا يلزم بها كفارة وينهى عن الحلف بها المسألة الثالثة قال ابن يونس الحالف برضى الله تعالى ورحمته وسخطه عليه كفارة واحدة يعني لأنه كرر الحلف بصفة واحدة وهي الإرادة فتجب كفارة واحدة وهذا يدل على أن الفتيا بطريقة الشيخ أبي الحسن في حمل هذه الأمور على الإرادة وأنه إذا جمع بين عشرة أو أكثر من هذه الأمور لا تجب إلا كفارة واحدة بخلاف قوله وعلم الله وقدرة الله وإرادة الله وعزة الله فإنه يختلف فيه هل تتعدد عليه الكفارة لتغاير الصفات المحلوف بها أو تتحد الكفارة بناء على أن قاعدة الأيمان التأكيد حتى يريد الإنشاء بخلاف تكرير الطلاق الأصل فيه الإنشاء حتى يريد التأكيد أو قاعدة الجميع الإنشاء حتى يريد التأكيد وهذا هو الأنظر والأول هو المشهور في المذهب واعلم أن الفتيا بإلزام الكفارة في هذه الألفاظ على ما يقله ابن يونس إن لم يقيد بأنه نوى إرادة الله تعالى فهو مشكل فإن اللفظ حقيقة في أمور محدثة لا توجب كفارة
    وإنما حملت على هذه الإرادة القديمة مجازا ولم تشتهر في الإرادة حتى صارت حقيقة عرفية في الإرادة بل مجاز خفي دل الدليل عند
    هامش أنوار البروق
    تلزم فيه الكفارة وإذا كان يمينا تلزم فيه الكفارة فما المحوج إلى النقل فيه وادعاء المجاز الراجح فيه هذا كلام ساقط لا خفاء بسقوطه قال فلا بد من أحد هذين النقلين إلى آخر ما قاله في المسألة قلت قد تبين أن من ذلك بدا واقتضى كلامه حيث قال فإن الكفارة مسببة عن الحلف بهذه الألفاظ أنه لا يحتاج فيها إلى نقل ولا نية والله أعلم
    قال القسم الخامس من صفات الله تعالى الصفات الجامعة لجميع ما تقدم من الأقسام الأربعة
    هامش إدرار الشروق
    حقيقة في أمور محدثة مجاز غير غالب في الصفة القديمة فقرينة الحلف به كافية في حمله على المجاز والله تعالى أعلم
    ا ه المسألة الرابعة لا يقتضي قول مالك بوجوب كفارة في قوله علي ميثاق الله وكفالته أنه يوجبها إذا قال ها هنا علي رزق الله أو خلقه وإن قال الأصل ذلك لظهور الفرق بينهما بأن الميثاق ونحوه جرى العرف بأن المراد به اليمين فإذا قال علي ميثاق الله فمقتضاه علي يمين فتلزمه كفارة يمين ورزق الله ونحوه لم يجر عرف بذلك فإذا قال علي رزق الله فلا شيء عليه إلا أن ينوي بذلك الكفارة وليس قول القائل علي رزق الله كقوله علي صوم يوم لأن رزق الله ليس اسما لطاعته فيلزم نذرها وصوم يوم اسم لطاعته ولا مانع من أن يكون علي ميثاق الله يمينا ويكون قائله حالفا مع بقاء لفظ علي فيه على معناه من غير نقل له إلى القسم وجعله من جملة حروفه كالباء والواو فإن الميثاق معناه يمين ما فكأنه قال علي يمين فتلزمه الكفارة إذا حنث كما علمت أفاده ابن الشاط
    ____________________
    (3/94)
    الشيخ أبي الحسن على أنه المراد باللفظ والقاعدة أن الألفاظ لا تنصرف لمجازاتها الخفية إلا بالنية وأن اللفظ لا يزال منصرفا إلى الحقيقة اللغوية دون مجازه المرجوح حتى تصرفه نية المجاز المرجوح فإلزام الكفارة بمجرد هذه الألفاظ من غير نية خلاف القواعد بل ينبغي أن يقال إن أراد بهذه الألفاظ صفة قديمة لزمته الكفارة وإلا فلا المسألة الرابعة إذا قيل لك رحمة الله وغضبه قائمان بذاته أم لا وهل هما واجبا الوجود أم لا وهل كانا في الأزل أم لا ونحو ذلك من الأسئلة فخرج جوابك في جميع هذه الأسئلة في جميع هذه الألفاظ على مذهب الشيخ أبي الحسن وعلى مذهب القاضي فعلى مذهب الشيخ تقول قائمان بذاته واجبا الوجود أزليان صفتان لله تعالى وعلى مذهب القاضي تقول ليسا قائمين بذاته بل ممكنان مخلوقان حادثان ليسا بأزليين
    وكذلك جميع ما يرد من هذه الأسئلة في جميع هذه الألفاظ المسألة الخامسة مقتضى ما قاله مالك رحمه الله في قوله علي ميثاق الله وكفالته أنه يوجب الكفارة أنه إذا قال هاهنا علي رزق الله أو خلقه أن تجب عليه الكفارة فإن المدرك هناك إن كان هو أن العرف نقلها لنذر الكفارة في زمانه رضي الله عنه فصار النطق بهذه العبارة نذرا للكفارة فتلزمه بالنذر لا بالحلف لأنه هو مقتضى لفظ علي
    هامش أنوار البروق
    وهي عز الله وجلاله وعلاه وعظمته وكبرياؤه ونحو ذلك من هذا المعنى فإنك تقول جل بكذا وجل عن كذا فتندرج في الأول الصفات الثبوتية كلها قديمة ومحدثة قلت هذا لفظ مستنكر فإنه يوهم اتصافه بالحوادث فلا يجوز إطلاق مثله فإن أراد مقتضى ظاهره فهو كفر وإن أراد بذلك الصفات المسميات بصفات الأفعال فالمعنى صحيح واللفظ قبيح قال فكما جل الله تعالى بعلمه وصفاته السبعة التي هي صفات ذاته تعالى جل أيضا ببدائع مصنعاته وغرائب مخترعاته
    قلت هذا الكلام أقبح وفي الكفر أوضح فإنه يقتضي افتقار الباري تعالى إلى بدائع مصنوعاته
    هامش إدرار الشروق
    والقسم الخامس منها أعني صفات الله تعالى الجامعة لجميع ما تقدم من الأقسام الأربعة وهي عزة الله وجلاله وعلاه وعظمته وكبرياؤه ونحو ذلك من هذا المعنى فإن لفظ الجلالة والعظمة يحتمل جل بكذا وجل عن كذا وعظم بكذا وعظم عن كذا فتندرج في الأولى الصفات الثبوتية كلها نفسية كانت أو معنوية أو فعلية وتندرج في الثانية جميع السلوب للنقائص فيصدق أن الله تعالى جل وعظم عن الشريك وعن الحيز والجهة وغير ذلك مما يستحيل عليه سبحانه وتعالى فيندرج في اللفظ عند الإطلاق جميع الصفات السلبية والثبوتية نفسية كانت أو معنوية أو فعلية فيكون الحلف بها يوجب الكفارة لاشتمالها على الموجب لها وهو ما عدا الفعلية من الصفات القديمة وغير الموجب وهو صفة الفعل وإذا اجتمع الموجب وغير الموجب كان اللازم الإيجاب لا يمنع الموجب للكفارة من إيجابه للكفارة وها هنا ثلاث مسائل
    المسألة الأولى هل يجوز قول قائل سبحان من تواضع كل شيء لعظمته أم لا
    ____________________
    (3/95)
    فإنها لا تستعمل إلا في النذر ونحوه وليست من حروف القسم إجماعا بل من حروف اللزوم والنذر كقوله لله علي صوم يوم وصدقة دينار ونحو ذلك فكذلك يلزمه هنا إذا وجد عرف في رزق الله وخلقه وأنه صار قوله علي رزق الله أنه نذر أن يتصدق بشيء من رزق الله تعالى أو ببعض خلقه من نبات أو جماد أو حيوان مما يسوغ التصدق به كالبقرة والغنم ونحوهما وأن يسوي بين المسألتين إن وجد في العرف الموجب لنقلهما للنذر لزم وإن لم يوجد العرف الناقل للنذر لم يلزم وكذلك إذا وجد عرف يوجب النقل لنذر غير الكفارة يجب ذلك المعنى الذي نقل العرف اللفظ إليه فيجب ولا تجب الكفارة بل يدور مع العرف كيفما دار وإن كان المدرك النية فتصح أيضا في خلق الله تعالى ورزقه أن ينوي بهما إرادة الخلق وإرادة الرزق الإرادة القديمة فتجب الكفارة إن كان نوى الحلف أو النذر إن كان نوى بعض المندوبات من الأفعال
    وعلى كل تقدير فالمسألتان سواء واعلم أنه إذا كان المدرك العرف الناقل فلا بد من النقل في لفظة علي إلى القسم فتكون بمعنى الباء والواو وحروف القسم فتجب الكفارة وتكون يمينا أو يقع النقل في أمانة الله وميثاقه ويكون قد عبر بهما عما يلزمه بسبب الحنث فيهما وهو الكفارة فيكون نذرا للكفارة بلفظ الموجب لها نقلا عرفيا ويكون مجازا رابحا من باب التعبير بالسبب عن المسبب فإن الكفارة مسببة على الحلف بهذه الألفاظ فلا بد من أحد هذين النقلين فيما
    هامش أنوار البروق
    وغرائب مخترعاته فيزداد كمالا بوجودها وذلك باطل قطعا بل هو الغني على الإطلاق وحائز غاية الكمال بالاستحقاق قبل ابتداع المبتدعات واختراع المخترعات حتى أنه لو لم يبتدع المبتدعات ولم يخترع المخترعات لما كان ذلك نقصا في كماله ولا غضا من جلاله ولا حطا عن رتبة انفراده بالعظمة والكبرياء واستقلاله وما ذلك الكلام إلا كلام من لم يحصل علم الكلام بل علم الاعتقاد على وجه الصواب والسداد ولله الحمد على ما من به من الهدى والإرشاد قال ويندرج في الثاني جميع السلوب للنقائص إلى قوله وهاهنا ثلاث مسائل قلت ما قاله في ذلك صحيح إلا ما في قوله القديمة والمحدثة كما تقدم
    هامش إدرار الشروق
    قال قوم من الفقهاء يجوز وهو الصحيح لأن العظمة كما سبق عبارة جامعة لصفات الكمال والتواضع التصاغر والتضاؤل ولا شك أن كل شيء ما عدا الذات الكريمة والصفات العظيمة متصاغر متضائل بالنسبة إلى تلك الصفات وقول بعضهم بعدم الجواز بناء على زعمه أن التواضع عبادة وعظمة الله تعالى صفته وعبادة الصفة كفر ليس بصحيح بل هو دعوى عرية عن الحق فلا اعتبار بقوله أفاده ابن الشاط وفي حاشية العلامة الأمير على الجوهرة وتكون صفات المعاني ليست غيرا وقع في بعض العبارات التسمح بإضافة ما للذات بها نحو تواضع كل شيء لقدرته وفي الحقيقة اللام للأجل أي تواضع كل شيء لذاته لأجل قدرته وإلا فعبادة مجرد الصفات من الإشراك كما أن عبادة مجرد الذات فسق وتعطيل عند الجماعة وإنما الذات المتصفة بالصفات ا ه فقد حمل التواضع على العبادة مجازا لا على معناه الحقيقي وجعل اللام للأجل لتكون العبادة للذات المتصفة فاستقامت العبادة واندفع عنها كل إشكال فتأمل
    ____________________
    (3/96)
    قاله مالك في قوله علي عهد الله وميثاقه ومتى فقد النقل فلا بد من النية الصارفة للنذر أو الحلف بالصفة القديمة واستعمال علي مجاز ومتى فقد العرف والنية تعين أن لا يجب بجميع هذه الألفاظ شيء ألبتة كما لو قال علي علم الله وعلي سمع الله وبصره فإن هذه الألفاظ لا توجب شيئا إلا بالنية ونقل عرفي ولعل الإمام حمل ذلك على ذلك فتأمل
    القسم الخامس من صفات الله تعالى الصفات الجامعة لجميع ما تقدم من الأقسام الأربعة وهي عزة الله وجلاله وعلاه وعظمته وكبرياؤه ونحو ذلك من هذا المعنى فإنك تقول جل بكذا أو جل عن كذا فتندرج في الأولى الصفات الثبوتية كلها قديمة أو حادثة فكما جل الله تعالى بعلمه وصفاته السبعة التي هي صفات ذاته تعالى جل أيضا ببدائع مصنوعاته وغرائب مخترعاته ويندرج في الثاني جميع السلوب للنقائص فيصدق أن الله تعالى جل عن الشريك وعن الحيز والجهة وغير ذلك مما يستحيل عليه سبحانه وتعالى ولما كان لفظ الجلال والعظمة يحتمل جل بكذا وجل عن كذا وعظم بكذا وعظم عن كذا اندرج الجميع في اللفظ عند الإطلاق فكانت هذه الصفات شاملة لجميع الصفات الثبوتية والسلبية والقديمة والمحدثة فيكون الحلف بها يوجب الكفارة لاشتمالها على الموجب للكفارة وهو الصفات القديمة وغير الموجب وهو الصفات المحدثة وإذا
    هامش أنوار البروق
    قال إذا قال القائل سبحان من تواضع كل شيء لعظمته هل يجوز هذا الإطلاق أم لا فقال بعض فقهاء العصر لا يجوز هذا الإطلاق إلى قوله وقال قوم يجوز هذا الإطلاق وهو الصحيح قلت ما صحح هو الصحيح لأن العظمة كما سبق جامعة لصفات الكمال والتواضع التصاغر والتضاؤل ولا شك أن كل شيء ما عدا الذات الكريمة والصفات العظيمة متصاغر متضائل بالنسبة إلى تلك الصفات وقول ذلك الفقيه العصري إن التواضع عبادة ليس بصحيح وهو دعوى عرية عن الحجة فلا اعتبار بقوله
    هامش إدرار الشروق
    المسألة الثانية قال عبد الحق في تهذيب الطالب الحالف بعزة الله تعالى وعظمته وجلال الله عليه كفارة واحدة وهو متجه في إيجاب الكفارة واتحادها بل وفي الجواز وعدم النهي خلافا للأصل أما لزوم الكفارة فلما تقدم من أن هذه الألفاظ مشتملة على الموجب وعلى غير الموجب فتجب عملا بالموجب وأما اتحادها فلأن العزة والعظمة والجلال ونحو ذلك هو المجموع والمجموع واحد فتعددت الألفاظ واتحد المعنى فاتحدت الكفارة وأما الجواز وعدم النهي فلأنا لا نسلم اندراج حادث تحت لفظ العزة ونحوه حتى يكون في اليمين بذلك محذور فيحق لعبد الحق أن يعرض عن النهي والله أعلم أفاده ابن الشاط فتأمل بدقة
    المسألة الثالثة هذه الألفاظ وإن كانت تارة بلفظ التذكير كقولنا وجلال الله وعلاء الله وتارة بلفظ التأنيث كقولنا وعزة الله وعظمة الله إلا أنه لا فرق بين ما هو بلفظ التذكير وما هو بلفظ التأنيث في جواز الحلف وانعقاد اليمين ولزوم الكفارة عند الحنث أما ما هو بلفظ التذكير فظاهر وأما ما هو بلفظ التأنيث فلأن التاء في نحو عظمة الله ليست للوحدة بل للتأنيث فإن العرب تقول عظم زيد عظمة في
    ____________________
    (3/97)
    اجتمع الموجب وغير الموجب كان اللازم الإيجاب عملا بالموجب والقسم الآخر كما أنه لا يقتضي كفارة لا يمنع الموجب للكفارة من إيجابه للكفارة وهاهنا ثلاث مسائل المسألة الأولى إذا قال القائل سبحان من تواضع كل شيء لعظمته هل يجوز هذا الإطلاق أم لا فقال بعض فقهاء العصر لا يجوز هذا الإطلاق لأن عظمة الله تعالى صفته والتواضع للصفة عبادة لها وعبادة الصفة كفر بل لا يعبد إلا الله تعالى ولو عبد عابد علم الله تعالى أو إرادته وغير ذلك من صفاته كفر بل المعبود واحد وهو ذات الله تعالى وهو الذات الموصوفة بصفات الجلال ونعوت الكمال والمراد بالعبارتين واحد
    وقال قوم يجوز هذا الإطلاق وهو الصحيح وعظمة الله تعالى هي المجموع من الذات والصفات وهذا المجموع هو المعبود وهو الإله وهو الذي يجب توحيده وتوحده ولا ثاني له وهو الذي يجب التواضع له كما تقول عظمة الملك جيشه وأمواله وأقاليمه التي استولى عليها وسطوته وغير ذلك مما وقعت به العظمة في دولته كذلك عظمة الله تعالى هي هذه الأمور كلها مع ذاته تعالى فهي أيضا من موجبات عظمته فإن أراد هذا المطلق هذا المعنى أو لم تكن له نية فلا شيء عليه وإن أراد صفة
    هامش أنوار البروق
    قال شهاب الدين وعظمة الله تعالى هي المجموع من الذات والصفات وهذا المجموع هو المعبود إلى قوله وهو الذي يجب التواضع له قلت ليس ما قاله هنا بصحيح فإن العظمة ليست مجموع الذات والصفات بل هي مجموع الصفات على ما سبق من تقريره هو ذلك قبل هذا وعلى تسليم أن تكون العظمة مجموع الذات والصفات فليس المجموع هو المعبود بل المعبود الموصوف بتلك الصفات لا الصفات ولا مجموع الموصوف والصفات والقول بأن المعبود مجموع الموصوف والصفات مضاه لقول النصارى في الأقاليم وهو باطل لا شك في بطلانه وكلامه هنا كلام من لم يحقق مباحث هذا العلم على وجه الصواب
    هامش إدرار الشروق
    غالب استعمالهم فكأنه هو المصدر المتعين دون عظما بغير تاء التأنيث فحينئذ لم يكن محدودا فيقيد بالألف واللام أو الإضافة العموم لصفات الكمال والتاء في نحو عزة الله وإن أفادت الوحدة نظرا لكون العرب تفرق بين قول القائل عز زيد عزا وعز عزة فالأول يحتمل جميع أنواع العز مفردة ومجموعة فإذا وجدت الإضافة أو الألف واللام الموجبتين للعموم كان العموم في جميع أفراد ذلك النوع وإن فقدت الإضافة والألف واللام بقي مطلقا وأما اللفظ الثاني وهو عز زيد عزة فإنه لا يتناول لغة إلا فردا واحدا من العزة ولا تفيده الألف واللام تعميما لأنه محدود بالتاء وقد قال الغزالي في المستصفى إن لام التعريف إنما تفيد تعميما فيما ليس محدودا بالتاء نحو الرجل والبيع ا ه فكذلك لا تفيده الإضافة عموما لأن الإضافة تأتي لما تأتي له الألف واللام لأنهما أداتا تعريف إلا أن الصحيح أن لفظ العزة ونحوه لا يتناول محدثا كما قال ابن الشاط لأنه إنما يتناول صفة كمال قديمة
    ____________________
    (3/98)
    واحدة من صفات الله تعالى وأنها حصل التواضع لها وهو العبادة امتنع وربما كان كفرا وهو الظاهر وإن أراد بالتواضع غير العبادة وهو القهر والانقياد لإرادة الله تعالى وقضائه وقدره وقدرته فهذا أيضا معنى صحيح فإن جميع العالم مقهور بقدرة الله تعالى وقدره فالتواضع بهذا التفسير أيضا سائغ لا محذور فيه بل يجب اعتقاده فهذا تلخيص الحق في هذه المسألة والفتيا فيها المسألة الثانية قال عبد الحق في تهذيب الطالب الحالف بعزة الله تعالى وعظمته وجلال الله عليه كفارة واحدة
    وهو متجه في إيجاب الكفارة واتحادها لا في الجواز وعدم النهي مع أنه لم يتعرض له لعدم النهي بل للزوم كفارة أما لزوم الكفارة فلما تقدم من أن هذه الألفاظ مشتملة على الموجب وعلى غير الموجب فتجب وأما اتحادهما فلأن العظمة والجلال والعلا ونحو ذلك هو المجموع والمجموع واحد فتعددت الألفاظ واتحد المعنى فاتحدت الكفارة وأما أنه دخل فيه النهي فلاندراج المحدثات فيه كما تقدم بيانه فيكون قد حلف بقديم ومحدث ففعل مأمورا به ومنهيا عنه ومن فعل مأمورا به ومنهيا عنه فقد ارتكب المنهي عنه وهذا ظاهر إلا أن ينوي الحالف بهذه الألفاظ القديم وحده فلا نهي حينئذ أو يكون هناك عرف اقتضى تخصيص
    هامش أنوار البروق
    قال كما تقول عظمة الملك جيشه وأمواله إلى قوله في دولته قلت لا يسوغ مثل هذا التمثيل فإن الملك مفتقر على الإطلاق والله تعالى مستغن على الإطلاق فكيف يصح التمثيل
    قال كذلك عظمة الله تعالى هي هذه الأمور كلها مع ذاته تعالى فهي أيضا من موجبات عظمته قلت هذا كلام غث لا يصدر إلا عن جهل بهذا العلم وكيف يصح أن تكون الذات من موجبات العظمة والعظمة مجموع الذات والصفات فالذات على هذا موجبة للذات وكيف يكون الشيء الواحد موجبا وموجبا هذا كله تخليط فاحش
    قال فإن أراد المطلق هذا المعنى أو لم تكن له نية فلا شيء عليه قلت بل عليه شيء وهو أنه مخطئ في ذلك حيث اعتقد أن الذات من مقتضيات العظمة قال وإن أراد صفة واحدة من صفات الله تعالى إلى قوله وهو الظاهر قلت ما حكم بأنه ظاهر هو كما قال
    قال وإن أراد بالتواضع غير العبادة إلى قوله بل يجب اعتقاده قلت ما قاله في ذلك صحيح
    هامش إدرار الشروق
    وشموله صفة الفعل على ما مر إنما هو باعتبار مصدرها الذي هو القدرة أو التقدير لا باعتبار حدوثها لاستحالة اتصافه تعالى بها فضلا عن أن تكون صفة كمال يتناولها لفظ العزة وليس المدرك فيما نقله
    ____________________
    (3/99)
    هذه الألفاظ بالقديم خاصة فلا نهي حينئذ أما مجرد اللفظ اللغوي فموجب لاندراج المحدث مع القديم المسألة الثالثة أن هذه الصفات تارة تكون بلفظ التذكير كقولنا وجلال الله وعلاء الله وتارة تكون بلفظ التأنيث كقولنا وعزة الله وعظمة الله فأما لفظ التذكير فلا كلام فيه هاهنا وأما لفظ التأنيث بالهاء فإنه مشعر بشيء واحد مما يصدق عليه ولذلك تفرق العرب بين قول القائل عز زيد عزا وعز عزة فالأول يحتمل جميع أنواع العز مفردة ومجموعة فإذا وجدت الإضافة أو الألف واللام الموجبتين العموم كان العموم في جميع أفراد ذلك النوع وإن فقدت الإضافة والألف واللام بقي مطلقا وأما اللفظ الثاني وهو عز زيد عزة فإنه لا يتناول لغة إلا فردا واحدا من العزة إما بماله أو بجاهه أو بسطوته أو بغير ذلك من أسباب العزة وإن كان موضوعه لغة فردا واحدا من العزة وأضيفت إلى الله تعالى لم يتعين العموم فيه فاحتمل المحدث فإن العزة تصدق بالمحدث أيضا من جهة أن العزيز هو الذي امتنع من نيل المكاره والعزيز أيضا هو الذي لا نظير له وقد ذكر العلماء المعنيين في تفسير اسمه تعالى العزيز ولا شك أنه تعالى لا نظير له في مبتدعاته ومخلوقاته
    فإن كانت العزة من هذه الجهة كان فيها إشارة إلى المخلوقات المحدثات فلا تجب الكفارة ولهذه الإشارة نقل صاحب اللباب في شرح الجلاب عن مالك في الحلف بعزة الله تعالى هل توجب كفارة أم لا فيه روايتان لأجل التردد في لفظ العزة وأما لفظ العظمة فإن بينه وبين لفظ العزة فرقا فإن العرب تقول عظم زيد عظمة في غالب استعمالهم فكأنه هو المصدر المتعين دون عظما بغير تاء التأنيث وأما عز عزا فمشهور ولا ينطق بهاء التأنيث إلا إذا قصدت الوحدة نحو ضرب ضربة فلا يتناول إلا ضربة واحدة كذلك عزة لا يتناول إلا عزة واحدة فإذا أضيف لا يكون المضاف عاما بل فردا واحدا غير معين وقد قال الغزالي في المستصفى إن اللام في هذا الجنس لا تفيد تعميما بل إنما تفيد اللام التعريف تعميما فيما ليس محدودا بالتاء نحو الرجل والبيع فكذلك لا تفيده الإضافة عموما اعتبارا فاللام التعريف والجامع بينهما أنهما أداتا تعريف فهذا بحث يمكن أن يلاحظ في هذا الموضع والله أعلم
    هامش أنوار البروق
    قال فهذا تلخيص الحق في هذه المسألة والفتيا فيها
    هامش إدرار الشروق
    صاحب اللباب في شرح الجلاب عن مالك في الحلف بعزة الله تعالى هل يوجب كفارة أم لا فيه روايتان ا ه هو تردد العزة بين القديم والمحدث كما زعم الأصل بل المدرك كما قال ابن الشاط هو احتمال لفظ
    ____________________
    (3/100)
    الفرق السابع والعشرون والمائة بين قاعدة ما يوجب الكفارة إذا حلف به من أسماء الله تعالى وبين قاعدة ما لا يوجب اعلم أن أسماء الله تعالى تسعة وتسعون اسما مائة إلا واحدا خرجه الترمذي وهي إما لمجرد الذات كقولنا الله فإنه اسم للذات على الصحيح وكذلك إن اختار صاحب الكشاف أنه
    هامش أنوار البروق
    قلت قد تبين تلخيص الحق في المسألة على غير الوجه الذي زعم والله أعلم قال المسألة الثانية قال عبد الحق في تهذيب الطالب الحالف بعزة الله تعالى وعظمته وجلاله عليه كفارة واحدة إلى آخر المسألة قلت لا يندرج حادث تحت لفظ العزة ونحوه فما أشعر به كلامه بأن عبد الحق أغفل التنبيه عليه ليس الأمر كذلك فلا محذور في اليمين بعزة الله تعالى ونحو ذلك فبحق إن أعرض عن ذلك عبد الحق والله أعلم
    قال المسألة الثالثة أن هذه الصفات تارة تكون بلفظ التذكير وتارة تكون بلفظ التأنيث إلى آخرها قلت الصحيح على ما سبق أن لفظ العزة ونحوها لا يتناول محدثا فلا يصح ما قاله في لفظ العزة من احتماله المحدث وما حكاه عن صاحب اللباب من نقله عن مالك رحمه الله تعالى في لزوم الكفارة للحالف بذلك روايتين ليس مدرك اختلاف قوله عندي ما ذكره الشهاب من احتمال المحدث بل المدرك عندي احتمال لفظ العزة أن يكون مدلوله أمرا ثبوتيا وأمرا سلبيا فإنه عز بصفات كماله الثبوتية كما عز بصفات تنزيهه السلبية والله أعلم
    قال الفرق السابع والعشرون والمائة قلت جميع ما قاله في هذا الفرق لا بأس به إلا ما قاله في المسألة الثانية من أنه إذا قال باسم الله لأفعلن يحتمل أن يكون إضافة مخلوق إلى الله تعالى على كلا التقديرين في اسم من أن يكون المراد به
    هامش إدرار الشروق
    العزة أن يكون مدلوله أمرا ثبوتيا أو أمرا سلبيا فإنه عز بصفاته الثبوتية كما عز بصفات تنزيهه السلبية فافهمه والله سبحانه وتعالى أعلم
    الفرق السابع والعشرون والمائة بين قاعدة ما يوجب الكفارة إذا حلف به من أسماء الله تعالى وبين قاعدة ما لا يوجب أسماء الله تعالى تسعة وتسعون اسما مائة إلا واحدا كما خرجه الترمذي وهي تنقسم تقسيمين التقسيم الأول إلى خمسة أقسام القسم الأول ما اختلف في كونه موضوعا لمجرد الذات أو للذات مع جملة صفات الكمال كقولنا الله والقول الأول هو الصحيح الذي اختاره صاحب الكشاف مستدلا على ذلك بجريان النعوت عليه تقول
    ____________________
    (3/101)
    اسم للذات من حيث هي هي وهو علم عليها واستدل على ذلك بجريان النعوت عليه فتقول الله الرحمن الرحيم وقيل هو اسم للذات مع جملة الصفات فإذا قلنا الله فقد ذكرنا جملة صفات الله تعالى وقلنا الذات الموصوفة بالصفات الخاصة وهذا المفهوم الإله المعبود وهو الذات الموصوفة بصفات الكمال ونعوت الجلال وهذا المعلوم هو الذي ندعي توحده وتنزهه عن الشريك والمماثلة أي هذا المجموع يستحيل أن يكون له مثل وقد يكون الاسم موضوعا للذات مع مفهوم زائد وجودي قائم بذات الله سبحانه وتعالى نحو قولنا عليم فإنه اسم للذات مع العلم القائم بذاته تعالى أو وجودي منفصل عن الذات نحو خالق فإنه اسم للذات مع اعتبار الخلق في التسمية وهو مفهوم وجودي منفصل عن الذات أو موضوعا للذات مع مفهوم عدمي نحو قدوس فإنه اسم للذات مع القدس الذي هو التطهير عن النقائص والبيت المقدس أي طهر من فيه من الأنبياء والأولياء عن المعاصي والمخالفات أو يكون موضوعا للذات مع نسبة وإضافة كالباقي فإنه اسم للذات مع وصف البقاء وهو نسبة بين الوجود والأزمنة فإن البقاء استمرار الوجود في الأزمنة وهو أعم من الأبدي لصدق الباقي
    هامش أنوار البروق
    الاسم الذي هو اللفظ أو المسمى الذي هو المعنى فلا يتعين لما يوجب الكفارة إلا بعرف أو نية فإن في ذلك نظرا فإن لقائل أن يقول فيه عرف بأن المراد ما يوجب الكفارة والله أعلم وما قاله في الفرقين بعد هذا صحيح
    هامش إدرار الشروق
    الله الرحمن الرحيم ومفهومه على القول الثاني الإله المعبود بحق أي الذات الموصوفة بصفات الكمال ونعوت الجلال وهذا المفهوم هو الذي ندعي توحده وتفرده عن الشريك والمماثلة أي هذا المجموع يستحيل أن يكون له مثل القسم الثاني ما كان موضوعا للذات مع مفهوم زائد وجودي قائم بذات الله سبحانه وتعالى نحو قولنا عليم فإنه اسم للذات مع العلم القائم بذاته تعالى القسم الثالث ما كان موضوعا للذات مع مفهوم وجودي منفصل عن الذات نحو خالق فإنه اسم للذات مع اعتبار الخلق في التسمية وهو مفهوم وجودي منفصل عن الذات القسم الرابع ما كان موضوعا للذات مع مفهوم عدمي نحو قدوس فإنه اسم للذات مع القدس الذي هو التطهير عن النقائص والبيت المقدس أي الذي طهر من فيه من الأنبياء والأولياء عن المعاصي والمخالفات القسم الخامس ما كان موضوعا للذات مع نسبة وإضافة كالباقي فإنه اسم للذات مع وصف البقاء وهو نسبة بين الوجود والأزمنة فإن البقاء استمرار الوجود في الأزمنة وهو أعم من الأبدي لصدقه على الباقي في زمانين فأكثر وأما الأبدي فلا بد من استمراره مع جملة الأزمنة المستقبلة كما أن الأزلي هو الذي
    ____________________
    (3/102)
    في زمانين فأكثر وأما الأبدي فلا بد من استمراره مع جملة الأزمنة المستقبلة كما أن الأزلي هو الذي قارن وجوده جميع الأزمنة الماضية متوهمة أو محققة فهذه خمسة أقسام ثم هي تنقسم بحسب ما يجوز إطلاقه وبحسب ما لا يجوز إطلاقه إلى أربعة أقسام ما ورد السمع به ولا يوهم نقصا نحو العليم فيجوز إطلاقه إجماعا في مورد النص وفي غيره وما لم يرد السمع به وهو يوهم نقصا فيمتنع إطلاقه إجماعا نحو متواضع ودار وعلامة فإن التواضع يوهم الذلة والمهانة والدراية لا تكون إلا بعد تقدم شك كذا نقله أبو علي والعلامة من كثرت معلوماته والله تعالى كذلك غير أن هاء التأنيث توهم تأنيث المسمى والتأنيث نقص فلا يجوز إطلاق شيء من هذه الألفاظ ونحوها ألبتة القسم الثالث ما ورد السمع به وهو يوهم نقصا فيقتصر به على محله نحو ماكر ومستهزئ فإن المكر والاستهزاء في مجرى العادة سوء خلق وقد ورد السمع به في قوله تعالى والله خير الماكرين الله يستهزئ بهم والمحسن لذلك المقابلة كقوله تعالى ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين قالوا إنما نحن مستهزئون الله يستهزئ بهم فحصلت المقابلة بين المكرين والاستهزاءين ن فكان ذلك حسنا لأنه اللائق بفصاحة القرآن وبلاغته فيقتصر بمثل هذه الألفاظ على موارد السمع ولا يذكر
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    قارن وجوده جميع الأزمنة الماضية متوهمة أو محققة كذا قال الأصل وهو إنما يظهر على قول الأشعري وهو الحق أن الزمان متوهم كالمكان ويجعل عليه علامات معلومة تتبدل باختلاف الأحوال فتارة تقول يجيء زيد إذا صلينا العصر وتارة يقال نصلي العصر إذا جاء زيد فهو مجرد اعتبار ويعرف بعلامة تسمحا فيقال متجدد معلوم يقارنه متجدد موهوم إزالة للإيهام وتارة بنفس المقارنة ويوصف بالطول والقصر تبعا لما يتخيل أنه وقع فيه أو على فرض وجوده نظير ما قيل في المكان وفي الحقيقة ليس شيء متحقق يقال له زمان وإلى ذلك يشير صحيح الحديث القدسي يسب ابن آدم الدهر وأنا الدهر أي ليس هناك شيء يقال له الدهر وإنما أنا خالق الأشياء
    وعلى هذا إذا قيل الزمن حادث فمعناه متجدد بعد عدم لا موجود لما أنه اعتباري وذلك لأنه على هذا القول لا مانع من دخول الزمن في وجوده تعالى ألا ترى أنه موجود قبل كل شيء وبعد كل شيء ومع كل شيء وهذا الأخير يلزم منه البقاء بالمعنى المذكور ولم يختر اللقاني في الجوهرة أن حقيقة البقاء نفي لحوق العدم لوجوده سبحانه وتعالى وكون النفي على طريقة الامتناع مأخوذ من أنه بقاء واجب محترزا عن البقاء بالمعنى المذكور بقوله كذا بقاء لا يشاب بالعدم إلا لكون البقاء بالمعنى المذكور غير كاف لا لاستحالته كما زعم الشيخ عبد السلام نعم يمتنع دخول الزمان على سبيل الحصر بأن يكون وجوده تعالى ليس إلا في زمان وهذا لا تقتضيه المقارنة ومن هنا اندفعت شبهة ذكرها إمام الحرمين في الإرشاد ونقلها السنوسي في شرح الكبرى والكمال في المسامرة على المسايرة وهو أن إثبات القدم لله تعالى محصلة وجوده في مدد لا أول لها إذ لا وجود إلا في زمن فيلزم إثبات أزمنة قديمة فجوابها منع أنه لا وجود إلا في زمن فإن الزمن على القول بتحققه يخرج عن حادث
    ____________________
    (3/103)
    في غير هذه التلاوة فلا نقول اللهم امكر بفلان ولا مكر الله به ولا اللهم استهزئ بفلان ولا استهزأ الله به وكذلك بقية هذا الباب فهذه ثلاثة أقسام لم أعلم فيها خلافا وحكي في هذه الأحكام الإجماع القسم الرابع ما لم يرد السمع به وهو غير موهم فلا يجوز إطلاقه عند الشيخ أبي الحسن الأشعري وهو مذهب مالك وجمهور الفقهاء ويجوز إطلاقه عند القاضي أبي بكر الباقلاني نحو قولنا يا سيدنا هل يجوز أن ينادى الله تعالى بهذا الاسم أم لا قولان ومدرك الخلاف هل يلاحظ انتفاء المانع وهو الإيهام ولم يوجد فيجوز أو يقول الأصل في أسماء الله تعالى المنع إلا ما ورد السمع به ولم يرد السمع فيمتنع وهو الصحيح عند العلماء فإن مخاطبة أدنى الملوك تفتقر إلى معرفة ما أذنوا فيه من تسميتهم ومعاملتهم حتى يعلم إذنهم في ذلك فالله تعالى أولى بذلك ولأنها قاعدة الأدب والأدب مع الله تعالى متعين لا سيما في مخاطباته بل ليس لأحد أن يوقع في صلاة من الصلوات ولا عبادة من العبادات إلا ما علم إذن الله تعالى فيه فمخاطبة الله تعالى وتسميته أولى بذلك
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    صاحبه غيره ولا يشترط في وجود الشيء مصاحبة غيره وإن اتفقا كيف وقد ظهر أرجحية عدمه
    وقد قال الشهرستاني إن تقدم الصانع سبحانه وتعالى ذاتي لا في زمن وتقريبه إن تقدم أمس على اليوم كذلك إذ ليس زمن ثالث يقع فيه التقدم وإن عبر عنه بقبل اكتفاء بالاعتبار فالزمن حادث ووجود الصانع ووجوبه ذاتي لا يتقيد به كما في حاشية العلامة الأمير على عبد السلام على الجوهرة نعم كان على الأصل أن يقتصر على المتوهمة في قوله جميع الأزمنة الماضية متوهمة أو محققة فتأمل والله أعلم التقسيم الثاني بحسب ما يجوز إطلاقه وما لا إلى أربعة أقسام القسم الأول ما ورد السمع به ولا يوهم نقصا نحو العليم فيجوز إطلاقه إجماعا في مورد النص وفي غيره القسم الثاني ما لم يرد السمع به وهو يوهم نقصا فيمتنع إطلاقه إجماعا نحو متواضع ودار وعلامة لأن التواضع يوهم الذلة والمهانة والدراية لا تكون إلا بعد تقدم شك كما نقله أبو علي والعلامة وإن كان معناه من كثرت معلوماته والله تعالى كذلك إلا أن هاء التأنيث توهم تأنيث المسمى والتأنيث نقص كما قال الأصل فتأمل القسم الثالث ما ورد السمع به وهو يوهم نقصا وهذا نوعان الأول ما لم يرد مع المشاكلة كالصبور والحليم والشكور فالأول يوهم وصول مشقة له وفسره في المواقف بالحليم وفسر الحليم قبل بالذي لا يعجل العقاب وهو يوهم تأثرا وانفعالا بالغضب فيكتم والثالث قال في المواقف المجازي على الشكر وقيل يثبت على القليل الكثير
    وقيل المثني على من أطاعه وهو يوهم وصول إحسان له وقد قال ابن عطاء الله في آخر الحكم أنت الغني بذاتك عن أن يصل إليك النفع منك فكيف لا تكون غنيا عني وهذا النوع يقبل ويؤول ويقتصر به على محله ولا يجوز في غير
    ____________________
    (3/104)
    وقد كان الشيخ زكي الدين عبد العظيم المحدث رحمه الله يقول قد ورد حديث في لفظ السيد فعلى هذا يجوز إطلاقه على المذهبين إجماعا وقس على هذا المثل ما أشبهها قال الشيخ أبو الطاهر بن بشير فكل ما جاز إطلاقه جاز الحلف به وأوجب الكفارة وما لا يجوز إطلاقه لا يجوز الحلف به ولا يوجب الحلف به كفارة فتنزل الأقسام الأربعة المتقدمة على هذه الفتيا وها هنا ثلاث مسائل المسألة الأولى قال أصحابنا من حلف باسم من أسماء الله تعالى التي يجوز إطلاقها عليه تعالى وحنث لزمته الكفارة وقال الشافعية والحنابلة أسماء الله تعالى قسمان منها ما هو مختص به تعالى فهو صريح في الحلف كقولنا والله والرحمن فهذا ينعقد به اليمين بغير نية ومنها ما لا يختص به تعالى كالحكيم والعزيز والرشيد والقادر والمريد والعالم فهي كنايات لا تكون يمينا إلا بالنية لأجل التردد بين الموجب وغير الموجب وهذا التردد أجمعنا عليه في الطلاق وغيره وأن التردد لا ينصرف للطلاق ولا لمعنى يقع التردد فيه إلا بالنية فكذلك ها هنا ووجه التردد في هذه الأسماء المذكورة بين إرادة الله تعالى بها وبين المخلوق واضح وأن البشر يسمى بهذه الأسماء حقيقة وأن هذا اللفظ يطلق على الموضعين بالتواطؤ ولا يتعين
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    مورده إجماعا لإيهام الحقيقة وإنما ورد تنزلا وتلطفا في خطابنا مجازا قال ابن عربي ونخجل إذ سمعنا ذلك وأنشد إن الملوك وإن جلت مراتبهم لهم مع السوقة الأسرار والسمر النوع الثاني ما ورد مع المشاكلة والمقابلة نحو ماكر ومستهزئ فإن المكر والاستهزاء في مجرى العادة سوء خلق وقد ورد السمع به مع المشاكلة والمقابلة في نحو قوله تعالى ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين أي وجازاهم الله على مكرهم والله خير المجازين وقوله تعالى قالوا إنما نحن مستهزئون الله يستهزئ بهم أي الله يجازيهم على استهزائهم وهذا النوع لكون المشاكلة حسنته على ما هو اللائق بفصاحة القرآن وبلاغته وصارت قرينة على المجاز بحيث لا تتوهم الحقيقة التي لا تليق به تعالى يجوز في غير مورده مع المشاكلة لا بدونها هذا ما يفيده كلام العلامة الأمير في حاشيته على عبد السلام على الجوهرة وهو الحق لا ما يفيده كلام الأصل من عدم جواز هذا القسم في غير مورده مطلقا ولو مع المشاكلة فتأمل القسم الرابع ما لم يرد السمع به وهو غير موهم نحو قولنا يا سيدنا فلا يجوز إطلاقه عند الشيخ أبي الحسن الأشعري وهو مذهب مالك وجمهور الفقهاء ويجوز إطلاقه عند القاضي أبي بكر الباقلاني ومدرك الخلاف هل يلاحظ ابتغاء المانع وهو الإيهام ولم يوجد فيجوز أو لا يلاحظ إلا أن الأصل في أسماء الله تعالى المنع إلا ما ورد السمع به ولم يرد السمع فيمتنع وهو الصحيح عند العلماء فإن مخاطبة أدنى الملوك تفتقر إلى معرفة ما أذنوا فيه من تسميتهم ومعاملتهم حتى يعلم إذنهم في ذلك فالله تعالى أولى بذلك ولأنها قاعدة الأدب والأدب مع الله تعالى متعين لا سيما في مخاطباته بل ليس لأحد أن يوقع في صلاة من
    ____________________
    (3/105)
    اللفظ المتواطئ إلا بالنية وكفى بهذا في بيان التردد والاحتياج للنية وهذا كلام حسن قوي معتبر في كثير من أبواب الفقه كالظهار والعتق وغيرهما ولنا عنه جواب حسن
    وهو أن القاعدة أن الألفاظ المفردة تبقى على معناها اللغوي وينقل أهل العرف المركب من المفردين لبعض أنواع ذلك الجنس كما قلنا في لفظ الرءوس تصدق على رءوس جميع الحيوانات ولفظ الأكل يصدق على كل فرد من أفراد الأكل في أي مأكول كان وإذا ركبنا هاتين اللفظتين فقلنا والله لا أكلت رءوسا أو أكلت رءوسا لا يفهم أحد إلا رءوس الأنعام دون غيرها بسبب أن أهل العرف نقلوا هذا المركب لهذه الرءوس الخاصة دون بقية الرءوس فكذلك لفظ العليم والقادر والمريد يصدق على كل عالم وقادر ومريد ومع ذلك فقد نقل أهل العرف قولنا وحق العليم وغير ذلك من الأسماء مع الحالف إلى خصوص أسماء الله تعالى فهو من المركبات المنقولة فلا يفهم أحد عند سماعه الحلف بهذه الأسماء إلا أسماء الله تعالى خاصة وإذا صارت الكناية منقولة في العرف إلى معنى آخر صارت صريحة فيه فلذلك ألحقنا كنايات كثيرة في باب الطلاق فكذلك بصريحه لما اشتهرت في الطلاق بسبب نقل العرف أياها للطلاق فكذلك ها هنا
    وهذا الجواب حسن من حيث الجملة غير أنه لا يطرد في جميع
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الصلوات ولا في عبادة من العبادات إلا ما علم إذن الله تعالى فيه فمخاطبة الله تعالى وتسميته أولى بذلك نعم قال الشيخ زكي الدين عبد العظيم المحدث رحمه الله تعالى قد ورد حديث في لفظ السيد فعليه يجوز إطلاقه على المذهبين إجماعا وقس على هذه المثل لهذه الأقسام الأربعة ما أشبهها وهذه الأقسام الأربعة تنزل على فتوى الشيخ أبي الطاهر بن بشير حيث قال فكل ما جاز إطلاقه جاز الحلف به وأوجب الكفارة وما لا يجوز إطلاقه لا يجوز الحلف به ولا يوجب الحلف به كفارة ا ه
    فظهر الفرق وها هنا ثلاث مسائل المسألة الأولى قال الشافعية والحنابلة أسماء الله تعالى قسمان قسم مختص به تعالى كالله والرحمن فيكون صريحا في الحلف
    وينعقد به اليمين بغير نية وقسم لا يختص به تعالى كالحكيم والعزيز والرشيد فيكون بسبب تردده بين إرادة الله تعالى وإرادة المخلوق لأن البشر يسمى بذلك حقيقة غير صريح بل من الكنايات لا يكون يمينا إلا بالنية إذ كما أن اللفظ مع التردد لا ينصرف للطلاق ولا للمعنى الذي وقع التردد فيه إلا بالنية فكذلك ها هنا
    وهذا كلام حسن قوي معتبر في كثير من أبواب الفقه كالظهار والعتق وغيرهما وقال أصحابنا من حلف باسم من أسماء الله تعالى التي يجوز إطلاقها عليه تعالى وحنث لزمته الكفارة قال الأصل ووجهه أن لفظ العليم والقادر والمريد وإن كان يصدق على كل عالم وقادر ومريد إلا أن أهل العرف نقلوا قولنا والعليم وحق العليم والقادر وحق القادر والمريد وحق المريد ونحو ذلك من الأسماء مع الحلف إلى خصوص أسماء الله تعالى حتى نفى النقل العرفي الاحتمال اللغوي وصارت الكناية مشتهرة باسم الله تعالى فألحقت بالصريح كما ألحقوا كنايات كثيرة في باب الطلاق بصريحه لما اشتهرت في الطلاق بسبب نقل العرف إياها للطلاق والقاعدة أن الألفاظ المفردة تبقى على معناها اللغوي حتى إذا ركب أحدهما مع مفرد آخر منها نقل أهل العرف المركب من المفردين لبعض أنواع ذلك
    ____________________
    (3/106)
    الأسماء وإنما يستقيم في الأسماء التي جرت العادة بالحلف بها فينفي النقل العرفي الاحتمال اللغوي وأما ما لم تجر العادة بالحلف به كالحكيم والرشيد ونحوهما فلعل كثيرا من الناس لا يعلمها أسماء لله تعالى فلم يشتهر الحلف بها ولم أعلم أني رأيت من أسماء الله تعالى الرشيد إلا في الترمذي حيث عدد أسماء الله الحسنى مائة إلا واحدا وأصحابنا عمموا الحكم في الجميع ولم يفصلوا وهو مشكل ولا يمكن أن يقال إن عادة المسلمين لا يحلفون بغير الله تعالى وأسمائه فتنصرف جميع الأسماء لله تعالى بقرينة الحلف لأنا نقول إنا نجدهم يحلفون بآبائهم وملوكهم ويقولون ونعمة السلطان وحياتك يا زيد ولعمري لقد قام زيد فيحلف بعمره وحياة مخاطبه طول النهار فليس ظاهر حالهم الانضباط ولا حصل في الأسماء القليلة الاستعمال عرف ولا نقل يعتمد عليه فيستصحب فيها حكم اللغة وأن اللفظ صالح للقديم هذا هو الفقه المسألة الثانية قال صاحب الخصال الأندلسي يجوز الحلف ويوجب الكفارة قولك باسم الله لأفعلن وهذه المسألة فيها غور بعيد بسبب أن الاسم ها هنا إن أريد به المسمى استقام الحكم وإن لم يرد به المسمى فقد حكى ابن السيد البطليوسي أن العلماء اختلفوا في لفظ الاسم هل هو موضوع للقدر المشترك بين أسماء الذوات فلا يتناول إلا لفظا هو
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الجنس مثلا لفظ الرءوس تصدق على رءوس جميع الحيوان ولفظ الأكل يصدق على كل فرد من أفراد الأكل في أي مأكول كان وإذا ركبنا هاتين اللفظتين فقلنا والله لا أكلت رءوسا أو أكلت رءوسا لا يفهم أحد إلا رءوس الأنعام دون غيرها بسبب أن أهل العرف نقلوا هذا المركب لهذه الرءوس الخاصة دون بقية الرءوس فكذلك لفظ العليم ونحوه كان قبل التركيب مع حرف القسم يصدق على كل عالم وبعد التركيب معه نقله أهل العرف لخصوص اسم الله تعالى حتى صار صريحا لا كناية نعم لا ينفع هذا فيما لا تجري العادة بالحلف به كالحكيم والرشيد فلم يشتهر الحلف بها ونحوهما إذ لعل كثيرا من الناس لا يعلمها أسماء لله تعالى بل لم أعلم أني رأيت من أسماء الله تعالى الرشيد إلا في الترمذي حيث عدد أسماء الله الحسنى مائة إلا واحدا وأصحابنا عمموا الحكم في الجميع ولم يفصلوا وهو مشكل ولا يمكن أن يقال إن عادة المسلمين لا يحلفون بغير الله تعالى وأسمائه فتنصرف جميع الأسماء لله تعالى بقرينة الحلف لأنا نقول إنا نجدهم يحلفون بآبائهم وملوكهم ويقولون ونعمة السلطان وحياتك يا زيد ولعمري لقد قام زيد فيحلف بعمره وحياة مخاطبه طول النهار فليس ظاهر حالهم الانضباط
    ولا حصل في الأسماء القليلة الاستعمال عرف ولا نقل يعتمد عليه فيستصحب فيها حكم اللغة وأن اللفظ صالح للقديم والمحدث هذا هو الفقه ا ه
    المسألة الثانية قولك باسم الله لأفعلن قال صاحب الخصال الأندلسي يجوز الحلف به ويوجب الكفارة قال ابن الشاط ووجهه أن لفظ اسم وإن جرى فيه بخصوصه خلاف العلماء في أنه هو المسمى أو لا فقد حكى ابن السيد البطليوسي أن العلماء اختلفوا في لفظ الاسم هل هو موضوع للقدر المشترك بين أسماء الذوات فلا يتناول إلا لفظا هو اسم أو وضع في لغة العرب للقدر المشترك بين المسميات فلا يتناول إلا مسمى
    ____________________
    (3/107)
    اسم أو وضع في لغة العرب للقدر المشترك بين المسميات فلا يتناول إلا مسمى قال وهذا هو تحقيق خلاف العلماء في أن الاسم هو المسمى أم لا وأن الخلاف إنما هو في لفظ اسم الذي هو ألف سين ميم وأما لفظ نار وذهب فلا يصح أن يقول عاقل إن لفظ نار هو عين النار حتى يحترق فم من نطق بهذا اللفظ ولا لفظ ذهب هو عين الذهب المعدني حتى يحصل الذهب المعدني في فم من نطق بلفظ الذهب وإنما الخلاف في لفظ الاسم خاصة وإذا فرعنا على هذا وقلنا الاسم موضوع للقدر المشترك بين الأسماء وأن مسماه لفظ حينئذ فينبغي أن لا تلزم به كفارة ولا يجوز الحلف به كما لو قلنا ورزق الله وعطاء الله فإن إضافة المحدث إلى الله تعالى لا تصيره مما يجوز الحلف به ولا يوجب الكفارة كذلك إذا أضيف الاسم إلى الله تعالى يكون على هذا التقدير إضافة لفظ مخلوق لله عز وجل فلا يوجب كفارة
    وإن قلنا هو موضوع للقدر المشترك بين المسميات والقاعدة أن الدال على الأعم غير دال على الأخص فاللفظ الدال على القدر المشترك بين جميع المسميات لا يكون دالا على خصوص واجب الوجود سبحانه وتعالى وما لا يكون دالا عليه لغة لا ينصرف إليه إلا بنية أو عرف ناقل ولا واحد منهما فلا تجب الكفارة ولا يتعين صرف اللفظ لله تعالى فهذا تحرير هذه المسألة
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    قال وهذا هو تحقيق خلاف العلماء في أن الاسم هو المسمى أم لا وأن الخلاف إنما هو في لفظ اسم خاصة الذي هو ألف سين ميم وأما لفظ نار وذهب فلا يصح أن يقول عاقل إن لفظ نار هو عين النار حتى يحترق فم من نطق بهذا اللفظ ولا لفظ ذهب هو عين الذهب المعدني حتى يحصل الذهب المعدني في فم من نطق بلفظ الذهب ا ه إلا أن فيه عرفا بأن المراد ما يوجب الكفارة والله أعلم ا ه
    نعم في حاشية العلامة الأمير على عبد السلام على الجوهرة أن الخلاف فيما صدقات الاسم ولفظ اسم منها فإنه اسم من الأسماء ولا يلزم اندراج الشيء تحت نفسه وهو تناقض في الجزئية والكلية بل اندراج اللفظ تحت معناه وهو كثير كموجود وشيء ومفرد والتحقيق أنه إن أريد من الاسم اللفظ فهو غير مسماه قطعا أو أريد به ما يفهم منه فهو عين المسمى ولا فرق في ذلك بين جامد ومشتق فيما يقضي به التأمل ا ه ووجود المسمى فيما يفهم من الاسم ظلي كالصورة في المرآة فلا يلزم من كونه عينه احتراق فم من يقول نارا ولا أن الذهب المعدني يحصل في فم من ينطق بلفظ ذهب فتأمل والله أعلم المسألة الثالثة قال اللخمي قال ابن عبد الحكم ها الله يمين توجب الكفارة مثل قوله تالله فإنه يجوز حذف حرف القسم وإقامة ها التنبيه مقامه وقد نص النحاة على ذلك فائدة الألف واللام في أسماء الله تعالى للكمال قال سيبويه تكون لام التعريف للكمال تقول زيد الرجل تريد الكامل في الرجولية وكذلك هي في أسماء الله تعالى فإذا قلت الرحمن أي الكامل في معنى الرحمة أو العليم أي الكامل في معنى العلم وكذلك بقية الأسماء فهي لا للعموم ولا للعهد ولكن للكمال ا ه والله سبحانه وتعالى أعلم
    ____________________
    (3/108)
    المسألة الثالثة قال اللخمي قال ابن عبد الحكم ها الله يمين توجب الكفارة مثل قوله تالله فإنه يجوز حذف حرف القسم وإقامة ها التنبيه مقامه وقد نص النحاة على ذلك فائدة الألف واللام في أسماء الله تعالى للكمال قال سيبويه تكون لام التعريف للكمال تقول زيد الرجل تريد الكامل في الرجولية وكذلك هي في أسماء الله تعالى فإذا قلت الرحمن أي الكامل في معنى الرحمة أو العليم أي الكامل في معنى العلم وكذلك بقية الأسماء فهي لا للعموم ولا للعهد ولكن للكمال
    الفرق الثامن والعشرون والمائة بين قاعدة ما يدخله المجاز في الأيمان والتخصيص وقاعدة ما لا يدخله المجاز والتخصيص اعلم أن الألفاظ على قسمين نصوص وظواهر فالنصوص هي التي لا تقبل المجاز ولا التخصيص والظواهر هي التي تقبلها فالنصوص التي هي كذلك قسمان أسماء للأعداد نحو الخمسة والعشرة وغير ذلك من أسماء الأعداد أولها الاثنان وآخرها الألف ولم تصنع العرب بعد ذلك لفظا آخر للعدد بل عادت إلى رتب الأعداد
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الفرق الثامن والعشرون والمائة بين قاعدة ما يدخله المجاز والتخصيص في الأيمان وقاعدة ما لا يدخله المجاز والتخصيص الألفاظ على قسمين نصوص وهي التي لا تقبل المجاز ولا التخصيص وظواهر وهي التي تقبلهما والنصوص نوعان النوع الأول ما كان الامتناع فيه من المجاز والتخصيص لغويا وهي أسماء الأعداد التي أولها الاثنان وآخرها الألف ولم تضع العرب بعد ذلك لفظا للعدد بل عادت إلى رتب الأعداد فقالت ألفان بالتثنية ومراتب الأعداد أربعة وهي الآحاد إلى العشرة والعشرات إلى المائة والمئات إلى الألف والألوف فالآحاد والعشرات والمئات والألوف هي رتب الأعداد الأربعة وهذه الألفاظ تكررها العرب في مراتب الأعداد إلى غير النهاية مكتفية بها من غير النهاية فنحو الخمسة والعشرة من ألفاظ العدد عند العرب نصوص لا يدخلها المجاز ولا التخصيص والتخصيص أن تريد بالعشرة بعضها والمجاز أن تريد بالعشرة مسمى العشر أو بالخمسة مسمى الخمس لأن العشرة نسبة العشر لأنها عشر المائة والخمسة نسبة الخمس لأنها خمس الخمسة والعشرين فهذا أجنبي عنها بالكلية فإن التخصيص استعمال اللفظ في بعض معناه مجاز القرينة والمجاز استعمال اللفظ في غير معناه لعلاقة وقرينة سواء كان ذلك الغير هو بعض المعنى أو غيره مما بينه وبين المعنى مناسبة خاصة فالمجاز أعم من التخصيص فكل تخصيص مجاز وليس كل مجاز تخصيصا النوع الثاني ما كان الامتناع فيه من المجاز والتخصيص شرعيا لا لغويا مثل لفظ الجلالة الله ولفظ الرحمن مما هو مختص بالله تعالى فلا يجوز استعمالهما في غير الله تعالى بإجماع الأمة وما عدا هذين النوعين
    ____________________
    (3/109)
    فقالت ألفان وهذا هو التثنية فتكرر مراتب الأعداد وهي أربعة الآحاد إلى العشرة والعشرات إلى المائة والمئات إلى الألف ثم الألوف فهذه الأربعة هي رتب الأعداد وهي آحاد وعشرات ومئات وألوف وتكرر هذه الألفاظ في مراتب الأعداد إلى غير النهاية مكتفية بها من غير النهاية فهذه عند العرب نصوص لا يدخلها المجاز ولا التخصيص فلا يجوز أن تطلق العشرة وتريد بها التسعة ولا غيرها من مراتب الأعداد فهذا هو المجاز وأما التخصيص فلا يجوز أن تقول رأيت عشرة ثم تبين بعد ذلك مرادك بها وتقول أردت خمسة فإن التخصيص مجاز أيضا لكنه يختص ببقاء بعض المسمى والمجاز قد لا يبقى معه من المسمى شيء كما تقول رأيت إخوتك ثم تقول بعد ذلك أردت بإخوتك نصفهم وهم فلان وفلان فهذا تخصيص وقد بقي اللفظ مستعملا في بعض الإخوة والمجاز الذي ليس بتخصيص أن تقول أردت بإخوتك مساكنهم أو دوابهم ووجه العلاقة ما بين الإخوة وهذه الأمور من الملابسة وليس المساكن ولا الدواب بعض الإخوة فلم يبق من المسمى شيء فالمجاز أعم من التخصيص فكل تخصيص مجاز وليس كل مجاز تخصيصا فالأعداد لا يدخلها المجاز
    ولا التخصيص فالتخصيص أن تريد بالعشرة بعضها والمجاز أن تريد بالعشرة مسمى العشر أو بالخمسة مسمى الخمس لأن العشرة نسبة العشر لأنها
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    من العمومات نحو المشركين وأسماء الأجناس من الجماد والنبات أو الحيوان نحو الأسد أو من قبيل الأعراض نحو العلم والظن والألوان والطعوم والروائح فهي الظواهر فيجوز إطلاق العلم ويراد به الظن مجازا كقوله تعالى فإن علمتموهن مؤمنات أي ظننتموهن فإن الإيمان أمر باطن لا يعلم ولكن تدل عليه ظواهر الأحوال فيظن وإطلاق الظن ويراد به العلم كقوله تعالى وظنوا أنهم مواقعوها أي قطعوا وعلموا هذا هو المقرر في أصول الفقه وفي أبواب الأيمان والطلاق وغيرهما من كتب الفقه عند الفقهاء وعليه سؤال وهو أن العرب قد تستعمل اسم العدد مجازا كقوله تعالى إن تستغفر لهم سبعين مرة قال العلماء المراد الكثرة كيف كانت وقوله تعالى سبعون ذراعا أي طويلة جدا فالمراد الكثرة جدا لا خصوص السبعين
    وقول أهل العرف سألتك ألف مرة فما قضيت لي حاجة وقولهم زرتك مائة مرة فلم ترع لي ذلك لا يريدون خصوص الألف والمائة بل الكثرة فهذا مجاز قد دخل في السبعين والمائة والألف من ألفاظ العدد وكذا دخل فيما هو بمعنى أسماء العدد كلفظ كرتين في قوله تعالى فارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير قال المفسرون المراد بكرتين المراجعة الكثيرة من غير حصر فعبر بلفظ التثنية عن أصل الكثرة مجازا وإذا انفتح الباب في بعض ألفاظ العدد ونحوها انخرم الجزم في بقيتها فلم يبق لنا نصوص ألبتة في أسماء الأعداد غير أن الفقهاء مطبقون على ما تقدم والواقع كما ترى فتأمله وعلى ما تقدم من صحة القاعدتين والفرق بينهما تتخرج أربع مسائل المسألة الأولى إذا حلف ليعتقن ثلاثة عبيد اليوم فأعتق عبدين وقال أردت بلفظ ثلاثة الاثنين حنث إن خرج اليوم ولم يعتق الثالث ولم تفده نيته لأن استعمال لفظ الثلاثة في الاثنين مجاز في لفظ من أسماء
    ____________________
    (3/110)
    عشر المائة والخمسة نسبة الخمس لأنها خمس الخمسة والعشرين فهذا أجنبي عنها بالكلية القسم الثاني من النصوص الألفاظ التي هي مختصة بالله تعالى نحو لفظ الجلالة ولفظ الرحمن فإنه لا يجوز استعمالها في غير الله تعالى بإجماع الأمة فهذا الامتناع شرعي والامتناع في الإعداد لغوي وأما الظواهر فهي ما عدا هذين القسمين من العمومات نحو المشركين وأسماء الأجناس نحو الأسد وغيره مما وضع لجنس من الجماد أو النبات أو الحيوان أو جنس من قبيل الإعراض نحو العلم والظن والألوان والطعوم والروائح فيجوز المجاز فيها كما يجوز إطلاق العلم ويراد به الظن مجازا كقوله تعالى فإن علمتموهن مؤمنات أي ظننتموهن فإن الأيمان أمر باطن لا يعلم ولكن تدل عليه ظواهر الأحوال وكقوله تعالى فظنوا أنهم مواقعوها أي قطعوا وعلموا هذا هو المقرر في أصول الفقه وفي أبواب الفقه عند الفقهاء في أبواب الأيمان والطلاق وغيرهما وعليه سؤال وذلك أن العرب قد تستعمل اسم العدد مجازا كقوله تعالى إن تستغفر لهم سبعين مرة
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    العدد وهو لا يدخل في أسماء الأعداد فلا تفيد فيها النية لا في الأيمان ولا في الطلاق ولا في غيرهما المسألة الثانية إذا قال والله لأعتقن عبيدي وقال أردت بعضهم على سبيل التخصيص أو أردت بعبيدي دوابي وبالعتق بيعها أفاده ذلك لأن لفظ العبيد ولفظ العتق من الظواهر فيدخلها المجاز وتفيد فيها النية وعلاقة استعمال العبيد في البعض إطلاق العام وإرادة الخاص وفي الدواب المجاورة في الملك وعلاقة استعمال العتق في البيع المشابهة في بطلان الملك بكل المسألة الثالثة إذا قال والله لأعتقن ثلاثة عبيد ونوى أنه يبيع ثلاث دواب من دوابه صح وأفادته نيته لأن لفظ ثلاثة لم يدخله مجاز وإنما دخل المجاز في لفظي العبيد والعتق لكونهما من الظواهر كما تقدم تنبيه إذا قال أنت طالق ثلاثا ثم قال أردت اثنتين أو واحدة لا يفيده ذلك وأما إن قال أردت أنك طلقت ثلاث مرات من الولد فإنه يفيده ذلك ولم يلزمه طلاق لا في الفتيا ولا في القضاء حيث كان هناك من القرائن ما يعضده ولو قامت عليه بينة وإلا لزمه الطلاق الثلاث في القضاء دون الفتيا وذلك لأن التغيير والمجاز لم يدخل في اسم العدد الذي هو الثلاث وإنما دخل التغيير والمجاز في معدوده الذي هو الطلاق لكونه اسم جنس من الظواهر فتغير من الطلاق الذي هو إزالة العصمة إلى جنس آخر وهو طلق الولد فسقط استشكال بعض الفقهاء بأنه كيف أثرت النية في الكل ولم تؤثر في البعض وذلك خلاف القواعد فإن النية أبطلت الطلقات الثلاث كلها إذا نوى طلق الولد وهذا هو جملة مدلول اللفظ فأولى أن تبطل بعض مدلول اللفظ إذا نوى بالثلاث اثنتين أو واحدة فتأمل المسألة الرابعة إذا قال والله أو والرحمن لا فعلت كذا وقال أردت بلفظ الجلالة أو بلفظ الرحمن غير
    ____________________
    (3/111)
    قال العلماء المراد الكثرة كيف كانت وكذلك قوله سبعون زراعا أي طويلة جدا وخصوص السبعين ليس مرادا بل المراد الكثرة جدا وهذا مجاز قد دخل في السبعين وهم اسم العدد وكذلك قوله تعالى فارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير
    قال المفسرون المراد بكرتين المراجعة الكثيرة من غير حصر وعبر بلفظ التثنية عن أصل الكثرة وهذا مجاز قد دخل في لفظ كرتين غير أنه ليس من أسماء العدد واسم العدد إنما هو اثنان لكن كرتين في معناها ويقول أهل العرف سألتك ألف مرة فما قضيت لي حاجة وكذلك زرتك مائة مرة فلم ترع لي ذلك ولا يريدون خصوص الألف والمائة بل الكثرة وهذا مجاز قد دخل في المائة والألف وإذا انفتح الباب في هذه الألفاظ في بعضها انخرم الجزم في بقيتها فلم يبق لنا نصوص ألبتة في أسماء الأعداد غير أن الفقهاء مطبقون على ما تقدم والواقع كما ترى فتأمله وعلى ما تقدم من صحة القاعدتين والفرق بينهما تتخرج ثلاث مسائل المسألة الأولى إذا حلف ليعتقن ثلاثة عبيد اليوم فأعتق عبدين وقال أردت بلفظ ثلاثة الاثنين لم تفده نيته وحنث إن خرج اليوم ولم يعتق الثالث لأن استعمال لفظ الثلاثة في الاثنين مجاز وهو لا يدخل في أسماء الأعداد وكذلك بقية أسماء الأعداد لا تفيد فيها النية في الأيمان ولا في الطلاق ولا في غيرهما المسألة الثانية إذا قال والله لأعتقن عبيدي قال أردت بعضهم على سبيل التخصيص أو أردت بعبيدي دوابي وأردت بالعتق بيعها أفاده ذلك لأنه يجوز استعمال العبيد مجازا في الدواب والعلاقة الملك في الجميع واستعمال العتق مجاز في البيع والعلاقة بطلان الملك فهذا تفيده فيه النية والمجاز المسألة الثالثة إذا قال والله لأعتقن ثلاثة عبيد ونوى أنه يبيع ثلاث دواب من دوابه صح لأن لفظ ثلاثة لم يدخله مجاز وإنما دخل المجاز في المعدود وهو اسم جنس أعني العبيد فعبر بجنس العبيد عن جنس الدواب وذلك جائز ولم يعبر بلفظ الثلاث عن غير الثلاث فهو على بابه ونظيره من الطلاق أن يقول أنت طالق ثلاثا ويريد بالثلاث اثنتين أو واحدة لا يفيده ذلك وإن قال أردت أنك طلقت ثلاث مرات من الولد أفاده ذلك ولم يلزمه طلاق في الفتيا ولا في القضاء إن لم تقم عليه بينة أو قامت
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الله تعالى وعبرت بهذا اللفظ عن بعض المخلوقات لله من باب إطلاق الفاعل على أثره لما بينهما من العلاقة والحلف بالمخلوق لا تلزم به كفارة فظاهر كلام العلماء أن هذا تلزمه الكفارة إذا حنث وأن هذين اللفظين لا يجوز استعمالهما لغير الله تعالى وما امتنع شرعا فهو كالمعدوم حسا وهذا بخلاف ما لو قال أردت
    ____________________
    (3/112)
    لكن هناك من القرائن ما يعضده وإلا لزمه الطلاق الثلاث في القضاء دون الفتيا
    وقد أشكل ذلك على بعض الفقهاء فقال أثرت النية في الكل ولم تؤثر في البعض وذلك خلاف القواعد فإن النية أبطلت الطلقات الثلاث كلها إذا نوى طلق الولد وهذا هو جملة مدلول اللفظ فأولى أن يبطل بعض مدلول اللفظ وهو أن يريد بالثلاث اثنتين وجوابه أن النية إنما أثرت في لفظ المعدود فقط وهو الطلاق وأما اسم العدد فباق على حاله ثلاثا غير أنه لما تغير المعدود وانتقل انتقل العدد معه على حاله وهو ثلاث من غير تغيير لمفهوم الثلاث فدخل التغيير والمجاز في اسم الجنس الذي هو الطلاق لأن الطلاق اسم جنس دون الثلاث لأنه اسم عدد فلم يدخل فيه مجاز ألبتة غير أن معدوده تغير من الطلاق الذي هو إزالة العصمة إلى جنس آخر وهو طلق الولد أو غيره من الأجناس فلا إشكال حينئذ فإن قلت لو قال والله أو والرحمن لا فعلت كذا وقال أردت بلفظ الجلالة أو بلفظ الرحمن غير الله تعالى وعبرت بهذا اللفظ عن بعض المخلوقات لله من باب إطلاق الفاعل على أثره لما بينهما من العلاقة والحلف بالمخلوق لا تلزم به كفارة فلا تلزمني كفارة هل تسقط عنه الكفارة بناء على هذا المجاز قلت ظاهر كلام العلماء أن هذا تلزمه الكفارة إذا حنث وأن هذين اللفظين لا يجوز استعمالهما لغير الله تعالى
    وما امتنع شرعا فهو كالمعدوم حسا فتلزمه الكفارة وهذا بخلاف لو قال أردت بقولي والعليم والعزيز وغير ذلك من أسماء الله تعالى أو كفالة الله وعهد الله وعلم الله وغير ذلك من صفاته التي تقدم بسطها بعض مخلوقاته ممن هو عليم أو عزيز أو بعض صفات البشر من العلم والكفالة والعهد وغير ذلك فأضفته إلى الله تعالى إضافة الخلق للخالق فإنا نسمع هذه النية وتفيده في إسقاط الكفارة لأن هذه الألفاظ ليست نصوصا بل أسماء أجناس وقد قال جماعة من العلماء إنها كنايات لا تكون يمينا إلا بالنية لقوة التردد عندهم والاحتمال وقد حكيته فيما مضى عن الشافعية والحنابلة والحنفية وقالوا ذلك أيضا في الصفات واشترطوا فيها الشهرة العرفية ونحن وإن لم نوافقهم على ذلك فنحن نلزمه الكفارة بناء على الظهور والصراحة لا بناء على النصوصية التي لا تقبل المجاز فتأمل هذه المواطن وما تفيد فيه نية المجاز وما لا تفيد فإنه فرق محتاج إليه في
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    بقولي والعليم والعزيز وغير ذلك من أسماء الله تعالى أو بقولي كفالة الله وعهد الله وعلم الله وغير ذلك من صفاته التي تقدم بسطها بعض مخلوقاته ممن هو عليم أو عزيز أو بعض صفات البشر من العلم والكفالة والعهد فأضفته إلى الله تعالى إضافة الخلق للخالق فإنا نسمع هذه النية وتفيده في إسقاط الكفارة لأن هذه الألفاظ ليست نصوصا بل أسماء أجناس وقد قال جماعة من العلماء إنها كنايات لا تكون يمينا إلا
    ____________________
    (3/113)
    الفتيا والقضاء حاجة شديدة وقد اتضح إيضاحا حسنا من فضل الله عز وجل
    الفرق التاسع والعشرون والمائة بين قاعدة الاستثناء وقاعدة المجاز في الأيمان والطلاق وغيرهما اعلم أن الاستثناء هو ما كان بإلا وحاشا وخلا وعدا ولا يكون وليس وبقية أخواتها وهي إحدى عشرة أداة مستوعبة في كتب النحو والمجاز هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة بينهما وإذا علمت حقيقتهما فاعلم أنهما بحسب مواردهما التي يردان عليها كل واحد أعم من الآخر من وجه وأخص من وجه وضابط الأعم من وجه والأخص من وجه أن يكون كل واحد منهما يوجد منفردا ومع الآخر فينفرد كل واحد منهما بصورة ويجتمعان في صورة كالحيوان والأبيض يوجد الأبيض بدون الحيوان في الجير والثلج والحيوان بدون الأبيض في الزنج والجاموس ويجتمعان معا في كل حيوان أبيض كذلك الاستثناء والمجاز يوجد كل واحد منهما في صورة لا يجوز وجود الآخر فيها ويجوز أن يجتمعا في صورة يجوز دخولهما فيها وتكون قابلة لهما وأبين ذلك بالمثل مثال الصورة التي يدخلها الاستثناء دون المجاز ويمتنع استعمال المجاز فيها أسماء الأعداد فلا يجوز إطلاق العشرة ويراد بها تسعة
    وقد تقدم تقريره وما عليه في الفرق الذي قبل هذا قال صاحب المقدمات الشيخ أبو الوليد بن رشد لا يجوز الاستثناء بإلا من الأعداد وإن اتصل ما لم يبن كلامه عليه نحو والله لأعطينك ثلاثة دراهم إلا درهما وكذلك أنت
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    بالنية لقوة التردد والاحتمال عندهم وقد حكي فيما مضى عن الشافعية والحنابلة والحنفية وقالوا ذلك أيضا في الصفات واشترطوا فيها الشهرة العرفية ونحن وإن لم نوافقهم على ذلك إلا أنا ألزمناه الكفارة بناء على الظهور والصراحة لا بناء على النصوصية التي لا تقبل المجاز فتأمل هذه المواطن واضبط ما تفيد فيه نية المجاز وما لا تفيد فيه فإنه فرق محتاج إليه في الفتيا والقضاء حاجة شديدة وقد اتضح أيضا حسنا من فضل الله عز وجل والله أعلم الفرق التاسع والعشرون والمائة بين قاعدة الاستثناء وقاعدة المجاز في الأيمان والطلاق وغيرهما الاستثناء هو إخراج ما دخل لغة لا قصدا في مفهوم اللفظ العام بإلا أو إحدى أخواتها وهي إحدى عشرة أداة مستوعبة في كتب النحو والمجاز هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له في اصطلاح به التخاطب لعلاقة بينهما وقرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي والنسبة بينهما بحسب مواردهما التي يردان عليها العموم والخصوص الوجهي بحيث يجتمعان في صورة يجوز دخولهما معا فيها كالعمومات والظواهر كلها تقول في العموم رأيت إخوتك إلا زيدا ورأيت إخوتك تريد دار إخوته أو أمير إخوته لما بين الدار والأمير وبين الإخوة من الملابسة وتقول في الظواهر التي ليست بعموم كلفظ الأسد والفرس رأيت أسدا
    ____________________
    (3/114)
    طالق ثلاثا إلا واحدة بخلاف العموم وبخلاف الاستثناء بمشيئة الله فإنه يكفي فيه الاتصال وإن لم يبن الكلام عليه ومثال الصورة التي يدخلها المجاز دون الاستثناء المعطوفات فإذا قلت رأيت زيدا وعمرا إلا عمرا لم يجز لغة لما فيه من إبطال حكم عمرو وهو منصوص عليه فأنت مستثن لجملة ما نطقت به في المعطوفات واستثناء جملة كلام منطوق به ممنوع وكذلك أعط زيدا درهما ودرهما إلا درهما ممتنع لاستثناء جملة منطوق بها بخلاف أعطه ثلاثة دراهم إلا درهما ويجوز المجاز في المعطوفات وأن يريد بالثاني غير الأول في الصورتين إحداهما الأسماء المترادفة كقوله تعالى إنما أشكو بثي وحزني إلى الله
    والحزن هو البث وقد أريد به الأول ولو قلت أشكو بثي وحزني إلا حزني لم يجز وكذلك يجوز أن تقول أعطه برا وحنطة وتعطف الشيء على نفسه إذا اختلف اللفظ كذلك نص عليه النحاة ولو قلت رأيت برا وحنطة إلا حنطة لم يجز لأن الاستثناء إنما جعل لإخراج ما التف في الكلام وهو غير مراد وما قصد بالعطف لا بد أن يكون مرادا فالجمع بينهما يقتضي أن يكون مرادا وغير مراد وهو جمع بين النقيضين الصورة الثانية أن تكون الألفاظ متباينة غير مترادفة ويريد بالثاني الأول على سبيل المجاز كقولك رأيت زيدا والأسد وتريد بالأسد زيدا لشجاعته فهذا يجوز ولا يجوز دخول الاستثناء فيه لأنك أتيت باللفظ الثاني لقصد المبالغة بالمعنى المجازي فإن قولك لزيد أسد
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    إلا يده أو فرسا إلا رأسه ورأيت أسدا في الحمام تريد رجلا شجاعا وركبت فرسك تريد حماره الفاره الشبيه بالفرس في سرعة الجري والفرق بين المجاز والاستثناء في هذا القسم الحاصل فيه اجتماعهما هو أن المجاز يجوز فيه التجوز بجملة الاسم عن جميع المسمى إلى غيره كما عدلت عن الأسد بجملته إلى الرجل الشجاع والاستثناء لا يجوز فيه استثناء جملة الأسد بل بعضه لأنه يشترط فيه أن يبقى بعده شيء مما دخل عليه الاستثناء وينفرد الاستثناء عن المجاز في صورة لا يدخلها إلا هو دون المجاز كأسماء الأعداد فقد تقدم في الفرق الذي قبل هذا تقرير أنه لا يجوز إطلاق العشرة مرادا بها التسعة ولا مرادا بها العشر بضم العين مجازا وتقرير ما عليه
    وأما الاستثناء منها فقال صاحب المقدمات الشيخ أبو الوليد ابن رشد لا يجوز الاستثناء بإلا من الأعداد وإن اتصل ما لم يبن كلامه عليه نحو والله لأعطينك ثلاثة دراهم إلا درهما وكذلك أنت طالق ثلاثا إلا واحدة بخلاف العموم وبخلاف الاستثناء بمشيئة الله تعالى فإنه يكفي فيه الاتصال وإن لم يبن الكلام عليه ا ه وينفرد المجاز عن الاستثناء في صورة لا يدخلها إلا هو دون الاستثناء كالمعطوفات فإنه لا يجوز فيها لغة الاستثناء بأن تقول رأيت عمرا وزيدا إلا زيدا لما فيه من استثناء جملة ما نطقت به واستثناء جملة ما نطقت به ممنوع ولأن ما قصد بالعطف لا بد أن يكون مرادا والاستثناء إنما جعل لإخراج ما التف في الكلام وهو غير مراد فالجمع بينهما في المعطوف يقتضي أن يكون مرادا وغير مراد وهو جمع بين النقيضين ويجوز في المعطوفات المجاز إما في نفس حرف العطف بأن تعطف به الشيء
    ____________________
    (3/115)
    أبلغ من قولك شجاع
    وإذا كان هذا المعنى مقصودا للعقلاء في مخاطباتهم لا يجوز إبطاله بالاستثناء فهذان مثالان لما ينفرد به كل واحد منهما عن صاحبه ومثال اجتماعهما في صحة الدخول فيه والاستعمال العمومات والظواهر كلها يجوز دخول الاستثناء فيها والمجاز فتقول في العموم رأيت إخوتك إلا زيدا فهذا استثناء وتقول رأيت إخوتك وتريد دار إخوته أو أمير إخوته لما بين الدار والأمير من الملابسة هذا في العموم وأما الظواهر التي ليست بعموم نحو لفظ الأسد والفرس وجميع أسماء الأجناس يجوز دخول المجاز فيها إذا وجدت العلاقة ودخول الاستثناء فتقول رأيت أسدا إلا يده وإلا رأسه بشرط أن لا يستوعبه
    وكذلك رأيت فرسا إلا رأسه ويجوز دخول المجاز فتريد بالأسد زيدا الشجاع وبالفرس حماره الفاره لشبهه بالفرس في سرعة جريه وقس على ذلك بقية أسماء الأجناس فهذا القسم يدخل فيه المجاز والاستثناء غير أن المجاز لك أن تتجوز بجملة الاسم عن جميع المسمى إلى غيره كما عدلت عن الأسد بجملته إلى الرجل الشجاع وليس لك استثناء جملة الأسد لأنه يشترط في الاستثناء أن يبقى بعده شيء مما دخل عليه الاستثناء فهذا الوجه يقع به الفرق في هذا القسم لا في جواز الدخول فقد ظهر لك أن الاستثناء يوجد في صورة لا يوجد فيها المجاز ويوجد المجاز في صورة لا يوجد فيها الاستثناء ويجتمعان في صورة فيكون كل واحد منهما أعم من الآخر من وجه وأخص من وجه وهو المطلوب وبه ظهر الفرق بين قاعدتيهما حتى يعلم في أي صورة يجوز استعمال كل واحد منهما وفي أي صورة يمتنع ويفيد ذلك نفعا عظيما في الأيمان والطلاق وغيرهما
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    على نفسه اكتفاء باختلاف اللفظ كما في المترادفين في نحو قوله تعالى إنما أشكو بثي وحزني إلى الله والحزن هو البث وقولك أعطه برا وحنطة نص على ذلك النحاة وإما في نفس المعطوف مع حرف العطف بأن تعطف الألفاظ المتباينة مريدا بالثاني الأول مجازا كقولك رأيت زيدا والأسد تريد بالأسد زيدا لشجاعته فأتيت باللفظ لقصد المبالغة بالمعنى المجازي فإن قولك لزيد أسد أبلغ من قولك له شجاع لأن المجاز أبلغ من الحقيقة وإذا كان هذا المعنى مقصودا للعقلاء في مخاطباتهم فلا يجوز إبطاله بالاستثناء وإذ قد ظهر لك أن الاستثناء يوجد في صورة لا يوجد فيها المجاز وأن المجاز يوجد في صورة لا يوجد فيها الاستثناء وأنهما يجتمعان في صورة فكان كل واحد منهما أعم من الآخر من وجه وأخص من وجه وهو المطلوب وعلمت في أي صورة يجوز استعمال كل واحد منهما وفي أي صورة يمتنع ظهر لك الفرق بين قاعدتيهما وأفادك ذلك نفعا عظيما في الأيمان والطلاق وغيرهما فإن من استعمل واحدا منهما في مكان لا يجوز استعماله فيه بطل استعماله له ولزمه أصل الكلام الأول بمقتضى وضع اللغة فاعلم ذلك فهي قاعدة الفقه والله أعلم
    ____________________
    (3/116)
    فإن من استعمل واحدا منهما في مكان لا يجوز استعماله فيه بطل استعماله له ولزمه أصل الكلام الأول بمقتضى وضع اللغة فاعلم ذلك فهي قاعدة الفقه
    الفرق الثلاثون والمائة بين قاعدة ما تكفي فيه النية في الأيمان وقاعدة ما لا تكفي فيه النية اعلم أن النية تكفي في تقييد المطلقات وتخصيص العمومات وتعميم المطلقات وتعيين أحد مسميات الألفاظ المشتركات وصرف اللفظ عن الحقائق إلى المجازات ولا تكفي عن الألفاظ التي هي أسباب ولا عن لفظ مقصود وإن لم يكن سببا شرعيا ويتضح ذلك بذكر عشر مسائل المسألة الأولى تقييد المطلقات إذا حلف ليكرمن رجلا ونوى به زيدا فلا يبرأ بإكرام غيره لأن رجلا مطلق وقد قيده بخصوص زيد فصار معنى اليمين لأكرمن زيدا وكذلك إذا قيده بصفة في نيته ولم يلفظ بها كقوله والله لأكرمن رجلا وينوي به فقيها أو زاهدا فلا يبرأ بإكرام غير الموصوف بهذه الصفة فهذه صورة تقييد المطلقات
    المسألة الثانية تخصيص العمومات كقوله والله لا لبست ثوبا وينوي إخراج الكتان من
    هامش أنوار البروق
    قال الفرق الثلاثون والمائة بين قاعدة ما تكفي فيه النية في الأيمان وقاعدة ما لا تكتفي فيه النية إلى آخر المسألة الأولى قلت ما قاله في ذلك صحيح
    قال المسألة الثانية تخصيص العمومات كقوله والله لا لبست ثوبا وينوي إخراج الكتان من يمينه
    هامش إدرار الشروق
    @ 117 الفرق الثلاثون والمائة بين قاعدة ما تكفي فيه النية في الأيمان وقاعدة ما لا تكفي فيه النية النية تكفي في تقييد المطلقات وتخصيص العمومات وتعميم المطلقات وتعيين أحد مسميات الألفاظ المشتركات وصرف اللفظ عن الحقائق إلى المجازات ولا تكفي عن الألفاظ التي هي أسباب ارتفاع حكم اليمين شرعا كالاستثناء بمشيئة الله تعالى ولا عن لفظ مقصود للحالف وإن لم يكن سببا شرعيا كلفظ الاستثناء فتكفي في خمسة أنواع وتؤثر فيها ولا تكفي في نوعين ولا تؤثر فيهما وتتضح هذه السبعة بذكر عشر مسائل لتقييد المطلقات بلا خلاف مسألة ولتخصيص العمومات بلا خلاف مسألة وللتقييد والتخصيص على الخلاف هل يؤثر بالنية أم لا مسألة ولتعميم المطلقات مسألة ولتعيين مسميات الألفاظ المشتركات مسألة ولصرف اللفظ عن الحقائق إلى المجازات مسألة ولعدم كفايتها عن اللفظ الذي هو سبب شرعي مسألة ولعدم كفايتها عن لفظ مقصود للحالف وليس هو بسبب شرعي ثلاث مسائل المسألة الأولى إذا حلف ليكرمن رجلا ونوى به زيدا لم يبر بإكرام غيره لأن رجلا مطلق وقد قيده
    ____________________
    (3/117)
    يمينه فيصير هذا العموم مخصوصا بهذه النية ولا يحنث إذا لبس الكتان لأنه قد أخرجه بنيته وقد تقدم الفرق بين قاعدة النية المخصصة والنية المؤكدة أن القصد للكتان دون غيره لا يفيد وأن هنالك فرقا جليلا جميلا فليطالع من هنالك
    المسألة الثالثة المحاشاة كما قال مالك إذا قال كل حلال علي حرام يلزمه الطلاق إلا أن يحاشي زوجته وقال الأصحاب يكفي في المحاشاة مجرد النية والسبب في ذلك أنها تخصيص بعينه من غير زيادة ولا نقصان والتخصيص يكفي فيه إرادة المتكلم فكفى في المحاشاة مجرد إرادة المتكلم فليست المحاشاة شيئا غير التخصيص فاعلم ذلك فهذه هي مواطن الاكتفاء بالنية إجماعا المسألة الرابعة في المواطن التي اختلف العلماء في الاكتفاء فيها بالنية وهو ما دل اللفظ عليه التزاما قالت الحنفية لا تؤثر النية فيه تقييدا ولا تخصيصا وقالت بقية الفرق تؤثر النية في المدلول التزاما كالمطابقة من غير فرق ومثلوا هذه المسألة بقول القائل والله لا أكلت فقالت الفرق المالكية والشافعية يجوز أن ينوي مأكولا معينا فلا يحنث بأكل غيره
    هامش أنوار البروق
    فيصير هذا العموم مخصوصا بهذه النية ولا يحنث إذا لبس الكتان لأنه قد أخرجه بنيته قلت ليس هذا تخصيص العموم بل هو الاستثناء بالنية وهو محل خلاف وأما التخصيص بالنية فهو أن يقصد ما عدا الكتان خاصة ولا أراه إلا محل وفاق قال وقد تقدم الفرق بين قاعدة النية المخصصة والنية المؤكدة إلى آخر المسألة قلت وقد تقدم الكلام معه هناك بما يقتضي أن الصحيح خلاف قوله في ذلك
    المسألة الثانية إذا قال والله لا لبست ثوبا ونوى به ما عدا الكتان خاصة لم يحنث إذا لبس الكتان وإنما يحنث إذا لبس غير الكتان لأن نيته خصصت الثوب المحلوف بعدم لبسه بما عدا الكتان وهو محل وفاق كما قال ابن الشاط قال المسألة الثالثة المحاشاة
    هامش إدرار الشروق
    بخصوص زيد حتى صار معنى اليمين لأكرمن زيدا وكذلك إذا قال لأكرمن رجلا ونوى به فقيها أو زاهدا لم يبر بإكرام غير الموصوف بهذه الصفة وهذا موطن إجماع كما قال الأصل وابن الشاط
    المسألة الثانية إذا قال والله لا لبست ثوبا ونوى به ما عدا الكتان خاصة لم يحنث إذا لبس الكتان وإنما يحنث إذا لبس غير الكتان لأن نيته خصصت الثوب المحلوف بعدم لبسه بما عدا الكتان وهو محل وفاق كما قال ابن الشاط المسألة الثالثة اختلف العلماء في الاكتفاء بالنية في تقييد المطلقات وتخصيص العمومات المدلول عليهما بغير الدلالة الوضعية المطابقية فقالت الحنفية ولا تؤثر النية في ذلك تقييدا ولا تخصيصا وقالت بقية الفرق تؤثر النية في المدلول التزاما وتضمنا تقييدا وتخصيصا كالمطابقة من غير فرق ومثلوا هذه المسألة بقول القائل والله لا أكلت فقالت الفرق المالكية والشافعية والحنابلة يجوز أن ينوي مأكولا معينا فلا يحنث بأكل غيره وقالت الحنفية لا يجوز دخول النية ها هنا وإن نوى بطلت نيته وحنث بأي مأكول أكله لأن لفظ الفعل المتعدي لا يدل على المفعول الذي هو المأكول بل ولا على الفاعل بالمطابقة بل إنما يدل على ذلك إما
    ____________________
    (3/118)
    وقالت الحنفية لا يجوز دخول النية ها هنا وإن نوى بطلت نيته وحنث بأي مأكول أكله فإن اللفظ إنما دل مطابقة على نفي الأكل الذي هو المصدر ومن لوازم مصدر الأكل مأكول ما وذلك المأكول لم يلفظ به فلا يجوز دخول النية فيه لأنه مدلول التزامي واحتجوا على ذلك بأمور أحدها أن الأصل اعتبار اللفظ المنطوق به بحسب الإمكان خالفنا ذلك فيما دل اللفظ عليه مطابقة وبقي فيما عداه على الأصل ووجه المناسبة أن تحكيم النية في اللفظ باعتبار معناه فرع تناول ذلك اللفظ لذلك المعنى والتناول إنما هو محقق في المطابقة والتضمن أما الالتزام فتبع جاء من جهة العقل فتقرر اللفظ فيه ضعيف فتصرف النية فيه كذلك فلا يترك ما أجمعنا عليه لهذا الضعيف المختلف فيه وثانيها أن الاستقراء دل على أن النية لا تدخل إلا فيما دل اللفظ عليه مطابقة واعتبار النيات في الألفاظ أمر يتبع اللغة ألا ترى أن اللغة لما لم تجوز النية في صرف أسماء الأعداد إلى المجازات امتنع فلا يجوز أن تطلق العشرة وتريد بها التسعة وثالثها أنه لو صح دخول النية في المدلول الالتزامي لصح المجاز في كل لازم المسمى بالنية والقصد إليه وليس كذلك لأن الأسد يلزمه أوصاف كثيرة من البخر والحمى
    هامش أنوار البروق
    كما قال مالك رحمه الله إذا قال كل حلال علي حرام يلزمه الطلاق إلا أن يحاشي زوجته وقال الأصحاب يكفي في المحاشاة مجرد النية قلت المحاشاة هي الاستثناء بعينه قال والسبب في ذلك أنها تخصيص بعينه من غير زيادة ولا نقصان إلى قوله فاعلم ذلك قلت الصحيح أن المحاشاة هي الاستثناء بعينه لا التخصيص ولكن لما سبق له توهم أن إخراج بعض متناول اللفظ العام هو التخصيص قال إن المحاشاة هي التخصيص وذلك غير صحيح
    هامش إدرار الشروق
    بالتضمن وإما بالالتزام على الخلاف في كون النسبة لكل منهما داخلة في مفهوم الفعل وهو ما جزم به ابن الشاط وبه صرح غير واحد من المحققين كالعضد والعصام والسيد والفتري وشيخ الإسلام الهروي وإليه يشير تأييد التفتازاني قول العضد باستعارة الفعل باعتبار النسبة المبني على دخولها فيه أو غير داخلة فيه وهو مفاد ابن مالك في الخلاصة حيث قال فيها المصدر اسم ما سوى الزمان من مدلولي الفعل إلخ وعزاه الفناري في فصول البدائع إلى ابن الحاجب والصبان في حواشي الأشموني للجمهور كما في بيانية الصبان والأنبابي عليها وقال الصبان في بيانيته في شرح شيخنا إن الحق عدم دخولها فيه نعم الفعل ملحوظ فيه النسبة إلى الفاعل أو نائبه مطلقا سواء قلنا إنها داخلة في مفهومه أو خارجة عنه كما ذكره شيخنا وغيره ا ه المراد وحيث لم يدل على المأكول إلا بالتضمن أو الالتزام ولم يلفظ به فلا يجوز دخول النية محتجين على ذلك بأمور أحدها أن الأصل اعتبار اللفظ المنطوق به بحسب الإمكان وخالفنا ذلك فيما دل اللفظ عليه مطابقة
    ____________________
    (3/119)
    والوبر وكبر الرأس وغير ذلك ولا يصح التجوز عنه إلا باعتبار الشجاعة خاصة ولا يصح دخول النية في غيرها حتى تصرف للمجاز لأنا نشترط في مثل هذا المجاز وهو مجاز المشابهة أن تكون الصفة التي وقعت فيها المشابهة أظهر صفات المحل المتجوز عنه وحجة المالكية والشافعية من وجوه أحدها أنا أجمعنا على ما إذا قال والله لا أكلت أكلا أنه يصح أن ينوي بعض المآكل ويخرج البعض بنيته مع أن أكلا مصدر وأجمع النحاة على أن التصريح به بعد الفعل إنما هو للتأكيد نحو ضربت ضربا فإن الفعل دل عليه فذكره بعد ذلك يكون تكرارا لذكره فيكون تأكيدا لأنه حينئذ مذكور مرتين والتأكيد حقيقته تقوية المعنى الأول من غير زيادة وإلا لكان إنشاء لا تأكيدا وإذا لم يكن التأكيد منشئا كانت الأحكام الثابتة معه ثابتة قبله لكن الثابت معه اعتبار النية فالثابت قبله اعتبار النية وهو المطلوب وثانيها أن النية اعتبرت في المطابقة إجماعا مع قوة المعارض فأولى أن تعتبر مع
    هامش أنوار البروق
    وتوهمه ذلك هو الذي أوجب غلطه حيث جزم بأن نية التخصيص لا تفيد مع توهمه أنه يشترط في التخصيص في النية ما يشترط في التخصيص باللفظ وقد تقدم ذلك والكلام معه فيه في الفرق التاسع والعشرين قال فهذه هي مواطن الاكتفاء بالنية إجماعا قلت ذلك صحيح إلا في المحاشاة فإن الخلاف فيها معلوم
    قال المسألة الرابعة في المواطن التي اختلف العلماء في الاكتفاء فيها بالنية وهو ما دل اللفظ عليه التزاما قلت في قوله ما دل اللفظ عليه التزاما عندي نظر فإن المصدر هو الذي يدل على معناه وهو
    هامش إدرار الشروق
    وبقي فيما عداه على الأصل ووجه ذلك أن تحكيم النية في اللفظ باعتبار معناه فرع تناول ذلك اللفظ لذلك المعنى والتناول إنما هو محقق في المطابقة وأما التضمن والالتزام فتبع جاء من جهة العقل وذلك لأن دلالة الألفاظ وضعية لا عقلية ولم يوضع لفظ المسجد مثلا إلا لجملته لا لجملته وبعضه الذي هو السقف مثلا ولازمه الذي هو أداء العبادة فيه مثلا وإلا لكان ذلك اللفظ مشتركا واللازم باطل فلا دلالة للفظ المسجد على السقف ولا على أداء العبادة أصلا نعم هنا أمر وهو أن من يذكر له لفظا يدل على مجموع أشياء بالوضع فإنه يتذكر ما تركب منه ذلك المجموع فمن اعتقد هذا القدر وسمى هذا التذكر دلالة فلا حجر عليه لكنه يدخل اللبس في كلامه على سامع ذلك منه حين يذكر هاتين الدلالتين اللتين معناهما تذكر الشيء عند ذكر الشيء مع ذكره الدلالة الوضعية من جهة أن لفظ الدلالة لم يوقعه على الوضعية والتذكر بالتواطؤ بل بالاشتراك وذلك مما يوقع الغلط كثيرا وإذا كانت دلالة اللفظ على الجزء واللازم تبعا لدلالته على الكل والملزوم جاء من جهة العقل لا من جهة الوضع والألفاظ إنما تدل وضعا لا عقلا كان تقرير
    ____________________
    (3/120)
    ضعف المعارض في دلالة الالتزام بطريق الأولى وإنما قلنا إن المطابقة أقوى معارضة للنية لأن المطابقة هي الأصل المقصود بوضع اللغة وغيرها إنما يفيده اللفظ تبعا لها والأصل أقوى من التابع ومع ذلك إذا عارضت النية المطابقة وصرفت اللفظ عن مدلوله المطابقي للمجاز صح إجماعا مع أن اللفظ يمنعها من ذلك ويقتضي مسماه بطريق الحقيقة فقد قدمت النية على اللفظ المطابقي وهو أقوى في المعارضة من دلالة الالتزام فأولى أن تعتبر النية في دلالة الالتزام ويصرف عموم اللازم إلى خصوصه وتقييد مطلقه وجميع ما أجمعنا عليه في المدلول المطابقي بطريق الأولى وهو المطلوب وثالثها أنا وجدنا الاستثناءات في لسان العرب دخلت على العوارض الخارجة عن المدلول المطابقي واللوازم ولفظ الاستثناء إنما هو فرع عن إرادة المعنى الذي قصد لأجله الاستثناء فإن اللفظ تابع لإرادة المعنى فإنه يقصد به إفهام السامع ما في نفس المتكلم فمتى دخل الاستثناء في المدلول التزاما دل ذلك على دخول النية قبله في المدلول الالتزامي وبيان دخول الاستثناء في المدلول التزاما أو بطريق العرض من وجوه أحدها قوله تعالى حكاية عن يعقوب عليه السلام لتأتنني به إلا أن يحاط بكم هذا استثناء من الأحوال العارضة أو اللازمة لمعنى الإتيان وتقدير الكلام
    هامش أنوار البروق
    القيام مثلا والضرب فأما القيام فيدل بالالتزام على فاعله وأما الضرب فيدل بالالتزام أيضا على فاعله ومفعوله وأما الفعل فهو مبني لوقوع المصدر من فاعله إن كان غير متعد أو من فاعله بمفعوله إن كان متعديا وما بني اللفظ له أو ما تقيد به كيف يقال دل عليه اللفظ التزاما بل الأقرب أن يدل عليه تضمنا والله أعلم
    قال قالت الحنفية لا تؤثر النية فيه تقييدا ولا تخصيصا إلى آخر احتجاجهم الأول قلت ما قالوه في أثناء احتجاجهم من أن تناول اللفظ إنما هو محقق في المطابقة والتضمن ليس
    هامش إدرار الشروق
    اللفظ في الجزء واللازم ضعيفا فيكون تصرف النية فيه كذلك فلا يترك ما أجمعنا عليه لهذا الضعيف المختلف فيه وثانيها أن الاستقراء دال على أن النية لا تدخل إلا فيما دل اللفظ عليه مطابقة واعتبار النيات في الألفاظ أمر يتبع اللغة ألا ترى أن اللغة لما لم تجوز النية في صرف أسماء الأعداد إلى المجازات امتنع فلا يجوز أن تطلق العشرة وتريد بها التسعة وثالثها أنه لو صح دخول النية في المدلول الالتزامي والتضمن لصح المجاز في كل لازم أو جزء المسمى بالنية والقصد إليه وليس كذلك ألا ترى أن الأسد يلزمه أوصاف كثيرة من البخر والحمى والوبر وكبر الرأس وغير ذلك ولا يصح التجوز عنه إلا باعتبار الشجاعة خاصة ولا يصح دخول النية في غيرها حتى تصرف للمجاز لأنا نشترط في مثل هذا المجاز وهو مجاز المشابهة أن تكون الصفة التي وقعت فيها المشابهة أظهر صفات المحل المتجوز عنه فافهم وحجة المالكية والشافعية والحنابلة من وجوه أحدها أنا أجمعنا على ما إذا قال والله لا أكلت أكلا أنه يصح أن ينوي بعض المآكل ويخرج البعض
    ____________________
    (3/121)
    لتأتنني به في كل حالة من الحالات إلا في حال الإحاطة بكم فإني لا ألزمكم الإتيان به فيها لقيام العذر حينئذ وثانيها قوله تعالى وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين وفي الآية الأخرى إلا استمعوه وهم يلعبون أي لا يأتيهم في حالة من الأحوال إلا في هذه الحالة من لهوهم وإعراضهم فقد قصد إلى حالة اللهو والإعراض بالإثبات ولغيرها من الأحوال بالنفي والأحوال أمور خارجة عن المدلول المطابقي وإذا كانت خارجة فإن كانت الأحوال اللازمة فقد دخلت النية في المدلول التزاما وإن كانت عارضة فقد دخلت النية في العوارض وإذا دخلت في العوارض دخلت في اللوازم بطريق الأولى فإن العارض أبعد عن مدلول اللفظ مطابقة من اللازم ضرورة فإذا تصرفت النية في البعيد أولى أن تتصرف في القريب لأنه أشبه بالمطابقة المجمع عليها من العارض لبعده عن المطابقة وثالثها أنه قصد إلى المدلول التزاما من غير استثناء بل بالنية المجردة ودل الدليل الخارجي على ذلك وهو عين صورة النزاع ويدل عليه وجوه أحدها قوله تعالى حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير
    هامش أنوار البروق
    بصحيح لأن دلالة الألفاظ ليست عقلية بل هي وضعية ولم يوضع لفظ المسجد مثلا إلا لجملته لا لجملته وبعضه وهو السقف مثلا وإلا لكان ذلك اللفظ مشتركا وليس الكلام المفروض إلا على تقدير أن لفظ المسجد لم يوضع للسقف وإذا كان الأمر كذلك فلا دلالة للفظ المسجد على السقف أصلا لأن الألفاظ لا تدل عقلا وإنما تدل وضعا وقد عدم الوضع فلا دلالة له ألبتة نعم هنا أمر وهو أن من يذكر له لفظ يدل على مجموع أشياء بالوضع فإنه يتذكر ما تركب منه ذلك المجموع أو
    هامش إدرار الشروق
    بنيته مع أن أكلا مصدر وأجمع النحاة على أن التصريح به بعد الفعل إنما هو للتأكيد نحو ضربت ضربا فإن الفعل دل عليه فذكره بعد ذلك يكون تكرارا لذكره فيكون تأكيدا وحقيقة التأكيد تقوية المعنى الأول من غير زيادة وإلا لكان إنشاء لا تأكيدا وإذا لم يكن التأكيد منشأ كانت الأحكام الثابتة معه ثابتة قبله لكن الثابت معه اعتبار النية فالثابت قبله اعتبار النية وهو المطلوب وثانيها أن النية حيث اعتبرت مع قوة المعارض لها في المطابقة إجماعا فلأن تعتبر مع ضعف المعارض لها في دلالتي التضمن والالتزام بطريق الأولى وكون المطابقة أقوى معارض للنية من غيرها ظاهر من كونها هي الأصل المقصود بوضع اللغة وغيرها إنما يفيده اللفظ تبعا لها والأصل أقوى من التابع وثالثها أنا وجدنا الاستثناءات في لسان العرب دخلت على اللوازم والعوارض الخارجة عن المدلول المطابقي ولفظ الاستثناء إنما هو فرع عن إرادة المعنى الذي قصد لأجله الاستثناء لأن اللفظ تابع لإرادة المعنى فإنه يقصد به إفهام السامع ما في نفس المتكلم فمتى دخل الاستثناء في المدلول التزاما دل ذلك على دخول النية قبله في المدلول الالتزامي وبيان دخول الاستثناء في المدلول التزاما أو بطريق العرض من وجهين
    ____________________
    (3/122)
    والمدلول مطابقة في هذه الآية غير مراد فإن الأعيان لا تحرم بل الأفعال المتعلقة بها وهي الأكل والتناول فقد قصدت بالتحريم من غير لفظ يدل على ذلك مقارن بل الأدلة الخارجة أفادتنا ذلك وهذه الأفعال إن كانت لازمة حصل المقصود لوجوه تصرف النية فيها بإضافة التحريم إليها دون غيرها ولا سيما أن النية تعين في كل عين الفعل المناسب لها فتعين في الخمر الشرب وفي الميتة الأكل وكذلك جميع الأعيان الواردة في النصوص وإن كانت هذه الأفعال المقصودة عارضة وقد تصرفت النية فيها فالأولى أن تتصرف في اللازم لأن اللازم أقرب للمطابقة من العارض وثانيها قوله تعالى حرمت عليكم أمهاتكم والمراد الاستمتاع المتعلق بهن دون أعيانهن المذكورة في الآية ووجه التقدير ما تقدم في الخمر والخنزير وثالثها قوله تعالى ما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته ولا يكون إلا ما أريد قال العلماء التردد على الله تعالى محال غير أنه لما جرت العادة أن كل شخص أنت تعظمه وتهتم به فإنك تتردد في مساءته نحو ولدك وصديقك ومن لا تعظمه كالعقرب
    هامش أنوار البروق
    لازم ذلك المجموع فمن اعتبر هذا القدر وسمى هذا التذكر دلالة فلا حجر عليه لكنه يدخل اللبس في كلامه على سامع ذلك منه حين يذكر هاتين الدلالتين اللتين معناهما تذكر الشيء عند ذكر الشيء مع ذكره الدلالة الوضعية من جهة أن لفظ الدلالة لم يوقعه على الوضعية والتذكر بالتواطؤ بل بالاشتراك وذلك مما يوقع الغلط كثيرا والله أعلم ولا كلام فيه قال وثانيها إلى آخر احتجاجهم قلت ذلك نقل ولا كلام فيه
    هامش إدرار الشروق
    أحدهما قوله تعالى حكاية عن يعقوب عليه السلام لتأتنني به إلا أن يحاط بكم فإن تقدير الكلام لتأتنني به في كل حالة من الحالات إلا في حالة الإحاطة بكم فإني لا ألزمكم الإتيان به فيها لقيام العذر حينئذ فهذا استثناء من الأحوال العارضة أو اللازمة لمعنى الإتيان وثانيها قوله تعالى وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين وفي الآية الأخرى إلا استمعوه وهم يلعبون أي لا يأتيهم في حالة من الأحوال إلا في هذه الحالة من لهوهم وإعراضهم فقد قصد إلى حالة اللهو والإعراض بالإثبات ولغيرها من الأحوال بالنفي والأحوال أمور خارجة عن المدلول المطابقي وإذا كانت الأحوال خارجة فإن كانت لازمة فقد دخلت النية في المدلول التزاما وإن كانت عارضة فقد دخلت النية في العوارض وإذا دخلت في العوارض دخلت في اللوازم بطريق الأولى فإن العارض أبعد عن مدلول اللفظ مطابقة من اللازم ضرورة وإذا تصرفت النية في البعيد فأولى أن تتصرف في القريب لأنه أشبه بالمطابقة المجمع عليها من العارض لبعده من المطابقة
    ____________________
    (3/123)
    والحية وعدوك فإنك إذا خطر بقلبك إيلامه ومساءته لا تتردد في ذلك بل تبادر إليه فصار التردد لا يقع إلا في موطن التعظيم وعدمه في موطن الحقارة وإن كان التردد في الإحسان انعكس الحال فيحصل في حق الحقير دون العظيم إذا تقرر هذا قال العلماء المتحدثون على هذا الحديث المراد بذكر التردد في هذا الحديث الدلالة على عظم منزلة المؤمن عند الله تعالى وعبر باللفظ المركب عما يلزمه وهو نفسه ليس مرادا فيصير معنى الحديث منزلة المؤمن عندي عظيمة وجميع ما وقع في مدلول هذا المركب ليس مرادا فقد قصد إلى لازم اللفظ وأضيف إليه الحكم وهذا بعينه هو تصرف النية فإن النية هي القصد بعينه وإذا صح القصد صحت النية في اللازم وهو المطلوب فهذه وجوه واضحة في دخول النيات والمقاصد في المدلول التزاما في مقتضى اللغة وبها يظهر الجواب عما اعتمدوا عليه أما الأول وهو قولهم نفيناه فيما عدا المطابقة على مقتضى الأصل فجوابه أن ما ذكرناه من الأدلة والاستعمالات دل على مخالفة الأصل وأن العرب أجازت النية في الالتزام كما
    هامش أنوار البروق
    قال وحجة المالكية والشافعية من وجوه إلى آخر الوجه الثالث قلت هذه الوجوه الثلاثة صحيحة جيدة قال وثالثها أنه قصد إلى المدلول التزاما إلى قوله ووجه التقدير ما تقدم في الخمر والخنزير قلت ليس ما قاله هنا من أن دلالة اللفظ في قوله تعالى حرمت عليكم الميتة دلالة التزام بصحيح بل هي دلالة مطابقة عرفا وكانت الدلالة قبل العرف بلفظ الميتة دلالة مطابقة على الميتة نفسها ثم صارت بعد العرف دلالة مطابقة على أكلها وكذلك كل دلالة عرفية إنما هي دلالة مطابقة على ما صارت فيه عرفا قال وثالثها قوله تعالى ما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره
    هامش إدرار الشروق
    ورابعها أنا وجدنا النية المجردة تصرفت في المدلول التزاما وهو عين صورة النزاع في قوله تعالى في الحديث القدسي ما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته ولا يكون إلا ما أريد قال العلماء المراد بذكر التردد في هذا الحديث الدلالة على عظم منزلة المؤمن عند الله تعالى لأن العادة جرت أن كل شخص أنت تعظمه وتهتم به كولدك وصديقك فإنك تتردد في مساءته وأن من لا تعظمه كالعقرب والحية وعدوك فإنك إذا خطر بقلبك إيلامه ومساءته لا تتردد في ذلك بل تبادر إليه فصار التردد لا يقع إلا في موطن التعظيم وعدمه في موطن الحقارة فإن كان التردد في الإحسان انعكس الحال فيحصل في حق الحقير دون العظيم فيصير معنى الحديث منزلة المؤمن عندي عظيمة وجميع ما وقع في مدلول هذا المركب ليس مرادا فقد قصد إلى لازم اللفظ وأضيف إليه الحكم وهذا بعينه هو تصرف النية فإن النية هي القصد بعينه فإذا صح القصد في اللازم صحت النية فيه وهو المطلوب فهذه وجوه أربعة واضحة في دخول النيات والمقاصد في المدلول التزاما وكذا تضمنا في مقتضى اللغة وبها يظهر الجواب على ما اعتمدوا عليه
    ____________________
    (3/124)
    أجازتها في المطابقة ثم إن الأصل معارض بأن الأصل عدم الحجر علينا
    وأما الثاني وهو قولهم إن الاستقراء دل على عدم دخول النية في المدلول التزاما فما ذكرناه من النصوص والاستعمالات يبطل استقراءهم والمثبت مقدم على النافي
    وأما الثالث وهو قولهم لو صح دخول النية في المدلول التزاما لصح المجاز في كل شيء هو لازم قلنا وإنه كذلك فإنه يصح عندنا التجوز لكل لازم لأن العلاقة عندنا الملازمة وهي حاصلة بل يصح عندنا المجاز في غير اللازم كالتعبير بلفظ الجزء عن الكل مع أن الكل غير لازم للجزء وأما ما ذكرتموه من المثال فذلك المنع إنما جاء من خصوص كونه مجاز تشبيه لا من عموم كونه مجازا فإنا نشترط في مجاز التشبيه أظهر صفات المتجوز عنه ولا يصح التشبيه بالمعاني الخفية فهذا بحث خاص بالاستعارة التي هي مجاز تشبيه وما عدا ذلك من أنواع المجاز فهذا الشرط فيها ساقط ولا يلزم من امتناع أمر في الأخص أن يمتنع في الأعم منه فلا يلزم إذا حرم قتل الإنسان أن يحرم قتل مطلق الحيوان ولا من تحريم شرب الخمر أن يحرم مطلق المائع ولا من تحريم لحم الخنزير أن يحرم مطلق اللحم فلا يلزم من امتناع خاص في مجاز التشبيه أن يحصل الامتناع في أصل المجاز بل الذي نعتقده أن التجوز يصح في كل
    هامش أنوار البروق
    الموت وأنا أكره مساءته ولا يكون إلا ما أريد إلى قوله في اللازم وهو المطلوب قلت ما قاله في ذلك صحيح
    قال فهذه وجوه واضحة في دخول النيات والمقاصد في المدلول التزاما في مقتضى اللغة قلت هو كما قال إلا ما وقع التنبيه عليه من مثل قوله تعالى حرمت عليكم الميتة قال وبها يظهر الجواب عما اعتمدوا عليه إلى آخر ما قاله في هذه المسألة قلت ما قاله في ذلك صحيح مع أنه لا شك أن الأصل إنما هو النيات والمقاصد والألفاظ
    هامش إدرار الشروق
    أما الأول وهو قولهم نفيناه فيما عدا المطابقة على مقتضى الأصل فجوابه أن ما ذكرناه من الأدلة والاستعمالات دل على مخالفة الأصل وأن العرب أجازت النية في الالتزام كما أجازتها في المطابقة ثم إن الأصل معارض بأن الأصل عدم الحجر علينا على أنه لا شك أن الأصل إنما هو النيات والمقاصد وإنما الألفاظ وصلة إلى تعريفها وتعرفها فإذا صرفت النيات الألفاظ إلى شيء أي شيء كان انصرفت إليه وأما الثاني وهو قولهم إن الاستقراء دل على عدم دخول النية في المدلول التزاما أو تضمنا فجوابه أن ما ذكرناه من النصوص والاستعمالات يبطل استقراءهم إذ المثبت مقدم على النافي وأما الثالث وهو قولهم لو صح دخول النية في المدلول التزاما أو تضمنا لصح المجاز في كل شيء هو لازم أو جزء فجوابه أنه لا مانع عندنا من صحة المجاز في كل لازم أو جزء لأن العلاقة عندنا الملازمة لا خصوص المشابهة بل يصح عندنا المجاز في غير اللازم كالتعبير بلفظ الجزء عن الكل كما في قوله تعالى فك رقبة مع أن الجزء غير لازم للكل حتى أنهم لذلك اشترطوا في هذه العلاقة أن يكون الكل مركبا تركيبا حقيقيا وأن يستلزم انتفاء الجزء انتفاءه عرفا كالرأس والرقبة بخلاف
    ____________________
    (3/125)
    لازم إلا ما تقدم من مجاز التشبيه خاصة فهذا تلخيص هذه المسألة والحجاج فيها
    المسألة الخامسة دخول النية في تعميم المطلقات وصورته أن تقول والله لأكرمن أخاك وتنوي بذلك جميع إخوتك فإن قولك أخاك مطلق فإذا أراد جميع إخوتك فقد عمم المطلق ومثله قوله تعالى ثم نخرجكم طفلا فإن طفلا مطلق مفرد لا يتناول إلا فردا واحدا وهو القدر المشترك بين جميع الأطفال ومع ذلك فالمراد به جميع الأطفال على سبيل العموم فإن جميعنا لا يخرج طفلا واحدا بل أطفالا فمعنى الطفولية مضافة لكل بشر منا فيحصل العموم في الأطفال كما أنا نحن غير متناهين وتوزيع الحقيقة الحاصلة من الطفولية على ما لا يتناهى يوجب أن يحصل منها أفراد غير متناهية فقد ورد هذا المطلق في كتاب الله تعالى والمراد به العموم فإذا أراد الحالف تعميم حكم اليمين بالنية كما إذا صرح بالعموم فإن كان في سياق الثبوت فلا يبرأ إلا بحصول الفعل في جميع أفراد ذلك العموم وإن كان في سياق النفي حنث بواحد من ذلك العموم وانحلت اليمين بأي فرد حنث فيه مع أن سياق النفي اللفظ فيه عام فإن النكرة في سياق النفي تعم وإنما يظهر أثر ذلك وتأثير النية في سياق الثبوت خاصة
    هامش أنوار البروق
    وصلت إلى تعريفها وتعرفها فإذا صرفت النيات الألفاظ إلى شيء أي شيء كان انصرفت إليه والله أعلم
    قال المسألة الخامسة دخول النية في تعميم المطلقات وصورته أن تقول والله لأكرمن أخاك وتنوي بذلك جميع إخوتك فإن قولك أخاك مطلق فإذا أراد جميع إخوتك فقد عمم المطلق قلت ليس ما قاله هنا بصحيح فإن أخاك معرفة وليست المعرفة مطلقة في عرف الأصوليين وإنما المطلق في عرفهم النكرة في سياق الإثبات فكان حقه أن يقول والله لأكرمن أخاك وما أشبه
    هامش إدرار الشروق
    الأرض للسماء والأرض والظفر والأذن للإنسان ا ه
    أي واليد كما في المطول قال فيه وأما إطلاق العين على الربيئة فليس من حيث إنه إنسان بل من حيث إنه رقيب وهذا المعنى مما لا يتحقق بدون العين ا ه كذا في بيانية الصبان وما ذكروه من منع استعمال الأسد في غير الشجاعة من لوازمه فهو إنما جاء من خصوص كونه مجاز تشبيه يشترط فيه أظهر صفات المتجوز عنه فلا يصح بالمعاني الخفية لا من عموم كونه مجازا ولا يلزم من امتناع أمر في الأخص أن يمتنع في الأعم منه ألا ترى أن تحريم قتل الإنسان لم يلزم منه تحريم قتل مطلق حيوان ولا من تحريم شرب الخمر تحريم مطلق مائع ولا من تحريم لحم الخنزير تحريم مطلق اللحم فالذي نعتقده أن المجاز يصح في كل لازم إلا ما تقدم من مجاز التشبيه خاصة هذا تلخيص هذه المسألة والحجاج فيها
    المسألة الرابعة إذا قال والله لأكرمن أخا لك أو والله لا أكرمن أخاك ونوى بذلك جميع إخوتك لم يبر في الأول إلا بإكرام جميع إخوة المخاطب ولم يحنث في الثاني إلا بإكرام جميع إخوة المخاطب لأن أخا في الأول وإن كان مطلقا لكونه نكرة في الإثبات إلا أن النية صرفته للعموم
    ____________________
    (3/126)
    المسألة السادسة تعيين فرد من أفراد اللفظ المشترك بالنية فإنه يؤثر في تعيين ذلك الفرد لليمين كقوله والله لأنظرن إلى عين ويريد بهذا اللفظ المشترك أحد مسمياته وهو العين الباصرة مثلا دون عين الماء وعين الشمس وعين الركبة فلا يبرأ إلا أن ينظر إلى الباصرة بسبب تعيينها بالنية فهذا قسم يستقل بنفسه دون تخصيص العمومات وتقييد المطلقات والصرف إلى المجازات لأن اللفظ ينطبق على ما عينه حقيقة من غير زيادة ولا نقصان وفي بقية الصور ليس كذلك
    المسألة السابعة تصرف النية بالصرف إلى المجازات وترك حقيقة اللفظ بالكلية كقوله والله لأضربن أسدا ويريد رجلا شجاعا فلا يبرأ إلا بضرب رجل شجاع ولو ضرب الأسد الحقيقي ما بر وكذلك بقية أنواع المجازات من استعمال لفظ الكل في الجزء ولفظ الجزء في الكل ولفظ السبب في المسبب ولفظ المسبب في السبب ولفظ الملزوم في اللازم ولفظ اللازم في الملزوم إلى غير ذلك من أنواع المجازات المذكورة في أصول الفقه وهي نحو خمسة عشر نوعا فهذه المسائل السبعة هي تفصيل ما يؤثر فيه النية مستوعبة بحيث لم يبق بعدها موطن آخر للنية ألبتة في الأيمان والطلاق ونحوها
    المسألة الثامنة وهي من المسائل التي لا تؤثر فيها النية وهي مسألة الاستثناء بمشيئة
    هامش أنوار البروق
    ذلك وإنما أوجب غلطه في ذلك شبهة الاشتراك في لفظ المطلق باعتبار اصطلاح الأصوليين والمنطقيين فإن اصطلاح الأصوليين في المطلق أنه الواحد المبهم وفي اصطلاح المنطقيين الكلي وقد يكون نكرة كما في قولهم تمرة خير من جرادة ومعرفة بالألف واللام كقولهم الرجل خير من المرأة ومعرفة بالإضافة كقولهم أخاك أخاك إن من لا أخا له كساع إلى الهيجا بغير سلاح فإنه لم يرد أخا معينا ولا أخا واحدا مبهما وإنما أراد هذا النوع على الجملة
    هامش إدرار الشروق
    وأخاك في الثاني وإن كان مطلقا لكونه معرفة في سياق النفي إلا أن النية صرفته للعموم
    وكذلك ما قال في المسألة السادسة إلا عبارته بفرد عن أحد مسميات اللفظ المشترك فإن الأولى كان أن يقول تعين أحد مسميات اللفظ المشترك لأن الفرد في الاستعمال الغالب إنما يراد به الواحد الشخصي لا الواحد النوعي المسألة الخامسة إذا قال والله لأنظرن إلى عين ونوى بهذا اللفظ المشترك أحد مسمياته وهو العين الباصرة مثلا دون عين الماء وعين الشمس وعين الركبة فلا يبر إلا أن ينظر إلى الباصرة بسبب تأثير النية في تعيين أحد مسميات اللفظ المشترك فهذا قسم يستقل بنفسه دون تخصيص العمومات وتقييد المطلقات والصرف إلى المجازات لأن اللفظ ينطبق على ما عينته النية حقيقة من غير زيادة ولا نقصان بخلاف بقية الصور وجميع ما قال في المسألة السابعة صحيح المسألة السادسة إذا قال والله لأضربن أسدا ونوى به رجلا شجاعا لا الأسد الحقيقي الذي هو الحيوان المفترس لم يبر إلا بضرب رجل شجاع فلو ضرب الأسد الحقيقي ما بر وكذلك بقية أنواع المجاز المرسل العشرين من استعمال لفظ الكل في الجزء ولفظ الجزء في الكل ولفظ السبب في المسبب ولفظ المسبب في السبب ولفظ الملزوم في اللازم ولفظ اللازم في الملزوم إلى آخر العشرين المذكورة في كتب أصول الفقه وكتب البيان فهذه المسائل الستة هي تفصيل ما تؤثر النية في الأيمان أو الطلاق ونحوهما
    قال المسألة الثامنة وهي من المسائل التي لا تؤثر فيها النية وهي مسألة الاستثناء بمشيئة الله تعالى إلى آخرها قلت ما قاله في هذه المسألة فيه نظر من جهة أن الاستثناء بمشيئة الله تعالى لا تأثير له إلا إن كان مقصودا به رفع اليمين أو حلها فهو أعني الاستثناء بمشيئة الله تعالى دليل على قصد رفع اليمين وإذا كان الأمر كذلك فما المانع من الاكتفاء بقصد رفع اليمين الذي لفظ الاستثناء بمشيئة الله تعالى دليل عليه إلا أن يكون في بعض روايات حديث الاستثناء بمشيئة الله تعالى ما يدل على اشتراط اللفظ بذلك دون القصد فقط ولا أعلم ذلك الآن فلينظر فإن المسألة لا ينبني التحقيق فيها إلا على ذلك وما نظر به من أن القصد إلى الصلاة لا ينوب منابها وكذلك ما عداها من الأعمال إنما كان فيها ذلك كذلك لأنه فهم من مقتضى الشرع أن المراد أعيان تلك الأعمال فإن ورد دليل واضح على أن المراد عين استثناء المشيئة لفظا استوى الأمر في الاستثناء وسائر الأعمال وإلا فلا وما حكاه عن اللخمي متجه ولقائل أن يقول إذا ثبت اشتراط اللفظ في الاستثناء بمشيئة الله تعالى فلا بد منه وإن انعقدت اليمين على نية القول بذلك والله أعلم
    ____________________
    (3/127)
    الله تعالى وسبب عدم تأثيرها في هذه المسألة أن قوله صلى الله عليه وسلم من حلف واستثنى عاد كمن لم يحلف يقتضي أن الاستثناء بالمشيئة سبب رافع لحكم اليمين لأن القاعدة أن ترتب الحكم على الوصف يقتضي علية ذلك الوصف لذلك الحكم وسببيته وها هنا قد رتب صاحب الشريعة حكم ارتفاع اليمين على وصف الاستثناء بمشيئة الله تعالى فيكون الاستثناء بمشيئة الله تعالى هو سبب ارتفاع حكم اليمين لقوله عليه الصلاة والسلام عاد كمن لم يحلف وهذا إشارة إلى ارتفاع حكم اليمين فإذا كان الاستثناء هو سبب ارتفاع حكم اليمين والقاعدة أن الأسباب الشرعية يتوقف حصول مسبباتها على حصولها وأن القصد إليها لا يقوم مقامها فإن القصد إلى الصلاة لا يقوم مقام الصلاة حتى يكون سبب براءة الذمة منها والقصد إلى السرقة لا يقوم مقام السرقة فيجب القطع بمجرد القصد بل لا يترتب الحكم إلا على وجود سببه فلذلك لم تقم النية مقام الاستثناء بمشيئة الله تعالى في حل اليمين بل لا بد من النطق به على شروطه وحينئذ يترتب رفع اليمين فهذا وجه عدم تأثيرها في مسألة المشيئة
    هامش أنوار البروق
    قال ومثله قوله تعالى ثم نخرجكم طفلا فإن طفلا مطلق مفرد لا يتناول إلا فردا واحدا وهو القدر المشترك بين الأطفال قلت هذا كلام فاسد وقول غير صحيح فإن القدر المشترك وهو الكلي ليس فردا واحدا عند مثبتيه وإنما الفرد الواحد واحد مبهم غير معين مما فيه المعنى المشترك وهو أشهر نوعي النكرة وأكثرهما استعمالا في لغة العرب فإن النكرة في لغة العرب على نوعين أحدهما يراد به الفرد المبهم في مثل قول القائل أكرم رجلا وثانيهما يراد به هذا الجنس لا فرد منه مبهم في مثل قول القائل رجل خير من امرأة
    هامش إدرار الشروق
    المسألة السابعة إذا قال والله لأضربن غلامي ونوى إن شاء الله أو إلا أن يشاء الله لم تؤثر نيته في ارتفاع حكم اليمين بسبب أن قوله صلى الله عليه وسلم من حلف واستثنى عاد كمن لم يحلف يقتضي أن الاستثناء بالمشيئة سبب رافع لحكم اليمين لأن القاعدة أن ترتب الحكم على الوصف يقتضي علية ذلك الوصف لذلك الحكم وسببيته وها هنا قد رتب صاحب الشريعة حكم ارتفاع اليمين على وصف الاستثناء بمشيئة الله تعالى فيكون الاستثناء بمشيئة الله تعالى هو سبب ارتفاع حكم اليمين لقوله عليه الصلاة والسلام عاد كمن لم يحلف وهذا إشارة إلى ارتفاع حكم اليمين فإذا كان الاستثناء هو سبب ارتفاع حكم اليمين والقاعدة أن الأسباب الشرعية يتوقف حصول مسبباتها على حصولها وأن القصد إليها لا يقوم مقامها بدليل أن القصد إلى الصلاة لا يقوم مقام الصلاة حتى يكون سبب براءة الذمة منها وأن القصد إلى السرقة لا يقوم مقام السرقة فيجب القطع بمجرد القصد بل لا يترتب الحكم إلا على وجود سببه بالفعل فلذلك لم تقم النية مقام الاستثناء بمشيئة الله تعالى في حل اليمين بل لا بد من النطق به على شروطه وحينئذ يترتب رفع اليمين نعم قال اللخمي وعلى القول بانعقاد اليمين بالنية يصح الاستثناء بالنية من غير لفظ المشيئة قاله الأصل قال ابن الشاط وفيه نظر من جهة أن الاستثناء بمشيئة الله تعالى لا تأثير له إلا إن كان مقصودا به رفع
    ____________________
    (3/128)
    قال اللخمي وعلى القول بانعقاد اليمين بالنية يصح الاستثناء بالنية من غير لفظ المشيئة
    المسألة التاسعة التي لا تؤثر فيها النية الاستثناء من النصوص نحو أنت طالق ثلاثا إلا واحدة ووالله لأعطينك ثلاثة دراهم إلا درهما فلو نوى بالطلاق الثلاث طلقتين وبالدراهم الثلاث درهمين فهذا لا يصح إلا بالاستثناء ولا تكفي هذه النية لأنها لو كفته لدخل المجاز في النصوص وهو لا يدخل فيها ولا معنى للمجاز إلا استعمال الثلاث في الاثنين وإنما يصح المجاز في الظواهر وقد تقدم بيانه فلا يمكن أن تقوم النية ها هنا مقام الاستثناء ألبتة المسألة العاشرة التي لا تنوب فيها النية ولا تؤثر قال اللخمي قال محمد إذا قال والله لقيت القوم ونوى في نفسه إلا فلانا لا تجزئ فيه النية عن قوله إلا فلانا ويحنث لأنه لم يلقه وسبب ذلك أنه لو قصد التخصيص والمحاشاة نفعه لأنه مجاز في الظاهر والمجاز في الظاهر تكفي فيه النية ولكنه قصد إلى الإخراج باللفظ ولم يقصد الإخراج بالنية والنية شأنها أن تؤثر لا أنها تقوم مقام مؤثر آخر ويضاف التأثير لذلك المؤثر الآخر وهو قصد أن يكون الإخراج للاستثناء لا للنية
    هامش أنوار البروق
    قال ومع ذلك فالمراد به جميع الأطفال على سبيل العموم فإن جميعنا لا يخرج طفلا واحدا بل أطفالا إلى قوله فقد ورد هذا المطلق في كتاب الله تعالى والمراد به العموم قلت لا يصح أن يكون المراد به في الآية العموم فإن العموم لا بد أن يكون متناولا لجميع الآحاد الممكنة ولا يتجه ذلك في الآية إذ لو قال ونخرجكم جميع الأطفال الممكنة لم يكن كلاما صحيحا وإنما العموم في الآية مستفاد من ضمير الجمع المتصل بنخرج وهو عموم في المخرجين لا في كل ممكن ثم جاء لفظ طفل مبينا للحالة التي يكون الإخراج فيها وهي حالة الطفولية إما على تقدير ونخرج كل
    هامش إدرار الشروق
    اليمين أو حلها فهو أعني الاستثناء بمشيئة الله تعالى دليل على قصد رفع اليمين وإذا كان الأمر كذلك فما المانع من الاكتفاء بقصد رفع اليمين الذي لفظ الاستثناء بمشيئة الله تعالى دليل عليه اللهم إلا أن يكون في بعض روايات حديث الاستثناء بمشيئة الله تعالى ما يدل على اشتراط اللفظ بذلك فقط دون القصد ولا أعلم ذلك الآن فلينظر فإن المسألة لا ينبني التحقيق فيها إلا على ذلك وما نظر به من أن القصد إلى الصلاة لا ينوب منابها وكذلك ما عداها من الأعمال إنما كان فيها ذلك كذلك لأنه فهم من مقتضى الشرع أن المراد أعيان تلك الأعمال فإن ورد دليل واضح على أن المراد عين استثناء المشيئة لفظا استوى الأمر في الاستثناء وسائر الأعمال وإلا فلا وما حكاه عن اللخمي متجه ولقائل أن يقول إذا ثبت اشتراط اللفظ في الاستثناء بمشيئة الله تعالى فلا بد منه وإن انعقدت اليمين على نية القول بذلك والله أعلم ا ه
    وما قاله في المسألة التاسعة والعاشرة صحيح ظاهر والله أعلم المسألة الثامنة إذ قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة ووالله لأعطينك ثلاثة دراهم إلا درهما لم يلزمه إلا طلقتان في الأول ويبر بإعطاء المخاطب درهمين في الثاني فلو ترك التصريح بقوله إلا واحدة في الأول وإلا درهما في الثاني واكتفى بنية ذلك لم تكفه هذه النية لأنها لو كفته لدخل المجاز في النصوص وهو لا يدخل
    ____________________
    (3/129)
    ونوى الاستثناء فمن ها هنا هو سبب عدم تأثيرها وعدم اعتبارها ولو قصد الإخراج بها هي نفعه لكن قصد بها لفظا مخرجا لا الإخراج قال وقيل تنفعه النية وتنوب مناب الاستثناء لحصول المقصود منهما على حد سواء
    هامش أنوار البروق
    واحد منكم لأن ونخرجكم في معناه وإما على أن طفلا اسم جنس فناب مناب اسم الجمع كناس ونفر والله أعلم قال فإذا أراد الحالف تعميم حكم اليمين بالنية كما إذا صرح بالعموم إلى آخر المسألة قلت ما قاله في ذلك صحيح
    وكذلك ما قال في المسألة السادسة إلا عبارته بفرد عن أحد مسميات اللفظ المشترك فإن الأولى كان أن يقول تعين أحد مسميات اللفظ المشترك لأن الفرد في الاستعمال الغالب إنما يراد به الواحد الشخصي لا الواحد النوعي المسألة الخامسة إذا قال والله لأنظرن إلى عين ونوى بهذا اللفظ المشترك أحد مسمياته وهو العين الباصرة مثلا دون عين الماء وعين الشمس وعين الركبة فلا يبر إلا أن ينظر إلى الباصرة بسبب تأثير النية في تعيين أحد مسميات اللفظ المشترك فهذا قسم يستقل بنفسه دون تخصيص العمومات وتقييد المطلقات والصرف إلى المجازات لأن اللفظ ينطبق على ما عينته النية حقيقة من غير زيادة ولا نقصان بخلاف بقية الصور وجميع ما قال في المسألة السابعة صحيح المسألة السادسة إذا قال والله لأضربن أسدا ونوى به رجلا شجاعا لا الأسد الحقيقي الذي هو الحيوان المفترس لم يبر إلا بضرب رجل شجاع فلو ضرب الأسد الحقيقي ما بر وكذلك بقية أنواع المجاز المرسل العشرين من استعمال لفظ الكل في الجزء ولفظ الجزء في الكل ولفظ السبب في المسبب ولفظ المسبب في السبب ولفظ الملزوم في اللازم ولفظ اللازم في الملزوم إلى آخر العشرين المذكورة في كتب أصول الفقه وكتب البيان فهذه المسائل الستة هي تفصيل ما تؤثر النية في الأيمان أو الطلاق ونحوهما
    قال المسألة الثامنة وهي من المسائل التي لا تؤثر فيها النية وهي مسألة الاستثناء بمشيئة الله تعالى إلى آخرها قلت ما قاله في هذه المسألة فيه نظر من جهة أن الاستثناء بمشيئة الله تعالى لا تأثير له إلا إن كان مقصودا به رفع اليمين أو حلها فهو أعني الاستثناء بمشيئة الله تعالى دليل على قصد رفع اليمين وإذا كان الأمر كذلك فما المانع من الاكتفاء بقصد رفع اليمين الذي لفظ الاستثناء بمشيئة الله تعالى دليل عليه إلا أن يكون في بعض روايات حديث الاستثناء بمشيئة الله تعالى ما يدل على اشتراط اللفظ بذلك دون القصد فقط ولا أعلم ذلك الآن فلينظر فإن المسألة لا ينبني التحقيق فيها إلا على ذلك وما نظر به من أن القصد إلى الصلاة لا ينوب منابها وكذلك ما عداها من الأعمال إنما كان فيها ذلك كذلك لأنه فهم من مقتضى الشرع أن المراد أعيان تلك الأعمال فإن ورد دليل واضح على أن المراد عين استثناء المشيئة لفظا استوى الأمر في الاستثناء وسائر الأعمال وإلا فلا وما حكاه عن اللخمي متجه ولقائل أن يقول إذا ثبت اشتراط اللفظ في الاستثناء بمشيئة الله تعالى فلا بد منه وإن انعقدت اليمين على نية القول بذلك والله أعلم وما قاله في المسألة التاسعة والعاشرة صحيح ظاهر والله أعلم
    هامش إدرار الشروق
    فيها ولا معنى للمجاز إلا استعمال الثلاث في الاثنين وإنما يصح المجاز في الظواهر وقد تقدم بيانه فلا يمكن أن تقوم النية ها هنا مقام الاستثناء ألبتة المسألة التاسعة إذا قال كل حلال علي حرام وحاشى زوجته أي نوى إخراجها من مفهوم الحلال جرى في ذلك خلاف أهل المذهب في الاستثناء بالنية هل يجزئ فلا يلزمه الطلاق أو لا فيلزمه الطلاق وقد تقدم في الفرق التاسع والعشرين عن صاحب الجواهر أن منشأ هذا الخلاف النظر إلى أنه من باب تخصيص العموم فيجزئ بالنية أو النظر إلى حقيقة الاستثناء فلا يجزئ إلا نطقا ا ه
    المسألة العاشرة قال اللخمي قال محمد إذا قال والله لقيت القوم ونوى في نفسه إلا فلانا لا تجزئ فيه النية عن قوله إلا فلانا ويحنث لأنه لم يلقه وسبب ذلك أنه قصد بالنية اللفظ المخرج أعني قوله إلا فلانا ولم يقصد بها الإخراج والنية شأنها أن تؤثر لا أنها تقوم مقام مؤثر آخر ويضاف التأثير لذلك المؤثر الآخر وهو قصد أن يكون الإخراج للاستثناء لا للنية ونوى الاستثناء فهذا هو سبب عدم تأثيرها وعدم
    ____________________
    (3/130)
    والمحل قابل لهما بخلاف ما لو أقامها مقام الاستثناء في النصوص نحو الإخراج من العشرة فإنه لا ينفعه ذلك لأن المحل ليس قابلا للمجاز ألبتة فلا تؤثر فيه النية بمفردها فلا تقوم مقام الاستثناء فيه بخلاف الألفاظ الظواهر فتأمل هذه الفروق فهذه عشر مسائل اتضح بها الفرق بين قاعدة ما تؤثر فيه النية وقاعدة ما لا تؤثر فيه النية سبعة منها تؤثر فيها النية وثلاثة لا تؤثر فيها فهذا بيان الفرق تفصيلا وقد تقدم أول الفرق تحريره على سبيل الإجمال والتحديد
    الفرق الحادي والثلاثون والمائة بين قاعدة الانتقال من الحرمة إلى الإباحة يشترط فيها أعلى الرتب وبين قاعدة الانتقال من الإباحة إلى الحرمة يكفي فيها أيسر الأسباب وقعت في الشريعة صور كثيرة تقتضي الفرق بين هاتين القاعدتين أحدها أن العقد على الأجنبية مباح فترتفع هذه الإباحة بعقد الأب عليها من غير وطء والمبتوتة لا يذهب تحريمها إلا بعقد المحلل ووطئه وعقد الأول بعد العدة وهذه رتبة فوق تلك الرتبة الناقلة عن الإباحة بكثير
    هامش أنوار البروق
    قال الفرق الحادي والثلاثون والمائة بين قاعدة الانتقال من الحرمة إلى الإباحة يشترط فيها أعلى الرتب وبين قاعدة الانتقال من الإباحة إلى الحرمة يكفي فيها أيسر الأسباب إلى قوله لا بد من بيانه قلت ما قاله في ذلك ظاهر
    هامش إدرار الشروق
    اعتبارها أما لو قصد الإخراج بها هي فإنه ينفعه قصده ذلك على الخلاف المتقدم قال أي اللخمي وقيل تنفعه النية وتنوب مناب الاستثناء لحصول المقصود منهما على حد سواء والمحل قابل لهما بخلاف ما لو أقامها مقام الاستثناء في النصوص نحو الإخراج من العشرة فإنه لا ينفعه ذلك لأن المحل ليس قابلا للمجاز ألبتة فلا تؤثر فيه النية بمفردها فلا تقوم مقام الاستثناء فيه فتأمل فهذا بيان الفرق إجمالا وتفصيلا والله أعلم الفرق الحادي والثلاثون والمائة بين قاعدة الانتقال من الحرمة إلى الإباحة يشترط فيها أعلى الرتب وبين قاعدة الانتقال من الإباحة إلى الحرمة يكفي فيها أيسر الأسباب يقتضي الفرق بين هاتين القاعدتين صورا كثيرة وقعت في الشريعة منها أن عقدك على الأجنبية مباح ترتفع إباحته لك بمجرد عقد أبيها نكاحها لغيرك ومجرد العقد من أيسر الأسباب والمبتوتة لا يذهب تحريمها إلا بعقد المحلل ووطئه ثم عقد البات بعد العدة وهذه رتبة فوق تلك الرتبة الناقلة عن الإباحة بكثير
    ____________________
    (3/131)
    وثانيها المسلم محرم الدم لا تذهب هذه الحرمة إلا بالردة أو زنى بعد إحصان أو قتل نفسا عمدا عدوانا وهي أسباب عظيمة فإذا أبيح دمه بالردة حرم بالتوبة وفي القصاص بالعفو وفي الزنى بالتوبة على خلاف بين العلماء أما عند مالك فلا بد من رجمه ولو تاب ووقع الاتفاق فيما علمت على المحارب إذا تاب من قبل أن يقدر عليه أنه يسقط عنه الحد وتزول إباحة دمه والتوبة أيسر من الردة والقتل وأقل تحتيما على العبد وثالثها الأجنبية لا يزول تحريم وطئها إلا بالعقد المتوقف على إذنها ووليها وصداق وشهود وإباحتها بعد العقد يكفي فيها الطلاق فترتفع تلك الإباحة بالطلاق الذي يستقل الزوج به من غير زيادة ورابعها الحربي مباح الدم تزول إباحته بالتأمين وهو سبب لطيف وإذا حرم دمه بالتأمين لا يباح إلا بسبب قوي يزيل تلك الإباحة من خروج علينا أو قصد لقتلنا حرابة وخروجنا على الإمام العدل وكذلك تزول إباحة دمه بعقد الجزية فإذا حرم دمه بعقد الجزية لا يباح دمه بكل المخالفات لعقد الجزية بل لا بد من مخالفة قوية كالتمرد على الإمام ونبذ العهد مجاهرة وغير ذلك من الأمور المحتاجة إلى قوة شديدة ومناقشة عظيمة
    هامش أنوار البروق
    قال وخرج بعض الأصحاب هذه المسألة على قاعدة الأمر والنهي إلى قوله بل الأربع واجبة قلت ما قاله في ذلك ليس بصحيح فإنه كما أن الأمر بالشيء أمر بأجزائه لضرورة تحصيله ولا يتأتى تحصيله إلا بتحصيل أجزائه كذلك النهي عن الشيء نهي عن أجزائه لضرورة تفويته ولا يتأتى تفويته إلا بتفويت أجزائه فإن أجزاء الشيء لا تكون أجزاء له حقيقة إلا بتقدير اجتماعها وأما قبل اجتماعها فليست بأجزاء له حقيقة بل بضرب من المجاز وهو أنها صالحة لأن تكون أجزاء له إذا اجتمعت وكثيرا ما يجري هذا الوهم على كثير من الناس في مثل هذه المسألة فيعتقد أن جزء الشيء
    هامش إدرار الشروق
    ومنها المسلم محرم الدم ولا تذهب هذه الحرمة إلا بالردة أو زنى بعد إحصان أو قتل نفس عمدا عدوانا أو حرابة وهي أسباب عظيمة فإذا أبيح دمه بالردة حرم بالتوبة أو أبيح بقتل النفس عمدا فوجب عليه القصاص حرم بالعفو أو أبيح بزنى بعد الإحصان حرم بالتوبة على خلاف بين العلماء أما عند مالك فلا بد من رجمه ولو تاب أو أبيح بالحرابة حرم بتوبته من قبل أن يقدر عليه اتفاقا لقول الأصل وقع الاتفاق فيما علمت على أنه يسقط عن المحارب الحد وتزول إباحة دمه إذا تاب قبل أن يقدر عليه والتوبة أيسر من القتل ومنها الأجنبية لا يزول تحريم وطئها إلا بالعقد المتوقف على إذنها ووليها وصداق وشهود ويكفي في إباحتها بعد العقد الطلاق فترتفع تلك الإباحة بالطلاق الذي يستقل الزوج به من غير زيادة ومنها الحربي مباح الدم وتزول إباحته بالتأمين وهو سبب لطيف وإذا حرم دمه بالتأمين لا يباح إلا بسبب قوي يزيل تلك الإباحة من خروج علينا أو قصد لقتلنا حرابة وخروجا على الإمام العدل وكذلك تزول إباحة دمه بعقد الجزية فإذا حرم دمه بعقد الجزية لا يباح دمه بكل المخالفات لعقد الجزية بل لا بد من
    ____________________
    (3/132)
    ونظائر هذه القاعدة في الشريعة كثيرة وهذا الفرق واقع فيها بين القاعدتين الخروج من الإباحة إلى التحريم والخروج من التحريم إلى الإباحة وقد رام الأصحاب تخريج الحنث ببعض المحلوف عليه على هذه القاعدة فإن الحنث خروج من الإباحة إلى التحريم فيكفي فيه أيسر سبب فيحنث بجزء المحلوف عليه إذا حلف لا يأكل هذا الرغيف فأكل منه لبابه لأنه على بر وإباحة حتى يحنث ولا يبرأ إذا كان على حنث إلا بفعل الجميع إذا حلف ليأكلنه فلا يبرأ إلا بأكل جميعه لأنه على حنث حتى يبر فهو خارج من حرمة إلى إباحة وهذا التخريج ضعيف فإنهم إن ادعوا هذه القاعدة المتقدمة كلية في الشريعة منعناها لاندراج صورة النزاع فيها فللخصم منعها وهو الشافعي رضي الله عنه ولأن هذه الصورة المتقدمة صورة قليلة ولو كانت كثيرة وضموا إليها أمثالها فالقاعدة أن الدعوة العامة الكلية لا تثبت بالمثل الجزئية فإنها لو انتهت إلى الألف احتمل أنها جزئية لا كلية فكم من جزئية مشتملة على أفراد كثيرة ألا ترى إلى قولنا كل عدد زوج كلية باطلة بل إنما تصدق جزئية في بعض الأعداد وتلك الأعداد التي هي زوج كثيرة جدا لا يحصى عددها ومع ذلك فالكلية كاذبة لا صادقة
    وإن ادعوا أنها جزئية فيحتاجون إلى
    هامش أنوار البروق
    لا يزال جزءا له في حال اتصاله بالجزء الآخر وفي حال انفصاله عن الجزء الآخر ولا يشعر أن الجزء في حال الاتصال بالآخر ليس عين الجزء في حال الانفصال من الآخر فإذا حضر بين يديه الزاج وحده مثلا قال هذا جزء من المداد وإذا حضر مع العفص وقد امتزجا قال هذا الزاج الممتزج بالعفص جزء من المداد ويخيل له أنه قال القولين على جزء واحد وليس الأمر كما تخيل فإن معنى القول الأول هذا الزاج جزء من المداد أي يصير جزءا من المداد إذا مزج بالعفص ومعنى القول الثاني أنه جزء من
    هامش إدرار الشروق
    مخالفة قوية كالتمرد على الإمام ونبذ العهد مجاهرة وغير ذلك من الأمور المحتاجة إلى قوة شديدة ومناقشة عظيمة ونظائر هاتين القاعدتين أعني الخروج من الإباحة إلى التحريم والخروج من التحريم إلى الإباحة كثيرة في الشريعة لكن عد الأصحاب منها الحنث ببعض المحلوف عليه في صيغة البر وعدم البر إلا بجميع المحلوف عليه في صيغة الحنث وتخريجه على قاعدتيها بجعل الحنث خروجا من الإباحة إلى التحريم فيكفي فيه أيسر سبب فيحنث بجزء المحلوف عليه إذا حلف لا يأكل هذا الرغيف فأكل منه لبابه لأنه على بر وإباحة حتى يحنث فهو خارج من إباحة إلى حرمة ولا يبر إذا كان على حنث إلا بفعل الجميع فإذا حلف ليأكلنه فلا يبر إلا بأكل جميعه لأنه على حنث حتى يبر فهو خارج من حرمة إلى إباحة
    قال الأصل هذا التخريج ضعيف فإن هاتين القاعدتين إن ادعوا لكثرة نظائرهما في الشريعة أنهما كليتان في الشريعة منعنا تلك الدعوى لاندراج صورة النزاع فيها فللخصم وهو الشافعي رضي الله عنه القائل بعدم الحنث ببعض المحلوف عليه أن يمنع تلك الدعوى لأن هذه الصورة المتقدمة قليلة ولو كانت كثيرة وضموا إليها أمثالها فالقاعدة أن الدعوة العامة الكلية لا تثبت بالمثل الجزئية فإنها ولو انتهت إلى الألف
    ____________________
    (3/133)
    دليل آخر يوجب كون صورة النزاع كذلك فإن كان ذلك القياس فأين الجامع المناسب لخصوص الحكم السالم عن الفوارق أو الدليل غير القياس فأين هو لا بد من بيانه وخرج بعض الأصحاب هذه المسألة على قاعدة الأمر والنهي فقال إذا حلف ليفعلن فهو كالأمر أو لا يفعل فهو كالنهي والنهي عن الشيء نهي عن أجزائه فيكون فاعل الجزء مخالفا والمخالف حانث فيكون فاعل الجزء حانثا وهو المطلوب وهذه الطريقة أيضا ضعيفة لأن هذه القضية التي ادعاها هذا المخرج منعكسة بل الأمر بالشيء أمر بأجزائه كإيجاب أربع ركعات فإنه إيجاب لكل ركعة منها والنهي عن الشيء ليس نهيا عن أجزائه كالنهي عن خمس ركعات في الظهر ليس نهيا عن الأربع بل الأربع واجبة نعم النهي عن الشيء نهي عن جزيئاته فإن النهي عن مفهوم الخنزير نهي عن كل خنزير الخنزير الطويل والقصير والسمين والهزيل وجميع جزيئات الخنزير والأمر بالماهية الكلية ليس أمرا بجزيئاتها فالأمر بإعتاق رقبة ليس أمرا بإعتاق هذه الرقبة وتلك وجميع الرقاب بل يكفي في حصول ماهية الرقبة شخص منها واحد معين فشتان ما بين الأجزاء والجزيئات الحكم منعكس بينهما فهذا التخريج باطل قطعا فلا يفتي به فقيه وأحسن ما رأيت للأصحاب في هذه المسألة طريقة الفرض والبناء وهي أن الشيخ أبا عمرو
    هامش أنوار البروق
    المداد في الحال وكيف يصح أن يكون المشروط بالانفصال عين المشروط بالاتصال وفي مثل هذا كان بعض من لقيناه يقول اختلط ما بالقوة مع ما بالفعل وما مثل به شهاب الدين من النهي عن خمس ركعات في الظهر وأنه لا يستلزم النهي عن الأربع وهم مبني على اعتقاد أن الأربع المتصلة بخامسة هي عين الأربع غير المتصلة بخامسة وهو خطأ ظاهر لا شك فيه وقد سبق له مثل ذلك وسبق الرد عليه
    قال نعم النهي عن الشيء نهي عن جزيئاته إلى قوله وجميع جزئيات الخنزير
    هامش إدرار الشروق
    احتمل أنها جزئية لا كلية فكم من جزئية مشتملة على أفراد كثيرة ألا ترى إلى قولنا كل عدد زوج كلية باطلة بل إنما تصدق جزئية في بعض الأعداد وتلك الأعداد التي هي زوج كثيرة جدا لا يحصى عددها ومع ذلك فالكلية كاذبة لا صادقة وإن ادعوا أنها جزئية احتاجوا في تخريج صور النزاع عليهما إلى دليل آخر أنهما جزئيتان يوجب كون صورة النزاع كذلك فإن كان ذلك الدليل القياس فأين الجامع المناسب لخصوص الحكم السالم عن الفوارق وإن كان غيره فأين هو لا بد من بيانه
    وأما تخريج بعض الأصحاب مسألة الحنث ببعض المحلوف عليه في صيغة البر وعدم البر إلا بجميع المحلوف عليه في صيغة الحنث على قاعدة الأمر والنهي حيث قال إذا حلف ليفعلن فهو كالأمر أو لا يفعل فهو كالنهي والنهي عن الشيء نهي عن أجزائه فيكون فاعل الجزء مخالفا والمخالف حانث فيكون فاعل الجزء حانثا وهو المطلوب فقال ابن الشاط إنه تخريج ليس بصحيح فإنه كما أن الأمر بالشيء أمر بأجزائه لضرورة تحصيله ولا يتأتى تحصيله إلا بتحصيل أجزائه كذلك النهي عن الشيء نهي عن أجزائه لضرورة تفويته ولا يتأتى تفويته إلا بتفويت أجزائه فإن أجزاء الشيء لا تكون أجزاء له حقيقة إلا بتقدير اجتماعها وأما قبل اجتماعها فليست بأجزاء
    ____________________
    (3/134)
    بن الحاجب رحمه الله كان يقول هذه المسألة ثلاثة أقسام المعطوفات نحو
    والله لا كلمت زيدا وعمرا والجموع والتثنيات نحو لا أكلت الأرغفة أو الرغيفين وأسماء الحقيقة الواحدة المفردة كالرغيف فهذه الأقسام الثلاثة الخلاف فيها واحد فعند الشافعي رضي الله عنه لا يحنث إلا بالجميع وعندنا بالبعض في المسائل الثلاثة فنقول أجمعنا على ما إذا قال الحالف والله لا كلمت زيدا ولا عمرا بصيغة لا النافية أنه يحنث بأحدهما واتفق النحاة على أن لا إذا أعيدت في العطف أنها مؤكدة للنفي لا منشئة نفيا وكذلك قال الله تعالى وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور فذكر لا في البعض دون البعض مع أن الكل منفي فحيث تركت لا كان المعنى مثل الموضع الذي ذكرت فيه لا سواء بسواء غير التوكيد وشأن التوكيد أن تكون الأحكام الثابتة معه ثابتة قبله وإلا كان منشئا لا مؤكدا ولما أجمعنا على أن الحكم التحنيث مع لا المؤكدة وجب أن يكون الحكم قبلها التحنيث تحقيقا لحقيقة التأكيد
    وإذا اتضح الحنث في هذه الصورة بمدرك صحيح مجمع
    هامش أنوار البروق
    قلت ما قاله هنا صحيح قال والأمر بالماهية الكلية ليس أمرا بجزئياتها قلت ليس ما قاله بصحيح بل الأمر بالماهية الكلية أمر بجزئياتها لكنه بما لا يصح التكليف به لتعذره فإن الماهية الكلية بما هي كلية لا يصح وجودها في الأعيان عند القائلين بها وإدخال جميع جزئياتها الممكنة في الوجود حتى لا يشذ منها شيء لا يصح أيضا قال فالأمر بإعتاق رقبة ليس أمرا بإعتاق هذه الرقبة وتلك وجميع الرقاب إلى قوله فلا يفتي به فقيه
    هامش إدرار الشروق
    له حقيقة بل بضرب من المجاز وهو أنها صالحة لأن تكون أجزاء له إذا اجتمعت ا ه
    فافهم قال الأصل وأحسن ما رأيت للأصحاب في مسألة الحنث ببعض المحلوف عليه في صيغة البر طريقة الفرض والبناء وضابطها أن يكون الإنسان يساعده الدليل في بعض صور النزاع دون بعضها فيفرض الاستدلال في تلك الصورة التي يساعده الدليل عليها
    فإذا تم له فيها الدليل بنى الباقي من الصور عليها فإن الشيخ أبا عمرو بن الحاجب رحمه الله تعالى كان يقول هذه المسألة ثلاثة أقسام المعطوفات نحو والله لا كلمت زيدا وعمرا والجموع والمثنيات نحو لا أكلت الأرغفة أو الرغيفين وأسماء الحقيقة الواحدة المفردة كالرغيف فهذه الأقسام الثلاثة الخلاف فيها واحد فعند الشافعي رضي الله عنه لا يحنث إلا بالجميع وعندنا بالبعض في المسائل الثلاثة فنقول أجمعنا على ما إذا قال الحالف والله لا كلمت زيدا ولا عمرا بصيغة لا النافية أنه يحنث بأحدهما واتفق النحاة على أن لا إذا أعيدت في العطف أنها مؤكدة للنفي لا منشئة نفيا وكذلك قال الله تعالى وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور فذكر لا في البعض دون البعض مع أن الكل منفي فحيث تركت لا كان معنى الموضع الذي
    ____________________
    (3/135)
    عليه وجب أن يكون الواقع في الصورتين الأخيرتين الحنث لأنه لا قائل بالفرق إذ لو ثبت الحنث في بعضها دون بعض لزم خلاف الإجماع فإن القائل قائلان قائل بالحنث في الجميع وهو مالك وأتباعه وقائل بعدم الحنث في الجميع وهو الشافعي رضي الله عنه وأصحابه فلو قلنا بأنه في صورة العطف دون غيرها كان قولا خارقا للإجماع ولا سبيل إليه وهذه طريقة الفرض والبناء عند الخلافيين وضابطها أن يكون الإنسان يساعده الدليل في بعض صور النزاع دون بعضها فيفرض الاستدلال في تلك الصورة التي يساعده الدليل عليها فإذا تم له فيها الدليل بنى الباقي من الصور عليها فسمي ذلك طريقة الفرض والبناء وهي ضعيفة بسبب أن المناظر قائم مقام إمامه المجتهد والمجتهد لا يجوز له الاعتماد على قولنا لا قائل بالفرق فإن هذه المقدمة إنما جاءتنا بعد فتياه هو في المسألة ومدركه في المسألة متقدم على فتياه فيها فلما أفتى خصمه وهو المجتهد الآخر وبقي هو لم يفت بعد فله أن يقول ما ظهر بالدليل أي شيء كان لأنه ليس قبل قوله إجماع إنما هو قول خصمه فقط فله هو إذا قال خصمه لا يحنث عندي في الجميع له هو أن يقول يحنث عندي في البعض دون
    هامش أنوار البروق
    قلت الأمر بإعتاق رقبة ليس أمرا بكلي بل بمطلق وهو واحد غير معين من آحاد الكلي ولم يزل به توهم أن المطلق هو الكلي يوقعه في الخطأ الفاحش وقد تبين خلاف ما قاله من أن الأمر بالكلي ليس أمرا بجزئياته وتبين أنه لا فرق بين الأجزاء والجزئيات
    قال وأحسن ما رأيت للأصحاب في هذه المسألة طريقة الفرض والبناء وهي أن الشيخ أبا عمرو بن الحاجب كان يقول هذه المسألة ثلاثة أقسام إلى قوله بصيغة لا النافية أنه يحنث بأحدهما قلت ما حكاه لا كلام فيه
    هامش إدرار الشروق
    تركت فيه مساويا لمعنى الموضع الذي ذكرت فيه غير التوكيد وشأن التوكيد أن تكون الأحكام الثابتة معه ثابتة قبله وإلا كان منشئا لا مؤكدا ولما أجمعنا على أن الحكم التحنيث مع لا المؤكدة وجب أن يكون الحكم قبل التحنيث تحقيقا لحقيقة التأكيد
    وإذا اتضح الحنث في هذه الصورة بمدرك صحيح مجمع عليه وجب أن يكون الواقع في الصورتين الأخيرتين الحنث لأنه لا قائل بالفرق إذ لو ثبت الحنث في بعضها دون بعض لزم خلاف الإجماع فإن القائل قائلان قائل بالحنث في الجميع وهو مالك رضي الله عنه وأتباعه وقائل بعدم الحنث في الجميع وهو الشافعي رضي الله عنه وأصحابه فلو قلنا بأنه يحنث في صورة العطف دون غيرها كان قولا خارقا للإجماع ولا سبيل إليه قال الأصل ولكن طريقة الفرض والبناء ضعيفة لا تتم إلا في المناظرة جدلا بعد تقرر المذاهب أما والمجتهد يجتهد فلا يصح له الاعتماد على ما انبنت عليه هذه الطريقة من قول المناظر الآن لا قائل بالفرق فإن هذه المقدمة إنما جاءتنا بعد فتياه هو في المسألة ومدركه في المسألة متقدم على فتياه فيها وبعد إفتاء خصمه وهو المجتهد الآخر فيها فله أن يقول ما ظهر له بالدليل أي شيء كان لأنه ليس قبل قوله إجماع إنما هو قول خصمه فقط فإذا قال خصمه لا يحنث عندي في الجميع
    ____________________
    (3/136)
    البعض والإجماع يصده حينئذ عن ذلك ولو اعتمد على ما قاله المناظر الآن من قوله لا قائل بالفرق لم يتأت له ذلك ومتى كان مدرك المناظر لا يصح أن يكون مدرك المجتهد
    هامش أنوار البروق
    قال واتفق النحاة على أن لا إذا أعيدت في العطف أنها مؤكدة للنفي لا منشئة نفيا إلى قوله وإلا كان منشئا لا مؤكدا قلت لا على تقدير صحة هذا الإجماع وتسليم كون إجماع النحاة حجة لا يلزم عن كونها مؤكدة للنفي لا منشئة له أن لا يفيد تكرارها فائدة غير النفي بل يفيد رفع احتمال ثابت عند عدم تكرارها وهو أن القائل إذا قال والله لا كلمت زيدا ولا عمرا احتمل وجهين أحدهما الامتناع من أن يكلمهما لا من أن يكلم أحدهما وثانيهما الامتناع من أن يكلم كل واحد منهما ومن لازم ذلك الامتناع من أن يكلمهما فإذا تكررت لا يتعين الوجه الثاني ولا يتناول إجماع النحاة على أنها مؤكدة للنفي لا منشئة له المنع من إفادتها رفع الاحتمال الأول وتعين الثاني وقوله وشأن التوكيد أن تكون الأحكام الثابتة معه ثابتة قبله وإلا كان منشئا لا مؤكدا نقول بموجبه ولا يلزم عن ذلك مقصوده فإنه لم يحك عن النحاة أنهم قالوا إن لا إذا تكررت في العطف لا تفيد فائدة غير تأكيد النفي بل قالوا لا تفيد إنشاء النفي بل تأكيده ولا يستلزم كونها لا تفيد إنشاء النفي بل تأكيده أن لا تفيد شيئا غير تأكيد النفي مع تأكيد النفي هذا كله على تسليم إجماعهم وكونه حجة وكل ذلك غير مسلم قال ولما أجمعنا على أن الحكم التحنيث مع لا المؤكدة وجب أن يكون الحكم قبلها التحنيث إلى قوله أما المجتهد يجتهد فلا يصح له ذلك قلت ما قاله من استضعاف طريقة الفرض والبناء وقرره من تبين وجه ضعفها صحيح كما قال وبين
    قال وبالجملة فالمسألة مشكلة إشكالا قويا فتأمله قلت الإشكال على المذهب كما قال بناء على ما قرر ولقائل أن يقول إن مدرك مالك رحمه الله الاحتياط للإيمان فأخذ بالأشد ومدرك الشافعي رحمه الله حملها على مقتضاها المتيقن فأخذ بالأخف فلا إشكال والله أعلم
    هامش إدرار الشروق
    فله هو أن يقول يحنث عندي في البعض دون البعض ولا إجماع يصده حينئذ عن ذلك فلو اعتمد على تلك المقدمة لم يتأت له ذلك ومتى كان المناظر الآن قائما مقام إمامه ومدرك المناظر الآن لا يصح أن يكون هو مدرك المجتهد لم يحز للمناظر الآن الاعتماد على تلك المقدمة التي انبنت عليها تلك الطريقة أيضا فافهم ا ه
    قال ابن الشاط وما قرره في بيان وجه ضعف هذه الطريقة صحيح كما قال وبين علي أنا لو سلمنا عدم ضعفها وفرضنا صحة إجماع النحاة على ما ذكر وكون إجماعهم حجة وقلنا بموجب قوله
    وشأن التوكيد أن تكون الأحكام الثابتة معه ثابتة قبله وإلا كان منشئا لا مؤكدا لا يلزم عن قولنا بقوله المذكور مقصوده فإنه لم يحك عن النحاة أنهم قالوا إن لا إذا تكررت في العطف لا تفيد فائدة غير تأكيد النفي بل قالوا لا تفيد إنشاء النفي بل تأكيده ولا يستلزم كونها لا تفيد إنشاء النفي بل تأكيده أن لا تفيد شيئا غير تأكيد النفي مع تأكيد النفي وهو رفع احتمال ثابت عند عدم تكرارها فإن القائل إذا قال والله لا كلمت زيدا وعمرا بلا
    ____________________
    (3/137)
    لم يصح
    نعم هذه الطريقة تتم في المناظرة جدلا بعد تقرر المذاهب أما والمجتهد يجتهد فلا يصح له الاعتماد على ذلك وبالجملة فالمسألة عندنا مشكلة إشكالا قويا فتأمله الفرق الثاني والثلاثون والمائة بين قاعدة مخالفة النهي إذا تكررت يتكرر التأثيم وبين قاعدة مخالفة اليمين إذا تكررت لا تتكرر بتكررها الكفارة والجميع مخالفة بل تنحل اليمين بالمخالفة الأولى ويسقط حكم اليمين بخلاف النهي فإنه يبقى مستمرا وإن خولف ألف مرة ويتكرر الإثم بتكرره وهذا الفرق من المواضع الصعبة المشكلة فإن قوله والله لا فعلت نفي للفعل في جميع الأزمنة المستقبلة فإن لا من صيغ العموم نص عليه سيبويه مع لن
    هامش أنوار البروق
    قال الفرق الثاني والثلاثون والمائة بين قاعدة مخالفة النهي إذا تكررت يتكرر التأثيم وبين قاعدة مخالفة اليمين إذا تكررت لا يتكرر بتكررها الكفارة والجميع مخالفة قلت ما قاله إلى آخر الفرق صحيح غير قوله بل الشرط مطلق والمطلق إنما يقتضي مرة واحدة فإنه غير صحيح فإنه لو اقتضى المرة الواحدة لما كان مطلقا بل مقيدا باقتضاء المرة الواحدة دون غيرها وإنما وقع الاكتفاء بالمرة الواحدة لضرورة لزوم تحصيل مقتضى التعليق ولا أقل من المرة الواحدة في التحصيل وجميع ما قاله في الفرقين بعد هذا الفرق صحيح
    هامش إدرار الشروق
    تكرار لا احتمل وجهين أحدهما الامتناع من أن يكلمهما معا لا من أن يكلم أحدهما وثانيهما الامتناع من أن يكلم كل واحد منهما ومن لازم ذلك أن يكلمهما معا فإذا تكررت أفادت مع التأكيد تبين الوجه الثاني ورفع احتمال الوجه الأول على أنا لا نسلم إجماع النحاة ولا كونه حجة نعم مسألة الحنث ببعض المحلوف عليه عندنا وإن ضعف فيها التخريج الأول ولم يصح فيها التخريج الثاني ولا الطريقة المذكورة إلا أنه ليس فيها إشكال أصلا فضلا عن أن يكون فيها إشكال قوي إذ لقائل أن يقول أن مدرك مالك رحمه الله تعالى الاحتياط للإيمان فأخذ بالأشد ومدرك الشافعي رحمه الله تعالى جعلها على مقتضاها المتيقن فأخذ بالأخف فتأمل والله سبحانه وتعالى أعلم
    الفرق الثاني والثلاثون والمائة بين قاعدة مخالفة النهي إذا تكررت بتكرر التأثيم وبين قاعدة مخالفة اليمين إذا تكررت لا يتكرر بتكررها الكفارة بل تنحل اليمين بالمخالفة الأولى ويسقط حكم اليمين فيما عداها والجميع مخالفة مع عموم الصيغة في الموضعين فإن قوله في اليمين والله لا فعلت نفي للفعل في جميع الأزمنة المستقبلة فإن لا من صيغ العموم نص عليه سيبويه مع لن وقال لن أشد عموما وذلك هو المفهوم من قوله تعالى لا يموت فيها ولا يحيى أي في جميع الأزمنة المستقبلة لا يحصل له موت ولا حياة وكذلك النهي إذا قيل للمكلف لا تكذب أو لا تشرب الخمر هو عام في جميع الأزمنة المستقبلة فحيث كان الجامع بين القاعدتين
    ____________________
    (3/138)
    وقال لن أشد عموما وذلك هو المفهوم من قوله تعالى لا يموت فيها ولا يحيى أي في جميع الأزمنة المستقبلة لا يحصل له موت ولا حياة وكذلك النهي إذا قيل للمكلف لا تكذب أو لا تشرب الخمر هو عام في جميع الأزمنة المستقبلة فإذا خالف مرة وفعل المنهي عنه حصل له الإثم فإن تكررت منه تلك المخالفة تكرر الإثم فكذلك يلزم إذا تكررت مخالفة اليمين ينبغي أن تكرر الكفارة بتكرر المخالفة لأن المخالفة عندها أوجبت الكفارة ألا ترى أنه لو لم يخالف لم تلزمه كفارة وإذا تكررت المخالفة في اليمين يكون ذلك كتكرر المخالفة في النهي والجامع المخالفة وعموم الصيغة في الموضعين بصيغة لا في مستقبل الزمان وهذا الإشكال لا يلزم في مخالفة الشرط إذا قال إن دخلت الدار فعبد من عبيدي حر أو امرأته طالق فخالف ودخل الدار عتق عبد واحد وطلقت امرأته طلقة واحدة فإن عاد وخالف مقتضى التعليق لم يلزمه عتق عبد آخر ولا طلقة أخرى بسبب أن صيغة الشرط ليست عامة فلا توجب التكرر بل الشرط مطلق والمطلق إنما يقتضي مرة واحدة وقد لزم موجبها بخلاف الحلف فإن الصيغة عامة فبكل فرد من أفراد العموم تحصل المخالفة في ذلك الفرض بعدما حصلت في الذي قبله فيلزم أن يكون جانيا على اليمين في كل مرة يقدم على الفعل كما أنه جان على النهي في كل مرة يقدم على الفعل ومع ذلك لم أعلم أحدا قاله من الفقهاء فيحتاج إلى الفرق بين القاعدتين والفرق من وجوه
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    المخالفة وعموم صيغة لا في مستقبل الزمان كان ينبغي عدم الفرق بينهما وأن يلزم بتكرر الكفارة إذا تكررت مخالفة اليمين كما تكرر عليه الإثم بتكرر المخالفة في النهي لكن الأصل
    قال لم أعلم أحدا من الفقهاء قال بعدم الفرق بل أجمع الفقهاء على الفرق بينهما وأنه إذا خالف مرة وفعل المنهي عنه حصل له الإثم فإن تكررت منه تلك المخالفة تكرر الإثم بخلاف ما إذا حلف بقوله والله لا أكلت لحما فخالف يمينه وأكل اللحم متكررا فإنهم أجمعوا على أن الكفارة لا تجب عليه إلا في المرة الأولى ولا تتكرر بتكرر أكل اللحم ومخالفة يمينه حينئذ مشكل يحتاج إلى بيان سر الفرق بينهما وبيان سره من وجوه أحدها أن صيغة اليمين وإن سلمنا أنها سالبة كلية عامة في جميع الأزمنة المستقبلة لكن لا نسلم أن نفس هذه السالبة الكلية هي سبب الكفارة أو شرط وجوبها بل الكفارة ما وجبت إلا لمخالفة هذه السالبة الكلية
    ومخالفتها عبارة عن نقيضها ونقيض السالبة الكلية هي الموجبة الجزئية فهذه الموجبة الجزئية هي سبب الكفارة أو شرط وجوبها على الخلاف بين الفقهاء في الحنث هل هو شرط الكفارة أو سببها ويدل على أن سبب الكفارة إنما هو نقيض ذلك السلب الكلي لا ذلك السلب الكلي إن الشارع قال ذلك كفارة أيمانكم فجعل الكفارة لليمين لا للسلب الكلي الذي هو المحلوف عليه وتوضيح ذلك أن في قول الحالف والله لا أكلت لحما مثلا أمورا ثلاثة السلب العام المحلوف عليه واليمين المؤكدة له ومخالفة هذا السلب العام
    والكفارة من الأمور الوضعية الشرعية فصاحب الشرع له أن يجعل مطلق الملابسة للفعل المحلوف عليه
    ____________________
    (3/139)
    أحدها أنا نسلم أن الصيغة عامة في نفي الفعل ولكن الكفارة ما وجبت إلا لمخالفة هذه السالبة الكلية العامة في جميع هذه الأزمنة المستقبلة ونقيض السالبة الكلية الموجبة الجزئية وهذه الموجبة الجزئية هي سبب الكفارة أو شرط وجوب الكفارة على الخلاف بين الفقهاء في الحنث هل هو شرط للكفارة أو سببها ويدل على أن سبب الكفارة إنما هو نقيض ذلك السلب الكلي أن الشارع قال ذلك كفارة أيمانكم فجعل الكفارة لليمين لا للسلب الكلي الذي هو المحلوف عليه فها هنا أمور ثلاثة السلب العام المحلوف عليه واليمين المؤكدة له ومخالفة هذا السلب العام
    والكفارة من الأمور الوضعية الشرعية فصاحب الشرع له أن يجعل مطلق الملابسة للفعل المحلوف عليه سبب الكفارة وعلى هذا التقدير تتكرر الكفارة بتكرر المخالفة وملابسة الفعل ولم يفعل ذلك بل جعل سبب الكفارة مخالفة هذا السلب العام لا هذا السلب العام ومخالفة هذا السلب العام إنما هو مطلق الثبوت فمطلق الثبوت هو سبب الكفارة فيصير معنى وضع الشرع الكفارة أنه قال جعلت نقيض السلب الكلي سبب الكفارة ولو قال صاحب الشرع من أتى بنقيض السلب الكلي في يمينه وحنث عليه الكفارة لم يكن هنالك عموم يفهم ألبتة بل يكون مثل قول القائل من دخل داري فله درهم فإذا دخل الدار رجل مرة واحدة وأخذ درهما ثم دخل ثانيا لا يستحق شيئا لأن المعلق علق على مطلق الدخول لا على كل مرة
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    سبب الكفارة وحينئذ تتكرر الكفارة بتكرر المخالفة وملابسة الفعل ولكنه لم يفعل ذلك بل جعل سبب الكفارة مخالفة هذا السلب العام لا هذا السلب العام ومخالفة هذا السلب العام إنما هو مطلق الثبوت فيصير معنى وضع صاحب الشرع الكفارة أنه قال جعلت نقيض السلب الكلي سبب الكفارة فكأنه قال من أتى بنقيض السلب الكلي في يمينه وحنث عليه الكفارة فليس في الكلام عموم يفهم ألبتة بل هو مثل قول القائل من دخل داري فله درهم وقوله إن دخلت الدار فأنت طلاق في كونه من باب تعليق مطلق على مطلق فيقتضي الاكتفاء بالمرة الواحدة لضرورة لزوم تحصيل مقتضى التعليق ولا أقل من المرة الواحدة في التحصيل وقد تقدم بسط هذه التعاليق أول الكتاب ونظير هذه الكفارة كفارة المفسد لصوم رمضان فإنه إن عاد فأكل أو جامع لم تلزمه كفارة على الأصح لأن الصوم في معنى السلب العام للأكل والشرب والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس والكفارة مرتبة على نقيض هذا السلب العام وهو مطلق الثبوت فإذا حصل لزمته الكفارة فإذا عاد فتكرر لم يكن موجبا كدخول الدار فإن صاحب الشرع إنما جعل الثبوت بوصف الإطلاق لا بوصف العموم موجبا للكفارة والمطلق يخرج عن عهدته بصورة إجماعا كإعتاق رقبة وإخراج شاة من أربعين ونظير هذه الكفارة أيضا كفارة المظاهر فإنه إذا قال أنت علي كظهر أمي كان مقتضى هذا التشبيه التحريم الدائم لأن هذا هو شأن تحريم الأم المشبه بها فتكون هذه الزوجة محرمة دائما تحقيقا للتشبيه فإن عاد وعزم على إمساكها أو على وطئها على
    ____________________
    (3/140)
    منه حتى يتكرر الاستحقاق بتكرر الدخول وكذلك إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلت مرة واحدة طلقت طلقة ثم دخلت مرة أخرى لم يلزمه طلاق وإن كانت في العدة الرجعية لأنه إنما التزم مطلق الطلاق إشارة إلى تقرير عدم لزوم تكرر الطلاق بتكرر المعلق عليه بمطلق الدخول ولم يأت بعموم يقتضي التكرر وهو من باب تعليق مطلق على مطلق وقد تقدم بسط هذه التعاليق أول الكتاب كذلك صاحب الشرع جعل سبب الكفارة مطلق الثبوت المناقض لموجب يمينه من السلب العام لا كل ثبوت ولا ثبوتين بل فردا واحدا فقط وغيره غير معتبر كالدخلة الثانية للدار من المطلقة
    ونظير هذه الكفارة كفارة المفسد لصوم رمضان فإن عاد فأكل أو جامع لم تلزمه كفارة على الأصح لأن الصوم في معنى السلب العام للأكل والشرب والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس فالكفارة مرتبة على نقيض هذا السلب العام وهو مطلق الثبوت فإذا حصل لزمته الكفارة فإذا عاد فتكرر لم يكن موجبا كدخول الدار فإن صاحب الشرع لم يجعل الثبوت بوصف العموم موجبا للكفارة بل بوصف الإطلاق والمطلق يخرج عن عهدته بصورة إجماعا كإعتاق رقبة وإخراج شاة من أربعين ونظيره أيضا المظاهر إذا قال أنت علي كظهر أمي فمقتضى هذا التشبيه التحريم الدائم لأن هذا هو شأن تحريم الأم المشبه بها فتكون هذه الزوجة محرمة دائما تحقيقا للتشبيه فإن عاد وعزم على إمساكها أو على وطئها على الخلاف في العود ما هو فقد أتى بنقيض ذلك السلب الكلي وهو مطلق الثبوت المناقض له فجعله صاحب
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الخلاف في العود ما هو فقد أتى بنقيض ذلك السلب الكلي وهو مطلق الثبوت المناقض له فصاحب الشرع جعل الكفارة تجب عنده كالحنث في اليمين فإذا كفر ثم عاد فعزم على إمساكها أو وطئها مرة أخرى لا تتكرر الكفارة بتكرر العود إجماعا فيما علمت لأنها مرتبة على الثبوت بوصف الإطلاق لا بوصف العموم فكذلك هاهنا كفارة اليمين مرتبة على الثبوت بوصف الإطلاق المناقض للسلب الكلي العام لا على الثبوت بوصف العموم كما تقدم
    وأما مخالفة النهي فتقتضي تكرر الإثم والتعزير بسبب أن الإثم رتبه الشرع على تحقيق المفسدة في الوجود لأن النواهي تعتمد المفاسد كما أن الأوامر تعتمد المصالح فكل فرد يكرر تكرر المفسدة معه فيتكرر الإثم لأنه تابع لمطلق المفسدة في جميع صورها بوصف العموم فعم الإثم أيضا وهو مناسب لحسم مادة المفسدة إذ لو أثمناه في صورة واحدة وأبحنا له ما بعدها أدى ذلك لوقوع مفاسد لا نهاية لها فكانت الحكمة الشرعية تقتضي تعميم الإثم في جميع صور المفاسد وثانيها أن الكفارة لو كانت تتكرر بتكرر المخالفات لليمين لشق ذلك على المكلفين في الصور التي يحتاجون للمخالفات فيها وتكررها فتترتب على الإنسان كفارات كثيرة جدا لا يمكنه الخروج عنها إلا بفعلها وذلك حرج عظيم تأباه الشريعة الحنفية السمحة السهلة وأما الأثام إذا اجتمعت فإن الإنسان يخرج عن عهدتها بالتوبة والإنابة وهي متيسرة على المتقين وثالثها أن اليمين مباحة لأنها تعظيم للمقسم به والحنث أيضا مباح لقوله عليه الصلاة والسلام والله
    ____________________
    (3/141)
    الشرع تجب عنده الكفارة كالحنث في اليمين فإذا كفر ثم عاد فعزم على إمساكها أو وطئها مرة أخرى لا تتكرر الكفارة بتكرر العود إجماعا فيما علمت لأنها مرتبة على مطلق الثبوت بوصف الطلاق لا بوصف العموم فكذلك ها هنا كفارة اليمين مرتبة على مطلق الثبوت المناقض للسلب الكلي العام لا على مطلق الثبوت بوصف العموم كما تقدم
    وأما مخالفة النهي فتقتضي تكرر الإثم والتعزير بسبب أن الإثم رتبه الشرع على تحقيق المفسدة في الوجود لأن النواهي تعتمد المفاسد كما أن الأوامر تعتمد المصالح فكل فرد يتكرر تتكرر المفسدة معه فيتكرر الإثم لأنه تابع لمطلق المفسدة في جميع صورها بوصف العموم فعم الإثم أيضا وهو مناسب لحسم مادة المفسدة إذ لو أثمناه في صورة واحدة وأبحنا له ما بعدها أدى ذلك لوقوع مفاسد لا نهاية لها فكانت الحكمة الشرعية تقتضي تعميم الإثم في جميع صور المفاسد وثانيها أن الكفارة لو كانت تتكرر بتكرر المخالفات لليمين لشق ذلك على المكلفين في الصور التي يحتاجون للمخالفة فيها وتكررها فتترتب على الإنسان كفارات كثيرة جدا لا يمكنه الخروج عنها إلا بفعلها وذلك حرج عظيم تأباه الشريعة الحنيفية السمحة السهلة وأما الآثام إذا اجتمعت فيخرج الإنسان عن عهدتها بالتوبة والإنابة وهي متيسرة على المتقين وثالثها أن اليمين مباحة لأنها تعظيم للمقسم به والحنث أيضا مباح لقوله عليه الصلاة
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت وفعلت الذي هو خير ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقدم على المنهي عنه فضلا عن أن يحلف أنه لا بد أن يفعله وإذا كان الحلف والحنث مباحين ناسب ذلك التخفيف في إلزام الكفارة المتكررة بخلاف النهي فإنه للتحريم والمقدم على مخالفته أي النهي عاص بعيد من الله تعالى فناسب التغليظ بتكرر الآثام وتظافر أنواع الوعيد والتعاذير عليه حسما لمادة المعصية ورابعها أن القسم وقع على جملة خبرية فإن لا أفعل خبر عن عدم الفعل في الزمن المستقبل فإن صدق فيه وحقق السلب العام كما أخبر عنه فلا كفارة
    وإن خالف هذا الخبر كانت مخالفته تكذيبا لذلك الخبر والصدق والكذب نقيضان ولذلك قال أرباب المعقول إن نقيض السالبة الكلية هي الموجبة الجزئية وبهما يقع التكاذب لمن يقصد تكذيب من ادعى الأخرى كما أن نقيض الموجبة الكلية السالبة الجزئية والصدق والكذب عندنا نقيضان لا ثالث لهما خلافا للمعتزلة فإن الخبر إن طابق الواقع فصدق وإن لم يطابق الواقع فكذب ولا واسطة بين المطابقة وعدم المطابقة فالكفارة وجبت لمخالفة الصدق وهو الكذب أي الخبر المناقض للصدق المانع مع تحققه ومتى ارتفع الصدق بصورة واحدة استحال ثبوته فقد تحققت مفسدة تعذر الصدق وهذا المعنى وهو تعذر الصدق لا يتكرر فلم تتكرر الكفارة ويدل على اعتبار هذا المعنى أن الحالف لو جعل يمينه خبرا عن موجبة كلية كقوله والله لأصومن الدهر فأفطر يوما واحدا فقد كذب خبره عن صوم الدهر وتلزمه الكفارة بإفطاره
    ____________________
    (3/142)
    والسلام والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت وفعلت الذي هو خير ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقدم على المنهي عنه فضلا عن أن يحلف أنه لا بد أن يفعله وإذا كان الحلف والحنث مباحين ناسب ذلك التخفيف في إلزام الكفارة المتكررة بخلاف النهي فإنه للتحريم والمقدم على مخالفته عاص بعيد من الله تعالى فناسب التغليظ بتكرر الآثام وتظافر أنواع الوعيد والتعازير عليه حسما لمادة المعصية ورابعها أن القسم وقع على جملة خبرية فإن لا أفعل خبر عن عدم الفعل في الزمن المستقبل وإذا كان خبرا فإن صدق فيه وحقق السلب العام كما أخبر عنه فلا كفارة وإن خالف هذا الخبر كانت مخالفته تكذيبا لذلك الخبر والصدق والكذب نقيضان ولذلك قال أرباب العقول إن نقيض السالبة الكلية الموجبة الجزئية وبهما يقع التكاذيب لمن يقصد تكذيب من ادعى الأخرى كما إن نقيض الموجبة الكلية السالبة الجزئية والصدق والكذب عندنا نقيضان لا ثالث لهما خلافا للمعتزلة فإن الخبر إن طابق فصدق وإن لم يطابق فكذب ولا واسطة بين المطابقة وعدم المطابقة فالكذب حينئذ نقيض الصدق فالكفارة وجبت لمخالفة الصدق وهو الكذب في ذلك الخبر المناقض للصدق المانع من تحققه ومتى ارتفع الصدق بصورة واحدة استحال ثبوته فقد تحققت مفسدة تعذر الصدق وهذا المعنى لا يتكرر وهو تعذر
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    ذلك اليوم الواحد ولا ينجيه من لزوم الكفارة صوم بقية الدهر وتضيع بقية الموجبة الكلية عن الاعتبار ولا فرق بين أن يتكرر منه الفطر في يومين مثلا أو يقتصر على فطر يوم واحد
    وإذا تقرر هذا في جهة الثبوت وهو الموجبة الكلية وجب أن يثبت مثله في السالبة الكلية التي هي خبر عن النفي فيتحقق الكذب بفرد واحد من الثبوت بأن يفعل مرة واحدة ولا ينفعه بقية السالبة الكلية ولا فرق بين ثبوت واحد تقع به المخالفة وبين ثبوتين أو أكثر كما لم يكن فرق في الموجبة الكلية بين سلبين فأكثر تسوية بين طرفي الثبوت والسلب في الخبر عنها وإثبات نقيضها والاكتفاء بفرد في المناقضة لا يحتاج معه إلى ثان ويكون الثاني وجوده وعدمه سواء وأما النهي فليس كذلك بل لو اجتنب المنهي عنه مائة مرة لله تعالى أثيب على المائة
    ثم إن خالف بعد ذلك استحق العقوبة بعدد المرات التي خالف فيها بالفعل والثبوت وتتكرر المثوبات بتكرر الاجتناب أو العقوبات بتكرر المخالفات فدل ذاك على أن المطلوب هو اجتناب مفسدة ذلك الفعل في كل زمان وأن كل زمان مطلوب لنفسه في الترك لتلك المفسدة ويؤكد الأمر المقتضي للتكرار أنه إذا فعل مائة مرة أثيب مائة مثوبة وإن تركه مائة مرة استحق مائة عقوبة لأن المطلوب حصول تلك المصلحة في كل زمان بعينه فكل زمان معين حقق فيه المصلحة استحق المثوبة وكل زمان معين ضيع فيه تلك المصلحة استحق العقوبة وتعتبر القلة في ذلك والكثرة فقد شهدت قاعدة الأمر لقاعدة النهي كما شهدت قاعدة خبر الثبوت في اليمين لقاعدة خبر النفي فيه فأوضح كل منهما الأخرى واتضح لك أن سر الفرق في هذا الوجه من جهة أن المعتبر في الخبر الصادق المحلوف عليه هو نقيضه الكاذب دون أفراد الفعل وأفراد الترك بشهادة النفي للإيجاب والإيجاب للنفي
    ____________________
    (3/143)
    الصدق فلم تتكرر الكفارة ويدل على اعتبار هذا المعنى أن الحالف لو جعل يمينه خبرا عن موجبة كلية كقوله والله لأصومن الدهر فأفطر يوما واحدا فقد كذب خبره عن صوم الدهر وتلزمه الكفارة بإفطاره ذلك اليوم الواحد ولا ينجيه من لزوم الكفارة صوم بقية الدهر وتضيع بقية الموجبة الكلية عن الاعتبار ولا فرق بين أن يتكرر منه الثبوت أو يقتصر على فطر يوم واحد وإذا تقرر هذا في جهة الثبوت وهو الموجبة الكلية وجب أن يثبت مثله في السالبة الكلية التي هي خبر عن النفي فيتحقق الكذب بفرد واحد من الثبوت بأن يفعل مرة واحدة ولا ينفعه بقية السالبة الكلية ولا فرق بين ثبوت واحد تقع به المخالفة وبين ثبوتين أو أكثر كما لم يكن فرق في الموجبة الكلية بين سلبين فأكثر تسوية بين طرفي الثبوت والسلب في الخبر عنهما وإثبات نقيضهما
    والاكتفاء بفرد في المناقضة لا يحتاج معه إلى ثان ويكون الثاني وجوده وعدمه سواء تسوية بين الطرفين فظهر بهذا التقرير أن الموجب للكفارة إنما هو إثبات النقيض المكذب للخبر السابق بفرد زاد معه غيره أم لا كان الكلام نفيا أو إثباتا والنهي ليس كذلك بل لو اجتنب المنهي عنه مائة مرة لله تعالى أثيب على المائة ثم إن خالف بعد ذلك استحق العقوبة بعدد المرات التي خالف فيها بالفعل والثبوت وتتكرر المثوبات بتكرر الاجتناب والعقوبات بتكرر المخالفات
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    والمعتبر للنهي والأمر أفراد الأفعال والتروك دون النقيض بشهادة كل من الأمر والنهي للآخر تنبيهات الأول كون الحنث كذبا كما هو مقتضى ما تقرر في هذا الوجه الأخير ليس فيه تقوية لما ذهب إليه الحنفية من أن الحنث محرم وأن الكفارة وجبت ساترة لذنب تحريم المخالفة بسبب أن الحنث وإن كان كاذبا أنه ليس بكذب شرعي من جهة الإثم والنهي الشرعي حتى يقال إنه محرم بالإجماع فيتجه به مذهبهم بل إنما هو كذب من جهة مسمى الكذب لغة وذلك أن الخبر المحلوف عليه في اليمين خبر وعد وخبر الوعد لا يأثم حالفه وإلا لوجب الوفاء بكل وعد وليس قوله عليه الصلاة والسلام عدة المؤمن دين يريد مثل الدين ولذلك قيد الحكم بوصف الإيمان الحاث على مكارم الأخلاف ولو كان الوفاء بالوعد مطلقا واجبا لقال عليه الصلاة والسلام الوعد دين من غير تفصيل ويدل على أن مخالفة هذه الإخبارات في الوعد والحلف ليست بكذب محرم قوله عليه الصلاة والسلام من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر فلو كان ذلك الخبر يجب الوفاء به لما جاز تركه لمجرد الخيرية التي يكفي فيها مطلق المصلحة بل كانت مخالفة تتوقف على مصلحة عظيمة تساوي مفسدة التحريم كفوات أمر واجب عظيم فإن المحرم لا يعارض إلا بالواجب ولا يعارض بمطلق الخيرية التي هي تصدق بأدنى مراتب الندب فليس الحنث حينئذ بمحرم ويؤكده أنه عليه الصلاة والسلام حلف لأولئك النفر لا يحملهم ثم حملهم بعد ذلك فقيل له يا رسول الله إنك حلفت فقال والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا
    ____________________
    (3/144)
    فدل ذلك على أن المطلوب هو اجتناب مفسدة ذلك الفعل في كل زمان وأن كل زمان مطلوب لنفسه في الترك لتلك المفسدة ويؤكده الأمر المقتضي للتكرار أنه إذا فعل مائة مرة أثيب مائة مثوبة وإن تركه مائة مرة استحق مائة عقوبة لأن المطلوب حصول تلك المصلحة في كل زمان بعينه فكل زمان معين حقق فيه المصلحة استحق المثوبة وكل زمان ضيع فيه تلك المصلحة استحق العقوبة
    وتعتبر القلة في ذلك والكثرة فقد صارت قاعدة الأمر تشهد لقاعدة النهي كما شهدت قاعدة خبر الثبوت في اليمين لقاعدة خبر النفي فأوضح كل منهما الأخرى واتضح لك الفرق بين مخالفة قاعدة النهي وبين مخالفة قاعدة اليمين ونشأ سر الفرق في هذا الوجه من جهة الخبر والصدق والكذب وتحقيق نقيض كل واحد منهما وأن النقيض هو المعتبر دون أفراد الفعل وأفراد الترك بشهادة النفي للإيجاب والإيجاب للنفي وأن الأمر والنهي كل واحد منهما يشهد للآخر وأن المعتبر فيهما إفراد الأفعال والتروك دون النقيض فإن قلت ما ذكرته من الصدق والكذب الواقعين في الخبر المحلوف عليه نفيا أو إثباتا يقوي مذهب الحنفية في قولهم إن الحنث محرم وإن الكفارة وجبت ساترة لذنب تحريم المخالفة ولا شك أن الكذب محرم بالإجماع وأنت قد حققته في اليمين فيتجه ما قالوه قلت لا متعلق لهم في هذا بسبب أن الكذب الواقع في اليمين هو كذب من جهة
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    منها إلا كفرت وأتيت الذي هو خير فلو كان هذا كذبا محرما لما أقدم عليه الصلاة والسلام عليه فإن منصبه عليه الصلاة والسلام يأبى ذلك إباء شديدا فيقطع الفقيه حينئذ بأن هذه المخالفة في الأيمان ليست كذبا محرما بل يتناوله اللفظ الموضوع للكذب ولا يكون محرما كما أن الكذب الذي يقع من غير قصد كمن أخبر بالشيء على خلاف ما هو عليه معتقدا ما أخبر به والأمر بخلافه ليس بمحرم وإن صدق عليه أنه كذب لغة خلافا للمعتزلة في اشتراطهم القصد في حقيقة الكذب ويدل على صحة مذهب أهل السنة قوله عليه الصلاة والسلام كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع فجعله عليه السلام كذبا مع أنه يعتقد صدق ما سمعه وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار يدل على أن الكذب قد يقع على غير وجه العمد فظهر أن الكذب يكون لا مع الإثم وأن مخالفة الأيمان من هذا القبيل التنبيه الثاني اختلف العلماء فيما إذا خالف مقتضى اليمين حالة النسيان أو حالة الجهل أو حالة الإكراه فمذهب مالك اعتبار الحنث حالة النسيان والجهل دون الإكراه ومذهب الشافعي وأحمد عدم اعتبار الحنث في الأحوال الثلاثة ومذهب أبي حنيفة اعتبار الحنث في الأحوال الثلاثة فوافقنا الشافعي وأحمد بن حنبل على الإكراه وخالفانا في النسيان والجهل وأبو حنيفة بعكس ذلك وتلخيص مدرك الخلاف في هذه الحالات أن مقتضى اللغة حصول الحنث في هذه الأحوال الثلاثة لحصول مسمى المخالفة بمقتضى ما أخبر
    ____________________
    (3/145)
    مسمى الكذب لغة لا من جهة الإثم والنهي الشرعي وتقريره أن خبر الوعد خبر ولو خالفه لم يكن آثما فلو قال لزيد غدا أعطيك درهما ولم يعطه غدا شيئا لم يكن آثما ولو كان آثما لوجب الوفاء بكل وعد وليس كذلك وقوله عليه السلام عدة المؤمن دين أي مثل الدين ولذلك قيد الحكم بوصف الإيمان الحاث على مكارم الأخلاق ولو كان الوفاء بالوعد مطلقا واجبا لقال عليه السلام الوعد دين من غير تفصيل ويدل على أن هذه الإخبارات في الوعد والحلف ليس بكذب محرم قوله عليه السلام من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر
    ولو كان ذلك الخير يجب الوفاء به لما جاز تركه لمجرد الخيرية التي يكفي فيها مطلق المصلحة بل إن كانت المخالفة تتوقف على مصلحة عظيمة تساوي مفسدة التحريم كفوات أمر واجب عظيم فإن المحرم لا يعارض إلا بالواجب ولا يعارض بمطلق الخيرية التي هي تصدق بأدنى مراتب الندب فليس الحنث حينئذ بمحرم ويؤكده أنه عليه السلام حلف لأولئك النفر لا يحملهم ثم حملهم بعد ذلك فقيل له يا رسول الله إنك حلفت فقال والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت وأتيت الذي هو خير فلو كان هذا كذبا محرما لما أقدم عليه السلام عليه فإن منصبه عليه السلام يأبى ذلك إباء شديدا فيقطع الفقيه حينئذ بأن هذه المخالفة في الأيمان ليست كذبا محرما بل يتناوله اللفظ الموضوع للكذب ولا يكون محرما
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    عن نفسه في الاستقبال لكن لما كانت اليمين إنما يقصد بها الناس حثهم على الإقدام أو الإحجام والحث إنما يقع في الأفعال الاختيارية فإن الإنسان إنما يحث نفسه على ما هو من اختياره وصنعه
    وأما المعجوز عنه فلا يليق بالعاقل حث نفسه على الصعود إلى السماء ولا على أن يعمل لنفسه يدا زائدة أو عينا زائدة ولا يحث نفسه على أن يكون آدميا أو منتصب القامة لأن الأول متعذر عليه والثاني واقع بغير صنعه وإنما يحث نفسه على ما هو من صنعه كالصلاة والصوم حينئذ فتخرج حالة الإكراه على الحنث لأن الداعية حالة الإكراه ليست للفاعل على الحقيقة بل نشأت عن أسباب الإكراه فهي من غير صنعة في المعنى فلا جرم لم تندرج هذه الحالة في اليمين وأما الجهل والنسيان فالإنسان في الجهل يفعل المحلوف عليه جاهلا بأنه المحلوف عليه كمن يحلف أن لا يلبس ثوبا فيلتبس ذلك الثوب عليه بغيره فيلبسه وهو ذاكر لليمين جاهل بعين المحلوف عليه وفي النسيان على العكس من الجهل يفعل المحلوف عليه عالما بحقيقته ناسيا لليمين وفي الإكراه قد يكون ذاكرا لهما فهذا هو الفرق بين الحقائق الثلاث فالشافعي يقول إن الحنث المقصود من اليمين إنما يكون مع ذكر اليمين والمعرفة بعين المحلوف عليه بأن يقصد الحالف باليمين ترك المحلوف عليه لأجل اليمين وهذا لا يتصور إلا مع القصد إلى اليمين المحلوف عليه والمعرفة بهما فلما جهل اليمين في صورة النسيان والمحلوف عليه في صورة الجهل خرج هاتان الحالتان عما يقصده الناس بالإيمان وهو الترك لأجل اليمين لهذه القاعدة وإذا خرجا عن ذلك
    ____________________
    (3/146)
    كما أن الكذب الذي يقع من غير قصد كمن أخبر بالشيء على خلاف ما هو عليه معتقدا ما أخبر به والأمر بخلافه ليس بمحرم وإن صدق عليه أنه كذب لغة خلافا للمعتزلة في اشتراطهم القصد في حقيقة الكذب ويدل على صحة مذهب أهل السنة قوله عليه السلام كفى بالمرء كذبا إن يحدث بكل ما سمع فجعله عليه السلام كذبا مع أنه يعتقد صدق ما سمعه
    وكذلك قوله عليه السلام من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار يدل على أن الكذب قد يقع على غير وجه العمد فظهر أن الكذب قد يكون لا مع الإثم ومخالفة الأيمان من هذا القبيل وظهر الفرق بين قاعدة مخالفة النواهي وبين قاعدة مخالفة الأيمان إذا تقرر أن قاعدة الإيمان عدم التكرار فقد وقعت صور اختلف العلماء في بعضها أو في كلها وهي إذا خالف مقتضى اليمين حالة النسيان أو حالة الجهل أو حالة الإكراه فمذهب مالك اعتبار الحنث حالة النسيان والجهل دون الإكراه ومذهب الشافعي عدم اعتبار الحنث في الأحوال الثلاثة ووافقنا الشافعي وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل على الإكراه على اليمين وخالفنا أبو حنيفة في الإكراه على الحنث ووافقنا في النسيان والجهل وتلخيص مدرك الخلاف في هذه الحالات أن مقتضى اللغة حصول الحنث في هذه الأحوال الثلاثة لحصول مسمى المخالفة بمقتضى ما أخبر عن نفسه في الاستقبال لكن لما كانت اليمين إنما يقصد بها الناس حثهم على الإقدام أو الإحجام والحث إنما يقع في الأفعال الاختيارية فإن الإنسان إنما يحث نفسه على ما هو من اختياره وصنعه
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    خرجا عن اليمين والخارج عن اليمين لا يقع فيه حنث وحالة الإكراه قد خرجت بقوله عليه الصلاة والسلام لا طلاق في إغلاق أي في إكراه فيقاس على الطلاق غيره فلا يلزم فخرجت الأحوال الثلاثة الإكراه والنسيان والجهل عند الشافعي فإذا خالف الحالف اليمين في حالة من هذه الحالات لا يلزمه بذلك كفارة بل لا بد في لزومها من المخالفة مرة أخرى في حالة الاختيار واستحضار اليمين والعلم بالمحلوف عليه
    فاشترط الشافعي التكرر في الأحوال الثلاثة ومالك يقول الحلف وقع على الفعل المختار المكتسب ومقتضي ذلك أن يخرج الإكراه وحده
    ويبقى النسيان والجهل لأن الناسي لليمين مختار للفعل غير أنه نسي اليمين والجاهل مختار للفعل غير أنه جهل أن هذا غير المحلوف عليه وإذا وجد الاختيار والفعل المكتسب فقد وجد ما حلف عليه ووجدت حقيقة المخالفة فتلزم الكفارة فإذا وقع الفعل في حالة النسيان أو حالة الجهل انحلت اليمين ولزمت الكفارة ولا يشترط التكرر مرة أخرى ورأى أبو حنيفة أن الإكراه على الحنث لا يؤثر فيحنث المكره كما يحنث الناسي والجاهل قال الأصل والظاهر من جهة النظر قول الشافعي وهو أحد الأقوال عندنا بسبب أن الباعث للحالف على الحلف إنما هو أن تكون اليمين حاثة له على الترك وإلا كان يكفيه العزم على عدم الفعل من غير يمين وكان يستريح من لزوم الكفارة وإنما أقدم على اليمين ليكون استحضارها في نفسه مانعا من الإقدام والإحجام فإذا نسيها لم يقصد بهذه الحالة حالة الحلف التي هي حالة حضورها في نفسه حتى
    ____________________
    (3/147)
    وأما المعجوز عنه فلا يليق بالعاقل حث نفسه عليه ألا ترى أنه لا يحث نفسه على الصعود إلى السماء ولا على أن يعمل لنفسه يدا زائدة أو عينا زائدة ولا يحث نفسه على أن يكون آدميا أو منتصب القامة لأن الأول متعذر عليه والثاني واقع بغير صنعه ويحث نفسه على الصلاة والصوم لأنهما من صنعه فإذا تقرر أن الحث إنما يقع من الإنسان فيما هو من صنعه واختياره اتضح بذلك خروج حالة الإكراه على الحث لأن الداعية حالة الإكراه ليست للفاعل على الحقيقة بل نشأت عن أسباب الإكراه فهي من غير صنعه في المعنى
    فلا جرم لم تندرج هذه الحالة في اليمين وأما الجهل والنسيان فالإنسان في الجهل يفعل المحلوف عليه جاهلا بأنه المحلوف عليه كمن يحلف أن لا يلبس ثوبا فيلتبس ذلك الثوب عليه بغيره فيلبسه وهو ذاكر لليمين جاهل بعين المحلوف عليه وأما في النسيان فهو على العكس من الجهل يفعل المحلوف عليه عالما بحقيقته ناسيا لليمين وفي الإكراه قد يكون ذاكرا لهما فهذا هو الفرق بين هذه الحقائق الثلاث فالشافعي يقول إن الحث المقصود من اليمين إنما يكون مع ذكر اليمين والمعرفة بعين المحلوف عليه بأن يقصد الترك باليمين لأجل اليمين وهذا لا يتصور إلا مع القصد
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    تمنعه من الإقدام أو الإحجام وكذلك العلم بعين المحلوف عليه شرط في الحنث به فإذا جهله استحال مع الجهل الحنث على ما لم يعلمه فهاتان الحالتان يعلم خروجهما عن اليمين بقصد الحالفين فلا يلتزم فيهما حنث ويشترط التكرر
    وأما الإكراه على اليمين فلقوله عليه السلام لا طلاق في إغلاق أي في إكراه فيقاس على الطلاق غيره فلا يلزم أ ه وسلمه ابن الشاط التنبيه الثالث إذا قلنا بأن الإكراه على الحنث يمنع من لزوم موجب اليمين فأكره على أول مرة من الفعل ثم فعله مختارا حنث
    قاله ابن أبي زيد وهو مقتضى الفقه بسبب أن الإكراه لم يندرج في اليمين فالمرة الأولى من الفعل لكونها حصلت بالإكراه لا عبرة بها فلا تحصل بها مخالفة اليمين وما وقع بعدها من الفعل بالاختيار هو أول مرة صدرت مخالفة لليمين فهي المعتبرة دون ما قبلها فلم تتكرر المخالفة فتأمل ذلك وتقع هذه المسألة في الفتاوى كثيرا ويقع الغلط فيها للمفتين يقول السائل حلفت بالطلاق لا أخدم الأمير الفلاني في إقطاعه وقد أكرهت بالضرب الشديد على خدمته فيقول له المفتي لا حنث عليك مع أن ذلك الحالف مستمر على الخدمة مع زوال سبب الإكراه وإمكان الهروب منه والتغيب عن ذلك الأمير مع أنه يحنث بسبب أنه قد أتى عليه زمن يمكنه التغيب عن خدمة ذلك الأمير ولم يتغيب فقد خدمه مختارا فيحنث ومثل هذه المسألة إذا حلف بالطلاق لا يكلم زيدا فخالع امرأته وكلمه لم يلزمه بهذا الكلام فلو رد امرأته وكلمه حنث عند مالك رحمه الله بسبب أنه إنما قصد الحلف بالطلاق أن يحثه الطلاق على عدم كلامه بسبب أنه
    ____________________
    (3/148)
    إليهما والمعرفة بهما أعني اليمين والمحلوف عليه
    فإذا جهل اليمين في صورة النسيان أو المحلوف عليه في صورة الجهل فلم يوجدا في نفسه معا فما وجد المقصود من اليمين وهو الترك لأجل اليمين فهاتان الحالتان لا يقصدهما الناس بالأيمان لهذه القاعدة فخرجا عن اليمين والخارج عن اليمين لا يقع فيه حنث فخرجت الأحوال الثلاثة عند الإكراه والنسيان والجهل فإذا خالف اليمين في حالة من هذه الحالات لا يلزم بذلك كفارة ولا بد من المخالفة مرة أخرى في حالة الاختيار واستحضار اليمين والعلم بالمحلوف عليه فاشترط التكرر في الأحوال الثلاثة وأما مالك رحمه الله تعالى فقال الحلف وقع على الفعل المختار المكتسب ومقتضى ذلك أن يخرج الإكراه وحده ويبقى النسيان والجهل لأن الناسي لليمين مختار للفعل غير أنه نسي اليمين والجاهل مختار للفعل غير أنه جهل أن هذا عين المحلوف عليه وإذا وجد الاختيار والفعل المكتسب فقد وجد ما حلف عليه ووجدت حقيقة المخالفة فتلزمه الكفارة فإذا وقع الفعل في حالة النسيان أو الجهل انحلت اليمين ولزمت الكفارة ولا يشترط التكرر مرة أخرى والظاهر من جهة النظر قول الشافعي وهو أحد الأقوال عندنا بسبب أن الباعث للحالف على الحلف إنما هو أن تكون اليمين حاثة له على الترك وإلا كان يكفيه العزم على عدم الفعل من غير يمين وكان يستريح من لزوم الكفارة وإنما أقدم على اليمين ليكون استحضارها في نفسه مانعا له من الإقدام أو الإحجام فإذا نسيها لم يقصد بهذه الحالة حالة الحلف بل مقصوده محصور في حالة حضورها في نفسه حتى تمنعه
    وكذلك العلم بعين المحلوف عليه شرط في الحنث به فإذا جهله استحال مع الجهل الحث على ما لم يعلمه فهذه الحالة يعلم خروجها عن اليمين بقصد الحالفين فلا يلزم فيها حنث ويشترط التكرار وأما الإكراه على اليمين فلقوله عليه السلام لا طلاق في إغلاق أي في إكراه فيقاس على الطلاق غيره فلا يلزم ورأى أبو حنيفة أن الإكراه على الحنث لا يؤثر كما قاله مالك في الحنث حالة النسيان والجهل والظاهر خلافه لما تقدم من مقاصد الناس في أيمانهم تنبيه إذا قلنا بأن الإكراه على الحنث يمنع من لزوم موجب اليمين فأكره على أول مرة من الفعل ثم فعله مختارا حنث
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    يلزمه الطلاق حينئذ فما حلف إلا على نفي كلام يلزمه به الطلاق والكلام حالة الخلع لم يلزمه بالطلاق لعدم قبول المحل له فلا يكون من الكلام المحلوف عليه وأول كلام يقع بعد رد امرأته هو أول مخالفة
    ____________________
    (3/149)
    قاله ابن أبي زيد وهو مقتضى الفقه بسبب أن الإكراه لم يندرج في اليمين فالواقع بعد ذلك بالاختيار هو أول مرة صدرت مخالفة لليمين والأولى لا عبرة بها وتقع هذه المسألة في الفتاوى كثيرا ويقع الغلط فيها للمفتيين فيقول السائل حلفت بالطلاق لا أخدم الأمير الفلاني في إقطاعه وقد أكرهت بالضرب الشديد على خدمته فيقول له المفتي لا حنث عليك مع أن ذلك الحالف مستمر على الخدمة مع زوال سبب الإكراه وإمكان الهروب منه والتغيب عن ذلك الأمير وهذا يحنث بسبب أنه إذا مضى زمن يمكنه التغيب عن خدمة ذلك الأمير ولم يتغيب فقد خدمه مختارا فيحنث ولا يقال إن الخدمة السابقة حصل بها مخالفة اليمين والمخالفة لا تتكرر فلا يحنث بعد ذلك لأنا نقول الحالة السابقة لم تندرج في اليمين لأجل الإكراه والمرة الأخيرة التي هي أول الفعل الاختياري هي أول مخالفات اليمين فهي المعتبرة دون ما قبلها فتأمل ذلك ومثل هذه المسألة إذا حلف بالطلاق لا يكلم زيدا فخالع امرأته وكلمه لم يلزمه بهذا الكلام طلاق فلو رد امرأته وكلمه حنث عند مالك رحمه الله بسبب أنه إنما قصد الحلف بالطلاق أن يحثه الطلاق على عدم كلامه بسبب أنه يلزمه الطلاق حينئذ فما حلف إلا على نفي كلام يلزمه به الطلاق والكلام حالة الخلع لم يلزمه به طلاق لعدم قبول المحل له فلا يكون من الكلام المحلوف عليه وأول كلام يقع بعد رد امرأته هو أول مخالفة اليمين فيه فيلزم الطلاق به لا بما قبله لما قلناه في الإكراه حرفا بحرف فتأمل ذلك فهذه الصور الثلاثة المتقدمة يحصل فيها التكرر في صورة المخالفة لا في المخالفة المعتبرة بسبب ما تقدم تقريره الفرق الثالث والثلاثون والمائة بين قاعدة النقل العرفي وبين قاعدة الاستعمال المتكرر في العرف اعلم أن الاستعمال قد يتكرر في العرف ولا يكون اللفظ منقولا ألا ترى أن لفظ الأسد قد تكرر استعماله في الرجل الشجاع ولم يصر منقولا ونعني بالمنقول هو الذي يفهم عند الإطلاق بغير قرينة صارفة له عن الحقيقة ولفظ
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    اليمين فيه فيلزم الطلاق به لا بما قبله لما قلناه في الإكراه حرفا بحرف فتأمل ذلك وبالجملة فهذه الصور الثلاث المتقدمة يحصل فيها التكرر في صورة المخالفة مطلقا لا في المخالفة المعتبرة بسبب ما تقدم تقريره والله سبحانه وتعالى أعلم
    الفرق الثالث والثلاثون والمائة بين قاعدة النقل العرفي وبين قاعدة الاستعمال المتكرر في العرف النسبة بين المنقول العرفي والمتكرر العرفي هي العموم والخصوص المطلق لأن المنقول العرفي هو الذي
    ____________________
    (3/150)
    الأسد لا ينصرف عن الحقيقة إلى المجاز الذي هو الرجل الشجاع إلا بقرينة صارفة إليه وكذلك تكرر لفظ الغزال في المرأة الجميلة ولفظ الشمس والبدر وكذلك تكرر لفظ الغيث والبحر والغمام في الرجل السخي ومع ذلك لم يصر اللفظ منقولا فظهر حينئذ أن النقل أخص من التكرر وأن التكرر لا يلزم منه النقل لأن الأعم لا يستلزم الأخص وإذا لم يصر اللفظ منقولا بمجرد التكرر لا يجوز حمل اللفظ على شيء تكرر اللفظ فيه ولم يكن اللفظ موضوعا له إلا بقرينة ولا يعتمد على مطلق التكرر وبهذا الفرق بين هاتين القاعدتين يظهر بطلان ما وقع في مذهبنا في المدونة أن من حلف لا يفعل شيئا حينا أو زمنا أو دهرا فذلك كله سنة وقال الشافعي يحمل على العرف في هذه الألفاظ
    وقال أبو حنيفة وابن حنبل ذلك ستة أشهر لقوله تعالى تؤتي أكلها كل حين أي في ستة أشهر وليس الأمر كما قالاه بل النخلة من ابتداء حملها إلى نهايته تسعة أشهر وحينئذ تعطي ثمرها وهو أحد الوجوه التي وقعت المشابهة فيها بين النخلة وبين بنات آدم وقد ذكر ذلك في قوله عليه السلام أكرموا عمتكم النخلة قالوا لأنها خلقت من فضلة طينة آدم فهي عمة بهذا المعنى وقد حصلت المشابهة بينها وبين بني آدم من أربعة عشر وجها أحدها هذا الوجه وروى ابن وهب عن مالك ترددا في الدهر هل هو سنة أم لا وروي عن ابن عباس
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    يفهم عند الإطلاق بغير قرينة صارفة له عن الحقيقة والمتكرر العرفي هو ما استعمل في معناه وفي غير معناه سواء كان مع القرينة الصارفة له عن معناه أو كان بدونها فكل منقول متكرر وليس كل متكرر منقولا لصدق المتكرر بدون المنقول على الأسد في الرجل الشجاع وعلى لفظ الغزال والشمس والبدر في المرأة الجميلة ولفظ الغيث والبحر والغمام في الرجل السخي ونحو ذلك مما لا ينصرف عن حقيقته إلى المجاز إلا بقرينة صارفة إليه فالنقل أخص من التكرر ولا يلزم من التكرر النقل لأن الأعم لا يستلزم الأخص وإذا لم يصر اللفظ منقولا بمجرد التكرر لا يجوز حمل اللفظ على شيء تكرر اللفظ فيه ولم يكن اللفظ موضوعا له إلا بقرينة ولا يعتمد على مطلق التكرر فظهر الفرق بين هاتين القاعدتين وبه يظهر بطلان ما وقع في مذهبنا في المدونة أن من حلف لا أفعل شيئا حينا أو زمنا أو دهرا ولا نية له فذلك كله سنة وقال الشافعي يحمل على العرف في هذه الألفاظ
    وقال أبو حنيفة وابن حنبل ذلك ستة أشهر لقوله تعالى تؤتي أكلها كل حين أي في ستة أشهر وليس الأمر كما قالاه بل النخلة من ابتداء حملها إلى نهايته تسعة أشهر تعطي ثمرها حينئذ وهو أحد الوجوه الأربعة عشر التي وقعت المشابهة فيها بين النخلة وبين بنات آدم وقد ذكر ذلك في قوله عليه الصلاة والسلام أكرموا عمتكم النخلة قالوا لأنها خلقت من فضلة طينة آدم فهي عمة بهذا المعنى وروى ابن وهب عن مالك ترددا في الدهر هل هو سنة أم لا وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سنة لقوله تعالى تؤتي أكلها كل حين إشارة إلى
    ____________________
    (3/151)
    رضي الله عنهما أنه سنة لقوله تعالى تؤتي أكلها كل حين إشارة إلى أن الثمرة إذا حملت في وقت لا تحمل بعد ذلك إلا في ذلك الوقت وهذه الإشارات كلها إلى أصل وجود الاستعمال ولا يلزم من حصول أصل الاستعمال أن يحمل اللفظ عليه من غير قرينة صارفة ولا يلزم من استعمال اللفظ المتواطئ في بعض أفراده مرة واحدة أو مرات أن يقال له شرعي ولا عرفي بل ذلك شأن استعمال اللفظ المتواطئ ينتقل في أفراده والمنقول في اللغة أن الحين اسم لجزء ما من الزمان وإن قل فهو يصدق على القليل والكثير فالمتجه ما قاله الشافعي رضي الله عنه فقد ظهر الفرق بين قاعدة كثرة الاستعمال وقاعدة النقل وظهر بظهوره الحق في هذه المسائل لأن الكلام فيها مع عدم النية
    الفرق الرابع والثلاثون والمائة بين قاعدة تعذر المحلوف عليه عقلا وبين قاعدة تعذره عادة أو شرعا اعلم أنه إذا حلف ليفعلن كذا وتعذر الفعل عقلا لم يحنث إذا لم يمكنه الفعل قبل ذلك فإن أمكنه ثم تعذر حنث والفرق بين التعذر العقلي وغيره أن الناس إنما يقصدون بأيمانهم الحنث على الفعل الممكن لهم أما المتعذر عقلا فلم يوضع اللفظ في القسم حاثا عليه فلذلك المتعذر عقلا لا يوجب حنثا لأن الحلف على الشيء مشروط بإمكانه وفوات الشرط يقتضي عدم المشروط فلا
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    أن النخلة إذا حملت بالثمرة في وقت لا تحمل بعد ذلك إلا في ذلك الوقت وهذه الإشارات كلها إلى أصل وجوه الاستعمال ولا يلزم من حصول أصل الاستعمال أن يحمل اللفظ عليه من غير قرينة صارفة والمنقول في اللغة أن الحين اسم لجزء ما من الزمان وإن قل فهو يصدق على القليل والكثير من قبيل صدق المتواطئ على أفراده ولا يلزم من استعمال اللفظ المتواطئ في بعض أفراده مرة واحدة أو مرات أن يقال له شرعي ولا عرفي بل ذلك شأن استعمال اللفظ المتواطئ ينتقل في أفراده فالمتجه ما قاله الشافعي رضي الله عنه فقد ظهر الفرق بين قاعدة كثرة الاستعمال وقاعدة النقل وظهر بظهوره الحق في هذه المسائل والله سبحانه وتعالى أعلم
    الفرق الرابع والثلاثون والمائة بين قاعدة تعذر المحلوف عليه عقلا وبين قاعدة تعذره عادة أو شرعا وهو أن الناس إنما يقصدون بأيمانهم الحث على الفعل الممكن لهم فالحلف على الشيء مشروط بإمكانه والمتعذر عقلا ليس بممكن فلم يوضع اللفظ في القسم حاثا عليه فلا يوجب حنثا لأن فوات الشرط يوجب عدم المشروط فإذا حلف ليفعلن كذا وتعذر الفعل عقلا لم يحنث إلا إذا أمكنه الفعل قبل ذلك ثم تعذر فإنه يحنث والمراد بالمتعذر عقلا ما كان فعله من خوارق العادات فلذا قال ابن القاسم والشافعي إذا حلف ليذبحن الحمامة فقام مكانه فوجدها ميتة لا حنث عليه وقال مالك الحالف ليضربن امرأته إلى سنة
    ____________________
    (3/152)
    يبقى الفعل محلوفا عليه فلا يضره عدم فعله أما التعذر العادي أو الشرعي الذي يكون الفعل معه ممكنا عادة فهذا مندرج في اليمين عملا بظاهر اللفظ فإن الحلف اقتضى الفعل في جميع الأحوال إلا ما دل الدليل على إخراجه وقيل المتعذرات كلها سواء وفي الفرق عدة مسائل المسألة الأولى إذا حلف ليذبحن الحمامة فقام مكانه فوجدها ميتة قال ابن القاسم والشافعي لا حنث عليه بخلاف لو حلف ليبيعن أمته فيجدها حاملا عند ابن القاسم يحنث لأن المانع شرعي وسوى بينهما سحنون في عدم الحنث قال مالك الحالف ليضربن امرأته إلى سنة فتموت قبل السنة لم يحنث بموتها وهو على بر قال عبد الحق في تهذيب الطالب إن حلف ليركبن الدابة فتسرق يحنث عند ابن القاسم لأن الفعل ممكن عادة وإنما منعه السارق بخلاف موت الحمام وقال أشهب لا يحنث لأنه متعذر بسبب السرقة فإن ماتت قبل التمكن بر لتعذر الفعل عقلا ومنع الغاصب والمستحق كالسارق وإن حلف ليضربن عبده فكاتبه أو ليبيعن أمته فوجدها حاملا يحنث لأن المانع شرعي والفعل ممكن وقال سحنون لا يحنث لأنه متعذر وإن حلف ليطأها فوجدها حائضا يخرج الحنث على الخلاف
    وقال أشهب إن حلف ليصومن رمضان وشوالا إن صام يوم الفطر بر وإلا حنث تنبيه ومعنى قول الأصحاب الفعل متعذر عقلا يريدون أن فعله من خوارق العادات وإلا فيمكن عقلا أن الله تعالى يحيي الحمام والحيوان حتى يتأتى فيه أفعال الأحياء لكن ذلك خارق للعادة بخلاف السارق ونحوه لا يقال إن الفعل مستحيل عادة فإن من
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    فتموت قبل السنة لم يحنث بموتها وهو على بر فجعلوا موت الحمام والحيوان من المتعذر عقلا مع أنه يمكن عقلا أن الله تعالى يحي الحمام والحيوان حتى يتأتى فيه أفعال الأحياء لكن ذلك خارق للعادة أما المتعذر عادة وهو ما يكون الفعل معه ممكنا شرعا وعقلا أو المتعذر شرعا وهو ما يكون الفعل معه ممكنا عادة وعقلا فهما مندرجان في اليمين عملا بظاهر اللفظ فإن الحلف اقتضى الفعل في جميع الأحوال إلا ما دل الدليل على إخراجه وقيل المتعذرات كلها سواء قال عبد الحق في تهذيب الطالب إن حلف ليركبن الدابة فتسرق يحنث عند ابن القاسم لأن الفعل أي في ذاته ممكن عادة وإنما منعه السارق بخلاف موت الحمام وقال أشهب لا يحنث لأنه متعذر أي عادة بسبب السرقة فإن ماتت قبل التمكن بر لتعذر الفعل عقلا ومنع الغاصب والمستحق كالسارق وإن حلف ليضربن عبده فكاتبه أو ليبيعن أمته فوجدها حاملا يحنث لأن المانع شرعي والفعل أي في ذاته ممكن أي عادة وعقلا
    وقال سحنون لا يحنث لأنه متعذر أي شرعا وإن حلف ليطأها فوجدها حائضا يخرج الحنث على الخلاف وقال أشهب إن حلف ليصومن رمضان وشوالا إن صام يوم الفطر بر وإلا حنث وليس الفعل مع السارق ونحوه بمستحيل عادة لأن من الممكن عادة القدرة على السارق والغاصب
    ____________________
    (3/153)
    الممكن عادة القدرة على السارق والغاصب ويفعل ما حلف عليه فهذا تحرير القاعدتين والفرق بينهما
    الفرق الخامس والثلاثون والمائة بين قاعدة المساجد الثلاثة يجب المشي إليها والصلاة فيها إذا نذرها وقاعدة غيرها من المساجد لا يجب المشي إليها إذا نذر الصلاة فيهما
    هامش أنوار البروق
    قال الفرق الخامس والثلاثون والمائة بين قاعدة المساجد الثلاثة يجب المشي إليها والصلاة فيها إذا نذرها وقاعدة غيرها من المساجد لا يجب المشي إليها إذا نذر الصلاة فيها قلت ما حكاه لا كلام فيه وما قاله من أن الحديث يقتضي عدم لزوم المشي إلى غيرها ليس كما
    هامش إدرار الشروق
    ويفعل ما حلف عليه كذا في الأصل وسلمه ابن الشاط وفي المجموع وشرحه وحاشيتيه ما حاصله وحنث بفوت ما حلف عليه حيث لا نية له إن قدر مثلا ولا بساط بذلك ولو لمانع شرعي مطلقا أي تأخر أم لا فرط أم لا أقت أم لا ومن المانع الشرعي أن يحلف ليصومن غدا فمرض فإنه دائر بين العادي حيث لم يطلقه والشرعي لحرمة ضرر نفسه وأما إن ظهر أنه عيد فنقل السيد عند قوله أن يكره عن عج عن ابن عرفة عدم الحنث لأن بساط يمينه إن كان يصام ومن المانع الشرعي أيضا حلفه ليبيعن الأمة فوجدها حملت منه أو ليطأنها الليلة فحاضت فيها فيحنث فيهما وأما ليطأنها وأطلق فينتظر طهرها وانظر لم لا يجعلونهما كمسألة يوم العيد السابقة
    وكأنه لما كان الحمل والحيض من الأمور التي تطرأ أرجعوهما للموانع وأما العيدية فذاتية يوم العيد لا تنفك عنه على أن مسائل الأيمان خلافية جدا فربما وقع فيها تلفيق من قولين فلم تجر على وتيرة واحدة كعادي متأخر عن اليمين فرط أم لا أقت أم لا كسرقة الحمام في ليذبحنه كعقلي تشبيه بالعادي في الحنث مع التأخر وقوله إن فرط ولم يؤقت قيد في المشبه فإن بادر وأقت ولم يبادر فلا حنث قال البليدي ومن أمثلة ذلك ما إذا حلف ضيف على صاحب الدار لا يذبح فتبين أنه قد ذبح أو ليفتضن زوجته فوجد عذرتها سقطت فلا حنث أي لأن رفع الواقع وتحصيل الحاصل محال عقلا فهو مانع متقدم ومن حسن نظم عج إذا فات محلوف عليه لمانع إذا كان شرعيا فحنثه مطلقا كعقلي أو عاد إن يتأخر وفرط حتى فات دام لك البقا وإن وقت أو قد كان منه تبادر فحنثه بالعادي لا غير حققا وإن كان كل قد تقدم منهما فلا حنث في حال فخذه محققا ا ه والله سبحانه وتعالى أعلم
    الفرق الخامس والثلاثون والمائة بين قاعدة المساجد الثلاثة يجب المشي إليها والصلاة فيها إذا نذرها وبين قاعدة غيرها من المساجد لا يجب المشي إليها إذا نذر الصلاة فيها مع أن القاعدة في النذر أنه لا يجزئ فعل الأعلى عن فعل الأدنى إذا نذره فمن نذر أن يتصدق برغيف
    ____________________
    (3/154)
    قال مالك رحمه الله في المدونة إذا قال علي أن آتي إلى المدينة أو بيت المقدس أو المشي إليها فلا يأتي إليهما حتى ينوي الصلاة في مسجديهما أو ما يلازم ذلك وإلا فلا شيء عليه ولو نذر الصلاة في غيرها من المساجد صلى بموضعه وقاله الشافعي وأحمد بن حنبل وقال اللخمي قال القاضي إسماعيل ناذر الصلاة في المسجد الحرام لا يلزمه المشي إذا نذره قال والمشي في ذلك كله أفضل لأن المشي في القرب أفضل وهو قربة قال ومقتضى أصل مالك أن يأتي المكي المدينة لأنها أفضل فإتيانها من مكة قربة بخلاف الإتيان من المدينة إلى مكة وقدم الشافعي وأحمد بن حنبل المسجد الحرام عليها قال ابن يونس يمشي إلى غير الثلاثة المساجد من المساجد إن كان قريبا كالأميال اليسيرة ماشيا ويصلي فيه قال ابن حبيب إذا كان بموضعه مسجد جمعة لزمه المشي إليه وقال مالك وبه أفتى ابن عباس من بمسجد قباء وهو من المدينة على ثلاثة أميال وفي الجواهر الناذر
    هامش أنوار البروق
    قال بل يقتضي عدم إعمال المطي إلى غيرها
    والمراد بذلك والله أعلم أن لا يتحمل مشقة السفر الذي يحوج إلى إعمال المطي إلا لهذه المساجد فيبقى السفر الذي لا يحوج إلى إعمال المطي وما دون ذلك مما ليس بسفر مسكوتا عنه في الحديث وما قاله من أن كل ما وجب المشي إليه وجب إعمال الركاب إليه وإلا فلا دعوى لا حجة فيما ذكر عليها والله أعلم
    قال وسر الفرق أن النذر لا يؤثر إلا في مندوب إلى قوله فلا يجب الإتيان إلى شيء منها لعدم الرجحان
    هامش إدرار الشروق
    لا يجزئه أن يتصدق بثوب وإن كان أعظم منه وقعا عند الله تعالى وعند المسلمين ومن نذر أن يصوم يوما لم يجزه أن يصليه بدلا عن الصوم وإن كانت الصلاة أفضل في نظر الشرع ومن نذر أن يحج لم يجزه أن يتصدق بآلاف من الدنانير على الأولياء والضعفاء ولا أن يصلي الستين مع أن الصلاة أفضل من الحج ونظائر ذلك كثيرة وإنما لم يجز فعل الأعلى عن فعل الأدنى وإن كان الأعلى أعظم قدرا لأن في ترك الأدنى المنذور مخالفة النذر وإذا خولف المنذور حصل ارتكاب الممنوع وهو عدم الوفاء لله تعالى بما التزم لوجهه فما وجه مخالفة الفقهاء هذه القاعدة فيمن نذر الصلاة في غير مسجد من المساجد الثلاثة وفيمن نذر الصلاة في المسجد الأقصى وهو بمكة أو المدينة حيث قال مالك في المدونة إذا قال على أن آتي إلى المدينة أو بيت المقدس أو المشي إليهما فلا يأتي إليهما حتى ينوي الصلاة في مسجديهما أو ما يلازم ذلك وإلا فلا شيء عليه ولو نذر الصلاة في غيرهما من المساجد صلى بموضعه وقاله الشافعي وأحمد بن حنبل
    وقال اللخمي قال القاضي إسماعيل ناذر الصلاة في المسجد الحرام لا يلزمه المشي إذا نذره قال والمشي في ذلك كله أفضل لأن المشي في القرب أفضل وهو قربة وهو مقتضى أصل مالك أن يأتي المكي المدينة لأنها أفضل فإتيانها من مكة قربة بخلاف الإتيان من المدينة إلى مكة وقدم الشافعي وأحمد بن حنبل المسجد الحرام عليها قال ابن يونس يمشي إلى غير الثلاثة المساجد من المساجد إن كان قريبا كالأميال
    ____________________
    (3/155)
    إن كان بمكة أو المدينة ونذر بيت المقدس يصلي في مسجد موضعه لأنه أفضل وإن كان بالأقصى مضى إليهما ويمشي المكي إلى المدينة والمدني إلى مكة للخروج من الخلاف وأصل الباب قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعمل المطي إلا لثلاثة مساجد مسجدي هذا ومسجد إيلياء والمسجد الحرام فاقتضى ذلك عدم لزوم المشي إلى غيرها فإن كل ما وجب المشي إليه وجب إعمال الركاب إليه وإلا فلا وسر الفرق أن النذر لا يؤثر إلا في مندوب فما لا رجحان في فعله في نظر الشرع لا يؤثر فيه النذر وسائر المساجد مستوية من جهة أنها بيوت القرب والتقرب إلى الله تعالى بالصلاة فيها فلا يجب الإتيان إلى شيء منها لعدم الرجحان فإن قلت إن المساجد أفضل من غيرها إجماعا
    وبعضها أفضل من بعض إما لكثرة طاعة الله تعالى فيها وإما لقدم هجرته أو لكثرة جماعته أو غير ذلك من أسباب التفضيل ومقتضى ذلك وجوب الصلاة فيها إذا نذرت لأجل الرجحان في نظر الشرع قلت سؤال جليل والجواب عنه أن القاعدة الشرعية أن الفعل قد يكون راجحا في
    هامش أنوار البروق
    قلت ما قاله من استواء المساجد وعدم الرجحان فيها دعوى لم يأت عليها بحجة
    قال فإن قلت إن المساجد أفضل من غيرها إجماعا وبعضها أفضل من بعض إلى قوله بل ورد الحديث المتقدم بعدم ذلك قلت ما قرره من القاعدة صحيح نقول بموجبه ولا يلزم عنه مقصوده وما قاله من اعتقاد رجحان المساجد على غيرها أو رجحان بعضها على بعض لا يوجب اعتقاد ضم الصلاة إليها ليس
    هامش إدرار الشروق
    اليسيرة ماشيا ويصلي فيه قال ابن حبيب إذا كان بموضعه مسجد جمعة لزمه المشي إليه وقال مالك وبه أفتى ابن عباس من بمسجد قباء وهو من المدينة على ثلاثة أميال وفي الجواهر الناذر إن كان بمكة أو المدينة ونذر بيت المقدس يصلي في مسجد موضعه لأنه أفضل وإن كان بالأقصى مضى إليهما ويمشي المكي إلى المدينة والمدني إلى مكة للخروج من الخلاف
    وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعمل المطي إلا لثلاثة مساجد مسجدي هذا ومسجد إيلياء والمسجد الحرام إنما ورد بعدم إعمال المطي لا بعدم المشي جملة وإعمال المطي أخص من المشي مطلقا ونفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم فالمراد بالحديث والله أعلم أن لا يتحمل مشقة السفر الذي يحوج إلى إعمال المطي إلا لهذه المساجد فيتبقى السفر الذي لا يحوج إلى إعمال المطي
    وما دون ذلك مما ليس سفرا مسكوت عنه في الحديث قلت لم يخالف الفقهاء القاعدة المذكورة في مسألة ناذر الصلاة في المسجد الأقصى أو في غير مسجد من المساجد الثلاثة ضرورة أن القاعدة إنما اقتضت منع نيابة الجنس الأعلى من العبادات عن الجنس الأدنى منها وكذلك نيابة الجنس الأعلى من متعلق العبادات عن الجنس الأدنى منه لأن في ذلك مخالفة النذر فلم ينب القمح عن الشعير ولا الصلاة عن الصوم مثلا إلا أنه لم ينذر القمح ولا الصلاة فلو فعل التصدق بالقمح بدل الشعير أو فعل الصلاة بدل الصوم لكان قد خالف ما التزمه لله تعالى وليس للنذر
    ____________________
    (3/156)
    نفسه ولا يكون ضمه لراجح آخر في نفسه راجحا في نظر الشرع وقد يكون ضمه راجحا فمن الأول الصلاة والحج راجحان في نظر الشرع كل واحد منهما في نفسه وليس ضمهما راجحا في نظر الشرع والصوم والزكاة راجحان منفردين وليس ضمهما راجحا في نظر الشرع بل قد يكون الفعلان راجحين في نظر الشرع وضمهما مرجوح في نظر الشرع كالصوم والوقوف بعرفة والتنفل في المصلى مع صلاة العيد والركوع وقراءة القرآن لقوله عليه السلام نهيت أن أقرأ القرآن راكعا وساجدا والدعاء في بعض أجزاء الصلاة كما قبل التشهد ونحوه ومما رجح منفردا ومجتمعا الصوم والاعتكاف والتسبيح والركوع ونحو ذلك وقد تقدم بسط هذه القاعدة فاعتقاد رجحان المساجد على غيرهما أو رجحان بعضها على بعض لا يوجب اعتقاد ضم الصلاة إليها لأن اعتقاد الرجحان الشرعي يتوقف على مدرك شرعي ولم يرد بل ورد الحديث المتقدم بعد ذلك وليس لك أن تقول إن رجحانها إنما ثبت باعتبار الصلاة فيها فإني أمنع ذلك بل ما دل الدليل على رجحانها باعتبار الصلاة إلا باعتبار صلاة الفرض دون النفل من الصلاة لقوله عليه السلام خير
    هامش أنوار البروق
    بصحيح فإن المساجد لا معنى لفضلها على غيرها أو فضل بعضها على بعض إلا بالنسبة إلى الصلاة فيها لا باعتبارها في أنفسها وما قاله من أن الرجحان الشرعي يتوقف على مدرك شرعي صحيح والمدرك الشرعي في ذلك الأمر المعلوم من الدين ضرورة أن الصلاة المكتوبة في المسجد أفضل منها في غيره وقوله بل ورد الحديث المتقدم بعدم ذلك ليس بصحيح بل ورد بعدم إعمال المطي لا بعدم المشي جملة فإن إعمال المطي أخص من المشي مطلقا ونفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم
    هامش إدرار الشروق
    أثر إلا في تصيير المندوب من حيث هو مندوب خاصة واجبا وأما نيابة الصفة العليا من صفات متعلق العبادة عن الدنيا فلا تقتضي القاعدة منعه لأنه ليس فيه مخالفة للنذر فيجوز الفرق بين الأمرين أن جنس العبادة أو جنس متعلقها هو جنس مقصود من مقاصد الشرع وأما صفة متعلق العبادات فإنما هو صفة ليست مقصودا للشارع وعلى الصفة تتخرج المسألة المذكورة فلا إشكال أصلا قاله ابن الشاط
    قال وتلخيص القول في المنذورات عندي أن الناذر عملا إذا نذر من أعمال البر فإنه لا يخلو من أن يكون منذوره ذلك معين الشخص كما إذا قال لله علي أن أعتق هذا العبد أو أتصدق بهذا الثوب أو لا يكون منذوره ذلك معين الشخص فإن كان منذوره ذلك معين الشخص فإنه لا يجزئه في الخروج عن عهدة ذلك النذر إلا ذلك المعين أو لم يكن منذوره ذلك معين الشخص فلا يخلو من أن يكون معين النوع كما إذا قال لله علي أن أصوم أو لا يكون كذلك فإن كان معين النوع فلا يخلو مع كونه معين النوع من أن يكون معين الصفة أو لا يكون كذلك فإن كان معين الصفة فلا يخلو من أن تكون الصفة مما يتعلق بها مقصد شرعي أو لا تكون كذلك
    فإن كان معين النوع فقط فلا يجزئه إلا ذلك النوع بأي صفة كان وإن كان معين النوع والصفة والصفة متعلق المقصد الشرعي فلا يجزئه إلا كذلك وإن كان معين النوع والصفة مما لا يتعلق بها مقصد شرعي فلا يجزئه بأدنى من تلك الصفة ويجزئه بأعلى منها وعلى هذا القسم تتخرج المسألة المذكورة وإن كان غير معين النوع كما إذا قال لله علي أن أعمل عملا صالحا فإنه يجزئه أي
    ____________________
    (3/157)
    صلاة أحدكم في بيته إلا المكتوبة مع أن المساجد من حيث هي مساجد مستوية بالنسبة إلى المكتوبة أيضا حتى يرد دليل شرعي يقتضي رجحان بعضها على بعض باعتبار فرض أو نفل فإن الرجحان الشرعي حكم شرعي يتوقف على مدرك شرعي والحديث السابق اقتضى عكس ذلك فلا يجب السعي حينئذ إلى مسجد غير الثلاثة وإن نذره
    وأما ما وقع من قوله يمشي إلى القريب فمراعاة لضرورة النذر على وجه الندب دون الإلزام وقول ابن حبيب يمشي إلى مسجد الجمعة مشكل يتوقف ذلك على دليل يدل عليه لما تقدم من القاعدة وكذلك قول الأصحاب يمشي إلى المسجد القريب استحسان من غير مدرك ظاهر والصواب ما تقدم فإن قلت القاعدة في النذر أنه لا يجزئ فعل الأعلى عن فعل الأدنى إذا نذره فمن نذر أن يتصدق برغيف لا يجزئه أن يتصدق بثوب وإن كان أعظم منه وقعا عند الله تعالى وعند المسلمين ومن نذر أن يصوم يوما لم يجزه أن يصليه بدلا عن الصوم وإن كانت الصلاة أفضل في نظر الشرع ومن نذر أن يحج لم يجزه أن
    هامش أنوار البروق
    قال وليس لك أن تقول إن رجحانها إنما ثبت باعتبار الصلاة إلى قوله فلا يجب السعي حينئذ إلى مسجد غير الثلاثة وإن نذره قلت ما قاله من أن المساجد مستوية بالنسبة إلى المكتوبة مع تسليمه قبل هذا أن بعضها أفضل من بعض لا يتبين لي معناه وإذا لم تكن الأعمال في بعض المساجد أفضل من الأعمال في غيره فما المراد بفضل بعضها على بعض وما قاله من أن الحكم الشرعي يتوقف على مدرك شرعي
    هامش إدرار الشروق
    عمل من أعمال البر عمله ا ه ومنه يتضح الفرق بين قاعدة وجوب المشي على من نذر الصلاة في أحد المساجد الثلاثة وهو بغيرها وبين قاعدة عدم وجوب المشي على من نذر المشي لمسجد من غير المساجد الثلاثة
    وهو في أحدها لأن القاعدتين من قسم ما تعين فيه النوع المنذور وصفته التي هي زيادة مضاعفة ذلك النوع في أحد المساجد الثلاثة على مضاعفته في غيرها من المساجد مع كون تلك الصفة مما لا يتعلق بها مقصد شرعي والحكم في هذا القسم كما علمت أنه لا يجزئ بأدنى من تلك الصفة ويجزئ بأعلى منها فوجب المشي في القاعدة الأولى لكون النوع المعين المنذور فيها أعلى مضاعفة في المساجد الثلاثة من مضاعفته في غيرها من المساجد فيجزئ وقد علمت أن شأن النذر تصيير المندوب من حيث هو مندوب واجبا ووسيلة الواجب واجبة فلذا وجب المشي هنا ولم يجب في القاعدة الثانية لكون النوع المعين المنذور فيها أدنى مضاعفة في مسجد من غير المساجد الثلاثة من مضاعفته في واحد منها فلا يجزئ إلا فعله فيما هو فيه من المساجد الثلاثة لكونه فيه أعلى مضاعفة فلذا لم يجب المشي هنا فتأمل ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم تنبيه قال العلامة الشيخ منصور بن إدريس الحنبلي في شرحه كشاف القناع على متن الإقناع عند قوله وإذا فرغ من الحج استحب له زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه رضي الله عنهما ما نصه لحديث الدارقطني عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي
    ____________________
    (3/158)
    يتصدق بآلاف من الدنانير على الأولياء والضعفاء ولا أن يصلي السنين مع أن الصلاة أفضل من الحج ونظائر ذلك كثيرة
    وإذا تقررت هذه القاعدة كيف صح في هذا الباب أن من نذر أن يصلي ببيت المقدس يصلي بالمدينة أو بمكة إذا كان مقيما بهما ولا يأتي بيت المقدس وغايته أنه ترك المفضول لفعل الفاضل والقاعدة منع ذلك فكيف ساغ ذلك هنا قلت ظاهر كلام الأصحاب أنه يصلي بالحرمين إذا كان مقيما بهما حالة النذر لأنه حينئذ نذر الخروج وترك الصلاة في الحرمين حتى يصليها ببيت المقدس فقد نذر المرجوح والنذر لا يؤثر في المرجوح بل في المندوب الراجح
    هامش أنوار البروق
    صحيح وما قاله من أن الحديث السابق يقتضي عكس ذلك ليس بصحيح وقد سبق بيانه قال وأما ما وقع من قوله يمشي إلى القريب فمراعاة لضرورة النذر على وجه الندب دون الإلزام قلت ما قاله في ذلك كلام ضعيف لا يصح إلا بحجة ولم يأت بها قال وقول ابن حبيب يمشي إلى مسجد الجمعة مشكل إلى قوله من القاعدة قلت إن ثبت له دليل فلا إشكال وإلا أشكل قال وكذلك قول الأصحاب يمشي إلى المسجد القريب استحسان من غير مدرك والصواب ما تقدم قلت كلامه هذا كلام متناقض وكيف يصح أن يكون قول الأصحاب استحسانا من غير مدرك وهل الاستحسان إلا مدرك عند القائلين به
    قال فإن قلت القاعدة في النذر أنه لا يجزئ فعل الأعلى عن فعل الأدنى إلى قوله ونظائر ذلك كثيرة قلت إنما لم يجزه فعل الأعلى عن فعل الأدنى وإن كان الأعلى أعظم قدرا لأن في ترك الأدنى المنذور مخالفة النذر وإذا خولف المنذور حصل ارتكاب الممنوع وهو عدم الوفاء لله تعالى بما التزم لوجهه
    قال وإذا تقررت هذه القاعدة كيف صح في هذا الباب أن من نذر أن يصلي بالبيت المقدس يصلي بالمدينة أو بمكة إلى قوله ينبغي أن يتعين عليه قلت نقول إذا كان الناذر مقيما بالحرمين كان في ضمن نذره الصلاة ببيت المقدس ترك الراجح وهو الصلاة بالمسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الذي قاله ليس بالظاهر وإنما يكون الأمر كذلك لو لم يكن ترك التنفل بالمسجدين جائزا أما وترك التنفل بهما جائز فلا يلزم ذلك فالظاهر ورود السؤال
    هامش إدرار الشروق
    وفي رواية من زار قبري وجبت له شفاعتي رواه باللفظ الأول سعيد قال ابن نصر الله لازم استحباب زيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام استحباب شد الرحال إليها لأن زيارة الحاج بعد حجه لا تمكن بدون شد الرحل فهذا كالتصريح باستحباب شد الرحل لزيارته عليه الصلاة والسلام ا ه قلت ولعل إمامنا مالكا
    ____________________
    (3/159)
    أما لو كان بغير المواضع الثلاثة من أقطار الدنيا ونذر المشي إلى البيت المقدس ينبغي أن يتعين عليه أو يقال الصلاة من حيث هي صلاة حقيقة واحدة فالعدول فيها عن الصفة الدنيا إلى الصفة العليا لا يقدح في موجب النذر ألا ترى أنه لو نذر أن يتصدق بثوب خلق أو غليظ وغير ذلك من الصفات التي لا تتضمن مصلحة بل هي مرجوحة في الثياب فتصدق بثوب جديد أو غير ذلك من الثياب الموصوفة بالصفات الجيدة فإنه يجزئه فإن النذر لما ورد على الثوب الخلق ورد على شيئين أحدهما أصل الثوب والآخر صفته
    هامش أنوار البروق
    قال أو يقال الصلاة من حيث هي صلاة حقيقة واحدة إلى قوله فيجزئ ضده قلت كأنه في هذا الوجه من الجواب رام الفرق فيما بين الجنسين والصفتين ففي الجنسين لا ينوب الأعلى عن الأدنى بخلاف الصفتين مع اتحاد الجنس فإنه تنوب الصفة العليا عن الدنيا وهذا الوجه وإن كان أظهر من الأول من جهة أن الصفة الدنيا ليست راجحة في نظر الشرع فإنه لا يقوى أيضا من جهة أن فيه مخالفة النذر من حيث الجملة قال فكذلك ها هنا لما نذر الصلاة ببيت المقدس نذر أصل الصلاة موصوفة بخمسمائة صلاة كما ورد في الحديث قلت لا يخفى ما في كلامه هذا من المسامحة في قوله موصوفة بخمسمائة صلاة وهو وإن كان في معنى موصوفة بأنها تعدل خمسمائة صلاة ليس من أوصاف المنذور حقيقة كما في الثوبين الجديد والخلق بل هو من أوصاف المنذور إضافة باعتبار الجزاء عليه وتنظير الوصف الإضافي بالحقيقي فيه ما فيه
    قال وهذه الخمسمائة هي بعينها في الحرمين مع زيادة خمسمائة أخرى لقوله عليه الصلاة والسلام صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة في غيره إلا المسجد الحرام قلت ليس والخمسمائة التي في بيت المقدس هي بعينها التي في الحرمين مع الزيادة ولا يصح ذلك كيف والأفعال تختلف باختلاف المكان والزمان وغير ذلك من الأمور الموجبة لاختلاف كل فعلين داخلين تحت جنس واحد مع أن هذه الخمسمائة ليست أفعالا واقعة من المكلف بل هي جزاء على فعله صلاة واحدة في البيت المقدس فكل كلامه هذا غير محقق ولا محصل إلا أن يريد أن المجزى عليه بخمسمائة والمجزى عليه بألف جنس واحد وهو الصلاة فلذلك وجه إلا أن عبارته بعيدة عن احتمال ذلك جدا
    قال فكل ما هو مطلوب للشرع في البيت المقدس هو موجود في الحرمين من أصل الصلاة وزيادة أجرها ولم يفترقا إلا في زيادة خمسمائة أخرى تحصل له في الحرمين قلت ما قاله من أن كل ما هو مطلوب للشرع من أصل الصلاة وزيادة أجرها غير صحيح فإن أجر الصلاة ليس بمطلوب وإنما هو موهوب وما قاله من أنهما لم يفترقا إلا في زيادة خمسمائة
    هامش إدرار الشروق
    رضي الله تعالى عنه يشير إلى هذا بقوله فيما تقدم من عبارة المدونة فلا يأتي إليهما حتى ينوي الصلاة في مسجديهما أو ما يلازم ذلك ا ه وإن مما يلازم الصلاة في مسجد المدينة المنورة زيارة قبره صلى الله عليه وسلم وأنه إذا قال
    ____________________
    (3/160)
    فأما التصدق بأصل الثوب فقربة فتجب
    وأما التصدق بوصف الخلق فليس فيه ندب شرعي فلا يؤثر فيه النذر فيجزئ ضده فكذلك ها هنا لما نذر الصلاة ببيت المقدس فقد نذر الصلاة موصوفة بخمسمائة صلاة كما ورد في الحديث أن الصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة وهذه الخمسمائة هي بعينها في الحرمين مع زيادة خمسمائة أخر لقوله عليه الصلاة والسلام صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة في غيره إلا المسجد الحرام فكل ما هو مطلوب للشرع في البيت المقدس هو موجود في الحرمين من أصل الصلاة وزيادة أجرها ولم يفترقا إلا في زيادة خمسمائة أخرى تحصل له في الحرمين وترك هذه الزيادة ليست مقصودة للشارع فلا جرم لم يتعلق بها نذر ويكون وزان ذلك من نذر أن يتصدق بثوب فتصدق بثوبين فإنه يجزئه إجماعا ولا يكون وزانه من نذر أن يصوم فصلى لأن خصوص الصوم من حيث هو صوم مطلوب لصاحب الشرع ولم يحصل هذا الخصوص في الصلاة كما حصل خصوص الخمسمائة في الألف من غير خلل ألبتة
    هامش أنوار البروق
    أخرى تحصل له في الحرمين غير صحيح أيضا فإنه ليس قدر ما يفضل به مسجد النبي صلى الله عليه وسلم مسجد المقدس مثل قدر ما يفضل به المسجد الحرام على حسب الخلاف في ذلك
    قال وترك هذه الزيادة ليست مقصودة للشارع فلا جرم لم يتعلق بها نذر قلت تلك الزيادة ليست فعلا للمكلف أصلا فليست مقصودة للشارع على وجه الندب إليها ولا على غير وجه الندب أصلا وإنما هي جزاء قال ويكون وزان ذلك من نذر أن يتصدق بثوب فتصدق بثوبين قلت ليس وزانه ما ذكر وكيف ينظر بين جزاء فعل المكلف وبين متعلق فعله هذا خلل واضح
    قال فإنه يجزئه إجماعا قلت لا يخلوا ناذر التصدق بثوب ثم يتصدق بثوبين من أن يقصد الخروج عن عهدة النذر بأحد الثوبين أو بهما معا فإن قصد الأول فذلك يجزئه بلا شك وإن قصد الخروج عن عهدة النذر بهما معا ففي ذلك نظر وما أرى دعوى الإجماع تصح في ذلك
    قال ولا يكون وزانه من نذر أن يصوم فصلى قلت قد تبين أنه ليس وزانه ما ذكر قبل وأما أنه ليس هذا وزانه فظاهر قال لأن خصوص الصوم من حيث هو صوم مطلوب لصاحب الشرع ولم يحصل هذا الخصوص في الصلاة قلت ما قاله في هذا صحيح ظاهر
    هامش إدرار الشروق
    علي أن آتي إلى المدينة ونوى زيارة قبره صلى الله عليه وسلم يجب عليه الإتيان إليها لذلك لأن الزيارة مستحبة والمستحب يجب بالنذر فاحفظ ذلك
    وما قاله في الفرق بعده وهو السادس والثلاثون والمائة صحيح إلا قوله وهي أن الله تعالى أمر عباده أن يتأدبوا معه كما يتأدبوا مع أماثلهم فإنه تشبيه لا أرتضيه وما قاله في الفرق بعده صحيح كله
    ____________________
    (3/161)
    فهذا هو سر الفرق بين قاعدة عدم إجزاء خمسمائة أخرى لقوله الراجح عن المرجوح في العبادات وقاعدة إجزاء الصلاة بالحرمين عن الصلاة ببيت المقدس والصلاة في كل مسجد عن الصلاة في مسجد آخر من مساجد الأقطار فتأمل ذلك تنبيه مقتضى ما تقرر في النذر لزوم ثلاثة إشكالات على قواعد الفقهاء الإشكال الأول على ما يقول الفقهاء إن النذر لا يؤثر إلا في مندوب ولا تأثير له في واجب لأنه لازم له قبل النذر ولا في مباح لأن صاحب الشرع لا يلزم أحدا بفعل المباح نذره أم لا والمحرم والمكروه بطريق الأولى وإذا كانت القاعدة أن النذر لا يؤثر إلا في راجح في نظر الشرع أشكل على ذلك إذا نذر أن يتصدق بهذا الشعير ليس له أن يخرج عنه قمحا مع أن هذا الشعير مشتمل على أمرين أحدهما المالية وهي موجودة في القمح والتصدق بها راجح في نظر الشرع والثاني كونه شعيرا وكونه شعيرا لم يؤمر بخصوصه في الصدقة ولا هو راجح في نظر الشرع فكان يلزم أن لا يلزمه خصوص الشعير وكذلك إذا نذر أن يتصدق بهذا الثوب فتصدق بألف دينار لا يجزئه أو نذر أن يصوم لا تجزئه الصلاة مع اشتراكهما في القربة وليس في خصوص الصوم وجه يترجح به على الصلاة حتى يؤثر فيه النذر ويمنع من إقامة الصلاة مقامه وكذلك القول في جميع الأجناس تتعين من الأموال والعبادات يلزم خصوصها بالنذر وإن لم يكن ذلك الخصوص راجحا في نظر الشرع بل القربة ما اشتمل عليه مما هو مشترك بينه وبين غيره فقد أثر النذر فيما ليس براجح في نظر الشرع
    هامش أنوار البروق
    قال كما حصل خصوص الخمسمائة في الألف قلت لو كانت الخمسمائة والألف من أفعال المكلف لما صح حصول الخمسمائة في الألف فإن الخمسمائة مقيدة بالاقتصار عليها والألف مقيدة بتمامها والقيدان لا يجتمعان قال من غير خلل ألبتة قلت وأي خلل أعظم من خلل يؤدي إلى الجمع بين النقيضين قال فهذا هو سر الفرق إلى قوله فتأمل ذلك قلت ليته لم يفسر هذا السر فإن مثله مما يجب كتمه
    قال تنبيه مقتضى ما تقرر في النذر لزوم ثلاثة إشكالات على قواعد الفقهاء الإشكال الأول إلى آخر ما قاله في الإشكال الأول قلت ما قاله من أن النذر قد أثر فيما ليس براجح في نظر الشرع ليس بصحيح بل أثر في راجح في نظر الشرع من أجل أن كل ما ذكر مندوب إليه على الجملة لا من جهة أنه مندوب راجح وإنما لم ينب القمح عن الشعير والصلاة عن الصوم لأنه لم ينذر القمح ولا الصلاة فلو فعل التصدق بالقمح بدل الشعير أو فعل الصلاة بدل الصوم لكان قد خالف ما التزمه لله تعالى وليس للندب أثر إلا في تصيير المندوب من حيث هو مندوب واجبا خاصة وامتنعت نيابة الجنس الأعلى من العبادات
    هامش إدرار الشروق
    ____________________
    (3/162)
    الإشكال الثاني على قاعدة من يقول النقدان لا يتعينان لعدم تعلق القصد بخصوصياتهم ا شرعا وعادة فيلزم هذا القائل أنه إذا نذر أن يتصدق بهذا الدرهم أن يتركه ويخرج غيره أو بهذا الدينار أن يتركه ويخرج غيره مع أن ظاهر كلامهم يقتضي تعيينه بالإخراج وذلك بمقتضى أن الخصوص يتعلق به قصد شرعي وعادي وهو خلاف قاعدتهم في عدم التعيين ويلزم إذا نذر أن يتصدق بهذا الدرهم أو بدراهم لم يعينها أن يخرج عوضها دنانير لأن التقرب في المالية لا في كونها دراهم أو دنانير بل قد يكون أحدهما أنفع للفقير وهو ما لم ينذر لراحته من الصرف في دفع الدراهم عن الدنانير المنذورة الإشكال الثالث مقتضى ما تقدم من تقديم المسجد الحرام على المسجد الأقصى لزيادة
    هامش أنوار البروق
    عن الجنس الأدنى منها وكذلك نيابة الجنس الأعلى من متعلق العبادات عن الجنس الأدنى منه لأن فيه مخالفة النذر وجازت نيابة الصفة العليا من صفات متعلق العبادة عن الدنيا لأنه ليس في ذلك مخالفة للنذر والفرق بين الأمرين أن الجنس أعني جنس العبادة أو متعلقها مما هو جنس مقصود من مقاصد الشرع وصفة متعلقها إنما هي صفة ليست مقصودة له وعلى الصفة تتخرج مسألة ناذر الصلاة في المسجد الأقصى فلا إشكال والله أعلم قال الإشكال الثاني على قاعدة من يقول النقدان لا يتعينان إلى آخر ما قاله فيه قلت ما قاله وألزمه من يقول إن النقدين لا يتعينان صحيح والله أعلم
    قال الإشكال الثالث مقتضى ما تقدم من تقديم الحرام على الأقصى لزيادة فضيلته مع تحصيل أصل التقرب أن تكون أجناس المنذورات كلها كذلك يقدم فاضلها على مفضولها ويخرج القمح بدل الشعير فيطلب الفرق قلت ليس ما قاله في ذلك بصحيح فإن مسألة الحرام والأقصى ليست من نيابة الجنس عن الجنس بل من نيابة الصفة العليا عن الصفة الدنيا والله أعلم
    قلت وتلخيص القول في المنذورات عندي أن الناذر إذا نذر عملا من أعمال البر فإنه لا يخلو من أن يكون منذوره ذلك معين الشخص كما إذا قال لله علي أن أعتق هذا العبد أو أتصدق بهذا الثوب أو لا يكون منذوره ذلك معين الشخص فإنه لا يجزئه في الخروج عن عهدة ذلك النذر إلا ذلك المعين وإن لم يكن منذوره ذلك معين الشخص فلا يخلو أن يكون معين النوع كما إذا قاله لله علي أن أصوم أو لا يكون كذلك فإن كان معين النوع فلا يخلو مع كونه معين النوع أن يكون معين الصفة أو لا يكون كذلك فإن كان معين الصفة فلا يخلو أن تكون الصفة مما يتعلق بها مقصد شرعي أو لا تكون كذلك فإن كان معين النوع فقط فلا يجزئه إلا ذلك النوع بأي صفة كان وإن كان معين النوع والصفة من متعلق المقصد الشرعي فلا يجزئه إلا كذلك وإن كان معين النوع والصفة مما لا يتعلق بها مقصد شرعي فلا يجزئه بأدنى من تلك الصفة ويجزئه بأعلى منها
    هامش إدرار الشروق
    فارغه
    ____________________
    (3/163)
    فضيلته مع تحصيل أصل التقرب أن تكون أجناس المنذورات كلها كذلك يقدم فاضلها على مفضولها ويخرج القمح بدل الشعير فيطلب الفرق
    الفرق السادس والثلاثون والمائة بين قاعدة المنذورات وقاعدة غيرها من الواجبات الشرعية اعلم أن الأوامر تتبع المصالح كما أن النواهي تتبع المفاسد والمصلحة إن كانت في أدنى الرتب كان المرتب عليها الندب
    وإن كانت في أعلى الرتب كان المرتب عليها
    هامش أنوار البروق
    وعلى هذا القسم تخرج مسألة الأقصى والحرام وإن كان غير معين النوع كما إذا قال لله علي أن أعمل عملا صالحا فإنه يجزئه أي عمل من أعمال البر عمله والله أعلم
    وما قاله في الفرق بعده وهو السادس والثلاثون والمائة صحيح إلا قوله وهي أن الله تعالى أمر عباده أن يتأدبوا معه كما يتأدبوا مع أماثلهم فإنه تشبيه لا أرتضيه وما قاله في الفرق بعده صحيح كله
    وكذلك ما قال في الفرق بعدهما وهو التاسع والثلاثون والمائة ما عدا قوله في انحصار المبتدأ في الخبر وما عدا قوله أن قول الحنفية يلزم فيه التعارض دون قول المالكية والشافعية وقد تقدم التنبيه على الأمرين في الفرق الثالث والستين
    هامش إدرار الشروق
    الفرق السادس والثلاثون والمائة بين قاعدة المنذورات وقاعدة غيرها من الواجبات المتأصلة في الشريعة وهو من وجهين أحدهما قصور مصلحة الواجب بالنذر عن مصلحة الواجب المتأصل في الشريعة لأن مصلحة الواجب بالنذر مصلحة المندوب والالتزام لا يغير المصالح وثانيهما إن سبب الواجب بالنذر لا يناسب الوجوب لكونه قد يعرى عن المصالح رأسا كطيران الغراب في نحو قوله إن طار الغراب فعلي صدقة درهم بخلاف الأسباب المقررة في أصل الشريعة يتضح لك هذا الفرق بأربع قواعد القاعدة الأولى إن الأوامر تتبع المصالح والنواهي تتبع المفاسد وكل من المصلحة والمفسدة إن كان في أدنى الرتب كان المرتب على المصلحة الندب وعلى المفسدة الكراهة وإن كان كل منهما في أعلى الرتب كان المرتب على المصلحة الوجوب وعلى المفسدة التحريم ثم أن كلا من مصلحة الندب ومفسدة الكراهة تترقى فيرتقي الندب بارتقاء مصلحته حتى يكون أعلى مراتب الندب يلي أدنى مراتب الوجوب ويرتقي المكروه بارتقاء مفسدته حتى يكون أعلى مراتب المكررة يلي أدنى مراتب التحريم فالمصلحة التي تصلح للندب لا تصلح للوجوب لا سيما إن كان الندب في الرتبة الدنيا فإن الشرع خصص المرتبة العليا من المصالح بالوجوب وحث عليها بالزواجر صونا لتلك المصلحة عن الضياع كما أن المفسدة التي تصلح للمكروه لا تصلح للتحريم لا سيما إن كان المكروه في الرتبة الدنيا فإن الشرع خصص المفاسد العظيمة
    ____________________
    (3/164)
    الوجوب ثم أن المصلحة تترقى ويرتقي الندب بارتقائها حتى يكون أعلى مراتب الندب يلي أدنى مراتب الوجوب وكذلك نقول في المفسدة التقسيم بجملته وترتقي الكراهة بارتقاء المفسدة حتى يكون أعلى مراتب المكروه يلي أدنى مراتب التحريم إذا تقرر ذلك علم حينئذ أن المصلحة التي تصلح للندب لا تصلح للوجوب لا سيما إن كان الندب في الرتبة الدنيا فإن الشرع خصص المرتبة العليا من المصالح بالوجوب وحث عليها بالزواجر صونا لتلك المصلحة عن الضياع كما خصص المفاسد العظيمة بالزجر والوعيد حسما لمادة الفساد عن الدخول في الوجود تفضلا منه تعالى عند أهل الحق لا وجوبا عقليا كما قالت المعتزلة ولو شاء الله تعالى لم يرتب ذلك هذا في الأحكام المقررة في أصل الشريعة وكذلك القول في الأسباب الشرعية لم يجعل صاحب الشرع شيئا سبب وجوب فعل على المكلف إلا وذلك السبب مشتمل على مصلحة تناسب الوجوب فإن قصرت عن ذلك جعلها سبب الندب وكذلك القول في أسباب التحريم والكراهة فبذل الرغيف للجوعان المشرف على الهلاك واجب
    وسبب الوجوب الضرورة وهذا السبب مشتمل على حفظ حياته وهي مصلحة عظيمة تصلح للوجوب وبذل الرغيف لمن يتوسع به على
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    بالزجر والوعيد حسما لمادة الفساد عن الدخول في الوجود تفضلا منه تعالى عند أهل الحق لا وجوبا عقليا كما قالت المعتزلة ولو شاء الله تعالى لم يرتب ذلك القاعدة الثانية إن صاحب الشرع لم يجعل شيئا سبب وجوب فعل على المكلف إلا وذلك السبب مشتمل على مصلحة تناسب الوجوب فإن قصرت مصلحته عن ذلك جعله سبب الندب كما أنه لن يجعل شيئا سبب تحريم فعل على المكلف إلا وذلك السبب مشتمل على مفسدة تناسب التحريم فإن قصرت مفسدته عن ذلك جعله سبب الكراهة مثلا بذل الرغيف للجوعان المشرف على الهلاك واجب وسبب الوجوب الضرورة وهو مشتمل على حفظ حياته وهي مصلحة عظيمة تصلح للوجوب وبذل الرغيف لمن يتوسع به على عائلته من غير ضرورة مندوب إليه وسبب هذا الندب التوسعة فقط لا مع دفع ضرورة حتى تقتضي الوجوب وكذلك القول في بقية الأسباب الشرعية في بابي الأوامر والنواهي القاعدة الثالثة إن صاحب الشرع كما جعل الأحكام على قسمين قسم قرره في أصل شرعه ولم يكله إلى خيرة خلقه كوجوب الصلاة والصوم في رمضان وغير ذلك وقسم وكل وجوبه إلى خيرة خلقه فإن شاءوا أوجبوه على أنفسهم بإنشاء سببه وهو النذر وإن شاءوا لم يفعلوا ذلك كذلك جعل الأسباب على قسمين قسم قرره في أصل شرعه ولم يكله إلى خيرة المكلف كالزوال ورؤية الهلال وملك النصاب وغير ذلك وقسم وكله للعباد فإن شاءوا جعلوه سببا وإن شاءوا لم يجعلوه سببا وهو شرط النذور والطلاق والعتاق ونحوها فإنها أسباب من حيث إنها يلزم من وجودها الوجود ومن عدمها العدم كما هو حقيقة السبب
    ____________________
    (3/165)
    عائلته من غير ضرورة مندوب إليه وسبب هذا الندب التوسعة دون دفع ضرورة فلم تقتض التوسعة الوجوب لقصور مصلحتها وكذلك القول في بقية الأسباب الشرعية في باب الأوامر وفي باب النواهي إذا تقررت هذه القاعدة فاعلم أن صاحب الشرع جعل الأحكام على قسمين منها ما قرره في أصل شرعه ولم يكله إلى خيرة الخلق كوجوب الصلاة والصوم في رمضان وغير ذلك ومنها ما وكل وجوبه إلى خيرة الخلق فإن شاءوا أوجبوه على أنفسهم بإنشاء سببه وهو النذر وإن شاءوا لم يفعلوا ذلك وكما جعل الأحكام على قسمين جعل الأسباب أيضا على قسمين منها ما قرره في أصل شرعه ولم يكله إلى خيرة المكلف كالزوال ورؤية الهلال ومالك النصاب وغير ذلك ومنها ما وكله للعباد فإن شاءوا جعلوه سببا وإن شاءوا لم يجعلوه سببا وهو شرط النذور والطلاق والعتاق ونحوها فإنها أسباب لوجود حقيقة السبب فيها فإنها يلزم من وجودها الوجود ومن عدمها العدم ولم يحصر ذلك في المندوبات كما حصره في الأحكام المنذورات فلا يؤثر النذر إلا في نقل مندوب لواجب بطريق واحد وهو النذر بل عمم ذلك في سائر الممكنات المستقبلات من الواجبات والمحرمات وغيرها مما ليس
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    القاعدة الرابعة إن صاحب الشرع حصر ما وكل وجوبه إلى خيرة الخلق من قسمي الأحكام وهو النذر في المندوبات فلا يؤثر النذر الوجوب إلا في نقل مندوب ولم يحصر ما وكل جعله سببا إلى خيرة المكلف من قسمي الأسباب في شيء بل عمم ذلك في سائر الممكنات المستقبلات من الواجبات والمحرمات وغيرها مما ليس من المكتسبات كهبوب الرياح ونزول الأمطار مما ليس فيه حكم شرعي ولا اكتساب اختياري فأي ذلك شاء المكلف جعله سببا لوجوب منذور عليه أو لزم طلاق أو عتاق له فهذه الأسباب الموكول جعلها سببا إلى خيرة المكلف أشد بعدا عن القواعد من الأحكام الموكول وجوبها لخيرة الخلق وهو النذر مع بعد الأحكام في أنفسها عن القواعد أيضا لأن الأحكام وإن انتقلت فيها المندوبات للواجبات والمندوبات فيها أصل المصلحة إلا أنها بعدت أيضا بإقامة مصلحة الندب للوجوب عن قاعدة أن الأحكام تتبع المصالح على اختلاف رتبها كما هو عادة الله تعالى في الشرائع وأما الأسباب فقد يجعل المكلف ما هو عري عن المصلحة ألبتة كطيران الغراب وصرير الباب سببا لنذره مثلا على خلاف قاعدة أن الأسباب لا بد من أن تشتمل على مصلحة مسبباتها كأن يقول إن طار الغراب فعلي صدقة درهم أو امرأته طالق أو غير ذلك فيلزمه جميع ما علقه على ذلك المعلق عليه إذا وجد وما اقتضت الحكمة الإلهية اعتبار ما لا مصلحة فيه من الأسباب وإقامة مصلحة الندب للوجوب في النذر وخروج مسألة النذور عن القواعد من ذينك الوجهين إلا لأنها رجعت إلى القواعد من جهة أخرى فإن الأسباب يخلف بعضها بعضا فعظم المصلحة الذي هو سبب الوجوب في عادة الشارع وإن فقد هاهنا مع فقد المصلحة في سببه رأسا إلا أنه خلفه سبب آخر وهو معنى عظيم متحقق بأمرين أحدهما أن مصلحة أدب العبد مع الرب سبحانه وتعالى بحسن الوفاء فيما وعد ربه به لا سيما وقد
    ____________________
    (3/166)
    من المكتسبات كهبوب الرياح ونزول الأمطار مما ليس فيه حكم شرعي ولا اكتساب اختياري فأي ذلك شاء المكلف جعله سببا لوجوب منذور عليه أو لزوم طلاق أو عتاق له إذا تقرر هذا حصل الفرق بين الواجب بالنذر والواجب المتأصل في الشريعة من وجهين أحدهما قصور مصلحته عن الوجوب لأن مصلحته مصلحة الندب والالتزام لا يغير المصالح ثانيهما أن سببه لا يناسب الوجوب كالأسباب المقررة في أصل الشريعة كما تقدم فكون المنذورات مستثنيات من القواعد من هذين الوجهين وهي الاستثناء عن قاعدة الأسباب أشد بعدا عن القواعد لأن الأحكام انتقلت فيها المندوبات للواجبات والمندوبات فيها أصل المصلحة وأما في الأسباب فقد يحصل ما هو قد عري عن المصلحة ألبتة كطيران الغراب وصرير الباب وعبور الناموس فلو قال إن طار الغراب فعلي صدقة درهم لزمه ذلك أو امرأته طالق أو غير ذلك لزمه جميع ما علقه إذا وجد المعلق عليه فصارت الأسباب أبعد عن القواعد من الأحكام مع بعد الأحكام في أنفسها فإن قلت كيف اقتضت الحكمة الإلهية اعتبار ما لا مصلحة فيه وإقامة مصلحة الندب للوجوب مع أن قاعدة عادة الله تعالى في الشرائع أن الأحكام تتبع المصالح على اختلاف رتبها قلت الأسباب يخلف بعضها بعضا فكما أن عظم المصلحة سبب الوجوب في عادة الشارع فكذلك ها هنا سبب آخر إذا فقدت هذه المصلحة وهي مصلحة أدب العبد مع الرب سبحانه وتعالى في أنه إذا وعد ربه بشيء لا يخلفه إياه لا سيما إذا التزمه وصمم عليه فأدب العبد مع الرب سبحانه وتعالى بحسن الوفاء وتلقي هذه الالتزامات بالقبول خلق كريم هو سبب خلف المصلحة التي في نفس الفعل فقد يستفاد من هيئة الفاعل وأحواله وأخلاقه مع خالقه ومعبوده مصالح عظيمة وأي مصلحة أعظم من الأدب حتى قال رويم لابنه يا بني اجعل عملك ملحا وأدبك دقيقا
    أي استكثر من الأدب حتى تكون نسبته في الكثرة نسبة الدقيق إلى الملح وكثير من الأدب مع قليل من العمل الصالح خير من كثير من
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    التزمه وصمم عليه أعظم المصالح إذ لا مصلحة أعظم من الأدب حتى قال رويم لابنه يا بني اجعل عملك ملحا وأدبك دقيقا أي استكثر من الأدب حتى تكون نسبته في الكثرة نسبة الدقيق إلى الملح فإن كثير الأدب مع قليل من العمل الصالح خير من كثير من العمل مع قلة الأدب وما ذلك إلا لأن الله تعالى لما كان لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية كان الممكن في عبادته تعالى هو الأدب وثانيهما إن صدق الوعد والوفاء بالالتزام من محاسن الأخلاق بين العباد وفي معاملة الملوك فلعظم المعنى في هذين الأمرين صح جعلهما سبب الوجوب بدلا من المصالح في أنفس الأفعال ولم يعر الوجوب هاهنا عن مصلحة تناسبه فكان على وفق القواعد وبهذا التقرير يظهر الفرق بين المنذورات والشروط كما يظهر الفرق بينهما وبين الواجبات الأصلية من جهة أن مداركها غير مدارك الأسباب والواجبات الأصلية وهي مصالح غير مصالح نفس الأفعال فتأمل ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم
    ____________________
    (3/167)
    العمل مع قلة الأدب وهذه القاعدة قد تقدم التنبيه عليها وهي أن الله تعالى أمر عباده أن يتأدبوا معه كما يتأدبوا مع أماثلهم فإن ذلك هو الممكن في عبادة الله تعالى فإنه لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية ولما كان الأدب مع الملوك أعظم نفعا لفاعله وأجدى عليه من كثير الخدمة مع قلة الأدب كان الواقع مع الله تعالى ذلك وكذلك صدق الوعد والوفاء بالالتزام من محاسن الأخلاق بين العباد وفي معاملة الملوك ولما عظم هذا المعنى جعل هو سبب الوجود بدلا من المصالح في نفس الأفعال فتأمل ذلك وبهذا التقرير يظهر لك أن النذور وإن خرجت عن القواعد من زينك الوجهين فقد رجعت إلى القواعد من هذا الوجه وصارت على وفق القواعد من جهة أنه ما عرى الوجوب عن مصلحة تناسبه وعلى هذا التقرير أيضا حصل الفرق بين المنذورات والشروط من جهة أن مداركها غير مدارك الأسباب والواجبات الأصلية وهي مصالح غير مصالح أنفس الأفعال
    الفرق السابع والثلاثون والمائة بين قاعدة ما يحرم لصفته وبين قاعدة ما يحرم لسببه اعلم أن الله تعالى خلق المتناولات للبشر في هذا العالم على قسمين قسم يحرم لصفته وهو ما اشتمل على مفسدة تناسب التحريم فيحرم أو الكراهة فيكره فالأول كالسموم تحرم لعظم مفسدتها والثاني سباع الطير أو الضبع من الوحش على الخلاف في ذلك وقسم يباح لصفته إما لاشتماله على المصلحة كالبر واللحم الطيب من الأنعام وإما لعدم
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الفرق السابع والثلاثون والمائة بين قاعدة ما يحرم لصفته وبين قاعدة ما يحرم لسببه وهو أن القاعدة أن كل ما حرم لصفته كالميتة حرمت لصفتها وهي اشتمالها على الفضلات المستقذرة والخمر حرم لصفته وهو الإسكار فلا يباح إلا بسببه كالإضرار ونحوه من الأسباب التي لا تباح الميتة إلا بها وكالغصة التي لا يباح الخمر إلا بها وما يباح لصفته كالبر ولحوم الأنعام وغير ذلك من المآكل والملابس والمساكن أبيحت لصفاتها من المنافع والمصالح فلا يحرم إلا بسببه كالغصب والسرقة والعقود الفاسدة ونحوها من أسباب تحريم المآكل والملابس والمساكن المباحة لصفاتها من المنافع والمصالح وذلك أن الله تعالى خلق متناولات البشر في هذا العالم على قسمين قسم يحرم لصفته وهو ما اشتمل على مفسدة
    ____________________
    (3/168)
    مفسدته ومصلحته وهو قليل في العالم فلا يكاد يوجد شيء إلا وفيه مصلحة أو مفسدة ويمكن تنظيره بأكل شعرة من قطن أو نحو ذلك مما لا يظهر له أثر في جسد ابن آدم وإذا كانت الموجودات في هذا العالم إما حرام لصفته أو مباح لصفته انبنى على هذا قاعدة أخرى وهو أن كل ما حرم لصفته لا يباح إلا بسببه وما يباح لصفته لا يحرم إلا بسببه فالقسم الأول كالميتة حرمت لصفتها وهي اشتمالها على الفضلات المستقذرة فلا تباح إلا بسببها وهو الاضطرار ونحوه من الأسباب وكذلك الخمر حرم لصفته وهو الإسكار فلا يباح إلا بسببه وهو الغصة والقسم الثاني كالبر ولحوم الأنعام وغير ذلك من المأكل والملابس والمساكن أبيحت لصفاتها من المنافع والمصالح فلا تحرم إلا بسببها وهو الغصب والسرقة والعقود الفاسدة ونحوها فهذه القاعدة في هذا الفرق مطردة في جميع المتناولات
    الفرق الثامن والثلاثون والمائة بين قاعدة تحريم سباع الوحش وبين قاعدة تحريم سباع الطير اعلم أن النواهي تعتمد المفاسد فما حرم الله تعالى شيئا إلا لمفسدة تحصل من تناوله وقد أجرى الله عادته أن الأغذية تنقل الأخلاق لخلق الحيوان المتغذي به حتى يقال إن العرب لما أكلت من لحوم الإبل حصل عندها فرط الإيثار بأقواتها لأن ذلك شأن الإبل
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    تناسب التحريم فيحرم كالسموم تحرم لعظم مفسدتها والكراهة فيكره كسباع الطير أو الضبع من الوحش على الخلاف في ذلك وقسم يباح لصفته إما لاشتماله على المصلحة كالبر واللحم الطيب من الأنعام وإما لعدم مفسدته ومصلحته وهو قليل في العالم فلا يكاد يوجد شيء إلا وفيه مصلحة أو مفسدة نعم يمكن تنظيره بأكل شعرة من قطن أو نحو ذلك مما لا يظهر له أثر في جسد ابن آدم فالموجودات في هذا العالم إما حرام لصفته أو مباح لصفته والقاعدة المذكورة في الفرق انبنت على هذا والله أعلم
    الفرق الثامن والثلاثون والمائة بين قاعدة تحريم سباع الوحش وبين قاعدة تحريم سباع الطير من حيث إن الفقهاء جزموا جميعا بتحريم أكل سباع الوحش وترددوا في تحريم أكل سباع الطير فمنهم من قال بالتحريم ومنهم من قال بالكراهة وسر الفرق هو أن فرط الظلم وقلة الرحمة متوفر في سباع الوحش أكثر منه في سباع الطير إذ هو في الأسد أعظم منه في العقاب والصقر وفي النمر والفهد أعظم منه في الضبع والنسر وغيرهما من الحدآت والغربان ونحوها فلما عظمت المفسدة والظلم في سباع الوحش بحيث إنها تثب على الحيوانات وثبا شديدا فتأكلها وتهلكها وتفسد أبنيتها بتمزيق أعضائها ولا تكترث بهلاكها ولا فساد أبنيتها ولا ما تجده من الألم في تمزيق أعضائها من غير توقف في ذلك على الحاجة بل شأنها ذلك لحاجة ولغير حاجة وقد أجرى الله عادته أن الأغذية تنقل خلق الحيوانات المأكولة لخلق الحيوان المتغذي به حتى يقال إن أربعا أكلت أربعا فأفادتها أربعا أكلت السودان
    ____________________
    (3/169)
    فيجوع الجمع من الإبل الأيام ثم يوضع لها ما تأكله مجتمعة فيضع كل منها فمه فيتناول حاجته من غير مدافعة عن ذلك الحب ولا يطرد من يأكل معه ولا تزال الإبل تأكل علفها كذلك بالرفق حتى يفنى جميعه من غير مدافعة بعضها بعضا بل معرضة عن ذلك وعن مقدار ما أكله غيرها مما يجاورها بخلاف غيرها من الحيوانات تقاتل عند الاغتذاء على حوز الغذاء وتمنع من يأكل معها أن يتناول شيئا وذلك مشاهد في السباع والكلاب والأغنام وغيرها فانتقل ذلك لخلق الأعراب فحصل عندهم من الإيثار للضيف ما لم يحصل عند غيرهم من الأمم كما أنه حصل عندهم الحقد أيضا لأن الجمل يأخذ ثأره ممن آذاه بعد مدة طويلة ولا يزول ذلك عن خاطره حتى يقال إن أربعا أكلت أربعا فأفادتها أربعا أكلت العرب لحوم الإبل فأفادتها الحقد وأكلت السودان القرود فأفادتها الرقص وأكلت الفرنج الخنازير فأفادتها عدم الغيرة وأكلت الترك الخيل فأفادتها القساوة وإذا تقرر هذا فهذه السباع في غاية الظلم وقلة الرحمة تأكل الحيوانات من غير اكتراث بهلاك تلك الحيوانات ولا فساد أبنيتها ولا ما تجده من الألم في تمزيق أعضائها وتثب على ذلك وثوبا شديدا من غير توقف في ذلك لحاجة ولغير حاجة وذلك لفرط ظلمها وقلة رحمتها وذلك متوفر في سباع الوحش أكثر منه في سباع الطير فأين الأسد من العقاب والصقر وأين النمر والفهد من الضبع والنسر وغيرهما من الحدآت والغربان ونحوها فلما عظمت المفسدة والظلم في سباع الوحش حرمت لئلا يتناولها بنو آدم فتصير أخلاقهم كذلك ولما قصرت مفسدة سباع الطير عن ذلك فمن الفقهاء من نهض عنده ذلك للتحريم دفعا لمفسدة سوء الأخلاق وإن قلت ومنهم من لم ينهض عنده ذلك
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    القرود فأفادتها الرقص وأكلت الفرنج الخنازير فأفادتها عدم الغيرة وأكلت الترك الخيل فأفادتها القساوة وأكلت العرب لحوم الإبل فأفادتها الحقد أي والإيثار للضيف ما لم يحصل عند غيرهم من الأمم إذ كما أن شأن الجمل الحقد بحيث يأخذ ثأره ممن آذاه بعد مدة طويلة كذلك شأن الإبل الإيثار بأقواتها بحيث يجوع الجمع منها الأيام ثم يوضع لها ما تأكله مجتمعة فيضع كل منها فمه فيتناول حاجته من غير مدافعة بعضها بعضا بل معرضة عن ذلك وعن مقدار ما أكله غيرها مما يجاورها بخلاف غيرها من الحيوانات فإنها تقاتل عند الاعتداء على حوز الغذاء وتمنع من يأكل معها أن يتناول شيئا كما هو مشاهد في السباع والكلاب والأغنام وغيرها والقاعدة أن النواهي تعتمد المفاسد فما حرم الله تعالى شيئا إلا لمفسدة كما تقدم توضيح ذلك في الفرق السادس والثلاثين والمائة جزم الفقهاء بتحريم سباع الوحش لئلا يتناولها بنو آدم فتصير أخلاقهم مثل أخلاقهم فتعظم المفسدة ولما قصرت مفسدة سباع الطير عن ذلك تردد الفقهاء في تحريمها فمنهم من نهض عنده ذلك للتحريم دفعا لمفسدة سوء الأخلاق وإن قلت ومنهم من لم ينهض عنده ذلك للتحريم لخفة أمره فاقتصر به على الكراهة فهذا هو الفرق بين هاتين القاعدتين والله سبحانه وتعالى أعلم
    وكذلك ما قال في الفرق بعدهما وهو التاسع والثلاثون والمائة ما عدا قوله في انحصار المبتدأ في الخبر وما عدا قوله أن قول الحنفية يلزم فيه التعارض دون قول المالكية والشافعية وقد تقدم التنبيه على الأمرين في الفرق الثالث والستين
    ____________________
    (3/170)
    للتحريم لخفة أمره فاقتصر به على الكراهة فهذا هو الفرق بين قاعدة سباع الوحش وسباع الطير الفرق التاسع والثلاثون والمائة بين قاعدة ذكاة الحيات وقاعدة ذكاة غيرها من الحيوانات قال مالك في المدونة لا بأس بأكل الحيات إذا ذكيت في موضع ذكاتها جاز أكلها لمن احتاج إلى ذلك وأشار صاحب الجواهر أنها تذكى كما يذكى الصيد ومقتضى ظاهر قوله إنها لأجل العجز عنها إذا جرحت في أي موضع كان من جسدها جاز تناولها عند الحاجة إليها وهو سبب لهلاك متناولها ولم يطلق مالك هذا الإطلاق بل قال إذا ذكيت في موضع ذكاتها ولم يقل إذا ذكيت مثل الصيد والسبب في ذلك أن ذكاة الحيات لا يحكمها إلا طبيب ماهر وصفة ذكاتها على ما اختاره المتأخرون من الأطباء إذا أرادوا استعمالها في الترياق الفاروق أو لمداواة الجذام والعياذ بالله تعالى أن تمسك برأسها وذنبها من غير
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الفرق التاسع والثلاثون والمائة بين قاعدة ذكاة الحيات وقاعدة ذكاة غيرها من الحيوانات قال العلامة ابن رشد الحفيد في بداية المجتهد الحيوان في اشتراط الذكاة في أكله على قسمين القسم الأول حيوان لا يحل إلا بذكاة والقسم الثاني حيوان يحل بغير ذكاة واتفقوا على أن القسم الأول هو الحيوان البري ذو الدم الذي ليس بمحرم ولا منفوذ المقاتل ولا ميئوس منه بوقذ أو نطح أو ترد أو افتراس سبع أو مرض ومن القسم الثاني ما اتفقوا عليه وهو الحيوان البحري ومنه ما اختلفوا فيه وهو أربعة أنواع النوع الأول الحيوان الذي ليس بذي دم مما يجوز أكله مثل الجراد وغيره اختلفوا هل له ذكاة أم لا والنوع الثاني الحيوان ذو الدم الذي يكون تارة في البحر وتارة في البر مثل السلحفاة وغيره اختلفوا هل له ذكاة أم لا والنوع الثالث أصناف المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع التي نص عليها في آية التحريم اختلفوا في تأثير الذكاة فيها والنوع الرابع ما لا يحل أكله اختلفوا في تأثير الذكاة فيها أعني في تحليل الانتفاع بجلودها وسلب النجاسة عنها ا ه بتصرف وقاعدة تذكية الحيوان البري ذي الدم الذي ليس بمحرم إلخ أنها شرعت لقصد استخراج الفضلات المحرمات من أجسادها المحللة الأكل وهي الدماء والأخلاط كلها بأسهل الطرق على الحيوان كقطع الأوداج والحلقوم فإن قطع الأوداج خفيف على الحيوان في إخراج الفضلات المذكورة منها بالنسبة إلى التوسط أو ضرب العنق وقطع الحلقوم يوجب قطع النفس لأنه مجراه فيختنق الحيوان فيسرع إليه الموت وأما قاعدة تذكية الحيات التي في قول مالك في المدونة لا بأس بأكل الحيات إذا ذكيت في موضع ذكاتها جاز أكلها لمن احتاج إلى ذلك ا ه فتفارق القاعدة المذكورة من وجهين
    ____________________
    (3/171)
    عنف حذرا من أن يحصل لها غيظ فيدور السم في جسدها فإذا أخذت
    كذلك ثنيت على مسمار مضروب في لوح ثم تضرب بآلة حادة كالقدوم الحاد مثل الموسى ونحوها من الآلات الحادة الرزينة وهي ممدودة على تلك الخشبة ويقصد بتلك الضربة آخر الرقبة من جهة رقبتها وذنبها فإن بين رأسها ووسطها مقدار رقيق وبين ذنبها ووسطها مقدار رقيق فيتجاوز ذلك الرقيق من الجهتين ويوصل المقدار الغليظ الذي في وسطها فلا يترك غيره ويحاز الرقيقان إلى جهة الرأس والذنب ويقطع جميع ذلك في فور واحد بضربة واحدة وجيزة فمتى بقيت جلدة يسيرة لم تقطع مع الجملة قتلت آكلها لأن السم حينئذ يجري من جهة الرأس والذنب في تلك الجلدة اليسيرة إلى بقية جسدها الذي هو الجزء الغليظ بسبب ما يحدث لها من الغضب عند الإحساس بألم الحديد وهذا معنى قول مالك رحمه الله موضع ذكاتها فهذا هو الفرق بين ذكاتها وذكاة غيرها من الحيوانات فهذا فرق من جهة صفة الذكاة وفيها فرق آخر من جهة المعنى وهو أن الذكاة شرعت فيها لأجل السلامة
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الوجه الأول في صفة الذكاة فإن معنى قول مالك رحمه الله موضع ذكاتها أن صفة ذكاة الحيات هو ما اختاره المتأخرون من الأطباء إذا أرادوا استعمالها في الترياق الفاروق أو لمداواة الجذام والعياذ بالله تعالى وهو أن تمسك الحية برأسها وذنبها من غير عنف حذرا من أن يحصل لها غيظ فيدور السم في جسدها فإذا أخذت كذلك ثنيت على مسمار مضروب في لوح ثم تضرب بآلة وزبنة حادة كالقدوم الذي مثل الموسى في الحدآت وهي ممدودة على تلك الخشبة ويقصد بتلك الضربة آخر الرقبة والذنب من جهة رقبتها فإن بين رأسها ووسطها مقدارا رقيقا وبين ذنبها ووسطها مقدارا رقيقا فيتجاوز ذلك الرقيق من الجهتين حتى يصل المقدار الغليظ الذي في وسطها فلا يترك غيره بل يحاز الرقيقان إلى جهة الرأس والذنب ويقطع جميع ذلك في فور واحد بضربة واحدة وجيزة لأنه متى بقيت جلدة يسيرة لم تقطع مع الجملة قتلت آكلها لأن السم حينئذ يجري من جهة الرأس والذنب في تلك الجلدة اليسيرة إلى بقية جسده الذي هو الجزء الغليظ بسبب ما يحدث لها من الغضب عند الإحساس بألم الحديد الوجه الثاني في معنى الذكاة فإن الذكاة شرعت في الحيات لأجل السلامة من سم رأسها وذنبها لا لإخراج الفضلات المحرمات فإن الحيات لا يكاد يخرج منها دم عند ذكاتها ألبتة ولذلك تذكى من وسطها لا بقطع الأوداج والحلقوم وصل يتعلق بباب الذكاة ست مسائل أصول المسألة الأولى في بيان تأثير الذكاة في الأصناف الخمسة التي نص عليها في الآية المسألة الثانية في بيان تأثير الذكاة في الحيوان المحرم الأكل المسألة الثالثة في بيان تأثير الذكاة في المريضة المسألة الرابعة في بيان هل ذكاة الجنين ذكاة أمه أم لا المسألة الخامسة في بيان هل للجراد ذكاة أم لا المسألة السادسة في بيان هل للحيوان الذي يأوي في البر تارة وفي البحر تارة ذكاة أم لا
    ____________________
    (3/172)
    من سمها ولا يكاد يخرج منها دم عند ذكاتها ألبتة وإنما المقصود السلامة من سم رأسها وذنبها ولذلك تذكى من وسطها وشرعت الذكاة في غيرها من الحيوانات لاستخراج الفضلات المحرمات من أجسادها بأسهل الطرق على الحيوان ولا بد من ملاحظة القيد الأخير فإنا لو وسطنا الحيوان أو ضربنا عنقه خرجت منه الفضلات لكن ذلك شاق على الحيوان بسبب كثرة ما يخرج فاختار الشرع قطع الأوداج والحلقوم لتخرج الفضلات وهي الدماء والأخلاط كلها من الأوداج وقطعها خفيف على الحيوان بالنسبة إلى التوسط لو ضرب العنق وقطع الحلقوم يوجب قطع النفس لأنه مجراه فيختنق الحيوان فيسرع إليه الموت ولما كانت هذه قاعدة تذكية الحيوان تعين أن يخرج عليها الخلاف في صورة الذكاة فمن لاحظ عدم الفضلات في الجراد وغيره مما ليس له نفس سائلة لم يشترط الذكاة فيها وجعل استخراج الفضلات أصلا وإراحة الحيوان تبعا وأجاز ميتة ذلك كله
    وهو ظاهر الحديث في قوله عليه السلام أحلت لنا ميتتان ودمان فالدمان الكبد والطحال والميتتان السمك
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    المسألة الأولى قال ابن رشد الحفيد في البداية أما المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع فإنهم اتفقوا فيما أعلم على أن الذكاة عاملة فيها إذا لم يصب لها مقتل وغلب على الظن أنها تعيش واختلفوا فيما إذا أصيب لها مقتل وغلب على الظن أنها لا تعيش فقال قوم تعمل الذكاة فيها وهو مذهب أبي حنيفة والمشهور من قول الشافعي وقول الزهري وابن عباس وقال قوم لا تعمل الذكاة فيها
    وعن مالك في ذلك الوجهان ولكن الأشهر أنها لا تعمل في الميئوس منها وبعضهم أول في المذهب أن الميئوس منها على ضربين ميئوسة مشكوك فيها وميئوسة مقطوع بموتها وهي المنفوذة المقاتل على اختلاف بينهم أيضا في المقاتل قال فأما الميئوسة المشكوك فيها ففي المذهب فيها روايتان مشهورتان وأما المنفوذة المقاتل فلا خلاف في المذهب المنقول أن الذكاة لا تعمل فيها وإن كان يتخرج فيها الجواز على وجه ضعيف وسبب اختلافهم اختلافهم في مفهوم قوله تعالى إلا ما ذكيتم هل هو استثناء متصل فيخرج من الجنس بعض ما يتناوله اللفظ وهو الأصناف الخمسة المذكورة على عادة الاستثناء المتصل أم هو استثناء منفصل لا تأثير في الجملة المتقدمة كما هو شأن الاستثناء المنقطع في كلام العرب فمن قال إنه متصل قال الذكاة تعمل في هذه الأصناف الخمسة محتجا بإجماعهم على أن الذكاة تعمل في المرجو منها فيدل على أن الاستثناء له تأثير فيها فهو متصل ومن قال إنه منفصل
    قال الذكاة لا تعمل فيها محتجا بأن التحريم في قوله تعالى حرمت عليكم الميتة لم يتعلق بأعيان هذه الأصناف الخمسة وهي حية لأن لحم الحيوان محرم في حال الحياة بدليل اشتراط الذكاة فيها وبدليل قوله عليه الصلاة والسلام ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة وإنما يتعلق بها بعد الموت فمعنى الآية حرم عليكم لحم الميتة التي تموت من تلقاء نفسها فتسمى ميتة في أكثر كلام العرب أو بالحقيقة وكذلك لحم الميتة بهذه الأسباب المذكورة في
    ____________________
    (3/173)
    والجراد ومن لاحظ سرعة زهوق الروح وجعله أصلا في نفسه لم يجزها إلا بذكاة وهو مشهور مذهب مالك رحمه الله ومن لاحظ قاعدة أخرى وهو إلحاق النادر بالغالب في الشريعة أسقط ذكاة ما يعيش في البر من دواب البحر كالتمساح والترس وغيرهما نظرا لغالبه فإنه لا يعيش في البر وهو مشهور مذهب مالك رحمه الله ومن لاحظ القاعدة الأولى وجعل ميتة البحر على خلاف الأصل لم يسقط الذكاة في هذا النوع ويؤيده قوله تعالى حرمت عليكم الميتة وهذه ميتة أو يلاحظ قاعدة أخرى وهي حمل اللفظ العام على سببه دون عمومه فيختص بالميتة التي وردت الآية فيها وهي الميتة التي كانوا يأكلونها من الحيوان البري ويقولون تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله فهذه القواعد والأسرار هي الفرق بين هذه المواطن ولم يبقى منها إلا ذكاة الجنين في بعض أحواله قال أصحابنا إذا لم تجر فيه حياة لم تصح فيه ذكاة لا من قبله ولا من قبل أمه ولا يؤكل وإن جرت فيه الحياة وعلامة ذلك عندنا كمال الخلق ونبات الشعر فإن ذكيت الأم وخرج حيا ثم مات على
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الأصناف الخمسة قالوا فلما علم أن المقصود تعليق التحريم بأعيان هذه الأصناف بعد الموت لا في حال الحياة وجب أن يكون قوله تعالى إلا ما ذكيتم استثناء منفصلا لكن الحق في ذلك أن الواجب كيف ما كان الاستثناء أن تكون الذكاة تعمل فيها وذلك أنه إن علقنا التحريم بهذه الأصناف في الآية بعد الموت وجب أن تدخل الأصناف الخمسة في التذكية حال الحياة لأنها ما دامت حية مساوية لغيرها في ذلك لا فرق في وجوب دخولها حينئذ بين كون الاستثناء منفصلا أو متصلا إذ لا خفاء بوجوب ذلك إن قلنا إن الاستثناء متصل بل يحتمل أن يقال إن عموم التحريم يمكن أن يفهم منه تناول أعيان هذه الخمسة بعد الموت وقبله كالحال في الخنزير الذي لا تعمل فيه الذكاة فيكون الاستثناء على هذا رفعا لتحريم أعيانها بالتنصيص على عمل الذكاة فيها وإذا كان ذلك كذلك لم يلزم ما اعترض به ذلك المعترض من الاستدلال على كون الاستثناء منفصلا
    وأما من فرق بين المنفوذة المقاتل والمشكوك فيها فيحتمل أن يقال إن مذهبه أن الاستثناء منفصل وأنه إنما جاز تأثير الذكاة في المرجوة بالإجماع وقاس المشكوكة على المرجوة ويحتمل أن يقال إنه استثناء متصل ولكن استثناء هذا الصنف أعني المنفوذة المقاتل بالقياس وذلك أن الذكاة إنما يجب أن تعمل في حين يقطع أنها سبب الموت فأما إذا شك هل كان موجب الموت الزكاة أو الوقذ أو النطح أو سائرها فلا يجب أن تعمل في ذلك وهذه هي حالة المنفوذة المقاتل وله أن يقول إن المنفوذة المقاتل في حكم الميتة والذكاة من شرطها أن ترفع الحياة الثابتة لا الحياة الذاهبة ا ه بتلخيص المسألة الثانية قال ابن رشد الحفيد في البداية أيضا وأما هل تعمل الذكاة في الحيوانات المحرمات الأكل حتى تطهر بالذكاة جلودها فإنهم اختلفوا في ذلك فقال مالك الذكاة تعمل في السباع وغيرها ما عدا الخنزير وبه قال أبو حنيفة إلا أنه اختلف المذهب في كون السباع فيه محرمة أو مكروهة وقال الشافعي الذكاة تعمل في كل حيوان محرم الأكل فيجوز بيع جميع أجزائه والانتفاع بها ما عدا اللحم وسبب
    ____________________
    (3/174)
    الفور كرهه ابن المواز ووقع في الجلاب تحريمه وإن استهل صارخا انفرد بحكم نفسه
    وإن لم تذك الأم وألقته ميتا لم يؤكل وكذلك إن كان حيا حياة لا يعيش معها علم ذلك أو شك فيه وإن ذكيت الأم فخرج ميتا فذكاتها ذكاته وقاله الشافعي رضي الله عنه وقال أبو حنيفة لا بد له من ذكاة تخصه ولا يكفي فيه ذكاة أمه ومنشأ الخلاف أن ذكاة أمه تسرع زهوق نفسه بسهولة فإنه كالجزء منها فلا يحتاج إلى ذكاة أو يلاحظ أنه حيوان مستقل الأعضاء والفضلات فيحتاج إلى ذكاة تخصه وموته بموت أمه موت له بالغم والآفات الحاصلة له في محله والموت بذلك لا يبيح في غير صورة النزاع فكذلك في صورة النزاع فهذا منشأ الخلاف من حيث القواعد وأما من حيث النص فقوله عليه السلام ذكاة الجنين ذكاة أمه خرجه أبو داود يروى برفع الذكاة الثانية ونصبها فنحن والشافعية نعتمد على رواية الرفع ووجه الاعتماد عليها أن المبتدأ يجب انحصاره في الخبر والمبتدأ هنا ذكاة الجنين فتنحصر في زكاة أمه فلا يحتاج إلى ذكاة أخرى وإلا لما انحصرت في ذكاة أمه واعتمد الحنفية على رواية النصب والتقدير لوجه الحجة منها أن
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الخلاف هل جميع أجزاء الحيوان تابعة للحم في الحلية والحرمة أم ليست تابعة للحم فمن قال إنها تابعة للحم قال إذا لم تعمل الذكاة في اللحم لم تعمل فيما سواه ومن قال إنها ليست بتابعة
    قال إنها تعمل في سائر أجزائه وإن لم تعمل في لحمه لأن الأصل أنها تعمل في جميع أجزائه فإذا ارتفع بالدليل المحرم للحم عملها في اللحم بقي عملها في سائر الأجزاء حتى يدل الدليل على ارتفاعه فيها أيضا ا ه فرع قال صاحب البيان قال ابن القاسم الدابة التي لا يؤكل لحمها إذا طال مرضها أو تعبت من السير في أرض لا علف فيها ذبحها أولى من بقائها لتحصل راحتها من العذاب وقيل تعقر لئلا يغري الناس ذبحها على أكلها وقال ابن وهب لا تذبح ولا تعقر لنهيه عليه السلام عن تعذيب الحيوان لغير مأكلة فإذا تركها صاحبها لذلك فعلفها غيره ثم وجدها قال مالك هو أحق بها لأنه مكره على تركها بالاضطرار لذلك ويدفع ما أنفق عليها وقيل هي لعالفها لإعراض المالك عنها أفاده الأصل المسألة الثالثة قال ابن رشد الحفيد في البداية وأما تأثير الذكاة في البهيمة التي أشرفت على الموت من شدة المرض فإنهم اختلفوا فيه بعد اتفاقهم على عمل الذكاة في التي لم تشرف على الموت فالجمهور على أن الذكاة تعمل فيها وهو المشهور عن مالك وروي عنه أن الذكاة لا تعمل فيها وسبب الخلاف معارضة القياس للأثر فأما الأثر فهو ما أخرجه البخاري ومسلم أن أمة لكعب بن مالك كانت ترعى غنما بسلع فأصيبت شاة منها فأدركتها فذكتها بحجر فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كلوها وأما القياس فلأن المعلوم من الذكاة أنها إنما تفعل في الحي وهذه في حكم الميت واتفق كل من أجاز ذبحها على أن الذكاة لا تعمل فيها إلا إذا كان فيها دليل على الحياة واختلفوا فيما هو الدليل المعتبر في ذلك فبعضهم اعتبر الحركة وبعضهم لم يعتبرها والأول مذهب أبي هريرة والثاني مذهب زيد بن ثابت وبعضهم اعتبر فيها ثلاث
    ____________________
    (3/175)
    هذا النصب لا بد له من عامل يقتضي النصب وتقديره عندهم ذكاة الجنين أن يذكى ذكاة مثل ذكاة أمه فحذف مثل الذي هو نعت للمصدر المحذوف وهو مضاف لذكاة أمه فأقيم المضاف إليه مقامه فأعرب كإعرابه بالنصب لأن القاعدة أن المضاف إليه متى أقيم مقام المضاف أعرب كإعرابه وحذف الناصب لهذا المصدر مع المصدر ونعته وبقي الكلام كما ترى فهذا تقرير مذهبهم
    ووجه الحجة لهم من الحديث ولنا عنه جواب حسن وذلك أن نقول ما يتعين التقدير فيما ذكرتموه بل يصح النصب بتقدير آخر وهو قولنا ذكاة الجنين داخلة في ذكاة أمه فيكون ذكاة أمه منصوبا على أنه مفعول على السعة أو على الظرف بإسقاط حرف الجر وكان الأصل في ذكاة أمه فحذف حرف الجر فانتصب المجرور وهذا التقدير أولى لوجهين أحدهما أن المحذوف حينئذ يكون كلمة واحدة وهي قولنا داخلة وحرف الجر إن قلنا به وأما على تقديركم فيكون المحذوف أربع كلمات ولا خلاف أن قلة الحذف أولى فيكون ما ذكرناه أولى وثانيهما أن تقديرنا يؤدي إلى الجمع بين رواية النصب والرفع وعدم التعارض
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    حركات طرف العين وتحريك الذنب والركض بالرجل وهو مذهب سعيد بن المسيب وزيد بن أسلم وهو الذي اختاره محمد بن المواز وبعضهم شرط مع هذه التنفس وهو مذهب ابن حبيب ا ه
    المسألة الرابعة قال ابن رشد الحفيد أيضا وأما هل تعمل ذكاة الأم في جنينها أم لا تعمل فيه فإنهم اختلفوا في ذلك فذهب جمهور العلماء إلى أن ذكاة الأم ذكاة لجنينها وبه قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة إن خرج حيا ذبح وأكل وإن خرج ميتا فهو ميتة وبعض من قال إن ذكاة الأم ذكاة له اشترط في ذلك تمام خلقته ونبات شعره وبه قال مالك وبعضهم لم يشترط ذلك وبه قال الشافعي وسبب اختلافهم في صحة الأثر الذي رواه أبو سعيد في ذلك فقال سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البقرة أو الناقة أو الشاة ينحرها أحدنا فنجد في بطنها جنينا أنأكله أم نلقيه فقال كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه وخرج مثله الترمذي وأبو داود عن جابر مع مخالفته للأصول فأما اختلافهم في صحته فبعضهم لم يصححه وبعضهم صححه ومنهم الترمذي وأما مخالفة الأصل في هذا الباب للأثر فهو أن الجنين إذا كان حيا ثم مات بموت أمه فإنما يموت خنقا فهو من المنخنقة التي ورد النص بتحريمها وإلى تحريمه ذهب أبو محمد ابن حزم ولم يرض سند الحديث وأما سبب اختلاف القائلين باشتراط نبات الشعر في حيته وعدم اشتراطه فمعارضة العموم للقياس
    وذلك أن عموم قوله عليه السلام ذكاة الجنين ذكاة أمه يقتضي أن لا يقع هنالك تفصيل وكونه محلا للذكاة يقتضي أن يشترط فيه الحياة قياسا على الأشياء التي تعمل فيها التذكية والحياة لا توجد فيه إلا إذا نبت شعره وتم حلقه ويعضد هذا القياس أن هذا الشرط مروي عن ابن عمر وعن جماعة من الصحابة وروى معمر عن الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون إذا شعر الجنين فذكاته ذكاة أمه وروى ابن المبارك عن ابن أبي ليلى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكاة الجنين ذكاة أمه أشعر أو لم يشعر إلا أن ابن أبي ليلى سيئ الحفظ عندهم ولكن القياس يقتضي أن
    ____________________
    (3/176)
    وما ذكرتموه يفضي إلى التعارض وما أفضى إلى عدم التعارض كان أولى فما ذكرناه أولى مسألة قال صاحب البيان قال ابن القاسم الدابة التي لا يؤكل لحمها إذا طال مرضها أو تعبت من السير في أرض لا علف فيها ذبحها أولى من بقائها لتحصل راحتها من العذاب وقيل تعقر لئلا يغري الناس ذبحها على أكلها وقال ابن وهب لا تذبح ولا تعقر لنهيه عليه السلام عن تعذيب الحيوان لغير مأكلة فرع مرتب إذا تركها صاحبها فعلفها غيره ثم وجدها قال مالك هو أحق بها لأنه مكره على تركها بالاضطرار لذلك ويدفع ما أنفق عليها وقيل هي لعالفها لإعراض المالك عنها فهذا هو استيعاب هذا الباب بعلله ومقاصده إذا كان مقدورا عليه أما غير المقدور عليه وهو الصيد فلما كان المقصود في الحيوان المقدور عليه القصد إلى استخراج الدم الحرام المستخبث
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    تكون ذكاته في ذكاة أمه من قبل أنه جزء منها وإذا كان ذلك كذلك فلا معنى لاشتراط الحياة فيه فيضعف أن يخصص العموم الوارد في ذلك بالقياس الأول الذي تقدم ذكره عن أصحاب مالك ا ه
    وقال الأصل قال أصحابنا إذا لم تجر في الجنسين حياة لم تصح فيه ذكاة لا من قبله ولا من قبل أمه ولا يؤكل وإن جرت فيه الحياة وعلامة ذلك عندنا كمال الخلق ونبات الشعر فإن ذكيت الأم وخرج حيا ثم مات على الفور كرهه ابن المواز ووقع في الجلاب تحريمه وإن استهل صارخا انفرد بحكم نفسه وإن لم تذك الأم وألقته ميتا أو حيا حياة لا يعيش معها علم ذلك أو شك فيه لم يؤكل
    وإن ذكيت الأم فخرج ميتا فذكاتها ذكاته وقاله الشافعي رضي الله عنه وقال أبو حنيفة لا بد له من ذكاة تخصه ولا يكفي فيه ذكاة أمه ومنشأ الخلاف أما من حيث القواعد فلأن ذكاة أمه تسرع زهوق نفسه بسهولة فإنه كالجزء منها فلا يحتاج إلى ذكاة أو يلاحظ أنه حيوان مستقل الأعضاء والفضلات فيحتاج إلى ذكاة تخصه وموته بموت أمه موت له بالغم والآفات الحاصلة له في محله والموت بذلك لا يبيح في غير صورة النزاع فكذلك في صورة النزاع وأما من حيث النص فقوله عليه السلام ذكاة الجنين ذكاة أمه خرجه أبو داود وقد مر في الفرق الثالث والستين أنه روي برفع الذكاة الثانية وبها تمسك المالكية والشافعية في قولهم باستغناء الجنين عن الذكاة وأنه يؤكل بذكاة أمه من حيث إنها تقتضي حصر ذكاته في ذكاة أمه بمعنى أن ذكاة أمه تبيحه فيستغني بها عن الذكاة التي هي في العرف الشرعي عبارة عن الذبح الخاص في حلقه فبينه وبين أمه ملابسة تصح أن تكون ذكاة أمه هي عين ذكاته حقيقة لا مجازا بناء على قاعدة أن إضافة المصادر مخالفة لإسناد الأفعال في أنه يكفي في كونها حقيقة لغوية أدنى ملابسة كقولنا صوم رمضان وحج البيت بخلاف إسناد الأفعال فإنه يلزم لكونه حقيقة مراعاة الفاعل الحقيقي لا مطلق ملابس وروي بنصب الذكاة الثانية وبهذه الرواية تمسك الحنفية في قولهم باحتياج الجنين للذكاة
    وأنه لا يؤكل بذكاة أمه
    ____________________
    (3/177)
    من اللحم الحلال الطيب بأسهل الطرق على تلك الحيوانات وهو فيها ممكن بآلة تصلح لذلك وهذا كله متيسر في الإنسي
    وقد تعذر في الوحشي استخراج الدم وسهولة الطريق وبقي القصد والآلة ونزل السهم منزلة المدية لضرورة الفرار والتوحش فهو في الرتبة الثانية ويليه في الرتبة الثالثة الجارح لأنه له اختيار يبعد بسببه عن كونه آلة لأنه يجوز
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    بناء على أن التقدير ذكاة الجنين أن يذكى ذكاة مثل ذكاة أمه فحذف المضاف مع بقية الكلام وأقيم المضاف إليه مقامه فأعرب كإعرابه على قاعدة حذف المضاف مع أنه يمكن أن يكون التقدير على رواية النصب ذكاة الجنين داخلة في ذكاة أمه فخذف حرف الجر فانتصب الذكاة على أنه مفعول على حد دخلت الدار بل هذا التقدير أرجح مما قدره الحنفية بوجهين أحدهما قلة الحذف وثانيهما الجمع بين الروايتين ودفع التعارض بينهما ا ه بتلخيص وإصلاح قال ابن الشاط وما ذكره من أن الحديث يقتضي الحصر واستغناء الجنين عن الذكاة بذكاة أمه غير مسلم وما قاله من ترجيح التقدير على مذهب المالكية والشافعية بقلة الحذف وإن سلم إلا أنه يضعف بأنه ليس في مساق الكلام دليل على دخول ذكاة الجنين في ذكاة أمه كما أن التقدير على قول الحنفية وإن ضعف بكثرة الحذف إلا أنه يرجح بأنه من مقتضى مساق الكلام وما قاله من ترجيح التقدير على ما للمالكية والشافعية بالجمع لا يتم إلا إذا تعذر الجمع على ما للحنفية مع أن الجمع متجه على المذهبين معا والشأن إنما هو في ترجيح أحد الجمعين على الآخر وفي ذلك نظر وبسطه يطول فتأمل المسألة الخامسة قال ابن رشد الحفيد أيضا وأما هل للجراد ذكاة أم لا فقال مالك لا يؤكل من غير ذكاة وذكاته عنده هو أن يقتل إما بقطع رأسه أو بغير ذلك وقال عامة الفقهاء يجوز أكل ميتته وبه قال مطرف وذكاة ما ليس بذي دم عند مالك كذكاة الجراد وسبب اختلافهم في ميتة الجراد هو هل يتناوله اسم الميتة أم لا في قوله تعالى حرمت عليكم الميتة وللخلاف سبب آخر وهو هل نثرة حوت أو حيوان بري ا ه
    وقال الأصل لم يشترط الذكاة في الجراد وغيره مما ليس له نفس سائلة من لاحظ عدم الفضلات فيها بل جعل استخراج الفضلات أصلا وإراحة الحيوان تبعا وأجاز ميتة ذلك كله وهو ظاهر حديث أنه عليه السلام قال أحلت لنا ميتتان ودمان فالدمان الكبد والطحال والميتتان السمك والجراد وأما من لاحظ سرعة زهوق الروح وجعله أصلا في نفسه فإنه لم يجزها إلا بذكاة وهو مشهور مذهب مالك رحمه الله تعالى
    ا ه
    المسألة السادسة قال ابن رشد الحفيد أيضا وأما هل للحيوان الذي يأوي في البر تارة وفي البحر تارة ذكاة أم لا فقد غلب قوم فيه حكم البر وآخرون حكم البحر واعتبر آخرون حيث يكون عيشه ومتصرفه منهما غالبا ا ه
    وقال الأصل من لاحظ قاعدة إلحاق النادر بالغالب في الشريعة أسقط ذكاة ما يعيش في البر من دواب البحر كالتمساح والترس وغيرهما نظرا لغالبه فإنه لا يعيش في البر وهو مشهور مذهب مالك رحمه الله ومن لاحظ قاعدة تذكية الحيوان وجعل ميتة البحر على خلاف الأصل لم يسقط الذكاة في هذا النوع ويؤيده قوله تعالى حرمت عليكم الميتة وهذه ميتة إلا أن يلاحظ قاعدة حمل اللفظ العام على سببه دون عمومه فيختص بالميتة التي وردت الآية فيها وهي الميتة التي كانوا يأكلونها من الحيوان البري ويقولون
    ____________________
    (3/178)
    لنفسه لكن عارض كونه مختارا عدم العقل فيه فعدم عقله مخل باختياره مضافا إلى التعليم الحاصل فيه والأوهام التي حصلها فيه الآدمي بسبب التعليم والسياسة الخاصة فصار ذلك مقربا لكونه آلة له ولذلك لا يصلح أن يكون المجوسي آلة لعقله وكمال اختياره وإن كان الله تعالى جعل ذبيحته ميتة كافتراس الوحوش كما جعل نسائهم كالبهائم يحرم وطؤهن بسبب عدم تعظيمهم الكتب الإلهية والرسل الربانية فاهتضموا إلى حيث جعلوا كالبهائم وميز أهل الكتاب عليهم لتعظيمهم الرسل والرسائل من حيث الجملة
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله ا ه تنبيهان الأول ما ذكر من أن المقصود في الذكاة القصد إلى استخراج الدم الحرام المستخبث من اللحم الحلال الطيب بأسهل الطرق على الحيوان إنما يتيسر في الحيوان الإنسي المقدور عليه أما الوحشي فقد تعذر فيه استخراج الدم وسهولة الطريق ولم يبق إلا القصد والآلة ونزل السهم منزلة المدية لضرورة الفرار والتوحش فهو أي السهم في الرتبة الثانية ويليه في الرتبة الثالثة الجارح لأن له اختيارا يبعد بسببه عن كونه آلة لأنه يجوز لنفسه لكن عارض كونه مختارا عدم العقل فيه فعدم عقله مخل باختياره مضافا إلى التعليم الحاصل فيه والأوهام التي حصلها فيه الآدمي بسبب التعليم والسياسة الخاصة فصار ذلك مقربا لكونه آلة له ولذلك لا يصلح أن يكون المجوسي آلة لعقله وكمال اختياره وإن كان الله تعالى جعل ذبيحته ميتة كافتراس الوحوش كما جعل نساءهم كالبهائم يحرم وطؤهن بسبب عدم تعظيمهم الكتب الآلهية والرسل الربانية فاهتضموا إلى حيث جعلوا كالبهائم وميز أهل الكتاب عليهم لتعظيمهم الرسل والرسائل من حيث الجملة التنبيه الثاني قال ابن رشد الحفيد في البداية اتفقوا على أن الذكاة في بهيمة الأنعام نحر وذبح وأن من سنة الغنم والطير الذبح وأن من سنة الإبل النحر وأن البقر يجوز فيها الذبح والنحر واختلفوا هل يجوز النحر في الغنم والطير والذبح في الإبل فذهب مالك إلى أنه لا يجوز النحر في الغنم والطير ولا الذبح في الإبل إلا في موضع الضرورة وقال قوم يجوز جميع ذلك من غير كراهة وبه قال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وجماعة العلماء وقال أشهب إن نحر ما يذبح أو ذبح ما ينحر أكل ولكنه يكره وفرق ابن بكير بين الغنم والإبل فقال يؤكل البعير بالذبح ولا تؤكل الشاة بالنحر ولم يختلفوا في جواز ذلك في موضع الضرورة وسبب اختلافهم معارضة الفعل للعموم فأما العموم فقوله عليه الصلاة والسلام ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا وأما الفعل فإنه ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر الإبل والبقر وذبح الغنم وإنما اتفقوا على جواز ذبح البقر لقوله تعالى إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة وعلى ذبح الغنم لقوله تعالى في الكبش وفديناه بذبح عظيم ا ه والله سبحانه وتعالى أعلم
    ____________________
    (3/179)
    الفرق الأربعون والمائة بين قاعدة أنكحة الصبيان تنعقد إذا كانوا مطيقين للوطء وللولي الإجازة والفسخ وبين قاعدة طلاقهم فإنه لا ينعقد ووجه الإشكال فيهما والجامع بينهما أن خطاب الوضع كما تقدم هو الخطاب بالأسباب والشروط والموانع والتقادير الشرعية وقد تقدم بسطها وإنها لا يشترط فيها التكليف ولا العلم ولذلك نوجب الضمان على الصبيان والمجانين ونطلق بالإعسار وإن كان معجوزا عنه وغير مشعور به وكذلك بالإضرار ونورث بالأنساب وإن لم يشعر به الوارث ولا هو من مقدوره لأن ذلك كله من باب خطاب الوضع الذي معناه أن صاحب الشرع قال إذا وقع هذا في الوجود فاعلموا أني قد حكمت بهذا بخلاف خطاب التكليف يشترط فيه القدرة على المكلف به والعلم به والطلاق سبب للبينونة والنكاح سبب للإباحة فينبغي أن ينعقد الجميع في حقه كما انعقد الإتلاف سبب الضمان والبيع بسبب العقد وغير ذلك من الأسباب الفعلية والقولية
    هامش أنوار البروق
    قال الفرق الأربعون والمائة بين قاعدة أنكحة الصبيان تنعقد إذا كانوا مطيقين للوطء وللولي الإجارة والفسخ وبين قاعدة طلاقهم فإنه لا ينعقد إلى آخر ما قاله في هذا الفرق قلت فيما فرق به هنا نظر وأما ما قاله في الفرقين بعده الحادي والأربعين والمائة والثاني والأربعين والمائة فصحيح
    هامش إدرار الشروق
    الفرق الأربعون والمائة بين قاعدة أنكحة الصبيان تنعقد إذا كانوا مطيقين للوطء وللولي الإجازة والفسخ وبين قاعدة طلاقهم فإنه لا ينعقد مع أن كلا من النكاح والطلاق سبب لشيء فالنكاح سبب للإباحة والطلاق سبب للبينونة فهما من خطاب الوضع لا من خطاب التكليف فقد تقدم أن خطاب الوضع هو الخطاب بالأسباب والشروط والموانع والتقادير الشرعية وتقدم بسطها وأنها لا يشترط فيها التكليف ولا العلم ولذلك نوجب الضمان على الصبيان والمجانين ونطلق بالإعسار وإن كان معجوزا عنه وغير مشعور به وكذلك بالإضرار بالأنساب وإن لم يشعر به الوارث ولا هو من مقدوره فإن معنى خطاب الوضع أن صاحب الشرع قال إذا وقع هذا في الوجود فاعلموا أني قد حكمت بهذا فكان لا ينبغي أن ينعقد طلاق الصبيان كما انعقدت أنكحتهم إذا كانوا مطيقين للوطء وللولي الإجازة والفسخ ولا يفرق بينهما كما أنهم لم يفرقوا بين كون إتلاف الصبي سببا لضمانه وعقد البيع سببا للزوم البيع ولا بين غير ذلك من الأسباب الفعلية والقولية إلا أن العلامة الأمير في ضوء الشموع ذكر سر الفرق بينهما بقوله إنما صح نكاح الصغير وتوقف على النظر ولم يصح طلاقه أصلا لأن الطلاق كما قال المشذالي من قبيل
    ____________________
    (3/180)
    فهذا وجه الجمع بينهما والفرق بين القاعدتين في أن الصبيان تنعقد أنكحتهم دون طلاقهم أن عقد الأنكحة سبب إباحة الوطء وهو أهل للخطاب بالإباحة والندب والكراهة دون الوجوب والتحريم لأنهما تكليف ومشقة من جهة لزوم استحقاق العقاب المحمول عن الصبيان لضعف عقولهم والطلاق سبب تحريم الوطء بإسقاط العصمة في الزوجة وهو ليس أهلا للتحريم فلم ينعقد سببا في حقه مع اشتراك السببين في أنهما خطاب وضع وانضاف إلى أحدهما تكليف فلا جرم انتفى انعقاده في حقه فإن قلت الإتلاف سبب وجوب الضمان والوجوب تكليف
    وقد انعقد في حقه فيجب على الولي الإخراج من مال الصبي المتلف فإن تأخر ذلك للبلوغ وجب على الصبي في ماله وخوطب حينئذ فقد تأخر الوجوب الذي هو سبب الإتلاف إلى بعد البلوغ فلم لا ينعقد الطلاق في حقه ويتأخر التحريم إلى بعد البلوغ عند حصول أهلية التكليف كما قلتم ذلك في الإتلاف وكلاهما سبب وضعي يقتضي التكليف قلت الأصل ترتب المسببات على أسبابها وتأخرها عنها خلاف القواعد والإتلاف
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الحدود ولذلك تشطر على العبد وفي القرآن بعد ذكر الطلاق تلك حدود الله ولا حد على الصبي والنكاح من عقود المعاوضات فينظر الولي الأصلح
    ا ه بلفظه وهو أولى مما قاله الأصل في سر الفرق هنا من أن عقد الأنكحة سبب إباحة الوطء وهو أصل للخطاب بالإباحة والندب والكراهة دون الوجوب والتحريم لأنهما تكليف ومشقة من جهة لزوم استحقاق العقاب المحمول عن الصبيان لضعف عقولهم والطلاق سبب تحريم الوطء بإسقاط العصمة في الزوجة والصبي ليس أهلا للتحريم فلذا لم ينعقد الطلاق سببا في حقه فهما وإن اشتركا في أنهما سببان وخطاب وضع إلا أن أحدهما وهو الطلاق لما انضاف إليه تكليف دون الآخر انتفى عنه دونه الانعقاد في حقه والإتلاف وإن انعقد في حقه سببا لوجوب الضمان والوجوب تكليف حتى أنه يجب على الولي الإخراج من مال الصبي المتلف فإن تأخر ذلك البلوغ وجب على الصبي في ماله وخوطب هو حينئذ إلا أن تأخير مسبب الإتلاف عنه إلى بعد البلوغ عند حصول أهلية التكليف على خلاف القواعد ولم يتعين لإمكان الإخراج حالة الإتلاف من مال الصبي أو ممن يتبرع به عنه بل هذا هو الغالب والعجز عن إخراج الضمان من ماله في الحال نادر فألحق بالغالب وانعقد الإتلاف سببا مطلقا وأما الطلاق فإنه لو انعقد في حقه لكان يتعين تأخير التحريم فيه الأمد الطويل والسنين الكثيرة إلى حين البلوغ على خلاف القواعد فلا جرم لم ينعقد في حقه ا ه
    لقول العلامة ابن الشاط فيما فرق به هنا نظر
    ا ه قلت ولعل وجهه ما قدمناه عنه في الفرق السادس والعشرين وغيره من أن التكليف بعينه مشقة لأنه منع الإنسان من الاسترسال مع دواعي نفسه وهو أمر نسبي وبهذا الاعتبار سمي تكليفا وهذا المعنى موجود في جميع أحكامه حتى الإباحة وذلك لأن القاعدة المقررة كما في الموافقات أن الشرائع إنما جيء بها لمصالح العباد فالأمر والنهي والتخيير جميعا راجعة إلى حظ المكلف ومصالحه لأن الله تعالى غني عن الحظوظ منزه عن الأعراض غير أن الحظ إن أخذه العبد من جهة الطلب
    ____________________
    (3/181)
    لم يتعين فيه تأخير مسببه عنه لإمكان الإخراج حالة الإتلاف من مال الصبي أو ممن يتبرع به عنه فلم يتعين أخر مسببه عنه وأما الطلاق فيتعين تأخير التحريم فيه الأمد الطويل والسنين الكثيرة إلى حين البلوغ فلا جرم لم ينعقد في حقه ولهذا الفرق أيضا انعقد سبب البيع في حقه لأنه سبب إباحة ترتب عليه مسببه في الحال وكذلك الإرث وغيره من الأسباب جميعها تترتب آثارها في حق الصبيان والتأخير في وجوب الضمان إنما وقع عارضا بسبب العز عن إخراجه من ماله في الحال وقد لا يتفق ذلك وهو الغالب فألحق النادر بالغالب وانعقد سببا مطلقا الفرق الحادي والأربعون والمائة بين قاعدة ذوي الأرحام لا يلون عقد الأنكحة وهم أخو الأم وعم الأم وجد الأم وبنو الأخوات والبنات والعمات ونحوهم ممن يدلي بأنثى وبين قاعدة العصبة فإنهم يلون العقد في النكاح وهم الآباء والأبناء والجدود والعمومة والإخوة الشقائق وإخوة الأب
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    فقط كالواجب والمحرم لم يكن ساعيا في حظه وإن لم يفته حظه وإن أخذه من حيث باعث نفسه فإما أن يطلبه مع ذلك من جهة كونه داخلا تحت الطلب أيضا كالمندوب والمكروه فيلحق بما قبله في التجرد عن الحظ ويسمى باسمه وإما أن يطلبه من جهة كونه غير داخل تحت الطلب كالمباح فلا يكون آخذا له إلا من جهة إرادته واختياره لأن الطلب مرفوع عنه بالفرض فلهذا يقال إن المباح هو العمل المأذون فيه المقصود به مجرد الحظ الدنيوي خاصة إلا أنه لم يتم فيه الحظ المذكور من جميع الوجوه بواسطة الحجر عن الاسترسال فيه وفي غيره إلا بمقتضى الإذن لم يخل عن كلفة ومشقة وقد تقدم في الفرق المذكور أيضا عن العلامة الأمير أن التكليف كما يفسر بإلزام ما فيه كلفة فلا يشمل الندب والكراهة كذلك يفسر بالطلب فيشملهما وعلى الأول يظهر ما رجحه المالكية من تعلق الندب والكراهة بالصبي كأمره بالصلاة لسبع من الشارع بناء على أن الأمر بالأمر أمر وأما الإباحة فليست تكليفا عليها وعدها في أحكامه إما تغليبا وإما لأنها لا تتعلق إلا بالمكلف لما صرح به في أصول الفقه من أن أفعال الصبي ونحوه كالبهائم مهملة ولا يقال إنها مباحة إذ المباحة ما لا إثم في فعلها ولا في تركها ولا ينفى الشيء إلا حيث يصح ثبوته
    ا ه فافهم والله سبحانه وتعالى أعلم
    الفرق الحادي والأربعون والمائة بين قاعدة ذوي الأرحام لا يلون عقد الأنكحة وهم أخو الأم وعم الأم وجد الأم وبنو الأخوات والبنات والعمات ونحوهم ممن يدلي بأنثى وبين قاعدة العصبة فإنهم يلون العقد في النكاح وهم الآباء والأبناء والجدود والعمومة والإخوة الشقائق وإخوة الأب وهو أن الولاء شرع لحفظ النسب فلا يدخل فيه من لم يكن له نسب كذوي الأرحام وإنما يدخل فيه من يكون له نسب حتى تحصل الحكمة لمحافظته على مصلحة نفسه
    ____________________
    (3/182)
    والفرق بين الفرقين أن الولاء شرع لحفظ النسب فلا يدخل فيه إلا من يكون له نسب حتى تحصل الحكمة لمحافظته على مصلحة نفسه فذلك يكون أبلغ في اجتهاده في نظره في تحصيل الإكفاء ودرء العار عن النسب وخالف الشافعي رضي الله عنه في الابن فقال لا ولاية له واحتج على ذلك بوجوه أحدها قول النبي صلى الله عليه وسلم أيما امرأة أنكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل والابن لا يسمى مولى وثانيها أنه يدلي بها فلا يزوجها كتزويجها لنفسها فإن الفرع لا يكون أقوى من الأصل ولما أدلى بها صار في معناها وثالثها أنه شخص لا تصح من أبيه الولاية فلا تصح منه كابن الخال مع الخال
    والجواب عن الأول أنه روي بغير إذن وليها وهو وليها لأن الولاية من القرب لقول العرب هذا يلي هذا أي يقرب منه وابنها أقرب إليها من غيره لأنه جزؤها وجزء الشيء أقرب إليه من الأمور الخارجة عنه هذا على هذه الرواية وعلى الرواية الأخرى نقول
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    فذلك يكون أبلغ في اجتهاده في نظره في تحصيل الإكفاء ورده العار عن النسب وخالف الشافعي رضي الله تعالى عنه في الابن فقال لا ولاية له محتجا على ذلك بثلاثة وجوه أحدها قول النبي صلى الله عليه وسلم أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن مواليها فنكاحها باطل والابن لا يسمى مولى وثانيها أنه يدلي بها فلا يزوجها كتزويجها لنفسها فإن الفرع لا يكون أقوى من الأصل ولما أدلى بها صار في معناها وثالثها أنه شخص لا تصح من أبيه الولاية فلا تصح منه كابن الخال مع الخال والجواب عن الثلاثة الوجوه أما عن الأول فبوجهين الأول أن الحديث كما روي بغير إذن مواليها كذلك روي بغير إذن وليها والابن ولي أمه لأن الولاية من القرب لقول العرب هذا يلي هذا أي يقرب منه ولا شك أن ابنها أقرب إليها من غيره لأنه جزؤها وجزء الشيء أقرب إليه من الأمور الخارجة عنه الوجه الثاني أن المولى في الحديث على روايته بغير إذن مواليها لا نسلم أن المراد به خصوص السيد حتى يصح أن يقال لا يسمى الابن مولى بل المولى له معان كثيرة في لسان العرب فيحتمل أن يكون المراد به في الحديث منها الناصر بقوله تعالى فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين أي ناصره وقوله تعالى وأن الكافرين لا مولى لهم أي لا ناصر لهم وهو كثير والابن ناصر أمه فيكون هو مولاها بل هذا الاحتمال أولى لأن فيه جمعا بين الروايتين وأما عن الثاني فبالفرق بقوة عقله الناشئ عن الذكورية وضعف عقلها الناشئ عن الأنوثة وأما عن الثالث فبأنه جزء منها
    ____________________
    (3/183)
    المولى له معان كثيرة في لسان العرب منها الناصر لقوله تعالى فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين أي ناصره ومنه قوله تعالى وأن الكافرين لا مولى لهم أي لا ناصر لهم وهو كثير والابن ناصر أمه فيكون هو مولاه وهذا الاحتمال أولى لأن فيه جمعا بين الروايتين وعن الثاني الفرق بقوة عقله الناشئ عن الذكورية وضعف عقلها الناشئ عن الأنوثة وعن الثالث أنه جزء منها فيتعلق به عارها بخلاف أبيه وابن الخال فإن ابن الخال بعيد عنها لا تنكيه فضيحتها كما تنكي ابنها بل يجب أن يكون الابن مقدما على جميع الأولياء لأنه جزؤها وجزؤها أمس بها من الأمور الخارجة والقاعدة أنه يقدم في كل ولاية من هو أقوم بمصالحها ولذلك قدم في القضاء من هو أيقظ وأكثر تفطنا لوجوه الحجاج وسياسة الخصوم وأضبط للفقه ويقدم في الحروب من هو أعرف بمكايد الحروب وسياسة الجند والجيوش
    ويقدم في الفتيا من هو أورع وأضبط لمنقولات الفقه وفي أمانة الحكم على الأيتام من هو أعرف بتنمية الأموال وأعرف بمقادير النفقات والكلف والجدال في الخصام ليناضل عن الأيتام
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    فيتعلق به عارها بخلاف أبيه وابن الخال فإن ابن الخال بعيد عنها لا تنكيه فضيحتها كما تنكي ابنها بل يجب أن يكون الابن مقدما على جميع الأولياء حتى الأب لأنه جزؤها وجزؤها أمس بها من الأمور الخارجة نعم في شب أن أب المجنونة مقدم في الجبر على ابنها والابن مقدم عليه في الولاية
    ا ه لكنه غير المعقول إلا أن يؤول بأن في سببيته أي مقدم بسبب الجبر على ابن المجنونة والابن من زنى مثلا لأن الجبر ولاية وزيادة فلا يلزم أن الابن له جبر والابن مقدم في الولاية التي لا جبر فيها وهي الآتية في العصبات أفاده الأمير في شرح المجموع وضوء الشموع والقاعدة أنه يقدم في كل ولاية من هو أقوم بمصالحها ولذلك قدم في القضاء من هو أيقظ وأكثر تفطنا لوجوه الحجاج وسياسة الخصوم وأضبط للفقه وفي الحروب من هو أعرف بمكايدها وسياسة الجند أو الجيوش وفي الفتيا من هو أورع وأضبط لمنقولات الفقه وفي أمانة الحكم على الأيتام من هو أعرف بتنمية الأموال ومقادير النفقات والكلف والجدال في الخصام ليناضل عن الأيتام وفي سعاية الزكاة من هو أعرف بنصابها والواجب فيها وأحكام الزكاة من الاختلاط والافتراق وأقوى خرصا للثمار وربما كان المقدم في باب مؤخرا في باب آخر كما قدم الرجال في الحروب والإمامة وأخروا في الحضانة فإن مزيد إنفاقهم يمنعهم من تحصيل مصالح الأطفال وأخر النساء في الحروب والإمامة وقدمن في الحضانة عليهم فإنهن بسبب مزيد شفقتهن وصبرهن على الأطفال أكمل فيها منهم فلهذه القاعدة يقدم كل ولي تكون صفته أقرب على غيره من الأولياء لأن صفة أقربيته تكون حاثة على حسن النظر أكثر من غيره ونحن نعلم بالضرورة أن ابن الإنسان أشفق عليه من ابن عمه لا سيما إذا بعد وفي بداية المجتهد أن الشافعي اعتبر أن الولد ليس من عصبتها لحديث عمر لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها أو السلطان ولم يعتبره مالك في الابن لحديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ابنها أن ينكحها إياه ولأنهم اتفقوا أعني مالكا والشافعي على
    ____________________
    (3/184)
    ويقدم في سعاية الزكاة من هو أعرف بنصبها والواجب فيها وأحكام الزكاة من الاختلاط والافتراق وأقوى خرصا للثمار وربما كان المقدم في باب مؤخرا في باب آخر كما قدم الرجال في الحروب والإمامة وأخروا في الحضانة وقدم النساء عليهم بسبب مزيد شفقتهن وصبرهن على الأطفال فكن لذلك أكمل في الحضانة من الرجال فإن مزيد إنفاقهم يمنعهم من تحصيل مصالح الأطفال فلهذه القاعدة قدم الابن على غيره فإنا نعلم بالضرورة أن ابن الإنسان أشفق عليه من ابن عمه لا سيما إذا بعد ويقدم كل ولي على غيره من الأولياء إذا كانت صفته أقرب وحاله على حسن النظر أكثر من غيره فيقدم لذلك
    الفرق الثاني والأربعون والمائة بين قاعدة الأجداد في المواريث يسوون بالإخوة وبين قاعدتهم في النكاح وميراث الولاء وصلاة الجنازة تقدم الإخوة عليهم وسر الفرق بين هذه المواطن والمواريث أن الجد في باب المواريث يقول أنا أبو أبيه والأخ يدلي بالبنوة فيقول أنا ابن أبيه والبنوة مقدمة على الأبوة فحجب الابن الأب عن
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    أن الابن يرث الولاء الواجب للأم والولاء للعصبة ا ه
    فافهم والله سبحانه وتعالى أعلم
    الفرق الثاني والأربعون والمائة بين قاعدة الأجداد في المواريث يسوون بالإخوة وبين قاعدتهم في النكاح وميراث الولاء وصلاة الجنازة تقدم الإخوة عليهم مشهور المذهب أن ترتيب العصبة في غسل الميت وفيما إذا وصى لأقرب عصبة وفي ميراث الولاء وفي صلاة الجنازة وفي النكاح وفي تكميل عدد العاقلة هكذا ابن وإن سفل فأب فأخ فابنه فجد أدنى فعم أدنى فابنه فأبو الجد فعم الأب وهكذا يقدم الأصل على فرعه والفرع على أصل أصله وابن الأخ الشقيق على ابن الأخ للأب كما في المجموع ومقابل المشهور كما في ضوء الشموع قول المغيرة يقدم الجد على الأخ لأنه أب
    ا ه وفي بداية المجتهد وروي عن مالك أن الأب أولى من الابن وهو أحسن وقال أيضا الجد أولى من الأخ وبه قال المغيرة وخالف الشافعي مالكا في ولاية البنوة فلم يجزها أصلا بل قال لا ولاية للابن وفي تقديم الإخوة على الجد ا ه
    وترتيبهم في الحضانة أن يتوسط الأجداد بين الإخوة وأبنائهم وفي المواريث واستيفاء الدم من الجاني أن يسوى الأجداد بالإخوة بأن يقدم الأخ ثم الجد ثم ابن الأخ ثم العم ثم ابن العم وما أحسن قول عج رحمه الله تعالى بغسل وإيصاء ولاء جنازة نكاح أخا وابنا على الجد قدم وعقل ووسطه بباب حضانة وسوه مع الأباء في الإرث والدم ومراده بالآباء الإخوة دون أبنائهم قال الأصل وسر الفرق بين المواريث وبين الأبواب الثلاثة أعني النكاح وميراث الولاء ومنه الإيصاء وتكمل عدد العاقلة وصلاة الجنازة ومنه غسل الميت هو أنه وإن كانت العمدة في هذه الأبواب الأربعة من أن حجة الجد في باب المواريث أن يقول أنا أبو أبيه والأبوة
    ____________________
    (3/185)
    جملة المال إلى سدسه فهذه العمدة في الأبواب الأربعة كلها ويفترق الميراث من الثلاثة الأبواب الأخر بأن الجد تسقط الإخوة للأم به ولا نقدر الإخوة الأشقاء على ذلك ولا الإخوة للأب ويرث مع الابن بخلاف الإخوة فلما عارض بهذين الوجهين حجة الإخوة بالبنوة سوى بالإخوة في باب ميراث النسب لأنه هو الذي حصل فيه التعارض وهذا التعارض منفي في الأبواب الثلاثة بسبب أن الإخوة للأم لا مدخل لهم في ولاية النكاح ولا ميراث الولاء ولا في صلاة الجنازة حتى يقول الجد للإخوة أنتم عاجزون عن دفع هؤلاء وأنا لا أعجز عن دفعهم وإذا لم يمكن أن يعارضهم بذلك بقيت حجتهم بالبنوة وتقديمها على الأبوة سالمة عن المعارض فقدموا في الأبواب الثلاثة بخلاف ميراث النسب
    الفرق الثالث والأربعون والمائة بين قاعدة الوكالة وبين قاعدة الولاية في النكاح أن الرجل إذا وكل وكيلين في بيع سلعة فباعاها من رجلين كان النافذ من البيعين هو
    هامش أنوار البروق
    قال الفرق الثالث والأربعون والمائة بين قاعدة الوكالة وقاعدة الولاية في النكاح إلى قوله ثم يتبين عتق زوجها قبلها ردت إليه وقيل يفيتها قلت هذا الفرق عندي فاسد الوضع فإنه لا فرق بين البيع والنكاح من حيث إن السلعة إذا هلكت كان هلاكها فوتا ونفوذا للعقد الثاني وكذلك في النكاح في المسائل الثماني التي ذكر الفرق فيها
    هامش إدرار الشروق
    مقدمة على الأخوة قطعا ومن حجة الأخ في ذلك الباب أن يقول من حيث إنه يدلي بالبنوة عارضها في باب ابن أبيه والبنوة مقدمة على الأبوة قطعا فقد حجب الابن الأب عن جملة المال إلى سدسه إلا أن حجة الأخوة بالبنوة لما عارضها في باب ميراث النسب وجهان لم تحصل معارضتهما لهما في الثلاثة الأبواب الأخر أحدهما أن الجد يسقط الإخوة للأم به ولا تقدر الإخوة أشقاء كانوا أو لأب على ذلك وثانيهما أن الجد يرث مع الابن بخلاف الإخوة أما الثاني فظاهر وأما الأول فبسبب أن الإخوة للأم لا مدخل لهم في ولاية النكاح ولا في ميراث الولاء ولا في صلاة الجنائز لاختصاص هذه الأبواب بالعصبة وأخ الأم خارج عن العصبة وحينئذ لم يكن لقول الجد للإخوة أنتم عاجزون عن دفع هؤلاء وأنا لا أعجز عن دفعهم وإذا لم يمكن أن يعارضهم بذلك بقيت حجة الأخوة بالبنوة وتقديمها على الأبوة سالمة عن المعارض فقدموا في الأبواب الثلاثة بخلاف ميراث النسب
    ا ه بتصرف وتوضيح للمراد وسلمه ابن الشاط قلت ويبقى سر الفرق بين باب الحضانة وبين الأبواب الأربعة مفتقرا للبيان ويخلق ما لا تعلمون فتأمل ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم
    الفرق الثالث والأربعون والمائة بين قاعدة الوكالة وبين قاعدة الولاية في النكاح وذلك أن الأصل قال لم أجد لمالك ولا لأصحابه نصا في أن الوكيلين إذا باع أحدهما بعد الآخر سلعة
    ____________________
    (3/186)
    الأول وإذا جعلت المرأة أمرها لوليين فزوجاها من رجلين كفأين فالمعتبر أولهما إن عرف كالبيع إلا أن يدخل بها الأخير فهو أحق بها وهذه القاعدة فيها سبع مسائل يفيتهن الدخول مسألة الوليين وامرأة المفقود تتزوج بعد الأجل المضروب يفيتها الدخول فإن قدم قبل الدخول بها فهو أحق بها والمرأة تعلم بالطلاق دون الرجعة فتتزوج ثم تثبت رجعة الأول فإن دخل بها الزوج الثاني كان أحق بها وألغيت الرجعة
    وقال مالك في المدونة إذا طلق زوج الأمة الأمة طلاقا رجعيا فراجعها في السفر فلم تعلم بذلك فوطئها السيد بعد انقضاء العدة مع علمه بالرجعة كان وطء السيد مفيتا لها كالوطء بالزوج وتكون هذه المسألة ثامنة لهذه المسائل وامرأة الرجل يرتد فيشك في كفره بالأرض البعيدة هل هو إكراه أو اختيار ثم يتبين أنه إكراه وقد تزوجت امرأته بناء على ظاهر كفره فإن دخل بها الثاني فهو أحق بها وإن لم يدخل بها فهي للأول والرجل يسلم على عشرة نسوة فاختار منهن أربعا فوجدهن ذوات محارم فإنه يرجع
    هامش أنوار البروق
    وإنما يحتاج إلى الفرق بين هذه المسائل والمسائل الأربع التي ذكر عدم الفوت فيها وأما الفرق بين تينك القاعدتين فليس بصحيح والله أعلم قال فالشافعي رحمه الله تعالى يسوي بين القاعدتين إلى قوله يصلح للترجيح لا للاستقلال قلت ما قاله من أن الشافعي يسوي بين القاعدتين يشعر بأن مالكا لا يسوي بينهما وليس الأمر كذلك بل مالك أيضا يسوي بينهما غير أنه فرق بين مسائل من فروع القاعدتين فيطلب وجه ذلك الفرق وما قاله من أن القياس قول الشافعي صحيح
    هامش إدرار الشروق
    واتصل بالثاني تسليم انعقد عقده وفات عقد الأول بل إنما قالوا النافذ من البيعين هو الأول مطلقا نعم وقع لمالك في المدونة والجلاب أن الوكيل والموكل خاصة إذا باع أحدهما بعد الآخر انعقد عقد السابق إلا أن يتصل بالثاني تسليم فقال الأصحاب هذا قياس على مسألة الوليين تجعل المرأة أمرها لهما فيزوجاها من رجلين كفأين فالمعتبر أولهما إن عرف إلا أن يدخل بها الأخير فهو أحق بها لقضاء عمر رضي الله عنه بذلك ومذهب مالك رحمه الله تعالى أن يقول الصحابي الواحد كما يصلح للترجيح كذلك يصلح للاستقلال فيكون حجة على غيره من غير الصحابة لحديث أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم رواه ابن ماجه وهو كذلك عند الشافعي في القديم وعلى قوله الجديد يصلح للترجيح لا للاستقلال فليس بحجة على غيره من الصحابة اتفاقا ولا على غيره من غير الصحابة كما في شرح الحطاب على ورقات إمام الحرمين في أصول الفقه مع المتن وقال ابن عبد الحكم لا عبرة بالتسليم بل إنما ينعقد عقد الأول والفرق بين مسألة الوليين في النكاح ومسألة الوكيل وموكله في البيع أن كشف النكاح مضرة عظيمة بخلاف البيع وهذا هو الصحيح والتخريج مع قيام الفارق باطل إجماعا فلو رام مخرج تخريج الوكيلين على الموكل والوكيل على ما لمالك في المدونة والجلاب لتعذر ذلك بسبب الفرق أيضا وهو أن الموكل له التصرف بطريق الأصالة والوكيل له التصرف بطريق النيابة فهو فرع فإن تأخر عقده
    ____________________
    (3/187)
    ويختار من البواقي ما لم يتزوجن ويدخل بهن أزواجهن فمن دخل بها فات الأمر فيها بالدخول ومن لم يدخل بها كان له أخذها وقيل لا يفيتهن الدخول والمرأة تطلق للغيبة ثم يقدم بحجة
    فإن وجدها تزوجت ودخل بها فاتت عليه وإن لم يدخل بها لم تفت عليه والمرأة تسلم وزوجها كافر فيفرق بينهما ثم يبين تقدم إسلامه عليها وخولفت هذه القاعدة في أربع مسائل في المذهب أيضا المرأة ينعى لها زوجها ثم يتبين حياته وقد تزوجت فإنها لا يفيتها الدخول وقيل يفيتها الدخول والمطلقة بسبب الإعسار بالنفقة ثم يتبين أنها أسقطتها عنه قبل ذلك وقد تزوجت فإنها ترجع إليه وإن دخل بها الثاني والرجل يقول عائشة طالق وله امرأة حاضرة اسمها عائشة وقال لم أردها ولي امرأة أخرى تسمى عائشة ببلد آخر وهي التي أردت فإنها تطلق عليه هذه لأن الأصل عدم امرأة أخرى فإن تبين صدقه وقد تزوجت ودخل بها زوجها ردت إليه ولا يفتيها الدخول والأمة تختار نفسها تتزوج ويدخل بها زوجها ثم يتبين عتق زوجها قبلها ردت إليه وقيل يفيتها
    هامش أنوار البروق
    قال ووجه الحجة على الشافعي إلى ما ذكر في الفرق قلت ما قاله يحتاج إلى تأمل ونظر
    هامش إدرار الشروق
    ووقع التسليم في عقد الموكل أمكن أن يقول مالك ذلك عندي مضاف للتسليم وكونه متصرفا بطريق الأصالة والأصالة لها قوة وله أيضا قوة العزل والتصرف بنفسه وهو معنى مناسب مفقود في الوكيلين فإن كليهما فرع لا أصالة له فلا ينعقد عقد اللاحق منهما مطلقا اتصل به قبض أم لا ومهما وجدنا معنى يمكن أن يلاحظه الإمام امتنع التخريج على محل ذلك الفارق كما أن المجتهد إذ وجد معنى يمكن أن يكون فارقا امتنع عليه القياس فالمقلد مع المجتهد كالمجتهد مع الشارع والوليان في النكاح وإن كانا فرعين لا متأصل فيهما إلا أن المرأة في النكاح لما كان يتعذر عليها الاستقلال سقط اعتبار التأصل فيها بخلاف الموكل في البيع فإنه لما كان يمكن استقلاله أمكن أن يكون إمكان استقلاله فرقا يلاحظه الإمام فيتعذر التخريج والصواب عدم التخريج مطلقا في الموكل والوكيل والوكيلين أيضا فتكون قاعدة الوكيلين والموكل والوكيل عند مالك تخالف قاعدة مسألة الوليين والسبع المسائل نظائرها عنده في أن دخول الأخير بالمرأة فيها يفيتها على من قبله المسألة الأولى امرأة المفقود تتزوج بعد الأجل المضروب فإن قدم قبل الدخول بها فهو أحق بها وإلا فاتت عليه بالدخول المسألة الثانية المرأة تعلم بالطلاق دون الرجعة فتتزوج ثم ثبتت رجعة الأول فإن دخل بها الزوج الثاني كان أحق بها وألغيت الرجعة لقضاء معاوية بن أبي سفيان وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما بذلك وأفاتاها بالدخول المسألة الثالثة قال مالك في المدونة إذا طلق زوج الأمة الأمة طلاقا رجعيا فراجعها في السفر فلم
    ____________________
    (3/188)
    فالشافعي رضي الله عنه يسوي بين القاعدتين وجعل العقد السابق هو المعتبر وما بعده باطل حصل دخول أم لا فهذا هو القياس فإن من شرط عقد النكاح أن تكون خالية عن زوج وهذه ذات زوج فلا يصح العقد عليها واعتمد مالك رحمه الله تعالى على قضاء عمر رضي الله عنه في مسألة الوليين وقضاء معاوية بن أبي سفيان وعبد الله بن الزبير في مسألة الرجعة وأفاتوا المرأة بالدخول وهذا مدرك عند مالك وعند الشافعي رضي الله عنه ليس بمدرك لأن مذهبه أن قول الصحابي يصلح للترجيح لا للاستقلال ووجه الحجة على الشافعي وهو سر الفرق المقصود بين القاعدتين أنا أجمعنا على الأخذ بالشفعة وهو إبطال أثر العقد السابق وتسليط الشفيع على إبطاله لأجل الضرر الداخل على الشريك من توقع القسمة
    وإذا قضى بتقديم الضرر على القعد هنالك وجب أن يقضي ههنا بتقديم الضرر على العقد السابق بطريق الأولى من وجهين الأول أن ضرر الشفعة متوقع فإن القسمة قد تحصل وقد لا تقع ألبتة وأما الضرر ههنا فناجز وتقريره أن الرجل إذا طلع على المرأة حصل له بها تعلق في الغالب وحصل لها هي أيضا تعلق فإن الرجل إنما يتزوج في الغالب من مالت نفسه إليها وإذا دخل عليها مع الميل المتقدم وجدت الرؤية والمباشرة فالغالب حصول الميل كذا هي أيضا إنما
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    تعلم بذلك فوطئها السيد بعد انقضاء العدة مع عدم علمه بالرجعة كان وطء السيد مفيتا لها كالوطء بالزوج المسألة الرابعة امرأة الرجل يرتد فيشك في كفره بالأرض البعيدة هل هو إكراه أو اختيار ثم تبين أنه إكراه وقد تزوجت امرأته بناء على ظاهر كفره فإن دخل بها الثاني فهو أحق بها وإن لم يدخل بها فهي للأول المسألة الخامسة الرجل يسلم على عشر نسوة فاختار منهن أربعا فوجدهن ذوات محارم فإنه يرجع ويختار من البواقي ما لم يتزوجن ويدخل بهن أزواجهن فمن دخل بها فات الأمر فيها بالدخول ومن لم يدخل بها كان له أخذها وقيل لا يفيتهن الدخول المسألة السادسة المرأة تطلق للغيبة ثم يقدم بحجة فإن وجدها تزوجت ودخل بها فاتت عليه وإن لم يدخل بها لم تفت عليه المسألة السابعة المرأة تسلم وزوجها كافر فيفرق بينهما ثم يبين تقدم إسلامه عليها فتفوت عليه إن تزوجت ودخل بها وإن لم يدخل بها لم تفت عليه وتخالف هذه القاعدة أعني قاعدة مسألة الوليين ونظائرها السبع أربع مسائل في المذهب أيضا الأولى المرأة ينعى لها زوجها ثم يتبين حياته وقد تزوجت فإنها لا يفيتها الدخول وقيل يفيتها الدخول الثانية المطلقة بسبب الإعسار للنفقة ثم يتبين أنها أسقطتها عنه قبل ذلك وقد تزوجت فإنها ترجع إليه وإن دخل بها الثاني الثالثة الرجل يقول عائشة
    ____________________
    (3/189)
    رضيت به بعد ميل نفسها إليه فإذا باشرته مع الميل المتقدم وحصول الإرب فالغالب حصول الميل وإذا كان الظاهر حصول الميل إما من الجانبين وإما من أحدهما فلو قضينا بالفراق بعد هذا الميل الناشئ من الدخول وقضاء الأوطار لحصل الضرر الناجز لمن حصل له الميل بألم الفراق فعلم أن ضرر الشفعة متوقع وضرر هذه المسائل واقع والواقع أقوى من المتوقع الوجه الثاني في موجب القياس بطريق الأولى أن الشريك الشفيع يأخذ بغير عقد أضيف إليه بل بمجرد الضرر وههنا الزوج الثاني معه عقد يقابل به العقد الأول فصار دفع ضرره معضودا بعقد ودفع ضرر الشريك غير معضود بعقد فكان المعضود أولى فإن قلت وجود هذا العقد كعدمه لأن المحل غير قابل له فلا يصح للترجيح قلت كون وجوده كعدمه هو محل النزاع نحن نقول ليس وجوده كعدمه بل اتفقنا على أن مثل هذه الصورة من العقد موجبة للعصمة في غير صورة النزاع فوجب أن يكون هنا كذلك عملا بوجود الصورة من الإيجاب والقبول ورضى الولي والمرأة وكون تقدم العقد مانعا صورة النزاع
    وهذا وجه الترجيح فإن قلت ما الفرق بين مسألة الوليين ومسألة الوكيلين وكلا
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    طالق وله امرأة حاضرة اسمها عائشة وقال لم أردها ولي امرأة أخرى تسمى عائشة ببلد آخر وهي التي أردت فإنها تطلق عليه هذه الحاضرة لأن الأصل عدم امرأة أخرى فإن تبين صدقه وقد تزوجت ودخل بها زوجها ردت إليه ولا يفيتها الدخول الرابعة الأمة تعتق وتختار نفسها وتتزوج ويدخل بها زوجها ثم تبين عتق زوجها قبلها ردت إليه وقيل يفيتها الدخول وسوى الشافعي رضي الله عنه بين القاعدتين في اعتبار العقد السابق في بابي البيع كالنكاح في جميع مسائله والعقد الذي بعده باطل حصل دخول أم لا وهو القياس فإن من شرط عقد النكاح أن تكون خالية عن زوج وهذه ذات زوج فلا يصح العقد عليها إلا أن مالكا رحمه الله تعالى اعتمد على قضاء عمر رضي الله عنه في مسألة الوليين وقضاء معاوية بن أبي سفيان وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما في مسألة الرجعة وأفاتوا المرأة بالدخول وهذا مدرك عنده لا عند الشافعي كما تقدم فيحتاج على مذهب مالك لأمرين الأمر الأول بيان سر الفرق المقصود بين القاعدتين بأنا أجمعنا على الأخذ بالشفعة وهو إبطال أثر العقد السابق وتسليط الشفيع على إبطاله لأجل الضرر الداخل على الشريك من توقع القسمة وإذا قضي بتقديم مجرد الضرر المتوقع غير الناجز بدون أن ينضم إليه عقد على العقد هنالك وجب أن يقضى هاهنا بتقديم الضرر الناجز المنضم إليه عقد على العقد السابق بطريق الأولى أما كون ضرر الشريك في الشفعة متوقعا لا ناجزا فلأنها قد تحصل وقد لا تقع ألبتة وأما كون ضرر فراق الثاني إذا دخل هنا ناجزا لا متوقعا فلأن الرجل إنما يتزوج في الغالب من مالت نفسه إليها وإذا دخل عليها مع الميل المتقدم وجدت الرؤية والمباشرة فالغالب حصول الميل وكذلك هي أيضا إنما رضيت به بعد ميل نفسها إليه فإذا باشرته مع الميل المتقدم وحصول الأرب
    ____________________
    (3/190)
    على أن يزوج كل واحد منهما بامرأة فزوجاه بامرأتين فدخل بإحداهما فتبين أنها خامسة فإنها لا يفتيها الدخول إجماعا فكذلك ههنا والجامع بطلان العقد قلت بالفرق بينهما من عشر أوجه أحدها المانع من الصحة في الخامسة هو عقد الرابعة مع ما تقدمه من العقود والمانع في الوليين عقد واحد فهو أخف فسادا وأقل موانع ففاتت بالدخول بخلاف الخامسة الثاني أن الأولياء الغالب عليهم الكثرة دون الولاء فصورة الوليين مما يكثر وقوعها فالقول ببطلان العقد الثاني بعد الدخول يؤدي إلى كثرة الفساد والخامسة نادرة لأن الفساد فيها الناشئ عن الاطلاع والكشف قليل الثالث أن الزوج كالمشتري الذي هو صاحب الصداق الذي هو الثمن والمرأة كالبائع لأنها صاحبة السلعة والسلع مقاصد والأثمان وسائل ورتبتها أخفض من رتبة المقاصد فلذلك لم يبطل عقد الرابعة لأنه إبطال لمقصد وإبطال العقد الأول للزوج الأول إبطال لصاحب وسيلة التعارض إنما وقع بين الزوجين اللذين هما صاحبا وسيلة وبين الرابعة والخامسة في صاحبي مقصد فاجتمع في الرابعة كونه مقصدا وموافقة الأوضاع الشرعية فامتنع إبطاله لقوته بخلاف الزوج الأول
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    فالغالب حصول الميل وإذا كان الظاهر حصول الميل إما من الجانبين وإما من أحدهما فلو قضينا بالفراق بعد هذا الميل الناشئ من الدخول وقضاء الأوطار لحصل الضرر الناجز لمن حصل له الميل بألم الفراق فضرر هذه المسائل الثماني واقع وضرر الشفعة متوقع والواقع أقوى من المتوقع وأما كون الضرر هنا معضودا بعقد بخلافه في الشفعة فلأن الشريك الشفيع يأخذ بغير عقد أضيف إليه بل بمجرد الضرر وهاهنا الزوج الثاني معه عقد يقابل به العقد الأول وبالجملة فسير مخالفة قاعدة مسألة الوليين ونظائرها السبع عند مالك رحمه الله تعالى لقاعدة الوكيلين في البيع هو تحقق القياس الجلي على الأخذ بالشفعة في القاعدة الأولى دون الثانية
    الأمر الثاني بيان ما يرد على هذا الفرق من الأسئلة وما يجاب به عنها فالسؤال الأول أن وجود العقد مع الزوج الثاني هنا لا يصلح مرجحا ضرورة أن المحل غير قابل له لأن عقد الزوج الأول مانع منه فهو معدوم شرعا والمعدوم شرعا كالمعدوم حسا وجوابه أنه لا نسلم ذلك لأنا لما اتفقنا على أن وجود مثل صورة هذا العقد من الإيجاب والقبول ورضى الولي والمرأة موجبة للعصمة في غير صورة النزاع وجب هنا العمل بالصورة أيضا في الترجيح وعدم الالتفات لما في صورة النزاع من كون عقد الزوج الأول مانعا من قبول المحل لهذا العقد حتى يقال إنه كعدمه والسؤال الثاني لم اعتبرتم في مسألة الوكيلين يوكلهما الرجل على أن يزوجه كل واحد منهما بامرأة فزوجاه بامرأتين فدخل بإحداهما فتبين أنها خامسة كون عقد ما قبل المدخول بها مانعا حيث قلتم لا يفيتها
    ____________________
    (3/191)
    الرابع أن ولوع الرجال بالنساء وشغفهم بهن أكثر منهن بهم والعادة شاهدة بذلك فإن الرجال هم الباذلون والخاطبون إلى غير ذلك من الدلائل على فرط الميل ولم يوجد ذلك في النساء لضعف طبعهن وغلبة الحياء عليهن وإذا كان شغف الرجال بهن أعظم صعب التفريق في مسألة الوليين لأنه ضرر بالزوج الثاني الذي حصل له الشغف بالدخول والخامسة إنما يتوقع فيها داعية ضعيفة فكان الفساد أقل الخامس أن داعية الرجال في السؤال عن الواقع من أولياء المرأة ضعيف وعن الواقع من الوكلاء في التزويج قوي فكثر الأول دون الثاني فكان مخالفة القاعدة في الوليين أقل السادس أنه يتهم في الخامسة أن يكون عدل إليها عن الرابعة مع عمله بها لأنه المختار للدخول والمرأة محكوم عليها لا خيرة لها السابع أن الخامسة على خلاف القاعدة المعتبرة فعظمت أسباب إبطالها لأن الله تعالى جعل ثلاثا مستثنيات فتجوز الهجرة ثلاثا والإحداد ثلاثا وأيام الخيار ثلاثا والضرات ثلاثا ثم يلزم ويمكث الهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا وجعل المرأة تضر بثلاث من النساء والخامسة لو صححناها وقع الإضرار بأربع ولم يوجد في مسألة الوليين مخالفة قاعدة إلا ما اشتركا فيه
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الدخول إجماعا ولم تعتبروا في مسألة الوليين ونظائرها السبع كون عقد الأول مانعا حيث قلتم يفيتها دخول الثاني فما الفرق بينهما وجوابه أنه يفرق بينهما من عشرة أوجه أحدها أن المانع هنا عقد واحد وفي الخامسة عقد الرابع مع ما تقدمه من العقود الثاني أن الغالب على الأولياء الكثرة فيؤدي القول ببطلان العقد الثاني بعد الدخول في صورتهما إلى كثرة الفساد وعلى الوكلاء الندرة فلا يؤدي إلى كثرة الفساد القول بفساد الخامسة الناشئ عن الاطلاع والكشف النادر الثالث أن التعارض في الوليين وقع بين الزوجين اللذين هما صاحبا وسيلة ضرورة أن الزوج الذي هو صاحب الصداق كالمشتري الذي هو صاحب الثمن والأثمان وسائل وفي الوكيلين وقع بين الزوجتين الرابعة والخامسة اللتين كالبائع في كون كل منهما صاحبة سلعة والسلع مقاصد ورتبة الوسائل أخفض من رتبة المقاصد فلم يكن في إبطال عقد الزوج الأول إلا إبطال ما رافق الأوضاع الشرعية بخلاف عقد الرابعة فقد اجتمع في إبطاله ما هو مقصد وما هو موافق للأوضاع الشرعية فلذا امتنع إبطاله لقوته ولم يمتنع إبطال عقد الزوج الأول لضعفه الرابع أن العادة شاهدة بولوع الرجال بالنساء وشغفهم بهن أكثر منهن بهم ألا ترى أن الرجال هم الباذلون والخاطبون إلى غير ذلك من الدلائل على فرط الميل ولم يوجد ذلك في النساء لضعف طبعهن
    ____________________
    (3/192)
    الثامن إن شاء أولياء السؤال عن حال الزوج وليس شأن أولياء الرجل السؤال عن حال المرأة فضعفت الشبهة في الخامسة بكشف أوليائها التاسع أن عقد الوكالة ضعيف لأنه جاء من الطرفين ولأن المكلف ينشئه فيكون ضعيفا كالنذر مع الواجب المتأصل بخلاف الأولياء العاشر أن في الخامسة مفسدة اندفعت بالفسخ وهي أنها على ضرات أربع لها والفائت على ذات الوليين صحبة الزوج الأول ودرء المفاسد أولى من تحصيل المصالح فإن قلت في صورة الشفعة الشريك مخير وههنا الزوج الثاني ليس مخيرا بل أنتم تعينون المرأة له جزما فقد زادت صورة الفرع المقيس على صورة الأصل المقيس عليه بوصف اللزوم فليس الحكم مثل الحكم فلا يصح القياس لتباين الأحكام قلت الوجه الذي وقع فيه القياس لا اختلاف فيه لأن القياس إنما وقع من جهة تقديم المضرة على العقد السابق والصورتان من هذا الوجه مستويتان لا اختلاف فيهما وإنما جعل اللزوم في صورة النزاع دون صورة الشفعة لامتناع الخيار في النكاح لئلا تكون المخدرات بذلة بالخيار فلذلك حصل اللزوم والتعيين للزوج الثاني ولما كانت السلع والعقار قابلة للتخيير والخيار ثبت للشفيع الخيار من غير لزوم فإن قلت إنما أبطلنا العقد في الشفعة لضرر الشفيع لأن العقار مال ورتبة الأموال أخفض من
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    وغلبة الحياء عليهن وقد نبه الله تعالى على ذلك بقوله تعالى هن لباس لكم وأنتم لباس لهن حيث إنه قدم الجملة الأولى على الثانية تنبيها على ظهور احتياج الرجل للمرأة وعدم صبره عنها لأنه هو البادئ بطلب ذلك وكنى باللباس لشدة المخالطة كما في الجمل على الجلالين فيكون ضرر التفريق بالزوج الثاني الذي حصل له الشغف بالدخول في مسألة الوليين أصعب منه بالخامسة إذ لا يتوقع فيها إلا داعية ضعيفة الخامس أن مخالفة القاعدة في الوليين أقل من مخالفتها في الوكيلين إذ القاعدة أن السؤال عن الواقع من الوكلاء في التزويج قوي وعن الواقع من أولياء المرأة ضعيف السادس أن المرأة محكوم عليها ولا خيرة لها لا تتهم والرجل من حيث إنه المختار للدخول يتهم أن يكون عدل عن الرابعة إلى الخامسة مع علمه بها السابع أن دخول الثاني في مسألة الوليين وإن شارك دخول الزوج بالخامسة في مخالفة قاعدة منع العقد السابق إلا أن الدخول بالخامسة مع ذلك خالف القاعدة المعتبرة من أن الله تعالى جعل ثلاثا ومستثنيات فتجوز الهجرة ثلاثا والإحداد ثلاثا وأيام الخيار ثلاث والضرات ثلاث ثم يلزم فعظمت أسباب الإبطال في الخامسة دون مسألة الوليين الثامن أن شأن أولياء المرأة السؤال عن حال الزوج فتضعف الشبهة في الخامسة بكشف أوليائها وليس شأن أولياء الرجل السؤال عن حال المرأة فتقوى الشبهة في ذات الوليين ونحوها التاسع أن عقد الوكالة ضعيف كالنذر مع الواجب المتأصل لأمرين أحدهما أنه جاء من الطرفين
    ____________________
    (3/193)
    رتبة الإبضاع ولا يلزم من مخالفة العقد المقتضي لما هو أدنى مخالفة العقد المقتضي لما هو أعلى وهذا فرق يبطل القياس قلت هذا بعينه مستندنا في أولوية القياس وذلك أنكم إذا سلمتم أن الإبضاع أعلى رتبة من الأموال يكون الضرر بفوات مقاصدها أعظم من ضرر الشريك فيكون أولى بالمراعاة فإن قلت الزوج الثاني كما حصل له تعلق بالدخول في مسألة الوليين فالزوج الأول وقد حصل له أيضا تعلق في مسألة الرجعة والمفقود وغيرهما فلم كان دفع ضرر الثاني أولى من الأول لا سيما وصحبة الأول أطول ومعاهد قضاء الأوطار بينهما أكثر قال الشاعر ما الحب إلا للحبيب الأول قلت بل ضرر الثاني هو الأولى بالمراعاة وذلك لأن الأول أعرض بالطلاق وتوحش العصمة إما بالطلاق وإما بالفراق من غير طلاق وإما بحصول السآمة من طول المباشرة وقد جرت العادة أن طول صحبة المرأة توجب قلة وقعها في النفس وأن جدتها توجب شدة وقعها في النفس وبهذا يظهر أن ضرر الثاني أقوى وأولى بالمراعاة فهذا هو سر الفرق بين قاعدة الأنكحة في هذا الباب وبين قاعدة الوكالات في السلع والإجارات فإن قلت قد سردت ثنتي عشرة مسألة منها ثمانية من هذه القاعدة ومنها أربع تعارضها وهي
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    وثانيهما أن المكلف ينشئه بخلاف الأولياء العاشر أن في الخامسة مفسدة أنها على ضرات أربع لها اندفعت بالفسخ والفائت على ذوات الوليين صحبة الزوج الأول ودرء المفاسد أولى من تحصيل المصالح والسؤال الثالث أن قياس مسألة الوليين ونظائرها على مسألة الشفعة للشريك لا يصح لتباين الأحكام ضرورة أن الشريك في صورة الشفعة مخير والزوج الثاني هاهنا ليس مخيرا بل أنتم قد عينتم المرأة له جزما فقد زادت صورة الفرع المقيس على صورة الأصل المقيس عليه بوصف اللزوم وجوابه أن للأصل المقيس عليه جهتين إحداهما جهة التخيير وهي خاصة بالأصل المذكور لكون السلع والعقار قابلة للتخير والخيار فلذا ثبت للشفيع الخيار من غير لزوم وتمتنع في الفرع الذي هو صورة النزاع لامتناع الخيار في النكاح لئلا تكون المخدرات بذلة بالخيار فلذلك حصل اللزوم والتعيين للزوج الثاني ولم تلاحظ في القياس هذه الجهة الجهة الثانية جهة تقديم المضرة على العقد السابق وصورة النزاع التي هي الفرع مساوية لصورة الشفعة التي هي الأصل في هذه الجهة التي وقع القياس باعتبارها والسؤال الرابع أن ضرر الشفيع إنما أبطل العقدة في الشفعة المقتضي إباحة الأموال التي رتبتها أخفض من رتبة الإبضاع فلا يلزم أن يكون ضرر الزوج الثاني مبطلا للعقد في صورة النزاع المقتضي
    ____________________
    (3/194)
    نقض على ما ذكرته من الفرق والنقض موجب لعدم الاعتبار فيلغى ما ذكرته من الفرق ما لم تفرق بينهما قلت ما ذكرته سؤال حسن مسموع وبيان الفرق بين الأربعة والثمانية يتضح بأن تعين أقرب الثمانية للأربعة وتبين الفرق بين تلك الصورة وتلك الأربعة فيحصل الفرق بين الأربعة والثمانية أو تعين أقرب الصور الثمانية لعدم الفوات بالدخول وأقرب الأربعة للفوات بالدخول وتفرق بين هاتين الصورتين فيكون الفرق قد حصل بين الجميع بطريق الأولى فإنه إذا حصل باعتبار الأبعد حصل باعتبار الأقرب بطريق الأولى فنقول كل مسألة دخل فيها حكم حاكم من هذه الثماني فهي أقرب إلى التفويت بالدخول من الصورة التي لم يدخل فيها حكم حاكم بسبب أن حكم الحاكم يتنزل منزلة فسخ النكاح من حيث الجملة ألا ترى أن أبا حنيفة رضي الله عنه قال إن الحاكم إذا حكم بالطلاق بشهادة زور نفذ الطلاق في الظاهر والباطن وكذلك إذا حكم بالنكاح والزوجية بشهود زور ثبت النكاح في الظاهر والباطن وجاز لأحد تلك الشهود الزور أن يتزوج تلك المرأة التي شهد بطلاقها مع علمه بكذب نفسه وأبيحت الزوجة في المسألة الأخرى في نفس الأمر لأن حكم الحاكم في هذه المسائل وإن لم يصادف عقدا ولا طلاقا لكن حكمه نفسه يتنزل منزلة الطلاق والنكاح ولهذا المدرك عمم نفوذ الأحكام
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    إباحة الإبضاع التي هي أعلى رتبة فبطل القياس بهذا الفرق وجوابه أنكم إذا سلمتم أن الإبضاع أعلى رتبة من الأموال يكون الضرر بفوات مقاصدها أعظم من ضرر الشريك فيكون أولى بالمراعاة فكيف لا يلزم أن يكون مبطلا للعقد في صورة النزاع حتى يسلم بطلان القياس بهذا الفرق السؤال الخامس لم رجحتم ضرر الزوج الثاني في مسألة النزاع على ضرر الزوج الأول في مسألة الرجعية والمفقود وغيرهما مع أن الزوج الثاني كما حصل له تعلق بالدخول في مسألة الوليين كذا الزوج الأول قد حصل له أيضا تعلق في مسألة الرجعة والمفقود وغيرهما لا سيما وصحبة الأول أطول وأكثر ومعاهد قضاء الأوطار بينهما قال الشاعر ما الحب إلا للحبيب الأول وجوابه أنا رجحنا ضرر الثاني لكونه أولى بالمراعاة من ضر الأول لأن الأول أعرض بالطلاق وتوحش العصمة إما بالطلاق وإما الفراق من غير طلاق وإما بحصول السآمة من طول المباشرة وقد جرت العادة أن طول صحبة المرأة توجب قلة وقعها في النفس وأن جدتها توجب شدة وقعها في النفس وبهذا يظهر سر الفرق بين قاعدة الأنكحة في هذا الباب وبين قاعدة الوكالات في السلع والإجارات والسؤال السادس لم اعتبر ثم هذه القاعدة في مسألة الوليين ونظائرها السبع ولم تعتبروها في الأربع المسائل حيث قلتم فيها إن الزوجة لا يفيتها دخول الثاني وهذا نقض لما ذكر من الفرق موجب لعدم اعتباره وإلغائه ما لم يتبين الفرق بين الثمان المسائل التي اعتبرت فيها القاعدة والأربع المسائل التي لم تعتبر فيها وجوابه أن أبعد الثمانية عن الفوات بالدخول مسألة ذات الوليين إذ ليس فيها حكم حاكم ولا
    ____________________
    (3/195)
    بشهادة الزور في العقود والفسوخ دون الديون وغيرها من القضايا فإن الدين ونحوه لا يدخل حكم الحاكم فتستقل الذمة به والفسخ يمكن أن يستقل به الحاكم في صور مجمع عليها وكذلك الحاكم يستقل بالعقد ولا تستقل الذمم بالمال إلا أخذه بالفرض أو غيره فلذلك عمم في العقود والفسوخ ومنع غيرهما ونحن وإن لم نقل بهذا المدرك وقلنا لا ينفذ هذا الحكم غير أنه يبقى فارقا من حيث الجملة بين ما فيه حكم حاكم وبين ما ليس فيه حكم حاكم فيكون ما فيه حكم حاكم أقرب إلى الفوات بالدخول من حيث الجملة فأقول الذي دخل فيه حكم الحاكم منها مسألة المفقود ومسألة المرأة تطلق بسبب طول الغيبة ومسألة المرأة تسلم ثم يتبين تقدم إسلام زوجها فهذه الثلاث المسائل فيها حكم الحاكم يوجب الفرق بينها وبين غيرها والخمس المسائل الباقية منها ما بني فيها على ظاهر فانكشف خلافه ومنها ما لا يبنى فيها على ظاهر فالتي يبنى فيها على ظاهر انكشف خلافه المرأة فيها معذورة بسبب الظاهر مأذون لها في الإقدام على العقد الثاني بسبب الظاهر وكذلك وليها بخلاف ما لا ظاهر فيه يقتضي بطلان العقد الأول والتي فيها ظاهر هي المرأة الحرة تعلم بالطلاق دون الرجعة فإن ظاهر الطلاق يبيح العقد والأمة يطلقها زوجها كما تقدم وامرأة المرتد فإن ظاهر الكفر يبيح العقد والرجل يسلم على كثير نسوة فإن ظاهر حالهن يقتضي الاختيار وتزوجهن بناه على ظاهر الاختيار فهن معذورات فهذه
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    ظاهر يقتضي بطلان العقد الأول بخلاف ما فيها حكم حاكم من مسألة المفقود ومسألة المرأة تطلق بسبب طول الغيبة ومسألة تسلم ثم يتبين تقدم إسلام زوجها فإن حكم الحاكم ينزل منزلة فسخ النكاح من حيث الجملة وذلك أن أبا حنيفة رضي الله عنه قال إن الحاكم إذا حكم بالطلاق بشهادة زور نفذ الطلاق في الظاهر والباطن وكذلك إذا حكم بالنكاح والزوجية بشهود زور ثبت النكاح في الظاهر والباطن وجاز لأحد تلك الشهود الزور أن يتزوج تلك المرأة التي شهد بطلاقها مع علمه بكذب نفسه وأبيحت الزوجة في المسألة الأخرى في نفس الأمر فجعل حكمه في هذه المسائل وإن لم يصادف عقدا ولا طلاقا بمنزلة الطلاق والنكاح ولهذا المدرك عمم نفوذ الأحكام بشهادة الزور في كل ما يمكن للحاكم أن يستقل به في صور مجمع عليها من الفسوخ والعقود دون ما لا يدخله حكم الحاكم فتستقل به الذمة من الديون ونحوها ونحن وإن لم نقل بهذا المدرك بل قلنا لا ينفد هذا الحكم لا أنه لا أقل من أن نبقيه فارقا من حيث الجملة بين ما فيه حكم حاكم وبين ما ليس فيه حكم حاكم فيكون ما فيه أقرب إلى الفوات بالدخول مما ليس فيه من حيث الجملة
    وبخلاف ما فيها ظاهر ينكشف خلافه من مسألة المرأة الحرة تعلم بالطلاق دون الرجعة فإن ظاهر الطلاق يبيح العقد ومن مسألة الأمة يطلقها زوجها كما تقدم فإن ظاهر الطلاق يبيح وطئا سيدها ومن مسألة امرأة المرتد فإن ظاهر الكفر يبيح العقد ومن مسألة الرجل يسلم على كثير نسوة فإن ظاهر حالهن يقتضين الاختيار وتزوجهن بناء على ظاهر الاختيار فيهن فالمرأة وكذلك وليها في هذه المسائل
    ____________________
    (3/196)
    أربع فيها عذر يبيح وفي مسألة الوليين ليس فيها حكم حاكم ولا ظاهر فهي أبعد المسائل عن الفوات بالدخول فنعينها للبحث والفرق وأما الأربع وهي المرأة ينعى لها زوجها فالفرق بينها وبين مسألة الوليين أن الموت شأنه الشهرة والظهور فالخطأ فيه نادر فيضعف العذر
    فلا يفوت بالدخول وعقد الولي الأول على المرأة ليس اشتهاره في الوجود كاشتهار الموت ولا تتوفر الدواعي للإخبار به كتوفره على الإخبار بموت إنسان والتفجع عليه والعوائد شهادة بذلك ومسألة التطليق بالإعسار فالفرق بينها وبين مسألة الوليين أن المرأة هنا ظالمة قاصدة للفساد فناسب أن تعاقب بنقيض مقصودها في إبطال تصرفها بالزواج لأنها تعلم أنها أسقطت النفقة وأنها مبطلة في جميع تصرفها ودعواها بخلاف مسألة الوليين لم يكن عندها علم بالعقد الأول وأما مسألة الذي يقول عائشة طالق فإن الحكم هنا يبني على استصحاب الحال من جهة أن الأصل عدم زواجه لامرأة أخرى واستصحاب الولي بعدم العقد على موليته فإن العقود لأوليائها غالبا بخلاف عقود الرجال على النساء لا يشتهر عند الحاكم فإن قلت الطلاق بسبب الغيبة أيضا اعتمد الحاكم فيه على الأصل العدمي وهو أن الأصل عدم إيصال حقوقها إليها قلت الغيبة صورة ظاهرة تشهد بعدم زواج امرأة أخرى تسمى عائشة فإذا تقرر الفرق
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الأربع معذورة مأذون لها في الإقدام على العقد الثاني بسبب الظاهر فيكون ما فيه ظاهر أقرب إلى الفوات بالدخول مما ليس فيه وحيث كانت مسألة ذات الوليين أبعد المسائل الثمان التي اعتبرت فيها القاعدة عن الفوات بالدخول فلنعينها لبيان الفرق بينها وبين المسائل الأربع التي لم تعتبر فيها القاعدة ليحصل الفرق بين باقي الثمانية وبين الأربعة بطريق الأولى فنقول أما الفرق بين المرأة ينعى لها زوجها وبين مسألة الوليين فهو أن الموت شأنه الشهرة والظهور وليس اشتهار عقد الولي الأول على المرأة في الوجود كاشتهار الموت ولا تتوفر الدواعي على الإخبار به كتوفرها على الإخبار بموت إنسان والتفجع عليه كما تشهد العوائد بذلك ولا شك أن الخطأ فيما الشأن فيه الشهرة والظهور التام نادر فيضعف العذر فلا يفوت بالدخول
    وأما الفرق بين مسألة التطليق بالإعسار وبين مسألة الوليين فهو أن المرأة في الأولى ظالمة قاصدة الفساد فناسب أن تعاقب بنقيض مقصودها في إبطال تصرفها بالزواج لأنها تعلم أنها أسقطت النفقة وأنها مبطلة في جميع تصرفها ودعواها بخلاف المرأة في مسألة الوليين إذ لم يكن عندها علم بالعقد الأول
    وأما الفرق بين مسألة من يقول عائشة طالق وبين مسألة الوليين فهو من جهتين الأولى أن الحكم في الأولى يبنى على استصحاب أن الأصل عدم زواجه لامرأة أخرى واستصحاب الأصل أضعف من استصحاب عدم عقد الولي على موليته فإن العقود لأوليائها غالبا وعقود الرجال على النساء لا تشتهر عند الحاكم والحاكم وإن اعتمد في الطلاق بسبب الغيبة على الأصل العدمي وهو أن الأصل عدم إيصال حقوقها إليها إلا أن الغيبة هناك صورة ظاهرة شاهدة على الزوج بدعوى المرأة وليس هنا صورة ظاهرة
    ____________________
    (3/197)
    بين هذه وبين ما وقع فيه حكم فالفرق بينها وبين مسألة الوليين أن الولي العاقد للعقد الثاني ما دون له في العقد إجماعا وليس له معارض من حيث الظاهر والمرأة لما تزوجت ههنا مع قول الزوج لي امرأة أخرى تسمى عائشة قول ظاهره الصدق فإنه مسلم عاقل وقد أخبر عن أمر ممكن لا يعلم إلا من قبله فينبغي أن يصدق فيه كما تصدق المرأة في حيضها وطهرها وسقطها وانقضاء عدتها لأنها أمور لا تعلم إلا من قبلها فكذلك ههنا قول الزوج معارض بتصرف المرأة وتصرف وليها في العقد والولي الثاني في مسألة الوليين لا ظاهر يعارضه فكان بالنفوذ أولى
    وأما الأمة تختار نفسها فالفرق بينها وبين مسألة الوليين أن زوجها متهافت عليها متعلق بها غاية التعلق بسبب أنها نزعت عصمتها منه قهرا والنفوس مجبولة على حب ما منعت منه فناسب ذلك الرد إليه بخلاف مسألة الوليين لم يحصل للزوج المعقود له أولا هذا التعلق بسبب أنه لم ير المرأة ولم يباشرها فكانت أولى بالفوات عليه فهذا هو الفرق الرافع للنقوض الأربعة وإذا اندفعت النقوض بالفرق صح المدرك وتبين الفرق بين قاعدة الوكالات في البياعات وقاعدة الوكالات في الأنكحة فاعلم ذلك فقد يسر الله فيه من الحجة ما لم أره قط لأحد فإن المكان في غاية العسر والقلق والبعد عن القواعد غير أنه إذا لوحظت هذه المباحث قربت من القواعد وظهر وجه الصواب فيها لا سيما وجمع
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    تشهد بعدم زواج امرأة أخرى تسمى عائشة
    الجهة الثانية أن الولي العاقد للعقد الثاني مأذون له في العقد إجماعا وليس له معارض من حيث الظاهر فكان عقده بالنفوذ أولى بخلاف المرأة هاهنا فإنها لما تزوجت مع قول الزوج لي امرأة أخرى تسمى عائشة وهو قول ظاهره الصدق من حيث إنه مسلم عاقل وقد أخبر عن أمر ممكن لا يعلم إلا من قبله فينبغي أن يصدق فيه كما تصدق المرأة في حيضها وطهرها وسقطها وانقضاء عدتها لأنها أمور لا تعلم إلا من قبلها كان قول الزوج ما ذكر معارضا لتصرف المرأة وتصرف وليها في العقد
    وأما الفرق بين الأمة تعتق فتختار نفسها وبين مسألة الوليين فهو أن زوج الأمة متهافت عليها متعلق بها غاية التعلق بسبب أنها نزعت عصمتها منه قهرا والنفوس مجبولة على حب ما منعت منه فناسب ذلك الرد إليه ولم يحصل في مسألة الوليين للزوج المعقود أولا هذا التعلق بسبب أنه لم ير المرأة ولم يباشرها فكانت أولى بالفوات عليه فهذا هو الفرق الدافع للنقوض الأربعة المذكورة
    وبه يصح المدرك ويتبين ما قاله مالك من الفرق بين قاعدة الوكيلين في عقود البياعات والإجارات وغيرها من كون المعتبر هو الأول فقط التحق بالثاني تسليم أو لا وقاعدة الوكيلين في الأنكحة من كون المعتبر عقد الثاني إن حصل دخول وإلا فعقد الأول لا سيما وقد أفتى جمع كثير من الصحابة بذلك فلا بد لعقولهم الصافية من قواعد يلاحظونها ولعلهم لاحظوا ما ذكر من هذه المباحث فإن بملاحظتهما يقرب الفرق المذكور بين القاعدتين من القواعد ويظهر وجه الصواب فيه فإن الله قد يسر في هذه المباحث من الحجة ما لم أره قط لأحد حتى
    ____________________
    (3/198)
    كثير من الصحابة أفتوا بها فلا بد لعقولهم الصافية من قواعد يلاحظونها ولعلهم لاحظوا ما ذكرته وبهذا ظهر الفرق بين الوليين والوكيلين في عقود البياعات والإجارات وغيرها في أن المعتبر هو الأول فقط التحق بالثاني تسليم أم لا وقد وقع لمالك في المدونة والجلاب أن الوكيل والموكل إذا باع أحدهما بعد الآخر انعقد عقد السابق إلا أن يتصل بالثاني تسليم قال الأصحاب هذا قياس على مسألة الوليين وقال ابن عبد الحكم لا عبرة بالتسليم والفرق أن كشف النكاح مضرة عظيمة بخلاف البيع وهذا هو الصحيح والتخريج مع قيام الفارق باطل إجماعا ولم أجد لمالك ولا لأصحابه نصا في الوكيلين أن التسليم يفيت بل في الموكل
    والوكيل خاصة فلو رام مخرج تخريج الوكيلين على الموكل والوكيل لتعذر ذلك بسبب الفرق أيضا وهو أن الموكل له التصرف بطريق الأصالة والوكيل له التصرف بطريق النيابة فهو فرع فإن تأخر عقده ووقع التسليم في عقد الموكل أمكن أن يقول مالك ذلك عندي مضاف للتسليم وكونه متصرفا بطريق الأصالة والأصالة لها قوة وله أيضا قوة العزل والتصرف بنفسه وهو معنى مناسب مفقود في الوكيلين فإن كليهما فرع لا أصالة له فلا ينعقد عقد اللاحق منهما مطلقا اتصل به قبض أم لا ومهما وجدنا معنى يمكن أن يلاحظه الإمام امتنع التخريج على محل ذلك الفارق كما أن المجتهد إذا وجد معنى يمكن أن يكون فارقا امتنع عليه القياس فالمقلد مع المجتهد كالمجتهد مع الشارع فإن قلت الوكيلان في النكاح فرعان لا متأصل فيهما فيسقط ما ذكرته من المناسبة قلت ما ذكرته مسلم غير أن المرأة يتعذر عليها الاستقلال
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    آل الفرق بها على هذه الحالة من القرب والظهور بعد أن كان في غاية العسر والقلق والبعد عن القواعد ا ه كلام الأصل بتنقيح وزيادة وتعقبه ابن الشاط بوجهين الوجه الأول أن ما ذكره في سر الفرق بين تلك القاعدتين ليس بصحيح بل يحتاج إلى تأمل ونظر الوجه الثاني أن ما يشعر به قوله إن الشافعي يسوي بين القاعدتين من أن مالكا لا يسوي بينهما ليس بشيء بل مالك رحمه الله تعالى يسوي بينهما أيضا إذ كما أن السلعة في البيع إذا هلكت كان هلاكها فوتا ونفوذا للعقد الثاني عنده كذلك المرأة في النكاح في المسائل الثماني التي ذكر الفرق فيها إذا دخل الثاني بها كان دخوله بها فوتا ونفوذا للعقد الثاني نعم يحتاج إلى الفرق بين هذه المسائل الثماني والمسائل الأربع التي ذكر عدم الفوت فيها فلذا كان ما قاله من أن القياس قول الشافعي صحيحا ا ه
    بتوضيح والله سبحانه وتعالى أعلم
    ____________________
    (3/199)
    فسقط اعتبار التأصل وههنا يمكن الاستقلال فأمكن أن يكون إمكان الاستقلال فرقا يلاحظه الإمام فيتعذر التخريج والصواب عدم التخريج مطلقا في الموكل والوكيل والوكيلين أيضا والله أعلم
    الفرق الرابع والأربعون والمائة بين قاعدة الإماء يجوز الجمع بين عدد أي عدد شاء منهن كثر أو قل وبين قاعدة الزوجات لا يجوز أن يزيد على أربع منهن وهو أن القاعدة أن الوسائل تتبع المقاصد في أحكامها فوسيلة المحرم محرمة ووسيلة الواجب واجبة وكذلك بقية الأحكام غير أنها أخفض رتبة منها ووسيلة أقبح المحرمات أقبح الوسائل ووسيلة أفضل الواجبات أفضل الوسائل وقد تقدمت هذه القاعدة مبسوطة ومضارة المرأة تجمعها مع امرأة أخرى في عصمة وسيلة للشحناء في العادة ومقتضى ذلك التحريم مطلقا وقد جعل ذلك في شريعة عيسى عليه السلام كما هو منقول عندهم فلا يتزوج الرجل إلا امرأة واحدة تقديما لمصلحة النساء على مصلحة الرجال بنفي المضارة والشحناء
    هامش أنوار البروق
    قال الفرق الرابع والأربعون والمائة بين قاعدة الإماء يجوز الجمع بين عدد أي عدد شاء منهن كثر أو قل وبين قاعدة الزوجات لا يجوز أن يزيد على أربع منهن إلى آخر الفرق قلت كل ما قاله في ذلك صحيح غير قوله إن القاعدة أن الوسائل تتبع المقاصد في الأحكام فإنه ليس ذلك فيها على الإطلاق أعني الوسائل العادية أما الوسائل الشرعية فذلك فيها على الإطلاق وغير قوله إن الوسائل أخفض رتبة من المقاصد فإنه إما أن يريد أنها أخفض رتبة من حيث هي وسائل وتلك مقاصد فهذا كلام ليس معنا إلا أن هذه وسائل وتلك مقاصد فلا فائدة فيه وإما أن يريد أن الوسائل المحرمة مثلا أخفض رتبة من مقاصدها فيما ترجع إلى العقاب عليها فذلك دعوى لم يأت عليها بحجة
    هامش إدرار الشروق
    الفرق الرابع والأربعون والمائة بين قاعدة الإماء يجوز الجمع بين عدد أي عدد شاء منهن كثر أو قل وبين قاعدة الزوجات لا يجوز أن يزيد على أربع منهن وذلك أن باب الزواج لما كان مبنيا على العز والاصطفاء وكان الأصل فيه التخصيص بالوطء ولا تقع الخدمة فيه إلا تبعا بعكس باب الإماء فإن الخدمة والهوان فيه أصل ولا يقع الوطء فيه إلا تبعا كانت الشحناء والمضارة التي هي موجودة في باب الزواج على خلاف الأصل فيه من الإعزاز والاصطفاء ليست كذلك في باب الإماء لأنها وإن وجدت فيه أيضا إلا أنها لما لم تكن على خلاف الأصل فيه بل على الأصل فيه من الهوان والخدمة كانت ضعيفة عن وجودها في باب الزواج فلما بعدت مناسبة الإماء فيما
    ____________________
    (3/200)
    ويقال إن ذلك شرع عكسه في التوراة لموسى عليه السلام يجوز للرجل زواج عدد غير محصور يجمع بينهن تغليبا لمصلحة الرجال في الاستمتاع على مصلحة النساء في الشحناء والمضارة ولما كانت شريعتنا أفضل الشرائع جمع فيها بين مصلحتي الفريقين فيجوز للرجل أن يجمع بين أربع نسوة فيحصل له بذلك قضاء إربه ويخرج به عن حيز الحجر ويضاف لذلك التسري بما شاء وروعيت أيضا مصالح النساء فلا تضار زوجة منهن بأكثر من ثلاث وسر الاقتصار في المضارة على ثلاث أن الثلاثة اغتفرت في مواطن كثيرة فتجوز الهجرة ثلاثة أيام والإحداد على غير الزوج ثلاثة أيام والخيار ثلاثة أيام فهذه الصور كلها الثلاث مستثناة على خلاف الأصول فكذلك لما كانت الشحناء والمضارة على خلاف الأصل استثنى ثلاث زوجات يضار بهن زوجة أخرى هذا في الأجنبيات والبعيد من القرابات وحافظ الشرع على القرابات القريبة وصونها عن التفرق والشحناء فلا يجمع بين المرأة وابنتها ولا أمها لأنها أعظم القرابات حفظا لبر الأمهات والبنات ويلي ذلك الجمع بين الأختين ويلي ذلك الجمع بين المرأة وخالتها لكونها من جهة الأم وبرها آكد من بر الأب يليه المرأة وعمتها لأنها من
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    ليس هو وصفهن بل وقوعه نادر فيهن من الوطء والاصطفاء كانت المهانة الغالبة فيهن من جهة ذل الرق تمنع من الإباء والأنفة والمنافسة في الحظوظ ولما بعدت مناسبة الزوجات فيما ليس هو وصفهن بل وقوعه نادر فيهن من المهانة والخدمة كان الوطء والاصطفاء الغالب فيهن من جهة عز الزواج يقتضي الإباء والأنفة والمنافسة في الحظوظ وكان التحريم مطلقا لجمع امرأة مع أخرى في عصمة هو مقتضي أن مضارة المرأة بذلك الجمع وسيلة للشحناء في العادة وقد جعل ذلك في شريعة عيسى عليه السلام كما هو منقول عندهم فلا يتزوج الرجل إلا امرأة واحدة
    وإن كانت مصلحة الرجل في الاستمتاع بتعدد الزوجات تقديما لمصلحة النساء في نفي المضارة والشحناء على مصلحة الرجال في الاستمتاع ويقال إنه قد شرع عكس ذلك في التوراة لموسى عليه السلام وأنه يجوز للرجل زواج عدد غير محصور يجمع بينهن تغليبا لمصلحة الرجال في الاستمتاع على مصلحة النساء في نفي الشحناء والمضارة ولما كانت شريعتنا أفضل الشرائع جمع فيها بين مصلحتي الفريقين إذ كما أنه روعي فيها مصلحة الرجال فيجوز للرجل أن يجمع بين أربع نسوة فيحصل له بذلك قضاء إربه ويخرج به عن حيز الحجر ويضاف لذلك التسري بما شاء كذلك روعي فيها مصالح النساء فلا تضار زوجة منهن بأكثر من ثلاث وسر الاقتصار في جواز المضارة والشحناء على ثلاث هو أن المضارة والشحناء لما كانت على خلاف أصل والثلاثة على خلاف الأصول قد استثنيت في صور منها جواز الهجر ثلاثة أيام والإحداد على غير الزوج ثلاثة أيام والخيار ثلاثة أيام كما مر استثني كذلك ثلاث زوجات يضار بهن زوجة أخرى هذا في الأجنبيات والبعيد من القرابات
    ____________________
    (3/201)
    جهة الأب ثم خالة أمها ثم خالة أبيها ثم عمة أمها ثم عمة أبيها فهذا من باب تحريم الوسائل لا من باب تحريم المقاصد ولما كانت الأم أشد برا بابنتها من الابنة بأمها لم يكن العقد عليها كافيا في بعضها لابنتها إذا عقد عليها لضعف ميلها للزوج بمجرد العقد وعدم مخالطته فاشترط في التحريم إضافة الدخول إلى العقد وكان العقد كافيا في بغض البنت لضعف ودها فتحرم بالعقد لئلا تعق أمها فهذا تلخيص أمر الزوجات
    وأما الإماء فلما كن في الغالب للخدمة والهوان لا للوطء والاصطفاء بعدت مناسبتهن في شيء ليس هو وصفهن ووقوعه نادر فيهن والمهانة من جهة ذل الرق تمنع من الإباء والأنفة والمنافسة في الحظوظ بخلاف الزواج مبني على العز والاصطفاء والإعزاز والتخصيص بالوطء والخدمة إنما تقع فيه تبعا عكس باب الإماء الخدمة أصل والوطء إنما يقع فيه تبعا فلذلك لم يقع العدد محصورا في جواز وطء الإماء لعدم المنافسة والشحناء التي هي موجودة في باب الزواج وإن وجدت كانت ضعيفة عن وجودها في باب الزواج فهذا هو تلخيص الفرق بين الفرقين وبيان السر في ذلك فائدة قال ابن مسعود يشترط في تحريم الأم الدخول كما اشترط في تحريم البنت لقوله تعالى وأمهات نسائكم ثم قال وربائبكم اللاتي في حجوركم
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    أما القرابات القريبة فقد حافظ الشرع على زيادة صونها عن التفرق والشحناء فمنع الجمع بين المرأة وابنتها وبين المرأة وأمها حفظا لبر الأمهات والبنات لأن قرابتهما أعظم القرابات وبين الأختين لأن قرابتهما تلي ذلك في القرب ثم بين المرأة وخالتها لكونها من جهة الأم التي برها آكد من بر الأب ثم بين المرأة وعمتها لأنها من جهة الأب ثم بين المرأة وخالة أمها ثم بينها وخالة أبيها ثم بينها وعمة أمها ثم بينها وعمة أبيها ولكن لما كانت الأم أشد برا ببنتها من البنت بأمها لم يجعل الشرع العقد على الأم كافيا في بغضها لبنتها إذا عقد عليها لضعف ميل الأم للزوج بمجرد العقد وعدم مخالطته بل اشترط في التحريم إضافة الدخول إلى العقد وجعل العقد على البنت كافيا في بغضها لأمها فحرم الأم على من عقد على البنت ولو لم يدخل بها لئلا تعق أمها نعم قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يشترط في تحريم الأم الدخول على البنت كما اشترط في تحريم البنت الدخول على الأم بقوله تعالى وأمهات نسائكم ثم قال وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فقوله تعالى اللاتي دخلتم بهن صفة تعقبت الجملتين فتعمهما كما أن الاستثناء والشرط إذا تعقبا الجمل عما
    ولا يرد هذا على أبي حنيفة رحمه الله تعالى لأنه يرى ترجيح القريب في الجمل وهي الجملة الأخيرة فيخصها بالاستثناء والصفة لا سيما والقريب هاهنا هو موضع الإجماع فلا موجب للعدول باللفظ عن موضع الإجماع بل الموجب وهو القرب يصرف إلى موضع الإجماع فإن اللفظ صالح للأولى والثانية ورجحت الثانية التي هي موضع الإجماع بالقرب فلم يكن حمل اللفظ هاهنا على الجملة الأخيرة طلبا لمستند الإجماع فلا يرد أنه لا
    ____________________
    (3/202)
    من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فقوله اللاتي دخلتم بهن صفة تعقبت الجملتين فتعمهما كالاستثناء والشرط إذا تعقبا الجمل عما والعجب أن مذهب الشافعي رضي الله عنه أن الاستثناء والصفة إذا تعقبا جملا عمها وخالف أصله ههنا ولم يقل به ههنا فقد خالف أصله
    وجوابه أنا نمنع العود ههنا على الجملتين وإن سلمنا أنه يعود في غير هذه الصورة بسبب أن النساء في الجملة الأولى مخفوض بالإضافة والنساء في الجملة الثانية مخفوض بحرف الجر الذي هو من والعامل في الصفة هو العامل في الموصوف على الأصح فلو كان صفة للجملتين لعمل في الصفة الواحدة عاملان وهو الإضافة وحرف الجر واجتماع عاملين على معمول واحد ممتنع على الأصح كما تقرر في علم النحو فهذا هو المانع للشافعي من إجراء صلة فإن قلت نعت المجرورين أو المنصوبين أو المرفوعين مع اختلاف العامل مسألة خلاف بين البصريين والكوفيين
    ولو اجتمع بصري وكوفي في هذه المسألة يتناظران لم يمكن أن يحتج أحدهما على الآخر بمذهبه لأن مذهب أحد الخصمين لا يكون حجة على الآخر وهذا في بصري وكوفي فكيف يحتج بمذهب البصريين أو بأحد المذهبين على عبد الله بن مسعود وهو قوله حجة على غيره من جهة أنه عربي من أهل اللسان فإن قصد بهذا الكلام قيام الحجة على عبد الله بن مسعود لا يستقيم وإن قصد به الاعتذار عن مذهب من المذاهب فلا بد من إثبات أن ذلك الإمام
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    يلزمنا هاهنا طلب مستند الإجماع في اشتراط الدخول في تحريم البنت إذ لا يلزمنا طلب دليل للإجماع وإن كان لا بد له من مستند في نفس الأمر ضرورة أن الإجماع مستقل بنفسه وإنما الأوفق أن تحمل على فائدة زائدة بأن يجعل اللاتي دخلتم بهن نعتا عائدا للجملة الأولى وهو قوله تعالى وأمهات نسائكم دالا على اشتراط الدخول في تحريم الأم كما أن الدخول شرط في الجملة الثانية بالإجماع إذ لا نعلم خلافا في شرطية الدخول في تحريم البنت فيثبت الحكمان في الجملتين بالإجماع والآية وذلك أنه مهما أمكن تكثير فوائد كلام صاحب الشرع وجعل مدلول لكل دليل فهو أولى من الترادف والتأكيد ولا يرد أيضا أنه قد تقرر في أصول الفقه إذا ثبت حكم المجاز بالإجماع
    وورد لفظ في ذلك الحكم حمل على حقيقته ولا يجعل ذلك اللفظ مستند الإجماع لأن الأصل حمل اللفظ على حقيقته مثلا قوله تعالى ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء حملوا النكاح فيه على حقيقته التي هي الوطء ولم يجعلوه مستند الإجماع على أن العقد يحرم على الابن نظرا لكون الأصل ما ذكر من الحمل على الحقيقة ومن عدم الترادف فعلى هذا إذا وطئها الأب وطئا حلالا أو حراما ما حرمت على الابن وتحرم بالعقد أيضا وذلك أن الإجماع فيما تقرر في أصول الفقه جاء في المجاز المرجوح على خلاف ظاهر اللفظ فعدلنا باللفظ إلى ظاهره الذي هو الحقيقة لأجل معارضة موضع الإجماع والإجماع هاهنا جاء في موضع الظاهر الذي هو القرب فلا موجب للعدول عنه فافهم وإنما يرد قول ابن مسعود رضي الله عنه فقوله تعالى اللاتي دخلتم بهن صفة تعقبت الجملتين إلخ على مالك والشافعي وأصحابهما رضي الله عنهم الذين يرون تعميم الاستثناء والصفة
    ____________________
    (3/203)
    كان يعتقد هذا المذهب في النحو حتى يقال أصله يمنعه من ذلك وإذا لم يثبت أن مذهبه في النحو كذلك بطل أيضا الاعتذار به عن صاحب ذلك المذهب
    ومن أين لنا أن مذهب مالك والشافعي رضي الله عنهما كان في النحو لا يجتمع عاملان على معمول واحد وأن العامل في الصفة هو العامل في الموصوف فلعل مذهبهما أن النعت يرتفع بطريق التبعية للموصوف كما قاله جماعة من النحاة لا بالعامل في المنعوت وإنما يصح الكلام على هذه التقادير وهي متعذرة قلت كلام صحيح متجه فإن قلت أعيد النعت على الجملة الأولى وهو قوله وأمهات نسائكم فيكون الدخول شرطا في تحريم الأم بهذه الآية ويكون الدخول شرطا في الجملة الثانية بالإجماع فإنا لا نعلم خلافا في شرطية الدخول في تحريم البنت فيثبت الحكمان في الجملتين بالإجماع والآية ويكون هذا أولى لئلا يترادف الإجماع والآية على الجملة الأولى والأصل عدم الترادف ومهما أمكن تكثير فوائد كلام صاحب الشرع وجعل مدلول لكل دليل فهو أولى من الترادف والتأكيد وقد تقرر في أصول الفقه أنه إذا ثبت حكم المجاز بالإجماع وورد لفظ في ذلك الحكم حمل حقيقته ولا يجعل ذلك اللفظ مستند الإجماع لأن الأصل حمل اللفظ على حقيقته ولا يلزمنا أن نعين للإجماع مستندا بل هو مستقل بنفسه ولا يلزمنا طلب دليل للإجماع وإن كان لا بد له من مستند في نفس الأمر كذلك ههنا لا يلزمنا طلب
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    في الجمل ولا يرجحون جملة بالقرب فإن مقتضى مذهبهم الحمل على الجملتين الأولى والأخيرة
    ولا يتأتى الجواب عنهم حتى يثبت أنهم لا يرون الجمع بين عاملين في النعت مع اتفاق الأعراب وأن العامل في النعت هو العامل المنعوت كما هو عند البصريين من النحاة خلافا لمن يرى منهم الجمع بين عاملين في النعت مع اتفاق الأعراب ولمن يرى أن العامل في النعت التبعية للموصوف فإذا ثبت هذا عنهم صح الجواب أيضا على قاعدتهم فإنهم حينئذ يتعين عليهم الحمل على إحدى الجملتين لا عليهما ولا سبيل إلى الحمل على الجملة الأولى فإنها هي البعيدة وكل من قال بالعود على جملة واحدة لم يقل هي البعيدة بل انفراد البعيدة بالحمل على خلاف الإجماع لأن القائل قائلان قائل بالتعميم في الجمل وقائل بالجملة القريبة وحدها ولم يقل أحد بالحمل على الجملة البعيدة وحدها ولكن تقدير ثبوت ذلك عنهم متعذر إذ من أين لنا أن مذهب مالك والشافعي وأصحابهما رضي الله عنهم كان في النحو لا يجتمع عاملان على معمول واحد وأن العامل في الصفة هو العامل في الموصوف فلعل مذهبهما أن عامل النعت هو التبعية للموصوف كما قاله جماعة من النحاة لا عامل المنعوت هذا خلاصة ما صححه العلامة ابن الشاط من كلام الأصل وفي كتاب أحكام القرآن للإمام أبي بكر بن العربي اختلف الناس في قوله تعالى وأمهات نسائكم في الصدر الأول فروي عن علي وجابر وابن الزبير وزيد بن ثابت ومجاهد أن العقد على البنت لا يحرم الأم حتى يدخل بها كما أن العقد على الأم لا يحرم البنت حتى يدخل بها وقال سائر العلماء والصحابة إن العقد على البنت يحرم الأم ولا تحرم البنت حتى يدخل بالأم واختلف النحاة في الوصف في قوله
    ____________________
    (3/204)
    مستند الإجماع في اشتراط الدخول في تحريم البنت ويحمل اللفظ على فائدة زائدة تكثيرا لفوائد صاحب الشرع وقد مثلوا ذلك بقوله تعالى ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء والنكاح حقيقة في الوطء مجاز في العقد وقد أجمع الناس على أن العقد يحرم على الابن فنحمل نحن الآية على الوطء فعلى هذا إذا وطئها حلالا أو حراما حرمت على الابن وتحرم بالعقد أيضا
    ويكون هذا أولى لأن الأصل في الكلام الحقيقة والأصل أيضا عدم الترادف على مدلول واحد فكذلك ههنا قلت أما هذا السؤال فالجواب عنه أنا في آية الربائب نحمل اللفظ على الجملة الأخيرة طلبا لمستند الإجماع بل لأن القرب يوجب الرجحان فإن اللفظ صالح للأولى والثانية ورجحت الثانية بالقرب وبهذا يظهر الفرق بين هذا السؤال وبين القاعدة المذكورة في أصول الفقه المتقدم ذكرها فإن في تلك المسألة جاء الإجماع في المجاز المرجوح على خلاف ظاهر اللفظ فعدلنا باللفظ إلى ظاهره لأجل معارضة الظاهر الذي هو الحقيقة موضع الإجماع وأما ههنا فموضع الظاهر الذي هو القرب موضع الإجماع فلا موجب للعدول باللفظ عن موضع الإجماع بل الموجب يصرف إلى موضع الإجماع فافترقا
    واعلم أن هذا الجواب إنما يستقيم على مذهب أبي حنيفة الذي يرى ترجيح القريب في الجمل وهي الجملة الأخيرة فيخصها بالاستثناء والصفة وأما على رأي مالك
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    اللاتي دخلتم بهن فقيل يرجع إلى الربائب والأمهات وهو اختيار أهل الكوفة وقيل يرجع إلى الربائب خاصة
    وهو اختيار أهل البصرة وجعلوا رجوع الوصف إلى الموصوفين المختلفي العامل ممنوعا كالعطف على عاملين وجوز ذلك كله أهل الكوفة ورأوا أن عامل الإضافة غير عامل الخفض بحرف الجر وقد مهدنا القول في ذلك في كتاب ملجئة المتفقهين إلى معرفة غوامض النحويين وقد رد القاضي أبو إسحاق الرواية عن زيد بن ثابت والذي استقر أنه مذهب علي خاصة كما استقر اليوم في الأمصار والأقطار أن الربائب والأمهات في هذا الحكم مختلفات وأن الشرط إنما هو في الربائب وهذه المسألة من غوامض العلم وأخذها من طريق النحو يضعف فإن الصحابة العرب القرشيين الذين نزل القرآن بلغتهم أعرف من غيرهم بمقطع المقصود منهم وقد اختلفوا فيه وخصوصا على مقداره في العلمين ولو لم يسمع ذلك في اللغة العربية لكان فصاحتها بالأعجمية فينبغي أن يحاول ذلك بغير هذا القصد والمأخذ فيه يرجع إلى خمسة أوجه الوجه الأول أنه يحتمل أن يرجع الوصف إلى الربائب خاصة ويحتمل أن يرجع إليهما جميعا فيرد إلى أقرب مذكور تغليبا للتحريم على التحليل في باب الفروج وهكذا هو مقطوع السلف فيها عند تعارض الأدلة بالتحليل والتحريم عليها الوجه الثاني روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أيما رجل نكح امرأة فدخل بها أو لم يدخل فلا يحل له نكاح أمها وأيما رجل نكح امرأة فدخل بها فلا يحل له نكاح ابنتها فإن لم يدخل بها فلينكحها
    وهذا إن صح حجة ظاهرة لكن رواية المثني بن الصباح تضعف
    ____________________
    (3/205)
    والشافعي وأصحابهما رضي الله عنهم الذين يرون تعميم الاستثناء والصفة في جملة الجمل ولا يرجحون بالقرب فلا يتأتى هذا الجواب بل مقتضى مذهبهم الحمل على الجملتين الأولى والأخيرة حتى يثبت أنهم لا يرون الجمع بين عاملين في النعت مع اتفاق الأعراب وأن العامل في النعت هو العامل في المنعوت فإذا ثبت هذا عنهم صح الجواب أيضا على قاعدتهم فإنهم حينئذ يتعين عليهم الحمل على إحدى الجملتين لا عليهما ولا سبيل إلى الحمل على الجملة الأولى فإنها هي البعيدة
    وكل من قال بالعود على جملة واحدة لم يقل هي البعيدة بل انفراد البعيدة بالحمل على خلاف الإجماع لأن القائل قائلان قائل بالتعميم في الجمل وقائل بالجملة القريبة وحدها أما الحمل على الجملة البعيدة وحدها فلم يقل به أحد فهذا تلخيص هذا الموضوع وتحريك البحث فيه بحسب ما فتح الله تعالى به من فضله
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الوجه الثالث أن قوله من نسائكم لفظة عربية لأنه جمع لا واحد له من لفظه بل واحده امرأة ولما كان قولك امرؤ وامرأة كقولك آدمي وآدمية كان قوله امرأتك كقوله آدميتك في احتمال أن يكون معناه التي تشبهك أو تجاورك أو تملكها أو تملكك أو تحل لها أو تحل لك والإضافة على معنى الشبه والجواز محال فلم نجد وجها إلا باب التحليل والتحريم الذي نحن فيه ويشهد له سياق الآية فهو المقصود بالبيان فإذا حلت له أو ملكها فقد تحققت الإضافة المقصودة فوجب في الأمهات ثبوت الحكم على الإطلاق وكذلك في البنات لولا التقييد بشرط الدخول ولم تحمل الأمهات على البنات في التقييد بذلك تغليبا لمعارضة من التحريم كما هو القاعدة في الفروج فلذا لما تعارض في الأختين من ملك اليمين التحليل والتحريم غلب علي كرم الله وجهه التحريم الوجه الرابع أنه قد قيل إن المراد بالدخول هاهنا النكاح فعلى هذا الربائب والأمهات سواء لكن الإجماع غلب على الربائب باشتراط الوطء في أمهاتهن لتحريمهن الوجه الخامس أن كل واحد من الموصوفين قد انقطع عن صاحبه بوصفه فإنه قال وأمهات نسائكم ثم قال بعده وربائبكم اللاتي في حجوركم فالوصف الذي يتلوه يتبعه ولا يرجع إلى الأول لبعده منه وانقطاعه عنه
    ا ه بتصرف فائدة مهمة قال الشيخ تاج الدين السبكي في كتابه توشيح الترشيح حكاية عن والده الإمام تقي الدين السبكي أن السر في إباحة نكاح أكثر من أربع نسوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله أراد نقل بواطن الشريعة وظواهرها وما يتحسى وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الناس حياء فجعل الله له نسوة ينقلن من الشرع ما يرينه من أفعاله ويسمعن من أقواله التي قد يستحي من الإفصاح بها بحضرة الرجال فيكمل نقل الشريعة وكثر عدد النساء لتكثير الناقلين لهذا النوع ومنهن عرف غالب مسائل الغسل والحيض والعدة ونحوها قال ولم يكن ذلك منه لشهوة منه صلى الله عليه وسلم في النكاح ولا كان يحب الوطء للذة البشر معاذ الله بل إنما حبب إليه النساء لتظهر عنه ما يستحي هو من الإمعان في التلفظ به فأحبهن لما فيهن من الإعانة على نقل الشريعة في
    ____________________
    (3/206)
    الفرق الخامس والأربعون والمائة بين قاعدة تحريم المصاهرة في الرتبة الأولى وبين قاعدة لواحقها اعلم أنه لما دلت النصوص على تحريم أمهات النساء والربائب ومن معهن في قوله تعالى وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم الآية حمل على العقد في الحرائر لأن المفهوم من نسائنا في غالب العادة الحرائر المنسوبون إلينا بمبيح الوطء وهو العقد وكذلك في قوله تعالى والذين يظاهرون من نسائهم وقوله تعالى يا نساء النبي لا يفهم في جميع ذلك إلا الزوجات الحرائر ولا يستلزم ذلك الدخول لقوله تعالى اللاتي دخلتم بهن فدل ذلك على أنهن قد يتحققن
    هامش أنوار البروق
    قال الفرق الخامس والأربعون والمائة بين قاعدة تحريم المصاهرة في الرتبة الأولى وبين قاعدة لواحقها إلى قوله لا يفهم في جميع ذلك إلا الزوجات الحرائر قلت لا أعرف ما قاله من أن المفهوم من نسائنا في غالب العادة الحرائر المنسوبون إلينا بمبيح الوطء وهو العقد بل لقائل أن يقول إن المراد بنسائنا جميع المنكوحات بعقد كان نكاحهن أو ملك
    هامش إدرار الشروق
    هذه الأبواب وأيضا فقد نقلن ما لم يكن ينقله غيرهن مما رأينه في منامه وحالة خلوته من الآيات البينات على نبوته ومن جده واجتهاده في العبادة ومن أمور يشهد كل ذي لب أنها لا تكون إلا لنبي وما كان يشاهده غيرهن فحصل بذلك خير عظيم أفاده العطار في حاشيته على محلي جمع الجوامع والله سبحانه وتعالى أعلم
    الفرق الخامس والأربعون والمائة بين قاعدة تحريم المصاهرة في الرتب الأولى وبين قاعدة لواحقها المصاهرة في الرتبة الأولى عبارة عن المندرج في قوله تعالى ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء وقوله تعالى وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وقوله تعالى وأمهات نسائكم وقوله تعالى وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن قال ابن رشد الحفيد في بدايته فهؤلاء الأربع أي زوجات الآباء وزوجات الأبناء وأمهات النساء وبنات الزوجات اتفق المسلمون على تحريم اثنين منهن بنفس العقد وهما زوجات الآباء والأبناء أي لأن اتفاق الرجال وحمياتهم تنهض بالغضب والبغضاء بمجرد نسبة المرأة إليهم بذلك فيختل نظام ود الآباء للأبناء وود الأبناء للآباء وهو سياج عظيم قد جعل الشارع صلى الله عليه وسلم خرقه من الكبائر ألا ترى إلى قوله من أكبر الكبائر أن يسب الرجل أباه قالوا أو يسب الرجل أباه يا رسول الله قال يسب الرجل أبا الرجل فيسب الرجل أباه فإنه جعل التسبب لسب الأب بسب الأجنبي من أكبر الكبائر فكيف لو سبه مباشرة
    ____________________
    (3/207)
    مع عدم الدخول فإذا تقرر أن المندرج في الرتبة الأولى إنما هن الحرائر ألحق بهن المملوكات في الرتبة الثانية لاستوائهما في مبيح الوطء والفراش بشرطه ولحوق الولد بشرطه ولأن الأنفات تحصل من وطء الغير ما وطئه الإنسان بالملك ويشق عليه أن يطأ أمته غيره فكان وطؤها محرما كالوطء بالعقد وألحق بالإماء والحرائر شبهتيهما في التحريم لأن الوطء بالشبهة ألحق بالعقد والملك في لحوق الولد وسقوط الحد وغيرهما
    وأما الزنى المحض قد ألحق بالشبهة في الرتبة الرابعة على مشهور مذهب مالك رحمه الله لكونه يوجب نسبة واختصاصا وربما أوجب ميلا شديدا يوجب وقع الشحناء بالمشاركة فيه كما يحصل ذلك في المشاركة بالوطء بالنكاح أو الملك وبالغ مالك في المدونة إذا التذ بها حراما كان كالوطء ووافقه أبو حنيفة وابن حنبل وقال مالك في الموطأ إنه لا يحرم وقاله الشافعي رضي الله عنه بسبب أن الزنى مطلوب العدم والإعدام فلو رتب عليه شيء من المقاصد لكان مطلوب الإيجاد فلا يثبت
    هامش أنوار البروق
    حرائر كن أو مملوكات ولقائل أن يقول المراد بهن المنكوحات بعقد وتدخل فيهن الإماء المتزوجات أما قيد كونهن حرائر فلا وجه له عندي وأما قوله المنسوبون فصوابه المنسوبات قال ولا يستلزم ذلك الدخول لقوله تعالى اللاتي دخلتم بهن فدل ذلك على أنهن قد يتحققن مع عدم الدخول قلت هذا استدلال بالمفهوم فهو يختص بمن يراه حجة
    هامش إدرار الشروق
    على تحريم واحدة بالدخول وهي ابنة الزوجة أي لما تقدم عن أحكام ابن العربي واختلفوا في أم الزوجة هل تحرم بالدخول أو بالعقد كما تقدم توضيحه ولواحق المصاهرة في الرتبة الأولى عبارة عن غير المندرج فيما ذكر ممن تحقق فيه إليه بالمندرج وقد اختلف الأصل والعلامة ابن الشاط في أمرين الأمر الأول المندرج فيما ذكر فزعم الأصل أن المندرج في ذلك إنما هن الحرائر مدعيا أن المفهوم من نسائنا في غالب العادة الحرائر المنسوبات إلينا بمبيح الوطء وهو العقد فلا يفهم من النساء فيما ذكر وفي قوله تعالى يا نساء النبي إلا الزوجات الحرائر ولا يستلزم ذلك الدخول لقوله تعالى اللاتي دخلتم بهن فدل ذلك على أنهن قد يتحققن مع عدم الدخول وعليه فيلحق بهن الإماء المنكوحات بملك اليمين في التحريم لاستوائهما في مبيح الوطء والفراش بشرطه ولحوق الولد بشرطه ولأن الأنفات تحصل من وطء الغير ما وطئه الإنسان بالملك ويشق عليه أن يطأ أمته غيره فكان وطؤها محرما كالوطء بالعقد وقال ابن الشاط لا أعرف صحة ما ادعاه من أن المفهوم من نسائنا في غالب العادة الحرائر المنسوبات إلينا بمبيح الوطء وهو العقد بل لقائل أن يقول إن المراد بنسائنا إما جميع المنكوحات بعقد كان نكاحهن أو بملك حرائر كن أو مملوكات وإما المنكوحات بخصوص العقد ولو كن غير حرائر ولا وجه لقيد كونهن حرائر عندي قال وقوله ولا يستلزم ذلك الدخول لقوله تعالى اللاتي دخلتم بهن إلخ استدلال بالمفهوم فيختص بمن يراه حجة فيتحصل أن الخلاف بينهما في الإماء المنكوحات بملك اليمين
    ____________________
    (3/208)
    له تحريم في أثر المصاهرة واتفق الأئمة الأربعة في الملك والعقد والشبهة ووافق أبو حنيفة في الملامسة بلذة والنظر إلى الفرج أنه لا يحرم إلا أن ينزل لعدم إفضائه إلى المقصد الذي هو الوطء وهو إنما حرم تحريم الوسائل والوسيلة إذا لم تفض لمقصده سقط اعتبارها ومنع الشافعي التحريم بالملامسة للذة والنظر مطلقا قال أبو الطاهر من أصحابنا اللمس بلذة من البالغ ينشر الحرمة ومن غير البالغ قولان وبغير لذة لا ينشر مطلقا وفي نظر البالغ للذة قولان المشهور ينشر الحرمة لأنه أحد الحواس والشاذ لا ينشر لأن النظر إلى الوجه لا يحرم اتفاقا وإنما الخلاف في باطن الجسد واكتفى في تحريم زوجات الآباء والأبناء بالعقد لأن اتفاق الرجال وحمياتهم تنهض بالغضب والبغضاء بمجرد نسبة المرأة إليهم بذلك فيختل نظام ود الآباء للأبناء وود الأبناء للآباء وهو سياج عظيم عند الشرع حتى جعل خرقه من الكبائر قال عليه الصلاة
    هامش أنوار البروق
    قال فإذا تقرر أن المندرج في الرتبة الأولى إلى قوله فكان وطؤها محرما كالوطء بالعقد قلت ألحق الإماء المنكوحات بملك اليمين بالمتزوجات بناء على ما قرره من أن لفظ نسائنا لا يتناولهن بل يختص بالمتزوجات وقد يحتمل به لسبق أن يتناولهن اللفظ إلا إن صح ما ادعاه من العرف ولا أعرف صحة ذلك
    قال وألحق بالإماء والحرائر شبهتيهما في التحريم لأن الوطء بالشبهة ألحق بالعقد وذلك في لحوق الولد وسقوط الحد وغيرهما
    هامش إدرار الشروق
    وكذلك بعقد إلا أن المنكوحات بالعقد من المندرج لا من لواحقه على كلا الترددين في كلام ابن الشاط بخلاف المنكوحات بالملك فإنهن من المندرج على الترديد الأول في كلامه ومن اللواحق على الثاني فافهم الأمر الثاني الحقيقة في لفظ الأب ولفظ الأم ولفظ الابن ولفظ البنت في النصوص المتقدمة فقال الأصل أن حقائقها المباشر وأنه متى أريد بها غير المباشر كانت مجازات وأن الاندراجات في قول اللخمي تحرم امرأة الجد للأب والجد للأم لاندراجهما في لفظ الآباء كما تندرج جدات امرأته وجدات أمها من قبل أمها وأبيها في قوله تعالى وأمهات نسائكم وبنت بنت الزوجة وبنت ابنها وكل من ينسب إليها بالبنوة وإن سفل في قوله تعالى وربائبكم ا ه
    ليس بمقتضى الوضع اللغوي وإلا لما صرح الكتاب العزيز بالثلث للأم ولم يعطه الصحابة رضي الله عنهم للجدة بل حرموها حتى روي لهم الحديث في السدس ولما صرح في الكتاب بالنصف للبنت وبالثلثين للبنتين على السوية ورثت بنت الابن مع البنت السدس بالسنة لا بالكتاب ولما كان ابن الابن كالابن في الحجب والجد ليس كالأب في الحجب ولما كانت الإخوة يحجبون الأم وبنوهم لا يحجبونها فحينئذ ينبغي أن يعتقد أن هذه الاندراجات في تحريم المصاهرة بالإجماع لا بالنص فإن الاستدلال بنفس اللفظ تعذر لأن الأصل عدم المجاز والاقتصار على الحقيقة فالفقيه الذي يعتقد ذلك ويستدل باللفظ غالط
    ا ه وقال ابن الشاط لا أعرف صحة ما قاله من أن الحقيقة في لفظ الأب والأم والابن والبنت المباشر وأنه متى أريد به غير المباشر فهو مجاز لعل الأمر في ذلك بالعكس وأن الحقيقة في لفظ الأب مثلا كل من له ولادة والمجاز المباشر لكن
    ____________________
    (3/209)
    والسلام من أكبر الكبائر أن يسب الرجل أباه قالوا أو يسب الرجل أباه يا رسول الله قال يسب الرجل أبا الرجل فيسب الرجل أباه فجعل التسبب لسب الأب بسب الأجنبي أكبر الكبائر فكيف لو سبه مباشرة قال اللخمي تحرم امرأة الجد للأب والجد للأم لاندراجهما في لف الآباء كما تندرج جدات امرأته وجدات أمها من قبل أمها وأبيها في قوله تعالى وأمهات نسائكم وبنت بنت الزوجة وبنت ابنها وكل من ينسب إليها بالبنوة
    وإن سفل في قوله تعالى وربائبكم تنبيه اعلم أن هذه الاندراجات ليست بمقتضى الوضع اللغوي ولذلك صرح الكتاب العزيز بالثلث لأم ولم يعطه الصحابة رضي الله عنهم للجدة بل حرموها حتى روي لهم الحديث في السدس وصرح بالنصف للبنت وللابنتين بالثلثين على السوية وورثت بنت الابن مع البنت السدس بالسنة لا بالكتاب وابن الابن كالابن في الحجب والجد ليس
    هامش أنوار البروق
    قلت ما قاله في ذلك صحيح ظاهر وما قاله بعد ذلك أكثره حكاية أقوال وإشارة إلى توجيهها ولا كلام في ذلك قال قال اللخمي تحرم امرأة الجد للأب والجد للأم لاندراجهما في لفظ الآباء إلى قول الشهاب في تنبيهه فإن دل إجماع على اعتبار المجاز وإلا ألغي حتى يدل دليل عليه قلت لا أعرف صحة ما قال من أن الحقيقة في لفظ الأب وشبهه أن المراد به المباشر وأنه يغني
    هامش إدرار الشروق
    غلب هذا المجاز حتى صار عرفا فكان ذلك السبب في اقتصار الصحابة فيما اقتصروا به من الأحكام على المباشر والله أعلم
    ا ه وعليه فتكون الاندراجات في تحريم المصاهرة بالنص لا بالإجماع فافهم وفي أحكام القرآن لابن العربي أن من علمائنا من قال إن لفظ الأولاد يتناول حقيقة كل ولد من صلب الرجل دنيا أو بعيدا قال الله تعالى يا بني آدم وقال النبي صلى الله عليه وسلم أنا سيد ولد آدم وقال تعالى ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فدخل فيه كل من كان لصلب الميت دانيا أو بعيدا ويقال بنو تميم فيعم الجميع فإن كان الصحيح هذا القول فقد غلب مجاز الاستعمال في ذلك إطلاقه على الأعيان الأدنين على تلك الحقيقة ومن علمائنا من قال ذلك حقيقة في الأدنين مجاز في الأبعدين وهذا هو الصحيح عندي بدليل أنه ينفي عنه فيقال ليس بولد ولو كان حقيقة لما ساغ فيه ألا ترى أن ولد الأعيان يسمى ولدا ولا يسمى ولد الولد وكيفما دارت الحال فقد اجتمعت الأمة هاهنا أي في قوله تعالى يوصيكم الله في أولادكم الآية على أنه يطلق على الجميع وقد قال مالك لو حبس رجل على ولده لا تنقل إلى أبنائهم واختلف قول علمائنا فيما لو قال صدقة هل تنقل إلى أولاد الأولاد على قولين وكذلك في الوصية واتفقوا على أنه لو حلف لا ولد له وله حفدة لم يحنث وإنما اختلف ذلك في أقوال المخلوقين في هذه المسائل لوجهين إحداهما أن الناس اختلفوا في حمل كلام المخلوقين هل يحمل على العموم كما يحمل كلام الباري أو لا يحمل كلام الناس على العموم بحال وإن حمل كلام الله سبحانه عليه
    ____________________
    (3/210)
    كالأب في الحجب والإخوة يحجبون الأم وبنوهم لا يحجبونها فتعلم من ذلك أن الأب حقيقة في الأب القريب مجازا في آبائه ولفظ الابن حقيقة في القريب مجازا في أبنائه فإن دل إجماع على اعتبار المجاز وإلا ألغي حتى يدل دليل عليه وينبغي أن يعتقد أن هذه الاندراجات في تحريم المصاهرة بالإجماع لا بالنص وأن الاستدلال بنفس اللفظ متعذر وأن الفقيه الذي يعتقد ذلك ويستدل باللفظ غالط لأن الأصل عدم المجاز والاقتصار
    هامش أنوار البروق
    أريد به غير المباشر فهو مجاز ولعل الأمر في ذلك بالعكس وأن الحقيقة في لفظ الأب كل من له ولادة والمجاز المباشر لكن غلب هذا المجاز حتى صار عرفا فكان ذلك السبب في اقتصار الصحابة فيما اقتصروا به من الأحكام على المباشر والله أعلم قال وينبغي أن يعتقد أن هذه الاندراجات في تحريم مصاهرة بإجماع لا بالنص وأن الاستدلال بنفس اللفظ متعذر قلت ما قال في ذلك يوافق عليه لكن لا لأن الحقيقة في المباشر بل لأن المجاز الصائر عرفا فيه قال سؤال المشهور من مذاهب العلماء في تحليل الزوجة بعد الطلقات الثلاث اشتراط الوطء الحلال إلى آخر الفرق قلت يحتاج ما قاله إلى نظر وما قال في الفرقين بعده صحيح
    هامش إدرار الشروق
    الثاني أن كلام الناس يرتبط بالأغراض والمقاصد والمقصود من الحبس التعقيب فدخل فيه ولد الولد والمقصود من الصدقة التمليك فلم يدخل فيه غير الأدنى إلا بدليل والذي يحقق العموم هاهنا أي في الآية أنه قال بعده ولا يوليه لكل واحد منهما السدس فدخل فيه آباء فكذلك يدخل في الأولاد هاهنا أولاد الأولاد ثم قال في قوله تعالى ولأبويه لكل واحد منهما السدس هذا قول لم يدخل فيه من علا من الآباء دخول من سفل من الأبناء في قوله أولادكم لثلاثة أوجه الأول أن القول هاهنا مثنى والمثنى لا يحتمل العموم والجمع الثاني أنه قال فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث والأم العليا هي الجدة ولا يفرض لها الثلث بإجماع فخروج الجدة من هذا اللفظ مقطوع به وتناوله للأب مختلف فيه الثالث أنه إنما قصد في قوله أولادكم بيان العموم وقصد هنا بيان النوعين من الآباء وهما الذكر والأنثى وتفصيل فرضهما دون العموم فأما الجد فقد اختلفت فيه الصحابة فروي عن أبي بكر الصديق أنه جعله أبا وحجب به الإخوة أخذا بقوله تعالى ملة أبيكم إبراهيم وبقوله تعالى يا بني آدم وأما الجدة فقد صح أن الجدة أم الأم جاءت أبا بكر الصديق فقال لها لا أجد لك في كتاب الله شيئا وما أنا بزائد في الفرائض شيئا
    ا ه المراد بتصرف وإصلاح فافهم وقد وافق ابن الشاط الأصل في مسائل قائلا ما قاله في الأولى صحيح ظاهر وما قاله بعد ذلك أكثره حكاية أقوال وإشارة إلى توجيهات ولا كلام في ذلك
    ا ه المسألة الأولى شبهتا العقد والملك تلحق بهما في التحريم للحرائر والإماء بالعقد والملك لأن الوطء بالشبهة قد ألحق بالوطء بهما في لحوق الولد وسقوط الحد وغيرها
    ____________________
    (3/211)
    على الحقيقة سؤال المشهور من مذاهب العلماء في تحليل الزوجة بعد الطلاق الثلاث اشتراط الوطء الحلال وحمل آية التحليل عليه لأن القاعدة أن كل متكلم له عرف فإن لفظه عند الإطلاق يحمل على عرفه فحمل النكاح في الآية على النكاح الشرعي الذي يتناوله اللفظ حقيقة لا مجازا لأجل العرف وخولفت هذه القاعدة في قوله تعالى في أمهات الربائب اللاتي دخلتم بهن فاعتبر مالك مطلق الوطء كان حلالا أو حراما وهو خلاف القاعدة في حمل الدخول على العرف الشرعي وهو الدخول المباح وجوابه أنه احتاط في الصورتين فخولفت القاعدة لمعارض الاحتياط
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    المسألة الثانية يلحق بالشبهة في الرتبة الرابعة على مشهور مذهب مالك رحمه الله تعالى الزنى المحض لكونه يوجب مسبة اختصاصا وربما أوجب ميلا شديدا يوجب وقوع الشحناء بالمشاركة فيه كما يحصل ذلك في المشاركة بالوطء بالنكاح والملك بل بالغ فقال في المدونة إذا التذ بها حراما كان كالوطء ووافقه أبو حنيفة وابن حنبل نعم قال مالك في الموطإ أنه لا يحرم وقاله الشافعي رضي الله عنه بسبب أن الزنى مطلوب العدم والإعدام فلو رتب عليه شيء من المقاصد لكان مطلوب الإيجاد فلا يثبت له تحريم في أثر المصاهرة المسألة الثانية اتفق الأئمة الأربعة على أن وطء الأم بالعقد أو الملك أو الشبهة يحرم بنتها لقوله تعالى اللاتي دخلتم بهن لأن الوطء هو الأصل في الدخول واختلفوا في التلذذ بما دون الوطء فقال مالك وأبو حنيفة ومثل الوطء اللمس للذة لأنه استمتاع مثله يحل بحله ويحرم بحرمته ويدخل تحت عمومه وقال أبو الطاهر من أصحابنا اللمس للذة من البالغ ينشر الحرمة ومن غير البالغ قولان وبغير لذة لا ينشر مطلقا وفي نظر البالغ ما عدا الوجه من باطن الجسد للذة قولان المشهور ينشر الحرمة لأنه أحد الحواس والشاذ لا ينشر ولا يحرم النظر إلى الوجه اتفاقا وفي الأحكام لابن العربي وأما النظر فعند ابن القاسم أنه يحرم وقال غيره لا يحرم لأنه في الدرجة الثانية شبهه في الزنى ذريعة الذريعة لكن الأموال تارة يغلب فيها التحليل وتارة يغلب فيها التحريم فأما الفروج فقد اتفقت الأمة فيها على تغليب التحريم فكما أن النظر لا يحل إلا إذا حل أصله اللمس والوطء بعقد نكاح أو شراء وكذلك يحرم إذا حرم أصله
    ا ه وفي بداية المجتهد والنظر عند مالك كاللمس إذا كان نظر تلذذ إلى أي عضو كان وفيه عنه خلاف ووافقه أبو حنيفة في النظر إلى الفرج فقط وقال الأصل أنه لا يحرم عنده إلا أن ينزل لعدم إفضائه إلى المقصد الذي هو الوطء وهو إنما حرم تحريم الوسائل والوسيلة إذا لم تفض لمقصدها سقط اعتبارها ومنع الشافعي التحريم بالملامسة للذة والنظر مطلقا وفي بداية المجتهد وهو أحد قولين المختار عنده وقوله الثاني لم يوجب في النظر شيئا وواجب في اللمس
    ا ه تنبيه قال الأصل اعتبر مالك قاعدة حمل اللفظ عند الإطلاق على عرف المتكلم به كغيره من العلماء في مشهور مذاهبهم في آية التحليل للزوجة بعد الطلاق الثلاث حيث حمل النكاح فيها على الوطء الحلال وجعله شرطا لموافقتها قاعدة الاحتياط في الفروج وخالفها في قوله تعالى في أمهات الربائب اللاتي دخلتم بهن حيث حمل الدخول فيها على خلاف العرف الشرعي من الدخول المباح فاعتبر
    ____________________
    (3/212)
    الفرق السادس والأربعون والمائة بين قاعدة ما يحرم بالنسب وبين قاعدة ما لا يحرم بالنسب اعلم أن الإنسان تحرم عليه النسب أصوله وفصوله وفصول أول أصوله وأول فصل من كل أصل وإن علا فالأصول الآباء والأمهات وإن علوا والفصول الأبناء وأبناء الأبناء وإن سفلوا وفصول الأول أول الأصول الإخوة والأخوات وأولادهم وإن سفلوا احترازا من فصول ثاني الأصول وثالثها وإن علا ذلك فإنهم أولاد الأعمام والعمات والأخوال والخالات وهن مباحات لقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك وأول فصل من كل أصل يندرج فيه أولاد الأجداد والجدات وهم الأعمام والعمات والأخوال والخالات وقولنا أول فصل احترازا من ثاني فصل من أول الأصول فإن ثاني فصل فصل أولاد
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    مطلق الوطء ولو حراما لمعارض الاحتياط في الفروج ا ه
    وقال ابن الشاط يحتاج ما قاله إلى نظر
    ا ه قلت لعل وجهه أن النكاح في عرف الشرع حقيقة في وطء مطلقا لا في خصوص الوطء الحلال فقد قال أبو حنيفة في قوله تعالى ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء أي ما وطئوه لأن النكاح حقيقة في الوطء فيحرم على الشخص مزنية أبيه كما في المحلي على جمع الجوامع وقد تقدم نحوه عن الأصل في الفرق الرابع والأربعين والمائة فلا تغفل
    وقال ابن العربي في كتاب الأحكام في قوله تعالى فإن طلقها فلا تحل له من بعد قال سعيد بن المسيب تحل المطلقة ثلاثا للأول بمجرد العقد من الثاني وإن لم يطأها الثاني لظاهر قوله تعالى فلا تحل له من بعد حتى تنكح والنكاح العقد وهذا لا يصح بل هو هنا الوطء لأنه صلى الله عليه وسلم شرط ذوق العسيلة وهي عبارة عن الوطء نعم يرد على مذهبنا أن من أصول الفقه أن الحكم هل يتعلق بأوائل الأسماء لزمنا مذهب سعيد بن المسيب وإن قلنا إن الحكم يتعلق بأواخر الأسماء لزمنا أن نشترط الإنزال مع مغيب الحشفة في الإحلال لأنه آخر ذوق العسيلة ولذا لا يجوز له أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها ولم يشترط عندنا في التحليل الإنزال فصارت المسألة في غاية الإشكال بل ما مر بي في الفقه أعسر منها
    ا ه ملخصا والله سبحانه وتعالى أعلم
    الفرق السادس والأربعون والمائة بين قاعدة ما يحرم بالنسب وبين قاعدة ما لا يحرم بالنسب المحرم بالنسب على الإنسان ذكرا كان أو أنثى أربعة أنواع النوع الأول أصوله وهما الآباء والأمهات وإن علوا والنوع الثاني فصوله وهم الأبناء وأبناء الأبناء وإن سفلوا والنوع الثالث فصول أول أصوله وهم الإخوة والأخوات وأولادهم وإن سفلوا وأما فصول ثاني
    ____________________
    (3/213)
    الأعمام والعمات وأولاد الخال والخالات فإنهن مباحات فلذلك أطلق في الضابط في الآباء والأمهات والفصول مطلقا ليندرجوا هم وأولادهم وقيل في غير أول فصول أول فصل من كل أصل لهذا المعنى فانضبط المحرم على الرجال والنساء لهذا الضابط ودليله قوله تعالى حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأجمعت الأمة على أن المراد بهذا اللفظ القريب والبعيد من كل نوع واللفظ صالح له لقوله تعالى يا بني آدم يا بني إسرائيل ملة أبيكم إبراهيم
    ثم قال وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم احترازا من زوجات أبناء التبني دون الرضاع ثم قال وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف وقال قبل ذلك ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف يريد في الجاهلية فإنه معفو عنه وحرم عليه السلام من الرضاع ما يحرم من النسب
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الأصول وثالثها وإن علا ذلك وهم أولاد الأعمام والعمات والأخوال والخالات فمباحات لقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك النوع الرابع أول فصل من كل أصل ويندرج فيه أولاد الأجداد والجدات وهم الأعمام والعمات والأخوال والخالات وأما ثاني فصل من أول الأصول وهم أولاد الأعمام والعمات والأخوال والخالات فمباحات كما علمت ودليل هذا الضابط قوله تعالى حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأجمعت الأمة على أن المراد بلفظ كل نوع من هذه الأنواع القريب والبعيد واللفظ صالح له لقوله تعالى يا بني آدم يا بني إسرائيل ملة أبيكم إبراهيم كما تقدم ثم قال فيما يحرم بالرضاع وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة قال ابن العربي في الأحكام ولم يذكر من المحرم بالرضاع في القرآن سواهما والأم أصل والأخت فرع فنبه بذلك على جميع الأصول والفروع وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة
    ا ه قال في بداية المجتهد يعني أن المرضعة تنزل منزلة الأم فتحرم على المرضع هي وكل من يحرم على الابن من قبل أم النسب
    ا ه وقال تعالى قبل ذلك فيما يحرم المصاهرة ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف يريد في الجاهلية فإنه معفو عنه ثم قال بعد ذلك وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم واحترز بقوله الذين من أصلابكم من زوجات أبناء التبني قال ابن العربي في أحكامه وابن التبني كان في صدر الإسلام إذ تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ثم نسخ الله تبارك وتعالى ذلك بقوله ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله وهذه هي الفائدة في قوله تعالى من
    ____________________
    (3/214)
    تنبيه قال اللخمي كل أم حرمت بالنسب حرمت أختها وكل أخت حرمت لا تحرم أختها إذا لم تكن خالة فقد يتزوج الرجل المرأة ولكل واحد منهما ولد فالولد منهما تحل له ابنة المرأة من غير أبيه وكل عمة حرمت قد لا تحرم أختها لأنها قد لا تكون أخت أبيه ولا أخت جده
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    أصلابكم ليسقط ولد التبني ويذهب اعتراض الجاهل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في نكاح زينب زوج زيد وقد كان يدعى له فنهج الله سبحانه ذلك ببيانه ا ه ولم يحترز به من زوجات ابن الرضاع لجريانه مجرى ابن النسب في جملة من الأحكام معظمها التحريم لقوله صلى الله عليه وسلم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ثم قال تعالى وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف وفي أحكام ابن العربي قال ابن عباس في قوله تعالى حرمت عليكم أمهاتكم إلى قوله تعالى وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما حرم الله تعالى في هذه الآية من النسب سبعا ومن الصهر سبعا وهذا صحيح وهو أصل المحرمات ووردت من جهة مبينة لجميعها بأخصر لفظ وأدل معنى فهمته الصحابة العرب وخبر به العلماء ونحن نفصل ذلك البيان فنقول أما الأصناف النسبية السبعة فالأم عبارة عن كل امرأة لها عليك ولادة ويرتفع نسبك إليها بالبنوة كانت على عمود الأب أو على عمود الأم وكذلك من فوقك والبنت عبارة عن كل امرأة لك عليها ولادة تنتسب إليك بواسطة أو بغير واسطة إذا كان مرجعها إليك والأخت عبارة عن كل امرأة شاركتك في أصليك أبيك وأمك ولا تحرم أخت الأخت إذا لم تكن لك أختا فقد يتزوج الرجل المرأة ولكل واحد منهما ولد ثم يقدر بينهما ولد قال سحنون هو أن يزوج الرجل ولده من غيرها بنتها من غيره وتصويرها أن يكون لرجل اسمه زيد زوجتان عمرة وخالدة وله من عمرة ولد اسمه عمر ومن خالدة بنت اسمها سعادة ولخالدة زوج اسمه بكر وله منها بنت اسمها حسناء فزوج زيد ولده عمر حسناء وهي أخت أخت عمرو فمن هنا قال اللخمي كل أم حرمت بالنسب حرمت أختها وكل أخت حرمت لا تحرم أختها إذا لم تكن خالة وكل عمة حرمت قد لا تحرم أختها لأنها قد لا تكون أخت أبيه ولا أخت جده
    ا ه والعمة عبارة عن كل امرأة شاركت أباك في ما علا من أصله والخالة هي كل امرأة شاركت أمك فيما عليت من أصليها أو من أحدهما على تقدير تعلق الأمومة كما تقدم ومن تفصيله تحريم عمة الأب وخالته لأن عمة الأب أخت الجد والجد أب وأخته عمة وخالة الأب أخت جدته لأمه والجدة أم وأختها خالة وكذلك عمة الأم أخت جدها لأبيها وجدها أب وأخته عمة وخالة الأم أخت جدتها والجدة أم وأختها خالة وتتركب عليه عمة العمة لأنها عمة الأب كذلك وخالة العمة خالة الأم كذلك وخالة الخالة خالة الأم كذلك وعمة الخالة عمة الأم كذلك وقد تضمن هذا كله قوله تعالى وعماتكم وخالاتكم بالحجر في التحريم ولم يتضمنه آية الفرائض بالاشتراك في الموارث لسعة الحجر في التحريم وضيق الاشتراك في الأموال فعرق التحريم يسري حيث اطرد وسبب الميراث يقف أين ورد ولا تحرم أخت العمة ولا أخت الخالة وصورة ذلك كما قررنا لك في الأخت وبنت الأخ وبنت الأخت عبارة عن كل امرأة لأخيك أو لأختك عليها ولادة
    ____________________
    (3/215)
    فائدة قول العلماء الآباء وإن علوا والأبناء وإن سفلوا مع أنه لو عكس لاستقام فإن الأبناء فروع والفرع شأنه أن يكون أعلى من أصله وفرع الفرع أعلى من الفرع في الشجرة والأصل أسفل وأصل الأصل أسفل من الأصل وهذا يناسب عكس ما قالوه
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    وترجع إليها بنسبة وأما الأصناف الصهرية السبعة فالأول والثاني أمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وهما محرمان بالقرآن وقد تقدم بعض الكلام عليهما هنا وإن أردت بسطه فعليك ببداية المجتهد وأحكام ابن العربي وغير ذلك والثالث أمهات نسائكم وقد تقدم الكلام عليها في الفرق الذي قبل هذا والرابع ربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن جمع ربيبة كفعيلة بمعنى مفعولة من ربها يربها إذا تولى أمرها وهي محرمة بإجماع الأمة كانت في حجر الرجل أو في حجر حاضنتها غير أمها فالاتي في حجوركم تأكيد للوصف وليس بشرط في الحكم وما رواه مالك بن أوس عن علي من أنها لا تحرم حتى تكون في حجره فباطل وكمال الكلام عليهما قد تقدم في الفرق قبل والخامس حلائل أبنائكم الذين من أصلابكم جمع حليلة كفعيلة بمعنى محلة والسادس أزواج آبائكم في قوله تعالى ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف فكما حرم الله على الآباء نكاح أزواج أبنائكم كذلك حرم على الأبناء نكاح أزواج آبائهم فكل فرج حل للابن حرم على الأب أبدا وبالعكس وقد تقدم بقية الكلام عليها في الفرق قبل السابع قوله تعالى وأن تجمعوا بين الأختين تعلق أبو حنيفة به في تحريم نكاح الأخت في عدة الأخت والخامسة في عدة الرابعة وقال إن هذا محرم بعموم القرآن لأنه إن لم يكن جمعا في حل فهو في حبس بحكم من أحكام الفرج وهو إذا تزوج أختها فقد حبس المتزوجة بحكم من أحكام النكاح وهو الحل والوطء وقد حبس أختها بحكم من أحكام النكاح وهو استبراء الرحم لحفظ النسب فحرم ذلك بالعموم وهي من مسائل الخلاف الطويلة وقد مهدنا الخلاف فيها هنالك والذي نجتزي به الآن أن الله سبحانه وتعالى نهاه أن يجمع وهذا ليس بجمع منه لأن النكاح اكتسبه والعدة إلزامية فالجامع بينهما هو الله سبحانه بحلمه وليس للعبد في هذا الجمع كسب يرجع النهي بالخطاب إليه وليس قوله تعالى هنا إلا ما قد سلف من مثل قوله إلا ما قد سلف في نكاح منكوحات الآباء لأن ذلك لم يكن قط بشرع وإنما كانت جاهلية جهلاء وفاحشة شائعة ونكاح الأختين كان شرعا لمن قبلنا فنسخه الله عز وجل فينا بقوله هنا إلا ما قد سلف
    ا ه كلام ابن العربي بتصرف وحذف وزيادة فائدة وجه قول العلماء الآباء وإن علوا والأبناء وإن سفلوا مع أنه لو عكس لاستقام فإن الأبناء فروع وشأن الفرع أن يكون أعلى من صلبه وفرع الفرع أعلى من الفرع في شجرة النسب والأصل أسفل وأصل الأصل أسفل من الأصل وهو الإشارة إلى أن مبدأ الإنسان من نطفة والنطفة تنزل من الأب والنازل من الشيء يكون أسفل منه وابن الابن ينزل من الابن فلفظ الأبناء وإن سفلوا ولفظ الآباء وإن علوا مجاز اصطلحوا عليهما إشارة لهذا المعنى من التخيل ولا مشاحة فلي الاصطلاح فافهم والله سبحانه وتعالى أعلم
    ____________________
    (3/216)
    فما مستند قولهم والجواب أن قولهم إشارة إلى أن مبدأ الإنسان من نطفة أبيه
    والنطفة تنزل من الأب والنازل من الشيء يكون أسفل منه وابن الابن من الابن ومقتضى هذا أن تقول الأبناء وإن سفلوا والآباء وإن علوا واللفظان مجازان إشارة لهذا المعنى من التخيل لما ذكره السائل وقد يلاحظ في اللفظ علاقة هي ضد علاقة أخرى ذلك لاختيار المتكلم المتجوز وهذه العبارة اصطلاح ولهم في اصطلاحهم ذلك
    الفرق السابع والأربعون بين قاعدة الحصانة لا تعود بالعدالة وقاعدة الفسوق يعود بالجناية اعلم أن الإنسان إذا حكم له بالفسوق ثم تاب وأناب ذهب القضاء عليه بالفسوق فإذا جنى بعد ذلك كبيرة عاد الفسوق له وإذا كان محصنا بعدم مباشر الزنى ثم زنى ذهب الإحصان الذي هو شرط في حد القذف فمن قذف من ليس بمحصن فلا حد عليه فإذا صار بعد الزنى عدلا لم تعد الحصانة بالعدالة وفي القاعدتين قد ورد الضد بعد الضد المنافي لحكمه ظاهرا قال أصحابنا إذا قذفه بعد أن صار عدلا لم يحد نقله صاحب الجواهر وصاحب
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الفرق السابع والأربعون والمائة بين قاعدة الحصانة لا تعود بالعدالة وقاعدة الفسوق تعود بالجناية وذلك أن عود الفسوق بعود الجناية إنما هو لأن الأمة مجمعة على أن سبب الفسوق هو ملابسة الكبيرة أو الإصرار على الصغيرة من حيث هو هذا المعنى من غير قيد ولا شرط معقول المعنى بحيث إن الإنسان إذا جنى بكبيرة أو بإصرار على صغيرة بعد أن زال القضاء عليه بالفسوق بتوبته وإنابته من ذلك وجب أن يعود القضاء عليه بالفسوق من غير استثناء صورة من صورة عملا بطرد العلة ووجود الموجب وأما المحصن بعدم مباشرة الزنى إذا زال إحصانه بمباشرته الزنى لم تعد حصانته بعدالته بعد مباشرته الزنى فلذا قال أصحابنا فإذا قذفه بعد إن صار عدلا لم يحد كما نقله صاحبا الجواهر والنوادر وجماعة من الأصحاب وفي الجواهر أيضا لو لاعن المرأة وأبانها ثم قذفها بتلك الزنية لم يحد ولم يلاعن لاستيفاء موجب اللعان قبل ذلك وقال ربيعة يحد وإن قذفها بزنية أخرى فإن كانت لم تلاعن وحدت لم يجب الحد لسقوط إحصانها الذي هو شرط في حد القذف بتلك الزنية بموجب لعانه وإن لاعنت وجب الحد أي للزوج القاذف فأولى بالحد الأجنبي إذا قذفها بها أي مطلقا لأن أثر لعان الزوج لا يتعدى لغيره ووقع في كتاب القذف إذا قذف من ثبت عليه الزنا وحسنت حاله بعد ذلك لا يحد لأن الحصانة لا تعود بالعدالة فمن ثبت فسقه بالزنا ذهبت حصانته وذلك إنما قالوه بناء على قاعدتين القاعدة الأولى أن الله تعالى إذا نصب سببا لحكمة فالصحيح عند العلماء أنه لا يجوز ترتب الحكم على تلك الحكمة لأن الله تعالى لم ينصبها سببا لذلك الحكم بل سبب وسببه وقد لا يصح سبب سببه سببا له لعدم المناسبة ألا ترى أن وجوب الزواج حكم سببه خوف الزنى والزواج سبب وجوب النفقة سبب
    ____________________
    (3/217)
    النوادر وجماعة من الأصحاب وفي الجواهر لو لاعن المرأة وأبانها ثم قذفها بتلك الزنية لم يحد ولم يلاعن لاستيفاء موجب اللعان قبل ذلك وقال ربيعة يحد وإن قذفها بزنية أخرى فإن كانت لم تلاعن وحدت لم يجب الحد لسقوط حصانتها بتلك الزينة بموجب لعانه
    وإن لاعنت وجب الحد وإن قذفها أجنبي فأولى بالحد لأن أثر لعان الزوج لا يتعدى لغيره ووقع في كتاب القذف إذ قذف من ثبت عليه الزنى وحسنت حالته بعد ذلك لا يحد لأن الحصانة لا تعود بالعدالة فمن ثبت فسقه بالزنى ذهبت حصانته وهذا مقام تزلزلت فيه الفكر واضطربت فيه العبر وكيف يصير المقذوف من أهل الولاية والعدالة وجانبه مهتضم وعرضه مطرح والزنية الثانية التي رماه بها أو رمى المرأة بها لم يقم عليها مصدق للرمي وأي فرق بين هذه الأذية ههنا وبين أذية من لم يتقدم له زنى وهما مؤلمان مؤذيان للمرمي أذية ظاهرها الكذب أما إذا رماها بالزنية الأولى لهو صادق فلا يلحق بمحل الإجماع في الحد لقصوره عنه بل التعزير لمطلق الأذية بل القياس الجلي أن العرض إذا صار مثلوما بمعاودة الجناية أن
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    وجوب الزواج الذي هو خوف الزنى لا يناسب أن يكون سببا لوجوب النفقة ونظائر ذلك كثيرة منها أن الله تعالى نصب السرقة سببا للقطع لحكمة حفظ المال ولم يترتب القطع على من أخذ مالا بغير السرقة نظرا لتلك الحكمة بل منع لعدم تحقق سببه الذي هو السرقة ومنها أن الله تعالى نصب الزنى سببا للرجم لحكمة حفظ الأنساب لئلا تلتبس ولم يترتب الرجم على من سعى في التباس الأنساب بغير الزنى بأن يجمع الصبيان ويغيبهم صغارا أو يأتي بهم كبارا فلا يعرفهم آباؤهم نظرا لحكمة حفظ الأنساب بل منعوا رجمه لعدم تحقق سببه الذي هو الزنى ومنها أن الله تعالى شرع الرضاع سببا للتحريم بسبب أن جزء المرضعة وهو اللبن صار جزء الرضيع باغتذائه به وصيرورته من أعضائه فأشبه ذلك منيها ولحمتها في النسب لأنهما جزء الجنين
    ولذلك قال عليه الصلاة والسلام الرضاع لحمة كلحمة النسب ولم يترتب ذلك التحريم على سبب سببه الذي هو صيرورة نحو دم المرأة أو قطعة من لحمها جزءا من أجزاء من شرب دمها أو أكل قطعة من لحمها إذ لم يقولوا بأنه يحرم عليها أو تحرم هي عليه بل قال مالك في المدونة لا تقع الحرمة باللبن إذا استهلك وعدم بحيث لا يسمي رضاعا ولبنا وتناوله الصبي إعراضا عن التعليل بالحكمة وقاله الشافعي أيضا وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنهم أجمعين اللبن المغلوب بالماء أو الدواء والمختلط بالطعام وإن كان اللبن غالبا لا يحرم لأن الطعام أصل واللبن تابع نعم قال مطرف من أصحابنا تقع الحرمة باللبن المستهلك بناء أنه على مقابل الصحيح أنه يجوز ترتيب الحكم على الحكمة ومنها أن الله تعالى شرع القذف سببا للجلد لحكمة حفظ الأعراض وصون القلوب عن الإذايات لكن اشترط فيه الإحصان ومن جملته عدم مباشرة الزنى فمن باشر فقد انتفى في حقه عدم مباشرة الزنى فإن النقيضين لا يصدقان والعدالة بعد ذلك لا تنافي كونه مباشرا فإن لاحظنا الحكمة بدون السبب حسن إعادة الحكم بحد قاذفه وإن اقتصرنا على خصوص السبب ولم نرتب الحكم على حكمته بدونه لم نقل بوجوب حد قاذفه ويؤكد ذلك أن الحدود يغلب عليها التعبد من جهة مقاديرها وإن كانت معقولة المعنى من جهة أصولها والتعبد لا يجوز
    ____________________
    (3/218)
    يصير معصوما بمعاودة العدالة والولاية والجواب وهو الفرق بين القاعدتين أن البحث ههنا يظهر بقاعدتين القاعدة الأولى أن الله تعالى إذا نصب سببا لحكمه اختلف العلماء هل يجوز ترتيب الحكم على تلك الحكمة حيث وجدت لأنها أصل في اعتبار ذلك السبب أو لا يجوز لأن الله تعالى لم ينصبها سببا لذلك الحكم بل سبب سببه وقد لا يصح سبب سبب الحكم سببا للحكم لعدم المناسبة ألا ترى أن خوف الزنى سبب وجوب الزواج والزواج سبب وجوب النفقة ولا يناسب أن يكون خوف الزنى سبب وجوب النفقة ونظائره كثيرة وهذا هو الصحيح عند العلماء كما نصب الله تعالى السرقة سببا للقطع لحكمة حفظ المال ومن أخذ مالا بغير السرقة لا يجوز قطعه ونصب الزنى سببا للرجم لحكمة حفظ الأنساب لئلا تلتبس فمن سعي في التباس الأنساب بغير الزنى بأن يجمع الصبيان ويغيبهم صغارا ويأتي بهم كبارا فلا يعرفهم آباؤهم لا يجوز رجمه لذلك وكذلك شرع الرضاع سببا للتحريم بسبب أن جزء المرضعة وهو اللبن صار جزء الرضيع باغتذائه به وصيرورته من أعضائه فأشبه ذلك منيها ولحمتها في النسب لأنهما جزء الجنين ولذلك قال عليه السلام الرضاع لحمة كلحمة النسب
    فإذا أخذنا نعلل بهذا الحكمة لزمنا أن من شرب دم امرأة أو أو أكل قطعة من لحمها يحرم عليها وتحرم عليه وليس كذلك ولأجل ملاحظة التعليل بالحكمة إذا استهلك اللبن وعدم ما يسمى رضاعا ولبنا وتناوله الصبي فمن علل بالحكمة أوقع به الحرمة قاله مطرف من أصحابنا وقال مالك في المدونة لا تقع به الحرمة إعراضا عن التعليل بالحكمة وقاله الشافعي وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنهم أجمعين اللبن المغلوب
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    التصرف فيه فمن هنا ظهر أنه لا يلزم من الاستواء في الآفة الاستواء في الحد بل يعزر إن آذاه بالقذف على قاعدة السب والشتم فلا تضيع المصلحة ولا تستباح الأعراض بل تنعصم بالتعزير وقد يزيد التعزير على الحد على أصل مالك رحمه الله تعالى فلا يستنكر إسقاط الحد في هذه الصورة
    وفي تبصرة ابن فرحون عن المازري في المعلم دليل ما ذهب إليه مالك من جواز زيادة العقوبات على الحد فعل سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه في ضرب الذي نقش خاتمه مائة ونقل ابن قيم الجوزية أنها ثلاثمائة في ثلاثة أيام وذكر القرافي أن صاحب القضية معن بن زياد زور كتابا على عمر ونقش خاتمه فجلده مائة فشفع فيه قوم فقال أذكرتموني الطعن وكنت ناسيا فجلده مائة أخرى ثم جلده بعد ذلك مائة أخرى ولم يخالفه أحد قال المازري فكان إجماعا وضرب عمر رضي الله تعالى عنه ضبيعا أكثر من الحد ا ه القاعدة الثانية أن ما ورد مطلقا يحمل على ما ورد مقيدا حيث كان القيد واحدا وإلا حمل ما ورد مقيدا على المطلق لئلا يحصل الترجيح بلا مرجح فنحو قوله تعالى والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة
    ____________________
    (3/219)
    بالماء والمختلط بالطعام وإن كان اللبن غالبا لا يحرم لأن الطعام أصل واللبن تابع والدواء كالماء عنده وههنا في باب القذف شرع سببا للجلد لحكمة حفظ الأعراض وصون القلوب عن الأذيات لكن اشترط فيه الإحصان ومن جملة عدم مباشرة الزنى فمن باشر فقد انتفى في حقه عدم المباشرة فإن النقيضين لا يصدقان والعدالة بعد ذلك لا ينافي كونه مباشرا فإن لاحظنا الحكمة دون السبب حسن إعادة الحد وإن اقتصرنا على خصوص السبب لا يجب الحد ويؤكد ذلك أن الحدود يغلب عليها التعبد من جهة مقاديرها وإن كانت معقولة المعنى من جهة أصولها والتعبد لا يجوز التصرف فيه فظهر أنه لا يلزم من الاستواء في الأذية الاستواء في الحد بل يعزر إن آذاه بالقذف على قاعدة السب والشتم فلا تضيع المصلحة ولا تستباح الأعراض وتنعصم بالتعزير وقد يزيد التعزير على الحد على أصل مالك رحمه الله فلا يستنكر إسقاط الحد في هذه الصورة القاعدة الثانية قاعدة حمل المطلق على المقيد وذلك أن الله تعالى قال والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة الآية وقال في الآية الأخرى إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة فالآية الأولى مطلقة وهذه مقيدة بوصف الغفلة فتحمل المطلقة على المقيدة على القاعدة في أصول الفقه والمباشر للزنى ليس بغافل عنه فلا يحد قاذفه لأنه لو حد لحصل معنى اللعن في الدنيا والآخرة وهو منفي بهذه الآية من جهة مفهومها الذي هو مفهوم الصفة لأن مفهومها أن من ليس بغافل لا يحد قاذفه ولا يلعن في الدنيا والآخرة وهو المطلوب وقد اتفقنا على أنه يلعن بالتعزير والعقوبة المؤلمة على حسب حال المقذوف فيبقى ما عداه على مقتضى الدليل أما عود الفسوق بعود الجناية فلأن الأمة مجمعة على أن سبب الفسوق هو ملابسة
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة الآية من حيث إنه ورد غير مقيد بوصف الغفلة بخلاف قوله تعالى في الآية الأخرى إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة فإنه قيد بوصف الغفلة فيحمل المطلق على المقيد على القاعدة في أصول الفقه والمباشر للزنا ليس بغافل عنه فلا يحد قاذفه لأنه لو حد لحصل معنى اللعن في الدنيا والآخرة وهو منفي بهذه الآية من جهة مفهومها الذي هو مفهوم الصفة لأن مفهومها أن من ليس بغافل لا يحد قاذفه ولا يلعن في الدنيا والآخرة وهو المطلوب وقد اتفقنا على أنه يلعن بالتعزير والعقوبة المؤلمة على حسب حال المقذوف فيبقى ما عداه على مقتضى الدليل ونحو قوله صلى الله عليه وسلم كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله إلخ مقيد وكذا قوله صلى الله عليه وسلم كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله إلخ فيحملان على المطلق وهو قوله صلى الله عليه وسلم كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بذكر الله إلخ على القاعدة في أصول الفقه من حمل المقيدين على المطلق الواحد لا العكس لئلا يلزم التحكم فافهم والله سبحانه وتعالى أعلم
    ____________________
    (3/220)
    الكبيرة أو الإصرار على الصغيرة من حيث هو هذا المعنى من غير قيد ولا شرط وهو معقول المعنى بحيث وجب القضاء بفسق ملابسه من غير استثناء صورة عن صورة عملا بطرد العلة ووجود الموجب فهذا هو الفرق بين القاعدتين
    الفرق الثامن والأربعون والمائة بين قاعدة ما يلحق فيه الولد بالوطء وبين قاعدة ما لا يلحق فيه اعلم أن العلماء قد أطلقوا القول بأن الولد لا يلحق بالوطء إلا لستة أشهر فصاعدا وهذا الكلام ليس على إطلاقه وإنما مرادهم إذا كان الولد قد ولد تاما فإنه لا يتم بعد الوطء إلا في هذه المدة أو أكثر منها أما أقل فلا وعلى هذا إذا لم تلده تاما نظرت نسبة تلك المدة لذلك التخلق إن كانت المدة تصلح له ألحقته بالوطء وإن كانت لا تصلح له لم يلحق فقد يلحق به لثلاثة أشهر إذا كانت ثلاثة أشهر تصلح لذلك التخلق وعلى هذا المنهاج يكون إلحاق الولد بنسبة المدة إلى صورة التخلق فقولهم حينئذ أن الولد لا يلحق دون ستة أشهر ليس على ظاهره بل مرادهم إذا كان كامل الخلق فإنه لا يكمل خلقه في أقل من هذه المدة وسببه ما ذكره ابن جميع وغيره في التحدث على الأجنة أن الجنين
    هامش أنوار البروق
    قال الفرق الثامن والأربعون والمائة بين قاعدة ما يلحق فيه الولد بالوطء وبين قاعدة ما لا يلحق فيه إلى قوله فإنه لا يكمل خلفه في أقل من هذه المدة قلت ما قاله في ذلك من أن كلام العلماء ليس على إطلاقه ليس عندي بصحيح بل كلامهم على إطلاقه في ذلك لأن ذلك هو مقتضى الآية في قوله تعالى وحمله وفصاله ثلاثون شهرا قال وسببه ما قاله ابن جميع وغيره في التحدث على الأجنة
    هامش إدرار الشروق
    الفرق الثامن والأربعون والمائة بين قاعدة ما يلحق فيه الولد بالواطئ وبين قاعدة ما لا يلحق به في أحكام القرآن لابن العربي قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أقل الحمل ستة أشهر لأن الله تعالى قال وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ثم قال تعالى والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة فإذا أسقطت حولين من ثلاثين شهرا بقيت منه ستة أشهر وهي مدة الحمل وهذا من بديع الاستنباط ا ه
    فمن هنا أطلق العلماء القول بأن الولد لا يلحق بالواطئ إلا لستة أشهر فصاعدا وقال ابن الشاط وكلامهم هذا على إطلاقه كما هو مقتضى الآية في قوله تعالى وحمله وفصاله ثلاثون شهرا قال ولا اعتبار عندي بما حكاه الشهاب عن الأطباء حيث قال ذكر ابن جميع وغيره من الأطباء في التحدث على الأجنة أن الجنين يتحرك لمثل ما يخلق فيه ويوضع لمثلي ما تحرك فيه قالوا وتخلقه في العادة تارة يكون لشهر وتارة يكون لشهر وخمسة أيام وتارة يكون لشهر
    ____________________
    (3/221)
    يتحرك لمثل ما يخلق فيه وبوضع لمثلي ما تحرك فيه قالوا وتخلقه في العادة تارة يكون لشهر وتارة يكون لشهر وخمسة أيام وتارة يكون لشهر ونصف فإذا تخلق في شهر بمعنى تصورت أعضاؤه تحرك في مثل ذلك فيتحرك في شهرين ويوضع لمثلي ما تحرك فيه ومثلا الشهرين أربع أشهر وأربعة مع شهرين ستة فيوضع لستة أشهر وإن تخلق لشهر وخمسة أم تحرك في مثل ذلك وهو شهران وعشرة أيام مثلا ذلك أربعة أشهر وعشرون يوما فإذا أضيف ذلك لمدة التحرك كان سبعة أشهر فيوضع الولد لسبعة أشهر وإن تخلق لشهر ونصف تحرك في ثلاثة أشهر ووضع لتسعة أشهر على التقدير المتقدم فلذلك لا يحصل الوضع الطبيعي إلا لستة أشهر أو سبعة أو تسعة قالوا ولهذا السبب يعيش الولد الذي يوضع لسبعة ولا يعيش الذي يوضع لثمانية
    وإن كان أقرب للقوة ولمدة التسعة بسبب أن الذي يوضع لسبعة وضع من غير آفة سليما على قاعدة الولادة والذي وضع لثمانية يكون به آفة من مرض أو غيره قد عجله عن التسعة آفة أو أخرته
    هامش أنوار البروق
    قلت ما قاله هنا حكاية أقوال وتقرير كلام الأطباء في تصرف أحوال فأما حكاية الأقوال فلا كلام فيه وأما ما حكاه عن الأطباء فلا اعتبار به عندي على تقدير أن يكون صحيحا لمخالفته لمقتضى الآية ولا تضر مخالفة الشرع لمقتضى الحسن والله أعلم قال تنبيه فعلى هذا يكون قوله عليه الصلاة والسلام يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يوما أو أربعين صباحا نطفة ثم أربعين علقة ثم أربعين مضغة ثم ينفخ فيه الروح إشارة إلى الأطوار الثلاثة تقريبا إلى قوله والحس مؤول لأجله ظاهر الحديث
    هامش إدرار الشروق
    ونصف فإذا تخلق في شهر بمعنى تصورت أعضاؤه تحرك في مثل ذلك فيتحرك في شهرين ويوضع لمثلي ما تحرك فيه ومثلا الشهرين أربعة أشهر وأربعة مع شهرين ستة فيوضع لستة أشهر وإن تخلق لشهر وخمسة أيام تحرك في مثلي ذلك وهو شهران وعشرة أيام ومثلا ذلك أربعة أشهر وعشرون يوما فإذا أضيف ذلك لمدة التحرك كان سبعة أشهر فيوضع الولد لسبعة أشهر وإن تخلق لشهر ونصف تحرك في ثلاثة أشهر ويوضع لتسعة أشهر على التقدير المتقدم فلذلك لا يحصل الوضع الطبيعي إلا لستة أشهر أو سبعة أو تسعة قالوا ولهذا السبب يعيش الولد الذي يوضع لسبعة ولا يعيش الذي يوضع لثمانية
    وإن كان أقرب للقوة ولمدة التسعة وذلك أن الذي يوضع لسبعة وضع من غير آفة سليما على قاعدة الولادة والذي يوضع لثمانية يكون به آفة من مرض أو غيره قد عجلته تلك الآفة عن التسعة أو أخرته عن السبعة والذي به آفة لا يعيش فالمولود لثمانية لا يعيش هذا هو المنهج العام والعادة الغالبة قالوا وقد يحصل عارض إما من جهة المني في مزاجه وبرده ويبسه وإما من جهة الرحم في برده أو هيئة فيه تمنع من جريان هذه القاعدة فيقعد الولد إلى اثني عشر شهرا وقال الفقهاء والمؤرخون هذه الأسباب العارضة قد تؤخر الولد إلى سنتين فأكثر وهو قول الحنفية أو إلى أربع سنين وهو مشهور قول الشافعية أو إلى خمس سنين وهو مشهور المالكية ووقع في مذهب الشافعي ومالك رضي الله عنهما إلى سبعة قال صاحب الاستقصاء
    ____________________
    (3/222)
    عن السبعة آفة والذي به آفة لا يعيش فالمولود لثمانية لا يعيش فهذا هو السر في ذلك وهذا هو المهيع العام والعادة الغالبة قالوا وقد يحصل عارض من جهة المني في مزاجه وبرده أو يبسه أو من الرحم في برده أو هيئة فيه تمنع من جريان هذه القاعدة فيقعد الولد إلى اثنا عشر شهرا وقال الفقهاء والمتأخرون هذه الأسباب العارضة قد تؤخر الولد إلى سنتين فأكثر وهو قول الحنفية أو إلى أربع سنين وهو مشهور قول الشافعية أو إلى خمس سنين وهو مشهور المالكية
    ووقع في مذهب الشافعي ومالك رضي الله عنهما إلى سبعة قال صاحب الاستقصاء ولدت امرأة بواسط لسبع سنين ولدا له وفرة من الشعر فجاء عند الولادة بجنبه طائر فقال له كش
    وقال مالك إن امرأة العجلاني دائما لا تضع إلا
    هامش أنوار البروق
    قلت لا حاجة إلى تأويل الحديث فإن ما ذكره الأطباء من ذلك لا تتحقق صحته والأصح إبطال ما ذكر لمخالفته الحديث قال فإن قلت هم قوم كفار لا عبرة بقولهم في الشرائع والأحكام فلا ينبغي على أقوالهم لحوق الولد وعدم لحوقه قلت السؤال وارد وقول السائل عندي صحيح قال قلت قد اعتبرنا قول الكفار في الأمور الغائبة عنا من الطبيات إلى آخر ما قاله في هذا الفرق قلت ما ذكره من قبول قول الكفار في الموطن التي ذكرها صحيح ولكن ليس ذلك من باب
    هامش إدرار الشروق
    ولدت امرأة بواسط لسبع سنين ولدا له وفرة من الشعر فجاء عند الولادة بجنبه طائر فقال له كش وقال مالك إن امرأة العجلاني دائما لا تضع إلا لخمس سنين وهذا من العوارض النادرة الغريبة في هذه المحال والغالب هو الأول
    ا ه كلام الشهاب ووجه عدم اعتبار ما حكاه عن الأطباء هو أنه على تقدير أن يكون صحيحا على مقتضى الحس مخالف لمقتضى الآية ومقتضى الشرع مقدم ولا تضر مخالفته لمقتضى الحس على أن الأصح إبطال ما ذكره الأطباء من ذلك لمخالفته لقوله عليه الصلاة والسلام يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يوما أو أربعين صباحا نطفة ثم أربعين علقة ثم أربعين مضغة ثم ينفخ فيه الروح فإن ظاهره أن الحركة في جميع الأجنة لأربعة أشهر والوضع لاثني عشر شهرا وهو يقتضي تكذيبهم فيما قالوه ولا حاجة إلى تأويله بأن يقال إنه إشارة إلى الأطوار الثلاثة تقريبا فإن الأربعين تقرب من الثلاثين والخمسة والثلاثين والخمسة والأربعين وهي بين هذه الأطوار متوسطة تكاد تشتمل على الجميع بتوسطها ودعوى أن كون الحركة في أربعة أشهر والوضع في اثني عشر شهرا وإن كان صورة واقعة صحيحة غير أنها نادرة
    وحمل اللفظ على النادر خلاف الظاهر فيحمل على الغالب نظرا لأن المباشر لصور التخليق والتحرك والوضع المتقدم تقديره مشرحون كانوا يشرحون الحبالى ويشقون أجوافهم فيمن وجب عليه القتل ويطلعون على ذلك حسا وعيانا والحس يؤول لأجله ظاهر الحديث على أنه يمكن أن يقال إن قوله عليه السلام يجمع خلق أحدكم صيغة مطلقة لا عموم فيها فيتأدى بصورة وقد وقعت في
    ____________________
    (3/223)
    لخمس سنين وهذا من العوارض النادرة الغريبة في هذه الحال والغالب هو الأول فقد ظهر السر والفرق بين ما يلحق الولد فيه وبين ما لا يلحق فيه تنبيه فعلى هذا يكون قوله عليه السلام يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يوما أو أربعين صباحا نطفة ثم أربعين علقة ثم أربعين مضغة ثم ينفخ فيه الروح إشارة إلى الأطوار الثلاثة تقريبا فإن الأربعين تقرب من الثلاثين والخمسة والثلاثين والخمسة والأربعين وهي بين هذه الأطوار متوسطة تكاد تشتمل على الجميع بتوسطها فهذا هو معنى الحديث إلا أنه على ظاهره في جميع الأجنة ولو كان على ظاهره لكانت الحركة في أربعة أشهر ويكون الوضع في اثني عشر شهرا وهي صورة واقعة صحيحة غير أنها نادرة فلك أن تقول إن قوله عليه السلام يجمع خلق أحدكم صيغة مطلقة لا عموم فيها فيتأدى بصورة وقد وقعت في صور كثيرة وحصل الوضع في اثني عشر شهرا فحصل مقتضى الحديث وصدق الخبر فلا حاجة إلى العدول به عن ظاهره ولك أن تقول إن حمل اللفظ على
    هامش أنوار البروق
    الشهادة بل من باب الخبر وليس ذلك على الإطلاق بل في مواطن إلجاء الضرورة إلى قبول أقوالهم وليس ما نحن فيه من أمر لحوق الولد من تلك المواطن لأن الآية يقتضي ظاهرها تعيين المدة التي يلحق فيها الولد وهي ستة أشهر والحديث يقتضي ظاهره تكذيبهم فيما قالوه والله أعلم وما قاله في الفرق بعده صحيح
    هامش إدرار الشروق
    صور كثيرة وحصل الوضع في اثني عشر شهرا فحصل مقتضى الحديث وصدق الخبر فلا حاجة إلى العدول به عن ظاهره دعوى غير مسموعة فإن المشرحين المذكورين قوم كفار لا عبرة بقولهم في الشرائع والأحكام فلا ينبني على قولهم لحوق الولد وعدم لحوقه حتى يقال إن كان الولد قد ولد تاما فلا يتم بعد الوطء إلا في ستة أشهر فأكثر منها أما أقل فلا وإذا لم تلده تاما نظرت نسبة تلك المدة لذلك التخلق فإن كانت المدة تصلح له ألحقته بالواطئ
    وإن كانت لا تصلح له لم يلحق فقد يلحق به لثلاثة أشهر مثلا إذا كانت ثلاثة أشهر تصلح لذلك التخلق وقبول قول الكافر في المواطن التي تقدم ذكرها في في الفرق الأول من الأمور الغائبة من الطبيات والجراحات وكل ما هو علمهم ودرايتهم وإن كان صحيحا على أنه من باب الخبر لا الشهادة إلا أنه ليس على إطلاقه بل في مواطن إلجاء الضرورة إلى قبول قولهم وليس ما نحن فيه من أمر لحوق الولد من تلك المواطن لأن الآية يقتضي ظاهرها تعيين المدة التي يلحق فيها الولد وهي ستة أشهر والحديث يقتضي ظاهره تكذيبهم فيما قالوه كما علمت
    ا ه كلام ابن الشاط بتوضيح وبالجملة فالعلامة ابن الشاط اعتبر ظاهر الآية وظاهر الحديث وبنى على ذلك أن الولد لا يلحق الواطئ لأقل من ستة أشهر فصاعدا ولم يعتبر ما ذكره الأطباء لأمرين أحدهما أن مقتضى الحس على تقدير صحته لا يقدم على مقتضى ظاهر الشرع إذ لا تضر مخالفة الشرع لمقتضى الحس الثاني أن ما نحن فيه من أمر لحوق الولد ليس من مواطن إلجاء الضرورة إلى قبول أقوال الكفار حتى يقبل فيه قول المشرحين من الأطباء الكفار والعلامة الشهاب اعتبر ما ذكره الأطباء نظرا لكونهم وإن كانوا كفارا قد شرحوا من وجب عليه القتل من الحبالى وشقوا أجوافهم واطلعوا على ذلك حسا وعيانا وقول الفقهاء لا يقبل قول الكفار ولا شهادتهم إنما هو في الشهادة في استحقاق الأموال والدماء
    ____________________
    (3/224)
    النادر خلاف الظاهر فيحمل على الغالب ويكون ذلك إشارة إلى التوسط بين الأطوار كما تقدم وحملنا على ذلك أن المباشر لصور التخليق والتحرك والوضع المتقدم تقديره مشرحون كانوا يشرحون الحبالى ويشقون أجوافهم فيمن وجب عليه القتل ويطلعون على ذلك حسا وعيانا والحس يؤول لأجله ظاهر الحديث
    فإن قلت هم قوم كفار لا عبرة بقولهم في الشرائع والأحكام فلا يبنى على قولهم لحوق الولد وعدم لحوقه
    قلت قد اعتبرنا قول الكفار في الأمور الغائبة من الطبيات فلو شهدوا بعدم العيب قبلنا شهادتهم وقضينا بالرد على البائع حتى قال جماعة من العلماء يقبل في ذلك قول واحد بانفراده ولو شهدوا بأن المرض مخوف قضينا برد التصرفات والتبرعات وورثنا المطلقة الثلاث في ذلك المرض إذا مات المطلق فيه ولو شهدوا بأن هذا الدواء في هذا الوقت لا يصلح بهذا المرض وإن دافعه له مخطئ ضمناه بشهادتهم ولو شهدوا بغير ذلك مما يتوقف على الطبيات والجراحات والأمور التي هي علمهم ودرايتهم قبلناه فكذلك ههنا فقول الفقهاء لا يقبل قول الكافر ولا شهادته ليس على إطلاقه بل ذلك في الشهادة في استحقاق الأموال والدماء ونحو ذلك من قضايا الحكام أما في هذا الباب فلا وقد قال مالك يقبل قول الكافر في الذبيحة ويترتب على ذلك حكم شرعي وهو جواز التناول ونصوا أيضا على ذلك في قبول الهدية إذا جاءوا بها وأخبروا أن فلانا بعث بها معهم ويباح أكلها بذلك فظهر الفرق بين أقوال الكفارة في مواطنها
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    ونحو ذلك من قضايا الحكام أما ما يتوقف على الطبيات والجراحات والأمور التي هي علمهم ودرايتهم فقد لمالك وأصحابه قول على قول الكافر في ذلك ويثرب عليه الحكم الشرعي كما مر في الفرق الأول وبنى عليه أن الولد يلحق الواطئ لأقل من ستة أشهر حيث لم تلده تاما في مدة تصلح للتخلق الذي ولد عليه وأن ظاهر الآية محمول على صورة من الصور الغالبة التي ذكرها الأطباء وأما ظاهر الحديث فإما محمول على صورة من الصور غير الغالبة وإن كانت نادرة ليحصل مقتضاه وتصدق صيغة إطلاقه بصورة ما بلا احتياج إلى العدول به عن ظاهره وإما أن يكون إشارة إلى التوسط بين الأطوار كما تقدم فيكون محمولا على الغائب لا على النادر لأنه خلاف الظاهر ونظر في ذلك إلى أن الحس يؤول لأجله ظاهر الحديث فافهم والله سبحانه وتعالى أعلم
    ____________________
    (3/225)
    الفرق التاسع والأربعون بين قاعدة قيافته عليه السلام وبين قاعدة قيافة المدلجيين اعلم أن مالكا والشافعي رضي الله عنهما قالا بالقافة في لحوق الأنساب وخصصه مالك في مشهور مذهبه بالإماء دون الحرائر
    وقال أبو حنيفة رضي الله عنه لا يجوز الاعتماد على القافة أصلا في صورة من الصور لأنه حزر وتخمين فلا يجوز كالاعتماد على النجوم وعلى علم الرمل والفأل والزجر وغير ذلك من أنواع الحزر والتخمين فإن الاستدلال بالخلق على الأنساب من باب الحزر البعيد ومع طول الأيام يولد للشخص من لا يشبههما في خلق ولا في خلق وقد قال عليه السلام للذي أنكر ولده من لونه لعله عرق نزع بعد أن قال له هل لك من إبل قال نعم قال فما ألوانها قال بيض قال هل فيها من أورق قال نعم قال فمن أين ذلك الأورق قال لعله عرق نزع قال له عليه السلام لعله عرق نزع يشير إلى أن صفات الأجداد وأجداد الأجداد والجدات قد تظهر في الأبناء فيأتي الولد يشبه غير أبويه وقد يأتي يشبه أبويه وليس منهم لأن الواطئ الزاني بأمه كان يشبه أباه أو جدا من أجداده أو خالا من أخواله يشبه أباه الذي ألحقته به القافة وليس باب له في نفس الأمر وإذا لم
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الفرق التاسع والأربعون والمائة بين قاعدة قيافته عليه السلام وبين قاعدة قيافة المدلجين وذلك أنه جاء في البخاري وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث اللعان المشهور لما لاعن بين عويمر العجلاني وامرأته وكانت حاملا إن جاءت به أحمر قصيرا كأنه وحرة فلا أراها إلا قد صدقت وكذب عليها وإن جاءت به أسود أعين ذا أليتين فلا أراه إلا قد صدق عليها فجاءت به على المكروه من ذلك وفي بعض الروايات في البخاري كان ذلك الرجل مصفرا قليل اللحم سبط الشعر وكان الذي ادعى عليه أنه وجده عند أهله خدلا آدم كثير اللحم جعدا قططا فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم بين فجاءت به شبيها بالرجل الذي ذكر زوجها أنه وجده عندها والوحرة بالحاء المهملة دويبة حمراء تلصق بالأرض
    والأعين الواسع العينين والآدم الشديد الأدمة وهي سمرة بحمرة
    والخدل الكثير اللحم في الساقين يقال رجل خدل وامرأة خدلاء
    والقطط الشديد الجعودة كشعور السودان فهذا الحديث كالحديث الذي جاء في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة رضي الله عنها لما قالت أو تجد المرأة ما يجد الرجل يعني من إنزال المني واللذة الموجبة للغسل فقال لها عليه السلام تربت يداك ومن أين يكون الشبه يقتضي أن مني المرأة ومني الرجل يحدث شبها في الولد بالأبوين فيأتي في الخلقة والأعضاء والمحاسن ما يدل على الأنساب فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى على خلقة مخصوصة أنها توجب أنه من واطئ مخصوص وأنه يوجب النسب إن جاءت به يشبه صاحب الفراش وجاء في مسلم أن عائشة رضي الله عنها قالت دخل علي
    ____________________
    (3/226)
    يطرد ولم ينعكس لم يجز الاعتماد عليه لأنه من باب الحزر والتخمين البعيد واحتج مالك والشافعي رضي الله عنهما بما في مسلم قالت عائشة رضي الله عنها دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم مسرورا فقال يا عائشة ألم تري أن مجززا المدلجي دخل علي فرأى أسامة وزيدا وعليهما قطيفة قد غطيا رؤسهما وبدت أقدامهما فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض فقال أبو داود كان أسامة شديد السواد وأبوه شديد البياض فطعنت الجاهلية على زيد بذلك فسر عليه السلام لعلمه بترك الطعن عند ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسر إلا بسبب حق فتكون القيافة حقا وهو المطلوب
    أجاب الحنفية عن هذا الحديث بوجهين الأول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتعين أن يكون سر لكون القيافة حقا بل جاز أن يسر لقيام الحجة على الجاهلية بما كانوا يعتقدونه وإن كان باطلا والحجة قد تقوم على الخصم بما يعتقده وإن كان باطلا وقد يؤيد الله الحق بالرجل الفاجر وبما شاء فإخمال الباطل ودحضه يوجب السرور بأي طريق كان الثاني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سر بوجوده آية الرجم في التوراة وهو لا يعتقد صحتها بل لقيام الحجة على الكفار وظهور كذبهم وافترائهم فلم لا يكون هنا كذلك
    أجاب الفقهاء
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم مسرورا فقال يا عائشة ألم تري أن مجززا المدلجي دخل علي فرأى أسامة وزيدا وعليهما قطيفة قد غطيا رءوسهما وبدت أقدامهما فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض وسبب سروره صلى الله عليه وسلم كما قال أبو داود وهو علمه بذلك صلى الله عليه وسلم بترك الجاهلية عند ذلك الطعن على زيد بسبب أنه كان شديد البياض وابنه أسامة كان شديد السواد ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسر إلا بسبب حق فتكون القيافة حقا فالقافة كما تثبت بحديث مجزز المدلجي كذلك تثبت بحديث اللعان وحديث عائشة بل ثبوتها بهذين الحديثين كما قال بعض الفضلاء أولى ضرورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذين الحديثين قد صرح بالقيافة وصدرت عنه صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا وفي حديث المدلجي إنما صدر منه صلى الله عليه وسلم الإقرار على ما قاله المدلجي وأين إقرار النبي صلى الله عليه وسلم على قول رجل من آحاد الناس معرض للصواب والخطأ مما فعله هو بنفسه وتكرر منه صلى الله عليه وسلم وهو معصوم من الخطأ ومع هذا فمالك والشافعي رضي الله عنهما لما قالا بالقافة في لحوق الأنساب وخصصه مالك في مشهور مذهبه بالإماء دون الحرائر مخالفين لقول أبي حنيفة رضي الله عنه لا يجوز الاعتماد على القافة أصلا في صورة من الصور لأنه حزر وتخمين والحزر والتخمين كالاعتماد على النجوم وعلى علم الرمل والفأل والزجر وغير ذلك من أنواع الحزر والتخمين لا يجوز والكبرى لا شك في ظهورها
    ودليل الصغرى أن الاستدلال بالخلق على الأنساب استدلال بما لم يطرد ولم ينعكس إذ مع طول الأيام قد يولد للشخصين من لا يشبههما في خلق ولا في خلق ألا ترى إلى قوله عليه السلام للذي أنكر ولده من لونه لعله عرق نزع بعد أن قال له هل لك من إبل قال نعم قال فما ألوانها قال بيض قال هل فيها من
    ____________________
    (3/227)
    عن الأول بما جاء في البخاري وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث اللعان المشهور لما لاعن بين عويمر العجلاني وامرأته وكانت حاملا إن جاءت به أحمر قصيرا كأنه وحرة فلا أراها إلا قد صدقت وكذب عليها وإن جاءت به أسود أعين ذا أليتين فلا أراه إلا قد صدق عليها فجاءت به على المكروه من ذلك وفي بعض الروايات في البخاري كان ذلك الرجل مصفرا قليل اللحم سبط الشعر
    وكان الذي ادعى عليه أنه وجده عند أهله خدلا آدم كثير اللحم جعدا قططا فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم بين فجاءت شبيها بالرجل الذي ذكر زوجها أنه وجده عندها فائدة الوحرة بالحاء المهملة دويبة حمراء تلصق بالأرض والأعين الواسع العينين والآدم الشديد الأدمة وهي سمرة بحمرة والخدل الكثير اللحم في الساقين يقال رجل خدل وامرأة خدلاء والقطط الشديد الجعودة كشور السودان وبما جاء في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة رضي الله عنها لما قالت أو تجد المرأة ما يجد الرجل يعني من إنزال المني واللذة الموجبة للغسل فقال لها عليه السلام تربت يداك ومن أين يكون الشبه فدل هذا الحديث على أن مني المرأة ومني الرجل يحدث شبها في
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    أورق قال نعم قال فمن أين ذلك الأورق قال لعله عرق نزع قال له عليه السلام لعله عرق نزع يشير إلى أن صفات الأجداد وأجداد الأجداد والجدات قد تظهر في الأبناء فيأتي الولد يشبه غير أبويه وقد يأتي الولد يشبه أبويه وليس هو منهما لأن الواطئ الزاني بأمه كان يشبه أباه وجدا من أجداده أو خالا من أخواله يشبه أباه الذي ألحقته القافة به وليس هو بأب له في نفس الأمر والاستدلال بما لم يطرد ولم ينعكس من باب الحزر والتخمين البعيد فلا يجوز الاعتماد عليه لم يحتجا على أبي حنيفة في ثبوت القافة بحديث اللعان وحديث عائشة بل إنما احتجا بحديث مجزز المدلجي فعدلا عن مدرك في غاية القوة والشهرة إلى ما هو أضعف بكثير بل لم يعرج أحد من الفقهاء القائلين بصحة القيافة على الاستدلال بالقوي ألبتة وما ذلك إلا لموجب حسن هو سر الفرق بين القاعدتين المذكورتين وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه الله تعالى من وفور العقل وصفاء الذهن وجودة الفراسة أمرا عظيما بينه وبين غيره من أمته في ذلك فرق لا يدانى ولا يقارب وكذلك في حواسه وقوى جسده وجميع أحواله فكان يرى من وراء ظهره ويرى في الثريا أحد عشر كوكبا ونحن لا نرى فيها إلا ستة فلو استدل الفقهاء على أبي حنيفة بقيافته عليه السلام لم تقم الحجة على أبي حنيفة إذ كان له أن يقول إذا صحت القيافة من تلك الفراسة النبوية القوية المعصومة عن الخطأ فمن أين لكم أن فراسة الخلق الضعيفة تدرك من الخلق ما يستدل به على الأنساب ولعلها عمياء عن ذلك بالكلية لقصورها ولم يبق فيها إلا حزر وتخمين باطل كما أنا عمينا في بقية كواكب الثريا لا ندركها ألبتة لضعفنا والبصر ==
    ج6. الفروق أو أنوار البروق في أنواء الفروق (مع الهوامش )
    أبو العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي
    سنة الولادة بلا/ سنة الوفاة 684هـ
    الولد بالأبوين فيأتي في الخلقة والأعضاء والمحاسن ما يدل على الأنساب وحديث اللعان أيضا يقتضي ذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى على خلقة مخصوصة أنها توجب أنه من واطئ مخصوص وأنه يوجب النسب إن جاءت به يشبه صاحب الفراش وإذا استدل عليه السلام بالخلق التي لم توجد على الأنساب فالأولى ثبوت الدليل بالخلق المشاهد فإن الحس أقوى من القياس وإذا ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أثبت هذا من قبل نفسه في صورة ليس فيها غرض للمشركين دل ذلك على أن هذه القاعدة حق في نفسها وأن سروره عليه السلام لم يكن إلا بحق لا لأجل إقامة الحجة على المشركين
    وعن الثاني أن رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهوديين إنما كان بوحي وصل إليه صلى الله عليه وسلم لعدم صحة التوراة في آية الرجم وتجويز أنها من المحرفات ولا يلزم من إخبار عبد الله بن سلام أن في التوراة آية الرجم أن يكون ذلك صحيحا لأن عبد الله بن سلام إنما أخبر بأنه رآها مكتوبة في نسخ التوراة ولم يخبر أنها مروية عنده بالطريق الصحيح إلى موسى بن عمران عليه السلام ولا يلزم من أن يكون في النسخ شيء مكتوبا أن يكون صحيحا فإن الإنسان منا يقطع بأنه وجد في كتب التواريخ حكايات وأمورا كثيرة ولا يقضي بصحتها فكذلك هنا وإذا كان عليه السلام حكم بالوحي فلا يكون ذلك حجة علينا ههنا فإن هذه الصورة ليس فيها ما يدل على الوحي بل ظاهر الأمر خلافه فظهر بهذه الأحاديث أن هذا مدرك صحيح يعتمد عليه وليس من باب الحزر
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    وكيف يتأتى لكم ما تقصدونه بهذا الاستدلال من ثبوت حكم القيافة إلى يوم القيامة
    وإذا قال أبو حنيفة ذلك تعذر جوابه وبطل الاستدلال عليه ألبتة أما إذا استدل الفقهاء عليه بقضية مجزز المدلجي فقد استدلوا بشيء يمكن وجوده إلى يوم القيامة فإن الأمة يمكن فيها ذلك لا سيما في هذه القبيلة فكان الاستدلال بذلك على ثبوت الحكم في القيافة إلى يوم القيامة استدلالا صحيحا بخلاف الأول لتعذر مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومثل فراسته القوية نعم بحث الحنفية في الاستدلال بحديث مجزز المدلجي بوجهين الأول أنه يجوز أن يكون سروره صلى الله عليه وسلم لقيام الحجة على الجاهلية بما كانوا يعتقدونه وإن كان باطلا وقد يؤيد الله الحق بالرجل الفاجر وبما شاء فإخمال الباطل ودحضه يوجب السرور بأي طريق كان الثاني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سر بوجود آية الرجم في التوراة وهو يعتقد صحتها بل لقيام الحجة على الكفار وظهور كذبهم وافترائهم فلم لا يكون سروره صلى الله عليه وسلم بقضية مجزز المدلجي كذلك وأجاب الفقهاء عن الأول بحديث اللعان وحديث عائشة رضي الله تعالى عنها لدلالتها على أنه صلى الله عليه وسلم قد استدل الخلق التي لم توجد على الأنساب فيكون ثبوت الاستدلال بالخلق المشاهد أولى ضرورة أن الحس أقوى من القياس وإذا ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أثبت هذا من قبل نفسه في صورة ليس فيها غرض للمشركين دل ذلك على أن القاعدة حق في نفسها وأن سروره عليه السلام لم يكن إلا بحق لا لأجل إقامة الحجة على المشركين وعن الثاني بأن رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهوديين بين إنما كان بوحي وصل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدم صحة
    ____________________
    (3/229)
    الباطل كما قاله أبو حنيفة سؤال قال بعض الفضلاء العجب من مالك والشافعي رضي الله عنهما كونهما لم يستدلا على أبي حنيفة في ثبوت القيافة إلا بحديث مجزز المدلجي وهو رجل من آحاد الناس معرض للصواب والخطأ ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد صرح بالقيافة في هذه الأحاديث المتقدمة فكان الاعتماد على ما صدر عنه عليه السلام قولا وفعلا وهو معصوم من الخطأ أولى مما أقر عليه فإن حديث المدلجي إنما وجه الاستدلال منه بطريق الإقرار على ما قاله وأين إقرار النبي صلى الله عليه وسلم مما فعله هو بنفسه صلى الله عليه وسلم وتكرر منه مع أنه لم يوجد لأحد من الفقهاء استدلال بشيء من هذه الأحاديث على صحة القيافة وهذا عجب عظيم في عدولهم عن مدرك في غاية القوة والشهرة إلى ما هو أضعف منه بكثير ولم يعرج أحد منهم على القوي ألبتة جوابه أن لذلك موجبا حسنا وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه الله تعالى من وفور العقل وصفاء الذهن وجودة الفراسة أمرا عظيما بينه وبين غيره من أمته في ذلك فرق لا يدانى ولا يقارب وكذلك في حواسه وقوى جسده وجميع أحواله فكان يرى من وراء ظهره ويرى في الثريا أحد عشر كوكبا ونحن لا نرى فيها إلا ستة فلو استدل الفقهاء على أبي حنيفة بقيافته عليه السلام لم تقم الحجة على أبي حنيفة إذ كان له أن يقول إذا صحت القيافة من تلك الفراسة
    النبوية القوية المعصومة عن الخطأ فمن أين لكم أن فراسة الخلق الضعيفة تدرك من الخلق ما يستدل به على الأنساب ولعلها عمياء عن ذلك بالكلية لقصورها ولم يبق فيها إلا حزر وتخمين باطل كما أنا عمينا في بقية كواكب الثريا لا ندركها ألبتة لضعفنا والبصر كالبصر وأنتم تقصدون بهذا الاستدلال ثبوت حكم القيافة إلى يوم القيامة فلا يتأتى لكم ذلك وإذا قال أبو حنيفة ذلك تعذر جوابه وبطل الاستدلال عليه ألبتة أما إذا استدل الفقهاء عليه بقضية مجزز المدلجي فقد استولوا بشيء يمكن وجوده إلى يوم القيامة فإن الأمة يمكن فيها ذلك لا سيما في هذه القبيلة فكان الاستدلال بذلك على ثبوت الحكم في القيافة إلى يوم القيامة استلالا صحيحا بخلاف الأول لتعذر وجود مثل
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    التوراة في آية الرجم وتجويز أنها من المحرفات ولا يلزم من إخبار عبد الله بن سلام أن في التوراة آية الرجم أن يكون ذلك صحيحا لأن عبد الله بن سلام إنما أخبر بأنه رآها مكتوبة في نسخ التوراة ولم يخبر أنها مروية عنده بالطريق الصحيح إلى موسى بن عمران عليه السلام ولا يلزم من أن يكون في النسخ شيء مكتوب أن يكون صحيحا فإن الإنسان منا يقطع بأنه وجد في كتب التواريخ حكايات وأمورا كثيرة ولا يقضي بصحتها فكذلك هنا وإذا كان عليه السلام حكم بالوحي فلا يكون ذلك حجة علينا هاهنا فإن هذه الصورة ليس فيها ما يدل على الوحي بل ظاهر الأمر خلافه فظهر بهذه الأحاديث أن هذا مدرك صحيح يعتمد عليه وليس من باب الحزر الباطل كما قاله أبو حنيفة والله سبحانه وتعالى أعلم
    ____________________
    (3/230)
    رسول الله صلى الله عليه وسلم ومثل فراسته القوية وهذا سبب عظيم يوجب العدول عن قيافة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيافة غيره من الآحاد وهذا الموضع سؤالا وجوابا هو المقصود بذكر هذا الفرق لأجل ما اشتمل عليه من الغرابة وصعوبة الجواب فذكرته للتنبيه عليه سؤالا وجوابا
    الفرق الخمسون والمائة بين قاعدة ما يحرم الجمع بينهن من النساء وقاعدة ما يجوز الجمع بينهن وهو أن كل امرأتين بينهما من النسب أو الرضاع ما يمنع تناكحهما لو قدر إحداهما رجلا والأخرى أنثى لا يجوز بينهما في الوطء بعقد ولا ملك قاله مالك والشافعي وأبو حنيفة وابن حنبل رضي الله عنهم أجمعين وقد خرج بقيدي النسب والرضاع المرأة وابنة زوجها والمرأة وأم زوجها فإنه لو فرض إحداهما رجلا والأخرى امرأة لم يجز أن يتزوج أحدهما الآخر بسبب أن المرأة حينئذ إما أم امرأة الرجل أو ربيبته فتحرم على ذلك الرجل ومع ذلك يجوز الجمع بينهما فإذا قلنا من النسب أو الرضاع ما يمنع التناكح خرجا من الضابط وبقي جيدا وقبل
    هامش أنوار البروق
    قال الفرق الخمسون والمائة بين قاعدة ما يحرم الجمع بينهن من النساء وقاعدة ما يجوز الجمع بينهن قلت ما قاله فيه صحيح غير ما علل به من قوله بسبب أن المرأة حينئذ إما أم امرأة الرجل أو ربيبته فإن قوله إما أم امرأة الرجل لا يصح إلا على تقدير أن المرأة رجل وأن أم زوجها أم زوجته فيتعين المعرف وهو المضاف إليه وحقه أن لا يتعين لأنه إذا تعين بتعين فرض المسألة وهذا الاعتراض مختص بالمسألة الثانية وأما الأولى فيسقط عنها مثل هذا الاعتراض للاشتراك في لفظ ربيبته فإنه يقال على زوجة الأب في العرف الجاري الآن وعلى بنت الزوج والزوجة وما قاله في الفرق بعده صحيح غير ما قاله في
    هامش إدرار الشروق
    الفرق الخمسون والمائة بين قاعدة ما يحرم الجمع بينهن من النساء وقاعدة ما يجوز الجمع بينهن في بداية المجتهد لابن رشد الحفيد اتفقوا على أنه لا يجمع بين الأختين بعقد نكاح لقوله تعالى وأن تجمعوا بين الأختين وكذلك اتفقوا فيما أعلم على تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها لثبوت ذلك عنه عليه الصلاة والسلام من حديث أبي هريرة وتواتره عنه عليه الصلاة والسلام من أنه قال عليه الصلاة والسلام لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها واتفقوا على أن العمة هاهنا هي كل أنثى هي أخت لذكر له عليك ولادة إما بنفسه وإما بواسطة ذكر آخر وأن الخالة هي كل أنثى هي أخت لكل أنثى لها عليك ولادة إما بنفسها وإما بتوسط أنثى غيرها وهن الحرات من قبل الأم واختلفوا أولا
    ____________________
    (3/231)
    خروجهما كان الضابط غير مانع لاندراجهما فيه فيكون باطلا وفي الضابط مسألتان المسألة الأولى من أبان امرأته حلت له أختها في عدتها وحلت له الخامسة لانقطاع الموارثة بينهما والعصمة وإنما العدة لحفظ الأنساب ووافقنا الشافعي رضي الله عنه وقال أبو حنيفة وابن حنبل رضي الله عنهما تحرم الأخت والخامسة حتى تنقضي العدة لأن العدة من آثار النكاح ولقوله صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمع ماءه في رحم أختين والجواب عن الأول أن لحوق الولد بعد أربع سنين من آثار النكاح ولا قائل بالتحريم إلى تلك الغاية إنما المعتبر الاختصاص بالزوج حتى تحصل القطيعة بين الأقارب بسبب الجمع وهو في هذه الصورة منفي والجواب عن الحديث أنه وإن كان عاما في الرجال والأختين غير أنه مطلق في الزمان فنحمله على زمان الاختصاص قبل البينونة ويحرم الجمع في عدة الرجعية اتفاقا لأنها زوجة والاختصاص بالمواريث وغيرها
    هامش أنوار البروق
    الفرق بين الإباحة المطلقة ومطلق الإباحة فإنه ليس عندي بصحيح وقد تقدم الكلام معه فيه وجميع ما قاله في الفروق السبعة بعد هذا صحيح
    هامش إدرار الشروق
    في الجمع بين الأختين بملك اليمين فالفقهاء على منعه وذهبت طائفة إلى إباحة ذلك وسبب اختلافهم أن عموم قوله تعالى وأن تجمعوا بين الأختين معارض لعموم الاستثناء في آخر الآية وهو قوله تعالى إلا ما ملكت أيمانكم وذلك أن هذا الاستثناء يحتمل أن يعود لجميع ما تضمنته الآية من التحريم إلا ما وقع الإجماع على أنه لا تأثير له فيه أي من المحرم بالمصاهرة فيخرج من عموم قوله تعالى وأن تجمعوا بين الأختين ملك اليمين ويحتمل أن لا يعود إلا إلى أقرب مذكور فيبقى قوله تعالى وأن تجمعوا بين الأختين على عمومه ولا سيما إن عللنا ذلك بعلة الأخوة أو بسبب موجود فيهما واختلف القائلون بهذا القول أعني منع الجمع في ملك اليمين وبقاء وأن تجمعوا بين الأختين على عمومه فيما إذا كانت إحدى الأختين بنكاح والأخرى بملك يمين فمنعه مالك وأبو حنيفة وأجازه الشافعي
    واختلفوا ثانيا في لفظ الحديث المذكور هل هو خاص أريد به الخصوص فقط وهو قول الأكثر وعليه الجمهور من فقهاء الأمصار وعليه فالتحريم لا يتعدى إلى من نص عليه أو هو خاص والمراد به العموم واختلف القائلون بهذا في تفسير العموم فقال قوم يفسر العموم بالجمع بين كل امرأتين بينهما رحم محرمة أو غير محرمة فعند هؤلاء لا يجوز الجمع بين ابنتي عم أو عمة ولا بين ابنتي خال أو خالة ولا بين المرأة وبنت عمها أو بنت عمتها ولا بينها وبين بنت خالتها وقال قوم يفسر العموم بالجمع بين كل امرأتين بينهما قرابة محرمة أعني لو كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى لم يجز لهما أن يتناكحا واختلف القائلون بهذا المعنى فقيل باعتباره ولو لم يكن من الطرفين جميعا بل كان من أحدهما فقط وعليه فيمنع الجمع بين امرأة الرجل وابنته من غيرها المعنى اختاره أصحاب مالك أن المعنى المذكور لا يعتبر إلا إذا كان من الطرفين
    ____________________
    (3/232)
    المسألة الثانية الأختان بملك اليمين حرم الجمع بينهما قوله تعالى وأن تجمعوا بين الأختين وأحل الجمع بينهما قوله تعالى أو ما ملكت أيمانكم وليست إحداهما أخص من الأخرى حتى يقدم الخاص على العام لأن الأولى تتناول المملوكتين والحرتين فهي أعم من الثانية والثانية تتناول الأختين وغيرهما فتكون كل واحدة منهما أعم من الأخرى من وجه وأخص من وجه فتستويان ولذلك قال عثمان رضي الله عنه أحلتهما آية وحرمتهما آية ووجه الترجيح للتحريم كما قاله جمهور الفقهاء من ثلاثة أوجه أحدها أن الأولى سيقت للتحريم والثانية سيقت للمدح بحفظ الفروج والقاعدة أن الكلام إذا سيق لمعنى لا يستدل به في غيره فلا تعارض الأولى الثانية فتكون آية التحريم سالمة عن المعارض فتقدم وثانيها أن الأولى لم يجمع على تخصيصها والثانية أجمع على تخصيصها بما لا يقبل الوطء من المملوكات وبما يقبله لكنه محرم إجماعا كالذكور وأخوات الرضاع وموطوآت الآباء من الإماء وغير المخصوص أرجح مما أجمع على تخصيصه
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    جميعا بحيث إنه إذا جعل كل واحد منهما ذكرا والآخر أنثى لم يجز لهما أن يتناكحا فيجوز عندهم الجمع بين امرأة الرجل وابنته من غيرها لأنه إن وضعنا البنت ذكرا لم يحل نكاح المرأة منه لأنها زوج أبيه وإن جعلنا المرأة ذكرا حل لها نكاح ابنة الزوج لأنها تكون ابنة الأجنبي
    ا ه بتصرف وتوضيح وقال الأصل لا يكون ضابط ما يحرم الجمع بينهن مانعا من اندراج ما يجوز الجمع بينهن كالمرأة وابنة زوجها والمرأة وأم زوجها إلا إذا قيل كل امرأتين بينهما من النسب والرضاع ما يمنع تناكحهما لو قدر إحداهما رجلا والأخرى أنثى لا يجوز الجمع بينهما في الوطء بعقد ولا ملك عند مالك والشافعي وأبي حنيفة وابن حنبل رضي الله عنهم أجمعين إذ لولا قيد النسب والرضاع لاندرج فيه المرأة وابنة زوجها والمرأة وأم زوجها فإنه لو فرض إحداهما رجلا والأخرى امرأة لم يجز أن يتزوج أحدهما الآخر بسبب أن المرأة حينئذ إما أم امرأة الرجل أو ربيبته فتحرم على ذلك الرجل ومع ذلك يجوز الجمع بينهما فيكون الضابط باطلا فإذا قلنا من النسب والرضاع ما يمنع التناكح خرجا من الضابط وبقي جيدا
    ا ه قال ابن الشاط وما علل به من قوله بسبب أن المرأة حينئذ إما امرأة الرجل أو ربيبته فباعتبار قوله أما أم امرأة الرجل لا يصح إلا على تقدير أن المرأة رجل وأن أم زوجها زوجته فيتعين المعرف وهو المضاف إليه وحقه أن لا يتعين لأنه إذا تعين بتغير فرض المسألة وأما باعتبار قوله أو ربيبته فيصح نظرا للاشتراك في لفظ ربيبته فإنه يقال على زوجة الأب في العرف الجاري الآن وعلى بنت الزوج والزوجة
    ا ه قلت وخلاصته أن تقدير أحد الطرقين أنثى والآخر ذكرا بدون تعيين لذلك الأحد كما هو الشرط لا يتأتى في مسألة المرأة وأم زوجها وإنما يتأتى في مسألة المرأة وابنة زوجها نظرا للاشتراك في لفظ الربيبة في العرف الجاري الآن وقد علمت من كلام ابن رشد الحفيد عدم تأتي ذلك في مسألة المرأة وابنة زوجها أيضا ثم لا يخفاك أن قيدي النسب والرضاع في الضابط الذي
    ____________________
    (3/233)
    وثالثها أن الأصل في الفروج التحريم حتى يتيقن الحل فتكون الأولى على وفق الأصل ولم يتعين رجحان الثانية عليها فيعمل بمقتضاها موافقة للأصل فهاتان المسألتان هما اللتان تحتاجان إلى تدقيق في البحث فلذلك أفردتهما عن سائر المسائل التي في الباب
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    قاله الأصل يغني عنهما في إخراج المسألتين المذكورتين قوله لو قدر أحدهما رجلا إلخ حيث جعل من تتمة الضابط على أنه بالقدرين المذكورين لا يمنع اندراج مسألة ما إذا كانت إحدى الأختين بنكاح والأخرى بملك يمين مع أنها خارجة عند الشافعي كما علمت من كلام ابن رشد والأصل قد صرح بأنه ضابط لما يحرم الجمع بينهن في المذاهب الأربعة فتأمل ذلك بإنصاف هذا ويتعلق بمنع الجمع بين الأختين الذي أدرجه الأصل في ضابط ما يحرم الجمع بينهن في المذاهب الأربعة مسألتان تحتاجان إلى تدقيق في البحث قال الأصل فلذلك أفردتهما عن سائر المسائل التي في الباب المسألة الأولى اختلف الأئمة الأربعة فيما إذا أبان الرجل امرأته هل تحل له في عدتها أختها والخامسة نظرا لانقطاع العصمة والمواريث بينهما وإنما العدة لحفظ الأنساب وهو مذهب مالك والشافعي رضي الله عنهما أو لا تحل حتى تنقضي العدة لأمرين أحدهما أن العدة من آثار النكاح وثانيهما قوله صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمع ماءه في رحم أختين وهو مذهب أبي حنيفة وابن حنبل رضي الله عنهما وأجاب المالكية والشافعية عن الأمرين بأن لحوق الولد بعد أربع سنين من آثار النكاح ولا قائل بالتحريم إلى تلك الغاية وإنما المعتبر الاختصاص بالزوج حتى تحصل القطيعة بين الأقارب بسبب الجمع وهو في هذه الصورة منفي المسألة الثانية قال عثمان رضي الله عنه أحلت الأختين بملك اليمين آية وهي قوله تعالى أو ما ملكت أيمانكم وذلك لأن كل واحدة من الآيتين أعم من الأخرى من وجه وأخص من وجه فتستويان لتناول الأولى المملوكتين والحرتين وتتناول الثانية الأختين وغيرهما ولكن ترجيح جمهور الفقهاء التحريم من ثلاثة أوجه أحدها أن الأولى سيقت للتحريم فيستدل بها فيه والثانية سيقت للمدح بحفظ الفروج فلا يستدل بها في التحريم لأن القاعدة أن الكلام إذا سيق لمعنى لا يستدل به في غيره فتكون آية التحريم سالمة عن المعارضة بالآية الثانية فتقدم وقد مر في كلام ابن رشد الحفيد ما يتعلق بمعارضة الاستثناء في قوله تعالى إلا ما ملكت أيمانكم للآية الأولى فلا تغفل وثانيهما أن الأولى لم يجمع على تخصيصها والثانية أجمع على تخصيصها مما لا يقبل الوطء من المملوكات وبما يقبله لكنه محرم إجماعا كالذكور وأخوات الرضاعة وموطوءات الآباء من الإماء وغير المخصوص أرجح مما أجمع على تخصيصه وثالثها أن الأصل في الفروج التحريم حتى يتيقن الحل فتكون الأولى على وفق الأصل ولم يتعين رجحان الثانية عليها فيعمل بمقتضى الأولى موافقة للأصل والله سبحانه وتعالى أعلم
    ____________________
    (3/234)
    الفرق الحادي والخمسون والمائة بين قاعدة الإباحة المطلقة وبين قاعدة الإباحة المنسوبة إلى سبب مخصوص اعلم أن الإباحة قد تثبت مطلقا فلا يكون على المكلف حرج في الإقدام على الفعل مطلقا وقد تثبت باعتبار سبب معين فلا يكون على المكلف حرج في الإقدام على ذلك الفعل من جهة ذلك السبب ويكون عليه حرج في الإقدام باعتبار سبب آخر فالتحريم يجتمع مع هذه الإباحة ولا يجتمع مع الإباحة الأولى وسر ذلك أن أسباب التحريم قد تجتمع وقد تفترق فإن اجتمع اجتمع سببان فأكثر لتحريم فارتفع أحدهما ثبتت الإباحة باعتبار ذلك السبب خاصة وبقي الفعل محرما باعتبار السبب الآخر وكذلك إذا كان له سبب واحد للتحريم فزال وخلفه سبب آخر صدقت الإباحة باعتبار السبب الأول وصدق التحريم باعتبار السبب المتجدد ولذلك نظائر كثيرة في الشريعة وبمعرفة هذا الفرق تحصل أجوبة عن أسئلة كثيرة في الفقه والنصوص وأذكر من ذلك ثلاث مسائل
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الفرق الحادي والخمسون والمائة بين قاعدة الإباحة المطلقة وبين قاعدة الإباحة المنسوبة إلى سبب مخصوص اعلم أن الأسباب إذا تعلق بها حكم شرعي من إباحة أو ندب أو منع أو غيرها من أحكام التكليف فلا يلزم أن تتعلق تلك الأحكام بمسبباتها بحيث إن الأمر بالسبب لا يستلزم الأمر بالمسبب والنهي عن السبب لا يستلزم النهي عن المسبب والتخيير في السبب لا يستلزم التخيير في المسبب مثلا الأمر بإباحة الانتفاع بالمبيع والأمر بالنكاح لا يستلزم الأمر بحلية البضع والأمر بالقتل في القصاص لا يستلزم الأمر بإزهاق الروح والنهي عن القتل العدوان لا يستلزم النهي عن الإزهاق والنهي عن التردي في البئر لا يستلزم النهي عن تهتك المردي فيها والنهي عن جعل الثبوت في النار لا يستلزم النهي عن نفس الإحراق والإباحة للأجنبية بالعقد لا يستلزم إباحة وطئها والدليل على ذلك أمران الأول عقلي وهو ما ثبت في الكلام من أن الذي للمكلف تعاطي الأسباب لا المسببات لأنها من فعل الله تعالى وحكمه ولا كسب فيه للمكلف والثاني سمعي وهو أن استقراء هذا المعنى من الكتاب والسنة مقطوع به أما الكتاب فمنه ما هو عام كقوله تعالى والله خلقكم وما تعملون الله خالق كل شيء ومنه ما هو خاص كقوله تعالى وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك وقوله تعالى وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها وقوله تعالى وفي السماء رزقكم وما توعدون إلى آخر الآية وقوله تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجا
    ____________________
    (3/235)
    المسألة الأولى قوله تعالى فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره قال بعض الفضلاء مقتضى حتى التي هي حرف غاية أن يكون ما قبلها مخالفا لما بعدها ويكون ما بعدها نقيض ما قبلها ويظهر من هذه القاعدة أن تكون المرأة حلالا إذا عقد عليها زوج آخر ووطئها وليس الأمر كذلك إجماعا بل هي حرام على حالها حتى يطلقها هذا الزوج وإذا طلقها لا تحل حتى يعقد عليها الزوج الأول وإذا عقد عليها الزوج الأول لا تحل حتى تنفى موانع الوطء من الحيض والصيام والإحرام وغير ذلك من الموانع فلم يحصل مقتضى الغاية فهل هذه هي الغاية باقية على بابها مقتضية لثبوت النقيض أو هي مستثناة عن قاعدة الغايات بالإجماع والجواب أنها باقية على بابها وتقريره أنها كانت محرمة بكونها أجنبية وبكونها مطلقة ثلاثا فلما تزوجها الزوج الثاني صارت مباحة من جهة الطلاق الثلاث وزال التحريم الناشئ عنه وبقي التحريم بكونها أجنبية وتجدد سبب آخر للتحريم وهو كونها زوجة لغيره فقد خلف السبب الزائل سبب آخر وزال التحريم الكائن بسبب الطلاق الثلاث وثبت مقتضى الغاية وإذا طلقها الزوج الثاني بقيت محرمة بالعدة وهو سبب متجدد وبكونها أجنبية
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الآية وقوله تعالى أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون أفرأيتم ما تحرثون أفرأيتم الماء الذي تشربون أفرأيتم النار التي تورون وأما السنة فكقوله صلى الله عليه وسلم لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير الحديث وقوله صلى الله عليه وسلم قيدها وتوكل ولا يرد أن إباحة عقود البيوع والإجارات تستلزم إباحة الانتفاع الخاص بكل واحد منها وأنه إذا تعلق بها التحريم كبيع الربا والغرر والجهالة استلزم تحريم الانتفاع المسبب عنها وأن التعدي والغصب والسرقة ونحوها والذكاة في الحيوان إذا كانت على وفق المشروع تكون مباحة وتستلزم إباحة الانتفاع وإذا وقعت على غير المشروع كانت ممنوعة ومستلزمة منع الانتفاع إلى غير ذلك مما هو كثير من هذا النحو لأنا نقول ما ذكر في حكم الإنفاق لا على حكم الالتزام بدليل تخلفه في بعض تلك الأمثلة ألا ترى أن كلا من النفقة على المبيع إذا كان حيوانا وحفظ الأموال المتملكة واجب ومسبب عن عقد المبيع المباح وأن الذكاة إذا وقعت في غير المأكول كالخنزير والسباع العادية والكلب ونحوها لا توصف بالتحريم مع الانتفاع إما محرم جميعها وإما محرم في بعضها ومكروه في البعض الآخر هذا في الأسباب المشروعة وأسهل منها الأسباب الممنوعة لأن معنى تحريمها أنها في الشرع ليست بأسباب فلم تكن لها مسببات فبقي المسبب عنها على أصلها من المنع لا أن المنع تسبب عن وقوع أسباب ممنوعة فثبت اطراد هذه القاعدة وينبني عليها أنه لا يلزم في تعاطي الأسباب من جهة المكلف الالتفات إلى المسببات ولا القصد إليها بل المقصود منه الجريان تحت الأحكام الموضوعة لا غير أسبابا كانت أو غير أسباب معللة كانت أو غير معلة وللمكلف ترك القصد إلى المسبب وله القصد إليه باعتبار المصالح التي توجد عن السبب لأنه التفات إلى العادات الجارية وقد قال تعالى الله الذي سخر لكم البحر
    ____________________
    (3/236)
    فإذا عقد عليها الزوج الأول زال التحريم بسبب كونها أجنبية وبقيت محرمة بسبب ما تجدد من حيض أو صوم أو غيرهما فإذا زال ذلك ثبتت الإباحة المطلقة وكان الثابت قبل ذلك مطلق الإباحة المطلقة وقد تقدم الفرق بين مطلق الإباحة والإباحة المطلقة فظهر أن الغاية على بابها لم تخالف مقتضاها بل هي معمول بها واندفع الإشكال عن الآية
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله وقال تعالى ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات وأشباه ذلك وللالتفات إلى المسببات بالأسباب الذي هو القسم الثاني ثلاث مراتب إحداها أن يدخل فيها على أن السبب فاعل للمسبب أو مدلوله وهذا شرك أو مضاه له والعياذ بالله تعالى إذ السبب والعلة في الشرع غير فاعل بنفسه بل دليل وأمارة فلذا قال ابن العربي في الأحكام لا تمنع في الشرع أن تكون العلة عامة والحكم خاصا أو أريد من العلة
    ا ه والثانية أن يدخل في السبب على أن المسبب يكون عنده عادة كما هو الجاري على مقتضى عادة الله في خلقه وهو غالب أحوال الخلق في الدخول في الأسباب والثالثة أن يدخل في السبب على أن المسبب من الله تعالى لأنه المسبب وهذا يرجع إلى عدم اعتبار السبب في المسبب من جهة نفسه واعتباره فيه من جهة أن الله مسبب وذلك صحيح ولترك الالتفات إلى المسبب الذي هو القسم الأول ثلاث مراتب أيضا إحداها أن يدخل في السبب من حيث هو ابتلاء للعباد وامتحان لهم فإنها طريق إلى السعادة والشقاوة والآخذ لها من هذه الجهة آخذ لها من حيث وضعت مع التحقق بذلك فيها وهذا صحيح وصاحب هذا القصد متعبد لله بما تسبب به منها حينئذ تسبب بالإذن فيما أذن فيه ليظهر عبوديته لله فيه لا ملتفتا إلى مسبباتها وإن انجرت معها فهو كالمتسبب بسائر العبادات المحضة والثانية أن يدخل فيه بحكم قصد التجرد عن الالتفات إلى المسببات بناء على أن تفريد المعبود بالعبادة أن لا يشرك معه في قصده سواه واعتمادا على أن التشريك خروج عن خالص التوحيد بالعبادة لأن بقاء الالتفات إلى ذلك كله بقاء من المحدثات وركون إلى الأعيان وهو تدقيق في نفي الشركة وهذا أيضا في موضعه صحيح والثالثة أن يدخل فيه بحكم الإذن الشرعي مجردا عن النظر في غير ذلك وإنما توجهه إلى السبب تلبية للآمر لتحقيقه بمقام العبودية وهذا شامل لجميع ما تقدم لأنه لما علم قصد الشارع في تلك الأمور توخى قصده من غير نظير في غيره فحصل له كل ما في ضمن ذلك المتسبب مما علم ومما لم يعلم فهو طالب للمسبب من طريق السبب وعالم أن الله هو المسبب وهو المبتلي به ومتحقق في صدق التوجه به إليه فقصده مطلق وإن دخل فيه قصد المسبب لكن ذلك كله منزه عن الأغيار مصفى من الأكدار على ما ذكر من أن المسببات مرتبة على فعل الأسباب شرعا وأن الشارع يعتبر المسببات في الخطاب بالأسباب ويترتب بالنسبة إلى المكلف إذا اعتبره أمور منها أن الله عز وجل جعل المسببات في العادة تجري على وزان الأسباب في الاستقامة أو الاعوجاج فإذا كان السبب تاما والتسبب على ما ينبغي كان المسبب كذلك وبالضد
    ____________________
    (3/237)
    المسألة الثانية إذا ترك الصلاة وزنى وهو محصن وارتد عن الإسلام وقتل النفس التي حرم الله فهذا قد أبيح دمه بكل واحد من هذه الأسباب فإذا عفا الأولياء عن القصاص ذهبت الإباحة الناشئة عن القتل وثبتت الإباحة الناشئة عن غير ذلك من الأسباب المذكورة فالإباحة المرتفعة ههنا نظير الإباحة الحاصلة في المسألة المتقدمة وهي مطلق الإباحة المنسوبة إلى سبب معين غير أنها في المسألة الأولى حاصلة وههنا ذاهبة فتأمل ذلك
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    ومنها أن المسببات قد تكون خاصة بمعنى أن تكون بحسب وقوع السبب كالبيع المتسبب به إلى إباحة الانتفاع بالمبيع والنكاح الذي يحصل به حلية الاستماع والذكاة التي بها يحصل حل الأكل وكالسكر الناشئ عن شرب الخمر وإزهاق الروح المسبب عن حز الرقبة وقد تكون عامة كالطاعة التي هي سبب بالفوز في النعيم والمعاصي التي هي سبب في دخول الجحيم وبالجملة فالمسبب إن كان من شأن الالتفات إليه التقوية للسبب والتكملة له والتحريض في المبالغة في إكماله فهو الذي يجلب المصلحة وإن كان من شأن الالتفات إليه أن يكر على السبب بالإبطال أو بالإضعاف أو بالتهاون به فهو الذي يجلب المفسدة وهذان القسمان على ضربين أحدهما ما شأنه ذلك بإطلاق بمعنى أنه يقوي السبب أو يضعفه بالنسبة إلى كل مكلف وبالنسبة إلى كل زمان وبالنسبة إلى كل حال يكون عليها المكلف والثاني ما شأنه ذلك لا بإطلاق بل بالنسبة إلى بعض المكلفين دون بعض أو بالنسبة إلى بعض الأزمنة دون بعض أو بالنسبة إلى بعض أحوال المكلف دون بعض فإنه ينقسم من جهة أخرى قسمين أحدهما ما يكون في التقوية والتضعيف مقطوعا به والثاني ما يكون في ذلك مظنونا أو مشكوكا فيه موضع نظر وتأمل فيحكم بمقتضى الظن ويوقف عند تعارض الظنون انظر الموافقات للإمام أبي إسحاق الشاطبي فإذا علمت هذا فاعلم أن الإباحة إن كانت منسوبة إلى سبب تام وتسببها عنه على ما ينبغي ثبتت به مطلقة أي من جميع الوجوه بحيث لا يجتمع معها التحريم أصلا فلا يكون على المكلف حرج في الإقدام على الفعل مطلقا وإن كانت منسوبة إلى سبب معين غير تام وسببها عنه ليس على ما ينبغي ثبتت باعتبار ذلك السبب المعين بحيث لا يكون عليه حرج في الإقدام على ذلك الفعل من جهة ذلك السبب ويكون عليه حرج في الإقدام باعتبار سبب آخر فيجتمع التحريم معها وسر ذلك أن أسباب التحريم قد يجتمع
    وقد تفترق وإن اجتمعت ولم يرتفع منها واحد ثبت التحريم مطلقا وإن ارتفعت ولم يبق منها واحد ثبتت الإباحة المطلقة وإن ارتفع من سببي التحريم أو أسبابه واحد ثبتت الإباحة باعتبار ذلك السبب المرتفع خاصة وبقي الفعل محرما باعتبار ما بقي من السببين والأسباب وكذلك إذا كان للتحريم سبب واحد فزال وخلفه سبب آخر صدقت الإباحة باعتبار زوال ذلك السبب الأول وصدق التحريم باعتبار المتجدد ولذلك نظائر كثيرة في الشريعة وبمعرفة هذا الفرق والالتفات إلى المسببات مع أسبابها تندفع إشكالات ترد في الشريعة على الفقه وعلى النصوص بسبب تعارض أحكام أسباب تقدمت مع أسباب أخر حاضرة منها أن مقتضى حتى التي هي حرف غاية أن يكون ما قبلها مخالفا لما بعدها ويكون ما بعدها نقيض ما قبلها ويظهر من هذه القاعدة أن قوله تعالى فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره يقتضي أن تكون المرأة حلالا إذا عقد عليها زوج آخر ووطئها مع أن الأمر ليس كذلك إجماعا بل
    ____________________
    (3/238)
    المسألة الثالثة في تصوير اجتماع التحريم مضاعفا في أئمة وتعلقات الخطاب فيه وذلك أن الزنى محرم وبالبنت أشد وبها في الصوم أشد ومع الإحرام أشد وفي الكعبة أشد فهذه أربعة أسباب من التحريم اجتمعت فيكون هذا الفعل محرما من أربعة أوجه
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    هي حرام على حالها حتى يطلقها هذا الزوج
    وإذا طلقها لا تحل للأول حتى تنقضي عدتها وإذا انقضت عدتها لا تحل للأول حتى يعقد عليها وإذا عقد عليها أي الزوج الأول لا تحل حتى تنتفي موانع الوطء من الحيض والصيام والإحرام وغير ذلك فلم يحصل مقتضى الغاية وحاصل دفعه أن مقتضى الغاية قد حصل من حيث إنها قد زال تحريمها الحاصل بكونها مطلقة ثلاثا لما تزوجها الزوج الثاني إلا أنه بقي تحريمها الناشئ عن كونها أجنبية وتجدد معه سبب آخر للتحريم صار خلفا عن السبب الزائل وهو كونها زوجة لغيره وإذا طلقها الزوج الثاني زال السبب المتجدد وخلفه سبب آخر متجدد مع سبب كونها أجنبية وهو كونها في العدة وإذا كملت العدة وعقد عليها الزوج الأول زال سببا التحريم وبقيت محرمة بسبب ما تجدد من حيض أو صوم أو إحرام أو غيرها فإذا زال ذلك أيضا ثبتت الإباحة المطلقة وكان الثابت قبل ذلك الإباحة المنسوبة إلى سبب مخصوص فظهر أن الغاية على بابها لم تخالف مقتضاها بل هي معمول بها واندفع الإشكال عن الآية ومنها أنه قد اجتمع على المكلف الامتثال مع بقاء العصيان إما في الفعل الواحد وإما في فعل متعدد فكان عاصيا ممتثلا في حالة واحدة ومأمورا منهيا من جهة واحدة وذلك تكليف بالمحال لا يمكنه وقد قال تعالى لا يكلف الله نفسا إلا وسعها فلا بد أن يكون مكلفا بالخروج والتوبة في وجه يمكنه ولا يمكن مع بقاء حكم النهي في نفس الخروج فلا بد أن يرتفع حكم النهي في الخروج وذلك في مسائل المسألة الأولى من توسط أرضا مغصوبة به ثم تاب وأراد الخروج منها قال أبو هاشم هو على حكم المعصية ولا يخرج عن ذلك إلا بانفصاله عن الأرض المغصوبة ورد الناس عليه قديما وحديثا المسألة الثانية من تاب عن القتل بعد رمي السهم عن القوس وقبل وصوله إلى الرمية المسألة الثالثة من تاب من بدعته بعدما بثها في الناس وقبل أخذهم بها أو بعد ذلك وقبل رجوعهم عنها المسألة الرابعة من رجع عن شهادته بعد الحكم بها وقبل الاستيفاء وبالجملة بعد تعاطي السبب على كماله وقبل تأثيره ووجود مفسدته أو بعد وجودها وقبل ارتفاعها إن أمكن ارتفاعها فقد اجتمع على المكلف هنا الامتثال مع بقاء العصيان وقد أشار الإمام في البرهان إلى تصوير هذا الاجتماع وصحته باعتبار أصل السبب الذي هو عصيان فانسحب عليه حكم التسبب وإن ارتفع بالتوبة لأن أصل التسبب أنتج مسببات خارجة عن نظره فهو وإن كان عاصيا ممتثلا هنا إلا أن الأمر والنهي لا يتواردان عليه في هذا التصوير لأنه من جهة العصيان غير مكلف به لأنه مسبب غير داخل تحت قدرته فلا نهي إذ ذاك ومن جهة الامتثال مكلف لأنه قادر عليه فهو مأمور بالخروج وممتثل به فلو نظر الجمهور إلى أن المسبب خارج عن نظر المكلف لم يستبعدوا اجتماع الامتثال مع استصحاب حكم المعصية إلى الانفصال عن الأرض المغصوبة بل وجدوا نفس الخروج ذا وجهين أحدهما وجه كونه سببا في الخلوص عن التعدي بالدخول في الأرض وهو من كسبه
    ____________________
    (3/239)
    ويكون الإثم مضاعفا أربع مرات ويكون خطاب التحريم قد حصل في هذه الصور أربع تعليقات فإذا تصورت اجتماع التحريمات تصورت ارتفاع بعضها وحصول مطلق الإباحة بالنسبة إلى ذلك السبب المرتفع وتصورت أيضا اجتماع الوجوبات بتظافر أسبابها على الفعل وكذا بقية الأحكام تارة تثبت مطلقة وتارة بالنسبة إلى سبب معين فتأمل ذلك
    الفرق الثاني والخمسون والمائة بين قاعدة ما يقر من أنكحة الكفار وقاعدة ما لا يقر منها قال ابن يونس أنكحتهم عندنا فاسدة وإنما الإسلام يصححها وقال صاحب الجواهر لا يقرهم على ما هو فاسد عندهم إلا أن يكون صحيحا عندنا ولو اعتقدوا غصب امرأة أو رضاها بالإقامة مع الرجل بغير عقد أقررناهم عليه قاله الشافعي رضي الله عنه ترغيبا في الإسلام كما سقط عنهم القصاص والغصوب وما جنوه على المسلمين في نفوسهم وأموالهم وأعراضهم ويثبت ما اكتسبوه بعقود الربا وغيره من ثمن الخمر والخنزير كل ذلك ترغيبا في الإسلام لأنهم لو فهموا المؤاخذة بذلك لنفروا عن الإسلام وضابط مذهب مالك رحمه الله أن كل مفسدة تدوم كالجمع بين الأختين أو لا تدوم لكن أدركه الإسلام
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    والثاني كونه نتيجة دخوله ابتداء وليس من كسبه بهذا الاعتبار إذ ليس له قدرة على الكف عنه فاتضح حينئذ معنى ما أراده الإمام وأبو هاشم وأن ما اعترض به عليهما لا يرد مع هذه الطريقة إذا تأملها أفاده الإمام أبو إسحاق الشاطبي في الموافقات ومنها أن المكلف إذا ترك الصلاة وزنى وهو محصن وارتد عن الإسلام وقتل النفس التي حرم الله فقد أبيح دمه بكل واحد من هذه الأسباب فإذا عفا الأولياء عن القصاص ذهبت الإباحة الناشئة عن القتل وثبتت الإباحة الناشئة عن غير ذلك من الأسباب المذكورة فصار مباح الدم وغير مباحه لكن باعتبارين فتأمل ومنها اجتماع التحريم مضاعفا في أئمة وتعلقات الخطاب فيه بتصور من حيث إن الزنى محرم وبالبنت أشد وبها في الصوم أشد ومع الإحرام أشد وفي الكعبة أشد فيكون هذا الفعل محرما من أربعة أوجه وأنه مضاعف أربع مرات وخطاب التحريم قد حصل في هذه الصور أربع تعليقات فإذا تصورت اجتماع التحريمات تصورت ارتفاع بعضها وحصول الإباحة بالنسبة إلى ذلك السبب المرتفع مع التحريم بالنسبة لباقي الأسباب وتصورت أيضا اجتماع الوجوبات بتظافر أسبابها على الفعل وأنه قد يرتفع بعضها فيحصل عدم الوجوب بالنسبة إلى ذلك السبب المرتفع والوجوب بالنسبة لما عداه من الأسباب وكذا بقية الأحكام تارة تثبت مطلقة وتارة بالنسبة إلى سبب معين فتأمل ذلك والله أعلم
    الفرق الثاني والخمسون والمائة بين قاعدة ما يقر من أنكحة الكفار وقاعدة ما لا يقر منها في بداية المجتهد لابن رشد الحفيد اتفق الفقهاء على أن الإسلام إذا كان من الزوج والزوجة وقد كان انعقد النكاح على من يصح ابتداء العقد عليها في الإسلام أن الإسلام يصحح ذلك واختلفوا فيما إذا انعقد
    ____________________
    (3/240)
    كالزواج في العدة فيسلم فيها فهو يبطل وإن عرى نكاحهم عن هذين القسمين صح بالإسلام وقال الشافعي وابن حنبل رضي الله عنهما عقودهم صحيحة واعلم أن قولنا أيها المالكية إن أنكحتهم فاسدة مشكل فإن ولاية الكافر للكافر صحيحة والشهادة عندنا ليست شرطا في العقد حتى نقول لا تصح شهادتهم لكفرهم فلو قلنا إنها شرط فأشهد أهل الذمة المسلمين ينبغي أن تصح والمسلم إذا تزوج بغير شهود له أن يشهد بعد العقد ويستقر عقده فينبغي التفصيل في عقودهم بين ما يكون مختل الشرط وبين ما لا يكون كذلك
    وأما الفضاء بالبطلان مطلقا فمشكل غاية ما في الباب أن صداقهم قد يقع بما لا يحل من الخمر والخنزير وقد يقع ذلك للمسلمين فتختل بعض الشروط أو كلها في بعض العقود فكما لا نقضي بفساد أنكحة عوام المسلمين وجهالهم من أهل البادية على الإطلاق بل نفصل ونقول ما صادف الأوضاع الشرعية واجتمعت شرائطه فهو صحيح سواء أسلموا أم لا وما لم يصادف فهو باطل قبل الإسلام وقد يصح بالإسلام كما نقدم
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    النكاح على أكثر من أربع كعشر أو خمس أو على من لا يجوز الجمع بينهما في الإسلام كالأختين فقال مالك والشافعي وأحمد وداود يختار منهن أربعا ومن الأختين واحدة أيتهما شاء وقال أبو حنيفة والثوري وابن أبي ليلى يختار الأوائل منهم في العقد فإن تزوجهن في عقد واحد فرق بينه وبينهن وقال ابن الماجشون من أصحاب مالك إذا أسلم وعنده أختان فارقهما جميعا ثم استأنف نكاح أيتهما شاء لم يقل بذلك أحد من أصحاب مالك غيره وسبب اختلافهم معارضة القياس للأثر وذلك أنه ورد في ذلك أثران أحدهما مرسل مالك أن غيلان بن سلامة أسلم وعنده عشر نسوة أسلمن معه فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يختار منهم أربعا الحديث الثاني حديث قيس بن الحارث أنه أسلم على الأختين فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اختر أيتهما شئت وأما القياس المخالف للأثرين المذكورين فتشبيه العقد على الأواخر قبل الإسلام بالعقد عليهن بعد الإسلام أعني أنه كما أن العقد عليهن فاسد في الإسلام كذلك قبل الإسلام وفيه ضعف
    ا ه بتصرف ووجه الضعف يتضح مما سيأتي فتنبه واختلف القائلون بأنه يختار أربعا من العشرة مطلقا وأي واحدة شاء من الأختين في وجهه فقال الشافعي وابن حنبل لأنا نحمل عقودهم على الصحة مطلقا ترغيبا لهم في الإسلام كما سقط عنهم القصاص والغصوب وما جنوه على المسلمين في نفوسهم وأموالهم وأعراضهم ويثبت ما اكتسبوه بعقود الربا وغيره من الخمر والخنزير ترغيبا في الإسلام لأنهم لو فهموا المؤاخذة بذلك لنفروا عن الإسلام وقال ابن يونس من أصحابنا أنكحتهم عندهم فاسدة وإنما الإسلام يصححها أي بمعنى أن كل مفسدة تدوم كالجمع بين الأختين أو لا تدوم لكن أدركه الإسلام كالزواج في العدة فيسلم فيها أي في العدة فهو يبطل وإن عرى نكاحهم عن هذين القسمين صح بالإسلام وقال صاحب الجواهر من أصحابنا لا نقهرهم على ما هو فاسد عند هم إلا أن يكون صحيحا عندنا ولو
    ____________________
    (3/241)
    رضاهم بالغصب ونحوه ترغيبا في الإسلام وعلى هذا القانون كان ينبغي أن لا يخير بين الأم وابنتها إذا أسلم عليهما بل يقول إن تقدم عقد البنت صحيحا تعينت من غير تخيير وإذا أسلم على عشر نسوة لا نقضي بالتخيير مطلقا بل نفرق كما قال أبو حنيفة إن وقع منها أربع أولا على وجه الصحة تعينت دون ما بعدها وإن عقد على العشر جملة واحدة خير بينهن لشمول البطلان لهن وكان يليق إذا حكمنا بفسادها مطلقا أن لا نفرق بين الموانع الماضية وما بقي بعد الإسلام لأن الكل فاسد إن كان المقصود هو الترغيب في الإسلام بسبب تقرير فاسد عقودهم لأن الزواج في العقد لا يزيد على قتل النفس في المفسدة وإن كان السبب أن الإسلام ينزل منزلة تجديد العقد فناسب التفرقة بين الماضي من الموانع والمقارن وينبغي إذا وطء في الكفر في نكاح صحيح مجتمع الشروط أن ذلك يوجب الإحصان إذا اتصل به الإسلام قال قلت قوله صلى الله عليه وسلم لغيلان لما أسلم عن عشر نسوة اختر أربعا وفارق سائرهن
    وفي أبي داود قال أنس بن الحارث أسلمت وتحتي ثمان نسوة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له ذلك فقال اختر أربعا منهن فهذه الأحاديث تقتضي أن عقودهن فاسدة
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    اعتقدوا غصب امرأة أو رضاها بالإقامة مع الرجل بغير عقد أقررناهم
    ا ه قال الأصل سلمه ابن الشاط والقضاء ببطلان أنكحتهم مطلقا مشكل من وجوه الوجه الأول ولاية الكافر للكافرة صحيحة والشهادة عندنا ليست شرطا في العقد حتى نقول لا تصح شهادتهم لكفرهم على أنا لو قلنا إنها شرط وأشهد أهل الذمة المسلمين ينبغي أن تصح والمسلم إذا تزوج بغير شهود له أن يشهد بعد العقد ويستقر عقده وإنما غاية ما في الباب أن صداقهم قد يقع بما لا يحل من الخمر وهذا قد يقع في أنكحة عوام المسلمين وجهالهم من أهل البادية بحيث تحمل بعض الشروط أو كلها فكما لا نقضي بفساد أنكحتهم على الإطلاق بل نفصل ونقول ما صادف الأوضاع الشرعية واجتمعت شرائطه فهو صحيح وإلا فلا كذلك كان ينبغي أن لا نقضي بفساد أنكحتهم على الإطلاق بل نفصل بالتفصيل المذكور بأن نقول بصحة ما صادف سواء أسلموا أم لا وما لم يصادف فهو باطل قبل الإسلام وقد يصح بالإسلام كما تقدم أن المذهب تقرير رضاهم بالغصب ونحوه ترغيبا في الإسلام الوجه الثاني أنه كان ينبغي على هذا القانون أن لا يخير بين الأم وابنتها إذا أسلم عليهما بل نقول إن تقدم عقد البنت صحيحا تعينت من غير تخيير وإذا أسلم على عشر نسوة لا نقضي بالتخبير مطلقا بل نفرق كما قال أبو حنيفة إن وقع منها أربع أولا على وجه الصحة تعينت دون ما بعدها وإن عقد على العشرة جملة واحدة خير بينهن لشمول الطلاق لهن الوجه الثالث أنا إذا حكمنا بفساد أنكحتهم مطلقا كان يليق أن لا يفرق بين الموانع الماضية وما بقي بعد الإسلام لأن السبب في تقرير فاسد عقودهم إن كان هو الترغيب في الإسلام لم يكن هناك وجه
    ____________________
    (3/242)
    إذ لو كانت صحيحة لكان السابق هو الصحيح والمتأخر هو المتعين للفساد الخامسة فما زاد عليها وكان الاختيار لا يكون إلا إذ عقد عقدا واحدا حتى لا يكون البعض أولى بالبقاء دون البعض الآخر لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خير مطلقا دل على أن الحكم كذلك سواء تقدم بعض العقود أو اتحدت العقود لأن هذه الأحاديث وردت في تأسيس قاعدة وتقرير أصل عام في الناس إلى يوم القيامة فلو كان يختلف الحال فيه لبينه صلى الله عليه وإلا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة وهذا مستند ظاهر في فساد عقودهن وأن الأوائل في حكم الأواخر على السوية والأواخر المتأخرات العقود فاسدة العقود فكذلك الأوائل قلت إطلاق الخيار في هذه الأحاديث يحتمل وجهين أحدها أن تكون الأنكحة فاسدة كما قلت والثاني أن تكون المفسدات الواقعة في الكفر لا تعتبر كما تقدم من مذهبنا أنهم لو اعتقدوا غصب المرأة ومجرد رضاها بغير عقد ثم أسلموا على ذلك أقررناهم عليه فإن الإسلام يمنع من تأثير المفسدات المتقدمة من هذا النحو فهكذا كونها خامسة ونحو ذلك مفسدة في الإسلام وإذا قارن الكفر اعتبره صاحب الشرع ترغيبا في الإسلام وإذا احتمل
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    للتفريق إذ لا يزيد الزواج في العدة على قتل النفس في المفسدة وإن كان هو أن الإسلام ينزل منزلة تجديد العقد كان هناك وجه للتفرقة بين الماضي من الموانع والمقارن إلا أنه كان ينبغي إذا وطئ في الكفر في نكاح صحيح مجتمع الشروط أن ذلك يوجب الإحصان إذا اتصل به الإسلام الوجه الرابع أن إطلاق الخيار في حديث غيلان المتقدم وفيما في أبي داود عن أنس بن الحارث أنه قال أسلمت وتحتي ثمان نسوة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له ذلك فقال اختر أربعا بعامتهن كما يحتمل أن تكون الأنكحة فاسدة كما قلت كذلك يحتمل أن تكون المفسدات الواقعة في الكفر لا تعتبر كما تقدم من مذهبنا أنهم لو اعتقدوا غصب المرأة ومجرد رضاها بغير عقد ثم أسلموا على ذلك أقررناهم عليه فإن الإسلام يمنع تأثير المفسدات المتقدمة من هذا النحو فهكذا كونها خامسة مفسدة في الإسلام وإذا قارن الكفر اعتبره صاحب الشرع ترغيبا في الإسلام وإذا احتمل الأمرين لم يلزم ما ذكرته من فساد العقود بل ذلك يدل على التخيير فقط وهذا مجمل فيما ذكرته من الفساد والصحة والأصل عدم علمه صلى الله عليه وسلم بأن كلا من غيلان وأنس بن الحارث عقد عليهن عقدا واحدا أو أنهن عنده بطريق الغصب فأقره على الزوجية بالغصب لأن ذلك كان مذهبا لهم على أنه لو كان الأمر كذلك لبينه عليه السلام إني إنما حكمت في هذه القضية بهذا الحكم لأني أعلم من أمرها أمرا يقتضي هذا الحكم لأنه تقرير قاعدة فيتعين إيضاحها وإزالة اللبس عنها وزوال كل ما يوجب وهما فيها فلما لم يبين عليه السلام ذلك علمنا أن المدرك غير علمه بأمر يخصها بل الحكم عام في جميع صور من يسلم كيف كانت عقوده وهو معنى قول الشافعي رضي الله عنه ترك الاستفصال في حكايات الأحوال يقوم مقام العموم في المقال إذ معناه يقوم مقام التصريح بأن جميع الصور حكمها كذلك فظهر أن الحق الأبلج
    ____________________
    (3/243)
    الأمرين لم يلزم ما ذكرته من فساد العقول بل ذلك يدل على التخيير فقط وهذا مجمل فيما ذكرته من الفساد والصحة
    وهذا جواب سديد وهو خير من قول جماعة من الفقهاء لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم أنه عقد عليهن عقدا واحدا فلذلك خيره أو وكان يعتقد أنهن عنده بطريق الغصب والتقرير على الزوجية بالغصب لأن ذلك كان مذهبا لهم فإن هذا فاسد لوجهين أحدهما أن الأصل عدم علمه عليه السلام الثاني لو كان الأمر كذلك لبينه عليه السلام لأنه تقرير قاعدة فيتعين إيضاحها وإزالة اللبس عنها وزوال كل ما يوجب وهما فيها ولما لم يبين عليه السلام أني إنما حكمت في هذه القضية بهذا الحكم لأني أعلم أن من أمرها أمرا يقتضي هذه للحكم علمنا أن المدرك غير علمه بأمر يخصها بل الحكم عام في جميع صور من يسلم كيف كانت عقوده وهو معنى قول الشافعي رضي الله عنه ترك الاستفصال في حكايات الأحوال يقوم مقام العموم في المقال معناه يقوم مقام التصريح بأن جميع الصور حكمها كذلك وإذا ظهر هذا الجواب ظهر أن الحق الأبلج القضاء على عقودهم بالصحة حتى يعلم فسادها كالمسلمين فإنه لم يدل دليل على أن الكفر مانع من عقد النكاح وقادح في صحته ولو أن امرأة كافرة لها أخوان كافر ومؤمن فأرادت الزواج منعنا المسلم من تزويجهما وقلنا لأخيها الكافر زوجها لأن المسلم لا ولاية له على الكافرة بل الكفار بعضهم أولى ببعض ولو أن نكاح الكافر فاسد لقلنا لهذه الكافرة لا سبيل لك إلى الزواج حتى تسلمي لأن الكفر أحد موانع صحة العقد عليك ولما لم يكن كذلك دل على صحة عقودهم
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    القضاء على عقودهم بالصحة حتى يعلم فسادها كالمسلمين فإنه لم يدل دليل على أن الكفر مانع من عقد النكاح وقادح في صحته إذ لو أن امرأة كافرة لها أخوان كافر ومؤمن فأرادت الزواج منعنا المسلم من تزويجها وقلنا لأخيها الكافر زوجها لأن المسلم لا ولاية له على الكافرة بل الكفار بعضهم أولى ببعض فلو أن نكاح الكافر فاسد لقلنا لهذه الكافرة لا سبيل لك إلى الزواج حتى تسلمي لأن الكفر أحد موانع صحة العقد عليك فلما لم يكن كذلك دل على صحة عقودهم
    ا ه بتغيير وتوضيح والله سبحانه وتعالى أعلم
    ____________________
    (3/244)
    الفرق الثالث والخمسون والمائة بين قاعدة زواج الإماء في ملك غير الزوج وبين قاعدة زواج الإنسان لإمائه المملوكات له والمرأة لعبدها أو في غير ملكها فإن الأول يصح بشرطه والثاني باطل والفرق مبني على قواعد القاعدة الأولى أن كل تصرف لا يترتب عليه مقصوده لا يشرع ولذلك لا يحد المجنون بسبب الجناية في الصحة ولا السكران لأن مقصود الحد الزجر بما يشاهد المكلف من المؤلمات والمذلات والمهانات في نفسه وإنما يحصل ذلك بمرآة العقل وكذلك لا يشرع اللعان لنفي النسب في حق المجبوب ولا من لا يولد له لأنه لا يلحق به ذلك النسب ولا يفيد اللعان شيئا وكذلك لا يشرع عقد البيع مع الجهالة والغرر لأن مقصوده تنمية المال وتحصيل مقاصد العوضين وذلك بعيد الجهالة والغرر ويكفي أنه غير معلوم ولا مظنون فلا يشرع البيع ونظائر هذه القاعدة كثيرة فلهذه القاعدة لا يشرع نكاح الرجل أمته لأن مقاصد النكاح حاصلة قبل العقد بالملك فلم يحصل العقد له في أمته القاعدة الثانية من مقتضى الزوجية قيام الرجل على المرأة بالحفظ والصون والتأديب
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الفرق الثالث والخمسون والمائة بين قاعدة زواج الرجل الإماء في ملك غيره والمرأة العبد في ملك غيرها وقاعدة نكاح الرجل الإماء في ملكه والمرأة العبد في ملكها حيث إن الثاني باطل اتفاقا فيفسخ نكاح المرأة إذا ملكت زوجها والأول صحيح بشرطه وهو في الرجل عدم الطول وخوف العنت كما هو مشهور مذهب مالك ومذهب أبي حنيفة والشافعي وقال قوم يجوز بإطلاق وهو المشهور من مذهب ابن القاسم وهو في المرأة أن ترضى هي وأولياؤها بذلك ولا خلاف في هذا كما في بداية المجتهد لابن رشد الحفيد ولا بد من بيان أمرين أولهما مبنى الفرق بين القاعدتين بالصحة والبطلان وثانيهما السبب في اختلافهم في اشتراط الطول وخوف العنت إذا نكح الحر أمة وعدمه أما الأمر الأول أي مبنى الفرق بين القاعدتين بالصحة والبطلان فثلاث قواعد القاعدة الأولى أن كل تصرف لا يترتب عليه مقصوده لا يشرع ونظائر هذه القاعدة كثيرة منها أن الجاني في صحة عقله لا يحد حال جنونه أو سكره لأن مقصود الحد الزجر بما يشاهده المكلف من المؤلمات والمذلات والمهانات في نفسه وإنما يحصل ذلك بمرآة العقل ومنها أن اللعان لنفي النسب لا يشرع في حق المجبوب ومن لا يولد له لأن النسب لا يلحق به فلا يفيد اللعان شيئا ومنها أن عقد البيع لا يشرع مع الجهالة والغرر لأن مقصوده تنمية المال وتحصيل مقاصد العوضين وذلك مع الجهالة والغرر غير معلوم ولا مظنون بل هو بعيد ومنها ما هنا من أنه لا يشرع نكاح الرجل أمته لأن مقاصد النكاح حاصلة بالملك قبل العقد ولم يحصل العقد شيئا
    ____________________
    (3/245)
    لإصلاح الأخلاق لقوله تعالى الرجال قوامون على النساء والاسترقاق يقتضي قهر السادات والقيام على الرقيق للأعمال وإصلاح الأخلاق في جميع ذلك والاستيلاء بالاستهانة فيتعذر أن تكون أمة الإنسان زوجته وعبد المرأة زوجها لتناقض آثار الحقوق القاعدة الثالثة كل أمرين لا يجتمعان يقدم الشرع أقواهما على أضعفهما وكذلك العقل والعرف والرق أقوى من النكاح لكونه يوجب التمكن من المنافع التي بعضها حل النكاح مع صحة الإيجار والإخدام مع ملك الرقبة ولا يقتضي النكاح غير إباحة الوطء فيكون لذلك أقوى فيقدم على النكاح وبهذه القاعدة نجيب عن قول السائل إذا اشترى امرأته انفسخ النكاح السابق لطروء المنافي عليه فكذلك إذا تزوج أمته ينبغي أن يبطل الملك لورود المنافي عليه فنقول في الجواب إن المدرك ليس تقديم الطارئ على السابق بل المدرك أن الرق أقوى وهو مقدم في الحالتين إن تقدم قدم وإن تأخر قدم فإن سبق لا يبطل وإن طرأ أبطل وهذا هو أثر القوة والرجحان فاندفع السؤال وبهذه القواعد الثلاث
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    القاعدة الثانية أن مقتضى الزوجية يناقض مقتضى الاسترقاق وذلك لأن مقتضى الزوجية قيام الرجل على المرأة بالحفظ والصون والتأديب لإصلاح الإحلال لقوله تعالى الرجال قوامون على النساء ومقتضى الاسترقاق قيام السادات على الرقيق بالقهر والاستيلاء والاستهانة للأعمال وإصلاح الأخلاق ومع تناقض آثار الحقوق يتعذر أن تكون أمة الإنسان زوجته وعبد المرأة زوجها القاعدة الثالثة أن كل أمرين لا يجتمعان يقدم الشرع أقواهما على أضعفهما فمن ذلك الرق من حيث إنه يقتضي مع ملك الرقبة صحة الإيجار والإخدام والتمكن من المنافع التي بعضها حل الوطء يكون أي الرق أقوى من النكاح فيقدم عليه بحيث يفسخ النكاح إن طرأ هو عليه كما إذا اشترى الزوج امرأته ولا يبطل إن طرأ النكاح عليه كما إذا تزوج الرجل أمته ليتحقق أثر قوته عليه فلا يقال كان ينبغي حيث فسخ النكاح بطروه عليه لورود المنافي أن يبطل الملك بطرو النكاح عليه لذلك فافهم وأما الأمر الثاني أي السبب في اختلافهم في كون نكاح الحر الأمة يشترط فيه ما ذكر أي من الطول وخوف العنت أم لا فهو كما في بداية المجتهد معارضة دليل الخطاب في قوله تعالى ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح الآية لعموم قوله تعالى وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين الآية الأولى يقتضي أن لا يحل نكاح الأمة إلا بشرطين أحدهما عدم الطول إلى الحرة والثاني خوف العنت وعموم الآية الثانية يقتضي عدم الاشتراط لكن دليل الخطاب أقوى هاهنا والله أعلم من العموم لأن هذا العموم لم يتعرض فيه إلى صفات الزوج المشترطة في نكاح الإماء وإنما المقصود به الأمر بإنكاحهن وهو أيضا محمول على الندب عند الجمهور مع ما في ذلك من إرقاق الرجل ولده
    ا ه كلام ابن رشد الحفيد ملخصا قال واختلف الذين لم يجيزوا النكاح إلا بالشرطين المنصوص عليهما في فرعين مشهورين
    ____________________
    (3/246)
    ظهر الفرق بين اجتماع النكاح والرق الكائن لغير الزوجين وبين امتناع اجتماعهما إذا كان الرق للزوجين
    الفرق الرابع والخمسون والمائة بين قاعدة الحجر على النسوان في الإبضاع وبين قاعدة الحجر عليهم في الأموال اعلم أن النساء على الإطلاق لا يجوز لامرأة أن تزوج نفسها وتتصرف في بضعها كانت ثيبا أو بكرا رشيدة في مالها أم لا دنية عفيفة أم فاخرة وأما الأموال فيفرق فيها بين الرشيدة الثيب وغيرها فيجوز لها التصرف ولا يجوز للولي الاعتراض عليها وإن كان أباها الذي هو أعظم الأولياء لأن له ولاية الجبر والفرق من وجوه أحدها أن الإبضاع أشد خطرا وأعظم قدرا فناسب أن لا تفوض إلا لكامل العقل ينظر في مصالحها والأموال خسيسة بالنسبة إليها فجاز تفويضها لمالكها إذ الأصل أن لا يتصرف في المال إلا مالكه
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    أحدهما هل الحرة إذا كانت تحته طول أو ليست بطول قال أبو حنيفة هي طول وقال غيره ليست بطول وعن مالك في ذلك القولان والفرع الثاني هل يجوز لمن فيه هذان الشرطان نكاح أكثر من أمة واحدة والسبب في اختلافهم في الفرعين هو أن خوف العنت هل لا يعتبر إلا في العزب فمن لم يكن عزبا بل تحته حرة أو أمة واحدة لم يجز له نكاح الأمة لو أنه يعتبر مطلقا سواء كان عزبا أو متأهلا لأنه قد لا تكون الزوجة الأولى حرة كانت أو أمة مانعة من العنت وهو لا يقدر على حرة تمنعه من العنت فله أن ينكح على الأولى ولو حرة أمة لأن مع هذه الحرة في خوف العنت كحاله قبلها وبخاصة إذا خشي العنت من الأمة التي يريد نكاحها لكن اعتبار خوف العنت مطلقا فيه نظر وإذا قلنا إن له أن يتزوج على الحرة أمة فتزوجها بغير إذنها فهل لها الخيار في البقاء معه أو في فسخ النكاح قولان لمالك رحمه الله تعالى واختلف أصحاب مالك إذا وجد طولا بحرة هل يفارق الأمة أم لا ولم يختلفوا فيما إذا ارتفع عنه خوف العنت أنه لا يفارقها
    ا ه ملخصا والله سبحانه وتعالى أعلم
    الفرق الرابع والخمسون والمائة بين قاعدة الحجر على النسوان في الإبضاع وبين قاعدة عدم الحجر عليهن في الأموال قال مالك والشافعي وابن حنبل رضي الله عنهم لا يجوز للمرأة أن تعقد لنفسها ولا لغيرها من النساء بكرا كانت أو ثيبا رشيدة في مالها أو سفيهة دنية عفيفة أو فاجرة أذن لها الولي أو لا ويجوز لها إن كانت رشيدة التصرف في مالها ولا يجوز للولي وإن كان أباها الذي له ولاية الجبر الاعتراض عليها إلا إذا كانت سفيهة قال ابن رشد الحفيد في بدايته وفرق بين البكر والثيب فقال باشتراط الولي في
    ____________________
    (3/247)
    وثانيها أن الإبضاع يعرض لها تنفيذ الأغراض في تحصيل الشهوات القوية التي يبذل لأجلها عظيم المال ومثل هذا الهوى يغطي على عقل المرأة وجوه المصالح لضعفه فتلقي نفسها لأجل هواها فيما يرديها في دنياها وأخراها فحجر عليها على الإطلاق لاحتمال توقع مثل هذا الهوى المفسد ولا يحصل في المال مثل هذا الهوى والشهوة القاهرة التي ربما حصل الجنون وذهاب العقل بسبب فواتها وثالثها أن المفسدة إذا حصلت في الإبضاع بسبب زواج غير الأكفاء حصل الضرر وتعدى للأولياء بالعار والفضيحة الشنعاء وإذا حصل الفساد في المال لا يكاد يتعدى المرأة وليس فيه من العار والفضيحة ما في الإبضاع والاستيلاء عليها من الأرذال الأخساء فهذه فروق عظيمة بين القاعدتين وقد سئل بعض الفضلاء عن المرأة تزوج نفسها فقال في الجواب المرأة محل الزلل والعار إذا وقع لم يزل وفي الفرق مسألتان المسألة الأولى قال مالك والشافعي وابن حنبل رضي الله عنهم لا يجوز عقد المرأة على نفسها ولا على غيرها من النساء بكرا كانت أو ثيبا رشيدة أو سفيهة أذن لها الولي أم
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    البكر وعدم اشتراطه في الثيب محتجا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما المتفق على صحته وهو قوله عليه الصلاة والسلام الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر في نفسها وإذنها صماتها ا ه وقال أبو حنيفة رضي الله عنه يجوز للرشيدة أن تزوج نفسها محتجا على ذلك بوجوه خمسة الوجه الأول أن الأصل عدم الحجر على العاقل البالغ وهي عاقلة بالغة فيزول الحجر عنها مطلقا في نفسها الوجه الثاني أنه كما يكتفى بالرشد في التصرف في المال كذلك يكتفى به في عقد النكاح بل تصرفها في نفسها من حيث إنها أعلم بأغراضها من وليها أولى من تصرفها في مالها لأن مصلحة المال التي هي التنمية معلومة للولي كما هي معلومة للمرأة الوجه الثالث قوله تعالى فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف فإنه دليل على جواز تصرفها في العقد على نفسها الوجه الرابع أن الله تعالى قد أضاف إليهن في غير ما آية من الكتاب الفعل فقال أن ينكحن أزواجهن وقال حتى تنكح زوجا غيره ولم يضفه إلى الولي وهو ظاهر في إذن الشرع لهن في المباشرة الوجه الخامس أن ما رواه الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل وإذا دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له أخرجه الترمذي وقال فيه حديث حسن وإن استدل به الفقهاء على بطلان قول أبي حنيفة من جهة أنه يدل بمفهومه على أن الولي إذا أذن لها يجوز عقدها وهم لا يقولون بذلك إلا أنه يمكن أن يستدل به على صحة مذهب أبي حنيفة من جهة أن عقدها على نفسها إذا صح مع الإذن صح مطلقا لأنه لا قائل بالفرق والجواب عن الوجه الأول أن الدليل من الكتاب والسنة قد دل على مخالفة ذلك الأصل أما من
    ____________________
    (3/248)
    لا وقال أبو حنيفة رضي الله عنه يجوز للرشيدة أن تزوج نفسها واحتج على ذلك بوجوه أحدها قوله تعالى أن ينكحن أزواجهن وقوله تعالى حتى تنكح زوجا غيره فأضاف العقد إليها دون الولي وهو ظاهر في المباشرة وأذن الشرع لها في ذلك وثانيها أنها متصرفة في مالها ففي نفسها بطريق الأولى لأنها أعلم بأغراضها من وليها ومصلحة المال التي هي التنمية معلومة للولي كما هي معلومة للمرأة وثالثها أن الأصل عدم الحجر على العاقل والبالغ وهي عاقلة بالغة فيزول الحجر عنها مطلقا في نفسها ومالها ورابعها قوله عليه الصلاة والسلام أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل والفقهاء يستدلون به على بطلان قول أبي حنيفة وهو يدل بمفهومه على أن الولي إذا أذن لها يجوز عقدها وهم لا يقولون به ويمكن الاستدلال على صحة مذهب أبي حنيفة من جهة أن عقدها على نفسها إذا صح مع الإذن صح مطلقا لأنه قائل بالفرق
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الكتاب فقوله تعالى وأنكحوا الأيامى منكم فخاطب الأولياء بصيغة الأمر الدالة على الوجوب ولو كان ذلك للمرأة لتعذر ذلك كما أنه لا يصح أن يقال للأولياء بيعوا أموال النساء لأن التصرف في الأموال لهن قال ابن العربي في كتاب الأحكام واحتمال كونه خطابا للأزواج خلاف الصحيح لأنه قال أنكحوا بالهمزة ولو أراد الأزواج لقال ذلك بغير همزة وكانت الألف للوصل وإن كان بالهمز في الأزواج له وجه فالظاهر أولى فلا يعدل إلى غيره إلا بدليل
    ا ه قوله تعالى ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا قال ابن العربي في الأحكام قال محمد بن علي بن حسين النكاح بولي في كتاب الله تعالى ثم قرأ ولا تنكحوا إلخ بضم التاء وهي مسألة بديعة ودلالة صحيحة ا ه ولعل وجهه أن كونه خطابا للأولياء أظهر من كونه خطابا لأولي الأمر لوجهين الأول أن ولي الأمر من جملة الأولياء إذ السلطان ولي من لا ولي له فلا وجه لتخصيصه الثاني أن الضرر بزواج غير الأكفاء إنما يتعدى بالعار والفضيحة الشنعاء للأولياء لا ولي الأمر منهم فهم أحق بخطاب الإرشاد منه فافهم وقوله تعالى فإذا بلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن لأنه وإن لم يكن فيه أكثر من نهي قرابة المرأة وعصبتها من أن يمنعوها النكاح إلا أنه يقتضي أن لهم حقا في منعها من النكاح على غير الأكفاء وإلا لم يكن لنهيهم من ذلك معنى وثبوت حق لهم في المنع المذكور يستلزم اشتراط إذنهم في صحة العقد فتأمل بإنصاف وأما من السنة فقوله عليه الصلاة والسلام لا تزوج المرأة المرأة ولا المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها خرجه الدارقطني وقال إنه حديث حسن صحيح
    وعن الوجه الثاني بأن بين قاعدة الإبضاع وقاعدة الأموال ثلاثة فروق
    ____________________
    (3/249)
    والجواب عن الأول أن النكاح حقيقة في الوطء ونحن نقول بموجبه فإن الوطء لها دون وليها فإن قلت الزوج هو الفاعل لذلك دون المرأة قلت مسلم فيحمل على التمكين من ذلك الفعل لأنه أقرب للحقيقة من العقد والمجاز الأقرب يجب المصير إليه عند تعذر الحقيقة ويوضحه قوله تعالى وأنكحوا الأيامى منكم فخاطب الأولياء بصيغة الأمر الدالة على الوجوب ولو كان ذلك للمرأة لتعذر ذلك كما أنه لا يصح أن يقال للأولياء بيعوا أموال النساء لأن التصرف في الأموال لهن وقوله عليه السلام لا تزوج المرأة المرأة ولا المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها خرجه الدارقطني وقال إنه حديث حسن صحيح وعن الثاني الفرق بين الإبضاع والأموال ما تقدم وعن الثالث أن الدليل دل على مخالفة ذلك الأصل وهو الحديث والآيات السابقة وعن الرابع أن القاعدة المنصوص عليها في أصل الفقه أن الوصف إذا خرج مخرج الغالب لا يكون حجة إجماعا وضابط ذلك أن يكون الوصف المذكور غالبا على وقوع ذلك الحكم المذكور أو على تلك الحقيقة المحكوم عليها كقوله تعالى ولا تقتلوا
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الفرق الأول أن الإبضاع أشد خطرا وأعظم قدرا فناسب أن لا تفوض إلا لكامل العقل ينظر في مصالحها والأموال لما كانت بالنسبة إليها خسيسة جاز أن نفوض لمالكها إذ الأصل أن لا يتصرف في المال إلى مالكه والفرق الثاني أن الإبضاع يعرض لها تنفيذ الأغراض في تحصيل الشهوات القوية التي يبذل لأجلها عظيم المال فيغطي مثل هذا الهوى على عقل المرأة لضعفه وجوه المصالح فتلقي نفسها لأجل هواها فيما يرديها في دنياها وأخراها فحجر عليها على الإطلاق لاحتمال توقع مثل هذا الهوى المفيد ولا يحصل في المال مثل ذلك الفرق الثالث أن المفسدة إذا حصلت في الإبضاع بسبب زواج غير الأكفاء وحصل الضرر للمرأة تعدى منها للأولياء بالعار والفضيحة الشنعاء وإذا حصل الفساد في الأموال وحصل الضرر على المرأة لا يكاد يتعداها وليس فيه من العار والفضيحة ما في الإبضاع والاستيلاء عليها من الأراذل الأخساء فهذه فروق عظيمة بين القاعدتين فمن هنا لما سئل بعض الفضلاء عن المرأة تزوج نفسها قال في الجواب المرأة محل الزلل والعار إذا وقع لم يزل وعن الوجه الثالث بأن المفهوم من قوله تعالى فلا جناح عليكم إلخ النهي عن التثريب عليهن فيما استبددن بفعله دون أوليائهن وليس هاهنا شيء يمكن أن تستبد به المرأة دون الولي إلا عقد النكاح فظاهر هذه الآية والله أعلم أن لها أن تعقد النكاح وللأولياء الفسخ إذا لم يكن بالمعروف وهو الظاهر من الشرع فالاحتجاج بها على أن لها العقد وليس لأوليائها فسخه مطلقا احتجاج ببعض ظاهر الآية دون بعضها الآخر وفيه ضعف وليس في إضافة النكاح إليهن دليل اختصاصهن نعم
    ____________________
    (3/250)
    أولادكم خشية إملاق فإن القتل الغالب عليه أن لا يقع في الأولاد إلا لتوقع ضرر كالإملاق الذي هو الفقر أو نحو ذلك من الفضيحة فلا تكون له دلالة على جواز القتل عند عدم خوف الإملاق وكذلك قوله عليه السلام في الغنم السائمة الزكاة والغالب على الغنم السوم لا سيما أغنام الحجاز فلا يكون مفهومه حجة على عدم وجوب الزكاة في المعلوفة وكذلك ههنا الغالب أن المرأة لا تقدم على زواج نفسها إلا خفية عن وليها وهو غير آذن لها في ذلك والعادة قاضية بذلك فإذا خرج مخرج الغالب فلا يكون حجة إجماعا قال صاحب الجواهر لا خلاف عندنا أنها لا تكون وليا على امرأة وروي عن ابن القاسم أنها تكون ولية على عبيدها ومن وصيت عليه من أصاغر الذكور دون الإناث والفرق من ثلاثة أوجه أحدها أن للصبي أهلية العقد بعد البلوغ وكذلك العبد بعد العتق وثانيها أنهما قادران على رفع العقد بعد البلوغ بالطلاق
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الأصل الاختصاص كما في بداية المجتهد إلا أن الدليل المتقدم وهو الحديث والآيات السابقة قد قام على خلاف ذلك الأصل فلا تغفل وعن الوجه الرابع بأنا لا نسلم أن النكاح حقيقة في العقد بل إنما يقول أنه حقيقة في الوطء ولا شك أن الوطء لها دون وليها وكون الفاعل لذلك هو الزوج دون المرأة مسلم إلا أن التمكين من ذلك الفعل لها والحمل عليه وإن كان مجازا كالحمل على العقد إلا أنه أقرب للحقيقة من العقد والأقرب يجب المصير إليه عند تعذر الحقيقة ويوضحه قوله تعالى وأنكحوا الأيامى منكم وحديث الدارقطني السابقان فافهم وعن الوجه الخامس أن القاعدة المنصوص عليها في أصول الفقه أن الوصف إذا خرج مخرج الغالب لا يكون حجة إجماعا وضابط ذلك أن يكون الوصف المذكور غالبا على وقوع ذلك الحكم المذكور كقوله تعالى وربائبكم اللاتي في حجوركم إلخ فإن كون بنت الزوجة المدخول بها في حجر زوج الأم غالب على وقوع تحريمها على زوج الأم فلا تكون له دلالة على جوازها له حيث لم تكن في حجره فافهم أو غالبا على تلك الحقيقة المحكوم عليها كقوله تعالى ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق فإن القتل الغالب عليه أن لا يقع في الأولاد إلا لتوقع ضرورة الإملاق الذي هو الفقر أو نحو ذلك من الفضيحة فلا تكون له دلالة على جواز القتل عند عدم خوف الإملاق ومن ذلك ما هنا من أن المرأة لا تقدم على زواج نفسها في الغالب لا خفية عن وليها وهو غير آذن لها في ذلك والعادة قاضية بذلك فلا يكون مفهوم قيد بغير إذن وليها في الحديث حجة إجماعا على أن الولي إذا أذن لها يجوز عقدها وأنه إذا صح مع الإذن صح مطلقا لأنه لا قائل بالفرق واحتجاج داود بحديث ابن عباس السابق المتفق على صحته لقوله بالفرق بين الثيب والبكر في المعنى المذكور إنما هو باعتبار ظاهره لأنه إذا كان كل واحد
    ____________________
    (3/251)
    وثالثها أن الولاية عليهما ليست لطلب الكفاءة المحتاجة لدقيق النظر بخلاف الأنثى في ذلك المسألة الثانية في العفو عن الصداق قال الله تعالى وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أي يعفو النساء عن النصف الذي وجب لهن فيسقط وهذا متفق عليه بين العلماء ثم قال أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح قال مالك الذي بيده عقدة النكاح المشار إليه هو الأب في ابنته والسيد في أمته وقال أبو حنيفة والشافعي وابن حنبل هو الزوج واحتجوا على ذلك بوجهين أحدهما أنه قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك صريحا وثانيهما أن الأصل يقتضي عدم تسليط الولي على مال موليته والجواب عن الأول أنه ضعيف لا تقوم به حجة سلمنا صحته لكن لا نسلم أنه تفسير للآية بل إخبار عن حال الزوج قبل الطلاق أن له أن يفعل ذلك
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    من الثيب والبكر يستأذن ويتولى العقد عليهما الولي فبماذا وليت شعري تكون الأيم أحق بنفسها من وليها لكن احتجاجه به مبني على مذهبه من التزام الظواهر إما على مذهب من لا يلتزمها فلا ينهض حجة على ذلك إذ يحتمل أن تكون التفرقة بينهما في السكوت والنطق فقط ويكون السكوت كافيا في العقد كما في بداية المجتهد لحفيد ابن رشد وفي المنتقى للباجي في شرح قوله في الحديث الأيم أحق إلخ الأيم هي التي لا زوج لها قط إلا أن العرف خصه بالثيب والأظهر الحمل عليه لوجهين أحدهما أن زياد بن سعد روى هذا الحديث عن عبد الله بن الفضل قال الثيب أحق بنفسها من وليها وثانيهما أن اللفظ عليه يحمل على عمومه بدون تخصيص بخلافه على المعنى الأصلي ومعنى كونها أحق بنفسها من وليها أنه ليس له إجبارها على النكاح ولا إنكاحها بغير إذن وليها وإنما له أن يزوجها بإذنه ممن ترضاه وليس لها هي أن تعقد لنفسها نكاحا ولا تباشره ولا أن تضع نفسها عند غير كفء ولا أن تولي ذلك غير وليها فلكل واحد منها حق في عقد النكاح ووجه كونها أحق به أنها إن كرهت النكاح لم ينعقد بوجه وإن كرهه الولي ورغبته الأيم عرض على الولي العقد فإن أبى عقده غيره من الأولياء أو السلطان فهذا وجه كونها أحق به من وليها وفي شرح قوله والبكر تستأمر إلخ قال ابن القاسم وابن وهب وعلي بن زياد عن مالك في المدونة المراد بها البكر التي لا أب لها لا التي لها أب وإن روى زياد هذا الحديث فقال فيه والبكر يستأذنها أبوها يؤيد ذلك وجوه الأول أن مالكا روى هذا الحديث بلفظ والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها وقد تابعه عليه سفيان الثوري وكل واحد منهما إمام إذا انفرد وقوله غلب قوله على قول زياد بن سعد فكيف إذا اتفقا على خلافه الثاني أن صالح بن كيسان رواه عن عبد الله بن الفضل فقال فيه واليتيمة تستأمر وهو أثبت من
    ____________________
    (3/252)
    وعن الثاني أن قاعدة الولاية تقتضي تصرف الولي بما هو أحسن للمولى عليه وقد يكون العفو أحسن للمرأة لاطلاع الولي على الترغيب فيها لهذا الزوج أو غيره وأن ذلك يفضي إلى تحصيل أضعاف المعفو عنه فيفعل ذلك لتحصيل المصلحة فمنعه من ذلك تفويت لمصلحة المرأة لا رفق بها ثم الآية تدل لنا من عشرة أوجه أحدها أن الاستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات نفي والمتقدم قبل هذا الاستثناء إثبات النصف فعلى رأينا تعفو المرأة فيسقط فتطرد القاعدة وعلى رأيهم يعفو الزوج فيثبت مع هذا النصف الذي تشطر بالطلاق فلا تطرد القاعدة بوقوع الإثبات بعد الإثبات وثانيها أن الأصل في العطف بأو التشريك في المعنى فقوله تعالى إلا أن يعفون معناه الإسقاط وقوله تعالى أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح على رأينا الإسقاط فيحصل التشريك وعلى رأيهم الإثبات فلا يحصل التشريك فيكون قولنا أرجح وثالثها أن المفهوم من قولنا إلا أن يكون كذا وكذا تنويع لذلك الكائن إلى نوعين
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    زياد بن سعد وقوله أيضا أولى من جهة النظر ولعل عبد الله بن الفضل لعلمه بالمراد به كان مرة يقول والبكر تستأذن ومرة يقول واليتيمة تستأمر وقد روى هذا الحديث شعبة عن مالك فقال فيه واليتيمة تستأمر الثالث أنه قد روي عن زياد بن سعد والبكر تستأذن بمثل رواية مالك الرابع أنا لو سلمنا صحة رواية زياد لحملنا على البكر المعنس ويجوز أن يحمل على الاستئذان المندوب إليه
    ا ه ملخصا والله سبحانه وتعالى أعلم
    وصل في ثلاث مسائل تتعلق بقوله تعالى وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح مسألتان منها فقهيتان الأولى منهما هي التي تتعلق بهذا الفرق دون الثانية والثالثة نحوية المسألة الأولى قوله تعالى إلا أن يعفون أي يعفو النساء عن النصف الذي وجب لهن من الصداق المفروض لهن فيسقط وهذا متفق عليه بين العلماء ثم قال أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح فاختلفوا في المراد الذي بيده عقدة النكاح فقال مالك هو الأب في ابنته البكر والسيد في أمته وقال أبو حنيفة والشافعي وابن حنبل هو الزوج واحتجوا على ذلك بوجوه كثيرة لبابها أربعة الأول أن الله تعالى ذكر الصداق في هذه الآية ذكرا مجملا من الزوجين فحمل على المعسر في غيرها وقد قال الله تعالى وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا فأذن الله تعالى للزوج في قبول الصداق إذا طابت نفس المرأة بتركه وقال أيضا وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وأتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا إلى آخرها فنهى الله الزوج أن يأخذ مما آتى المرأة إن أراد طلاقها
    ____________________
    (3/253)
    والتنويع فرع الاشتراك في المعنى ولا مشترك بين النفي والإثبات والإسقاط والإعطاء حتى يحسن تنويعه وعلى رأينا المتنوع الإسقاط إلى إسقاط المرأة وإسقاط الولي فكان قولنا أرجح ورابعها أن العفو ظاهر في الإسقاط وهو ما ذكرناه وعلى رأيهم يكون التزام ما سقط بالطلاق والتزام ما لم يجب لا يسمى عفوا وخامسها أن إقامة الظاهر مقام المضمر خلاف الأصل فلو كان المراد الزوج لقيل إلا أن يعفون أو تعفو عما استحق لكم فلما عدل إلى الظاهر دل على أن المراد غير الزواج وسادسهما أن المفهوم من قولنا بيده كذا أي يتصرف فيه والزوج لا يتصرف في عقد النكاح بل كان يتصرف في الوطء بالحل والولي الآن هو المتصرف في العقد فيتناوله اللفظ دون الزوج وسابعها سلمنا أن الزوج بيده عقدة النكاح لكن باعتبار ما كان ومضى فهو مجاز والولي بيده عقدة النكاح الآن فهو حقيقة والحقيقة مقدمة على المجاز
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الثاني أنه قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك صريحا الثالث أن الله تعالى قال ولا تنسوا الفضل بينكم وليس لأحد في هبة مال آخر فضل وإنما ذلك فيها يهبه المفضل من مال نفسه والأصل يقتضي عدم تسلط الولي على مال موليته الرابع أن عفا كما يقال بمعنى أسقط كذلك يقال بمعنى بذل واستعماله في معنييه أبلغ وأولى من استعماله في إحداهما لأن فيه حينئذ شبه استخدام ولأن حكمة ذلك أن المرأة إذا أسقطت ما وجب من نصف الصداق إبقاء للمروءة واتقاء في الديانة قائلة لم ينل مني شيئا ولا أدرك ما بذل فيه هذا المال كان من المناسب أن يقول الزوج أنا أترك المال لها لأني قد نلت الحل وابتذلتها بالطلاق فتركه أقرب للتقوى وأخلص من اللائمة والجواب عن الأول أن جعل الآيتين اللتين استشهدوا بهما تفسيرا لمجمل هذه الآية ضعيف يسقط حكم الولي بخلاف جعل الآيتين المذكورتين لبيان حكم الأزواج وهذه الآية لبيان حكم الولي بأن يقال إن الله تعالى أراد أن يميز الولي فيها عن الزوج بمعنى يخصه فكنى عنه كناية مستحسنة بقوله تعالى الذي بيده عقدة النكاح فإن ذلك أبلغ في الفصاحة وأتم في المعنى وأجمع للفوائد فإنه يقتضي مجيء الأحكام كلها مبينة والفوائد الثلاثة معتبرة وعن الثاني أنه ضعيف لا تقوم به حجة سلمنا صحته لكن لا نسلم أنه تفسير للآية بل إخبار عن حال الزوج قبل الطلاق أن له أن يفعل ذلك وعن الثالث أن قاعدة الولاية تقتضي تصرف الولي بما هو أحسن للمولى عليه وقد يكون العفو أحسن للمرأة لاطلاع الولي على الترغيب فيها لهذا الزوج أو غيره
    ____________________
    (3/254)
    وثامنها أن المراد بقوله إلا أن يعفون الرشيدات إجماعا إذا المحجور عليهن لا ينفذ الشرع تصرفهن فالذي يحسن مقابلتهن بهن المحجورات على أيدي الأولياء أما الأزواج فلا مناسبة فيهم للرشيدات وتاسعها أن الخطاب كان مع الأزواج بقوله تعالى وقد فرضتم لهن فريضة وهو خطاب مشافهة فلو كانوا مرادين في قوله تعالى الذي بيده عقدة النكاح لقال أو تعفو بلفظ تاء الخطاب فلما قال أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وهو خطاب غيبة لزم تغير الكلام من الخطاب إلى الغيبة وهو وإن كان جائزا لكنه خلاف الأصل وعاشرها أن وجوب الصداق أو بعضه قبل المسيس خلاف الأصل لأن استحقاق تسليم العوض يقتضي بقاء المعوض قابلا للتسليم أما مع تعذره فلا بشهادة البيع والإجارة كذلك إذا تعذر تسليم المبيع أو المنفعة لا يجب تسليم العوض في ذلك فإسقاط الأولياء النصف على وفق الأصل وتكميل الزوج على خلاف الأصل ولذلك قال مالك في المدونة لا يجوز ذلك للأب قبل الطلاق قال ابن القاسم إلا بوجه نظر من عسر الزوج أو غيره
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    وأن ذلك يفضي إلى تحصيل إضعاف المعفو عنه فيفعل ذلك لتحصيل المصلحة فمنعه من ذلك تفويت لمصلحة المرأة لا رفق بها والإفضال الذي لا يكون بمال أحد إنما هو بمعنى بذل ما تملكه يده أما الإفضال بمعنى الإسقاط ما يملك إسقاطه فهذا نافذ لأنه نظير تفضله على الزوج بأن يزوجه بأقل من مهر المثل وقد انعقد الإجماع على نفوذه وعن الرابع بأن مجيء العفو بمعنى واحد من الجهتين أبلغ في الفصاحة وأوفى في المعنى من مجيئه بمعنيين لأن فيه إسقاط أحد العافيين وهو الولي المستفاد إذا كان العفو بمعنى الإسقاط وأما ندب الزوج إلى إعطاء الصداق كله في الآيتين اللتين ذكروا فذلك معلوم من دليل آخر فإن قلت قد قال ابن رشد الحفيد في بدايته ما خلاصته أن في قوله تعالى أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح احتمالين على السواء أحدهما أن يعود الضمير على الزوج فيكون يعفو بمعنى يهب وثانيهما أن يعود على الولي ويكون يعفو بمعنى يسقط لكن من جعله الزوج فلم يوجب حكما زائدا في الآية أي شرعا زائدا لأن جواز ذلك معلوم من ضرورة الشرع ومن جعله الولي فقد زاد شرعا فلذلك يجب عليه أن يأتي بدليل يبين به أن الآية أظهر في الولي منها في الزوج وذلك شيء يعسر قلت قال الأصل الآية تدل لما قلنا من تسعة أوجه الوجه الأول أن الاستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات نفي والمتقدم قبل هذا الاستثناء إثبات النصف فعلى رأينا تعفو المرأة ووليها فيسقط فتطرد القاعدة وعلى رأيهم يعفو الزوج فيثبت مع هذه النصف الذي تشطر بالطلاق فلا تطرد القاعدة بوقوع الإثبات بعد الإثبات
    ____________________
    (3/255)
    ولا يلحق الوصي بالأب لقصور نظره عنه وفي الجلاب لا يجوز للأب العفو قبل الطلاق ولا بعد الدخول بخلاف الطلاق قبل الدخول والفرق أن استحقاقه بعد الطلاق قبل الدخول خلاف الأصل فسلط الأب عليه إذا رآه نظرا بخلاف الدخول لتعين الاستحقاق فغلب حق الزوجة فائدة يروى أن بعض الأدباء دخل على بعض الخلفاء فأنشده هذه الأبيات من كان مسرورا بمصرع مالك فليأت نسوتنا بوجه نهار يجد النساء حواسرا يندبنه قد قمن قبل تبلج الأسحار قد كن يخبئان الوجوه تسترا والآن حين بدون للنظار فقال كيف تقول بدأن بالهمز أو بدين بالياء فقال يا أمير المؤمنين لا أقول بدين ولا بدأن بل بدون فقال له أصبت وقصد غرته من وجهين أحدهما أن صدر البيت بالهمز في قوله يخبئان الوجوه فقياسه أن يقول بدأن مثل يخبئان بالهمز فيهما فخطر له أنه يغتر بذلك فيخطأ فلم يفعل ذلك وثانيهما قصد التخطئة أن الواو تكون ضمير الفاعل المذكر فلا يجوز أن يقول
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    والوجه الثاني أن الأصل في العطف أو التشريك في المعنى فقوله تعالى إلا أن يعفون معناه الإسقاط وقوله تعالى أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح على رأينا الإسقاط فيحصل التشريك وعلى رأيهم الإثبات فلا يحصل التشريك فيكون قولنا أرجح والوجه الثالث أن المفهوم من قولنا إلا أن يكون كذا وكذا تنويع لذلك الكائن إلى نوعين والتنويع فرع الاشتراك في المعنى ولا مشترك بين النفي والإثبات والإسقاط والإعطاء حتى يحسن تنويعه وعلى رأينا المتنوع إلى إسقاط المرأة وإسقاط الولي هو مطلق الإسقاط فكان قولنا أرجح والوجه الرابع أن العفو ظاهر في الإسقاط وهو ما ذكرناه وعلى رأيهم يكون مع صدقة على التزام ما وجب بالطلاق أيضا صادقا على التزام ما سقط بالطلاق والتزام ما لم يجب لا يسمى عفوا والوجه الخامس أن إقامة الظاهر مقام المضمر خلاف الأصل فلو كان المراد الزوج لقيل إلا أن يعفون أو يعفو عما استحق لكم لأن الخطاب بقوله تعالى وقد فرضتم لهن فريضة كان مع الأزواج فلما عدل الظاهر دل على أن المراد غير الزوج لأنه وإن كان جائزا على طريق الالتفات إلا أنه خلاف الأصل كما علمت والوجه السادس أن المفهوم من قولنا بيده كذا أي يتصرف فيه والزوج لا يتصرف في عقد النكاح بل كان يتصرف في الوطء بالحل والولي الآن هو المتصرف في العقد فيتناوله اللفظ دون الزوج والوجه السابع سلمنا أن الزوج بيده عقدة النكاح لكن باعتبار ما كان ومضى فهو مجاز والولي بيده عقدة النكاح الآن فهو حقيقة والحقيقة مقدمة على المجاز والوجه الثامن أن المراد بقوله إلا أن يعفون الرشيدات إجماعا إذ المحجور عليهن لا ينفذ الشرع
    ____________________
    (3/256)
    بدون بالواو لأن ضمير النسوة لا يكون بالواو فما حمله ذلك على الخطأ بل نطق بالصواب وهو الواو وما ذكرت هذه الأبيات إلا لتعلقها بالآية لقوله تعالى في النساء إلا أن يعفون بالواو فضعفه بعض الفقهاء بقوله كيف يجيء ضمير المؤنث بالواو وليس كما خطر له وليس الواو هنا ضميرا بل من نفس الفعل لأنه من عفا يعفو بالواو وكذلك هي في الأبيات هو من بدا يبدو بالواو وشأن ضمير المؤنث الذي هو النون يحقق آخر الفعل فإن كان ياء بقي ياء وإن كان واوا بقي واوا وإن كان همزة بقي همزة وأي حرف كان بقي على حاله مثال الياء قولك رمي يرمي فنقول النسوة رمين بالياء والواو كقولك دعا يدعو والنسوة دعون والهمزة نحو قرأ يقرأ والنسوة قرأن فلذلك قال الله تعالى يعفون بالواو وقال الشاعر بدون للناظر ويروى أن بعض الأدباء المشهورين طرحت عليه هذه الأبيات فأخطأ فيها وقال بدأن للنظار فخطئ وفي الأبيات سؤال آخر مشكل من جهة المعنى وهو أن هذا القائل قصد شيئا وهو إخمال الشماتة وكلامه يقتضي تقويتها فإن قوله من كان مسرورا بوقعة مالك أو بمصرع مالك فليأت نسوتنا بوجه نهار وذكر من حال النسوة ما يقتضي زيادة
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    تصرفهن فالذي يحسن مقابلتهن بالمحجورات على أيدي الأولياء إلا بالأزواج إذ لا مناسبة فيهم للرشيدات والوجه التاسع أن وجوب الصداق أو بعضه قبل المسيس خلاف الأصل لأن استحقاق تسليم العوض يقتضي بقاء العوض قابلا للتسليم أما مع تعذره فلا بشهادة البيع والإجارة فإنه إذا تعذر تسليم المبيع أو المتعة لا يجب تسليم العوض في ذلك فإسقاط الأولياء النصف على وفق الأصل وتكميل الزوج على خلاف الأصل ولذلك قال مالك في المدونة لا يجوز ذلك للأب قبل الطلاق قال ابن القاسم إلا بوجه نظر من عسر الزوج أو غيره ولا يلحق الوصي بالأب لقصور نظره عنه وفي الجلاب لا يجوز للأب العفو قبل الطلاق ولا يعد الدخول بخلاف الطلاق قبل الدخول والفرق أن استحقاقه بعد الطلاق قبل الدخول خلاف الأصل فسلط الأب عليه إذا رآه نظرا بخلاف الدخول لتعيين الاستحقاق فغلب حق الزوجية فالحكم هنا كما خص عموم في قوله تعالى إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح عند الجمهور بالصغيرة والمحجورة كذلك خص عندنا بالأب في ابنته البكر والسيد في أمته لكمال نظرهما قال ابن رشد الحفيد في بدايته والجمهور أن المرأة الصغيرة والمحجورة ليس لها أن تهب من صداقها النصف الواجب لها وشذ قوم فقالوا يجوز أن تهب معه لعموم قوله تعالى إلا أن يعفون
    ا ه فافهم هذا خلاصة ما في الأصل وأحكام ابن العربي مع زيادة المسألة الثانية قال ابن العربي في أحكامه هذه الآية حجة على صحة هبة المشاع لأن الله تعالى أوجب
    ____________________
    (3/257)
    الشماتة وتحقق المصيبة وهتك العيال وتهتك الوجوه وهذا يزيد الشامت شماتة والجواب عنه أن عادة العرب أنها لا تقيم مأتما ولا تفعل النسوة هذا الفعل إلا بعد
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    للمرأة بالطلاق نصف الصداق فعفوها للرجل عن جميعه كعفو الرجل ولم يفصل بين مشاع ومقسوم وقال أبو حنيفة لا تصح هبة المشاع فورد عليه عموم الآية وأراد علماء ما وراء النهر الانفصال عنها بقولهم إن الله تعالى إنما بين تكميلا ثبت بنفس العفو دون شرط قبض ذلك في عفو المرأة فأما العين فلا يكمل العفو فيه إلا بقبض متصل به أو قبض قائم ينوب عن قبض الهبة ولئن حملنا الآية على عقد شرط زيادة القبض فنحن لا نشترط إلا تمامه وتمامه بالقسمة فآل الاختلاف إلى كيفية القبض لكن هذا الانفصال إنما يستمر على أصحاب الشافعي الذين يشترطون في الهبة القبض فأما نحن فلا نرى ذلك فلا يصح لهم هذا الانفصال معنا فإن نفس العفو ممن عفا يخلص ملكا لمن عفي له وأما أصحاب الشافعي فلا يصح لهم هذا معهم إلا من طريق أخرى وهي أن الآية بمطلقها تفيد صحة هبة المشاع من حيث كونه مشاعا وافتقار الهبة إلى القبض نظر آخر يؤخذ من دليل يخص تلك النازلة فمشترط القسمة مفتقر إلى دليل ولم يجدوه إلا من طريق المعنى المبني على اشتراط القبض ونحن لا نسلمه وليس التمييز من القبض أصلا في ورد ولا صدر فصح تعلقنا بالآية وعمومها وسلمت من تشغيلهم ا ه بتصرف المسألة الثالثة ضعف بعض الفقهاء قوله تعالى في النساء إلا أن يعفون بالواو بقوله كيف يجيء ضمير المؤنث بالواو وليس كما خطر له إذ الواو هنا ليس ضميرا وإلا لحذف الناصب النون بل الضمير النون والواو لام الفعل لأنه من عفا يعفو بالواو وشأن ضمير المؤنث الذي هو النون وكذا كل ضمير بارز أن يلحق آخر الفعل على حاله الأصلي أي حرف كان فيبقيه في نحو رمى يرمي ياء تقول النسوة رمين وأنا قضيت وفي نحو دعا يدعو واوا تقول النسوة دعون وأنا عفوت وفي نحو قرأ يقرأ همزة تقول النسوة قرأن وأنا أبرأت وهكذا فلذلك قال الله تعالى إلا أن يعفون بالواو وقال الشاعر من كان مسرورا بمصرع مالك فليأت نسوتنا بوجه نهار يجد النساء حواسرا يندبنه قد قمن قبل تبلج الأسحار قد كن يخبئن الوجوه تسترا والآن حين بدون للنظار فمن هنا روي أن بعض الأدباء لما دخل على بعض الخلفاء وأنشده هذه الأبيات قال له كيف تقول بدأن بالهمز وبدين بالياء مريدا غرته من وجهين أحدهما أن صدر البيت يخبئن الوجوه بالهمز فقياسه أن يقول بدأن مثل يخبئن بالهمز فيهما وثانيهما أن الواو تكون ضمير الفاعل على المذكر لا ضمير النسوة فما حمله ذلك على الخطأ بل نطق بالصواب فقال أمير المؤمنين لا أقول بدين ولا بدأن بل بدون فقال له أصبت ويروى أن بعض الأدباء المشهورين طرحت عليه هذه الأبيات فأخطأ فيها وقال بدأن للنظار فأخطأ وفي الأبيات سؤال آخر عن مشكل من جهة المعنى وهو أن هذا القائل كيف يقصد إخمال الشماتة وكلامه يقتضي تقويتها فإن قوله من كان مسرورا بوقعة مالك أو بمصرع مالك فليأت نسوتنا بوجه نهار وذكر من حال النسوة ما يقتضي زيادة
    ____________________
    (3/258)
    أخذ ثأر من يفعل ذلك في حقه ومن لا يؤخذ بثأره لا يستحق عندهما أن يقام له مأتم ولا يبكى عليه فلذلك قال أيها الشامت انظر كيف حال النسوة وذلك يدل على أنا أخذنا بثأره وذهبت شماتة الشامت به عندهم أو خفت فهذا وجه هذه الأبيات
    الفرق الخامس والخمسون والمائة بين قاعدة الأثمان في البياعات تتقرر بالعقود وبين قاعدة الصدقات في الأنكحة لا يتقرر شيء منهما بالعقود على المشهور من مذهب مالك وفيها ثلاثة أقوال أحدها عدم التقرر مطلقا وهو المشهور وثانيها التقرر مطلقا والطلاق مشطر وثالثها النصف يتقرر بالعقد والنصف الآخر غير متقرر حتى يسقط بالطلاق أو يثبت بالدخول أو الموت وأما أثمان البيعان فلم أعلم فيها خلافا وسر الفرق أن الصداق
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الشماتة وتحقيق المصيبة وهتك العيال وتهتك الوجوه وهذا يزيد الشامت شماتة وجوابه أن عادة العرب أنها لا تقيم مأتما ولا تفعل النسوة هذا الفعل إلا بعد أخذ ثأر من يفعل ذلك في حقه ومن لا يؤخذ بثأره لا يستحق عندهم أن يقام له مأتم ولا يبكى عليه فلذلك قال أيها الشامت انظر كيف حال النسوة فذلك يدل على أنا أخذنا بثأره وذهبت شماتة الشامت به عندهم أو خفت فهذا وجه هذه الأبيات والله سبحانه وتعالى أعلم
    الفرق الخامس والخمسون والمائة بين قاعدة الأثمان في البياعات تتقرر بالعقود بلا خلاف وبين قاعدة الصدقات في الأنكحة لا يتقرر شيء منها بالعقود مطلقا على المشهور من مذهب مالك ومقابل المشهور قولان أحدهما التقرر مطلقا والطلاق مشطر وثانيهما النصف يتقرر بالعقد والنصف الآخر غير متقرر حتى يسقط بالطلاق أو يثبت بالدخول أو الموت فالنظر هنا في ثلاثة أمور الأمر الأول سر الفرق بين البابين على المشهور في الصداق والأمر الثاني سبب الخلاف والأمر الثالث ثمرة الخلاف أما الأمر الأول فهو أن المشهور لاحظ أن الصداق شرط في الإباحة لا عوض عن الوطأة الأولى لوجهين الأول أن الناس لا يقصدون به المعاوضة بل التحمل بشهادة العادة أن العقلاء لا يقصدون الوطأة الأولى بالصداق
    ____________________
    (3/259)
    في النكاح شرط في الإباحة وشأن الشرط أن يتعين ثبوته عند ثبوت المشروط وليس الناس يقصدون بالصداق المعاوضة بل التجمل وصاحب الشرع أيضا لم يرد المعاوضة بدليل أنه لم يشترط فيه شروط الإعراض من نفي الجهالة للمرأة بل يجوز العقد على المجهولة مطلقا ولا يتعرض لتحديد مدة الانتفاع أيضا وذلك وشبهه دليل على عدم القصد إلى المعاوضة بل شرط الإباحة فلا يتقرر شيء إلا عند الدخول أو الموت لأن الصداق إنما التزم إلى أقصر الزوجين عمرا وليس الوطأة الأولى هي مقابلة الصداق بالعوضية لأنها ليست مقصود العقلاء بالصداق بشهادة العادة وإنما الشرع جعله شرطا لأصل الإباحة فمن لاحظ هذه القاعدة قال بعدم التقرر مطلقا إلا بموت أو فراق أو دخول ومن لاحظ قاعدة أخرى وهي أن الأصل في الأعواض وجوبها بالعقود فإنها أسبابها والأصل ترتب المسببات على أسبابها فيجب الجميع بالعقد كثمن المبيع ومن لاحظ قاعدة أخرى وهي أن ترتيب الحكم على الوصف يدل على سببيته له وقد قال الله تعالى وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم فرتب النصف على الطلاق فيكون سببه فيجب النصف
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الوجه الثاني أن صاحب الشرع أيضا لم يرد المعاوضة بدليل أنه لم يشترط فيه شروط الأعواض من نفي الجهالة للمرأة بل يجوز العقد على المجهولة مطلقا ولا نعرض لتحديد مدة الانتفاع أيضا وذلك وشبهه دليل على عدم قصد صاحب الشرع إلى المعاوضة وأنه إنما جعله شرطا لأصل الإباحة وقاعدة الشرط أن يتعين ثبوته عند ثبوت المشروط فلذا قال في المشهور بعدم التقرر مطلقا إلا بالدخول أو بالموت لأن الصداق إنما التزم إلى أقصر الزوجين عمرا أو بالفراق ولم يجعله كالثمن وأما الأمر الثاني فهو أن هذه القاعدة يعارضها قاعدتان أخريان القاعدة الأولى أن الأصل في الأعواض وجوبها بالعقود فإنها أسبابها والأصل ترتب المسببات على أسبابها فمن لاحظ هذه القاعدة قال يجب الجميع بالعقد كثمن المبيع والقاعدة الثانية أن ترتيب الحكم على الوصف يدل على سبيبته وقد قال الله تعالى وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم فرتب النصف على الطلاق فيكون سببه فمن لاحظ هذه القاعدة قال يجب النصف بالطلاق خاصة ويبقى التكميل موقوفا على سبب آخر وهو الموت أو الدخول كذا في الأصل وأما الأمر الثالث قال ابن رشد الحفيد في بدايته ما يعرض للصداق من التغييرات قبل الطلاق لا يخلو أن يكون من قبلها أو من قبل الله فما كان من قبل الله فلا يخلو من أربعة أوجه إما أن يكون تلفا للكل وإما أن يكون نقصا وإما أن يكون زيادة وإما أن يكون زيادة ونقصا معا وما كان من قبلها فلا يخلو أن يكون تصرفها فيه بتفويت مثل البيع والعتق والهبة أو يكون تصرفها فيه في
    ____________________
    (3/260)
    بالطلاق خاصة ويبقى التكميل موقوفا على سبب آخر وهو الموت أو الدخول فهذا تحرير الفرق بين البابين
    الفرق السادس والخمسون والمائة بين قاعدة ما يجوز اجتماعه مع البيع وقاعدة ما لا يجوز اجتماعه معه اعلم أن الفقهاء جمعوا أسماء العقود التي لا يجوز اجتماعها مع البيع في قولك جص مشنق فالجيم للجعالة والصاد للصرف والميم للمساقاة والشين للشركة والنون للنكاح
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    منافعها الخاصة بها أو فيما تتجهز به إلى زوجها فعند مالك أنهما في التلف وفي الزيادة وفي النقصان شريكان وعند الشافعي أنه يرجع في النقصان والتلف عليها بالنصف ولا يرجع بنصف الزيادة وسبب اختلافهم هل تملك المرأة الصداق قبل الدخول أو الموت ملكا مستقرا أو لا تملكه فمن قال إنها لا تملكه ملكا مستقرا قال هما فيه شريكان ما لم تتعد فتدخله في منافعها ومن قال تملكه ملكا مستقرا والتشطير حق واجب تعين عليها عند الطلاق وبعد استقرار الملك أوجب الرجوع عليها بجميع ما ذهب عندها ولم يختلفوا أنها إذا صرفته في منافعها ضامنة للنصف واختلفوا إذا اشترت به ما يصلحها للجهاز مما جرت به العادة هل يرجع عليها بنصف ما اشترته أم بنصف الصداق الذي هو الثمن فقال مالك يرجع عليها بنصف ما اشترته وقال أبو حنيفة والشافعي يرجع عليها بنصف الثمن الذي هو الصداق ا ه والله سبحانه وتعالى أعلم
    الفرق السادس والخمسون والمائة بين قاعدة ما يجوز اجتماعه مع البيع من نحو الإجارة وقاعدة ما لا يجوز اجتماعه معه من العقود الستة التي رمز الفقهاء لها بقولهم جص مشنق فالجيم للجعالة والصاد للصرف والميم للمساقاة والشين للشركة والنون للنكاح والقاف للقراض والسر في الفرق هو أن العقود أسباب لاشتمالها على تحصيل حكمتها في مسبباتها المتنافية بطريق المناسبة والشيء الواحد باعتبار الواحد لا يناسب المتضادين لأن تنافي اللوازم يدل على تنافي الملزومات وكل عقد من هذه العقود الستة يضاد البيع فلذا اختصت في المشهور بأنه لا يجوز أن يجمع واحدا منهما مع البيع عقد واحد بل قال الشيخ ميارة كما لا يجتمع البيع مع واحد من هذه السبع بزيادة القرض فكذلك لا يجتمع اثنان منها في عقد واحد لافتراق أحكامها قال وقد قلت في ذلك عقود منعنا اثنين منها بعقدة لكون معانيها معا تتفرق فجعل وصرف والمساقاة شركة نكاح قراض قرض بيع محقق وصرح بذلك أبو الحسن وابن ناجي ونقله الحطاب كذا في البناني على عبق وقال العلامة الدردير في شرح أقرب المسالك لك أن تزيد على هذين البيتين فهذي عقود سبعة قد علمتها ويجمعها في الرمز جبص مشنق
    ا ه وأشار بالباء في جبص للبيع والصواب أن يبدلها بقاف بأن يقول جقص لتكون إشارة للقرض
    ____________________
    (3/261)
    والقاف للقراض والسر في الفرق أن العقود أسباب لاشتمالها على تحصيل حكمتها في مسبباتها بطريق المناسبة والشيء الواحد بالاعتبار الواحد لا يناسب المتضادين فكل عقدين بينهما تضاد لا يجمعهما عقد واحد
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    وتكون السبعة المرموز لها هي ما عدا البيع من العقود التي يمتنع جمعها في عقد واحد معه كما يمتنع اجتماع اثنين منها في عقد واحد لتضاد أحكامها أما تضاد الجعالة للبيع فمن جهة لزوم الجهالة في عملها ولزوم عدمها في عمله وأما تضاد النكاح له فمن جهة لزوم المسامحة في البيع دون النكاح فتجوز فيه المكايسة في العوض والمعوض بالمسامحة ويكون حاصل الصور العقلية أربعا وستين من ضرب ثمانية في مثلها المكرر منها ست وثلاثون والباقي ثمان وعشرون لأنك تأخذ كل واحد مع ما بعده يبلغ ذلك العدد فليفهم
    وأما تضاد الصرف له فمن جهة بناء الصرف على التشديد وامتناع الخيار والتأخير وأمور كثيرة لا تشترط في البيع وأما تضاد المساقاة والقراض له فمن جهة أن فيهما الغرر والجهالة كالجعالة بخلاف البيع وأما تضاد الشركة له فمن جهة أنه على وفق الأصول وفي الشركة مخالفة الأصول وأما تضاد القراض له فلقول الخرشي الذي يفيده كلام الغرياني في حاشيته على المدونة أن الحكم في التصديق إذا وقع في القرض الفسخ على ظاهر المدونة وفي البيع لأجل عدم الفسخ على ظاهرها كما قال عبد الحق إنه الأشبه بظاهرها
    ا ه يعني أن الأرجح في القرض الفسخ إذا وقع التصديق في المقرض بفتح الراء وفي البيع لأجل الأرجح عدمه إذا وقع التصديق في المبيع ومما ذكر يعلم وجه تضاد أحكام كل مما عدا البيع من العقود السبعة المذكورة لأحكام الآخر منها نعم القراض والمساقاة والجعالة وإن علم مما ذكر اتحادها في جواز الغرر والجهالة إلا أنه يعلم من أبوابها أن عقد المساقاة لازم ولا ينعقد عند ابن القاسم إلا بلفظ ساقيت وعند سحنون إلا به وبلفظ آجرت أو عاملت دون لفظ شركة أو بيع بخلافهما وأن لصحة القراض شروطا غير شروط صحة الجعالة فافهم وأما نحو الإجارة والهبة مما يماثل البيع في الأحكام والشروط ولا يضاده فيه بأنه يجوز اجتماعه مع البيع كما يجوز اجتماع أحدهما مع الآخر في عقد واحد لعدم التنافي فهذا وجه الفرق والله سبحانه وتعالى أعلم وصل في ثلاث مسائل تتعلق بهذا الفرق وتوضحه المسألة الأولى قال الرهوني ابن عرفة الصرف والبيع في جوازه ومنعه ثالثها بقيد التبعية لأشهب مع اللخمي عن رواية محمد جواز بيع مائة ثوب كل ثوب بدينار إلا ثلاثة دراهم وسماع عيسى رواية ابن القاسم لا يجوز صرف وبيع ولا نكاح وبيع والمشهور ثم قال ففي تبعية الصرف بكونه أقل من دينار أو دينارا فأقل المشهور وقول الصقلي عن غير واحد من أصحابنا عن ابن حبيب ا ه محل الحاجة منه بلفظه
    ا ه وقدم قول أشهب بالجواز مطلقا على المشهور لقول ابن رشد وقول أشهب أظهر من جهة النظر وإن كان خلاف المشهور
    ا ه أي لا نظر إلى أن العقد الذي جمعهما احتوى على أمرين كل منهما جائز على انفراده وأنكر أن يكون مالك حرمه قال وإنما الذي حرمه الذهب بالذهب مع كل منهما سلعة والورق بالورق مع كل منهما سلعة كما في حاشية الصاوي على شرح أقرب المسالك ثم قال الرهوني ولما ذكر في التحفة منع اجتماع
    ____________________
    (3/262)
    فلذلك اختصت العقود التي لا يجوز أجتماعها مع البيع كالإجارة بخلاف الجعالة للزوم الجهالة في عمل الجعالة وذلك ينافي البيع والإجازة مبنية على نفي الغرر والجهالة له
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الستة التي في المواق والحطاب عن المدونة مع البيع أي وفي الأصل وهي الرموز لها بقولهم جص مشنق قال
    وأشهب الجواز عنه ماض قال قال التاودي في شرحها ما نصه ومفاد الناظم أن خلافه جار في الجميع وصرح به ابنه وفي الحطاب عن اللخمي وقد اختلف في جميع ذلك
    ا ه منه بلفظه قلت وما نقله عن الحطاب هو كذلك فيه وهو يقتضي أن الخلاف في اجتماع البيع والمساقاة منصوص وهو خلاف ما في ابن ناجي عن المدونة ونصه وقد اختلف في جميعها إلا أن اجتماع البيع والمساقاة الخلاف بالتخريج خرجه اللخمي في بيع بت وخيار في عقدة واحدة ا ه بلفظه
    ونص اللخمي وتقدم في كتاب النكاح الثاني ذكر الاختلاف في النكاح والبيع وفي كتاب الجعل ذكر الاختلاف في البيع والجعل وفي كتاب البيعين بالخيار الاختلاف في بيع بت وخيار في عقد واحد ويختلف في البيع والمساقاة على مثل ذلك منه بلفظه
    ا ه كلام الرهوني وفي بداية المجتهد لحفيد ابن رشد واختلفوا أي الفقهاء إذا اقترن بالمهر بيع مثل أن تدفع إليه عبدا ويدفع ألف درهم عن الصداق وعن ثمن العبد ولا يسمي الثمن من الصداق فمنعه مالك وابن القاسم وبه قال أبو ثور وأجازه أشهب وهو قول أبي حنيفة وفرق عبد الله فقال إن كان الباقي بعد البيع ربع دينار فصاعدا بأمر فصاعدا بأمر لا يشك فيه جاز واختلف قول الشافعي فمرة قال ذلك جائز ومرة قال فيه مهر المثل وسبب اختلافهم هل النكاح في ذلك شبيه بالبيع أم ليس بشبيه فمن شبهه في ذلك بالبيع منعه ومن جوز في النكاح من الجهل ما لا يجوز في البيع قال يجوز ا ه بلفظها
    المسألة الثانية قال كنون وأولى من منع بيع وصرف منع بيع وبدل وكما استثنوا من الأول ما أشار له في المختصر بقوله إلا أن يكون الجميع دينارا أو يجتمعا فيه كذلك يستثنى من الثاني أن يكون الجميع درهما كما يأتي في قوله أي خليل وبخلاف درهم أي بنصف وفلوس أو غيره في بيع وسكا واتحدت وعرف الوزن وانتقد الجميع ا ه بتوضيح وقال عبق على خليل ومن الجعل المفارسة
    ا ه المسألة الثالثة قال كنون وقول الزرقاني والهبة كالبيع أي فلا يجوز جمعها مع الصرف وأما مع البيع فيجوز وما في الشبرخيتي من المنع مردود عقلا ونقلا انظر الأصل أي الرهوني حيث قال أما نقلا فلقول اللخمي أجاز ابن القاسم سلم فسطاطية في فسطاطيتين مثلها إحداهما معجلة والأخرى مؤجلة جعل المعجلة في مقابلة المعجلة والمؤجلة هبة
    ا ه ونقله المواق قبيل قوله ومؤخر فقها مسلما وفي المفيد أثناء كلامه على من باع دارا بالنفقة عليه حياته ما نصه قال عبد الحق ينبغي عندي إن أنفق عليه سرفا أن يرجع عليه بجميع ذلك لأن الزائد على النفقة المتوسطة إنما هو كهبة من أجل البيع جائزة فإذا انتقض البيع وجب الرجوع فيها وكذلك هنا
    ا ه منه بلفظه
    وأما معنى أي عقلا فإن الهبة المقارنة للبيع إنما هي مجرد تسمية فإذا قال شخص لآخر أشتري منك دارك بمائة على أن تهبني ثوبك ففعل فالدار والثوب مبيعان معا بمائة وإذا قال شخص لآخر أبيعك داري بمائة على أن تهبني ثوبك فالدار مبيعة بالمائة والثوب والتسمية لا أثر له وكلام المدونة في مواضع
    ____________________
    (3/263)
    وذلك موفق للبيع ولا يجتمع النكاح والبيع لتضادهما في المكايسة في العوض المعوض بالمسامحة في النكاح والمشاحة في البيع فحصل التضاد والصرف مبني على التشديد وامتناع الخيار والتأخير وأمور كثيرة لا تشترط في البيع فضاد البيع الصرف والمساقاة والقراض فيهما الغرر والجهالة كالجعالة وذلك مضاد للبيع والشركة فيها صرف أحد النقدين بالآخر من غير قبض فهو صرف غير ناجز وفي الشركة مخالفة الأصل والبيع على وفق الأصول فهما متضادان وما لا تضاد فيه يجوز جمعه مع البيع فهذا وجه الفرق
    الفرق السابع والخمسون والمائة بين قاعدة البيع توسع العلماء فيه حتى جوز مالك البيع بالمعاطاة وهي الأفعال دون شيء من الأقوال وزاد على ذلك حتى قال كل ما عده الناس بيعا فهو بيع وقاعدة النكاح وقع التشديد فيها في اشتراط الصيغ حتى لا أعلم أنه وجد لمالك القول بالمعاطاة فيه ألبتة بل لا بد من لفظ قال صاحب الجواهر ينعقد بكل لفظ يقتضي التمليك على التأييد كالنكاح والتزويج والتمليك والبيع والهبة ونحوها قال القاضي أبو الحسن ولفظ الصدقة
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    شاهد لذلك منها قولها في كتاب الغرر ومن قال أبيعك سكنى داري سنة فذلك غلط في اللفظ وهو كراء صحيح
    ا ه ومنها قولها في كتاب الصرف ولو صرفت منه دينارا بدراهم على أن تأخذ بها منه سمنا أو زيتا نقدا ومؤجلا أو على أن تنضها ثم تشتري بها هذه السلعة فذلك جائز وإن ردت السلعة بعيب رجعت بدينارك لأن البيع إنما وقع بالسلعة واللفظ لغو وإنما ينظر مالك إلى فعلهما لا إلى قولهما وليس هذا من يتعين في بيعة ا ه منها بلفظها ومنها قولها فيه أيضا ولا بأس أن يبيع الرجل الثوب معجلا بدينار إلى شهر والدينار بكذا وكذا درهما إلى شهرين لأن البيع إنما وقع بالدراهم ولا ينظر إلى قبح كلامهما إذا صح العمل بينهما كما لا ينظر إلى حق كلامهما إذا قبح العمل بينهما
    ا ه إلى غير ذلك من النصوص الموافقة لهذا في المدونة وغيرها وبهذا تعلم أن هذا الذي قلناه هو عين الحق والصواب ويكفي في رد ما قاله الشيخ إبراهيم الشبراخيتي كلام أهل المذهب على المحاباة انظر نصوصهم فيما يأتي آخر الحجر إن شاء والله الموفق
    ا ه والله سبحانه وتعالى أعلم
    الفرق السابع والخمسون والمائة بين قاعدة البيع توسع العلماء فيه حتى جوز مالك وأبو حنيفة وابن حنبل البيع بالمعاطاة وهي الأفعال دون شيء من الأقوال وزادوا على ذلك حتى قالوا كل ما عده الناس بيعا فهو بيع نعم قال الشافعي لا تكفي المعاطاة دون قول وقاعدة النكاح ووقع التشديد فيها فقد اتفقوا على اشتراط الصيغ فيه حتى لا يعلم أنه وجد لأحد منهم قول بالمعاطاة فيه ألبتة وإنما اختلفوا هل ينعقد بغير لفظ التزويج والنكاح أو لا ينعقد إلا بخصوص لفظهما فذهب أبو حنيفة إلى الأول قال ابن العربي في القبس جوزه أبو حنيفة بكل لفظ يقتضي التمليك على التأبيد قال الأصل ولم
    ____________________
    (3/264)
    وقال الأصحاب إن قصد بلفظ الإباحة النكاح صح ويضمن المهر فيكفي قول الزوج قبلت بعد الإيجاب من الولي ولا يشترط قبلت نكاحها ولو قال للأب في البكر أو بعد الإذن في الثيب زوجني فقال فعلت أو زوجتك فقال لا أرضى لزمه النكاح لاجتماع جزأي العقد فإن السؤال رضى في العادة أيضا وقال صاحب المقدمات لا ينعقد إلا بلفظ النكاح أو التزويج دون غيرهما من ألفاظ العقود وفي الهبة قولان المنع كمذهب الشافعي والجواز كمذهب أبي حنيفة لأن الطلاق يقع بالصريح والكناية فكذلك النكاح ويرد عليه أن الهبة لا تنعقد بلفظ النكاح فكذلك النكاح لا ينعقد بلفظ الهبة وأن النكاح مفتقر إلى الصريح ليقع الإشهاد عليه وقال صاحب الاستذكار ابن عبد البر أجمعوا على أنه لا ينعقد بلفظ الإحلال والإباحة فتقاس عليه الهبة وقال ابن العربي في القبس جوزه أبو حنيفة بكل لفظ يقتضي التمليك على التأبيد وجوزه مالك بكل لفظ يفهم المتناكحان مقصودهما وقال الشافعي لا ينعقد إلا بلفظ التزويج والنكاح لأنهما المذكوان في القرآن في قوله تعالى ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء وقوله تعالى فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها ووافقه أحمد بن حنبل وأجابوا
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    يستثن غير الإجارة والوصية والإحلال وجوزه بالعجمية وإن قدر على العربية وجوز الجواب من الزوج بقوله فعلت وذهب الشافعي وابن حنبل إلى الثاني فقالا لا ينعقد إلا بلفظ التزويج والنكاح كما في القبس لابن العربي واختلف النقل عن مالك فقال ابن رشد في المقدمات لا ينعقد إلا بلفظ النكاح أو التزويج دون غيرهما من ألفاظ العقود وفي الهبة قولان المنع كمذهب أبي حنيفة لأن الطلاق يقع بالصريح والكناية فكذلك النكاح ويرد عليه أن الهبة لا تنعقد بلفظ النكاح فكذلك النكاح لا ينعقد بلفظ الهبة وأن النكاح مفتقر إلى الصريح ليقع الإشهاد عليه بل قال ابن عبد البر في الاستذكار أجمعوا على أنه لا ينعقد بلفظ الإحلال والإباحة فيقاس عليه الهبة وقال صاحب الجواهر ينعقد بكل لفظ يقتضي التمليك على التأبيد كالنكاح والتزويج والتمليك والبيع والهبة ونحوها قال القاضي أبو الحسن ولفظ الصدقة
    وقال الأصحاب إن قصد بلفظ الإباحة النكاح صح ويضمن المهر فيكفي قول الزوج قبلت بعد الإيجاب من الولي ولا يشترط قبلت نكاحها ولو قال للأب في البكر أو بعد الإذن في الثيب زوجني فقال فعلت أو زوجتك فقال لا أرضى لزمه النكاح لاجتماع جزأي العقد فإن السؤال رضى في العادة أيضا وسبب اختلافهم أمران الأول تعارض الكتاب والسنة وذلك أن قوله تعالى ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء وقوله تعالى فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لم يذكر فيهما إلا لفظ التزويج والنكاح وقوله صلى الله عليه وسلم ملكتكها بما معك من القرآن وزد بلفظ التمليك فاحتج بالحديث من قال ينعقد بغير لفظهما وقال الشافعي وابن حنبل لم يذكر في القرآن إلا لفظهما والحديث ورد بألفاظ مختلفة والقصة واحدة فيستحيل اجتماعها بل الواقع أحدها والراوي روى بالمعنى فلا حجة فيه
    ____________________
    (3/265)
    عما احتج به مالك مما ورد في الحديث وهو قوله عليه السلام ملكتكها بما معك من القرآن أن الحديث ورد بألفاظ مختلفة والقصة واحدة فيستحيل اجتماعها بل الواقع أحدها والراوي روى بالمعنى فلا حجة فيه ولم يستثن أبو حنيفة غير الإجارة والوصية والإحلال وجوزه بالعجمية وإن قدر على العربية وجوز الجواب من الزوج بقوله فعلت فهذه نصوص العلماء على اختلافها لم يقل فيها أحد بالمعاطاة كما قالوه في البيع والفرق مبني على خمس قواعد القاعدة الأولى أن الشهادة شرط في النكاح إما مقارنة للعقد كما قال الشافعي أو قبل الدخول كما قال مالك وعلى التقديرين فلا بد من لفظ يشهد عليه أنه تزويج لا زنى وسفاح والبيع لما لم يكن الإشهاد فيه شرطا جوزوا فيه المناولة القاعدة الثانية أن قاعدة الشرع أن الشيء إذا عظم قدره شدد فيه وكثرت شروطه وبالغ إبعاده إلا لسبب قوي تعظيما لشأنه ورفعا لقدره وهو شأن الملوك في العوائد ولذلك إن المرأة النفيسة في مالها وجمالها ودينها ونسبها لا يوصل إليها إلا بالمهر الكثير والتوسل العظيم وكذلك المناصب الجليلة والرتب العلية في العادة
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الأمر الثاني تعارض قاعدتين القاعدة الأولى كل حكم شرعي لا بد له من سبب شرعي وإباحة المرأة حكم فله سبب يجب تلقيه من السمع فما لم يسمع من الشرع لا يكون سببا القاعدة الثانية الشرع قد ينصب خصوص الشيء سببا كالزوال لوجوب الظهر ورؤية الهلال لوجوب الصوم والقتل العمد العدوان للقصاص وقد ينصب مشتركا بين أشياء سببا ويلغي خصوصاتها كألفاظ الطلاق فإن المنصوب منها سببا ما دل على انطلاق المرأة من عصمة الرجل وألفاظ القذف فإن المنصوب منها سببا ما دل على نسبة المقذوف إلى الزنى أو اللواط وألفاظ الدخول في السلام فإن المنصوب منها سببا ما دل على مقصود الرسالة النبوية فعلى القاعدة الأولى اعتمد الشافعي وابن حنبل والمغيرة من أصحابنا وهو ظاهر ما نقله ابن رشد في المقدمات عن المذهب والنكاح عند أبي حنيفة وعندنا على ما حكاه صاحب الجواهر من القاعدة الثانية ويدل على ذلك أنه ورد بألفاظ مختلفة في الكتاب والسنة والأصل فيها عدم اعتبار الخصوص فيتعين العموم وهو المطلوب ويفرق بين قاعدة البيع وقاعدة النكاح على هذا بأربعة وجوه مبنية على أربع قواعد الوجه الأول أن النكاح لا بد فيه من لفظ يشهد عليه أنه تزويج لا زنى وسفاح بخلاف البيع لأن القاعدة أن الشهادة شرط في النكاح إما مقارنة للعقد كما قال الثلاثة أو قبل الدخول كما قال مالك وعلى التقديرين لا بد من لفظ إلخ وليس الإشهاد شرطا في البيع فلذا جوزوا فيه المناولة الوجه الثاني أن النكاح عظيم الخطر جليل المقدار لأنه سبب بقاء النوع الإنساني المكرم المفضل على جميع المخلوقات قال تعالى ولقد كرمنا بني آدم وسبب للعفاف الحاسم لمادة الفساد واختلاط الأنساب وسبب للمودة والمواصلة والسكون وغير ذلك من المصالح بخلاف البيع والقاعدة أن
    ____________________
    (3/266)
    وأما في الشرع فالذهب والفضة لما كانا رءوس الأموال وقيم المتلفات شدد الشرع فيهما فاشترط المساواة والتناجز وغير ذلك من الشروط التي لم يشترطها في البيع في سائر العروض والطعام لما كان قوام بنية الإنسان منع بيعه نسيئة بعضه ببعض ومنع مالك بيعه قبل قبضه دون غيره من السلع فكذلك النكاح عظيم الخطر جليل المقدار لأنه سبب بقاء النوع الإنساني المكرم المفضل على جميع المخلوقات وسبب العفاف الحاسم لمادة الفساد واختلاط الأنساب وسبب المودة والمواصلة والسكون وغير ذلك من المصالح فلذلك شدد الشرع فيه فاشترط الصداق والشهادة والولي وخصوص الألفاظ دونه البيع القاعدة الثالثة كل حكم شرعي لا بد له من سبب شرعي وإباحة المرأة حكم فله سبب يجب تلقيه من السمع فما لم يسمع من الشرع لا يكون سببا وعلى هذه القاعدة
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الشيء إذا عظم قدره شدد فيه وكثرت شروطه وبولغ في أبعاده إلا لسبب قوي تعظيما لشأنه ورفعا لقدره وهو شأن الملوك في العوائد ألا ترى أن المرأة النفيسة في مالها وجمالها ودينها ونسبها لا يوصل إليها إلا بالمهر الكثير والتوسل العظيم وأن المناصب الجليلة والرتب العلية كذلك في العادة وأن الذهب والفضة لما كان رءوس الأموال وقيم المتلفات شدد الشرع فيهما فاشتراط المساواة والتناجز وغير ذلك من الشروط التي لم يشترطها في البيع في سائر العروض وأن الطعام لما كان قوام بنية الإنسان منع الشرع بيعه نسيئة بعضه ببعض ومنع مالك بيعه قبل قبضه دون غيره من السلع فلذلك شدد الشرع في النكاح فاشترط الصداق والشهادة والولي وخصوص الألفاظ دون البيع والوجه الثالث أن الأصل في السلع الإباحة حتى تملك والأصل في النساء التحريم حتى يعقد عليهن بملك أو نكاح والقاعدة أن الشرع يحتاط في الخروج من الحرمة إلى الإباحة أكثر من الخروج من الإباحة إلى الحرمة لأن التحريم يعتمد المفاسد فيتعين الاحتياط له فلا يقدم على محل فيه المفسدة إلا بسبب قوي يدل على زوال تلك المفسدة أو يعارضها ويمنع الإباحة ما فيه مفسدة بأيسر الأسباب دفعا للمفسدة بحسب الإمكان ألا ترى أن المرأة حرمت بمجرد عقد الأب لأنه خروج عن إباحة إلى حرمة وأن المبتوتة لا تحل إلا بعقد ووطء حلال وطلاق وانقضاء عدة من عدد الأول لأنه خروج من حرمة إلى إباحة وأنا أوقعنا الطلاق بالكنايات وإن بعدت حتى أوقعه مالك بالتسبيح والتهليل وجميع الألفاظ إذا قصد بها الطلاق لأنه خروج من الحل إلى الحرمة فيكفي فيه أدنى سبب فلهذه القاعدة لم يجز النكاح بكل لفظ بل بما فيه قرب من مقصود النكاح لأنه خروج من الحرمة إلى الحل وجوزنا البيع بجميع الصيغ والأفعال الدالة على الرضى بنقل الملك في العوضين لأنه خروج من الحل إلى الحرمة فيكون موجبا لقصوره في الاحتياط عن الفروج الوجه الرابع عموم الحاجة إلى البيع لأنه لا غنى للإنسان عن مأكول ومشروب ولباس بحيث لا يخلو مكلف غالبا من بيع أو شراء بخلاف النكاح
    ____________________
    (3/267)
    اعتمد الشافعي والمغيرة من أصحابنا وهو ظاهر مما نقله ابن رشد في المقدمات عن المذهب القاعدة الرابعة الشرع قد ينصب خصوص الشيء سببا كالزوال ورؤية الهلال لوجوب الظهر ووجوب الصوم والقتل العمد والعدوان سبب القصاص وقد ينصب مشتركا بين أشياء سببا ويبغي خصوصاتها كألفاظ الطلاق فإن المنصوب منها سببا ما دل على انطلاق المرأة من عصمة الرجل وألفاظ القذف المنصوب منها سببا ما دل على نسبة المقذوف إلى الزنى أو اللواط وألفاظ الدخول في الإسلام المنصوب منها سببا ما دل على مقصود الرسالة النبوية والنكاح عندنا على ما حكاه صاحب الجواهر من هذه القاعدة ويدل على ذلك أنه ورد بألفاظ مختلفة في الكتاب والسنة والأصل فيها عدم اعتبار الخصوص فيتعين العموم وهو المطلوب القاعدة الخامسة يحتاط الشرع في الخروج من الحرمة إلى الإباحة أكثر من الخروج من الإباحة إلى الحرمة لأن التحريم يعتمد المفاسد فيتعين الاحتياط له فلا يقدم على محل فيه المفسدة إلا بسبب قوي يدل على زوال تلك المفسدة أو يعارضها ويمنع الإباحة ما فيه مفسدة بأيسر الأسباب دفعا للمفسدة بحسب الإمكان ولذلك حرمت المرأة بمجرد عقد الأب ولا تحل المبتوتة إلا بعقد ووطء حلال وطلاق وانقضاء عدة من عقد الأول لأنه خروج عن حرمة إلى إباحة فلهذه القاعدة أوقعنا الطلاق بالكنايات وإن بعدت حتى أوقعه مالك بالتسبيح والتهليل وجميع الألفاظ إذا قصد بها الطلاق لأنه خروج من الحل فيكفي فيه أدنى سبب ولم يجز النكاح بكل لفظ بل بما فيه قرب من مقصود النكاح لأنه خروج من الحرمة إلى الحل وجوزنا البيع بجميع الصيغ والأفعال الدالة على الرضى بنقل المالك في العرضين لأن الأصل في السلع الإباحة حتى تملك بخلاف النساء الأصل فيهن التحريم حتى يعقد عليهن بملك أو نكاح ولعموم الحاجة للبيع ولقصوره في الاحتياط عن الفروج فإذا أحطت بهذه القواعد ظهر لك سبب اختلاف موارد الشرع في هذه الأحكام وسبب اختلاف العلماء ونشأت لك الفروق والحكم والتعاليل
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    والقاعدة في الملة السمحة تخفيف في كل ما عمت به البلوى والتشديد فيما لم تعم البلوى به كما وضحت ذلك في رسالتي شمس الإشراق في حكم التعامل بالأوراق فإذا أحطت بهذه القواعد علما ظهر لك سبب اختلاف موارد الشرع في هذه الأحكام وسبب اختلاف العلماء ونشأت لك الفروق والحكم والتعاليل والله سبحانه وتعالى أعلم
    ____________________
    (3/268)
    الفرق الثامن والخمسون والمائة بين قاعدة المعسر بالدين ينظر وبين قاعدة المعسر بنفقات الزوجات لا ينظر اعلم أن المعسر عندنا وعند الشافعي رضي الله عنه يفسخ عليه نكاحه بطلاق في حق من ثبت لها الإنفاق وقال أبو حنيفة رضي الله عنه لا تطلق عليه بالإعسار لأن الله تعالى أوجب إنظار المعسر بالدين في قوله تعالى وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة فههنا أولى لأن بقاء الزوجية مطلوب لصاحب الشرع وقياسا على النفقة في الزمان الماضي فإنه لا تطلق بها إجماعا ولأن عجزه عن نفقة أم ولده لا يوجب بيعها ولا خروجها عن ملكه فكذلك الزوجة والجواب عن الأول أنا لم نلزمه النفقة مع العسرة وهو نظير الإلزام بالدين وإنما أمرناه برفع ضرر يقدر عليه وهو إطلاقها لمن ينفق عليها وهو الجواب عن النفقة في الزمان الماضي
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الفرق الثامن والخمسون والمائة بين قاعدة المعسر بالدين ينظر وبين قاعدة المعسر بنفقات الزوجات لا ينظر عندنا وعند الشافعي وأحمد وأبو ثور وأبو عبيد وجماعة بل يفسخ عليه نكاحه بطلاق في حق من ثبت لها الإنفاق وهو مروي عن أبي هريرة وسعيد بن المسيب وقال أبو حنيفة والثوري لا تطلق عليه بالإعسار وبه قال أهل الظاهر ودليل هذا القول أمور الأمر الأول استصحاب الحال وذلك أن العصمة ثبتت بالإجماع فلا تنحل إلا بإجماع أو بدليل من كتاب أو سنة لا بالقياس الأمر الثاني أن الله تعالى أوجب إنظار المعسر بالدين في قوله تعالى وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة فهاهنا أولى لأن بقاء الزوجية مطلوب لصاحب الشرع الأمر الثالث أن النفقة كما لا يطلق بها في الزمان الماضي إجماعا كذلك لا يطلق بها بها في الحال الأمر الرابع أن العجز عن النفقة في الحال كما أنه لا يوجب بيع أم الولد ولا خروجها عن ملكه كذلك لا يوجب تطليق الزوجة ودليل القول الأول أيضا أمور الأمر الأول أنا لم نقل بحل العصمة الثابتة بالإجماع عن المعسر بالإنفاق إلا بدليل وهو قوله تعالى فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وذلك أن الإمساك على الجوع والعري ليس من المعروف فيتعين التسريح بالإحسان وما خرجه البخاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الصدقة ما ترك غنى واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول تقول المرأة إما أن تطعمني وإما أن تطلقني ويقول العبد أطعمني واستعملني ويقول الولد إلى من تدعني وفي كشاف القناع على الإقناع وقوله صلى الله عليه وسلم
    ____________________
    (3/269)
    والجواب عن الثالث إن وقع الضرر عن أم الولد له طريق آخر وهو تزويجها وهذا الطريق متعذر ههنا فيتعين الطلاق لأن القاعدة أن المقصد إذا كان له وسيلتان فأكثر لا يتعين أحدهما عينا بل يخير بينهما كالجامع إذا كان له طريقان مستويان يوم الجمعة لا يجب سلوك أحدهما عينا بل يخير بينهما وكذلك السفر إلى الحج في البر والبحر المتيسرين لا يتعين أحدهما وهو كثير في الشرعية وكذلك أم الولد تعدت أسباب زوال
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    امرأتك تقول أطعمني وإلا فارقني رواه أحمد والدارقطني والبيهقي بإسناد صحيح ورواه الشيخان من قول أبي هريرة وروى الشافعي وسعيد عن سفيان عن أبي الزناد قال سألت سعيد بن المسيب عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته قال يفرق بينهما قال أبو الزناد لسعيد سنة قال سعيد سنة ا ه الأمر الثاني أنا إنما أمرناه برفع ضرر عليه وهو إطلاقها لمن ينفق عليها ولم تلزمه النفقة مع العسرة حتى يرد أن الله أوجب إنظار المعسر الأمر الثالث أن الضرر الواقع من ذلك شبهه بالضرر الواقع من العنة والتطليق على العنين قول الجمهور بل قال ابن المنذر إنه إجماع الأمر الرابع أن النفقة قالوا في مقابلة الاستمتاع بدليل أن الناشز لا نفقة لها عند الجمهور فإذا لم يجد النفقة سقط الاستمتاع فوجب الخيار الأمر الخامس القاعدة أن المفصد إذا اتحدت وسيلته أمر به عينا وإذا تعددت بأن كان له وسيلتان فأكثر خير بينهما ولا يتعين أحدهما عينا ولمتعدد الوسيلة في الشريعة فروع كثيرة منها رفع الضرر عن أم الولد غير بيعها طريق آخر وهو تزويجها ومنها الجامع يكون له طريقان مستويان لا يجب يوم الجمعة سلوك إحداهما عينا بل يخير بينهما ومنها السفر إلى الحج يتيسر فيه البر والبحر لا يتعين أحدهما ولمتحد الوسيلة في الشريعة أيضا فروع منها زوال الضرر عن الزوجات الواقع من ذلك اتحدت وسيلته أي سبب الخروج عن ضرر الجوع والعري وهو التطليق فأمر به عينا هذا خلاصة ما في الأصل وبداية المجتهد لابن رشد مع زيادة والله سبحانه وتعالى أعلم مسألة كما اختلف الفقهاء في الإعسار بنفقة الزوجة كذلك اختلفوا في الإعسار بالصداق ففي بداية المجتهد لحفيد ابن رشد ما نصه كان الشافعي يقول يخير إذا لم يدخل بها وبه قال مالك واختلف أصحابه في قدر التلوم له فقيل ليس له في ذلك حد وقيل سنة وقيل سنتين وقال أبو حنيفة هو غريم الغرماء لا يفرق بينهما ويؤخذ بالنفقة ولها أن تمنع نفسها حتى يعطيها المهر وسبب اختلافهم تغليب شبه النكاح في ذلك بالبيع أو تغليب الضرر اللاحق للمرأة في ذلك من عدم الوطء تشبيها بالإيلاء والعنة
    ا ه بلفظه وقال الشيخ منصور بن إدريس الحنبلي في كشافه وإذا أعسر الزوج بالمهر بشرطه السابق في آخر الصداق خيرت على التراخي بين الفسخ من غير انتظار أي تأجيل ثلاثا خلافا لابن البناء وبين المقام معه على النكاح ا ه المراد والله أعلم
    ____________________
    (3/270)
    الضرر عنها فلم يتعين خروجها عن ملكه وفي الزوجات اتحدت الوسيلة وسبب الخروج عن الضرر فأمر به عينا ويؤيد ما قلناه ما خرجه البخاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الصدقة ما ترك غنى واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول تقول المرأة إما أن تطعمني وإما أن تطلقني ويقول العبد أطعمني واستعملني ويقول الولد إلى من تدعني وقوله فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان والإمساك على الجوع والعري ليس من المعروف فيتعين التسريح بالإحسان
    الفرق التاسع والخمسون والمائة بين قاعدة أولاد الصلب والأبوين في إيجاب النفقة لهم خاصة وبين قاعدة غيرهم من القرابات اعلم أن مالكا أوجب النفقة لأولاد الصلب والأبوين خاصة وأوجبها الشافعي لكل من هو بعض من الآباء والأمهات وإن علوا والأولاد وإن سفلوا لقوله تعالى وبالوالدين
    هامش أنوار البروق
    قال الفرق التاسع والخمسون والمائة بين قاعدة أولاد الصلب والأبوين في إيجاب النفقة لهم خاصة وبين قاعدة غيرهم من القرابات إلى قوله ولقوله تعالى وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض قلت ما قاله حكاية أقوال ومستندها ولا كلام في ذلك قال والجواب عما قاله الشافعي أولا أنا لا نسلم أن لفظ الأب والأم والابن يتناول غير الأدنين إلى قوله بل يجب التمسك بالحقيقة والاقتصار عليها حتى يدل دليل على غيرها قلت لا دليل له فيما استدل به على مراده من أن لفظ الأب وما معه لا يتناول غير الأدنين إلا
    هامش إدرار الشروق
    الفرق التاسع والخمسون والمائة بين قاعدة أولاد الصلب والأبوين الأدنين في إيجاب النفقة لهم خاصة وبين قاعدة غيرهم من القرابات لا تجب لهم النفقة عند مالك رحمه الله تعالى لا عند غيره من الأئمة فقد قال الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى بإيجابها لكل من هو بعض من الآباء والأمهات وإن علوا والأولاد وإن سفلوا لقوله تعالى وبالوالدين إحسانا ومن الإحسان الإنفاق عليهما عند حاجتهما إذ ليس من الإحسان تركهما بالجوع والعري ولقوله تعالى وصاحبهما في الدنيا معروفا ومن المعروف قيام بكفايتهما ولقوله عليه الصلاة والسلام إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم رواه أبو داود والترمذي وحسنه ولقوله عليه الصلاة والسلام في البخاري يقول لك ولدك إلى من تكلني الحديث وأب الأب أب وأم الأم أم وابن الابن ابن قال الشيخ منصور بن إدريس الحنبلي في كشافه من المتن تجب عليه نفقة والديه وإن علوا ونفقة ولده وإن سفل لقوله تعالى وعلى المولود له رزقهن
    ____________________
    (3/271)
    إحسانا ولقوله تعالى وصاحبهما في الدنيا معروفا وليس من الإحسان تركهما بالجوع والعري ولقوله عليه السلام في البخاري يقول لك ولدك إلى من تكلني الحديث وأب الأب أب وأم الأم أم وابن الابن ابن وقال أبو حنيفة رضي الله عنه تجب النفقة لكل ذي رحم محرم لقوله تعالى وآت ذا القربى حقه وأجمعنا على تخصيص من ليس بمحرم وبقي من عداه على العموم ولقوله تعالى وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض والجواب عما قاله الشافعي أولا أنا لا نسلم أن لفظ الأب والأم والابن يتناول غير الأدنين من هذه الفرق ويدل على ذلك أن الله تعالى فرض للأم الثلث ولم تسحقه الجدة وحجب الإخوة بالأب ولم يحجبهم بالجد وأن بنت الابن لها السدس مع بنت الصلب بخلاف بنت الصلب مع أختها فلو كانت هذه الألفاظ تتناول هذه الطبقات على اختلافها بطريق التواطؤ حقيقة لزم تعميم
    هامش أنوار البروق
    مجازا لاحتمال أن يكون الأمر في تلك الألفاظ بعكس دعواه وذلك أن يكون يتناول الأدنين وغيرهم لكن وقع التجوز بقصرها على الأدنين فيحتاج إذ ذاك إلى قرينة تخصها بالأدنين أو إلى دليل يدل على أن هذا المجاز انتهى إلى أن صار عرفا
    قال ثم اللازم هنا الجمع بين الحقيقة والمجاز وهو مجاز مختلف فيه بين العلماء هل يجوز في لسان العرب أم لا إلى قوله وهذا هو الفرق وهو فرق جلي جدا قلت ما قاله مبني على دعوى أن تناول تلك الألفاظ لغير الأدنين مجاز وقد تبين احتمال عكس ذلك وما قاله من أن الجمع بين الحقيقة والمجاز مختلف فيه مسلم لكن لو سلم له أن تناول تلك الألفاظ لغير الأدنين مجاز وذلك غير مسلم وما قاله من الجواب عما قاله أبو حنيفة مسلم صحيح
    هامش إدرار الشروق
    وكسوتهن بالمعروف ولأن الإنسان يجب عليه أن ينفق على نفسه وزوجته فكذا على بعضه وأصله ويجب عليه إكمال ما عجزوا عن إكمالها حتى ذوي الأرحام من والديه وإن علوا وولده وإن سفلوا ولو حجبه معسر بالمعروف من حلال إذا كانوا أي الأصول والفروع فقراء ا ه محل الحاجة
    وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى تجب النفقة لكل ذي رحم محرم لقوله تعالى وآت ذا القربى حقه وأجمعنا على تخصيص من ليس بمحرم وبقي من عداه على العموم ولقوله تعالى وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض
    وسبب الاختلاف أما أولا فهو أنهم بعد أن أجمعوا على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما ولا مال واجب في مال الولد كما حكاه في كشاف القناع عن ابن المنذر وكذا على أن نفقة الأولاد الفقراء الذين لا كسب لهم ولا مال واجب في مال الأب لما سبق اختلفوا في أن لفظ الأب والأم والابن فيما سبق من الأدلة هل تتناول غير الأدنين بالوضع الأصلي وحينئذ التجوز بقصرها عن الأدنين يحتاج إلى قرينة أو ما يدل على أن هذا المجاز انتهى إلى أن صار عرفا وإذا لم يتحقق ذلك وجب التمسك بالحقيقة والاقتصار عليها أو لا تتناول بالوضع الأصلي غير الأدنين بدليل أن الله تعالى فرض للأم الثلث ولم تستحقه الجدة وحجب الإخوة بالأب ولم يحجبهم بالجد وأن بنت الابن
    ____________________
    (3/272)
    الحكم فيها كلها على السواء وإلا لزم ترك العمل بالدليل وهو خلاف الأصل فدل ذلك على أن اللفظ إنما يتناول هذه الطوائف بطريق المجاز والأصل عدم المجاز حتى يدل دليل عليه بل يجب التمسك بالحقيقة والاقتصار عليها حتى يدل دليل على غيرها ثم اللازم هنا الجمع بين الحقيقة والمجاز وهو مجاز مختلف فيه بين العلماء هل يجوز في لسان العرب أم لا ونحن المجاز المجمع عليه في لسان العرب لا نعدل باللفظ إليه إلا بدليل والحمل عليه من غير دليل خطأ قطعا فههنا بطريق الأولى لكونه ضعيفا من جهة أنه مجاز وأنه مختلف في جوازه لغة وهذا هو الفرق
    وهو فرق جلي جدا والجواب عما قاله أبو حنيفة رضي الله عنه عن الأول أن الله تعالى إنما أمر بما هو حق لذوي القربى والنزاع في النفقة هل هي حق لهم أم لا فلا نسلم تناول اللفظ لها حينئذ فلا دليل في الآية والجواب عن الثاني أنه عام في ذوي الأرحام مطلق فيما هم فيه أولى فإن لفظ أولى
    هامش أنوار البروق
    قال فظهر من هذه الاستدلالات وهذه الأجوبة صحة مذهب مالك وتفضيله على غيره في هذه المسألة وظهر الفرق أيضا من خلال ذلك ظهورا بينا قلت لم يظهر ما قاله لاحتمال أن تكون تلك الألفاظ تتناول غير الأدنين بالوضع الأصلي ووقع التجوز بقصرها على الأدنين والله أعلم
    هامش إدرار الشروق
    لها السدس مع بنت الصلب مع أختها فلو كانت هذه الألفاظ تتناول هذه الطبقات على اختلافها بطريق التواطؤ حقيقة لزم تعميم الحكم فيها كلها على السواء وإلا لزم ترك العمل بالدليل وهو خلاف الأصل فلم يبق إلا أن هذه الألفاظ إنما تتناول هذه الطوائف بطريق المجاز فيلزمه هنا الجمع بين الحقيقة والمجاز وهو مجاز مختلف فيه بين العلماء هل يجوز في لسان العرب أم لا ونحن في المجاز المجمع على جوازه في لسان العرب لا نعدل باللفظ إليه إلا بدليل والحمل عليه من غير دليل خطأ قطعا فهاهنا بطريق الأولى لكونه ضعيفا من جهة أنه مجاز وأنه مختلف في جوازه بلغة
    وأما ثانيا فهو اختلافهم في أن النفقة هل هي حق لذوي القربى فيتناولها لفظ الحق في الآية أم لا فلا يتناولها قال ابن الشاط وهو الصحيح وأما ثالثا فهو اختلافهم في أن أولى في الآية وإن كان نكرة في سياق الإثبات لا عموم فيه بل هو مطلق فيما ذوو الأرحام فيه أولى من ولاية النكاح ومن المعاضدة والمناصرة المجمع عليها فإنهم أولى بالإحسان إلى بعضهم بعضا بالنصرة إجماعا فهل يمتنع جعله عاما بأن يعدى حكمه إلى صورة أخرى بغير دليل كما يمتنع جعل العام مطلقا بغير دليل قال ابن الشاط وهو الصحيح أو لا يمتنع
    قال الأصل فظهر من هذه الاستدلالات أي لمالك وغيره صحة مذهب مالك وتفضيله على غيره في هذه المسألة وظهر الفرق أيضا من خلال ذلك ظهورا بينا لكن قال ابن الشاط لم يظهر ما قاله لاحتمال أن تكون تلك الألفاظ تتناول غير الأدنين أيضا بالوضع الأصلي لكن وقع التجوز بقصرها على الأدنين فيحتاج هذا المجاز إلى قرينة أو ما يدل على أنه انتهى إلى أن صار عرفا ولا دليل له فيما استدل به على أن لفظ الأب وما معه لا يتناول غير الأدنين إلا مجازا فافهم والله أعلم
    ____________________
    (3/273)
    نكرة في سياق الإثبات وذلك لا عموم فيه فنحمله على ولاية النكاح والمعاوضة والمناصرة المجمع عليها فإنهم أولى بنصر بعضهم بعضا والإحسان إلى بعضهم بعضا بالنصرة إجماعا وإذا أجمع على إعمال المطلق في صورة وأنها مرادة من النص سقط الاستدلال به إجماعا إذ لو عدي حكمه إلى صورة أخرى لكان عاما لا مطلقا والتقدير أنه مطلق وهذا خلف وكما يمتنع جعل العام مطلقا بغير دليل يمتنع جعل المطلق عاما بغير دليل فظهر من هذه الاستدلالات وهذه الأجوبة صحة مذهب مالك وتفضيله على غيره في هذه المسألة وظهر الفرق أيضا من خلال ذلك ظهورا بينا
    الفرق الستون والمائة بين قاعدة المتداعيين شيئا لا يقدم أحدهما على الآخر إلا بحجة ظاهرة وبين قاعدة المتداعيين من الزوجين في متاع البيت يقدم كل واحد منهما فيما يشبه أن يكون له قال مالك في المدونة إذا اختلفا وهما زوجان أو عند الطلاق أو الورثة بعد الموت
    هامش أنوار البروق
    قال الفرق الستون والمائة بين قاعدة المتداعيين شيئا لا يقدم أحدهما على الآخر إلا بحجة ظاهرة وبين قاعدة المتداعيين من الزوجين في متاع البيت يقدم كل واحد معهما فيما يشبه أن يكون له إلى قوله هذا تقرير المنقولات قلت لا كلام في ذلك قال وأما وجه الجواب والفرق إلى آخر ما قاله في هذا الفرق قلت في ذلك نظر وتمسك الشافعي بالحديث ظاهر وجواب المالكية بتفسير المدعي والمدعى عليه بما فسروا لا بأس به وجعل المالكية اليد لهما أعني الزوجين مع قولهم إن الرجل جائز للمرأة فيه درك لا يخفى وبالجملة المسألة محل نظر
    هامش إدرار الشروق
    الفرق الستون والمائة بين قاعدة المتداعيين في غير الزوجين شيئا لا يقدم أحدهما على الآخر إلا بحجة ظاهرة وبين قاعدة المتداعيين من الزوجين في متاع البيت يقدم كل واحد منهما فيما يشبه أن يكون له عند مالك ووافقه أبو حنيفة وفقهاء المدينة السبعة رضي الله عنهم أجمعين نعم خالف أبو حنيفة مالكا في بعض فروع المسألة وسيأتي تقرير المنقولات فيها فترقب لا عند الشافعي فقد قال لا يقدم أحد الزوجين على الآخر إلا بحجة ظاهرة كسائر المدعين محتجا بثلاثة أمور الأمر الأول قوله صلى الله عليه وسلم البينة على من ادعى واليمين على من أنكر فكل من ادعى من الزوجين كان عليه البينة لظاهر الحديث
    ____________________
    (3/274)
    والزوجان حران أو عبدان أو أحدهما مسلمان أو أحدهما قضي للمرأة بما هو شأن النساء وللرجل بما هو شأن الرجال وما يصلح لهما قضي به للرجل لأن البيت بيته في مجرى العادة فهو تحت يده فيقدم لأجل اليد ووافق مالكا أبو حنيفة والفقهاء رضي الله عنهم أجمعين وقال الشافعي لا يقدم أحدهما على الآخر إلا بحجة ظاهرة كسائر المدعين وقياسا على الصباغ والعطار إذا تداعيا آلة العطر أو الصبغ فإنه لا يقدم أحدهما على الآخر إلا بحجة ظاهرة وإن شهدت العادة بأن آلة العطر للعطار وآلة الصبغ للصباغ فكذلك ههنا قال ابن يونس إذا فرعنا على مذهب مالك يحلف من قضي له
    وقال سحنون ما عرف لأحدهما لا يحلف وقال ابن القاسم ما كان شأن الرجال وشأن النساء قسم بينهما بعد أيمانهما لاشتراكهما في اليد وما ولي الرجل شراءه من متاع البيت وشهدت له البينة أخذه بعد يمينه ما اشتراه إلا له وكذلك المرأة فإن اختلفا في البيت نفسه فهو للرجل لأنه ملكه في غالب العادة ولأن يده عليه قال ابن يونس الذي يختص بالرجل نحو العمامة فالقول
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الأمر الثاني القياس على الصباغ والعطار فكما أنهما إذا تداعيا آلة العطر والصبغ لا يقدم أحدهما على الآخر إلا بحجة ظاهرة وإن شهدت العادة بأن آلة العطر للعطار وآلة الصبغ للصباغ كذلك هاهنا الأمر الثالث أن حكم اليد كما لا يسقط بالصلاحية فيما إذا كان في يد ثالث غير المتداعيين كذلك لا يسقط بها في كل موضع يكون المتنازع فيه بيد أحد المتداعيين لا فرق بين كونهما امرأتين أو رجلين أو رجلا وامرأة ألا ترى أن الرجل لو كان بيده خلخال فادعته امرأة أجنبية فالقول قوله وإن كان الخلخال لا يصلح من لباسه لأجل أن يده عليه وأن المرأة لو كان بيدها سيف فادعاه رجل فالقول قولها وإن كان لا يصلح لها لأجل أن يدها عليه فالزوجان إذا كانا في الدار وفيها ما يصلح لأحدهما ويدهما عليه كذلك لا يسقط اعتبار اليد بصلاحيته لأحدهما دون الآخر
    ووجه الجواب والفرق إما عن الحديث فهو أن القاعدة أن المدعي هو كل من كان قوله خلاف أصل أو عرف والمدعى عليه هو كل من كان قوله على وفق أصل أو عرف مثلا المدعي بالدين على خلاف الأصل لأن الأصل براء الذمة والمطلوب المنكر على وفق الأصل لما علمت والمدعي رد الوديعة وقد قبضها ببينة هو المدعي لأن قوله على خلاف الظاهر والعرف بسبب أن الغالب أن من قبض ببينة لا يرد إلا ببينة والمدعي عدم قبضها لكون قوله على وفق الظاهر والعرف على المدعى عليه وهذه القاعدة تقتضي أن المرأة إذا ادعت مقنعة وشبهها كان قولها على وفق الظاهر وقول الزوج على خلاف الظاهر فالزوج مدع فعليه البينة وهي مدعى عليها فالقول قولها تقول بموجب الحديث لا أنه حجة علينا قال ابن الشاط وتمسك الشافعي بالحديث ظاهر وجواب المالكية بتفسير المدعي والمدعى عليه بما فسروا به لا بأس به
    ا ه وأما عن القياس على الصباغ والعطار فهو باطل أما على قول بعض أصحابنا بالتزام مساواة مسألة الصباغ والعطار لمسألة الزوجين في تقديم ما شهدت العادة له كما أشار إليه ابن القصار في عيون الأدلة لظاهر قوله تعالى خذ العفو وأمر بالعرف من أن كل ما شهدت به العادة قضي به
    ____________________
    (3/275)
    قوله فيه بغير يمين إلا أن تدعي المرأة إرثه فيحلف قال ابن حبيب ولا يكفي أحدهما أن يقول هذا لي لأنه متاع البيت حتى يقول هذا ملكي قال عبد الحق في تهذيب الطالب لو تنازعا في رداء فقال هو لها إلا الكتان بأن قال اشتريته فقال أصبغ له بقدر كتابه ولها بقدر عملها لأنه لو ادعاه صدق هذا تقرير المنقولات وأما وجه الجواب والفرق فنقول لنا قوله تعالى خذ العفو وأمر بالعرف فكل ما شهد به العادة قضي به لظاهر هذه الآية إلا أن يكون هناك بينة ولأن القول قول مدعي العادة في مواقع الإجماع
    وأما ما أشار إليه الشافعي رضي الله عنه وهو القياس على العطار والصباغ فمن أصحابنا من التزم التسوية أيضا أشار إليه ابن القصار في عيون الأدلة وعلى هذا يبطل القياس وإن قلنا بعدم التسوية فالفرق أن الإشهاد بين الزوجين يتعذر لأنهما لو اعتمدا ذلك وإن من كان له شيء أشهد عليه أدى ذلك إلى المنافرة وعدم الوداد بينهما وربما أفضى ذلك إلى الطلاق والقطيعة فهما معذوران في عدم الإشهاد وملجآن إليه وإذا ألجئ لعدم إشهاد فلم يقض بينهما بالعادة لا نسد الباب عليهما بخلاف العطار والصباغ إذا كانا في حانوت واحد
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    إلا أن يكون هناك بينا ولأن القول قول مدعي العادة في مواقع الإجماع فظاهر وأما على القول بعدم التسوية بين المسألتين فلأن القياس لا يصح مع الفارق
    والفرق بين المسألتين إما مع كون الصباغ والعطار في حانوتين أو تداعيا شيئا في يد ثالث فهو أن الضرورة تدعو للملابسة في حق الزوجين فسلك بهما أقرب الطرق في إثبات أموالهما ولا ضرورة تدعو لملابسة العطار والصباغ فجريا على قاعدة الدعاوى وأما مع كونهما في حانوت واحد فهو أن الإشهاد بين الزوجين يتعذر لأنهما لو اعتمدا ذلك وأن من كان له شيء أشهد عليه لأدى ذلك إلى المنافرة وعدم الوداد بينهما وربما أفضى ذلك إلى الطلاق والقطيعة فهما معذوران في عدم الإشهاد كالغفارة إلى ذلك فلو لم يقض بينهما مع ذلك الإلجاء بالعادة لاستد الباب عليهما بخلاف العطار والصباغ إذا كانا في حانوت واحد فإنه لا ضرورة تدعوهما لعدم الإشهاد لكونهما أجنبيين لا يتألمان من ضبط أموالهما بذلك وأما عن القياس على ما إذا كان المتنازع فيه بيد ثالث فهو أنه قياس مع الفارق
    وذلك أن المستند عندنا في مسألتنا أمران اليد مع الصلاحية إذ لا فرق عندنا بين الرجل والمرأة وبين الرجلين وبين المرأتين وبين اليد الحكمية والمشاهدة فلو تعلق رجل وامرأة بخلخال وأيديهما جميعا يتجاذبانه به قضينا به للمرأة مع يمينها ولو تجاذبا سيفا كان للرجل مع يمينه والمستند فيما إذا كان بيد ثالث الصلاحية فقط إذ ليس لأحد المتداعيين عليه يد وقولنا ما يصلح للزوجين يكون للزوج مع أنه لا ظاهر يشهد له ويد كل واحد منها عليه ليس نقضا لا سلبا ولا ترجيحا بلا مرجح نظرا لكون اليد مشتركة بل هو جار على أصلنا من الترجيح بمرجح لأن يد الزوج أقوى وهو المرجح لأن المرأة في يده وتحت حوزه والدار له ألا ترى أن عليه أن يسكنها وأن يجبرها وأن يخدمها فالدار هي من قبله كحوز امرأته فلذلك قضي له مع يمينه كالمداعيين لأحدهما يد دون الآخر وكون ما ذكرناه من الظاهر إنما يشهد بالاستعمال فقط فإن السيف إنما يستعمله الرجال والحلي إنما يستعمله النساء والنزاع إنما هو في الملك لا في الاستعمال وقد تملك المرأة ما يصلح للرجال للتجارة أو بعارض من إرث أو
    ____________________
    (3/276)
    لا ضرورة تدعوهما لعدم الإشهاد فإنهما أجنبيان لا يتألمان من ضبط أموالهما بذلك وإن كانا في حانوتين أو تداعيا شيئا في يد ثالث فنقول الفرق أن الضرورة تدعو للملابسة في حق الزوجين فسلك بهما أقرب الطرق في إثبات أموالهما ولا ضرورة تدعو لملابسة العطار والصباغ فجريا على قاعدة الدعوى واستدل الشافعي أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم البينة على من ادعى واليمين على من أنكر فكل من ادعى من الزوجين كان عليه البينة لظاهر الحديث
    وجوابه أن قاعدة المدعي هو كل من كان على خلاف أصل أو عرف والمدعى عليه هو كل من كان قوله على وفق أصل أو عرف فالمدعي بالدين على خلاف الأصل لأن الأصل براءة الذمة والمطلوب المنكر على وفق الأصل لأن الأصل براءة الذمة والمدعي رد الوديعة وقد قبضها ببينة قوله على خلاف الظاهر والعرف بسبب أن الغالب أن من قبض ببينة لا يرد إلا ببينة فدعوى الرد على خلاف الظاهر والمدعي عدم قبضها على وفق الظاهر وهو المدعى عليه وإذا كان هذا ضابط المدعي والمدعى عليه فإذا
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    غيره فقد أصدق علي رضي الله عنه فاطمة رضي الله عنها درعا من حديد وقد يملك الرجال ما يصلح للنساء للتجارة أو غير ذلك من أسباب التمليك مدفوع بأن الغالب فيما في يد الإنسان مما يصلح له أنه ملكه ويندر أنه لا يملكه وإذا دار الحكم بين النادر والغالب فالأولى حمله على الغالب ألا ترى أن من هو ساكن في دار ويده عليها يقضى له بالملك بناء على الغالب وظاهر الملك كذا في الأصل قال ابن الشاط وجعل المالكية اليد لهما أعني الزوجين مع قولهم إن الرجل حائز للمرأة فيه درك لا يخفى وبالجملة المسألة محل نظر ا ه بلفظ والله أعلم وصل في توضيح هذا الفرق بأربع مسائل المسألة الأولى قال مالك في المدونة إذا اختلفا وهما زوجان أو عند الطلاق أو الورثة بعد الموت والزوجان حران أو عبدان أو أحدهما مسلمان أو أحدهما قضي للمرأة بما هو شأن النساء وللرجل بما هو شأن الرجال وما يصلح لهما قضي به للرجل لأن البيت بيته في مجرى العادة فهو تحت يده فيقدم لأجل اليد قال ابن حبيب ولا يكفي أحدهما أن يقول هذا لي لأنه متاع البيت حتى يقول هذا ملكي قال عبد الحق في تهذيب الطالب لو تنازعا في رداء فقال هو لها إلا الكتان بأن قال اشتريته فقال أصبغ له بقدر كتانه ولها لأنه بقدر عملها لو ادعاه صدق وقد تقدم في الصباغ والعطار قولان لأصحاب مالك المسألة الثانية قال مالك ما يصلح للرجل أخذه مع يمينه وقال سحنون لا يمين على واحد منهما فيما يصلح له إنما اليمين على الرجل فيما يصلح لهما وقاله ابن القاسم في غير المدونة
    وهو ظاهر قول مالك قال ابن يونس الذي يختص بالرجل نحو العمامة فالقول قوله فيه بغير يمين إلا أن تدعي المرأة إرثه فيحلف وقال ابن سحنون لا يقضى لواحد منهما بشيء إلا بعد يمينه وقال المغيرة ما يصلح لهما قسم بينهما بعد أيمانهما وسواء في هذا كله اختلفا قبل الطلاق أو بعده أو بعد خلع أو لعان أو فراق أو إيلاء أو غيره أو ماتا أو أحدهما واختلف الورثة والزوجان حران أو عبدان أو أحدهما حر والآخر عبد كانت الزوجة ذمية أم لا وسواء في هذا كله كانت لها عليه يد مشاهدة أو حكمية فاليد المشاهدة أن يكونا قابضين على الشيء فيتجاذبانه ويتنازعان والحكمية أن يكون في الدار التي يسكنانها وسواء في هذا كله
    ____________________
    (3/277)
    ادعت المرأة مقنعة وشبهها كان قولها على وفق الظاهر
    وقول الزوج على خلاف الظاهر فالزوج مدع فعليه البينة وهي مدعى عليها فالقول قولها فنحن نقول بموجب الحديث لا أنه حجة علينا واحتجوا أيضا بأن كل موضع لو كان المتداعيان امرأتين أو رجلين لم يقدم أحدهما على الآخر فكذلك إذا كانا رجلا وامرأة لم يقدم أحدهما على الآخر بالصلاحية بالقياس على ما إذا كان في يد ثالث ويؤكد أن حكم اليد لا يسقط بالصلاحية أن من كان بيده خلخال فادعته امرأة أجنبية فالقول قوله وإن كان الخلخال لا يصلح من لباسه لأجل أن يده عليه وكذلك لو كان بيد المرأة سيف فادعاه رجل فالقول قولها وإن كان لا يصلح لها لأجل أن يدها عليه فكذلك ههنا إذا كانا في الدار وفيها ما يصلح لأحدهما فإن يدهما عليه فلا يسقط اعتبار اليد بصلاحيته لأحدهما دون الآخر والجواب أنه لا فرق عندنا بين الرجل والمرأة وبين الرجلين وبين المرأتين وبين اليد الحكمية والمشاهدة فلو تعلق رجل وامرأة بخلخال وأيديهما جميعا عليه يتجاذبانه قضينا به
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الزوجان والأجنبيان وذوات المحارم إذا سكن رجل وامرأة في دار وهذا الأصل لا مناقضة فيه على المذهب حتى قال أئمتنا لو اختلف عطار ودباغ في المسك والجلد واختلف القاضي والحداد في القلنسوة والكير وكانت لهما عليه يد حكمية في دار يسكنانها أو مشاهدة أو تنازع رجل وامرأة رمحا وهما يتجاذبانه فالقول في هذا كله قول من شهد له العرف والعادة فيحكم للرجل بالرمح مع يمينه وإن كان دملجا قضي به للمرأة مع يمينها ويقضى للعطار بالمسك مع يمينه وأما إن كان الزوجان في البيت فحاز أحدهما في يده وقبضته ما يصلح للآخر دونه قال فالذي يتبين لي فيه أن القول قول من حازه دون الآخر المسألة الثالثة قال الطرطوشي في تعليقه الذي تقدم فيه المرأة ويقضى لها به لأجل الصلاحية الحلي وثياب النساء وجميع الجهاز من الطست والمنارة والثياب والقبقاب والبسط والوسائد والمرافق والفرش ونحو ذلك والذي يقضى به للرجل السلاح والمنطقة والخاتم الفضية وثياب الرجل ونحو ذلك والذي يصلح لهما كالدار التي يسكنانها والرقيق
    وأما أصناف الماشية فلمن حازه لأنها ليست من متاع البيت وكذلك ما في المرابط من خيل أو بغال أو حمير فلمن حازه قال مالك والحصر كالدار إلا أن يعرف للزوجة هذا تقرير المنقولات في مذهب مالك رحمه الله تعالى وتناقض قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى في هذه الفروع وإن كان من حيث الجملة موافقا لنا فقال ما يصلح لهما فهو للرجل إن كان حيا وإن كان ميتا فهو للمرأة وقال محمد بن الحسن من أصحابه هو لورثة الزوج كقولنا وقال أبو حنيفة إن تداعياه وهو في أيديهما مشاهد قسم بينهما
    وقال أبو حنيفة أيضا إذا كانا أجنبيين يسكنان معا فتداعيا شيئا مما كان يصلح للرجل فهو له وما كان يصلح للمرأة فهو لها وما كان يصلح لهما قسم بينهما وإن اختلف العطار والدباغ في المسك والجلد فإنه يقسم بينهما واحتج أبو حنيفة فيما إذا مات الرجل أن سلطانه زال عن المرأة بالموت فكانت المرأة أرجح
    ____________________
    (3/278)
    للمرأة مع يمينها ولو تجاذبا سيفا كان للرجل مع يمينه وأما إذا كان بيد ثالث فليس لأحدهما عليه يد بخلاف مسألتنا فإن المستند عندنا اليد مع الصلاحية فإن قالوا ما ذكرتموه يبطل بأن ما يصلح لهما يكون للزوج مع أنه لا ظاهر يشهد له ويد كل واحد منهما عليه فقد نقضتم أصلكم ورجحتم من غير ترجيح فإن اليد مشتركة
    والظاهر من جهة الصلاحية منفي في حق كل واحد منهما قلنا بل يد الزوج أقوى وهو المرجح لأن المرأة في يده وتحت حوزه والدار له ألا ترى أن عليه أن يسكنها وأن يجيرها وأن يخدمها فالدار هي من قبله كحوز امرأته فلذلك قضي له مع يمينه كالمتداعيين لأحدهما يد والآخر لا يد له قالوا ما ذكرتموه من الظاهر إنما يشهد بالاستعمال فقط فإن السيف إنما يستعمله الرجال والحلي إنما يستعمله النساء ونزاعنا إنما هو في الملك لا في الاستعمال وقد تملك المرأة ما يصلح للرجل للتجارة أو بعارض من إرث أو غيره فقد أصدق علي رضي الله عنه فاطمة رضي الله عنها درعا من حديد وقد يملك الرجال ما يصلح للنساء للتجارة أو غير ذلك من أسباب التمليك
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    فيما تدعيه
    وجوابه أن الوارث شأنه أن ينتقل له ما كان لمورثه على الوجه الذي كان له بدليل الآخذ بالشفعة والرد بالعيب وخيار الشرط وأما الشافعي فطريقته واحدة وهي أن الزوجين إذا تداعيا شيئا فمن أقام البينة فهو له كما قلناه وإلا قسم بينهما نصفين بعد أيمانهما وكذلك الأجنبيان إذا سكنا دارا واحدة المسألة الرابعة قال عبق المسألة التي أشار لها المصنف بقوله وفي متاع البيت فللمرأة إلخ لم يثبت فيها كون الشيء لأحدهما وسواء كان التنازع بينهما أو بين ورثة أحدهما مع الآخر أو بين ورثتيهما وأما مسألة من حلى زوجته تزينا بحلي في ملكه ببينة ولم تقم هي بينة على هبته لها فإنه وإن تعلق بالنساء لم تختص به عن الورثة إذا مات ولا تأخذه إذا طلقها ولو طال تحليها به فيهما كما اقتصر عليه عج في باب الهبة عند قول المصنف لتحلية ولده وكثيرا ما يقع ذلك بمصر وإن كان المشاع على ألسنة الناس أن كل شيء تمتعت به المرأة فهو لها لثبوت ملك الحلي للرجل ولكن حلاها به كما مر وأولى من التحلية الفرش ونحوها ثم لا يعارض هذا قول المصنف في الهبة وهبة أحد الزوجين للآخر متاعا لأنه فيما يثبت أنه وهب أحدهما للآخر بصيغة أو مفهمها وما هنا لم يقع إلا التحلية أو التمتع بالفرش فقط
    ا ه بتصرف قال الرهوني وما رجحه عج باقتصاره عليه هو الراجح من الأقوال الثلاثة في المسألة نقلا ومعنى أما نقلا فلقول صاحب الفائق وأفتى ابن الحاجب وابن رشد أن القول قول الزوج فيما اشتراه من الحلي والثياب وأعطاه لزوجته تلبسه وتتزين به أنه عارية لا هبة وتمليك وكذلك يكون القول قول ورثته في ذلك مع أيمانهم إلا أنهم يحلفون على العلم لا على البت ا ه
    وفي نوازل النكاح من المعيار أن ابن سراج أجاب عن رجل اشترى لزوجه جملة حوائج من قصب ذهب وثوبي حرير وعقد جوهر وفرخة شرب وغير ذلك ودفع ذلك كله لزوجه المذكورة وألبسها إياها على وجه المتعة لا التمليك ثم بعد ذلك اشترى قطيفتين ومطرحين وغير ذلك وبقيت الزوجة تلبس ما ساق لها
    ____________________
    (3/279)
    قلنا الظاهر فيما في يد الإنسان مما يصلح له أنه ملكه وهذا هو الغالب وغيره نادر وإذا دار الحكم بين النادر والغالب فحمله على الغالب أولى ألا ترى أن من هو ساكن في دار ويده عليها يقضى له بالملك بناء على الغالب وظاهر اليد فكذلك ههنا ووافقنا أبو حنيفة في هذه المسألة من حيث الجملة لكنه قال ما يصلح لهما فهو للرجال إن كان حيا وإن كان ميتا فهو للمرأة وقال محمد بن الحسن من أصحابه هو لورثة الزوج كقولنا وقال أبو حنيفة إن تداعياه وهو في أيديهما مشاهدة قسم بينهما وقال أبو حنيفة أيضا إذا كانا أجنبيين يسكنان معا فتداعيا شيئا مما كان يصلح للرجل فهو له وما كان يصلح للمرأة فهو لها وما كان يصلح لهما قسم بينهما
    وإن اختلف العطار والدباغ في المسك والجلد فإنه يقسم بينهما وتناقض قوله في هذه الفروع وإن كان من حيث الجملة موافقا لنا وأما الشافعي فطريقته واحدة وهي أن الزوجين إذا تداعيا شيئا فمن أقام بينة فهو له كما قلناه وإلا قسم بينهما نصفين بعد أيمانهما وكذلك الأجنبيان إذا سكنا دارا واحدة واحتج أبو حنيفة فيما إذا مات الرجل أن سلطانه زال عن المرأة بالموت فكانت المرأة أرجح فيما
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    وتتزين وتمتهن القطيفتين والمطرحين وغير ذلك مدة أزيد من ثمانية أعوام فلما توفي الزوج في هذه الأشهر القريبة قام بعض ورثته يطلب ميراثه في جملة ما ذكر ويدعيه ملكا لمورثه فهل يجب لذلك الطالب من ذلك شيء مع بقاء ذلك بيد الزوجة هذه المدة وسكوت الزوج مع علمه بامتهان ذلك كله ودفعه أولا على الوجه المذكور بما نصه إن يثبت أن الزوج ملك زوجه تلك الحوائج كانت لها وإلا حلف الورثة أنهم لا يعلمون أنه ملكها إياها ووقع فيها الميراث وأن أبا عثمان سعيد بن ضمير أجاب عن الرجل يتزوج المرأة ولا يعرف لها جهاز قليل ولا كثير وتدخل على جهاز امرأة كانت له قبل هذه ويشتري الزوج بعد ذلك أيضا مما يكون للنساء من الثياب والحلي ويقيم الزوج البينة أنه ابتاع ذلك كله بعد البناء بزمان ولم يذكر أنها عارية
    وسكت عن ذكر ذلك إلا أنها تنتفع بذلك وتتزين به فينزل بينهما فراق أو موت فتدعي المرأة في ذلك كله بما نصه ليس لها مما ذكرت شيء إلا أن يعرف أنها خرجت به من بيتها أو تصدق به عليها وأفادت مالا وعرف ذلك واستبان واتضح وأنه يكون كما وصفت وما لم يعرف لها مال ولا تصدق عليها ولا أفادت فليس لها من ذلك شيء لأن الزوج يقول أردت جمال بيتي وجمال امرأتي وزينتها بذلك فالقول قوله وقول ورثته بعده وقيل لابن ضمير فما ترى إن قالت إني اكتسبته وجمعته فقال ليس يعرف الكسب للنساء إلا أن يكون ميراثا أو هبة أو صدقة ويعرف ذلك حينئذ يجوز ما تقول إذا كانت المرأة لا يعرف لها قليل ولا كثير من قبل دخولها عليه وأجاب ابن لبابة أما ما عرف مما ابتاعه الزوج بعد البناء لامرأته من حلي أو متاع يعرف للنساء ويزين امرأته السنة والسنتين وأكثر من ذلك ولم يشهد لها على عطية ولا هبة فهو أحق به أيضا ولا شيء للثانية فيه والورثة بمنزلة الميت إلا أن تكون لها بينة على ذلك وإلا فلا شيء لها
    ا ه وفي نوازل المعاوضات من المعيار في جواب لأبي إسحاق الشاطبي ما نصه دعوى المرأة في الثياب أن زوجها ساقها لها لا تسمع إلا إذا قامت البينة على أن تلك الثياب بأعيانها من جملة السياقة أو أنه وهبها لها
    ____________________
    (3/280)
    تدعيه وجوابه أن الوارث شأنه أن ينتقل له ما كان لمورثه على الوجه الذي كان له بدليل الأخذ بالشفعة والرد بالعيب وخيار الشرط تفريع قال الطرطوشي في تعليقه الذي تقدم فيه المرأة ويقضى لها به لأجل الصلاحية الحلي وثياب النساء وجميع الجهاز من الطست والمنارة والثياب والقبقاب والبسط والوسائد والمرافق والعرش ونحو ذلك الذي يقضى به للرجل السلاح والمنطقة والخاتم الفضة وثياب الرجل ونحو ذلك والذي يصلح لهما كالدار التي يسكنانها والرقيق وأما أصناف الماشية فلمن حازه لأنها ليست من متاع البيت وكذلك ما في المرابط من خيل أو بغال أو حمير فلمن حازه قال مالك والحصر كالدار إلا أن يعرف للزوجة وقال مالك ما يصلح للرجل أخذه مع يمينه وقال سحنون لا يمين على واحد منهما فيما يصلح له إنما اليمين على الرجل فيما يصلح لهما وقاله ابن القاسم في غير المدونة وهو ظاهر قول مالك وقال ابن سحنون لا يقضى لواحد منهما بشيء إلا بعد يمينه
    وقال المغيرة ما يصلح لهما قسم
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    على الخصوص فإن لم تقم على ذلك بينة فالقول قول ورثة الميت مع أيمانهم لا يعلمون تلك الثياب من مال المرأة ولا متاعها إلى آخر نص اليمين ولا تدخل هذه المسألة في مسألة الاختلاف في متاع البيت لكن يبقى النظر في لباسها تلك الثياب وامتهانها لها فهل تستحقها بذلك أم لا والصحيح في المذهب أن الرجل ليس له أن يرتجع كسوة المرأة عند فراقها إذا كانت مبتذلة فإن لم تبتذل كان له ارتجاعها فهذه الثياب مثلها إن كانت الزوجة قد ابتذلتها فهي لها وإلا صارت ميراثا ا ه
    وأما معنى فلما قالوه من أن الإنسان أعرف بكيفية خروج ملكه من يده ولأن الأصل بقاء ما كان ولأن الزوج يجب أن يجمل زوجته ليستمتع بها ويخشى أن يملكها ذلك أن يقع بينهما ما يوجب الفراق أو يموت فتذهب بماله لزوج آخر فيجعل ذلك بيدها على وجه العارية فيحصل له ما أحب ويأمن مما يخشاه فتأمله بإنصاف وقيل القول قول الزوجة مطلقا وقيل بالتفصيل ففي الفائق ما نصه قال الداودي ما اشتراه الرجل لزوجته من الثياب فلبستها في غير البذلة ثم نزل بينهما فراق وادعى أن ذلك منه عارية وأنكرته نظر فإن كان الرجل مثله يشتري الثياب لزوجه على وجه العارية فالقول قوله مع يمينه وإن كان مثله في ملائه وشرفه لا يشتري ذلك للعارية فالقول قولها مع يمينها قال وسواء كان لباسها قليلا أو كثيرا قريبا أو بعيدا
    ا ه وذكر ابن عات في طرره قول الداودي وزاد ما نصه قال ابن تليد وإن ابتاع الرجل لزوجته كسوة مثل ثوب أو فرو ثم تموت فيريد أخذها لم يكن ذلك له وهو موروث عنها وكذلك قال بعض الشيوخ في الموت والطلاق وبه العمل وهذا إذا كانت لغير البذلة ا ه وجريان العمل بهذا القول لا يقتضي تقديمه على الراجح لأن لتقديمه عليه شروطا منها استمرار العمل وهو منتف هنا إذ كثير من المحققين ممن بعد صاحب الطراز لم يعرجوا عليه وأفتوا بغيره سيدي عبد القادر الفاسي في أجوبته ولم يذكره ولده في نظم العمل ولا غيره من المتأخرين ممن تعرضوا لعد ما به
    ____________________
    (3/281)
    بينهما بعد أيمانهما وسواء في هذا كله اختلفا قبل الطلاق أو بعده أو بعد خلع أو لعان أو فراق أو إيلاء أو غيره أو ماتا أو أحدهما واختلف الورثة والزوجان حران أو عبدان أو أحدهما حر والآخر عبد كانت الزوجة ذمية أم لا وسواء في هذا كله كانت عليه يد مشاهدة أو حكمية
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    العمل والله أعلم وفي قول الإمام أبي إسحاق الشاطبي لكن يبقى النظر في لباسها تلك الثياب وامتهانها فهل تستحقها بذلك أم لا إلخ نظر ظاهر وإن سكت عنه الإمامان أبو العباس الونشريسي وسيدي عبد القادر الفاسي
    ووجه ذلك أنه معترف بأنه إنما اعتمد في ذلك على القياس الذي ذكره وهو غير صحيح لأن مسألة الطلاق التي جعلها أصلا لهذه مباينة لهذه أشد المباينة لأن مسألتنا هذه قد سلم هو نفسه أن دفع الزوج لما ذكر هو على وجه العارية وعليها البينة أنه وهبها مثلا ولا خلاف في المذهب بل ولا خارجه فيما أعلم أن العارية لا تملك بطول الانتفاع بها ولا بامتهان المعار إياها ودفع الزوج الكسوة في مسألة الطلاق كان منه على وجه التمليك أداء لما وجب عليه لكن لما كان ذلك عليه في مقابلة الاستمتاع فرقوا بين أن يقع الطلاق عن قرب فترجع له أو بعد فلا وحدوا البعد بثلاثة أشهر كما أشار له المصنف فيما يأتي بقوله لا الكسوة بعد أشهر فيلزم على قياسه هذا أنها مهما أقامت بيدها العارية ثلاثة أشهر فهو لها والنصوص مصرحة برد ذلك فراجعها متأملا والله أعلم فتأمله بإنصاف
    وعكس هذه المسألة مثلها وهي أن تكسو المرأة زوجها ففي الفائق ما نصه كتب إلى القاضي أبي الوليد بن رشد رحمه الله ما تقول فيما تخرجه المرأة أو وليها في شورتها باسم الزوج كالغفارة والمحشو والقميص والسراويلات وربما لبس ذلك الزوج بعد بنائه بالأيام اليسيرة أو الكثيرة وربما لم يلبسها ثم تذهب الزوجة ووليها إلى أخذ الثياب ويزعمون أنها كانت عارية وأنها جعلت ذلك على طريق التزين لا على طريق العطية فهل ترى ذلك للزوج أم لا فأجاب إن كان في هذه الثياب المخرجة في الشورة عرف البلد قد جرى به الأمر واستمر عليه العمل حكم به وإن لم يكن في ذلك عرف معلوم فالقول قول المرأة أو وليها فيما يدعيان من أنها عارية أو على سبيل التزيين وبالله التوفيق لا رب سواه
    ا ه ونحوه في طرر ابن عات ونسبه لمختصر الخديرية ونحوه في الدر النثير ونسبه لمختصر الخديرية وأشار إليه المواق عند قوله قبل إلا أن يستحق شيء فيلزم وكلهم ساقوه كأنه المذهب ولم يحكوا غيره وهو ظاهر والله أعلم ا ه كلام الرهوني بتصرف والله سبحانه وتعالى أعلم خاتمة نسأل الله حسنها اعلم رحمك الله تعالى أن اعتبار العادة والعرف هنا عند بعض الأئمة تارة وعدم اعتبارها تارة كما علمت مبني على الفرق الذي فات الأصل ذكره في فروقه بين قاعدة العادة المحكمة والعادة الغير المحكمة وأنا أحرره لك هنا ليتضح لك المقام بحول الملك العلام فأقول قال الجلال السيوطي في كتابه الأشباه والنظائر الفقهية ما خلاصته إن العادة المحكمة ما تحقق فيها شرطان الشرط الأول الاطراد فلا تعتبر المطربة وفي اعتبار ما تعارضت في اعتبارها لظنون خلاف الشرط الثاني أن لا تتعارض مع شرع يتعلق به حكم والإقدام عليها قطعا مثلا إذا أوصى لأقاربه لم يدخل ورثته عملا بتخصيص الشرع إذ لا وصية لوارث قال وأصلها قال القاضي قوله صلى الله عليه وسلم ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن قال العلائي ولم أجده مرفوعا في شيء من كتب الحديث أصلا ولا
    ____________________
    (3/282)
    فاليد المشاهدة أن يكونا قابضين على الشيء فيتجاذبانه ويتنازعانه والحكمية أن يكون في الدار التي يسكنانها وسواء في هذا كله الزوجان والأجنبيان إذا سكن رجل وامرأة في دار وذوات المحارم الكل سواء وهذا أصل لا مناقضة فيه على المذهب حتى قال أئمتنا لو اختلف عطار ودباغ في المسك والجلد واختلف القاضي والحداد في القلنسوة والكير وكانت لهما عليه يد حكمية في دار يسكنانها أو مشاهدة أو تنازع رجل وامرأة رمحا وهما يتجاذبانه فالقول في هذا كله قول من شهد له العرف والعادة فيحكم للرجل بالرمح مع يمينه وإن كان دملجا قضي به للمرأة مع يمينها ويقضى للعطار بالمسك مع يمينه وأما إن كان الزوجان في البيت فجاز أحدهما في يده وقبضته ما يصلح للآخر دونه قال فالذي يتبين لي فيه أن القول قول من حازه دون الآخر
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    بسند ضعيف بعد طول البحث وكثرة الكشف والسؤال وإنما هو من قول عبد الله بن مسعود موقوفا عليه أخرجه أحمد في مسنده واعتبار العادة والعرف راجع إليه مسائل في الفقه لا تعد كثرة قال فتعتبر وتقدم حتى على الشرع الذي لم يتعلق به حكم كما لو حلف لا يأكل لحما لم يحنث بالسمك وإن سماه الله لحما أو لا يجلس على بساط أو تحت سقف أو في ضوء سراج لم يحنث بالجلوس على الأرض وإن سماها الله بساطا ولا تحت السماء وإن سماها الله سقفا ولا في الشمس وإن سماها الله سراجا أو لا يضع رأسه على وتد لم يحنث بوضعها على جبل وإن سماه الله وتدا أو لا يأكل ميتة أو دما لم يحنث بالسمك والجراد والكبد والطحال ففي جميع ذلك يقدم عرف الاستعمال على الشرع لأنها استعملت فيه تسمية بلا تعلق حكم وتكليف قال وفي تقديمه على اللغة إذا تعارض معها لأنه محكم في التصرفات سيما الأيمان أو تقديم اللغة عملا بالوضع خلاف في المذهب في حق العربي فقط أما العجمي فيعتبر عرفه قطعا إذ لا وضع يحمل عليه وأما العرف الخاص فإن كان محصورا لم تؤثر معارضته للعرف العام وإن كان غير محصور اعتبر ونزل منزلة العام في الأصح فافهم ا ه
    ومنه تعلم أن العادة الغير المحكمة ما انتفى عنها أحد الشرطين المذكورين أما الأول فلأن المطربة لم تتقرر بين الناس حتى تعتبر وأما الثاني فلمعارضتها لأحكام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فيكون حكمها منكرا من بقايا الجاهلية في كفرهم بما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعكوفهم على عوائدهم التي جاء الشرع بإبطالها فمن استحله من المسلمين مع العلم بتحريمه حكم بكفره وارتداده كما في بغية المسترشدين عن أحكام النوازل على مذهب الشافعي عن فتاوى بامخرمة والله أعلم
    ____________________
    (3/283)
    الفرق الحادي والستون والمائة بين قاعدة ما هو صريح في الطلاق وبين قاعدة ما ليس بصريح فيه اعلم أن لفظ الصريح من قول العرب لبن صريح إذا لم يخالطه شيء ونسب صريح إذا لم يكن فيه شائبة من غيره فأما إذا كان اللفظ يدل على معنى لا يحتمل غيره إلا على وجه البعد فهو صريح وفي المقدمات للقاضي أبي الوليد في الصريح ثلاثة أقوال فعند القاضي عبد الوهاب لفظ الطلاق وما تصرف منه وقاله أبو حنيفة
    وقال ابن القصار الصريح الطلاق وما اشتهر معه كالخلية والبرية ونحوهما وقيل ما ذكره الله تعالى في كتابه العزيز كالطلاق والسراح لقوله تعالى فطلقوهن لعدتهن وقوله تعالى أو تسريح بإحسان والفراق لقوله تعالى وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وقاله الشافعي وابن حنبل وبماذا يلزم هل بالنية فقط لمالك ويريد بالنية التطليق بالكلام النفساني وقيل باللفظ
    هامش أنوار البروق
    قال الفرق الحادي والستون والمائة بين قاعدة ما هو صريح في الطلاق وبين قاعدة ما ليس بصريح فيه قلت ما قاله هنا ذكر اشتقاق وحكاية أقوال ولا كلام في ذلك قال والكناية أصلها ما فيه خفاء ومنه الكن لإخفائه الأجسام وما يوضع فيه قلت هذا الذي أشار إليه هو المسمى عند النحاة بالاشتقاق الكبير وهو ضعيف عند محققيهم
    هامش إدرار الشروق
    الفرق الحادي والستون والمائة بين قاعدة ما هو صريح في الطلاق وبين قاعدة ما ليس بصريح فيه
    وذلك أن الصريح لغة كما في المختار كل خالص أي لقول العرب لبن صريح إذا لم يخالطه شيء ونسب صريح إذا لم يكن فيه شائبة من غيره وعليه فاللفظ الصريح ما يدل على معنى لا يحتمل غيره إلا على وجه البعد وشرعا قال القاضي أبو الوليد بن رشد في المقدمات في الصريح ثلاثة أقوال فعند القاضي عبد الوهاب لفظ الطلاق وما تصرف منه وقاله أبو حنيفة
    وقال ابن القصار الصريح الطلاق وما اشتهر معه كالخلية والبرية ونحوهما وقيل ما ذكره الله تعالى في كتابه العزيز كالطلاق والسراح والفراق لقوله تعالى فطلقوهن لعدتهن وقوله تعالى أو تسريح بإحسان وقوله تعالى وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وقاله الشافعي وابن حنبل وبماذا يلزم هل بالنية فقط لمالك ويريد بالنية التطليق بالكلام النفساني وقيل باللفظ فقط قال وهو موجود في المدونة وقيل لا بد من اجتماعهما هذا في الفتيا
    ____________________
    (3/284)
    فقط قال وهو موجود في المدونة وقيل لا بد من اجتماعهما هذا في الفتيا
    وأما في القضاء فيحكم عليه بصريح الطلاق وكنايته ولا يصدق اتفاقا والكناية أصلها ما فيه خفاء ومنه كنيته أبا عبد الله كأنك أخفيت الاسم بالكنية تعظيما له ومنه الكن لإخفائه الأجسام وما يوضع فيه فالكناية هي اللفظ المستعمل في غير موضوعه لغة وفي الصحاح يقال كنيت وكنوت وكنية بضم الكاف وكسرها وضابط مشهور كلام الأصحاب أن اللفظ إن دل بالوضع اللغوي فهو صريح
    وهذا هو الطلاق لأنه لإزالة مطلق القيد يقال لفظ مطلق ووجه طلق وحلال طلق وانطلقت بطنه وأطلق فلان من السجن قال صاحب الجواهر كيفما تصرفت هذه الصيغة نحو أنت طالق وأنت مطلقة وقد طلقتك أو الطلاق لازم أو قد أوقعت عليك الطلاق وأنا طالق منك والكناية ما ليس موضوعا له لغة لكن يحسن استعماله فيه مجازا لوجود العلاقة القريبة بينهما قال مالك في المدونة في الكنايات نحو أنت خلية أو برية أو بائن أو بتة أو بتلة أو حبلك على غاربك
    هامش أنوار البروق
    وما أرى هذه المسألة تصح عند من صححه منهم لأن الكناية ثالث حروفها ياء أو واو والكن ثالث حروفه نون إلا أن يدعي إبدال النون وفي ذلك بعد والله أعلم
    قال فالكناية هي اللفظ المستعمل في غير موضوعه لغة إلى قوله من السجن قلت ما قاله في ذلك غير صحيح فإن الطلاق ليس في اللغة لإزالة مطلق القيد بل لإزالة قيد العصمة خاصة وما قاله من أنه يقال لفظ مطلق ووجه طلق إشارة إلى الاشتقاق الكبير وهو ضعيف كما سبق
    قال قال صاحب الجواهر كيفما تصرفت هذه الصيغة إلى قوله وأنا طالق منك
    هامش إدرار الشروق
    وأما في القضاء فيحكم عليه بصريح الطلاق وكنايته ولا يصدق اتفاقا ا ه والقول الأول من الثلاثة في الصريح هو المشهور في المذهب ففي مختصر خليل ولفظة طلقت وأنا طالق أو أنت أو مطلقة أو الطلاق لي لازم لا منطلقة وتلزم واحدة إلا لنية أكثر ا ه قال البناني أي لفظ الصريح محصور في الألفاظ الأربعة دون غيرها من سائر الألفاظ وأشار بذلك إلى ما في ضج عن القرافي من أن كلام الفقهاء يقتضي أن الصريح هو ما كان فيه الحروف الثلاثة الطاء واللام والقاف وهو مشكل لشموله نحو منطلقة ومطلوقة فلذا عدل هنا عن ضبط الصريح بما ذكر إلى ضبطه بالألفاظ الأربعة ا ه بلفظه أي ونحو منطلقة ومطلوقة من الكنايات الخفية لا الظاهرة فضلا عن كونه من الصريح كما سيأتي فمن هنا قال الحنفية أنت مطلقة بسكون الطاء وتخفيف اللام لا تكون طلاقا إلا بالنية لأنه ليس مختصا بالنساء وهو متجه والقول الثاني من الثلاثة في الذي يلزم به الصريح هو المعتمد كما في حاشية الخرشي عند قول الخرشي قوله وفي لزومه بكلامه النفسي خلاف يعني أن الرجل إذا أنشأ الطلاق بقلبه بكلامه النفسي كما ينشئه بلسانه من غير لفظ بلسانه فهل يلزمه الطلاق بذلك أو لا يلزمه خلاف في التشهير وليس معنى
    ____________________
    (3/285)
    أو أنت حرام أو كالميتة أو الدم أو لحم الخنزير أو الفراق أو السراح أو اعتدي وهذه الألفاظ كلها من مجاز التشبيه فالخلية الفارغة والفراغ حقيقة في خلو جسم من جسم فشبه به خلو المرأة من عصمة النكاح والبرية من البراءة وهو مطلق السلب كيف كان المسلوب والبائن من البين وهو البعد بين الأجسام ويقال في المعاني بون لا بين شبه البعد من العصمة بالبعد بين الجسمين والبت القطع في جسم شبه به قطع العصمة وكذلك البتلة ومنه فاطمة البتول رضي الله عنها لانقطاعها في الشرف عن النساء وقيل لانقطاعها عن الأزواج إلا عليا رضي الله عنه ومنه حبلك على غاربك لأن عادة الدابة في الرعي إذا أمسك صاحبها حبلها لا تتهنى في الرعي لتوهمها أنه يجرها به
    وإذا أراد تهنئتها بالرعي ألقى حبلها على كتفها وهو غاربها فتطمئن حينئذ فشبه به طلاق المرأة لأنها تبقى مخلاة لنفسها وكذلك البواقي وما ليس في علاقة قريبة لا يجوز استعماله مجازا ويسمى مجاز التعقيد إذا اعتمد فيه على العلاقة البعيدة اتفق الناس على منعه كقوله تزوجت بنت الأمير ويفسر ذلك برؤيته لوالد عاقد الأنكحة بالمدينة معتمدا على أن النكاح من لوازمه
    هامش أنوار البروق
    قلت ما قاله صاحب الجواهر صحيح وهو الصريح وما قال شهاب الدين بعد صحيح قال وتحتاج هذه القاعدة إلى قاعدة أخرى وهي أن اللغات هل هي توقيفية أو اصطلاحية إلى قوله قالا وإن فرعنا على أن اللغات اصطلاحية جاز جميع ذلك قلت لا أدري ما دليلهما على المنع من وضع لفظ اسقني الماء لإنشاء الطلاق على طريق الاستعارة وإن كان أصله لاستدعاء سقي الماء بوضع الله تعالى قال ولما كان مذهب المحققين عدم الجزم بالتوقيف والاصطلاح جوز مالك أن يعبر بلفظ التسبيح أو أي لفظ كان عن الطلاق إما وضعا للطلاق وإما تعبيرا من غير وضع
    هامش إدرار الشروق
    الكلام النفسي أن ينوي الطلاق ويصمم عليه ثم يبدو له ولا أن يعتقد الطلاق بقلبه من غير نطق بلسانه فإنه لا يلزمه في ذلك طلاق إجماعا ا ه بلفظه
    والكناية لغة ما فيه خفاء ومنه كنيته أبا عبد الله كأنك أخفيت الاسم بالكنية تعظيما له وفي الصحاح يقال كنيت وكنوت وكنيته بضم الكاف وكسرها واصطلاحا هي اللفظ المستعمل في غير موضوعه لغة وسر الفرق إما على القول الأول المشهور من الثلاثة في الصريح فهو أن اللفظ إما أن يدل بالوضع اللغوي وإما أن لا يدل بالوضع العرفي فإن دل اللفظ بالوضع اللغوي وهو صيغة الطلاق كيفما تصرفت نحو أنت طالق وأنت مطلقة وقد طلقتك أو الطلاق لازم لي أو قد أوقعت عليك الطلاق وأنا طالق منك كما قاله صاحب الجواهر وتقدم مثله لخليل في مختصره فهو الصريح لأن لفظ الطلاق في اللغة موضوع لإزالة قيد العصمة خاصة على الصحيح لا لإزالة مطلق القيد وخصه العرف بإزالة قيد العصمة خاصة كما زعم الأصل قاله ابن الشاط وكون هذه الصيغ وقعت في الاستعمال اللغوي إخبارات لا يضر إما لأن الشرع يقدر وقوع مخبرها قبل النطق بها بالزمن الفرد لضرورة تصديقه وإذا صار صادقا لزمه ما نطق به من الطلاق كما للحنفية
    ____________________
    (3/286)
    العقد لأنه مبيحه والعقد من لوازمه العاقد لأنه فاعله والعاقد من لوازمه أبوه لأنه ولده فهذا القسم وما ليس فيه علاقة البتة لا قريبة ولا بعيدة هو ما ليس بصريح ولا كناية قال صاحب الجواهر هذا نحو قوله اسقني الماء فإن أراد به الطلاق فالمشهور لزومه خلافا للشافعي واختلف الأصحاب في تعليله فقيل هو الطلاق بمجرد النية لعدم صلاحية اللفظ وقيل بل باللفظ كأن المستعمل وضعه الآن للطلاق وهو بعيد لأن إنشاء الوضع لا نجده يخطر ببال الناس في العادة عند هذا الاستعمال وقيل لا يلزمه طلاق وهو مذهب الشافعي وأحمد بن حنبل وأبي حنيفة لأن الطلاق بالنية لا يلزم واللفظ لا يصلح وتحتاج هذه القاعدة إلى قاعدة أخرى وهي أن اللغات هل هي توقيفية أو اصطلاحية فعلى القول بالتوقيف وأن اللغات وضعها الله تعالى قال المازري في شرح البرهان والغزالي في البسيط لا يجوز لأحد أن يضع لفظا لمعنى ألبتة بل ذلك موكول إلى الله تعالى فلا يجوز أن يضع لفظ السقي أو الأكل أو غيرهما للطلاق ولا يجوز أن يصدق ألفا ويعبر عنه بألفين للتجمل بين الناس كذا نص عليه
    هامش أنوار البروق
    قلت ما قاله من كون مالك إنما جوز التعبير بلفظ التسبيح عن الطلاق لأن المحققين مذهبهم عدم الجزم بأحد الأمرين ليس بالبين بل اللائق بتحري مالك واحتياطه في الأمور الدينية على تقدير بنائه على عدم الجزم أن لا يجوز التعبير بذلك لاحتمال أن يتوقف وأما أن يجوز بناءه على عدم الجزم بأحد الأمرين لا أراه صحيحا
    والصحيح والله أعلم أن مالكا وإن لم يجزم بأحد الأمرين فلم يقم عنده دليل على المنع أو جزم بأنها اصطلاحية أو جزم بأنها توقيفية لكنه لم يقم عنده دليل المنع من استعمال اللفظ في غير ما وضعه الله إذ ليس معنى كونها توقيفية أن الله تعالى منع من وضعنا إياها لمعنى غير ما له وضعها ولا من استعمالها في ذلك بل معنى كونها توقيفية أن الله وضع الألفاظ كلها
    هامش إدرار الشروق
    وكذلك قالوا في صيغ العتق وجميع صيغ العقود من بعت واشتريت ونحو ذلك وإما لأنها كما وقعت فيه إخبارات كذلك وقعت فيه إنشاءات كما للمالكية والشافعية والحنابلة قال ابن الشاط فيبقى النظر في كونها مشتركة بين الخبر والإنشاء أو منقولة من الخبر إلى الإنشاء وكلاهما على خلاف الأصل والأظهر عندي أنها مشتركة والله أعلم ا ه
    وإن لم يدل اللفظ بالوضع اللغوي لكنه إما أن يحسن استعماله فيه مجازا لوجود العلاقة القريبة بينهما كما في الكنايات الظاهرة التي قال فيها في المدونة نحو أنت خلية أو برية أو بائن أو بتة أو بتلة أو حبلك على غاربك أو أنت حرام أو كالميتة أو الدم أو لحم الخنزير أو الفراق أو السراح أو اعتدي فهذه الألفاظ كلها من مجاز التشبيه فالخلية الفارغة والفراغ حقيقة في خلو جسم من جسم فشبه به خلو المرأة من عصمة النكاح والبرية من البراءة وهو مطلق السلب كيف كان المسلوب والبائن من البين وهو البعد بين الأجسام ويقال في المعاني بون لا بين شبه البعد من العصمة بالبعد بين الجسمين والبت القطع في جسم شبه به قطع العصمة وكذلك البتلة ومنه فاطمة البتول رضي الله عنها لانقطاعها في الشرف عن النساء وقيل لانقطاعها عن الأزواج إلا عليا رضي الله عنه ومنه حبلك على غاربك لأن عادة الدابة في الرعي إذا أمسك صاحبها
    ____________________
    (3/287)
    الغزالي في مسألة الصداق في كتابه البسيط قال
    وإن فرعنا على أن اللغات اصطلاحية جاز جميع ذلك ولما كان مذهب المحققين عدم الجزم بالتوقيف والاصطلاح جوز مالك أن يعبر بلفظ التسبيح أو أي لفظ كان عن الطلاق إما وضعا للطلاق وإما تعبيرا من غير وضع ولا يكون هذا التعبير حقيقة ولا مجازا وقد نص الأصوليون على أن اللفظ في استعماله قد يعرى عن الحقيقة والمجاز ومثلوه بالتعبير عن الأرض بالسماء وبالسماء عن الأرض ونحو ذلك فكذلك هاهنا أطلق المستعمل لفظ الأكل وأراد به الطلاق وغايته أن يقال أن هذا ليس كلاما عربيا ولا يلزم من كونه ليس عربيا أن لا يقع به الطلاق ألا ترى أنه لو قال أنت طالقا بالنصب أو الخفض لم يكن كلاما عربيا ومع ذلك يقع به الطلاق فكذلك هاهنا إذا تحرر هذا ظهر أن اللفظ قد يكون صريحا وقد يكون كناية وقد يعرى عنهما إذا فقدت العلاقة فيه وهو غير موضوع للطلاق ثم الكناية تنقسم إلى ما غلب استعماله في العرف في الطلاق فيلحقه بالصريح في استغنائه عن النية
    هامش أنوار البروق
    لمعانيها ولا يلزم من ذلك أنه منعنا من وضع كل لفظ منها لغير ما وضعه له أو استعماله فيه على طريق الاستعارة أو النقل والله أعلم
    قال ولا يكون هذا التعبير حقيقة ولا مجازا إلى قوله وهو غير موضوع للطلاق قلت ما قاله في ذلك صحيح والله أعلم وكذلك ما قاله بعده صحيح أيضا قال تنبيه الطلاق لإزالة مطلق القيد كما تقدم إلى قوله ولأنا عند سماع طالق لا نفهم انتفاء كل قيد ألبتة بل قيدا مخصوصا لا لغة ولا عرفا قلت ما قاله في هذا التنبيه فاسد جدا بل لفظ طالق موضوع لإزالة قيد العصمة لغة وقد تقدم
    هامش إدرار الشروق
    حبلها لا تتهنى في الرعي لتوهمها أنه يجرها به وإذا أراد تهنئتها بالرعي ألقى حبلها على كتفها وهو غاربها فتطمئن حينئذ فشبه به طلاق المرأة لأنها تبقى مخلاة لنفسها وكذلك البواقي وإما أن لا يحسن استعماله فيه مجازا لعدم وجود العلاقة القريبة بل إما أن توجد بينهما العلاقة البعيدة فإذا اعتمد فيه عليها سمي مجاز التعقيد
    واتفق الناس على منعه كقوله تزوجت بنت الأمير مريدا رأيت والد عاقد الأنكحة بالمدينة معتمدا على أن النكاح من لوازمه العاقد لأنه مبيحه والعاقد من لوازمه أبوه لأنه مولده
    وأما أن لا توجد بينهما علاقة ألبتة لا قريبة ولا بعيدة وهذا القسم بنوعيه هو ما ليس بصريح ولا كناية أي ظاهرة بل هو الكناية الخفية قال صاحب الجواهر هذا نحو قوله اسقني الماء فإن أراد به الطلاق فالمشهور من مذهب مالك لزومه واختلف الأصحاب في تعليله فقيل هو طلاق بمجرد النية لعدم صلاحية اللفظ وقيل بل اللفظ كان المستعمل وضعه الآن للطلاق وهو بعيد لأن إنشاء الوضع لا تجده يخطر ببال
    ____________________
    (3/288)
    قال في الكتاب كالخلية والبرية وجملة ما تقدم إلى قوله لحم الخنزير لقيام الوضع العرفي مقام الوضع اللغوي والنية إنما يحتاج إليها لتمييز المراد من اللفظ عن غير المراد في اللفظ المتردد أما ما هو صريح بوضع لغوي أو عرفي فينصرف بصراحته لما وضع له من غير احتياج إلى نية وما لم يغلب استعماله من الكنايات فهو مجاز على أصله والمجاز يفتقر إلى النية الناقلة عن الحقيقة إليه لأنها الأصل ولم ينسخها عرف
    واللفظ ينصرف إليها بصراحة ثم المنقول من الكنايات قد ينتقل لأصل الطلاق فقط فيصير في الوضع العرفي مثل أنت طالق في اللغة فيلزم بهذه الكناية طلقة واحدة رجعية وقد ينتقل لأصل الطلاق مع البينونة من غير عدد فيلزم به طلقة بائنة لأنها مسماه العرفي وقد ينتقل للطلاق والبينونة مع وصف العدد الثلاث ويصير النطق بذلك اللفظ عرفا كالنطق بقوله أنت طالق ثلاثا لغة ثم إنه قد يستعمل في غير الثلاث غالبا وفي الثلاث نادرا فمن الناس من يقصد الاحتياط فيحمل على الثلاث ومن الناس من يحمله على الغالب فيلزم به طلقة واحدة فحيث اختلف العلماء في هذه الصيغ فلاختلافهم في الضوابط هل وجدت أم لا وإلا
    هامش أنوار البروق
    الرد عليه قبل هذا في مثل هذا القول وكل ما ذكره في تقرير ذلك دعوى لا دليل عليها غير ما استروح من الاشتقاق الكبير وهو غير صحيح عند المحققين قال ولهذا المدرك لم يعتبر ابن القصار خصوص لفظ الطلاق إلى قوله واعتبر ما وضع في العرف لإزالة العصمة قلت لا دليل له على أن ابن القصار اعتبر ما وضع في العرف لإزالة العصمة بناء على ما زعم بل إنما اعتبر ذلك تسوية بين اللغة والعرف وذلك هو الشأن فإن اللفظ إذا كان موضوعا في اللغة لمعنى وكان لفظ آخر فيها موضوعا فيها لغير ذلك المعنى ثم صار في العرف منقولا له فلا فرق
    هامش إدرار الشروق
    الناس في العادة عند هذا الاستعمال وصحح ابن الشاط تعليل الأصل بأنه عبر بلفظ نحو اسقني عن الطلاق لا على وجه الحقيقة ولا على وجه المجاز على حد التعبير عن الأرض بالسماء وعن السماء بالأرض ونحوه مما نص الأصوليون على أنه مما عري في استعماله عن الحقيقة والمجاز لأن غايته ها هنا أن يقال إن لفظ نحو الأكل أو السقي إذا أطلقه المستعمل وأراد به الطلاق لم يكن كلاما عربيا ولا يلزمه من كونه ليس عربيا أن لا يقع به الطلاق ألا ترى أنه لو قال أنت طالقا بالنصب أو الخفض لم يكن كلاما عربيا ومع ذلك يقع به الطلاق قال الخطاب أي لأنه إن كان جاهلا فواضح وإن كان عالما فهازل وهزله جد أفاده عبق فكذلك ها هنا وقيل لا يلزمه طلاق
    وهو مذهب الشافعي وأحمد بن حنبل وأبي حنيفة لأن الطلاق بالنية لا يلزم واللفظ لا يصلح إما على القول بالتوقيف وأن اللغات وضعها الله تعالى فلقول المازري في شرح البرهان والغزالي في البسيط لا يجوز أي على التوقيف لأحد أن يضع لفظا لمعنى ألبتة بل ذلك موكول إلى الله تعالى
    قال في البسيط فلا يجوز أن يصدق ألفا أي يسلمه صداقا ويعبر عنه بألفين للتجمل بين الناس
    ____________________
    (3/289)
    فكل من سلم ضابطا سلم حكمه ويكون المذهب الحق من صادف الضابط في نفس الأمر والضعيف الفقه من توهم وجوده أو عدمه وليس كذلك وعلى الفقيه استيفاء النظر في ذلك ومن ذلك اختلافهم في مسألة الحرام فمن قائل لم يحصل فيها نقل ألبتة فهي كذب فلا يلزم بها شيء إلا بالنية ومن قائل يقول حصل فيها النقل ولكن الأصل الطلاق فيلزم بها طلقة واحدة رجعية ومن قائل يقول حصل فيها النقل للطلاق الثلاث وعلى هذا المنوال تتخرج جميع الصيغ هذا تلخيص ما عليه الفقهاء تنبيه الطلاق لإزالة مطلق القيد كما تقدم ومطلق القيد أعم من قيد النكاح والقاعدة أن الدال على إزالة الأعم دال على إزالة الأخص بالالتزام لا باللفظ فليس الطلاق موضوعا لإزالة خصوص قيد النكاح كما يفهم من كلام الفقهاء
    بل التحقيق أن يقال إن الطلاق موضوع لإزالة مطلق القيد يعني أي قيد كان لأنه موضوع لإزالة كل قيد حتى يندرج فيه قيد النكاح وإذا كان موضوعا لأي قيد كان من غير عموم فيصدق أنها طالق باعتبار قيد الحديد وإن بقيت في العصمة لأن طالق اسم فاعل
    هامش أنوار البروق
    فإن النقل العرفي كالوضع الأصلي ويصير إذ ذاك كل واحد من اللفظين صريحا في ذلك المعنى وإن لم يصر اللفظ الثاني منقولا لذلك المعنى ولكنه يستعمل فيه على سبيل الاستعارة والتجوز فها هنا يكون بين اللفظين فرق يكون الأول صريحا والثاني كناية فيحتاج إلى النية المعينة له لذلك المعنى والله أعلم
    قال وإليه جنح الشافعي رضي الله تعالى عنه لكن يرد على الشافعي رضي الله تعالى عنه أنه لا يلزم من ورود شيء في كتاب الله تعالى أن يصير موضوعا لذلك المعنى في الشرع أو العرف قلت بل إذا ورد شيء في كتاب الله تعالى فإنه يحمل على أنه كذلك في الشرع أو العرف لأن ذلك هو الأصل
    هامش إدرار الشروق
    وإما على القول بالاصطلاح وأن اللغات وضعها أهل اللغة أو على مذهب المحققين من عدم الجزم بالتوقيف والاصطلاح فلعدم العلاقة القريبة المصححة للاستعمال والجواب عن هذا الشق الأخير يعلم مما تقدم من تعليل الأصل الذي صححه ابن الشاط
    وأما عن الشق الأول فقال ابن الشاط ما أدري ما دليل أي المازري والغزالي على المنع من وضع لفظ اسقني الماء لإنشاء الطلاق على طريق الاستعارة وإن كان أصله لاستدعاء سقي الماء بوضع الله تعالى
    وقال والصحيح والله أعلم أن مالكا وإن لم يجزم بأحد الأمرين أي التوقيف والاصطلاح فلم يقم عنده دليل على المنع أو جزم بأنها اصطلاحية أو جزم بأنها توقيفية لكنه لم يقم عنده دليل المنع من استعمال اللفظ في غير ما وضعه الله له إذ ليس معنى كونها توقيفية أن الله تعالى منع من وضعنا إياها لمعنى غير ما له وضعها ولا من استعمالها في ذلك بل معنى كونها توقيفية أن الله وضع الألفاظ كلها لمعانيها ولا يلزم من ذلك أنه منعنا من وضع كل لفظ منها لغير ما وضعه له أو استعماله فيه على طريق الاستعارة أو النقل والله أعلم ا ه بلفظه وهو ظاهر
    ____________________
    (3/290)
    واسم الفاعل يكفي فيه فرد واحد من المسمى الذي اشتق منه فلا يدل أنت طالق على إزالة العصمة مطابقة ولا التزاما بل لا إشعار له به من جهة اللغة ألبتة ووزان الطلاق الخروج لأن كليهما انتقال من إحاطة فكما أن الخروج يصدق عليها بأي فرد كان فيصدق أنها خارجة باعتبار حيز معين وإن بقيت في غيره كذلك يصدق عليها أنها طالق باعتبار قيد معين
    وإن بقيت في غيره نعم لو كان طالق مفيد العموم لحصل مقصود الأصحاب أو يفيد إزالة القيد المشترك بين جميع القيود حتى يلزم منه انتفاء كل قيد حصل أيضا ولو كان الأمر كذلك لما صدق على المنطلقة من قيد الحديد أو من طلق الولد أنها طالق لأن العموم لم يحصل وإزالة المشترك الذي يستلزم نفي كل قيد لم يحصل لكنا نجد أهل اللغة وأهل العرف يستعملونه باعتبار قيد مخصوص وإن بقيت جميع القيود فيقال لمن طلقت من ولد طالق ومن قيد الحديد طالق لأن الأصل عدم المجاز ولأن عند سماع طالق لا نفهم انتفاء كل قيد ألبتة بل قيدا مخصوصا لا لغة ولا عرفا ولهذا المدرك لم يعتبر ابن القصار خصوص لفظ الطلاق بل أعرض عن الوضع اللغوي واعتبر
    هامش أنوار البروق
    قال فإن الكتاب العزيز يرد بالكنايات إلى قوله نعم يحصل الاستدلال بالورود على المشروعية أما الوضع فلا قلت لا يلزم من كون الكتاب العزيز يرد بالكنايات والمجازات أن لا يكون ذلك اللفظ موضوعا لذلك المعنى أصلا أو عرفا بل مجازا حتى لا يستدل بوروده على أنه كذلك في أصل اللغة أو عرفها أو عرف الشرع فإن الكتاب العزيز كما يرد بالكنايات والمجازات يرد أيضا بالحقائق وهي الأصل حتى يدل دليل على التجوز والله أعلم
    قال فإذا فرعنا على أن المدرك هو الاشتهار العرفي فينبغي أن لا يكون الانطلاق صريحا وإن كان فيه الطاء واللام والقاف إلى قوله انطلقي مني وأنت منطلقة
    هامش إدرار الشروق
    وإن كان للبحث فيه مجال فتأمل بإمعان وبالجملة فلفظ الطلاق أو طالق أو مطلقة يفيد زوال العصمة إما لغة على المذهب الذي صححه ابن الشاط
    وإما عرفا على مذهب الأصل ولفظ أنت طالق أو مطلقة أو الطلاق لازم لي يفيد إنشاء الطلاق عرفا أيضا عند المالكية والشافعية والحنابلة ولا يفيد ذلك عند الحنفية وإنما يفيد الخبر لغة والشرع يقدر وقوع مخبرها قبل النطق بها بالزمن الفرد لضرورة تصديقه وإذا صار صادقا لزمه ما نطق به من الطلاق وأما لفظ خلية على انفراده فلا يفيد زوال العصمة لا لغة ولا عرفا بل مجازا ومثله سائر الألفاظ والكنايات الظاهرة ولفظ أنت خلية وإن كان يفيد بجملته عرفا الإنشاء إلا أن لفظ خلية لما لم يكن بمفرده يفيد عرفا الطلاق وإزالة العصمة لم يكن بجملته يفيد عرفا إنشاء الطلاق وإزالة قيد العصمة بخصوصه وكذا سائر ألفاظ الكنايات الظاهرة
    وإنما غلب في العرف استعماله في الطلاق وإزالة العصمة فألحق لذلك بالصريح في استغنائه عن النية لقيام الوضع العرفي مقام الوضع اللغوي في كون كل منهما ينصرف بصراحته لما وضع له من غير احتياج إلى نية إذ النية إنما يحتاج إليها في اللفظ المتردد في الدلالة
    ____________________
    (3/291)
    ما وضع في العرف لإزالة العصمة وإليه جنح الشافعي رضي الله عنه لكن يرد على الشافعي رضي الله عنه أنه لا يلزم من ورود شيء في كتاب الله تعالى أن يصير موضوعا لذلك المعنى في الشرع أو العرف فإن الكتاب العزيز يرد بالكنايات القريبة والبعيدة كما يرد بالحقائق والمجاز كثير في كتاب الله تعالى جدا ويعتمد في حكمه على القرائن والتصريح بالمراد وحينئذ لا يليق أن يجعل ما ورد في كتاب الله تعالى كيف كان موضوعا لذلك المعنى الذي ورد فيه ولا يحسن الاستدلال بمجرد الورود على الصراحة والوضع نعم يحسن الاستدلال بالورود على المشروعية
    أما الوضع فلا فإذا فرعنا على أن المدرك هو الاشتهار العرفي فينبغي أن لا يكون الانطلاق صريحا
    وإن كان فيه الطاء واللام والقاف وفيه معنى إزالة القيد لأن المشتهر هو الطلاق دون الانطلاق وكذلك أطلقتك وانطلقت منك وانطلقي مني وأنت منطلقة وقد خالفنا أبو حنيفة وأحمد بن حنبل رضي الله عنهما في أنا طالق منك لأنه ليس محبوسا بالنكاح بل هي المحبوسة وقياسا على قوله أنا طالق فلو كان محلا للطلاق لوقع كالمرأة ولأن الرجل لا يوصف به فلا
    هامش أنوار البروق
    قلت فيه إشارة إلى ذلك الاشتقاق وقد تقدم رده وما قاله من أنه لا يكون صريحا ولا كناية صحيح أيضا لأن الانطلاق ليس من الطلاق وإن كانا من مادة واحدة قال وقد خالف أبو حنيفة وأحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنهما في أنا طالق لأنه ليس محبوسا بالنكاح إلى آخر جوابه الأول ليس معنى الطلاق معنى الانطلاق حتى يلزم ما جاوب به بل الطلاق حل العصمة فقط وهو أمر يصدر من الرجل ويقع بالمرأة فإذا قال أنا طالق منك فقد عكس المعنى فالظاهر أن يكون مجازا والله أعلم
    قال وعن الثاني إلى آخره قلت هو جواب ضعيف فإنه لا يكاد يخطر بالبال
    هامش إدرار الشروق
    على المراد وغيره لتمييز المراد منه عن غير المراد كما في نحو اسقني الماء مما لم يغلب من ألفاظ الكنايات الخفية استعماله في الطلاق وإنما استعمل فيه مجازا والمجاز يفتقر إلى النية الناقلة عن الحقيقة التي ينصرف إليها اللفظ بصراحته لأنها الأصل ولم ينسخها عرف فكناية الطلاق قسمان ظاهرة وهي ما غلب استعماله في العرف في الطلاق فألحق بالصريح في استغنائه عن النية وخفية وهي ما لم يغلب في العرف استعماله في الطلاق بل استعمل فيه مجازا فافتقر إلى النية الناقلة عن الحقيقة إليه فالقسم الأول منقول في العرف من معناه اللغوي للطلاق أي إزالة العصمة
    والقسم الثاني مستعمل في الطلاق مجازا والمنقول إما أن ينقل لأصل الطلاق فقط فيصير في الوضع العرفي مثل أنت طالق في اللغة فيلزمه به طلقة واحدة رجعية وإما أن ينقل لأصل الطلاق مع البينونة من غير عدد فيلزم به طلقة بائنة لأنها مسماه العرفي وإما أن ينقل للطلاق والبينونة مع وصف العدد الثلاث فيلزمه به الطلاق الثلاث ويصير النطق بذلك اللفظ عرفا كالنطق بقوله أنت طالق ثلاثا لغة إلا أن هذا إذا استعمل في غير الثلاث غالبا وفي
    ____________________
    (3/292)
    يقال زيد مطلق ونقل الباجي في المنتقى عن أبي سعيد منا ذلك ووافق المشهور الشافعي والجواب عن الأول أنه محبوس عن عمتها وأختها والزيادة على الأربع والنفقة وغيرها مما هو لازم فيخرج عن لزومه وعن الثاني أن وصفه بطالق جائز أن يكون عن امرأة فلم يعينها اللفظ وإذا قال أنت طالق تعين أن يكون من عصمته لتعذر تعدد الأزواج دون الزوجات وعن الثالث أن مطلق اسم مفعول يقتضي أن يكون المقتضي لطلاقه غيره وهو متعذر
    وقال الحنفية أنت مطلقة بسكون الطاء وتخفيف اللام لا يكون طلاقا إلا بالنية لأنه ليس مختصا بالنساء وهو متجه وقال بعض الشافعية أنت الطلاق كناية لأن التعبير بالمصدر عن اسم الفاعل مجاز فيفتقر إلى النية وجوابه أنه مجاز تعين بقرينة تعذر أنها عين الطلاق وإذا تعين لاسم الفاعل استغنى بذلك عن النية لأن التعيين مانع من التردد والنية إنما تصلح حالة التردد
    هامش أنوار البروق
    قال وعن الثالث إلى آخره قلت وهو وإن كان متعذرا حقيقة فليس بمتعذر مجازا قال وقال الحنفية أنت مطلقة بسكون الطاء وتخفيف اللام لا يكون طلاقا إلا بالنية لأنه ليس مختصا بالنساء وهو متجه قلت هو كما قال ثم قال وقال بعض الشافعية أنت الطلاق إلى آخر جوابه قلت الأظهر ما قاله بعض الشافعية قال تنبيه إلى قوله أو النقل كما قاله غيرهم
    هامش إدرار الشروق
    الثلاث نادرا فمن الناس من يقصد الاحتياط فيحمله على الثلاث ومن الناس من يحمله على الغالب فيلزمه به طلقة واحدة
    فاختلاف العلماء في هذه الصيغ إنما هو لاختلافهم في الضوابط هل وجدت أم لا وإلا فكل من سلم ضابطا سلم حكمه ويكون المذهب الحق من صادف الضابط في نفس الأمر والضعيف الفقه من توهم وجوده أو عدمه وليس كذلك فعلى الفقيه استيفاء النظر في ذلك ومن ذلك اختلافهم في مسألة الحرام فمن قائل لم يحصل فيه نقل ألبتة فهي كذب فلا يلزم بها شيء إلا بالنية ومن قائل حصل فيها النقل لأصل الطلاق فيلزم بها طلقة واحدة رجعية
    ومن قائل حصل فيها النقل للطلاق الثلاث فيلزم بها الطلاق الثلاث وعلى هذا المنوال تتخرج جميع الصور هذا تلخيص ما عليه الفقهاء فمن هنا في الخرشي وحاشية العدوي عليه وشرح أقرب المسالك والصاوي عليه ما حاصله أن ألفاظ الطلاق تنقسم إلى ثمانية أقسام القسم الأول ما يلزم به طلقة واحدة رجعية إلا لنية أكثر وهو لفظ التصريح كأنت طالق ونحو اعتدي من الكناية الظاهرة
    ____________________
    (3/293)
    تنبيه ينبغي أن يعلم أنه ليس في أصل اللغة ما يقتضي طلاق المرأة ألبتة ولا لفظة واحدة وهذا شيء لا يكاد يخطر بالبال وبيانه أنه إذا قال أنت طالق ثلاثا هذا أعظم ما يتوهم أنه صريح لغة وليس كذلك بل هذا لا يوجب طلاقا ألبتة بسبب أن اللغة إنما تقتضي أن هذه الصيغة وضعتها العرب للإخبار وهذا هو أصل الوضع ومقتضى ذلك أن يكون قوله أنت طالق ثلاثا كذبا لا عبرة به والطلاق لا يلزم بالخبر الكذب إجماعا ومن هاهنا افترق الناس فريقين أحدهما الحنفية قالت هي باقية إخبارات على حالها وإنما الشرع يقدر وقوع مخبرها قبل النطق بها بالزمن الفرد لضرورة تصديقه وإذا صار صادقا لزمه ما نطق به من الطلاق وكذلك قالوا في صيغ العتق وجميع صيغ العقود من بعت واشتريت ونحو ذلك والفريق الآخر وهو المالكية والشافعية يقولون هذه الصيغ انتقلت في العرف عن الخبر لإنشاء الطلاق ويلزم الطلاق بالإنشاء ومتى قصد الخبر وعدل عن الإنشاء الذي انتقل إليه
    هامش أنوار البروق
    قلت لا شك أن هذه الصيغ وقعت في الاستعمال اللغوي إخبارات ووقعت فيه إنشاءات وما قاله الحنفية ليس بصحيح ولكن يبقى النظر في كونها مشتركة بين الخبر والإنشاء أو منقولة من الخبر إلى الإنشاء وكلاهما على خلاف الأصل والأظهر عندي أنها مشتركة والله أعلم
    قال وإذا تقرر هذا فيلزم على رأي الحنفية أن لا يكون لفظ الطلاق صريحا إلى قوله لم يقصد الإخبار عن زوال العصمة قلت إن قالت الحنفية مثل قوله من أن لفظ الطلاق لا يدل على زوال قيد العصمة بخصوصه لزمهم ما ألزمهم وإلا فلا قال ويلزم على رأينا القائلين بالإنشاء إلى قوله فلا مزية لبعضها على بعض إذا حصل فيها النقل
    هامش إدرار الشروق
    القسم الثاني ما يلزم به الثلاث ولا ينوي مطلقا سواء كان مدخولا بها أم لا وهو نحو بتة وحبلك على غاربك لأن البت هو القطع فكأن الزوج قطع العصمة التي بينه وبين زوجته ولم يبق بيده منه شيء ولأن الحبل كناية عن العصمة التي بيد الزوج أي عبارة عن العصمة وكونها على غاربها أي كتفها كناية عن ملكها بالطلاق القسم الثالث ما يلزم فيه الثلاث في المدخول بها وواحدة في غيرها ما لم ينو أكثر وهو نحو واحدة بائنة نظرا لبائنة لأن البينونة بعد الدخول بغير عوض وبغير لفظ الخلع إنما تكون ثلاثا ولم ينظر والواحدة إما لكونه صفة لمرة محذوفا أي مرة واحدة بدليل قوله بعد بائنة وإما لأنه يحتاط في الفروج ما لا يحتاط في غيرها فاعتبر لفظ بائنة وألغي لفظ واحدة قال الصاوي لكن محل هذا إذا كان عرف التحالف أن معنى البائنة المنفصلة أما إذا كان معناها الظاهرة التي لا خفاء فيها وقصد ذلك المعنى فالظاهر لا يلزمه إلا طلقة واحدة وتكون بعد الدخول رجعية ا ه فتنبه
    ____________________
    (3/294)
    العرف لا يلزمه طلاق فهذه هي المذاهب الواقعة في هذه الصيغ كلها ويظهر من ذلك أنه ليس في اللغة لفظة واحدة تقتضي وقوع الطلاق من حيث هي لغوية بل لا بد من التقدير كما قاله الحنفية أو النقل كما قاله غيرهم
    وإذا تقرر هذا فيلزم على رأي الحنفية أن يكون لفظ الطلاق صريحا مستغنيا عن النية لأنه قد تقدم أنه لا يدل لغة على الإخبار عن إزالة قيد النكاح بخصوصه بل على إزالة قيد كيف كان قيد النكاح أو قيد الحديد أو غيرهما فلا ينصرف لقيد النكاح إلا بالنية لأنه ليس إخبارا عنه بخصوصه فصار كناية وصارت الألفاظ بجملتها كناية فإن نوى بها الطلاق الذي هو إزالة قيد النكاح فحينئذ يلزم ما ذكروه من التصديق وإلا فلا يلزم تقدير صدقه لأنه لم يقصد الإخبار عن زوال العصمة ويلزم على رأينا القائلين بالإنشاء أن يكون ضابط الصريح ما نقل لإنشاء إزالة القيد وصار مستغنيا عن النية وما لم يصر بالنقل كذلك ويمكن استعماله في إزالة العصمة مجازا لعلاقة بينهما فهو كناية وما لا علاقة فيه كالأكل والشرب والتسبيح ونحوها يجري على الخلاف المتقدم أو يكون لا صريحا ولا كناية وهذا هو الذي يتجه ويكون لفظ الحرام والخلية
    هامش أنوار البروق
    قلت ما قاله من التسوية بين تلك الألفاظ ليس بصحيح فإن لفظ طالق يفيد زوال العصمة إما لغة على مذهب غيره وإما عرفا على مذهبه ولفظ أنت طالق يفيد إنشاء الطلاق عرفا أيضا ولفظ الخلية لا يفيد ذلك عرفا بل مجازا ولفظ أنت خلية وإن كان عرفا في الإنشاء مع أن لفظ خلية ليس عرفا في الطلاق لا يفيد بجملته إنشاء الطلاق عرفا فبين لفظ أنت طالق وأنت خلية فرق ظاهر فيلزم أن يكون لفظ أنت طالق صريحا لأن لفظ طالق على انفراده ولفظ أنت طالق بجملته كلاهما منقول عرفا هذا لزوال قيد العصمة بخصوصه والآخر لإنشاء زوال ذلك القيد ولفظ خلية على انفراده لم ينقله العرف لزوال قيد العصمة وإن كان لفظ أنت قد نقله العرف للإنشاء فيكون كناية والله أعلم
    قال ويلزم على هذا أيضا بحث آخر وهو أن النقل إنما هو من قبل العرف
    هامش إدرار الشروق
    القسم الرابع ما يلزم فيه الثلاث في المدخول بها كغيرها إن لم ينو أقل وهو نحو أنت علي كالميتة أو الدم أو لحم الخنزير أو وهبتك لأهلك أو لا عصمة لي عليك أو أنت حرام أو أو خلية أي من الزوج أو برية أو خالصة أي مني أو بائنة أو أنا بائن منك أو خلي أو بريء أو خالص القسم الخامس ما يلزم فيه الثلاث مطلقا ما لم ينو أقل وهو خليت سبيلك القسم السادس ما يلزم فيه الثلاث في المدخول بها وينوي في غيرها وهو نحو وجهي من وجهك حرام أو وجهي على وجهك حرام أو لا نكاح بيني وبينك أو لا ملك لي عليك أو أنت سائبة أو ليس بيني وبينك حرام ولا حلال أو ما انقلب إليه من أهل حرام كقوله يا حرام إن نوى به الطلاق وكقوله الحلال حرام أو حرام علي أو جميع ما أملك حرام وقصد إدخال الزوجة القسم السابع ما يلزم فيه واحدة إلا لنية أكثر وهي رجعية في المدخول بها وهو فارقتك قال الدردير وكل ذلك ما لم يدل البساط والقرائن على عدم إرادة الطلاق وأن المخاطبة بلفظ مما ذكر ليست في معرض الطلاق بحال وإلا صدق في نفي الطلاق في جميع الكنايات الظاهرة كالصريح فإنه يصدق في نفيه عند
    ____________________
    (3/295)
    والبرية ونحوها مما ادعي فيه النقل صريحا فلا يقال فيه إنه كناية ألحقت بالصريح لأنه لا صريح إلا بالنقل حينئذ فأي لفظ نقل كان هو الصريح من غير امتياز لفظ عن لفظ في ذلك لاستواء الجميع في عدم إفادة زوال العصمة لغة
    وفي إفادة زوالها بالنقل فلا مزية لبعضها على بعض إذا حصل فيها النقل ويلزم على هذا أيضا بحث آخر وهو أن النقل إنما هو من قبل العرف فإذا تحول العرف إلى الضد فصار المشتهر خفيا والخفي مشتهرا أن يكون ما قضينا بأنه صريح يصير كناية وما قضينا بأنه كناية يصير صريحا بحسب العرف الطارئ
    وكذلك إذا لم ينتقل العرف للضد بل بطل فقط يلزم أن لا يصير شيء من هذه الألفاظ صريحا بل تحتاج جميع الألفاظ في لزوم الطلاق بها إلى النية ويلزم أمر ثالث وهو أن المفتي لا يحل له أن يفتي أحدا بالطلاق حتى يعلم أنه من أهل بلد ذلك العرف الذي رتبت الفتيا عليه فإن كان من أهل بلد آخر ليس فيه ذلك العرف أفتاه بحكم الله تعالى باعتبار حال عرف بلده من صريح أو كناية على الضابط المتقدم فإن العوائد لا يجب الاشتراك فيها بين البلاد خصوصا البعيدة الأقطار ويكون المفتي في كل زمان يتباعد عما قبله يتفقد
    هامش أنوار البروق
    قلت ما قاله إلى آخر الفرق صحيح وكذلك ما قال في الفرق بعده إلا ما قاله في الإنشاءات ففيه نظر المسألة السابعة في حاشية العطار على محلى جمع الجوامع قال القرافي قلت يوما للشيخ عز الدين بن عبد السلام إن القراء التزموا قاعدة أن المعرف باللام للعموم في الأصول وخالفوها في الفروع حيث قالوا لو قال الطلاق يلزمني بغير نية لم يلزمه إلا طلقة واحدة فقال رحمه الله تعالى سبب المخالفة أن الأيمان تتبع المنقولات العرفية دون الأوضاع اللغوية إذا تعارضا وقد انتقل اللام في الحلف بالطلاق لحقيقة الجنس دون استغراق الجنس فلذا كان الحالف لا يلزمه إلا الماهية المشتركة فلا تزيد اللام له على الواحد ا ه محل الحاجة قال الشربيني لكنهم قالوا إن الذي يتبع العرف مطلقا هو الحلف بغير الطلاق أما به فيتبع اللغة متى اشتهرت وإن اشتهر العرف اللهم إلا أن يكون المعنى اللغوي هنا غير مشهور ا ه ولعل مراده فقهاء الشافعية وإلا فالمالكية على أن الحلف مطلقا يتبع العرف مطلقا والله سبحانه وتعالى أعلم
    هامش إدرار الشروق
    قيام القرائن كما لو أخذها الطلق عند ولادتها فقال أنت طالق إعلاما أو استعلاما أو كانت مربوطة فقالت له هي أو غيرها أطلقني فقال أنت طالق ونحو ذلك مما يقتضيه الحال أي استطلقي وإلا كان كاذبا فيقع الطلاق كما في العدوي على الخرشي قال الدردير والضابط في الظاهرة على ما يؤخذ من كلامهم في غير واحدة بائنة أن اللفظ إن دل على قطع العصمة بالمرة لزم فيه الطلاق الثلاث في المدخول بها وغيرها ولا ينوي وذلك مثل بتة وحبلك على غاربك من نحو قطعت العصمة بيني وبينك وعصمتك على كتفك أو على رأس جبل وإن لم يدل على ذلك بل دل على البينونة والبينونة لغير خلع ثلاث في المدخول بها وصادقة بواحدة في غيرها فإن كان اللفظ ظاهرا في البينونة ظهورا راجحا فثلاث في المدخول بها جزما كغيرها ما لم ينو الأقل كحرام وميتة وخلية وبرية ووهبتك لأهلك وما ذكر معها وإن كان اللفظ ظاهرا في البينونة ظهورا مساويا فثلاث مطلقا إلا لنية أقل كخليت سبيلك وإن كان اللفظ ظاهرا في البينونة ظهورا مرجوحا بأن كان ظهوره في غير البينونة راجحا لزمه الواحدة ما لم ينو أكثر كفارقتك القسم الثامن ما ينوي فيه وفي عدده وهو نحو اذهبي وانصرفي وانطلقي أو أنت مطلوقة أو منطلقة مما ليس من صريحه ولا من كناياته الظاهرة لاستعمالها في العرف في غير الطلاق بل من الكنايات الخفية إن قصد بها الطلاق لزمه وإلا فلا ا ه
    فالانطلاق ليس من الطلاق وإن كانا من مادة واحدة هي الطاء واللام والقاف قيل وإن كانا في اللغة بمعنى إزالة مطلق القيد يقال لفظ مطلق ووجه طلق وحلال طلق وانطلقت بطنه وأطلق فلان من السجن لأن المشتهر عرفا في إزالة خصوص قيد العصمة هو الطلاق دون الانطلاق وما اشتق منه نحو أطلقتك وانطلقت منك وانطلقي مني وأنت
    ____________________
    (3/296)
    العرف هل هو باق أم لا فإن وجده باقيا أفتى به وإلا توقف عن الفتيا وهذا هو القاعدة في جميع الأحكام المبنية على العوائد كالنقود والسكك في المعاملات والمنافع في الإجارات والأيمان والوصايا والنذور في الإطلاقات فتأمل ذلك فقد غفل عنه كثير من
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    منطلقة قال ابن الشاط وهو مبني على أمرين أحدهما أن الطلاق في اللغة لإزالة مطلق القيد والصحيح أنه في اللغة لإزالة قيد العصمة خاصة كما علمت وثانيهما القول بصحة ما يسميه النحاة بالاشتقاق الكبير أي بصحة المناسبة الواقعة بين لفظين باشتراكهما في جميع الحروف الأصول من غير ترتيب مع اتحاد المعنى أو تناسبه كالحمد والمدح المسماة عند النحاة بالاشتقاق الكبير لكثرة أفراده بالنسبة للصغير الذي هو عبارة عن المناسبة الواقعة بين لفظين باشتراكهما في جميع الحروف الأصول والترتيب مع اتحاد المعنى الأصلي للمادة كالضارب والضرب لاختصاص هذا بالأفعال والصفات وهو المراد عند الإطلاق وإن قلت أفراد الكبير بالنسبة إلى الأكبر الذي هو عبارة عن المناسبة الواقعة بين لفظين باشتراكهما في أكثر الحروف الأصول فقط مع اتحاد المعنى أو تناسبه كالفلق والفلج بالجيم وهما الشق وزنا ومعنى والقول بصحة الاشتقاق الكبير ضعيف ا ه بتوضيح من الأبياري على حواشي المغني
    قلت ومن الأكبر لا من الكبير قول الأصل ومن الكناية التي أصلها ما فيه خفاء لكن لإخفائه الأجسام وما يوضع فيه فسقط قول ابن الشاط وما أرى هذه المسألة تصح عند من صحح الاشتقاق الكبير من النحاة لأن الكناية ثالث حروفها ياء أو واو ولكن ثالث حروفه نون إلا أن يدعى إبدال النون وفي ذلك بعد والله أعلم ا ه فتأمل منصفا
    وأما من قال لزوجته أنت طال ولم ينطق بالقاف فقال العلامة الرهوني إن قصد أن ينطق به كذلك من أول الأمر مريدا به الطلاق كان من الكنايات الخفية فيلزم بالنية كقوله لها أنت قالق بإبدال الطاء قافا أو مثناة فوقية حيث لم تكن لغته كذلك كما قاله عج وتبعه عبق وإن أراد أن ينطق به تاما ثم بدا له فترك النطق بالقاف كان على ما نقله الخطاب عن الرماح وسلمه من الجريان على الخلاف في الطلاق بالنية أي الكلام النفسي ا ه بتوضيح واختلف الأئمة فيما إذا قال لها أنا طالق منك أو أنت الطلاق هل هو من الصريح أو من الكنايات الخفية الأول في الصيغتين هو مشهور مذهب مالك وهو في الأولى مذهب الشافعي وأما ما في الثانية فمذهبه الثاني قال بعض الشافعية لأن التعبير بالمصدر عن اسم الفاعل مجاز فيفتقر إلى النية وأجاب الأصل بأنه مجاز تعين بقرينة تعذر أنها عين الطلاق وإذا تعين لاسم الفاعل استغنى بذلك عن النية لأن التعين مانع من التردد والنية إنما يفتقر إليها حالة التردد ا ه قال ابن الشاط والأظهر ما قاله بعض الشافعية ومذهب أبي حنيفة وأحمد بن حنبل رضي الله عنهما في الأولى الثاني تمسكا بثلاثة أمور الأمر الأول أنه ليس محبوسا بالنكاح بل هي المحبوسة
    ____________________
    (3/297)
    الفقهاء ووجدوا الأئمة الأول قد أفتوا بفتاوى بناء على عوائد لهم وسطروها في كتبهم بناء على عوائدهم ثم المتأخرون وجدوا تلك الفتاوى فأفتوا بها
    وقد زالت تلك العوائد فكانوا مخطئين خارقين للإجماع فإن الفتيا بالحكم المبني على مدرك بعد زوال مدركه خلاف الإجماع ومن ذلك لفظ الحرام والخلية والبرية ونحوها مما هو مسطور لمالك أنه
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الأمر الثاني القياس على قوله أنا طالق فلو كان محلا للطلاق لوقع كالمرأة الأمر الثالث أن الرجل لا يوصف به فلا يقال زيد مطلق ونقل الباجي في المنتقى ذلك عن أبي سعيد منه وأجاب الأصل عن الأمر الأول بأنه محبوس عن عمتها وأختها والزيادة على الأربع والنفقة وغيرها مما هو لازم بالنكاح فيخرج عن لزومه وعن الثاني بأن وصفه بطالق جائز أن يكون عن امرأة فلم يعينها اللفظ وإذا قال أنت طالق تعين أن يكون من عصمته لتعذر تعود الأزواج دون الزوجات أي فثبت الفارق فلا قياس وبطلت الملازمة بين طرفي الشرطية فافهم وعن الثالث بأن مطلق اسم مفعول يقتضي أن يكون المقتضي لطلاقه غيره وهو متعذر ا ه
    وتعقب ابن الشاط جوابه الأول بأنه إنما يلزم لو كان معنى الطلاق معنى الانطلاق وليس كذلك بل الطلاق حل العصمة فقط وهو أمر يصدر من الرجل ويقع بالمرأة فإذا قال أنا طالق منك فقد عكس المعنى أي جعل صدور حل العصمة منها واقعا به فالظاهر أن يكون مجازا أي فيفتقر إلى النية وجوابه الثاني بأنه ضعيف فإنه لا يكاد يخطر بالبال أي جواز أن يكون وصفه بطالق عن امرأة لم يعينها اللفظ حتى يثبت الفارق وتبطل الملازمة المذكورة فافهم وجوابه الثالث بأن يكون المقتضي لطلاقه غيره وإن كان متعذرا حقيقة فليس بمتعذر مجازا ا ه
    قال الأصل ويلزم على رأينا القائلين بأن ألفاظ كنايات الطلاق الظاهرة بجملتها كلفظ صريحه بجملته نقلت من الخبر إلى الإنشاء بخلاف ألفاظ كناياته الخفية والنقل إنما هو من العرف أمران الأمر الأول أن العرف إذا تحول إلى الضد تحولت تلك إلى الألفاظ بتحوله فصار المشتهر الظاهر خفيا والخفي مشتهرا ظاهرا وما قضينا بأنه صريح كناية ظاهرة أو بأنه كناية ظاهرة صريحا بحسب العرف الطارئ وإذا بطل العرف فقط ولم ينقل للضد لزم أن لا يصير شيء من هذه الألفاظ صريحا بل ولا كناية ظاهرة بل تحتاج جميع الألفاظ في لزوم الطلاق بها إلى النية الأمر الثاني أن المفتي لا يحل له أن يفتي أحدا بالطلاق حتى يعلم أنه من أهل بلد ذلك العرف الذي رتبت الفتيا عليه فإن علم أنه من أهل بلد آخر ليس فيه ذلك العرف وجب عليه أن يفتيه بحكم الله تعالى باعتبار حال عرف بلده من صريح أو كناية على الضابط المتقدم فإن العوائد لا يجب الاشتراك فيها بين البلاد البعيدة الأقطار كما أنه يجب على المفتي في كل زمان يتباعد عما قبله أن يتفقد العرف هل هو باق أم لا فإن وجده باقيا أفتى به وإلا توقف عن الفتيا وهذا هو القاعدة في جميع الأحكام المبنية على العوائد كالنقود والسكك في المعاملات والمنافع في الإجارات والأيمان والوصايا والنذور في الإطلاقات فتأمل ذلك يظهر لك أن المتأخرين إذا وجدوا الأئمة الأول قد أفتوا بفتاوى وسطروها في كتبهم بناء على عوائد لهم قد زالت لا يجوز لهم أن يفتوا بتلك الفتاوى فإن فتواهم بها وقد زالت تلك العوائد خطأ ضرورة أنها فتيا بالحكم المبني على مدرك بعد زوال مدركه والفتيا بذلك الحكم خلاف الإجماع ومن ذلك
    ____________________
    (3/298)
    يلزم به الطلاق الثلاث بناء على عادة كانت في زمانه فأكثر المالكية اليوم يفتي بلزوم الطلاق الثلاث بناء على المنقول في الكتب عن مالك وتلك العوائد قد زالت فلا نجد اليوم أحدا يطلق امرأته بالخلية ولا بالبرية ولا بحبلك على غاربك ولا بوهبتك لأهلك ولو وجدناه المرة بعد المرة مرات كثيرة لم يكن ذلك نقلا يوجب لزوم الطلاق الثلاث من غير نية ألا ترى أن لفظ الأسد كثير الاستعمال في الرجل الشجاع ولا يقول أحد إنه منقول إليه وكذلك لفظ الشمس والبدر في ذوات الجمال والبحر والغيث والندى ونحوها في الكرام الباذلين للمال ومع ذلك لم تصر هذه الألفاظ منقولة لهذه المعاني بل ضابط المنقول أن يصير اللفظ يفهم منه المعنى بغير قرينة وهذه الألفاظ لا تفهم منها هذه المعاني إلا بالقرينة فلذلك لم تصر منقولة فتأمل ذلك ويظهر لك ما عليه هؤلاء المتأخرون من الفتاوى الفاسدة في هذه الألفاظ ويظهر لك بهذه
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    فتوى أكثر المالكية اليوم بلزوم الطلاق الثلاث في لفظ الحرام والخلية والبرية ونحوها بناء على عادة كانت في زمانه رضي الله عنه وتلك العادة قد زالت فإنا لا نجد اليوم أحدا يطلق امرأته بالخلية ولا بالبرية ولا بحبلك على غاربك ولا بوهبتك لأهلك ولو وجدناه المرة بعد المرة مرات كثيرة لم يكن ذلك نقلا عرفيا يوجب لزوم الطلاق الثلاث من غير نية ألا ترى أن لفظ الأسد كثير الاستعمال في الرجل الشجاع ولفظ الشمس والبدر كثير الاستعمال في ذوات الجمال ولفظ البحر والغيث والندى كثيرة الاستعمال في الكرام الباذلين المال ومع ذلك لم تصر هذه الألفاظ منقولة لهذه المعاني إذ لم يصدق عليها ضابط المنقول وهو أن يصير اللفظ يفهم منه المعنى بغير قرينة فإن هذه الألفاظ مع كثرة استعمالها في هذه المعاني لا تفهم منها هذه المعاني إلا بالقرينة ا ه قال ابن الشاط ما قاله صحيح ا ه
    وأما على القول الثالث والثاني المقابلين للمشهور في صريح الطلاق فالفرق بين ما هو صريح فيه وما ليس بصريح فيه هو أن ابن القصار القائل بالثاني والشافعي القائل بالثالث قد أعرضا عن الوضع اللغوي واعتبرا ما وضع في العرف لإزالة العصمة بناء على أن الشأن التسوية بين اللغة والعرف فإن اللفظ إذا كان موضوعا في اللغة لمعنى وكان لفظ آخر موضوعا فيها لغير ذلك المعنى ثم صار في العرف منقولا له فلا فرق فإن النقل العرفي كالوضع الأصلي ويصير إذ ذاك كل واحد من اللفظين صريحا في ذلك المعنى فإن لم يصر اللفظ الثاني منقولا لذلك المعنى ولكنه يستعمل فيه على سبيل المجاز والاستعارة فها هنا يكون بين اللفظين فرق وأن الأول صريح والثاني كناية فيحتاج إلى النية المعينة لذلك المعنى وإيراد الأصل على الشافعي رضي الله تعالى عنه أنه لا يلزم من ورود شيء في كتاب الله تعالى أن يصير موضوعا لذلك المعنى في الشرع أو العرف فإن الكتاب العزيز كما يرد بالحقائق كذلك يرد بالمجازات وبالكنايات القريبة والبعيدة كثيرا جدا ويعتمد في حكمه على القرائن والتصريح بالمراد فلا يليق أن يجعل ما ورد فيه كيف كان موضوعا لذلك المعنى الذي ورد فيه ولا يحسن الاستدلال بمجرد الورود على الصراحة والوضع وإنما يحسن الاستدلال به على المشروعية ا ه
    رده ابن الشاط بأن كتاب الله تعالى إذا ورد فيه شيء حمل على
    ____________________
    (3/299)
    المباحث الفرق بين قاعدة الصريح وقاعدة ما ليس بصريح على القواعد الصحيحة
    الفرق الثاني والستون والمائة بين قاعدة ما يشترط في الطلاق من النية وبين قاعدة ما لا يشترط اعلم أن النية شرط في الصريح إجماعا وليست شرطا فيه إجماعا وفي اشتراطها قولان وهذا هو متحصل الكلام الذي في كتب الفقهاء وهو ظاهر التناقض ولا تناقض فيه فحيث قال الفقهاء إن النية شرط في الصريح فيريدون القصد لإنشاء الصيغة احترازا من سبق اللسان لما لم يقصد مثل أن يكون اسمها طارقا فيناديها فيسبق لسانه فيقول لها يا طالق فلا يلزمه شيء لأنه لم يقصد اللفظ وحيث قالوا النية ليست شرطا في الصريح فمرادهم القصد لاستعمال الصيغة في معنى الطلاق فإنها لا تشترط في الصريح إجماعا وإنما ذلك من خصائص الكنايات أن يقصد بها معنى الطلاق
    وأما الصريح فلا وحيث قالوا في اشتراط النية في الصريح قولان فيريدون بالنية هاهنا الكلام النفسي وأنهم يطلقون
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    أنه كذلك في الشرع أو العرف لأن ذلك هو الأصل ولا يلزم من وروده بالكنايات والمجازات أن لا يكون ذلك اللفظ موضوعا لذلك المعنى أصلا أو عرفا بل مجازا حتى لا يستدل بوروده على أنه كذلك في أصل اللغة أو عرفها أو عرف الشرع فإن الكتاب العزيز كما يرد بالكنايات والمجازات يرد أيضا بالحقائق وهي الأصل حتى يدل دليل على التجوز والله أعلم ا ه
    الفرق الثاني والستون والمائة بين قاعدة ما يشترط في الطلاق من النية وبين قاعدة ما لا يشترط للنية في كلام الفقهاء في صريح الطلاق والكناية الظاهرة ثلاث إطلاقات الإطلاق الأول بمعنى القصد لإنشاء الصيغة في قولهم إن النية شرط في الصريح إجماعا احترازا من سبق اللسان لما لم يقصد مثل أن يكون اسمها طارقا فيناديها فيسبق لسانه فيقول لها يا طالق فلا يلزمه شيء لأنه لم يقصد اللفظ ومثل الصريح الكنايات الظاهرة ففي الخرشي وحاشية العدوي عليه عند قوله في المختصر وركنه أهل وقصد إلخ المراد بالقصد قصد النطق باللفظ الدال عليه في الصريح والكناية الظاهرة وإن لم يقصد مدلوله وهو حل العصمة بدليل قوله ولزم ولو هزل وقصد حلها في الكناية الخفية ا ه الإطلاق الثاني بمعنى القصد لاستعمال الصيغة في قولهم النية ليست شرطا في الصريح إجماعا ومثله الكناية الظاهرة كما علمت فقول الأصل وإنما من خصائص الكنايات أن يقصد بها معنى الطلاق أي وهو حل العصمة يريد الخفية لا الظاهرة الإطلاق الثالث بمعنى الكلام النفسي في قولهم في لزوم الطلاق بالنية قولان فأطلقوا النية ها هنا على الكلام النفسي يريدون هل يلزم إذا أنشأ طلاقها بكلامه النفسي كما ينشئه بكلامه اللساني أم لا يلزم وهو
    ____________________
    (3/300)
    النية ويريدون الكلام النفسي وإلا فمن قصد وعزم على طلاق امرأته ثم بدا له لا يلزم بذلك طلاق إجماعا وإنما المراد إذا أنشأ طلاقها بكلامه النفسي كما ينشئه بكلامه اللساني فيعبرون عنه بالنية وعبر عنه ابن الجلاب باعتقاد بقلبه فقال ومن اعتقد الطلاق بقلبه ولم يلفظ بلسانه ففي لزوم الطلاق له قولان والاعتقاد لا يلزم به طلاق إجماعا فلو اعتقد الإنسان أنه طلق امرأته
    ثم تبين له بطلان اعتقاده بقيت له زوجة إجماعا وإنما المراد الكلام النفسي فالمشهور اشتراطه كما قاله أبو الوليد في المقدمات وأنه إذا طلق بلسانه لا بد أن يطلق أيضا بقلبه فظهر أنه لا تناقض في كلامهم وأنها أحوال مختلفة وفي الفرق أربع مسائل توضحه المسألة الأولى قال مالك في المدونة لو أراد التلفظ بالطلاق فقال اشربي أو نحوه لا شيء عليه حتى ينوي طلاقها بما تلفظ به فيجتمع اللفظ والنية ولو قال أنت طالق ألبتة ونيته واحدة فسبق لسانه للبتة لزمه الثلاث قال سحنون إذا كان عليه بينة فلذلك لم ينوه يريد أن اللفظ وحده لا يلزم به الطلاق وهو لم يوجد منه نية مع لفظ الثلاث فلذلك لا يلزمه ثلاث في الفتيا ويلزمه الثلاث في القضاء بناء على الظاهر المسألة الثانية إذا قال أنت طالق ونوى من وثاق ولايته وجاء مستفتيا طلقت عليه
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    المشهور كما قاله أبو الوليد قولان فيعبرون عنه بالنية وإلا فمن قصد وعزم على طلاق امرأته ثم بدا له عدمه لا يلزمه بذلك طلاق إجماعا وقد عبر ابن الجلاب عن الكلام النفسي بالاعتقاد بقلبه فقال ومن اعتقد الطلاق بقلبه ولم يلفظ بلسانه ففي لزوم الطلاق له قولان ولم يرد حقيقة الاعتقاد إذ لا يلزم به طلاق إجماعا فمن اعتقد أنه طلق امرأته ثم تبين له بطلان اعتقاده بقيت له زوجة اتفاقا فظهر أنه لا تناقض في كلامهم وأنها أحوال مختلفة هكذا ينبغي تقرير هذه الإطلاقات
    وأما قول الأصل في الإطلاق الثالث وحيث قالوا في اشتراط النية في الصريح قولان فيريدون بالنية ها هنا الكلام النفسي وأنهم يطلقون النية ها هنا ومرادهم أنه إذا أنشأ طلاقها بكلامه اللساني ففي اشتراط إنشائه أيضا بكلامه النفسي قولان والمشهور اشتراطه كما قاله أبو الوليد في المقدمات وأنه إذا طلق بلسانه لا بد أن يطلق بقلبه ا ه بتوضيح للمراد فقد نظر فيه ابن الشاط بقوله ما قاله في الإنشاءات فيه نظر ا ه ووجهه أنه يفيد أن القولين إنما هما في لزوم الطلاق إذا أنشأه بكلامه اللساني فقط وعدم لزومه وهو المشهور كما قاله أبو الوليد في المقدمات وهو خلاف ما صرحوا به من أن القولين إنما هما في لزومه إذا أنشأه بكلامه النفسي فقط وعدم لزومه وهو المشهور كما قاله أبو الوليد في المقدمات ففي مختصر خليل وفي لزومه بكلامه النفسي خلاف قال البناني توضيح الخلاف إنما هو إذا أنشأ الطلاق بقلبه بكلامه النفساني والقول بعدم اللزوم لمالك في الموازية وهو اختيار ابن عبد الحكم وهو الذي ينصره أهل المذهب القرافي وهو المشهور والقول باللزوم لمالك في العتبية قال في البيان والمقدمات وهو الصحيح
    وقال ابن رشد وهو الأشهر ابن عبد السلام والأول أظهر لأن الطلاق حل العصمة المنعقدة بالنية والقول
    ____________________
    (3/301)
    كقوله أنت برية ولم ينو به طلاقا ويؤخذ الناس بألفاظهم ولا تنفعهم نيتهم إلا أن تكون قرينة مصدقة قال صاحب التنبيهات في التحدث على هذه المسألة قيل يدين وقيل لا إلا أن يكون جوابا وهو مذهب الكتاب قال ويتخرج من هذه المسألة إلزام الطلاق بمجرد اللفظ ومن قوله في الذي أراد واحدة فسبق لسانه للبتة ومن هزل الطلاق أيضا ويؤخذ اشتراط النية مع اللفظ من غير مسألة في الكتاب يعني من قوله أنت طالق وأراد تعليقه
    ثم بدا له فلا شيء عليه وله نظائر في المذهب ووافق صاحب التنبيهات اللخمي على أن مسألة الوثاق طلاق بمجرد اللفظ وإلزام الطلاق بمجرد اللفظ إنما هو إذا طلق بلسانه غير مطلق بكلامه النفسي كما قال في مسألة ألبتة أما إذا صرف اللفظ بقصده عن إزالة العصمة إلى غيره نحو مسألة الوثاق فإلزام الطلاق به لو قيل إنه خلاف الإجماع لم يبعد لأنه نظير من طلق امرأته فقيل له ما صنعت فقال هي طالق وأراد الإخبار قال أبو الطاهر لا يلزمه في الفتيا إجماعا ونظيره أيضا من له أمة وزوجة اسم كل واحدة منهما حكمة وقال حكمة طالق وقال نويت الأمة لا يلزمه طلاق في الفتيا اتفاقا فينبغي أن يحمل في مسألة الوثاق على اللزوم في القضاء دون الفتيا
    وأما قوله وجاء مستفتيا وإن أوهم اللزوم في الفتيا فمعارض بقوله يؤخذ الناس
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    فوجب أن يكون حلها كذلك إنما يكفي بالنية في التكاليف المتعلقة بالنية لا فيما بين الآدميين ا ه انتهى كلام البناني بلفظه بل يشعر بذلك أيضا قول الأصل نفسه وإنما المراد إذا أنشأ طلاقها بكلامه النفسي كما ينشئه بكلامه اللساني فيعبرون عنه بالنية وعبر عنه ابن الجلاب بالاعتقاد بقلبه فقال ومن اعتقد على أن لقائل أن يقول إن إنشاء الطلاق بالكلام اللساني فقط لا يتأتى كما يشهد له أولا قول الأخطل إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا بخلاف العكس وثانيا تعليل ابن عبد السلام أظهرية القول بعدم لزومه بالكلام النفسي فقط بما تقدم في عبارة البناني وإن كان الظاهر أن التعليل المذكور هو منشأ تعبير الأصل في الإطلاق الثالث بما ذكر أو يقول سيأتي للأصل نقله على أن إلزام الطلاق بمجرد اللفظ إنما هو إذا نطق بلسانه غير مطلق بكلامه النفسي كما قال أي مالك في مسألة البتة أي الآتية فتأمل بإنصاف وصل في توضيح هذا الفرق والذي قيل بمسائل المسألة الأولى قال مالك في المدونة لو أراد التلفظ بالطلاق فقال اشربي أو نحوها لا شيء عليه حتى ينوي طلاقها بما تلفظ به فيجتمع اللفظ والنية ا ه يعني أن الرجل إذا قصد أن يتلفظ بطلاق زوجته فسبق لسانه بلفظ لا يحتمل الطلاق بأن قال اسقني الماء أو ادخلي أو اخرجي فإنه لا يلزمه شيء لأنه لم يوقع الطلاق بلفظ يراد الطلاق به وهو أنت طالق ولا بنية اسقني أي باسقني المصاحب لنية حصول الطلاق حتى يلزم الطلاق به وإن لم يكن مدلوله الالتزامي الطلاق والكناية اصطلاحا استعمل اللفظ في لازم معناه لأنه من باب الطلاق بالنية واللفظ معا لا من باب الطلاق بالنية المجردة عن اللفظ حتى يقال لا يلزم بها طلاق إجماعا ا ه
    خرشي بتوضيح على أنه تقدمت الإشارة إلى أن المراد بالكناية اللغوية وهي
    ____________________
    (3/302)
    بألفاظهم ولا تنفعهم نيتهم والأخذ إنما يكون للحاكم دون المفتي وكذلك اشتراطه القرينة فإن المفتي يتبع الأسباب والمقاصد دون القرائن وإلا فيلزم مخالفة القواعد ويتعذر الفرق بين ما ذكر من النظائر
    المسألة الثالثة إذا قال أنت طالق أو طلقتك ونوى عددا لزمه ووافقنا الشافعي
    وقال أبو حنيفة رضي الله عنهما إذا نوى الثلاث لزمه واحدة رجعية لأن اسم الفاعل لا يفيد إلا أصل المعنى فالزائد يكون بمجرد النية والنية لا توجب طلاقا وجوابه أن لفظ ثلاثا إذا لفظ بها تبين المراد باللفظ نحو قوله قبضت عشرين درهما فقوله درهما يفيد اختصاص العدد بالدراهم وإن كان لا يدل عليه لغة فكذلك ثلاثا يخصص اللفظ بالبينونة وكل ما كان يحصل مع المفسر وجب أن يحصل قبله لأن المفسر إنما جعل لفهم السامع لا لثبوت ذلك الحكم في نفس الأمر كقوله تعالى أقيموا الصلاة الشرعية لكن لما ورد البيان من السنة في خصوصياتها وهيئاتها وأحوالها عد ذلك ثابتا بلفظ القرآن وأجمع المسلمون على أن الصلاة والزكاة مشروعة بالقرآن والقاعدة أن كل بيان لمجمل يعد منطوقا به في ذلك المجمل كذلك هاهنا وإن كان أبو حنيفة رحمه الله وافقنا على قوله أنت بائن وأنت طالق طلاقا وطلقتك
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    استعمال اللفظ في معنى غير ما وضع له اللفظ فليست حقيقة ولا مجازا ولا كناية فافهم المسألة الثانية قال مالك لو قال أنت طالق ألبتة ونيته واحدة فسبق لسانه للبتة لزمه الثلاث قال سحنون إذا كان عليه بينة فلذلك لم ينوه قال الأصل يريد أي سحنون أن اللفظ وحده لا يلزم به الطلاق وهو لم يوجد منه نية مع لفظ الثلاث فلذلك لا يلزمه ثلاث في الفتيا ويلزمه الثلاث في القضاء بناء على الظاهر
    المسألة الثالثة قال صاحب التنبيهات يؤخذ اشتراط النية مع اللفظ من غير مسألة في الكتاب أي المدونة من قوله أنت طالق وأراد تعليقه ثم بدا له أي عدم التعليق فلا شيء عليه وله نظائر قال ويتخرج من قوله أي مالك في الذي أراد واحدة فسبق لسانه للبتة ومن هزل الطلاق أيضا إلزام الطلاق بمجرد اللفظ وكذا مسألة ما إذا قال أنت طالق ونوى من وثاق ولايته وجاء مستفتيا طلقت عليه كقوله أنت برية ولم ينو به طلاقا ولا يدين إذ يؤخذ الناس بألفاظهم ولا تنفعهم نيتهم إلا أن تكون قرينة مصدقة كأن يكون جوابا وهذا مذهب الكتاب وقيل يدين مطلقا ا ه بتصرف
    قال الأصل ووافق صاحب التنبيهات على أن مسألة الوثاق طلاق بمجرد اللفظ اللخمي مع أن إلزام الطلاق بمجرد اللفظ إنما هو إذا نطق بلسانه غير مطلق بكلامه النفسي كما قال أي مالك في مسألة البتة أما إذا صرف اللفظ بقصده عن إزالة العصمة إلى غيره نحو مسألة الوثاق فإلزام الطلاق به لو قيل إنه خلاف الإجماع لم يبعد لأنه نظير من طلق امرأته فقيل له ما صنعت فقال هي طالق وأراد الإخبار وقد قال أبو الطاهر لا يلزمه في الفتيا إجماعا ونظيره أيضا من له أمة وزوجة اسم كل واحدة منهما حكمة وقال حكمة طالق وقال نويت
    ____________________
    (3/303)
    وطلقي نفسك أنه إذا نوى بها الثلاث لزمته فكذلك هاهنا المسألة الرابعة حكى صاحب كتاب مجالس العلماء أن الرشيد كتب إلى قاضيه أبي يوسف هذه الأبيات وبعث بها إليه يمتحنه بها فإن ترفقي يا هند فالرفق أيمن وإن تخرقي يا هند فالخرق أشأم فأنت طالق والطلاق عزيمة ثلاثا ومن يخرق أعق وأظلم
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الأمة لا يلزمه طلاق في الفتيا اتفاقا فينبغي أن يحمل في مسألة الوثاق على اللزوم في القضاء دون الفتيا وقوله وجاء مستفتيا وإن أوهم اللزوم في الفتيا معارض أولا بقوله يؤخذ الناس بألفاظهم ولا تنفعهم نيتهم إذ الأخذ إنما يكون للحاكم دون المفتي وثانيا باشتراطه القرينة فإن المفتي يتبع الأسباب والمقاصد دون القرائن وإلا فيلزم مخالفة القواعد ويتعذر الفرق بين هذه أي مسألة الوثاق وبين ما ذكر من النظائر فافهم المسألة الرابعة ذهب إمامنا والشافعي إلى أنه إذا قال أنت طالق أو طلقتك ونوى عددا لزمه ما نواه وقال أبو حنيفة إذا نوى الثلاث لزمه واحدة رجعية محتجا بأن اسم الفاعل لا يفيد إلا أصل المعنى فالزائد يكون بمجرد النية والنية لا توجب طلاقا واحتجاجه هذا مدفوع بوجهين الوجه الأول أن لفظ ثلاثا مع صريح الطلاق كلفظ درهما مع نحو عشرين من ألفاظ العدد فكما أن لفظ درهما في نحو قوله عندي عشرين درهما يفيد اختصاص العدد بالدراهم وإن كان لا يدل عليه لغة كذلك لفظ ثلاثا في نحو قوله أنت طالق ثلاثا يخصص اللفظ بالبينونة وكل ما كان يحصل مع المفسر كتخصيص صريح الطلاق بالبينونة مع لفظ ثلاثا وجب أن يحصل قبله لأن المفسر إنما جعل لفهم السامع لا لثبوت ذلك الحكم في نفس الأمر ووجب أن يعد منطوقا به فيه إذ القاعدة أن كل بيان لمجمل يعد منطوقا به في ذلك المجمل ألا ترى أن قوله تعالى وأقيموا الصلاة لا يدل على خصوص الصلوات الشرعية لكن لما ورد البيان من السنة في خصوصياتها وهيئتها وأحوالها عد ذلك ثابتا بلفظ القرآن وأجمع المسلمون على أن الصلاة مشروعة بالقرآن الوجه الثاني أن أبا حنيفة رحمه الله تعالى وافقنا على أنه إذا قال أنت بائن أو أنت طالق طلاقا أو طلقتك أو طلقي نفسك ونوى الثلاث لزمته فكذلك ها هنا وإلا فما الفارق المسألة الخامسة حكى صاحب كتاب مجالس العلماء وصاحب المغني أن الرشيد كتب ليلة إلى قاضيه أبي يوسف يسأله عن قول القائل فإن ترفقي يا هند فالرفق أيمن وإن تخرقي يا هند فالخرق أشأم فأنت طلاق والطلاق عزيمة ثلاثا ومن يخرق أعق وأظلم فبيني بها أن كنت غير رفيقة وما لامرئ بعد الثلاث مقدم فقال ماذا يلزمه إذا رفع الثلاث وإذا نصبها قال أبو يوسف فقلت هذه مسألة نحوية فقهية ولا آمن الخطأ فيها إن قلت فيها برأيي فأتيت الكسائي وهو في فراشه فسألته فقال إن رفع ثلاث طلقت واحدة لأنه قال أنت طلاق وأخبر أن الطلاق التام ثلاث وإن نصبها طلقت ثلاثا لأن معناه أنت طالق ثلاثا وما بينهما جملة معترضة فكتبت بذلك إلى الرشيد أول الليل إثر إرساله بالسؤال فأرسل إلي آخر الليل بغالا
    ____________________
    (3/304)
    فبيني بها أن كنت غير رفيقة وما لامرئ بعد الثلاثة مقدم
    وقال له إذا نصبنا ثلاثا كم يلزمه وإذا رفعنا كم يلزمه فأشكل عليه ذلك وحمل الرقعة للكسائي وكان معه في الدرب فقال له الكسائي اكتب له في الجواب يلزمه بالرفع واحدة وبالنصب ثلاث يعني أن الرفع يقتضي أنه خبر عن المبتدأ الذي هو الطلاق الثاني
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    موسقة قماشا وتحفا جائزة على الجواب فوجهت بها إلى الكسائي بسبب أنه أعانني على الجواب ا ه
    قال الأمير على المغني والأبياري عليه تخرقي من باب فتح وكرم وأيمن تفضيل من اليمن البركة ضد أشأم والخرق العنف وزنا ومعنى هنا اسم لا غير وبفتح الخاء والراء مصدر واسم كما يعلم من القاموس ويأتي بمعنى الدهش لخوف أو حياء وعدم إتقان العمل باليد أيضا ومن يخرق جعلها ابن يعيش شرطية حذف صدر جوابها أي فهو أعق وقال الدماميني موصولة خبرها أعق وتسكين يخرق للتخفيف كقراءة أبي عمرو في نحو يأمركم فأصله الرفع وقوله أن كنت بفتح الهمزة ولام العلة مقدرة معها فالمعنى بيني أي ابعدي عني وفارقيني بهذه التطليقات لأجل أن كنت غير رفيقة أي لم يكن فيك رفق ولين بل شؤم وعنف ومقدم اسم مفعول بمعنى التقدم أي المصدر فهو من قدم بمعنى تقدم فالمعنى ليس لأحد تقدم إلى الخمسة مثلا بعد إيقاع الثلاث لأنها نهاية الطلاق ا ه وبحث في هذه الرواية بوجوه الوجه الأول لصاحب المغني أنه لا يخلو إما أن ينظر لما أراده هذا الشاعر المعين فيقال هو إنما أراد الثلاث لقوله بعد فبيني بها البيت وإما أن ينظر إلى ما يقتضيه معنى هذا اللفظ مع قطع النظر عن شيء آخر من قواعد الفقهاء واستحساناته م فيقال الصواب أن كلا من الرفع والنصب محتمل لوقوع الثلاث ولوقوع الواحدة أما الرفع فلأن ال في الطلاق إما لمجاز الجنس كما تقول الرجل المعتد به وإما للعهد الذكري مثلها في فعصى فرعون الرسول أي وهذا الطلاق المذكور عزيمة ثلاث ولا تكون للجنس الحقيقي لئلا يلزم الإخبار عن العام بالخاص كما يقال الحيوان إنسان وذلك باطل إذ ليس كل حيوان إنسان ولا كل طلاق عزيمة ولا ثلاث فعلى الجنسية المجازية تقع واحدة كما قال الكسائي وعلى العهدية تقع الثلاث وهذا مما فات الكسائي
    وأما النصب فلأنه محتمل لأن يكون على المفعول المطلق فيقتضي وقوع الطلاق الثلاث حيث جعل معمولا لطلاق الأول كما هو المتبادر إذ المعنى فأنت طالق ثلاثا واعترض بينهما بقوله والطلاق عزيمة أو جعل معمولا للطلاق الثاني واللام للعهد أما إذا جعل مفعولا لطلاق الثاني واللام للجنس فلا يقتضي وقوع الثلاث بل واحدة ولأن يكون حالا من الضمير المستتر في عزيمة لأنها وإن كانت مصدرا مؤولة باسم المفعول كما أن طلاق مؤول بطالق فلا يلزم وقوع الثلاث وإن احتملها بجعل ال للعهد الذكري لأن المعنى والطلاق عزيمة إذا كان ثلاثا بمعنى أن الفراق به حال كونه ثلاثا فإنما يقع ما نواه ا ه بتصرف وتوضيح قال البناني قال ابن غازي وهو تحرير عجيب ا ه
    وبقي أنه إما أن ينظر إلى ما يقتضيه اللفظ مع النظر إلى قواعد الفقهاء واستحساناته م وغير ذلك فيقال إن من الفقهاء من يقول إذا احتمل اللفظ الواحدة وغيرها لم يلزمه إلا واحدة وحينئذ فلا يلزمه إلا واحدة رفع أو نصب ومنهم من يقول بوقوع الثلاث إذا احتمل اللفظ ذلك مراعاة للاحتياط وحينئذ فلا يلزمه إلا الثلاث رفع أو نصب
    ____________________
    (3/305)
    ويكون منقطعا عن الأول فلم يبق إلا قوله أنت طالق فتلزمه واحدة وبالنصب يكون تمييزا لقوله فأنت طالق فيلزمه الثلاث فإن قلت إذا نصبناه أمكن أن يكون تمييزا عن الأول كما قلت وأمكن أن يكون منصوبا على الحال من الثاني أي الطلاق معزوم عليه
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    كما يؤخذ من حواشي المغني للأمير والأبياري قال عبق على خليل مقتضى مذهبنا لزوم الثلاث في الرفع والنصب احتياطا ا ه أي ولا يلتفت لمطابقة النحو ولذا قال الشيخ العمادي مجيبا للشيخ أحمد الدمنهوري حين سأله عن هذا ومذهبنا المفتى به عند مالك وقوع ثلاث مطلقا وهو أسلم إلى أن قال وقد قال في المغني خلاف الذي جرى كما للدماميني بنص يترجم وإن انتصابا وارتفاعا كلاهما يفيد احتماليه بذلك صمموا فيحتمل التوحيد دون ثلاثة ويحتمل التوقيف والوقف أفخم ا ه كنون
    وأجاب ابن الصائغ عن الاحتمال مع الرفع باختيار الشق الأول واعتماد القول بأنه إذا احتمل الواحدة وغيرها لم يلزمه إلا واحدة فصح أنه على الرفع طلقت واحدة كما في حواشي الأمير على المغني وأيده في القصر بأمرين الأول أن اختياره الشق الأول دون الثاني كما زعم الشمني هو المتبادر من تعبير المغني بالصواب المقتضي أن ما فعله الكسائي خطأ الثاني أن السائل له أجل فقيه فلا يحسن قطع النظر عن قواعد الفقهاء في جوابه والكسائي لم يكن غرا في تلك القواعد وإنما كانت العربية والقراءة أغلب عليه ا ه
    وأجاب الأصل عن الاحتمال مع النصب بأن المرجح لجعله معمولا لطلاق الأول على أنه مفعول مطلق أو تمييز هو أنه منكر يحتمل سبب تنكره جميع مراتب الجنس وأعداده وأنواعه من غير تنصيص على شيء من ذلك لأجل التنكير فاحتاج للتمييز ليحصل المراد من ذلك المنكر المجهول وأما الطلاق الثاني فبتعريفه واستغراقه الناشئ عن لام التعريف يستغنى عن البيان ا ه والظاهر أن مراده الاستغراق المجازي الحقيقي لما علمته في كلام المغني المتقدم فلا تغفل نعم قال ابن الضائع يمكن على إرادة الكل المجموعي أي لا كل فرد فرد فيصير المعنى أن مجموع أفراد الطلاق ثلاث والمجموع خاص فيكون إخبارا عن خاص بخاص ورده الشمني بأن الاستغراق عندهم من باب الكلية أي الحكم على كل فرد ولهذا امتنع وصف المفرد الداخل عليه حرف الاستغراق بنعت الجمع عند الجمهور وإن حكاه الأخفش في نحو الدينار الصفر والدراهم البيض أمير بتوضيح الوجه الثاني قال الأمير في حواشي المغني شنع الكمال بن الهمام على المصنف يعني ابن هشام بأنه جهل بمقام الاجتهاد فإنه يستلزم معرفة أساليب الكلام فلا يحتاج أبو يوسف إلى مراجعة الكسائي قلنا أي في الجواب عن ذلك هذا من تعاون العلماء ومشاركتهم خصوصا أهل دولة واحدة بل هو عين إمامية أبي يوسف وكماله حيث لم يستقل برأيه مع عدم احتياجه وهكذا شأن السلف ولعمري الكسائي أحد القراء السبعة وإمام العربية يتكلم معه في مثل هذه ا ه بلفظ الوجه الثالث قال الأمير أيضا قيل الصواب أن السؤال من الكسائي لمحمد قلنا أي في الجواب عن ذلك تعدد الواقعة ممكن ا ه بلفظه والله أعلم
    ____________________
    (3/306)
    في حال كونه ثلاثا أو تمييزا له فلم خصصته بالأول قلت الطلاق الأول منكر يحتمل بسبب تنكيره جميع مراتب الجنس وأعداده وأنواعه من غير تنصيص على شيء من ذلك لأجل التنكير فاحتاج للتمييز ليحصل المراد من ذلك المنكر المجهول
    وأما الثاني فمعرفها استغنى بتعريفه واستغراقه الناشئ عن لام التعريف عن البيان فهذا هو المرجح ويحكى أن الرشيد بعث له بهذه الرقعة أول الليل وبعث أبو يوسف الجواب بها أول الليل على حاله وجاءه من آخر الليل بغال موسقة قماشا وتحفا جائزة على جوابه فبعث بها أبو يوسف إلى الكسائي ولم يأخذ منها شيئا بسبب أنه هو الذي أعانه على الجواب فيها
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    المسألة السادسة في بداية ابن رشد الحفيد لا يقبل عند مالك ما يدعيه من دون الثلاث في الكنايات الظاهرة مثل قولهم حبلك على غاربك ومثل البتة ومثل قولهم أنت خلية أو برية حيث قال ذلك في المدخول بها إلا أن يكون قاله في الخلع
    وأما في غير المدخول بها فيصدقه فيما يدعيه من دون الثلاث فيها لأن طلاق غير المدخول بها بائن ويقبل ما يدعيه من دون الثلاث فيها مطلقا عند الشافعي وكذا عند أبي حنيفة إلا أن يكون في مذاكرة الطلاق فإنه يطلق عليه بالكنايات كلها مع هذه القرينة إلا بأربع حبلك على غاربك واعتدي واستبري وتقنعي لأنها عنده من المحتملة غير الظاهرة والمحتملة عند جمهور العلماء ليس فيها شيء وإن نوى طلاقا خلافا لمالك والشافعي في قولهما إنه يعتبر في المحتملة نية ا ه ملخصا ولا يخفاك أن إطلاقه الحكم المذكور فيما ذكره من ألفاظ الكنايات الظاهرة يخالف ما تقدم في تقسيمها من أن بتة وحبلك على غاربك مما يلزم به ثلاث ولا ينوي مطلقا مثل وأنت خلية أو برية مما يلزم فيه الثلاث في المدخول بها كغيرها إن لم ينو أقل نعم قد مر عن الأصل أن المدار في تلك الألفاظ العرف فلعل ما تقدم مبني على عرف وهذا مبني على عرف آخر والله أعلم المسألة السابعة في حاشية العطار على محلى جمع الجوامع قال القرافي قلت يوما للشيخ عز الدين بن عبد السلام إن القراء التزموا قاعدة أن المعرف باللام للعموم في الأصول وخالفوها في الفروع حيث قالوا لو قال الطلاق يلزمني بغير نية لم يلزمه إلا طلقة واحدة فقال رحمه الله تعالى سبب المخالفة أن الأيمان تتبع المنقولات العرفية دون الأوضاع اللغوية إذا تعارضا وقد انتقل اللام في الحلف بالطلاق لحقيقة الجنس دون استغراق الجنس فلذا كان الحالف لا يلزمه إلا الماهية المشتركة فلا تزيد اللام له على الواحد ا ه محل الحاجة قال الشربيني لكنهم قالوا إن الذي يتبع العرف مطلقا هو الحلف بغير الطلاق أما به فيتبع اللغة متى اشتهرت وإن اشتهر العرف اللهم إلا أن يكون المعنى اللغوي هنا غير مشهور ا ه ولعل مراده فقهاء الشافعية وإلا فالمالكية على أن الحلف مطلقا يتبع العرف مطلقا والله سبحانه وتعالى أعلم
    ____________________
    (3/307)
    الفرق الثالث والستون والمائة بين قاعدة الاستثناء من الذوات وبين قاعدة الاستثناء من الصفات اعلم أن البابين وإن استويا في صحة الاستثناء غير أن الاستثناء من الصفات يجوز أن يؤتى فيه بلفظ دال على استثناء الكل من الكل في الظاهر بخلاف الاستثناء من الذوات وبيان ذلك بمسألتين المسألة الأولى نقل صاحب الجواهر وقاله ابن أبي زيد في النوادر إن القائل إذا قال أنت طالق واحدة إلا واحدة إن كان مستفتيا
    وقال نويت ذلك وفي موضع لو سكت لم يكن طلاقا لم يلزمه شيء لأنه طلاق بغير نية وإن كان عليه بينة فيختلف فيه لأنه آت بما لا يشبه كما لو قال إن شاء هذا الحجر ويختلف إذا قال أنت طالق أمس إلا واحدة لأنه ليس مستثنيا للأول وإن قال طالق واحدة وواحدة إلا واحدة وأعاد الاستثناء على الواحدة يقع عليه اثنتان وكذلك إذا قال أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة إلا واحدة فإنه يلزمه طلقتان إن أعاده على طلقة أو ثلاث إن أعاده على الواحدة
    هامش أنوار البروق
    قال الفرق الثالث والستون والمائة بين قاعدة الاستثناء من الذوات وبين قاعدة الاستثناء من الصفات قلت هذا الفرق يحتاج إلى تأمل ونظر وكذلك الفرقان اللذان بعده
    هامش إدرار الشروق
    @ 308 الفرق الثالث والستون والمائة بين قاعدة الاستثناء من الذوات وبين قاعدة الاستثناء من الصفات وذلك أن البابين وإن استويا في صحة الاستثناء إلا أنهما افترقا في أن الاستثناء من الذوات لا يجوز أن يؤتى فيه بلفظ دال على استثناء الكل من الكل بأن يستغرق المستثنى للمستثنى منه بخلاف الاستثناء من الصفات فإنه يجوز أن يؤتى فيه بلفظ دال على استثناء الكل من الكل في الظاهر وذلك أن الاستثناء من الصفات ثلاثة أقسام لأنه إما أن يقع في جملة الصفة كأن تقول مررت بالساكن إلا الساكن أو مررت بالمتحرك إلا المتحرك فتستثني الصفة من الصفة وهو السكون فقط في الأول والحركة فقط في الثاني وتترك الموصوف فتتعين له الحركة في الأول فيكون مرورك بالمتحرك ويتعين السكون في الثاني فيكون مرورك بالساكن وإما أن يقع أي الاستثناء في بعض أنواع الصفة كقوله تعالى أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى فقوله بميتين لفظ يشملهم بصفة الموت ولم يستثنوا من أنفسهم أحدا بل بعض أنواع الصفة
    وإما أن يقع أي الاستثناء في بعض متعلقات الصفة كقول الشاعر قاتل ابن البتول إلا عليا فمعناه كما قال الأدباء قاتل ابن فاطمة البتول أي المنقطعة عن الأزواج إلا عن علي فاستثنى من صفتها
    ____________________
    (3/308)
    وهذه المسألة من مشكلات المسائل عند الفقهاء وتقريرها وإيضاحها أن تقول قوله أنت طالق واحدة معناه طلقة واحدة والطلاق مصدر قد وصفه بالوحدة فهاهنا حينئذ صفة وموصوف في كلامه فإن قصد رفع الصفة دون الموصوف فقد رفع بعض ما نطق به فيصح ولنا قاعدة عقلية أن كل ضدين لا ثالث لهما إذا رفع أحدهما تعين ثبوت الآخر كقولك هذا العدد ليس بزوج يتعين أن يكون فردا
    وليس بفرد يتعين أن يكون زوجا لأنه لا واسطة بين الزوج والفرد في العدد وكذلك هاهنا لا واسطة بين الوحدة والكثرة في حقيقة المصدر فإذا رفع الوحدة من مصدر الطلاق تعين ضدها وهو الكثرة وأقل مراتب الكثرة اثنان فيلزمه طلقتان لأن الأصل براءة الذمة من الزائد عليهما وهذه المسألة لها ست حالات الحالة الأولى ما تقدم الحالة الثانية أن يقصد بقوله واحدة قبل الاستثناء الصفة وحدها
    ثم يستثنيها فاستثناؤه باطل لأنه رفع جملة ما وضعه أولا
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    ولم يستثنها غير أنه لم يستثن جملة الصفة ولا نوعا من أنواعها بل استثنى متعلقا من متعلقاتها فإن التبتل الذي هو الانقطاع قال تعالى وتبتل إليه تبتيلا أي انقطع عليها انقطاعا لما كان يمكن أن يكون عن الأزواج كلها استثنى من متعلق التبتل عليا رضي الله عنه ومن القسم الأول ما قاله ابن أبي زيد في النوادر ونقله صاحب الجواهر من أن القائل إذا قال أنت طالق واحدة إلا واحدة فإن كان مستفتيا وقال نويت ذلك لم يلزمه شيء وفي موضع لو سكت لم يكن طلاقا لأنه طلاق بغير نية وإن كان عليه بينة فيختلف فيه لأنه آت بما لا يشبه كما لو قال إن شاء هذا الحجر ويختلف إذا قال أنت طالق أمس إلا واحدة لأنه ليس مستثنيا للأول وإن قال طالق واحدة وواحدة إلا واحدة وأعاد الاستثناء على الواحدة يقع عليه اثنان
    وإذا قال أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة إلا واحدة لزمه طلقتان أيضا إن أعاده على طلقة وثلاث إن أعاده على الواحدة وهذه المسألة من مشكلات المسائل عند الفقهاء وتقريرها وإيضاحها أن تقول قوله أنت طالق واحدة معناه طلقة واحدة والطلاق مصدر قد وصفه بالوحدة فصار في كلامه حينئذ صفة وموصوف فإذا عقبه بقوله إلا واحدة كان ذلك محتملا ست حالات الحالة الأولى أن يقصد بقوله واحدة الصفة والموصوف معا ثم يقصد رفع الصفة دون الموصوف فيكون قد رفع مصدر الطلاق الوحدة فيتعين ضدها وهو الكثرة إذ لا واسطة بينهما والقاعدة العقلية أن كل ضدين لا ثالث لهما إذا رفع أحدهما تعين ثبوت الآخر ألا ترى أنك تقول هذا العدد ليس بزوج فيتعين أن يكون فردا أو ليس بفرد فيتعين أن يكون زوجا لأنه لا واسطة بين الزوج والفرد وأقل مراتب الكثرة اثنان فيلزمه طلقتان لأن الأصل براءة الذمة من الزائد الحالة الثانية أن يقصد بقوله واحدة قبل الاستثناء الصفة وحدها ثم يستثنيها فاستثناؤه باطل لأنه رفع جملة ما وضعه أولا الحالة الثالثة أن يقصد بقوله واحدة نفس الطلاق من حيث هو طلاق ولا يأخذه بقيد الوحدة
    ____________________
    (3/309)
    الحالة الثالثة أن يقصد بقوله واحدة نفس الطلاق من حيث هو طلاق ولا يأخذه بقيد الوحدة ولا بقيد الكثرة ثم يورد الاستثناء أيضا على هذا المعنى بعينه فلا ينفعه الاستثناء لأنه رفع عين ما وضعه الحالة الرابعة أن يقصد بقوله أولا المصدر الموصوف بالوحدة ويقصد بقوله إلا واحدة الطلاق الموصوف بالوحدة فلا ينفعه أيضا استثناؤه لأنه رفع جملة ما وضعه الحالة الخامسة أن يريد بلفظ الأول الطلاق الموصوف بالوحدة ويقصد بالاستثناء الموصوف وهو مفهوم الطلاق دون الوحدة فهذا مستثنى لبعض ما نطق به مطابقة غير أنه يلزم من نفي أصل الطلاق نفي صفاته من الوحدة والكثرة فتنتفي الصفة أيضا مع الموصوف فيبطل استثناؤه ويلزمه طلقة لأنه لم يبق شيء بالمطابقة والالتزام الحالة السادسة أن يستعمل قوله الأول أنت طالق واحدة في الطلاق بوصف الثلاث لأنه يجوز إطلاق الجنس وإرادة عدد معين منه فإذا قال بعد ذلك إلا واحدة يريد بها بعض ذلك العدد الذي كان يقصده لزمه طلقتان وهما اللتان بقيتا في الأولى وخرجت واحدة من الثلاث بالاستثناء فهذا تقرير هذه المسألة وبها ظهر قوله أنت طالق واحدة إلا واحدة كيف تلزمه اثنتان وكذلك إذا قال واحدة وواحدة وواحدة إلا واحدة إن أراد بالاستثناء أحد هذه الثلاث لزمه اثنتان
    وإن أراد استثناء الصفة وهي الوحدة عن طلقة من هذه الطلقات الثلاث المتقدمة فمقتضى ذلك أن يلزمه أربع تطليقات لأنه رفع صفة
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    ولا بقيد الكثرة ثم يورد الاستثناء أيضا على هذا المعنى بعينه فلا ينفعه الاستثناء لأنه رفع عين ما وضعه الحالة الرابعة أن يقصد بقوله أولا المصدر الموصوف بالوحدة ويقصد بقوله إلا واحدة الطلاق الموصوف بالوحدة فلا ينفعه أيضا استثناؤه لأنه رفع جملة ما وضعه الحالة الخامسة أن يريد بلفظ الأول الطلاق الموصوف بالوحدة ويقصد بالاستثناء الموصوف وهو مفهوم الطلاق دون الوحدة فهذا مستثنى لبعض ما نطق به مطابقة غير أنه يلزم من نفي أصل الطلاق نفي صفاته من الوحدة والكثرة فتنتفي الصفة أيضا مع الموصوف فيبطل استثناؤه ويلزمه طلقة لأنه لم يبق شيء بالمطابقة والالتزام الحالة السادسة أن يستعمل قوله أنت طالق واحدة في الطلاق بوصف الثلاث لأنه يجوز إطلاق الجنس وإرادة عدد معين منه فإذا قال بعد ذلك إلا واحدة يريد بها بعض ذلك العدد الذي كان يقصده لزمه طلقتان وهما اللتان بقيتا من الثلاث التي أرادها بقوله الأول بعد إخراج واحدة منها بالاستثناء فظهر بهذا التقرير كيف تلزمه اثنتان بقوله أنت طالق واحدة إلا واحدة وكذلك إذا قال واحدة وواحدة وواحدة إلا واحدة إن أراد بالاستثناء إحدى هذه الثلاث لزمه اثنتان وإن أراد استثناء الصفة وهي الوحدة عن طلقة من
    ____________________
    (3/310)
    الوحدة عن طلقة من الثلاث فيقع فيها الكثرة فتصير تلك الطلقة طلقتين كما تقدم تقريره لكن لما لم يكن سبيل إلى لزوم أربع بالإجماع اقتصرنا على ثلاث كما لو قال أنت طالق أربع تطليقات ومن الاستثناء في الصفات قول الشاعر قاتل ابن البتول إلا عليا قال الأدباء معناه قاتل ابن فاطمة البتول أي المنقطعة عن الأزواج إلا عن علي فاستثنى من صفتها ولم يستثنها غير أنه في هذا الكلام لم يستثن جملة الصفات كما تقدم في مسألة الطلاق بل من متعلقها فإن الانقطاع الذي هو التبتل يمكن أن يكون عن الأزواج كلها فلذلك استثنى من متعلق التبتل عليا رضي الله عنه ومن التبتل قوله عز وجل وتبتل إليه تبتيلا أي انقطع إليه انقطاعا
    المسألة الثانية قوله تعالى أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى فهذا استثناء نوع من الصفة وهي المونة الأولى وقوله بميتين لفظ يشملهم بصفة الموت ولم يستثنوا من أنفسهم أحدا بل بعض أنواع الصفة فصار الاستثناء تارة يقطع في جملة الصفة كمسألة الطلاق وفي بعض أنواعها كالآية وفي بعض متعلقاتها كالشعر المتقدم فتأمل ذلك وعلى هذه القاعدة تقول مررت بالساكن إلا الساكن فتستثني الصفة من الصفة
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    هذه الطلقات الثلاث المتقدمة فمقتضى ذلك أن يلزمه أربع تطليقات لأنه رفع صفة الوحدة عن طلقة من الثلاث فيقع فيها الكثرة فتصير تلك الطلقة طلقتين كما تقدم تقريره لكن لما لم يكن سبيل إلى لزوم أربع بالإجماع اقتصرنا على ثلاث كما لو قال أنت طالق أربع تطليقات فتأمل ذلك كذا قال الأصل قال وقد بسطت هذه المسائل في كتاب الاستغناء في أحكام الاستثناء وهو مجلد كبير أحد وخمسون بابا وأربعمائة مسألة ليس في جميع ذلك إلا الاستثناء والاستثناء من الصفة من أغرب أبوابه وقد بسطته لك ها هنا بهذه المسائل وظهر لك معنى هذه المسائل في الطلاق بسببه ولولاه لم يفهم أصلا ألبتة فنفائس القواعد لنوادر المسائل وجميع ذلك من فضل الله تعالى على خلقه هدانا الله سواء السبيل في القول والعمل ا ه بلفظه قال ابن الشاط هذا الفرق يحتاج إلى تأمل ا ه بلفظه
    ولعل وجهه أن مسألة الطلاق التي بنى هذا الفرق عليها نظير ما نقله القرافي عن المدخل لابن طلحة المالكي فيمن قال لامرأته أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا أنه لا يقع عليه طلاق كما في محلى جمع الجوامع في اعتبار الاستثناء المستغرق وقد قال شيخ الإسلام ونقل هذا القول القرافي وأنكره فقال الأقرب أن هذا الخلاف باطل لأنه مسبوق بالإجماع كما في العطار على محلى جمع الجوامع يعني الإجماع الذي حكاه الإمام الرازي والآمدي وغير واحد كالقرافي على أنه لا أثر في الحكم للاستثناء المستغرق مطلقا كان في الصفات أو في الذوات فلو قال له عشرة إلا عشرة لزمه عشرة ولو قال لامرأته أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا وقع عليه الطلاق الثلاث إلا أن يعقب باستثناء آخر غير مستغرق نحو له علي عشرة إلا عشرة إلا أربعة
    ____________________
    (3/311)
    وهو السكون فقط وتترك الموصوف فتتعين له الحركة فيكون مرورك بالمتحرك وكذلك مررت بالمتحرك إلا المتحرك فيتعين أنك مررت بالساكن كما تقدم التقرير وقد بسطت هذه المسائل في كتاب الاستغناء في أحكام الاستثناء
    وهو مجلد كبير واحد وخمسون بابا وأربعمائة مسألة ليس في جميع ذلك إلا الاستثناء والاستثناء من الصفة من أغرب أبوابه وقد بسطته لك هاهنا بهذه المسائل وظهر لك معنى هذه المسائل في الطلاق بسببه ولولاه لم يفهم أصلا ألبتة فنفائس القواعد لنوادر المسائل وجميع ذلك من فضل الله تعالى على خلقه هدانا الله سواء السبيل في القول والعمل
    الفرق الرابع والستون والمائة بين قاعدة استثناء الكل من الكل وبين قاعدة استثناء الوحدات من الطلاق اعلم أن العلماء نصوا على أنه إذا قال قام زيد وعمرو وخالد إلا خالدا لا يجوز لأنه استثناء جملة منطوق به في المعطوف والاستثناء إنما جعل لإخراج ما كان معرضا للنسيان فيندرج في الكلام سهوا فيخرج بالاستثناء وإذا قصد إلى شيء في المعطوف لا
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    ففي جوازه وأن له أثرا في الحكم إما اعتبار الاستثناء الثاني من الأول فيلزمه أربعة وإما اعتبار الثاني دون الأول فيلزمه ستة وعدم جوازه وأنه لا أثر له فيلزمه عشرة لبطلان الأول والثاني خلاف كما في محلى جمع الجوامع نعم صرح السيوطي في الأشباه والنظائر بأن له في الوصية أثرا في الحكم وهو الرجوع عنها فلو قال أوصيت له بعشرة إلا عشرة كان رجوعا عن الوصية كما في حاشية العطار على محلى جمع الجوامع فتأمل والله سبحانه وتعالى أعلم
    الفرق الرابع والستون والمائة بين قاعدة استثناء الكل من الكل وبين قاعدة استثناء الوحدات من الطلاق قاعدة أن الاستثناء إنما جعل لإخراج ما كان معرضا للنسيان فيندرج في الكلام سهوا فيخرج بالاستثناء تقتضي أن العطف في المستثنى منه ظاهر في منع الاستثناء مطلقا سواء كان خصوص المعطوف مقصودا للعقلاء نحو قام زيد وعمرو وخالد إلا خالدا أو غير مقصود للعقلاء نحو أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة إلا واحدة ونحو لله علي درهم ودرهم ودرهم إلا درهما ضرورة اشتراكهما في مطلق القصد إلى شيء في المعطوف وإذا قصد إلى شيء في المعطوف لا يصح استثناؤه بعد ذلك لأنه مثل الكلام المستقل المقصود غير أن الأصحاب جوزوا أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة إلا واحدة قال الأصل وما علمت فيه خلافا وعللوه بأن الثلاث لها عبارتان أنت طالق ثلاثا وأنت طالق واحدة وواحدة وواحدة فكما صح الاستثناء من الثلاث يصح من هذه العبارة الأخرى والفرض أيضا أن خصوص الوحدات ليس مقصودا للعقلاء بخلاف زيد وعمرو فإن لكل واحد منهما خصوصا ليس للآخر والوحدات مستوية من حيث هي وحدات فصار إجمالها وتفصيلها سواء لكن كان مقتضى قاعدة أن العلة تدور مع المعلول وجودا وعدما أن يقولوا بجواز له علي درهم ودرهم ودرهم إلا درهما وأنه إذا قال ذلك لا يلزمه إلا
    ____________________
    (3/312)
    يصح استثناؤه بعد ذلك لأنه مثل الكلام المستقل المقصود وعلى سياق هذه القاعدة يمتنع أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة إلا واحدة لأنه استثناء جملة منطوق به وهو المعطوف كما تقدم غير أن الأصحاب جوزوه وما علمت فيه خلافا ويعللونه بأن الثلاث لها عبارتان أنت طالق ثلاثا وأنت طالق واحدة وواحدة وواحدة فكما صح الاستثناء من الثلاث يصح من هذه العبارة الأخرى والفرض أيضا أن خصوص الوحدات ليس مقصودا للعقلاء بخلاف زيد وعمرو فلكل واحد منهما خصوص ليس للآخر
    وأما الوحدات فمستوية من حيث هي وحدات فصار إجمالها وتفصيلها سواء ويلزم على سياق هذا التعليل إذا قال لله علي درهم ودرهم ودرهم إلا درهما لا يلزمه إلا درهمان لأن الدراهم والدنانير عندهم لا تتعين وإن عينت فإن خصوص درهم لا مزية له على خصوص درهم آخر ولم أر لهم في هذا نقلا فإن طردوا أصلهم فهو أقرب من حيث الجملة
    وإن كان العطف ظاهرا في منع الاستثناء مطلقا وحكى ابن أبي زيد في النوادر المنع ولم يحك خلافا
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    درهمان لأن الدراهم والدنانير عندهم لا تتعين وإن عينت فإن خصوص درهم لا مزية له على خصوص درهم آخر قال الأصل ولم أر لهم في هذا أي القول بجواز ذلك نقلا بل حكى ابن أبي زيد في النوادر المنع ولم يحك خلافا
    ا ه
    فمن هنا قال الإمام ابن الشاط هذا الفرق يحتاج إلى تأمل ونظر ا ه وفي حاشية العطار على محلى جمع الجوامع قال القرافي قلت يوما للشيخ عز الدين بن عبد السلام إن الفقهاء التزموا في الأصول قاعدة أن الاستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات نفي وخالفوها في الفروع حيث قالوا لو قال والله لا لبست ثوبا إلا الكتان فقعد عريانا لم يلزمه شيء مع أن مقتضى قاعدة الاستثناء أنه حلف على نفي ما عدا الكتان وعلى لبس الكتان وما لبس الكتان فيحنث فقال رحمه الله تعالى سبب المخالفة أن الأيمان تتبع المنقولات العرفية دون الأوضاع اللغوية إذا تعارضا وقد انتقل إلا في الحلف لمعنى الصفة مثل سوى وغير فمعنى حلفه والله لا لبست ثوبا سوى الكتان أو غير الكتان فالمحلوف عليه هو المغاير للكتان والكتان ليس محلوفا عليه فلا يضر لبسه ولا تركه ثم توفي رحمه الله واتفق البحث مع قاضي القضاة تاج الدين فالتزم أن مذهب الشافعي رضي الله عنه أنه يحنث إذا قعد عريانا وأن إلا على بابها والاستثناء من الإثبات نفي ومن النفي إثبات وأرانا نقلا في ذلك ا ه كلام القرافي
    قال سم ما قاله تاج الدين من جهة الحكم ممنوع مع أنا نبقي إلا على بابها ونلتزم أن الاستثناء بها في المثال المذكور إثبات على القاعدة ولا ينافي ذلك منع ما ذكره وذلك لأن الإثبات بحسب المقصود من النفي والمقصود هنا من النفي هو منع نفسه من لبس الثياب فيكون المقصود من الإثبات هو إباحة لبس الكتان لا التزام لبسه فلا يحنث بالترك فتأمله فإنه حسن دقيق تركه الشيخ لنا ثم رأيت في بعض حواشي التلويح ما يوافق هذا الجواب فلله الحمد ا ه قال العطار وفي التمهيد للإسنوي إذا قال والله لا أعطيك إلا درهما أو لا آكل إلا هذا الرغيف أو لا أطأ في
    ____________________
    (3/313)
    الفرق الخامس والستون والمائة بين قاعدة التصرف في المعدوم الذي يمكن أن يتقرر في الذمة وبين قاعدة التصرف في المعدوم الذي لا يمكن أن يتقرر في الذمة اعلم أن مالكا وأبا حنيفة رضي الله عنهما اتفقا على جواز التعليق في الطلاق والعتاق قبل النكاح وكذلك العتق قبل الملك فيقول للأجنبية إن تزوجتك فأنت طالق وللعبد إن اشتريتك فأنت حر فيلزمه الطلاق والعتاق إذا تزوج واشترى وقال الشافعي رضي الله عنه لا يلزمه شيء من ذلك ووافقنا على جواز التصرف بالنذر قبل الملك فيقول إن ملكت دينارا فهو صدقة وكذلك جميع ما يمكن أن يتصدق به المسلم في الذمة في باب المعاملات فتمسك الأصحاب بوجوه أحدها القياس على النذر في غير المملوك بجامع الالتزام بالمعدوم
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    السنة إلا مرة ونحو ذلك فلم يفعل بالكلية ففي حنثه وجهان حكاهما الرافعي في كتاب الإيلاء من غير ترجيح أحدهما نعم لاقتضاء اللفظ ذلك وهو كون الاستثناء من النفي إثباتا والثاني لا لأن المقصود منع الزيادة وقياس مذهبنا هو الأول لكن صحح النووي من زوائده الثاني ا ه
    وقد سنح لي من قول الشيخ عز الدين سبب المخالفة إلخ أنه لا مانع هنا من أن يقال سبب مخالفة قاعدة الاستثناء المذكورة هنا في الحلف دون الالتزام أن الأيمان لما كانت تتبع المنقولات العرفية دون الأوضاع اللغوية إذا تعارضا وقد نقل العرف المعطوفان في أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة إلى معنى أنت طالق ثلاثا خالفوا فيها القاعدة المذكورة فأعطوها حكمه من جواز الاستثناء وأنه إذا قال بعدها إلا واحدة يلزمه طلقتان كما لو قال ذلك بعد أنت طالق ثلاثا والالتزامات لما كانت تتبع الأوضاع اللغوية لم يخالفوا فيها القاعدة المذكورة فلم يعطوا لله علي درهم ودرهم ودرهم حكم لله علي دراهم من جواز الاستثناء وأنه إذا قال بعده إلا درهما يلزمه درهمان فتأمل بإنصاف والله سبحانه وتعالى أعلم
    الفرق الخامس والستون والمائة بين قاعدة التصرف في المعدوم الذي يمكن أن يتقرر في الذمة وبين قاعدة التصرف في المعدوم الذي لا يمكن أن يتقرر في الذمة اتفق مالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمد رضي الله تعالى عنهم على أن النقدين والعروض قبل ملكها هو المعدوم الذي يمكن أن يتقرر في الذمة وعلى جواز التصرف فيها قبل الملك بالنذر بأن يقول إن ملكت دينارا فهو صدقة ونحو ذلك مما يمكن أن يتصدق به المسلم في الذمة في باب المعاملات من النقدين والعروض واختلفوا في الطلاق والعتاق قبل الملك بأن تقول للأجنبية إن تزوجتك فأنت طالق وللعبد المملوك لغيره إن اشتريتك فأنت حر هل هما من المعدوم الذي لا يمكن أن يتقرر في الذمة فلا يلزمه شيء بقوله للأجنبية إن تزوجتك فأنت طالق وللعبد المملوك لغيره إن اشتريتك فأنت حر أو ومن المعدوم الذي يمكن أن يتقرر في الذمة فيلزم الطلاق لمن قال للأجنبية إن تزوجتك فأنت طالق والعتاق لمن قال للعبد
    ____________________
    (3/314)
    وثانيها قوله تعالى أوفوا بالعقود والطلاق والعتاق عقدان عقدهما على نفسه فيجب الوفاء بهما وثالثها قوله عليه الصلاة والسلام المؤمنون عند شروطهم وهذان شرطان فوجب الوقوف معهما وأجاب الشافعية عن الأول بأن النقدين والعروض يمكن أن يثبت في الذمم فوقع الالتزام بناء على ما في الذمة والطلاق والعتاق لا يثبتان في الذمم والتصرف يعتمد الموجود المعين أو ما في الذمة وإذا انتفيا معا بطل التصرف ألا ترى أن البيع إذا لم يكن على معين ولا في الذمة فإنه يبطل كذلك هاهنا وعن الثاني أن قوله تعالى أوفوا بالعقود أمر بالوفاء بالعقود والأوامر لا تتعلق إلا بمعدوم مستقبل والعقد قد وقع وصار ماضيا فلا يصح أن يتعلق إلا بالوفاء به فيتعين أن الأمر متعلق بالوفاء بمقتضاه ويكون التقدير أوفوا بمقتضيات العقود ونحن نقول بموجبه ويوفى بمقتضاه ولكن النزاع في مقتضاه ما هو هل لزوم الطلاق أم لا فلا يحصل
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    المملوك لغيره إن اشتريتك فأنت حر قياسا على النذر في غير المملوك بجامع الالتزام بالمعدوم الذي يمكن أن يتقرر في الذمة ذهب إلى الأول الشافعي وأحمد وإلى الثاني مالك وأبو حنيفة وسبب الخلاف قال الأصل هو الخلاف في مقتضى العقود في قوله تعالى أوفوا بالعقود والشروط في
    قوله عليه الصلاة والسلام المؤمنون عند شروطهم وذلك لأن الأمر بالوفاء بالعقود يتعين أن يكون أمرا بمقتضياتها ضرورة أن الأوامر لا تتعلق إلا بمعدوم مستقبل والعقد قد وقع وصار ماضيا فلا يصح أن يتعلق الأمر بالوفاء به وكذلك الكون عند الشروط يتعين أنه هو الوفاء بمقتضاها والطلاق والعتاق عقدان عقدهما على نفسه فيجب الوفاء بمقتضاهما والوفاء بمقتضى شروطهما والنزاع في مقتضاهما ما هو هل هو لزوم الطلاق والعتاق فيحصل المقصود بالآية والحديث أم لا فلا يحصل المقصود من الآية والحديث ذهب الشافعي وأحمد تمسكا بأمرين أحدهما أن الطلاق والعتاق حل والنكاح والشراء عقد ولا يكون الحل قبل العقد وثانيهما ما خرجه الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا نذر فيما لا يملك ابن آدم ولا طلاق فيما لا يملك ولا عتاق فيما لا يملك وذهب إلى الأول مالك وأبو حنيفة تمسكا بأمرين أيضا أحدهما أن مقتضى العقد الشرط إجماعا هو المقتضى اللغوي فيها وأما المقتضى الشرعي فهو صورة النزاع والمقتضى اللغوي فيهما هو لزوم الطلاق والعتاق فوجب أن يكون هو متعلق الأمر في الآية والحديث وهو المطلوب وثانيهما أنه لو حمل على المقتضى الشرعي لكان التقدير أوفوا بما يجب عليكم شرعا الوفاء به ونحن لا نعلم الوجوب إلا من هذا الأمر فيلزم الدور لتوقف كل واحد منهما على الآخر وأما إذا حمل على
    ____________________
    (3/315)
    المقصود من الآية وهذا هو الجواب عن الحديث فإن الكون عند الشروط إنما هو الوفاء بمقتضاها وكون الطلاق من مقتضاها هو محل النزاع وللمالكية أن يجيبوا عن هذين الجوابين بأن مقتضى العقد ومقتضى الشرط هو ما دل عليه لغة لأنه مقتضاه إجماعا
    وأما المقتضى الشرعي فهو صورة النزاع ونحن إنما نتمسك بالمقتضى اللغوي ولا شك أن المقتضى اللغوي في العقد والشرط هو لزوم الطلاق فوجب أن يكون متعلق الأمر في الآية والحديث وهو المطلوب ولو حمل على المقتضى الشرعي لكان التقدير أوفوا بما يجب عليكم شرعا الوفاء به ونحن لا نعلم الوجوب إلا من هذا الأمر فيلزم الدور لتوقف كل واحد منهما على الآخر أما إذا حمل على المقتضى اللغوي لا يلزم الدور لعدم توقف اللغة على الشرائع وهاهنا قاعدة يشكل مذهب مالك وأبي حنيفة باعتبارها وهو أن كل سبب شرعه الله تعالى لحكمة لا يشرعه عند عدم تلك الحكمة كما شرع التعزيرات والحدود للزجر ولم يشرعها في حق المجانين وإن تقدمت الجناية منهم حالة التكليف لعدم شعورهم بمقادير انخراق الحرمة والذمة والمهانة في حالة الغفلة فلا يحصل الزجر وشرع البيع للاختصاص بالمنافع في
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    المقتضى اللغوي فلا يلزم الدور لعدم توقف اللغة على الشرائع والجواب عما تمسكا به من الأمرين أن الطلاق لم نقل به في غير عقد بل إنما قلنا بلزومه بعد حصول العقد لا قبله فما قلنا بالحل إلا بعد العقد فطلاق ابن آدم وعتقه إنما وقعا فيما ملكه والمتقدم إنما هو التعليق وربط الطلاق والعتاق بالملك إلا نفس الطلاق والعتاق ا ه
    وقال حفيد ابن رشد في بدايته سبب الخلاف هل من شرط وقوع الطلاق أي والعتاق وجود الملك متقدما بالزمان على الطلاق أي والعتاق أم ليس ذلك من شرطه فمن قال هو من شرطه قال لا يتعلق الطلاق بالأجنبية أي ولا العتاق بغير المملوك بالفعل ومن قال ليس من شرطه إلا وجود الملك فقط قال يقع أي الطلاق بالأجنبية أي والعتاق بغير المملوك ا ه
    قال الأصل وبكثرة اعتبار الشرع قاعدة أن كل سبب شرعه الله تعالى لحكمة لا يشرعه عند عدم الحكمة وبعبارة أن كل سبب لا يحصل مقصوده لا يشرع كما شرع التعذيرات والحدود للزجر ولم يشرعها في حق المجانين وإن تقدمت الجناية منهم حالة التكليف لعدم شعورهم بمقادير انخراق الحرمة والذلة والمهانة في حالة الغفلة فلا يحصل الزجر وشرع البيع للاختصاص بالمنافع في العوضين ولم يشرعه فيما لا ينتفع به ولا فيما كثر غرره أو جهالته لعدم انضباط الانتفاع مع الغرر والجهالة المخلين بالأرباح وحصول الأعيان وشرع اللعان لنفي النسب ولم يشرعه للمجبوب والخصي لانتفاء النسب بغير لعان يشكل مذهب مالك وأبي حنيفة وذلك أن النكاح سبب شرع للتناسل والمكارمة والمودة فمن قال بشرعيته أي النكاح في صورة تعليق طلاق الأجنبية قبل الملك فقد التزم شرعيته أي النكاح مع انتفاء حكمته إذ لا يتأتى حصولها مع ترتب الطلاق على حصول عقده صحيحا شرعا فكان يلزم أن لا يصح على الأجنبية حينئذ عقد نكاح ألبتة لكن العقد صحيح إجماعا فدل ذلك على عدم لزوم الطلاق تحصيلا لحكمة عقد النكاح المقصودة منه
    وليس من المقصود منه وجوب نصف الصداق وتبعيض الطلاق وغيرهما مما يتوقف على هذا العقد بل من الأمور
    ____________________
    (3/316)
    الغرضين ولم يشرعه فيما لا ينتفع به ولا فيما كثر غرره أو جهالته لعدم انضباط الانتفاع مع الغرر والجهالة المخلين بالأرباح وحصول الأعيان وشرع اللعان لنفي النسب ولم يشرعه للمجبوب والخصي لانتفاء النسب بغير لعان وذلك كثير في الشريعة وضابطه أن كل سبب لا يحصل مقصوده لا يشرع والنكاح سبب شرع للتناسل والمكارمة والمودة فمن قال بشرعيته في صورة التعليق قبل الملك فقد التزم شرعيته مع انتفاء حكمته فكان يلزم أن لا يصح عليها العقد ألبتة لكن العقد صحيح إجماعا فدل ذلك على عدم لزوم الطلاق تحصيلا لحكمة العقد
    وأما وجوب نصف الصداق وتبعيض الطلاق وغيرهما مما يتوقف على هذا العقد فأمور تابعة لمقصود العقد لا أنها مقصود العقد فلا يشرع العقد لأجلها فحيث أجمعنا على شرعيته دل ذلك على بقاء حكمته وهو بقاء النكاح المشتمل على مقاصده وهذا موضع مشكل على أصحابنا فتأمله وقد ظهر لك أيضا بما تقدم من البحث الفرق بين ما يترتب في الذمم وبين ما لا يترتب وأما تهويل الشافعية بقولهم الطلاق حل والنكاح عقد والحل لا يكون قبل العقد وبما يروونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما خرجه الترمذي لا نذر فيما لا يملك ابن آدم ولا طلاق فيما لا يملك ولا عتاق فيما لا يملك فالجواب أن الطلاق لم نقل به في غير عقد لأنا لم نقل بلزوم الطلاق إلا بعد حصول العقد لا قبله فما قلنا بالحل إلا بعد العقد وهو
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    التابعة للمقصود منه فلا يشرع العقد لأجلها فحيث أجمعنا على شرعيته دل ذلك على بقاء حكمته وهو بقاء النكاح المشتمل على مقاصده وعدم لزوم الطلاق على وقوعه صحيحا فتأمل ذلك ولعل الإمام ابن الشاط لهذا قال ويكون تمام الفرق مبينا على أن مقتضى الطلاق والعتاق هو مقتضاهما الشرعي لا اللغوي وقد علمت ما فيه قال هذا الفرق يحتاج إلى تأمل ونظر ا ه بلفظه مسألة وقوع الطلاق على الأجنبيات بشرط التزويج وإن وافق مالك فيه أبا حنيفة إلا أنه خالفه فيما إذا عمم المطلق جميع النساء مثل أن يقول كل امرأة أتزوجها فهي طالق فاستحسن هو وأصحابه أنه لا يقع عليه طلاق حينئذ بناء على المصلحة وهي أنه إذا عمم فأوجبوا عليه التعميم لم يجد سبيلا إلى النكاح الحلال فكان ذلك عنتا به وحرجا وكأنه من باب نذر المعصية وأما أبو حنيفة وجماعة فقالوا يقع عليه الطلاق مطلقا عمم جميع النساء أو خصص مثل أن يقول كل امرأة أتزوجها من بني فلان أو من بلد كذا أو في وقت كذا فهي طالق كما في بداية المجتهد لابن رشد الحفيد والله أعلم
    ____________________
    (3/317)
    الجواب عن الحديث فإن طلاق ابن آدم وعتقه إنما وقعا فيما ملكه وإنما تقدم التعليق وربط الطلاق والعتاق بالملك لا نفس الطلاق والعتاق
    الفرق السادس والستون والمائة بين قاعدة الإيجابات التي يتقدمها سبب تام وبين قاعدة الإيجابات التي هي أجزاء الأسباب اعلم أن الإيجابات ثلاثة أقسام قسم اتفق على أن السبب التام تقدمه وقسم اتفق على أنه جزء السبب وقسم مختلف فيه هل هو من القسم الأول أو من القسم الثاني فأما القسم الأول وهو ما تقدمه سبب تام فيجوز تأخيره إجماعا عن السبب كالخيار في عيوب النكاح وعيوب السلع في البيع ومضاء خيار الشرط ونحو ذلك كخيار الأمة إذا أعتقت تحت عبد
    وأما القسم الثاني الذي هو جزء السبب فهذا لا يجوز تأخيره كالقبول بعد الإيجاب في البيع والهبة والإجارة فلا يجوز تأخير هذا القسم إلى ما يدل على الإعراض منهما عن العقد لئلا يؤدي إلى التشاجر والخصومات بإنشاء عقد آخر مع
    هامش أنوار البروق
    قال الفرق السادس والستون والمائة بين قاعدة الإيجابات التي يتقدمها سبب تام وبين قاعدة الإيجابات التي هي أجزاء الأسباب قلت ما قاله فيه صحيح وما قاله في الفرق بعده فيه نظر
    هامش إدرار الشروق
    الفرق السادس والستون والمائة بين قاعدة الإيجابات التي يتقدمها سبب تام وبين قاعدة الإيجابات التي هي أجزاء الأسباب هو أن الإيجابات الأولى يجوز تأخيرها إجماعا فلا يقدح فيها التأخير كالخيار في عيوب النكاح وعيوب السلع في البيع والإيجابات الثانية لا يجوز تأخيرها فيقدح فيها التأخير كالقبول بعد الإيجاب في البيع والهبة والإجارة وذلك أن الإيجابات ثلاثة أقسام القسم الأول ما اتفق على أن السبب التام تقدمه وعلى أنه يجوز تأخيره عنه فلا يقدح فيه التأخير كخيار الأمة إذا أعتقت تحت عبد وإمضاء خيار الشرط ونحو ذلك مما تقدم وغيره القسم الثاني ما اتفق على أنه جزء السبب وعلى أنه لا يجوز تأخيره فيقدح فيه التأخير كالقبول بعد الإيجاب في نحو النكاح وما قدمناه من البيع إلخ القسم الثالث ما اختلف في كونه من القسم الأول فلا يقدح فيه التأخير أو من القسم الثاني فيقدح وهو الجواب في التخيير والتمليك المطلقين ففيهما عن مالك روايتان قال الشيخ أبو الوليد بن رشد في المقدمات كان مالك يقول للمملكة والمخيرة الخيار في المجلس فقط كالمبايعة ثم رجع إلى أن ذلك
    ____________________
    (3/318)
    شخص آخر والقسم الثالث المختلف فيه الجواب في التمليك اختلف فيه هل هو من القسم الأول فلا يقدح فيه التأخر أو من الثاني فيقدح روايتان عن مالك قال اللخمي وأرى إمهال المرأة ثلاثة أيام كالمصراة والشفعة لما في الفرق من الصعوبة قال الشيخ أبو الوليد بن رشد في المقدمات كان مالك يقول للمملكة والمخيرة الخيار في المجلس فقط كالمبايعة ثم رجع إلى أن ذلك لها وإن افترقا لاحتياجها للمشاورة وهذا إذا باشرها أو وكيله فإن كتب إليها أو أرسل رسولا أو علق على شرط لم يختلف قوله في تمادي ذلك ما لم يطل طولا يدل على الرضى بالإسقاط نحو أكثر من شهرين لأن كلام الزوج سؤال يتصل به جوابه وجوابه للرسالة مع مرسله
    الفرق السابع والستون والمائة بين قاعدة خيار التمليك في الزوجات وبين قاعدة تخيير الإماء في العتق أنه يجوز في الأول أن يقول الزوج لامرأته إذا غبت عنك فأمرك بيدك فتقول المرأة
    هامش أنوار البروق
    فارغه
    هامش إدرار الشروق
    لها وإن افترقا لاحتياجها للمشاورة
    وهذا إذا باشرها أو وكيله فإن كتب إليها أو أرسل رسولا أو علق على شرط لم يختلف قوله في تمادي ذلك ما لم يطل طولا يدل على الرضا بالإسقاط بأن يطول نحو أكثر من شهرين لأن كلام الزوج سؤال يتصل به جوابه وجوابه للرسالة مع مرسله قال الخرشي إذا ملكها تمليكا مطلقا أو خيرها تخييرا مطلقا أي عاريا عن التقييد بالزمان والمكان فلمالك قولان مرويان عنه قول رجع إليه أنهما بيدها ما لم توقف عند حاكم أو توطأ أي تمكن من ذلك طائعة قالت في المجلس قبلت أم لا والذي رجع عنه أنهما بيدها في المجلس فقط وإن تفرقا بعد إمكان القضاء فلا شيء لها وإن وثب أي قام حين ملكها يريد قطع ذلك عنها لم ينفعه وحد ذلك إذا قعد معها قدر ما يرى الناس أنها تختار في مثله ولم يقم فرارا وإن ذهب عامة النهار وعلم أنهما قد تركا ذلك وخرجا إلى غيره فلا خيار لها والمدار على الخروج من ذلك إلى غيره وأخذ ابن القاسم بهذا القول المرجوع عنه المتيطي وبه العمل وعليه جمهور أصحابنا وقد رجع مالك آخرا إلى هذا القول المرجوع عنه واستمر عليه إلى أن مات ا ه بتصرف قال اللخمي وأرى إمهال المرأة ثلاثة أيام كالمصراة والشفعة لما في الفراق من الصعوبة وسيأتي الفرق بين التخيير والتمليك فترقب والله أعلم
    الفرق السابع والستون والمائة بين قاعدة خيار التمليك في الزوجات وبين قاعدة تخيير الإماء في العتق من حيث إنه يجوز في الأول أن يقول الزوج لامرأته إذا غبت عنك فأمرك بيدك فتقول المرأة متى غبت عني فقد اخترت نفسي فيلزمه ذلك ولا يجوز في الثاني أن يحلف سيد الأمة بحريتها بأن يقول إن لم أصم فأنت حرة أو إن زنيت فتقول إن فعلت فقد اخترت نفسي فإذا قالت ذلك لا يلزمه وذلك أن القاعدة التي تقدمت مبسوطة هي أن كل حكم وقع قبل سببه وشرطه لا ينعقد إجماعا وبعدهما ينعقد إجماعا وبينهما
    ____________________
    (3/319)
    متى غبت عني فقد اخترت نفسي فإن ذلك يلزمه بخلاف الأمة يحلف سيدها بحريتها فتقول إن فعلت فقد اخترت نفسي فإن ذلك لا يلزمه وسأل عبد الملك بن الماجشون مالكا عن الفرق بين البابين فقال له مالك أتعرف دار قدامة ودار قدامة يلعب فيها بالحمام بالمدينة فشق ذلك على عبد الملك والفرق أن الزوج أذن للحرة في القضاء الآن على ذلك التقدير والحلف بحرية الأمة لم يأذن وإنما قصد حث نفسه باليمين على الفعل أو زجرها عنه وإنما يستويان إذا قالت الحرة إن ملكتني فقد اخترت نفسي ويرد عليه أن الله تعالى قد أذن للأمة في القضاء على ذلك التقدير وهو العتق كما أذن للزوج وجوابه إذن الله تعالى على التقادير لا يترتب عليه صحة التصرف قبل وجود التقادير بدليل إسقاط الشفعة قبل البيع والإذن من الوارث في التصرف قبل مرض الموت وصرف الزكاة قبل ملك النصاب والتكفير قبل الحنث في اليمين فإن هذه التصرفات حينئذ كلها باطلة وإن كان الشارع رتبها وأذن فيها على تلك التقادير لأن القاعدة أن كل حكم وقع قبل سببه وشرطه لا ينعقد إجماعا وبعدهما ينعقد إجماعا وبينهما في النفوذ قولان وقد تقدمت هذه القاعدة مبسوطة فالحرة وجد في حقها سبب وهو قول الزوج مع إذن الشرع المقدر والأمة انفرد في حقها الإذن المقدر فقط ولأن القاعدة أيضا أن حقوق العباد إنما تسقط بإذن العباد
    وقد تقدمت أيضا هذه القاعدة ونظرت الوديعة والعارية إذا هلكت بإذن ربها لا يضمن وبإذن صاحب الشرع يضمن ومسائل معها قال اللخمي وسوى أصبغ الإماء بالزوجات وسوى أشهب الزوجات بالإماء لعدم ما يترتب عليه الإخبار
    هامش أنوار البروق
    فارغه
    هامش إدرار الشروق
    في النفوذ قولان والحرة وجد في حقها سبب وهو قول الزوج المقتضي إذنها في القضاء الآن على ذلك التقدير مع إذن الشرع المقدر فلم يقع قضاؤها إلا بعد سببه وشرطه والأمة انفرد في حقها الإذن المقدر فقط فإن الله قد أذن لها في القضاء على ذلك التقدير وهو العتق المتوقف على حصول المعلق عليه ولم يحصل فوقع قضاؤها بعد شرطه وقبل سببه ضرورة أن الحالف بحريتها لم يأذن وإنما قصد حث نفسه باليمين على الفعل أو زجرها عنه
    وأما الزوج فأذن للحرة القضاء الآن على ذلك التقدير وهو غيبته عنها والقاعدة التي تقدمت أيضا أن حقوق العباد إنما تسقط بإذن العباد فلذا جرى الخلاف في نفوذ قضائها كالزوجات قال اللخمي وسوى أصبغ الإماء بالزوجات وعدم نفوذه وهو قول مالك المبني عليه الفرق وقد سأل عبد الملك بن الماجشون مالكا عن الفرق بين البابين فقال له مالك أتعرف دار قدامة ودار قدامة يلعب فيها بالحمام بالمدينة فشق ذلك على عبد الملك نعم سوى أشهب الزوجات بالإماء لعدم ما يترتب عليه الاختيار فافهم ولا يستويان عند مالك إلا إذا قالت الحرة إن ملكتني فقد اخترت نفسي هذا تهذيب ما في الأصل قال ابن الشاط وما قاله في هذا الفرق فيه نظر ا ه
    ووجهه ما علل به أشهب قوله بتسوية الزوجات بالإماء فافهم والله سبحانه وتعالى أعلم
    ____________________
    (3/320)
    الفرق الثامن والستون والمائة بين قاعدة التمليك وقاعدة التخيير اعلم أن موضوع التمليك عند مالك أصل الطلاق من غير إشعار بالبينونة ولا بالعدد فلها أن تقضي بأي ذلك شاءت وموضوع التخيير عندنا الثلاث قبل البناء وبعده ومقصوده البينونة فلذلك تقبل نية الزوج فيما دون الثلاث قبل البناء لحصول المقصود وهو البينونة بالواحدة حينئذ دون ما بعد البناء لأنه صريح في البينونة لا يقبل المجاز كالثلاث إذا نطق بها قال القاضي عياض في كتاب التنبيهات في التخيير سبعة أقوال المشهور هو الثلاث نوتها المرأة أم لا فإن قضت بدونها فهل يسقط خيارها خلاف والثلاث
    وإن نوت دونها قال عبد الملك وواحدة بائنة وللزوج المناكرة في الثلاث وطلقة واحدة بائنة عند ابن
    هامش أنوار البروق
    قال الفرق الثامن والستون بعد المائة بين قاعدة التمليك وقاعدة التخيير قلت أكثر ما قاله فيه حكاية خلاف وتوجيه ولا كلام في ذلك وما قاله من أن مالكا رضي الله تعالى عنه إنما بنى على عرف زمانه هو الظاهر وما قاله من لزوم تغير الفتوى عند تغير العرف صحيح والله أعلم
    هامش إدرار الشروق
    الفرق الثامن والستون والمائة بين قاعدة التمليك وقاعدة التخيير على مشهور مذهب مالك رحمه الله تعالى من أن التمليك جعل الزوج المسلم المكلف إنشاء الطلاق حقا للزوجة وكذا لغيرها راجحا في الثلاث يخص بما دونها بنية والتخيير جعله إنشاء الطلاق ثلاثا حكما أو نصا عليها حقا لها وكذا لغيرها كما لابن عرفة فموضوع التمليك على هذا أصل الطلاق من غير إشعار بالبينونة ولا بالعدد فلها أن تقضي بأي ذلك شاءت وموضوع التخيير على هذا الثلاث قبل البناء وبعده ومقصوده البينونة فلذلك تقبل نية الزوج فيما دون الثلاث قبل البناء لحصول المقصود وهو البينونة بالواحدة حينئذ دون ما بعد البناء لأنه أي التخيير حينئذ صريح في البينونة لا يقبل المجاز كالثلاث إذا نطق بها وليس له عزلها فيهما لأنه جعل لها ما كان بيده من العصمة
    وأخرجه عنه بخلاف الوكالة قال الحطاب لأن الوكيل يفعل ذلك على سبيل الوكالة عمن وكله والمملك والمخير إنما يفعلان ذلك عن نفسهما لأنهما ملكا ما كان يملكه الزوج ا ه
    قال حفيد ابن رشد في بدايته فرأي مالك أن قوله لها اختاريني أو اختاري نفسك أنه ظاهر بعرف الشرع في معنى البينونة بتخيير رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه لأن المفهوم منه إنما كان البينونة ورأى أنه لا
    ____________________
    (3/321)
    الجهم وعمر وعلي رضي الله عنهما وثلاث إن قالت اخترت نفسي وواحدة بائنة إن اختارت زوجها أو ردت الخيار عليه مروي عن مالك وطلقة رجعية عند أبي يوسف وأسقط أبو حنيفة حكمه مطلقا واتفق الشافعي وأبو حنيفة وابن حنبل على أنه كناية لا يلزم به شيء إلا بالنية لأن لفظ التخيير يحتمل التخيير في الطلاق وغيره فإن أراد الطلاق فيحتمل الوحدة والكثرة والأصل بقاء العصمة حتى ينوي وقد اعتمد الأصحاب على مدارك أحدها قوله تعالى يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها الآية قالوا هذه الآية تدل على البيونة بالثلاث وقد أجاب اللخمي من أصحابنا عنها بأربعة أوجه أحدها أنه عليه السلام كان المطلق لا النساء لقوله تعالى وأسرحكن سراحا
    هامش أنوار البروق
    هامش إدرار الشروق
    يقبل قول الزوج في التمليك أنه لم يرد به طلاقا إذا زعم ذلك لأنه لفظ ظاهر في معنى جعل الطلاق بيدها قال وصار جمهور الفقهاء إلى أن التخيير والتمليك واحد في الحكم لأن من عرف دلالة اللغة أن من ملك إنسانا أمرا من الأمور إن شاء أن يفعله أو لا يفعله فإنه قد خيره ا ه
    محل الحاجة منه واختلفوا في الحكم الواحد الذي وقع اشتراكهما فيه فقال الشافعي اختاري وأمرك بيدك سواء ولا يكون ذلك طلاقا إلا أن ينويه وإن نواه فهو ما أراد إن واحدة فواحدة رجعية وإن ثلاثا فثلاث فله عنده أن يناكرها في الطلاق نفسه وفي العدد في الخيار أو التمليك نعم التمليك عنده إذا أراد به الطلاق كالوكالة وله أن يرجع في ذلك متى أحب ذلك ما لم يوقع الطلاق وقال الثوري الخيار والتمليك واحد لا فرق بينهما وقد قيل القول قولها في أعداد الطلاق في التمليك وليس للزوج مناكرتها وهذا القول مروي عن علي وابن المسيب وبه قال الزهري وعطاء
    وقد قيل إنه ليس للمرأة في التمليك إلا أن تطلق نفسها تطليقة واحدة رجعية وذلك مروي عن ابن مسعود وعمر رضي الله عنهما روي أنه جاء ابن مسعود رجل فقال كان بيني وبين امرأتي بعض ما يكون بين الناس فقالت لو أن الذي بيدك من أمري بيدي لعلمت كيف أصنع قال فإن الذي بيدي من أمرك بيدك قالت فأنت طالق ثلاثا قال أراها واحدة وأنت أحق بها ما دامت في عدتها وسألقى أمير المؤمنين عمر ثم لقيه فقص عليه القصة فقال صنع الله بالرجال وفعل يعمدون إلى ما جعل الله في أيديهم فيجعلونه بأيدي النساء بفيها التراب ماذا قلت فيها قال قلت أراها واحدة وهو أحق بها قال وأنا أرى ذلك ولو رأيت غير ذلك علمت أنك لم تصب وقد قيل ليس التمليك بشيء لأن ما جعل الشرع بيد الرجل ليس يجوز أن يرجع إلى يد المرأة بجعل جاعل وكذلك التخيير وهو قول ابن محمد بن حزم قال ومعنى ما ثبت من تخيير رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه أنهن لو اخترن أنفسهن طلقهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أنهن كن يطلقن بنفس اختيار الطلاق كما في بداية المجتهد لحفيد ابن رشد وخلاصته أن الحكم الذي قيل باشتراكهما فيه إما عدم لزوم شيء إلا ما أراده إن واحدة فواحدة رجعية وإن ثلاثا فثلاث فله مناكرتها في الطلاق نفسه وفي العدد وإما ما قالته من العدد وليس له مناكرتها وإما لزوم طلقة رجعية ولو أوقعت أكثر وإما أنه لغو لا يلزم به شيء مطلقا وفرق
    ____________________
    (3/322)
    جميلا وثانيها سلمنا أن الأزواج كن اللائي طلقن لكن السراح لا يوجب إلا واحدة كما لو قال سرحتك وثالثها سلمنا أنه الثلاث لكنه مختص به عليه السلام لأن تحريم الطلاق الثلاث معلل بالندم وهو عليه السلام أملك لنفسه منا ورابعها أن التخيير إنما كان بين الحياة الدنيا والدار الآخرة
    هامش أنوار البروق
    هامش إدرار الشروق
    أبو حنيفة وأصحابه بينهما بغير ما فرق به بينهما مشهور مالك فقالوا الخيار ليس بطلاق أي لا صريح ولا ظاهر بل كناية خفية لا يلزم به شيء إلا بالنية لما سيأتي وأما التمليك فإن طلقت نفسها واحدة فهي بائنة كما في بداية المجتهد وفرق ابن حنبل بينهما بغير ما ذكر قال الشيخ منصور بن إدريس الحنبلي في كشاف القناع على الإقناع مع المتن
    وإذا قال لامرأته أمرك بيدك فهو توكيل منه لها في الطلاق لأنه أذن لها فيه ولا يتقيد ذلك بالمجلس بل هو على التراخي ما لم يفسخ أو يطأ لقول علي ولم يعرف له مخالف في الصحابة فكان كالإجماع ولأنه نوع تملك في الطلاق فملكه المفوض إليه في المجلس وبعده كما لو جعله لأجنبي ولها أن تطلق نفسها ثلاثا أفتى به أحمد مرارا ورواه البخاري في تاريخه عن عثمان
    وقال علي وابن عمر وابن عباس وفضالة ونضرة في الشرح لما روى أبو داود والترمذي بإسناد رجاله ثقات عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هو ثلاث قال البخاري هو موقوف على أبي هريرة ولأنه يقتضي العموم في جميع أمرها لأنه اسم جنس مضاف فيتناول الطلقات الثلاث كقوله طلقي نفسك ما شئت ولا يقبل قوله أردت واحدة ولا يدين لأنه خلاف مقتضى اللفظ وكذلك الحكم إن جعل أمرها في يد غيرها أي الزوجة بأن جعل أمرها بيد زيد مثلا فله أن يطلقها ثلاثا ما لم يفسخ أو يطأ
    وإن قال لها اختاري نفسك لم يكن لها أن تطلق نفسها أكثر من واحدة وتقع رجعية حكاه أحمد عن ابن عمر وابن مسعود وزيد بن ثابت وعائشة وغيرهم ولأن اختاري تفويض معين فيتناول أقل ما يقع عليه الاسم وهو طلقة رجعية لأنها بغير عوض بخلاف أمرك بيدك فإنه أمر مضاف فيتناول جميع أمرها إلا أن يجعل إليها أكثر من ذلك أي من واحدة سواء جعله بلفظه بأن يقول اختاري ما شئت أو اختاري الطلقات إن شئت أو جعله بنية بأن ينوي بقوله اختاري عددا اثنين أو ثلاثا لأنه كناية خفية فيرجع فيما يقع بها إلى نيته كسائر الكنايات الخفية وإن نوى الزوج ثلاثا فطلقت أقل منها أي من ثلاث كاثنين أو واحدة وقع ما طلقته دون ما نواه لأن النية لا يقع بها الطلاق وإنما يقع بتطليقها ولذا لو لم تطلق لم يقع شيء ا ه محل الحاجة منه ومقابل المشهور عندنا قولان أحدهما ما قاله عبد الملك من التفرق بينهما وأن التخيير ثلاث وإن نوت دونها وثانيهما ما روي عن مالك من التفرقة بينهما وأن التخيير ثلاث إن قالت اخترت نفسي وواحدة بائنة إن اختارت زوجها أو ردت الخيار عليه حكاها الأصل عن عياض في كتاب التنبيهات وأما التمليك فعلى ما مر عن مالك فالتشهير فيما تقدم إنما هو باعتبار التخيير لا التمليك فإن موضوعه عندنا أصل الطلاق فقط كما علمت فهو كناية ظاهرة يلزم به طلقة رجعية إن لم توقع أكثر وعند الشافعي هو كناية خفية كالتخيير يرجع فيما يقع بكل منهما إلى نية وقد قيل هو على ما تقوله من إعداد الطلاق وليس للزوج مناكرتها كالتخيير وقيل هو كالتخيير طلقة رجعية ولو أوقعت أكثر وقيل هو
    ____________________
    (3/323)
    وثانيها أن إحدى نسائه عليه السلام اختارت نفسها فكانت ألبتة فكان ذلك أصلا في الخيار قال اللخمي وهو غير صحيح والذي في الصحيحين أن عائشة رضي الله عنها قالت إني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ثم فعل أزواجه مثل ذلك وثالثها أن المفهوم من هذا اللفظ عادة إنما هو التخيير في الكون في العصمة أو مفارقتها هذا هو السابق للفهم من قول القائل لزوجته خيرتك والأئمة الثلاثة ينازعون في
    هامش أنوار البروق
    هامش إدرار الشروق
    كالتخيير لغوا لا يلزم به شيء أصلا
    وقيل هو خلاف التخيير كناية خفية لا يلزم به إلا ما نواه وقيل هو غير التخيير يلزم به ما قالته من إعداد الطلاق فإن أوقعت واحدة فبائنة فالأقوال فيه سبعة شارك التخيير في أربعة وخالفه في ثلاثة وحكي الأصل في التخيير عن القاضي عياض في كتاب التنبيهات سبعة أقوال أيضا الأول وهو المشهور عندنا الثلاث نوتها المرأة أم لا فإن قضت بدونها فهل يسقط خيارها خلاف القول الثاني لعبد الملك من أصحابنا الثلاث وإن نوت دونها القول الثالث وهو مروي عن مالك الثلاث إن قالت اخترت نفسي وواحدة بائنة إن اختارت زوجها أو أرادت الخيار عليه وهذان القولان مقابلا المشهور عندنا وعلى كل من هذه الثلاثة التخيير خلاف التمليك فإن موضوع التمليك أصل الطلاق كما علمت القول الرابع أنه واحدة بائنة وللزوج المناكرة في الثلاث ولم ينسبه عياض لأحد ولم يظهر عليه إلا كون التمليك بخلافه فقط إذ لم يقل أحد بهذا القول فيه فافهم القول الخامس لابن الجهم وعمر وعلي رضي الله عنهما أنه طلقة واحدة بائنة والذي يظهر أنه على هذا ليس للزوج المناكرة في الثلاث كما مر عن حفيد ابن رشد في التمليك من أن المروي عن علي وابن المسيب فيه وبه قال الزهري وعطاء هو أن القول قولها في أعداد الطلاق وليس للزوج مناكرتها فتأمل القول السادس أنه طلقة رجعية ولو أوقعت أكثر وهو إما أن ينسب لأبي يوسف كما قال عياض وعليه فهو إما بخلاف التمليك فإنه طلقة بائنة كما مر عن أبي حنيفة وإما كالتمليك كما مر عن حفيد ابن رشد أنه روى عن ابن مسعود وعمر أنه لا يلزم التمليك إلا طلقة واحدة رجعية ولو أوقعت ثلاثا وإما أن ينسب لابن حنبل فيكون خلاف التمليك لأنه عنده كالتوكيل يلزم به ما قالته فإن أوقعت واحدة فبائنة كما مر عن الشيخ منصور بن إدريس الحنبلي فتنبه القول السابع أنه كناية خفية لا يلزم به شيء إلا بالنية وحكي الأصل عن عياض أنه اتفق عليه الشافعي وأبو حنيفة وابن حنبل وأنهم عللوا ذلك بأن لفظ التخيير يحتمل التخيير في الطلاق وغيره فإن أراد الطلاق فيحتمل الوحدة والكثرة والأصل بقاء العصمة حتى ينوي ا ه
    والذي يؤخذ مما تقدم أن معتمد مذهب ابن حنبل أنه طلقة رجعية ولو أوقعت أكثر لما تقدم عن الشيخ منصور الحنبلي وأنه خلاف التمليك إذ التمليك كالتوكيل القول قولها فيما توقعه فإن أوقعت واحدة فبائنة وأن الذي اتفق على هذا إنما هو الشافعي وأبو حنيفة على أنهما اختلفا مع ذلك في التمليك فقال الشافعي هو كالتخيير في هذا الحكم وقال أبو حنيفة هو بخلاف لأنها إن طلقت نفسها واحدة فيه
    ____________________
    (3/324)
    أن هذا هو المفهوم عادة والصحيح الذي يظهر لي أن قول الأئمة هو مقتضى اللفظ لغة لا مرية في ذلك وإن مالكا رحمه الله أفتى بالثلاث والبيونة كما تقدم بناء على عادة كانت في زمانه أوجبت نقل اللفظ عن مسماه اللغوي إلى هذا المفهوم فصار صريحا فيه وهذا هو الذي يتجه وهو سر الفرق بين قاعدة التخيير والتمليك غير أنه يلزم عليه أن هذا الحكم قد بطل وتغيرت الفتيا ويجب الرجوع إلى اللغة كما قاله الأئمة وتصير كناية محضة
    هامش أنوار البروق
    فارغه
    هامش إدرار الشروق
    فهي بائنة كما تقدم عن حفيد ابن رشد فتأمل ذلك واعتمد أصحابنا في الاستدلال لمشهور مالك المتقدم على ثلاثة مدارك المدرك الأول قوله تعالى يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها
    الآية
    قالوا هذه الآية تدل على البينونة بالثلاث المدرك الثاني أن إحدى نسائه عليه السلام اختارت نفسها فكانت ألبتة فكان ذلك أصلا في الخيار المدرك الثالث أن المفهوم من هذا اللفظ عادة إنما هو التخيير في الكون في العصمة أو مفارقتها هذا هو السابق للفهم من قول القائل لزوجته خيرتك وتعقب اللخمي المدرك الأول بأربعة أوجه الأول أنه عليه السلام كان المطلق لا النساء لقوله تعالى وأسرحكن سراحا جميلا الوجه الثاني سلمنا أن الأزواج كن اللاتي طلقن لكن السراح لا يوجب إلا واحدة كما لو قال سرحتك الوجه الثالث سلمنا أنه الثلاث لكنه مختص به عليه السلام لأن تحريم الطلاق الثلاث معلل بالندم وهو عليه السلام أملك لنفسه منا الوجه الرابع أن التخيير إنما كان بين الحياة الدنيا والدار الآخرة وتعقب المدرك الثاني بأنه غير صحيح والذي في الصحيحين أن عائشة رضي الله عنها قالت إني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ثم فعل أزواجه مثل ذلك والأئمة الثلاثة ينازعون في أن هذا أي التخيير في الكون في العصمة أو مفارقتها هو المفهوم عادة لكن في شرح الحطاب على المختصر كما في البناني على ابن عبق أن الفرق بين التخيير والتمليك قيل أمر عرفي لا مشاركة للغة فيه فقولهم في المشهور إن للزوج أن يناكر المملكة دون المخيرة إنما هو أمر مستفاد من العرف وعلى هذا ينعكس الحكم بانعكاس العرف وقيل هو وإن كان تابعا للعرف إلا أن العرف تابع للغة أو قريب منها لأن التمليك إعطاء ما لم يكن حاصلا فلذلك قلنا إن للزوج أن يناكرها لأن الأصل بقاء ملكه بيده فلا يلزمه إلا ما اعترف أنه إعطاء
    وأما التخيير فقال أهل اللغة خير فلان بين الشيئين إذا جعل له الخيار فيكون تخيير الزوجة معناه أن الزوج فوض إليها البقاء على العصمة والذهاب عنها وذلك إنما يتأتى لها إذا حصلت على حال لا يبقى للزوج عليها حكم وإنما يكون ذلك بعد الدخول في إيقاع الثلاث نظر ضيح وابن عبد السلام ا ه
    وقال الأصل والصحيح الذي يظهر لي أن قول الأئمة هو مقتضى اللفظ لغة لا مرية في ذلك وأن مالكا رحمه الله أفتى بالثلاث والبينونة كما تقدم بناء على عادة كانت في زمانه أوجبت نقل اللفظ عن مسماه اللغوي إلى هذا المفهوم فصار صريحا فيه وهذا هو الذي يتجه وهو سر الفرق بين قاعدة التخيير
    ____________________
    (3/325)
    بسبب أن العرف قد تغير حتى لم يصر أحد يستعمل هذا اللفظ إلا في غاية الندرة فضلا عن كثرة الاستعمال التي تصيره منقولا والقاعدة أن اللفظ متى كان الحكم فيه مضافا لنقل عادي بطل ذلك الحكم عند بطلان تلك العادة وتغير إلى حكم آخر إن شهدت له عادة أخرى فهذا هو الفقه المتجه
    الفرق التاسع والستون والمائة بين قاعدة ضم الشهادتين في الأقوال وبين قاعدة عدم ضمها في الأفعال
    هامش أنوار البروق
    قال الفرق التاسع والستون والمائة بين قاعدة ضم الشهادة في الأقوال وبين قاعدة عدم ضمها في الأفعال
    هامش إدرار الشروق
    وقاعدة التمليك غير أنه يلزم عليه بطلان هذا الحكم اليوم ووجوب الرجوع إلى اللغة ويكون كناية محضة كما قاله الأئمة بسبب أن العرف قد تغير حتى لم يصر أحد يستعمل هذا اللفظ إلا في غاية الندرة فضلا عن كثرة الاستعمال التي تصيره منقولا والقاعدة أن اللفظ متى كان الحكم فيه مضافا لحكم عادي بطل ذلك الحكم عند بطلان تلك العادة وتغير إلى حكم آخر إن شهدت له عادة أخرى فهذا هو الفقه المتجه ا ه وكتب عليه ابن الشاط ما نصه ما قاله من أن مالكا رضي الله تعالى عنه إنما بنى على عرف زمانه هو الظاهر وما قاله من لزوم تغير الفتوى عند تغير العرف صحيح ا ه منه والله أعلم مسألة قال الخرشي عند قول خليل في جواز التخيير قولان أي وكراهته وهذا يجري في المدخول بها وغيرها لأن موضعه الثلاث
    وأما كونه يناكر غير المدخول بها فهذا شيء آخر ولم يتفقوا على كراهته مع أن موضعه الثلاث نظرا لمقصوده إذ هو البينونة التي قد تكون بواحدة كما في الخلع والطلاق قبل الدخول وإن كانت بحسب ما هنا إنما تكون بالثلاث وينبغي جري الخلاف في التمليك إذا قيد بالثلاث وإلا فهو مباح وانظر التوكيل إذا قيد بالثلاث والظاهر الكراهة قطعا ا ه
    قال العدوي عليه ووجهه إما أن الموكل داخل على الثلاث بخلاف المخير وكذا الملك إذا قيد بالثلاث فلا يلزم من تخييرها أو تمليكها كونها توقع الطلاق لأن الشأن أن النساء لا يرين الفراق فلذا كان الراجح فيهما الإباحة ويكره في حقها قطعا وقوع الثلاث كما أفاده بعض الشيوخ وإما أن الموكل لما كان له العزل في التوكيل صار كأنه الموقع للثلاث فلذا كره قطعا بخلاف التمليك فإنها الموقعة لها ا ه ببعض تصرف والله سبحانه وتعالى أعلم
    الفرق التاسع والستون والمائة بين قاعدة ضم الشهادة في الأقوال وبين قاعدة عدم ضمها في الأفعال على مشهور مذهب مالك رحمه الله تعالى فقد قال إذا شهد أحد الشاهدين أنه حلف أن لا يدخل الدار
    ____________________
    (3/326)
    اعلم أن مالكا رحمه الله قال إذا شهد أحدهما أنه حلف أن لا يدخل الدار وأنه دخل وشهد الآخر أنه لا يكلم زيدا وأنه كلمه حلف المشهود عليه فإن نكل سجن لأن الشاهدين لم يتفقا على متعلق واحد
    وكذلك إذا اختلفا في العتق على هذه الصورة وقال إذا شهد أحدهما أنه طلقها بمكة في رمضان وشهد الآخر أنه طلقها بمصر في صفر طلقت وكذلك العتق قال ابن يونس ويشترط أن يكون بين البلدين مسافة يمكن قطعها في الأجل الذي بين الشهادتين وتضبط عدتها من يوم شهادة الأخير قلت وينبغي حمل كلامه على العدة في القضاء أما في الحكم فما تعتقده الزوجة في تاريخ الطلاق
    وقال اللخمي قيل تضم الشهادتان في الأقوال والأفعال أو إحداهما قول والأخرى فعل ويقضي بها وقيل لا يضمان مطلقا وقيل يضمان في الأقوال
    هامش أنوار البروق
    قلت ما قاله هنا حكاية أقوال ونحو ذلك ولا كلام فيه قال واعتمد الأصحاب في الفرق بين الأقوال والأفعال أن الأقوال يمكن تكررها ويكون الثاني خبرا عن الأول والأفعال لا يمكن تكررها إلا مع التعدد إلى قوله والحمل على الأصل أولى قلت ما قاله صحيح بناء على ما أصل إلا ما قاله من أن أصل قوله أنت طالق وأنت حر الخبر عن وقوع الطلاق والعتاق قبل زمان النطق فإنه ليس بصحيح فإن الخبر باسم الفاعل المطلق لا يكون إلا للحال
    هامش إدرار الشروق
    وأنه دخل وشهد الآخر أنه لا يكلم زيدا وأنه كلمه حلف المشهود عليه فإن نكل سجن لأن الشاهدين لم يتفقا على متعلق واحد وكذلك إذا اختلفا في العتق على هذه الصورة
    وقال إذا شهد أحدهما أنه طلقها بمكة في رمضان وشهد الآخر أنه طلقها بمصر في صفر طلقت وكذلك العتق قال ابن يونس ويشترط أن يكون بين البلدين مسافة يمكن قطعها في الأجل الذي بين الشهادتين وتضبط عدتها من يوم شهادة الأخير ا ه
    قال الأصل وينبغي حمل كلامه أي ابن يونس على العدة في القضاء أما في الحكم فما تعتقده الزوجة تاريخ الطلاق ا ه
    وقال اللخمي لو شهد أحدهما بالثلاث قبل أمس والثاني باثنتين أمس والثالث بواحدة اليوم لزم الثلاث لأن ضم الثاني للأول يوجب اثنتين قبل سماع الثالث فلما سمعه الثالث ضم للباقي من الأول وكذلك لو شهد الثاني بواحدة والأخير باثنتين لأن الثاني مع الأول طلقتان يضم إليهما طلقة أخرى وكذلك لو شهد الأول باثنتين والثاني بثلاث والأخير بواحدة هذا إذا علمت التواريخ فإن جهلت يختلف في لزوم الثلاث أو اثنتين لأن الزائد عليهما من باب الطلاق بالشك
    وقال أبو حنيفة رحمه الله إذا شهد أحدهما بطلقة والآخر باثنتين لم يحكم بشيء لعدم حصول النصاب في شهادة منهما فلو شهد أحدهما ببائنة والآخر برجعية ضمت الشهادتان لأن الاختلاف ها هنا إنما هو في الصفة قال الأصل واعتمد الأصحاب في الفرق المذكور بين الأقوال والأفعال على أن الأقوال يمكن تكررها ويكون الثاني خبرا عن الأول والأفعال لا يمكن تكررها إلا مع التعدد وقاعدة أن الأصل في الاستعمال الإنشاء وتجديد المعاني بتجدد الاستعمالات لأنه مقصود الوضع حتى يدل دليل على التأكيد وإن كانت مقتضى عدم ضم الأقوال
    ____________________
    (3/327)
    فقط وقيل يضمان إذا كانتا على فعل فإن كانت إحداهما على قول والأخرى على فعل لم يضما والأقوال كلها لمالك رحمه الله واعتمد الأصحاب في الفرق بين الأقوال والأفعال أن الأقوال يمكن تكررها ويكون الثاني خبرا عن الأول والأفعال لا يمكن تكررها إلا مع التعدد وهذا الفرق فيه بحث وذلك أن الأصل في الاستعمال الإنشاء وتجديد المعاني بتجدد الاستعمالات والتأسيس حتى يدل دليل على التأكيد لأنه مقصود الوضع ومقتضى هذه القاعدة عدم ضم الأقوال والأفعال لعدم وجود النصاب في لفظ واحد منها لكن عارض هذه القاعدة قاعدة أخرى وهي أن أصل قولنا أنت طالق وأنت حر الخبر عن وقوع الطلاق والعتاق قبل زمن من النطق وكذلك بعت واشتريت وسائر صيغ العقود وإنما ينصرف لاستحداث هذه المعاني بالقرائن أو النقل العرفي
    وإنما الأصل
    هامش أنوار البروق
    قال ولذلك شبه الأصحاب بما لو أقر بمال في مجالس فإنه لا يتعدد عليه ما أقر به قلت إنما لم يتعدد عليه ما أقر به لاحتمال تكرر الإقرار بمال واحد مع أن الأصل براءة الذمة من الزائد وكذلك ما نحن فيه من قوله عبدي فلان حر ثم كرر ذلك القول فإنه يحمل على أن الثاني خبر عن الأول بناء على ما أصل من أن الأصل الخبر فيكون حينئذ الشاهدان شهدا على شيء واحد وهو إنشاء العتق في العبد الذي سمي قلت لا أدري ما الحامل على تكلف تقديره كون القول الثاني خبرا عن الأول مع أنه لو بين بقرينة مقاله أو بقرينة حاله أنه يريد بالقول الثاني تأكيد الإنشاء لعتق
    هامش إدرار الشروق
    والأفعال لعدم وجود نصاب الشهادة في لفظ واحد منهما إلا أنه قد عارض هذه القاعدة قاعدة أخرى وهي أن أصل قولنا أنت طالق وأنت حر الخبر عن وقوع الطلاق والعتق قبل زمن النطق وكذلك بعت واشتريت وسائر صيغ العقود فإذا أجمعنا على أن القول الأول في المرة الأولى الذي في شهادة الشاهد الأول محمول على الإنشاء لا على الخبر ضرورة القضاء فيه بالطلاق والعتاق ولو كان المعتبر فيه الخبر دون الإنشاء أو أنه متردد بينهما على السواء لم يقض بطلاق ولا بعتاق ألبتة كما نفعله في جميع الألفاظ المترددة كان القول الثاني في المرة الثانية الذي في شهادة الشاهد الآخر صالحا للإخبار والإنشاء لأنه إنما ينصرف عن أصله الذي هو الخبر إلى إنشاء هذه المعاني واستحداثها بالقرائن أو النقل العرفي وشهادتهما بالقرائن شهادة بقول يصلح لهما فيحمل على الإخبار عملا بقاعدة ترجيح الأصل الذي هو الخبر والحمل على الأصل أولى ولذلك شبهه الأصحاب بما لو أقر بمال في مجالس فإنه لا يتعدد عليه ما أقر به أي لاحتمال تكرر الإقرار بمال واحد مع أن الأصل براءة الذمة من الزائد
    وكذلك ما نحن فيه من قوله عبدي فلان حر ثم كرر ذلك القول فإنه يحمل على أن الثاني خبر عن الأول بناء على أن الأصل الخبر فيكون حينئذ الشاهدان شهدا على شيء واحد وهو إنشاء العتق في العبد الذي سمي كما قاله ابن الشاط ولما كان لفظ الإنشاء ولفظ الخبر صورتهما واحدة شرع ضم الثاني إلى الأول فيجتمع نصاب الشهادة في شيء واحد فيلزم الطلاق والعتاق
    وأما الفعل الثاني فلا يمكن أن يكون عين الأول لأنه لا يصلح أن يكون خبرا عنه فإن الخبر من
    ____________________
    (3/328)
    الخبر فشهادتهما بالقرائن شهادة بقول يصلح للإخبار والإنشاء فيحمل القول الثاني على الإخبار في المرة الثانية عملا بقاعدة ترجيح الأصل الذي هو الخبر والحمل على الأصل أولى ولذلك شبه الأصحاب بما لو أقر بمال في مجالس فإنه لا يتعدد عليه ما أقر به أما لو فرضنا كل واحد من الشاهدين صمم على الإنشاء فيما سمعه كانت الأقوال كالأفعال في مقتضى كلام الأصحاب ومقتضى القواعد فيكون سر الفرق على المشهور أنه أنشأ أولا وأخبر ثانيا عن ذلك الإنشاء ولما كان لفظ الإنشاء ولفظ الخبر صورتهما واحدة شرع ضم الثاني إلى الأول فيجتمع النصاب في شيء واحد فيلزم الطلاق والعتاق وأما الفعل الثاني فلا يمكن أن يكون عين الأول لأنه لا يصلح أن يكون خبرا عنه فإن الخبر من خصائص الأقوال فصار مشهودا به آخر يحتاج إلى نصاب كامل في
    هامش أنوار البروق
    ذلك العبد لكملت شهادة الشاهدين بذلك العتق
    وكذلك لو تبين بالقرائن أن القول الأول خبر عن أنه كان عقد عتقه والقول الثاني أيضا كذلك لحصلت شهادة شاهدين على إقراره بعتقه فلا فرق إذا بين ما إذا كان القولان إنشاء أو كانا خبرا أو كان أحدهما خبرا والآخر إنشاء من حيث إن المقصود وهو وقوع عتقه إياه قد حصل على كل تقدير من تلك التقادير نعم إذا تبين بالقرائن أو احتمل أن القول الثاني تأسيس إنشاء كالأول فها هنا لا يصح ضم الشهادتين المختلفتي التاريخ لأنه لا يكون على عقد العتق إلا شاهد واحد وهو الأول
    هامش إدرار الشروق
    خصائص الأقوال فصار مشهودا به غير الأول فيحتاج إلى نصاب كامل في نفسه هذا هو سر الفرق نعم لو فرضنا كل واحد من الشاهدين صمم على الإنشاء فيما سمعه كانت الأقوال كالأفعال في مقتضى كلام الأصحاب ومقتضى القواعد ا ه كلام الأصل بتهذيب وتعقبه الإمام ابن الشاط بوجوه الوجه الأول أن ما قاله من أن أصل قوله أنت طالق وأنت حر الخبر عن وقوع الطلاق والعتاق قبل زمان النطق ليس بصحيح فإن الخبر باسم الفاعل المطلق لا يكون إلا للحال ا ه بلفظه وفيه أنه إن أراد اتفاقا فغير مسلم لقول العلامة الخفاجي في طراز المجالس ذهب قوم إلى أنه لا دلالة أي لاسم الفاعل على زمان أصلا وآخرون إلى أنه حقيقة في الحال والماضي مجاز في غير ذلك وآخرون إلى أنه حقيقة في الحال والمستقبل وقوم إلى أنه حقيقة في الحال فقط وهو المشهور
    ثم إنه هل هو كذلك مطلقا أم إذا ركب مع غيره أم إذا كان محمولا ذهب آخرون إلى أنه كذلك إذا عمل النصب فقط وآخرون فرقوا بين الأعراض السيالة والقارة وفرق قوم بين صفات الله وغيرها ا ه كما في حاشية كنون على عبق قال وعلى قوله أم إذا كان محمولا يأتي ما ذكره ابن الخطيب في الإحالة والسوداني في نيل الابتهاج والمقري في نفح الطيب عن أبي عبد الله المقري قال شهدت مجلسا بين يدي السلطان ابن تاشفين عبد الرحمن بن موسى بن حمو سلطان تلمسان الذي استولى على ملكه أبو الحسن المريني بعد قتله قرأ على أبي زيد ابن الإمام حديث مسلم لقنوا موتاكم إلخ فقال له الأستاذ أبو إسحاق بن حكم السلوى هذا الملقن محتضر حقيقة ميت مجازا فما وجه ترك محتضريكم إلى موتاكم والأصل
    ____________________
    (3/329)
    نفسه فهذا هو سر الفرق ومن لاحظ قاعدة الإنشاء قال بعدم الضم فيهما وهو ظاهر لإجماعنا على أن اللفظ الأول محمول على الإنشاء لا على الخبر وما يقضي إلا به
    ولو كان المعتبر فيه الخبر دون الإنشاء أو هو متردد بينهما على السواء لم يقض بالطلاق ولا بالعتاق ألبتة كما نفعله في جميع الألفاظ المترددة وأما ضم الأفعال مع تعذر الإخبار فيها فملاحظة للمعنى دون خصوص السبب فإن كل شاهد شهد بأنها مطلقة وبأي سبب كان ذلك لا يعرج عليه ولو صرحا بالطلاق هكذا انضمت الشهادات
    وأما عدم الضم إذا كانت إحداهما على قول والأخرى على فعل فلأن ذلك مختلف الجنس والضم إنما يكون في الجنس الواحد وضم الشيء إلى جنسه أقرب من ضمه إلى غير جنسه وإذا شهد بتعليقين على شيء واحد في زمانين كرمضان وصفر كما قال فإنه يجعل التعليق الثاني
    هامش أنوار البروق
    وأما الثاني فإنما شهد بما لا يصح عقد العتق به لأن العقد لا ينعقد فيمن تقدم عتقه
    قال أما لو فرضنا كل واحد من الشاهدين صمم على الإنشاء فيما سمعه كانت الأقوال كالأفعال إلى قوله كالقول في ألفاظ الإنشاءات حرفا بحرف قلت لا أحسب ما بني عليه الفرق من كون القول الثاني خبرا عن الأول صحيحا بل الذي ينبغي أن يكون أصلا في هذه المسائل سواء كانت قولا أو فعلا أم كيفما كان أن ينظر إليها فإن قبلت الضم ضمت وإلا فلا ففي القول كمسألة الإقرار بمال كمن يقول في رمضان لفلان عندي دينار
    هامش إدرار الشروق
    الحقيقة فأجابه أبو زيد بجواب لم يقنعه وكنت قرأت على الأستاذ بعض التنقيح فقلت زعم القرافي أنه إنما يكون حقيقة في الحال مجازا في الاستقبال مختلفا فيه في الماضي إذا كان محكوما به أما إذا كان متعلق الحكم كما هنا فهو حقيقة مطلقا إجماعا وعلى هذا لا مجاز فلا سؤال لا يقال إنه احتج على ذلك بما فيه نظر لأنا نقول إنه نقل الإجماع وهو أحد الأربعة التي لا يطالب مدعيها بالدليل كما ذكره أيضا بل نقول إنه أساء حيث احتج في موضع الوفاق كما أساء اللخمي وغيره في الاستدلال على وجوب الطهارة ونحوها بل هذا أشنع لكونه مما علم من الدين بالضرورة
    ثم إنا لو سلمنا نفي الإجماع فلنا أن نقول إن ذلك إشارة إلى ظهور العلامات التي يعقبها الموت عادة لأن تلقينه قبل ذلك إن لم يدهش فهو يوحش فهو تنبيه على وقت التلقين أي لقنوا من تحكمون بأنه ميت أو نقول إنما عدل عن الاحتضار لما فيه من الإبهام ألا ترى إلى اختلافهم فيه هل أخذ من حضور الملائكة ولا شك أن هذه حالة خفية نحتاج في نصبها دليل الحكم إلى وصف ظاهر يضبطها وهو ما ذكرناه أو من حضور الموت وهو أيضا مما لا يعرف بنفسه بل بالعلامات فلما وجب اعتبارها وجب كون تلك التسمية إشارة إليها والله أعلم ا ه
    وذكر هذه الحكاية أيضا في نوازل الجنائز من المعيار وزاد ما نصه وقال سيدي أبو عبد الله مق لعله من الإيماء إلى علة الحكم والإشارة إلى وقت نفع تلك الكلمة النفع التام وهو الموت عليها لا حال الحياة من احتضار أو غيره أي لقنوهم إياها ليموتوا عليها وتنفع ومثله ولا تموتون إلا وأنتم مسلمون أي دوموا عليه لتموتوا عليه فيتم نفعه والله تعالى أعلم ا ه
    انتهى كلام كنون بلفظه وإن أراد عند الجمهور ورد أن المراد حال التلبس لا حال النطق كما زعم القرافي ففي جمع الجوامع والجمهور على اشتراط بقاء المشتق منه في كون المشتق حقيقة إن أمكن وإلا فآخر جزء
    ____________________
    (3/330)
    خبرا عن التعليق الأول لا إنشاء للربط بل إخبارا عن ارتباط الطلاق بذلك المعنى وفي الأول أنشأ الربط به فالقول في ألفاظ التعاليق كالقول في ألفاظ الإنشاءات حرفا بحرف تفريع قال اللخمي لو شهد أحدهما بالثلاث قبل أمس والثاني باثنتين أمس والثالث بواحدة اليوم لزم الثلاث لأن ضم الثاني للأول يوجب اثنتين قبل سماع الثالث فلما سمعه الثالث ضم للباقي من الأول وكذلك لو شهد الثاني بواحدة والأخير باثنتين لأن الثاني مع الأول طلقتان يضم إليهما طلقة أخرى
    وكذلك لو شهد الأول باثنتين والثاني بثلاث والأخير بواحدة هذا إذا علمت التواريخ فإن جهلت يختلف في لزوم الثلاث أو اثنتين لأن الزائد عليهما من باب الطلاق بالشك
    وقال أبو حنيفة رحمه الله إذا شهد أحدهما بطلقة والآخر بأكثر لم يحكم بشيء لعدم حصول النصاب في شهادة منهما فلو
    هامش أنوار البروق
    فسمعه شاهد ثم يقول في شوال لفلان عندي دينار فسمعه آخر فلا شك أن هذا الموضع يقبل الضم فتكمل الشهادة ويقضى عليه بالدينار وفي الفعل كمن يشرب الخمر في شوال فيشاهده شاهد
    ثم يشربها في ذي القعدة فيشاهده آخر فلا شك أن هذا الموضع يقبل الضم فإن الشاهدين معا قد اجتمعا معا على مشاهدتهما إياه يشرب الخمر فتكمل الشهادة فيلزمه الحد
    وأما القول الذي لا يقبل الضم فكما إذا قال في رمضان عبدي فلان حر على قصد تأسيس الإنشاء لعتقه فشهد عليه بذلك شاهد ثم قال في شوال عبدي فلان حر على ذلك القصد بعينه فيشهد عليه بذلك شاهد
    هامش إدرار الشروق
    وثالثها الوقف ومن ثم كان اسم الفاعل حقيقة في الحال أي حال التلبس لا النطق خلافا للقرافي ا ه
    كما في حاشية كنون على عبق ولا شك أن حال تلبسها بالطلاق والحرية هو الزمن الماضي الذي أنشأ القول الأول فيه فتأمل بإنصاف
    الوجه الثاني أنه لا يدري ما الحامل على تكلف تقديره كون القول الثاني خبرا عن الأول مع أنه لو بين بقرينة حاله أنه يريد بالقول الثاني تأكيد الإنشاء لعتق ذلك العبد لكملت شهادة الشاهدين بذلك العتق وكذلك لو تبين بالقرائن أن القول الأول خبر عن أنه كان عقد عتقه والقول الثاني أيضا كذلك لحصلت شهادة شاهدين على إقراره بعتقه فلا فرق إذا بين ما إذا كان القولان إنشاء أو كانا خبرا أو كان أحدهما خبرا والآخر إنشاء من حيث إن المقصود وهو وقوع عتقه إياه قد حصل على كل تقدير من تلك التقادير نعم إذا تبين بالقرائن أو احتمل أن القول الثاني تأسيس إنشاء كالأول فها هنا لا يصح ضم الشهادتين المختلفتي التاريخ لأنه لا يكون على عقد العتق إلا شاهد وهو الأول وأما الثاني فإنما شهد بما لا يصح عقد العتق به لأن العتق لا ينعقد فيمن تقدم عتقه ا ه
    وفيه أن قوله أو كان أحدهما خبرا والآخر إنشاء يصدق بما إذا كان القول الأول خبرا عن أنه كان عقد عتقه والقول الثاني إنشاء لعتق ذلك العبد كما يصدق بالعكس مع أن كمال نصاب الشهادة إنما يظهر على صدقه على الثاني أما على الأول فلا لاحتمال أن يكون القول الثاني عليه تأسيس إنشاء فتكون الشهادة به شهادة بما لا يصح عقد العتق به لأن العتق إلخ نعم لو قامت قرينة مقاله أو حاله على أنه يريد بالقول الثاني تأكيد الإنشاء لعتق ذلك العبد الذي شهد الشاهد الأول بإقراره به لكملت شهادة الشاهدين بذلك
    ____________________
    (3/331)
    شهد أحدهما ببائنة والآخر برجعية ضمت الشهادتان لأن الاختلاف هاهنا إنما هو في الصفة قال مالك في المدونة إذا شهد أحدهما أنه قال في محرم إن فعلت كذا فامرأتي طالق وشهد الآخر أنه قال ذلك في صفر وشهدا عليه أو غيرهما بالفعل بعد صفر طلقت لاتفاقهما على التعليق والمعلق عليه كما لو اتفقا على المقر به ولو اختلفا في زمن
    هامش أنوار البروق
    آخر وتعذر قبول الضم هنا من قبل أن عقد العتق لا يتعدد وأما الفعل الذي لا يقبل الضم فكما إذا شهد شاهد أنه شاهد زيدا قتل عمرا في شوال وشهد شاهد آخر أنه شاهد قتله في ذي القعدة وتعذر قبول الضم هنا من قبل أن القتل لا يتعدد وعلى ما تقرر تشكل المسألة التي نقل عن مالك رحمه الله من أنه إذا شهد أحد الشاهدين أنه طلقها بمكة في رمضان وشهد الآخر أنه طلقها بمصر
    هامش إدرار الشروق
    العتق على الأول ولك أن تقول إن قوله نعم إن تبين بالقرائن أو احتمل أن القول الثاني تأسيس إلخ يشمل احتمال التأسيس على هذا الأول أيضا فتأمل بإمعان وإنصاف الوجه الثالث أن ما بني عليه الفرق من كون القول الثاني خبرا عن الأول لا أحسبه صحيحا بل الذي ينبغي أن يكون أصلا في هذه المسائل سواء كانت قولا أو فعلا أم كيفما كان أن ينظر إليها فإن قبلت الضم ضمت وإلا فلا فبقي القول كمسألة الإقرار بمال كمن يقول في رمضان لفلان عندي دينار فسمعه شاهد ثم يقول في شوال لفلان عندي دينار فسمعه آخر فلا شك أن هذا الموضع يقبل الضم فتكمل الشهادة ويقضى عليه بالدينار وفي الفعل كمن يشرب الخمر في شوال فيشاهده شاهد ثم يشربها في ذي القعدة فيشاهده آخر فلا شك أن هذا الموضع يقبل الضم فإن الشاهدين معا قد اجتمعا على مشاهدتهما إياه يشرب الخمر فتمكن الشهادة فيلزمه الحد
    وأما القول الذي لا يقبل الضم فكما إذا قال في رمضان عبدي فلان حر على قصد تأسيس الإنشاء لعقده فشهد عليه بذلك شاهد ثم قال في شوال عبدي فلان حر على ذلك القصد بعينه فيشهد عليه بذلك شاهد آخر وتعذر قبول الضم هنا من قبل أن عقد العتق لا يتعدد وأما الفعل الذي لا يقبل الضم فكما إذا شهد شاهد أنه شاهد زيدا قتل عمرا في شوال وشهد شاهد آخر أنه شاهد قتله في ذي القعدة وتعذر قبول الضم هنا من قبل أن القتل لا يتعدد الوجه الرابع أن المسألة التي نقلها عن مالك رحمه الله تعالى من أنه إذا شهد أحد الشاهدين أنه طلقها بمكة في رمضان وشهد الآخر أنه طلقها بمصر في صفر طلقت تشكل على ما تقرر من حيث إن المدة التي بين رمضان وصفر أكثر من مدة العدة فعلى تقدير قصده تأسيس الإنشاء فالقول الثاني لا ينعقد به طلاق لأنها قد انحلت عصمته عنها قبل هذا التاريخ بمقتضى شهادة الأول وعلى تقدير قصد الخبر فالقول الثاني يبعد اطلاع الشاهد على هذا القصد لاحتمال القول الثاني قصد تأسيس الإنشاء وقصد تأكيده وقصد الخبر وترجيح قصد الخبر بأنه الأصل لا يخفى ضعفه والله أعلم ا ه بلفظه
    هذا ومقابل المشهور المذكور أربعة أقوال كلها لمالك رحمه الله حكاها اللخمي قال قيل تضم الشهادتان في الأقوال والأفعال أو أحدهما قول والآخر فعل ويقضي بها وقيل لا يضمان مطلقا وقيل يضمان في الأقوال فقط وقيل يضمان إذا كانتا على فعل فإن كان إحداهما على قول والأخرى على فعل لم يضما ا ه قال الأصل والقول من الأربعة المذكورة لاحظ قاعدة الإنشاء وهو ظاهر لإجماعنا على أن اللفظ الأول محمول على الإنشاء لا على الخبر وأنه لا يقضي إلا به ولو كان المعتبر فيه الخبر دون الإنشاء أو هو متردد بينهما على السواء لم يقض
    ____________________
    (3/332)
    الإقرار وإن شهدا في مجلس التعليق وشهد أحدهما أنه فعل يوم الجمعة الشرط والآخر أنه فعله يوم السبت طلقت لاتفاقهما على التعليق ووقوع الشرط وكذلك لو نسبا قوله لمكانين واعلم أن هذه الإطلاقات إنما تصح إذا حمل الثاني على الخبر أما لو صمم كل واحد على الإنشاء فلا يوجد في هذه المسألة على هذا التقدير الضم في الشهادات وإنما وجد في الإطلاقات المحتملة على ما تقدم بيانه على تلك القواعد المتقدمة
    هامش أنوار البروق
    في صفر طلقت من حيث إن المدة التي بين رمضان وصفر أكثر من مدة العدة فعلى تقدير قصده تأسيس الإنشاء فالقول الثاني لا ينعقد به طلاق لأنها قد انحلت عصمته عنها قبل هذا التاريخ بمقتضى شهادة الأول وعلى تقدير قصد الخبر فالقول الثاني يبعد إطلاع الشاهد على هذا القصد لاحتمال القول الثاني قصد تأسيس الإنشاء وقصد تأكيده وقصد الخبر وترجيح قصد الخبر بأنه الأصل لا يخفى ضعفه والله أعلم وما قاله بعد حكاية أقوال ولا كلام فيها وما قاله من الحمل على الخبر فهو بناء على أصله وما قاله فيما إذا شهد له الإنشاء صحيح والله أعلم
    وما ذكره في الفرق بعده صحيح أيضا
    هامش إدرار الشروق
    بالطلاق ولا بالعتاق ألبتة كما نفعله في جميع الألفاظ المترددة وضم الأفعال على القول الأول والرابع مع تعذر الإخبار فيها ملاحظة للمعنى دون حصول السبب فإن كل شاهد شهد بأنها مطلقة وبأي سبب كان ذلك لا يعرج عليه ولو صرحا بالطلاق هكذا انضمت الشهادات
    وأما عدم الضم الذي صرح به الرابع إذا كانت إحداهما على قول والأخرى على فعل فلان ذلك مختلف الجنس والضم إنما يكون في الجنس الواحد وضم الشيء إلى جنسه أقرب من ضمه إلى غير جنسه فافهم تنبيه قال مالك في المدونة إذا شهد أحدهما أنه قال في محرم إن فعلت فامرأتي طالق وشهد الآخر أنه قال ذلك في صفر وشهدا عليه أو غيرهما بالفعل بعد صفر طلقت لاتفاقهما على التعليق والمعلق عليه كما لو اتفقا على المقر به وله واختلفا في زمن الإقرار وإن شهدا في مجلس على التعليق وشهد أحدهما أنه فعل يوم الجمعة الشرط والآخر أنه فعله يوم السبت طلقت لاتفاقهما على التعليق ووقوع الشرط وكذلك لو نسبا قوله لمكانين ا ه قال الأصل وإنما تصح هذه الإطلاقات إذا حمل الثاني على الخبر أما لو صمم كل واحد على الإنشاء فلا يوجد في هذا التقدير الضم في الشهادات وإنما وجد في الإطلاقات المحتملة على ما تقدم بيانه على تلك القواعد المتقدمة قال فالقول في ألفاظ التعاليق كالقول في ألفاظ الإنشاءات حرفا بحرف فإذا شهدا بتعليقين على شيء واحد في زمانين كرمضان وصفر كما قال يعني مالكا في ألفاظ الإنشاءات فإنه يجعل التعليق الثاني خبرا عن التعليق الأول أي عن ارتباط الطلاق بذلك المعنى لا إنشاء للربط وفي الأول إنشاء الربط بذلك المعنى ا ه قال ابن الشاط ما قاله من الحمل على الخبر أي حمل التعليق الثاني على الخبر فهو بناء على أصله أي وقد تقدم ما فيه وما قاله فيما إذا شهد له الإنشاء صحيح والله أعلم ا ه بلفظه والله سبحانه وتعالى أعلم
    ____________________
    (3/333)
    الفرق السبعون والمائة بين قاعدة ما يلزم الكافر إذا أسلم وقاعدة ما لا يلزمه اعلم أن أحوال الكافر مختلفة إذا أسلم فيلزمه ثمن البياعات وأجر الإجارات ودفع الديون التي اقترضها ونحو ذلك ولا يلزمه من حقوق الآدميين القصاص ولا الغصب والنهب إن كان حربيا وأما الذمي فيلزمه جميع المظالم وردها لأنه عقد الذمة وهو راض بمقتضى عقد الذمة
    وأما الحربي فلم يرض بشيء فلذلك أسقطا عنه الغصوب والنهوب والغارات ونحوها وأما حقوق الله تعالى فلا تلزمه وإن كان ذميا مما تقدم في كفره لا ظهار ولا نذر ولا يمين من الأيمان ولا قضاء الصلوات ولا الزكوات ولا شيء فرط فيه من حقوق الله تعالى لقوله عليه الصلاة والسلام الإسلام يجب ما قبله وضابط الفرق أن حقوق العباد قسمان منها ما رضي به حالة كفره واطمأنت نفسه بدفعه لمستحقه فهذا لا يسقط بالإسلام لأن إلزامه إياه ليس منفرا له عن الإسلام لرضاه وما لم يرض بدفعه
    هامش أنوار البروق
    فارغه
    هامش إدرار الشروق
    الفرق السبعون والمائة بين قاعدة ما يلزم الكافر إذا أسلم وقاعدة ما لا يلزمه من حقوق الله تعالى وحقوق العباد وضابط الفرق وسره أن حقوق الله لا تلزمه مطلقا كانت مما رضي به كالنذور والأيمان أو مما لم يرض به كالصلوات والصيام كان هو حربيا أو ذميا كما لم يرض الحربي حالة كفره بدفعه لمستحقه من العباد كالقتل والغصب ونحو ذلك مما هو من حقوق العباد التي دخل في الإسلام معتمدا على أنه لا يوفيها أهلها فهذا كله يسقط عن الكافر بإسلامه أما حقوق الله فلأمرين الأمر الأول قوله صلى الله عليه وسلم الإسلام يجب ما قبله الأمر الثاني الفرق بين حقوق الله وحقوق الآدميين من وجهين أحدهما أن الإسلام ونحو العبادات لما كانا حقين لجهة واحدة وهي جهة الله تعالى وكان الإسلام أصلا للعبادات ونحوها بحيث تتوقف صحتها عليه ناسب أن يقدم عليها بالترغيب فيه بإسقاطها نظرا لكونه حقا حاصلا لجهة الحق الساقط فتقدم مصلحته على مصلحة ما اتحد معه في الجهة لأصالته لا على ما خالفه فيها كحق الآدميين إذ المناسب أن لا يسقط حقهم بتحصيل حق غيرهم وثانيهما أن الله تعالى كريم جواد تناسب رحمته المسامحة وسقوط حقوقه مطلقا بخلاف العبد فإنه بخيل ضعيف يناسب التمسك بحقه مطلقا إلا أنه جرى فيه التفصيل الآتي لما ستعرفه
    وأما ما لم يرض الحربي حالة كفره بدفعه لمستحقه من العباد كالغصوب والنهوب والغارات ونحوها من حقوق العباد التي دخل إلخ فلأن في إلزامه ما لم يعتقد لزومه تنفيرا له عن الإسلام فقدمت مصلحة الإسلام على مصلحة ذوي الحقوق وأما حقوق الآدميين التي رضي حالة كفره بدفعها لمستحقها من العباد واطمأنت نفسه بذلك فهذا
    ____________________
    (3/334)
    لمستحقه كالقتل والغصب ونحوه فإن هذه الأمور إنما دخل عليها معتمدا على أنه لا يوفيها أهلها فهذا كله يسقط لأن في إلزامه ما لم يعتقد لزومه تنفيرا له عن الإسلام فقدمت مصلحة الإسلام على مصلحة ذوي الحقوق وأما حقوق الله تعالى فتسقط مطلقا رضي بها أم لا والفرق بينها وبين حقوق الآدميين من وجهين أحدهما أن الإسلام حق الله تعالى والعبادات ونحوها حق لله تعالى فلما كان الحقان لجهة واحدة ناسب أن يقدم أحدهما على الآخر ويسقط أحدهما الآخر لحصول الحق الثاني لجهة الحق الساقط
    وأما حق الآدميين فجهة الآدميين والإسلام ليس حقا لهم بل لجهة الله تعالى فناسب أن لا يسقط حقهم بتحصيل حق غيرهم وثانيهما أن الله تعالى كريم جواد تناسب رحمته المسامحة والعبد بخيل ضعيف فناسب ذلك التمسك بحقه فسقطت حقوق الله تعالى مطلقا وإن رضي بها كالنذور والأيمان أو لم يرض بها كالصلوات والصيام ولا يسقط من حقوق العباد إلا ما تقدم الرضى به فهذا هو الفرق بين القاعدتين
    الفرق الحادي والسبعون والمائة بين قاعدة ما يجزئ فيه فعل غير المكلف عنه وبين قاعدة ما لا يجزئ فيه فعل الغير عنه
    هامش أنوار البروق
    قال الفرق الحادي والسبعون والمائة بين قاعدة ما يجزئ فيه فعل غير المكلف عنه وبين قاعدة ما لا يجزئ فيه فعل الغير عنه قلت قد ذكر قبل هذا الفرق العاشر والمائة بين قاعدة ما تصح فيه النيابة وقاعدة ما لا تصح
    هامش إدرار الشروق
    يلزم ولا يسقط عنه بالإسلام لأن إلزامه إياه ليس منفرا له عن الإسلام لرضاه به لكن هذا يختلف بالنسبة للحربي والذمي فالذمي كما يلزمه ثمن البياعات وأجر الإجارات ودفع الديون التي اقترضها ونحو ذلك كذلك يلزمه جميع المظالم وردها كالغصوب والنهوب والغارات ونحوها لأنه عقد الذمة وهو راض بمقتضى عقد الذمة والحربي إنما يلزمه ثمن البياعات وأجر الإجارات ودفع الديون التي اقترضها ونحو ذلك مما رضي به حالة كفره واطمأنت نفسه به وأما الغصوب والنهوب والغارات ونحوها مما لم يرض به حالة كفره فلا يلزمه بل يسقط عنه بإسلامه لما علمت أفاده الأصل وقال ابن الشاط إنه صحيح والله أعلم
    الفرق الحادي والسبعون والمائة بين قاعدة ما يجزئ فيه فعل غير مكلف عنه وبين قاعدة ما لا يجزئ فيه فعل الغير عنه قال الإمام ابن الشاط الفرق العاشر والمائة بين قاعدة ما تصح فيه النيابة وقاعدة ما لا تصح النيابة فيه
    ____________________
    (3/335)
    اعلم أن الأفعال المأمور بها ثلاثة أقسام قسم اتفق الناس على صحة فعل غير المأمور به عن المأمور وذلك كدفع المغصوب للمغصوب منه وإن لم يشعر الغاصب فإن ذلك يسد المسد ويزيل التكليف ودفع النفقات للزوجات والأقارب والدواب فإن دفعها غير من وجب عليه لمن وجبت له أجزأت وإن لم يشعر المأمور بها من زوج أو قربت وكذلك دفع اللقطة لمستحقها وإن لم يشعر ملتقطها وهذا النحو وقسم اتفق الناس على عدم إجزاء فعل غير المأمور به فيه وهو الإيمان والتوحيد والإجلال والتعظيم لله سبحانه وتعالى
    هامش أنوار البروق
    النيابة فيه وهو هذا بعينه غير أنه ذكر هنا مسائل لم يذكرها هناك وقد ذكر بعد هذا في الفرق السادس عشر والمائتين بين قاعدة ما يجوز التوكيل فيه وقاعدة ما لا يجوز التوكيل فيه وهو قريب منه أو هو هو وما قاله بعد إلى آخر القواعد نقل لا كلام فيه وصحيح ظاهر إلا قوله بتقدير ملك المقتول خطأ للدية فإن الصحيح فيها عندي أنه يملكها بإنفاذ المقاتل لا بالزهوق ولكن لا يجب أداؤها إلا بالزهوق كثمن المبيع إلى أجل يدخل في ملك البائع بالعقد ثم لا يجب الأداء إلا عند تمام الأجل والله أعلم
    وإلا قوله يقدر انتقال ملكه عنه للمعتق عنه قبل صدور العتق بالزمن الفرد فإنه لا حاجة إلى ذلك التقدير بناء على قاعدة صحة النيابة في الأمور المالية قال فهذه القواعد هي سر هذه المسألة وهي مشكلة وأشكل منها ما نص عليه عبد الحق أنه
    هامش إدرار الشروق
    الذي ذكره الأصل قبل هذا الفرق هو هذا الفرق بعينه غير أنه ذكر هنا مسائل لم يذكرها هناك ا ه فلنقتصر هنا على المسائل التي لم يذكرها هناك لتكون توضيحا للفرق السابق ونخلص من وصمة التكرار المسألة الأولى الزكاة إن أخرجها أحد بغير علم من هي عليه أو غير إذنه في ذلك فعلى ما قاله بعض أصحابنا من عدم اشتراط النية فيها تمسكا بقياسها على الديون ويأخذ الإمام لها كرها والإكراه مع النية متنافيان ينبغي أن يجزئ فعل الغير فيها مطلقا كالدين الوديعة ونحوهما مما تقدم في القسم المجمع على صحة فعل غير المأمور به عن المأمور وعلى ما قاله مالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم من اشتراط النية فيها لما فيها من شائبة التعبد من جهة مقاديرها في نصبها والواجب فيها وغير ذلك فإن كان المخرج غير الإمام فمقتضى قول أصحابنا في الأضحية يذبحها غير ربها بغير علمه وإذنه أنها تجزئه إن كان الفاعل لذلك صديقه ومن شأنه أن يفعل ذلك له بغير إذنه لأنه بمنزلة نفسه عنده لتمكن الصداقة بينهما أن يجري مثله هنا فيقال إن الزكاة تجزئه إن كان مخرجها من هذا القبيل ضرورة أن كلا منهما عبادة مأمور بها مفتقرة للنية وإن كان الفاعل ليس من هذا القبيل لا يجزئ عن ربها لافتقارها للنية على الصحيح من المذهب
    وإن أخذها الإمام كرها وهو عدل أجزأت عند مالك والشافعي رحمهما الله تعالى اعتمادا على فعل الصديق وتمسكا بظاهر قوله تعالى خذ من أموالهم صدقة تطهرهم فإن ظاهر الأمر الوجوب الذي أقل مراتبه الإذن والإجزاء ولأن الإمام وكيل الفقراء فله أخذ حقهم قهرا
    ____________________
    (3/336)
    وكذلك حكي في الصلاة الإجماع ونقل الخلاف في مذهب الشافعي في الصلاة عن الشيخ أبي إسحاق ويقال إنه مسبوق بالإجماع وقسم مختلف فيه هل يجزئ فعل غير المأمور عن المأمور به ويسد المسد أم لا وفيه أربع مسائل المسألة الأولى الزكاة إن أخرجها أحد بغير علم من هي عليه أو غير إذنه في ذلك فإن كان غير الإمام فمقتضى قول أصحابنا في الأضحية يذبحها غير ربها بغير علمه وإذنه إن كان الفاعل لذلك صديقه ومن شأنه أن يفعل ذلك بغير إذنه لأنه بمنزلة نفسه عنده لتمكن الصداقة بينهما أجزأته الأضحية إن كان مخرج الزكاة من هذا القبيل فمقتضى قولهم في الأضحية أن الزكاة تجزئه لأن كليهما عبادة مأمور بها مفتقرة للنية وإن كان ليس من
    هامش أنوار البروق
    يجوز العتق عن الغير تطوعا بغير إذنه وهذا أشكل من الواجب لأن الواجب فيه دلالة الحال دون المقال إلى آخر الفرق قلت لا إشكال في ذلك بناء على قاعدة جواز النيابة في الأمور المالية عبادة كانت أو غيرها ولا يحتاج فيها إلى الإذن ولا إلى تقدير الملك والوكالة والله أعلم وما قاله في الفرق بعد صحيح
    هامش إدرار الشروق
    كسائر الحقوق وقال أبو حنيفة لا يأخذها الإمام كرها لكن يلجئه إلى دفعها بالحبس وغيره لافتقارها للنية والإكراه مع النية متنافيان المسألة الثانية الصوم عن الميت إذا فرط فيه جوزه أحمد بن حنبل وروى الشافعية ذلك في مذهبهم أيضا لقوله عليه الصلاة والسلام من لم يصم صام عنه وليه ولم يجوزه مالك رحمه الله تعالى لقوله تعالى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وقياسا على الصلاة ومن هذا الباب الحج عن الميت أيضا وسيأتي زيادة تحقيق لهذا فترقب المسألة الثالثة قال صاحب الجواهر في العتق عن الغير ثلاثة أقوال الإجزاء لابن القاسم وهو المشهور وعدم الإجزاء لأشهب وقال عبد الملك إن أذن في العتق أجزأ عنه وإلا فلا وقاله الشافعي رضي الله عنه ا ه
    وفي المدونة قال مالك من أعتق عبده عن ظهار غيره على جعل جعله له فالولاء للمعتق عنه وعليه الجعل ولا يجزئه أي عن ظهاره كالمشتري بشرط العتق أي في عدم إجزاء عتقه عن الظهار قال ابن القصار وإذا لم يكن في الجعل وضيعة عن الثمن جاز أي عتقه عن الظهار لأنه إذا جاز هبته أي هبة من يعتق في الظهار فبيعه أولى وقال اللخمي يجزئ العتق عن ظهار الغير عند ابن القاسم وإن كان أبا للمعتق وفرق بعض الأصحاب بين عتق الإنسان عن غيره وبين دفع الزكاة عنه فلا يجزئ في الثاني لأن الزكاة ليست في الذمة ويجزئ في الأول لأن الكفارة في الذمة قال اللخمي والحق الإجزاء فيهما لأنهما كالدين وهذه المسألة دائرة بين أربع قواعد القاعدة الأولى قاعدة التقادير الشرعية التي تقدمت في خطاب الوضع وهي إما إعطاء الموجود حكم المعدوم كالغرر والجهالة إذا قلا أو تعذر الاحتراز عنهما كأساس الدار وقطن الجبة ورداءة بواطن الفواكه ودم البراغيث ونجاسة ثوب المرضع والوارث الكافر أو العبد يقدر عتقه فلا يحجب
    ____________________
    (3/337)
    هذا القبيل لا تجزئ عن ربها لافتقارها للنية على الصحيح من المذهب لأجل شائبة العبادة وعلى القول بعدم اشتراط النية فيها ينبغي أن يجزئ فعل الغير فيها مطلقا كالدين الوديعة ونحوهما مما تقدم في القسم المجمع عليه وهذا القول أعني عدم اشتراط النية قاله بعض أصحابنا وقاسها على الديون واستدل بأخذ الإمام لها كرها على عدم اشتراط النية وباشتراطها قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل رضي الله عنهما لما فيها من شائبة التعبد من جهة مقاديرها في نصبها والواجب فيها وغير ذلك وإن أخذها الإمام كرها وهو عدل أجزأت عند مالك وعند الشافعي رحمهما الله تعالى اعتمادا على فعل الصديق رضي الله عنه ولظاهر القرآن وهو قوله تعالى خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وظاهر الأمر الوجوب الذي أقل مراتبه الإذن والإجزاء لأن الإمام وكيل الفقراء فله أخذ حقهم قهرا كسائر الحقوق
    وقال أبو حنيفة لا يأخذها الإمام كرها لكن يلجئه إلى دفعها بالحبس وغيره لافتقارها للنية وإلا كره مع النية متنافيان المسألة الثانية الحج عن الغير منعه مالك وجوزه الشافعي رضي الله عنهما بناء على شائبة المال والعبادات المالية يدخلها النيابات ومالك يلاحظ أن المال فيه عارض بدليل
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    وأما إعطاء المعدوم حكم الموجود كتقدير الإيمان في حق المسلم النائم والغافل حتى ينعصم الدم والمال وتقدير الكفر في الكافر النائم والغافل حتى تصح إباحة الدم والمال والذرية القاعدة الثانية أن الكفارات عبادة فيشترط فيها النية وهو المشهور عندنا وقيل لا تجب فيها النية القاعدة الثالثة أن الهبة إذا لم يتصل بها قبض بطلت القاعدة الرابعة قاعدة مذهب مالك التي نص عليها ابن أبي زيد في النوادر وصاحب الجواهر في كتاب الإجارات وهي أن كل من عمل عملا أو أوصل نفعا لغيره من مال أو غيره بأمره أو بغير أمره نفذ ذلك فإن كان متبرعا لم يرجع به أو غير متبرع وهو منفعة فله أجرة مثله أو مال فله أخذه ممن دفعه عنه كان ذلك مما يجب على المدفوع عنه كالدين أو مما لا يجب كغسل الثوب وخياطته ورمي التراب من الدار ونحو ذلك والقول قول العامل في عدم التبرع لكن شرط الغرم أن يكون المعمول له لا بد له من عمله بالاستئجار أو إنفاق المال أما إن كان شأنه فعله إياه بغير استئجار بنفسه أو بغلامه وتحصل تلك المصلحة بغير مال فلا غرم عليه فمالك يجعل لسان الحال قائما مقام لسان المقال فكأنه أذن له في ذلك بلسان مقاله وخالفنا الشافعي في هذه القاعدة وجعل الأصل في فعل الغير التبرع وأنه لا يرجع عليه بشيء إذا لم يأذن له المدفوع عنه بلسان المقال فمالك وابن القاسم لما لاحظا هذه القاعدة قالا المعتق قام عن المعتق عنه بواجب من شأنه أن يفعله إما بناء على قاعدة صحة النيابة في الأمور المالية عبادة كانت أو غيرها فلا يحتاج فيها حينئذ إلى الإذن ولا إلى تقدير الملك والوكالة ولا يكون في هذه المسألة ولا فيما نص عليه عبد الحق من أنه يجوز العتق عن
    ____________________
    (3/338)
    المكي يحج بغير مال بل عروض المال في الحج كعروض المال في صلاة الجمعة لمن داره بعيدة عن المسجد فيكتري دابة يصل عليها للمسجد ولما لم تجز صلاة الجمعة عن الغير فكذلك الحج وللشافعي الفرق بأن عروض المال في الحج أكثر ولما ورد في الأحاديث من الحج عن الصبيان والمرضى يحرم عنهم غيرهم ويفعل أفعال الحج والعبادات أمر متبع المسألة الثالثة الصوم عن الميت إذا فرط فيه جوزه أحمد بن حنبل وروى الشافعية ذلك أيضا في مذهبهم لقوله عليه الصلاة والسلام من لم يصم صام عنه وليه ولم يجوزه مالك رحمه الله تعالى لقوله تعالى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وقياسا على الصلاة ومن هذا الباب الحج عن الميت أيضا المسألة الرابعة عتق الإنسان عن غيره قال مالك في المدونة من أعتق عبده عن ظهار غيره على جعل جعله له فالولاء للمعتق عنه وعليه الجعل ولا يجزئه كالمشتري بشرط العتق قال ابن القصار وإذا لم يكن في الجعل وضيعة عن الثمن جاز لأنه إذا جاز هبته فبيعه أولى
    وقال صاحب الجواهر في العتق عن الغير ثلاثة أقوال الإجزاء وهو المشهور قاله ابن القاسم ولأشهب عدم الإجزاء وقال عبد الملك إن أذن في العتق أجزأ عنه وإلا فلا وقاله الشافعي رضي الله عنه قال اللخمي يجزئ العتق عن ظهار الغير عند ابن القاسم وإن كان أبا للمعتق وفرق بعض الأصحاب بين عتق الإنسان عن غيره وبين دفع الزكاة عنه فلا يجزئ في الثاني لأنها ليست في الذمة والكفارة في الذمة قال اللخمي والحق الإجزاء فيهما لأنهما كالدين وهذه المسألة دائرة بين قواعد القاعدة الأولى قاعدة التقادير الشرعية وهي إعطاء الموجود حكم المعدوم والمعدوم حكم الموجود فالأول كالغرر والجهالة في العقود إذا قلا أو تعذر الاحتراز عنهما نحو أساس الدار وقطن الجبة ورداءة بواطن الفواكه ودم البراغيث ونجاسة ثوب المرضع والوارث الكافر أو العبد يقدر عدمه فلا يحجب
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الغير تطوعا بغير إذنه إشكال أصلا كما قال ابن الشاط ويؤيده قول الرهوني والصواب في الفرق بين مسألتي المدونة يعني قولي ابن القاسم ومالك المتقدمين ما قاله أبو الوليد الباجي في المنتقى ونصه قول ابن القاسم إنه معنى يجوز فيه النيابة لأن طريقه المال ولذلك يجوز أن يعتق عن الميت وسلمه ابن الماجشون ووجه قول ابن الماجشون أنه لو باعه منه على أن يعتقه هو لم يجز له ذلك
    ولو وهبه إياه على أن يعتقه عن ظهاره لم يجزه فكذلك إذا أعتقه عنه والفرق بينهما على قول ابن القاسم أنه قد ملك الواهب أو البائع العتق في ذلك العبد قبل وقوعه ولزم الموهب له إيقاعه بالشرط
    ____________________
    (3/339)
    والثاني كتقدير الملك في الدية مقدما قبل زهوق الروح في المقتول خطأ حتى يصح فيها الإرث فإنها لا تجب إلا بالزهوق وحينئذ لا يقبل المحل الملك والميراث فرع ملك الموروث فيقدر الشارع الملك متقدما قبل الزهوق بالزمن الفرد حتى يصح الإرث وكتقدير النية في أول العبادات ممتدة إلى آخرها وكتقدير الإيمان في حق النائم الغافل حتى تنعصم دماؤهم وأموالهم وتقدير الكفر في الكافر الغافل حتى تصح إباحة الدم والمال والذرية وقاعدة التقادير قد تقدمت في خطاب الوضع القاعدة الثانية أن الهبة إذا لم يتصل بها قبض بطلت القاعدة الثالثة الكفارات عبادة فيشترط فيها النية وهو المشهور عندنا وقيل لا تجب النية القاعدة الرابعة كل من عمل لغيره من مال أو غيره بأمره أو بغير أمره نفذ ذلك فإن كان متبرعا لم يرجع به أو غير متبرع وهو منفعة فله أجرة مثله أو مال فله أخذه ممن دفعه عنه بشرط أن يكون المعمول له لا بد له من عمل ذلك بالاستئجار أو إنفاق ذلك المال أما إن كان شأنه فعله إياه بغير استئجار لنفسه أو لغلامه وتحصل تلك المصلحة بغير مال فلا غرم عليه والقول قول العامل في عدم التبرع وهذه قاعدة مذهب مالك نص عليها ابن أبي زيد في النوادر وصاحب الجواهر في كتاب الإجارات ولا تختص هذه القاعدة بما يجب على المدفوع عنه كالدين بل يندرج فيها غسل الثوب وخياطته ورمي التراب من الدار ونحو ذلك على الشروط المتقدمة ويجعل مالك لسان الحال قائما مقام لسان المقال فكأنه أذن له في ذلك بلسان مقاله وخالفنا الشافعي في هذه القاعدة وجعل الأصل في فعل الغير التبرع
    وإذا لم يأذن له المدفوع عنه بلسان المقال لا يرجع عليه بشيء فمن لاحظ هذه القاعدة وهو مالك وابن القاسم فيقول المعتق قام عن المعتق عنه بواجب من شأنه أن يفعله ويقدر انتقال ملكه عنه للمعتق عنه قبل صدور العتق بالزمن الفرد حتى يثبت الولاء وتبرأ ذمته من الكفارة ويشكل
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    فلذلك لم يجزه ألا ترى أنه لو باعه من ورثة الميت بشرط عتقه عنه أو وهبهم إياها بذلك الشرط لم يجزه الذي أنفذ عتقه عن المعتق عنه أعتقه ولذلك أن يعتقه عن الميت وقد روى في العتبية أبو زيد عن ابن القاسم في المرأة تعطي زوجها الرقبة يعتقها عن ظهاره أو عن الوجه إن كان بشرط العتق لم يجزه وإن كان بغير شرط أجزاه وذلك لما ذكرناه
    ورواه في المدينة عيسى بن دينار وعبد الرحمن بن دينار عن ابن كنانة ا ه منه بلفظه وهو حسن وقد أغفله الجم الغفير والتوفيق بيد العلي الكبير ا ه محل الحاجة منه بلفظه وإما بناء على قاعدة التقادير فيقدر انتقال ملكه عنه للمعتق عنه قبل صدور العتق بالزمن الفرد حتى
    ____________________
    (3/340)
    عليه بقاعدة النية فإنه يشترطها وهي متعذرة مع الغفلة ونجيب بالقياس على العتق عن الميت ويرد عليه الفرق بأن الحي متمكن من العتق عن نفسه بخلاف الميت وقد تعذر عليه باب التقرب فناسب أن يوسع الشرع له في ذلك وله القياس على أخذ الزكاة كرها مع اشتراط النية فيها ويفرق أيضا بأنها حالة ضرورة لأجل امتناع المالك وهاهنا المعتق عنه غير ممتنع وبأن مصلحة الزكاة عامة فيوسع فيها لعموم الضرورة بخلاف الكفارات فإنها قليلة وهي خاصة فلا يخالف فيها قاعدة النية والشافعي يعتبر قاعدة النية وهي منفية حالة عدم الإذن وأشهب يقول الإذن من باب الكلام والإباحة والنية من باب المقاصد والإرادة فلا يقوم أحدهما مقام الآخر ولا يستقيم قصد الإنسان لعتق ملك غيره
    وقال أبو حنيفة رضي الله عنه إن دفع له جعلا أجزأ وإلا فلا للقاعدة الثانية فتخرج بالجعل عن الهبة فلا تحتاج إلى قصد فهذه القواعد هي سر هذه المسألة وهي مشكلة وأشكل منها ما نص عليه عبد الحق أنه يجوز العتق عن الغير تطوعا بغير إذنه وهذا أشكل من الواجب لأن الواجب فيه دلالة الحال دون المقال وهاهنا لا دلالة حال ولا يقال فلا يتجه ويكون أبعد من العتق عن الواجب
    ومن يشترط الإذن يقول الإذن تضمن الوكالة في نقل ملكه للآذن وعتقه عنه بعد انتقال الملك ويكون المأذون له وكيلا في الأمرين ومتوليا لطرفي العقد والموجب لهذه التقادير كلها أنه لا يصح هذا التصرف إلا بها وما تعذر تصحيح الكلام إلا به وجب المصير إليه صونا للكلام عن الإلغاء فهذا تحرير هذا الفرق وتحرير مسائله
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    يثبت الولاء وتبرأ ذمته من الكفارة فيرد الإشكال بقاعدة النية فإن مالكا وابن القاسم يشترطانها
    وهي متعذرة مع الغفلة ولا يدفعه الجواب بالقياس على العتق عن الميت للفرق بأن الحي متمكن من العتق عن نفسه بخلاف الميت فإنه قد تعذر عليه باب التقرب فناسب أن يوسع الشرع له في ذلك ولا بالقياس على أخذ الزكاة كرها مع اشتراط النية فيها للفرق أيضا بأنها حالة ضرورة لأجل امتناع المالك وها هنا المعتق عنه غير ممتنع وبأن مصلحة الزكاة عامة فيوسع فيها لعموم الضرورة بخلاف الكفارات فإنها قليلة وهي خاصة فلا يخالف فيها قاعدة النية فتبقى المسألة مشكلة على قولهما لا على قول الشافعي لأنه يعتبر قاعدة النية وهي منتفية حالة عدم الإذن ولا على قول أشهب لأنه يقول الإذن من باب الكلام والإباحة والنية من باب المقاصد والإرادة فلا يقوم أحدهما مقام الآخر ولا يستقيم قصد الإنسان لعتق ملك غيره ولا على مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه لأنه يقول إن دفع له جعلا أجزأ وإلا فلا للقاعدة الثالثة فتخرج بالجعل عن الهبة فلا تحتاج إلى قصد وأشكل منها على قولهما ما نص عليه عبد الحق من أنه يجوز العتق عن الغير تطوعا لأن الواجب فيه دلالة الحال دون المقال وها هنا لا دلالة حال ولا مقال فلا يتجه ويكون أبعد من العتق عن الواجب ومن يشترط الإذن يقول الإذن تضمن الوكالة في نقل ملكه للآذن وعتق عنه بعد انتقال الملك ويكون المأذون له وكيلا في الأمرين ومتوليا لطرفي العقد كما قال الأصل قال والموجب بهذه
    ____________________
    (3/341)
    الفرق الثاني والسبعون والمائة بين قاعدة ما يصل إلى الميت وقاعدة ما لا يصل إليه القربات ثلاثة أقسام قسم حجر الله تعالى على عباده في ثوابه ولم يجعل لهم نقله لغيرهم كالإيمان فلو أراد أحد أن يهب قريبه الكافر إيمانه ليدخل الجنة دونه لم يكن له ذلك بل إن كفر الحي هلكا معا أما هبة الثواب مع بقاء الأصل فلا سبيل إليه وقيل الإجماع في الصلاة أيضا وقيل الإجماع فيها وقسم اتفق الناس على أن الله تعالى أذن في نقل ثوابه للميت وهو القربات المالية كالصدقة والعتق وقسم اختلف فيه هل فيه حجر أم لا وهو الصيام والحج وقراءة
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    التقادير كلها أنه لا يصح هذا التصرف إلا بها وما تعذر تصحيح الكلام إلا به وجب المصير إليه صونا للكلام عن الإلغاء ا ه وقد علمت أن المسألة إذا بنيت على قاعدة جواز النيابة في الأمور المالية لا يحتاج فيها إلى تقدير ولا غيره كما لابن الشاط فهذا تحرير مسائل هذا الفرق الذي سبق تحريره في الفرق العاشر والمائة والله سبحانه وتعالى أعلم
    الفرق الثاني والسبعون والمائة بين قاعدة ما يصل ثوابه إلى الميت وقاعدة ما لا يصل ثوابه إليه القربات باعتبار وصول ثوابها للغير اتفاقا وعدم وصول ثوابها للغير اتفاقا والخلاف في وصوله له وعدم وصوله ثلاثة أقسام القسم الأول ما اتفق الناس على أن الله حجر على عباده في ثوابه ولم يجعل لهم نقله لغيرهم كالإيمان والتوحيد والإجلال والتعظيم لله سبحانه وتعالى وكذلك حكي في الصلاة الإجماع نظرا في الخلاف الذي نقل في مذهب الشافعي فيها عن الشيخ أبي إسحاق قد يقال إنه مسبوق بالإجماع كما تقدم القسم الثاني ما اتفق الناس على أن الله تعالى أذن في نقل ثوابه للميت وهو الدعاء والقربات المالية كالصدقة والعتق القسم الثالث ما اختلف فيه هل فيه حجر أم لا كالصيام والحج وقراءة القرآن فقيل لا يصل ثواب شيء من ذلك لمن أهدى له وهو المعروف من مذهب مالك وكذا هو مشهور مذهب الشافعي في القراءة فقط وقيل يصل وبه قال أحمد بن حنبل وأبو حنيفة وهو الأصح عند الشافعي في الحج عن الميت حجة الإسلام
    وكذا حج تطوع أوصى به وهو الراجح عنده في الصوم عمن مات وعليه صوم وقال به غير واحد من المالكية وجماعة من أصحاب الشافعي في القراءة فقط قال كنون قال أبو زيد الفاسي ولعل قول الشيخ عبد الله الورياجلي
    وأما الإجارة على القراءة فلا تجوز وذلك جرحة في آكلها إلا أن يقرأ القارئ على وجه التطوع ويعطيه ولي الميت على وجه الصلة والعطية لا على وجه الإجارة ا ه مبني على عدم النفع كما حكاه عن معروف مذهب مالك وفي جواب للعبديني الميت ينتفع بقراءة القرآن هذا هو الصحيح والخلاف فيه مشهور
    ____________________
    (3/342)
    القرآن فلا يحصل شيء من ذلك للميت عند مالك والشافعي رضي الله عنهما
    وقال أبو حنيفة وأحمد بن حنبل ثواب القراءة للميت فمالك والشافعي رضي الله عنهما يحتجان بالقياس على الصلاة ونحوها مما هو فعل بدني والأصل في الأفعال البدنية أن لا ينوب أحد فيها عن الآخر ولظاهر قوله تعالى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    والأجرة عليه جائزة ا ه
    وحجة القول بعدم الوصول القياس على الصلاة ونحوها مما هو عمل بدني والأصل فيه أن لا ينوب فيه أحد عن أحد وظاهر قوله تعالى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وحديث إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث علم ينتفع به وصدقة جارية وولد صالح يدعو له وحجة القول بالوصول أولا القياس على الدعاء المجمع على وصله للنصوص الواردة في ذلك التي منها حديث إذا مات ابن آدم إلخ إذ الكل عمل بدني وثانيا قوله عليه السلام صل لهما مع صلاتك وصم لهما مع صيامك يعني أبويه وقوله أيضا من مات وعليه صوم صام عنه وليه ونص السنة أيضا على أن الحج المفروض يسقط عن الميت بحج وليه وكذا الحج المنذور يسقط عن الميت بعمل غيره وظاهر حديث كعب بن عجرة كما في المواهب وغيرها قلت يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي قال ما شئت قلت الربع قال ما شئت وإن زدت فهو خير لك
    قلت النصف قال ما شئت وإن زدت فهو خير لك قلت أجعل صلاتي كلها لك قال إذا تكفى همك ويغفر ذنبك ويؤيده ما في العهود المحمدية عن أبي المواهب الشاذلي من أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم في المنام عن معناه فقال له أن تصلي علي وتهدي ثواب ذلك إلي لا إلى نفسك وثالثا دخول أولاد المؤمنين الجنة بعمل آبائهم وانتفاع الغلامين اليتيمين اللذين قال الله في قصتهما وكان أبوهما صالحا بصلاح أبيهما والنفع بالجار الصالح في المحيا والممات كما في الأثر ورحمة جليس أهل الذكر وهو لم يكن منهم ولم يجلس لذلك بل لحاجة عرضت له والأعمال بالنيات وقوله تعالى لنبيه وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وقوله تعالى ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات وقوله تعالى ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض فقد رفع الله العذاب عن بعض الناس بسبب بعض وما ذلك إلا لانتفاعهم بأعمال غيرهم الصالحة وأجاب أصحاب هذا القول عن القياس على الصلاة بأنه معارض بهذه الأدلة وغيرها مما يدل على انتفاع الإنسان بعمل غيره وعن الآية إما بأنها عامة قد خصصت بأمور كثيرة وإما أن المراد بالإنسان الكافر والمعنى ليس له من الخير إلا ما عمل هو فيثاب عليه في الدنيا بأن يوسع عليه في رزقه ويعافى في بدنه حتى لا يبقى له في الآخرة خير وإلا بأن قوله وأن ليس للإنسان إلا ما سعى من باب العدل وأما من باب الفضل فجائز أن يزيده الله ما يشاء من فضله وأما بغير ذلك الجمل على الجلالين وعن حديث إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلخ ونحوه مما ورد في ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم لم يقل انقطع انتفاعه
    وإنما أخبر عن انقطاع عمله وأما عمل غيره فهو لعامله فإن وهبه له فقد وصل إليه ثواب عمل العامل لا ثواب عمله هو فالمنقطع شيء والواصل إليه شيء آخر وكذلك الحديث الآخر وهو قوله عليه السلام إن مما يلحق الميت من حسناته وعمله بعد موته عملا
    ____________________
    (3/343)
    ولقوله عليه السلام إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث علم ينتفع به وصدقة جارية وولد صالح يدعو له واحتج أبو حنيفة وابن حنبل بالقياس على الدعاء فإنا أجمعنا على أن الدعاء يصل للميت فكذلك القراءة والكل عمل بدني ولظاهر قوله عليه السلام للسائل صل لهما مع صلاتك وصم لهما مع صومك يعني أبويه والجواب عن الأول أن القياس
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    عمله ونشره أو ولدا صالحا تركه أو مصحفا ورثه أو مسجدا بناه أو بيتا لابن السبيل بناه أو نهرا أكراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته فإنه لم ينف أن يلحقه غير ذلك من عمل غيره وحسناته قاله ابن القيم في كتاب الروح وأجاب أصحاب القول الأول عن القياس على الدعاء بأنه غير صحيح لأن في الدعاء أمرين أحدهما متعلقه كالمغفرة في قولك اللهم اغفر له وهذا هو الذي يرجى حصوله للمدعو له إذ له طلب لا للداعي وإن ورد أن الملك يقول له ولك مثله والأمر الثاني ثوابه وهو للداعي فقط وعما ورد من الأحاديث بالانتفاع بعمل الغير البدني من الصوم والحج والصلاة بأنها مع احتمالها التأويل معارضة بما تقدم من الأدلة المعضودة بأنها على وفق الأصل الذي هو عدم الانتقال فتقدم وعن الأحاديث والآيات الدالة على دخول الجنة وحصول الرحمة ورفع العذاب بعمل الغير الصالح بأن الحاصل في نحو هذا بركة المؤمنين لا ثواب أعمالهم وبركة صلاح الأب لا ثواب عمله وبركة أهل الذكر لا ثواب عملهم وبركة الرسول لا ثواب عمله وهكذا والبركات لعدم توقفها على الأمر والنهي لا ينكر حصولها للغير حتى للبهائم التي لا يتأتى فيها أمر ولا نهي فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تحصل بركته للخيل والحمير وغيرها من البهائم كما روي أنه ضرب فرسا بسوط فكان بعد ذلك لا يسبق
    وقد كان قبل ذلك بطيء الحركة وروي أن حماره صلى الله عليه وسلم كان يذهب إلى بيوت أصحابه عليه السلام فينطح برأسه الباب يستدعيهم إليه إلى غير ذلك مما هو مروي في معجزاته وكراماته عليه السلام من ذلك وأما الثواب فقد انعقد الإجماع بأنه يتبع الأمر والنهي بدليل المباحات وأهل الفترات لا يحصل إلا لمن توجه له الأمر والنهي فمن هنا يتضح عدم صحة قول بعض الفقهاء يعني أحمد بن حنبل وأبا حنيفة كما في المعيار إذا قرئ عند القبر حصل للميت أجر المستمع إذ الموتى قد انقطعت عنها الأوامر والنواهي فكما أن البهائم تسمع أصواتنا بالقراءة ولا ثواب لها لعدم الأمر لها بالاستماع كذلك الموتى لا يكون لهم ثواب وإن كانوا مستمعين لعدم الأمر لهم بالاستماع والذي يتجه أن يقال ولا يقع فيه خلاف أنه يحصل لهم بركة القراءة لا ثوابها كما تحصل لهم بركة الرجل الصالح يدفن عندهم أو يدفنون عنده فإن البركة لا تتوقف على الأمر والنهي بخلاف الثواب كما علمت لكن الذي ينبغي للإنسان أن لا يهمل هذه المسألة فلعل الحق هو الوصول إلى الموتى فإن هذه أمور مغيبة عنا وليس فيها اختلاف في حكم شرعي وإنما هو في أمر واقع هل هو كذلك أم لا وكذلك التهليل الذي جرت عادة الناس يعملونه اليوم ينبغي أن يعمل ويعتمد في ذلك على فضل الله تعالى وما ييسره ويلتمس فضل الله بكل سبب ممكن ومن الله الجود والإحسان ا ه
    قال الرهوني وكنون ونقل هذا عن القرافي صاحب المعيار وابن الفرات والشيخ مصطفى الرماصي قال كنون ونقل أبو زيد الفاسي في باب الحج من جواب للفقيه المحدث أبي القاسم
    ____________________
    (3/344)
    على الدعاء لا يستقيم فإن الدعاء فيه أمران أحدهما متعلقه الذي هو مدلوله نحو المغفرة في قولهم اللهم اغفر له والآخر ثوابه فالأول هو الذي يرجى حصوله للميت ولا يحصل إلا له فإنه لم يدع لنفسه وإنما دعا للميت بالمغفرة والثاني وهو الثواب على الدعاء فهو الداعي فقط وليس للميت من الثواب على الدعاء شيء فالقياس على الدعاء
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    العبدوسي وأما القراءة على القبر فقد نص ابن رشد في الأجوبة وابن العربي في أحكام القرآن والقرطبي في التذكرة على أن الميت ينتفع بالقراءة قرئت على القبر أو في البيت أو في بلاد إلى بلاد ووهب الثواب ا ه محل الحاجة منه
    وقال ابن الشاط وما قاله في هذا الفرق صحيح نعم قال ابن الحاج في المدخل من أراد وصول قراءته بلا خلاف فليجعل ذلك دعاء بأن يقول اللهم أوصل ثواب ما أقرأ إلى فلان ا ه كما في حاشية الرهوني وكنون قال الرهوني والتهليل الذي قال فيه القرافي ينبغي أن يعمل هو فدية لا إله إلا الله سبعين ألف مرة حسبما ذكره السنوسي وغيره هذا الذي فهمه منه الأئمة انظر الحطاب هنا أي في باب الجنائز ومصطفى الرماصي في باب الإجارة وأما ما يفعله الناس اليوم من التهليل عند حمل الميت وتوجههم به إلى الدفن فجزم في المعيار في الفصل الذي عقده في البدع قبيل نوازل النكاح أنه بدعة ونقل في غير ذلك المحل من المعيار من كلام شيخ الشيوخ أبي سعيد بن لب وأبي محمد سيدي عبد الله العبدوسي ما هو شاهد لما جزم به في الفصل المذكور وانظر تقييده المسمى بالتحصن والمنعة ممن اعتقد أن السنة بدعة والله سبحانه الموفق
    ا ه
    فائدة قال الرهوني وكنون في المعيار عن الإمام المنثوري ما نصه حدثني الأستاذ ابن عمر عن الأستاذ أبي الحسن القرطبي عن الراوية أبي عمر بن حوط الله عن القاضي أبي الخطاب عن أبي القاسم بن بشكوال عن أبي محمد بن يربوع عن أبي محمد الخزرجي قال أخبرنا أبو عبد الله القروي في المسجد الجامع بقرطبة قال كنت بمصر فأتاني نعي أبي فوجدت عليه وجدا شديدا فبلغ ذلك الشيخ أبا الطيب بن غلبون المقري فوجه لي فأتيته فجعل يصبرني ويذكر ثواب الصبر عن المصيبة والرزية ثم قال لي ارجع إلى ما هو أعود عليك وعلى الميت من أفعال البر والخير مثل الصدقة وما شاكلها وأمرني أن أقرأ عنه قل هو الله أحد عشر مرات كل ليلة
    ثم قال لي أحدثك في ذلك بحديث قال كان رجل معروف بالخير والفضل فرأى في منامه كأنه في مقبرة مصر وكأن الناس نشروا من مقابرهم وكأنه مشى خلفهم ليسألهم عما أوجب نهوضهم إلى الجهة التي توجهوا إليها فوجد رجلا على حفرته قد تخلف عن جماعتهم فسأله عن القوم إلى أين يريدون فقال إلى رحمة جاءتهم يقتسمونها فقال له فهلا مضيت معهم فقال إني قد قنعت بما يأتيني من ولدي عن أن أقاسم فيما يأتيهم من المسلمين فقلت له وما الذي يأتيك من ولدك فقال يقرأ قل هو الله أحد في كل يوم عشر مرات ويهدي إلي ثوابها فذكر الشيخ ابن غلبون لي أنه منذ سمع هذه الحكاية كان يقرأ عن والديه قل هو الله أحد في كل يوم عشر مرات عن كل واحد منهما ولم يزل بهذه الحالة إلى أن مات أبو العباس الخياط فجعل يقرأ عنه كل ليلة قل هو الله أحد عشر مرات ويهدي إليه ثوابها قال الشيخ ابن غلبون فمكثت على هذه النية مدة ثم عرض لي فتور قطعني عن ذلك فرأيت أبا العباس في النوم فقال لي يا أبا الطيب لم قطعت عنا ذلك الشكر الخالص الذي كنت توجه به إلينا فانتبهت من منامي وقلت الخالص كلام الله عز وجل وإنما كنت أوجه إليه ثواب قل هو الله أحد فرجعت أقرؤها عنه رحمه الله
    ____________________
    (3/345)
    غلط وخروج من باب إلى باب وأما الحديث فإما أن نجعله خاصا بذلك الشخص أو نعارضه بما تقدم من الأدلة ونعضدها بأنها على وفق الأصل فإن الأصل عدم الانتقال ومن الفقهاء من يقول إذا قرئ عند القبر حصل للميت أجر المستمع وهو لا يصح أيضا لانعقاد الإجماع على أن الثواب يتبع الأمر والنهي فما لا أمر فيه ولا نهي لا ثواب فيه بدليل المباحات وأرباب الفترات والموتى انقطع عنهم الأوامر والنواهي
    وإذا لم يكونوا مأمورين لا يكون لهم ثواب وإن كانوا مستمعين ألا ترى أن البهائم تسمع أصواتنا بالقراءة ولا ثواب لها لعدم الأمر لها بالاستماع فكذلك الموتى والذي يتجه أن يقال ولا يقع فيه خلاف أنه يحصل لهم بركة القراءة لا ثوابها كما تحصل لهم بركة الرجل الصالح يدفن عندهم أو يدفنون عنده فإن البركة لا تتوقف على الأمر فإن البهيمة يحصل لها بركة راكبها أو مجاورها وأمر البركات لا ينكر فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تحصل بركته للبهائم من الخيل والحمير وغيرهما كما روي أنه ضرب فرسا بسوط فكان لا يسبق بعد ذلك بعد أن كان بطيء الحركة وحماره عليه السلام كان يذهب إلى بيوت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يستدعيهم إليه بنطح رأسه الباب وغير ذلك من بركاته عليه السلام كما هو مروي في معجزاته وكراماته عليه السلام وهذه المسألة وإن كانت مختلفا فيها فينبغي للإنسان أن لا يهملها فلعل الحق هو الوصول إلى الموتى فإن هذه أمور مغيبة عنا وليس الخلاف في حكم شرعي إنما هو في أمر واقع هل هو كذلك أم لا وكذلك التهليل الذي عادة
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    ا ه
    ولا يخفاك أن تمسك مثل الشيخ ابن غلبون بالرؤيا التي سمعها من الرجل المعروف بالخير والفضل وبرؤياه التي رآها بعد إنما هو على وجه التأييد والاستئناس للأدلة التي استدل بها من قال بوصول ثواب قراءة القرآن أو شيء من القرب للنبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأموات فهو من قبيل ما وقع لابن ذكري بل أولى من أنه اعترض على قول الحطاب في شرحه مختصر خليل عند قوله في باب الحج وتطوع وليه عنه ما نصه وجلهم أي العلماء أجاب بالمنع أي منع إهداء ثواب قراءة القرآن للنبي صلى الله عليه وسلم أو شيء من القرب لأنه لم يرد فيه أثر ولا شيء عمن يقتدى به من السلف انظره بأنه ورد فيه حديث كعب بن عجرة المتقدم استند إلى ما نقله عن العهود المحمدية عن أبي المواهب الشاذلي من أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم في المنام عن معناه إلى آخر ما تقدم
    وقال ولفظ الحديث يدل لكلام العهود فهو أقوى وأظهر من قول الشيخ زروق وغير واحد كالحافظ المنذري في الترغيب والترهيب إن معنى الحديث أكثر الدعاء فكم أجعل لك من دعائي صلاة عليك إذ لو أريد لقيل فكم أصرف لك من وقت دعائي مثلا قال الشيخ كنون بعد أن ذكر كلامه في باب الحج عند قوله في المختصر وتطوع عنه وليه ما نصه فأنت تراه إنما ذكر رؤيا أبي المواهب وغيره على وجه التأييد والاستئناس لظاهر لفظ الحديث لا على وجه الاحتجاج حتى يرد عليه أن رؤيته صلى الله عليه وسلم وإن كانت حقا ولا سيما من مثل أبي المواهب لكن الأحكام الشرعية لا تثبت بالرؤيا فلذلك قبل كلامه المذكور تلميذه جسوس وغيره فتأمل والله أعلم انظره والله أعلم
    ____________________
    (3/346)
    الناس يعملونه اليوم ينبغي أن يعمل ويعتمد في ذلك على فضل الله تعالى وما ييسره ويلتمس فضل الله بكل سبب ممكن ومن الله الجود والإحسان هذا هو اللائق بالعبد
    الفرق الثالث والسبعون والمائة بين قاعدة ما يبطل التتابع في صوم الكفارات والنذور وغير ذلك وبين قاعدة ما لا يبطل التتابع اعلم أن هذه من المواضع المشكلة فإن مالكا رحمه الله تعالى قال في المدونة إذا أكل في صوم الظهار أو القتل أو النذر المتتابع ناسيا أو مجتهدا أو مكرها أو وطئ نهارا غير المظاهر منها ناسيا قضى يوما متصلا بصومه فإن لم يفعل ابتدأ الصوم من أوله فإن وطئ المظاهر منها ليلا أو نهارا أول صومه أو آخره ناسيا أو عامدا ابتدأ الصوم وقال الشافعي رحمه الله إن وطئها ليلا لم يبطل صومه ووافقنا أبو حنيفة في هذه المسألة وقال الشافعي وأبو حنيفة الفطر يبطل التتابع مطلقا وخالفهما أحمد بن حنبل وعللا
    هامش أنوار البروق
    قال الفرق الثالث والسبعون والمائة بين قاعدة ما يبطل التتابع في صوم الكفارات والنذور وغير ذلك وبين قاعدة ما لا يبطل التتابع قلت جميع ما قاله فيه صحيح إلا قوله فالمفهوم من قوله تعالى من قبل أن يتماسا أنه يصوم شهرين متتابعين ليس قبلهما وطء ولا في أثنائها وطء فإنه ظهر منه بحسب مساق كلامه أن الآية تقتضي عدم تقدم الوطء مطلقا
    وهذا لا يصح أن تقتضيه الآية لاشتمال الآية على من تقدم وطؤها وإنما المراد بالآية أن لا يتقدم الصوم وطء بعد الظهار والله أعلم وجميع ما قاله بعده في الفروق الستة صحيح
    هامش إدرار الشروق
    الفرق الثالث والسبعون والمائة بين قاعدة ما يبطل التتابع في صوم الكفارات والنذر وغير ذلك وبين قاعدة ما لا يبطل التتابع وذلك أن ما يبطله ثلاثة أنواع الأول وطء المظاهر منها على خلاف فيه بين الأئمة فقال مالك رحمه الله تعالى في المدونة إذا حصل منه ابتدأ الصوم مطلقا ليلا كان أو نهارا أول صومه أو آخره ناسيا كان لظهاره أو عامدا ووافقه في ذلك أحمد بن حنبل قال في الإقناع وإن أصاب المظاهر منها ليلا أو نهارا ولو ناسيا أو مع عذر يبيح الفطر أي كمرض وسفر انقطع أي التتابع ا ه
    وكذلك أبو حنيفة إلا أنه اشترط في ذلك العمد
    وقال الشافعي لا يستأنف على حال كما في بداية المجتهد لحفيد ابن رشد وسبب الخلاف تشبيه كفارة الظهار بكفارة اليمين والشرط الذي ورد في كفارة الظهار أعني أن تكون قبل المسيس في قوله تعالى من قبل أن يتماسا فإن المفهوم من قول القائل افعل كذا قبل كذا أن التقدم شرط ولذلك يصدق لنا استأذن المرأة في النكاح وأحضر الولي قبل العقد أن هذين شرطان
    ____________________
    (3/347)
    ذلك بأن الفطر باختياره بخلاف المرض والإغماء عند الشافعي كالمرض خلافا لأبي حنيفة وكذلك الحامل والمرضع كالمريض عنده
    وقال أبو الطاهر من أصحابنا إن أفطر جاهلا فقولان نظرا إلى أن الجاهل هل يلحق بالعامد أم لا وفي السهو والخطأ ثلاثة أقوال ثالثها التفرقة بين السهو فيجزئ والخطأ فلا يجزئ ويبتدي لأن معه تمييزه بخلاف السهو وسبب الخلاف هل التتابع مأمور به فيقدح فيه النسيان أو التفريق محرم فلا تضر ملابسته سهوا فإن المحرمات لا يأثم الإنسان بملابستها مع عدم القصد كشرب الخمر ساهيا أو وطئ أجنبية جاهلا بأنها أجنبية أو أكل طعاما نجسا أو حراما مغصوبا غير عالم به فإن الإجماع منعقد في هذه الصور كلها على عدم الإثم قلت وهذه الفتاوى كلها مشكلة من جهة أن لفظ الكتاب العزيز أمر متعلق بطلب وهو قوله تعالى فصيام شهرين متتابعين ومعناه ليصم شهرين متتابعين فيكون خبرا معناه الأمر أو يكون التقدير فالواجب عليه صيام شهرين متتابعين
    وهذا هو الأظهر لأنه أقرب لموافقته الظاهر من بقاء الخبر خبرا على حاله ونستفيد
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    وكذلك قولنا استتر قبل الصلاة وتطهر وانو أن هذه الأمور شروط فمن اعتبر هذا الشرط قال يستأنف الصوم إذ المراد بالآية أن يتقدم الصوم وطء المظاهر منها بعد الظهار ومن شبهه بكفارة اليمين قال لا يستأنف لأن الكفارة في اليمين ترفع الحنث بعد وقوعه باتفاق ا ه بتوضيح النوع الثاني الاستمتاع بالمظاهر منها بما دون الوطء على خلاف فيه أيضا قال حفيد ابن رشد في بدايته فذهب مالك إلى أنه كما يحرم الجماع يحرم ما دونه من الوطء فيما دون الفرج واللمس والتقبيل والنظر للذة ما عدا وجهها وكفيها ويديها من سائر بدنها ومحاسنها وبه قال أبو حنيفة إلا أنه إنما كره النظر للفرج فقط قال الشافعي إنما يحرم الظهار لوطء في الفرج فقط المجمع عليه لا ما عد بذلك ا ه
    ومذهب أحمد ما في الإقناع وشرحه من أنه إن لمس المظاهر منها أو باشرها دون الفرج على وجه يفطر به بأن أنزل قطع التتابع لفساد صومه وإلا بأن لم يكن على وجه يفطر به بأن لم ينزل فلا يقطع التتابع لعدم فساد الصوم ا ه قال حفيد ابن رشد في بدايته ودليل قول مالك أن ظاهر لفظ التماس في قوله تعالى من قبل أن يتماسا يقتضي المباشرة فما فوقها ولأنه أي الظهار لفظ حرمت عليه به فأشبه لفظ الطلاق ودليل قول الشافعي أولا أن المباشرة وإن كانت تدل على ما فوق الجماع إلا أنها دلالة مجازية لأنهم قد اتفقوا على أنها تدل على الجماع فيكون هو الحقيقة التي تنتفي بها الدلالة المجازية إذ لا يدل لفظ واحد دلالتين حقيقة ومجازا نعم لا يبعد عند من يرى أن اللفظ المشترك له عموم أن يكون اللفظ الواحد يتضمن المعنيين جميعا أعني الحقيقة والمجاز وإن كان لم يجر به عادة للعرب حتى عد القول به لذلك في غاية الضعف لكن لو علم أن للشرع فيه تصرفا لجاز وثانيا أن الظهار مشبه عندهم بالإيلاء فوجب أن يختص عندهم بالفرج ا ه ملخصا
    قلت ودليل قول أحمد أن الجماع يطلق شرعا على موجب الغسل وفساد الصوم فتأمل بإمعان النوع الثالث وطء غير المظاهر منها والأكل نهارا على خلاف فيه أيضا فقال مالك في المدونة إذا تعمد الأكل في صوم الظهار أو القتل أو النذر المتتابع نهارا أو تعمد وطء غير المظاهر منها نهارا ابتدأه ا ه
    ____________________
    (3/348)
    الوجوب من قوله تعالى فالواجب عليه واللفظ على كل تقدير متعلق بطلب لا يدفع فكيف يتخيل أنه من باب النهي على أحد الاحتمالين اللذين ذكرهما ابن بشير ولا يمكن الاعتماد في ذلك على أن التتابع إذا كان واجبا كان تركه محرما فإن كل واجب تركه محرم وكل محرم تركه واجب فالوجوب من لوازم التحريم والتحريم من لوازم الوجوب في النقيض المقابل فالذي يصح في الآية أن التتابع ليس من باب المحرم وأنه يرجع إلى تحريم التفريق هذا بعيد وإذا تقرر أنه ليس من المحرمات بقي الإشكال من جهة أن المطلوب صوم شهرين متتابعين ولم يأت بهما المكلف في تلك الصور كلها الناسي والمجتهد والمكره وكل هؤلاء فرقوا ولم يقع فعلهم مطابقا لمقتضى الطلب فوجب البقاء في العهدة كما أن الله تعالى طلب الصلاة بالنية والطهارة والستارة ونحوها من الشروط فمن نسي أحد هذه الأشياء أو اجتهد فأخطأ فيها أو أكره على عدمها بطلت الصلاة
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    بالمعنى وقال أبو الطاهر من أصحابنا وفي إلحاق الجاهل أي بالعامد قولان وفي السهو والخطأ ثلاثة أقوال ثالثها التفرقة بين السهو فيجزئ والخطأ فلا يجزئ ويبتدئ لأن معه تمييزه بخلاف السهو ومثل ما لمالك في الجملة لأحمد بن حنبل كما يفيده كلام الإقناع الآتي وقال الشافعي وأبو حنيفة الفطر يبطل التتابع مطلقا أي ناسيا أو جاهلا لأنه باختياره بخلاف المرض فقط عند أبي حنيفة وبخلاف المرض ونحوه كالإغماء والحامل والمرضع عند الشافعي قال الأصل وسبب الخلاف هل التتابع مأمور به فيقدح فيه النسيان أو التفريق محرم فلا تضر ملابسته سهوا فإن المحرمات لا يأثم الإنسان بملابستها مع عدم القصد كشرب الخمر ساهيا أو وطئ أجنبية جاهلا بأنها أجنبية أوأكل طعاما نجسا أو حراما مغصوبا غير عالم به فإن الإجماع منعقد في هذه الصور كلها على عدم الإثم ا ه
    منه بلفظه يعني أن سبب الخلاف هذان الاحتمالان اللذان ذكرهما ابن بشير وسيأتي ما في الاحتمال الثاني فترقب وأن ما لا يبطله فأنواع أيضا على الخلاف المتقدم فقال مالك رحمه الله تعالى في المدونة إذا أكل نهارا في صوم الظهار أو القتل أو النذر المتتابع ناسيا أو مجتهدا أو مكرها أو وطئ نهارا غير المظاهر منها ناسيا قضى يوما متصلا بصومه فإن لم يفعل ابتدأ الصوم من أوله
    ا ه فأولى إذا أفطر لعذر كمرض وقد تقدم حكاية الخلاف في الجهل والسهو والخطأ عن أبي الطاهر من أصحابنا ومثل ما لمالك في الجملة لأحمد بن حنبل قال في الإقناع وإن تخلل صومهما أي الشهرين صوم رمضان أو فطر واجب كفطر العيدين وأيام التشريق أو الحيض أو نفاس أو جنون أو إغماء أو مرض ولو غير مخوف أو لسفر مبيحان أي المرض والسفر الفطر أو فطر الحامل أو المرضع لخوفهما على أنفسهما أو ولديهما أو فطر لإكراه أو نسيان أو لخطأ لا لجهل أو وطئ غير المظاهر منها ليلا ولو عمدا أو نهارا ناسيا للصوم أو لعذر يبيح الفطر لم ينقطع التتابع أي بجميع ذلك فيبنى على ما قدمه ويتمه ا ه محل الحاجة منه
    وقال أبو حنيفة الفطر لمرض لا يبطله وبه قال الشافعي إلا أنه قال الإغماء كالمرض والحامل والمرضع كالمريض وقد تقدم عن حفيد ابن رشد في البداية عن الشافعي أنه قال إن وطئ المظاهر منها لا يستأنف على حال نظرا لكون كفارة الظهار ككفارة اليمين ترفع الحنث بعد وقوعه باتفاق وحكى الأصل عنه أنه قال إن وطئ المظاهر
    ____________________
    (3/349)
    وكذلك إذا أكره على الأكل والشرب في رمضان أو نسي أو اجتهد فأخطأ فإن صومه يبطل ونظائره كثيرة في الشريعة فما بال التتابع خرج عن هذا النمط في الكفارات والمنذورات هذا وجه الإشكال
    وكذلك ما قاله الشافعي أيضا في الإغماء فينبغي أن يبطل التتابع كما تبطل الصلاة والصوم بالإغماء وكذلك المرض عند الشافعي وأبو حنيفة مثله فالكل مشكل والذي يظهر في بادي الرأي أن التفريق متى حصل بأي طريق كأن وجب ابتداء الصوم كما قلناه في جميع النظائر المتقدمة لأن الصوم بوصف التتابع لم يحصل ومتى لم يحصل المطلوب الشرعي مع إمكان الإتيان به وجب الإتيان به هذا هو القاعدة والجواب عن هذا الإشكال ببيان قاعدة وهي أن الأحكام الشرعية على قسمين خطاب وضع وخطاب تكليف فخطاب الوضع هو نصب الأسباب والشروط والموانع والتقديرات الشرعية وخطاب التكليف هو الأحكام الخمسة الوجوب والتحريم والندب
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    منها ليلا لم يبطل صومه
    ا ه
    فحرر هذا توضيح الفتاوى على المذاهب الأربعة والفرق بين القاعدتين حاصل على كل فتوى مذهب منها إلا أن سره لا يظهر إلا على الفتوى من مذهبي مالك وأحمد بن حنبل رحمهما الله وذلك أنهما جعلا وطء المظاهر منها مطلقا ليلا أو نهارا أول الصوم أو آخره ناسيا أو عامدا موجبا لابتداء الصوم ووطء غير المظاهر منها والأكل نهارا عمدا فقط موجبا لابتدائه وأما الشافعي وأبو حنيفة رحمهما الله فعلى عكس ذلك فقد جعلا وطء غير المظاهر منها والأكل نهارا مطلقا أي ناسيا أو جاهلا موجبا لابتداء الصوم وأبو حنيفة وطء المظاهر منها عمدا فقط لابتدائه والشافعي وطؤها إما لا يوجب الابتداء على حال وأما ليلا فقط لا يوجبه كما توضح وسر الفرق هو أن التتابع صفة الصوم المكلف بوجوبه وصفة المكلف بوجوبه مكلف بوجوبها وعدم وطء المظاهر منها قبل التكفير عن الظاهر شرط لقوله تعالى من قبل أن يتماسا فإن المفهوم من قول القائل افعل كذا أن التقدم شرط كما تقدم والقاعدة التي تقدمت مبسوطة أن الوجوب كسائر الأحكام الخمسة من قبيل خطاب التكليف يشترط فيه علم المكلف وقدرته وإرادته فما لا قدرة له عليه لا يكلف لك وكذبه ما لم يبلغه لا يلزمه حتى يعلم به
    غير أن التمكن من العلم يقوم مقام العلم في التكليف فيسقط بالنسيان والإكراه والمرض والإغماء ونحوها لمنافاتها التكليف بمنافاتها لشرطه لطفا من الله بالعباد وأن الشرط كالسبب والمانع ونحوهما من قبيل خطاب الوضع لا يشترط فيه علم ولا قدرة ولا إرادة كالتوريث بالأنساب والإنسان لا يعلم بذلك ولا هو من قدرته ولا إرادته فيقدح فيه النسيان وغيره لأن ما لا يشترط فيه العلم والقدرة يثبت مطلقا وما يثبت مطلقا اعتبر مطلقا فيكون شرطا في جميع الحالات وعلى هذه القاعدة فالمفهوم من قوله تعالى فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا أنه بعد الظهار يجب عليه أن يصوم شهرين ليس قبلهما وطء ولا في أثنائهما وطء لأن الآية إما خبر معناه الأمر أي ليصم شهرين متتابعين وإما خبر باق على حقيقته حذف منه
    ____________________
    (3/350)
    والكراهة والإباحة فأما خطاب الوضع فلا يشترط فيه علم المكلف ولا قدرته ولا إرادته كالتوريث بالأنساب والإنسان لا يعلم بذلك ولا هو من قدرته ولا إرادته فيدخل الميراث في ملكه وإن لم يشعر به ولذلك نوجب الضمان على الصبيان والمجانين والغافلين ونطلق بالإضرار ونوجب الظهر بالزوال والصوم برؤية الهلال إلى غير ذلك مما هو من خطاب الوضع وخطاب التكليف يشترط فيه العلم والقدرة والإرادة فما لا قدرة له عليه لا يكلف به وكذلك ما لم يبلغه لا يلزمه حتى يعلم به غير أن التمكن من العلم يقوم مقام العلم في التكليف
    وقد تقدمت هذه القاعدة مبسوطة فإذا وضحت فنقول المتابعة من باب خطاب التكليف لأن الصوم مكلف به وصفة المكلف به مكلف بها والتتابع صفة الصوم فتكون مكلفا بها فيكون من باب التكليف فلذلك يسقط التكليف بها في تلك الأحوال لمنافاة النسيان والإكراه والمرض والإغماء ونحوها التكليف لطفا من الله تعالى بالعباد وعدم وطء المظاهر منها قبل التكفير شرط لقوله تعالى من قبل أن يتماسا المجادلة
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    وإما المبتدأ أي فالواجب عليه صيام شهرين متتابعين وإما الخبر أي فصيام شهرين متتابعين واجب عليه وكونهما ليس قبلهما وطء ولا في أثنائهما وطء أمران قد يتغير أحدهما بتقدم الوطء فيستحل بعد ذلك أي بعد تغير أحدهما بتقدم الوطء أن يصدق أنه يصوم شهرين متتابعين ليس قبلهما وطء ويبقى الآخر وهو أن يصوم شهرين متتابعين ليس في خلالهما وطء والقاعدة أن المتعذر يسقط اعتباره والممكن يستصحب فيه التكليف لقوله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم ولقوله عليه السلام إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم فلذلك قلنا نحن وأحمد بن حنبل يبتدئ الصوم متتابعين إذا وطئها قبله مطلقا وأبو حنيفة عمدا فقط
    وإن كان وصف تقدم عدم الوطء قد تعذر لأنه أي التتابع هو الممكن الباقي وأما في فطره ناسيا النذر المتتابع ونحوه من أنواع الصوم المتتابع فيأتي بيوم غير اليوم الذي أفطر فيه ناسيا يصله بآخر صيامه تكملة للعدة لا لتحصيل وصف التتابع في جميع الصوم بل في آخره فقط لأن تحصيله في أثناء الصوم قد تعذر وبقي تحصيله في آخره ممكنا فوجب الممكن وسقط المتعذر على القاعدة المتقدمة وبهذا يندفع الإشكال الوارد هنا على الفتاوى المذكورة كلها من جهة أن قوله تعالى فصيام شهرين متتابعين على كل تقدير من التقادير المتقدمة أعني كونه خبرا بمعنى الأمر أو على حقيقته حذف منه المبتدأ أو الخبر هو متعلق بطلب لا يدفع فكيف يتخيل أنه من باب النهي عن التفريق فيكون محرما
    والمحرم لا يأثم الإنسان بملابسته مع عدم القصد كما هو على أحد الاحتمالين المتقدمين عن ابن بشير ويبعد الاعتماد في ذلك على أن التتابع إذا كان واجبا كان تركه محرما فإن كل واجب تركه محرم وكل محرم تركه واجب فالوجوب من لوازم التحريم والتحريم من لوازم الوجوب في النقيض المقابل فالذي يصح في الآية أن التتابع من باب الواجب وأن المطلوب طلبا أكيدا صوم شهرين متتابعين والمكلف الناسي والمجتهد والمكروه كل واحد منهم قد فرق ولم يقع فعله مطابقا لمقتضى الطلب فوجب البقاء في العهدة كما أن الله تعالى طلب الصلاة بالنية والطهارة والستارة ونحوها من الشروط فمن نسي أحد هذه الأشياء أو اجتهد فأخطأ فيها أو أكره على عدمها بطلت الصلاة
    ____________________
    (3/351)
    4 والمفهوم من قول القائل افعل كذا قبل كذا أن التقدم شرط ولذلك يصدق قولنا استأذن المرأة في النكاح وأحضر الولي قبل العقد أن هذين شرطان وكذلك استتر قبل الصلاة وتطهر وانو أن هذه الأمور شروط وإذا كان هذا الكلام يفيد الشرطية كان تقدم العدم شرطا فلذلك قدح فيه النسيان وغيره فإن ما لا يشترط فيه العلم والقدرة يثبت مطلقا وما يثبت مطلقا اعتبر مطلقا فيكون شرطا في جميع الحالات فيؤثر فقده والتكليف لما كان العلم والقدرة شرطين فيه فقد التكليف عند عدمهما فإذا علمت ذلك فالمفهوم من قوله تعالى من قبل أن يتماسا أنه يصوم شهرين متتابعين ليس قبلهما وطء ولا في أثنائهما وطء فهذان أمران قد يتغير أحدهما بتقدم الوطء فاستحال بعد ذلك أن يصدق أنه يصوم شهرين متتابعين ليس قبلهما وطء لأجل تقدم الوطء وبقي الآخر وهو أنه يصوم شهرين متتابعين ليس في خلالهما وطء والقاعدة أن المتعذر يسقط اعتباره والممكن يستصحب فيه التكليف لقوله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم ولقوله عليه السلام إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم فلذلك قلنا يبتدي الصوم في الظهار متتابعا إذا وطئها قبله وإن كان وصف تقدم عدم الوطء قد تعذر لأنه الممكن الباقي
    وأما في النذر ونحوه فيأتي بيوم غير اليوم الذي أفطر فيه ناسيا يصله بآخر صيامه تكملة للعدة لا لتحصيل وصف التتابع في جميع الصوم بل في آخره فقط لأن تحصيله في أثناء الصوم قد تعذر فأفطر ناسيا وبقي تحصيله في آخره
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    وكذلك إذا أكره على الأكل أو الشرب في رمضان أو نسي أو اجتهد فأخطأ فإن صومه يبطل ونظائره كثيرة في الشريعة فما بال التتابع خرج عند مالك وأحمد بن حنبل عن هذا النمط في الكفارات والمنذورات وكذلك عند الشافعي في قوله في الإغماء فينبغي أن يبطل التتابع كما تبطل الصلاة والصوم بالإغماء وكذلك عنده في الحامل والمرضع فينبغي أن يبطلا التتابع كما تبطل الصلاة والصوم بهما وكذلك عنده وعند أبي حنيفة في قولهما في المرض والذي يظهر في بادئ الرأي أن التفريق متى حصل أي طريق كان وجب ابتداء الصوم كما قلنا في جميع النظائر المتقدمة لأن الصوم بوصف التتابع لم يحصل ومتى لم يحصل المطلوب الشرعي مع إمكان الإتيان به وجب الإتيان به هذه هي القاعدة وحاصل الدفع أن النظائر المذكورة شروط من قبيل خطاب الوضع الذي لا يشترط فيه علم المكلف ولا قدرته ولا إرادته فهي شروط في جميع الحالات فيؤثر فقدها والتتابع المذكور ليس كذلك لأنه صفة الصوم المكلف بوجوبه وصفة المكلف بوجوبه مكلف بوجوبها فهو من قبيل خطاب التكليف الذي يشترط فيه علم المكلف وقدرته وإرادته
    والقاعدة أن المتعذر منه يسقط اعتباره والممكن منه يستصحب فيه التكليف لما تقدم والله سبحانه وتعالى أعلم مسألة قال
    ____________________
    (3/352)
    ممكنا فوجب الممكن وسقط المتعذر على القاعدة المتقدمة وكذلك في جميع الكفارات وأنواع الصوم المتتابع فاندفع الإشكال بهذه القاعدة بفضل الله تعالى
    مسألة قال مالك رحمه الله إذا تطوع بالصوم أو بالصلاة ونحوهما مما يجب بالشروع وعرض عارض يقتضي فساده ناسيا أو مجتهدا لم يجب قضاء الصوم والصلاة وإن أفطر متعمدا أو أبطل الصلاة وجب القضاء على قاعدة الوجوب بالشروع مع أن قاعدة الوجوب بالشروع تقتضي القضاء مطلقا ألا ترى أن الصلوات الخمس وصوم رمضان يقضيهما إذا فسدا بأي طريق كان فكان يلزمه هنا كذلك وهو إشكال كبير فإن الواجب ينبغي أن لا يختلف حاله والجواب عنه أن وجوب التطوعات عنده مأخوذ من قوله تعالى ولا تبطلوا أعمالكم نهى سبحانه وتعالى عن الإبطال فيكون الإكمال واجبا مكلفا به والتكليف يشترط فيه القدرة والعلم على القاعدة المتقدمة فلا يجب الإتمام حالة عدم
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    مالك رحمه الله إذا تطوع بالصوم أو بالصلاة ونحوهما مما يجب بالشروع أي من النوافل السبع المجموعة في قول ابن كمال باشامن النوافل سبع تلزم الشارع أخذا لذلك مما قاله الشارع صوم صلاة عكوف حجه الرابع طوافه عمرة إحرامه السابع
    وأراد بقوله إحرامه السابع الائتمام في قول ابن عرفة السابق صلاة وصوم ثم حج وعمرة طواف عكوف وائتمام تحتما وفي غير ذا كالوقف والطهر خيرن فمن شاء فليقطع ومن شاء تمما وعرض عارض يقتضي فساده ناسيا أو مجتهدا لم يجب قضاء الصوم والصلاة وإن أفطر متعمدا أو أبطل الصلاة وجب القضاء ا ه
    وهذا وإن توجه عليه إشكال كبير هو أن قاعدة الوجوب بالشروع تقتضي أن يكون ما يجب بالشروع نظير الواجب المتصل كالصلوات الخمس وصوم رمضان في كون ما فسد من كل يقضي بأي طريق كان فإن الواجب ينبغي أن لا يختلف حاله إلا أن وجهه هو أن وجوب التطوعات عنده مأخوذ من قوله تعالى ولا تبطلوا أعمالكم حيث نهى سبحانه وتعالى عن الإبطال فيكون الإكمال واجبا مكلفا به والتكليف يشترط فيه القدرة والعلم على القاعدة المتقدمة فلا يجب الإتمام حالة عدم القدرة والعلم
    وإذا لم يجب الإتمام حالة القدرة والعلم فإذا تعمد الإفساد ولم يحصل الإتمام حالة القدرة والعلم وجب القضاء لاندراج هذه الحالة في التكليف نعم لما كان المشهور في علم الأصول أن القضاء إنما يجب بأمر جديد فيتبع ذلك الأمر على حسب وروده وقد ورد الأمر بالقضاء مع العذر وعدمه في الواجب المتصل كالصوم في رمضان لقوله تعالى فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر فإنه أوجب القضاء مع المرض وهو عذر ولم يرد لنا في التطوعات التي تجب بالشروع مثل ذلك بل إنما ورد فيها الأمر بالقضاء في صورة عدم العذر خاصة لقوله عليه السلام في الحديث الصحيح لعائشة وحفصة رضي الله عنهما في صوم التطوع اقضيا يوما مكانه وكانتا عامدتين لإفساد ذلك
    ____________________
    (3/353)
    القدرة والعلم فلا يجب القضاء كذلك
    وإذا تعمد الإفساد اندرجت هذه الحالة في التكليف لحصول القدرة والعلم فوجب القضاء لقوله عليه السلام في الحديث الصحيح لعائشة وحفصة رضي الله عنهما في صوم التطوع اقضيا يوما مكانه وكانتا عامدتين لإفساد ذلك اليوم في حالة يثبت فيها التكليف فبقيت الحالة التي لا يثبت فيها التكليف على مقتضى الأصل لأن القضاء إنما يجب بأمر جديد فيقتصر به حيث ورد فإن قلت الصوم في رمضان والصلوات الخمس يقضيان مطلقا فلم لا أقضي هذا مطلقا قلت المشهور في علم الأصول أن القضاء إنما يجب بأمر جديد فيتبع ذلك الأمر على حسب وروده وقد ورد الأمر بالقضاء في الواجب المتصل مع العذر وعدمه لقوله تعالى فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر والمرض عذر وقد وجب معه القضاء فلذلك أوجبنا القضاء مطلقا ولم يرد لنا في التطوعات مثل ذلك بل في صورة عدم العذر خاصة فاقتصر عليها لأن وجوب القضاء تبع للأمر به كما تقدم فهذا هو تلخيص الفرق بين قاعدة ما يبطل التتابع وقاعدة ما لا يبطله وشرط قاعدة خطاب الوضع وقاعدة خطاب التكليف
    الفرق الرابع والسبعون والمائة بين قاعدة المطلقات يقضي قبل علمهن بالطلاق وأمد العدة فلا يلزمهن استئنافها ويكتفين بما تقدم قبل علمهن وبين قاعدة المرتابات يتأخر الحيض ولا يعلم لتأخره سبب فإنهن يمكثن عند مالك رحمه الله تسعة أشهر غالب مدة الحمل استبراء فإن حضن في خلالها احتسبن بذلك الحيض وانتظرن بقية الأقراء إلى تسعة أشهر ولا يزلن كذلك حتى
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    اليوم في حالة يثبت فيها التكليف على مقتضى الأصل أوجبنا القضاء في الواجب المتصل مطلقا واقتصرنا على القضاء بصورة عدم العذر خاصة في التطوعات التي تجب بالشروع فهذا هو تلخيص الفرق بين قاعدة ما يبطل التتابع وقاعدة ما لا يبطله وشرط قاعدة خطاب الوضع وقاعدة خطاب التكليف مع تنقيح كلام الأصل في ذلك على ما قاله ابن الشاط وما في بداية المجتهد وما في الإقناع وشرحه والله سبحانه وتعالى أعلم
    الفرق الرابع والسبعون والمائة بين قاعدة المطلقات يقضي بالطلاق وأمد العدة قبل علمهن بذلك فيكتفين بما تقدم على علمهن من أمدها ولا يلزمهن استئنافه وبين قاعدة المرتابات يتأخر الحيض ولا يعلم لتأخيره سبب فيمكثن عند مالك وأحمد رحمهما الله تسعة أشهر غالب مدة الحمل استبراء فإن حضن في خلالها احتسبن بذلك الحيض وانتظرن بقية الأقراء إلى تسعة أشهر ولا يزلن كذلك حتى يكمل لهن ثلاثة قروء أو تسعة أشهر فإذا انقضت تسعة أشهر ليس في خلالها حيض استأنفن ثلاثة
    ____________________
    (3/354)
    يكمل لهن ثلاثة قروء أو تسعة أشهر فإذا انقضت تسعة أشهر ليس في خلالها حيض استأنفن ثلاثة أشهر كمال السنة فإن حضن قبل السنة بلحظة استأنفن الأقراء حتى تمضي سنة لا حيض فيها ووافقه أحمد بن حنبل رضي الله عنه
    وقال الشافعي وأبو حنيفة رضي الله عنهما تنتظر الحيض إلى سن الإياس حجة مالك رحمه الله قول عمر رضي الله عنه أيما امرأة طلقت فحاضت حيضة أو حيضتين ثم رفعت عنها حيضتها فإنها تنتظر تسعة أشهر فإن بان بها حمل فذاك وإلا اعتدت بعد التسعة بثلاثة أشهر ولأنهن بعد التسعة يئسن من المحيض إذ لو كان لظهر غالبا فيندرجن في قوله تعالى واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إذا تقرر هذا بقي السؤال المحوج للفرق بين هذه القاعدة وقاعدة تقدم العدد قبل العلم فإنهن إذا مضى لهن تسعة أشهر لا حيض فيها فقد مضى لهن ثلاثة أشهر في خلالها فلا حاجة إلى إعادة ثلاثة أشهر أخر وما الفرق بين هذه الثلاثة وبين الثلاثة تمضي قبل العلم والمقصود براءة
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    أشهر كمال السنة فإن حضن قبل السنة ولو بلحظة استأنفن الأقراء حتى ينقضي الأقراء أو سنة لا حيض فيها قال حفيد ابن رشد في بدايته واختلف عن مالك من متى تعتد بتسعة الأشهر فقيل من يوم طلقت وهو قوله في الموطإ وروى ابن القاسم عنه من يوم رفعتها حيضتها ا ه بلفظه وقال الشافعي وأبو حنيفة رحمهما الله تعالى تنتظر الحيض إلى سن الإياس وقول مالك وأحمد رحمهما الله وإن كانت حجتهما عليه بأمرين أحدهما قول عمر رضي الله عنه أيما امرأة طلقت فحاضت حيضة أو حيضتين ثم رفعت عنها حيضتها فإنها تنتظر تسعة أشهر فإن بان بها حمل فذاك وإلا اعتدت بعد التسعة بثلاثة أشهر وثانيهما أنهن بعد التسعة يئسن من المحيض إذ لو كان لظهر غالبا بدليل أن الحامل قد تحيض فحيث لم تحض في مدة الحمل كانت مدة الحمل كافية في العلم ببراءة الرحم المقصود بالعدة بل هي قاطعة على ذلك فيندرجن في واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إلا أنه يقال عليه ما الفرق بين هذه الثلاثة وبين الثلاثة تمضي قبل العلم والمقصود براءة الرحم بمضي ثلاثة أشهر لم يظهر فيها حمل وقد حصلت في كلا البابين وجوابه أن هذه النسوة المرتابات وإن انكشف الغيب عن إياسهن إلا أن العدة لما كانت لا تحصل بمجرد العلم بحصول براءة الرحم وإلا لحصلت لامرأة من غاب عشر سنين ثم طلقها بعد العشرة وهو غائب عنها حيث إن تلك المدة قد دلت على براءة الرحم وليس كذلك إجماعا بل إنما تحصل بالعلم بحصول براءة الرحم بعد سببها لا قبل سببها إذ الواقع قبل السبب من جميع الأحكام لا يعتد به كالصلاة قبل الزوال والصوم قبل رؤية الهلال وإخراج الزكاة قبل ملك النصاب فإذا انعقد الإجماع على أن امرأة من غاب عشر سنين ثم طلقها بعد العشر وهو غائب عنها تستأنف العدة بعد تلك المدة المتقدمة وإن دلت على براءة الرحم إلا أنها وقعت قبل سبب العدة الذي هو الطلاق
    ____________________
    (3/355)
    الرحم بمضي ثلاثة أشهر لم يظهر فيها حمل
    وقد حصلت فالموضع في غاية الإشكال وجوابه أن هذه النسوة وإن انكشف الغيب عن إياسهن إلا أن العدة لا بد وأن تكون بعد سببها وإن علم حصول براءة الرحم قبل السبب فإن من غاب عن امرأة عشر سنين ثم طلقها بعد العشر وهو غائب عنها فإنها تستأنف العدة إجماعا لأن تلك المدة المتقدمة وهي العشر سنين وإن دلت على براءة الرحم غير أن تلك المدة وقعت قبل السبب والواقع قبل السبب من جميع الأحكام لا يعتد به كالصلاة قبل الزوال والصوم قبل رؤية الهلال وإخراج الزكاة قبل ملك النصاب والله سبحانه وتعالى جعل الإياس سببا للعدة ثلاثة أشهر لأنه تعالى رتبه عليها بصيغة الفاء لقوله تعالى واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر فتدل هذه الآية على السببية في الإياس من وجهين أحدهما أن ترتيب الحكم على الوصف يدل على علية ذلك الوصف لذلك الحكم
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    كان الواقع للمرتابات من الأشهر قبل كمال التسعة واقعا قبل إياسنا وإياسهن من الحيض والله سبحانه وتعالى جعل الإياس سببا للعدة ثلاثة أشهر فإن قوله تعالى واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر يدل على السببية في الإياس من وجهين أحدهما أنه تعالى رتبه على عدة ثلاثة الأشهر بفاء الجزاء وثانيهما أن الموصول مع صلته في قوة المشتق وقد ترتب عليه حكم عدة ثلاثة الأشهر والقاعدة أن ترتب الحكم على المشتق عليه مأمنة يدل على الاشتقاق وهو المصدر لذلك الحكم فنحو اقطعوا السارق واجلدوا الزاني يدل على علية السرقة للقطع والزنا للجلد فكذلك الآية تدل على علية الإياس لعدة ثلاثة الأشهر فيكون الواقع من الأشهر قبل كمال التسعة للمرتابات وإن كان دالا على براءة الرحم لا يعتد به في عدة ثلاثة الأشهر لوقوعه قبل سببها فيتعين استئناف ثلاثة بعد تحقق السبب الذي هو الإياس
    وأما المطلقات تمضي لهن ثلاثة أشهر بعد الطلاق وقبل العلم به والمتوفى عنهن أزواجهن يمضي لهن أربعة أشهر وعشر بعد الوفاة وقبل علمهن بها فإنهن وإن لم يعلمن بأن تلك الآجال عدد وقعت بعد أسبابها التي هي الوفاة والطلاق إلا إنهن يعتددن بتلك الآجال في عددهن لأن العلم ليس بسبب إجماعا والسبب إنما هو الوفاة والطلاق وقد وقعت تلك الآجال بعده فظهر سر الفرق بين البابين والتباين بين القاعدتين على مذهبي مالك وأحمد بن حنبل رحمهما الله وأما أبو حنيفة والشافعي والجمهور فقال حفيد ابن رشد في بدايته إنهم صاروا إلى ظاهر قوله تعالى واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر والتي هي ليست
    ____________________
    (3/356)
    كقولنا اقطعوا السارق واجلدوا الزاني وغير ذلك فإن هذه الأوصاف المتقدمة أسباب لهذه الأحكام المترتبة عليها كذلك هاهنا يكون الإياس سببا للاعتداد بثلاثة أشهر والواقع من الأشهر قبل كمال التسعة واقع قبل إياسنا وإياسهن من الحيض فيكون واقعا قبل سببه فلا يعتد به ويتعين استئناف ثلاثة بعد تحقق السبب
    وأما المطلقات تمضي لهن ثلاثة أشهر بعد الطلاق وقبل العلم به والمتوفى عنهن أزواجهن يمضي لهن أربعة أشهر وعشر بعد الوفاة وقبل علمهن بأن تلك الآجال عدد وقعت بعد أسبابها وهي الوفاة والطلاق والعلم في تلك الصور ليس سببا إجماعا والإياس هنا سبب فلا بد أن يتحقق كما تحققت الوفاة والطلاق فلذلك لم تحصل العدة قبله كما لا تعتد قبل الوفاة والطلاق فظهر الفرق بين البابين والتباين بين القاعدتين الفرق الخامس والسبعون والمائة بين قاعدة الدائر بين النادر والغالب يلحق بالغالب من جنسه وبين قاعدة إلحاق الأولاد بالأزواج إلى خمس سنين وقيل إلى أربع وهو قول الشافعي رحمه الله وقيل إلى سبع سنين وكلها روايات عن مالك
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    من أهل الحيض ليست بيائسة
    وهذا الرأي فيه عسر وحرج ولو قيل إنها تعتد بثلاثة أشهر لكان جيدا إذا فهم من اليائسة التي لا يقطع بانقطاع حيضتها وكان قوله إن ارتبتم راجعا إلى الحكم لا إلى الحيض على ما تأوله مالك عليه فكأن مالكا لم يطابق مذهبه تأويله الآية فإنه فهم من اليائسة هنا من انقطع على أنها ليست من أهل الحيض وهذا لا يكون إلا من قبل السن ولذلك جعل قوله تعالى إن ارتبتم راجعا إلى الحكم لا إلى الحيض أي إن شككتم في حكمهن ثم قال في التي تبقى تسعة لا تحيض وهي في سن من تحيض إنها تعتد بالأشهر وأما إسماعيل وابن بكير من أصحابه أي مالك فذهبوا إلى أن الريبة ها هنا في الحيض وأن اليائس في كلام العرب هو ما لم يحكم عليه بما يئس منه بالقطع فطابقوا بتأويل الآية مذهبهم الذي هو مذهب مالك ونعم ما فعلوا لأنه فهم ها هنا من اليائس القطع فقد يجب أن تنتظر الدم وتعتد به حتى تكون في هذا السن أعني سن اليائس وإن فهم من اليائس ما لا يقطع بذلك فقد يجب أن تعتد التي قطع دمها عن العادة وهي في سن من تحيض بالأشهر وهو قياس قول أهل الظاهر لأن اليائسة في الطرفين ليست هي عندهم من أهل العدة لا بالأقراء ولا بالشهور وأما الفرق في ذلك بين ما قبل التسعة وما بعدها فاستحسان ا ه والله أعلم
    الفرق الخامس والسبعون والمائة بين قاعدة الدائر بين النادر والغالب يلحق بالغالب من جنسه وبين قاعدة إلحاق الأولاد بالأزواج إلى خمس سنين وقيل إلى أربع سنين وهو قول الشافعي رحمه الله وقيل إلى تسع سنين وكلها روايات عن مالك وقال
    ____________________
    (3/357)
    وقال أبو حنيفة رضي الله عنه إلى سنتين فإن هذا الحمل الآتي بعد خمس سنين دائر بين أن يكون من الوطء السابق من الزوج وبين أن يكون من الزنى ووقوع الزنى في الوجود أكثر وأغلب من تأخر الحمل هذه المدة فقدم الشارع ها هنا النادر على الغالب وكان مقتضى تلك القاعدة أن يجعل زنى لا يلحق بالزوج عملا بالغالب لكن الله سبحانه وتعالى شرع لحوقه بالزوج لطفا بعباده وسترا عليهم وحفظا للأنساب وسدا لباب ثبوت الزنى كما اشترط تعالى في ثبوته أربعة مجتمعين سدا لبابه حتى يبعد ثبوته وأمرنا أن لا نتعرض لتحمل الشهادة فبه وإذا تحملناها أمرنا بأن لا نؤدي بها وأن نبالغ في الستر على الزاني ما استطعنا بخلاف جميع الحقوق كل ذلك شرع طلبا للستر على العباد ومنة عليهم فهذا هو سبب استثناء هذه القاعدة من تلك القواعد وإلا فهي على خلاف الإلحاق بالغالب دون النادر فاعلم ذلك واعلم الفرق بين القاعدتين وهو طلب الستر وما تقدم معه
    الفرق السادس والسبعون والمائة بين قاعدة العدد وقاعدة الاستبراء إن العدة تجب وإن علمت براءة الرحم كمن طلقها زوجها غائبا عنها بعد عشر سنين وكذلك إذا توفي عنها والاستبراء ليس كذلك قال في الجواهر لا يجري الاستبراء قبل البيع إلا فيمن كانت تحت يده للاستبراء أو وديعة وسيدها لا يدخل عليها أو اشتراها من
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    أبو حنيفة رضي الله عنه أي سنتين حيث إن الشارع هاهنا قدم النادر على الغالب دون العكس وإلا لما لحق هذا الحمل الآتي بعد خمس سنين بالأزواج وهو دائر بين أن يكون من الوطء السابق وبين أن يكون من الزنا ووقوع الزنى في الوجود أكثر وأغلب من تأخر الحمل هذه المدة بل كان مقتضى تلك القاعدة أن يجعل زنى عملا بالغالب لكن الله سبحانه وتعالى شرع لحوقه بالزوج لطفا بعباده وسترا عليهم وحفظا للأنساب وسد الباب ثبوت الزنى كما أنه تعالى اشترط مع ثبوته أربعة مجتمعين سدا لبابه حتى يبعد ثبوته وأمرنا أن لا نتعرض لتحمل الشهادة فيه وأمرنا إذا تحملناها أن لا نؤديها وأن نبالغ في الستر على الزاني ما استطعنا فإنه تعالى كما شرع كل ذلك طلبا للستر على العباد ومنة عليهم كذلك شرع لحوق الحمل الآتي بعد تلك المدة بالأزواج وهو نادر لذلك بخلاف جميع الحقوق فطلب الستر وما تقدم معه هو سبب استثناء هذه القاعدة من قاعدة جميع الحقوق وجعلها على خلاف قاعدة الإلحاق بالغالب دون النادر والله سبحانه وتعالى أعلم
    الفرق السادس والسبعون والمائة بين قاعدة العدد وقاعدة الاستبراء من حيث إن العدة تجب وإن علمت البراءة للرحم كبنت المهد يتوفى عنها زوجها وكمن طلقها أو توفي عنها زوجها الغائب عنها بعد عشر سنين والاستبراء لا يجب حيث علمت البراءة للرحم قال في الجواهر لا يجري الاستبراء قبل البيع إلا فيمن كانت تحت يده للاستبراء أو وديعة وسيدها لا يدخل عليها أو اشتراها من امرأته أو ولده الصغير الذي في عياله وسكنه أو اشتراها من سيدها عند قدومه من الغيبة
    ____________________
    (3/358)
    امرأته أو ولده الصغير الذي في عياله وسكنه أو اشتراها من سيدها عند قدومه من الغيبة قبل أن تخرج إليه أو خرجت حائضا أو الشريك يشتري من شريكه وهي تحت يدي المشتري
    وقال الإمام أبو عبد الله كل من أمن عليها الحمل فلا استبراء فيها ومن غلب على الظن حملها أو شك فيها استبرئت وإن غلب على الظن براءتها مع جواز الحمل فقولان كالصغيرة والآيسة تستبرآن لسوء الظن والوخش من الرقيق ومن باعها مجبوب أو امرأة أو ذو محرم منها والمشهور إيجابه وأشهب ينفيه ويجوز اتفاق البائع والمشتري على استبراء واحد لحصول المقصود به فهذه فروع في الاستبراء لا يجوز في العدد مثلها فلو علمت براءة المعتدة قبل الإطلاق أو الوفاء لا بد لها من العدة والفرق بين البابين أن العدة يغلب عليها شائبة التعبد من حيث الجملة وإن كانت معقولة المعنى من حيث الجملة لأنها شرعت لبراءة الرحم وعدم اختلاط الأنساب فمن هذا الوجه هي معقولة المعنى ومن جهة أن العدة تجب في الوفاة على بنت المهد وتجب في الطلاق والوفاة على الكبيرة المعلوم براءتها بسبب الغيبة وغيرها هذه شائبة التعبد فلما كان في العدة شائبة التعبد وجب فعلها بعد سببها مطلقا في جميع الصور علمت البراءة أم لا توفية لشائبة التعبد والاستبراء لم ترد فيه هذه الشائبة بل هو معقول المعنى لبراءة الرحم وعدم اختلاط الأنساب فلذلك حيث حصل المعنى وهو البراءة سقطت الوسيلة إليه وهي الاستبراء لحصول المقصود فهذا هو الفرق وهو الموجب لخروج تلك الصور عن الحاجة للاستبراء ولم يخرج مثلها في قاعدة العدد
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    قبل أن تخرج إليه أو أخرجت حائضا أو الشريك يشتري من شريكه وهي تحت يد المشتري
    وقال الإمام أبو عبد الله كل من أمن عليها الحمل فلا استبراء فيها ومن غلب على الظن حملها أو شك فيها استبرأت وإن غلب على الظن براءتها مع جواز الحمل فقولان كالصغيرة والآيسة تستبرآن لسوء الظن والوحش من الرقيق ومن باعها مجبوب أو امرأة أو ذو محرم منها والمشهور إيجابه وأشهب ينفيه ويجوز اتفاق البائع والمشتري على استبراء واحد لحصول المقصود به ا ه
    وسر الفرق هو أن العدة وإن كانت من جهة أنها شرعت لبراءة الرحم وعدم اختلاط الأنساب هي معقولة المعنى إلا إنها لما كان فيها شائبة التعبد من جهة أنها تجب في الوفاة على بنت المهد وفي الطلاق والوفاة على الكبيرة المعلوم براءتها بسبب وغيرها وجب فعلها بعد سببها مطلقا في جميع الصور علمت البراءة أم لا توفية لشائبة التعبد والاستبراء لما لم ترد فيه هذه الشائبة بل إنما شرع لبراءة الرحم وعدم اختلاط الأنساب بحيث لم يكن إلا معقول المعنى لم يجب حيث حصل المعنى وهو البراءة ضرورة أنه وسيلة لذلك المعنى فتسقط حيث حصل لحصول المقصود وبدونها هذا هو الموجب لخروج تلك الصور عن الحاجة للاستبراء وعدم خروج مثلها في قاعدة العدد والله سبحانه وتعالى أعلم
    ____________________
    (3/359)
    الفرق السابع والسبعون والمائة بين قاعدة الاستبراء بالأقراء يكفي قرء واحد وبين قاعدة الاستبراء بالشهور لا يكفي شهر مع أن غالب النساء يحصل لهن في كل شهر قرء كأن يكتفى بشهر كما اكتفي بقرء والفرق بين البابين أن القرء الواحد وهو الحيض دال عادة على براءة الرحم فإن الحيض لا يجتمع مع الحمل غالبا فكان القرء الواحد من الحيض دالا على براءة الرحم وعدم الحمل والشهر الواحد وإن كان يحصل قرءا واحدا في حق من تحيض لكنه في حق من لا تحيض لا يحصل به براءة الرحم لأن المني يمكث منيا في الرحم نحو الشهر ثم يصير مضغة بعد أن صار علقة فلا يظهر الحمل في الغالب إلا في ثلاثة أشهر فتكبر الجوف وتحصل مبادئ الحركة
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    @ 360 الفرق السابع والسبعون والمائة بين قاعدة الاستبراء بالأقراء يكفي قرء واحد وبين قاعدة الاستبراء بالشهور لا يكفي شهر واحد وهو أن الشهر الواحد وإن كان يحصل قرء واحد في حق من يحيض فيقتضي الاكتفاء به كما اكتفى بقرء واحد نظرا لكون غالب النساء ذوات حيض إلا أنه لما كان في حق من لا تحيض لا يحصل به براءة الرحم وعدم الحمل بل جوف الحامل فيه مساو في الظاهر لغير الحامل لأن المني يمكث منيا في الرحم نحو الشهر ثم يصير مضغة بعد أن صار علقة فلا يظهر الحمل في الغالب إلا في ثلاثة أشهر فتكبر الجوف وتحصل مبادئ الحركة لم يعتبر الشهر الواحد واعتبر القرء الواحد من الحيض لأنه دال على براءة الرحم وعدم الحمل عادة إذ لا يجتمع الحيض مع الحمل غالبا والله سبحانه وتعالى أعلم
    مسألة في بداية المجتهد لحفيد ابن رشد اختلف في أم الولد يتوفى عنها سيدها الذي أولدها فقال مالك والشافعي وأحمد والليث وأبو ثور وجماعة عدتها حيضة وبه قال ابن عمر وقال مالك وإن كانت ممن لا تحيض اعتدت بثلاثة أشهر ولها السكنى
    وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري عدتها ثلاث حيض وهو قول علي وابن مسعود وقال قوم عدتها نصف عدة الحرة المتوفى عنها زوجها وقال قوم عدتها عدة الحرة أربعة أشهر وعشر وحجة مالك أنها ليست زوجة فتعتد عدة الوفاة ولا مطلقة فتعتد ثلاث حيض فلم تبق إلا استبراء رحمها وذلك يكون بحيضة تشبيها بالأمة يموت عنها سيدها وذلك ما لا خلاف فيه وحجة أبي حنيفة أن العدة إنما وجبت عليها وهي حرة وليست بزوجة فتعتد عدة الوفاة ولا بأمة فتعتد عدة أمة فوجب أن تستبرأ رحمها بعدة الأحرار
    وأما الذين أوجبوا لها عدة الوفاة فاحتجوا بحديث روي عن عمرو بن العاص قال لا تلبسوا علينا سنة نبينا عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها أربعة أشهر وعشر وضعف أحمد هذا الحديث ولم يأخذ به
    ____________________
    (3/360)
    أما الشهر الواحد فجوف الحامل فيه مساو في الظاهر لغير الحامل فلذلك لم يعتبر الشهر الواحد واعتبر القرء الواحد الفرق الثامن والسبعون والمائة بين قاعدة الحضانة يقدم فيها النساء على الرجال بخلاف جميع الولايات يقدم فيها الرجال على النساء وهو أن قاعدة الشرع أنه يقدم في كل موطن وكل ولاية من هو أقوم بمصالحها فيقدم في ولاية الحرب من هو أقوم بمصالح الحروب من سياسة الجيوش ومكائد العدو ويقدم في القضاء من هو أكثر تفطنا لحجاج الخصوم وقواعد الأحكام ووجوه الخدع من الناس ويقدم في الفتوى من هو أنقل للأحكام وأشفق على الأمة وأحرصهم على إرشادها لحدود الشريعة ويقدم في سعاية الماشية وجباية الزكاة والعمل عليها من هو أعرف بنصب الزكوات ومقادير الواجب فيها وأحكام اختلاطها وافتراقها وضم أجناسها ويقدم في أمانة الحكم من هو أعرف بمقادير النفقات وأهليات الكفالات وتنمية أموال الأيتام والمناضلة
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    وأما من أوجب عليها نصف عدة الحرة فشبهها بالزوجة الأمة فسبب الخلاف إنها مسكوت عنها وهي مترددة الشبه بين الأمة والحرة وأما من شبهها بالزوجة الأمة فضعيف وأضعف منه من شبهها بعدة الحرة المطلقة وهو مذهب أبو حنيفة ا ه
    الفرق الثامن والسبعون والمائة بين قاعدة الحضانة يقدم فيها النساء على الرجال بخلاف جميع الولايات يقدم فيها الرجال على النساء وهو أن الله سبحانه وتعالى لما اقتضت حكمته التامة البالغة كثرة بكاء الأطفال منفعة لهم أما أولا فلأن في أدمغتهم رطوبات لو بقيت فيها لأحدثت أحداثا عظيمة والبكاء يسيل ذلك ويحدره من أدمغتهم فتقوى أدمغتهم وتصح
    وأما ثانيا فلأن البكاء والعياط يوسع عليهم مجاري النفس ويفتح العروق ويصلبها ويقوي الأعصاب واقتضت أيضا أن تكون هذه الدار الدنيا ممزوجة عافيتها ببلائها وراحتها بعنائها ولذتها بآلامها وصحتها بسقمها وفرحها بغمها وأنها دار ابتلاء تدفع بعض آفاتها ببعض كما قال القائل أصبحت في دار بليات أدفع آفات بآفات حتى صارت آلام الأطفال كآلام البالغين من لوازم النشأة الإنسانية التي لا ينفك عنها الإنسان ولا الحيوان كالحر والبرد والجوع والعطش والتعب والنصب والهم والغم والضعف والعجز بحيث إن الإنسان لو تجرد عنها لم يكن إنسانا بل كان ملكا أو خلقا آخر إلا أن البالغين لما صارت لهم عادة سهل موقعها عندهم بخلاف الأطفال كما في مفتاح السعادة لابن قيم الجوزية افتقرت حضانتهم إلى وفور الصبر عليهم في كثرة بكائهم وتضجرهم من الهيئات العارضة لهم وإلى مزيد الشفقة والرقة الباعثة على الرفق بالضعفاء والرفق بهم ولما كانت النسوة أتم من الرجال في ذلك لأن أنفات الرجال وإباية نفوسهم وعلو هممهم تمنعهم من الانسلاك في أطوار الصبيان وما يليق بهم من اللطف والمعاملات وملابسة
    ____________________
    (3/361)
    عنهم وكذلك بقية الولايات ويقدم في الخلافة من هو كامل العلم والدين وافر العقل والرأي قوي النفس شديد الشجاعة عارف بأهليات الولايات حريص على مصالح الأمة قرشي من قبيلة النبوة المعظمة كامل الحرمة والهيبة في نفوس الناس ولما كانت الحضانة تفتقر إلى وفور الصبر على الأطفال في كثرة البكاء والتضجر من الهيئات العارضة للصبيان ومزيد الشفقة والرقة الباعثة على الرفق بالضعفاء والرفق بهم وكانت النسوة أتم من الرجال في ذلك كله قد من عليهم لأن أنفات الرجال وإباءة نفوسهم وعلو هممهم تمنعهم من الانسلاك في أطوار الصبيان وما يليق بهم من اللطف والمعاملات وملابسة القاذورات وتحمل الدناءات فهذا هو الفرق بين قاعدة الحضانات وغيرها من قواعد الولايات
    الفرق التاسع والسبعون والمائة بين قاعدة معاملة أهل الكفر وقاعدة معاملة المسلمين أما مالك رحمه الله فرجح معاملة المسلمين وقال أكره الصيرفي من صيارفة أهل الذمة
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    القاذورات وتحمل الدناءات وقاعدة الشرع في كل موطن وكل ولاية تقديم من هو أقوم بمصالحها قدمهن الشرع على الرجال في الحضانة كما قدم الرجال عليهن في غيرها من جميع الولايات على حسب أحوالهم المناسبة لأي ولاية من الولايات فقدم في الخلافة من الرجال من هو كامل العلم والدين وافر العقل والرأي قوي النفس شديد الشجاعة عارف بأهليات الولايات حريص على مصالح الأمة قرشي من قبيلة النبوءة المعظمة كامل الحرمة والهيبة في نفوس الناس وقدم في ولاية الحرب من هو أقوم بمصالح الحروب من سياسة الجيوش ومكائدة العدو وقدم في القضاء من هو أكثر تفطنا لحجاج الخصوم وقواعد الأحكام ووجود الخدع من الناس وقدم في الفتوى من هو أنقل للأحكام وأشفق على الأمة وأحرصهم على إرشادها لحدود الشريعة وقدم في سعاية الماشية وجباية الزكاة والعمل عليها من هو أعرف بنصب الزكوات ومقادير الواجب فيها وأحكام اختلاطها وافتراقها وضم أجناسها وقدم في أمانة الحكم من هو أعرف بمقادير النفقات وأهليات الكفارات وتنمية أموال الأيتام والمناضلة عنهم وهكذا بقية الولايات فهذا هو الفرق بين قاعدة الحضانات وقاعدة غيرها من الولايات والله سبحانه وتعالى أعلم
    الفرق التاسع والسبعون والمائة بين قاعدة معاملة أهل الكفر وقاعدة معاملة المسلمين وذلك إن لمعاملة المسلمين حالتين الحالة الأولى ما إذ لم يظهر الربا بينهم
    ____________________
    (3/362)
    لقوله تعالى وأخذهم الربا وقد نهوا عنه
    وقال وأكره معاملة المسلم بأرض الحرب للحربي بالربا وجوز أبو حنيفة الربا مع الحربي لقوله عليه السلام لا ربا بين مسلم وحربي لا ربا إلا بين المسلمين
    والحربي ليس بمسلم ووافقنا الشافعي وابن حنبل رضي الله عنهم أجمعين لأن الربا مفسدة في نفسه فيمتنع من الجميع ولأنهم مخاطبون بفروع الشريعة لقوله تعالى وحرم الربا وعموم نصوص الكتاب والسنة يتناول الحربي قال اللخمي وغيره إذا ظهر الربا بين المسلمين فمعاملة أهل الذمة أولى لوجهين الأول أنهم ليسوا مخاطبين بفروع الشريعة على أحد القولين للعلماء فلا يكون ما أخذوه بالربا محرما على هذا القول بخلاف المسلم مخاطب قولا واحدا فكانت معاملته إذا كان يتعاطى الربا وهو غير متحذر أشد من الذمي الثاني أن الكافر إذا أسلم ثبت ملكه على ما اكتسبه بالربا والغصب وغيره وإذا تاب المسلم لا يثبت ملكه على شيء من ذلك لقوله تعالى فإن تبتم فلكم رءوس أموالكم وما هو بصدد الثبوت المستمر وقابل للثبوت أولى مما لا يقبل ثبوت الملك عليه بحال ولذلك اعتمد جماعة من المتورعين على معاملة أهل الكفر أكثر ملاحظة لهذين الوجهين وهما الفرق بين القاعدتين والفريقين
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    والحالة الثانية ما إذا ظهر الربا بينهم في الحالة الأولى رجح مالك والشافعي وابن حنبل معاملتهم على معاملة أهل الكفر قال مالك أكره الصيرفي من صيارفة أهل الذمة لقوله تعالى وأخذهم الربا وقد نهوا عنه
    وقال وأكره معاملة المسلم بأرض الحرب للحربي بالربا أي لأن الربا مفسدة في نفسه فيمتنع من الجميع ولأنهم مخاطبون بفروع الشريعة لقوله تعالى وحرم الربا وعموم نصوص الكتاب والسنة يتناول الحربي وفي الحالة الثانية قال اللخمي وغيره من أصحابنا معاملة أهل الذمة أولى لوجهين الأول أنهم ليسوا مخاطبين بفروع الشريعة على أحد القولين للعلماء فلا يكون ما أخذه الربا محرما على هذا القول بخلاف المسلم فإنه مخاطب بفرع الشريعة قولا واحدا فكانت معاملته إذا كان يتعاطى الربا وهو غير متحذر أشد من الذمي الوجه الثاني أن الكافر إذا أسلم ثبت ملكه على ما اكتسبه بالربا والغصب وغير ذلك وإذا تاب المسلم لا يثبت ملكه على شيء من ذلك لقوله تعالى فإن تبتم فلكم رءوس أموالكم وما هو بصدد الثبوت المستمر وقابل للثبوت أولى مما لا يقبل ثبوت الملك عليه بحال ولملاحظة هذين الوجهين وهما الفرق بين القاعدتين اعتمد جماعة من المتورعين على معاملة أهل الكفر أكثر وجوز أبو حنيفة الربا مع الحربي أي مطلقا ظهر الربا بين المسلمين أم لا لقوله عليه السلام لا ربا بين مسلم وحربي لا ربا إلا بين المسلمين والحربي ليس بمسلم والله سبحانه وتعالى أعلم
    ____________________
    (3/363)
    الفرق الثمانون والمائة بين قاعدة الملك وقاعدة التصرف اعلم أن الملك أشكل ضبطه على كثير من الفقهاء فإنه عام يترتب على أسباب مختلفة البيع والهبة والصدقة والإرث وغير ذلك فهو غيرها ولا يمكن أن يقال هو التصرف لأن المحجور عليه يملك ولا يتصرف فهو حينئذ غير التصرف فالتصرف والملك كل واحد منهما أعم من الآخر من وجه وأخص من وجه فقد يوجد التصرف بدون الملك كالوصي والوكيل والحاكم وغيرهم يتصرفون ولا ملك لهم ويوجد الملك بدون التصرف كالصبيان والمجانين وغيرهم يملكون ولا يتصرفون ويجتمع الملك والتصرف في حق البالغين الراشدين النافذين للكلمة الكاملين الأوصاف وهذا هو حقيقة الأعم من وجه والأخص من وجه أن يجتمعا في صورة وينفرد كل واحد منهما بنفسه في صورة كالحيوان والأبيض والعبارة الكاشفة عن حقيقة الملك أنه حكم شرعي مقدر في العين أو المنفعة يقتضي يمكن من يضاف إليه من انتفاعه بالملوك والعوض عنه من حيث هو كذلك أما قولنا حكم شرعي فبالإجماع ولأنه يتبع الأسباب الشرعية وأما إنه مقدر فلأنه يرجع إلى
    هامش أنوار البروق
    قال الفرق الثمانون والمائة بين قاعدة الملك وقاعدة التصرف إلى قوله كالحيوان والأبيض قلت ما قاله في ذلك صحيح قال والعبارة الكاشفة عن حقيقة الملك أنه حكم شرعي مقدر في العين أو المنفعة يقتضي تمكن من يضاف إليه من انتفاعه بالمملوك والعرض عنه من حيث هو كذلك قلت هذا الحد فاسد من وجوه أحدها أن الملك من أوصاف المالك لا المملوك لكنه وصف متعلق والمملوك هو متعلقه وثانيها أنه ليس مقتضيا للتمكين من الانتفاع بل المقتضي لذلك كلام الشارع ثالثها أنه لا يقتضي الانتفاع بالمملوك وبالعرض بل بأحدهما
    هامش إدرار الشروق
    @ 364 الفرق الثمانون والمائة بين قاعدة الملك وقاعدة التصرف الملك سبب عام يترتب على أسباب مختلفة البيع والهبة والصدقة والإرث وغير ذلك فهو غيرها وبينه وبين التصرف عموم وخصوص وجهي بحيث يجتمعان في صورة وينفرد كل واحد منهما بنفسه في صورة كالحيوان والأبيض فيجتمعان في البالغين الراشدين النافذين للكلمة الكاملين الأوصاف وينفرد الملك عن التصرف في الصبيان والمجانين وغيرهم من المحجور عليهم فإنهم يملكون ولا يتصرفون وينفرد التصرف عن الملك في الوصي والوكيل والحاكم وغيرهم فإنهم يتصرفون ولا ملك لهم
    ____________________
    (3/364)
    تعلق إذن الشرع والتعلق عدمي ليس وصفا حقيقيا بل يقدر في العين أو المنفعة عند تحقق الأسباب المفيدة للملك وقولنا في العين أو المنفعة فإن الأعيان تملك كالبيع والمنافع كالإجارات وقولنا يقتضي انتفاعه بالمملوك ليخرج التصرف بالوصية والوكالة وتصرف القضاة في أموال الغائبين والمجانين فإن هذه الطوائف لهم التصرف بغير ملك وقولنا والعوض عنه ليخرج عنه الإباحات في الضيافات فإن الضيافة مأذون فيها وليست مملوكة على الصحيح ويخرج أيضا الاختصاصات بالمساجد والربط والخوانق ومواضع المطاف والسكك ومقاعد الأسواق فإن هذه الأمور لا ملك فيها مع المكنة الشرعية من التصرف في هذه الأمور وقولنا من حيث هو كذلك إشارة إلى أنه يقتضي ذلك من حيث هو وقد يتخلف عنه ذلك لمانع يعرض كالمحجور عليهم لهم الملك وليس لهم المكنة من التصرف في تلك الأعيان المملوكة لكن تلك الأملاك في تلك الصور لوجود النظر إليها اقتضت مكنة التصرف وإنما جاء المنع من أمور خارجة ولا تنافي بين القبول الذاتي والاستحالة لأمر خارجي ولذلك نقول إن جميع أجزاء العالم لها القبول للوجود والعدم بالنظر إلى
    هامش أنوار البروق
    رابعها أن المملوك مشتق من الملك فلا يعرف إلا بعد معرفته فيلزم الدور والصحيح في حد الملك أنه تمكن الإنسان شرعا بنفسه أو بنيابة من الانتفاع بالعين أو المنفعة ومن أخذ العوض عن العين أو المنفعة هذا إن قلنا إن الضيافة ونحوها لا يملكها من سوغت له وإن قلنا إنه يملكها زدنا في الحد فقلنا إنه تمكن الإنسان شرعا بنفسه أو بنيابة من الانتفاع بالعين أو المنفعة ومن أخذ العوض أو تمكنه من الانتفاع خاصة ولا حاجة بنا إلى بيان صحة هذا الحد فإنه لا يخفى ذلك على المتأمل المنصف قال أما قولنا حكم شرعي فبالإجماع ولأنه يتبع الأسباب الشرعية قلت ما قاله من أنه حكم شرعي إن أراد أنه أحد الأحكام الخمسة ففيه نظر وإن أراد أنه أمر شرعي على الجملة فذلك صحيح قال
    وأما أنه مقدور فلأنه يرجع إلى تعلق إذن الشرع إلى قوله عند تحقق الأسباب المفيدة للملك قلت قوله إنه عدمي بناء على أن النسب أمور عدمية وفيه نظر
    هامش إدرار الشروق
    واختلف في أن الملك صفة للمملوك أو صفة للمالك وفي أنه من خطاب التكليف أو من خطاب الوضع فذهب إلى الأول منهما الأصل وإلى الثاني منهما ابن الشاط وخلاصة كلام الأصل أن الملك في اصطلاح الفقهاء حكم شرعي مقدر في العين أو المنفعة يقتضي تمكين من يضاف إليه من انتفاعه بالمملوك والعوض عنه من حيث هو كذلك وأن دليل كونه حكما شرعيا أمران أحدهما الإجماع وثانيهما أنه يتبع الأسباب الشرعية وكل ما يتبعها فهو حكم شرعي قال والذي يظهر لي أن ذلك الحكم من أحد الأحكام الخمسة وهو الإباحة الخاصة في التصرفات الخاصة وأخذ العوض عن
    ____________________
    (3/365)
    ذواتها وهي إما واجبة لغيرها إن علم الله تعالى وجودها أو مستحيلة لغيرها إن علم الله تعالى عدمها وكذلك ها هنا بالنظر إلى الملك يجوز التصرف المذكور وبالنظر لما عرض من الأسباب الخارجة يقتضي المنع من التصرف وكذلك إذا قلنا الأوقاف على ملك الواقفين مع أنه لا يجوز لهم البيع وملك العوض عنها بسبب ما عرض من الوقف المانع من البيع كالحجر المانع من البيع فقد انطبق هذا الحد على الملك فإن قلت قد قالت الشافعية إن الضيافة تملك وهل بالمضغ أو بالبلع أو غير ذلك على خلاف عندهم فهذا ملك مع أن الضيف لا يتمكن من أخذ العوض على ما قدم له ولا يمكن من إطعامه لغيره ولذلك قال المالكية إن الإنسان قد يملك أن يملك وهل يعد مالكا أو لا قولان فمن ملك أن يملك لا يتمكن من التصرف ولا أخذ العوض من ذلك الشيء الذي ملك أن يملكه مع أنهم قد صرحوا بحقيقة الملك من حيث الجملة وكذلك قال المالكية وغيرهم إن الإنسان قد يملك المنفعة وقد يملك الانتفاع فقط كبيوت الدارس والأوقاف والربط ونحوها مع أنه في هذه الصور لا يملك أخذ العوض عن تلك المنافع قلت أما السؤال الأول فإن الصحيح في الضيافات أنها إباحات لا
    هامش أنوار البروق
    وأما قوله أنه مقدر في العين أو المنفعة فقد سبق أنه وصف للمالك متعلق بالعين أو المنفعة
    قال وقولنا في العين أو المنفعة فإن الأعيان تملك بالبيع والمنافع كالإجارات قلت ما قاله صحيح على ما في قوله فإن الأعيان تملك من المسامحة على ما يذكره هو بعد هذا عن المازري قال وقولنا يقتضي انتفاعه بالمملوك إلى قوله فإن هذه الطوائف لهم التصرف بغير ملك قلت هذا التحرز صحيح على تقدير صحة حده
    قال وقولنا والعوض عنه إلى قوله مع المكنة الشرعية من التصرف في هذه الأمور قلت جعل التصرف بدل الانتفاع وهو أعم منه بدليل ما ذكره هو قبل هذا من تصرف الأوصياء والحاكم حيث لهم التصرف دون الانتفاع وكل من ذكر هنا من ضيف وشبهه ليس له مطلق التصرف بل له التصرف بالانتفاع خاصة قال وقولنا من حيث هو كذلك إشارة إلى أنه يقتضي ذلك من حيث هو هو وقد يتخلف عنه
    هامش إدرار الشروق
    ذلك المملوك على وجه خاص كما تقررت قواعد المعاوضات في الشريعة وشروطها وأركانها وخصوصيات هذه الأيام هي الموجبة للفرق بين الملك وغيره من جميع الحقائق وأما إنه مقدر فلأنه يرجع إلى تعلق إذن الشرع الذي هو الإباحة والتعلق عدمي من باب النسب والإضافات التي لا وجود لها في الأعيان بل في الأذهان فهي أمر يفرضه العقل كسائر النسب والإضافات كالأبوة والبنوة والتقدم والتأخر وغير ذلك ولأجل ذلك لنا أن نغير عبارة الحد فنقول إن الملك إباحة شرعية في عين أو منفعة تقتضي تمكن صاحبها من الانتفاع بذلك العين أو المنفعة أو أخذ العوض عنهما من حيث هي كذلك ويستقيم الحد بهذا اللفظ أيضا ويكون الملك من خطاب التكليف
    ____________________
    (3/366)
    تمليك كما أباح الله السمك في الماء والطير في الهواء والحشيش والصيد في الفلاة لمن أراد تناوله ولا يقال إن هذه الأمور مملوكة للناس كذلك الضيف جعل له أن يأكل إن أراد أو يترك والقول بأنه يملك مشكل فإن الملك لا بد فيه من سلطان التصرف من حيث الجملة وبعد إن بلع الطعام كيف يبقى سلطان بعد ذلك على الانتفاع بتلك الأعيان لأنها فسدت عادة ولم تبق مقصودة التصرف ألبتة فالحق إذا أنها إباحات لا تمليكات وأما السؤال الثاني فقول المالكية إن من ملك أن يملك هل يعد مالكا أو لا قولان قد تقدم أن هذه العبارة رديئة جدا وأنها لا حقيقة لها فلا يصح إيراد النقض بها على الحد لأنا نمنع الحكم فيها وأما السؤال الثالث وهو مالك الانتفاع دون المنفعة فهو يرجع إلى الإذن والإباحة كما في الضيافة فتلك المساكن مأذون فيها لمن قام بشرط الواقف إلا أنها فيها ملك لغير الواقف بخلاف ما يطلق من الجامكيات فإن المالك فيها يحصل لمن حصل له شرط الواقف فلا جرم صح أخذ العرض بها أو عنها فإن قلت إذا اتضح حد
    هامش أنوار البروق
    ذلك لمانع يعرض إلى قوله وبالنظر لما عرض من الأسباب الخارجة يقتضي المنع من التصرف قلت كلامه هذا يشعر بأن التصرف هو موجب الملك وليس الأمر كذلك بل موجبه الانتفاع ثم الانتفاع يكون بوجهين انتفاع يتولاه المالك بنفسه وانتفاع يتولاه النائب عنه ثم النائب قد يكون باستنابة المالك وقد يكون بغير استنابته فغير المحجور عليه يتوصل إلى الانتفاع بملكه بنفسه ونيابته والمحجور عليه لا يتوصل إلى الانتفاع بملكه إلا بنيابته ونائبه لا يكون إلا باستنابته قال وكذلك إذا قلنا الأوقاف على ملك الواقفين إلى قوله فقد انطبق هذا الحد على الملك قلت قد سبق أنه ليس بحد صحيح قال فإن قلت قد قالت الشافعية إلى قوله مع إنه في هذه الصور لا يملك أخذ العوض عن تلك المنافع قلت ذلك حكاية سؤالات ولا كلام في ذلك قال قلت أما السؤال الأول فإن الصحيح في الضيافات أنها إباحات لا تمليك قلت ما قاله غير صحيح بل الصحيح أنها تمليك للانتفاع بالأكل خاصة سواء أوقع البناء على الحد الذي ارتضيته أو على الحد الذي ارتضاه هو
    هامش إدرار الشروق
    لأن الاصطلاح إن خطاب التكليف هو الأحكام الخمسة المشهورة وخطاب الوضع هو نصب الأسباب والشروط والموانع والتقادير الشرعية وليس هذا منها بل هو إباحة خاصة وقول بعضهم إنه من خطاب الوضع لأنه سبب الانتفاع بعيد ضرورة أن كل حكم شرعي سبب لمسببات تترتب عليه من مثوبات وتعزيرات ومؤاخذات وكفارات وغيرها
    وليس المراد بخطاب الوضع مطلق الترتيب ألا ترى أن وجوب الظهر مع كونه مسببا على الزوال هو سبب لأن يكون فعله سبب الثواب وتركه سبب العقاب ووجوبه سببا لتقديمه على غيره من المندوبات ومع ذلك وهو لا يسمى سببا ولا يقال إنه من خطاب الوضع بل الضابط للبابين أن الخطاب متى كان متعلقا بفعل مكلف على وجه الاقتضاء
    ____________________
    (3/367)
    الملك فهل هو من خطاب الوضع أو من خطاب التكليف الذي هو الأحكام الخمسة قلت الذي يظهر لي أنه من أحد الأحكام الخمسة وهو إباحة خاصة في تصرفات خاصة وأخذ العوض عن ذلك المملوك على وجه خاص كما تقررت قواعد المعاوضات في الشريعة وشروطها وأركانها وخصوصيات هذه الإباحة هي الموجبة للفرق بين المالك وغيره من جميع الحقائق ولذلك قلنا إنه معنى شرعي مقدر يريد أنه متعلق الإباحة
    والتعليق عدمي من باب النسب والإضافات التي لا وجود لها في الأعيان بل في الأذهان فهي أمر يفرضه العقل كسائر النسب والإضافات كالأبوة والبنوة والتقدم والتأخر وغير ذلك ولأجل ذلك لنا أن نغير عبارة الحد فنقول إن الملك إباحة شرعية في عين أو منفعة تقتضي تمكن صاحبها من الانتفاع بتلك العين أو المنفعة أو أخذ العوض عنهما من حيث هي كذلك ويستقيم الحد بهذا اللفظ أيضا ويكون الملك من خطاب التكليف لأن الاصطلاح أن خطاب التكليف هو الأحكام الخمسة المشهورة وخطاب الوضع هو نصب الأسباب والشروط والموانع والتقادير الشرعية وليس هذا منها بل هو إباحة خاصة ومنهم من قال إنه من خطاب الوضع وهو بعيد فإن
    هامش أنوار البروق
    أما على الحد الذي ارتضيته فلأن مقدم الضيافة قد مكنه من الانتفاع بأكلها وأما على الحد الذي ارتضاه هو فلأنه قال حكم مقدر في العين أو المنفعة يقتضي تمكين من يضاف إليه من انتفاعه بالمملوك وبالعوض عنه وقد بينا أنه لا يقتضي الانتفاع بهما فيبقى الانتفاع مطلقا
    قال كما أباح الله تعالى السمك في الماء إلى قوله ولا يقال إن هذه الأمور مملوكة للناس قلت هي مملوكة بعد التناول وإباحة التناول سبب ملكها قال كذلك الضيف جعل له أن يأكل إن أراد أو يترك قلت إباحة صاحب الطعام للضيف أن يأكل سبب ملكه أن يأكل وملكه أن يأكل هو تمكنه شرعا من ذلك
    قال والقول بأنه يملك مشكل فإن المالك لا بد فيه من سلطان التصرف من حيث الجملة إلى قوله فالحق إذا أنها إباحات لا تمليكات قلت ما قاله من أن الملك مشكل لا إشكال فيه وتعليله بأن الملك لا بد فيه من سلطان
    هامش إدرار الشروق
    أو التخيير فهو من خطاب التكليف ومتى لم يكن كذلك وهو من أحد الأمور المتقدمة فهو من خطاب الوضع وقد يجتمع خطاب الوضع وخطاب التكليف وقد تقدم بسط ذلك فيما تقدم من الفروق وإن معنى قولنا في العين أو المنفعة في منافع العين مع عدم رد العين أو في المنفعة مع رد العين لما قاله المازري رحمه الله في شرح التلقين من أن تحقيق الملك أنه إن ورد على المنافع مع عدم رد العين بل يبذلها لغيره بعوض أو بغير عوض فهو البيع والهبة وإن ورد على المنافع مع رد العين فهو الإجارة وفروعها من المساقات والمجاعلة والقراض ونحو ذلك والعقد في الجميع إنما يتناول المنفعة دون الأعيان لأنها لا يملكها إلا الله تعالى بالإيجاد والإعدام والإماتة والإحياء ونحو ذلك وتصرف الخلق إنما هو في المنافع فقط
    ____________________
    (3/368)
    قلت الملك سبب الانتفاع فيكون سببا فيكون من باب خطاب الوضع قلت وكذلك كل حكم شرعي سبب لمسببات تترتب عليه من مثوبات وتعزيرات ومؤاخذات وكفارات وغيرها أو ليس المراد بخطاب الوضع مطلق الترتب
    هامش أنوار البروق
    التصرف ليس كما
    قال بل لا بد فيه من سلطان الانتفاع لا التصرف والسلطان هو التمكن بعينه وقد بين هو قبل هذا أن المحجور عليهم لا يتصرفون مع أنهم يملكون فكيف يقول لا بد في الملك من سلطان التصرف هذا غير صحيح وما قاله من أنه إذا بلع الطعام كيف يبقى سلطان بعد ذلك إنما هو استبعاد لقول من يقول يملك البلع وهو بعيد كما قال بل الصحيح أنه يملك الطعام بالتناول حتى إذا تناول لقمة لا يجوز لغيره انتزاعها من يده فإن قال ابتلعها فقد كان سبق ملكه لها قبل البلع وإن لم يبتلعها ونبذها من يده فقد عادت إلى ملك
    هامش إدرار الشروق
    بأفعالهم من الأكل والشرب والمحاولات والحركات والسكتات ا ه
    محل الحاجة منه وإن قيد يقتضي انتفاعه بالمملوك لإخراج التصرف بالوصية والوكالة وتصرف القضاة في أموال الغائبين والمجانين فإن هذه الطوائف لهم التصرف بغير ملك وقيد والعوض عنه لإخراج الإباحات في الضيافات فإن الضيافة مأذون فيها
    وليست مملوكة على الصحيح ولإخراج الاختصاصات بالمساجد والربط والخوانق ومواضع المطاف والسكك ومقاعد الأسواق فإن هذه الأمور لا ملك فيها مع المكنة الشرعية من الانتفاع بهذه الأمور وقيد من حيث هو كذلك لإدخال المحجور عليهم فإنهم وإن كان لهم الملك وليس لهم المكنة من التصرف في تلك الأعيان المملوكة إلا أن الأملاك في تلك الصور بالنظر لذاتها وقطع النظر عما عرض لها من الأسباب الخارجة عنها تقتضي مكنة التصرف المذكور ولا تنافي بين القبول الذاتي والاستحالة لأمر خارجي ألا ترى أن جميع أجزاء العالم لها القبول للوجود والعدم بالنظر إلى ذواتها مع أنها إن علم الله تعالى وجودها كانت واجبة لغيرها وإن علم الله عدمها كانت مستحيلة لغيرها وكذلك لإدخال الأوقاف إذا قلنا إنها على ملك الواقفين فإنهم وإن كان لا يجوز لهم البيع وملك العوض عنها بسبب ما عرض من الوقف الذي هو كالحجر في المنع من البيع إلا أن ملكهم بالنظر لذاته وقطع النظر عن ذلك المانع يجوز لهم البيع وملك العوض عنها فقد انطبق هذا الحد على جميع أفراد الملك ومنع غيرها والحق أن الضيافات ليست بتمليكات لا بالمضغ ولا بالبلع ولا بغير ذلك خلافا للشافعية
    بل هي إباحات كما أباح الله السمك في الماء والطير في الهواء والحشيش والصيد في الفلاة لمن أراد تناوله فكما لا يقال إن هذه الأمور مملوكة للناس كذلك لا يقال إن الضيافات مملوكة للضيوف وإنما الضيف أبيح له أن يأكل منها إن أراد أو يترك والقول بأنه يملك لا سيما بعد البلع مشكل فإن الملك لا بد فيه من سلطان التصرف من حيث الجملة وبعد إن بلع الطعام كيف يبقى سلطان بعد ذلك على الانتفاع بتلك الأعيان لأنها فسدت عادة ولم تبق مقصودة التصرف ألبتة وقول المالكية من ملك أن يملك هل يعد مالكا أم لا قولان قد تقدم أنها عبارة رديئة جدا أو أنها لا حقيقة لها فلا يصح إيراد النقض بها على الحد بأنه كيف يصح تصريحهم بحقيقة ملك من ملك أن يملك من حيث الجملة مع أنه لا يتمكن من التصرف ولا أخذ العوض من ذلك الشيء الذي ملك أن يملكه وذلك لأنا نمنع الحكم فيها والملك في قول المالكية وغيرهم أن بيوت المدارس والأوقاف والربط
    ____________________
    (3/369)
    بل نقول الزوال سبب لوجوب الظهر ووجوب الظهر سبب لأن يكون فعله سبب الثواب وتركه سبب العقاب ووجوبه سبب لتقديمه على غيره من المندوبات وغير ذلك
    هامش أنوار البروق
    صاحبها وجاز لغيره تناولها لأن صاحبها لم يمكنه منها إلا ليأكلها فلما لم يأكلها بقيت على ملك صاحبها وإن كان تناولها عادت إلى ملك صاحبها هذا هو الصحيح والله تعالى أعلم وما قال من إنها إباحات لا تمليكات ليس بصحيح بل الإباحات هي التمليكات أو أسباب للتمليكات
    قال وأما السؤال الثاني فقول المالكية إن من ملك أن يملك هل يعد مالكا أو لا قولان إلى قوله لأنا نمنع الحكم فيها قلت قد تقدم الكلام على ذلك قال وأما السؤال الثالث وهو ملك الانتفاع دون المنفعة إلى قوله لمن قام بشرط الواقف
    هامش إدرار الشروق
    ونحوها يملك من قام به شرط واقفيها الانتفاع دون المنفعة ويرجع إلى الإذن والإباحة كما في الضيافة فتلك المساكن مأذون فيها لمن قام به شرط الواقف لا إنها فيها لغير الواقف بخلاف ما يطلق من الجامكيات فإن الملك فيها يحصل لمن حصل له شرط الواقف فلا جرم صح أخذ العوض بها أو عنها ا ه
    وخلاصة كلام ابن الشاط أن حد الأصل فاسد من وجوه أحدها أن الملك من أوصاف المالك لا المملوك لكنه وصف متعلق والمملوك هو متعلقه وثانيها أن الملك وإن صح أنه أمر شرعي على الجملة لا يصح أنه الإباحة التي هي حكم الله تعالى إلخ كما هو معنى سائر الأحكام الخمسة لأن الحكم عند أهل الأصول خطاب الله تعالى وخطابه كلامه فكيف يكون الملك الذي هو صفة المالك على ما ارتضيته أو صفة المملوك على ما ارتضاه هو كلام الله تعالى هذا ما لا يصح بوجه أصلا فالصحيح أن مسبب الإباحة هو التمكن والإباحة هي التمكين من الانتفاع والانتفاع متعلق الملك والملك سبب الإباحة فهو من خطاب الوضع لا من خطاب التكليف وثالثها إن في قوله مقدر لأنه يرجع إلى تعلق إذن الشرع والتعلق عدمي إلخ بناء على قول المتكلمين أن النسب والإضافات السبع وهي ما عدا الجوهر والكم والكيف من المقولات العشر أمور عدمية نظرا يريد أن وجهه هو أن مسائل التعاريف اصطلاح للفلاسفة لا للمتكلمين فالواجب بناؤها على قول الفلاسفة أن النسب والإضافات السبع المذكورة أعراض موجودة فافهم ورابعها أنه ليس مقتضيا للتمكن من الانتفاع بل المقتضي لذلك كلام الشارع وخامسها أنه لا يقتضي الانتفاع بالمملوك وبالعوض بل بأحدهما وسادسها أن المملوك مشتق من الملك فلا يعرف إلا بعد معرفته أي لأنه مصدر ومعرفة المشتق فرع معرفة ما منه الاشتقاق وهو المصدر على الصحيح فيلزم الدور أي توقف الملك على المملوك لأنه من أجزاء تعريفه وبالعكس لما ذكر نعم قد يقال المراد بالمملوك الذات فافهم والصحيح في حد الملك أنه تمكن الإنسان شرعا بنفسه أو بنيابته من الانتفاع بالعين أو المنفعة ومن أخذ العوض عن العين أو المنفعة هذا إن قلنا إن الضيافة ونحوها من السمك في الماء والطير في الهواء والحشيش والصيد في الفلاة وبيوت المدارس والأوقاف والربط وكل ما فيه الإذن بالانتفاع فقط لا يملكها من سوغت له
    ____________________
    (3/370)
    مما ترتب على الوجوب مع أنه لا يسمى سببا ولا يقال إنه من خطاب الوضع بل الضابط للبابين أن الخطاب متى كان متعلقا بفعل مكلف على وجه الاقتضاء أو التخيير فهو من خطاب التكليف ومتى لم يكن كذلك وهو من أحد الأمور المتقدمة فهو خطاب الوضع
    هامش أنوار البروق
    قلت وإذا كانت مأذونا فيها فمن أذن فتمكن من الانتفاع فهو مالك للانتفاع قال لا أنها فيها ملك لغير الواقف قلت أما الانتفاع ففيه الملك لغير الواقف وهو من توفرت فيه شروط الوقف وأما عين الموقوف فالصحيح أنه لا مالك عليه لا للواقف ولا لغيره لأنه لا يتمكن أحد من الانتفاع بتلك العين ولا من التصرف فيها ولا من أخذ العوض عنها وإذ لم يكن شيء من ذلك فلا ملك إذ لا معنى للملك إلا التمكن من الانتفاع ومن أخذ العوض أو من الانتفاع خاصة
    هامش إدرار الشروق
    وأما إن قلنا إنه يملكها بالتناول وهو الصحيح لأن إباحة التناول هو تمكنه شرعا من التناول فهو سبب ملكها إذ الملك لا بد فيه من سلطان الانتفاع لا التصرف والسلطان هو التمكن بعينه فإذا تناول الضيف مثلا لقمة من الضيافة لا يجوز لغيره انتزاعها من يده فإن ابتلعها فقد كان سبق ملكه لها قبل البلع وإن لم يبتلعها ونبذها من يده فقد عادت إلى ملك صاحبها وجاز لغيره تناولها لأن صاحبها لم يمكنه منها إلا ليأكلها فلما لم يأكلها بقيت على ملك صاحبها والانتفاع الموقوف فيه الملك لغير الواقف وهو من توفرت فيه شروط الوقف
    وأما عين الموقوف فلا ملك عليه إلا للواقف ولا لغيره على الصحيح لأنه لا يتمكن أحد من الانتفاع بتلك العين ولا من التصرف فيها ولا من أخذ العوض عنها وإذا لم يكن شيء من ذلك فلا ملك إذ لا معنى للملك إلا التمكن من الانتفاع ومن أخذ العوض نعم إن أو من الانتفاع خاصة من كان مقتضى الوقف سكنى الموقوف عليه الموضع الموقوف فلا يتعدى الموقوف عليه السكنى لأنه لم يسوغ له غيره وإن كان الاستغلال فالعلة مسوغة بعينها فيصح أخذ العوض عنها فافهم فإنا حينئذ نزيد في الحد ونقول أنه يمكن الإنسان شرعا بنفسه أو بنيابته من الانتفاع بالعين أو المنفعة ومن أخذ العوض أو تمكنه من الانتفاع خاصة ولا حاجة بنا إلى بيان صحة هذا الحد فإنه لا يخفى ذلك على المتأمل المنصف وقد تقدم الكلام على قول المالكية أن من ملك أن يملك هل يعد مالكا أو لا قولان فلا تغفل وبالجملة فموجب الملك الانتفاع والانتفاع يكون بوجهين انتفاع يتولاه المالك بنفسه وانتفاع يتولاه النائب عنه والنائب قد يكون باستنابة المالك وقد يكون بغير استنابته فغير المحجور عليه يتوصل إلى الانتفاع بملكه بنفسه ونيابته والمحجور عليه لا يتوصل إلى الانتفاع بملكه إلا بنيابته ونائبه لا يكون إلا باستنابته والانتفاع إما مع أخذ العوض أو بدونه وإما مع رد العين أو بدونه ا ه والسيد الجرجاني قدس سره جعل الملك صفة مشتركة بين المالك والمملوك فقال في تعريفاته والملك في اصطلاح الفقهاء اتصال شرعي بين الإنسان وبين شيء يكون مطلقا ليتصرفه فيه وحاجزا عن تصرف غيره فيه ا ه
    ولكن هذا الحد لا يكون جامعا إلا بأمرين الأول النعيم في قوله لتصرفه فيه بأن يقال بالانتفاع أما مع أخذ العوض أو بدونه وأما مع رد العين أو بدونه بنفسه أو نائبه والثاني التقييد في قوله عن تصرف غيره فيه بأن يقال بدون استنابته فتأمل وقال عقب الحد
    ____________________
    (3/371)
    وقد يجتمع خطاب الوضع وخطاب التكليف وقد تقدم بسط ذلك فيما تقدم من الفروق فإن قلت الملك حيث وجد هل يتصور في الجواهر والأجسام أم لا يتصور إلا في المنافع خاصة
    قلت قال المازري رحمه الله في شرح التلقين قول الفقهاء الملك في المبيع يحصل في الأعيان وفي الإجارات يحصل في المنافع ليس على ظاهره بل الأعيان لا يملكها إلا الله تعالى لأن الملك هو التصرف ولا يتصرف في الأعيان إلا الله تعالى بالإيجاد والإعدام والأمانة والإحياء ونحو ذلك وتصرف الخلق إنما هو في المنافع فقط بأفعالهم من الأكل والشرب والمحاولات والحركات والسكنات قال وتحقيق الملك أنه إن ورد على المنافع مع رد العين فهو الإجارة وفروعها من المساقاة والمجاعلة والقراض ونحو ذلك وإن ورد على المنافع مع أنه لا يرد العين بل يبذلها لغيره بعوض أو بغير
    هامش أنوار البروق
    قال بخلاف ما يطلق من الجامكيات إلى قوله صح أخذ العوض بها أو عنها قلت إنما كان ذلك لأن مقتضى الوقف إن كان سكنى الموضع الموقوف فلا يتعدى الموقوف عليه السكنى لأنه لم يسوغ له غيره وإن كان الاستغلال فالعلة مسوغة بعينها فيصح أخذ العوض عنها
    قال فإن قلت إذا اتضح حد الملك فهل هو من خطاب الوضع أو من خطاب التكليف الذي هو الأحكام الخمسة إلى قوله ومنهم من قال إنه من خطاب الوضع وهو بعيد قلت ما قاله من إنه إباحة ليس عندي بصحيح فإن الإباحة هي حكم الله تعالى والحكم عند أهل الأصول خطاب الله تعالى وخطابه كلامه فكيف يكون الملك الذي هو صفة للمالك على ما ارتضيته أو صفة للمملوك على ما ارتضاه هو كلام الله تعالى هذا ما لا يصح بوجه أصلا فالصحيح أن مسبب الإباحة هو التمكن والإباحة هي التمكين والله أعلم
    قال فإن قلت الملك سبب الانتفاع إلى قوله وكفارات وغيرها قلت لما فسر الملك بالإباحة مسلم أنه سبب الانتفاع وليس الأمر كذلك بل الملك سبب الإباحة وهو التمكين من الانتفاع والانتفاع متعلق الملك ولا يقال في المتعلق أنه سبب المتعلق إلا على وجه التوسع في العبارات لا على المتقرر في الاصطلاح قال وليس المراد بخطاب الوضع مطلق الترتب إلى قوله وقد تقدم بسط ذلك فيما تقدم من الفروق قلت ما قاله في ذلك صحيح وكذلك ما قاله بعد عن المازري ما عدا قوله إن الملك هو التصرف فإنه غير صحيح على ما قرره المؤلف قبل هذا
    هامش إدرار الشروق
    المذكور فالشيء يكون مملوكا ولا يكون مرفوقا ولكن لا يكون مرفوقا إلا ويكون مملوكا ا ه يريد أن المملوك أعم مطلقا من المرفوق وقال قبل ذلك الحد والملك في إصلاح المتكلمين حالة تعرض للشيء بسبب ما يحيط به وينتقل بانتقاله كالتعميم والتقمص فإن كلا منهما حالة لشيء بسبب إحاطة العمامة برأسه والقميص ببدنه ا ه
    والله أعلم
    ____________________
    (3/372)
    عوض فهو البيع والهبة والعقد في الجميع إنما يتناول المنفعة فقد ظهر بهذه المباحث وهذه الأسئلة حقيقة الملك والفرق بينه وبين التصرفات وما يتوهم التباسه به
    الفرق الحادي والثمانون والمائة بين قاعدة الأسباب العقلية وبين قاعدة الأسباب الشرعية نحو بعت واشتريت وأنت طالق وأعتقت ونحوه من الأسباب قال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني رحمه الله يثبت مسبب هذا القسم مع آخر حرف منه تشبيها للأسباب الشرعية بالعلل العقلية
    هامش أنوار البروق
    قال الفرق الحادي والثمانون والمائة بين قاعدة الأسباب العقلية وبين قاعدة الأسباب الشرعية إلى قوله فالفرق مبني على هذه الطريقة قلت هو فرق لا طائل وراءه والكلام فيه تعمق في الدين وتكلف ولا يتوصل فيه إلى اليقين قال ومن وجه آخر يحصل الفرق لأن هذه الأسباب الشرعية تنقسم إلى ما يوجب مسببه إنشاء إلى قوله ولبراءة ذمته من الكفارات المعتق عنها قلت ما قاله من تقدير الملك قبل النطق بالصيغة بالزمن الفرد لا حاجة إليه ولا دليل عليه بل الدليل على خلافه وهو صحة العتق عن الميت وهو لا يصح أن يملك ثم إن العتق عن غيره لم يقصد إلى ذلك المقدر ولو قصد إليه لما صح عتقه إياه لأنه كأن يكون حينئذ معتقا ملك غيره بغير إذنه
    وذلك لا يصح وما ذكره هو وغيره في ذلك من تقدم توكيل المعتق عنه إنما يتجه إذا كان العتق بإذنه أما إذا كان بغير إذنه فلا يتجه وبالجملة القول بتلك التقديرات في هذا الموضع لا يصح
    هامش إدرار الشروق
    الفرق الحادي والثمانون والمائة بين قاعدة الأسباب العقلية وبين قاعدة الأسباب الشرعية نحو بعت واشتريت وأنت طالق وأعتقت ونحوه من الأسباب وهو مبني على طريقة غير الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني من إبطال الشبه بين البابين وأنه ينبغي أن لا يكون تقدير مسببات الأسباب الشرعية إلا عقيب آخر حرف وإن عدمت جملة الصيغة لأن السبب إنما يتحقق عادة حينئذ بخلاف الأسباب العقلية فإن العلل العقلية لا توجب معلولها إلا حالة وجودها وإذا عدمت لا يوجد معلولها كالعلم مع العالمية والإرادة مع المريدية من العقليات والنار مع الإحراق والماء مع الإرواء من العاديات
    وأما على طريقة الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني رحمه الله من أنه لا بد من تحقق حصول الشبه بين البابين وأنه لا ينبغي أن توجد الأسباب الشرعية حكما إذا عدم آخر جزء منها حتى عدمت جملتها بل تقدر مسببات هذه الأسباب الشرعية مع آخر حروفها حتى يتحقق المسبب حالة وجود سببه لا حالة عدمه لأن وجود آخر حرف هو الوجود الممكن في الصيغ لأنها مصادر سيالة يستحيل وجودها بجملتها فيكتفى
    ____________________
    (3/373)
    لأن العلل العقلية لا توجب معلولها إلا حالة وجودها
    وإذا عدمت لا يوجد معلولها كالعلم مع العالمية والإرادة مع المريدية من العقليات والنار مع الإحراق والماء مع الإرواء من العاديات فكذلك هذه الأسباب الشرعيات إذا عدم آخر جزء منها عدمت جملتها فلا ينبغي أن توجب حينئذ حكما بل تقدر مسببات هذه الأسباب مع آخر حروفها حتى يتحقق المسبب حالة وجود سببه لا حالة عدمه لأن وجود آخر حرف هو الوجود الممكن في الصيغ لأنها مصادر سيالة يستحيل وجودها بجملتها فيكتفى بوجود آخر حرف منها لأنه القدرة الممكن فيها فيحصل به الشبه بين العقليات والشرعيات
    وقال غيره من العلماء بل ينبغي أن لا يكون تقدير مسببات هذه الأسباب إلا عقيب حرف وإن عدمت جملة الصيغة لأن السبب إنما يتحقق عادة حينئذ فالفرق مبني على هذه الطريقة ومن وجه آخر يحصل الفرق لأن هذه الأسباب الشرعية تنقسم إلى ما يوجب مسببه إنشاء نحو عتق الإنسان عن نفسه والبيع الناجز والطلاق الناجز وإلى ما يوجب استلزاما كالعتق عن الغير فإنه يوجب الملك للمعتق عنه بطريق الالتزام بأن يقدر الملك قبل النطق بالصيغة بالزمن من الفرد لضرورة ثبوت الولاء له ولبراءة ذمته من الكفارة المعتق عنها ومثله العتق في زمن الخيار إذا كان الخيار للمشتري فإن الملك ينتقل إليه حينئذ بسبب عتقه التزاما لأن الملك في زمن الخيار للبائع على الأصح والأشهر حتى ينتقل بالتصريح من المشتري نحو قوله قبلت أو اخترت الإمضاء فهذه مطابقة أو يعتق أو يطأ الأمة أو نحوه بما يقتضي التزام الملك ونقله له فقال جماعة من العلماء يقدر ثبوت الملك قبل العتق حتى يقع العتق عن الغير وهو في ملكه وقال بعض الشافعية يثبت معه لأن التقدم على خلاف الأصل والضرورة دعت لوقوع العتق في تلك الحالة
    هامش أنوار البروق
    قال ومثله العتق في زمن الخيار إلى قوله مما يقتضي التزام الملك ونقله له قلت ما قاله من استلزام العتق والوطء إمضاء البيع المحصل للملك صحيح وحصول الملك هنا محقق لا مقدر قال فقال جماعة من العلماء يقدر ثبوت الملك قبل العتق حتى يقع العتق وهو في ملكه قلت إن أرادوا بالعتق إنشاء الصيغة التي هي سبب حصول العتق فقولهم غير صحيح وإن أرادوا به حصول العتق بنفسه فقولهم صحيح لأن إنشاء الصيغة بعينه هو المستلزم لإمضاء البيع الذي
    هامش إدرار الشروق
    بوجود آخر حرف منها لأنه القدر الممكن فيها فيحصل به الشبه بين العقليات والشرعيات فلا يكون بين القاعدتين فرق على هذه الطريقة قال ابن الشاط والفرق بينهما لا طائل وراءه والكلام فيه تعمق في الدين وتكلف ولا يتوصل فيه إلى اليقين نعم يحصل الفرق بينهما من وجه آخر وهو أن هذه الأسباب الشرعية تنقسم أولا إلى ما يوجب مسببه إنشاء نحو عتق الإنسان عن نفسه والبيع الناجز والطلاق الناجز وإلى ما يوجب استلزاما كالعتق أو الوطء في زمن الخيار إذا كان الخيار للمشتري فإن الملك ينتقل إليه حينئذ بسبب عتقه أو وطئه الأمة التزاما لأن الملك في زمن الخيار للبائع على الأصح والأشهر حتى ينتقل
    ____________________
    (3/374)
    والمقارنة تكفي في دفع تلك الضرورة وهذا المذهب غير متجه لأن العتق مضاد للملك واجتماع الضدين محال وتنقسم أيضا الأسباب الشرعية إلى ما يقتضي ثبوتا كالبيع والهبة والصدقة وإلى ما يقتضي إبطالا لمسبب سبب آخر كفوات المبيع قبل القبض يقتضي إبطال مسبب السبب السابق وهو المبيع وكذلك الطلاق والعتاق يقتضيان إبطال العصمة السابقة المترتبة على النكاح والملك المرتب في الرقيق على سببه وإذا قلنا بأن الفوات يوجب الفسخ فهل يقتضيه معه لأن الأصل عدم التقدم على السبب أو قبله لأن الانقلاب والفسخ يقتضي تحقق ما يحكم عليه بذلك خلاف بين العلماء فهذه الوجوه تحصل الفرق
    هامش أنوار البروق
    به يحصل الملك إذا لم يصدر من المشتري غير ذلك فالملك لا يحصل قبل ذلك أصلا لأنه لا موجب لحصوله قال وقال بعض الشافعية يثبت معه إلى قوله واجتماع الضدين محال قلت ما قاله بعض الشافعية صحيح وقوله هو أن العتق مضاد الملك إن أراد بالعتق دخول الحرية في العبد فلذلك صحيح ولا يلزم عنه مقصوده وإن أراد بالعتق إنشاء الصيغة التي هي سبب حصول حرية العبد فذلك غير صحيح كيف وقد قال هو قبيل هذا حاكيا عن جماعة من العلماء أنه يقدر ثبوت الملك قبل العتق حتى يقع العتق وهو في ملكه وصوب هو قولهم في الله ما أسرع ما نسي
    قال وتنقسم أيضا الأسباب الشرعية إلى ما يقتضي ثبوتا كالبيع والهبة والصدقة وإلى ما يقتضي إبطالا لمسبب سبب آخر كفوات المبيع قبل القبض قلت ما قاله صحيح وبما سلف من القول يتبين أي مذهبي العلماء في المعية أو القبلية أصح والله تعالى أعلم
    هامش إدرار الشروق
    بالتصريح من المشتري بنحو قوله قبلت أو اخترت الإمضاء مما يقتضي الملك مطابقة أو يعتق أو يطأ أو نحو ذلك مما يقتضي الملك التزاما وفي كون الملك في هذا يقدر ثبوته قبل العتق حتى يقع العتق عن الغير وهو في ملكه أو يثبت معه لأن التقدم على خلاف الأصل خلاف بين جماعة من العلماء وبعض الشافعية والظاهر أنه لفظي لا حقيقي
    وذلك لأنه يتعين أن يكون المراد بالعتق على الأول دخول الحرية في الرقيق لا إنشاء الصيغة لأن إنشاء الصيغة بعينه هو المستلزم لإمضاء البيع الذي به يحصل الملك إذ لم يصدر من المشتري غير ذلك فالملك لا يحصل قبل ذلك أصلا لأنه لا موجب لحصوله وأن يكون المراد على الثاني نفس إنشاء الصيغة لا دخول الحرية في الرقيق لأنه مضاد الملك واجتماع الضدين محال فعليك بتأمل المنصف وثانيا إلى ما يقتضي ثبوتا كالبيع والهبة والصدقة وإلى ما يقتضي إبطالا لمسبب سبب آخر كفوات المبيع قبل القبض يقتضي إبطال مسبب السبب السابق وهو البيع وكالطلاق يقتضي إبطال العصمة السابقة المترتبة على النكاح وكالعتاق يقتضي إبطال الملك المترتب في الرقيق على سببه وإذا قلنا بأن الفوات يوجب الفسخ فهل يقتضيه معه وهو الأصح لأن الأصل عدم التقدم على السبب أو قبله لأن الانقلاب والفسخ يقتضي تحقق ما يحكم عليه بذلك خلاف بين العلماء والعلل العقلية لا تنقسم كذلك فتأمل والله سبحانه وتعالى أعلم
    ____________________
    (3/375)
    بين الأسباب الشرعية والعلل العقلية على بعض المذاهب فبطل الشبه بين البابين وعلى المذهب الآخر يحصل الشبه بينهما
    الفرق الثاني والثمانون والمائة بين قاعدة ما يتقدم مسببه عليه من الأسباب الشرعية وبين قاعدة ما لا يتقدم عليه مسببه اعلم أن أزمنة ثبوت الأحكام أربعة أقسام ما يتقدم وما يتأخر وما يقارن وما يختلف فيه
    هامش أنوار البروق
    قال الفرق الثاني والثمانون والمائة بين قاعدة ما يتقدم مسببه عليه من الأسباب الشرعية وبين قاعدة ما لا يتقدم مسببه إلى آخر هذا القسم قلت ما قاله فيه صحيح قال وأما ما تتقدم أحكامه عليه فكإتلاف المبيع قبل القبض إلى قوله على الخلاف الذي تقدم في الفرق الذي قبل هذا الفرق قلت لا يصح تقدير الانفساخ في المبيع قبل تلفه ولا حاجة إليه أما عدم صحته فلأن الصحيح في الأسباب المطرد فيها أن تعقبها مسبباتها أو تقارنها
    وأما عدم الحاجة إليه فلأن انقلاب المبيع إلى ملك البائع لا حاجة إليه لأن الداعي إلى ادعاء الحاجة إلى انقلابه إلى ملكه إنما هو كون ضمانه منه وكون ضمانه منه لا يستلزم كونه على ملكه للزوم الضمان بدون
    هامش إدرار الشروق
    @ 376 الفرق الثاني والثمانون والمائة بين قاعدة ما يتقدم مسببه عليه من الأسباب الشرعية وبين قاعدة ما لا يتقدم عليه مسببه وهو مبني على ما للأصل من وقوع ما يتقدم مسببه عليه من الأسباب الشرعية وتمثيله بمثالين المثال الأول إتلاف المبيع قبل القبض بناء على القول بأنه يوجب الفسخ قبله بأن تقدر الانفساخ في المبيع قبل تلفه ليكون المحل قابلا للانفساخ لأن المعدوم الصرف لا يقبل انقلابه لملك البائع كما تقدم في الفرق الذي قبل هذا الفرق والمثال الثاني القتل خطأ بالنسبة لوجوب الدية لا لوجوب الكفارة بناء على أن الدية إنما تجب بالزهوق لا بإنفاذ المقاتل وأن الزهوق سبب استحقاقها من جهة كونها موروثة والإرث إنما يكون فيما تقدم فيه ملك الميت فتدعو الضرورة إلى أن يقدر تقدير ملكه لها في حالة تقبل الملك وهي حالة حياته لأن الميت لا يقبله ولا ضرورة تدعو لتقديم لزوم الكفارة على القتل الخطأ وأن ما لا يتقدم عليه مسببه من الأسباب الشرعية ثلاثة أقسام لأنه إما سبب فعلي تام فيقارنه مسببه كالأسباب في حيازة المباح كالحشيش والصيد والسلب في الجهاد حيث سوغناه بإذن الإمام على رأينا أو مطلقا على رأي الشافعية وكشرب الخمر والزنى والسرقة للحدود وكالتعاليق اللغوية فإنها كلها أسباب شرعية فإذا علق على شرط
    ____________________
    (3/376)
    فأما ما يقارن فكالأسباب الفعلية في حيازة المباح كالحشيش والصيد والسلب في الجهاد حيث سوغناه بإذن الإمام على رأينا أو مطلقا على رأي الشافعية وشرب الخمر والزنى والسرقة للحدود ومن ذلك التعاليق اللغوية فإنها كلها أسباب فإذا علق على شرط الطلاق أو غيره وأما ما يتقدم أحكامه عليه فكإتلاف المبيع قبل القبض فإنك تقدر الانفساخ في المبيع قبل تلفه ليكون المحل قابلا للانفساخ لأن المعدوم الصرف لا يقبل انقلابه لملك البائع على الخلاف الذي تقدم في الفرق الذي قبل هذا الفرق وكمثل الخطأ فإن له حكمين
    هامش أنوار البروق
    الملك كما في المعتدي وإنما كان ضمانه من البائع وإن لم يكن على ملكه لأنه بقي عليه فيه حق التوفية
    قال وكقتل الخطأ فإن له حكمين إحداهما يتقدم عليه وهو وجوب الدية فإنها لا تجب إلا بالزهوق لأنه سبب استحقاقها قلت ما قاله غير مسلم بل تجب بإنفاذ المقاتل الذي يئول إلى الزهوق قال ومن جهة أنها موروثة إلى قوله لأن الميت لا يقبله قلت لا حاجة إلى تقدير ملك الدية بل هو محقق بناء على أن السبب هو الإنفاذ لا الزهوق قال وثانيهما يقترن به وهو وجوب الكفارة فإنه لا ضرورة لتقديمها على القتل كما تقدم في الدية قلت قد تبين أنه لا ضرورة فيهما قال وأما ما تتأخر عنه أحكامه فكبيع الخيار يتأخر فيه نقل الملك عن العقد إلى الإمضاء على الصحيح
    هامش إدرار الشروق
    الطلاق أو غيره قارن لزوم المعلق وقوع ذلك الشرط المعلق عليه قال الشافعي رضي الله عنه إذا قال لامرأته إن أعطيتني ألفا فأنت طالق ففعلت طلقت لكن هذه الصورة تشكل جدا على أصل الشافعي وقاعدته من أن المعطاة والفعل والمناولة لا يوجب شيء من ذلك انتقال ملك فإنه إن أراد بالإعطاء الإقباض فينبغي أن تطلق ولا يستحق شيئا كما لو قال إن أقبضتني وهو بعيد وإن أراد بالإعطاء التمليك وهو الظاهر كان تمليكا بمجرد المناولة فيعضد المالكية في بيع المعاطاة بالقياس على هذه الصورة ويكون نقضا على أصله
    ولا يمكن أن يقال اللفظ السابق في التعليق حصل به انتقال الملك لأن لفظ التعليق إنما اقتضى ربط الطلاق بالإعطاء ولم يقتض حصول الملك في المعطي ولعلها لا تعطيه شيئا فإن اللفظ الدال على الملك لم يوجد ألبتة فلا يمكن الاعتماد عليه إلا أن يريد الشافعي بقوله ففعلت أي ملكته الألف بشرط التمليك الذي هو التلفظ بما يقتضيه فيندفع الإلزام عنه
    وأما سبب فعلي غير تام فيتأخر مسببه إلى تمامه كبيع الخيار يتأخر فيه نقل الملك عن العقد إلى الإمضاء على الصحيح لأن البيع إنما ثبت من أحد الطرفين دون الآخر فهو عقد غير تام فتأخر مسببه إلى تمامه وكالطلاق الرجعي مع البينونة فإنها تتأخر إلى خروج المطلقة من العدة وكالوصية يتأخر نقل الملك في الموصى به بعد الموت وكالسلم والبيع إلى أجل يتأخر عنه بوجه المطالبة إلى انقضاء الأجل
    ____________________
    (3/377)
    أحدهما يتقدم عليه وهو وجوب الدية فإنها إنما تجب بالزهوق لأنه سبب استحقاقها من جهة أنها موروثة والإرث إنما يكون فيما تقدم فيه ملك الميت فيجب أن يقدر ملكه لها حالة حياته في حالة تقبل الملك لأن الميت لا يقبله وثانيهما يقترن به وهو وجوب الكفارة فإنه لا ضرورة لتقديمها على القتل كما تقدم في الدية وأما ما تتأخر عنه أحكامه فكبيع الخيار يتأخر فيه نقل الملك عن العقد إلى الإمضاء على الصحيح وكالطلاق الرجعي مع البينونة بخلاف تحريم الوطء وتنصيص العدد فإنها تقارن وكالوصية يتأخر نقلها للملك في الموصى به بعد الموت وكذلك السلم والبيع إلى أجل يتأخر عنه توجه المطالبة إلى انقضاء الأجل وأما ما اختلف فيه فكالأسباب القولية نحو العتق والبيع والإبراء والطلاق والأمر والنهي والشهادات فهل تقع مسبباتها مع آخر حرف منها وهو مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري فإنه كان من الفقهاء الأجلة كما كان شيخ المتكلمين هذا مذهبه في الفقه في هذه المسألة أو تقع مسبباتها عقيب آخر حرف وهو مذهب جماعة من الفقهاء خلاف تنبيه قال الشافعي رضي الله عنه إذا قال لامرأته إن أعطيتني ألفا فأنت طالق ففعلت طلقت وهو مشكل على أصله جدا فإنه إن أراد بالإعطاء الإقباض فينبغي أن تطلق ولا يستحق شيئا كما لو قال إن أقبضتني وإن أراد بالإعطاء التمليك فكيف يصح التمليك على
    هامش أنوار البروق
    قلت إنما تأخر نقل الملك في بيع الخيار لأن البيع إنما ثبت من أحد الطرفين دون الآخر فهو عقد غير تام فتأخر مسببه إلى تمامه
    قال وكالطلاق الرجعي إلى قوله يتأخر عنه توجه المطالبة إلى انقضاء الأجل قلت جميع ما ذكره أسباب لم تتم فلم تترتب عليها مسبباتها حتى تمت واستوفت شروطها فلم يأت بمثال صحيح لما يتأخر عن سببه قال وأما ما اختلف فيه فكالأسباب القولية نحو العتق والبيع إلى قوله وهو مذهب جماعة من الفقهاء خلاف
    هامش إدرار الشروق
    وأما سبب قولي تام كالعتق والبيع والإبراء وتحريم الوطء وتنصيص العدد في الطلاق وكالأمر والنهي والشهادات فيجري فيه الخلاف السابق بين الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني وجماعة من الفقهاء هل تقع مسبباته مع آخر حرف منه أو عقيب آخر حرف منه وذهب إلى الأول أيضا الشيخ أبو الحسن الأشعري فإنه كان من الفقهاء الأجلة كما كان شيخ المتكلمين هذا خلاصة كلام الأصل مع تنقيح وزيادة وكتب عليه ابن الشاط ما حاصله أن الصحيح في الأسباب الشرعية المطرد فيها أن تعقبها مسبباتها أو تقارنها فلا يصح تقدير الانفساخ في المبيع قبل تلفه ولا تقدير ملك الدية قبل الموت على أنه لا حاجة إلى تقدير الانفساخ في المبيع قبل تلفه لأن انقلاب المبيع إلى ملك البائع لا حاجة لأن الداعي إلى ادعاء الحاجة إلى انقلابه إلى ملكه إنما هو كون ضمانه منه
    ____________________
    (3/378)
    أصله بمجرد المناولة وقاعدته أن المعاطاة والفعل والمناولة لا يوجب شيء من ذلك انتقال ملك فهذه الصورة تعضد المالكية في بيع المعاطاة بالقياس عليها ويكون نقضا على أصله ولا يمكن أن يقال اللفظ السابق في التعليق حصل به انتقال الملك لأن لفظ التعليق إنما اقتضى ربط الطلاق بالإعطاء ولم يقتض حصول الملك في المعطي ولعلها لا تعطيه شيئا فإن اللفظ الدال على الملك لم يوجد ألبتة فلا يمكن الاعتماد عليه الفرق الثالث والثمانون والمائة بين قاعدة الذمة وبين قاعدة أهلية المعاملة اعلم أن الذمة قد أشكلت معرفتها على كثير من الفقهاء وجماعة يعتقدون أنها أهلية المعاملة فإذا قلنا زيد له ذمة معناه أنه أهل لأن يعامل وهما حقيقتان متباينتان بمعنى أنهما متغايرتان وتحقيق التغاير بينهما أن كل واحدة من هاتين الحقيقتين أعم من الأخرى من وجه وأخص من وجه فإن التصرف يوجد بدون الذمة والذمة توجد بدون أهلية التصرف ويجتمعان معا كالحيوان والأبيض يوجد الحيوان ولا أبيض كالأسودان والأبيض
    هامش أنوار البروق
    قلت الأمر في ذلك الخلاف قريب ولا أراه يئول إلى طائل
    قال تنبيه قال الشافعي رضي الله عنه إلى آخر الفرق قلت الظاهر أن ما قاله وألزمه الشافعي صحيح إلا أن يريد الشافعي بقوله ففعلت أي ملكته الألف بشرط التمليك الذي هو التلفظ بما يقتضيه فيندفع الإلزام عنه والله أعلم
    قال الفرق الثالث والثمانون والمائة بين قاعدة الذمة وقاعدة أهلية المعاملة إلى قوله وهذا هو ضابط الأعم والأخص من وجه قلت ما قاله في ذلك صحيح وما قاله بعد من حكاية أقوال لا كلام فيه وما قاله من أن الصبي لا ذمة له فيه نظر فإن كانت الذمة كون الإنسان قابلا للزوم الحقوق والتزامها شرعا فالصبي لا ذمة له وإن كانت الذمة كونه قابلا للزوم الحقوق دون التزامها فالصبي له ذمة للزوم أروش الجنايات وقيم المتلفات له والله أعلم
    هامش إدرار الشروق
    وكون ضمانه منه لا يستلزم كونه على ملكه للزوم الضمان بدون الملك كما في المتعدي
    وإنما كان ضمانه من البائع وإن لم يكن على ملكه لأنه بقي عليه فيه حق التوفية ولا إلى تقديم ملك الدية بل هو محقق بناء على أن السبب هو الإنفاذ لا الزهوق فلا ضرورة لتقديمها كما لا ضرورة لتقديم الكفارة قال والأمر في الخلاف في الأسباب القولية قريب ولا أراه يئول إلى طائل والله سبحانه وتعالى أعلم
    قال تنبيه قال الشافعي رضي الله عنه إلى آخر الفرق قلت الظاهر أن ما قاله وألزمه الشافعي صحيح إلا أن يريد الشافعي بقوله ففعلت أي ملكته الألف بشرط التمليك الذي هو التلفظ بما يقتضيه فيندفع الإلزام عنه والله أعلم
    الفرق الثالث والثمانون والمائة بين قاعدة الذمة وبين قاعدة أهلية المعاملة وهو أنهما وإن اشتركا في جهتين جهة كونهما تعلقا ونسبة خاصة في المحل وجهة كونهما من باب خطاب الوضع لا من باب خطاب التكليف من حيث إن كلا منهما سبب في شيء كما سيفتح لا من
    ____________________
    (3/379)
    ولا حيوان كالجير والثلج ويجتمعان معا كالصقالبة والطيور البيض وهذا هو ضابط الأعم والأخص من وجه فالصبيان عندنا المميزون يصح بيعهم وشراؤهم ويقف اللزوم على إجازة الولي وقال الشافعي رحمه الله لا ينعقد أصلا وإن أذن له الولي وجوزه أبو حنيفة بإذن الولي فإن عقد بغير إذن الولي وقف على إجازته وقال ابن حنبل إن عقده بإذن صح وإلا فلا واتفق الجميع على عدم الذمة في حقه فهذا القسم حصل فيه أهلية التصرف عندنا وعند أبي حنيفة وابن حنبل من غير ذمة له عند الجميع وتوجد الذمة بدون أهلية التصرف كالعبيد فإنهم محجور عليهم لحق السادات
    وإن قلنا إنهم يملكون فلا يجوز لهم التصرف إلا بإذن السادات سدا لذريعة إفساد ما لهم وحق السادات متعلق به ولو جنوا جناية ولم يقع الحديث فيها ولا الحكم كانت متعلقة بذمته إذا عتق طولب بها بخلاف الصبي إذا بلغ لا يطالب بما تقرر في ذمته قبل البلوغ لكن بما تقدم سببه قبل البلوغ ويطالب به الآن
    وأما العبد يطالب بما تعلق بذمته قبل العتق فيكون قد تقدم في حق العبد السبب والملزوم وفي حق الصبي السبب دون اللزوم وكذلك إذا تزوج بغير إذن سيده وفسخ نكاحه بقي الصداق في ذمته يطالب به بعد العتق فاللزوم سابق والمطالبة متأخرة وكلاهما متأخر في حق الصبي لعدم الذمة في حق الصبي ووجودها في حق العبد وتوجد أهلية التصرف والذمة معا في حق الحر البالغ الرشيد فإن له أهلية التصرف وله ذمة فقد ظهر أن الذمة وأهلية التصرف كل واحد منهما أعم من الآخر من وجه وأخص
    هامش أنوار البروق
    قال فإن قلت الحكم على الشيء بالرد والقبول فرع عن كونه معقولا ومعنى الذمة غير تعبد معقول إلى قوله فهذا هو حقيقة الذمة وبسطها والعبارة الكاشفة عنها والسبب الشرعي الذي يقدر الشرع عنده ذلك المعنى الذي هو الذمة قلت الأولى عندي أن يقال إن الذمة قبول الإنسان شرعا للزوم الحقوق دون التزامها وعلى هذا تكون للصبي ذمة أو يقال قبولي الإنسان شرعا للزوم الحقوق والتزامها فعلى هذا لا تكون للصبي ذمة
    هامش إدرار الشروق
    حيث إنهما تعلق ونسبة خاصة والتعلقات أمور عدمية فيقدرها صاحب الشرع في المحل عند سببها موجودة وتكون من قبيل التقادير الشرعية التي هي إعطاء الموجود حكم المعدوم والمعدوم حكم الموجود خلافا للأصل لكنهما يفترقان من جهتين أيضا إحداهما أن الذمة أما كون الإنسان قابلا للزوم الحقوق والتزامها شرعا فيكون الصبي لازمة له وأما كونه قابلا شرعا للزوم الحقوق دون التزامها فيكون الصبي له ذمة للزوم أروش الجنايات وقيم المتلفات وأهلية المعاملة والتصرفات قبول خاص ليس فيه إلزام ولا التزام والجهة الثانية أن الذمة قال الأصل يشترط فيها التكليف من غير خلاف أعلمه بخلاف أهلية التصرف فاشترط الشافعي فيهما أيضا التمييز والتكليف ومالك وأبو حنيفة التمييز فقط وابن حنبل التمييز مع إذن الولي
    ____________________
    (3/380)
    من وجه فهما متغايران ويؤكد ذلك أن المفلس محجور عليه في ماله الذي حازه الحاكم ليس له أن يتصرف فيه وله أهلية التصرف في مال يستدينه من قوم آخرين أو يرثه أو يوهب له فقد اختصت أهلية التصرف ببعض الأموال وأما ذمته فثابتة بالنسبة إلى الجميع في المالين فقد صارت الذمة في هذه الصور أعم من أهلية التصرف وأهلية التصرف أخص من الذمة لحصولها في البعض من الأموال دون البعض فإن قلت الحكم على الشيء بالرد والقبول فرع عن كونه معقولا ومعنى الذمة تعبد غير معقول فكيف يقضى عليها بالعموم أو الخصوص أو غيرهما فلا بد من بيان الحقيقتين وإلا فلا يتحصل من هذه العمومات والخصوصات مقصود قلت العبارة الكاشفة عن الذمة أنها معنى شرعي مقدر في المكلف قابل للالتزام واللزوم وهذا المعنى جعله الشرع مسببا على أشياء خاصة منها البلوغ ومنها الرشد فمن بلغ سفيها لا ذمة له ومنها ترك الحجر كما تقدم في المفلس فمن اجتمعت له هذه الشروط رتب الشرع عليها تقدير معنى فيه يقبل إلزامه أرش الجنايات وأجر الإجارات وأثمان المعاملات ونحو ذلك من التصرفات ويقبل التزامه إذا التزم أشياء اختيارا من قبل نفسه لزمه وإذا فقد شرط من هذه الشروط لم يقدر الشرع هذا المعنى القابل للإلزام والالتزام وهذا المعنى المقدر هو الذي تقدر فيه الأجناس المسلم فيها مستقرة حتى يصح مقابلتها بالأعواض المقبوضة ناجزا في ثمنها وفيه تقدر أثمان البياعات بثمن إلى آجال بعيدة أو
    هامش أنوار البروق
    قال وأما أهلية التصرف إلى قوله فهذا هو نفس الفرق بينهما مع أن كليهما معنى مقدر في المحل قلت ما قاله في ذلك ظاهر قال ووقع الفرق أيضا من حيث السبب فإن الذمة يشترط فيها التكليف من غير خلاف أعلمه بخلاف أهلية التصرف فقد وضع الفرق بينهما قلت إذا صح الاتفاق على اشتراط التكليف في الذمة فلا ذمة للصبي ويتعين حد الذمة أو رسمها بأنها قبول الإنسان شرعا للزوم الحقوق دون التزامها والله أعلم
    هامش إدرار الشروق
    فلا يصح عنده تصرفه بدون إذنه
    وقال ابن الشاط إذا صح الاتفاق على اشتراط التكليف في الذمة فلا ذمة للصبي ويتعين حد الذمة أو رسمها بأنها قبول الإنسان شرعا للزوم الحقوق دون التزامها ا ه
    أي حتى تكون للصبي ذمة للزوم أروش الجنايات وقيم المتلفات له كما علمت فبين الذمة وأهلية التصرف عموم وخصوص وجهي يجتمعان معا في حق الحر البالغ الرشيد فإن له أهلية التصرف وله ذمة كما لا يخفى وتنفرد الذمة عن أهلية التصرف في العبيد فإنهم محجور عليهم لحق السادات سدا لذريعة إفساد ما لهم وحق السادات متعلق به ولو جنى العبد جناية ولم يقع الحديث فيها ولا الحكم كانت متعلقة بذمته إذا عتق طولب بها فيكون قد تقدم في حقه السبب واللزوم وتأخرت المطالبة
    وإذا تزوج بغير إذن سيده وفسخ نكاحه بقي الصداق في ذمته يطالب به بعد العتق فاللزوم سابق والمطالبة متأخرة في حقه وتنفرد
    ____________________
    (3/381)
    قريبة وصدقات الأنكحة والديون في الحوالات والحقوق في الضمانات وغير ذلك ولا جرم من لا يكون هذا المعنى مقدرا في حقه لا يصح في حقه شيء من هذه الأمور فلا ينعقد في حقه سلم ولا ثمن إلى أجل ولا حوالة ولا حمالة ولا شيء من ذلك فهذا هو حقيقة الذمة وبسطها والعبارة الكاشفة عنها والسبب الشرعي الذي يقدر الشرع عنده المعنى الذي هو الذمة وأما أهلية التصرف فحقيقتها عندنا قبول يقدره صاحب الشرع في المحل وسبب هذا القبول المقدر التمييز عندنا وعند الشافعي التميز مع التكليف
    وهذا القبول الذي هو أهلية التصرف لا يشترط فيه عندنا الإباحة فإن الفضولي عندنا له أهلية التصرف وتصرفه حرام وللمالك عندنا إمضاء ذلك التصرف من غير تجديد عقد آخر ينفذ ذلك التصرف فدل ذلك على أن العقد المتقدم قابل للاعتبار وإنما تعلق به حق آدمي كتصرف العبد بغير إذن سيده ثم إن أهلية التصرف قد توجد في النكاح الذي لا يثبت في الذمم
    هامش أنوار البروق
    قال فإن قلت هل هما من باب خطاب الوضع قلت ما قاله من أنهما من خطاب الوضع هو الظاهر وكذلك الملك عندي بخلاف قوله فيه وما قاله من أنها من التقادير الشرعية فيه نظر وكذلك ما قاله من أن النسب أمور سلبية فيه نظر وقوله كما تقدر الملك في العتق وهو معدوم إن كان يشير بذلك إلى العتق عن الغير فقد تقدم أن الصحيح خلاف ذلك والله أعلم
    هامش إدرار الشروق
    أهلية التصرف عن الذمة في الصبيان المميزين فإن في الصبي المميز أهلية التصرف عندنا وعند أبي حنيفة وابن حنبل فقط من غير ذمة له عند الجميع بناء على صحة الاتفاق على اشتراط التكليف في الذمة كما تقدم قلت ولا ينافي هذا قول السيد الجرجاني في تعريفاته الذمة لغة العهد لأن نقضه يوجب الذم ومنهم من جعلها وصفا فعرفها بأنها وصف يصير الشخص به أهلا للإيجاب له وعليه ومنهم من جعلها ذاتا فعرفها بأنها نفس لها عهد فإن الإنسان يولد وله ذمة صالحة للوجوب له وعليه عند جميع الفقهاء بخلاف سائر الحيوانات ا ه
    بلفظ كما أنه لا منافاة بين قوله فإن الإنسان يولد وله ذمة
    وقوله صالحة للوجوب له وعليه لأن مراده أنها من الطبائع الملازمة للإنسان كالناطقية بمعنى مبدئية النطق والإدراك وإن منع من تحققها في بعض أفراده مانع كما يشهد لذلك قوله بخلاف سائر الحيوانات فتأمل بإمعان وبالجملة فسبب القبول الذي هو الذمة عند الجميع التمييز مع التكليف وسبب القبول الذي هو أهلية التصرف عندنا وعند أبي حنيفة التمييز دون الإجازة والتكليف ودون الإباحة أيضا عندنا فإن الفضولي عندنا له أهلية التصرف وتصرفه حرام وللمالك عندنا إمضاء ذلك التصرف من غير تجديد عقد آخر ينفذ ذلك التصرف فدل على أن العقد المتقدم قابل للاعتبار وإنما تعلق به حق آدمي كتصرف العبد بغير إذن سيده والصبي المميز بغير إذن الولي فإن تصرفه صحيح يتوقف لزومه على إجازة السيد والولي عندنا وعند أبي حنيفة وعند ابن حنبل التمييز مع الإجازة دون التكليف فإنه عقد الصبي المميز بإذن الولي صح وإلا فلا وعند الشافعي التمييز مع التكليف فلا ينعقد عقد الصبي المميز أصلا وإن أذن له الولي والله سبحانه وتعالى أعلم
    ____________________
    (3/382)
    كتصرف الأولياء في الموليات له وتوجد في الأحكام فيما لا يثبت في الذمم وأنواع التصرفات كثير فيما لا يثبت في الذمة فأهلية التصرفات أهلية وقبول خاص كما تقدم ليس فيه إلزام ولا التزام والذمة معنى مقدر في المحل قابل لهما فهذا هو نفس الفرق بينهما مع أن كليهما معنى مقدر في المحل ووقع الفرق أيضا من حيث السبب فإن الذمة يشترط فيها التكليف من غير خلاف أعلمه بخلاف أهلية التصرف فقد وضح الفرق بينهما فإن قلت هل هما من باب خطاب الوضع الذي هو وضع الأسباب والشروط والموانع والتقادير الشرعية أو من باب خطاب التكليف الذي هو الوجوب والتحريم والندب والكراهة والإباحة كما قلته في الملك إنه من باب خطاب التكليف وأنه يرجع إلى الإذن والإباحة عند أسباب خاصة وإباحة خاصة كما تقدم بيانه في ذلك
    قلت الذي يظهر لي وأجزم به أن الذمة وأهلية التصرف من باب خطاب الوضع دون خطاب التكليف وأنهما يرجعان إلى التقادير الشرعية والتقادير الشرعية هي إعطاء الموجود حكم المعدوم والمعدوم حكم الموجود وقد تقدم بسطها في الفرق بين الخطابين والذمة وأهلية التصرف من القسم الثاني وهو إعطاء المعدوم حكم الموجود فإنه لا شيء في المحل من الصفات الموجودة كالألوان والطعوم ونحوهما من الصفات الموجودة وإنما هو نسبة خاصة يقدرها صاحب الشرع عند سببها موجودة وهي لا وجود لها بل هذا المعنى من التقدير فقط كما يقدر الملك في العتق وهو معدوم وكذلك هذه التقادير تذهب عند ذهاب أسبابها وتثبت عند تثبيت أسبابها كمتعلقات الخطاب في التحريم والإباحة وغيرهما والتعلقات أمور عدمية تقدر في المحال موجودة فهذا هو تلخيص معنى الذمة وأهلية التصرف والفرق بينهما فتأمله
    الفرق الرابع والثمانون والمائة بين قاعدة ما يقبل الملك من الأعيان والمنافع وبين قاعدة ما لا يقبله اعلم أن الأعيان منها ما لا يقبل الملك إما لعدم اشتماله على منفعة كالخشاش أو
    هامش أنوار البروق
    قال الفرق الرابع والثمانون والمائة بين قاعدة ما يقبل المالك وقاعدة ما لا يقبله
    هامش إدرار الشروق
    @ 383 الفرق الرابع والثمانون والمائة بين قاعدة ما يقبل الملك من الأعيان والمنافع وبين قاعدة ما لا يقبله منهما يحصل الفرق بينهما أمران
    ____________________
    (3/383)
    منفعة محرمة كالخمر والمطربات المحرمة أو منفعة تعلق بها حق آدمي كالحر فإنه لا يقبل الملك لغيره لأنه أحق بنفسه من غيره أو تعلق بها حق الله تعالى كالمساجد والبيت الحرام
    وقد تقدم أن الملك إذن شرعي خاص والإذن في غير منتفع به عبث وفي المحرم متناقض وفيما هو حق للغير مبطل لذلك الحق فيمتنع المالك في هذه الأقسام ومنها ما فيه منفعة فيقبل المالك لأجل منفعة وهو قسمان ما يمتنع بيعه إما صونا لمكارم الأخلاق عن الفساد ككلب الصيد وإجارة الأرض إذا قلنا بأنها لا يؤجر مطلقا لأن ذلك كان قديما من الأمور المنافية لمكارم الأخلاق ولذلك قال عليه السلام من كانت له أرض فليزرعها أو يمنحها أخاه فإن الحسن والقبح في هذه الأمور عادي وإما لتعلق حق الغير كأم الولد لتعلق حقها بالعتق والحر لتعلق حقه بنفسه والوقف لتعلق حق الموقوف عليه به
    وأما ما سلم من هذه الموانع فهو القابل للملك والتصرف بأسباب الملك على اختلافها ونظائره كثيرة معروفة كالبر والأنعام وغيرهما فهذا تلخيص الفرق بين القاعدتين وها هنا قاعدة أخرى تلاحظ في هذا الفرق وهي إن كل تصرف كان من العقود كالبيع أو غير العقود كالتعزيرات وهو لا يحصل مقصوده فإنه لا يشرع ويبطل إن وقع فلذلك امتنع بيع الحر وأم الولد ونكاح المحرم وذوات المحرم فإن مقاصد هذه العقود لا تحصل بها
    وكذلك الإجارة على الأفعال المحرمة وتعزير من يعقل الزجر كالسكران والمجنون ونحوهما فإن الزجر لا يحصل بذلك والمقصود من البيع ونحوه إنما هو انتفاع كل واحد من المتعاوضين بما يصير إليه فإذا كان عديم المنفعة أو محرما لم يحصل مقصوده فيبطل عقده والمعاوضة عليه لهذه القاعدة فهذه القاعدة أيضا تحصل فرقا بين القاعدتين
    هامش أنوار البروق
    قلت ما قاله صحيح على ما في قوله من الأعيان من المسامحة على ما سبق
    هامش إدرار الشروق
    الأمر الأول ما تقدم من أن الملك إذن شرعي خاص وأن الأعيان لا تقبله إلا باعتبار منافعها فما لا منفعة له كالخشاش وما له منفعة محرمة كالخمر والمطربات المحرمة وما له منفعة تعلق بها حق آدمي كالحر لتعلق حقه بنفسه وكأم الولد لتعلق حقها بالعتق وكالوقف لتعلق حق الموقوف عليه به فلا يقبل واحد من هذه الأنواع الثلاثة الملك أما الأول فلأن الإذن فيه عبث وأما الثاني فلأن الإذن فيه متناقض وأما الثالث فلأن الإذن فيه مبطل لذلك الحق وبقي النوع الرابع وهو ما فيه منفعة ليست محرمة ولا تعلق بها حق آدمي فيقبل الملك لأجل منفعته إلا أنه قسمان قسم يمتنع صونا لمكارم الأخلاق عن الفساد ككلب الصيد وإجارة الأرض إذا قلنا بإنها لا تؤجر مطلقا لأن ذلك كان قديما من الأمور المنافية لمكارم الأخلاق ولذلك قال عليه السلام من كانت له أرض فليزرعها أو يمنحها أخاه فإن الحسن والقبح في هذه الأمور عادي وقسم سلم من هذه الموانع فهو القابل للملك والتصرف بأسباب الملك عن اختلافها ونظائره كثيرة معروفة كالبر والأنعام وغيرهما الأمر الثاني قاعدة إن كل تصرف كان من العقود كالبيع أو غير العقود كالتعزيرات وهو لا يحصل
    ____________________
    (3/384)
    الفرق الخامس والثمانون والمائة بين قاعدة ما يجوز بيعه وقاعدة ما لا يجوز بيعه فقاعدة ما يجوز بيعه ما اجتمع فيه شروط خمسة وقاعدة ما لا يجوز بيعه ما فقد منه أحد هذه الشروط الخمسة فالشروط الخمسة هي الفرق بينهما وهي الطهارة لقوله عليه السلام في الصحيحين إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل له يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنها يطلى بها السفن ويستصبح بها فقال لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها الشرط الثاني أن يكون منتفعا به ليصح مقابلة الثمن له الشرط الثالث أن يكون مقدورا على تسليمه حذرا من الطير في الهواء والسمك في الماء ونحوها لنهيه عليه السلام عن بيع الغرر
    هامش أنوار البروق
    قال الفرق الخامس والثمانون والمائة بين قاعدة ما يجوز بيعه وقاعدة ما لا يجوز بيعه إلى قوله وفي الشروط مسألتان قلت ما قاله في ذلك صحيح قال المسألة الأولى إلى آخرها قلت ما قاله من أن فرق الحنفية يندفع بما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها أرضعت كبيرا فحرم عليها لقائل أن يقول لا يندفع بذلك لجعل رضاع الكبير لقصد ثبوت التحريم داخلا فيما استثني للضرورة وما قال في المسألة الثانية إلى آخر الفرق حكاية أقوال وتوجيه وترجيح لا كلام فيه معه وجميع ما قاله في الفروق الثلاثة بعد هذا صحيح
    هامش إدرار الشروق
    مقصوده لا يشرع ويبطل إن وقع والمقصود من البيع ونحوه إنما هو انتفاع كل واحد من المتعارضين بما يصير إليه فإذا كان عديم المنفعة أو محرمها أو تعلق بمنفعته حق الغير لم يحصل مقصوده فيبطل عقده والمعارضة عليه لهذه القاعدة كما يمتنع نكاح ذوات المحرم لأن مقاصد عقده لا تحصل بها ويمتنع تعزير من لا يعقل الزجر كالسكران والمجنون ونحوهما لأن الزجر لا يحصل بذلك والله سبحانه وتعالى أعلم
    الفرق الخامس والثمانون والمائة بين قاعدة ما يجوز بيعه وقاعدة ما لا يجوز بيعه وهو أن ما يجوز بيعه عبارة عما اجتمع فيه شروط خمسة أربعة منها في صحته وجوازه ولزومه معا الأول الطهارة لقوله عليه السلام في الصحيحين إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل له يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنها يطلى بها السفن ويستصبح بها فقال لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها
    ____________________
    (3/385)
    الشرط الرابع أن يكون معلوما للمتعاقدين لنهيه عليه السلام عن أكل المال بالباطل الشرط الخامس أن يكون الثمن والمبيع مملوكين للعاقد والمعقود له أو من أقيما مقامه فهذه شروط في جواز البيع دون الصحة لأن بيع الفضول وشراءه محرم وفي الشروط مسألتان المسألة الأولى في الشرط الثاني قال صاحب الجواهر يكفي أصل المنفعة وإن قلت وقلت قيمتهما فيصح بيع التراب والماء ولبن الآدميات وقاله الشافعي وابن حنبل قياسا على لبن الغنم وقال أبو حنيفة رضي الله عنهم أجمعين لا يجوز بيعه ولا أكله لأنه جزء حيوان منفصل عنه في حياته فيحرم أكله فيمتنع بيعه وجوابه القياس المتقدم وفرق هو بشرف الآدمي وإباحة لبنه هو أنه استثني منه الرضاع للضرورة وبقي ما عداه على الأصل بخلاف الأنعام بدليل تحريم لحمه تشريفا له ويندفع الفرق بما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها أرضعت كبيرا فحرم عليها فلو كان حراما لما فعلت ذلك ولم ينكر عليها أحد من الصحابة فكان ذلك إجماعا على إلغاء هذا الفرق المسألة الثانية بيع الفضول في الشرط الخامس
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    @ 386 الشرط الثاني أن يكون منتفعا به انتفاعا شرعيا حالا أو مآلا ليصح مقابلة الثمن له الشرط الثالث أن يكون مقدورا على تسليمه حذرا من الطير في الهواء والسمك في الماء ونحوهما لنهيه عليه السلام عن بيع الغرر الشرط الرابع أن يكون معلوما للعاقدين لنهيه عليه السلام عن أكل المال بالباطل والشرط الخامس وهو أن يكون الثمن والمبيع مملوكين للعاقد والمعقود له أو من أقيما مقامه شرط في الجواز واللزوم معا دون الصحة لأن بيع الفضولي وشراءه وإن كان صحيحا علم المشتري أنه فضولي أم لا كما في المختصر إلا أنه محرم على المشهور وغير لازم يتوقف لزومه على رضا المالك كما في المختصر وغيره وبقي شرط سادس أخذه عبق من قول خليل في المختصر ووقف مرهون على رضا مرتهنه ا ه
    وعده من شروط الصحة وهو أن لا يكون لغير العاقد والمعقود له أو من أقيما مقامه حق في المعقود عليه ثمنا أو مثمنا وتعقبه الشيخ مصطفى الرماصي كما في البناني بأنه شرط في اللزوم فقط أي دون الصحبة وكذا دون الجواز كما هو ظاهر قال والظاهر أن المصنف أي خليلا لذلك لم يجر فيه على أسلوب ما قبله فلم يدرجه في شروط الصحة ا ه
    يعني الأربعة الأول فافهم وما لا يجوز بيعه عبارة عما فقد منه أحد شروط الجواز الخمسة الأول فتحقق الشروط الخمسة وعدم تحققها هو الفرق بين القاعدتين المذكورتين والله أعلم وصل في ثلاث مسائل تتعلق بالشروط المذكورة المسألة الأولى في الشرط الأول قال حفيد بن رشد في بدايته النجاسات على ضربين الضرب الأول ما لا تدعوا الضرورة إلى استعماله فاتفق المسلمون على تحريم بيعها وهي أنواع
    ____________________
    (3/386)
    قال صاحب الجواهر مقتضى ما حكاه الشيخ أبو إسحاق أن هذا الشرط شرط في الصحة وقاله الشافعي وابن حنبل رضي الله عنهما وقال أبو حنيفة رضي الله عنه هو شرط في الشراء دون البيع وقال ابن يونس يمتنع أن يشتري من رجل سلعة ليست في ملكه ويوجب على نفسه تحصيل ثمنها لأنه غرر
    وقال سحنون إن نزل ذلك فلربها إمضاء البيع كمن غصب سلعة والمشتري يعلم بالغصب ومنع أشهب ذلك في الغاصب لدخولهما على الفساد والغرر قال ابن يونس وهو القياس في المسألتين قلت فظاهر هذا النقل يقتضي أن إطلاق الأصحاب محمول على ما إذا كان المشتري غير عالم بعدم الملك فالمشهور أن له الإمضاء أما إذا علم فلا على هذا الخلاف احتج الشافعية والحنابلة بقوله عليه السلام لا بيع ولا طلاق ولا عتاق فيما لا يملك ابن آدم ولأن وجود السبب بكماله بدون آثاره يدل على فساده وقياسا على الطلاق والفرق عند أبي حنيفة أن الشراء يقع للمباشر فيفتقر نقل الملك إلى عقد آخر وكذلك الوكيل عنده يقع العقد له ثم ينتقل بخلاف البائع فإنه مخرج للسلعة لا جالب لها والجواب عن الأول القول بالموجب أو نحمله على ما قبل الإجازة لأن العام في الأشخاص مطلق في الأحوال سلمنا عمومه في الأحوال لكنه معارض بأنه
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الأول الخمر ولذا اتفقوا على أنها نجسة إلا خلافا شاذا الثاني الميتة بجميع أجزائها التي تقبل الحياة الثالث الخنزير بجميع أجزائه التي تقبل الحياة واختلف في الانتفاع بشعره فأجازه ابن القاسم ومنعه أصبغ الضرب الثاني ما تدعو الضرورة إلى استعماله كالترجيع والزبل الذي يتخذ في البساتين فاختلف في بيعه في المذهب فقيل بمنعه مطلقا وقيل بالفرق بين العذرة والزبل أعني إباحة الزبل ومنع العذرة واختلفوا فيما يتخذ من أنياب الفيل لاختلافهم هل هو نجس أم لا فمن رأى أنه ناب جعله ميتة ومن رأى أنه قرن معكوس جعل حكمه حكم القرن والخلاف فيه في المذهب ا ه بتصرف
    قال البناني وقد حصل الحطاب في بيع العذرة أربعة أقوال المنع لمالك على فهم الأكثر للمدونة والكراهة على ظاهر المدونة وفهم أبي الحسن لها والجواز لابن الماجشون والفرق بين الاضطرار لها فيجوز وعدمه فيمنع لأشهب في كتاب محمد
    وأما الزبل فذكر ابن عرفة فيه ثلاثة أقوال قياسه على العذرة في المنع عند مالك وقول ابن القاسم بجوازه وقول أشهب في المدونة المشتري أعذر من البائع وتزاد الكراهة على ظاهر المدونة في العذرة وفهم أبي الحسن انظر الحطاب رحمه الله وفي التحفة ونجس صفقته محظورة ورخصوا في الزبل للضرورة وهو يفيد أن العمل على بيع الزبل دون العذرة وصرح به ابن لب كما نقله عنه في المعيار أول نوازل المعاوضات وهو الذي به العمل عندنا للضرورة ا ه
    منه بلفظه وفي حاشية كنون قال الحطاب والدليل على منع بيع النجس نهيه تعالى عن أكل المال بالباطل لأنه لا تحصل به منفعة للمسلم أصلا أو حكما
    ____________________
    (3/387)
    عليه السلام دفع لعروة البارقي دينارا ليشتري له به أضحية فاشترى به أضحيتين ثم باع أحدهما بدينار وجاء بدينار وأضحية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بارك الله لك في صفقة يمينك فكان إذا اشترى التراب ربح فيه خرجه أبو داود ولأنه تعاون على البر فيكون
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    ودليله من السنة حديث جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
    قال إن الله ورسوله حرم بيع الخمر الحديث الذي أخرجه البخاري باللفظ المذكور ومسلم بلفظ إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنها تطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها فقال لا هو حرام ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك قاتل الله اليهود إن الله لما حرم عليهم شحومها جملوها ثم باعوه فأكلوا ثمنه ومعنى أجملوه أذابوه وقوله حرم قال القرطبي صحت الرواية بإسناده إلى ضمير الواحد تأدبا منه عليه الصلاة والسلام أن يجمع بينه وبين اسم الله في ضمير الاثنين كما رد على الخطيب قوله ومن يعصهما فقال له بئس خطيب القوم قل ومن يعص الله انظره والله أعلم ا ه
    وفي الإكمال ما نصه
    وأما شحم الميتة فالجمهور على أنه لا ينتفع من الميتة بشيء ألبتة لأنها نجسة العين ولعموم النهي عن الانتفاع بالميتة إلا ما خصصته السنة من الجلد وأجاز عطاء الاستصباح بشحمها وأن يطلى به السفن ا ه
    وفي النوادر عن ابن الجهم والأبهري لا بأس بوقيده إذا تحفظ منه ا ه
    ولا يلزم من ذلك جواز البيع والحديث يرد عليهم راجع ما تقدم عند قوله وينتفع بمتنجس إلخ ومن شحم الميتة ما يجلب من بلاد الروم من الصابون والشمع المصنوعين من شحم غير الحيوان البحري والله أعلم ا ه المسألة الثانية في الشرط الثاني قال صاحب الجواهر يكفي أصل المنفعة وإن قلت وقلت قيمتها فيصح بيع التراب والماء ا ه
    أي بمكانها المعد لهما وهو التل والبحر وقيد المحلي والرملي وابن حجر صحة بيعهما فيه بأن يجوز الماء في قربة مثلا أو يكوم التراب فصورة المسألة أنه باع قربة ماء مثلا على شط البحر كما في حاشية البجيرمي على شرح شيخ الإسلام على المنهج قال شيخ الإسلام ولا يقدح فيه إمكان تحصيل مثلهما بلا تعب ولا مؤنة وما لا منفعة فيه كالحشرات التي لا تنفع وهي صغار دواب الأرض كحية وعقرب وفأرة وخنفساء لا يصح تملكه ولا بيعه إذ لا نفع في الحشرات المذكورة يقابل بالمال وإن ذكر لها منافع في الخواص بخلاف ما ينفع كضب لمنفعة أكله وعلق لمنفعة امتصاص الدم كما في شرح شيخ الإسلام على المنهج قال البناني ذكر المازري وابن رشد وغيرهما إن مثل ما لا منفعة فيه ما منافعه كلها محرمة كالدم أو جل المقصود منها محرم كالزيت النجس بخلاف ما منافعه كلها أو جلها محللة كالزبيب فإن كانت المنافع المقصودة منها محلل ومنها محرم ككلب الصيد أشكل الأمر وينبغي أن يلحق بالممنوع ا ه
    ولعل المصنف يعني خليلا رحمه الله لإشكال هذا لم يقنع بأخذه من شرط الانتفاع لخفائه وهو واضح ا ه
    أي فاحتاج إلى زيادة شرط الإباحة لكون أخذه منه ظاهرا لا خفاء فيه وفي حاشية كنون وقول البناني ما منافعه كلها محرمة أي فلا يصح تملكه ولا بيعه ومثله التداوي بالخمر والخنزير وآلة اللهو وقال الحطاب مثله القرافي بالخمر والمطربات وقال في المتيطية ومن اشترى من آلة اللهو شيئا كبوق وغيره فسخ بيعه وأدب أهله وفي المسائل الملقوطة لا يجوز بيع أشياء منها الصور والقرد وآلة الملاهي ا ه
    وقال ابن جزي
    ____________________
    (3/388)
    مشروعا لقوله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى وعن الثاني أنه ينتقض ببيع الخيار وعن الثالث الفرق بأن الطلاق والعتاق لا يقبلان الخيار فكذلك لا يقبلان الإيقاف والبيع يقبل الخيار فيقبل الإيقاف فرع مرتب إذ قلنا إن بيع الفضول يصح ويتوقف على الإجازة فهل يجوز الإقدام ابتداء قال القاضي في التنبيهات ما يقتضي تحريمه لعده إياه مع ما يقتضي الفساد لأمر خارجي
    وقال ذلك كبيع الأم دون ولدها
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    في قوانينه ما نصه وإن كانت المنفعة لا تجوز فهي كالعدم كآلات اللهو ا ه
    وفي بداية المجتهد لحفيد ابن رشد ومن مسائلهم المشهورة في هذا الباب اختلافهم في جواز بيع لبن الآدمية إذا حلب فمالك والشافعي يجوزانه وأبو حنيفة لا يجوزه وسبب اختلافهم تعارض أقيسة الشبه وذلك أن عمدة المجيز أنه لبن أبيح شربه فأبيح بيعه قياسا على لبن سائر الأنعام وعمدة المانع أن الإنسان حيوان لا يؤكل لحمه فلا يجوز بيع لبنه قياسا على لبن الخنزير والأتان وإنه إنما أبيح شربه لمكان ضرورة الطفل إليه ا ه ملخصا
    وقال صاحب الجواهر إثر ما تقدم عنه أو يصح بيع لبن الآدميات أي في مذهبنا وقاله الشافعي وابن حنبل قياسا على لبن الغنم وقال أبو حنيفة رضي الله عنهم أجمعين لا يجوز بيعه ولا أكله لأنه جزء حيوان منفصل عنه في حياته فيحرم أكله فيمتنع بيعه ويفرق بينه وبين لبن الغنم بشرف الآدمي أي فلا يتم القياس المتقدم ولا يرد إباحة لبنه لأنه استثني منه من الرضاع للضرورة وبقي ما عداه على الأصل بخلاف الأنعام بدليل تحريم لحمه تشريفا له نعم يندفع الفرق بما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها أرضعت كبيرا فحرم عليها فلو كان حراما لما فعلت ذلك ولم ينكر عليها أحد من الصحابة فكان ذلك إجماعا على إلغاء هذا الفرق ا ه
    قال ابن الشاط لقائل أن يقول لا يندفع بذلك لجعل رضاع الكبير لقصد ثبوت التحريم داخلا فيما استثني للضرورة ا ه
    المسألة الثالثة في الشرط الخامس قال صاحب الجواهر مقتضى ما حكاه الشيخ أبو إسحاق إن هذا الشرط شرط في الصحة أي للبيع والشراء وقاله الشافعي وابن حنبل رضي الله عنهما وقال أبو حنيفة هو شرط في الشراء في صحته دون البيع ا ه
    وأطلق الأصحاب صحة بيع الفضولي وشرائه والأصل بعد قول صاحب الجواهر إثر ما تقدم عنه وقال ابن يونس يمتنع أن يشتري من رجل سلعة ليست في ملكه ويوجب على نفسه تحصيل ثمنها لأنه غرر وقال سحنون إن نزل ذلك فلربها إمضاء البيع كمن غصب سلعة والمشتري يعلم بالغصب ومنع أشهب ذلك في الغصب لدخولهما على الفساد والغرر وقال ابن يونس وهو أي المنع القياس في المسألتين أي مسألتي الفضولي والغصب ا ه
    قال ظاهر وهذا النقل يقتضي أن إطلاق الأصحاب محمول على ما إذا كان المشتري غير عالم بعدم الملك فالمشهور أن له الإمضاء أما إذا علم أي بعدم الملك فلا على هذا الخلاف أي فليس له الإمضاء ا ه
    وفي مختصر خليل وملك غير على رضاه ولو علم المشتري قال عبق ما حاصله أي وتصرف ملك غير أي فيه أوله فيشمل البيع والشراء لأن حكمهما واحد كما في الإرشاد قاله التتائي والمعتمد حرمة بيعه وشرائه كما قال القرافي إنه المشهور لا جوازه ولا بد به كما للطراز قاله الحطاب والحق أنه يختلف بحسب المقاصد وما يعلم من حال المالك إنه الأصلح له فإذا تصرف في ملك غير فهو لازم من جهته منحل من جهة المالك فله إجازته ولو علم المشتري بأنه فضولي ويطالب الفضولي فقط بالثمن لأنه بإجازته بيعه صار وكيلا ويأتي في
    ____________________
    (3/389)
    وبيع يوم الجمعة وبيع مال الغير بغير أمره وظاهر كلام صاحب الطراز الجواز لقوله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى وقال الأبهري قال مالك يحرم بيع السلع أيام الخيار حتى يختار لنهيه عليه السلام عن بيع ما لم يضمن قال الأبهري يحرم
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الوكالة وطولب بثمن ومثمن ما لم يصرح بالبراءة ولا طلب له على المشتري وله رده لكن بالقرب فإن سكت مع العلم عاما فلا رد له وليس له إلا طلب الثمن فإن سكت مدة الحيازة لم يكن له شيء انظر الحطاب وقيد المصنف بثلاثة قيود أحدها أن لا يكون المالك حاضرا بيع الفضولي فإن حضره وسكت لزمه البيع فإن سكت بعد انقضاء المجلس الحاضر له حتى مضى عام ونحوه ولم يطالب بالثمن فلا شيء له على البائع ثانيها في غير الصرف وأما فيه فيفسخ كما سيأتي في قوله إن لم يخبر المصطرف ثالثها في غير الوقف
    وأما فيه فباطل لا يتوقف على رضا واقفه وإن كان الملك له كما سيذكره المصنف لأن الملك له في شيء خاص وهو ما أشار له بقوله فإنه ولوارثه منع من يريد إصلاحه وإن تصرف لملك غير أي اشترى لغيره ولم يجزه لزم الشراء للمشتري ولا يرجع رب المال على البائع بماله إلا أن يكون المشتري أشهد أن الشراء لفلان بماله والبائع يعلم ذلك أو صدق المشتري فيه أو تقوم بينة أن الشيء الذي اشترى به ملك للمشتري له فإن أخذ المشتري له ماله ولم يجز الشراء انتقض البيع فيما إذا صدق البائع أنه اشترى لغيره أو قامت بينة أن البائع يعلم ذلك ولم ينتقض مع قيام البينة أن المال للمشتري له بل يرجع على المشتري بجميع الثمن ويلزمه البيع هذا قول ابن القاسم وأصبغ ا ه
    وسلمه البناني والتاودي والرهوني وكنون فهو المذهب وأصل قوله والمعتمد حرمة بيعه وشرائه إلخ قول الأصل ظاهر كلام الطراز الجواز لحديث عروة البارقي الآتي والمراد بالجواز الندب لقوله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى لكن قول القاضي أي عياض في التنبيهات أن ما يقتضي الفساد لأمر خارجي كبيع الأم دون ولدها وبيع يوم الجمعة وبيع مال الغير بغير أمره ا ه
    يقتضي تحريمه بل قد وقع التصريح بالتحريم من مالك والأبهري في قول الأبهري قال مالك يحرم بيع السلع أيام الخيار حتى يختار لنهيه عليه السلام عن بيع ما لم يضمن قال الأبهري يحرم ذلك عليه حتى يتقرر ملكه عليها قال ومعنى نهيه عليه السلام عن بيع ما لم يضمن بيع الإنسان لملك غيره ا ه
    ويجاب عن حديث عروة البارقي بأن حالة الصحبة أوجبت الإذن بلسان الحال الذي يقوم مقام التوكيل بلسان المقال الموجب للإباحة ونفي الإثم بخلاف الأجنبي مطلقا ا ه
    وحجة الشافعية والحنابلة ثلاثة أمور الأول قوله عليه السلام لا بيع ولا طلاق ولا عتاق فيما لا يملك ابن آدم الأمر الثاني قاعدة أن وجود السبب بكماله بدون آثاره يدل على فساده الأمر الثالث القياس على الطلاق والعتاق ووجه الفرق عند أبي حنيفة بين الشراء والبيع أن الشراء يقع للمباشرة فيفتقر نقل الملك إلى عقد آخر وكذلك الوكيل عنده يقع العقد له ثم ينتقل بخلاف البائع فإنه مخرج للسلعة لا جالب لها وأجاب المالكية عن الحديث بأنه إن أريد لا شيء من الثلاثة لازم فيما إلخ قلنا بموجبه وإن أريد لا شيء منها صحيح فيما إلخ حملناه على ما قبل الإجازة لأن العام في الأشخاص مطلق في الأحوال سلمنا عمومه في
    ____________________
    (3/390)
    ذلك عليه حتى يتقرر ملكه عليها قال ومعنى نهيه عليه السلام عن بيع ما لم يضمن بيع الإنسان لملك غيره وهذا تصريح من مالك والأبهري بالتحريم ويجاب عن حديث عروة البارقي بأن حالة الصحبة أوجبت الإذن بلسان الحال الذي يقوم مقام التوكيل بلسان المقال الموجب لنفي الإثم والإباحة بخلاف الأجنبي مطلقا
    الفرق السادس والثمانون والمائة بين قاعدة ما يجوز بيعه جزافا وقاعدة ما لا يجوز بيعه جزافا فقاعدة ما يجوز بيعه جزافا ما اجتمع فيه شرائط ستة أن يكون معينا للحس حتى يستدل بظاهره على باطنه
    الشرط الثاني أن يكون المشتري والبائع جاهلين بالكيل خلافا للشافعي وأبي حنيفة رضي الله عنهما لأنه غش لأن عدولهما عن الكيل يشعر بطلب المغابنة ولقوله عليه السلام من علم كيل طعام فلا يبعه جزافا حتى يبينه الشرط الثالث أن يكونا اعتادا الحزر في ذلك فإن لم يعتادا أو اعتاد أحدهما لم يجز خلافا للشافعي رضي الله عنه في اكتفائه بالرؤية وجوابه أن الرؤية لا تنفي الغرر في المقدار
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الأحوال لكنه معارض بأنه عليه السلام دفع لعروة البارقي دينارا ليشتري له به أضحية فاشترى به أضحيتين ثم باع إحداهما بدينار وجاء بدينار وأضحية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بارك الله لك في صفقة يمينك فكان إذا اشترى التراب ربح فيه خرجه أبو داود ولأنه تعاون على البر فيكون مشروعا لقوله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى وعن القاعدة بأنها تنتقض ببيع الخيار وعن القياس بالفرق بأن الطلاق والعتاق لا يقبلان الخيار فكذلك لا يقبلان الإيقاف والبيع يقبل الخيار فيقبل الإيقاف والله سبحانه وتعالى أعلم
    الفرق السادس والثمانون والمائة بين قاعدة ما يجوز بيعه جزافا وقاعدة ما لا يجوز بيعه جزافا في حاشية البناني على عبق قال في المسائل الملقوطة الجزاف مثلث الجيم فارسي معرب وهو بيع الشيء بلا كيل ولا وزن ولا عدد ا ه
    وحد ابن عرفة بيع الجزاف بأنه بيع ما يمكن علم قدره دون أن يعلم والأصل منعه وخفف فيما شق علمه أو قل جهله ا ه
    فقوله شق علمه يريد في المعدود وقل جهله في المكيل والموزون إذ لا تشترط المشقة فيهما كما يأتي ا ه
    منها بلفظها وما يجوز بيعه جزافا عبارة عما اجتمع فيه شروط جوازه وصحته معا سواء كان المبيع مما يكال أو يوزن أو كان مما يعد فلا يعد من شروط الجواز كونه مما يكال أو يوزن خلافا للخمي حيث عده من شروط الجواز
    وقال لا يجوز في المعدود غير أن مالكا أجاز بيع صغار الحيتان والعصافير جزافا إذا ذبحت لأن الحية يدخل بعضها تحت
    ____________________
    (3/391)
    الشرط الرابع قال اللخمي أن يكون المبيع مما يكال أو يوزن ولا يجوز في المعدود غير أن مالكا أجاز بيع صغار الحيتان والعصافير جزافا إذا ذبحت لأن الحية يدخل بعضها
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    بعض والمكيل والموزون يقصد كثرته وقلته والمحصل لهما الحزر وما يقصد آحاد جنسه لا يجوز بيعه جزافا كالثياب فإن الغرض يتعلق بثوب دون ثوب ولا يتعلق الغرض بقمحة دون قمحة بل المطلوب الجنس والمقدار دون الآحاد بخصوصياتها ا ه
    وإن اقتصر الأصل على كلامه نعم يختص جواز بيع المعدود وكذا صحته كما صرح بذلك عبق وسلمه البناني وغيره بشرطين ذكرهما خليل في مختصره بقوله ولم يعد بلا مشقة ولم تقصد إفراده إلا أن يقل ثمنه ا ه
    قال عبق منطوق قوله ولم يعد بلا مشقة أن يعد بمشقة ا ه
    قال البناني جرى على قولهم قاعدة النفيين إن تكررا حذفهما منطوق قول قد جرى وحذف واحد فقط مفهوم فافهم فذا القول هو المعلوم لكن هذه القاعدة ليست على إطلاقها بل هي مقصورة على سلب السلب نحو ليس زيد ليس هو بعالم وليست عبارة المصنف إلا من قبيل السالبة المعدولة وهي التي جعل فيها السلب جزأه من مدخولها وقد صرحوا أنها لا تقتضي وجودا لموضوع فمنطوقها أعم مما ذكره لصدقه به ويكون المبيع مما لا يعد أصلا وهو صحيح ا ه
    ثم قال قال القباب في شرح بيوع ابن جماعة ما نصه قيدوا الجواز في المعدود بما تلحق المشقة في عده لكثرته وتساوي أفراده كالجوز والبيض أو يكون المقصود مبلغه لا آحاده كالبطيخ فإنه يجوز الجزاف فيه وإن اختلفت آحاده والنصوص بذلك في العتبية والموازية ا ه
    وفي العتبية من قول سحنون ما نصه قال سحنون عن ابن وهب عن مالك لا يباع الجوز جزافا إذا باعه وقد عرف عدده ولا بأس بأن يباع القثاء جزافا لأنه مختلف فيه صغير وكبير ويكون العدل الذي هو أقل عدد أكبر من العدل الذي هو أكثر عددا ا ه
    ابن رشد معرفة عدد القثاء لا تأثير له في المنع من بيعه جزافا إذ لا يعرف قدر وزنه بمعرفة عدده لاختلافه في الصغر والكبر بخلاف الجوز الذي يقرب بعضه من بعض وهذا أهون
    قال وعلى ظاهر ابن بشير يكون المراد بقوله إلا أن يقل ثمنه فله جملة ثمنه لا قلة ثمن تفاوت الأفراد فيما بينها ونصه المعدودات إن قلت جاز بيعها جزافا ا ه
    وهو أيضا ظاهر قول ابن عبد السلام فيما يتعلق الغرض بعدده يمتنع بيعه جزافا إلا أن يقل ثمن هذا النوع فقد وقع في المذهب ما يدل على جواز بيعه جزافا ا ه
    قلت بل مآل قول اللخمي غير أن مالكا أجاز إلخ يرجع لما ذكر من جواب بيع المعدود جزافا بزيادة الشرطين المذكورين فتأمل بإنصاف وبالجملة فما يباع جزافا من المعدود إما أن يعد بمشقة أم لا وفي كل إما أن يقصد أفراده أم لا وفي كل إما أن يقل ثمنها أم لا فمتى عد بلا مشقة لم يجز جزافا قصدت أفراده أم لا قل ثمنها أم لا ومتى عد بمشقة فإن لم نقصد أفراده جاز بيعه جزافا قل ثمنها أم لا وإن قصدت جاز جزافا إن قل ثمنها ومنع إن لم يقل فالمنع في خمسة والجواز في ثلاثة كما في عبق وشروط الجواز والصحة معا في المبيع جزافا مطلقا معدودا كان أو مكيلا أو موزونا سبعة وافق خليل في مختصره الأصل في ثلاثة ووافقه عبق في الرابع وزاد الأصل عليهما الخامس وزاد خليل على الأصل السادس والسابع
    ____________________
    (3/392)
    تحت بعض والمكيل والموزون يقصد كثرته وقلته والمحصل لهما الحزر وما يقصد آحاد جنسه لا يجوز بيعه جزافا كالثياب فإن الغرض يتعلق بثوب دون ثوب ولا يتعلق
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الشرط الأول الرؤية لمبيع الجزء في حين العقد كما في رواية ابن القاسم عن مالك في المدينة
    واعتمده الحطاب وحمل عليه قول خليل إن رأى فقال مرادهم المرئي الحاضر كما يفيده كلام ضيح ويلزم من حضوره رؤيته أو رؤية بعضه لأن الحاضر لا يكتفى فيه بالصفة على المشهور إلا لعسر الرؤية كقلال الخل المختومة إذا كان في فتحها مشقة وفساد فيجوز بيعها دون فتح ا ه
    وسلمه البناني وغيره وهو معنى قول الأصل أن يكون معينا للحس حتى يستدل بظاهره على باطنه لا مطلق الرؤية فلا تكفي الرؤية السابقة على العقد خلافا لما لابن رشد عن الواضحة نعم اختلف كلام الأصحاب في بيع الزرع القائم والثمار في رءوس الأشجار لا على الكيل بناء على قبول غير واحد قول مالك وكذلك حوائط الثمر الغائبة يباع ثمرها كيلا أو جزافا وهي على خمسة أيام لا يجوز النقد فيها بشرط ا ه
    المقتضي جواز بيعها غائبة جزافا قال ابن عرفة ويلزم مثله في الزرع الغائب هل هو من بيع الجزاف الحقيقي الذي شرط له أئمتنا الشروط المعروفة المذكورة في المختصر وشروحه أو هو أصل مستقل خارج عن الجزاف الحقيقي وإنما يطلق عليه بالحقيقة اللغوية والمجاز العرفي وردت به السنة وهو كبيع العروض والحيوان وبهذا الثاني جزم الرهوني لوجهين الوجه الأول أنه يتضح به ما
    رواه ابن القاسم عن الإمام في المدينة وسلمه ويظهر وجهه ولا يرد عليه شيء أصلا بخلافه على الأول فإنه يرد عليه أولا اعتراض ابن رشد على الإمام بأن تفرقته بين حوائط الثمر الغائبة يجوز بيع ثمرها جزافا
    وكذا الزرع الغائب وبين غيرهما من المكيل والموزون والمعدود لا يجوز بيعه جزافا إلا بشرط الرؤية حين العقد تفرقة لا حظ لها من النظر وثانيا اعتراض ابن عرفة على أهل المذهب بأن في اشتراطهم الرؤية للجزاف حين العقد مع قبولهم قول الإمام يجوز بيع الزرع القائم والثمر في رءوس الشجر وذلك غائب تنافيا قال الرهوني وجواب الحطاب عن الأول بأن الذي يظهر من كلام المدينة أنه يغتفر عدم حضور الزرع والثمار حالة العقد عليها جزافا لظهور التغير فيهما إن حصل بعد الرؤية المتقدمة إلخ فيه نظر وإن سلمه غير واحد لأن المقصود من الرؤية حين العقد عند من اشترطها حصول المعرفة بالمبيع وانتفاء الجهالة عنه حين حصول العقد وانبرامه وهذا يستوي فيه الصبرة والزرع القائم والثمرة في رءوس الأشجار وكون الزرع والثمرة إذا أخذ منهما شيء بعد العقد يدرك بخلاف الصبرة شيء آخر لا يلزم من إدراك النقص في الزرع والثمرة بعد العقد إن وقع فيهما معرفة قدرهما وقت العقد وغاية ما يدرك إذ ذاك إن هذا المبيع الآن نقص عن حاله عند الرؤية السابقة على العقد وهل الأخذ منهما وقع قبل العقد أو بعده وهل نقص منهما قدر وسق مثلا أو ما أقل أو أكثر لا دليل يدل عليه ثم لو سلمنا تسليما جدليا أنه يدرك بذلك قد كانا رما عليه حال العقد معرفة حادثة متأخرة عن العقد وهي لا تفيد قطعا ولا يرتفع بها الفساد للجهالة الواقعة حين العقد وهذا أمر بديهي عند من له في الإنصاف أدنى نصيب ا ه قال كنون وفي نظره نظر تأمله والله أعلم
    قال الرهوني وجواب من كتب على طرة ابن عرفة عن اعتراضه بما نصه لا منافاة لأنها تباع على رؤية تقدمت إذ لا يجوز بيع الجزاف على صفته قاله عياش آخر الجعل من تنبيهاته ا ه
    وجواب
    ____________________
    (3/393)
    الغرض بقمحة دون قمحة بل المطلوب الجنس والمقدار دون الآحاد بخصوصياتها الشرط الخامس نفي ما يتوقع معه الربا فلا يباع أحد النقدين بالآخر جزافا ولا طعام بطعام من جنسه جزافا
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    شيخنا حيث قال بعد ما ذكر كلام المدونة ما نصه وهو محمول على أنه رآها قبل العقد عليها كما لابن رشد في التحصيل والبيان وفي موضع آخر من المدونة فاعتراض ابن عرفة مدفوع ا ه
    وقول بعضهم يرد ما قاله ابن عرفة ما لأبي الحسن ونصه انظر إن كان حبا فيجوز على الكيل إذا كان على رؤية متقدمة أو صفة وإن كان جزافا لا يجوز إلا على رؤية متقدمة انظر تمامه ا ه
    كلها ترجع في المعنى إلى شيء واحد ومبنية على ما تقدم لابن رشد عن الواضحة من أن الرؤية السابقة على العقد كافية في بيع الجزاف وبحث ابن عرفة مبني على مختاره من أنه لا بد من الرؤية حين العقد لأن لذلك تأثيرا وهي رواية ابن القاسم عن الإمام في المدينة وعلى هذا اعتمد الحطاب وسلمه البناني وشيخنا ج ولا خفاء أن البحث المبني على أن المراد بالرؤية الواقعة حين العقد لا يندفع بأن المراد بها الرؤية مطلقا فالمنافاة حاصلة قطعا لا تندفع بها فكيف يحمل بمن سلم ما للحطاب تبعا لابن عرفة أن يقبل الجواب المذكور ا ه
    وسلمه كنون الوجه الثاني أنه يشهد لما قاله كلام ابن عرفة وكلام المدونة وغيرهما أما ابن عرفة فإن حده للجزاف لا يصدق على ما ذكر لقوله في حده بيع ما يمكن علم قدره إلخ إذ لا يمكن علم قدر ما ذكر حين البيع وإن أمكن في ثاني حال ويأتي التصريح بذلك في نقل التوضيح فأما المدونة ففيها إلخ وأما كلام غيرهما ففي ضيح إلخ وساق النصوص على الترتيب فانظره الشرط الثاني أن يكون المشتري والبائع جاهلين بقدره خلافا للشافعي وأبي حنيفة رضي الله عنهما لأنه غش إذ عدولهما عن الكيل أي مع علمها به يشعر بطلب المغابنة ولقوله عليه السلام من علم كيل طعام فلا يبعه جزافا حتى يبينه قال الرهوني إنما احترز بهذا الشرط عن علم أحدهما فقط بقرينتين إحداهما معنوية وهي أن هذا الشرط كغيره من بقية الشروط في الصحة فلا يصح الاحتراز به عن علمها معا به حين العقد لأنه يقتضي فساد البيع فيها ولا وجه له حتى على حد غير ابن عرفة للجزاف وثانيهما لفظية وهي قول خليل في محترزه فإن علم أحدهما فقط بعلم الآخر بقدرة خير وإن أعلمه أولا فسد كالمغنية ا ه
    الشرط الثالث أن يعتاد الحزر في ذلك وأن يحذرا بالفعل فإن لم يعتد أو اعتاد أحدهما لم يجز خلافا للشافعي رضي الله عنه في اكتفائه بالرؤية فإن الرؤية لا تنفي الغرر في المقدار نعم قال عبق إن اختلفت عادتهما في حزر قدر كيله ووكلا من يحزره بالفعل جاز كذا يظهر ا ه
    وسلمه محشوه الشرط الرابع عدم المزابنة المنهي عنها وهي بيع المعلوم بالمجهول من جنسه كبيع صبرة جير أو جبس بمكيلة من ذلك الجنس الشرط الخامس نفي ما يتوقع معه الربا فلا يباع أحد النقدين بالآخر جزافا ولا طعام بطعام من جنسه جزافا الشرط السادس أن يكون كثيرا لا جدا فإن كثر جدا بحيث يتعذر حزره أو قل جدا بحيث يسهل عدده لم يجز بيعه جزافا
    ____________________
    (3/394)
    الشرط السادس عدم المزابنة كبيع صبرة جير أو جبس بمكيلة من ذلك الجنس لأنه بيع للمعلوم بالمجهول من جنسه وذلك هو المزابنة المنهي عنها وإذا اجتمعت هذه الشروط جاز البيع جزافا ومتى فقد واحد منها امتنع البيع جزافا
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    وأما ما قل جدا بحيث يسهل كيله أو وزنه فيجوز جزافا لأن المشقة لا تعتبر في جواز بيع المكيل والموزون جزافا كما تقدم الشرط السابع أن تستوي أرضه فإذا علما أولا عدم الاستواء فسد وإذا دخلا على الاستواء فظهر عدمه فالخيار كما في الحطاب والمواق أفاده البناني وسلمه الرهوني وكنون وما لا يجوز بيعه جزافا عبارة عما فقد واحدا من الشروط السبعة من المكيل والموزون ومن الشروط التسعة من المعدود فتحقق هذه الشروط وعدم تحققها هو الفرق بين القاعدتين والله سبحانه وتعالى أعلم
    مسألة في الشرط الأول قال البناني أحوال الزرع خمسة قائم وغير قائم وغير القائم إما قت وإما منفوش وإما في تبن وإما مخلص والمبيع إما الحب وحده وإما السنبل بما فيه من الحب فإن كان المبيع لحب وحده جاز جزافا في المخلص فقط دون غيره لأنه غير معين للحس حتى يستدل بظاهره على باطنه فيمكن حزره وإن كان المبيع السنبل بما فيه من الحب جاز بيعه جزافا في القت والقائم دون المنفوش وما في تبنه الباجي لا خلاف أنه لا يجوز أن يفرد الحنطة في سنبلها بالشراء دون السنبل وكذلك الجوز واللوز والباقلا لا يجوز أن يفرد بالبيع دون قشره على الجزاف ما دام فيه
    وأما شراء السنبل إذا يبس ولم ينقعه الماء فجائز وكذلك الجوز واللوز والباقلا ا ه
    نقله المواق عند قوله في التداخل وصح بيع ثمر ونحوه بعد إصلاحه أهو في حاشية الرهوني والمنفوش قال أبو علي هو المخلوط بحيث لا يبقى سنبله لناحية كما هو محقق في كلام ابن عبد السلام وغيره ثم قال ومن خدم الزرع ومارس خدمته علم أن ما أشار إليه ابن عبد السلام حق لا مرية فيه وذلك أن الزرع إذا خلط في الأندر وهو القاعة في لغتنا لا يمكن حزره والقت في لغتنا إنما يطلق على القليل فإذا جمع بعضه إلى بعض في محله سمي مطا فإذا جعل في القاعة سمي نادرا والحزر إنما يكون في القت كما لا يخفى فافهمه ا ه منه ملخصا بلفظه وهو حق لا شك فيه فنقل ابن عرفة عن ابن رشد أن الصواب جواز بيع القمح في أندره قبل درسه لأنه يحزر ويرى سنبله ويعرف قدره قال وهو نقل الجلاب عن المذهب ا ه
    إنما هو فيما يرى سنبله وهو ما كان فرشة واحدة أو حزما أو قبضا بدليل تعليله بقوله لأنه يحزر إلخ وهو الذي يفيده أيضا نقل ابن عرفة عن عياض ونصه والحب إذا اختلط في أندره وكدس بعضه على بعض قال عياض لا يجوز بيعه وإن كان حزما أو قبضا يأخذها الحزر فقولان وسمع ابن القاسم لا يباع القمح في أندره بعد ما يحصد في تبنه وهو غرر ابن رشد يريد في تبنه بعد درسه وأما قبل درسه فجائز لأنه يحزر ويرى سنبله ويعرف قدره وقيل لا يجوز
    وقاله التونسي وحمل غير السماع عليه والصواب الأول وهو نقل الجلاب عن المذهب ا ه منه بلفظه
    فإن قوله وأما قبل درسه فجائز إلخ وقوله وقيل لا يجوز وقاله التونسي يدل على ذلك أيضا لأنهما القولان في كلام عياض فيما كان حزما أو قبضا يأخذها الحزر ولنسبة مقابل الجواز للتونسي وهو يقول بالمنع فيما كان حزما أو قبضا كما في ضيح عند قول ابن الحاجب وبخلاف الزرع قائما
    ____________________
    (3/395)
    الفرق السابع والثمانون والمائة بين قاعدة ما يجوز بيعه على الصفة وبين قاعدة ما لا يجوز بيعه على الصفة فقاعدة ما لا يجوز بيعه على الصفة ما اجتمع فيه ثلاثة شروط أن لا يكون قريبا جدا تمكن رؤيته من غير مشقة فإنه عدول عن اليقين إلى توقع الغرر وأن لا يكون بعيدا جدا لتوقع تغيره قبل التسليم أو يتعذر تسليمه
    الشرط الثالث أن يصفه بصفاته التي تتعلق الأغراض بها وهي شروط التسليم ليكون مقصود المالية حاصلا فإن لم يذكر الجنس بأن يقول ثوب أو عبد امتنع إجماعا وإن ذكر الجنس جوزه أبو حنيفة إذا عينه بمكانه فقط فيقول بعتك ثوبا في مخزني بالبصرة أو بعتك ما في كمي وللمشتري الخيار عند الرؤية ومنع بيع ثوب من أربعة وأجازه من ثلاثة أثواب لاشتمالهما على الجيد والرديء والوسط
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    وكذا محصودا على الأشهر ونصه والأشهر في المحصود الجواز قياسا على القائم وقيل بالمنع قياسا على ما كان منه حال الدرس وهو قول التونسي وظاهر كلامه أن الجواز أعم من أن يكون حزما أم لا وينبغي أن يقيد بما إذا كان حزما فقد قال صاحب الإكمال لا خلاف أنه لا يجوز بيعه إذا خلط في الأندر ا ه
    والصواب الأول وهو نقل الجلاب عن المذهب ومراده بالأول القول بالجواز لأن محله إذا كان حزما ونحوها مما يأخذه الحزر بدليل عزوه للجلاب ونص الجلاب ولا بأس ببيع الزرع إذا يبس واشتد ولا بأس ببيعه بعد جزازه إذا كان حزما ا ه
    منه بلفظه ا ه
    كلام الرهوني ملخصا والله سبحانه وتعالى أعلم
    الفرق السابع والثمانون والمائة بين قاعدة ما يجوز بيعه على الصفة وبين قاعدة ما لا يجوز بيعه على الصفة وهو أن ما يجوز بيعه وهو غائب عن مجلس العقد على الصفة قال إلا الأصل عبارة عما اجتمع فيه ثلاثة شروط الأول أن لا يكون قريبا جدا تمكن الرؤية من غير مشقة كأن يكون ببلد العقد لأنه عدول عن اليقين إلى توقع الغرر الشرط الثاني أن لا يكون بعيدا جدا لتوقع تغيره قبل التسليم أو يتعذر تسليمه الشرط الثالث أن يصفه بصفاته التي تتعلق الأغراض بها وهي شروط التسليم ليكون مقصود المالية حاصلا ا ه
    وسلمه ابن الشاط لكن الذي يفيده قول خليل في مختصره أو وصفه غير بائعه إن لم يعد كخراسان من إفريقية ولم تمكن رؤيته بلا مشقة ا ه
    أن شروط الجواز المعتمدة اثنان الأول والثاني في كلام الأصل وإن اشتراط أن يكون الواصف له غير بائعه ضعيف فقد قال عبق والرهوني في حله قوله أو وصفه غير بائعه هو مصدر مجرور بالعطف على المصدر قبله فهو مدخول للنفي أي وجاز بيع غائب ولو بلا وصفه غير بائعه بأن وصفه بائعه وما
    ____________________
    (3/396)
    والرابع إذا انضاف إليها غرر ضرورة وكذلك أجاز خيار ثلاثة أيام فقط منع الاقتصار على الجنس فقط مالك والشافعي وابن حنبل رضي الله عنهم لبعد العقد عن اللزوم بسبب توقع مخالفة الغرض عند الرؤية وأبو حنيفة يقول لا ضرر عليه لأن له الخيار فإن أضاف للجنس صفات السلم جوزه مالك وابن حنبل ووافقاه على الجواز وألزما البيع إذ رآه موافقا ومنع الشافعي الصحة للغرر وأثبت له الخيار أبو حنيفة عند الرؤية وإن وافق الصفة ومنع بيع الحيوان على الصفة لعدم انضباطه بالصفة وهي سبب نفاسته وخساسته فالصفة عنده في غير الحيوان توجب الصحة دون اللزوم وعند الشافعي لا توجبهما وعندنا توجبهما حجة أبي حنيفة رضي الله عنه أن الجهل إنما وقع في الصفات دون الذوات ونهيه عليه السلام عن بيع المجهول إنما هو فيما جهلت ذاته لأن الجهل بالذوات أقوى لأن الصفة تبع للذات ولقوله عليه السلام من اشترى ما لم يره فهو بالخيار إذا رآه ولأنه عقد معاوضة فلا يشترط فيه الصفة كالنكاح وباطن الصبرة والفواكه في قشرها وقياسا على الأخذ بالشفعة
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    ذهب عليه المصنف قال في ضيح هو ظاهر المذهب وأخذ جماعة من المدونة ابن العطار وبه العمل وفي الموازية والعتبية اشتراط ذلك لأن البائع لا يوثق بصفته إذ قد يقصد الزيادة في الصفة لتنفق سلعته ا ه
    محل الحاجة منه بلفظه ا ه
    فالمصنف رد بلو على من قال بالمنع لأنه قد يتجاوز في وصفه لنفاق سلعته ا ه
    وتعقبه عبق والرهوني في قوله ولم تمكن رؤيته بلا مشقة فقال الرهوني تبع المصنف ما في الموازية مع قبوله في ضيح قول ابن عبد السلام فالأشهر الجواز أي جواز بيع غير حاضر مجلس العقد بالصفة ولو بالبلد وإن لم يكن في إحضاره مشقة عليه لأنه منصوص عليه في المدونة في خمسة مواضع وإنما منعه في كتاب ابن المواز ا ه
    وما كان ينبغي له ذلك وقد بين في التوضيح المواضع الخمسة وكلها تقيد ما قالوه إلا الأول منها في كلامه وهو قوله ففي آخر السلم الثالث وإن بعت من رجل رطل حديد بعينه في بيتك ثم افترقتما قبل قبضه وزنته جاز ذلك ا ه فإنه لم يظهر لي وجه الدليل منه إذ يحتمل أن يكون البيع وقع على رطل معين سبقت رؤيته فتأمله ا ه
    كلام الرهوني بتوضيح
    وأما حاضر مجلس العقد فلا بد من رؤيته إلا ما في فتحه ضررا وفسادا كما مر ا ه
    عبق وأما شرط أن يصفه بصفاته التي تتعلق الأغراض بها فلم يعدوه من شروط الجواز كما فعل الأصل بل قال ابن عرفة يشترط في لزوم بيع الغائب وصفه بما تختلف الأغراض فيه لأنه المعتبر في السلم المقيس هذا عليه ا ه
    كما في البناني عن الرماصي
    وقد قال حفيد بن رشد في بدايته وينبغي أن تعلم أن التقدير في السلم يكون بالوزن فيما يمكن فيه الوزن وبالكيل فيما يمكن فيه الكيل وبالذرع فيما يمكن فيه الذرع وبالعدد فيما يمكن فيه العدد وإن لم يمكن فيه أحد هذه التقديرات انضبط بالصفات المقصودة من الجنس من ذكر الجنس إن كان أنواعا مختلفة أو مع تركه إن كان واحدا ا ه
    محل الحاجة منه بلفظه ولا يلزم من كونه شرطا في اللزوم أن يكون شرطا في الجواز فافهم وقد قال الأصل فإن لم يذكر الجنس أي مع صفات المقصودة فيما كان أنواعا مختلة بأن يقول ثوب أو عبد امتنع إجماعا واختلف فيما إذا اقتصر على
    ____________________
    (3/397)
    فإنه لا يشترط معرفة أوصافه والجواب عن الأول أن تفاوت المالية إنما هو بتفاوت الصفات دون الذوات ومقصود الشرع حفظ المال عن الضياع وعن الثاني قال الدارقطني هو موضوع وعن الثالث إنا نقلبه عليهم فنقول عقد معاوضة فلا يثبت فيه خيار الرؤية كالنكاح وكل من قال بانتفاء خيار الرؤية قال باشتراط الصفة فتشترط ثم الفرق سترة المخدرات عن الكشف لكل خاطب لئلا يتسلط عليهن السفهاء وباطن الصبرة مساو لظاهرها وليست صفات المبيع مساوية لجنسه والعلم بأحد المتساويين علم بالآخر وعن الرابع أن الأخذ بالشفعة دفع للضرر فلا يلحق به ما لا ضرر فيه حجة الشافعي رضي الله عنه القياس على السلم في المعين وإن وصف ونهيه عليه السلام عن بيع المجهول والجواب عن الأول الفرق بأن من شرط السلم أن يكون في الذمة والمعين لا يكون في الذمة بدليل لو رآه وأسلم فيه لم يصح وعن الثاني أن الصفة تنفي الجهالة لقوله تعالى فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين فأخبر تعالى أن رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم كان معروفا عندهم لأجل الإحاطة بصفته في كتبهم
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    ذكر الجنس فجوزه أبو حنيفة إذا عينه بمكانه فقط فيقول بعتك ثوبا في مخزني بالبصرة أو بعتك ما في كمي وللمشتري الخيار عند الرؤية فلا ضرر عليه ومنع بيع ثوب من أربعة وأجازه من ثلاثة أثواب لاشتمالها على الجيد والرديء والوسط والرابع إذا انضاف إليها غرر لغير ضرورة وكذلك أجاز خيار ثلاثة أيام فقط ومنع مالك والشافعي وابن حنبل رضي الله عنهم الاقتصار على الجنس فقط لبعد العقد عن اللزوم بسبب توقع مخالفة الغرض عند الرؤية ووافق مالك وابن حنبل أبا حنيفة على الجواز إذا أضاف للجنس صفات السلم إلا أنهما ألزما البيع إذا رآه موافقا وأثبت أبو حنيفة له الخيار عند الرؤية وإن وافق الصفة ومنع بيع الحيوان على الصفة لعدم انضباطه بالصفة وهي سبب نفاسته وخساسته ومنع الشافعي صحة بيع الغائب بالصفة مطلقا وبالجملة فالصفة عند أبي حنيفة رضي الله عنه في غير الحيوان توجب الصحة دون اللزوم
    وعند الشافعي لا توجبها مطلقا وعندنا توجبهما مطلقا ا ه وقال حفيد بن رشد في بدايته واختلف العلماء في مبيع غائب أو متعذر الرؤية فقال قوم بيع الغائب لا يجوز بحال من الأحوال لا وصف ولا لم يوصف وهذا أشهر قولي الشافعي وهو المنصوص عند أصحابه أعني أن بيع الغائب على الصفة لا يجوز وقال مالك وأكثر أهل المدينة يجوز بيع الغائب على الصفة إذا كانت غيبته مما يؤمن أن تتغير فيه قبل قبض صفته
    وقال أبو حنيفة يجوز بيع العين الغائبة من غير صفة ثم له إذا رآها الخيار فإن شاء أنفذ البيع وإن شاء رده وكذلك المبيع على الصفة من شرطه عندهم خيار الرؤية وإن جاء على الصفة وعند مالك إذا جاء على الصفة فهو لازم وعند الشافعي لا ينعقد البيع أصلا في الموضعين أي على الصفة وعلى غير الصفة وقد قيل في المذهب يجوز بيع الغائب من غير صفة على شرط الخيار خيار الرؤية وقع ذلك في المدونة وأنكره عبد الوهاب وقال هو مخالف لأصولنا ا ه
    لكن قال عبق أو أباعه على خياره بالرؤية من غير وصف ولا تقدم رؤية فلا يجوز ولو بعد جدا انظر الحطاب ا ه
    وفي حاشية الرهوني قال الحطاب بعد نقله كلام ابن عبد السلام وضيح ما نصه ويفهم من كلامهما إن ذلك مع الصفة
    ____________________
    (3/398)
    وقياسا على السلم فهذا هو الفرق فمتى فقد شرط من هذه الشروط فهو مما لا يجوز بيعه على الصفة
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    وأما مع عدم الوصف إذا بيع بالخيار فلا والظاهر أنه كذلك ا ه
    وتبعه أبو علي قائلا ما نصه وعليه يدل كلام المقدمات الذي قدمناه ا ه
    والذي قدمه هو قوله وقال ابن رشد في مقدماته وبيع الغائب على مذهب ابن القاسم جائز ما لم يتفاحش بعده ا ه
    ولم يزد على هذا شيئا ا ه
    كلام أبي علي بلفظه فانظر كيف يكون كلام المقدمات هذا دليلا على ما زعمه والظاهر أنه يشترط ذلك أي عدم البعد جدا لأنه إذا كان شرطا في بيع الخيار الحقيقي مع أنه مجمع على جوازه فكيف بهذا الخيار الذي منعه الشافعي رضي الله عنه وفيه في المذهب ما قد علمت من ظهور وجه منعه لأنه خروج بالأوضاع الشرعية عن محالها وعبث وأفعال العقلاء تصان عنه وقياس ذلك على بيع الحاضر بخيار لهما لا يصح وإن كان الشيخ محمد البناني أشار إلى صحته بقوله على أن ذلك لا يخرجه عن بيع الخيار بمنزلة جعله لهما لوضوح الفرق بينهما وذلك أن مسألة الخيار المجعول لهما معا ليس فيها غرر والتأخير فيها لإمضاء البيع باختيارهما فعلاه لمصلحة التروي وهما حين العقد قادران على بته وإمضائه وما من لحظة تمضي بعد العقد إلا وهما قادران فيها على إبرامه وإمضائه فالتأخير حق لهما لا حق لله فيه بخلاف مسألتنا فهما ممنوعان لحق الله من إمضائه حال العقد وبعده إلا إذا حصلت الرؤية فافترقا فتأمله بإنصاف والله أعلم ا ه
    فظهر أن ما وقع في المدونة هو المذهب بشرط عدم البعد جدا ولا عبرة بإنكار عبد الوهاب المذكور وإن وصفه بصفاته المقصودة شرط في اللزوم لا في الجواز فتنبه قال الأصل وحجة أبو حنيفة رضي الله عنه أربعة أمور الأمر الأول إن الجهل إنما وقع في الصفات دون الذوات ونهيه عليه السلام عن بيع المجهول إنما هو فيما جهلت ذاته لأن الجهل بالذات أقوى لأن الصفة تبع للذات وجوابه إن تفاوت المالية إنما هو بتفاوت الصفات دون الذوات ومقصود الشرع حفظ المال عن الضياع الأمر الثاني قوله عليه السلام من اشترى ما لم يره فهو بالخيار إذا رآه وجوابه الدارقطني هو موضوع الأمر الثالث إنه عقد معاوضة فلا يشترط فيه الصفة كالنكاح وباطن الصبرة والفواكه في قشرها وجوابه إنا نقلبه عليهم فنقول عقد معاوضة فلا يثبت فيه خيار الرؤية كالنكاح وكل من قال بانتفاء خيار الرؤية قال باشتراط الصفة فنشترط ثم الفرق سترة المخدرات عن الكشف لكل خاطب لئلا يتسلط عليهن السفهاء وباطن الصبرة مساو لظاهرها والعلم بأحد المتساويين علم بالآخر وليست صفات المبيع مساوية لجنسه الأمر الرابع القياس على الأخذ بالشفعة لا يشترط معرفة أوصافه وجوابه أن الأخذ بالشفعة دفع للضرر فلا يلحق به ما لا ضرر فيه وحجة الشافعي رضي الله عنه أمران الأمر الأول القياس على السلم في المعين وإن وصف وجوابه الفرق بأن من شرط السلم أن يكون في الذمة والمعين لا يكون في الذمة بدليل أنه لو رآه وأسلم فيه لم يصح
    ____________________
    (3/399)
    تنبيه حيث اشترطنا الصفات في الغائب أو السلم فينزل كل وصف على أدنى رتبة وصدق مسماه لغة لعدم انضباط مراتب الأوصاف في الزيادة والنقص فيؤدي ذلك للخصام والقتال والجهالة بالمبيع
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الأمر الثاني نهيه عليه السلام بيع المجهول وجوابه بوجهين الأول أن الصفة تنفي الجهالة لقوله تعالى فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين فأخبر تعالى أن رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم كان معروفا عندهم لأجل الإحاطة بصفته في كتبهم الوجه الثاني القياس على السلم ا ه
    أي في أن المعتبر في السلم فيه أن يصفه بصفاته التي تتعلق الأغراض بها كما يفيده كلام ابن عرفة المتقدم وقال حفيد ابن رشد في بدايته وسبب الخلاف أي المذكور بين الأئمة هل نقصان العلم المتعلق بالصفة عن العلم المتعلق بالحس هو جهل مؤثر في بيع الشيء فيكون من الغرر الكثير أم ليس بمؤثر وأنه من الغرر اليسير المعفو عنه الشافعي رآه من الغرر الكثير ومالك رآه من الغرر اليسير
    وأما أبو حنيفة فإنه رأى أنه إذا كان له خيار الرؤية أنه لا غرر هناك وإن لم تكن له رؤية وأما مالك فرأى أن الجهل المقترن بعدم الصفة مؤثر في انعقاد المبيع ولا خلاف عند مالك أن الصفة إنما تنوب عن المعاينة لمكان غيبة المبيع أو لمكان المشقة التي في نشره وما يخاف أن يلحقه من الفساد بتكرار النشر عليه ولهذا أجاز البيع على البرنامج على الصفة ولم يجز عنده بيع السلاح في جرابه ولا الثوب المطوي في طيه حتى ينشر أو ينظر إلى ما في جرابها واحتج أبو حنيفة بما روي عن ابن المسيب أنه قال قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وددنا أن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف تبايعا حتى نعلم أيهما أعظم جدا في التجارة فاشترى عبد الرحمن من عثمان بن عفان فرسا بأرض له أخرى بأربعين ألفا أو أربعة آلاف فذكر تمام الخبر وفيه بيع الغائب مطلقا ولا بد عند أبي حنيفة من اشتراط الجنس ويدخل البيع على الصفة أو على خيار الرؤية من جهة ما هو غائب غرر آخر وهو هل هو موجود وقت العقد أو معدوم ولذلك اشترطوا فيه أن يكون قريب الغيبة إلا أن يكون مأمونا كالعقار ومن هاهنا أجاز مالك بيع الشيء برؤية متقدمة أعني إذا كان من القرب بحيث يؤمن أن تتغير فيه صفته فأعلمه ا ه
    وما لا يجوز بيعه وهو غائب عن مجلس العقد على الصفة عبارة عما فقد واحدا من الشروط الثلاثة على ما للأصل وابن الشاط وعما فقد شرطا أن لا يكون بعيدا جدا كخراسان من إفريقية بأن يكون قريب الغيبة بحيث يؤمن أن تتغير فيه صفته على ما حققته وعليه يدل كلام حفيد ابن رشد الذي قدمته فتحقق الثلاثة الشروط التي في كلام الأصل أو هذا الشرط فقط وعدم تحقق ذلك هو الفرق بين القاعدتين تنبيه قال الأصل حيث اشترطنا الصفات في الغائب والسلم كان المعتبر أن ينزل كل وصف على أدنى رتبة يصدق مسماه لغة عليها لعدم انضباط مراتب الأوصاف في الزيادة والنقص فيؤدي ذلك للخصام والقتال والجهالة بالمبيع والله أعلم
    ____________________
    (3/400)
    الفرق الثامن والثمانون والمائة بين قاعدة تحريم بيع الربوي بجنسه وبين قاعدة عدم تحريم بيعه بجنسه متى اتحد جنس الربوي من الطرفين وكان معهما أو مع أحدهما جنس آخر امتنع البيع عند مالك والشافعي وابن حنبل رضي الله عنهم وجاز عند أبي حنيفة رضي الله عنه وتسمى هذه القاعدة بمد عجوة ودرهم بدرهمين وشنع على أبي حنيفة رضي الله عنه فإنه على أصله ينبغي أن يجوز بيع دينار بدينارين في قرطاس لاحتمال مقابلة الدينار الزائد بالقرطاس وهو قد جوزه وهو شنيع لنا أن المضاف يحتمل أن يقابله من الآخر ما لا يبقى بعد المقابلة إلا أقل من مساوي المضاف إليه والمماثلة شرط والجهل بالشرط يوجب الجهل بالمشروط فلا يقضي بالصحة ولأنه ذريعة للتفاضل واتفق الجميع على المنع إذا كان الربويان مستويين في المقدار ومع أحدهما عين أخرى لأنها تقابل من أحدهما جزءا فيبقى أحدهما أكثر من الآخر بالضرورة فيذهب ما يعتمد عليه أبو حنيفة من حسن الظن بالمسلمين وفي مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتي بقلادة وهو بخيبر فيها ذهب
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الفرق الثامن والثمانون والمائة بين قاعدة تحريم بيع الربوي بجنسه وبين قاعدة عدم تحريم بيعه بجنسه واتفق الأئمة الأربعة على جواز بيع الربوي بجنسه إذا كان الربويان مستويين في المقدار ولم يكن معهما ولا مع أحدهما عين أخرى ولا جنس آخر واتفق الجميع على المنع إذا كان الربويان مستويين في المقدار ومع أحدهما عين أخرى لأنها تقابل من أحدهما جزءا فيبقى أحدهما أكثر من الآخر بالضرورة فيذهب ما يعتمد عليه أبو حنيفة من حسن الظن بالمسلمين واختلفوا فيما إذا اتحد جنس الربوي من الطرفين وكان معهما أو مع أحدهما جنس آخر يمتنع حينئذ البيع أو يجوز فذهب إلى الأول مالك والشافعي وابن حنبل رضي الله عنهم محتجين بثلاثة وجوه الوجه الأول أن المضاف يحتمل أن يقابله من الآخر ما لا يبقى بعد المقابلة إلا أقل من مساوي المضاف إليه والمماثلة إليه والمماثلة شرط والجهل بالشرط يوجب الجهل بالمشروط فلا يقضي بالصحة الوجه الثاني أنه ذريعة إلى التفاضل فيجب سدها لا سيما وقد قال صلى الله عليه وسلم لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الفضة بالفضة إلا مثلا بمثل فجعل الجميع على المنع إلا في حالة المماثلة وهذه الحالة غير معلومة في صورة النزاع فوجب بقاؤها على المنع الوجه الثالث في مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتي بقلادة وهو بخيبر فيها ذهب وخرز فمنع بيعها حتى تفصل وذهب إلى الثاني أبو حنيفة رضي الله عنه بناء على أمرين الأول أن ظاهر حال المسلمين يقتضي الظن بحصول المماثلة والظن كاف في ذلك كالطهارات وغيرها وأجاب الحنفية
    ____________________
    (3/401)
    وخرز فمنع بيعها حتى تفصل وهو يبطل مذهب الحنفية مضافا إلى الوجهين السابقين وأجابوا بأن قضية القلادة واقعة عين لم يتعين المنع فيها لما ذكرناه بل لأن الحلي الذي كان فيها كان مجهول الزنة ونحن لا نجيزه مع الجهل بالزنة فإذا فصلت القلادة ووزنت علم وزنها فجاز بيعها فلم قلتم إن المنع ما كان لذلك والعمدة قوله صلى الله عليه وسلم لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الفضة بالفضة إلا مثلا بمثل فجعل الجميع على المنع إلا في حالة المماثلة وهذه الحالة غير معلومة في صورة النزاع فوجب بقاؤها من المنع فإن قلت ظاهر حال المسلمين يقتضي الظن بحصول المماثلة والظن كاف في ذلك كالطهارات وغيرها قلت لا نسلم أن الظن يكفي في المماثلة في باب الربا بل لا بد من العلم
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الأمر الثاني أن قضية القلادة واقعة عين لم يتعين المنع فيها لما ذكر أي من أن المضاف يحتمل أن يقابله من الآخر ما لا يبقى بعد المقابلة إلا أقل من مساوي المضاف إليه إلخ بل لأن الحلي الذي كان فيها كان مجهول الزنة ونحن لا نجيزه مع الجهل بالزنة فإذا فصلت القلادة ووزنت علم وزنها فجاز بيعها فلم قلتم أن المنع ما كان لذلك والجواب عن الأول إنا لا نسلم أن الظن يكفي في المماثلة في باب الربا بل لا بد من العلم بشهادة الميزان والمكيال وباب الربا أضيق من باب الطهارة فلا يقاس عليه وعن الأمر الثاني بأنا لم نقل إن المنع في قضية القلادة كان لأن الحلي الذي كان فيها كان مجهول الزنة بل قلنا إن المنع فيها كان لما ذكرناه اعتمادا على حديث لا تبيعوا الذهب بالذهب إلخ لأن حالة المماثلة الذي مفاد الحديث اشتراطها في جواز البيع غير معلومة في صورة النزاع فوجب بقاؤها على المنع كما تقدم على أنه يلزم على أصل أبي حنيفة أن يجوز بيع دينار في قرطاس بدينارين لاحتمال مقابلة الدينار الزائد بالقرطاس وهو قد جوزه وهو شنيع فتأمل وهذه القاعدة تسمى بمد عجوة ودرهم بدرهمين والله سبحانه وتعالى أعلم
    مسألة قال حفيد بن رشد في بدايته اختلف العلماء في السيف والمصحف المحلى يباع بالفضة وفيه حلية فضة أو بالذهب وفيه حلية ذهب فقال الشافعي لا يجوز ذلك لجهل المماثلة المشترطة في بيع الفضة بالفضة في ذلك والذهب بالذهب وقال مالك إن كان قيمة ما فيه من الذهب أو الفضة الثلث فأقل جاز بيعه أعني بالفضة إن كانت حليته فضة أو بالذهب إن كانت حليته ذهبا وإلا لم يجز وكأنه رأى أنه إذا كانت الفضة قليلة لم تكن مقصودة في البيع وصارت كلها هبة
    وقال أبو حنيفة وأصحابه لا بأس ببيع السيف المحلى بالفضة إذا كانت الفضة أكثر من الفضة التي في السيف وكذلك الأمر في بيع السيف المحلى بالذهب لأنهم رأوا أن الفضة فيه أو الذهب يقابل مثله من الذهب أو الفضة المشتراة به ويبقى الفضل قيمة السيف وحجة الشافعي عموم الأحاديث والنص الوارد في ذلك من حديث فضالة بن عبد الله الأنصاري أنه قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بقلادة فيها ذهب وخرز وهي من المغانم تباع فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذهب الذي في القلادة ينزع وحده ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذهب بالذهب وزنا بوزن خرجه مسلم ا ه
    محل الحاجة منه بلفظه والله سبحانه وتعالى أعلم
    ____________________
    (3/402)
    بشهادة الميزان والمكيال وباب الربا أضيق من باب الطهارة فلا يقاس عليه
    الفرق التاسع والثمانون والمائة بين قاعدة ما يتعين من الأشياء وقاعدة ما لا يتعين في البيع ونحوه اعلم أن العقود ثلاثة أقسام القسم الأول يرد على الذمم فيكون متعلقه الأجناس الكلية دون أشخاصها فيحصل الوفاء بمقتضاها بأي فرد كان من ذلك الجنس فإن دفع فردا منه فظهر مخالفته للعقد رجع بفرد غيره وتبينا أن المعقود عليه باق في الذمة إلى الآن حتى يقبض من ذلك الجنس فرد مطابق للعقد هذا متفق عليه
    هامش أنوار البروق
    قال الفرق التاسع والثمانون والمائة بين قاعدة ما يتعين من الأشياء وقاعدة ما لا يتعين في البيع ونحوه إلى آخر القسم ما قاله في ذلك صحيح إلا قوله فيكون متعلقه الأجناس الكلية دون أشخاصها فإنه إن أراد ظاهر لفظه فليس بصحيح بل متعلقه أشخاص غير معينة مما يدخل تحت الكلي ولذلك صح الوفاء بأي فرد كان إذا وافق الصفات المشترطة قال القسم الثاني مبيع مشخص الجنس إلى قوله وفي الفرق ثلاث مسائل
    هامش إدرار الشروق
    الفرق التاسع والثمانون بين قاعدة ما يتعين من الأشياء وقاعدة ما لا يتعين في البيع ونحوه قال القاضي عبد الوهاب المبيع على ثلاثة أقسام سلم في الذمة وغائب على الصفة وحاضر معين ا ه
    أي متعلق العقود بيعها أو نحوه لا يخرج عن هذه الأقسام الثلاثة المعين وغيره والذي فيه شبه منهما فالسلم في الذمة هو المتعلق الغير المعين إذ هو أشخاص غير معينة مما يدخل تحت الكلي ولذلك صح الوفاء بأي فرد كان من ذلك الجنس إذا وافق الصفات المشروطة في العقد والأرجح بفرد غيره وتبينا أن المعقود عليه باق في الذمة إلى الآن حتى يقبض من ذلك الجنس فرد مطابق للصفات في العقد هذا متفق عليه والغائب على الصفة هو المتعلق الذي فيه شبه بالمعين وغير المعين وذلك أنه من جهة أنه غير مرئي أشبه ما في الذمة ولذلك قيل ضمانه من البائع ومن جهة أن العقد لم يقع على جنس بل على مشخص معين أشبه المعين ولذلك قيل ضمانه من المشتري قاله الأصل وهو ضعيف والراجح أن الغائب المبيع معين وأما كون ضمانه من البائع أو من المبتاع فلأمور غير كونه معينا أو غير معين كما قال ابن الشاط والحاضر المعين هو المتعلق المعين أي مشخص الجنس وخاصته أنه إذا فات ذلك المشخص قبل
    ____________________
    (3/403)
    القسم الثاني مبيع مشخص الجنس فهذا معين وخاصته أنه إذا فات ذلك المشخص قبل القبض انفسخ العقد اتفاقا واستثني من المشخصات صورتان الصورة الأولى النقود إذا شخصت وتعينت للجنس هل تتعين أم لا ثلاثة أقوال أحدهما تتعين بالشخص على قاعدة المشخصات وقاله الشافعي وابن حنبل وثانيها أنها لا تتعين وهو مشهور مذهب مالك وقاله أبو حنيفة رضي الله عنهم أجمعين وثالثها تتعين إن شاء بائعها لأنه أملك بها ولا مشيئة لقابضها فإن اختص النقد بصفة نحو الحلي أو رواج السكة ونحوهما تعينت اتفاقا احتج الشافعي رضي الله عنه بأمور
    هامش أنوار البروق
    قلت الذي يقوى عندي مذهب الشافعي وأقوى حججه قياس النقدين على ذوات الأمثال وما أجيب به من أن ذوات الأمثال مقاصد والنقدين وسائل ليس بفرق يقدح مثله في مثل ذلك القياس قال المسألة الأولى إلى قوله إذا كان الدينار الذي يعطيه الغاصب حلالا مساويا في السكة والمقاصد في الدينار والمغصوب قلت ما قاله في ذلك ضعيف والصحيح في النظر لزوم رد الدينار المغصوب بعينه ما دام قائما أما إذا فات فله رد غيره قال ولذلك إذا قال له في بيع المعاطاة بعني بهذا الدرهم إلى آخر المسألة
    هامش إدرار الشروق
    القبض انفسخ العقد اتفاقا لكن وقع الخلاف في صورتين استثنيتا من قاعدة المشخصات الصورة الأولى أن يكون لك دين على أحد فتأخذ فيه سكنى دار أو خدمة عبد أو ثمرة يتأخر قبضها فقال ابن القاسم في المدونة لا يجوز إن كان المفسوخ فيه معينا يتأخر قبضه أو منافع معين وأجراه مجرى فسخ الدين في الدين لأجل صورة التأخير في القبض أي إما في الكل وإما في الأجزاء وإن عين محل المعاوضة أي وهذا هو الراجح
    وقال أشهب يجوز ذلك إذا كان المفسوخ فيه معينا أو منافع معين لأن المعين لا يكون في الذمة وما لا يكون في الذمة لا يكون فليس هاهنا فسخ الدين وهو أوجه كما في الأصل ووافقه ابن الشاط قال عبق ولأن المنافع إذا أسندت لمعين أشبهت المعينات المقبوضة وصححه المتأخرون لأنها لو كانت كالدين يمنع فسخ الدين فيها لامتنع اكتراؤها بدين والمذهب جوازه وكذا شراؤها به اتفاقا كما في المواق ا ه
    قال الدسوقي وقد كان عج يعمل به فكانت له حانوت ساكن فيها مجلد يجلد الكتب فكان إذا ترتب له جرة في ذمته يستأجره بها على تسفير كتب وكان يقول هذا قول أشهب وصححه المتأخرون وأفتى به ابن رشد ا ه
    على أن البناني قال قال ابن رشد إنما يمنع ابن القاسم فسخ الدين في منافع المعين في الاختيار
    ____________________
    (3/404)
    أحدها أن غرضه متعلق بها عند الفلس والنقد المعين آكد من الذي في الذمة لتشخصه فإذا تعين النقدان في الذمة وجب أن يتعينا إذا شخصا بطريق الأولى وثانيها أن الدين يتعين فلا يجوز نقله إلى ذمة أخرى فوجب أن يتعين النقدان بالقياس على الدين وثالثها أن ذوات الأمثال كأرطال الزيت من خابية واحدة وأقفزة القمح من صبرة واحدة لا يتعلق بخصوصياتها غرض بل كل قفيز منها يسد مسد الآخر عند العقلاء ومع ذلك فلو باعه قفيزا من أقفزة كيلت من صبرة واحدة أو رطلا من أرطال زيت من جرة واحدة وجعله مورد العقد وعينه لم يكن له إبداله بغيره بل يتعين بالتعيين مع عدم الغرض فكذلك النقدان
    هامش أنوار البروق
    قلت ذلك كله عندي غير صحيح أو القول بأن الدينار الذي في يد الإنسان بميراثه من أبيه أو بأخذه عوضا عن سلعة معينة كانت ملكه ليس مالكا له من أشنع قول يسمع وأفحش مذهب ببطلانه يقطع قال المسألة الثانية إلى آخرها قلت المسألة مبنية على عدم تعيين النقدين بالتعيين فلذلك أشكل الفرق بين مسألتي الصرف والكراء والصحيح أن ذلك الأصل غير صحيح فلا إشكال والله أعلم
    قال المسألة الثالثة إلى آخرها قلت قول أشهب في سكنى الدار المأخوذة في الدين أوجه كما قال الشهاب وما قاله في بيع الغائب أنه أخذ شبها مما في الذمة ضعيف بل هو معين وأما كون ضمانه من البائع أو من المبتاع
    هامش إدرار الشروق
    وأما في الضرورة فهو عنده جائز مثل أن يكون في صحراء ولا يجد كراء ويخشى على نفسه الهلاك فيجوز له أخذ منافع دابة عن دينه قاله في رسم السلم من سماع عيسى من البيوع ا ه
    منه بلفظه قال عبق وظاهر قول مالك وابن القاسم في المدونة أنه لا فرق في المنع بين كون الدين حالا أو مؤجلا وإذ كان مؤجلا فلا فرق بين كون المنافع تستوفى من المعين قبل حلوله أو معه أو بعده بقرب الأجل أو بعده وأجازه أشهب بل في المواق إن ابن سراج قال لم يجعل في المدونة اليوم واليومين أجلا فيجوز فسخ الدين في خدمة المعين اليوم واليومين ولا إشكال في ذلك على قول أشهب وقد رشحه أي رجحه ابن يونس ومنه يستفاد جواز من له عند شخص دين فيقول له احرث معي اليوم أو تنسج معي اليوم وأعطيك مما عليك من الدين في نظير هذا درهما وكذا إذا استعمله في زمن كثير من غير شرط أن يقتطع له أجرة مما عليه فله أن يقاصه مما ترتب له في ذمته من الأجرة من الدين الذي له عليه على قول أشهب وبه أفتى ابن رشد لكنه مخالف لابن القاسم ولم يكن يخفى على ابن رشد قول ابن القاسم
    وما خالفه إلا لظهوره أي قول أشهب عنده ا ه باختصار وبعض إيضاح قلت وبهذا يخرج عن حرمة تقليد الضعيف لما رجحه الأشياخ وصححه المتأخرون وأفتى ابن رشد ولعل وجه ظهوره أنه ليس في هذا فسخ دين في دين
    ____________________
    (3/405)
    والجواب عن الأول أن الفلس نادر والنادر ملحق بالغالب في الشرع وعن الثاني أن الدين إنما تعين ولم يجز أن ينقله إلى ذمة أخرى لأن الذمم تختلف باللدد وقرب الإعسار فلذلك تعين الدين ولو حصل في النقدين اختلاف لتعينت أيضا اتفاقا وإنما الكلام عند عدم الاختلاف وعن الثالث أن السلع وإن كانت ذوات أمثال فإنها مقاصد والنقدان وسيلتان لتحصيل المثمنات والمقاصد أشرف من الوسائل إجماعا فلشرفها اعتبر تشخيصها وعين النقد وإن قام غيره مقامه فأثر بشرفه في تعيين تشخيصه بخلاف الوسائل ضعيفة فلم تؤثر في تعيين تشخيصها إذا قام غيرها مقامها ولم يختص بمعنى فيها فظهر الفرق بينهما وفي الفرق ثلاث مسائل
    هامش أنوار البروق
    فلأمور غير كونه معينا أو غير معين والله أعلم وما قاله في الفروق الستة بعده صحيح كله
    هامش إدرار الشروق
    وإنما فيه المقاصة كما أشار له بقوله يقاصه بل الظاهر أن ابن القاسم لا يخالف في هذه حيث لا شرط ولا عرف ولا نوى الاقتطاع ولكن المتبادر من فتوى ابن رشد جوازه مع نية الاقتطاع أيضا حيث لم يشترطه ا ه كلام عبق بتصرف ما
    وتعقب البناني قوله لكنه مخالف لابن القاسم إلخ غير صحيح وليس ذلك في المواق بل هو تحريف لكلامه ونصه وكان ابن سراج يقول إذ خدم معك من لك عليه دين بغير شرط فإنه يجوز لك أن تقاصه عند الفراغ من الدين الذي عليه قال وبهذا أفتى ابن رشد في نوازله لظهوره عنده إذ ما كان ابن رشد يخفى عليه قول ابن القاسم ا ه
    فهذا يدل على موافقته لابن القاسم لا مخالفته له تأمله ا ه
    وسلمه الرهوني وكنون ولم يسلما تعقبه على قوله وظاهر قول مالك وابن القاسم في المدونة إلخ بأن الذي في المواق من نقل ابن يونس عن مالك أن استعمال المدين في اليسير والدين لم يحل جائز وإن حل فلا يجوز في يسير ولا كثير ا ه
    بل قالا ليس في نقل المواق عن ابن يونس ولا في كلام ابن يونس ما ذكره البناني عنه والله أعلم ا ه
    قال عبق واتفق ابن القاسم وأشهب على منع فسخ الدين في منافع مضمونة كركوب دابة غير معينة وسكنى دار كذلك قاله الشارح واعترض بأن الدار والحانوت لا بد من تعينها في الكراء ولو اكتريا بالنقد ا ه
    من عج تبعا لبعض الشارحين أي فكيف يتأتى أن تكون مضمونة وقد يقال لا مانع كما يفيده ما مر في الحج من قوله فالمضمونة كغيره وما يأتي في قوله وإن ضمنت فجنس ا ه
    لكن قال البناني أن ما تقدم في الحج وما سيأتي كلاهما في غير الرباع وسيقول وعين متعلم ورضيع ودار وحانوت فلا يصح قوله وقد يقال لا مانع إلخ ا ه
    وسلمه الرهوني وكنون الصورة الثانية النقود إذا شخصت وتعينت للحس بدون أن تختص بصفة الحلي أو رواج السكة أو نحوهما ففي تعينها وعدم تعينها أقوال ثالثها إن شاء بائعها لأنه أملك بها لقابضها الأول نسبه الأصل للشافعي وابن حنبل والثاني نسبه لمشهور مذهب مالك وقول أبي حنيفة رضي الله عنهم أجمعين والثالث لم ينسبه لأحد قال وأما إذا اختص النقد بصفة نحو الحلي أو رواج السكة فإنها تتعين اتفاقا واحتج الشافعي رضي الله عنه للقول الأول بثلاثة أمور
    ____________________
    (3/406)
    المسألة الأولى مقتضى مذهب مالك وأبي حنيفة رضي الله عنهما أن خصوص النقدين لا يملكان ألبتة بخلاف خصوصيات المثليات فإذا غصب غاصب من شخص دينارا لا يتمكن من طلب خصوصه بل يستحق الزنة والجنس دون الخصوص فالغاصب أن يعطيه دينارا غيره وإن كره ربه إذا كان الدينار والذي يعطيه الغاصب حلالا مساويا للسكة والمقاصد في الدينار المغصوب ولذلك إذا قال له في بيع المعاطاة بعني بهذا الدرهم هذه السلعة فباعه إياها به له يمتنع من دفعه ويعطيه غيره ولأن الخصوص في أفراد النقدين لا يتعلق به ملك ولا يتناوله عقد بل المستحق هو الجنس والمقدار فقط دون خصوص ذلك الفرد وعلى هذا أيضا لا تكون العقود في النقدين تتناول إلا الذمم خاصة ولا فرق عند الإمامين ومن وافقهما بين قول القائل بعني بدرهم وبين قوله بعني بهذا الدرهم ويعينه والعقد في الصورتين إنما يرد على الذمة دون ما عين ونصوص المذهب تتقاضى ذلك من مالك والأصحاب غير أنهم إذا قيل لهم إن خصوص النقدين في الشخص لا تملكه وإن خصوص كل دينار لا يملك قد يستشنع ذلك وينكر وهو لازم على المذهب وإذا كانت الخصوصيات لا تملك كانت المعاملات بين الناس بالجنس والمقدار فقط فاعلم ذلك
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الأمر الأول إن غرضه متعلق بها عند الفلس والنقد المعين آكد من الذي في الذمة لتشخصه فإذا تعين النقدان في الذمة وجب أن يتعينا إذا شخصا بطريق الأولى وجوابه أن المفلس نادر والنادر ملحق بالغالب في الشرع
    الأمر الثاني أن الدين يتعين فلا يجوز نقله إلى ذمة أخرى فوجب أن يتعين النقدان بالقياس على الدين وجوابه أن الدين إنما تعين ولم يجز أن ينقله إلى ذمة أخرى لأن الذمم تختلف باللدد وقرب الإعسار فلذلك تعين الدين ولو حصل في النقد اختلاف لتعينت أيضا اتفاقا وإنما الكلام عند عدم الاختلاف أي فالقياس على الدين قياس مع الفارق فلا يصح الأمر الثالث أن ذوات الأمثال كأرطال الزيت من خابية واحدة وأقفزة القمح من صبرة واحدة لا يتعلق بخصوصياتها غرض بل كل قفيز منها يسد مسد الآخر عند العقلاء ومع ذلك فلو باعه قفيزا من أقفزة كيلت من صبرة واحدة أو رطلا من أرطال زيت وزنت من جرة واحدة وجعله مورد العقد وعينه لم يكن له إبداله بغيره بل يتعين بالتعيين مع عدم الغرض فكذلك النقدان وجوابه أن السلع وإن كانت ذوات أمثال فإنها مقاصد والنقدان وسيلتان لتحصيل المثمنات والمقاصد أشرف من الوسائل إجماعا فلشرفها اعتبر تشخيصها فأثرت بشرفها في تعيين تشخيصها بخلاف الوسائل فإنها لضعفها لم يعتبر تشخيصها فلم تؤثر بضعفها في تعيين تشخيصها إذا قام غيرها مقامها ولم يختص بمعنى فيها فظهر الفرق بين ذوات الأمثال من السلع وبين النقدين ولا قياس مع الفارق ويتضح الفرق بينهما بثلاث مسائل المسألة الأولى مقتضى مذهب مالك وأبي حنيفة رضي الله عنهما أن خصوص النقدين لا يملك ألبتة
    ____________________
    (3/407)
    لمسألة الثانية قال العبدلي لا تتعين الدنانير والدراهم في مذهب مالك إلا في مسألتين الصرف والكراء وقال الشيخ أبو الوليد في المقدمات النقدان يتعينان بالتعيين في الصرف عند مالك وجمهور أصحابه وإن لم تعين تعينت بالقبض وبالمفارقة ولذلك جاز الرضى بالزائف في الصرف
    وقال سند في الطراز إذا لم يتعين النقدان فالعقد إنما يتناول التسليم فإذا قبض في الصرف رديئا وقد افترقا قبل القبض لا يتناوله العقد فيفسد فإن قلنا بأن القبض يبرئ الذمة وتعين صح العقد والطارئ بعد ذلك استحقاق أو عيب أو حكم متجدد لنفي الظلامة كعقد النكاح مبرم مفيد للميراث وحل الوطء وإذا ظهر بعد الموت عيب بأحد الزوجين يوجب الرد فإذا رضي بالعيب بقي العقد على حاله وإن كره الآخر وإن أراد البدل منعه مالك إلا أن يدلس بائعه وفي المسألة خلاف في كتب الفروع واعلم أن استثناء هاتين المسألتين يحوج إلى ذكر الفرق بينهما وبين سائر المسائل أما الصرف فيمكن أن يقال إنما قال فيه مالك بالتعيين فلضيق بابه وأمر الشرع بسرعة القبض ناجزا للتعيين وذلك مناسب للتضييق لأن التعيين يحصل مقصود القبض ناجزا بخلاف إذا قلنا إن الصرف إنما ورد على الذمة فاحتمل أن يكون هذا القبض مبرئا لما
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    ولا يتناوله عقد وإنما المعاملات بين الناس بالجنس والمقدار فقط بخلاف خصوصيات المثليات وقد انبنى على ذلك فروع
    منها أنه إذا غصب غاصب دينارا لا يتمكن المغصوب منه من طلب خصوصه لأنه إنما يستحق الزنة والجنس دون الخصوص فللغاصب أن يعطيه دينارا غيره وإن كره ربه إذا كان الدينار الذي يعطيه الغاصب حلالا مساويا للسكة وللمقاصد في الدينار المغصوب ومنها أنه إذا قال المشتري للبائع في بيع المعاطاة بعني بهذا الدرهم هذه السلعة فباعه إياها به كان له أن يمتنع من دفعه ويعطيه غيره ومنها أن العقود في النقدين لا تتناول إلا الذمة خاصة عند الإمامين ومن وافقهما فلا فرق عندهما بين قول القائل بعني بدرهم وبين قوله بعني بهذا الدرهم ويعينه إذ العقد في الصورتين إنما يرد على الذمة دون ما عين نعم مالك وأصحابه وإن كانت نصوصهم تقتضي ذلك إلا أنهم إذا قيل لهم إن خصوص النقدين لا تملكه وإن خصوص كل دينار لا يملك قد يستشنعون ذلك وينكرونه وهو لازم مذهبهم بناء على أن لازم المذهب ليس بمذهب المسألة الثانية قال الشيخ أبو الوليد في المقدمات النقدان يتعينان باليقين في الصرف عند مالك وجمهور أصحابه وإن لم تعين تعينت بالقبض وبالمفارقة ولذلك جاز الرضى بالزائف بالصرف ا ه
    وقال سند في الطراز إذا لم يتعين النقدان فالعقد إنما يتناول التسليم والقبض وإذا صرف رديئا وقد افترقا قبل القبض لا يتناوله العقد فيفسد فإن قلنا بأن القبض يبرئ الذمة وتعين صح العقد والطارئ بعد ذلك من استحقاق أو عيب فهو حكم متجدد لنفي الظلامة كعقد النكاح مبرم للميراث وحل الوطء
    وإذا ظهر بعد الموت عيب بأحد الزوجين يوجب الرد فإذا رضي بالعيب بقي العقد على حاله وإن كره الآخر وإن أراد البدل منعه مالك إلا أن يدلس بائعه وفي
    ____________________
    (3/408)
    في الذمة إن كان موافقا وأن لا يكون فبالتعيين يحصل الجزم بالقبض والتناجز
    وأما الكراء فيصعب الفرق بينه وبين غيره وغايته أن يقال فيه إن الكراء يرد على المنافع المعدومة فلو كان النقدان لا يتعينان لكان الكراء أيضا في الذمة فيشبه بيع الدين بالدين وهو حرام بخلاف جميع الأعيان فإنها تتعين غير أن هذا الفرق يشكل فإنه يجوز الكراء على الذمة تصريحا ويعينه بعد ذلك فيطلب له فرق يليق به المسألة الثالثة إذا جرى غير النقدين مجراهما في المعاملة كالفلوس أو غيرها قال سند من أجرى الفلوس مجرى النقدين في تحريم الربا جعلها كالنقدين ومنع البدل في الصرف إذا وجد بعضها رديئا قال مالك في المدونة إذا اشتريت فلوسا بدراهم فوجدت بعد التفرق بعض الفلوس رديئا استحق البدل للخلاف فيها وهذا على مذهبه أن الفلوس يكره الربا فيها من غير تحريم وفيها ثلاثة أقوال التحريم والإباحة والكراهة والصورة الثانية المستثناة المشخصات ما قاله ابن القاسم في المدونة إذا كان لك دين على أحد لا يجوز أن تأخذ فيه سكنى دار أو خدمة عبد أو ثمرة يتأخر قبضها وإن عينت جميع ذلك وأجراه مجرى فسخ الدين في الدين لأجل صورة التأخر في
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    المسألة خلاف في كتب الفروع
    وقال العبدلي لا تتعين الدنانير والدراهم في مذهب مالك إلا في مسألتين الصرف والكراء ا ه واستثناء هاتين المسألتين يحوج إلى ذكر الفرق بينهما وبين سائر المسائل وهو أن يصعب في الصرف إذ يمكن أن يقال إنما قال فيه مالك بالتعيين لضيق بابه من حيث إن الشرع أمر فيه بسرعة القبض ناجزا والتعيين من حيث إنه يحصل الجزم بالقبض والتناجز فيحصل مقصود القبض ناجزا يناسب الضيق بخلاف ما إذا قلنا إن الصرف إنما ورد على الذمة فإنه يحتمل أن يكون موافقا فيكون هذا القبض مبرئ لما في الذمة وأن لا يكون موافقا فلا يكون مبرئ لكن الفرق يصعب في الكراء إذ غاية ما يقال فيه إن الكراء يرد على المنافع المعدومة فلو لم يكن النقدان معينين فيه بل كانا في الذمة والكراء أيضا في الذمة لكان يشبه بيع الدين بالدين وهو حرام بخلاف جميع الأعيان فإنها تتعين ولا شك أن هذا الفرق مشكل فإن الكراء يجوز على الذمة تصريحا ويعينه بعد ذلك فليطلب له فرق يليق به المسألة الثالثة إذا جرى غير النقدين من العروض مجراهما في المعاملة كالفلوس أو غيرهما كالنوط قال سند من أجرى الفلوس مجرى النقدين في تحريم الربا جعلها كالنقدين ومنع البدل في الصرف إذا وجد بعضها رديئا وقول مالك في المدونة إذا اشتريت فلوسا بدراهم فوجدت بعد التفرق بعض الفلوس رديئا استحق البدل للخلاف فيها مبني على مذهبه أن الفلوس يكره الربا فيها من غير تحريم وفيها ثلاثة أقوال التحريم والإباحة والكراهة ا ه
    كلام الأصل بتصرف وهذه الأقوال الثلاثة مبنية على أن كل عرض جرى مجرى النقدين في المعاملة كالفلوس النحاس وورق النوط يتحقق فيه وجهان وجه كونه كالعرض فقط في كونه غير ربوي قال الدسوقي على الدردير على مختصر خليل
    وهو المعتمد وعليه يقال في بيع الفلوس السحاتيت المتعامل بها بالفلوس الديوانية إن تماثلا عددا فأجز وإن جهل عدد كل فإن زاد أحدهما
    ____________________
    (3/409)
    القبض وإن عين محل المعاوضة فمن هذا الوجه أشبه الدين وقال أشهب يجوز ذلك لأجل التعيين والتعين لا يكون إلا في الذمة وما لا يكون في الذمة لا يكون دينا فليس ها هنا فسخ الدين في الدين وهو أوجه
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    زيادة تنفي المزابنة فأجز وإلا فلا ا ه المحتاج منه بتصرف وهو أيضا مذهب الشافعية
    والقول المقابل للصحيح عند الحنابلة إلا أن الشافعية ومن يقول بهذا القول من الحنابلة يقولون بوجوب زكاة قيمته على التاجر مطلقا ولو محتكرا
    وأما عندنا فقال الشيخ عليش في فتاويه إن ورق النوط والفلوس النحاس المختومة بختم السلطان المتعامل بها لا زكاة في عينها لخروجها عما وجبت في عينه من النعم والأصناف المخصوصة من الحبوب والثمار والذهب والفضة ومنهما قيمة عرض المدير وثمن عرض المحتكر قال في المدونة ومن حال الحول على فلوس عنده قيمته مائتا درهم فلا زكاة عليه فيها إلا أن يكون مديرا فيقومها كالعروض ا ه وفي الطراز بعد أن ذكر عن أبي حنيفة والشافعي وجوب الزكاة في عينها واتفاقهما على تعلقها بقيمتها وعن الشافعي قولين في إخراج عينها أي في جواز إخراج عين الفلوس الجدد في زكاة النقد وقيمة عروض التجارة التي منها الفلوس
    وهو ما أفتى به البلقيني أو عدم جواز خراج عينها وهو أصل مذهب الشافعي قال والمذهب أنها لا تجب في عينها إذ لا خلاف أنها لا يعتبر وزنها ولا عددها وإنما المعتبر قيمتها فلو وجبت في عينها لاعتبر النصاب من عينها ومبلغها لا من قيمتها كما في عين الورق والذهب والحبوب والثمار فلما انقطع تعلقها بعينها جرت على حكم جنسها من النحاس والحديد وشبهه ا ه
    والقول بالتحريم مبني على اعتبار جهة كونه كالنقد قوة في كونه ربويا قال الدسوقي وعلى أن الفلوس ربوية لا يجوز بيع الفلوس السحاتيت المتعامل بها بالفلوس الديوانية إلا إذا تماثلا وزنا أو عددا ا ه
    وقال أبو الحسن وفي السلم الأول من المدونة والصغر والنحاس عرض ما لم يضرب فلوسا فإذا ضرب فلوسا جرى مجرى الذهب والورق مجراهما فيما يحل ويحرم وفي الصرف منها ومن لك عليه درهم ثم قال وكذلك الفلوس ا ه
    نقله الرهوني في حاشيته على عبق ونقل قبله قول عياض في التنبيهات اختلف لفظه أي مالك في الفلوس في مسائله بحسب اختلاف رأيه في أصليا هي كالعرض أو كالعين فله هنا التشديد وأنه لا يصح فيها النظرة ولا تجوز وشبهها بالعين وظاهره المنع جملة كالفضة والذهب ا ه
    وقال قبل وجزم ابن عرفة بأن بيع أحد النقدين بالفلوس صرف حيث قال الصرف ببيع الذهب بالفضة أو أحدهما بفلوس لقولها أي المدونة متى صرف دراهم بفلوس والأصل الحقيقة ا ه يقيد حرمة التأخير في ذلك جزما مع أنه قد قال بعد ذلك ما نصه وفي كون الفلوس ربوية كالعين ثالث الروايات يكره فيها ا ه
    وقال أيضا ما نصه روى محمد في الفلوس والتمائم من الرصاص تباع بعين لأجل لم يبلغه تحريمه عن أحد وليس بحرام وتركه أحب إلي اتهب بفسخ إن نزل إلا أن تفوت الفلوس بحوالة سوق أو تبطل ا ه كلام الرهوني ومفهوم قول الطراز المتقدم والمذهب أنها أي الزكاة لا تجب في عينها إلخ أنها تجب في عينها على مقابل المذهب المبني على اعتبار جهة أن نحو الفلوس كالعين فقط كما لا يخفى والقول بالكراهة مبني على اعتبار أن له مرتبة وسطى بين الجهتين المتحققتين فيه فتراعى فيه جهة كونه كالعين في
    ____________________
    (3/410)
    القسم الثالث من التقسيم لا هو معين مطلقا ولا هو غير معين مطلقا بل أخذ شبها من الطرفين وهو بيع الغائب على الصفة فمن جهة أنه غير مرئي أشبه ما في الذمة ولذلك قيل ضمانه من البائع ومن جهة أن العقد لم يقع على جنس بل على مشخص معين أشبه المعين من هذا الوجه ولذلك قيل ضمانه من المشتري قال القاضي
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    نحو الصرف والربا ويراع فيه جهة كونه كالعرض في غير ذلك عندنا ففي حاشية الرهوني قال ابن عرفة ما نصه روى محمد في الفلوس والتمائم من الرصاص تباع بعين لأجل لم يبلغه تحريمه عن أحد وليس بحرام وتركه أحب إلي كما تقدم وفي الإرشاد المنصوص كراهة التفاضل والنساء في الفلوس ا ه
    ونحوه في التلقين والتفريع والمدونة في موضعين وساق نصوص الجميع فانظره وقال قال عياض في التنبيهات بعد ما تقدم عنه ليست الفلوس كالدنانير والدراهم في جميع الأشياء
    وليست كالدراهم العين وأجاز بدلها إذا أصابها رديئة وقال في ثاني السلم إن باع بها وكيل ضمن لأنها كالعرض إلا في سلعة يسيرة الثمن وفي الزكاة لا تزكى إلا في الإدارة كالعرض وفي السلم الثالث منع بيعها جزافا كالعين وفي الأول يسلم فيها الطعام والعرض لا غير وفي القرض من رواية عبد الرحيم جواز بيعها بالعين نظرة وفي العارية إن أعارها فهو قرض كالعين وفي الاستحقاق إن استحقت وكانت رأس مال سلم أتى بمثلها كالعين وفي الرهون إن رهنت طبع عليها كالعين ا ه المحتاج إليه من الرهوني
    وخلاصته أن هذه الرواية تراعي وجه كونه كالعرض في الزكاة فقط فتوجب زكاة قيمته على المدير وزكاة ثمنه على المحتكر وتراعي وجه كونه كالعين والنقد في الربا بنوعيه والصرف فتكره فيه تنزيها الربا بنوعيه وتستحب فيه شروط الصرف لكونه بمنزلة الربوي لا ربويا صرفا والصحيح عند الحنابلة وإن كانا فيهما مراعاة الجهتين أيضا إلا أن الأحناف راعوا في الزكاة جهة كونه كالعين فأوجبوا في قيمته الزكاة في الربا بنوعيه والصرف جهة كونه كالعرض فلم يشترطوا في بيعه بالدراهم أو الدنانير شروط الصرف وأجازوا فيه الربا بنوعيه والصحيح عند الحنابلة راعى جهة كونه كالعرض في الزكاة وربا الفضل فأوجب زكاته على التاجر مطلقا وأجاز فيه ربا الفضل وراعى جهة كونه كالعين والنقد في الصرف وربا النساء فشرط في صرفه بالدراهم أو الدنانير شروط الصرف ومنع فيه ربا النساء انظر رسالتي شمس الإشراق في حكم التعامل بالأوراق هذا وقال الإمام ابن الشاط الذي يقوي عندي مذهب الشافعي أي بأن النقود تتعين بالشخص على قاعدة المشخصات وأقوى حججه قياس النقدين على ذوات الأمثال وما أجيب به من أن ذوات الأمثال مقاصد والنقدين وسائل ليس بفرق يقدح مثله في مثل ذلك القياس قال وما
    قاله الشهاب في فرع الغاصب ضعيف والصحيح في النظر لزوم رد الدينار المغصوب بعينه ما دام قائما أما إذا فات فله رد غيره وكل ما قاله في الفروع بعده فهو عندي غير صحيح والقول بأن الدينار الذي في يد الإنسان بميراثه من أبيه أو بأخذه عوضا عن سلعة معينة كانت ملكه ليس ملكا له من أشنع قول يسمع وأفحش مذهب ببطلانه يقطع ولما كانت المسألة الثانية مبنية على عدم تعين النقدين بالتعيين أشكل الفرق بين مسألتي الصرف والكراء والصحيح أن ذلك الأصل غير صحيح فلا إشكال والله أعلم ا ه
    ____________________
    (3/411)
    عبد الوهاب المبيع على ثلاثة أقسام سلم في الذمة وغائب على الصفة وحاضر معين فهذه أقسام ما يتعين وما لا يتعين والفرق بينهما مبسوط
    الفرق التسعون والمائة بين قاعدة ما يدخله ربا الفضل وبين قاعدة ما لا يدخله ربا الفضل والضابط عندنا له هو الفرق بين القاعدتين الاقتيات والادخار في الجنس الواحد هذا هو مذهب مالك رحمه الله وقصره أرباب الظاهر على الأشياء الستة التي جاءت في الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين لا تبيعوا الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح إلا مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد وإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد فقالوا يحرم ربا الفضل في هذه الستة لهذا الحديث ويجوز في غيرها لقوله تعالى وأحل الله البيع وجوابهم قوله تعالى وحرم الربا والربا الزيادة وهذه زيادة وقال ابن عباس وجماعة
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الفرق التسعون والمائة بين قاعدة ما يدخله ربا الفضل وبين قاعدة ما لا يدخله ربا الفضل أجمع العلماء على أن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح لا يجوز إلا مثلا بمثل يدا بيد فلا يجوز في صنف واحد منها التفاضل ولا النساء بإجماعهم إلا ما روي عن ابن عباس ومن تبعه من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين كزيد بن أرقم وغيره فإنهم أجازوا بيع ما ذكر متفاضلا ومنعوه نسيئة فقط تمسكا بظاهر ما
    رواه ابن عباس عن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا ربا إلا في النسيئة وهو حديث صحيح ظاهره حصر الربا المحرم في النسيئة فلا يحرم الفضل
    وأما الجمهور فتمسكوا بحديث الصحيحين عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تبيعوا الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح إلا مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد وإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد وغيره من الأحاديث الصحيحة التي هي نص فيما قالوه كحديث عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء التمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء الشعير بالشعير ربا إلا هاء وإلا هاء فتضمن حديث عبادة مع التفاضل في الصنف الواحد وإباحته في الصنفين ومنع النساء في الصنفين وتضمن حديث عمر منع النسيئة في صنف واحد من هذه الأصناف وكحديث أبي سعيد الخدري الذي
    رواه مالك عن نافع عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل
    ____________________
    (3/412)
    من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين كزيد بن أرقم وغيره لا يحرم ربا الفضل لقوله عليه السلام إنما الربا في النسيئة وهذه صيغة حصر تقتضي انحصار الربا المحرم في النسيئة فلا يحرم الفضل وجوابهم القول بالموجب لما روي أنه عليه السلام سئل عن مبادلة الذهب بالفضة والقمح بالشعير فقال إنما الربا في النسيئة ولا يحرم ما ذكرتم إلا أن يتأخر فسمع الجواب دون السؤال ولو لم يثبت هذا فالقاعدة في أصول الفقه أن العام في الأشخاص مطلق الأزمنة والأحوال والبقاع والمتعلقات وهذا النص عام في أفراد الربا مطلق فيما يقع فيه فيحمل على اختلاف الجنس جمعا بين الأدلة والمطلق إذا عمل به في صورة سقط الاستدلال به فيما عدا
    وقال ابن سيرين الجنس الواحد هو الضابط والعلة في منع الربا فلا يجوز التفاضل في جنس على الإطلاق كان طعاما أو غيره لذكره عليه السلام أجناسا لا تجمعها علة واحدة لم تبق إلا الجنسية ولأن المعاوضة تقتضي المقابلة وفي الجنس الواحد يكون الزائد لا مقابل له فلم يتحقق موجب العقد والقاعدة أن كل عقد لا يفيد مقصوده يبطل
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الفضة بالفضة إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها شيئا غائبا بناجز وهو من أصح ما روي في هذا الباب وهو يتضمن منع التفاضل في الصنف الواحد من النقدين ومنع النسيئة مطلقا أي في الصنف الواحد منهما وفي الصنفين ولم يأخذوا بحديث ابن عباس لوجهين الوجه الأول أنه ليس بنص في ذلك لأنه روي فيه لفظان أحدهما أنه قال إنما الربا في النسيئة وهذا لا يفهم منه إجازة التفاضل إلا من باب دليل الخطاب وهو ضعيف ولا سيما إذا عارضه النص وثانيهما أنه قال لا ربا إلا في النسيئة وهذا وإن اقتضى ظاهره أن ما عدا النسيئة فليس بربا لكنه يحتمل أن يريد بقوله لا ربا إلا في النسيئة من جهة أنه الواقع في الأكثر والنص إذا عارضه المحتمل وجب تأويل المحتمل على الجهة التي يصح الجمع بينهما الوجه الثاني أنه وإن سلم أنه نص عام في أفراد الربا لكنه قول بالموجب بكسر الجيم أي السبب لما روي أنه عليه السلام سئل عن مبادلة الذهب بالفضة والقمح بالشعير فقال إنما الربا في النسيئة ولا يحرم ما ذكرتم إلا أن يتأخر فسمع الراوي الجواب دون السؤال على أنه لو لم يثبت هذا فالقاعدة في أصول الفقيه أن العام في الأشخاص مطلق في الأزمنة والأحوال والبقاع والمتعلقات فهذا عام في أفراد الربا مطلق فيما يقع فيه فيحمل على اختلاف الجنس جمعا بين الأدلة والمطلق إذا عمل به في صورة سقط الاستدلال به فيما عداها وجواز التفاضل في الصنفين من تلك الستة متفق عليه من الفقهاء إلا البر والشعير كامتناع النساء في هذه الستة فقط اتفقت الأصناف أو اختلفت إلا ما حكي عن
    ____________________
    (3/413)
    وجوابه ما في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هاجر إليه عبد فاشتراه بعبدين من سيده ولقضائه صلى الله عليه وسلم على أشياء مختلفة الأسماء فلو كان المراد الجنسية لقال صلى الله عليه وسلم لا تبيعوا جنسا واحدا بجنسه إلا مثلا بمثل لأنه اللائق بفصاحته صلى الله عليه وسلم والمعاوضة تتبع غرض المتعاقدين فقد يقصد جعل الجملة قبالة الجملة فلا يخرج شيء وقال ربيعة رضي الله عنه الضابط لربا الفضل أن يكون مما تجب فيه الزكاة فلا يباع بعير ببعير ويرد عليه ورود النص في الملح وليس بزكوي وخصصه الشافعي رحمه الله بما يكال أو يوزن من الطعام والشراب من الجنس الواحد لأن ذلك مشترك بين الستة الواردة في الحديث
    والحكم المشترك تكون علته مشتركة ورجع إلى العلة الطعم في الجنس الواحد إن كان قوتا وإداما أو فاكهة أو دواء الآدميين دون ما تأكله البهائم فإن أكله الآدميون وغيرهم روعي الأغلب فإن لم يكن طعاما للآدميين كالورد والرياحين ونوى التمر لم يدخله الربا لقوله صلى الله عليه وسلم الطعام بالطعام مثلا بمثل رتب منع التفاضل على اسم الطعام وترتيب الحكم على الوصف يقتضي علية ذلك الوصف لذلك الحكم نحو الزانية والزاني فاجلدوا والسارق والسارقة فاقطعوا وسيأتي جوابه وخصصه أبو حنيفة بما يكال أو يوزن من الجنس الواحد ولو كان ترابا
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    ابن علية أنه قال إذا اختلف الصنفان جاز التفاضل والنسيئة ما عدا الذهب والفضة واختلفوا فيما سوى هذه الستة المنصوص عليها فقال قوم منهم أهل الظاهر النساء ممتنع في هذه الستة فقط اتفقت الأصناف أو اختلفت كالتفاضل في صنف من هذه الستة فقط ولا يمتنع التفاضل في صنف واحد مما عدها كالنساء مطلقا نظرا إلى أن النهي المتعلق بأعيان هذه الستة من باب الخاص أريد به الخاص واتفق الجمهور من فقهاء الأمصار على أن النهي المتعلق بأعيان هذه الستة من باب الخاص أريد به العام واختلفوا في المعنى العام الذي وقع التنبيه عليه بهذه الأصناف من جهتين الجهة الأولى جهة مفهوم علة منع التفاضل فقد حكى الأصل في ذلك عشرة مذاهب خمسة منها خارج مذهبنا أحدهما تعليله بالجنس لابن سيرين قال الجنس الواحد هو الضابط والعلة في منع ربا الفضل فلا يجوز التفاضل في جنس على الإطلاق كان طعاما أو غيره لذكره عليه السلام أجناسا لا تجمعهما علة واحدة فلم تبق إلا الجنسية ولأن المعاوضة تقتضي المقابلة وفي الجنس الواحد يكون الزائد لا مقابل له فلم يتحقق موجب العقد والقاعدة أن كل عقد لا يفيد مقصوده يبطل ويرد عليه أو لا ما في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هاجر إليه عبد فاشتراه بعبدين من سيده وقضاؤه صلى الله عليه وسلم على أشياء مختلفة الأسماء فلو كان المراد الجنسية لكان اللائق بفصاحته صلى الله عليه وسلم أن يقول لا تبيعوا جنسا واحدا بجنسه إلا مثلا بمثل وثانيا أن المعاوضة تتبع غرض المتعاقدين فقد يقصد جعل قباله الجملة فلا يخرج شيء عن المقابلة وثانيها تعليله بكونه زكويا لربيعة رضي الله عنه قال الضابط والعلة في منع ربا الفضل هو أن يكون مما تجب فيه الزكاة فلا يباع بعير ببعير ويرد عليه ورود النص في الملح وليس بزكوي
    ____________________
    (3/414)
    لأن المذكورات في الحديث الأطعمة مكيلات ولقوله عليه الصلاة والسلام في بعض الطرق وكذا كل ما يكال أو يوزن قال سند في الطراز قال القاضي إسماعيل وجماعة العلة كونه مقتاتا فيمتنع الربا في الملح والبيض دون الفواكه اليابسة لأنها لا تقتات وهو جار على ظاهر المذهب وعن مالك رحمه الله الادخار مع الاقتيات فلا ربا في الفواكه اليابسة كاللوز والجوز ولا في البيض لأنه لا يدخر قال وقال الباجي هو أجري على المذهب وعن مالك في الموطإ أن العلة الأكل والادخار مع اتحاد الجنس فيجري الربا في الفواكه اليابسة وعلى هذه يختلف فيما يقل ادخاره كالخوخ والرمان فأجرى ابن نافع فيه الربا نظرا لجنسه وأجازه مالك في الكتاب نظرا للغالب وعلى هذه المذاهب الثلاث فلا يجري الخلاف في التفاح والرمان والكمثرى والخوخ الرطب إنما الخلاف في يابسها ولأصحابنا في الملح ثلاثة مذاهب منهم من علله بالاقتيات وصلاح القوت فألحقوا به التوابل
    وقيل بالأكل والادخار وقيل بكونه إداما فلا يلحق به الفلفل ونحوه وقال أبو الطاهر وعن عبد الملك التعليل بالمالية وقيل الاقتيات والادخار مع كونه غالب العيش وفي الجواهر المعلول عليه في المذهب مجموع الاقتيات والادخار وألزمنا الشافعية على
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    وثالثها تعليله بكونه مكيلا أو موزونا من الطعام والشراب من الجنس الواحد للشافعي رحمه الله في القديم قال لأن ذلك مشترك بين الستة الواردة في الحديث والحكم المشترك تكون علته مشتركة ورابعا تعليله بالطعام للآدمي في الجنس الواحد للشافعي رحمه الله في الجديد قال فيمنع التفاضل فيما كان قوتا أو إداما أو فاكهة أو دواء للآدميين دون ما تأكله البهائم فإن أكله الآدميون وغيرهم روعي الأغلب فإن لم يكن طعاما للآدميين كالورد والرياحين ونوى التمر لم يدخله الربا لقوله صلى الله عليه وسلم الطعام بالطعام مثلا بمثل حيث رتب منع التفاضل على اسم الطعام والقاعدة في الأصول أن ترتيب الحكم على الوصف يقتضي عليه ذلك الوصف لذلك الحكم نحو الزانية والزاني فاجلدوا والسارق والسارقة فاقطعوا
    ويرد عليه فيها أنه أهمل أفضل أوصاف الاشتراك وهو الاقتيات ولم يعتبره كما سيتضح وخامسها تعليله بكونه مكيلا أو موزونا من الجنس الواحد ولو ترابا لأبي حنيفة رحمه الله قال لأن المذكورات في الحديث من الأطعمة مكيلات ولقوله عليه الصلاة والسلام في بعض الطرق وكذا كل ما يكال أو يوزن ومثله لأحمد بن حنبل ففي كشاف القناع للشيخ منصور الحنبلي والأشهر عن إمامنا ومختار عامة الأصحاب أن علة الربا في النقدين كونهما موزوني جنس وفي الأعيان الباقية كونها مكيلات جنس فيجري الربا في كل مكيل أو موزون جنس ا ه منه بلفظه ويرد عليهما أنهما وإن اعتبرا الوصف الطردي إلا أنهما أهملا المناسب المقدم عليه وهو الاقتيات وخمسة منها لمالك وأصحابه الأول تعليله بالمالية والثاني تعليله بالاقتيات والادخار مع الغلبة قال أبو الطاهر وعن عبد الملك التعليل بالمالية وقيل بالاقتيات والادخار مع كونه غالب العيش ا ه
    ____________________
    (3/415)
    تعليل الملح بإصلاح الأقوات جريان الربا في الأقاوية والأحطاب والنيران لأنها مصلحة للأقوات وجوابه أنا لا نقتصر على مطلق الإصلاح بل نقول هو قوت مصلح وهذه ليست قوتا ونلزم الربا في الأقاوية فهذه اثنا عشر مذهبا منها عشرة في علة الربا منع الربا مطلقا إلا في النساء منعه في النساء مع المنصوص عليه فهذان مذهبان لا تعليل فيهما والعشرة في التعليل هي تعليله بالجنس تعليله بكونه زكويا تعليله بكونه مكيلا أو موزونا تعليله بكونه مكيلا تعليله بكونه مطعوما تعليله بكونه مقتاتا تعليله بكونه مقتاتا مدخرا تعليله بالأكل والادخار مع اتحاد الجنس تعليله بالمالية تعليله بالاقتيات والادخار مع الغلبة ومن الأصحاب من علل البر بالقوت غالبا والشعير بالقوت عند الضرورة والتمر بالتفكه غالبا والملح بإصلاح القوت فيحصل في المذهب قولان هل العلة في الجميع واحدة أو متعددة واختلف الأصحاب أيضا هل اتحاد الجنس جزء علة للتوقف عليه أو شرط في اعتبار العلة لعروه عن المناسبة وهو الصحيح حجتنا على الفرق كلها أنه صلى الله عليه وسلم جعل التحريم أصلا في الحديث إلا ما استثناه من المماثلة
    وليس المراد المماثلة في الجنس لاختلاف صفاته فتعين المقدار وهذه الأربعة هي أقواتهم بالحجاز فالبر للرفاهية فلو اقتصر عليه
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    والثالث تعليله بالأكل والادخار مع اتحاد الجنس ففي الموطإ عن مالك أن العلة الأكل والادخار مع اتحاد الجنس فيجري الربا في الفواكه اليابسة ويختلف فيما يقل ادخاره كالخوخ والرمان فأجرى ابن نافع فيه الربا نظرا لجنسه وإجازة مالك في الكتاب نظرا للغالب والرابع تعليله بالاقتيات والخامس تعليله بكونه مقتاتا مدخرا قال سند في الطراز قال القاضي إسماعيل وجماعة العلة كونه مقتاتا فيمتنع الربا في الملح والبيض دون الفواكه اليابسة لأنها لا تقتات وهو جار على ظاهر المذهب وعن مالك رحمه الله الادخار مع الاقتيات فلا ربا في الفواكه اليابسة كاللوز والجوز ولا في البيض لأنه لا يدخر قال وقال الباجي هو أجرى على المذهب ا ه وفي الجواهر المعول عليه في المذهب مجموع الاقتيات والادخار ا ه
    ولأصحابنا في الملح ثلاثة مذاهب فمنهم من علله بالاقتيات وصلاح القوت فألحقوا به التوابل وقيل بالأكل والادخار وقيل بكونه إداما فلا يلحق به الفلفل ونحوه وليس في المذهب الاقتصار على مطلق الإصلاح حتى يرد إلزام الشافعية عليه جريان الربا في الأحطاب والنيران لأنهما مما يصلح الأقوات
    وأما إلزامهم لنا جريان الربا في الأقاوية فنحن نلتزمه نعم من الأصحاب من علل البر بالقوت غالبا والشعير بالقوت عند الضرورة والتمر بالتفكه غالبا والملح بإصلاح القوت فيحصل في المذهب قولان هل العلة في الجميع واحدة أو متعددة واختلف الأصحاب أيضا هل اتحاد الجنس جزء علة للتوقف عليه أو شرط في اعتبار العلة لعروه عن المناسبة وهو الصحيح وزاد حفيد بن رشد في بدايته على الخمسة التي لمالك وأصحابه مذهبان حيث قال وقد قيل إن سبب منع التفاضل الصنف الواحد المدخر وإن لم يكن
    ____________________
    (3/416)
    لقيل المراد قوت الرفاهية فذكر الشعير لينبه به على قوت الشدة وذكر التمر لينبه به على المقتات من الحلاوات كالزيت والعسل والسكر وذكر الملح لينبه به على مصلح الأقوات واشتركت كلها في الاقتيات والادخار والطعم وهي صفات شرف يناسب أن لا يبدل الكثير من موصوفها بالقليل منه صونا للشريف عن الغبن فيذهب الزائد هدرا ولأن الشرف يقتضي كثرة الشروط وتمييزه عن الخسيس كتمييز النكاح عن ملك اليمين بالشروط كالولي والشهود والصداق والإعلان وكذلك الملوك لا تكثر الحراس إلا على الخزائن النفيسة فكلما عظم شرف الشيء عظم خطره عقلا وشرعا وعادة وجاز التفاضل في الجنسين وإهدار الزائد لمكان الحاجة في تحصيل المفقود وامتنع النساء إظهارا لشرف الطعام فيكون للطعام مزية على غيره وللمقتات منه شرف على غير المقتات لعظم مصلحته في نوع الإنسان وغيره من الحيوان وهو سبب بقاء الأبنية الشريفة لطاعة الله مع طول الأزمان فناسب جميع ذلك الصون عن الضياع بأن لا يبدل كثيرها تقليلها فيضيع الزائد أيضا من غير عوض
    وهذا أيضا سبب تحريم الربا في النقدين لأنهما رءوس الأموال وقيم المتلفات وقيم المتلفات شرفا بذلك عن بذل الكثير
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    مقتاتا ومن شرط الادخار عندهم أي المالكية أن يكون في الأكثر وقال بعض أصحابه الربا في الصنف المدخر وإن كان نادر الادخار ا ه
    وهذه المذاهب عند المالكية في سبب منه التفاضل في الأربعة غير الذهب والفضة وأما العلة عندهم في منع التفاضل في الذهب والفضة فهو الصنف الواحد أيضا مع كونهما رءوسا للأثمان وقيما للمتلفات كما في بداية المجتهد لحفيد ابن رشد قال وهذه العلة هي التي تعرف عندهم بالقاصرة لأنها ليست موجودة عندهم في غير الذهب والفضة قال ووافق الشافعي مالكا في علة منع التفاضل في الذهب والفضة أعني أن كونهما رءوسا للأثمان وقيما للمتلفات إذا اتفق الصنف
    وأما الحنفية فعلة منع التفاضل عندهم في هذه الستة واحدة وهو الكيل أو الوزن مع اتفاق الصنف ا ه المحتاج منه بلفظه
    وأما مفهوم علة منع النساء التي لا تجوز فيها النسيئة قسمان ما لا يجوز فيها التفاضل وقد تقدم ذكرها وما يجوز فيها التفاضل فأما الأشياء التي لا يجوز فيها التفاضل فعلة امتناع النسيئة فيها هو الطعم والادخار عند مالك والطعم فقط عند الشافعي ومطعومات الكيل والوزن عند أبي حنيفة فإذا اقترن بالطعم اتفاق الصنف حرم التفاضل عند الشافعي وإذا اقترن وصف ثالث وهو الادخار حرم التفاضل عند مالك وإذا اختلف الصنف جاز التفاضل وحرمت النسيئة
    وأما الأشياء التي يجوز التفاضل فيها فهي عند مالك صنفان مطعومة وغير مطعومة فأما المطعومة فلا يجوز عنده النساء فيها وعلة المنع الطعم
    وأما غير المطعومة فالمشهور عنه أن ما اتفقت منافعه منها لا يجوز فيه مع التفاضل النساء فلا يجوز عنده شاة واحدة بشاتين إلى أجل
    ____________________
    (3/417)
    في القليل فيضيع الزائد فشدد فيهما فشرط التساوي والحضور والتناجز في القبض وتعليل أبي حنيفة بالكيل طردي فيقدم عليه المناسب وتعليل الشافعي بالطعم داخل فيما ذكرناه فهو مهمل لبعض المناسب بخلافنا بل أهمل أفضل الأوصاف وهو الاقتيات ولم يعتبره إلا مالكا رضي الله عنه وهذه القاعدة تعرف بتخريج المناط وهي أن الحكم إذا ورد مقرونا بأوصاف فإن كانت كلها مناسبة كان الجميع علة أو بعضها كان علة واحدة فأسعد الناس أرجحهم تخريجا وعلة مالك أرجح لسبعة أوجه أحدها أنها صفة ثابتة والكيل عارض وأنها صفة مختصة والكيل وغيره غير مختص وأنها المقصودة عادة من هذه الأعيان وغيرها ليس كذلك وأنها جامعة للأوصاف المناسبة كلها وأنها سابقة على الحكم والكيل لاحق مخلص من الربا كالقبض لأنه علته وأنها جامعة للقليل والكثير كما في النقدين والكيل يمتنع في التمرة والتمرتين ونحوهما وأنها تختص بحالة الربا دون حالة كون الحبوب حشيشا ابتداء ورمادا انتهاء والكيل غير مختص
    تنبيه القياس في الربويات اختلف فيه هل هو قياس شبه أو قياس علة فقياس العلة
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    وما اختلفت منافعه منها يجوز فيه مع التفاضل النساء فيجوز عنده شاة حلوبة بشاتين أكولة مثلا إلى أجل وقيل إنه يعتبر اتفاق المنافع دون التفاضل فعلى هذا لا يجور عنده شاة حلوبة بشاة حلوبة إلى أجل فإن اختلفت المنافع فالتفاضل والنسيئة عنده جائزان وإن كان الصنف واحدا وقيل يعتبر اتفاق الأسماء مع اتفاق المنافع والأشهر أن لا يعتبر أي اتفاق الأسماء مطلقا وقد قيل يعتبر أي اتفاق الأسماء مطلقا
    وأما أبو حنيفة فالمعتبر عنده في منع النساء فيما عدا التي لا يجوز عنده فيها التفاضل هو اتفاق الصنف اتفقت المنافع أو اختلفت فلا يجوز عنده شاة بشاة ولا بشاتين نسيئة وإن اختلفت منافعها وأما الشافعي فكل ما يجوز التفاضل عنده في الصنف الواحد يجوز فيه النساء فيجيز شاة بشاتين نسيئة ونقدا وكذلك شاة بشاة وسبب اختلافهم تعارض حديث عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يأخذ في قلائص الصدقة البعير بالبعيرين إلى الصدقة مع حديث الحسن عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان بالحيوان فكان الشافعي ذهب مذهب الترجيح لحديث عمرو بن العاص قال أصحابه
    وفيه التفاضل في الجنس الواحد مع النساء والحنفية لحديث سمرة مع التأويل له لأن ظاهره يقتضي أن لا يجوز الحيوان بالحيوان نسيئة اتفق أو اختلف بل قد قيل عن الكوفيين الأخذ بظاهر حديث سمرة وكان مالكا ذهب مذهب الجمع فحمل حديث سمرة على اتفاق الأغراض وحديث عمرو بن العاص على اختلافها وسماع الحسن من سمرة مختلف فيه ولكن صححه الترمذي ويشهد لمالك ما
    رواه الترمذي عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحيوان اثنان واحد لا يصلح لنساء ولا بأس به يدا بيد
    وقال ابن المنذر ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى عبدا بعبدين أسودين واشترى جارية بسبعة أرؤس وعلى هذا الحديث يكون بيع الحيوان بالحيوان يشبه أن يكون أصلا بنفسه لا من قبل سد ذريعة واختلفوا فيما لا يجوز بيعه نساء هل من شرطه التقابض في المجلس قبل
    ____________________
    (3/418)
    يكون الجامع فيه وصفا مناسبا كالإسكار بين الخمر والنبيذ فإن فساد العقل مناسب للتحريم لعظم المفسدة فيه وقياس الشبه أما في شبه الحكم كقياس الوضوء على التيمم في وجوب النية لأنهما طهارتان والطهارة حكم شرعي أو الشبه في الصورة كقياس الخل على الدهن في منع إزالة النجاسة به أو في المقاصد كقياس الأرز على البر بجامع اتحادهما في المقصود منهما عادة وإن لم نطلع على أن ذلك المقصد يناسب منع الربا فإن ضابط المناسب ما يتوقع من ترتيب الحكم عليه حصول مصلحة أو درء مفسدة كترتيب تحريم الخمر على الإسكار لدرء مفسدة ذهاب العقل وإيجاب القصاص لتحصيل مصلحة حفظ النفس فهل المناسبة حاصلة من كون هذه الأعيان شريفة بالقوت أو رءوس الأموال وقيم المتلفات فناسب أن لا يبدل واحد منها باثنين
    ويناسب أيضا تكثير الشروط كما تقدم بيانه أو يقال هذا شبه والأظهر أنه من باب قياس العلة لا من باب قياس الشبه تنبيه قال ابن رشد في كتاب القواعد الذين قصروا الربا على الستة إما منكرو القياس وهم الظاهرية أو منكرو قياس الشبه خاصة وأن القياس في هذا الباب شبه فلم يقولوا
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الافتراق في سائر الربويات بعد اتفاقهم في اشتراط ذلك في المصارفة لقوله عليه الصلاة والسلام لا تبيعوا منها غائبا بناجز فمن شرط فيها التقابض في المجلس شبهها بالصرف ومن لم يشترط ذلك قال إن القبض قبل التفرق ليس شرطا في البيوع إلا ما قام الدليل عليه ولما قام الدليل على الصرف فقط بقيت سائر الربويات على الأصل ا ه
    بتلخيص وإصلاح قال
    وأما ما يجوز فيه التفاضل والنساء فعند الشافعي ما لم يكن ربويا وعند مالك ما لم يكن ربويا ولا كان صنفا واحدا متماثلا عند أبي حنيفة ما كان صنفا واحدا بإطلاق فمالك يعتبر في الصنف المؤثر في التفاضل في الربويات وفي النساء في غير الربويات اتفاق المنافع واختلافها فإذا اختلف جعلها صنفين وإن كان الاسم واحدا وأبو حنيفة يعتبر الاسم وكذلك الشافعي وإن كان الشافعي ليس الصنف عنده مؤثرا إلا في الربويات فقط أعني أنه يمنع التفاضل فيه وليس هو عنده علة النساء أصلا ا ه
    المحتاج منه وفي كشاف القناع على الإقناع للشيخ منصور بن إدريس الحنبلي ما حاصله مع المتن إن ربا النساء يحرم بين كل شيئين من جنس أو جنسين بشرطين أحدهما أن يكون أحدهما نقدا ذهبا أو فضة وثانيهما أن تتحد علة ربا الفضل وهو الكيل والوزن فيهما كمكيل بمكيل من جنسه أو غيره بأن باع مد بر بجنسه أي ببر أو بشعير ونحوه وموزون بموزون بأن باع رطل حديد بجنسه أي بحديد أو بنحاس ونحوه فيشترط لصحة البيع في ذلك الحلول والقبض في المجلس لما ذكر ثم إن اتحد الجنس اعتبر التماثل
    ____________________
    (3/419)
    به وهو القاضي أبو بكر الباقلاني فلا جرم لم يلحق بما ذكر في الحديث إلا الزبيب فقط لأنه من باب لا فارق وهو قياس المعنى وهو غير قياس الشبه وقياس العلة لأنه مثل إلحاق الذكور بالإناث من الرقيق في تشطير الحدود
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    وإلا جاز التفاضل ويجوز النساء بين كل شيئين أحدهما نقدا واختلف علة ربا الفضل فيهما ولا يبطل العقد بتأخير القبض فيجوز النساء في صرف فلوس نافقة بنقد كما اختاره الشيخ وغيره كابن عقيل وذكره الشيخ رواية قال في الرعاية إن قلنا هي عرض جاز وإلا فلا خلافا لما في التنقيح من أنه يشترط الحلول والتقابض في صرف نقد بفلوس نافقة والذي قاله في التنقيح قدمه في المبدع
    وذكر في الإنصاف أنه الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب ونص عليه في المحرر والفروع والرعايتين والحاويين والفائق ا ه
    وجزم به في المنتهى ويجوز النساء أيضا في بيع مكيل بموزون وفي بيع ما ليس بمكيل ولا موزون كثياب وحيوان وغيرهما سواء بيع بجنسه أو بغير جنسه متساويا أو متفاضلا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمر أن يأخذ على قلائص الصدقة فكان يأخذ البعير بالبعيرين أي إلى إبل الصدقة
    رواه أحمد والدارقطني وصححه وإذا جاز في الجنس الواحد ففي الجنسين أولى ا ه
    هذا والخلاف المذكور في مفهوم علة منع التفاضل والنساء في الستة المنصوص عليها قال الأصل مبني على قاعدة تخريج المناط وهي أن الحكم إذا ورد مقرونا بأوصاف كما في حديث الصحيحين فإن كانت كلها مناسبة كان الجميع علة أو بعضها كان المناسب علة واحدة فأسعد الناس أرجحهم تخريجا وعلة مالك أرجح لسبعة أوجه أحدها أنها صفة ثابتة والكيل عارضها وثانيها أنها صفة مختصة بالكيل وغيره غير مختص وثالثها أنها المقصودة عادة من هذا الأعيان وغيرها ليس كذلك ورابعها أنها جامعة للأوصاف المناسبة كلها وخامسها أنها سابقة على الحكم والكيل لاحق مخلص من الربا كالقبض لا أنه علته وسادسها أنها جامعة للقليل والكثير كما في النقدين والكيل يمتنع في التمرة والتمرتين ونحوهما فمن هنا قال الحفيد والحنفية تعتبر في المكيل قدرا يتأتى فيه الكيل ا ه وسابعها أنها تختص بحالة الربا دون حالة كون الحبوب حشيشا ابتداء ورمادا انتهاء والكيل غير مختص فحجة مالك رحمه الله قائمة على الفرق كلها أما أولا فلأنه صلى الله عليه وسلم جعل التحريم أصلا في الحديث إلا ما استثناه من المماثلة وليس المراد المماثلة في الجنس لاختلاف صفاته ولا في الزكوية لعدم تحققها في الملح فتعين المقدار ولما كان معقول المعنى في الربا إنما هو أن لا يغبن بعض الناس بعضا وأن تحفظ أموالهم كان الواجب أن يكون ذلك في أصول المعايش وهي الأقوات وأما ثانيا فلأنه صلى الله عليه وسلم اختص النقدين لشرفهما بأنهما رءوس الأموال وقيم المتلفات المناسب لأن لا يبذل الكثير في القليل فيضيع الزائد فشدد فيهما فشرط التساوي والحضور والتناجز في القبض واختص تلك الأصناف الأربعة أي البر والشعير والتمر والملح وهي أقواتهم بالحجاز لاشتراكهما كلها في الاقتيات والادخار والطعم وهي صفات شرف تناسب أن لا يبذل الكثير من موصوفها بالقليل
    ____________________
    (3/420)
    لأن قوله تعالى فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب لم يتناول الذكور فألحقوا بهن لعدم الفارق خاصة لا لحصول الجامع وكذلك ألحق بالعبد الأمة في التقويم في العتق لقوله صلى الله عليه وسلم من أعتق شركا له في عبد فلحق به الأمة لأنه لا فارق بينهما
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    وأما ثالثا فلأنه صلى الله عليه وسلم لما لم يكتف بالتثنية على الطعم وحده بالنص على واحد من تلك الأصناف الأربعة المذكورة
    بل ذكر تلك الأصناف كلها علم أنه قصد بكل واحد منها التنبيه على ما في معناه فنبه بالبر على قوت الرفاهية وبالشعير على قوت الشدة من أصناف الحبوب المدخرة وبالتمر على المقتات من الحلاوات المدخرة كالزبيب والعسل والسكر وبالملح على مصالح الأقوات من جميع التوابل المدخرة لإصلاح الطعام وأنه قصد ما يجمعها من الاقتيات والادخار لا الطعم وحده فلذا زاد مالك على الطعم صفة واحدة وهو الادخار كما في الموطإ أو صنفين وهما الادخار والاقتيات كما في غيره واختاره جميع البغداديين وأما رابعها فلأن الشرف لما كان يقتضي كثرة الشروط وتمييزه على الخسيس ألا ترى تمييز النكاح عن ملك اليمين بالشروط كالولي والشهود والصداق والإعلان وإن الملوك لا تكثر الحراس إلا على الخزائن النفيسة فكلما عظم شرف الشيء عظم خطره عقلا وشرعا وعادة وكان للطعام مزية على غيره وللمقتات منه شرف على غير المقتات لعظم مصلحته في نوع الإنسان وغيره من الحيوان إذ هو سبب بقاء الأبنية الشريفة لطاعة الله تعالى مع طول الأزمان ناسب ذلك للصون عن الضياع بأن لا يبذل الكثير بالقليل فيضيع الزائد من غير عوض وإنما جاز التفاضل في الجنسين وإهدار الزائد لمكان الحاجة في تحصيل المفقود وامتنع النساء إظهارا لشرف الطعام وأما خامسها فلأن التعليل بالكيل وإن كان طرديا إلا أنه يقدم عليه المناسب نعم قال الحفيد في البداية إذا تؤمل الأمر من طريق المعنى ظهر والله أعلم أن علة الحنفية أولى العلل وذلك أنه يظهر من الشرع أن المقصود بتحريم الربا إنما هو لمكان الغبن الكثير الذي فيه وأن العدل في المعاملات إنما هو مقاربة التساوي ولذلك لما عسر إدراك التساوي في الأشياء المختلفة الذوات جعل الدينار والدرهم لتقويمها أعني تقديرها ولما كانت الأشياء المختلفة الذوات أعني غير الموزونة والمكيلة العدل فيها إنما هو في وجود النسبة أعني أن تكون نسبة قيمة أحد الشيئين إلى جنسه نسبة قيمة الشيء الآخر إلى جنسه مثال ذلك أن العدل فيما إذا باع إنسان فرسا بثياب هو أن تكون نسبة قيمة ذلك الفرس إلى الأفراس هي نسبة قيمة ذلك الثوب إلى الثياب فإن كان ذلك الفرس قيمته خمسون فيجب أن تكون تلك الثياب قيمتها خمسون فليكن مثلا الذي يساوي هذا القدر عددها وهو عشرة أثواب فحينئذ اختلاف المبيعات بعضها ببعض في العدد واجب في المعاملة العدلة أعني أن يكون عديل فرس عشرة أثواب في المثل والأشياء المكيلة والموزونة لما كانت لا تختلف كل الاختلاف وكانت منافعها متقاربة ولم تكن حاجة ضرورية لمن كان عنده منها صنف أن يستبدله بذلك الصنف بعينه إلا على جهة السرف كان العدل في هذه الأشياء يوجب أن لا يقع فيها تعامل لكون منافعها غير مختلفة والتعامل إنما يضطر إليه في المنافع المختلفة فحينئذ منع التفاضل في هذه الأشياء أعني المكيلة والموزونة له علتان إحداهما وجود العدل فيها والثانية منع المعاملة إذ كانت المعاملة بها من باب السرف
    وأما الدينار والدرهم فعلة المنع فيها أظهر إذا كانت هذه ليس المقصود منها الربح وإنما
    ____________________
    (3/421)
    فهذا نوع آخر غير قياس الشبه وقياس المعنى لم يجزه القاضي أبو بكر إلا بين التمر والزبيب دون بقية الستة فهذا تلخيص الفرق بين قاعدة ما فيه الربا وقاعدة ما لا ربا فيه وحكاية المذاهب في ذلك ومداركها ليحصل الاطلاع على جميع ذلك
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    المقصود بها تقدير الأشياء التي لها منافع ضرورية وروى مالك عن سعيد بن المسيب أنه كان يعتبر في علة الربا في هذه الأصناف الكيل والطعم وهو معنى جيد لكون الطعم ضروريا في أقوات الناس فإنه يشبه أن يكون حفظ العين وحفظ السرف فيما هو قوت أهم منه فيما ليس هو قوتا ا ه
    لكن لا يخفاك أن الكيل ليس بصفة ثابتة بل عارض وليس بصفة مختصة بل غير مختص وليس بصفة مقصودة عادة من هذه الأعيان وليس بصفة جامعة للأوصاف المناسبة كلها بل ليس هو بصفة سابقة على الحكم وإنما هو لاحق ملخص من الربا كالقبض فلا يصلح أن يكون علته على أنه يمتنع في القليل كالتمرة والتمرتين ونحوهما بخلاف علة مالك كما تقدم نعم لو صحت الأحاديث التي ربما احتج بها الأحناف لأن فيها وإن لم يكن مشهورة تنبيها قويا على اعتبار الكيل أو الوزن منها أنهم رووا في بعض الأحاديث المتضمنة المسميات المنصوص عليها في حديث عبادة زيادة وهي كذلك ما يكال ويوزن وفي بعضها
    وكذلك المكيال والميزان لكان نصا في ذلك وبالجملة فالمذاهب اثنا عشر عشرة منها في علة الربا ومذهبان لا تعليل فيهما وهما قصر منع ربا الفضل والنساء على المنصوص عليه وقصر منع الربا على النساء وإباحة التفاضل مطلقا والله أعلم الجهة الثانية جهة كون المعنى العام المفهوم من هذه الأصناف التي وقع التنبيه بها عليها ليتأدى به إلحاق غير هذه الأصناف بها في منع التفاضل والنساء هل يؤدي إلى قياس الشبه أو قياس العلة قال الحفيد في البداية جميع من الحق المسكوت هاهنا بالمنطوق به إنما ألحقه بقياس الشبه لا بقياس العلة إلا ما حكي عن ابن الماجشون أنه اعتبر في ذلك المالية وقال علة منع الربا إنما هي حياطة الأموال يريد منع العين قال ولكل واحد من القائسين دليل في استنباط الشبه الذي اعتبره في إلحاق المسكوت عنه بالمنطوق به من هذه الأربعة يعني ما عدا النقدين أما الشافعية فإنهم قالوا في تثبيت علتهم الشبهية أن الحكم إذا علق باسم مشتق دل على أن ذلك المعنى الذي اشتق منه الاسم هو علة الحكم وقد جاء من حديث سعيد بن عبد الله أنه قال كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الطعام بالطعام مثلا بمثل فمن البين أن الطعم هو الذي علق به الحكم وأما المالكية فزادوا على الطعم إما صفة واحدة وهو الادخار على ما في الموطإ وإما صفتين وهو الادخار والاقتيات على ما اختاره البغداديين وتمسكوا في استنباط هذه العلة أولا بأنه لو كان المقصود الطعم وحده لاكتفى بالتنبيه على ذلك بالنص على واحد من تلك الأربعة الأصناف المذكورة لكنه لم يكتف بواحد منها بل ذكرها كلها لينبه بالبر والشعير على أصناف الحبوب المدخرة وبالتمر على جميع أنواع الحلاوات المدخرة وبالملح على جميع التوابل المدخرة لإصلاح الطعام وثانيا بأن معقول المعنى في الربا لما كان إنما هو أن لا يغبن بعض الناس بعضا وأن تحفظ أموالهم كان الواجب أن يكون ذلك في أصول المعايش وهي الأقوات وأما الحنفية فعمدتهم في اعتبار المكيل والموزون أنه صلى الله عليه وسلم لما علق التحليل باتفاق الصنف واتفاق القدر وعلق التحريم باتفاق الصنف واختلاف الصنف في قوله صلى الله عليه وسلم لعامله بخيبر من حديث أبي سعيد وغيره إلا
    ____________________
    (3/422)
    الفرق الحادي والتسعون والمائة بين قاعدة اتحاد الجنس وتعدده في باب ربا الفضل فإنه يجوز مع تعدده
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    كيلا بكيل يدا بيد رأوا أن التقدير أعني الكيل أو الوزن هو المؤثر في الحكم كتأثير الصنف ا ه
    المحتاج منه ملخصا
    وقال الأصل والأظهر أنه من باب قياس العلة لا من باب قياس الشبه وذلك أن قياس الشبه إما في الحكم كقياس الوضوء على وجوب في التيمم النية لأنهما طهارتان والطهارة حكم شرعي
    وأما في الصورة كقياس الخل على الدهن في منع إزالة النجاسة به أو في المقاصد كقياس الأرز على البر بجامع اتحادهما في المقصود منهما عادة وإن لم نطلع على أن ذلك المقصد يناسب منع الربا وقياس العلة لا يكون الجامع فيه إلا وصفا مناسبا وضابط المناسب ما يتوقع من ترتيب الحكم عليه حصول مصلحة أو درء مفسدة كترتيب تحريم الخمر على الإسكار لدرء مفسدة ذهاب العقل وكإيجاب القصاص لتحصيل مصلحة حفظ النفس أي المناسبة الحاصلة هنا من كون الأعيان شريفة بالقوت أو رءوس الأموال وقيم المتلفات كما تقدم هي أظهر في أن يتوقع من ترتيب منع الربا عليها حصول مصلحة صون الشريف عن الغبن بذهاب الزائد هدرا وتمييزه عن الخسيس بكثرة الشروط من أن يقال هذا شبه في مقصد لم نطلع أنه يناسب منع الربا فافهم هذا توضيح خلاف من ذهب إلى أن النهي المتعلق بأعيان هذه الستة المنصوص عليها من باب الخاص أريد به العام
    وأما من ذهب إلى أن النهي المتعلق بها من باب الخاص أريد به الخاص وقصروا الربا على الستة فقال ابن رشد في كتاب القواعد هم إما منكرو القياس أي استنباط العلل من الألفاظ وهم الظاهرية أو منكرو قياس الشبه خاصة وإن القياس في هذا الباب شبه فلم يقولوا به وهو القاضي أبو بكر الباقلاني فلا جرم لم يلحق بما ذكر في الحديث إلا الزبيب فقط لأنه من باب قياس لا فارق وهو قياس المعنى وهو نوع آخر غير قياسي الشبه والعلة لأنه مثل إلحاق الذكور بالإناث من الرقيق في تشطير لأن قوله تعالى فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب لم يتناول الذكور فألحقوا بهن لعدم الفارق خاصة لا لحصول الجامع وكذلك ألحق بالعبد الأمة في التقويم في العتق لقوله صلى الله عليه وسلم من أعتق شركا له في عبد إلخ لأنه لا فارق بينهما ولم يجر القاضي أبو بكر الباقلاني قياس المعنى إلا بين التمر والزبيب دون بقية الستة هذا خلاصة ما في الأصل من الفرق بين قاعدة ما فيه الربا وقاعدة ما لا ربا فيه وحكاية المذاهب في ذلك ومداركها وسلمه ابن الشاط مع زيادة من البداية وغيرها ليحصل الاطلاع على جميع ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم
    الفرق الحادي والتسعون والمائة بين قاعدة اتحاد الجنس وقاعدة تعدده في باب ربا الفضل فإنه يجوز مع تعدده وهو مبني على قاعدتين القاعدة الأولى أن مقصود الشارع من الدنيا أن تكون مزرعة الآخرة ومطية السعادة الأبدية وأما ما عداه فمعزول عن مقصد الشارع في الشرائع فلا يعتبر في نظر الشرع من الربويات إلا ما هو عماد
    ____________________
    (3/423)
    اعلم أن الله تعالى جعل الدنيا مزرعة للآخرة ومطية للسعادة الأبدية فهذا هو المقصود منها وما عداه فمعزول عن مقصد الشارع في الشرائع فلذلك يعتبر في نظر الشرع من الربويات ما هو عماد الأقوات وحافظ قانون الحياة ومقيم بنية الأشباح التي هي مراكب
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    الأقوات وحافظ قانون الحياة ومقيم بنية الأشباح التي هي مراكب الأرواح إلى دار القرار ويلغى في نظره تفاوت الجودة والرداءة لأنه داعية السرف ولا يقصد إلا للترف فلو رتب الشرع عليه أحكامه لكان ذلك دليل اعتباره ومنبها على رفعة قدره ومناره وهو خلاف الوضع الشرعي والقانون الحكمي ففروع باب اتحاد الأجناس واختلافها وإن كثرت وانتشرت كلها راجعة إلى هذه القاعدة وعليها بنى تلك الفروع العلماء رضي الله عنهم فمن تلك الفروع أن السلت والشعير عند مالك جنس واحد لأنهما وإن اختلفا جودة ورداءة إلا أنهما اتفقا في المنافع والمتفقة المنافع لا يجوز التفاضل فيها باتفاق ومنها أن قوما ذهبوا إلى أن القمح والشعير جنس واحد وبه قال مالك والأوزاعي وحكاه مالك في الموطإ عن سعيد بن المسيب وعمدة مالك في ذلك أنه عمل سلفة بالمدينة وعمدة أصحابه فيه أولا قوله صلى الله عليه وسلم الطعام مثلا بمثل والطعام يتناول البر والشعير وثانيا أنهم عددوا كثيرا من اتفاقهما في المنافع والمتفقة المنافع لا يجوز التفاضل فيها باتفاق وذهب قوم إلى أنهما صنفان وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل وعمدتهم أولا قوله صلى الله عليه وسلم لا تبيعوا البر بالبر والشعير بالشعير إلا مثلا بمثل فجعلهما صنفين لا سيما وفي بعض طرق حديث عبادة بن الصامت وبيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم والبر بالشعير كيف شئتم والملح بالتمر كيف شئتم يدا بيد ذكره عبد الرزاق ووكيع عن الثوري وصحح هذه الزيادة الترمذي وثانيا قياسهما من حيث إنهما شيئان اختلفت أسماؤهما ومنافعهما على الفضة والذهب وسائر الأشياء المختلفة في الاسم والمنفعة فكما وجب كون الفضة والذهب ونحوهما بذلك صنفين كذلك وجب كون البر والشعير بذلك صنفين
    ومنها أن القطنية وهي العدس واللوبيا والحمص والفول والترمس والجلبان والبسلة عند مالك صنف واحد في الزكاة لأن الزكاة لا يعتبر فيها المجانسة القبلية وإنما يعتبر فيها تقارب المنفعة وإن اختلفت العين بخلاف البيع ألا ترى أن الذهب والفضة جنس واحد في الزكاة وهما جنسان في البيع وعنه في البيوع روايتان إحداهما قوله الثاني أنها صنف واحد والأخرى قوله الأول أنها أصناف وسبب الخلاف تعارض اتفاق المنافع فيها واختلاف أعيانها فمن غلب الاتفاق قال صنف واحد ومن غلب الاختلاف قال صنفان أو أصناف قال الحطاب والمشهور من مذهب مالك أنها أجناس متباينة يجوز الفضل بينهما وهو قول الإمام الأول واختاره ابن القاسم قال صاحب الطراز لاختلاف صورها وأسمائها الخاصة بها ومنافعها وعدم استحالة بعضها إلى بعض ولأن المرجع في اختلاف الأجناس إلى العرف وهي في العرف أجناس وقيل جنس واحد وهو قول الإمام الثاني في البيوع ومنها أن الأرز والدخن والذرة عند مالك صنف واحد كما في البداية ولكن المذهب أنها أجناس يجوز الفضل بينها ومنها أن التمر بأصنافه كلها جنس واحد بلا خلاف وكذلك الزيت بأصنافه كلها ومنها أن اللحوم على أحد قولي الشافعي كلها جنس واحد وقوله الآخر يوافق قول أبي حنيفة وأحمد بن حنبل أنها أنواع كثيرة يجوز التفاضل فيها إلا في النوع الواحد بعينه
    ____________________
    (3/424)
    الأرواح إلى دار القرار ويلغى تفاوت الجودة والرداءة لأنه داعية السرف ولا يقصد إلا للترف فلو رتب الشرع عليه أحكامه لكان ذلك دليل اعتباره ومنها على رفعة قدره ومناره وهو خلاف الوضع الشرعي والقانون الحكمي فلذلك تساوت الألوان من الأطعمة
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    وقال مالك اللحوم ثلاثة أصناف مختلفة يجوز التفاضل فيها ولا يجوز في الصنف الواحد منها فلحم ذوات الأربع صنف واحد ولحم ذوات الماء صنف واحد ولحم الطير كله صنف واحد فبيع الغنم لحم بالبقر متفاضلا يجيزه أبو حنيفة دون مالك والشافعي وبيع لحم الطير بلحم الغنم متفاضلا يجيزه مالك وأبو حنيفة دون الشافعي وعمدة الشافعي قوله عليه الصلاة والسلام الطعام بالطعام مثلا بمثل ولأنها إذا فارقتها الحياة زالت الصفات التي بها تختلف وتناولها اسم اللحم تناولا واحدا وذلك لأنها وإن كانت مختلفة الألوان إلا أنها متساوية في الجنسية لأن مهمها الإدام وعمدة المالكية أن هذه أجناس مختلفة فوجب أن يكون لحمها مختلفا والحنفية تعتبر الاختلاف الذي في الجنس الواحد من هذه وتقول إن الاختلاف الذي بين الأنواع التي في الحيوان أعني في الجنس الواحد منه كالطائر وهو وزان الاختلاف الذي بين التمر والبر والشعير ومنها أن الأخباز متساوية في الجنسية لأن مهمها الاغتذاء القاعدة الثانية قال أبو الطاهر الضعة إذا كثرت أو بعد الزمان صيرت الجنس الواحد جنسين وإن قلت وقرب الزمان لم تصيره على أصل المذهب وعلى هذا فالصناعة في الجنس إما بنار وإما بغير نار فإن كانت بنار فإما أن تنقص المقدار أو لا فإن لم تنقصه صيرت الجنس الواحد جنسين كقلي القمح والخبز وإن نقصته فإن كانت بإضافة شيء إليه صيرته جنسين كتخفيف اللحم بالأبزار والطبخ بالمرقة
    وإن كانت بغير إضافة شيء لم تصيره جنسين كشي اللحم وتجفيفه بلا إبراز وطبخه من غير مرقة ومنه تجفيف التمر والزبيب وإن كانت أي الصناعة بغير نار فإن طال الزمان فقولان المشهور تأثيرها كخل التمر وخل الزبيب وإن لم يطل الزمان فالمشهور عدم التأثير والشاذ التأثير كالنبيذ من التمر والزبيب والنظر في ذلك كله إلى الأغراض في التفاوت في المقاصد والتقارب فيها هذا ما في الأصل وسلمه ابن الشاط مع زيادة من البداية وغيرها وفي البداية للحفيد واختلفوا من هذا الباب فيما تدخله الصنعة مما أصله منع الربا فيه مثل الخبز بالخبز فقال أبو حنيفة لا بأس ببيع ذلك متفاضلا ومتماثلا لأنه خرج بالصنعة عن الجنس الذي فيه الربا
    وقال الشافعي لا يجوز متماثلا فضلا عن متفاضل لأنه قد غيرته الصنعة تغيرا جهلت به مقاديره التي تعتبر فيها المماثلة ومثله لأحمد بن حنبل ففي كشاف القناع على الإقناع مع المتن ولا يصح بيع حب بدقيقه ولا بسويقه لأن كل واحد منهما مكيل ويشترط في بيع المكيل بجنسه التساوي وهو متعذر هنا لأن أجزاء الحب تنتشر بالطحن والنار أخذت من السويق ا ه
    المحتاج منه فانظره
    وأما مالك فالأشهر في الخبز عنده أنه يجوز متماثلا وقد قيل فيه إنه يجوز فيه التفاضل والتساوي وسبب الخلاف خلافهم هل الصنعة تنقله من جنس الربويات وهو قول أبي حنيفة أو لا تنقله وهو قول مالك والشافعي وخلاف من قال بهذا هل تمكن المماثلة حينئذ فيه أو لا تمكن فكان مالك يجيز اعتبار المماثلة في الخبز واللحم بالتقدير والحرز فضلا عن الوزن أي بخلاف الشافعي
    ____________________
    (3/425)
    في الجنسية لأن مهمها الإدام وتساوت الأخباز لأن مهمها الاغتذاء وعلى هذه القاعدة بنى العلماء رضي الله عنهم اتحاد الأجناس واختلافهما وإن كثرت فروع هذا الباب وانتشرت فهي راجعة إلى هذه القاعدة ومنها قاعدة أخرى في الفرق قال أبو الطاهر
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    وأما إذا كان أحد الربويين لم تدخله صنعة والآخر قد دخلته الصنعة فإن مالكا يرى في كثير منها أن الصنعة تنقله من الجنس أعني من أن يكونا جنسا واحدا فيجيز فيها التفاضل وفي بعضها لا يرى ذلك وتفصيل مذهبه في ذلك عسير الانفصال فاللحم المشوي والمطبوخ عنده من جنس واحد والحنطة المقلوة عنده وغير المقلوة جنسان وقد رام أصحابه التفصيل في ذلك والظاهر عن مذهبه أنه ليس في ذلك قانون من قول حتى ينحصر فيه قوله فيها وقد رام حصرها الباجي في المنتقى وكذلك أيضا يعسر حصر المنافع التي توجب عنده الاتفاق في شيء من الأجناس التي يقع بها التعامل وتمييزها من التي لا توجب ذلك أعني في الحيوان والعروض والنبات وسبب العسر أن الإنسان إذا سئل عن أشياء متشابهة في أوقات مختلفة ولم يكن عنده قانون يعمل عليه في تمييزها إلا ما يعطيه بادي النظر في الحال جاوب فيها بجوابات مختلفة فإذا جاء من بعده أحد فرام أن يجري تلك الأجوبة على قانون واحد وأصل واحد عسر ذلك عليه وأنت تتبين ذلك من كتبهم ا ه
    المحتاج من البداية بزيادة
    والذي رامه الباجي في المنتقى من حصرها هو ما يفيده قوله الأصل في تبيين المنافع المقصودة التي يتبين بها معنى الجنس أن معنى الجنس عندنا في الباب أي باب البيع ما انفرد بالمنفعة المقصودة منه فإذا اختلف الشيئان في المنفعة المقصودة منهما كانا جنسين مختلفين وإن سميا باسم واحد وإذا اتفقا في المنفعة المقصودة وافترقا في الاسم فالذي يقتضيه قول ابن القاسم في البغال والحمير أنهما جنس واحد أن لا اعتبار باختلاف الأسماء والذي يقتضيه قول ابن حبيب أنهما أي البغال والحمير جنسان الاعتبار أيضا بالأسماء والدليل على صحة ذلك إننا إنما منعنا التفاضل في الجنس الواحد للزيادة في السلف وأجزناه في الجنسين لتعريه من ذلك فوجب أن تراعى المنفعة المقصودة من العين لأن من طلب الزيادة في السلف فإنما يطلبها مع استرجاع ما سلف وبقاء تلك المنفعة المقصودة فإذا استرجع ما فيه منفعة أخرى بغير منفعة العين التي سلف لم تحصل له الزيادة في السلف ولذلك جوزنا التفاضل بين التمر العربي والتمر الهندي أي المعروف الآن بالجمر وبين الجوز الهندي والذي ليس بهندي وفرع على هذا ثلاثة مطالب المطلب الأول إن اختلاف المنافع في الجنس يكون على ضربين أحدهما أن تختلف للصغر والكبر والثاني أن تختلف للتناهي في المنفعة المقصودة من ذلك الجنس وعدم التناهي فأما الصغر والكبر فإنه يختلف باختلاف جنس الحيوان لأنه إما أن يكون مما تصح فيه الحرية كبني آدم أو يكون مما لا تصح فيه الحرية فإن كان من الأول ففي الواضحة أن الرقيق صنف واحد ذكوره وإناثه صغاره وكباره عجمية وعربية قال الباجي والقياس عندي أن يكون صغيره جنسا مخالفا لكبيره لأن المنافع التي يتميز بها الجنس من التجارة والصنائع لا تصح من الصغير وإن كان من الثاني أي مما لا تصح فيه الحرية فلا يخلو إما أن يكون مما المقصود منه الأكل أو مما لا يقصد منه الأكل فإن كان مما لا يقصد منه الأكل كالخيل والبغال والحمير كان صغارها جنسا مخالفا لكبارها لأن المقصود من كبارها غير المقصود من
    ____________________
    (3/426)
    الصفة إذا كثرت أو بعد الزمان صيرت الجنس الواحد جنسين وإن قلت وقرب الزمان لم تصيره على أصل المذهب وإن كانت بنار وتنقص المقدار بغير إضافة شيء لم تصير جنسين كشي اللحم وتجفيفه وطبخه من غير مرقة ومنه تجفيف التمر والزبيب أو بإضافة
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    صغارها وإن كان مما يقصد منه الأكل كالإبل والبقر والغنم والطير كان على ثلاثة أقسام القسم الأول أن يكون فيه مع ذلك أي قصد الأكل عمل مقصود كالإبل والبقر وهذا لا خلاف في أن صغاره مخالف لكباره والقسم الثاني أن لا يكون فيه مع ذلك عمل مقصود ولا منفعة مقصودة وهذا لا خلاف في أن صغاره من جنس كباره كالحجل واليمام والقسم الثالث أن لا يكون فيه مع ذلك عمل مقصود ولكن يكون معه فيه منفعة مقصودة من لبس ونحوه كالغنم وفي هذا روى ابن المواز عن مالك روايتين إحداهما لا يختلف جنسها في الصغر والكبر لأن المقصود من هذا الحيوان الأكل ويستوي في ذلك صغاره وكباره والثانية يختلف جنسها بالصغر والكبر لأن المقصود من كبار الغنم الدر والنسل وهو منفعة مقصودة كالعمل في الإبل والبقر وكذلك الدجاج قال ابن القاسم كلها صنف ذكورها وإناثها وقال أصبغ لا يسلم في بعض إلا الدجاج ذات البيض فإنها صنف تسلم الدجاجة البيوض أو التي فيها بيض في الديكين المطلب الثاني السن الذي هو حد بين الصغر والكبر أن يبلغ حد الانتفاع بها المنفعة المقصودة منها وفيما تصح فيه الحرية كالرقيق إن فرقنا بين صغارهم وكبارهم أن يبلغ سن ما يطيق التكسب بعمله أو تجارته وذلك عند الباجي الخمسة عشر سنة ونحوها أو الاحتلام وفي الإبل روى ابن المواز عن مالك لا خير في ابنتي مخاض في حقة ولا حقة في جذعتين فيحتمل أنه منع ابنتي مخاض في حقة لأنهما من سن الصغر ومنع حقة في جذعتين على رواية من منع صغيرا في كبير فإن الجذع أول أسنان الكبير في الإبل ويحتمل أنه منع بنتي مخاض في حقة على رواية من منع صغيرين في كبير ومنع حقة في جذعتين لأنهما من سن الكبر فتكون الحقة في حيز الكبير لأن ذلك سن يستعمل في المنفعة المقصودة وهو الحمل وفي ذكور البقر أن يبلغ حد الحرث وفي إناثها على قول ابن القاسم مثل ذلك وعلى قول ابن حبيب أن يبلغ سن الوضع واللبن وذلك أن المنفعة المقصودة من البقر القوة على الحرث لأنه العمل الذي تتخذ له ولا خلاف في ذكورها
    وأما إناثها فحكى ابن حبيب أن المقصود منها كثرة اللبن والظاهر من مذهب ابن القاسم أن حكمها حكم الذكور والفرق بين إناث البقر وإناث الغنم أن إناث البقر لها منفعة لا تخص بذكورها بل توجد أيضا في إناثها وإناث الغنم ليس فيها شيء من ذلك فإذا قلنا برواية ابن حبيب جاز تسليم البقرة الكثيرة اللبن
    وإن كانت قوية على الحرث في الثور
    ____________________
    (3/427)
    شيء إليه صيرته جنسين كتخفيف اللحم بالأبزار والطبخ بالمرقة وإن كانت النار لا تنقص المقدار صيرته جنسين كقلي القمح والخبز وإن كانت الصناعة بغير نار وطال الزمان فقولان المشهور تأثيرها كخل التمر وخل الزبيب وإن لم يطل الزمان فالمشهور
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    وأما الغنم فمعز وضأن فالمعز من حيث إنها تختلف بكثرة اللبن لأنه المقصود منها إن فرقنا بين صغارها وكبارها حد الكبير أن يضع مثلها ويكون فيها اللبن ويجب على هذا أن يكون ذكورها من جنس صغارها لأنه ليس فيها غير اللحم إلا النزو ولا اعتبار به في اختلاف الجنس كالخيل والحمر والضأن فيها رواية يحيى عن ابن القاسم أن كثرة اللبن لا يكاد يتباين إلا في الماعز
    وأما الضأن فمتقاربة في اللبن وقول ابن القاسم في المدونة أن اللبن معتبر في الغنم من غير تفصيل ووجه ذلك أن هذا حيوان ذو لبن ولا يقصد به العمل فوجب أن يختلف جنسه بكثرة اللبن وقلته كالماعز فافهم وأما الطير فضربان ما يقصد منه البيض وما لا يقصد منه البيض ذكوره وإناثه وصغاره وكباره جنس واحد وما يقصد منه البيض كالدجاج اختلف أصحابنا فيه فروى عيسى عن ابن القاسم ليس مما يختلف فيه الجنس لوجهين الأول أن البيض في الدجاج ليس مما يقصد بالاقتناء له في الأغلب وإنما يقصد باللحم وذلك متساو في جميعها والثاني أن هذه ولادة والولادة لا يعتبر بها في الجنس قلت أو كثرت كسائر الحيوان وقال أصبغ يختلف به الجنس ووجه أن البيض معنى مقصود من هذا الجنس من الحيوان كاللبن في الغنم المطلب الثالث أن المنفعة المقصودة من العبد أن يكون قادرا على التكسب بمعنى يستفاد في التعليم لا يكون شائعا في الجنس كالتجارة والصناعة فالتجارة والصناعة كالجزارة والبناء والخياطة مع الفصاحة والحساب جنس مقصود كذلك والكتابة والقراءة إذا تقدمها نفاذ يمكنه التكسب بها وهكذا ما جرى هذا المجرى
    وليس كذلك الأعمال المعتادة التي يعملها أكثر الناس كالحرث والحصاد في الرجال والغزل في النساء فليس من يعملها بجنس يباين به من لا يعمل ذلك العمل لأنه لما كان هذا العمل معتادا يمكن أكثر هذا الجنس كان بمنزلة المشي وسائر أنواع التصرف المعتاد
    وأما الصناعة في الإماء فكالطبخ والخبز والرقم والنسج وكل نوع من ذلك مخالف للآخر إلا الطبخ والخبز فإنه صناعة واحدة وجنس واحد وأما الكتابة فروى محمد عن ابن القاسم ليست بجنس في الإماء وروى عيسى عنه أنها إن كانت فائقة فيها إنه جنس تبين به من غيرها وفي كونهما قولا واحدا بحملهما على أن المراد أن النفاذ في ذلك والتقدم حتى يمكن التكسب به جنس مقصود وإن الكتابة اليسيرة التي لا يمكن الاكتساب بها ليست بجنس مقصود أو قولين بحمل الأولى على أن المراد أنها ليست بجنس في الإماء مع النفاذ بخلاف العبيد والثانية على أن المراد أن حكم الإماء في الكتابة حكم العبيد وجهان وروى عيسى أن ابن القاسم أن الجمال ليس بجنس ووجه أنه معنى لا يتكسب به الإماء وروى محمد عن أصبغ أنه جنس مقصود وكان بعض فقهاء القرويين يحكي أن ابن وهب
    رواه ووجهه من أن الأثمان تختلف باختلافه وتتفاوت بتفاوته وليس الغزل ولا عمل الطيب بجنس لأن الغزل معتاد في
    ____________________
    (3/428)
    عدم التأثير والشاذ التأثير كالنبيذ من التمر والزبيب والنظر في ذلك كله إلى الأغراض في التفاوت في المقاصد والتقارب فيها
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    النساء شامل وعمل الطيب ليس مما يكاد أن تنفرد بالتكسب به بل ذلك شائع في جميع النساء وهذا معنى ما احتج به ابن المواز في هذه المسألة والمقصود من الخيل السبق والجودة لأنها بها تباين سائر الحيوان المتحد فإذا كان سابقا فائقا فليس من جنس ما ليس بسابق من الخيل والمقصود من الإبل القوة على الحمل فإن كان مما يباين غيرها في القوة على ذلك فهو من غير جنسه وليس السبق بمقصود فيها لأنها لا تراد للسبق وكذلك لا يسهم لها وإن جاز أن يكون منها ما يساق فإن ذلك ليس بمنفعة أفضل هذا الجنس وأغلبه ألا ترى أن من الخيل ما تكون فيه القوة على الحمل ولا يتخذ لذلك ولا يتميز به في الجنس عما ليس بقوي على الحمل لأن الحمل ليس بمقصود من أفضل هذا الجنس ولا أكثر
    وأما البغال والحمير فقال ابن القاسم إن البغال كلها مع الحمر المصرية جنس مخالف للأعرابية ولا يختلف بالسير والقيم وإنما تختلف بالصغر والكبر ووجهه أن المقصود منها الركوب للجمال وهي متقاربة فيه وقال ابن حبيب تختلف باختلاف السير لأن السير هو المقصود منها فيجب أن تختلف باختلافه قال فأبى ابن القاسم أن الأسماء بها فلما اتفقت في المعنى المقصود منها كانت جنسا واحدا وإن لم يشملها اسم واحد
    وهذا أشبه بمذهب مالك رحمه الله ووجه ما قاله ابن حبيب أن اختلاف الأسماء الخاصة يوجب اختلاف الجنس وإنما يراعى اختلاف المنافع واتفاقها في الجنس الواحد ولا خلاف في أن المقصود من ذكور البقر القوة على الحرث وهل هو كذلك في إناثها أو المقصود منها كثرة اللبن قولان لابن القاسم وابن حبيب والمقصود من المعز كثرة اللبن وفي كون الضأن كذلك أولا روايتا سحنون ويحيى عن ابن القاسم والمقصود من الطير اللحم فقط وفي كون البيض كالدجاج معنى مقصودا من هذا الجنس من الحيوان أولا قول أصبغ ورواية عيسى عن ابن القاسم ا ه
    ملخصا مع إصلاح
    ولا يخفاك أن ما بنى الأصل عليه الفرق بين قاعدة اتحاد الجنس وتعدده في باب ربا الفضل من القاعدتين المذكورتين مع ما ذكره الباجي في المنتقى هو القانون الذي ينحصر فيه أقوال مالك في الربويات وتنحصر فيه المنافع التي توجب عنده الاتفاق في شيء من الأجناس التي يقع بها التعامل كالحيوان والعروض والنبات ويحصل به تفصيل الأقوال وتميز تلك المنافع من التي لا توجب ذلك الاتفاق بدون أدنى عسر ويتحد الجواب في تمييزها فتأمل بإنصاف هذا والجنس الذي يمتنع في أنواعه التفاضل عند الإمام أحمد بن حنبل كما الإقناع وشرحه كشاف القناع للشيخ منصور بن إدريس الحنبلي هو ما له اسم خاص يشمل أنواعا أي الجنس هو الشامل لأشياء مختلفة بأنواعها والنوع هو الشامل لأشياء مختلفة بأشخاصها فكل نوعين اجتمعا في اسم خاص فهو جنس كذهب وأنواعه المغربي والدكروري وفضة وأنواعها الريال والبنادقة ونحوها وبر وأنواعه البحيري والصعيدي أي والبطراوي وشعير
    ____________________
    (3/429)
    الفرق الثاني والتسعون والمائة بين قاعدة ما يعد تماثلا شرعيا في الجنس الواحد وما لا يعد تماثلا الضابط في المماثلة في الحبوب الجافة ما اعتبره صاحب الشرع من كيل أو وزن كما جاء في الحديث البر بصيغة الكيل في البيع وفي الزكاة بالأوسق وصرح في النقدين
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    كذلك وتمر وأنواعه البرني والمعقلي والصيحاني وغيرها وملح وأنواعه المنزلاوي والدمياطي وكل شيئين فأكثر أصلهما واحد فهما جنس واحد وإن اختلفت مقاصدهما كدهن ورد ودهن بنفسج ودهن زنبق ودهن ياسمين ودهن بان إذا كانت كلها من دهن واحد كالشيرج فهي جنس واحد لاتحاد أصلها وإنما طيبت بهذه الرياحين فنسبت إليها فلم تصر أجناسا وقد يكون الجنس الواحد مشتملا على جنسين كالتمر يشتمل على النوى وما عليه وهما جنسان بعد النزع لأن كلا منهما اسم خاص يشمل أنواعا وكاللبن يشتمل على المخيض والزبد وهما جنسان لما تقدم فما دام التمر والنوى أو المخيض والزبد متصلين اتصال خلقة فهما جنس واحد لاتحاد الاسم وإذ ميز أحدهما عن الآخر صارا جنسين
    ولو خلطا يجوز التفاضل بينهما وفروع الأجناس أجناس كأدقة وأخباز وأدهان وخلول لأن الفرع يتبع أصله فلما كانت أصول هذه أجناسا كانت هذه أجناسا إلحاقا للفروع بأصولها فعلى هذا دقيق الحنطة جنس وخبزها جنس ودقيق الشعير جنس وخبزه جنس ودهن السمسم جنس ودهن الزيتون جنس وخل التمر جنس وخل العنب جنس وهكذا فعسل النحل وعسل القصب جنسان واللحوم أجناس باختلاف أصولها لأنها فروع أصولها وهي أجناس فكانت أجناسا كالأخباز وكذلك اللبن أجناسا باختلاف أصوله فضأن ومعز نوعا جنس لا يباع أحدهما بالآخر إلا مثلا بمثل يدا بيد وكذا البقر والجواميس والبخاتي والعراب وسمين ظهر وسمين جنب ولحم أحمر جنس واحد يتناوله اسم اللحم والشحم والألية والكبد والطحال بكسر الطاء والرئة والرءوس والأكارع والدماغ والكرش والمعي والقلب والجلود والأصواف والعظام ونحوها أجناس لأنها مختلفة في الاسم والخلقة فكانت أجناسا كبهيمة الأنعام فلا يحرم التفاضل بين أجناسها ولو شحما بلحم لأنهما جنسان كالنقدين ا ه
    المحتاج منه والله سبحانه وتعالى أعلم
    الفرق الثاني والتسعون والمائة بين قاعدة ما يعد تماثلا شرعيا في الجنس الواحد وقاعدة ما لا يعد تماثلا فيه وهو عندنا أن لفظ الشرع يحمل على عرفه فإن تعذر حكمت فيه العوائد كالأيمان والوصايا وغيرهما وتوضيحه أن ضابط تماثل الحبوب الجافة والنقد هو أن ما فيه معيار شرعي اعتبر فيه ما اعتبره صاحب الشرع من كيل أو وزن مثلا جاء في الحديث البر بصيغة الكيل في البيع وفي الزكاة بالأوسق وصرح في النقدين بالوزن لقوله عليه السلام ليس فيما دون خمس أواق من الفضة صدقة فيكون المعتبر في ذلك ما
    ____________________
    (3/430)
    بالوزن لقوله عليه السلام ليس فيما دون خمس أواق من الفضة صدقة وما ليس فيه معيار شرعي اعتبرت فيه العادة العامة هل يكال أو يوزن فإن اختلفت العوائد فعادة البلد فإن جرت العادة بالوجهين خير فيهما ووافقنا أبو حنيفة رضي الله عنه
    وقال الشافعي رضي الله عنه ما كان يكال أو يوزن بالحجاز اعتبر بتلك الحالة لقوله عليه السلام المكيال مكيال أهل المدينة والوزن وزن أهل مكة فذكر أحد البلدين تنبيها على الآخر ليرد البلاد إليهما وما تعذر كيله اعتبر فيه الوزن وإن أمكن الوجهان ألحق بمشابهه في الحجاز كجزاء الصيد فإن شابه أمرين نظر إلى الأغلب فإن استويا قيل يغلب الوزن لأنه أحصر وقيل يجوز الوجهان نظرا للتساوي وقيل يمتنع بيعه لتعذر الترجيح هذا مذهب الشافعي رضي الله عنه لنا أن لفظ الشرع يحمل على عرفه فإن تعذر حكمت فيه العوائد كالأيمان والوصايا وغيرها فهذا تلخيص الفرق وباعتباره يظهر بطلان قول من جوز بيع القمح بالدقيق وزنا فإن عادة القمح الكيل فاعتبار التماثل فيه بالوزن غير معتبر بل ذلك سبب الربا فإن القمح الرزين يقل كيله ويكثر وزنه والخفيف بالعكس وقس على هذه القاعدة بقية فروعها ولا تخرج عنها
    هامش أنوار البروق
    صفحة فارغة آليا
    هامش إدرار الشروق
    اعتبره وما ليس فيه معيار شرعي اعتبرت فيه العادة العامة هل يكال أو يوزن فإن اختلفت العوائد فعادة البلد فإن جرت العادة بالوجهين خير فيهما ووافقنا أبو حنيفة رضي الله عنه كما في الأصل قال وباعتبار هذا الفرق يظهر بطلان قول من جوز بيع القمح بالدقيق وزنا فإن عادة القمح الكيل فاعتبار التماثل فيه بالوزن غير معتبر بل ذلك سبب الربا فإن القمح الرزين يقل كيله ويكثر وزنه والخفيف بالعكس وقس على هذه القاعدة بقية فروعها ولا نخرج عنها ا ه
    وسلمه ابن الشاط وعليه فمعتمد مذهبنا يوافق قول أبي حنيفة بمنع بيع الدقيق بالحنطة مثلا بمثل من قبل أن أحدهما مكيل والآخر موزون ولا يظهر قول الحفيد في البداية الأشهر عن مالك جواز بيع الدقيق بالحنطة مثلا بمثل وهو قول مالك في موطئه وروي عنه أنه لا يجوز وهو قول الشافعي وأبي حنيفة أي وأحمد بن حنبل أيضا إلا أن الشافعي وأحمد يعللان بتعذر التماثل بخلاف أبي حنيفة كما تقدم وكذا هو قول ابن الماجشون من أصحاب مالك
    وقال بعض أصحاب مالك ليس هو اختلافا من قوله وإنما رواية المنع إذا كان اعتبار المثلية بالكيل لأن الطعام إذا صار دقيقا اختلف كيله ورواية الجواز إذا كان الاعتبار بالوزن لأن مالكا يعتبر الكيل أو الوزن والعدد فيما لا يكال ولا يوزن ا ه بزيادة فافهم
    وأما الفرق على مذهب الشافعي ففي الأصل ما كان يكال أو يوزن بالحجاز اعتبر بتلك الحالة لقوله عليه السلام المكيال مكيال أهل المدينة والوزن وزن أهل مكة فذكر أحد البلدين تنبيها على الآخر ليرد البلاد إليهما وما تعذر كيله اعتبر فيه الوزن وإن أمكن الوجهان ألحق بمشابهه في الحجاز كجزاء الصيد فإن شابه أمرين نظر إلى الأغلب فإن استويا قيل يغلب الوزن لأنه أحصر وقيل يجوز الوجهان نظرا للتساوي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دليلك إلى المواقع الإسلامية المنتقاة بأكثر من ( 42 ) لغة !!

دليلك إلى المواقع الإسلامية المنتقاة بأكثر من ( 42 ) لغة !! اللغة الرابط اللغة الأذرية http://www.islamhouse.com/s/9357 ...