ج5.
وج6.الفروق أو أنوار البروق في أنواء الفروق (مع الهوامش )
أبو العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي
القرافي
سنة الولادة بلا/ سنة الوفاة 684هـ
ليس بمناف للأمان والتأمين وهو عظيم
المفسدة فهو كالكبيرة بالنسبة إلى الإسلام كالحرابة والسرقة وإلى ما هو كالصغيرة
بالنسبة إلى الإسلام كسب المسلم وإظهار الترفع عليه فكما أن هذين القسمين لا
ينافيان الإسلام ولا يبطلان عصمة الدماء والأموال فكذلك لا يبطلان عقد الجزية لعدم
منافاتهما له من جهة الأمن والأمان المقصودين من عقد الجزية والقاعدة الشرعية
المشهورة في أبواب العقود الشرعية أنها لا تبطل عقدا من العقود إلا بما ينافي
مقصود ذلك العقد دون ما لا ينافي مقصوده وإن كان منهيا عن مقارنته معه فكذلك هنا ينبغي
أن لا يبطل عقد الجزية إلا بما تقدم ونحوه وانقسمت هذه الشروط على هذه الطريقة
التي هي طريقة الجمهور إلى ثلاثة أقسام منها ما اتفقوا على أنه موجب لمنافاة عقد
الذمة كالخروج على السلطان ونبذ العهد والقتل والقتال بمفردهم أو مع الأعداء ونحو
ذلك ومنها ما اتفقوا على أنه لا ينافيه كترك الزناد وركوب الخيل وترك ضيافة
المسلمين ونقش خواتمهم بالعربية ونحو ذلك مما تخف مفسدته والقسم الثالث اختلف فيه
هل يلحق بالقسم الأول فينتقض عقد الجزية أو بالقسم الثاني فلا ينتقض وها أنا أسرد
لك مسائل توضح لك هذه الأقسام قال الأصحاب إذا أظهروا معتقدهم في المسيح عليه
السلام أو غيره أدبناهم ولا ينقض به العهد وإنما ينقض بالقتال ومنع الجزية والتمرد
على الأحكام وإكراه المسلمة على الزنا فإن أسلم لم يقتل لأن قتله لنقض العهد وكذلك
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
القسم الأول ما اتفقوا على أنه موجب
لمنافاة عقد الذمة كالخروج على السلطان ونبذ العهد والقتل والقتال بمفردهم أو مع
الأعداء ونحو ذلك قال في المدونة فإن خرجوا نقضا للعهد والإمام عادل فهم فيء كما
فعل عمرو بن العاص بالإسكندرية لما عصت عليه بعد الفتح قال ابن القاسم إن كان
خروجهم وامتناعهم من الجزية الظلم من الإمام أو غيره ردوا إلى ذمتهم
وقال الداودي إن كان خروجهم من ظلم
فهو نقض لأنهم لم يعاهدوا على أن يظلموا من ظلمهم وروي عن عمر رضي الله تعالى عنه
أنه أخبر أن ذميا نخس بغلا عليه مسلمة فوقعت فانكشفت عورتها فأمر بصلبه في في ذلك
الموضع وقال إنما عاهدناهم على إعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون قال ابن القاسم إذا
حارب أهل الذمة وظفر بهم والإمام عدل قتلوا وتسبى نساؤهم ولا نتعرض لمن يظن أنه مغلوب
معهم كالشيخ الكبير والضعيف ولو ذهبوا لبلد الحرب وتركوا أولادهم نقضا للعهد لم
يسبوا بخلاف ما إذا ذهبوا بهم إلا أن يكون ذلك لظلم أصابهم إلا أن يعينوا علينا
المشركين فهم كالمحاربين وقال أيضا إذا حاربوا والإمام عدل استحل سبيهم وذراريهم
إلا من يظن به أنه مغلوب كالضعفاء ولم يستثن أصبغ رحمه الله أحدا وألحق الضعفاء
بالأقوياء في النقض كما اندرجوا معهم في النقد ولأنه صلى الله عليه وسلم سبى ذراري
قريظة ونساءهم بعد نقض العهد قال ابن القاسم إذا استولى العدو على مدينة للمسلمين
فيها ذمة فغزوا معهم ثم اعتذروا لنا بالقهر الذي لا يعلم إلا بقولهم فمن قتل منهم
مسلما قتل وإلا أطيل سجنه
____________________
(3/26)
التطلع على عورات المسلمين وأما قطع
الطريق والقتل الموجب للقصاص فحكمهم فيه حكم المسلمين وتعرضهم له صلى الله عليه
وسلم ولغيره من الأنبياء صلوات الله عليهم موجب للقتل إلا أن يسلموا وروي يوجع
أدبا ويشدد به
فإن رجع عن ذلك قبل منه قال اللخمي
إن زنى بالمسلمة طوعا لم ينتقض عهده عند مالك رضي الله عنه وانتقض عند ربيعة وابن
وهب
وإن غرها بأنه مسلم فتزوجها فهو نقض
عند ابن نافع وإن علمت به لم يكن نقضا وإن طاوعته الأمة لم يكن نقضا وإن اغتصبها
قال محمد ليس بنقض وقيل نقض
قال فإن عوهد على أنه متى أتى بشيء
من ذلك فهو نقض انتقض عهده بذلك قلت وهذه الفروع بعضها أقرب من بعض للقاعدة في
النقض فإكراه المرأة المسلمة على الزنا وجعله ناقضا دون الحرابة مشكل بل ينبغي أن
يلحق بالحرابة فلا ينتقض أو تلحق الحرابة به فينتقض بطريق الأولى لعموم مفسدة
الحرابة في النفوس والأبضاع والأموال وعدم اختصاص ذلك بواحد من الناس قال في
الكتاب فإن خرجوا نقضا للعهد والإمام عادل فهم فيء كما فعل عمرو بن العاص
بالإسكندرية لما عصت عليه بعد الفتح قال التونسي من أصحابنا لم يجعل مالك رحمه
الله القتل في الحرابة نقضا وهو يقول غصب المسلمة على الوطء نقض قال وهو مشكل إلا
أن يكون العهد اقتضاه قال ابن القاسم إن كان خروجهم وامتناعهم من الجزية لظلم من
الإمام أو غيره ردوا إلى
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
قال المازري رحمه الله وينتقض عهدهم
إذا صاروا عونا للحربيين علينا القسم الثاني ما اتفقوا على أنه لا ينافي عقد الذمة
كترك الزنا وركوب الخيل وترك ضيافة المسلمين ونقش خواتيمهم بالعربية ونحو ذلك مما
تخف مفسدته ففي الأصل عن الأصحاب إذا أظهروا معتقدهم في المسيح عليه السلام أو
غيره أدبناهم ولا ينقض به العهد وإن حكمهم في القتل الموجب للقصاص القسم الثالث ما
اختلفوا في كونه هل يلحق بالقسم الأول فينتقض به عقد الجزية أو بالقسم الثاني فلا ينتقض
به عقد الجزية كإكراه المسلمة على الزنا وقطع الطريق وتعرضهم له صلى الله عليه
وسلم ولغيره من الأنبياء صلوات الله عليهم ونحو ذلك مما عظمت مفسدته ففي الأصل عن
الأصحاب وإنما ينقض بالقتال ومنع الجزية والتمرد على الأحكام والتطلع على عورات
المسلمين وإكراه المسلمة على الزنا
وأما قطع الطريق فحكمهم فيه حكم
المسلمين وتعرضهم له صلى الله عليه وسلم ولغيره من الأنبياء صلوات الله عليهم موجب
للقتل إلا أن يسلموا وروي يوجع أدبا ويشد ذنبه فإن رجع عن ذلك قبل منه وقال اللخمي
إن زنى بالمسلمة طوعا لم ينتقض عهده عند مالك رضي الله عنه وانتقض عند ربيعة وابن
وهب وإن غرها بأنه مسلم فتزوجها فهو نقض عند ابن نافع وإن علمت به لم يكن نقضا وإن
طاوعته الأمة لم يكن نقضا وإن اغتصبها قال محمد ليس بنقض وقيل نقض قال فإن عوهد على
أنه متى أتى بشيء من ذلك فهو نقض انتقض عهده بذلك قال الأصل وهذه
____________________
(3/27)
ذمتهم
وقال محمد بن مسلمة حرابة الذمي نقض
للعهد ولا يؤخذ ولده لبقاء العهد في حقه بخلاف ماله إلا أن يكون من الحرابة وقال
الداودي إن كان خروجهم من ظلم فهو نقض لأنهم لم يعاهدوا على أن يظلموا من ظلمهم
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه أخبر أن ذميا نخس بغلا عليه مسلمة فوقعت فانكشفت
عورتها فأمر بصلبه في ذلك الموضع وقال إنما عاهدناهم على إعطاء الجزية عن يد وهم
صاغرون وروي عن عمر رضي الله عنه نقض العهد بغصب المسلمة قال ابن القاسم إذا حارب
أهل الذمة وظفر بهم والإمام عدل قتلوا وتسبى نساؤهم ولا تعرض لمن يظن أنه مغلوب معهم
كالشيخ الكبير والضعيف ولو ذهبوا لبلد الحرب وتركوا أولادهم نقضا للعهد لم يسبوا
بخلاف إذا ذهبوا بهم وإلا أن يكون ذلك لظلم أصابهم إلا أن يعينوا علينا المشركين
فهم كالمحاربين وقال أيضا إذا حاربوا والإمام عدل استحل سبيهم وذراريهم إلا من يظن
به أنه مغلوب كالضعفاء
ولم يستثن أصبغ رحمه الله أحدا وألحق
الضعفاء بالأقوياء في النقض كما أندرجوا معهم في العقد ولأنه صلى الله عليه وسلم
سبى ذراري قريظة ونساءهم بعد نقض العهد قال ابن القاسم إذا استولى العدو على مدينة
المسلمين فيها ذمة فغزوا معهم ثم اعتذروا لنا بالقهر الذي لا يعلم إلا بقولهم فمن
قتل منهم مسلما قتل وإلا أطيل سجنه قال المازري رحمه الله وينتقض عهدهم إذا صاروا
عينا للحربيين علينا فهذه المسائل توضح لك الأقسام الثلاثة في نقض العهد وما اختلف
في كونه ناقضا وما لم يختلف فيه وما هو قريب من النقض وما هو بعيد وتحرر لك بذلك
الفرق بين قاعدة ما يوجب النقض وقاعدة ما لا يوجب النقض فتعتبر ما يقع لك من غير
المنصوص بالمنصوص
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
الفروع بعضها أقرب من بعض للقاعدة في
النقض فإكراه المرأة المسلمة على الزنا وجعله ناقضا دون الحرابة مشكل بل ينبغي أن
يلحق بالحرابة فلا ينتقض أو تلحق الحرابة فيه فينتقض بطريق الأولى لعموم مفسدة
الحرابة في النفوس والأبضاع والأموال وعدم اختصاص ذلك بواحد من الناس
ا ه فإذا علمت هذه الأقسام الثلاثة
وتوضحت عندك مسائلها ظهر لك تحرير الفرق بين قاعدة ما يوجب النقض وقاعدة ما لا
يوجبه فتعتبر ما يقع لك من غير المنصوص بالمنصوص والله سبحانه وتعالى أعلم
____________________
(3/28)
الفرق التاسع عشر والمائة بين قاعدة
بر أهل الذمة وبين قاعدة التودد لهم اعلم أن الله تعالى منع من التودد لأهل الذمة
بقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم
بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق الآية فمنع الموالاة والتودد وقال في الآية
الأخرى لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن
تبروهم الآية وقال في حق الفريق الآخر إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين
الآية
وقال صلى الله عليه وسلم استوصوا
بأهل الذمة خيرا وقال في حديث آخر استوصوا بالقبط خيرا فلا بد من الجمع بين هذه
النصوص وإن الإحسان لأهل الذمة مطلوب وأن التودد والموالاة منهي عنهما والبابان
ملتبسان فيحتاجان إلى الفرق وسر الفرق أن عقد الذمة يوجب حقوقا علينا لهم لأنهم في
جوارنا وفي خفارتنا وذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم ودين الإسلام
فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء أو غيبة في عرض أحدهم أو نوع من أنواع الأذية أو
أعان على ذلك فقد ضيع ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم وذمة دين
الإسلام
وكذلك حكى ابن حزم في مراتب الإجماع
له أن من كان في الذمة وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه وجب علينا أن نخرج لقتالهم
بالكراع والسلاح ونموت دون ذلك صونا لمن
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
الفرق التاسع عشر والمائة بين قاعدة
بر أهل الذمة وبين قاعدة التودد لهم من حيث إن برهم والإحسان إليهم مأمور به لا
ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم الآية
وقال صلى الله عليه وسلم استوصوا بأهل الذمة خيرا وقال في حديث آخر استوصوا بالقبط
خيرا وودهم وتوليهم منهي عنه قال تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم
أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق الآية
وقال عز من قائل إنما ينهاكم الله عن
الذين قاتلوكم في الدين الآية حتى احتيج للجمع بين هذه النصوص بما هو من الفرق بين
قاعدتي برهم والتودد لهم من أن عقد الذمة لما كان عقدا عظيما فيوجب علينا حقوقا
لهم منها ما حكى ابن حزم في مراتب الإجماع ونجعلهم في جوارنا وفي حق ربنا وفي ذمة
الله تعالى وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذمة دين الإسلام ا ه
والذي إجماع الأمة عليه أن من كان في
الذمة وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع
والسلاح ونموت دون ذلك صونا لمن هو في ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه
وسلم فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة ومنها أن من اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء
أو غيبة في عرض أحدهم أو نوع من أنواع الأذية أو أعان على ذلك فقد ضيع ذمة الله
تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم وذمة دين الإسلام تعين علينا أن نبرهم بكل
أمر لا يؤدي إلى أحد الأمرين أحدهما ما يدل ظاهره على مودات القلوب وثانيهما ما
يدل ظاهره على تعظيم شعائر الكفر وذلك كالرفق بضعيفهم وسد
____________________
(3/29)
هو في ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى
الله عليه وسلم فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة وحكى في ذلك إجماع الأمة فقد
يؤدي إلى إتلاف النفوس والأموال صونا لمقتضاه عن الضياع إنه لعظيم وإذا كان عقد
الذمة بهذه المثابة وتعين علينا أن نبرهم بكل أمر لا يكون ظاهره يدل على مودات
القلوب ولا تعظيم شعائر الكفر فمتى أدى إلى أحد هذين امتنع وصار من قبل ما نهي عنه
في الآية وغيرها ويتضح ذلك بالمثل فإخلاء المجالس لهم عند قدومهم علينا والقيام
لهم حينئذ ونداؤهم بالأسماء العظيمة الموجبة لرفع شأن المنادى بها هذا كله حرام
وكذلك إذا تلاقينا معهم في الطريق وأخلينا لهم واسعها ورحبها والسهل منها وتركنا
أنفسنا في خسيسها وحزنها وضيقها كما جرت العادة أن يفعل ذلك المرء مع الرئيس
والولد مع الوالد والحقير مع الشريف فإن هذا ممنوع لما فيه من تعظيم شعائر الكفر
وتحقير شعائر الله تعالى وشعائر دينه واحتقار أهله
ومن ذلك تمكينهم من الولايات والتصرف
في الأمور الموجبة لقهر من هي عليه أو ظهور العلو وسلطان المطالبة فذلك كله ممنوع
وإن كان في غاية الرفق والأناة أيضا لأن الرفق والأناة في هذا الباب نوع من
الرئاسة والسيادة وعلو المنزلة في المكارم فهي درجة رفيعة أوصلناهم إليها وعظمناهم
بسببها ورفعنا قدرهم بإيثارها وذلك كله منهي عنه
وكذلك لا يكون المسلم عندهم خادما
ولا أجيرا يؤمر عليه وينهى ولا يكون أحد منهم وكيلا في المحاكمات على المسلمين عند
ولاة الأمور فإن
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
خلة فقيرهم وإطعام جائعهم وإكساء
عاريهم ولين القول لهم على سبيل اللطف لهم والرحمة لا على سبيل الخوف والذلة
واحتمال أذيتهم في الجوار مع القدرة على إزالته لطفا منا بهم لا خوفا وتعظيما
والدعاء لهم بالهداية وأن يجعلوا من أهل السعادة ونصيحتهم في جميع أمورهم في دينهم
ودنياهم وحفظ غيبتهم إذا تعرض أحد لأذيتهم وصون أموالهم وعيالهم وأعراضهم وجميع
حقوقهم ومصالحهم وأن يعانوا على دفع الظلم عنهم وإيصالهم لجميع حقوقهم وكل خير
يحسن من الأعلى مع الأسفل أن يفعله ومن العدو أن يفعله مع عدوه فإن ذلك من مكارم
الأخلاق
إلا أنه ينبغي أن يكون لا على وجه
التعظيم لهم وتحقير أنفسنا بذلك الصنيع لهم بل امتثالا منا لأمر ربنا عز وجل وأمر
نبينا صلى الله عليه وسلم مع كوننا نستحضر في قلوبنا ما جبلوا عليه من بغضنا
وتكذيب نبينا صلى الله عليه وسلم وأنهم لو قدروا علينا لاستأصلوا شأفتنا واستولوا
على دمائنا وأموالنا وأنهم من أشد العصاة لربنا ومالكنا عز وجل ليمنعنا ذلك
الاستحضار من الود الباطن لهم المحرم علينا خاصة لا لأن نظهر آثار تلك الأمور التي
نستحضرها في قلوبنا من صفاتهم الذميمة لأن عقد العهد يمنعنا من ذلك كما هو محمل الآية
الأولى والحديثين
أما برنا لهم بما يؤدي إلى أحد
الأمرين المذكورين كإخلاء المجالس لهم عند قدومهم علينا والقيام لهم حينئذ وندائهم
بالأسماء العظيمة الموجبة لرفع شأن المنادى بها وكإخلائنا لهم أوسع الطرق إذا
تلاقينا معهم ورحبها والسهل منها وتركنا أنفسنا في خسيسها وحزنها وضيقها ونحو ذلك
مما جرت العادة أن يفعله المرء مع الرئيس والولد مع الوالد والحقير مع الشريف
وكتمكينهم من الولايات والتصرف في الأمور الموجبة لقهر من هي عليه أو ظهور العلو
وسلطان المطالبة وإن كانوا في غاية الأناة والرفق لأن الرفق والأناة في هذا الباب
نوع من الرئاسة والسيادة وعلو
____________________
(3/30)
ذلك أيضا إثبات لسلطانهم على ذلك
المسلم
وأما ما أمر به من برهم ومن غير مودة
باطنية فالرفق بضعيفهم وسد خلة فقيرهم وإطعام جائعهم وإكساء عاريهم ولين القول لهم
على سبيل اللطف لهم والرحمة لا على سبيل الخوف والذلة واحتمال إذايتهم في الجوار
مع القدرة على إزالته لطفا منا بهم لا خوفا وتعظيما والدعاء لهم بالهداية وأن
يجعلوا من أهل السعادة ونصيحتهم في جميع أمورهم في دينهم ودنياهم وحفظ غيبتهم إذا تعرض
أحد لأذيتهم وصون أموالهم وعيالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم ومصالحهم وأن يعانوا على
دفع الظلم عنهم وإيصالهم لجميع حقوقهم وكل خير يحسن من الأعلى مع الأسفل أن يفعله
ومن العدو أن يفعله مع عدوه فإن ذلك من مكارم الأخلاق فجميع ما نفعله معهم من ذلك
ينبغي أن يكون من هذا القبيل لا على وجه العزة والجلالة منا ولا على وجه التعظيم
لهم وتحقير أنفسنا بذلك الصنيع لهم وينبغي لنا أن نستحضر في قلوبنا ما جبلوا عليه
من بغضنا وتكذيب نبينا صلى الله عليه وسلم وأنهم لو قدروا علينا لاستأصلوا شأفتنا
واستولوا على دمائنا وأموالنا وأنهم من أشد العصاة لربنا ومالكنا عز وجل ثم
نعاملهم بعد ذلك بما تقدم ذكره امتثالا لأمر ربنا عز وجل وأمر نبينا صلى الله عليه
وسلم لا محبة فيهم ولا تعظيما لهم ولا نظهر آثار تلك الأمور التي نستحضرها في قلوبنا
من صفاتهم الذميمة لأن عقد العهد يمنعنا من ذلك فنستحضرها حتى يمنعنا من الود
الباطن لهم والمحرم علينا خاصة ولما أتى الشيخ أبو
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
المنزلة من المكارم فهي درجة رفيعة
أوصلناهم إليها وعظمناهم بسببها ورفعنا قدرهم بإيثارهم بها وكأن يكون المسلم خادما
عندهم أو أجيرا يؤمر عليه وينهى أو يكون أحد منهم وكيلا في المحاكمات على المسلمين
عند ولاة الأمور فإن ذلك أيضا إثبات لسلطانهم على ذلك المسلم فهذا كله حرام وهو
محمل النهي في الآية الثانية والثالثة وغيرهما
فلذا لما أتى الشيخ أبو بكر الطرطوشي
رحمه الله الخليفة بمصر ووجد عنده وزيرا راهبا قد سلم إليه قياده وأخذ يسمع رأيه
وينفذ كلماته المسمومة في المسلمين وكان الشيخ ممن يسمع الخليفة قوله في مثل هذا
دخل عليه في صورة المغضب والوزير الراهب جالس بإزائه وأنشده يا أيها الملك الذي
جوده يطلبه القاصد والراغب إن الذي شرفت من أجله يزعم هذا أنه كاذب
فاشتد غضب الخليفة عند سماع الأبيات
وأمر بالراهب فسحب وضرب وقتل وأقبل على الشيخ أبي بكر فأكرمه وعظمه بعد عزمه على
إيذائه لكنه لما استحضر تكذيب الراهب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو سبب
شرفه وشرف آبائه وأهل السماوات والأرضين بعثه ذلك على البعد عن السكون إليه
والمودة له وأبعده عن منازل العز إلى ما يليق به من الذل والصغار ويروى عن عمر رضي
الله عنه أنه كان يقول في أهل الذمة أهينوهم ولا تظلموهم وكتب إليه أبو موسى
الأشعري رضي الله عنه أن رجلا نصرانيا بالبصرة لا يحسن ضبط خراجها إلا هو وقصد
ولايته على جباية الخراج لضرورة تعذر غيره فكتب إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه
ينهاه عن ذلك وقال له في الكتاب مات النصراني والسلام قال صاحب الكشاف يعني هب أنه
قد مات فما كنت صانعا فأصنعه الساعة واستغن عنه واصرف ا ه
قيل يفيد أن قول عمر رضي الله عنه
مات
____________________
(3/31)
الوليد الطرطوشي رحمه الله الخليفة
بمصر وجد عنده وزيرا راهبا وسلم إليه قياده وأخذ يسمع رأيه وينفذ كلماته المسمومة
في المسلمين
وكان هو ممن يسمع قوله فيه فلما دخل
عليه في صورة المغضب والوزير الراهب بإزائه جالس أنشده يا أيها الملك الذي جوده
يطلبه القاصد والراغب إن الذي شرفت من أجله يزعم هذا أنه كاذب فاشتد غضب الخليفة
عند سماع الأبيات وأمر بالراهب فسحب وضرب وقتل وأقبل على الشيخ أبي الوليد فأكرمه
وعظمه بعد عزمه على إيذائه فلما استحضر الخليفة تكذيب الراهب لرسول الله صلى الله
عليه وسلم وهو سبب شرفه وشرف آبائه وأهل السموات والأرضين بعثه ذلك على البعد عن السكون
إليه والمودة له وأبعده عن منازل العز إلى ما يليق به من الذل والصغار ويروى عن
عمر رضي الله عنه أنه كان يقول في أهل الذمة أهينوهم ولا تظلموهم وكتب إليه أبو
موسى الأشعري رضي الله عنه أن رجلا نصرانيا بالبصرة لا يحسن ضبط خراجها إلا هو
وقصد ولايته على جباية الخراج لضرورة تعذر غيره فكتب إليه عمر بن الخطاب رضي الله
عنه ينهاه عن ذلك وقال له في الكتاب مات النصراني والسلام أي افرضه مات ماذا كنت
تصنع حينئذ فاصنعه الآن وبالجملة فبرهم والإحسان إليهم مأمور به وودهم وتوليهم
منهي عنه فهما قاعدتان
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
خبر استعمل في إنشاء فيكون من المجاز
المركب وقال الشهاب الخفاجي يفيد إن في قوله رضي الله عنه مات استعارة في الفعل
غير ما عرف فيها بتشبيه الحدث المفروض في الماضي بالحدث المحقق فيه فاتحدا حدثا
وزمانا ونسبة واختلفا تحققا وتقديرا فاستعير الحدث المحقق للحدث المفروض واشتق منه
مات بمعنى فرض موته أو فسرى التشبيه لما في ضمني الفعلين واستعير الفعل الدال على
الحدث المحقق للمفروض وفائدة ذلك أن يترتب على أحدهما ما يرتب على الآخر فيعزل الكاتب
المفروض موته ويستغني عنه كما يفعل فيمن تحقق موته وهذا من قضايا عمر العجيبة كما
في بيانه الصبان والأنبابي عليها قال الأنبابي وهذا صريح في أن استعمال الألفاظ في
معانيها الفرضية مجازي وهو إنما يظهر على القول بأن مدلولات الألفاظ الأمور
الخارجية إما على القول بأن مدلولها الأمور الذهنية فلا يظهر إلا إن قلنا إن مراده
أن استعمال مات في الموت الفرضي مجاز بالاستعارة من جهة أنه لم يستعمل فيه من حيث
إنه موضوع له بل من حيث ملاحظة علاقة بينه وبين الموت المحقق ليرتب على الأول ما
يرتب على الثاني فلا ينافي أنه لو استعمل في الموت الفرضي من حيث إنه موضوع له
لتحقق الماهية الذهنية فيه فيكون استعمالا حقيقيا نظير ما قاله حفيد السعد في استعمال
المشترك اللفظي في أحد معانيه وإن كان ما هنا من قبيل المشترك المعنوي لوضعه
للحقيقة الذهنية المتحققة في الأفراد الحاصلة بالفعل في الخارج وفي الأفراد
الفرضية ا ه بتصرف
قلت وعلى القول بأن مدلول الألفاظ
الأمور الذهنية لا يظهر كونه في الموت الفرضي مجازا بالاستعارة نظير ما لحفيد
السعد في المشترك اللفظي إلا على القول بأن المشترك المعنوي في أفراده حقيقة مطلقا
أما على ما قال ابن الهمام إنه مذهب الأصوليين الذي لا يعرفون خلافه من أن المشترك
المعنوي في أفراده من حيث خصوصها
____________________
(3/32)
إحداهما محرمة والأخرى مأمور بها وقد
أوضحت لك الفرق بينهما بالبيان والمثل فتأمل ذلك
الفرق العشرون والمائة بين قاعدة
تخيير المكلفين في الكفارة وبين قاعدة تخيير الأئمة في الأسارى والتعزير وحد
المحارب ونحو ذلك اعلم أن إطلاق الفقهاء رحمهم الله تعالى شائع في كتبهم بأن
الأسارى أمرهم موكول إلى خيرة الإمام وتولية القضاء موكول إلى خيرة الإمام وليس
ذلك كقولهم تعيين خصلة في كفارة اليمين موكول إلى خيرة الحانث وليس كذلك بل هما
قاعدتان متباينتان فالتخيير في الكفارة في خصالها معناه أن له أن ينتقل عن أي خصلة
شاء إلى الخصلة الأخرى بشهوته وما يجده يميل إليه طبعه أو ما هو أسهل عليه فإن
الله تعالى ما خيره بينها إلا لطفا به وليفعل ذلك ولو شاء لحتم عليه خصوص كل خصلة
كما فعله في خصال الظهار المرتبة بل له الخيرة بهواه بين الخصوصيات لأنها متعلق
الوجوب ولا تخيير فيه فلا جرم ليس له العدول عنه بهواه وشهوته بل يتحتم عليه فعله
وأما الخصوصيات فله ذلك فيها فهذا هو
معنى التخيير بين خصال الكفارة في حق الحانث وأما التخيير بين الخصال الخمس في حق
الأسارى عند مالك رحمه الله ومن وافقه وهي القتل والاسترقاق والمن والفداء
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
مجاز ومن حيث كونها أفراد حقيقة فلا
يظهر إلا أن كونه في الموت الفرضي مجاز مرسل علاقته الإطلاق فتأمل بإنصاف هذا
وبالجملة فبر الكفار والإحسان إليهم مأمور به وودهم وتوليهم منهي عنه فهما قاعدتان
إحداهما محرمة والأخرى مأمور بها وقد اتضح لك الفرق بينهما بالبيان والمثل والله
أعلم
الفرق العشرون والمائة بين قاعدة
تخيير المكلفين في الكفارة وبين قاعدة تخيير الأئمة في الأسارى والتعزير وحد
المحارب ونحو ذلك اعلم رحمك الله تعالى أن التخيير في الشريعة يطلق على ثلاثة
أقسام الأول تخيير بين شيئين يتصفان بالوجوب من جهة خصوصهما وعمومهما معا وهذا هو
الغالب في تخيير الأئمة وله مثل منها تخيير الإمام بين الخصال الخمس في حق الأسارى
عند مالك رحمه الله ومن وافقه وهي القتل والاسترقاق والمن والفداء والجزية فإن كل واحد
يفعله منها يقع واجبا بخصوصه وهو كونه قتلا أو فداء مثلا وبعمومه من جهة أنه أحد
الخصال الخمسة وذلك أن الإمام ليس له فعل أحدها بهواه بل يجب عليه بذل الجهد فيما
هو أصلح للمسلمين فإذا فكر واستوعب فكره في وجوه المصالح ووجد بعد ذلك مصلحة هي
أرجح للمسلمين وجب عليه فعلها فمن كان من الأسارى شديد الدهاء كثير التأليب على
المسلمين برأيه ودهائه فالواجب على الإمام فيه القتل إذا ظهر له ذلك منه في
اجتهاده بالسؤال عن أخباره وأحواله وما يتصل به من سيرته ومن كان منهم ليس من هذا
القبيل بل هو مأمون الغائلة فإن ظهر له منه أنه بإطلاقه تتألف طائفة كثيرة على
الإسلام أو يحصل إطلاق خلق كثير من أسارى المسلمين
____________________
(3/33)
والجزية فهذه الخصال الخمس ليس له
فعل أحدها بهواه ولا لأنها أخف عليه وإنما يجب عليه بذل الجهد فيما هو أصلح
للمسلمين فإذا فكر واستوعب فكره في وجوه المصالح ووجد بعد ذلك مصلحة هي أرجح للمسلمين
وجب عليه فعلها وتحتمت عليه ويأثم بتركها فهو لا يوجد في حقه الإباحة والتخيير
المقرر في خصال كفارة الحنث أبدا لا قبل الاجتهاد ولا بعد الاجتهاد أما قبل
الاجتهاد فالواجب عليه الاجتهاد وبذل الجهد في وجوه المصالح ولا تخيير هاهنا في
هذا المقام ولا إباحة بل الوجوب الصرف
وأما بعد الاجتهاد فيجب عليه العمل
بالراجح من المصالح ولا خيرة له فيه ومتى تركه أثم فالوجوب قبل والوجوب بعد
والوجوب حالة الفكرة فلا تخيير ألبتة وإنما هو وجوب صرف في جميع الأحوال وتسمية
الفقهاء رحمهم الله ذلك خيرة إنما يريدون به أنه لا يتحتم عليه قبل الفكر فعل خصلة
من هذه الخصال الخمس بل يجتهد حتى يتحصل له الأصلح فيفعله حينئذ بخلاف رد الغصوب
وإقامة الحدود فإنها تتحتم عليه ابتداء من غير أن يجعل له في ذلك اجتهاد ولا خيرة
له بهذا التفسير فهذا هو وجه تسمية الفقهاء ذلك خيرة وإن هذه الخصال موكولة إلى
اجتهاد الإمام وخيرته ووجه ما يعتمده في الأسارى أن من كان منهم شديد الدهاء كثير
التأليب على المسلمين برأيه ودهائه فالواجب على الإمام فيه القتل إذا ظهر له ذلك منه
في اجتهاده بالسؤال عن أخباره وأحواله وما يتصل به من
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
كان الواجب على الإمام فيه المن وإن
ظهر له منه أنه لا يرتجى من إطلاقه ذلك والإمام محتاج للمال لمصالح الغزو وغيره
وجب عليه الفداء بالمال أو المسلمون محتاجون إلى من يخدمهم وجب عليه استرقاقهم
وإن رأى انتفاء هذه الوجوه كلها ولم
يجد في اجتهاده شيئا من ذلك مصلحة بل رأى المصلحة في ضرب الجزية لما يتوقع من
إسلامهم وأنهم قريبون من الإسلام إذا اطلعوا على محاسن الإسلام وشعائره بمخالطة
أهله وجب عليه حينئذ ضرب الجزية عليهم ولا يجوز له العدول عنها إلى غيرها فهو في
جميع هذه الوجوه إنما يفعل ما يجب عليه من غير إباحة ولا خيرة في ذلك لا قبل
الاجتهاد ولا بعده ولا حالة الاجتهاد فهو أبدا ينتقل من واجب إلى واجب ولا ينفك
عنه فقبل الاجتهاد يجب عليه الاجتهاد وبذل الجهد في وجوه المصالح وحالة الاجتهاد
هو ساع في أداء الواجب ففعله حينئذ واجب وبعد الاجتهاد يجب عليه فعل ما أدى إليه
اجتهاده فلا تخيير ألبتة وإنما هو وجوب صرف في جميع الأحوال وتسمية الفقهاء رحمهم الله
تعالى ذلك خيرة إنما هو على سبيل المجاز يريدون به أنه لا يتحتم عليه قبل الفكر
قبل خصلة من هذه الخصال الخمس بل يجتهد حتى يتحصل له الأصلح فيفعله حينئذ ومنها
تخيير الإمام في حد المحاربين بين الخصال الأربع وهي القتل والصلب والقطع من خلاف
والنفي فيجب عليه بذل الجهد فيما هو الأصلح للمسلمين فإذا تعين له الأصلح وجب عليه
ولا يجوز له العدول عنه إلى غيره فإن
كان المحارب صاحب رأي وجب عليه قتله وإن ظهر له في اجتهاده أنه لا رأي له بل له
قوة وبطش قطعه من خلاف لتزول مفسدته عن المسلمين بذلك وإن عرف من حاله العفاف وأنه
إنما وقع ذلك منه على وجه الفلتة والموافقة لغيره مع توقع الندم منه وجب عليه نفيه
ولا يجوز له قتله ولا قطعه فهو أبدا ينتقل من واجب إلى واجب
____________________
(3/34)
سيرته وإن كان الأسير قد ظهر له منه
أنه ليس من هذا القبيل بل هو مأمون الغائلة وتتألف بإطلاقه طائفة كثيرة على
الإسلام أو إطلاق خلق كثير من أسارى المسلمين إذا من عليه قوبل على ذلك بمثله ونحو
ذلك من المصالح التي تعرض في النظر والفكر المستقيم بعد بذل الجهد فإنه يمن عليه
حينئذ من غير شيء وإن كان لا يرتجى منه ذلك والإمام محتاج للمال لمصالح الغزو
وغيره فإنه يفديه بالمال
وإن رأى المسلمين محتاجين إلى من
يخدمهم واسترقهم إن انتفت هذه الوجوه كلها ولم يجد في اجتهاده شيئا من ذلك مصلحة
ورأى أن ضرب الجزية مصلحة لما يتوقع من إسلامهم وأنهم قريبون من الإسلام إذا
اطلعوا على محاسن الإسلام بمخالطة أهله ورؤيتهم لشعائره فحينئذ يجب عليه ضرب
الجزية عليهم ولا يجوز له العدول عنها إلى غيرها فهو في جميع الوجوه إنما يفعل ما
يجب عليه من غير إباحة ولا خيرة في ذلك بهذا التفسير وكذلك تخييره في حد الحرابة
معناه أنه يجب عليه بذل الجهد فيما هو الأصلح للمسلمين فإذا تعين له الأصلح وجب
عليه ولا يجوز له العدول عنه إلى غيره فإن كان المحارب صاحب رأي وجب عليه قتله
وإن ظهر له في اجتهاده أنه لا رأي له
بل له قوة وبطش قطعه من خلاف فتزول مفسدته عن المسلمين بذلك
وإن كان يعرف من حاله العفاف وإنما
وقع ذلك منه على وجه الفلتة والموافقة لغيره مع توقع الندم منه على ذلك فهذا يجب
نفيه ولا يجوز له قتله ولا قطعه
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
فلا ينفك فعله عن الوجوب في جميع
أحواله وإنما تخييره مفسر بأنه لم يتحتم عليه ذلك ابتداء وله النظر وفعل ما ظهر
رجحانه بعد الاجتهاد نظير ما تقدم بخلاف ما عينه الله تعالى وحتمه ولم يجعل لأحد
فيه اجتهادا من الحدود وغيرها كالصلاة وصوم رمضان وأخذ الزكاة وتعيين مصرفها في
الوجوه الثمانية ورجم الزاني وقطع السارق وأن لا يحد في الزنا إلا بأربعة وفي
الأموال والدماء بشاهدين وغير ذلك ومنها قولهم إن تفرقة أموال بيت المال موكولة
إلى خيرته فإنه يجب عليه أن ينظر في مصالح الصرف ويجب عليه تقديم أهمها فأهمها ويحرم
عليه العدول عن ذلك ولا خيرة له إلا بمعنى أنه لا يتحتم عليه ذلك ابتداء بل له
النظر في المصلحة الراجحة والخالصة وفعل ما ظهر رجحانه بعد الاجتهاد وليس له أن
يتصرف في أموال بيت المال بهواه وشهوته ومنها غير ذلك مما هو أكثر تصرفات الأئمة
القسم الثاني تخيير بين شيئين لا يتصفان بالوجوب لا من جهة خصوصهما ولا عمومهما
كالتخيير بين المباحات من المطاعم والملابس ونحوهما مثلا التمر والزبيب يخير
بينهما وكل منهما ليس بواجب لا بخصوصه من جهة أنه تمر أو زبيب ولا بعمومه من جهة
أنه أحد المتناولات والتخيير في هذا صرف حقيقة بخلافه في الأول فمجاز كما علمت
القسم الثالث تخيير بين شيئين يتصفان بالوجوب من جهة عمومهما لا من جهة خصوصهما
وهذا نوعان الأول تخيير المكلفين في خصوص أنواع المطلق الواجب عليهم وله مثل منها
التخيير بين خصال كفارة اليمين في حق الحانث فإن له أن ينتقل من أي خصلة شاء إلى الخصلة
الأخرى بشهوته مما يميل طبعه
____________________
(3/35)
بل يفعل ما هو الأصلح للمسلمين فهو
أبدا ينتقل من واجب إلى واجب والوجوب دائما عليه في جميع أحواله قبل الاجتهاد يجب
عليه الاجتهاد وحالة الاجتهاد هو ساع في أداء الواجب ففعله حينئذ واجب وبعد
الاجتهاد يجب عليه فعل ما أدى إليه اجتهاده فلا ينفك عن الوجوب أبدا وذلك هو ضد
التخيير والإباحة وإنما خيرته مفسرة بما تقدم من أنه لم يتحتم عليه ذلك ابتداء وله
النظر وفعل ما ظهر رجحانه بعد الاجتهاد بخلاف الحدود وغيرها مما عينه الله تعالى
ولم يجعل لأحد فيه اجتهادا كالصلاة وصوم رمضان وأخذ الزكاة وتعيين مصرفها في
الوجوه الثمانية ورجم الزاني وقطع السارق وأن لا يحد في الزنا إلا بأربعة وفي الأموال
والدماء بشاهدين وغير ذلك من المتحتمات فهذا معنى التخيير في هذه الأمور وكذلك
قولهم إن تفرقة أموال بيت المال موكولة إلى خيرته معناه أنه يجب عليه أن ينظر في
مصالح الصرف يجب عليه تقديم أهمها فأهمها ويحرم عليه العدول عن ذلك ولا خيرة له في
ذلك وليس له أن يتصرف في أموال بيت المال بهواه وشهوته بل بحسب المصلحة الراجحة
والخالصة بخلاف تخيير المكلف بين خصال الكفارة كما تقدم وتخييره في إخراج شاة من
أربعين أو دينار من أربعين فله أن يعين شاة بشهوته وكذلك دينار من الأربعين بهواه
وله أن يعين مقدارا من مياه الدنيا للوضوء ولم يتحتم عليه ماء دون ماء وكذلك خيرته
في ثياب السترة للصلاة فإذا اجتمعت ثياب فله تعيين
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
إليه أو ما هو أسهل عليه فإن كل خصلة
كالعتق وإن كانت واجبة من جهة عمومها وأنها أحد الخصال إلا أنها ليست بواجبة من
جهة خصوصها وأنها خصوص العتق فإن الله تعالى ما خير الحانث بين خصال الكفارة إلا
لطفا به وليفعل ذلك ولو شاء لحتم عليه خصوص كل خصلة كما حتم خصوص كل خصلة في خصال
الظهار المرتبة لكنه لم يحتم عليه هنا إلا واحدا مبهما من الخصال وخيره في خصوصها
ومنها التخيير في إخراج شاة من أربعين أو دينار من أربعين فإن له أن يعين بهواه وشهوته
شاة أو دينارا من الأربعين ومنها التخيير في مياه الدنيا للوضوء وفي ثياب السترة
للصلاة فله أن يعين بهواه وشهوته مقدارا من مياه الدنيا ولا يتحتم عليه ماء دون
ماء وأن يعين واحدا من الثياب المجتمعة عنده ولا يتحتم عليه ثوب بخصوصه دون ثوب
ومنها التخيير في أي بقعة من بقاع الدنيا يصلي فيها الصلوات الخمس ويصوم فيها
رمضان فله أن يعين بقعة منها إذا استوت بهواه وشهوته والنوع الثاني أمور قليلة جدا
من تخيير الأئمة في أنواع المطلق الواجب إذا استوت وله مثل منها قول الفقهاء رحمهم
الله إن الإمام مخير بين أربع حقائق وخمس بنات لبون يأخذ أيها شاء من صاحب الماشية
إذا وجد إبله مائتين فإن في كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون وقد وجد الأمران فإن
المائتين أربع خمسينات وخمس أربعينات فيخير هاهنا إذا استوى الأمران أما إذا كان
أحدهما أرجح للفقراء فمقتضى القاعدة أنه يجب عليه ما هو الأرجح لقوله صلى الله
عليه وسلم من ولي من أمر أمتي شيئا فلم يجتهد لهم ولم ينصح فالجنة عليه حرام فهذا
الحديث يقتضي وجوب الأرجح للفقراء ومنها بيع مال اليتيم من أحد مشتريين مستويين أو
تزويج اليتيمة من كفوين مستويين أو تولية القضاء لأحد مستويين ونحوهما فإن الأئمة
في هذه
____________________
(3/36)
واحد منها لسترته بهواه وشهوته
وكذلك خير الله تعالى في بقعة من
بقاع الدنيا يصلي فيها الصلوات الخمس فله أن يعين بقعة منها إذا استوت بهواه
وشهوته وكذلك خير الله تعالى في صوم رمضان في أي بقعة شاء من ولده فله أن يصوم في
أي دار شاء من ذلك البلد بهواه وهذا جميعه تخيير صرف حقيقة لا مجازا بخلاف تخيير
الأئمة في جميع ما تقدم وأكثر تصرفات الأئمة كما تقدم تحريره في الأسارى وغيرهم
غير أمور قليلة جدا أطلق فيها التخيير ومرادهم التخيير على بابه كما هو في حق
المكلف ومن ذلك قول الفقهاء رحمهم الله تعالى إنه مخير في أربع حقائق وخمس بنات لبون
يأخذ أيها شاء من صاحب الماشية إذا وجد إبله مائتين فإن في كل خمسين حقة وفي كل
أربعين بنت لبون وقد وجد الأمران فإن المائتين أربع خمسينات وخمس أربعينات فيخير
هاهنا إذا استوى الأمران فإن كان أحدهما أرجح للفقراء فمقتضى القاعدة أنه يجب عليه
ما هو الأرجح لقوله صلى الله عليه وسلم من ولي من أمر أمتي شيئا فلم يجتهد لهم ولم
ينصح فالجنة عليه حرام فظاهر هذا الحديث يقتضي وجوب الأرجح للفقراء وكذلك بيع مال
اليتيم من أحد مشتريين مستويين أو تزويج اليتيمة من كفوين مستويين أو تولية القضاء
لأحد رجلين مستويين ونحو هذا فإن الأئمة في هذه الصور مساوون لغيرهم من المكلفين
في الخيرة المختصة ولا وجوب هاهنا ألبتة بل لهم الترجيح بمجرد إرادتهم من غير ضميمة
إليها كالمكلف في إخراج شاة من أربعين سواء بسواء وإطلاق الخيرة في هذه الصور
حقيقة وفي تلك الصور فهي وجوب محض بل بمعنى عدم التحتم ابتداء وكون الاجتهاد له
مدخل في ذلك القسم المحتم بخلاف غيره من التخييرات فظهر الفرق بين قاعدة تخيير
الأئمة وقاعدة تخيير آحاد المكلفين وأن الثاني خيرة حقيقة والأول أكثره مجاز ووجوب
صرف كما تقدم مفصلا ممثلا
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
الصور مساوون لغيرهم من المكلفين في
الخيرة المختصة ولا وجوب هاهنا ألبتة بل لهم الترجيح بمجرد إرادتهم من غير ضميمة
إليها كالمكلف في إخراج شاة من أربعين سواء بسواء والتخيير في هذا القسم بنوعيه
صرف حقيقة لا مجاز كهو في القسم الثاني بخلافه في القسم الأول فإنه مجاز لا حقيقة
بل هو وجوب محض أطلق عليه التخيير بمعنى عدم التحتم ابتداء وكون الاجتهاد له مدخل
في ذلك القسم المحتم فظهر الفرق بين قاعدة تخيير الأئمة وقاعدة تخيير آحاد المكلفين
وأن الثاني خيرة حقيقة والأول أكثره مجاز ووجوب صرف كما علمته مفصلا ممثلا وبقي من
أقسام التخيير
قسم رابع وهو التخيير بين شيئين يتصفان
بالوجوب من جهة الخصوص دون العموم لكن هذا محال شرعا وعقلا بخلاف الثالث بناء على
أن الخصوص يتوقف على العموم وأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب بخلاف العكس فإن
العموم لا يتوقف على الخصوص وهو الفرق بينهما فتأمل هذه المباحث والفروق فإنها
كلها واقعة في الشريعة وقوعا كثيرا والله سبحانه وتعالى أعلم
____________________
(3/37)
فائدة يطلق التخيير في الشريعة على
ثلاثة أقسام مختلفة فيطلق التخير بين الشيئين وكل واحد منهما واجب بخصوصه وعمومه
كما تقدم في تخيير الأئمة في الأسارى وغيرهم فإن كل شيء فعلوه من ذلك يقع واجبا
بخصوصه وهو كونه قتلا أو فداء مثلا وبعمومه من جهة أنه أحد الخصال الخمسة ويكون
التخيير بين الشيئين وكل واحد منهما غير واجب بخصوصه ولا بعمومه كالتخيير بين
المباحات من المطاعم والملابس ونحوهما فالتخيير بين التمر والزبيب مثلا فالتمر ليس
بواجب لا بخصوصه من جهة أنه تمر ولا بعمومه من جهة أنه أحد المتناولات ويكون
التخيير بين الشيئين وكلاهما واجب من جهة عمومه دون خصوصه كالتخيير في كفارة الحنث
فإن العتق مثلا واجب من جهة أنه أحد الخصال وغير واجب من جهة أنه عتق وكذلك القول
في الخصلتين الأخريين من الكسوة والإطعام فقد ظهر لك أن المخير بينهما قد يتصفان
بالوجوب من جهة خصوصهما وعمومهما وقد لا يتصفان به لا من جهة خصوصهما ولا عمومهما
وقد يتصفان به من جهة عمومها دون خصوصهما وأما الاتصاف بالوجوب من جهة الخصوص دون
العموم فمحال شرعا وعقلا بناء على أن الخصوص يتوقف على العموم وأن ما لا يتم
الواجب إلا به فهو واجب بخلاف العكس فإن العموم لا يتوقف على الخصوص وهو الفرق
بينهما فتأمل هذه المباحث والفروق فإنها كلها واقعة في الشريعة وقوعا كثيرا والله
أعلم
الفرق الحادي والعشرون والمائة بين
قاعدة من ملك أن يملك هل يعد مالكا أم لا وبين قاعدة من انعقد له سبب المطالبة
بالملك هل يعد مالكا أم لا اعلم أن جماعة من مشايخ المذهب رضي الله عنهم أطلقوا
عبارتهم بقولهم من ملك
هامش أنوار البروق
قال الفرق الحادي والعشرون والمائة
بين قاعدة من ملك أن يملك هل يعد مالكا أم لا وبين قاعدة من انعقد له سبب المطالبة
بالملك هل يعد مالكا أم لا قلت ما نسبه إلى مشايخ من أهل المذهب واعتقده فيهم من
أنهم أرادوا مقتضى عبارتهم المطلقة ليس بصحيح وما اختاره من عدم إرادة مقتضى
الإطلاق هو الصحيح والظن بهم أنهم إنما أرادوا ذلك والله تعالى أعلم وما قاله في الفرقين
بعد هذا صحيح
هامش إدرار الشروق
الفرق الحادي والعشرون والمائة بين
قاعدة من ملك أن يملك هل يعد مالكا أم لا وبين قاعدة من انعقد له سبب المطالبة
بالملك هل يعد مالكا أم لا القاعدة الأولى وإن أطلقها جماعة من مشايخ المذهب رضي
الله عنهم بقولهم من ملك أن يملك هل يعد مالكا أم لا قولان وخرجوا عليها فروعا
كثيرة في المذهب
____________________
(3/38)
أن يملك هل يعد مالكا أم لا قولان
ويخرجون على ذلك فروعا كثيرة في المذهب منها إذا وهب له الماء في التيمم هل يبطل
تيممه بناء على أنه يعد مالكا أم لا يبطل بناء على أنه لا يعد مالكا ومن عنده ثمن
رقبة هل يجوز له الانتقال للصوم في كفارة الظهار أم لا قولان مبنيان على أن من ملك
أن يملك هل يعد مالكا أم لا ومن قدر على المداواة في السلس أو التزويج هل يجب عليه
الوضوء أم لا قولان بناء على أن من ملك أن يملك هل يعد مالكا أم لا وكثير من هذه الفروع
زعموا أنها مخرجة على هذه القاعدة وليس الأمر كذلك بل هذه القاعدة باطلة وتلك
الفروع لها مدارك غير ما ذكروه
وبيان بطلانها أن الإنسان يملك أن
يملك أربعين شاة فهل يتخيل أحد أنه يعد مالكا الآن قبل شرائها حتى تجب الزكاة عليه
على أحد القولين
وإذا كان الآن قادرا على أن يتزوج فهل
يجري في وجوب الصداق والنفقة عليه قولان قبل أن يخطب المرأة لأنه ملك أن يملك
عصمتها والإنسان مالك أن يملك خادما أو دابة فهل يقول أحد إنه يعد الآن مالكا لهما
فيجب عليه كلفتهما ومئونتهما على قول من الأقوال الشاذة أو الجادة بل هذا لا
يتخيله من عنده أدنى مسكة من العقل والفقه وكذلك الإنسان يملك أن يشتري أقاربه فهل
يعده أحد من الفقهاء مالكا لقريبه فيعتقه عليه قبل شرائه على أحد القولين في هذه
القاعدة على زعم من اعتقدها بل هذا كله باطل
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
منها إذا وهب له الماء في التيمم هل
يبطل تيممه بناء على أنه يعد مالكا أم لا يبطل بناء على أنه لا يعد مالكا ومنها من
عنده ثمن رقبة هل يجوز له الانتقال للصوم في كفارة الظهار بناء على أنه لا يعد
مالكا أم لا يجوز له بناء على أنه يعد مالكا ومنها من قدر على المداواة في السلس
أو التزويج هل يجب عليه الوضوء بناء على أنه يعد مالكا أم لا يجب عليه الوضوء بناء
على أنه لا يعد مالكا إلا أنها باطلة إذ لا يمكن جعل مجرد الإمكان والقبول للملك
بدون أن يشتمل على موجب الاعتبار قاعدة شرعية ألا ترى أن أحدا لا يتخيل أن الإنسان
إذا كان قادرا على أن يملك أربعين شاة هل يعد قبل شرائها مالكا لها فتجب الزكاة
عليه على القولين أو قادرا على أن يتزوج هل يعد قبل أن يخطب المرأة مالكا عصمتها
أم لا فيجب عليه الصداق والنفقة أم لا على القولين أو قادرا على أن يملك خادما أو
دابة هل يعد قبل شرائهما مالكا لهما أم لا فيجب عليه كلفتهما ومؤنتها أم لا على القولين
أو قادرا على أن يشتري أقاربه هل يعده أحد من الفقهاء مالكا لقريبه فيعتقه عليه
قبل شرائه على أحد القولين في هذه القاعدة على زعم من اعتقدها بل هذا كله باطل
بالضرورة لا يتخيله من عنده أدنى مسكة من العقل والفقه والظن بالمشايخ من أهل
المذهب أنهم لم يريدوا مقتضى عبارتهم المطلقة وأن من ملك أن يملك مطلقا من غير جريان
سبب يقتضي مطالبته بالتمليك ولا غير ذلك من القيود لأن جعل هذه القاعدة شرعية ظاهر
البطلان لضعف المناسبة جدا أو لعدمها ألبتة وإنما أرادوا أن من ملك أن يملك مع
جريان سبب يقتضي مطالبته بالتمليك أي من انعقد له سبب المطالبة بالملك فيرجع بذلك
إلى القاعدة الثانية حتى يكون مناسبا لأن يعد مالكا من حيث الجملة تنزيلا لسبب
السبب منزلة السبب وإقامة للسبب البعيد مقام السبب القريب فيمكن أن يتخيل وقوعه
قاعدة
____________________
(3/39)
بالضرورة ونظائر هذه الفروع كثيرة لا
تعد ولا تحصى ولا يمكن أن نجعل هذه من قواعد الشريعة ألبتة بل القاعدة التي يمكن
أن تجعل قاعدة شرعية ويجري فيها الخلاف في بعض فروعها لا في كلها أن من جرى له سبب
يقتضي المطالبة بالتمليك هل يعطى حكم من ملك وملك قد يختلف في هذا الأصل في بعض الفروع
ولذلك مسائل المسألة الأولى إذا حيزت الغنيمة فقد انعقد للمجاهدين سبب المطالبة
بالقسمة والتمليك فهل يعدون مالكين لذلك أم لا قولان فقيل يملكون بالحوز والأخذ
وهو مذهب الشافعي رضي الله عنه وقيل لا يملكون إلا بالقسمة وهو مذهب مالك رحمه
الله المسألة الثانية العامل في القراض وجد في حقه سبب يقتضي المطالبة بالقيمة
وإعطاء نصيبه من الربح فهل يعد مالكا بالظهور أو لا يملك إلا بالقسمة وهو المشهور
قولان في المذهب المسألة الثالثة العامل في المساقاة وجد في حقه من العمل ما يقتضي
المطالبة بالقسمة وتمليك نصيبه من الثمن فهل لا يملك إلا بالقسمة أو يملك بالظهور
وهو المشهور على عكس القراض قولان في
المذهب
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
من الشريعة على أن في تمشية القاعدة
الثانية مع ما فيها من القوة عسرا من جهة قولنا جرى له سبب التمليك لأجل كثرة
النقوض عليها فلذا لم يختلف قول مالك وغيره رحمهم الله تعالى إلا في بعض فروعها
كما يتضح لك ذلك بمسائل المسألة الأولى إذا حيزت الغنيمة وانعقد للمجاهدين سبب
المطالبة بالقسمة والتمليك فقيل يملكون بمجرد الحوز والأخذ وهو مذهب الشافعي رضي
الله تعالى عنه وقيل لا يملكون إلا بالقسمة وهو مذهب مالك رحمه الله تعالى المسألة
الثانية إذا وجد الظهور بالعمل في حق عامل القراض وانعقد له سبب المطالبة بالقسمة
وإعطاء نصيبه من الربح فهل يعد مالكا بمجرد الظهور أم لا يملك إلا بالقسمة قولان
في المذهب والمشهور الثاني المسألة الثالثة إذا وجد ظهور عامل المساقاة بالعمل
وانعقد له سبب المطالبة بالقسمة وتمليك نصيبه من الثمن فهل يعد مالكا بمجرد الظهور
أو لا يملك إلا بالقسمة قولان في المذهب المشهور الأول على عكس القراض المسألة
الرابعة قال الأصل لم أر خلافا في أن الشريك إذا باع شريكه شقصه على الغير وتحقق
له ما يقتضي سبب المطالبة بأن يملك الشقص المبيع بالشفعة لا يكون مالكا إلا بأخذه
بالشفعة بالفعل المسألة الخامسة من له من المسلمين سبب يقتضي أن يملك به من بيت
المال بأن يتصف بصفة من الصفات الموجبة للاستحقاق منه كالفقر والجهاد والقضاء
والفتيا والقسمة بين الناس أملاكهم وغير ذلك مما
____________________
(3/40)
المسألة الرابعة الشريك في الشفعة
إذا باع شريكه تحقق له سبب يقتضي المطالبة بأن يملك الشقص المبيع بالشفعة
ولم أر خلافا في أنه غير مالك
المسألة الخامسة الفقير وغيره من المسلمين له سبب يقتضي أن يملك من بيت المال ما
يستحقه بصفة فقره أو غير ذلك من الصفات الموجبة للاستحقاق كالجهاد والقضاء والفتيا
والقسمة بين الناس أملاكهم وغير ذلك مما شأن الإنسان أن يعطى لأجله فإذا سرق هل
يعد كالمالك فلا يجب عليه الحد لوجود سبب المطالبة بالتمليك أو يجب عليه القطع
لأنه لا يعد مالكا وهو المشهور قولان فهذه القاعدة على ما فيها من القوة من جهة قولنا
جرى له سبب التمليك في تمشيتها عسر لأجل كثرة النقوض عليها أما هذا المفهوم وهو
قولنا من ملك أن يملك مطلقا من غير جريان سبب يقتضي مطالبته بالتمليك ولا غير ذلك
من القيود فهذا جعله قاعدة شرعية ظاهر البطلان لضعف المناسبة جدا أو لعدمها ألبتة
أما إذا قلنا انعقد له سبب يقتضي المطالبة
بالتمليك فهو مناسب لأن يعد مالكا من حيث الجملة تنزيلا لسبب السبب منزلة السبب
وإقامة للسبب البعيد مقام السبب القريب فهذا يمكن أن يتخيل وقوعه قاعدة في الشريعة
أما مجرد ما ذكروه فليس فيه إلا مجرد الإمكان والقبول للملك وذلك في غاية البعد عن
المناسبة فلا يمكن جعله قاعدة وتتخرج تلك الفروع بغير هذه القاعدة ففي الثوب
للسترة يلاحظ فيها قوة المالية فلا يلزمه أو أنه أعانه على دين الله عز وجل ليس من
باب تحصيل الأموال فيلزمه ويكافئ عنه إن شاء
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
شأن الإنسان أن يعطى لأجله فإذا سرق
هل يعد كالمالك فلا يجب عليه الحد لوجود سبب المطالبة بالتمليك أو يجب عليه القطع
لأنه لا يعد مالكا وهو المشهور قولان
وأما الفروع المخرجة على القاعدة
الأولى فلها مدارك غير ذلك التخريج بأن يلاحظ في الثوب للسترة قوة المالية فلا
يلزمه أو أنه إعانة على دين الله تعالى عز وجل ليس من باب تحصيل الأموال فيلزمه
ويكافئ عنه إن شاء وفي الماء يوهب له إما يسارته فلا منة وإما المالية المؤدية للمنة
وهي ضرر والضرر منفي عن المكلف لقوله صلى الله عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار ولقوله
عز وجل وما جعل عليكم في الدين من حرج وفي واجد ثمن الرقبة في كفارة الظهار إما
تنزيل وجود الثمن الذي هو وسيلة ملكها منزلته وإما عدم تنزيله منزلته وفي القادر
على التداوي من السلس أو التزويج إما أن تنزل قدرته على ذلك التي هي وسيلة التداوي
بالفعل منزلته أم لا أو يلاحظ غير ذلك من النصوص وإلا فيه والمناسبات التي اشتهر
في الشرع اعتبارها من حيث اشتمالها على موجب الاعتبار لا ما لا يمكن اعتباره شرعا
مما لا يشتمل على موجب الاعتبار فتقدم مناسبته وتكثر النقوض عليه ويكون اعتباره من
غير ضرورة خلاف المعلوم من نمط الشريعة إلا أن يضاف إليه ما يوجب اشتماله على موجب
الاعتبار من القيود الموجبة للمناسبة فتظهر مناسبته وتقل النقوض عليه ويكون اعتبار
مثله بلا
____________________
(3/41)
وكذلك القول في الماء يوهب له هل
ينظر إلى يسارته فلا منة أو يلاحظ المالية
وهي ضرر والضرر منفي عن المكلف لقوله
صلى الله عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار ولقوله عز وجل وما جعل عليكم في الدين من حرج
وواجد الثمن يخرج على تنزيل وسيلته منزلته أم لا وكذلك القادر على التداوي إلى غير
ذلك من النصوص والأقيسة والمناسبات التي اشتهرت في الشرع اعتبارها وهي مشتملة على
موجب الاعتبار أما ما لا يشتمل على موجب الاعتبار فلا يمكن جعله قاعدة شرعية بل ينبغي
أن يضاف إليه من القيود الموجبة للمناسبة كما تقدم ما يوجب اشتماله على موجب
الاعتبار ونقل النقوض عليه وتظهر مناسبته أما عدم المناسبة وكثرة النقوض فاعتبار
مثل هذا من غير ضرورة خلاف المعلوم من نمط الشريعة فتأمل ذلك فإنه قد كثر بين
المتأخرين خصوصا الشيخ أبا الطاهر بن بشير فإنه اعتمد عليه في كتابه المعروف
بالتنبيه كثيرا
الفرق الثاني والعشرون والمائة بين
قاعدة الرياء في العبادات وبين قاعدة التشريك في العبادات اعلم أن الرياء في
العبادات شرك وتشريك مع الله تعالى في طاعته وهو موجب للمعصية والإثم والبطلان في
تلك العبادة كما نص عليه الإمام المحاسبي وغيره ويعضده ما في الحديث الصحيح أخرجه
مسلم وغيره أن الله تعالى يقول أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملا أشرك فيه
غيري تركته له أو تركته لشريكي فهذا ظاهر في عدم الاعتداد بذلك العمل عند الله
تعالى وكذلك قوله تعالى وما أمروا إلا ليعبدوا الله
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
ضرورة وهو المعلوم من نمط الشريعة
فتأمل ذلك فإنه قد كثر بين المتأخرين خصوصا الشيخ الطاهر بن بشير فإنه اعتمد عليه
في كتابه المعروف بالتنبيه كثيرا والله سبحانه وتعالى أعلم
الفرق الثاني والعشرون والمائة بين قاعدة
الرياء في العبادات وبين قاعدة التشريك في العبادات من حيث إن التشريك فيها لا
يحرم بالإجماع بخلاف الرياء فيها فيحرم هو أن التشريك فيها لما كان بما جعله الله
تعالى للمكلف في هذه العبادة مما لا يرى ولا يبصر كمن جاهد ليحصل طاعة الله
بالجهاد وليحصل السبايا والكراع والسلاح من جهة أموال العدو وكمن حج وشرك في حجه
غرض المتجر بأن يكون جل مقصوده أو كله السفر للتجارة خاصة ويكون الحج إما مقصودا
مع ذلك أو غير مقصود وإنما يقع تابعا اتفاقا وكمن صام ليصح جسده أو ليحصل زوال مرض
من الأمراض التي تداوى بالصوم بحيث يكون التداوي هو مقصوده أو بعض مقصوده والصوم
مقصود مع ذلك وكمن يتوضأ بقصد التبرد أو التنظيف لم يضره في عبادته ولم يحرم عليه بالإجماع
لأن جميع هذه الأغراض لا يدخل فيها تعظيم
____________________
(3/42)
مخلصين له الدين يدل على أن غير المخلصين
لله تعالى ليسوا مأمورين به وما هو غير مأمور به لا يجزى عن المأمور به فلا يعتد
بهذه العبادة وهو المطلوب وتحقيق هذه القاعدة وسرها وضابطها أن يعمل العمل المأمور
به والمتقرب به إلى الله تعالى ويقصد به وجه الله تعالى وأن يعظمه الناس أو يعظم
في قلوبهم فيصل إليه نفعهم أو يندفع عنه ضررهم فهذا هو قاعدة أحد قسمي الرياء
والقسم الآخر أن يعمل العمل لا يريد به وجه الله تعالى ألبتة بل الناس فقط ويسمى هذا
القسم رياء الإخلاص والقسم الأول رياء الشرك لأن هذا لا تشريك فيه بل خالص للخلق
والأول للخلق ولله تعالى وأغراض الرياء ثلاثة التعظيم وجلب المصالح الدنيوية ودفع
المضار الدنيوية والأخيران يتفرعان عن الأول فإنه إذا عظم انجلبت إليه المصالح
واندفعت عنه المفاسد فهو الغرض
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
الخلق بل هي تشريك أمور من المصالح
ليس لها إدراك ولا تصلح للإدراك ولا للتعظيم فلا تقدح في العبادات إذ كيف تقدح
وصاحب الشرع قد أمر بها في قوله صلى الله عليه وسلم يا معشر الشباب من استطاع منكم
الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء أي قاطع نعم إذا تجردت
العبادة عن هذه الأغراض زاد الأجر وعظم الثواب وإذا لم تجرد العبادة عنها نقص
الأجر وإن كان لا سبيل إلى الإثم والبطلان
وأما الرياء فيها فإنه لما كان شركا وتشريكا
مع الله تعالى في طاعته لمن يرى ويبصر من الخلق لأحد أغراض ثلاثة التعظيم وجلب
المصالح الدنيوية ودفع المضار الدنيوية والأخيران يتفرعان عن الأول فإنه إذا عظم
انجلبت إليه المصالح واندفعت عنه المفاسد فهو الغرض الكلي في الحقيقة فيقتضي رؤية
النفع أو الضر لغيره تعالى فينافي ما أشار له سيدي علي وفا بقوله وعلمك أن كل
الأمر أمري هو المعنى المسمى باتحادي قال العلامة الأمير ولا بد عند كل مسلم من حظ
في هذا المقام وإن تفاوتوا أهو ذلك إما بأن يعمل العمل المأمور به والمتقرب به إلى
الله تعالى ويقصد به وجه الله تعالى وأن يعظمه الناس أو يعظم في قلوبهم فيصل إليه
نفعهم أو يندفع عنه ضررهم فيسمى رياء الشرك لأنه للخلق ولله تعالى وإما بأن يعمل العمل
لا يريد به وجه الله تعالى ألبتة بل الناس فقط فيسمى رياء الإخلاص لأنه لا تشريك
فيه بل خالص للخلق كان مضرا بالعبادة ومحرما على المكلف لأنه موجب للمعصية والإثم
والبطلان في تلك العبادة كما نص عليه الإمام المحاسبي وغيره ويعضده ما أخرجه مسلم
وغيره أن الله تعالى يقول أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملا أشرك فيه غيري
تركته له أو تركته لشريكي وقوله تعالى وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين
فإن الحديث ظاهر في عدم الاعتداد بذلك العمل عند الله تعالى والآية تدل على أن غير
المخلصين لله تعالى ليسوا مأمورين به وما هو غير مأمور به لا يجزئ عن المأمور به
فلا يعتد بهذه العبادة وهو المطلوب وبالجملة ففرق بين من يجاهد ليقول الناس إنه شجاع
أو ليعظمه الإمام فيكثر عطاءه من بيت المال فيكون رياء حراما وبين من يجاهد ليحصل
السبايا والكراع والسلاح من جهة أموال العدو فلا يضره ولا يحرم عليه إجماعا ولا
يقال لفعله رياء مع أنه قد شرك فيه بسبب أن الرياء العمل ليراه غير الله تعالى من
خلقه والرؤية لا تصح إلا من الخلق وأما العمل لمن يرى ولا يبصر كالمال المأخوذ في
الغنيمة ونحوه فلا يقال فيه رياء والله سبحانه وتعالى أعلم
____________________
(3/43)
الكلي في الحقيقة فهذه قاعدة الرياء
المبطلة للأعمال المحرمة بالإجماع
وأما مطلق التشريك كمن جاهد ليحصل
طاعة الله بالجهاد وليحصل المال من الغنيمة فهذا لا يضره ولا يحرم عليه بالإجماع
لأن الله تعالى جعل له هذا في هذه العبادة ففرق بين جهاده ليقول الناس إنه شجاع أو
ليعظمه الإمام فيكثر إعطاءه من بيت المال فهذا ونحوه رياء حرام وبين أن يجاهد
ليحصل السبايا والكراع والسلاح من جهة أموال العدو فهذا لا يضره مع أنه قد أشرك
ولا يقال لهذا رياء بسبب أن الرياء ليعمل أن يراه غير الله تعالى من خلقه والرؤية
لا تصح إلا من الخلق فمن لا يرى ولا يبصر لا يقال في العمل بالنسبة إليه رياء والمال
المأخوذ في الغنيمة ونحوه لا يقال إنه يرى أو يبصر فلا يصدق على هذه الأغراض لفظ
الرياء لعدم الرؤية فيها وكذلك من حج وشرك في حجه غرض المتجر بأن يكون جل مقصوده
أو كله السفر للتجارة خاصة ويكون الحج إما مقصودا مع ذلك أو غير مقصود ويقع تابعا
اتفاقا فهذا أيضا لا يقدح في صحة الحج ولا يوجب إثما ولا معصية وكذلك من صام ليصح
جسده أو ليحصل له زوال مرض من الأمراض التي ينافيها الصيام ويكون التداوي هو
مقصوده أو بعض مقصوده والصوم مقصوده مع ذلك وأوقع الصوم مع هذه المقاصد لا تقدح
هذه المقاصد في صومه بل أمر بها صاحب الشرع في قوله صلى الله عليه وسلم يا معشر
الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء أي قاطع
فأمر بالصوم لهذا الغرض فلو كان ذلك قادحا لم يأمر به عليه الصلاة والسلام في
العبادات وما معها ومن ذلك أن يجدد وضوءه وينوي التبرد أو التنظيف وجميع هذه
الأغراض لا يدخل فيها تعظيم الخلق بل هي تشريك أمور من المصالح ليس لها إدراك ولا
تصلح للإدراك ولا للتعظيم فلا تقدح في العبادات فظهر الفرق بين قاعدة الرياء في
العبادات وبين قاعدة التشريك في العبادات غرضا آخر غير الخلق مع أن الجميع تشريك
نعم لا يمنع أن هذه الأغراض المخالطة للعبادة قد تنقص الأجر وأن العبادة إذا تجردت
عنها زاد الأجر وعظم الثواب أما الإثم والبطلان فلا سبيل إليه ومن جهته حصل الفرق
لا من جهة كثرة الثواب وقلته
الفرق الثالث والعشرون والمائة بين
قاعدة عقد الجزية وبين قاعدة غيرها مما يوجب التأمين
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
الفرق الثالث والعشرون والمائة بين
قاعدة عقد الجزية وبين قاعدة غيرها مما يوجب التأمين من عقدي المصالحة والتأمين
وذلك أن القاعدتين وإن اشتركا في وجوب الأمان والتأمين إلا أنهما افترقا من وجوه
____________________
(3/44)
وهو إما المصلحة أو الأمان والجميع
يوجب الأمان والتأمين غير أن عقد الجزية يكون لضرورة ولغير ضرورة لأن الله تعالى
إنما أوجب القتال عند عدم موافقتهم على أداء الجزية بقوله حتى يعطوا الجزية عن يد
وهم صاغرون فجعل القتال مغيا إلى وقت موافقتهم على أداء الجزية ولا يعقده إلا
الإمام ويدوم للمعقود لهم ولذراريهم إلى قيام الساعة إلا أن يحصل للعقد ناقض كما
تقدم تفصيل النواقض وأنه ليس رخصة على خلاف القواعد بل على وفق القواعد كما تقدم بيان
ذلك وأما التأمين فيصح من آحاد الناس بخلاف عقد الجزية يشترط أن يكون في عدد محصور
كالواحد ونحوه
وأما الجيش الكثير فالعقد في تأمينه للأمير
على وجه المصلحة ولا يجوز إلا لضرورة تقتضي ذلك وكذلك عقد المصالحة لا يجوز إلا
لضرورة ولا يعقده إلا الإمام ويكون إلى مدة معينة بخلاف الجزية ويجوز بغير مال
يعطونه بخلاف الجزية لا بد فيها من المال وهو رخصة على خلاف قاعدة القتال وطلب
الإسلام منهم ولذلك لا يكون إلا عند العجز عن قتالهم أو إلجائهم إلى الإسلام أو الجزية
وشروط الجزية كثيرة معلومة متقررة في الشرع وشروط المصالحة بحسب ما يحصل الإنفاق
عليها ما لم يكن في الشروط فساد المسلمين وكذلك التأمين ليس له شروط بل بحسب
الواقع واللازم فيه مطلق الأمان والتأمين وعقد الجزية يوجب على المسلمين حقوقا
متأكدة من الصون لهم والذب عنهم كما تقدم بيانه
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
الوجه الأول أن عقد الجزية يكون
لضرورة ولغير ضرورة لأن الله تعالى إنما أوجب القتال عند عدم موافقتهم على أداء
الجزية بقوله تعالى حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون فجعل القتل مغيا إلى وقت
موافقتهم على أداء الجزية وعقد المصالحة لا يجوز إلا لضرورة وكذلك عقد الأمير
تأمين الجيش الكبير لا يجوز إلا لضرورة تقتضيه
والوجه الثاني أن عقد الجزية لا
يعقده إلا الإمام كعقد المصالحة
وأما التأمين فيصح من آحاد الناس
بشرط أن يكون في عدد محصور كالواحد ونحوه وأما الجيش الكبير فعقد تأمينه للأمير
على وجه المصلحة والوجه الثالث أن عقد الجزية يدوم للمعقود لهم ولذراريهم إلى قيام
الساعة إلا أن يحصل للعقد ناقض من النواقض المتقدم تفصيلها وعقد المصالحة إنما
يكون إلى مدة معينة
والوجه الرابع أن عقد الجزية ليس
رخصة على خلاف القواعد بل على وفق القواعد كما تقدم بيان ذلك وعقد المصالحة رخصة
على خلاف قاعدة القتال وطلب الإسلام منهم ولذلك لا يكون إلا عند العجز وقتالهم أو
إلجائهم إلى الإسلام أو الجزية والوجه الخامس أن شروط عقد الجزية كثيرة معلومة
مقررة في الشرع وشروط عقد المصالحة بحسب ما يحصل الاتفاق عليها ما لم يكن في
الشروط فساد على المسلمين وكذلك التأمين ليس له شروط بل بحسب الواقع والوجه السادس
أن عقد الجزية لا بد فيه من المال وعقد المصالحة يجوز بغير مال يعطونه والوجه السابع
أن عقد الجزية يوجب على المسلمين زيادة على الأمن والتأمين حقوقا متأكدة من
____________________
(3/45)
والمصالحة لا توجب مثل تلك الحقوق بل
يكونون أجانب منا لا يتعين علينا برهم ولا الإحسان إليهم لأنهم ليسوا في ذمتنا غير
أنا لا نغدر بهم ولا نتعرض لهم فقط ونقوم بما التزمنا لهم في العقد ومن الشروط
واتفقنا عليها من غير أن نواسي فقيرهم وننصر مظلومهم بل نتركهم ينفصلون بأنفسهم
بخلاف عقد الجزية يجب علينا فيه دفع التظالم بينهم وغير ذلك مما هو مقرر في الفقه
مبسوطا هنالك فهذا هو الفرق بين هذه القواعد
الفرق الرابع والعشرون والمائة بين
قاعدة ما يجب توحيد الله تعالى به من التعظيم وبين قاعدة ما لا يجب توحيده به اعلم
أن توحيد الله تعالى بالتعظيم ثلاثة أقسام واجب إجماعا وغير واجب إجماعا ومختلف
فيه هل يجب توحيد الله تعالى به أم لا القسم الأول الذي يجب توحيد الله تعالى به
من التعظيم بالإجماع فذلك كالصلوات على اختلاف أنواعها والصوم على اختلاف رتبه في
الفرض والنفل والنذر فلا يجوز أن يفعل شيء من ذلك لغير الله تعالى وكذلك الحج ونحو
ذلك وكذلك الخلق والرزق والأمانة والإحياء والبعث والنشر والسعادة والشقاء
هامش أنوار البروق
قال الفرق الرابع والعشرون والمائة
بين قاعدة ما يجب توحيد الله تعالى به من التعظيم وبين قاعدة ما لا يجب توحيده
تعالى به إلى آخر ما قاله في القسم الأول قلت ما قاله في ذلك صحيح قال القسم
الثاني وهو المتفق على عدم التوحيد فيه والتوحد كتوحيده تعالى بالوجود والعلم ونحوهما
إلى آخر ما قاله في هذا القسم
هامش إدرار الشروق
الصون والذب عنهم ودفع التظالم بينهم
وغير ذلك مما هو مقرر ومبسوط في كتب الفقه وتقدم بيانه والمصالحة لا توجب مثل تلك
الحقوق بل يكونون أجانب منا لا يتعين علينا برهم ولا الإحسان إليهم لأنهم ليسوا في
ذمتنا غير أنا لا نغدر بهم ولا نتعرض لهم فقط بل نقوم بما التزمنا لهم في العقد من
الشروط التي اتفقنا عليها ونتركهم ينفصلون بأنفسهم من غير أن ننصر مظلومهم ولا أن
نواسي فقيرهم واللازم في عقد التأمين مطلق الأمان والتأمين والله سبحانه وتعالى
أعلم
الفرق الرابع والعشرون والمائة بين
قاعدة ما يجب توحيد الله تعالى به من التعظيم وبين قاعدة ما لا يجب توحيده به
توحيد الله تعالى بالتعظيم ثلاثة أقسام القسم الأول واجب إجماعا وهو أربعة أنواع
النوع الأول عبادة كالصلوات على اختلاف أنواعها والصوم على اختلاف رتبه في الفرض والنفل
والنذر والحج فلا يجوز أن يفعل شيء من ذلك لغير الله تعالى
____________________
(3/46)
والهداية والإضلال والطاعة والمعصية
والقبض والبسط فيجب على كل أحد أن يعتقد توحيد الله تعالى وتوحده بهذه الأمور على
سبيل الحقيقة وإن أضيف شيء منها لغيره تعالى فإنما ذلك على سبيل الربط العادي لا
أن ذلك المشار إليه فعل شيئا حقيقة كقولنا قتله السم وأحرقته النار ورواه الماء
فليس شيء من ذلك يفعل شيئا مما ذكر حقيقة بل الله تعالى ربط هذه المسببات بهذه
الأسباب كما شاء وأراد ولو شاء لم يربطها وهو الخالق لمسبباتها عند وجودها لا أن تلك
الأسباب هذه الموجدة
وكذلك إخبار الله تعالى عن عيسى عليه
الصلاة والسلام أنه كان يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص معناه أن الله تعالى كان
يحيي الموتى ويبرئ عند إرادة عيسى عليه السلام لذلك لا أن عيسى عليه السلام هو
الفاعل لذلك حقيقة بل الله تعالى هو الخالق لذلك ومعجزة عيسى عليه السلام في ذلك
ربط وقوع ذلك الإحياء وذلك الإبراء بإرادته فإن غيره يريد ذلك ولا يلزم إرادته ذلك
فاللزوم بإرادته هو معجزته عليه السلام وكذلك جميع ما يظهر على أيدي الأنبياء
والأولياء من المعجزات والكرامات الله تعالى هو خالقها وكذلك يجب توحيده تعالى
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله في ذلك غير صحيح فإنه لا
يخلو أن تقول إن الوجود هو عين الموجود أو غيره فإن قلت بالأول لم يصح القول بعدم
التوحيد والتوحد من حيث إن وجود الباري تعالى عين ذاته ووجود غيره عين ذاته
والغيران كل واحد منهما منفرد بذاته غير مشارك فيها فلا يصح على ذلك القول بعدم
التوحيد والتوحد على هذا باعتبار الوجود الخارج عن الذهن
وأما باعتبار الأمر الذهني فلا يصح
على ذلك الاتفاق على القول بعدم التوحيد والتوحد للخلاف في الأمر الذهني وإن قلنا
بالأمر الثاني فلا يصح أيضا القول بعدم التوحيد والتوحد من حيث إن وجود كل واحد من
الغيرين يختص به هذا على القول بإنكار الحال وأما على القول بالحال فلا يخلو أن
يقال إن الحال هي الأمر
هامش إدرار الشروق
والنوع الثاني صفات الأفعال كالخلق
والرزق والإحياء والإماتة والبعث والنشور والسعادة والشقاء والهداية والإضلال
والطاعة والمعصية والقبض والبسط فيجب على كل أحد أن يعتقد توحيد الله وتوحده بهذه
الأمور على سبيل الحقيقة وأن ما أضيف منها لغيره تعالى سواء كان في كلامه تعالى
كإخباره تعالى عن عيسى عليه السلام أنه كان يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص أو
في كلامنا كقولنا قتله السم وأحرقته النار وأرواه الماء ليس معناه أن غيره تعالى
فعل شيئا من ذلك حقيقة بل معناه أن الله تعالى ربط المسببات بأسبابها كما شاء
وأراد سواء كانت الأسباب أسبابا عادية لمسبباتها كما في سببية السم للقتل والنار
للإحراق والماء للإرواء أو أسبابا غير عادية لمسبباتها كما في إرادة عيسى عليه
السلام لإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص
وكذلك جميع ما يظهر على أيدي
الأنبياء والأولياء من المعجزات والكرامات عند إرادة ذلك النبي أو الولي ولو شاء
تعالى لم يربطها وهو الخالق حقيقة لمسبباتها عند وجودها لا أن تلك الأسباب هي
الموجدة حقيقة قلت وذكر شيخ شيوخنا خاتمة المحققين السيد أحمد دخلان رحمه الله
تعالى في رسالة له فيما يتعلق بقوله تعالى يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم
والذين من قبلكم الآية أن لربط الله تعالى المسببات بأسبابها حكما ومصالح كثيرة
منها أن المكلفين إذا تحملوا المشقة في الحرث
____________________
(3/47)
باستحقاق العبادة والإلهية وعموم
تعلق صفاته تعالى فيتعلق علمه بجميع المعلومات وإرادته بجميع الكائنات وبصره بجميع
الموجودات الباقيات والفانيات وسمعه بجميع الأصوات وخبره بجميع المخبرات فهذا
ونحوه توحيد واجب بالإجماع من أهل الحق لا مشاركة لأحد فيه
القسم الثاني وهو المتفق على عدم
التوحيد فيه والتوحد كتوحيده بالوجود والعلم ونحوهما فمفهوم الوجود مشترك فيه سواء
قلنا هو عين الموجود أو غيره فإن قلنا الوجود زائد على الموجود فهو مشترك فيه في
الخارج وإن قلنا وجود كل شيء نفس ماهيته فنريد نفس ماهيته في الخارج وأما في الذهن
فنحن نتصور من معنى الوجود معنى عاما يشمل الواجب والممكن فتلك الصورة الذهنية
وقعت الشركة فيها فعلمنا أن التوحيد في أصل الوجود غير واقع على التقديرين وكذلك
مفهوم العلم من حيث هو علم وقعت الشركة فيه بين الواجب والممكن وكذلك مفهوم الحياة
والسمع والبصر والإرادة والكلام النفساني
هامش أنوار البروق
الذهني أو لا فإن قلنا بالأول لم يصح
الاتفاق على عدم التوحيد والتوحد للخلاف في الأمر الذهني وإن قلنا بالثاني لم يصح
القول بعدم التوحيد والتوحد لاختصاص كل واحد من الغيرين بحاله كما سبق في الوجود
وما قاله من أنه لولا الشركة في أصول هذه المفهومات لتعذر علينا قياس الغائب على
الشاهد ليس بصحيح من حيث إن الشركة في أصول هذه المفهومات لم تثبت فيتعذر قياس
الغائب على الشاهد وما ذكر من أن بعض الفضلاء أورده وارد وجوابه بالتزام بطلان
قياس الغائب على الشاهد وعدم تعذر إثبات الصفات لذلك لأنه لا يتعين لإثباتها قياس الغائب
على الشاهد وما أجاب هو به عن ذلك السؤال لا يصح إلا على القول بالأحوال ولا حاجة
إلى ذلك لعدم تعين قياس الغائب على الشاهد للدلالة على الصفات والله تعالى أعلم
وما قاله في القسم بعده صحيح
هامش إدرار الشروق
والغرس طلبا للثمرات وكدوا أنفسهم في
ذلك حالا بعد حال علموا أنهم لما احتاجوا إلى تحمل هذه المشاق لطلب هذه المنافع
الدنيوية فلأن يحتاجوا إلى تحمل مشاق الطاعة التي هي أقل من مشاق المنافع الدنيوية
من باب أولى لأن مشاق الطاعة تثمر المنافع الأخروية التي هي أعظم من الدنيوية
ومنها أنه تعالى أجرى عادته بتوقف
الشفاء على الدواء في بعض الأحيان ليعلم الإنسان أنه إذا تحمل مرارة الأدوية دفعا
لضرر المرض فلأن يتحمل مشاق التكليف دفعا لضرر العقاب من باب أولى ومنها أنه
سبحانه وتعالى لو خلق المسببات دفعة واحدة من غير وسائط أسبابها لحصل العلم
الضروري باستنادها إلى القادر الحكيم وذلك كالمنافي للتكليف والابتلاء لأنه لا
يبقى كافر ولا جاحد حينئذ فلما خلقها بهذه الوسائط ظهرت حكمة التكليف والابتلاء
وتميزت الفرقة الموصوفة بالشقاء عن الفرقة الموصوفة بالشقاء لأن المهتدي يفتقر في استنادها
إلى القادر المختار إلى نظر دقيق وفكر غامض فيستوجب الثواب ولهذا قيل لولا الأسباب
لما ارتاب مرتاب ومنها أنه يظهر للملائكة وأولي الاستبصار عبر في ذلك وأفكار صائبة
إلى غير ذلك من الحكم التي لا يحيط بها إلا الواحد القهار
ولما كان المقصود من الاستدلال بهذه
الآية على وجود الصانع واتصافه بالكمالات واستحقاقه لأنواع إنما هو العلم وكان علم
الإنسان بأحوال نفسه أظهر من علمه
____________________
(3/48)
وأنواعه من الطلب في الأمر والنهي
والخبر وغير ذلك من أنواع الكلام النفساني ولولا الشركة في أصول هذه المفهومات
لتعذر علينا قياس الغائب على الشاهد فإن القياس بغير مشترك متعذر وقياس المباين
على مباينه لا يصح
وقد أورد بعض الفضلاء هذا السؤال
فقال إن كان القياس صحيحا لمعنى مشترك بين الشاهد والغائب فقد وقعت المشابهة بين
صفات الله تعالى وصفات البشر والله سبحانه وتعالى لا تشبه ذاته ذاتا ولا صفة من
صفاته صفة من صفات غيره ليس كمثله شيء وهو السميع البصير والسلب الذي في هذه الآية
عام في الذات والصفات وإن لم يكن القياس صحيحا تعذر إثبات الصفات فإن مستندها قياس
الغائب على الشاهد
والجواب عن هذا السؤال أن السلب
للمثلية المستفاد من الآية صحيح والقياس أيضا صحيح ووجه الجمع بينهما أن المعاني
لها صفات نفسية تقع الشركة فيها فبها يقع القياس وتلك الصفات النفيسة حكم لذلك المعنى
وحال من أحواله النفسية وهي حالة غير معللة وذلك كما نقول كون السواد سوادا وكون
البياض بياضا حالة للسواد والبياض وهي حالة غير معللة وهذه الحال لا موجودة ولا
معدومة فليس خصوص السواد الذي امتاز به على جميع الأعراض صفة وجودية قائمة بالسواد
وكذلك كونه عرضا ليس بصفة وجودية قائمة بالسواد بل السواد في نفسه بسيط لا تركيب
فيه وحقيقة واحدة في الخارج ليس لها صفة بل يوصف بها ولا
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
بأحوال غيره قدم سبحانه وتعالى فيها
دلائل الأنفس على دلائل الآفاق ومن دلائل الأنفس نفس الإنسان ثم ذكر آبائه وأمهاته
بقوله والذين من قبلكم
ومن دلائل الآفاق الأرض لأنها أقرب
إلى الإنسان من السماء ومعرفته بحالها أكثر من معرفته بحال السماء وقدم ذكر السماء
على ذكر الماء وخروج الثمرات بسبب الماء لأن ذلك كالأثر المتولد من السماء والأرض
والأثر متأثر عن المؤثر وروي أن بعض الزنادقة أنكر الصانع عند جعفر الصادق رضي
الله عنه فقال له جعفر هل ركبت البحر قال نعم قال هل رأيت أهواله قال نعم هاجت
يوما رياح هائلة فكسرت السفن وأغرقت الملاحين فتعلقت ببعض ألواحها ثم ذهب عني ذلك
اللوح فإذا أنا مدفوع في تلاطم الأمواج حتى دفعت إلى الساحل فقال جعفر قد كان
اعتمادك من قبل على السفينة والملاح واللوح بأنه ينجيك فلما ذهبت هذه الأشياء عنك
هل أسلمت نفسك للهلاك أم كنت ترجو السلامة بعده قال بل رجوت السلامة قال ممن
ترجوها فسكت الرجل فقال جعفر إن الصانع هو الذي ترجوه ذلك الوقت وهو الذي أنجاك من
الغرق فأسلم الرجل على يده وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمران بن حصين
رضي الله عنهما كم لك من آلة قال عشرة قال فمن نعمك وكرمك ورفع الأمر العظيم إذا
نزل بك من جملتهم قال الله تعالى فقال عليه السلام ما لك من إله إلا الله
وكان الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه
سيفا على الدهرية وكانوا ينتهزون الفرصة ليقتلوه فبينما هو قاعد في مسجده إذ هجم
عليه جماعة منهم بأيديهم سيوف مسلولة وهموا بقتله فقال لهم أجيبوني على مسألة ثم
افعلوا ما شئتم فقالوا له هات فقال ما تقولون في رجل يقول لكم إني رأيت سفينة
مشحونة بالأحمال مملوءة بالأثقال قد
____________________
(3/49)
توصف بصفة وجودية حقيقة تقوم بها
وكذلك القول في بقية المعاني
فكذلك كون العلم علما صفة نفسية
وحالة له ليست صفة موجودة في الخارج قائمة بالعلم فالقياس وقع بهذه الحالة النفسية
والحكم النفسي لا بصفة وجودية وكذلك القول في الإرادة والحياة وغيرهما من بقية
الصفات وإذا كان القياس إنما هو باعتبار أمر مشترك بين الشاهد والغائب وهو حكم نفسي
وحالة ذاتية ليست بموجودة في الخارج فالسلب الذي في الآية معناه أن المثلية منفية
بين الذات وجميع الذوات
وكل صفة له تعالى وبين جميع صفات
المخلوقات في أمر وجودي فإنه لا صفة وجودية مشتركة بين الله وخلقه ألبتة بل الشركة
إنما وقعت في أمور ليست موجودة في الخارج كالأحوال والأحكام والنسب والإضافات كالتقدم
والتأخر والقبلية والبعدية والمعية وغير ذلك من النسب والإضافات أما في صفة وجودية
فلا فهذا وجه الجمع بين قياس الشاهد على الغائب وبين نفي المشابهة وبسط هذا في كتب
أصول الدين وقد بسطته في شرح الأربعين وأوردت هذا السؤال وأجبت عنه هنالك مبسوطا
فهذا القسم ونحوه لا يجب التوحيد فيه على هذا التفسير إجماعا فيجوز أن يوصف
المخلوق بأنه عالم ومريد وحي وموجود ومخبر وسميع وبصير ونحو ذلك من غير اشتراك في
اللفظ بل باعتبار معنى عام على ما تقدم تفسيره
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
احتوشتها في لجة البحر أمواج متلاطمة
ورياح مختلفة وهي من بينها تجري مستوية ليس لها ملاح يجريها ولا مدبر يدبر أمرها
هل يجوز ذلك في العقل قالوا لا هذا شيء لا يقبله العقل فقال أبو حنيفة يا سبحان
الله إذا لم يجوز العقل سفينة تجري من غير ملاح يديرها في جريانها فكيف يجوز قيام
هذه الدنيا على اختلاف أحوالها وتغير أعمالها وسعة أطرافها من غير صانع وحافظ فبكوا
جميعا وقالوا صدقت وأغمدوا سيوفهم وتابوا
وروي أن بعض الدهرية سأل الإمام
الشافعي رضي الله عنه ما الدليل على الصانع فقال ورقة الفرصاد أي التوت طعمها واحد
ولونها واحد وريحها واحد وطبعها واحد عندكم قالوا نعم قال فتأكلها دودة القز فيخرج
منها الإبريسم وتأكلها النحل فيخرج منها العسل وتأكلها الشاة فيخرج منها البعر
وتأكلها الظبية فينعقد في نوافجها المسك فمن الذي جعلها كذلك مع أن الطبع واحد
فاستحسنوا ذلك وآمنوا على يده وكانوا سبعة عشر ا ه
المراد فالله تعالى هو الخالق
للممكنات وللعباد وأفعالهم جميعا قال العلامة الأمير علي عبد السلام على جوهرة
التوحيد وليس لقدرة العبد إلا مجرد المقارنة كالأسباب العادية معها لا بها وليس
خلق الله تعالى بآلة خلافا لقول ابن عربي للعبد آلة والعبد آلة لفعل الرب ذكره في وما
رميت أي إيجابا إذ رميت كسبا فلا تناقض ومع أن الفعل له تعالى فالأدب أن لا ينسب
له إلا الحسن بإشارة ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وإن
كان معناه كسبا بدليل الأخرى قل كل من عند الله أي خلقا وانظر لقول الخضر فأردت أن
أعيبها مع قوله فأراد ربك أن يبلغا أشدهما
____________________
(3/50)
القسم الثالث الذي اختلف فيه هل يجب
توحيد الله تعالى به أم لا فهذا هو التعظيم بالقسم فهل يجوز أن يقسم بغير الله
تعالى فلا يكون من التعظيم الذي وجب التوحيد فيه أو لا يجوز فيكون من التعظيم الذي
وجب التوحيد فيه وهذا القسم هو الذي سيق الفرق لأجله لأنه المتعلق بالقواعد
الفقهية وقد اختلف العلماء فيه فقال الشيخ الفقيه أبو الوليد بن رشد في المقدمات
هو مباح كالحلف بالله تعالى وبأسمائه الحسنى وبصفاته العلا ومحرم كالحلف باللات والعزى
وما يعبد من دون الله تعالى لأن الحلف تعظيم وتعظيم هذه الأشياء قد يكون كفرا
وأقله التحريم ومكروه وهو الحلف بما عدا ذلك
وقاله الشافعي رضي الله تعالى عنه
لما في مسلم قال صلى الله عليه وسلم ألا إن الله تعالى نهاكم أن تحلفوا بآبائكم
فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت ومن المكروه الحلف بالرسول صلى الله عليه
وسلم أو بالكعبة وقال أبو الحسن اللخمي بالمخلوقات كالنبي صلى الله عليه وسلم
ممنوع فمن فعل ذلك استغفر الله تعالى واختلف في جواز الحلف بصفات الله تعالى
كالقدرة والإرادة والعلم ونحوها من الصفات السبعة فالمشهور الجواز ولزوم الكفارة
في ذلك إذا حنث وقاله أبو حنيفة والشافعي وابن حنبل رضي الله تعالى عنهم أجمعين
وروي عن مالك رحمه الله الكراهة في لعمر الله وأمانة الله وإن حلف بالقرآن والمصحف
ليس بيمين ولا كفارة فيه
وقال الشيخ جلال الدين في الجواهر لا
يجوز الحلف بصفات الله الفعلية كالرزق
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
والنوع الثالث استحقاق العبادة
والآلهية وعموم تعلق صفاته تعالى فيتعلق علمه بجميع المعلومات وإرادته بجميع
الممكنات وبصره بجميع الموجودات الباقيات والفانيات وسمعه بجميع الأصوات وخبره
بجميع المخبرات فتوحيده تعالى في هذا ونحوه واجب بالإجماع من أهل الحق لا مشاركة
لأحد فيه والنوع الرابع كل لفظ أشهر استعماله في حق الله تعالى خاصة كلفظ الله
والرحمن ولفظ تبارك فلا يجوز إطلاقه على غيره تعالى فلا يسمى بالله والرحمن غيره
تعالى وتقول تبارك الله أحسن الخالقين ولا تقول تبارك زيد قلت وإطلاق بني حنيفة على
مسيلمة رحمن اليمامة وقال شاعرهم علوت بالمجد يا ابن الأكرمين أبا وأنت غيث الورى لا
زلت رحمانا قال الصبان في رسالته البيانية أجاب الزمخشري عنه بأنه من تفننهم في
كفرهم قال المحقق المحلي إلا أن هذا الاستعمال غير صحيح دعاهم إليه لجاجهم في
كفرهم بزعمهم نبوة مسيلمة دون النبي صلى الله عليه وسلم كما لو استعمل كافر لفظة
الله في في غير الباري من آلهتهم
ا ه قال شيخ الإسلام أي فخرجوا
بمبالغتهم في كفرهم عن منهج اللغة حيث استعملوا المختص بالله تعالى في غيره
ا ه قال الأنبابي وقد عارض شاعرهم
ابن جماعة بقوله علوت بالكذب يا ابن الأخبثين أبا وأنت مغوي الورى لا زلت شيطانا
قال وهؤلاء الأئمة الأعلام لم يقولوا ما ذكر كما لا يخفى إلا بالوقوف على ما يدل
على الاختصاص
____________________
(3/51)
والخلق ولا يجب فيه كفارة ويدل على
جواز الحلف بصفات الله تعالى القديمة ما في البخاري أن أيوب عليه الصلاة والسلام
قال بلى وعزتك لا غنى لي عن بركتك فإن قلت فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
في حديث الأعرابي السائل عما يجب عليه أفلح وأبيه إن صدق فقد حلف عليه الصلاة
والسلام بأبي الأعرابي وهو مخلوق قلت قد اختلف في صحة هذه اللفظة في الحديث فإنها
ليست في الموطإ بل أفلح إن صدق فلنا منعها على الخلاف في زيادة العدل في روايته أو
نجيب بأنه منسوخ بالحديث المتقدم قاله صاحب الاستذكار ابن عبد البر أو نقول هذا
خرج مخرج توطئة الكلام لا الحلف نحو قولهم قاتله الله تعالى ما أشجعه ولا يريدون
الدعاء عليه بل توطئة الكلام ومنه قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها
تربت يداك ومن أين يكون الشبه ولم يرد الدعاء عليها بالفقر الذي يكنى بالإلصاق
بالتراب تقول العرب التصقت يده بالأرض وبالتراب إذا افتقر بل أراد عليه الصلاة
والسلام توطئة الكلام
فإذا تقرر القسم المختلف في توحيد
الله تعالى به في الحلف فهل يجوز أن يشرك معه غيره بأن يقسم عليه ببعض مخلوقاته
بأن يقول بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم عليك أو بحرمة الأنبياء والصالحين إلا
غفرت لنا أو بحق الملائكة المقربين إلا سترت علينا أو بحرمة البيت الحرام
والطائفين والقائمين والركع السجود إلا هديتنا هديهم وسلكت بنا سبيلهم
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
لغة وهو لا يكون إلا باشتراط الوضع
عدم استعماله في غيره تعالى إذ من المعلوم أن اختصاص المشتق بشيء بحيث يكون إطلاقه
على غيره فاسدا لغة وإن قام مبدأ الاشتقاق بذلك الغير لا يتأتى إلا باشتراط الواضع
أن هذا المشتق لا يستعمل في غيره وهو وإن كان بعيدا في ذاته لكن حيث نقل الأئمة
الموثوق بهم اختصاصه وجب قبول قولهم ولا عبرة بالبعد كما لا يخفى ودعوى سم عدم الدليل
على الاشتراط لا تسمع وأي مانع من كون هؤلاء الأئمة أخذوا عن العرب مشافهة أو
بواسطة أنه لا يصح استعمال الرحمن في غيره تعالى وهو دليل اشتراط الوضع فإن ما
يحكم به العربي فيما يتعلق باللغة بمقتضى ما يعلمه إنما يكون بسبب حكم الواضع كما
لا يخفى وكون العربي يخرج بتعنته عن اللغة ويكابر فيها مما لا يشك فيه
فالحق هو الجزم بخطأ بني حنيفة في
إطلاق الرحمن على غيره تعالى وما أفاده قول الجلال المحلي كما لو استعمل كافر لفظة
الله إلخ مع أنه لا يصح ذلك الاستعمال لغة لا حقيقة ولا مجازا مسلم لا يرد عليه أن
الصحيح جواز التجوز في الأعلام لأن سبيل هذا أيضا نقل الأئمة الموثوق بهم فلفظ
الجلالة مستثنى بلا شبهة فلا محل لهذا الإشكال ولا لدعوى عدم الدليل على اشتراط
الواضع أنه لا يستعمل في غيره تعالى ولا لدعوى أنه يصح جواز إطلاقه على غيره تعالى
مجازا بعلة أن الصحيح جواز التجوز في الأعلام
وكذا لا محل لدعوى أن المختص به
تعالى المعرف بأل دون غيره على أن سهيل بن عمرو لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم
عليا كرم الله تعالى وجهه في صلح الحديبية بكتابة بسم الله الرحمن الرحيم قال لا
نعرف الرحمن إلا صاحب اليمامة وهذا صريح في أنهم كانوا يطلقونه معرفا ومنكرا فلا
تنفع هذه الدعوى وكذا
____________________
(3/52)
فقد ورد ذلك في بعض الأحاديث أو
يمتنع لأنه قسم وتعظيم القسم بغير الله تعالى وقد توقف في هذا بعض العلماء ورجح
عنده التسوية بين الحلف بغير الله وبين الحلف على الله تعالى بغيره وقال الكل قسم
وتعظيم فإن قلت قد حلف الله تعالى بالشمس وضحاها والتين والزيتون والسماء والطارق
وغير ذلك من المخلوقات فكيف يختلف في الجواز مع وروده في القرآن متكررا
قلت اختلف العلماء في الواقع في
القرآن من ذلك فمنهم من قال فيه كله مضاف محذوف تقديره أقسم برب الشمس أقسم برب
التين والزيتون وكذا البواقي فما وقع الحلف إلا بالله تعالى دون خلقه ومنهم من قال
إنما أقسم الله تعالى بها تنبيها لعباده على عظمتها عنده فيعظمونها ولا يلزم من
الحجر على الخلق في شيء أن يثبت ذلك الحجر في حقه تعالى فإنه الملك المالك على
الإطلاق يأمر بما يشاء ويحكم بما يريد من غير اعتراض ولا نكير فيحرم على عباده ما
يشاء ولا يحرم شيء من ذلك عليه فإن قلت إذا قلنا بالحلف بصفات الله تعالى المعنوية
كالعلم والكلام ونحوهما فهل القرآن من هذا القبيل وكذلك التوراة والإنجيل والزبور
وسائر الكتب المنزلة أم ليس كذلك قلت قال أبو حنيفة هذه الأشياء ليست منها وإن كان
كلام الله تعالى النفسي منها لاشتهار لفظ القرآن في الأصوات المسموعة عرفا وأنه لا
يفهم من إطلاق لفظ القرآن إلا هذه الأصوات
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
لا محل لدعوى أن الاختصاص شرعي لا
لغوي ودعوى أنه لا إشكال على القول بأنه شرعي دون القول بأنه لغوي علمت ما فيها
وأن الواقع عكس ذلك وعلمت أن دعوى أن علة اختصاصه هي كون معناه المنعم الحقيقي
البالغ من الإنعام غايته أو المنعم بجلائل النعم وذلك لا يصدق على غيره تعالى
المقتضي أن الاختصاص شرعي لا لغوي لا تصح إذ لا وجه لرد كلام الأئمة الأعلام بمجرد
عدم الاطلاع على دليلهم فالحق أن منع إطلاق الرحمن على غيره تعالى لغوي وشرعي وأنه
مجاز لا حقيقة له ا ه
أي لأن حقيقة الرحمة وهي ورقة القلب
مستحيلة في حقه تعالى فالمراد منها لازمها وهو إرادة الإحسان أو الإحسان القسم
الثاني قال الأصل ما لا يجب التوحيد والتوحد به كتوحيده بالوجود لأنه إما عين
الموجود أو غيره ومفهومه على الثاني مشترك فيه خارجا وعلى الأول مشترك فيه ذهنا لا
خارجا لأن المراد بقولنا وجود كل شيء نفس ماهيته أنه نفسها في الخارج وأما في
الذهن فنتصور من معناه معنى عاما يشمل الوجود الواجب والوجود الممكن فوقعت الشركة
في تلك الصورة الذهنية فلم يقع التوحيد في أصل الوجود على التقديرين وكتوحيده
بالعلم والحياة والسمع والبصر والإرادة والكلام النفساني وأنواعه من الطلب في
الأمر والنهي والخبر وغير ذلك لثبوت الشركة في أصول هذه المفهومات وإلا فقياس
الغائب على الشاهد بغير مشترك متعذر إذ لا يصح قياس المباين على مباينه وإذا لم
يصح قياس للغائب على الشاهد
____________________
(3/53)
والحروف والأصوات والحروف مخلوقة
فعند الإطلاق ينصرف اللفظ إليها والحلف بالمخلوق منهي عنه
والمنهي عنه لا يوجب كفارة فلا يجب
بالحلف بالقرآن كفارة وكذلك بقية الكتب
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
تعذر إثبات الصفات فإنه مستندها وكون
السلب في قوله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير عاما في الذات والصفات وإن
أورده الفضلاء لا يرد لإمكان الجمع بين صحة سلب المثلية المستفاد من الآية وبين
صحة القياس بكون السلب باعتبار معاني تلك الصفات والقياس باعتبار أحوال معانيها
النفسانية التي هي غير معللة ولا موجودة ولا معدومة
فكما نقول كون السواد سوادا وكون البياض
بياضا حالة للسواد والبياض غير معللة ولا موجودة ولا معدومة فليس خصوص السواد
بالذي امتاز به على جميع الأعراض صفة وجودية قائمة بالسواد بل السواد في نفسه بسيط
لا تركيب فيه وحقيقة واحدة في الخارج ليس لها صفة بل يوصف بها ولا توصف بصفة
وجودية حقيقة تقوم بها وكذلك القول في بقية المعاني كذلك تقول كون العلم علما صفة
نفسية وحالة له ليست صفة موجودة في الخارج قائمة بالعلم وكذلك القول في الإرادة
والحياة وغيرهما من بقية الصفات فالقياس إنما هو باعتبار أمر مشترك بين الشاهد
والغائب هو حكم نفسي وحالة ذاتية ليست بموجودة في الخارج ومعنى السلب في الآية أن
المثلية منفية بين الذات وجميع الذوات وبين كل صفة له تعالى وجميع صفات المخلوقات
في أمر وجودي إذ لا صفة وجودية مشتركة بين الله تعالى وخلقه ألبتة بل الشركة إنما وقعت
في أمور ليست موجودة في الخارج كالأحوال والأحكام والنسب والإضافات كالتقدم
والتأخر والقبلية والبعدية والمعية وغير ذلك من النسب والإضافات ا ه ملخصا
وتعقبه ابن الشاط أولا بأن عدم
التوحيد والتوحد إجماعا لا يصح لا على أن الوجود عين الموجود لأنه إما باعتبار
الوجود الخارجي فيختص كل من الباري تعالى وغيره بوجود منفرد بذاته غير مشارك فيه
وإما باعتبار الوجود الذهني فيجري الخلاف في وجوده ضمن أفراده كما مر ولا على أن
الوجود غير الموجود لأنه إما على إنكار الحال فيختص كل من الباري تعالى وغيره بوجوده
وإما على القول بالحال فإما على أن الحال هو الأمر الذهني فيجري الخلاف في وجوده
ضمن إفراده كما مر
وأما على أن الحال هو الأمر الذي له
ثبوت في نفسه وفي محله فيختص كل من الباري تعالى وغيره بحاله كما سبق في الوجود
وثانيا بأن الشركة في أصول مفهومات العلم وما معه من صفات المعاني كنطق العلم مثلا
بين علمه تعالى وعلم غيره لم يثبت فيتعذر قياس الغائب على الشاهد بل على فرض
ثبوتها وعدم التعذر نلتزم بطلان قياس الغائب على الشاهد بمنع اللزوم في نحو قولنا
لو لم يتصف بالكلام مثلا لزم النقص لإمكان أنه نقص في الشاهد عندنا فقط كعدم
الزوجية والولد فيندفع ما أورده بعض الفضلاء بناء على تسليم صحة القياس ولا نسلم
تعذر إثبات الصفات ببطلانه إذ لا يتعين مستندا لإثباتها فلا حاجة للجواب عن
الإيراد المذكور بما لا يصح إلا على القول بالأحوال والحق خلافه ا ه بتلخيص وتوضيح
للمراد
قلت وقوله إذ لا يتعين مستندا
لإثباتها أي فإنها قد تثبت بورود إطلاق مشتقاتها عليه تعالى والأصل في الإطلاق
الحقيقة مع إجماع أهل الملل والأديان وجميع العقلاء على الإطلاق المذكور نعم في
الأمير على عبد السلام على جوهرة التوحيد وفي الخيالي على الاستدلال بالمشتق يقتضي
ثبوت المأخذ في السعد إن أرادوا اقتضاء ثبوت
____________________
(3/54)
وقال مالك يجب عليه الكفارة إذا حلف
بالقرآن لانصرافه عنده للكلام القديم النفسي والظاهر ما قاله أبو حنيفة رضي الله
عنه فإنا لا نفهم من قبول القائل القرآن وهو يحفظ القرآن وكتب القرآن إلا هذه
الأصوات والرقوم المكتوبة بين الدفتين وهو الذي يفهم من
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
المأخذ في نفسه بحسب الخارج فمنقوض
بمثل الواجب والموجود أي مما لا يقتضي الغيرية وإن أرادوا ثبوته لموصوفه بمعنى
إنصافه به فلا يتم ذلك غرضهم
قال الأمير وقول عبد الحكيم في دفع
النقض قيل فرق لأن المأخذ أي في صفات المعاني تثبت غيريته مدفوع بأن الغيرية لم
تثبت في حقه تعالى عند الخصم وفي الخيالي قال صاحب المواقف لا تثبت في غير الإضافة
وفي عبد الحكم عليه ما نصه بالحرف قال صاحب المواقف إلا حجة على ثبوت أمر سوى
الإضافة التي يصير بها العالم عالما والمعلوم معلوما قال المحقق الدواني في شرح
العقائد العضدية اعلم أن مسألة زيادة الصفات وعدم زيادتها ليست من الأصول التي يتعلق
بها تكفير أحد الطرفين وقد سمعت بعض الأصفياء أنه قال عندي إن زيادة الصفات وعدمها
وأمثالهما لا يدرك إلا بكشف حقيقي للعارفين وأما من تمرن في الاستدلال فإن اتفق له
كشف فإنما يرى ما كان غالبا على اعتقاده بحسب النظر الفكري ولا أرى بأسا في اعتقاد
أحد طرفي النفي والإثبات في هذه المسألة ا ه
قال الأمير ولو اختير الوقف لكان
أنسب وأسلم من افتراء الكذب على الله تعالى وماذا على الشخص إذا لقي ربه جازما
بأنه على كل شيء قدير مقتصرا عليه مفوضا علم ما وراء ذلك إليه لكن اشتهر عند الناس
كلام الجماعة على حد قول الشاعر وهل أنا إلا من غزية إن غوت
غويت وإن ترشد غزية أرشد قال وقال
الشعراني في اليواقيت يتلخص من جميع كلام الشيخ الأكبر رحمه الله أنه قائل بأن
الصفات عين لا غين كشفا ويقينا وبه قال جماعة من المتكلمين وما عليه أهل السنة
والجماعة أولى والله تعالى أعلم بالصواب ا ه
ثم قال الأمير بعد أوراق قال الشمس
السمرقندي في الصحائف والخلاف في كون صفات المعاني ليست بغير الذات كما للجمهور أو
غيرها نظرا للمفهوم وزيادة الوجود وإن لم تنفك كما لبعضهم خلاف لفظي ولكون الصفات
ليست غير أوقع في بعض العبارات التسمح بإضافة ما للذات لها نحو تواضع كل شيء
لقدرته وفي الحقيقة اللام للأجل أي تواضع كل شيء لذاته لأجل قدرته وإلا فعبادة
مجرد الصفات من الإشراك كما أن عبادة مجرد الذات فسق وتعطيل عند الجماعة وإنما
الذات المتصفة بالصفات وفي الحقيقة الذات من حيث هي ذات لا سبيل لها وإنما حضرتها وحدة
محضة حتى قالوا إن في قولهم في الذات تسمحا لأن بتجليها يتلاشى ما سواها وإنما
الآثار ممسوكة بالصفات فكيف تنفى وإذا وصل العارف لوحدة الوجود في الكون فلا يتوقف
في التوحيد مع ثبوت الصفات ولا يعقل افتقار في ذات اتصفت بالكمالات فلا تغتر بما
سبق عن الشيخ الأكبر يعني قوله في باب الأسرار بناء على ميله لنفي زيادة الصفات من
الأدب أن تسمى الصفات أسماء لأن الله تعالى قال ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها
وما قال فصفوه بها فمن عرفه حق المعرفة الممكنة للعالم سماه ولم يصفه قال ولم يرد
لنا خبر في الصفات إلى أن قال وقد قال تعالى سبحان ربك رب العزة عما يصفون فنزه
نفسه في
____________________
(3/55)
نهيه عليه الصلاة والسلام عن أن
يسافر بالقرآن إلى أرض العدو فإن المسافرة متعذرة بالقديم وروي عن مالك مثل ما
قاله أبو حنيفة رضي الله تعالى عنهم أجمعين ومن الألفاظ التي نص العلماء على توحيد
الله تعالى بها لفظ الله والرحمن فلا يجوز إطلاقهما
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
هذه الآية عن الصفة لا عن الاسم فهو
المعروف بالاسم لا بالصفة كما في يواقيت الشعراني أواخر المبحث الحادي عشر فتأمل
بتدقيق فهو غاية التحقيق
القسم الثالث ما اختلف في وجوب توحيد
الله تعالى به وعدم وجوبه من التعظيم بالقسم أو الإقسام وهذا القسم هو المتعلق
بالقواعد الفقهية فلأجله سيق الفرق أما القسم ففي بداية المجتهد لحفيد بن رشد مع
زيادته من الأصل اتفق الجمهور على أن الأشياء منها ما يجوز في الشرع أن يقسم به
ومنها ما لا يجوز أن يقسم به واختلفوا أي الأشياء هي المتصفة بالجواز والمتصفة
بعدمه فقال قوم إن الحلف المباح في الشرع هو الحلف بالله وأن الحالف بغير الله عاص
وعليه قول أبي الحسن اللخمي الحلف بالمخلوقات كالنبي صلى الله عليه وسلم ممنوع فمن
فعل ذلك استغفر الله تعالى ا ه
وقال قوم بل يجوز الحلف بكل معظم
بالشرع وعليه قول أبي الوليد بن رشد في المقدمات الحلف باللات والعزى وما يعبد من
دون الله تعالى محرم لأنه تعظيم وتعظيم هذه الأشياء قد يكون كفرا وأقله التحريم
وبما عدا ذلك من المخلوقات كالرسول صلى الله عليه وسلم والكعبة والآباء مكروه ا ه
وقاله الشافعي رضي الله عنه والذين قالوا
إن الأيمان المباحة هي الأيمان بالله تعالى اتفقوا على إباحة الأيمان بأسمائه
واختلفوا في الأيمان التي بصفاته وأفعاله وسبب اختلافهم في الحلف بغير الله من
الأشياء المعظمة بالشرع أن ظاهر الكتاب حيث حلف الله تعالى في الكتاب بالشمس
وضحاها والتين والزيتون والسماء والطارق وغير ذلك من المخلوقات وظاهر قوله صلى
الله عليه وسلم في حديث الأعرابي السائل عما يجب عليه أفلح وأبيه إن صدق فقد حلف
عليه الصلاة والسلام بأبي الأعرابي وهو مخلوق معارضان لما في مسلم قال صلى الله
عليه وسلم ألا إن الله تعالى نهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله
أو ليصمت فمن جمع بين حديث مسلم وبين الكتاب وحديث الأعرابي بقوله في الكتاب إما
مضاف محذوف تقديره ورب النجم ورب السماء والطارق
وكذا البواقي فما وقع الحلف إلا
بالله تعالى دون خلقه وإما أن إقسامه تعالى بها تنبيه لعباده على عظمتها عنده فيعظمونها
ولا يلزم من الحجر على الخلق في شيء أن يثبت ذلك الحجر في حقه تعالى فإنه الملك
على الإطلاق يأمر بما يشاء ويحكم بما يريد من غير اعتراض ولا نكير فيحرم على عباده
ما يشاء دون أن يحرمه على نفسه وحديث الأعرابي إما أنه منسوخ بحديث مسلم وإما أن
لفظة وأبيه فيه لم يقصد بها الحلف بل التوطئة على حد قولهم قاتله الله تعالى ما
أشجعه وقوله عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها تربت يداك ومن أين يكون
الشبه فإن النبي صلى الله عليه وسلم والعرب لم يريدوا الدعاء بالقتل ولا بالفقر
الذي يكني عنه بالإلصاق بالتراب تقول العرب التصقت يده بالأرض وبالتراب إذا افتقر
وإنما أرادوا توطئة الكلام أو إنها ليست في الموطإ وإنما فيه أفلح إن صدق وزيادة العدل
في روايته اختلف في قبولها قال الأيمان المباحة هي الحلف بالله تعالى ومن جمع
بينهما بقوله المقصود بحديث مسلم إنما هو أن لا يعظم من لم يعظم الشرع بدليل قوله
فيه ألا إن الله نهاكم أن تحلفوا بآبائكم وأن هذا من باب الخاص أريد به
____________________
(3/56)
على غيره ولا يسمى بهما غيره ومن ذلك
لفظ تبارك فتقول تبارك الله أحسن الخالقين ولا تقول تبارك زيد وكذلك كل لفظ اشتهر
استعماله في حق الله تعالى خاصة لا يجوز إطلاقه على غيره وهذه الأمور من القرآن
وتبارك ونحوها مما يقبل الحكم فيها التغير إذا
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
العام أجاز الحلف بكل معظم في الشرع
في سبب اختلافهم هو اختلافهم في بناء الآية وحديث مسلم ا ه
وعلى الجمع الأول اقتصر العلامة
الأمير حيث قال في ضوء الشموع عند قوله في المجموع وحرم حلف بغير الله ما نصه
وإقسام الله تعالى بالنجم ونحوه لأن له أن يقسم بما شاء وبأسراره التي يعلمها في
أفعاله تنبيها على عظمتها ولسريان سر الحق فيها من غير حلول ولا اتحاد فإنها
مظاهره مع تنزهه كما يعلم ونحن لوقوفنا على ظاهرها وحبسنا مع غيريتها نهينا ولما
ذاق من ذاق شيئا من وحدة الوجود فأطلق لسانه حصل له ما حصل ولذلك يشير فلا أقسم
بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم أي لو تعلمون سريان سر الحق فيها وأنها مظاهره
ولما كان هو العالم بذلك أقسم تارة بها وتارة بفاعليته لها فقال والنهار إذا تجلى
وما خلق الذكر والأنثى وتارة جمع الأمرين فقال والسماء وما بناها والأرض وما طحاها
ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها
ولله در الجزولي حيث قال في الأقسام
الاستعطافية في دلائل الخيرات وبالاسم الذي وضعته على الليل فأظلم وعلى النهار
فاستنار إلى ما آخر ما قال فالوضع معنوي أي إن هذه مظاهر تجليه ونكتة أخرى إنما
نهينا عن الحلف بغيره لما فيه من مشابهة المشركين في حلفهم بأسماء آلهتهم وهذا في
إقسام الله تعالى لا يكون على أن بعضهم يقدر مضافا أي ورب النجم وللزمخشري أن ذلك
خرج عن حقيقة القسم إلى مجرد توكيد الكلام وحمل القرافي على ذلك قوله صلى الله
عليه وسلم للأعرابي الذي سأله عما يجب عليه ثم قال لا أنقص ولا أزيد أفلح إن صدق وأبيه
نظير قوله لعائشة تربت يمينك وقولهم قاتله الله ما أكرمه انظر ح ا ه
وأما سبب اختلافهم في منع الحلف
بصفات الله وبأفعاله فهو كما في بداية المجتهد اختلافهم في أنه هل يقتصر بحديث
مسلم على ما جاء من تعليق الحكم فيه بالاسم فلا يتعداه إلى الصفات والأفعال أو
يتعداه إليهما لكن تعليق الحكم في الحديث بالاسم فقط جمود كثير وهو أشبه بمذهب أهل
الظاهر وإن كان مرويا في المذهب حكاه اللخمي عن محمد بن المواز فالقول بمنع الحلف
بصفات الله وبأفعاله ضعيف والقول بجوازه بصفات المعاني السبعة كالقدرة والإرادة والعلم
ولزوم الكفارة بالحنث هو المشهور في المذهب وقول أبي حنيفة والشافعي وابن حنبل رضي
الله عنهم أجمعين ويدل له أيضا ما في البخاري أن أيوب عليه السلام قال بلى وعزتك
لا غنى لي عن بركتك ا ه
وأما الحلف بصفات الأفعال ففي
المجموع وشرحه وحاشيته ما حاصله أن اليمين لا ينعقد بنحو الإماتة والإحياء اللهم
إلا أن يلاحظ المذهب الماتريدي وهو أن صفات الأفعال قديمة ترجع إلى صفة التكوين أو
يريد مصدرها ومنشأها وهو القدرة أو الاقتدار الراجع للصفة المعنوية أي كونه قادرا
إذ المعنوية ينعقد بها جزما ولا عبرة بتنظير ابن عرفة فيها فقد رده تلميذه الأبي
كما في الرماصي والبناني ولا نظر إلى كونها ليست معاني موجودة خلافا للبناني تبعا
لابن عاشر في عدم الانعقاد بالسلوب لذلك فإنها تنعقد بالصفة النفسية وليست معنى موجودا
عند المحققين على أن وجود صفات المعاني أعني كونها معنى موجودا فيه خلاف طويل في
كتب الكلام وقد تقدم في القسم الثاني من هذا الفرق وإن قال به المحققون نعم نظر عج
في غير القدم والوحدانية من صفات السلوب لكن استظهر شيخنا الانعقاد أي
____________________
(3/57)
تغير العرف فإذا جاء عرف بكون أهله
لا يريدون بلفظ القرآن إلا الكلام القديم تعين لزوم الكفارة به وجوز الحلف به فإن
الأحكام المرتبة على العوائد تتبع العوائد وتتغير عند تغيرها فتأمل ذلك فهذا تلخيص
الفرق بين قاعدة ما يجب توحيد الله تعالى به وتوحده وبين ما لا يجب
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
لأن من أنكرها يكفر وظاهره ولو
بمخالفته للحوادث لا بمخالفة الحوادث له على الظاهر وإن تلازما لأن الملاحظ في
الأول ارتفاع مجده وتقدسه عن مشابهتهم وهو صفة له وفي الثاني انحطاطهم عن مشابهته
وقصورهم عنها وهو ليس صفة ا ه
وما في الجواهر للشيخ جلال الدين من
أنه لا يجوز الحلف بصفة الفعل ولا يجب فيه كفارة مبني على أن صفات الأفعال أمور
اعتبارية تتجدد بتجدد المقدور وأنها حادثة كما يقول الأشاعرة وبالجملة فصفات الله
وأسماؤه نوعان نوع ينعقد القسم بذاته من غير توقف على إرادة ونوع لا ينعقد القسم بذاته
بل يتوقف على إرادة وسيأتي في الفرق الذي بعد هذا الفرق توضيح النوعين فترقب
وأما الإقسام أي الحلف عليه تعالى
بغيره من بعض مخلوقاته بأن يقال بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم عليك أو بحرمة الأنبياء
والصالحين إلا غفرت لنا أو بحق الملائكة المقربين إلا سترت علينا أو بحرمة البيت
الحرام والطائفين والقائمين والركع السجود إلا هديتنا هديهم وسلكت بنا سبيلهم فقد
اختلفوا في جوازه لوروده في بعض الأحاديث ومنعه لأنه قسم وتعظيم بالقسم بغير الله
تعالى وقد توقف في هذا بعض العلماء ورجح عنده التسوية بين الحلف بغير الله وبين
الحلف على الله تعالى بغيره وقال الكل قسم وتعظيم قلت وفي حاشية الشيخ علي العدوي
على الخرشي في باب اليمين
وأما التوسل ببعض مخلوقاته فجائزة
وأما الإقسام على الله تعالى في الدعاء ببعض مخلوقاته كقوله يعني الداعي بحق محمد
اغفر لنا فخاص به صلى الله عليه وسلم ا ه
يعني إذا لاحظ الداعي جعل الباء
للقسم وإلا كان توسلا لا إقساما يشهد لذلك أمران الأول قوله وأما الإقسام إلى آخره
الثاني ما ذكره العلامة الشيخ علي الأجهوري في فتاويه من أن العز بن عبد السلام
قال إن صح ما جاء في بعض الأحاديث من أن النبي صلى الله عليه وسلم علم بعض الناس الدعاء
فقال له في أوله قل اللهم إني أقسم عليك بنبيك محمد نبي الرحمة فينبغي أن يكون مقصورا
عليه صلى الله عليه وسلم لأنه سيد ولد آدم وأن لا يقسم على الله بغيره من الأنبياء
وغيرهم لأنهم ليسوا في درجته صلى الله عليه وسلم ا ه
وخالفه ابن عرفة واستدل بما يدل له
بل إنما يدل لجواز التوسل ببعض المخلوقات وهو غير الإقسام وقد نبه على ذلك الحطاب
ا ه
كلام الأجهوري وتبع ابن عرفة في قوله
بجواز الإقسام بغيره صلى الله عليه وسلم العلامة ابن حجر في شرح العباب كما يعلم
بالوقوف عليه وعلى ما نقل عن فقهاء الأحناف من تحريم قول الداعي بحق محمد وبحق
فلان ا ه
فمحمول إما على ملاحظة الداعي
الإقسام أو قصده الحق بمعنى الواجب كما هو ظاهر تعليلهم بقولهم لأنه لا حق لأحد
على الله أما إذا لاحظ به التوسل أو قصد الحق بمعنى الرتبة والمنزلة لديه تعالى أو
الحق الذي جعله الله له على الخلق وعليه بفضله للخلق كما في الحديث الصحيح قال فما
حق العباد على الله فلا يحرم عليه ذلك القول كما هو مقتضى الأدلة الواردة في جواز
التوسل
وما رواه زروق عن مالك من كراهة
التوسل فإنما يصح بحمل الكراهة على التحريمية والتوسل على الإقسام إذ لو لم يحمل
على ذلك
____________________
(3/58)
الفرق الخامس والعشرون والمائة بين
قاعدة ما مدلوله قديم من الألفاظ فيجوز الحلف به وبين قاعدة ما مدلوله حادث فلا
يجوز الحلف به ولا تجب به كفارة اعلم أن الألفاظ انقسمت باعتبار هذا المطلب ثلاثة
أقسام قسم علم أن مدلوله قديم
هامش أنوار البروق
قال الفرق الخامس والعشرون والمائة بين
قاعدة ما مدلوله قديم من الألفاظ فيجوز الحلف به وبين قاعدة ما مدلوله حادث فلا
يجوز الحلف به ولا تجب به كفارة إلى قوله فهذان القسمان لا يقصدان بهذا الفرق
لوضوحهم
هامش إدرار الشروق
لعارضه ما نقله القاضي عياض في
الشفاء عن الإمام مالك رضي الله تعالى عنه أنه لما سأله جعفر المنصور عن استقبال
القبر حين الدعاء أو استقبال القبلة قال له ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة
أبيك آدم قبلك بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله فيك قال الله تعالى ولو أنهم إذ
ظلموا أنفسهم الآية قال العلامة ابن حجر في الجوهر المنظم رواية ذلك عن الإمام
مالك جاءت بالسند الصحيح الذي لا مطعن فيه وقال العلامة الزرقاني في شرح المواهب
ورواها ابن فهد بإسناد جيد ورواها القاضي عياض في الشفاء بإسناد صحيح رجاله ثقات
ليس في إسنادها وضاع ولا كذاب على أنها قد عضدت بجريان العمل وبالأحاديث الصحيحة
الصريحة في جواز التوسل التي يعضد بعضها بعضا وبظاهر استسقاء عمر بالعباس رضي الله
عنهما بل مما يعين حمل رواية زروق المذكورة على ما ذكروا وبطلانها رأسا أن زروقا
نفسه في شرحه لحزب البحر قال بعد ذكر كثير من الأخيار اللهم إنا نتوسل إليك بهم
فإنهم أحبوك وما أحبوك حتى أحببتهم فيك إياهم وصلوا إلى حبك ونحن لم نصل إلى حبهم
فيك فتمم لنا ذلك مع العافية الكاملة الشاملة حتى نلقاك يا أرحم الراحمين وله في
التوسل قصيدة مشهورة فمن هنا قال العلامة الزرقاني على المواهب وقول ابن تيمية
ومالك من أعظم الأئمة كراهية لذلك خطأ قبيح فإن كتب المالكية طافحة باستحباب
الدعاء عند القبر مستقبلا له مستدبرا للقبلة وممن نص على ذلك أبو الحسن القابسي
وأبو بكر بن عبد الرحمن والعلامة خليل في منسكه ونقله في الشفاء عن ابن وهب عن مالك
قال إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم ودعا يقف ووجهه إلى القبر لا إلى القبلة
ويدنو ويسلم ولا يمس القبر بيده ا ه
فتأمل ذلك فهذا تحقيق الفرق بين
قاعدة ما يجب توحيد الله تعالى به وتوحده وبين قاعدة ما لا يجب والله أعلم
الفرق الخامس والعشرون والمائة بين
قاعدة ما مدلوله قديم من الألفاظ فيجوز الحلف به وبين قاعدة ما مدلوله حادث فلا
يجوز الحلف به ولا تجب به كفارة الألفاظ باعتبار جواز الحلف بها وعدم جوازه ثلاثة
أقسام القسم الأول ما علم أن مدلوله قديم فيجوز وينعقد القسم بذاته من غير توقف
على إرادة وتلزم الكفارة بالحنث كلفظ الله ونحوه من الأسماء الحسنى وإن قالت
المعتزلة إنها ألفاظ وهي حادثة وقسمها
____________________
(3/59)
كلفظ الله ونحوه وقسم علم أن مدلوله
حادث كلفظ الكعبة ونحوها فهذان القسمان لا يقصدان بهذا الفرق لوضوحهما وقسم مشكل
على أكثر الطلبة فهو المقصود بهذا الفرق وهو سبعة ألفاظ اللفظ الأول أمانة الله
تعالى من حلف بها جاز ولزمته الكفارة بها إذا حنث لأن أمانته تعالى تكليفه وهو
أمره ونهيه بالكلام النفسي وهو قديم ويدل على ذلك قوله تعالى إنا عرضنا الأمانة
على السماوات والأرض والجبال إلى قوله ظلوما جهولا قال العلماء معناه أن الله تعالى
عرض التكاليف على السموات والأرض والجبال وقال لهن إن حملتن التكاليف وأطعتن فلكن
الثواب الجزيل وإن عصيتن فعليكن العذاب الوبيل فقلن لا نعدل بالسلامة شيئا ثم عرضت
على الإنسان فالتزم ذلك فأخبر الله تعالى أنه كان ظلوما لنفسه جهولا بالعواقب فلا
جرم هلك من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون وسلم من كل ألف واحد كما جاء في الحديث
الصحيح والكلام القديم صفة الله تعالى وهذا أيضا يتبع العرف والعادة فإذا جاء عرف
آخر يشتهر فيه هذا اللفظ في الأمانة المأمور بها التي هي فعلنا في حفظ الودائع
وغيرها من
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله في ذلك صحيح قال وقسم
مشكل على أكثر الطلبة قلت ما قاله في ذلك إلى قوله وتلزم به الكفارة صحيح قال فإن
قلت البقاء والعمر ونحوهما من الألفاظ لاستمرار الوجود مع الأزمنة كما تقدم إلى
آخر ما أجاب به عن هذا السؤال قلت كيف يقول متى أراد الحالف تلك النسبة التي هي
مدلول اللفظ امتنع وسقطت الكفارة بناء على تسليم أن المقصود بذلك اللفظ أمر عدمي
لأنه نسبة والنسبة عدمية وقد قال بعد هذا في الفرق السادس والعشرين وفي القسم
الثالث من الصفات إن الوحدانية سلب الشريك واختار انعقاد اليمين
هامش إدرار الشروق
الشمس السمرقندي في الصحائف إلى قديم
وحادث والحادث إلى مشتق من فعله تعالى كالخلاق الرزاق المحيي المميت ومشتق من
فعلنا كالمعبود والمشكور لأن معنى قدمها ما نقله العلامة الملوي عن سيدي محمد بن
عبد الله المغربي من أن كلام الله تعالى القديم أسماء له هي المحكوم عليها بالقدم
كما أن منه أمرا ونهيا إلخ والمراد بالتسمية القديمة دلالة الكلام أزلا على معاني
الأسماء وذلك من غير تبعيض ولا تجزئة في نفس الكلام مع تفويض كنه ذلك له تعالى واقتصروا
في أقسام الكلام الاعتبارية على الأهم باعتبار ما ظهر لهم إذ ذاك فلا يرد عدم
ذكرهم أسماء منها كيف ومدلوله لا يدخل تحت الحصر وليس معنى القدم هنا عدم الأولية
كما تقول المعتزلة بل معناه إنها موضوعة قبل الخلق أي إن الله تعالى وضعها لنفسه
قبل إيجادنا ثم ألهمها للنور المحمدي ثم للملائكة ثم للخلق كما في الأمير على عبد
السلام على جوهرة التوحيد فافهم وكالوجود ونحو القدرة والاقتدار أي الكون قادرا والقدم
من صفاته تعالى النفيسة والمعاني والمعنوية والسلبية كما مر عن العلامة الأمير
القسم الثاني ما علم أن مدلوله حادث كلفظ الكعبة ونحوها فلا يجوز ولا ينعقد القسم به
أصلا قال العلامة الأمير في ضوء الشموع
وأما الألفاظ الأجنبية بالمرة نحو
والحيوان فلا ينعقد على الصحيح
____________________
(3/60)
الأمانات كقوله تعالى إن الله يأمركم
أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ويكون ذلك عرف قطر من الأقطار الآن فإن الحلف حينئذ
بها من غير نية تصرف اللفظ للأمانة القديمة لا يجوز أو يكره على الخلاف
وإذا كانت مشتهرة في القديم وصرفها
الحالف بالنية إلى الحادث امتنع الحلف وسقطت الكفارة فهذا معنى هذا اللفظ وضابطه
اللفظ الثاني قولنا عمر الله ولعمر الله معنى هذين اللفظين البقاء فبقاء الله عز
وجل استمرار وجوده مع الأزمان فوجوده ذاته تعالى فهو قديم يجوز الحلف به وتلزم به
الكفارة فإن قلت البقاء والعمر ونحوهما من الألفاظ لاستمرار الوجود مع الأزمنة كما
تقدم واستمرار وجود الشيء مع الأزمنة نسبة بين وجود الشيء والزمان والنسبة أمر
عدمي فإذا قلنا بجواز الحلف بعمر الله وهو بقاؤه ولزوم الكفارة به لزمنا أن نقول
بجواز الحلف بقبلية الله تعالى وبعديته ومعيته فإن الله تعالى قبل كل حادث ومع كل حادث
وبعد كل حادث إذا فني ذلك الحادث وما هو قابل للتجدد كالبعدية والمعية أو الفناء
كالقبلية كيف يجوز الحلف به وكيف تلزم به كفارة وكذلك القول في بقية النسب
والإضافات التي تعرض
هامش أنوار البروق
بها وكذلك اختاره في تسبيح الله
تعالى وتقديسه وعلل ذلك بكونها سلوبا قديمة فكان حقه أن يلتزم مثل ذلك في القبلية
والمعية والبعدية لكونها أيضا سلوبا قديمة لأنها نسب والنسب سلوب فما قاله هنا ليس
بالقوي عندي ولا بالصحيح والصحيح أن هذه الأمور المضافة إلى الله تعالى متى عني
بها أمر قديم سواء كانت إثباتا أو سلبا فاليمين بها منعقدة والله تعالى أعلم ومتى
عني بها أمر حادث فاليمين غير منعقدة بها وقصد الأمر القديم بها هو عرف الشرع ولم
يحدث عرف يناقضه فيتغير الحكم لذلك
قال اللفظ الثالث عهد الله تعالى إلى
قوله ولا كفارة فيه حينئذ قلت ما قاله في ذلك صحيح
هامش إدرار الشروق
ولو نوى به معنى قديما ولا يجوز ذلك
فليس كالطلاق إن نوى بأي لفظ لزم نعم إن جعله على حذف مضاف أي ورب الحيوان ولا
ينعقد اليمين بالنية ولا بالكلام النفسي بالأولى من الطلاق ا ه بلفظه القسم الثالث
ما لم يعلم قدم مدلوله ولا حدوثه فلا ينعقد الحلف بذاته بل يتوقف على الإرادة
للمعنى القديم أو لم ينو شيئا كما في ضوء الشموع فافهم وهذا القسم لعدم وضوحه هو
المقصود بهذا الفرق دون الأولين والذي ذكره الأصل من ألفاظ هذا القسم تسعة اللفظ
الأول أمانة الله فإنه كما يطلق على القديم وهو أمره ونهيه بالكلام النفسي الذي هو
صفة الله تعالى لقوله تعالى إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال إلى
قوله ظلوما جهولا قال العلماء معناه أن الله تعالى عرض التكاليف على السماوات
والأرض والجبال وقال لهن إن حملتن التكاليف وأطعتن فلكن الثواب الجزيل وإن عصيتن
فلكن العذاب الوبيل فقلن لا نعدل بالسلامة شيئا ثم عرضت على الإنسان فالتزم ذلك
فأخبر الله تعالى أنه كان ظلوما لنفسه جهولا بالعواقب فلا جرم هلك من كل ألف
تسعمائة وتسعة وتسعون وسلم من كل ألف واحد كما جاء في الحديث الصحيح كذلك يطلق على
الحادث وهو فعلنا في حفظ الودائع وغيرها من الأمانات في قوله تعالى إن الله يأمركم
أن تؤدوا
____________________
(3/61)
لذات الله تعالى وتزول كالتعلقات في
الصفات وغيرها قلت سؤال حسن صحيح وأنا أقول متى أراد الحالف تلك النسبة التي هي
مدلول اللفظ لغة امتنع وسقطت الكفارة ومتى نقلها العرف إلى أمر وجودي قديم جاز
ولزمته الكفارة
وعليه العرف اليوم وهو الذي أفتى به
مالك أن المراد بالعمر والبقاء الباقي فهو مجاز لغوي حقيقة عرفية فإن تغير العرف
تغير الحكم كما تقدم قبل هذا
اللفظ الثالث عهد الله قال مالك يجوز
الحلف به وتلزم به الكفارة وأصل هذا اللفظ في اللغة الالتزام والإلزام قال الله
تعالى وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم معناه أوفوا بتكاليفي أوف لكم بثوابي الموعود به
على الطاعة ومنه العهدة في البيع أي ما يلزم من الرد بالعيب ورد الثمن في
الاستحقاق ومنه قوله تعالى والموفون بعهدهم إذا عاهدوا أي بما التزموا ومنه عهدة
الرقيق أي ما يلزم فيه وهو كثير في مواد الاستعمال فعهد الله تعالى إلزامه لخلقه
تكاليفه وإلزامه أمره ونهيه وأمره ونهيه كلامه القديم وكلامه القديم صفته وصفته القديمة
يجوز الحلف بها كما تقدم على الخلاف في ذلك
هامش أنوار البروق
قال فإن قلت إلى قوله وهذا القسم هو
المنقول عن مالك في المدونة قلت ما قاله في ذلك صحيح قال وأما لك علي عهد الله إلى
قوله لأن الأصل عدم النقل وبراءة الذمة قلت فيما قاله في ذلك نظر فإن قول القائل
لك علي عهد الله وأعطيك عهد الله يحتمل أن يجري هذان اللفظان مجرى علي عهد الله
لقرينة الحال المشعرة بتأكيد الالتزام باليمين ويحتمل أن يجري مجرى أعاهد الله فعلى
الاحتمال الأول تنعقد اليمين وتلزم الكفارة عند الحنث وعلى الاحتمال الثاني يقع
التردد وأما القول بعدم انعقاد اليمين بذينك اللفظين فذلك ضعيف والله تعالى أعلم
هامش إدرار الشروق
الأمانات إلى أهلها
فيتبع الحلف به العرف والعادة وقد
جرى بإطلاقه على القديم العرف فيجوز الحلف به وتلزم الكفارة بالحنث إلا أن ينوي
الحالف به المعنى الحادث فحينئذ يمنع الحلف به وتسقط الكفارة كما إذا تغير العرف
وجرى بإطلاقه على الحادث في قطر من الأقطار فلا يجوز الحلف به أو يكره على الخلاف
وتسقط الكفارة إلا أن ينوي به الحالف القديم فيجوز حينئذ الحلف به وتلزم بالحنث
الكفارة وفي مجموع الأمير وشرحه انعقاد اليمين بالله إن لم ينو معنى حادثا أي ما
جعله بين عباده بأن نوى قديما أو لم ينو شيئا ا ه
اللفظ الثاني قولنا عمر الله أو لعمر
الله أفتى مالك رحمه الله تعالى بانعقاد اليمين به ولزوم الكفارة بالحنث نظرا
لجريان العرف بإطلاقه على القديم وهو بقاء الله تعالى الذي هو من صفات السلوب
القديمة فإن تغير العرف وجرى بإطلاقه على أمر حادث في قطر من الأقطار لم ينعقد
اليمين به بل قال ابن الشاط
____________________
(3/62)
فإن أريد بعهد الله تعالى العهد
الحادث الذي شرعه نحو قوله تعالى إلا الذين عاهدتم من المشركين ونحوه من العهود
التي بين خلقه اندرج في الحلف الممنوع وسقطت الكفارة
وكذلك إذا اشتهر اللفظ فيه عادة
وعرفا امتنع ولا كفارة فيه حينئذ فإن قلت الإضافة تكفي فيها أدنى ملابسة كما نص
عليها النحاة ويكون اللفظ حقيقة ومثله بقول أحد حاملي الخشبة شل طرفك فجعل طرف الخشبة
طرفا للحامل بسبب الملابسة زمن الحمل وتقول حج البيت وصوم رمضان وتكون الإضافة
حقيقة وهذا متفق عليه وإذا كانت الإضافة حقيقية والعهد بأدنى ملابسة صدقت في قولنا
على عهد الله بأدنى ملابسة وذلك قدر مشترك بين إضافة العهد القديم والعهد الحادث
والدال على الأعم غير دال على الأخص فلا يدل قولنا عهد الله على خصوص القديم فلا
يتعين المعنى المقتضي للجواز وللزوم الكفارة فلم قضيتم بالجواز ولزوم الكفارة
بمجرد الإطلاق من غير نية قلت سؤال حسن قوي غير أن هذه الإضافة الخاصة لم نستفدها
من مجرد اللغة بل
هامش أنوار البروق
قال وبقي قسم خامس لم أره لأصحابنا
إلى منتهى ما قاله في هذا القسم قلت ما قاله في ذلك صحيح
قال اللفظ الرابع علي ذمة الله إلى
آخر ما قاله قلت والأظهر في هذا اللفظ وشبهه أنه إنشاء للقسم عرفا ولذلك رأى مالك
فيه الكفارة والله تعالى أعلم قال اللفظ الخامس كفالة الله قلت وهذا اللفظ أيضا
كلفظ الذمة وما اشتغل به من ذكر مرادفاته واشتقاقها لا حاجة إليه في الفقه والله
تعالى أعلم
هامش إدرار الشروق
ومثل ذلك يقال في قبلية الله تعالى
ومعيته وبعديته فإن الله تعالى قبل كل حادث ومع كل حادث وبعد كل حادث إذا فني
الحادث فهي نسب وإضافات والنسب سلوب والصحيح أن الأسرار المضافة إلى الله تعالى
متى عني بها أمر قديم سواء كانت إثباتا أو سلبا فاليمين بها منعقدة ومتى عني بها
أمر حادث فاليمين غير منعقدة بها وقصد الأمر القديم بها هو عرف الشرع ولم يحدث عرف
يناقضه فيتغير الحكم لذلك والله تعالى أعلم
قلت وانظر قوله وقصد الأمر القديم به
هو عرف الشرع إلخ مع ما سيأتي له من أن العرف الشرعي لا يتغير حكمه وإن تغير العرف
بخلاف العرف الزماني وحرر
اللفظ الثالث عهد الله قال الشيخ أبو
الحسن اللخمي العهد أربعة أقسام تلزم الكفارة في واحد وهو علي عهد الله كما أفتى
بذلك مالك رحمه الله تعالى وتسقط في اثنين وهما لك علي عهد الله وأعطيك عهد الله
ويختلف في الرابع وهو أعاهدك الله اعتبره ابن حبيب وأسقطه ابن شعبان قال وهو أحسن
ا ه
قال الأصل وبقي خامس وهو قوله وعهد
الله لقد كان كذا بواو القسم فهذا وإن لم أره لأصحابنا وكان مشاركا للأول الذي
أفتى مالك بلزوم الكفارة به في أن عهد الله فيها لم يدل على
____________________
(3/63)
باشتهار عرفي في العهد القديم وعلى
هذا ينبغي أن يعتبر العرف في كل وقت هل هو كذلك فتجب الكفارة
ويتحقق الجواز أو ليس كذلك فلا يتحقق
الجواز ولا الكفارة ولأجل هذا التردد قال الشيخ أبو الحسن اللخمي العهد أربعة
أقسام تلزم الكفارة في واحد وتسقط في اثنين ويختلف في الرابع فالأول علي عهد الله
والاثنان لك علي عهد الله وأعطيك عهد الله والرابع أعاهدك الله اعتبره ابن حبيب
وأسقطه ابن شعبان قال وهو أحسن وسبب هذا التقسيم اختلاف القرائن اللفظية والمعنوية
المقترنة بهذا اللفظ فالأول لما قال علي عهد الله فأشعرت لفظة علي بتكليف الله
تعالى وإلزامه وأن تكليف الله تعالى واقع عليه أو موظف عليه فناسب اللزوم كما لو قال
علي الطلاق أي يلزمني تحريم الطلاق فإن علي معناها اللزوم لما فيها من الإشعار
بالضرر ولذلك تقول شهد عليه إذا أضر به وشهد له إذا نفعه وهذا القسم هو المنقول عن
مالك رضي الله عنه في المدونة وأما لك علي عهد الله فلم يلتزمه لله ولكن للمحلوف
له فلا يلزمه شيء وأعطيك عهد الله فهو وعد منه للمخاطب بأنه يعاهده في المستقبل
فهذا القسم أبعد عن اللزوم
وأما الرابع وهو
هامش أنوار البروق
قال وهنا أربع تنبيهات إلى آخر ما
قاله فيها قلت ما قاله في ذلك صحيح والذي يظهر من مالك رحمه الله أنه كان يرى ذلك
عرفا في زمانه أو عرفا شرعيا فأما إن كان عرفا زمانيا فإنه إذا تغير تغير الحكم
وأما إن كان عرفا شرعيا فلا يتغير الحكم وإن تغير العرف والله تعالى أعلم قال
اللفظ السادس الميثاق إلى آخر ما قاله فيه قلت ما قاله صحيح غير قوله والقسم أيضا
يرجع إلى الكلام لأنه خبر عن تعظيم المقسم به فإن المقسم ليس خبرا عن تعظيم المقسم
به بل هو نوع من أنواع الإنشاء
هامش إدرار الشروق
خصوص العهد القديم بل إنما يدل على
القدر المشترك بين العهد القديم وهو إلزامه تعالى لخلقه أمره ونهيه بكلامه النفسي
القديم الذي هو صفته تعالى كما في قوله تعالى وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم فإن معناه
أوفوا بتكليفي أوف لكم بثوابي الموعود به على الطاعة وبين العهد الحادث وهو الذي
شرعه لخلقه كما في قوله تعالى والموفون بعهدهم إذا عاهدوا أي بما التزموه وقوله
تعالى إلا الذين عاهدتم من المشركين ونحوه من العهود التي بين خلقه كالعهدة في البيع
أي ما يلزم من الرد بالعيب ورد الثمن في الاستحقاق وعهدة الرقيق أي ما يلزم فيه
وهو كثير في مورد الاستعمال أضيف إليه تعالى لأدنى ملابسة وهي ملابسة تشريعه
لعباده وقد اتفق النحاة على أنها إضافة حقيقية إلا أنه عندي قسم صريح بصفة من صفات
الله تعالى فينبغي أن تلزم به الكفارة كما لو قال وأمانة الله وكفالته بل هذا عندي
بسبب حرف القسم الذي هو حقيقة لغوية صريحة في إنشاء القسم ا ه
أصرح في الدلالة على العهد القديم من
القسم الأول الذي نص مالك على لزوم الكفارة به أعني قوله علي عهد الله لأنه إخبار بالتزام
ما لا ينذر من العهد القديم والإخبار بذلك كذب فلا يصير موجبا للكفارة إلا بإنشاء
عرفي ونقل عادي ألا ترى إلى اختلاف العلماء في قوله علي الطلاق أو الطلاق يلزمني
هل هو
____________________
(3/64)
أعاهدك الله فيحتمل أن يكون خبرا
معناه إنشاء المعاهدة والإلزام كإنشاء الشهادة بلفظ المضارعة نحو أشهد عندك بكذا
وإنشاء القسم بالمضارع أيضا نحو أقسم بالله لقد كان كذا ويحتمل أن يكون خبرا وعدا
على بابه فلا يلزم به شيء كما لو أخبر عن الطلاق بغير إنشاء فإنه يلزمه طلاق فمن
لاحظ الإنشاء ألزم ومن لاحظ الخبر لم يلزم قال أبو الحسن اللخمي وهو أحسن لأن
الأصل عدم النقل وبراءة الذمة
وبقي قسم خامس لم أره لأصحابنا وهو
أن يقول وعهد الله لقد كان كذا بواو القسم فهذا قسم صريح بصفة من صفات الله تعالى
فينبغي أن تلزم به الكفارة كما لو قال وأمانة الله وكفالته وبقي فيه إشكال الإضافة
الذي تقدم ذكره وهل المضاف العهد القديم أو الحادث فيحتاج إلى نقل عرفي وهذا القسم
عندي أصرح مما نص عليه مالك من قوله علي عهد الله فإن أداة القسم مفقودة فيه وإنما
فيه إشارة إلى أنه التزم عهد الله وليس هو مما ينذر حتى يلتزم كقوله لله علي صوم
كذا وقد اختلف العلماء في قوله علي الطلاق أو الطلاق يلزمني هل هو صريح أو كناية
بسبب أن الطلاق لا يلزم أحدا فالإخبار عن لزومه كذب فلا يصير
هامش أنوار البروق
قال اللفظ السابع أيمن الله قلت ما
حكاه من الاشتقاق وغيره لا كلام فيه لأنه نقل وما قاله من أنه إذا قال أيمان المسلمين
تلزمني أنه حالف بمحدث لأن أيمان المسلمين حلفهم وهو محدث ليس بصحيح فإن القائل
ذلك إنما يقوله في حال يقتضي تأكيد خبره الذي يحلف عليه وذلك قرينة تصرف قوله ذلك
إلى قصده إلى ما يؤكد به الخبر شرعا أو إلى ما يلزم مقتضاه شرعا فعلى التقدير
الأول يلزمه جمع يمين بالله تعالى إذ هو اليمين الشرعي وأقل ذلك ثلاثة أيمان فإذا
حنث يلزمه ثلاث كفارات وقد قيل بذلك وعلى التقدير الثاني يلزمه كل ما يلزمه شرعا
من يمين ونذر وطلاق وعتق
هامش إدرار الشروق
صريح أو كناية نظرا لكون الطلاق لا
يلزم أحدا فالإخبار عن لزومه كذب فلا يصير موجبا إلا بإنشاء عرفي ونقل عادي ا ه
ملخصا
وفي المجموع وشرحه انعقاد اليمين
بعهد الله إن لم ينو معنى حادثا أي ما عاهد به إبراهيم من تطهير البيت بأن نوى
قديما أو لم ينو شيئا قال ابن الشاط وقول اللخمي بعدم انعقاد اليمين وسقوط الكفارة
بقول القائل لك علي عهد الله وأعطيك عهد الله ضعيف والراجح أن هذين اللفظين يحتمل
أن يجريا مجرى علي عهد الله لقرينة الحال المشعرة بتأكيد الالتزام باليمين ويحتمل
أن يجريا مجرى أعاهدك الله فعلى الاحتمال الأول تنعقد اليمين وتلزم الكفارة عند
الحنث وعلى الاحتمال الثاني يقع التردد ا ه
قال اللفظ الرابع علي ذمة الله إلى
آخر ما قاله قلت والأظهر في هذا اللفظ وشبهه أنه إنشاء للقسم عرفا ولذلك رأى مالك
فيه الكفارة والله تعالى أعلم اللفظ الرابع قوله علي ذمة الله قال ابن الشاط رأى
مالك فيه الكفارة نظرا لكونه وشبهه أي كعلي علم الله أو علي إرادة الله أو علي بصر
الله أو علي سمع الله إنشاء للقسم عرفا ا ه
قال الأصل وكذا تلزم الكفارة بقوله
وذمة الله بواو القسم بل هذا وإن شارك قوله علي ذمة الله في عدم دلالة ذمة الله
فيهما على خصوص الذمة القديمة بل على القدر المشترك بين الذمة القديمة والذمة
الحادثة وذلك أن الذمة لغة الالتزام
والالتزام إما قديم وهو إخباره تعالى
بكلامه النفسي القديم بحفظ عبده
____________________
(3/65)
موجبا للزوم إلا بإنشاء عرفي ونقل
عادي وأما حرف القسم فحقيقة لغوية صريحة في القسم بقديم أو حادث وإشكال الإضافة
مشترك بين القسمين وامتاز هذا بصراحة القسم اللفظ الرابع قولنا علي ذمة الله قال
مالك تلزم به الكفارة ومعنى ذمة الله تعالى التزامه لأن معنى الذمة في اللغة هو
هذا ومنه عقد الذمة للكفار أي التزامنا لهم عصمة النفوس والأموال والأعراض وما
معها ومنه الذمام إذا وعده والتزم له أن لا يخذله وأن ينصره على من يقصده بسوء
ومنه قول الفقهاء له في ذمته دينار والعقد وارد على الذمة فإن الذمة في الشريعة معنى
مقدر في المكلف يقبل الإلزام والالتزام ولذلك إذا اتصف بعد الرشد بالسفه يقال خربت
ذمته وذهبت ذمته وإذا مات خربت ذمته أي المعنى الذي كان يقدر لم يبق مقدرا وتقول
العرب فلان يفي بذمته أي بما التزمه وخفر ذمة فلان إذا خانها وهذا كله راجع
للإخبار عن الالتزام أو معناه
وجاء في الحديث من قال كذا وكذا كان
في ذمة الله أي أن الله تعالى التزم له عند هذا القول حفظه من المكاره
هامش أنوار البروق
وصدقة وقد قيل بذلك وما قاله من أن
ذلك من باب لزوم الأحكام بدون أسبابها ليس بصحيح بل ذلك من باب لزوم الأحكام
بأسبابها عند القائلين بلزوم الكفارات على التقدير الأول أو القائلين بلزوم جميع
ما يلزم شرعا بالتزامه على التقدير الثاني وغاية ما في ذلك أن قائل أيمان المسلمين
تلزمني لم يصرح فيه بلفظ اليمين الشرعي ولا بالملتزم الشرعي ولكنه يفهم من القرائن
أنه عني اليمين الشرعي أو الملتزم الشرعي ومذهب مالك عدم اشتراط معينات الألفاظ فلزوم
بمقتضى اليمين الشرعي أو الملتزمات الشرعية جار على مذهبه والله أعلم
هامش إدرار الشروق
من المكاره الذي عناه في حديث من قال
كذا وكذا كان في ذمة الله أي أن الله التزم له عند هذا القول حفظه من المكاره فإن
التزام الله تعالى راجع إلى خبره فهو نوع آخر من الكلام غير نوع العهد فإن العهد
يرجع إلى الأمر والنهي كما علمت وإما حادث وهو الذي شرعه الله تعالى لخلقه كعقد
الذمة للكفار أي التزامنا لهم عصمة النفوس والأموال والأعراض وما معها مما أمر به
وجوبا في بعض الصور وكالتزام أنواع البر والإحسان مما يؤمر به وجوبا بل ندبا
وكالتزام الإنسان الأثمان في البياعات والأجر في الإجارات مما يرجع للإخبار عن
الالتزام أو معناه من غير وجوب فيه ولا ندب ومنه الذمام إذا وعده والتزم له أن لا
يخذله وأن ينصره على من يقصده بسوء ومنه قول الفقهاء له في ذمته دينار والعقد وارد
على الذمة فإن الذمة في الشريعة معنى مقدر في المكلف يقبل الإلزام والالتزام ولذلك
إذا اتصف بعد الرشد بالسفه يقال خربت ذمته وذهبت ذمته وإذا مات خربت ذمته أي
المعنى الذي كان يقدر لم يبق مقدرا أضيف إليه تعالى لأدنى ملابسة وهي ملابسة
تشريعه لعباده
وقد اتفق النحاة على أنها إضافة
حقيقية إلا أن هذا بسبب أداة القسم التي هي حقيقة لغوية صريحة في إنشاء القسم أصرح
عندي في الدلالة على إنشاء القسم بالذمة القديمة من قوله علي ذمة الله الذي رأى
مالك فيه الكفارة لأنه إخبار بالتزام ما لا ينذر من الذمة القديمة والإخبار بذلك
كذب فلا يصير موجبا للكفارة لولا ثبوت نقله وما أشبهه من نحو علي
____________________
(3/66)
والتزام الله تعالى راجع إلى خبره
فهو نوع آخر من الكلام غير نوع العهد فإن العهد يرجع إلى الأمر والنهي والذمة إلى
الخبر والكل كلام نفسي فهما نوعان منه فافهم ذلك غير أن هذا المعنى يقتضي أن يكون
القسم به وذمة الله بواو القسم فيكون صريحا في القسم لغة
ويبقى إشكال الإضافة فيه من جهة أن
ذمة الله تعالى تصدق المعنى القديم كما تقدم وتصدق أيضا بإضافة المعنى المحدث إليه
تعالى باعتبار أنه شرعه لأن الذمة تارة تكون مأمورا بها وجوبا كعقد الجزية في بعض
الصور وتارة لا يؤمر بها وجوبا بل ندبا كالتزام أنواع البر والإحسان وقد يخبرنا
فيها من غير وجوب ولا ندب من قبله كالتزام الأثمان في البياعات والإجارة في
الإجارات وعلى التقادير الثلاثة فهي مشروعة من قبله تعالى فتضاف إليه إضافة المشروعية
كقولنا عبادة الله وطاعة الله وإذا احتملت الإضافة المعنيين لم يقض بأحدهما إلا
بدليل منفصل وهذا الإشكال قائم فيما قاله مالك أيضا من قوله علي ذمة الله مضافا
لعدم وجود أداة القسم
وأما علي فإيجابها للكفارة مشكل إلا
أن يكون هناك نقل عرفي من
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
علم الله عرفا من الإخبار بالالتزام
إلى إنشاء القسم وذلك لأن هذه الصيغ ليست قسما وإنما هي خبر والخبر ليس بقسم
إجماعا والحمل على إنشاء القسم يتوقف على نقل الصيغة عن الخبر إليه وإلا فلا يتجه
إلزام الكفارة واعتقاد أن هذا يمين ألبتة ا ه
اللفظ الخامس قوله علي كفالة الله أو
علي ضمانة الله أو حمالة الله أو أذانة الله أو زعامة الله أو قبالة الله أو صبر
الله أو عذارة الله أو كدانة الله فإن هذه الألفاظ التسعة مترادفة لغة على الخبر
الدال على الضمان قال صاحب المقدمات الحميل والزعيم والكفيل والقبيل والأذين
والصبير والضامن سبعة ألفاظ مترادفة يقال حمل يحمل حمالة فهو حميل وزعم يزعم زعامة
فهو زعيم وكفل يكفل كفالة فهو كفيل وقبل يقبل قبالة فهو قبيل وأذن يأذن أذانة فهو
أذين وصبر يصبر صبرا فهو صبير وضمن يضمن ضمانة فهو ضامن قال الله تعالى وقد جعلتم
الله عليكم كفيلا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تكفل الله لمن جاهد في سبيله
وابتغاء مرضاته لا يخرجه من بيته إلا الجهاد وابتغاء مرضاته أن يدخله الجنة أو
يرده إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر وغنيمة والأذانة في قوله تعالى وإذ
تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب أي التزم ذلك وإذ تأذن
ربكم لئن شكرتم وأصل الأذانة والأذان والأذين والإذن وما تصرف من هذا الباب
الإعلام والكفيل معلم بأن الحق في جهته قال الله تعالى في الحمالة وإن تدع مثقلة
إلى حملها لا يحمل منه شيء ا ه
وقال الله تعالى في القبالة أو تأتي
بالله والملائكة قبيلا أي ضامنا وقال تعالى في الزعامة حكاية عن منادي يوسف عليه
السلام ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم وقال القاضي عياض في التنبيهات ومثل
حميل عذير وكدين قال وأصل ذلك كله من الحفظ والحياطة قال والكفالة اشتقاقها من
الكفل وهو الكساء الذي يحزم حول سنام البعير ليحفظ به الراكب والكفيل
____________________
(3/67)
الإخبار إلى القسم ألا ترى أنه لو
قال علي علم الله أو علي إرادة الله أو علي بصر الله أو علي سمع الله لم يتجه
إيجاب الكفارة لأن هذه الصيغ ليست قسما وإنما هي خبر والخبر ليس بقسم إجماعا
والإنشاء العرفي بغير القسم لا يوجب كفارة فلا بد من النقل عن الخبر إلى إنشاء
القسم وإلا فلا يتجه إلزام الكفارة واعتقاد أن هذا يمين ألبتة فتأمل هذه التنبيهات
فالفقيه يحتاج إليها حاجة شديدة في الفقه والفتاوى والفروق وتحرير معاني الألفاظ
اللفظ الخامس كفالة الله تعالى قال مالك إذا قال علي كفالة الله تعالى وحنث لزمته الكفارة
ومعنى الكفالة لغة الخبر الدال على الضمان وهي القبالة ومنه قوله تعالى أو تأتي
بالله والملائكة قبيلا أي ضامنا والحمالة والأذانة والزعامة ومنه قوله تعالى عن
منادي يوسف عليه السلام ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم أي ضامن والصبير قال
صاحب المقدمات هي سبعة ألفاظ مترادفة الحميل والزعيم والكفيل والقبيل والأذين
والصبير والضامن حمل يحمل حمالة فهو حميل وزعم يزعم زعامة فهو زعيم وكفل يكفل كفالة
فهو كفيل وقبل يقبل قبالة فهو قبيل وأذن يأذن أذانة فهو أذين
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
حافظ لما التزمه والضامن من الضمن
وهو الحرز وكل شيء أحرزته في شيء فقد ضمنته إياه والقبالة القوة ومنه قولهم مالي
بهذا الأمر قبل ولا طاقة والقبيل قوة في استيفاء الحق والزعامة السيادة فكأنه لما
تكفل به صار له عليه سيادة وحكم عليه والصبير من الصبر وهو الثبات والحبس ومنه
المصبورة وهي المحبوسة للرمي بالسهام ومنه قتله صبرا أي حبسه حتى مات جوعا وعطشا والضامن
حبس نفسه لأداء الحق والكدين من كدنت لك بكذا وكذا وقالوا عذيرك أي كفيلك وقال بعض
الفضلاء الكفالة أصلها الضم ومنه سميت الخشبة التي تعمل في الحائط كفلا ومنه قوله
تعالى وكفلها زكريا أي ضمها لنفسه والكفالة هي ضم ذمة إلى ذمة أخرى فصدق المعنى ا
ه قال ابن الشاط والذي يظهر من مالك رحمه الله تعالى حيث قال إذا قال علي كفالة
الله تعالى وحنث لزمته الكفارة ا ه
أنه كان يرى ذلك عرفا في زمانه أو
عرفا شرعيا فإما إن كان عرفا زمانيا فإنه إذا تغير الحكم وإما إن كان عرفا شرعيا
فلا يتغير الحكم وإن تغير العرف فلفظ الكفالة كلفظ الذمة والله تعالى أعلم ا ه
يعني أن قوله علي كفالة الله في
الأصل خبر بالتزام ما لا ينذر من القدر المشترك بين الكفالة القديمة وهي وعده
تعالى بكلامه النفسي القديم وبين الحادثة وهي أمران أحدهما وعده تعالى بالكلام
اللفظي الحادث المنزل في القرآن وغيره من الكتب الدال على الكلام القديم فهو كفالة
حادثة دالة على تلك الكفاية القديمة كما أن أمر الله تعالى اللفظي الذي هو وأقيموا
الصلاة دليل أمره النفسي القائم بذاته وكذلك جميع الأحكام والأخبار وثانيهما التي
ندبها صاحب الشرع لخلقه من ضمان بعضهم لبعض التي هي من فعلهم وقولهم أضيفت إليه
تعالى لأدنى ملابسة وهي ملابسة تشريعية لعباده إذ الإنسان إنما يلتزم فعلا من كسبه
وقدرته والقدر المشترك بين القديم والحادثين ليس كذلك بل لو نوى خصوص القديم لكان
من قبيل قوله علي علم الله تعالى أو نحو ذلك وقد تقدم أنه يبعد في الفقه أن يجب
عليه بهذا كفارة إذ كفارة اليمين بغير يمين ولا حنث لا تلزم المكلف لأن
____________________
(3/68)
وصبر يصبر صبرا فهو صبير وضمن يضمن
ضمانة فهو ضامن قال الله تعالى وقد جعلتم الله عليكم كفيلا وقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم تكفل الله لمن جاهد في سبيله وابتغاء مرضاته لا يخرجه من بيته إلا
الجهاد وابتغاء مرضاته أن يدخله الجنة أو يرده إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال
من أجر وغنيمة والأذانة في قوله تعالى وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة
من يسومهم سوء العذاب أي التزم ذلك وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم وأصل الأذانة والإذن
والأذين والإذن وما تصرف من هذا الباب الإعلام والتكفيل معلم بأن الحق في جهته قال
الله تعالى في الحمالة وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء
قال القاضي عياض في التنبيهات ومثل
حميل عذير وكدين قال وأصل ذلك كله من الحفظ والحياطة قال والكفالة اشتقاقها من
الكفل وهو الكساء الذي يحزم حول سنام البعير ليحفظ به الراكب والكفيل حافظا التزمه
والضامن
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
لزوم المسبب بدون سببه غير واقع شرعا
وجعله من قبيل ما إذا قال علي عشر كفارات أو مواثيق أو نذور وفي المدونة إذا قال
ذلك لزمه عدد ما ذكر كفارات ا ه
غايته تصحيح كونه من باب الكفارة
مجازا لا تصحيح كونه من باب الحلف والأيمان في شيء الذي كلامنا فيه ولا يصح كونه
من باب الحلف إلا إذا جرى العرف الزماني بنقله من ذلك الأصل إلى إنشاء القسم
بالكفالة القديمة بحيث يغلب الاستعمال عليه حتى يصير اللفظ يفهم منه المنقول إليه
بغير قرينة نعم ذلك وإن وجد في زمان الإمام رحمه الله تعالى لم يوجد في زماننا
فحينئذ لا تتجه الفتيا فيه بلزوم الكفارة على الإطلاق ضرورة تغير الحكم بتغير العرف
الزماني فتعين أن الإمام كان يرى جريان العرف الشرعي بنقله من ذلك الأصل إلى
الإنشاء المذكور وفي العرف الشرعي لا يتغير الحكم وإن تغير العرف فحينئذ تتجه
الفتيا فيه بلزوم الكفارة على الإطلاق ويجري مثل ذلك في علي ضمان الله ونحوه من
سائر المرادفات المذكورة قال الأصل ويلزمه الكفارة بقوله وكفالة الله أو أقسم
بكفالة الله أو نحو ذلك من الصيغ الموضوعة للقسم بلا توقف على نية الحالف النقل
إلى إنشاء القسم مجازا أو عليه الاستعمال عرفا في الإنشاء المذكور كما يتوقف على
ذلك قوله علي كفالة الله كما علمت فهو أصرح منه من جهة أنه قسم مستغن عما ذكر وإن
اشتركا في احتمال الكفالة الحادثة وكون إضافتها إليه تعالى لأدنى ملابسة ا ه
وفي المجموع وشرحه انعقاد اليمين
بكفالة الله أي التزامه إن لم ينو معنى حادثا أي التزامه ما التزمه من الثواب بأن
نوى قديما أو لم ينو شيئا ا ه
ويجري مثل ذلك في قوله وضمان الله أو
أقسم بضمان الله ونحوه من الصيغ الموضوعة في سائر المترادفات المذكورة فافهم
قال اللفظ السادس الميثاق إلى آخر ما
قاله فيه قلت ما قاله صحيح غير قوله والقسم أيضا يرجع إلى الكلام لأنه خبر عن
تعظيم المقسم به فإن المقسم ليس خبرا عن تعظيم المقسم به بل هو نوع من أنواع
الإنشاء اللفظ السادس قوله علي ميثاق الله قال مالك وأبو حنيفة وابن حنبل رحمهم
الله تعالى يلزمه الكفارة به إذا حنث كعلي عهد الله وعلي كفالة الله ولا يتجه إلا
إذا جرى بنقله من الإخبار بالالتزام المؤكد إلى إنشاء القسم إما عرف زماني وحينئذ
فيتغير الحكم بتغير العرف وإما عرف شرعي وحينئذ لا يتغير الحكم وإن
____________________
(3/69)
من الضمن وهو الحرز وكل شيء أحرزته
في شيء فقد ضمنته إياه والقبالة القوة ومنه قولهم ما لي بهذا الأمر قبل ولا طاقة
والقبيل قوة في استيفاء الحق والزعامة السيادة فكأنه لما تكفل به صار له عليه
سيادة وحكم عليه والصبير من الصبر وهو الثبات
والحبس ومنه المصبورة وهي المحبوسة
المرمى بالسهام ومنه قتله صبرا أي حبسه حتى مات جوعا وعطشا والضامن حبس نفسه لأداء
الحق والكدين من كدنت لك بكذا وكذا وقالوا عذيرك أي كفيلك وقال بعض الفضلاء
الكفالة أصلها الضم ومنه سميت الخشبة التي تعمل في الحائط كفلا ومنه قوله تعالى
وكفلها زكريا أي ضمها لنفسه والكفالة هي ضم ذمة إلى ذمة أخرى فصدق المعنى فتحرر أن
الألفاظ المترادفة في هذا الباب تسعة وتكون كفالة الله تعالى وعده بما التزمه
ووعده خبره وخبره كلامه النفسي فيكون الحالف قد حلف بكلامه النفساني فتلزمه
الكفارة إذا حنث وهنا أربع تنبيهات الأول أن قوله علي يشعر بالالتزام وخبر الله
تعالى كيف يصح التزامه وقد تقدم أنه لو قال علي علم الله تعالى وإرادته أو نحو ذلك
بعد في الفقه أن يجب عليه بهذا كفارة
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
تغير العرف وذلك لأن الميثاق لغة
العهد الموثق باليمين الذي هو نوع من أنواع الإنشاء مأخوذ من التوثق وهو التقوية
وهو أن العهد لغة الالتزام فميثاق الله بالإضافة عبارة عن التزامه تعالى المقوى
بالقسم فيصدق بالقدر المشترك بين القديم وهو كلامه تعالى النفسي القديم الذي دلت
عليه ألفاظ المواثيق القرآنية الأتية وبين الحادثين أحدهما ألفاظ المواثيق
القرآنية نحو قوله تعالى قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله
يسير وقوله تعالى والشمس وضحاها إلى قوله قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها من الالتزامات
القرآنية الكثيرة المؤكدة بالحلف فإن الأول التزام لفظي مؤكد بالحلف أي قوله وربي
والثاني التزام لفظي مؤكد بالحلف أي قوله السابق والشمس وضحاها إلى قوله ونفس وما
سواها دل على أن الله التزم التزاما مؤكدا بأن من زكى نفسه فإنه يجد عنده تعالى
فلاحا وأن من دسا لها أي دسسها بالمعاصي فأبدلت إحدى السينين ألفا فإنه يجد عنده
تعالى خيبة وثانيهما ما شرعه الله تعالى لنا بأن من أمره لنا تلتزم الحقوق الواجبة
علينا للعباد وأن نزيل الريبة من صدور المؤمنين الذين هم أصحاب تلك الحقوق بتأكيد
ذلك بالإيمان النافي لتلك الريبة أضيف إليه تعالى لأدنى ملابسة وهي ملابسة المشروعية
كما في قوله تعالى ولا نكتم شهادة الله كما مر فلفظ علي ميثاق الله دائر بين ما هو
موجب للكفارة وهو الميثاق القديم وبين ما هو ليس بموجب لها وهما الميثاقان
الحادثان أعني اللفظي والمشروع في حقنا وهو حقيقة في أي واحد منها وقع أو كان
مرادا والدائر بين الموجب وغير الموجب غير موجب لأن الأصل براءة الذمة حتى يتحقق
الموجب كما هو القاعدة الشرعية المجمع عليها فمن هنا قال الشافعي رضي الله عنه
العهد والكفالة والميثاق كنايات لا صرائح لترددها بين المعاني
____________________
(3/70)
ووجب أيضا أن يفهم لهذا الكلام معنى
صحيح فإن التزام القديم الذي هو واجب الوجود كيف يصح وإنما يلتزم الإنسان فعلا من
كسبه وقدرته فإن قلت الالتزام إنما جاء من جهة أن الحانث في هذه الأمور تجب عليه
الكفارة والكفارة مقدورة يمكن التزامها ولذلك قال مالك في المدونة إذا قال على عشر
كفارات أو مواثيق أو نذور لزمه عدد ما ذكر كفارات وهذا التزام صحيح
قلت كفارة اليمين غير يمين ولا حنث
لا تلزم المكلف لأن لزوم المسبب بدون سببه غير واقع شرعا وحينئذ لا تكون هذه
الكفارات لازمة له من حيث هي كفارات بل من حيث هي نذور وكأنه نذر والتزم بطريق
النذر عشر كفارات فهذا صحيح غير أن هذا ليس من باب الحلف والأيمان في شيء ولا يكون
اللفظ يعطي ذلك حقيقة بل مجازا فإن استعمال لفظ الكفالة فيما يلزم عنها إذا حلف
بها وحنث مجاز والمجاز لا بد فيه من أحد أمرين إما نية المتكلم أو عرف اقتضى نقلا
لهذا المجاز فأغنى عن النية فإن كان الواقع هو القسم الأول فينبغي أن لا يلزم شيء
بهذه الصيغ وبهذا
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
القديمة وبين المحدثات فإن نوى
القديمة وجبت الكفارة وإلا فلا ا ه
وقد مر عن المجموع وشرحه انعقاد
اليمين بكفالة الله وعهد الله إن لم ينو معنى حادثا بأن نوى قديما أو لم ينو شيئا
ا ه
ويجري في هذه الألفاظ مجموعة كعلي
عهود الله أو علي كفالات الله أو علي مواثيق الله ما جرى فيها مفردة
اللفظ السابع قولنا وحق الله وحق
الرحمن وحق الرحيم وحق العليم والجبار قال الشافعي من الكنايات لا الصرائح لأن لفظ
الحق قد يطلق ويراد به حق الله تعالى على عباده من الطاعة والأفعال المطلوبة منهم
وهي حادثة كالصلاة والصوم فلا يجب به كفارة حتى ينوي القديم وهو حق الله تعالى
الذي هو أمره ونهيه النفساني الموظف على عباده وفي مجموع الأمير وشرحه انعقاد
اليمين بحق الله أي استحقاقه إن لم ينو معنى حادثا أي الحقوق التي على العباد من العبادات
التي أمر بها بأن نوى قديما أو لم ينو شيئا ا ه
وفي كنون على عبق وحق الله قدرته
وعظمته وجلاله قاله في البيان وقال أبو زيد القابسي رحمه الله تعالى ما نصه في
جواب للونشريسي لا يلزم الحالف بحق الله تعالى كفارة لأن حق الله أمره ونهيه أي أن
يطيعوه ولا يخالفوه وأن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا إلا أن يريد به اليمين فيجري
على الخلاف في انعقاد اليمين بالنية ا ه
اللفظ الثامن ايمن الله بلغاته
الأربع عشرة التي في قول ابن مالك همز أيم أيمن فافتح واكسرا وأم قل أو قل أو من
بالتثليث قد شكلا وأيمن اختم به والله كلا أضف إليه في قسم تسوف ما نقلا وايمن
الأخير بفتح الميم وكسر الهمزة في الرهوني على عبق ولابن رشد في رسم أوصى من سماع
عيسى من كتاب الأيمان والنذور ما نصه أما ايم الله فلا إشكال في أنها يمين لأن ايم
الله أو ايمن الله أو من الله كلها جاءت للعرب في القسم فمن النحاة من ذهب إلى أن
الأصل فيها عندهم أيمن جمع يمين ثم
____________________
(3/71)
اللفظ وما تقدم البحث فيه قبل هذا
إلا بالنية ولا يتحرر الذي يلزم المتكلم بها في الكفارة بل يحسب ما ينويه من كفارة
أو كفارات أو بعض كفارة أو شيء آخر من باب المعروف المندوب إليه شرعا مما يمكن
استعمال الكفالة فيه مجازا فالقول بأن اللازم الكفارة وتعيين ذلك اللزوم لا يصح
إلا في بعض الصور وإن كان الواقع القسم الثاني وهو النقل العرفي فيلزم أن لا يلزم
به في زماننا شيء فإنا لا نجد هذا النقل فيه فإن النقل إنما يحصل بغلبة الاستعمال
عليه حتى يصير اللفظ يفهم منه المنقول إليه بغير قرينة
ونحن لا نجد ذلك في زماننا ويلزم
أيضا إذا وجد هذا العرف وهذا النقل أن يراقب فيه اختلاف الأزمنة واختلاف الأقاليم
والبلدان فكل زمان تغير فيه هذا العرف بطل فيه هذا الحكم وكل بلد لا يكون فيه هذا
العرف لا يلزم فيه هذا الحكم فتأمل هذا فهو أمر لازم في قواعد الفقه أما الفتيا
بلزوم الكفارة على الإطلاق فغير متجه أصلا ولعل مالكا رحمه الله أفتى بذلك لمن سأل
أنه كان نواه أو كان عرف زمانه يتقاضى ذلك وهو الأقرب فإن الفتيا
لو كانت
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
حذفوا على عادتهم في الحذف لأكثر
استعمالهم فقالوا ايم الله لا فعلت أو لأفعلن كما قالوا يمين الله لا فعلت أو
لأفعلن قال الشاعر فقلت يمين الله أبرح قاعدا ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي ومنهم
من ذهب إلى أن ألف ايمن الله ألف وصل وإنما فتحت لدخولها على اسم غير متمكن
واشتقاقه من اليمن والبركة ا ه
بلفظه وقول عبق وارد بالبركة المعنى
القديم قال ح هو إرادة البركة ا ه
وفي مجموع الأمير وشرحه انعقاد
اليمين بايم الله أي بركته وبقية لغاتها كذلك إن لم ينو حادثا أي بركة الذرة بأن
نوى قديما أو لم ينو شيئا ا ه
وفي الأصل قال سيبويه رحمه الله
تعالى من اليمن والبركة فيتردد بين المحدث من تسمية الأرزاق والأخلاق وبين القديم
الذي هو جلال الله تعالى وعظمته ومنه قوله تعالى تبارك الله أحسن الخالقين و تبارك
الذي بيده الملك أي كثر جلاله وعلاه وصفاته العلى ولذلك قال الشافعي رضي الله عنه
هو كناية لتردده بين المحدث وبين القديم أي فإن نوى القديم وحنث لزمت الكفارة وإلا
فلا وقال الفراء هو جمع يمين فالكلام فيه كالكلام في أيمان المسلمين ا ه
قال ابن الشاط والشخص إنما يقول أيمان
المسلمين تلزمني أو علي أيمان المسلمين في حال يقتضي تأكيد خبره الذي يحلف عليه
وذلك قرينة تصرف قوله ذلك إما إلى ما يؤكد به الخبر شرعا فيلزمه جمع يمين بالله
تعالى إذ هو اليمين الشرعي وأقل ذلك ثلاثة أيمان فإذا حنث يلزمه ثلاث كفارات وقد
قيل بذلك
وأما إلى ما يلزم مقتضاه شرعا فيلزمه
كل ما يلزمه شرعا من يمين ونذر وطلاق وعتق وصدقة وقد قيل بذلك فهو على كل من باب
لزوم الأحكام بأسبابها لا من باب لزومها بدون أسبابها كما قيل نعم لزوم ما ذكر
بمجرد أن القرائن تفهم أن قائل ذلك عني اليمين الشرعي أو الملتزم الشرعي إنما يجري
على مذهب مالك رحمه الله تعالى من عدم اشتراط معينات الألفاظ والله أعلم ا ه
اللفظ التاسع المصحف أو القرآن أو
كلمة منه تخصه ك الم لا نحو قال قال كنون حاصل ما لعبق والبناني أن
____________________
(3/72)
مبنية على نية لذكرت مع الحكم في الفتيا
التنبيه الثاني أن قوله كفالة الله
تعالى كفالة مضافة إلى الله تعالى وقد تقدم أن الإضافة يكفي فيها أدنى ملابسة
حقيقة لغوية كقول أحد حاملي الخشبة شل طرفك وقولنا حج البيت وصوم رمضان وهذه
الكفالة المضافة تحتمل ثلاثة أنواع من الكفالة أحدها الكلام القديم والوعد الذي هو
الكلام النفسي وثانيها كفالة الله تعالى التي هي التزامه اللفظي المنزل في القرآن
وغيره من الكتب الدال على الكلام القديم فهو كفالة حادثة دالة على تلك الكفالة القديمة
كما أن أمر الله تعالى اللفظي الذي هو أقيموا الصلاة دليل أمره النفسي القائم
بذاته وكذلك جميع الأحكام والأخبار وهذه الكفالة الحادثة لا يوجب الحلف بها كفارة
وثالثها كفالة خلقه التي هي ضمان بعضهم لبعض التي هي من فعلنا وقولنا وهي مندوبة
من قبل صاحب الشرع فهي تضاف إليه تعالى إضافة المشروعية كما قال تعالى ولا نكتم
شهادة الله تعالى أي التي شرعها وأوجب علينا أداءها فأضافها إليه تعالى إضافة
المشروعية لأنه تعالى شاهد ولا شهود عليه فكذلك
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
القرآن يطلق على المعنى النفسي
الأزلي القائم بذاته تعالى وعلى العبارات الدالة عليه المسموعة لنا وعلى نقوش
الكتابة الدالة عليه وبقي أنه يطلق على المحفوظ في الصدور من الألفاظ المتخيلة كما
يقال حفظت القرآن فكلام الله يطلق بالاعتبارات الأربعة والقديم من ذلك إنما هو
الأول قال العزيز قراءة الخلق صفات لهم فواجب حدوثها مثلهم
وقوله المعدود من صفاته فواجب قدمه
كذاته وهذه الحروف والأصوات دلائل عليه موضوعات وإيضاح قوله دلائل عليه بالمثال أن
ينزل كلامه منزلة رجل فيكتب الرجل ويذكر باللسان ويستحضر في الذهن وهو بنفسه غير
حال في ذلك فكذلك كلامه تعالى القديم يلفظ ويسمع بالنظم الدال عليه ويحفظ بالألفاظ
المتخيلة في الذهن ويكتب بأشكال الحروف الدالة عليه وهو غير حال في ذلك وكما يقال
النار جوهر محرق فيذكر باللفظ ويسمع بالآذان ويعرف بالقلب ويكتب بالقلم ولا يلزم
كون حقيقة النار حالة في شيء من ذلك وتحقيقه أن للشيء وجودا في الأعيان ووجودا في
الأذهان ووجودا في العبارة ووجودا في الكتابة فالكتابة تدل على العبارة وهي على ما
في الأذهان وهو على ما في الأعيان فحيث يوصف بما هو من لوازم القديم كقولنا القرآن
أو كلام الله غير مخلوق فالمراد حقيقته الموجودة في الخارج أعني المعنى النفسي
القائم بالذات العلية وحديث يوصف بما هو من لوازم المخلوقات والمحدثات يراد به
الألفاظ المنطوقة المسموعة كما في حديث ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي حسن الترنم
يتغنى بالقرآن أو المخيلة كما في قوله تعالى بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا
العلم وكحديث أحمد وغيره من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال أو
الأشكال المنقوشة كحديث الطبراني في الكبير لا يمس القرآن إلا طاهر
وقد ذكر السعد عن المشايخ أنه ينبغي
أن يقال القرآن كلام الله غير
____________________
(3/73)
هذه الكفالة المندوب إليها تصح
إضافتها إليه تعالى إضافة المشروعية إذا كانت الكفالة التي يمكن إضافتها إليه
تعالى ثلاثة أنواع متباينة قديمة وحادثتان
ومطلق الإضافة هو الموجود وهو الذي
دل عليه اللفظ والدال على الأعم غير دال على الأخص فلا يكون لقول القائل علي كفالة
الله إشعار بالكفالة القديمة ألبتة لأن نوعها أخص مما دل عليه مطلق الإضافة فلا
يكون هذا اللفظ موجبا للكفارة من جهة أن المتكلم حلف بصفة من صفات الله تعالى ألبتة
بل إما بجهة النذر أو بجهة أخرى كما تقدم بيانه فتأمل ذلك التنبيه الثالث أن
المتكلم إذا لم يقل علي كفالة الله وكفالة الله أو أقسم بكفالة الله وغير ذلك من
صيغ القسم اللغوي الذي هو القسم بوضعه مستغن عن النية والعرف والنقل يلزمه به
الكفارة ويكون أصرح من قول القائل علي كفالة الله من جهة أنه قسم مستغن عن نية
المجاز والنقل العرفي وإن كان احتمال الإضافة للحادث والقديم موجودا فيه غير أنه
احتمال مشترك بين علي كفالة الله وأقسم بكفالة الله
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
مخلوق ولا يقال القرآن غير مخلوق
لئلا يسبق إلى الفهم أن المؤلف من الأصوات والحروف قديم وكان السلف يمنعون أن يقال
القرآن مخلوق ولو أريد به اللفظ إلخ دفعا لإيهام خلق المعنى القائم للذات العلية
فلا يجوز ذلك إلا في مقام البيان واختلفوا هل يجوز أن يقال لفظي بالقرآن مخلوق
وعليه البخاري والأكثر أو لا وعليه الإمام أحمد وفي حاشية الرسالة للح قال في رسم
أوصى من سماع عيسى من كتاب النذور إن من حلف بالمصحف وأراد المصحف نفسه دون المفهوم
منه أن ذلك لا يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت
ا ه
وفي المجموع وشرحه انعقاد اليمين
بالمصحف وأولى القرآن أو كلمة منه تخصه عرفا ك الم لا نحو قال إن لم ينو معنى
حادثا أي المكتوب أو اللفظ المنزل من غير ملاحظة دلالته على المعنى القديم بأن نوى
قديما أو لم ينو شيئا ا ه
وفي الأصل في الفرق الذي قبل هذا وهل
تجب عليه الكفارة إذا حلف بالقرآن أو التوراة أو الإنجيل أو الزبور وسائر الكتب المنزلة
وحنث وهو لمالك رضي الله عنه لانصرافه عنده للكلام القديم النفسي أم لا تجب عليه
الكفارة إذا حلف بذلك وحنث وهو ما لأبي حنيفة رضي الله عنه وروي أيضا عن مالك أنه
قال إن الحلف بالقرآن والمصحف ليس بيمين ولا كفارة فيه وهو الظاهر فإنا لا نفهم من
قول القائل القرآن وهو يحفظ القرآن أو يكتب القرآن إلا هذه الأصوات والرقوم
المكتوبة بين الدفتين وهو الذي يفهم من نهيه عليه الصلاة والسلام عن أن يسافر
بالقرآن إلى أرض العدو فإن المسافرة متعذرة بالقديم ا ه وزاد العلامة الأمير في
ضوء الشموع ستة ألفاظ اللفظ العاشر قوله والاسم الأعظم قال الأمير ينعقد اليمين به
إلا أن ينوي به الأعظم من اسمين لشخص اللفظ الحادي عشر قوله ودين الإسلام قال
الأمير إن أراد به الأحكام الإلهية انعقد لأنها ترجع لكلامه وخطابه وإن أراد تدين العباد
وطاعتهم لم يلزم
____________________
(3/74)
التنبيه الرابع أن تلك الكلمات السبع
ينبغي أن تستوي في لزوم الكفارة وعدم لزومها لأنها مترادفة وشأن أحد الألفاظ
المترادفة أن يقوم مقام الآخر في لزوم الحكم وسقوطه فلا فرق حينئذ بين علي كفالة
الله تعالى وبين أذانته وزعامته وضمانه وقبالته وجميع ما تقدم في ذلك وكذلك إذا
أتى بصيغة القسم تشمل جميع تلك الألفاظ ويكون الحكم في الجميع واحدا لأنها مترادفة
فتأمل هذه التنبيهات فهي يحتاج إليها في هذه الكلمات اللفظ السادس الميثاق قال مالك
رحمه الله إذا قال علي ميثاق الله تعالى وحنث لزمته الكفارة والميثاق مأخوذ من
التوثق وهو التقوية والفرق بينه وبين العهد واليمين أما اليمين فهو القسم وأما
العهد فقد تقدم أنه الالتزام والميثاق هو العهد الموثق باليمين فيكون الميثاق
مركبا من العهد واليمين معا كذا كان الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله ينقله
عن اللغة وإذا كان هذا معنى الميثاق والعهد وقد تقدم أنه يرجع إلى الكلام النفسي والقسم
أيضا يرجع إلى الكلام لأنه خبر عن تعظيم المقسم به وإذا كانا معا يرجعان إلى معنى
الكلام فالمركب منهما يرجع إلى معنى الكلام قطعا لأن المركبات تابعة للمفردات إذا
تقرر أن معنى الميثاق يرجع إلى معنى الكلام ورد عليه الإشكال الوارد من لفظ علي
وكيف يصح التزام ميثاق الله تعالى كما تقدم في العهد والكفالة ويرد عليه أيضا أن إيجاب
الكفارة به ليس من باب صريح اللغة بل ذلك إما بالنية أو العرف أو النقل وأن
الإضافة محتملة لميثاق الله تعالى الذي هو كلام نفسي وميثاق الله تعالى الذي هو
كلام لفظي لساني حادث كقوله تعالى قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك
على الله يسير فإن هذا التزام لفظي مؤكد بالقسم بقوله وربي فيكون ميثاقا وكقوله
تعالى والشمس وضحاها إلى قوله قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها التزم الله تعالى
أن من زكى نفسه فإنه يجد عنده تعالى فلاحا وأن من دساها أي دسها بالمعاصي فأبدلت
إحدى السينين ألفا فإنه يجد عنده تعالى خيبة
وأكد هذا الالتزام بالقسم السابق وهو
قوله تعالى والشمس وضحاها
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
اللفظ الثاني عشر قوله وخاتم الصوم
الذي على فم العباد قال الأمير لا يلزم به اليمين إلا أن يريد الحكم الآلهي به
فيلزم كما إذا قال والذي خاتمه على فمي وأراد به الله اللفظ الثالث عشر قوله
والعلم الشريف قال الأمير المتبادر منه العلوم المدونة فلا يلزم إلا أن يريد علم
الله تعالى أو أحكامه على ما سبق اللفظ الرابع عشر والموجود والشيء قال الأمير
وينعقد بالموجود وبالشيء إذا أريد به الله تعالى كما
____________________
(3/75)
إلى قوله ونفس وما سواها فهذا كله
قسم مؤكد لذلك الالتزام ونحو ذلك في القرآن الكريم كثير من الالتزامات لتوكدة
بالحلف ويحتمل أيضا ميثاق الله تعالى الذي شرعه لنا فقد أمرنا الله تعالى أن نلتزم
الحقوق الواجبة علينا للعباد وأن نزيل الريبة من صدور المؤمنين الذين هم أصحاب تلك
الحقوق بالأيمان والتأكيد في ذلك النافي لتلك الريبة فهذا الميثاق يضاف إلى الله تعالى
إضافة المشروعية كما تقدم في الكفالة والشهادة في ولا نكتم شهادة الله
وإذا احتمل الميثاق المضاف إليه
تعالى هذه المواثيق الثلاثة ويكون اللفظ حقيقة في أي ذلك وقع أو كان مرادا صار
اللفظ دائرا بين ما هو موجب وبين ما هو ليس بموجب وهما القسمان الآخران الحادثان
الميثاق اللفظي الدال على كلام الله القديم والميثاق المشروع في حقنا لم يكن موجبا
حينئذ لأن المحتمل الموجب وغير الموجب غير موجب لأن الأصل براءة الذمة حتى يتحقق الموجب
هذا هو القاعدة الشرعية المجمع عليها وإذا كانت هذه الأسئلة واردة على هذه الألفاظ
حالة كونها مفردة فإذا جمعت وقيل كفالات الله تعالى أو مواثيقه فالأسئلة باقية
بحالها
ويرد على الجمع ما يرد على المفردات ووافق
مالكا أبو حنيفة وابن حنبل في هذه المسائل وقال الشافعي رضي الله عنه العهد
والكفالة والميثاق وقولنا وحق الله الرحمن وحق الرحيم وحق العليم والجبار كنايات
لا صرائح لترددها بين المعاني القديمة وبين المحدثات فإن نوى القديمة وجبت الكفارة
وإلا فلا لأن لفظ الحق قد يطلق ويراد به حق الله تعالى على عباده من الطاعة
والأفعال المطلوبة منهم وهي حادثة كالصلاة والصوم فلا يجب بها كفارة حتى ينوي
القديم وهو حق الله تعالى الذي هو أمره ونهيه النفساني الموظف على عباده وكذلك
العهد والكفالة والميثاق قد يراد بها الحوادث كما تقدم تقريره والذي قاله الشافعي
رضي الله عنه متجه بما تقدم من الأسئلة والتقارير
اللفظ السابع ايمن الله قال سيبويه
رحمه الله هو من اليمن والبركة ولذلك قال الشافعي رضي الله عنه هو
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
في ابن شاس وفي القرآن قل أي شيء
أكبر شهادة قل الله وما في عبق من عدم الانعقاد بالموجود لأنه ليس مما يندرج في
الأسماء التي بذاتها للقسم من غير توقف على إرادة فالنفسية تنعقد بها لا بالاسم
المشتق منها عكس الفعلية وذلك لأنه إذا قيل ووجود الله كان صريحا في القديم وقد
قيل إن الوجود عين الموجود والظاهر أنه إذا قيل والوجود معرفا بأل من غير إضافة
جرى فيه ما جرى في الموجود بالميم
____________________
(3/76)
كناية لتردده بين المحدث من تنمية
الأرزاق والأخلاق وبين القديم الذي هو من جلال الله تعالى وعظمته ومنه قوله تعالى
فتبارك الله أحسن الخالقين و تبارك الذي بيده الملك أي كثر جلاله وعلاه وصفاته
العلا
وقال الفراء وهو جمع يمين فيكون
الكلام فيه كالكلام في أيمان المسلمين من هذا الوجه من جهة أنه صريح أو كناية
ويقال ايمن الله وأيم الله ومن الله وم الله ثم عليه إذا قلنا إنه جمع يمين إشكال
أيضا بسبب أن القائل إذا قال وأيمان المسلمين فحلف بالحلف يكون قد حلف بمحدث أيضا
فإن حلف الخلق محدث فلا يلزم به كفارة وكذلك يرد الإشكال على متأخري المالكية
القائلين بلزوم أيمان المسلمين على من قال وأيمان المسلمين تلزمني أنه إن أراد
القسم فقد حلف بمحدث فلا يلزمه شيء وإن أراد أن يلزم نفسه موجبات الأيمان فإن أراد
ذلك أنها تلزمه من جهة أنها مسببات لأسبابها وأسبابها لم توجد فلا يلزمه شيء لأن
لزوم الأحكام بدون أسبابها غير معهود في الشريعة بل الشريعة تنكره وإن أراد أنها
تلزمه على سبيل النذر فيفتقر ذلك إلى نية النذر والقصد إليه فإن هذه الصيغة ليست
موضوعة في الفقه المنذور بل هي أخبار وقسم وهؤلاء القائلون بلزوم هذه الأمور لم
يصرحوا بأنها من باب النذور بل ظاهر كلامهم أنها من باب القسم والحلف
الفرق السادس والعشرون والمائة بين
قاعدة ما يوجب الكفارة بالحلف من صفات الله تعالى إذا حنث وبين قاعدة ما لا يوجب
كفارة إذا حلف به من ذلك صفات الله تعالى خمسة أقسام معنوية وذاتية وسلبية وفعلية وما
يشمل الجميع فأما القسم الأول وهي الصفات المعنوية فهي سبعة العلم والكلام القديم
والإرادة
هامش أنوار البروق
قال الفرق السادس والعشرون والمائة
بين قاعدة ما يوجب الكفارة بالحلف من صفات الله تعالى إذا حنث وبين قاعدة ما لا
يوجب كفارة إذا حلف به من ذلك إلى قوله وفي هذا القسم مسائل قلت ما قاله في ذلك
صحيح
هامش إدرار الشروق
اللفظ الخامس عشر ما تقدم في الفرق
الذي قبل هذا عن العلامة الأمير من صفات الأفعال فجملة ما ذكروه من ألفاظ هذا
القسم أعني ما لم يعلم قدم مدلوله ولا حدوثه خمسة عشر وسيأتي في الفرق الذي عقب
هذا الفرق عن الأصل ألفاظ أخر فترقب والله سبحانه وتعالى أعلم
الفرق السادس والعشرون والمائة بين قاعدة
ما يوجب الكفارة بالحلف من صفات الله تعالى إذا حنث وبين قاعدة ما لا يوجب كفارة
إذا حلف به من ذلك صفات الله تعالى خمسة لأنها إما ذاتية لا تدل على معنى موجود
قائم بالذات ولا على سلب نقيصة ولا
____________________
(3/77)
والقدرة والسمع والبصر والحياة فهذه
كلها يوجب الحلف بها مع الحنث الكفارة فيجوز الحلف بها ابتداء هذا هو مشهور المذهب
وقيل لا توجب كفارة لقوله صلى الله عليه وسلم من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت
ولفظ الله مخصوص بالذات فاندرجت الصفات في المأمور بالصمت به ومستند المشهور ما
تقدم مما حكاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أيوب عليه السلام أنه قال بلى
وعزتك ولكن لا غنى لي عن بركتك وفي هذا القسم مسائل المسألة الأولى الحلف بالقرآن إذا
حلف به قلنا نحن تجب به الكفارة لأنه منصرف للكلام القديم وقال أبو حنيفة لا تجب
به الكفارة لأنه ظاهر في الكلام المخلوق الذي هو الأصوات فالكلام في تحقيق مناط هل
فيه عرف أم لا ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسافروا بالقرآن إلى أرض
العدو لم يفهم أحد إلا القرآن الذي هو الأصوات وإذا قيل في مجرى العادة القرآن
إنما يسبق إلى الفهم الكلام العربي المعجز والعربي المعجز محدث وهو مروي عن مالك
رحمه الله كما قاله أبو حنيفة رضي الله عنه والأول المشهور عن مالك حملا للقرآن
على القديم
هامش أنوار البروق
قال المسألة الأولى الحلف بالقرآن
إلى آخر كلامه في هذه المسألة قلت ما قاله من أن خلاف مالك وأبي حنيفة إنما هو في
تحقيق مناط وهو هل في لفظ القرآن عرف أن المراد به الصفة القديمة أم لا ليس الأمر
عندي كما زعم بل العرف في الاستعمال أن المراد به الحادث وذلك مستند أبي حنيفة
ولكن قرينة القسم صرفت اللفظ إلى أن المراد به الأمر القديم وذلك مستند مالك والله
تعالى أعلم
فخلافهما في تحقيق مناط لكن من غير
الوجه الذي ذكر ومما يدل على ذلك تسوية مالك بين لفظ القرآن والمصحف والتنزيل
والتوراة والإنجيل مع أن العرف فيها أن المراد بها المحدث
هامش إدرار الشروق
على فعل الذات وإما معنوية تدل على
معنى موجود قديم قائم بالذات لا ينفك عنها وإما سلبية تدل على سلب نقيصة عن الذات
وإما فعلية تدل على فعل الذات وإما أن تشمل الجميع فالقسم الأول منها أعني الصفات
الذاتية هي كونه تعالى أزليا أبديا واجب الوجود سماها العلماء بذلك لأنها أحكام
للذات لا معان قائمة بالذات نظير جمع البصر في السواد وتفريقه في البياض كذا قال
الأصل وهو إنما يظهر على القول بالأحوال وأنها أحوال نفسية لا معنوية أما على إنكار
الأحوال وهو الصحيح فهي بجملتها صفات سلبية لا ثبوتية وعلى كلا القولين لا وجود في
الأعيان لمعنى واحد منها
فالظاهر من قول مالك بوجوب الكفارة
مع الحنث إذا قال الحالف عمر الله يميني مع أن العمر هو البقاء والبقاء كالقدم من
صفات السلوب معناه نفي لحوق العدم للذات وكون النفي على طريقة الامتناع مأخوذ من
كون بقاء الذات واجبا كما أن معنى القدم امتناع سبقية العدم للذات فلا وجود لمعنى
كل منهما في
____________________
(3/78)
قال صاحب الخصال ابن زرب الأندلسي
ويلحق بالقرآن عند مالك إذا حلف بالمصحف أو بما أنزل الله أو بالتوراة أو بالإنجيل
واعلم أن هذه أيضا ظاهرة في العرف المحدث فإن الناس لا يفهمون من المصحف إلا
الأوراق المرقومة المجلدة بالجلد وهذه محدثة وكذلك التنزيل والإنزال إنما يتصور في
الحادث فإن الصفات القديمة لا تفارق موصوفها وما يستحيل مفارقته يستحيل نزوله
وطلوعه ومطلق الحركة عليه
وأما التوراة والإنجيل فهما كلفظ
القرآن لا يفهم منهما إلا الكلمات الخاصة التي نزلت باللغة العبرانية وما يوصف
باللغة العربية أو العبرانية فهو محدث بالصورة وكذلك قلنا القرآن لكونه موصوفا
بكونه عربيا في قوله تعالى إنا أنزلناه قرآنا عربيا محدث فإن العربية والعجمية من
عوارض الألفاظ والكلام النفسي كان قديما أو محدثا لا يوصف بكونه عربيا ولا عجميا المسألة
الثانية قال الشيخ الإمام أبو الوليد بن رشد في البيان والتحصيل إذا قال علم الله
لا فعلت استحب له مالك الكفارة احتياطا تنزيلا للفظ علم الذي هو فعل ماض منزلة علم
الله فكأنه قال وعلم الله لا فعلت
وقال سحنون إن أراد الحلف وحنث وجبت
الكفارة وإلا فلا كفارة عليه لأن حروف القسم قد تحذف فهو كناية تحتمل القسم بعلم
الله
هامش أنوار البروق
قال المسألة الثانية قال الشيخ
الإمام أبو الوليد بن رشد في البيان والتحصيل إذا قال علم الله لا فعلت استحب له
مالك الكفارة احتياطا إلى آخر ما قاله في هذه المسألة قلت الأظهر نظرا قول سحنون
ولذلك والله أعلم
استحب مالك الكفارة ولم يوجبها قال
المسألة الثالثة الألف واللام في اللغة أصلها العموم على مذهب جمهور الفقهاء
القائلين بالعموم إلى آخر ما قاله في هذه المسألة
قلت الصحيح عندي في قول القائل
والعلم وقوله وعلم الله وما أشبهه ذلك أن قرينة القسم عينت أن المراد القديم دون
غيره مع أن لفظ العلم سواء كان بالألف واللام أم مضافا ليس اشتماله
هامش إدرار الشروق
الأعيان أنه كذلك يوجب الكفارة مع
الحنث إذا قال الحالف وأزلية الله تعالى ووجوب وجوده وأبديته إذ لا فرق سيما وقد
جعل بعضهم القدم نفسيا زاعما أنه الوجود الأزلي وكذا البقاء أي الوجود المستمر كما
في حاشية الأمير على عبد السلام على الجوهرة نعم قد جعل بعضهم القدم والبقاء من
المعاني ورد بأنهما ثابتان لصفاته أيضا فيلزم قيام المعنى بالمعنى من الدور أو
التسلسل فيهما كما في الأمير أيضا هذا تحقيق المقام فليتأمل
والقسم الثاني منها أعني المعنوية
نسبة للمعاني الوجودية القائمة بالذات على حد قوله والواحد اذكر ناسبا للجمع ما لم
يوافق واحدا في الوضع نعم الظاهر أنه هنا وافق واحدا في الوضع فإذا عبر علماء
الكلام عن هذا القسم بصفات المعاني وقال السنوسي في شرح الوسطى الإضافة في صفات
المعاني للبيان وأن المراد الصفات التي هي نفس المعاني
____________________
(3/79)
مع حذف أداة القسم والتعبير عن الصفة
القديمة بصيغة الفعل فإن أراده وجبت الكفارة وإن أراد الإخبار عن علم الله تعالى
بعدم فعله فليس بحلف تجب به كفارة وهو متجه في قواعد الفقه وقد وقع لبعض النحاة
جواز فتح إن بعد القسم وعلل ذلك بأن القسم قد يقع بصيغة الفعل المتعدي فتكون أن
معمولة لذلك الفعل المتعدي نحو علم الله وشهد الله أن زيدا لمنطلق فلما كانت مظنة
وجود الفعل المتعدي فتحت تنزيلا للمظنون منزلة المحقق والظاهر أنه نقلها لغة عن
العرب في فتح أن بعد القسم والجادة على كسرها بعد القسم المسألة الثالثة الألف واللام
في اللغة أصلها للعموم على مذهب جمهور الفقهاء وقد تكون للعهد مجازا عندهم كقوله
تعالى كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول فهذه اللام للعهد أي عصى
الرسول المعهود ذكره الآن فهذا مجاز لأنها استعملت في غير موضوعها لأنها موضوعة
للعموم وقد استعملت في الخصوص الذي هو العهد فيكون مجازا فإذا تقررت هذه القاعدة
وقال القائل والعلم والقدرة فأصلها في الوضع اللغوي أنها للعموم فتشمل كل علم كان
قديما أو حادثا فيجتمع في أفراد هذا العموم العلم القديم وهو موجب والعلم المحدث
وهو غير موجب
هامش أنوار البروق
في القول الصحيح على القديم والحادث
من باب العموم الذي يقول به المعممون بل اشتماله على القديم والحادث من باب تعميم
اللفظ المشترك والقول به مردود وكل ما قاله في هذه المسألة مبني على أن اشتمال
اللفظ على القديم والحادث من باب العموم فما قاله ليس بصحيح والله أعلم قال القسم
الثاني من الصفات الصفات الذاتية وهي كونه تعالى أزليا أبديا واجب الوجود إلى قوله
فهذا هو تحقيقها قلت ليس ما قاله في ذلك بصحيح فإن الأزلية إنما معناها أن وجوده
لم يسبقه عدم والأبدية
هامش إدرار الشروق
يعنون بها المعاني الوجودية كالعلم
مثلا ويصح أن تكون الإضافة أنه بتقدير من كثوب خز ا ه
ولم يعبروا بالصفات المعنوية فهي
سبعة العلم والكلام القديم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والحياة ومشهور المذهب
جواز الحلف بها ابتداء وأن الحلف بها مع الحنث يوجب الكفارة لما في البخاري أن
أيوب عليه الصلاة والسلام قال بلى وعزتك لا غنى لي عن بركتك كما مر وقيل لا يوجب
كفارة لقوله صلى الله عليه وسلم من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت ولفظ الله
مخصوص بالذات فاندرجت الصفات في المأمور بالصمت به لكن قد مر عن حفيد بن رشد قال في
بداية المجتهد وتعليق الحكم في الحديث بالاسم فقط أي دون أن يعدى إلى الصفات
والأفعال جمود كثير وهو أشبه بمذهب أهل الظاهر وإن كان مرويا في المذهب حكاه
اللخمي عن محمد بن المواز ا ه
وفي هذا القسم ثلاث مسائل المسألة
الأولى مذهب مالك رضي الله تعالى عنه أن الحلف بالقرآن تجب به مع الحنث الكفارة
وقال أبو
____________________
(3/80)
وإذا اجتمع الموجب وغير الموجب ترتب
الإيجاب على الموجب ووجود غير الموجب لا يقدح ولا يعارض الموجب كمن وجد منه شرب
الخمر وشرب الماء وجب عليه الحد لأجل الموجب
والقاعدة أن الأصل اعتبار الموجب
بحسب الإمكان فيعتبر العلم القديم في إيجاب الكفارة نعم يتجه أن يقال إنه حينئذ
اندرج في كلامه ما يسوغ الحلف به وهو العلم القديم وما ينهى عن الحلف به تحريما أو
كراهة وهو العلم المحدث والمركب من المأذون فيه والمنهي عنه منهي عنه فتكون يمينه هذه
منهيا عنها وإن كانت موجبة للكفارة هذا إذا استعملنا الألف واللام للعموم وإن قلنا
إنها للعهد أو قرينة الحلف تصرفها للعهد لأنه الغالب من أحوال المؤمنين كان المراد
ما عهد الحلف به وهو العلم القديم فتجب الكفارة من غير نهي وهذا هو الظاهر من
أحوال الحالفين هذا ما يتعلق بتلخيص الألف واللام في الصفة إذا حلف بها فإن أضيفت
وقال الحالف وعلم الله وقدرة الله ونحو ذلك اندرج في المضاف العلم القديم والمحدث
وكذلك كل صفة تضاف لأن اسم الجنس إذا أضيف عم كقوله عليه السلام هو الطهور ماؤه
الحل ميتته فعم جميع مياه البحر وميتاته ولأنه
هامش أنوار البروق
أنه لا يلحقه عدم ووجود الوجود نفي
تبدله فهذه الصفات بجملتها سلبية لا ثبوتية هذا على إنكار الأحوال أو إما على
إثباتها فذلك متجه على أنها أحوال نفسية لا معنوية قال وأما حكمها في الشريعة إذا
حلف بها فالظاهر من قول مالك رحمه الله أنه إذا قال عمر الله يميني يكفر مع أن
العمر هو البقاء والبقاء يرجع إلى مقارنة الوجود في الأزمنة إلى قوله من التخريج
قلت ما قاله في ذلك صحيح غير ما قاله في البقاء أنه يرجع إلى مقارنة الوجود في
الأزمنة فإنه ليس كذلك فإنه تعالى متصف بالبقاء سواء وجد زمان أو لم يوجد فإن
الزمان من جملة الحوادث قال فإن قلت الأبدية لا تكون في الأزل
هامش إدرار الشروق
حنيفة رضي الله تعالى عنه لا تجب به
الكفارة ومستند أبي حنيفة أن المراد به في عرف الاستعمال الحادث ومستند مالك أنه
وإن كان المراد به في العرف الحادث إلا أن قرينة القسم صرفت اللفظ إلى أن المراد
به الأمر القديم ومما يدل على ذلك تسوية مالك بين لفظ القرآن والمصحف والتنزيل
والتوراة والإنجيل مع أن العرف فيها أن المراد بها المحدث أفاده ابن الشاط المسألة
الثانية قال الشيخ الإمام أبو الوليد بن رشد في البيان والتحصيل إذا قال علم الله لا
فعلت استحب له مالك الكفارة احتياطا تنزيلا للفظ علم الله الذي هو فعل ماض منزلة
علم الله فكأنه قال وعلم الله لا فعلت وقال سحنون إن أراد الحلف بعلم الله مع حذف
أداة القسم والتعبير عن الصفة القديمة بصيغة الفعل وحنث وجبت الكفارة وإن أراد
الإخبار عن علم الله تعالى بعدم فعله فليس بحلف تجب به كفارة فلفظ علم الله لا
فعلت كناية تحتمل القسم والإخبار ا ه بتصرف قال ابن
____________________
(3/81)
المنقول عن الأصوليين والإضافة يكفي
فيها أدنى ملابسة كما تقدم بيانه والمحدثات من الصفات والموصوفات تضاف إلى الله
تعالى لأنه خلقها وغير ذلك من النسب والإضافات التي بين المخلوق والخالق
ولذلك قال كعب الأحبار في قوله تعالى
فنفخنا فيه من روحنا إنه تعالى نفخ فيه روحا من أرواحه إشارة إلى أن أرواح الخلائق
كلها مخلوقة وأن روح عيسى عليه السلام من جملتها فأضافها الله تعالى إليه إضافة
الخلق إلى الخالق فإذا وضح أن هذه الإضافة تقتضي العموم في القديم والحادث فإن
أبقيناها على عمومها شملت الموجب وغير الموجب والمأذون فيه والمنهي عنه فيكون
الكلام حينئذ في الإضافة كما تقدم في عموم الألف واللام وإن لم نحملها على عمومها
وقلنا بالعهد فهو في الإضافة قليل وإنما هو مسطور للنحاة في الألف واللام وينبغي
أن نقول هاهنا إن قرينة حال الحالف والحلف أن هذا العام أريد به الخاص وهو الصفة
القديمة خاصة فيقوم هذا التخصيص مقام العهد في لام التعريف ويحصل المقصود وتكون
اليمين ملزمة للكفارة من غير نهي وقد نقل عبد الحق في تهذيب الطالب عن أشهب أنه
قال إن أراد الحالف بقوله وعزة الله وأمانته المعنى القديم وجبت الكفارة أو المحدث
لم تجب
وقد قال تعالى سبحان ربك رب العزة و
إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها والقديم لا يكون مربوبا
هامش أنوار البروق
كما أن الأزلية لا تكون في المستقبل
إلى قوله فمع الفرق لا يصح التخريج قلت السؤال غير صحيح وجوابه كذلك أما عدم صحة
السؤال فمن جهة أن وجود الباري تعالى وجميع صفاته لا يلحقها الزمان والأزلية
والأبدية قد تقدم تفسيرهما بالسلب فكيف يقول السائل إنهما لا يكون أحدهما في الزمن
الذي يكون فيه الآخر وهل الكون إلا من لواحق الوجود أو هو هو فما ألزم من أن الأبد
لا يكون إلا متجددا لا يلزم وما قاله هو في الجواب من أن البقاء في المحدثات لا
يعقل إلا بعد الحدوث مسلم ولا يلزم من ذلك ما بني عليه من أن مالكا اعتبر البقاء
من غير ملاحظة كونه ثانيا عن الحدوث ومتى يصح في حقه تعالى أن يكون بقاؤه بتلك
هامش إدرار الشروق
الشاط الأظهر نظرا قول سحنون ولذلك
والله أعلم استحب مالك الكفارة ولم يوجبها ا ه
وقال الأصل وقول سحنون متجه في قواعد
الفقه وقد وقع لبعض النحاة جواز فتح أن بعد القسم وعلل ذلك بأن القسم قد يقع بصيغة
الفعل المتعدي فتكون أن معمولة له نحو علم الله وشهد الله أن زيدا لمنطلق فلما
كانت مظنة وجود الفعل المتعدي فتجب تنزيلا للمظنون منزلة المحقق والظاهر أنه نقلها
لغة عن العرب في فتح أن بعد القسم والجادة على كسرها بعد القسم ا ه
المسألة الثالثة الصحيح أن قرينة
القسم في قول القائل والعلم بالألف واللام وقوله وعلم الله بالإضافة وما أشبه ذلك
تعين أن مراده العلم القديم دون غيره على أن لفظ العلم سواء كان مضافا أم بالألف
واللام ليس اشتماله على القديم والحادث في القول الصحيح الذي عليه جمهور الفقهاء
من أن أصل الألف واللام وكذا الإضافة في اللغة للعموم وقد تكون للعهد مجازا مرسلا
من إطلاق العام وإرادة الخاص
____________________
(3/82)
ولا مأمورا به إشارة منه إلى أن
الإضافة يكفي فيها أدنى ملابسة ويكون اللفظ حقيقة وأن العزة الحادثة للعباد يمكن
أن تضاف إليه إضافة الخلق للخالق ولأجل هذه الاحتمالات والترددات خالفنا جمهور
الحنفية في الصفات فقالوا إن تعارف الناس الحلف بها كانت يمينا وإن لم تتعارف
الناس بها لم تكن يمينا وسواء كانت الصفات من صفات الذات أو صفات الفعل فاشترطوا
الشهرة دوننا وسووا بين الصفات الفعلية والذاتية وسبب اشتراطهم الشهرة أن الشهرة
تصير ذلك اللفظ المشهور موضوعا لخصوص القديم الذي يحلف به فتجب به الكفارة وقبل
النقل والشهرة يكون اللفظ مترددا بين القديم والمحدث والأصل براءة الذمة ومما يعضد
هذا التردد أن النكرات قسمان منهما ما يصدق على القليل والكثير من ذلك الجنس
كقولنا ماء ومال وذهب وفضة فيقال للكثير من جميع ذلك ماء وذهب وفضة وكذلك القليل
ومن النكرات ما لا يصدق إلا على الواحد من ذلك الجنس ولا يصدق على الكثير منه كقولنا
رجل وعبد ودرهم ودينار فلا يقال للرجال الكثيرة رجل وللعبيد عبد ولا للفضة
والدراهم الكثيرة درهم ولا للذهب الكثير والدنانير دينار
وإن قيل له الذهب بل لا تصدق هذه
النكرات إلا على هذا الجنس بقيد الوحدة
هامش أنوار البروق
المثابة حتى يلزم أن مالكا لم يعتبر
ذلك فيخرج على قوله في مسألة الأبدية مع تسليم تجددها هذا كله تخليط فاحش لا يفوه
بمثله من حصل شيئا من علم الكلام وما قاله بعد ذلك صحيح أو حكاية خلاف ولا كلام
فيه
قال القسم الثالث من صفات الله تعالى
الصفات السلبية إلى آخر ما قاله في هذا القسم قلت ما قاله صحيح غير ما قاله في
الحلم إنه تأخير العقوبة فإن هذا عندي فيه نظر والأقرب أن الحلم ترك المحاسبة
والمعاقبة والعفو ترك المعاقبة والله أعلم
قال القسم الرابع من صفات الله تعالى
الصفات الفعلية كقوله وخلق الله ورزق الله وعطاء الله وإحسان الله ونحو ذلك إلى
قوله وهاهنا خمس مسائل
هامش إدرار الشروق
كقوله تعالى كما أرسلنا إلى فرعون رسولا
فعصى فرعون الرسول أي عصى الرسول المعهود ذكره الآن من باب العموم الذي يقول به
المعممون بل اشتماله على القديم والحادث فيه من باب تعميم اللفظ المشترك والقول به
مردود فكل ما قاله الأصل في هذه المسألة مبني على أن اشتمال اللفظ على القديم
والحادث من باب العموم كما زعم ليس بصحيح والله أعلم قاله ابن الشاط
قال القسم الثالث من صفات الله تعالى
الصفات السلبية إلى آخر ما قاله في هذا القسم قلت ما قاله صحيح غير ما قاله في الحلم
إنه تأخير العقوبة فإن هذا عندي فيه نظر والأقرب أن الحلم ترك المحاسبة والمعاقبة
والعفو ترك المعاقبة والله أعلم
والقسم الثالث منها أعني السلبية قال
الأمير على عبد السلام والحق أن الخلاف في كونها منحصرة أولا لفظي وأن الأصول
الكلية كالمخالفة للحوادث تحته أمور كثيرة من أنه ليس جوهرا ولا عرضا إلخ منحصرة
وأن الجزئيات غير متناهية ا ه
وهي كقولنا إن الله تعالى ليس بجسم
ولا جوهر ولا عرض ولا في حيز ولا في جهة ولا يشبه شيئا من خلقه في ذاته ولا في صفة
من صفاته ليس كمثله شيء وهو السميع البصير فهذه الصفات هي نسبته بين الله تعالى
وأمور مستحيلة عليه سبحانه وتعالى واعلم أن السلب
____________________
(3/83)
فصارت أسماء الأجناس منها ما يصلح
للقليل والكثير ومنها ما لا يصلح فأمكن أن يقال إنا وإن قلنا بأن الإضافة تقتضي
التعميم إنما نقوله في أسماء الأجناس التي تصدق على الكثير أما التي لا تصدق إلا
على الجنس بقيد الوحدة فإن إضافتها لا توجب تعميما ولذلك يفهم العموم من قول
القائل مالي صدقة ولا يفهم من قوله عبدي حر ولا امرأتي طالق بل لا يفهم مع الإضافة
إلا فرد واحد من ذلك الجنس وهو عبد واحد وامرأة واحدة فيحمل قول الأصوليين إن اسم
الجنس إذا أضيف عم على اسم الجنس إذا كان يصدق على الكثير بدليل موارد الاستعمال وهو
متجه غاية الاتجاه غير أني لم أره منقولا وقد نبهت عليه في شرح المحصول وإذا كان
هذا معنى صحيحا يمكن مراعاته فقولنا وعزة الله وأمانة الله من الألفاظ التي لا
تصدق على الكثير أمانة بل أمانات ولا أنواع العزة المختلفة أنها عزة بل عزات وكذلك
القدرة الكثيرة ولا يقال لها قدرة بل قدرات لأن الأصل فيما هو بهاء التأنيث أن
يكون للواحد نحو تمرة وبرمة وضربة وجرحة وإقامة وإذا لم تكن حالة الإضافة تتناول
إلا الواحد كما كانت قبل الإضافة وذلك الواحد لا عموم فيه حتى يشمل القديم والمحدث
فيبقى مترددا بين الموجب الذي هو القديم وبين
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله في ذلك صحيح قال المسألة
الأولى قال ابن يونس قال أصحابنا معاد الله ليست يمينا إلا أن يريد اليمين وقيل
معاد الله وحاشا الله ليستا بيمين مطلقا لأن المعاد من العود ومحاشاة الله التبرئة
إليه فهما فعلان محدثان يريد إلا أن يريد اليمين إلى آخر المسألة قلت ما قاله فيه
نظر قال المسألة الثانية هاهنا ألفاظ اختلف في مدلولها هل هو قديم فيجوز الحلف به
وتلزم به الكفارة أو هو محدث فلا يجوز الحلف به ولا تلزم به الكفارة تخريجا على
قواعدهم وهذه الألفاظ هي غضب الله
هامش إدرار الشروق
في حق الله تعالى سلبان سلب نقيصة
نحو سلب الجهة والجسمية وغيرهما وسلب المشارك في الكمال وهو سلب الشريك وهو الوحدانية
قال الأصل ولم أجد في هذه المواطن نقلا أعتمد عليه في انعقاد اليمين بالسلبية وعدم
انعقاده غير أني حركت من وجوه النظر والتخريج ما يمكن أن يعتمد الفقيه عليه نفيا
أو إثباتا وهو أن هذه السلوب منها سلوب قديمة نحو سلب الشريك وهو الوحدانية وسلب
الجسمية والعرضية والجوهرية والأينية وسلب جميع المستحيلات عليه تعالى فهذه من حيث
إنها قديمة متعلقة بالله تعالى أقرب لانعقاد اليمين بها لا سيما إذا كانت بإضافة اللفظ
إلى الله تعالى نحو قولنا ووحدانية الله تعالى وتسبيح الله تعالى وتقديس الله
تعالى ونحو ذلك بخلاف ما إذا كانت بإضافة اللفظ لغير الله تعالى نحو قولنا وسلب
الجسم وسلب الشريك فإن انعقاد اليمين بها يبعد حينئذ من حيث كونها سلوبا ومنها
سلوب حادثة نحو عفو الله تعالى وحلمه تعالى فإن العفو ترك المعاقبة بعد تحقق
الجناية والحلم ترك المحاسبة والمعاقبة بعد
____________________
(3/84)
غير الموجب الذي هو المحدث والأصل
براءة الذمة حتى تحصل شهرة ونقل عرفي في القديم فتجب الكفارة حينئذ وهذا حسن متجه
غير أنه لا يطرد في علم الله تعالى إذا قال وعلم الله فإن العلم الكثير يسمى علما
بخلاف الإرادة وكذلك السمع والبصر بخلاف الحياة وهذه كلها مباحث حسنة يمكن الجنوح
إليها في مجال النظر وتحقيق الفقه
القسم الثاني من الصفات الصفات
الذاتية وهي كونه تعالى أزليا أبديا واجب الوجود فهذه الصفات ليست معانيها موجودة
قائمة بالذات ولا هي سلب نقيصة كقولنا ليس بجسم بل صفات ذات واجب الوجود بمعنى أنها
أحكام لتلك الذات كما نقول في السواد إنه جامع للبصر والبياض إنه مفرق للبصر وتصفه
بذلك لا بمعنى أن جمع البصر في السواد وتفريقه في البياض صفة قائمة بالسواد
والبياض بل بمعنى أنها أحكام ثابتة لتلك الحقائق فكذلك هاهنا من صفات الله تعالى
ما تقدم ذكره على هذا التفسير ولما لم تكن صفة معنوية زائدة على الذات سماها
العلماء صفات ذاتية فهذا هو تحقيقها
وأما حكمها في الشريعة إذا حلف بها
فالظاهر من قول مالك رحمه الله أنه إذا قال عمر الله يميني يكفر مع أن العمر هو
البقاء والبقاء يرجع إلى مقارنة الوجود في الأزمنة والمقارنة نسبة لا وجود لها في
الأعيان فقد اعتبر النسبة وجعل حكمها حكم الصفة
هامش أنوار البروق
تعالى ورحمته ورضاه ومحبته ومقته إلى
قوله ونحو ذلك من هذه الألفاظ التي تمتنع حقائقها على الله تعالى ويتعين حملها على
المجاز فاختلف العلماء في المجاز المراد بها قلت ما قاله من امتناع حقائقها على
الله تعالى إنما ذلك بناء على تفسيرها بما يمتنع عليه كتفسيرهم الرحمة بالرقة
والمحبة بالميل وفي ذلك نظر للكلام فيه مجال لكن على تسليم امتناع تلك الحقائق لا
بد من الصرف إلى المجاز كما قال العلماء والله تعالى أعلم قال فقال الشيخ أبو
الحسن الأشعري المراد بهذه الأمور إرادة الإحسان لمن وصف بذلك من
هامش إدرار الشروق
تحقق الجناية والجناية من العباد
حادثة والمتأخر عن الحادث حادث فهي أبعد عن انعقاد اليمين من انعقاده بالسلوب
القديمة لاجتماع الحدوث فيها مع السلب وانفراد السلب في السلوب القديمة فالذي يقول
لا تنعقد اليمين بالصفات الوجودية يقول ها هنا بعدم الانعقاد بطريق الأولى والذي
يقول تنعقد اليمين بالصفات الوجودية كالعلم والقدرة أمكن أن يقول بعدم الانعقاد ها
هنا لأجل السلب فهذا موضع يحتمل الإطلاق بانعقاد اليمين وبعدم انعقادها ويحتمل التفصيل
بين القديم والمحدث ا ه
وقال ابن الشاط والصحيح الأمور المضافة
إلى الله تعالى سواء كانت إثباتا أو سلبا مثل قبلية الله ومعيته وبعديته متى عني
بها أمر قديم فاليمين بها منعقدة ومتى عني بها أمر حادث فاليمين بها غير منعقدة
وقصد الأمر القديم بها هو عرف الشرع ولم يحدث عرف يناقضه فيتغير الحكم لذلك ا ه
وقد علمت ما في قوله ولم يحدث عرف يناقضه إلخ فلا تغفل
والقسم الرابع منها أعني الصفات
الفعلية كقوله وخلق الله ورزق الله وعطاء الله وإحسان الله من كل
____________________
(3/85)
الوجودية فلعله يقول في هذه الصفات
كذلك ويوجب بها الكفارة إذا قال الحالف وأزلية الله تعالى ووجوب وجوده وأبديته ولم
أر فيه نقلا غير ما ذكرته لك من التخريج فإن قلت الأبدية لا تكون في الأزل كما أن
الأزلية لا تكون في المستقبل بل الأبدية اقتران الوجود بجميع الأزمنة المستقبلة
والأزلية اقتران الوجود بجميع الأزمنة المتوهمة إلى غير نهاية من جهة الأزل فالأزل
والأبد متنافيان لا يجتمعان
ولا يكون أحدهما في الزمن الذي يكون
فيه الآخر فعلى هذا لا يكون الأبد إلا متجددا بعد الأزل فإن جعلتم الحلف لا يكون
إلا بقديم لم ينعقد الحلف بأبدية الله تعالى لتجددها بعد الأزل ثم إن جعلتم الحلف
بالقديم كيف كان وجودا أو عدما يلزمكم أن من حلف بعدم العام أن يكون تلزمه الكفارة
وليس كذلك قلت مسلم أن الأبدية لا تكون أزلية وهي متجددة بعد الأزلية غير أن أبدية
الله تعالى ترجع إلى وجوده من حيث الجملة كالبقاء وعمر الله تعالى كما تقدم بيانه
مع أن البقاء لا
هامش أنوار البروق
الخلق في صفة الرحمة ونحوها إلى قوله
وبقية هذه الألفاظ تتخرج على هذين المذهبين قلت ما قاله وحكاه صحيح قال وقد رد
القاضي بمعنى ثالث يرجع إلى الكلام القديم كقوله تعالى ولا يرضى لعباده الكفر أي
لا يشرعه تعالى دينا للعباد وشرعه تعالى كلامه قلت ليس شرع الله تعالى كلامه بل
شرعه مقتضى كلامه وهو الأحكام وهي التي يلحقها النسخ إلى بدل وإلى غير بدل وكلام
الله تعالى الذي هو صفة ذاته لا يصح نسخه لا لبدل ولا لغير بدل فالأظهر أن قوله تعالى
ولا يرضى لعباده الكفر ليس راجعا إلى الكلام القديم والله أعلم
قال وفي القرآن مواضع يتعين فيها
مذهب الشيخ ومواضع يتعين فيها مذهب القاضي ومواضع تحتمل المذهبين فالأول كقوله
تعالى ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فهذا ظاهره في الإرادة لأن الوسع
هامش إدرار الشروق
ما يصدر عن قدرة الله تعالى قال
الأصل فينهى عن الحلف بها ولا يوجب كفارة إذا حنث ا ه
وقد تقدم عن العلامة الأمير أنه مبني
على أن الصفات الفعلية أمور اعتبارية تتجدد بتجدد المقدور وأنها حادثة كما يقول
الأشاعرة أما إن لوحظ المذهب الماتريدي من أنها قديمة ترجع إلى صفة التكوين أو
أريد مصدرها ومنشؤها وهو القدرة أو الاقتدار الراجع للصفة المعنوية أي كونه قادرا
فتنعقد بها اليمين وتجب الكفارة مع الحنث فلا تغفل وها هنا أربع مسائل المسألة
الأولى المعنى الحقيقي لمعاد الله وحاشا الله هو هو المعاد الحقيقي للعباد وبراءة
الله أي براءة منا لله وهما فعلان محدثان فلذا قال ابن يونس قال أصحابنا معاد الله
ليس يمينا إلا أن يريد اليمين وقيل معاد الله وحاشا الله ليستا بيمين مطلقا لأن
المعاد من العود ومحاشاة الله تعالى التبرئة إليه فهما فعلان محدثان
ا ه قال الأصل يريد إلا أن يريد
اليمين
ا ه
أي بأن يريد بمعاد الله ذات الله
تعالى وصفاته تعالى مجازا
____________________
(3/86)
يعقل في المحدثات إلا بعد الحدوث فهو
قرينة تقتضي التأخير من حيث الجملة عن أصل الوجود ومع ذلك فقد اعتبره ولم يلاحظ
هذا المعنى ومقتضى ذلك اعتبار الأبدية والمقصود التخريج على المذهب لا إقامة
الدليل على صحته وهذا التخريج صحيح في ظاهر الحال ولك أن تقول الأبدية لا تكون في
الأزل وما لا يكون في الأزل يكون حادثا قطعا وأما البقاء فواقع في الأزل لأن
اقتران الوجود كما حصل بالأزمنة المستقبلة حصل بالأزل وفيه لم يتعين له حدوث فمع الفرق
لا يصح التخريج وأما عدم العالم فالجواب عنه أن لا نعتبر القديم كيف كان فإن عدم
العالم بل عدم كل حادث قديم
ولا يصح الحلف به بل يعتبر القدم
المتعلق بذات الله ووجوده وصفاته العلا وعدم العالم والحوادث ليس متعلقا بوجود الله
تعالى وصفاته فلذلك لم تلزم به كفارة ولم تشرع به يمين فائدة اختلف في القدم هل هو
صفة ثبوتية وأنه تعالى قديم بقدم كالعلم وغيره أو هو صفة نسبية لا زائدة على ذاته
تعالى بل قدمه استمرار وجوده مع جميع الأزمنة الماضية المحققة والمتوهمة الاستمرار
نسبة بين الوجود والذات وكذلك جرى الخلاف في البقاء هل هو وجودي أم لا
القسم الثالث من صفات الله تعالى
الصفات السلبية وهي كقولنا إن الله تعالى ليس
هامش أنوار البروق
عبارة عن عموم التعلق ويدل أيضا على
ذلك اقترانها بالعلم وإن وسع الرحمة كوسع العلم وهذا ظاهر في الإرادة قلت ليس
كلامه هنا بصحيح فإنه قال هذا من المواضع التي يتعين فيها مذهب الشيخ أبي الحسن
وقال إنه ظاهر في الإرادة والظاهر لا يتعين إلا حيث يسوغ استعمال الظواهر وذلك في
الأحكام الشرعية وليس هذا منها وقال إن وسع الرحمة كوسع العلم بعد تفسير الوسع
بعموم التعلق وليس تعلق الإرادة كتعلق العلم فإن العلم يتعلق بالواجب والجائز
والمحال والإرادة لا تتعلق إلا بالجائز قال وأما ما يتعين فيه مذهب القاضي
هامش إدرار الشروق
وذلك لأن معادا اسم مكان من العود
والله تعالى يعود إليه الأمر كله لقوله تعالى وإليه يرجع الأمر كله فأطلق اسم
المكان على الله تعالى مجازا فلفظ معاد الله كناية يحتمل أن يريد به المعاد
المجازي فيكون حلفا بقديم وهو وجوده تعالى وتلزم الكفارة بالحنث ويحتمل أن يريد به
المعاد الحقيقي فيكون حلفا بمحدث فلا يلزم به شيء كما إذا لم تكن له نية أصلا
لانصرافه لحقيقته حينئذ وهو المعاد الحقيقي وبأن يريد بحاشا الله الكلام القديم
فإن الله تعالى ينزه نفسه بكلامه النفساني فتصح إضافته إليه تعالى باللام فلفظ
حاشا الله كلفظ معاد الله إن أريد به المعنى الحادث لم يكن يمينا ولا يلزم به شيء
كما إذا لم يرد به شيء أصلا وإن أريد به المعنى القديم كان يمينا يوجب الكفارة عند
الحنث هذا هو الموافق لقول ابن الشاط المتقدم في الفرق الذي قبل هذا الفرق متى عني
بالأمور المضافة أمر قديم فاليمين بها منعقدة أو أمر حادث فاليمين بها غير منعقدة
____________________
(3/87)
بجسم ولا جوهر ولا عرض ولا في حيز
ولا في جهة ولا يشبه شيئا من خلقه في ذاته ولا في صفة من صفاته ليس كمثله شيء وهو
السميع البصير فهذه الصفات هي نسبة بين الله تعالى وأمور مستحيلة عليه سبحانه
وتعالى فإذا قال القائل وسلب الشريك عن الله تعالى أو وسلب الجهة والمكان والجسمية
وغير ذلك من هذه السلوب نحو وحدانية الله تعالى وعفوه وحلمه وتسبيحه وتقديسه فلم
أر فيها نقلا فالوحدانية سلب الشريك والعفو إسقاط العقوبة والحلم تأخيرها فهذه السلوب
منها قديم نحو سلب الشريك وهو الوحدانية وسلب الجسمية والعرضية والجوهرية والأينية
وسلب جميع المستحيلات عليه تعالى فهذه السلوب قديمة هي أقرب لانعقاد اليمين بها
لأنها قديمة متعلقة بالله تعالى لا سيما إذا كانت الإضافة في اللفظ إلى الله تعالى
نحو قولنا ووحدانية الله تعالى وتسبيح الله تعالى وتقديس الله تعالى ونحو ذلك
بخلاف أن يقول وسلب الجسم وسلب الشريك فإن الإضافة لغير الله تعالى تبعد انعقاد
اليمين ومنها سلوب محدثة نحو عفو الله تعالى بعد تحقق الجناية
وكذلك حلمه تعالى فإنه تأخير العقوبة
بعد تحقق الجناية والجناية من العباد حادثة
هامش أنوار البروق
فقوله تعالى هذا رحمة من ربي إشارة
إلى السد وهو الإحسان من الله تعالى لا إرادة الله تعالى القديمة قلت وكلامه هنا
أيضا ليس بالجيد فإن الموضع محتمل وإن كان ظاهرا فيما قاله فأين تعين مذهب القاضي
مع قيام الاحتمال
قال وأما ما يحتمل الأمرين فقوله
تعالى الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم إلى آخر ما قاله في المسألة قلت ما
قاله في ذلك صحيح وما رجح به مذهب الشيخ أبي الحسن ظاهر والله تعالى أعلم
وما
هامش إدرار الشروق
إلخ فمن هنا نظر ابن الشاط هنا في
قول الأصل أنه لا بد مع نية المعنى القديم فيهما من نية أخرى للقسم بواحد منهما أو
عرف يقوم مقامها وذلك لأن لفظ كل منها إن نصب فعلى تقدير ألزم نفسي معاد الله
وحاشا الله فيكون إلزاما حقيقيا لموجب اليمين وهو الكفارة ولا بد في ذلك من نية أو
عرف وإن رفع فعلى تقدير معاد الله أو حاشا الله قسمي فيكون جملة اسمية خبرية استعملت
في إنشاء القسم بها إما بالنية أو بالعرف الموجب لنقل الخبر من أصله اللغوي إلى
الإنشاء وإن خفض فعلى حذف حرف القسم الجار كقولهم الله بالخفض ولا بد أيضا من نية
الإنشاء أو عرف يقتضي ذلك ا ه
ملخصا قلت ووجه النظر أن واو القسم
وجميع حروفه ولفظه بأي صيغة لا تستعمل إلا لإنشاء القسم وقد تقدم التصريح بذلك أول
الكتاب ولذلك الزم لا يستعمل إلا لإنشاء الالتزام والتزام القديم التزام لليمين
فيوجب الكفارة ولو لم تكن نية لإنشاء القسم فتأمل بإنصاف والله أعلم
المسألة الثانية رحمة الله ورضاه
ومحبته وغضبه ومقته في قوله تعالى كبر مقتا عند الله أن تقولوا
____________________
(3/88)
فالمتأخر عن الحادث حادث فهي سلوب
حادثة فهي أبعد عن انعقاد اليمين من السلوب القديمة لاجتماع السلب والحدوث فيها
فبعدت من وجهين بخلاف السلوب القديمة إنما بعدت من حيث السلب فالذي يقول لا تنعقد
اليمين بالصفات المعنوية الثبوتية يقول هاهنا بعدم الانعقاد بطريق الأولى والذي
يقول تنعقد اليمين بالصفات الثبوتية كالعلم والقدرة أمكن أن يقول بعدم الانعقاد
هاهنا لأجل السلب فهذا موضع يحتمل الإطلاق بانعقاد اليمين وبعدم انعقادها ويحتمل التفصيل
بين القديم والمحدث ولم أجد في هذه المواطن نقلا أعتمد عليه غير أني حركت من وجوه
النظر والتخريج ما يمكن أن يعتمد الفقيه عليه نفيا أو إثباتا فائدة السلب في حق
الله تعالى سلبان سلب نقيصة نحو سلب الجهة والجسمية وغيرهما وسلب المشارك في
الكمال وهو سلب الشريك وهو الوحدانية فاعلم الفرق بينهما
القسم الرابع من صفات الله تعالى
الصفات الفعلية كقوله وخلق الله ورزق الله وعطاء الله وإحسان الله ونحو ذلك مما
يصدر عن قدرة الله تعالى فالحلف بهذه الصفات منهي عنه ولا يوجب كفارة إذا حنث وهاهنا
خمس مسائل
هامش أنوار البروق
قاله في أول المسألة الثالثة إلى
قوله والأول هو المشهور في المذهب ظاهر أيضا قال واعلم أن الفتيا بإلزام الكفارة
في هذه الألفاظ على ما نقله ابن يونس إن لم يقيد بأنه نوى إرادة الله تعالى فهو
مشكل فإن اللفظ حقيقة في أمور محدثة لا توجب كفارة إلى آخر المسألة قلت لا إشكال
في ذلك فإن اللفظ وإن سلم أنه حقيقة في أمور محدثة مجاز غير غالب في الصفة القديمة
فقرينة الحلف به كافية في حمله على المجاز والله تعالى أعلم
قال المسألة الرابعة إلى آخرها قلت
ليس ما قاله فيما إذا وقع التخريج على مذهب الشيخ أبي الحسن بمستقيم لقوله تقول
قائما
هامش إدرار الشروق
ما لا تفعلون وبغضه في قوله عليه
الصلاة والسلام أبغض المباح إلى الله الطلاق وإن الله ليبغض الحبر السمين ورأفته
في قوله تعالى الرءوف الرحيم ونحو ذلك من الألفاظ التي قيل إن حقائقها لا تتصور
إلا في البشر والأمزجة والمخلوقات بناء على تفسيرها بما يمتنع عليه تعالى كتفسيرهم
الرحمة بالرقة والمحبة بالميل ونحو ذلك فعلى تسليم امتناع تلك الحقائق لا بد من
الصرف إلى المجاز فاختلف العلماء في المجاز المراد بها فقال الشيخ أبو الحسن
الأشعري رضي الله عنه المراد في لفظ الرحمة ونحوها إرادة الإحسان لمن وصف بذلك من الخلق
وفي لفظ الغضب ونحوه إرادة العقوبة لمن وصف بذلك من الخلق وقال القاضي أبو بكر
الباقلاني رضي الله عنه المراد بذلك أن الله تعالى يعاملهم معاملة الراحم والغضبان
فيكون المراد في الأول أي لفظ الرحمة ونحوها الإحسان نفسه وفي الثاني أي لفظ الغضب
____________________
(3/89)
المسألة الأولى قال ابن يونس قال
أصحابنا معاد الله ليست يمينا إلا أن يريد اليمين وقيل معاد الله وحاشا الله ليستا
بيمين مطلقا لأن المعاد من العود ومحاشاة الله تعالى التبرئة إليه فهما فعلان
محدثان يريد إلا أن يريد اليمين وقيل إن لفظ معاد الله كناية يحتمل أن يريد بها
ذات الله تعالى وصفاته العلى فإن معادا من العود وهو اسم مكان العود والله تعالى
يعود إليه الأمر كله كقوله تعالى وإليه يرجع الأمر كله فإطلاق لفظ المكان على الله
تعالى من المعاد والمرجع مجاز والمجاز يفتقر إلى نية فهي كناية إذا أريد بها
المجاز كان حلفا بقديم وهو وجود الله تعالى وإن لم تكن له نية كان منصرفا لحقيقته
وهو المعاد الحقيقي فيكون حلفا بمحدث فلا يلزم به شيء ثم إذا أراد به الحلف فلا
يخلو إما أن ينصبه أو يرفعه أو يخفضه
فإن نصبه كان التقدير ألزم نفسي معاد
الله ويكون الإلزام هاهنا إلزاما حقيقيا لموجب اليمين وهو الكفارة ولا بد في ذلك
من نية أو عرف كما تقدم في قوله علي عهد الله وكفالة الله ونحوه فلا بد من هاتين
النيتين وأما إن رفع فتقديره معاد الله قسمي فيكون جملة اسمية خبرية استعملت في
الإنشاء للقسم بها إما بالنية أو بالعرف الموجب لنقل الخبر من أصله اللغوي إلى
الإنشاء وإن لم ينو لم يلزم به شيء فإن كل قسم لا بد فيه من الإنشاء فمتى عدم الإنشاء
لم يكن قسما لأن الخبر بما هو خبر لا يوجب كفارة ولا هو قسم وكذلك إذا قلت أقسم
بالله لقد قام زيد هو
هامش أنوار البروق
بذاته واجبا الوجود أزليان لأن
الرحمة على مذهب الشيخ أبي الحسن إرادة الثواب والغضب إرادة العقاب والإرادة واحدة
لا تتعدد بتعدد متعلقها كإرادتنا والله أعلم قال
المسألة الخامسة مقتضى ما قاله مالك
رحمه الله تعالى في قوله علي ميثاق الله وكفالته أنه يوجب الكفارة أنه إذا قال
هاهنا علي رزق الله تعالى أو خلقه أن تجب عليه الكفارة قلت ليس ما قاله عندي بصواب
لأنه إذا قال علي ميثاق الله فمقتضاه علي يمين فتلزمه كفارة يمين وإذا قال علي رزق
الله فلا شيء عليه إلا أن ينوي بذلك الكفارة والفرق بينهما أن الميثاق ونحوه جرى
العرف بأن المراد به اليمين ورزق الله ونحوه لم يجر عرف بذلك وليس قول القائل علي
هامش إدرار الشروق
ونحوه العقاب نفسه وذلك أن الرحمة
التي وضع اللفظ بإزائها
وهو حقيقة فيها هي رقة الطبع وهذه
الرقة في القلب يلزمها أمران أحدهما إرادة الإحسان إليه والثاني الإحسان نفسه فهما
لازمان للرقة التي هي حقيقة اللفظ والتعبير بلفظ الملزوم عن اللازم مجاز عرفي شائع
غير أن إرادة الإحسان ألزم للرقة فإن كل من رحمته وأحسنت إليه فقد أردت الإحسان
إليه وقد تريد الإحسان إليه وتقصر قدرتك عن ذلك فالإرادة أكثر لزوما للرقة وإذا قويت
العلاقة كان مجازها أرجح فمجاز الشيخ أبي الحسن أرجح من مجاز القاضي فعلى مذهب
الشيخ يجوز الحلف بهذه الأمور ويلزم بها الكفارة لكون مدلولها قديما وعلى مذهب
القاضي لا يلزم بها كفارة وينهى عن الحلف بها لأن مدلولها محدث إلا أن يلاحظ
الحالف المذهب الماتريدي أو مصدرها على ما مر عن العلامة الأمير في صفة الفصل فلا
تغفل
وإذا قيل لك رحمة الله وغضبه هل هما قائمان
بذاته تعالى أم لا وهل هما واجبا الوجود أم لا وهل كانا في الأزل أم لا ونحو ذلك
من الأسئلة فقل على مذهب الشيخ هما
____________________
(3/90)
جملة إنشائية ولذلك لا تحتمل التصديق
والتكذيب وإن خفض كان على حذف حرف الجر من القسم كقولهم الله بالخفض ولا بد أيضا
من نية الإنشاء أو عرف يقتضي ذلك
وأما حاشا لله فمعناه براءة لله أي
براءة منا لله ويحتمل هذا أيضا أن يكون كناية وأن يراد به الكلام القديم وتصح
إضافته إليه تعالى باللام فإن الله تعالى ينزه نفسه بكلامه النفساني وذلك التبرؤ
قديم وهو لله تعالى فتمكن إضافته إليه تعالى باللام فإن وجدت نية لذلك رتبة أخرى
في القسم به أو عرف يقوم مقامها وجبت الكفارة وإن لم يوجب ذلك لم تجب الكفارة فهو
كناية كما مر في مثل معاد الله مع أن أبي يونس لم ينقل إيجاب الكفارة مع النية إلا
في معاد الله خاصة المسألة الثانية هاهنا ألفاظ اختلف في مدلولها هل هو قديم فيجوز
الحلف به وتلزم به الكفارة أو هو محدث فلا يجوز الحلف به ولا تلزم به الكفارة
تخريجا على قواعدهم وهذه الألفاظ هي غضب الله ورحمته ورضاه ومحبته ومقته كقوله
تعالى كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون وكذلك بغضه في قوله عليه الصلاة
والسلام أبغض المباح إلى الله الطلاق وإن الله ليبغض الحبر السمين وكذلك رأفته في
قوله تعالى
هامش أنوار البروق
رزق الله كقوله علي صوم يوم لأن رزق
الله ليس اسما لطاعته فيلزم نذرها وصوم يوم اسم قال فإن المدرك هنالك إن كان هو أن
العرف نقلها لنذر الكفارة في زمان فصار النطق بهذه العبارة نذرا للكفارة فتلزمه
بالنذر لا بالحلف إلى قوله ونحو ذلك قلت ما تأوله من أن قول القائل علي ميثاق الله
جرى فيه عرف بنذر الكفارة مجرد توهم لا حجة عليه وليس عندي كما توهم بل قول القائل
علي ميثاق الله جرى فيه العرف بأن المراد بها اليمين التي شرعها الله تعالى وجعلها
ميثاقا بين عباده فلزوم الكفارة ليس بنذر الكفارة بل بالتزام اليمين
قال فكذلك يلزمه هنا إذا وجد عرفه في
رزق الله وخلقه وأنه صار قوله علي رزق الله أنه نذر
هامش إدرار الشروق
عبارة عن الإرادة وهي صفة واحدة
قائمة بذاته تعالى واجبة الوجود أزلية وقل على مذهب القاضي ليسا قائمين بذاته بل
ممكنان مخلوقان ليسا بأزليين والحق أن الأصل في الإطلاق الحقيقة ولا يصار إلى
المجاز إلا عند التعذر ولا تعذر ضرورة أن الرحمة التي هي من الأعراض النفسانية هي
القائمة بنا ولا يلزم من ذلك أن يكون مطلق الرحمة كذلك حتى يلزم كون الرحمة في حقه
تعالى مجازا ألا ترى أن العلم القائم بنا من الأعراض النفسانية وقد وصف الحق تعالى
بالعلم ولم يقل أحد إنه في حقه تعالى مجاز وكذا القدرة وغيرها فلم لا يجوز أن تكون
الرحمة حقيقة واحدة هي العطف وتختلف أنواعه باختلاف الموصوفين به فإذا نسبت إلينا
كانت كيفية نفسانية وإلى الله كانت حقيقة فيما يليق بجلاله من الإحسان أو إرادته
وكون الرحمة منحصرة وضعا في الكيفية النفسانية دونه خرط القتاد كما قاله العارف
المحقق الملا إبراهيم الكوراني في كتابه قصد السبيل أفاده العلامة ابن عابدين على
المنار
____________________
(3/91)
لرءوف رحيم ونحو ذلك من هذه الألفاظ
التي حقائقها لا تتصور إلا في البشر والأمزجة والمخلوقات ولما استحالت حقائقها على
الله تعالى وتعين حملها على المجاز فاختلف العلماء في المجاز المراد بها فقال
الشيخ أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه المراد بهذه الأمور إرادة الإحسان لمن وصف
بذلك من الخلق في صفة الرحمة ونحوها وإرادة العقوبة لمن وصف بذلك من الخلق في لفظ
الغضب ونحوه وقال القاضي أبو بكر الباقلاني رضي الله عنه المراد بذلك أن الله تعالى
يعاملهم معاملة الراحم والغضبان فيكون المراد في الأول الإحسان نفسه وفي الثاني
العقاب نفسه فغضب الله تعالى عند الشيخ إرادته العقاب وعند القاضي العقاب وكذلك
الرحمة هل هي إرادة الإحسان أو الإحسان نفسه ورضاه تعالى إرادة الإحسان أو يعاملهم
معاملة الراضي فيحسن إليهم أي يفعل بهم ذلك ومحبته إرادة الإحسان في قوله تعالى
يحبهم ويحبونه والإحسان نفسه وكذلك بقية هذه الألفاظ تتخرج على هذين المذهبين وقد
ورد الرضى بمعنى ثالث يرجع إلى الكلام القديم كقوله تعالى ولا يرضى لعباده الكفر
أي لا يشرعه
هامش أنوار البروق
أن يتصدق بشيء من رزق الله إلى قوله
بل يدور مع العرف كيفما دار قلت صدر كلامه بالعرف في نذر الكفارة ثم خرج إلى العرف
في نذر شيء من رزق الله وهذا الذي خرج إليه أجنبي عن مسألة مالك رحمه الله فإنه
أوجب الكفارة في قول القائل علي ميثاق الله ونحوه وما قال من أنه يدور مع العرف
كيفما دار صحيح إذا ثبت عرف
قال وإن كان المدرك النية فتصح أيضا
في خلق الله ورزقه إلى قوله إن كان نوى بعض المنذورات من الأفعال قلت ما قاله هنا
صحيح قال وعلى كل تقدير فالمسألتان سواء
هامش إدرار الشروق
الأصولي وإليه والله أعلم يشير
العلامة ابن الشاط بقوله وما قاله من امتناع حقائقها على الله تعالى إنما ذلك بناء
على تفسيرها بما يمتنع عليه تعالى كتفسيرهم الرحمة بالرقة والمحبة بالميل وفي ذلك
نظر للكلام فيه مجال ا ه
على أن الخادمي نقل عن بعض أن من
معاني الرحمة اللغوية إرادة الخير وعن بعض آخر أن منها الإحسان فعلى هذين لا تجوز
أصلا فاحفظه أفاده العلامة الأنباصني على بيانية الصبان والله أعلم المسألة
الثالثة قال ابن يونس الحالف برضى الله تعالى ورحمته وسخطه عليه كفارة واحدة ا ه
يعني لأنه كرر الحلف بصفة واحدة وهي
الإرادة وهذا يدل على أن الفتيا بطريقة الشيخ أبي الحسن في حمل هذه الأمور على
الإرادة وأنه إذا جمع بين عشرة أو أكثر من هذه الأمور لا تجب إلا كفارة واحدة
بخلاف قوله وعلم الله وقدرة الله وإرادة الله وعزة الله فإنه يختلف فيه هل تتعدد
عليه الكفارة لتغاير الصفات المحلوف بها أو تتحد الكفارة بناء على أن قاعدة
الأيمان التأكيد حتى يريد الإنشاء بخلاف تكرير الطلاق الأصل
____________________
(3/92)
دينا للعباد وشرعه تعالى كلامه
القديم وفي القرآن مواضع يتعين فيها مذهب الشيخ ومواضع يتعين فيها مذهب القاضي
ومواضع تحتمل المذهبين فالأول كقوله تعالى ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فهذا ظاهر
في الإرادة لأن الوسع عبارة عن عموم التعلق ويدل على ذلك أيضا اقترانها بالعلم وإن
وسع الرحمة كوسع العلم وهذا ظاهر في الإرادة
وأما ما يتعين فيه مذهب القاضي فقوله
تعالى هذا رحمة من ربي إشارة إلى السد وهو إحسان من الله تعالى لا إرادة الله
تعالى القديمة وأما ما يحتمل الأمرين فقوله تعالى الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم
يحتمل في الرحمن الرحيم أنه يريد الإحسان أو الإحسان نفسه يحتمل المذهبين لعدم
القرينة ومذهب الشيخ أقرب من مذهب القاضي رضي الله عنهما وسبب ذلك أن الرحمة التي
وضع اللفظ بإزائها وهو حقيقة فيها هي رقة الطبع
وإذا رق طبعك على إنسان فإن هذه
الرقة في القلب يلزمها أمران أحدهما إرادة الإحسان إليه والثاني الإحسان نفسه فهما
لازمان للرقة التي هي حقيقة اللفظ والتعبير بلفظ اللزوم عن اللازم مجاز عرفي شائع
فلذلك تجوز العلماء إليها غير أن إرادة الإحسان ألزم للرقة
هامش أنوار البروق
قلت قد تقدم أنهما ليستا سواء قال
واعلم أنه إذا كان المدرك العرف الناقل فلا بد من النقل في لفظ علي إلى القسم
فتكون بمعنى الباء والواو وحروف القسم فتجب الكفارة وتكون يمينا قلت وما المانع أن
تكون يمينا من غير نقل في لفظ علي بل يبقى لفظ علي معناه من غير نقل ويكون قائله
حالفا فإن الميثاق معناه يمين ما فكأنه قال علي يمين فلزمه الكفارة إذا حنث
قال أو يقع النقل في أمانة الله
وميثاقه ويكون قد عبر بهما عما يلزم بسبب الحنث فيهما وهو الكفارة إلى منتهى قوله
فإن الكفارة مسببة عن الحلف بهذه الألفاظ قلت بنى كلامه في هذه المسألة على أن الميثاق
ونحوه ليس بيمين ثم إنه هنا بنى على أنه يمين
هامش إدرار الشروق
فيه الإنشاء حتى يريد التأكيد أو قاعدة
الجميع الإنشاء حتى يريد التأكيد وهذا هو الأنظر والأول هو المشهور في المذهب قال
الأصل وما نقله ابن يونس من إلزام الكفارة في هذه الألفاظ إن لم يقيد بأنه نوى
إرادة الله تعالى فهو مشكل لأنه خلاف القواعد وذلك أن هذه الألفاظ حقيقة في أمور
محدثة لا توجب كفارة وإنما دل الدليل عند الشيخ أبي الحسن على أن المراد بها
الإرادة القديمة مجازا خفيا لعدم اشتهارها في الإرادة حتى صارت حقيقة عرفية
والقاعدة أن الألفاظ لا تنصرف لمجازاتها الخفية إلا بالنية وأن اللفظ لا يزال
منصرفا إلى الحقيقة اللغوية دون مجازه المرجوح حتى تصرفه نية المجاز المرجوح فكان
ينبغي أن يقال إن أراد بهذه الألفاظ صفة قديمة لزمته الكفارة وإلا فلا ا ه
قال ابن الشاط لا إشكال في ذلك فإن
اللفظ وإن سلم أنه
____________________
(3/93)
فإن كل من رحمته وأحسنت إليه فقد
أردت الإحسان إليه وقد تريد الإحسان وتقصر قدرتك عن الإحسان إليه فالإرادة أكثر
لزوما للرقة وإذا قويت العلاقة كان مجازها أرجح فمجاز الشيخ أرجح لأنه الإرادة فإن
قلنا بمذهب الشيخ كانت هذه الأمور قديمة يجوز الحلف بها ويلزم بها الكفارة أو على
مذهب القاضي كانت محدثة لا يلزم بها كفارة وينهى عن الحلف بها المسألة الثالثة قال
ابن يونس الحالف برضى الله تعالى ورحمته وسخطه عليه كفارة واحدة يعني لأنه كرر الحلف
بصفة واحدة وهي الإرادة فتجب كفارة واحدة وهذا يدل على أن الفتيا بطريقة الشيخ أبي
الحسن في حمل هذه الأمور على الإرادة وأنه إذا جمع بين عشرة أو أكثر من هذه الأمور
لا تجب إلا كفارة واحدة بخلاف قوله وعلم الله وقدرة الله وإرادة الله وعزة الله
فإنه يختلف فيه هل تتعدد عليه الكفارة لتغاير الصفات المحلوف بها أو تتحد الكفارة
بناء على أن قاعدة الأيمان التأكيد حتى يريد الإنشاء بخلاف تكرير الطلاق الأصل فيه
الإنشاء حتى يريد التأكيد أو قاعدة الجميع الإنشاء حتى يريد التأكيد وهذا هو
الأنظر والأول هو المشهور في المذهب واعلم أن الفتيا بإلزام الكفارة في هذه
الألفاظ على ما يقله ابن يونس إن لم يقيد بأنه نوى إرادة الله تعالى فهو مشكل فإن
اللفظ حقيقة في أمور محدثة لا توجب كفارة
وإنما حملت على هذه الإرادة القديمة
مجازا ولم تشتهر في الإرادة حتى صارت حقيقة عرفية في الإرادة بل مجاز خفي دل
الدليل عند
هامش أنوار البروق
تلزم فيه الكفارة وإذا كان يمينا
تلزم فيه الكفارة فما المحوج إلى النقل فيه وادعاء المجاز الراجح فيه هذا كلام
ساقط لا خفاء بسقوطه قال فلا بد من أحد هذين النقلين إلى آخر ما قاله في المسألة
قلت قد تبين أن من ذلك بدا واقتضى كلامه حيث قال فإن الكفارة مسببة عن الحلف بهذه
الألفاظ أنه لا يحتاج فيها إلى نقل ولا نية والله أعلم
قال القسم الخامس من صفات الله تعالى
الصفات الجامعة لجميع ما تقدم من الأقسام الأربعة
هامش إدرار الشروق
حقيقة في أمور محدثة مجاز غير غالب
في الصفة القديمة فقرينة الحلف به كافية في حمله على المجاز والله تعالى أعلم
ا ه المسألة الرابعة لا يقتضي قول
مالك بوجوب كفارة في قوله علي ميثاق الله وكفالته أنه يوجبها إذا قال ها هنا علي
رزق الله أو خلقه وإن قال الأصل ذلك لظهور الفرق بينهما بأن الميثاق ونحوه جرى
العرف بأن المراد به اليمين فإذا قال علي ميثاق الله فمقتضاه علي يمين فتلزمه
كفارة يمين ورزق الله ونحوه لم يجر عرف بذلك فإذا قال علي رزق الله فلا شيء عليه
إلا أن ينوي بذلك الكفارة وليس قول القائل علي رزق الله كقوله علي صوم يوم لأن رزق
الله ليس اسما لطاعته فيلزم نذرها وصوم يوم اسم لطاعته ولا مانع من أن يكون علي
ميثاق الله يمينا ويكون قائله حالفا مع بقاء لفظ علي فيه على معناه من غير نقل له
إلى القسم وجعله من جملة حروفه كالباء والواو فإن الميثاق معناه يمين ما فكأنه قال
علي يمين فتلزمه الكفارة إذا حنث كما علمت أفاده ابن الشاط
____________________
(3/94)
الشيخ أبي الحسن على أنه المراد
باللفظ والقاعدة أن الألفاظ لا تنصرف لمجازاتها الخفية إلا بالنية وأن اللفظ لا
يزال منصرفا إلى الحقيقة اللغوية دون مجازه المرجوح حتى تصرفه نية المجاز المرجوح
فإلزام الكفارة بمجرد هذه الألفاظ من غير نية خلاف القواعد بل ينبغي أن يقال إن
أراد بهذه الألفاظ صفة قديمة لزمته الكفارة وإلا فلا المسألة الرابعة إذا قيل لك
رحمة الله وغضبه قائمان بذاته أم لا وهل هما واجبا الوجود أم لا وهل كانا في الأزل
أم لا ونحو ذلك من الأسئلة فخرج جوابك في جميع هذه الأسئلة في جميع هذه الألفاظ
على مذهب الشيخ أبي الحسن وعلى مذهب القاضي فعلى مذهب الشيخ تقول قائمان بذاته
واجبا الوجود أزليان صفتان لله تعالى وعلى مذهب القاضي تقول ليسا قائمين بذاته بل
ممكنان مخلوقان حادثان ليسا بأزليين
وكذلك جميع ما يرد من هذه الأسئلة في
جميع هذه الألفاظ المسألة الخامسة مقتضى ما قاله مالك رحمه الله في قوله علي ميثاق
الله وكفالته أنه يوجب الكفارة أنه إذا قال هاهنا علي رزق الله أو خلقه أن تجب
عليه الكفارة فإن المدرك هناك إن كان هو أن العرف نقلها لنذر الكفارة في زمانه رضي
الله عنه فصار النطق بهذه العبارة نذرا للكفارة فتلزمه بالنذر لا بالحلف لأنه هو
مقتضى لفظ علي
هامش أنوار البروق
وهي عز الله وجلاله وعلاه وعظمته
وكبرياؤه ونحو ذلك من هذا المعنى فإنك تقول جل بكذا وجل عن كذا فتندرج في الأول
الصفات الثبوتية كلها قديمة ومحدثة قلت هذا لفظ مستنكر فإنه يوهم اتصافه بالحوادث
فلا يجوز إطلاق مثله فإن أراد مقتضى ظاهره فهو كفر وإن أراد بذلك الصفات المسميات
بصفات الأفعال فالمعنى صحيح واللفظ قبيح قال فكما جل الله تعالى بعلمه وصفاته
السبعة التي هي صفات ذاته تعالى جل أيضا ببدائع مصنعاته وغرائب مخترعاته
قلت هذا الكلام أقبح وفي الكفر أوضح
فإنه يقتضي افتقار الباري تعالى إلى بدائع مصنوعاته
هامش إدرار الشروق
والقسم الخامس منها أعني صفات الله
تعالى الجامعة لجميع ما تقدم من الأقسام الأربعة وهي عزة الله وجلاله وعلاه وعظمته
وكبرياؤه ونحو ذلك من هذا المعنى فإن لفظ الجلالة والعظمة يحتمل جل بكذا وجل عن
كذا وعظم بكذا وعظم عن كذا فتندرج في الأولى الصفات الثبوتية كلها نفسية كانت أو
معنوية أو فعلية وتندرج في الثانية جميع السلوب للنقائص فيصدق أن الله تعالى جل وعظم
عن الشريك وعن الحيز والجهة وغير ذلك مما يستحيل عليه سبحانه وتعالى فيندرج في
اللفظ عند الإطلاق جميع الصفات السلبية والثبوتية نفسية كانت أو معنوية أو فعلية
فيكون الحلف بها يوجب الكفارة لاشتمالها على الموجب لها وهو ما عدا الفعلية من
الصفات القديمة وغير الموجب وهو صفة الفعل وإذا اجتمع الموجب وغير الموجب كان
اللازم الإيجاب لا يمنع الموجب للكفارة من إيجابه للكفارة وها هنا ثلاث مسائل
المسألة الأولى هل يجوز قول قائل
سبحان من تواضع كل شيء لعظمته أم لا
____________________
(3/95)
فإنها لا تستعمل إلا في النذر ونحوه
وليست من حروف القسم إجماعا بل من حروف اللزوم والنذر كقوله لله علي صوم يوم وصدقة
دينار ونحو ذلك فكذلك يلزمه هنا إذا وجد عرف في رزق الله وخلقه وأنه صار قوله علي
رزق الله أنه نذر أن يتصدق بشيء من رزق الله تعالى أو ببعض خلقه من نبات أو جماد
أو حيوان مما يسوغ التصدق به كالبقرة والغنم ونحوهما وأن يسوي بين المسألتين إن
وجد في العرف الموجب لنقلهما للنذر لزم وإن لم يوجد العرف الناقل للنذر لم يلزم
وكذلك إذا وجد عرف يوجب النقل لنذر غير الكفارة يجب ذلك المعنى الذي نقل العرف
اللفظ إليه فيجب ولا تجب الكفارة بل يدور مع العرف كيفما دار وإن كان المدرك النية
فتصح أيضا في خلق الله تعالى ورزقه أن ينوي بهما إرادة الخلق وإرادة الرزق الإرادة
القديمة فتجب الكفارة إن كان نوى الحلف أو النذر إن كان نوى بعض المندوبات من
الأفعال
وعلى كل تقدير فالمسألتان سواء واعلم
أنه إذا كان المدرك العرف الناقل فلا بد من النقل في لفظة علي إلى القسم فتكون
بمعنى الباء والواو وحروف القسم فتجب الكفارة وتكون يمينا أو يقع النقل في أمانة
الله وميثاقه ويكون قد عبر بهما عما يلزمه بسبب الحنث فيهما وهو الكفارة فيكون
نذرا للكفارة بلفظ الموجب لها نقلا عرفيا ويكون مجازا رابحا من باب التعبير بالسبب
عن المسبب فإن الكفارة مسببة على الحلف بهذه الألفاظ فلا بد من أحد هذين النقلين
فيما
هامش أنوار البروق
وغرائب مخترعاته فيزداد كمالا
بوجودها وذلك باطل قطعا بل هو الغني على الإطلاق وحائز غاية الكمال بالاستحقاق قبل
ابتداع المبتدعات واختراع المخترعات حتى أنه لو لم يبتدع المبتدعات ولم يخترع
المخترعات لما كان ذلك نقصا في كماله ولا غضا من جلاله ولا حطا عن رتبة انفراده
بالعظمة والكبرياء واستقلاله وما ذلك الكلام إلا كلام من لم يحصل علم الكلام بل
علم الاعتقاد على وجه الصواب والسداد ولله الحمد على ما من به من الهدى والإرشاد
قال ويندرج في الثاني جميع السلوب للنقائص إلى قوله وهاهنا ثلاث مسائل قلت ما قاله
في ذلك صحيح إلا ما في قوله القديمة والمحدثة كما تقدم
هامش إدرار الشروق
قال قوم من الفقهاء يجوز وهو الصحيح
لأن العظمة كما سبق عبارة جامعة لصفات الكمال والتواضع التصاغر والتضاؤل ولا شك أن
كل شيء ما عدا الذات الكريمة والصفات العظيمة متصاغر متضائل بالنسبة إلى تلك
الصفات وقول بعضهم بعدم الجواز بناء على زعمه أن التواضع عبادة وعظمة الله تعالى
صفته وعبادة الصفة كفر ليس بصحيح بل هو دعوى عرية عن الحق فلا اعتبار بقوله أفاده
ابن الشاط وفي حاشية العلامة الأمير على الجوهرة وتكون صفات المعاني ليست غيرا وقع
في بعض العبارات التسمح بإضافة ما للذات بها نحو تواضع كل شيء لقدرته وفي الحقيقة
اللام للأجل أي تواضع كل شيء لذاته لأجل قدرته وإلا فعبادة مجرد الصفات من الإشراك
كما أن عبادة مجرد الذات فسق وتعطيل عند الجماعة وإنما الذات المتصفة بالصفات ا ه
فقد حمل التواضع على العبادة مجازا لا على معناه الحقيقي وجعل اللام للأجل لتكون
العبادة للذات المتصفة فاستقامت العبادة واندفع عنها كل إشكال فتأمل
____________________
(3/96)
قاله مالك في قوله علي عهد الله
وميثاقه ومتى فقد النقل فلا بد من النية الصارفة للنذر أو الحلف بالصفة القديمة
واستعمال علي مجاز ومتى فقد العرف والنية تعين أن لا يجب بجميع هذه الألفاظ شيء
ألبتة كما لو قال علي علم الله وعلي سمع الله وبصره فإن هذه الألفاظ لا توجب شيئا
إلا بالنية ونقل عرفي ولعل الإمام حمل ذلك على ذلك فتأمل
القسم الخامس من صفات الله تعالى
الصفات الجامعة لجميع ما تقدم من الأقسام الأربعة وهي عزة الله وجلاله وعلاه
وعظمته وكبرياؤه ونحو ذلك من هذا المعنى فإنك تقول جل بكذا أو جل عن كذا فتندرج في
الأولى الصفات الثبوتية كلها قديمة أو حادثة فكما جل الله تعالى بعلمه وصفاته
السبعة التي هي صفات ذاته تعالى جل أيضا ببدائع مصنوعاته وغرائب مخترعاته ويندرج
في الثاني جميع السلوب للنقائص فيصدق أن الله تعالى جل عن الشريك وعن الحيز والجهة
وغير ذلك مما يستحيل عليه سبحانه وتعالى ولما كان لفظ الجلال والعظمة يحتمل جل
بكذا وجل عن كذا وعظم بكذا وعظم عن كذا اندرج الجميع في اللفظ عند الإطلاق فكانت
هذه الصفات شاملة لجميع الصفات الثبوتية والسلبية والقديمة والمحدثة فيكون الحلف
بها يوجب الكفارة لاشتمالها على الموجب للكفارة وهو الصفات القديمة وغير الموجب
وهو الصفات المحدثة وإذا
هامش أنوار البروق
قال إذا قال القائل سبحان من تواضع
كل شيء لعظمته هل يجوز هذا الإطلاق أم لا فقال بعض فقهاء العصر لا يجوز هذا
الإطلاق إلى قوله وقال قوم يجوز هذا الإطلاق وهو الصحيح قلت ما صحح هو الصحيح لأن
العظمة كما سبق جامعة لصفات الكمال والتواضع التصاغر والتضاؤل ولا شك أن كل شيء ما
عدا الذات الكريمة والصفات العظيمة متصاغر متضائل بالنسبة إلى تلك الصفات وقول ذلك
الفقيه العصري إن التواضع عبادة ليس بصحيح وهو دعوى عرية عن الحجة فلا اعتبار
بقوله
هامش إدرار الشروق
المسألة الثانية قال عبد الحق في
تهذيب الطالب الحالف بعزة الله تعالى وعظمته وجلال الله عليه كفارة واحدة وهو متجه
في إيجاب الكفارة واتحادها بل وفي الجواز وعدم النهي خلافا للأصل أما لزوم الكفارة
فلما تقدم من أن هذه الألفاظ مشتملة على الموجب وعلى غير الموجب فتجب عملا بالموجب
وأما اتحادها فلأن العزة والعظمة والجلال ونحو ذلك هو المجموع والمجموع واحد
فتعددت الألفاظ واتحد المعنى فاتحدت الكفارة وأما الجواز وعدم النهي فلأنا لا نسلم
اندراج حادث تحت لفظ العزة ونحوه حتى يكون في اليمين بذلك محذور فيحق لعبد الحق أن
يعرض عن النهي والله أعلم أفاده ابن الشاط فتأمل بدقة
المسألة الثالثة هذه الألفاظ وإن
كانت تارة بلفظ التذكير كقولنا وجلال الله وعلاء الله وتارة بلفظ التأنيث كقولنا
وعزة الله وعظمة الله إلا أنه لا فرق بين ما هو بلفظ التذكير وما هو بلفظ التأنيث
في جواز الحلف وانعقاد اليمين ولزوم الكفارة عند الحنث أما ما هو بلفظ التذكير
فظاهر وأما ما هو بلفظ التأنيث فلأن التاء في نحو عظمة الله ليست للوحدة بل
للتأنيث فإن العرب تقول عظم زيد عظمة في
____________________
(3/97)
اجتمع الموجب وغير الموجب كان اللازم
الإيجاب عملا بالموجب والقسم الآخر كما أنه لا يقتضي كفارة لا يمنع الموجب للكفارة
من إيجابه للكفارة وهاهنا ثلاث مسائل المسألة الأولى إذا قال القائل سبحان من
تواضع كل شيء لعظمته هل يجوز هذا الإطلاق أم لا فقال بعض فقهاء العصر لا يجوز هذا
الإطلاق لأن عظمة الله تعالى صفته والتواضع للصفة عبادة لها وعبادة الصفة كفر بل
لا يعبد إلا الله تعالى ولو عبد عابد علم الله تعالى أو إرادته وغير ذلك من صفاته
كفر بل المعبود واحد وهو ذات الله تعالى وهو الذات الموصوفة بصفات الجلال ونعوت
الكمال والمراد بالعبارتين واحد
وقال قوم يجوز هذا الإطلاق وهو
الصحيح وعظمة الله تعالى هي المجموع من الذات والصفات وهذا المجموع هو المعبود وهو
الإله وهو الذي يجب توحيده وتوحده ولا ثاني له وهو الذي يجب التواضع له كما تقول
عظمة الملك جيشه وأمواله وأقاليمه التي استولى عليها وسطوته وغير ذلك مما وقعت به
العظمة في دولته كذلك عظمة الله تعالى هي هذه الأمور كلها مع ذاته تعالى فهي أيضا
من موجبات عظمته فإن أراد هذا المطلق هذا المعنى أو لم تكن له نية فلا شيء عليه
وإن أراد صفة
هامش أنوار البروق
قال شهاب الدين وعظمة الله تعالى هي
المجموع من الذات والصفات وهذا المجموع هو المعبود إلى قوله وهو الذي يجب التواضع
له قلت ليس ما قاله هنا بصحيح فإن العظمة ليست مجموع الذات والصفات بل هي مجموع
الصفات على ما سبق من تقريره هو ذلك قبل هذا وعلى تسليم أن تكون العظمة مجموع
الذات والصفات فليس المجموع هو المعبود بل المعبود الموصوف بتلك الصفات لا الصفات
ولا مجموع الموصوف والصفات والقول بأن المعبود مجموع الموصوف والصفات مضاه لقول النصارى
في الأقاليم وهو باطل لا شك في بطلانه وكلامه هنا كلام من لم يحقق مباحث هذا العلم
على وجه الصواب
هامش إدرار الشروق
غالب استعمالهم فكأنه هو المصدر
المتعين دون عظما بغير تاء التأنيث فحينئذ لم يكن محدودا فيقيد بالألف واللام أو
الإضافة العموم لصفات الكمال والتاء في نحو عزة الله وإن أفادت الوحدة نظرا لكون
العرب تفرق بين قول القائل عز زيد عزا وعز عزة فالأول يحتمل جميع أنواع العز مفردة
ومجموعة فإذا وجدت الإضافة أو الألف واللام الموجبتين للعموم كان العموم في جميع
أفراد ذلك النوع وإن فقدت الإضافة والألف واللام بقي مطلقا وأما اللفظ الثاني وهو
عز زيد عزة فإنه لا يتناول لغة إلا فردا واحدا من العزة ولا تفيده الألف واللام
تعميما لأنه محدود بالتاء وقد قال الغزالي في المستصفى إن لام التعريف إنما تفيد
تعميما فيما ليس محدودا بالتاء نحو الرجل والبيع ا ه فكذلك لا تفيده الإضافة عموما
لأن الإضافة تأتي لما تأتي له الألف واللام لأنهما أداتا تعريف إلا أن الصحيح أن
لفظ العزة ونحوه لا يتناول محدثا كما قال ابن الشاط لأنه إنما يتناول صفة كمال
قديمة
____________________
(3/98)
واحدة من صفات الله تعالى وأنها حصل
التواضع لها وهو العبادة امتنع وربما كان كفرا وهو الظاهر وإن أراد بالتواضع غير
العبادة وهو القهر والانقياد لإرادة الله تعالى وقضائه وقدره وقدرته فهذا أيضا
معنى صحيح فإن جميع العالم مقهور بقدرة الله تعالى وقدره فالتواضع بهذا التفسير
أيضا سائغ لا محذور فيه بل يجب اعتقاده فهذا تلخيص الحق في هذه المسألة والفتيا
فيها المسألة الثانية قال عبد الحق في تهذيب الطالب الحالف بعزة الله تعالى وعظمته
وجلال الله عليه كفارة واحدة
وهو متجه في إيجاب الكفارة واتحادها
لا في الجواز وعدم النهي مع أنه لم يتعرض له لعدم النهي بل للزوم كفارة أما لزوم
الكفارة فلما تقدم من أن هذه الألفاظ مشتملة على الموجب وعلى غير الموجب فتجب وأما
اتحادهما فلأن العظمة والجلال والعلا ونحو ذلك هو المجموع والمجموع واحد فتعددت
الألفاظ واتحد المعنى فاتحدت الكفارة وأما أنه دخل فيه النهي فلاندراج المحدثات
فيه كما تقدم بيانه فيكون قد حلف بقديم ومحدث ففعل مأمورا به ومنهيا عنه ومن فعل
مأمورا به ومنهيا عنه فقد ارتكب المنهي عنه وهذا ظاهر إلا أن ينوي الحالف بهذه
الألفاظ القديم وحده فلا نهي حينئذ أو يكون هناك عرف اقتضى تخصيص
هامش أنوار البروق
قال كما تقول عظمة الملك جيشه
وأمواله إلى قوله في دولته قلت لا يسوغ مثل هذا التمثيل فإن الملك مفتقر على
الإطلاق والله تعالى مستغن على الإطلاق فكيف يصح التمثيل
قال كذلك عظمة الله تعالى هي هذه
الأمور كلها مع ذاته تعالى فهي أيضا من موجبات عظمته قلت هذا كلام غث لا يصدر إلا
عن جهل بهذا العلم وكيف يصح أن تكون الذات من موجبات العظمة والعظمة مجموع الذات والصفات
فالذات على هذا موجبة للذات وكيف يكون الشيء الواحد موجبا وموجبا هذا كله تخليط
فاحش
قال فإن أراد المطلق هذا المعنى أو
لم تكن له نية فلا شيء عليه قلت بل عليه شيء وهو أنه مخطئ في ذلك حيث اعتقد أن
الذات من مقتضيات العظمة قال وإن أراد صفة واحدة من صفات الله تعالى إلى قوله وهو الظاهر
قلت ما حكم بأنه ظاهر هو كما قال
قال وإن أراد بالتواضع غير العبادة
إلى قوله بل يجب اعتقاده قلت ما قاله في ذلك صحيح
هامش إدرار الشروق
وشموله صفة الفعل على ما مر إنما هو
باعتبار مصدرها الذي هو القدرة أو التقدير لا باعتبار حدوثها لاستحالة اتصافه
تعالى بها فضلا عن أن تكون صفة كمال يتناولها لفظ العزة وليس المدرك فيما نقله
____________________
(3/99)
هذه الألفاظ بالقديم خاصة فلا نهي
حينئذ أما مجرد اللفظ اللغوي فموجب لاندراج المحدث مع القديم المسألة الثالثة أن
هذه الصفات تارة تكون بلفظ التذكير كقولنا وجلال الله وعلاء الله وتارة تكون بلفظ
التأنيث كقولنا وعزة الله وعظمة الله فأما لفظ التذكير فلا كلام فيه هاهنا وأما
لفظ التأنيث بالهاء فإنه مشعر بشيء واحد مما يصدق عليه ولذلك تفرق العرب بين قول القائل
عز زيد عزا وعز عزة فالأول يحتمل جميع أنواع العز مفردة ومجموعة فإذا وجدت الإضافة
أو الألف واللام الموجبتين العموم كان العموم في جميع أفراد ذلك النوع وإن فقدت
الإضافة والألف واللام بقي مطلقا وأما اللفظ الثاني وهو عز زيد عزة فإنه لا يتناول
لغة إلا فردا واحدا من العزة إما بماله أو بجاهه أو بسطوته أو بغير ذلك من أسباب
العزة وإن كان موضوعه لغة فردا واحدا من العزة وأضيفت إلى الله تعالى لم يتعين
العموم فيه فاحتمل المحدث فإن العزة تصدق بالمحدث أيضا من جهة أن العزيز هو الذي
امتنع من نيل المكاره والعزيز أيضا هو الذي لا نظير له وقد ذكر العلماء المعنيين
في تفسير اسمه تعالى العزيز ولا شك أنه تعالى لا نظير له في مبتدعاته ومخلوقاته
فإن كانت العزة من هذه الجهة كان
فيها إشارة إلى المخلوقات المحدثات فلا تجب الكفارة ولهذه الإشارة نقل صاحب اللباب
في شرح الجلاب عن مالك في الحلف بعزة الله تعالى هل توجب كفارة أم لا فيه روايتان
لأجل التردد في لفظ العزة وأما لفظ العظمة فإن بينه وبين لفظ العزة فرقا فإن العرب
تقول عظم زيد عظمة في غالب استعمالهم فكأنه هو المصدر المتعين دون عظما بغير تاء
التأنيث وأما عز عزا فمشهور ولا ينطق بهاء التأنيث إلا إذا قصدت الوحدة نحو ضرب ضربة
فلا يتناول إلا ضربة واحدة كذلك عزة لا يتناول إلا عزة واحدة فإذا أضيف لا يكون
المضاف عاما بل فردا واحدا غير معين وقد قال الغزالي في المستصفى إن اللام في هذا
الجنس لا تفيد تعميما بل إنما تفيد اللام التعريف تعميما فيما ليس محدودا بالتاء
نحو الرجل والبيع فكذلك لا تفيده الإضافة عموما اعتبارا فاللام التعريف والجامع
بينهما أنهما أداتا تعريف فهذا بحث يمكن أن يلاحظ في هذا الموضع والله أعلم
هامش أنوار البروق
قال فهذا تلخيص الحق في هذه المسألة
والفتيا فيها
هامش إدرار الشروق
صاحب اللباب في شرح الجلاب عن مالك
في الحلف بعزة الله تعالى هل يوجب كفارة أم لا فيه روايتان ا ه هو تردد العزة بين
القديم والمحدث كما زعم الأصل بل المدرك كما قال ابن الشاط هو احتمال لفظ
____________________
(3/100)
الفرق السابع والعشرون والمائة بين
قاعدة ما يوجب الكفارة إذا حلف به من أسماء الله تعالى وبين قاعدة ما لا يوجب اعلم
أن أسماء الله تعالى تسعة وتسعون اسما مائة إلا واحدا خرجه الترمذي وهي إما لمجرد
الذات كقولنا الله فإنه اسم للذات على الصحيح وكذلك إن اختار صاحب الكشاف أنه
هامش أنوار البروق
قلت قد تبين تلخيص الحق في المسألة
على غير الوجه الذي زعم والله أعلم قال المسألة الثانية قال عبد الحق في تهذيب
الطالب الحالف بعزة الله تعالى وعظمته وجلاله عليه كفارة واحدة إلى آخر المسألة
قلت لا يندرج حادث تحت لفظ العزة ونحوه فما أشعر به كلامه بأن عبد الحق أغفل
التنبيه عليه ليس الأمر كذلك فلا محذور في اليمين بعزة الله تعالى ونحو ذلك فبحق
إن أعرض عن ذلك عبد الحق والله أعلم
قال المسألة الثالثة أن هذه الصفات
تارة تكون بلفظ التذكير وتارة تكون بلفظ التأنيث إلى آخرها قلت الصحيح على ما سبق
أن لفظ العزة ونحوها لا يتناول محدثا فلا يصح ما قاله في لفظ العزة من احتماله المحدث
وما حكاه عن صاحب اللباب من نقله عن مالك رحمه الله تعالى في لزوم الكفارة للحالف
بذلك روايتين ليس مدرك اختلاف قوله عندي ما ذكره الشهاب من احتمال المحدث بل
المدرك عندي احتمال لفظ العزة أن يكون مدلوله أمرا ثبوتيا وأمرا سلبيا فإنه عز
بصفات كماله الثبوتية كما عز بصفات تنزيهه السلبية والله أعلم
قال الفرق السابع والعشرون والمائة
قلت جميع ما قاله في هذا الفرق لا بأس به إلا ما قاله في المسألة الثانية من أنه
إذا قال باسم الله لأفعلن يحتمل أن يكون إضافة مخلوق إلى الله تعالى على كلا
التقديرين في اسم من أن يكون المراد به
هامش إدرار الشروق
العزة أن يكون مدلوله أمرا ثبوتيا أو
أمرا سلبيا فإنه عز بصفاته الثبوتية كما عز بصفات تنزيهه السلبية فافهمه والله
سبحانه وتعالى أعلم
الفرق السابع والعشرون والمائة بين
قاعدة ما يوجب الكفارة إذا حلف به من أسماء الله تعالى وبين قاعدة ما لا يوجب
أسماء الله تعالى تسعة وتسعون اسما مائة إلا واحدا كما خرجه الترمذي وهي تنقسم
تقسيمين التقسيم الأول إلى خمسة أقسام القسم الأول ما اختلف في كونه موضوعا لمجرد
الذات أو للذات مع جملة صفات الكمال كقولنا الله والقول الأول هو الصحيح الذي
اختاره صاحب الكشاف مستدلا على ذلك بجريان النعوت عليه تقول
____________________
(3/101)
اسم للذات من حيث هي هي وهو علم
عليها واستدل على ذلك بجريان النعوت عليه فتقول الله الرحمن الرحيم وقيل هو اسم
للذات مع جملة الصفات فإذا قلنا الله فقد ذكرنا جملة صفات الله تعالى وقلنا الذات
الموصوفة بالصفات الخاصة وهذا المفهوم الإله المعبود وهو الذات الموصوفة بصفات
الكمال ونعوت الجلال وهذا المعلوم هو الذي ندعي توحده وتنزهه عن الشريك والمماثلة
أي هذا المجموع يستحيل أن يكون له مثل وقد يكون الاسم موضوعا للذات مع مفهوم زائد
وجودي قائم بذات الله سبحانه وتعالى نحو قولنا عليم فإنه اسم للذات مع العلم القائم
بذاته تعالى أو وجودي منفصل عن الذات نحو خالق فإنه اسم للذات مع اعتبار الخلق في
التسمية وهو مفهوم وجودي منفصل عن الذات أو موضوعا للذات مع مفهوم عدمي نحو قدوس
فإنه اسم للذات مع القدس الذي هو التطهير عن النقائص والبيت المقدس أي طهر من فيه
من الأنبياء والأولياء عن المعاصي والمخالفات أو يكون موضوعا للذات مع نسبة وإضافة
كالباقي فإنه اسم للذات مع وصف البقاء وهو نسبة بين الوجود والأزمنة فإن البقاء
استمرار الوجود في الأزمنة وهو أعم من الأبدي لصدق الباقي
هامش أنوار البروق
الاسم الذي هو اللفظ أو المسمى الذي
هو المعنى فلا يتعين لما يوجب الكفارة إلا بعرف أو نية فإن في ذلك نظرا فإن لقائل
أن يقول فيه عرف بأن المراد ما يوجب الكفارة والله أعلم وما قاله في الفرقين بعد
هذا صحيح
هامش إدرار الشروق
الله الرحمن الرحيم ومفهومه على
القول الثاني الإله المعبود بحق أي الذات الموصوفة بصفات الكمال ونعوت الجلال وهذا
المفهوم هو الذي ندعي توحده وتفرده عن الشريك والمماثلة أي هذا المجموع يستحيل أن
يكون له مثل القسم الثاني ما كان موضوعا للذات مع مفهوم زائد وجودي قائم بذات الله
سبحانه وتعالى نحو قولنا عليم فإنه اسم للذات مع العلم القائم بذاته تعالى القسم الثالث
ما كان موضوعا للذات مع مفهوم وجودي منفصل عن الذات نحو خالق فإنه اسم للذات مع
اعتبار الخلق في التسمية وهو مفهوم وجودي منفصل عن الذات القسم الرابع ما كان
موضوعا للذات مع مفهوم عدمي نحو قدوس فإنه اسم للذات مع القدس الذي هو التطهير عن
النقائص والبيت المقدس أي الذي طهر من فيه من الأنبياء والأولياء عن المعاصي
والمخالفات القسم الخامس ما كان موضوعا للذات مع نسبة وإضافة كالباقي فإنه اسم
للذات مع وصف البقاء وهو نسبة بين الوجود والأزمنة فإن البقاء استمرار الوجود في
الأزمنة وهو أعم من الأبدي لصدقه على الباقي في زمانين فأكثر وأما الأبدي فلا بد
من استمراره مع جملة الأزمنة المستقبلة كما أن الأزلي هو الذي
____________________
(3/102)
في زمانين فأكثر وأما الأبدي فلا بد
من استمراره مع جملة الأزمنة المستقبلة كما أن الأزلي هو الذي قارن وجوده جميع
الأزمنة الماضية متوهمة أو محققة فهذه خمسة أقسام ثم هي تنقسم بحسب ما يجوز إطلاقه
وبحسب ما لا يجوز إطلاقه إلى أربعة أقسام ما ورد السمع به ولا يوهم نقصا نحو
العليم فيجوز إطلاقه إجماعا في مورد النص وفي غيره وما لم يرد السمع به وهو يوهم نقصا
فيمتنع إطلاقه إجماعا نحو متواضع ودار وعلامة فإن التواضع يوهم الذلة والمهانة
والدراية لا تكون إلا بعد تقدم شك كذا نقله أبو علي والعلامة من كثرت معلوماته
والله تعالى كذلك غير أن هاء التأنيث توهم تأنيث المسمى والتأنيث نقص فلا يجوز
إطلاق شيء من هذه الألفاظ ونحوها ألبتة القسم الثالث ما ورد السمع به وهو يوهم
نقصا فيقتصر به على محله نحو ماكر ومستهزئ فإن المكر والاستهزاء في مجرى العادة
سوء خلق وقد ورد السمع به في قوله تعالى والله خير الماكرين الله يستهزئ بهم
والمحسن لذلك المقابلة كقوله تعالى ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين قالوا
إنما نحن مستهزئون الله يستهزئ بهم فحصلت المقابلة بين المكرين والاستهزاءين ن
فكان ذلك حسنا لأنه اللائق بفصاحة القرآن وبلاغته فيقتصر بمثل هذه الألفاظ على
موارد السمع ولا يذكر
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
قارن وجوده جميع الأزمنة الماضية
متوهمة أو محققة كذا قال الأصل وهو إنما يظهر على قول الأشعري وهو الحق أن الزمان
متوهم كالمكان ويجعل عليه علامات معلومة تتبدل باختلاف الأحوال فتارة تقول يجيء
زيد إذا صلينا العصر وتارة يقال نصلي العصر إذا جاء زيد فهو مجرد اعتبار ويعرف
بعلامة تسمحا فيقال متجدد معلوم يقارنه متجدد موهوم إزالة للإيهام وتارة بنفس
المقارنة ويوصف بالطول والقصر تبعا لما يتخيل أنه وقع فيه أو على فرض وجوده نظير
ما قيل في المكان وفي الحقيقة ليس شيء متحقق يقال له زمان وإلى ذلك يشير صحيح
الحديث القدسي يسب ابن آدم الدهر وأنا الدهر أي ليس هناك شيء يقال له الدهر وإنما أنا
خالق الأشياء
وعلى هذا إذا قيل الزمن حادث فمعناه
متجدد بعد عدم لا موجود لما أنه اعتباري وذلك لأنه على هذا القول لا مانع من دخول الزمن
في وجوده تعالى ألا ترى أنه موجود قبل كل شيء وبعد كل شيء ومع كل شيء وهذا الأخير
يلزم منه البقاء بالمعنى المذكور ولم يختر اللقاني في الجوهرة أن حقيقة البقاء نفي
لحوق العدم لوجوده سبحانه وتعالى وكون النفي على طريقة الامتناع مأخوذ من أنه بقاء
واجب محترزا عن البقاء بالمعنى المذكور بقوله كذا بقاء لا يشاب بالعدم إلا لكون
البقاء بالمعنى المذكور غير كاف لا لاستحالته كما زعم الشيخ عبد السلام نعم يمتنع
دخول الزمان على سبيل الحصر بأن يكون وجوده تعالى ليس إلا في زمان وهذا لا تقتضيه
المقارنة ومن هنا اندفعت شبهة ذكرها إمام الحرمين في الإرشاد ونقلها السنوسي في
شرح الكبرى والكمال في المسامرة على المسايرة وهو أن إثبات القدم لله تعالى محصلة وجوده
في مدد لا أول لها إذ لا وجود إلا في زمن فيلزم إثبات أزمنة قديمة فجوابها منع أنه
لا وجود إلا في زمن فإن الزمن على القول بتحققه يخرج عن حادث
____________________
(3/103)
في غير هذه التلاوة فلا نقول اللهم امكر
بفلان ولا مكر الله به ولا اللهم استهزئ بفلان ولا استهزأ الله به وكذلك بقية هذا
الباب فهذه ثلاثة أقسام لم أعلم فيها خلافا وحكي في هذه الأحكام الإجماع القسم
الرابع ما لم يرد السمع به وهو غير موهم فلا يجوز إطلاقه عند الشيخ أبي الحسن
الأشعري وهو مذهب مالك وجمهور الفقهاء ويجوز إطلاقه عند القاضي أبي بكر الباقلاني
نحو قولنا يا سيدنا هل يجوز أن ينادى الله تعالى بهذا الاسم أم لا قولان ومدرك
الخلاف هل يلاحظ انتفاء المانع وهو الإيهام ولم يوجد فيجوز أو يقول الأصل في أسماء
الله تعالى المنع إلا ما ورد السمع به ولم يرد السمع فيمتنع وهو الصحيح عند العلماء
فإن مخاطبة أدنى الملوك تفتقر إلى معرفة ما أذنوا فيه من تسميتهم ومعاملتهم حتى
يعلم إذنهم في ذلك فالله تعالى أولى بذلك ولأنها قاعدة الأدب والأدب مع الله تعالى
متعين لا سيما في مخاطباته بل ليس لأحد أن يوقع في صلاة من الصلوات ولا عبادة من
العبادات إلا ما علم إذن الله تعالى فيه فمخاطبة الله تعالى وتسميته أولى بذلك
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
صاحبه غيره ولا يشترط في وجود الشيء
مصاحبة غيره وإن اتفقا كيف وقد ظهر أرجحية عدمه
وقد قال الشهرستاني إن تقدم الصانع
سبحانه وتعالى ذاتي لا في زمن وتقريبه إن تقدم أمس على اليوم كذلك إذ ليس زمن ثالث
يقع فيه التقدم وإن عبر عنه بقبل اكتفاء بالاعتبار فالزمن حادث ووجود الصانع
ووجوبه ذاتي لا يتقيد به كما في حاشية العلامة الأمير على عبد السلام على الجوهرة
نعم كان على الأصل أن يقتصر على المتوهمة في قوله جميع الأزمنة الماضية متوهمة أو
محققة فتأمل والله أعلم التقسيم الثاني بحسب ما يجوز إطلاقه وما لا إلى أربعة أقسام
القسم الأول ما ورد السمع به ولا يوهم نقصا نحو العليم فيجوز إطلاقه إجماعا في
مورد النص وفي غيره القسم الثاني ما لم يرد السمع به وهو يوهم نقصا فيمتنع إطلاقه
إجماعا نحو متواضع ودار وعلامة لأن التواضع يوهم الذلة والمهانة والدراية لا تكون
إلا بعد تقدم شك كما نقله أبو علي والعلامة وإن كان معناه من كثرت معلوماته والله
تعالى كذلك إلا أن هاء التأنيث توهم تأنيث المسمى والتأنيث نقص كما قال الأصل
فتأمل القسم الثالث ما ورد السمع به وهو يوهم نقصا وهذا نوعان الأول ما لم يرد مع
المشاكلة كالصبور والحليم والشكور فالأول يوهم وصول مشقة له وفسره في المواقف
بالحليم وفسر الحليم قبل بالذي لا يعجل العقاب وهو يوهم تأثرا وانفعالا بالغضب
فيكتم والثالث قال في المواقف المجازي على الشكر وقيل يثبت على القليل الكثير
وقيل المثني على من أطاعه وهو يوهم
وصول إحسان له وقد قال ابن عطاء الله في آخر الحكم أنت الغني بذاتك عن أن يصل إليك
النفع منك فكيف لا تكون غنيا عني وهذا النوع يقبل ويؤول ويقتصر به على محله ولا
يجوز في غير
____________________
(3/104)
وقد كان الشيخ زكي الدين عبد العظيم
المحدث رحمه الله يقول قد ورد حديث في لفظ السيد فعلى هذا يجوز إطلاقه على
المذهبين إجماعا وقس على هذا المثل ما أشبهها قال الشيخ أبو الطاهر بن بشير فكل ما
جاز إطلاقه جاز الحلف به وأوجب الكفارة وما لا يجوز إطلاقه لا يجوز الحلف به ولا
يوجب الحلف به كفارة فتنزل الأقسام الأربعة المتقدمة على هذه الفتيا وها هنا ثلاث
مسائل المسألة الأولى قال أصحابنا من حلف باسم من أسماء الله تعالى التي يجوز إطلاقها
عليه تعالى وحنث لزمته الكفارة وقال الشافعية والحنابلة أسماء الله تعالى قسمان
منها ما هو مختص به تعالى فهو صريح في الحلف كقولنا والله والرحمن فهذا ينعقد به
اليمين بغير نية ومنها ما لا يختص به تعالى كالحكيم والعزيز والرشيد والقادر
والمريد والعالم فهي كنايات لا تكون يمينا إلا بالنية لأجل التردد بين الموجب وغير
الموجب وهذا التردد أجمعنا عليه في الطلاق وغيره وأن التردد لا ينصرف للطلاق ولا
لمعنى يقع التردد فيه إلا بالنية فكذلك ها هنا ووجه التردد في هذه الأسماء
المذكورة بين إرادة الله تعالى بها وبين المخلوق واضح وأن البشر يسمى بهذه الأسماء
حقيقة وأن هذا اللفظ يطلق على الموضعين بالتواطؤ ولا يتعين
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
مورده إجماعا لإيهام الحقيقة وإنما
ورد تنزلا وتلطفا في خطابنا مجازا قال ابن عربي ونخجل إذ سمعنا ذلك وأنشد إن
الملوك وإن جلت مراتبهم لهم مع السوقة الأسرار والسمر النوع الثاني ما ورد مع
المشاكلة والمقابلة نحو ماكر ومستهزئ فإن المكر والاستهزاء في مجرى العادة سوء خلق
وقد ورد السمع به مع المشاكلة والمقابلة في نحو قوله تعالى ومكروا ومكر الله والله
خير الماكرين أي وجازاهم الله على مكرهم والله خير المجازين وقوله تعالى قالوا إنما
نحن مستهزئون الله يستهزئ بهم أي الله يجازيهم على استهزائهم وهذا النوع لكون
المشاكلة حسنته على ما هو اللائق بفصاحة القرآن وبلاغته وصارت قرينة على المجاز
بحيث لا تتوهم الحقيقة التي لا تليق به تعالى يجوز في غير مورده مع المشاكلة لا
بدونها هذا ما يفيده كلام العلامة الأمير في حاشيته على عبد السلام على الجوهرة
وهو الحق لا ما يفيده كلام الأصل من عدم جواز هذا القسم في غير مورده مطلقا ولو مع
المشاكلة فتأمل القسم الرابع ما لم يرد السمع به وهو غير موهم نحو قولنا يا سيدنا
فلا يجوز إطلاقه عند الشيخ أبي الحسن الأشعري وهو مذهب مالك وجمهور الفقهاء ويجوز
إطلاقه عند القاضي أبي بكر الباقلاني ومدرك الخلاف هل يلاحظ ابتغاء المانع وهو
الإيهام ولم يوجد فيجوز أو لا يلاحظ إلا أن الأصل في أسماء الله تعالى المنع إلا
ما ورد السمع به ولم يرد السمع فيمتنع وهو الصحيح عند العلماء فإن مخاطبة أدنى الملوك
تفتقر إلى معرفة ما أذنوا فيه من تسميتهم ومعاملتهم حتى يعلم إذنهم في ذلك فالله
تعالى أولى بذلك ولأنها قاعدة الأدب والأدب مع الله تعالى متعين لا سيما في
مخاطباته بل ليس لأحد أن يوقع في صلاة من
____________________
(3/105)
اللفظ المتواطئ إلا بالنية وكفى بهذا
في بيان التردد والاحتياج للنية وهذا كلام حسن قوي معتبر في كثير من أبواب الفقه
كالظهار والعتق وغيرهما ولنا عنه جواب حسن
وهو أن القاعدة أن الألفاظ المفردة
تبقى على معناها اللغوي وينقل أهل العرف المركب من المفردين لبعض أنواع ذلك الجنس
كما قلنا في لفظ الرءوس تصدق على رءوس جميع الحيوانات ولفظ الأكل يصدق على كل فرد
من أفراد الأكل في أي مأكول كان وإذا ركبنا هاتين اللفظتين فقلنا والله لا أكلت
رءوسا أو أكلت رءوسا لا يفهم أحد إلا رءوس الأنعام دون غيرها بسبب أن أهل العرف
نقلوا هذا المركب لهذه الرءوس الخاصة دون بقية الرءوس فكذلك لفظ العليم والقادر
والمريد يصدق على كل عالم وقادر ومريد ومع ذلك فقد نقل أهل العرف قولنا وحق العليم
وغير ذلك من الأسماء مع الحالف إلى خصوص أسماء الله تعالى فهو من المركبات
المنقولة فلا يفهم أحد عند سماعه الحلف بهذه الأسماء إلا أسماء الله تعالى خاصة
وإذا صارت الكناية منقولة في العرف إلى معنى آخر صارت صريحة فيه فلذلك ألحقنا
كنايات كثيرة في باب الطلاق فكذلك بصريحه لما اشتهرت في الطلاق بسبب نقل العرف
أياها للطلاق فكذلك ها هنا
وهذا الجواب حسن من حيث الجملة غير
أنه لا يطرد في جميع
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
الصلوات ولا في عبادة من العبادات
إلا ما علم إذن الله تعالى فيه فمخاطبة الله تعالى وتسميته أولى بذلك نعم قال
الشيخ زكي الدين عبد العظيم المحدث رحمه الله تعالى قد ورد حديث في لفظ السيد
فعليه يجوز إطلاقه على المذهبين إجماعا وقس على هذه المثل لهذه الأقسام الأربعة ما
أشبهها وهذه الأقسام الأربعة تنزل على فتوى الشيخ أبي الطاهر بن بشير حيث قال فكل
ما جاز إطلاقه جاز الحلف به وأوجب الكفارة وما لا يجوز إطلاقه لا يجوز الحلف به
ولا يوجب الحلف به كفارة ا ه
فظهر الفرق وها هنا ثلاث مسائل
المسألة الأولى قال الشافعية والحنابلة أسماء الله تعالى قسمان قسم مختص به تعالى
كالله والرحمن فيكون صريحا في الحلف
وينعقد به اليمين بغير نية وقسم لا يختص
به تعالى كالحكيم والعزيز والرشيد فيكون بسبب تردده بين إرادة الله تعالى وإرادة
المخلوق لأن البشر يسمى بذلك حقيقة غير صريح بل من الكنايات لا يكون يمينا إلا
بالنية إذ كما أن اللفظ مع التردد لا ينصرف للطلاق ولا للمعنى الذي وقع التردد فيه
إلا بالنية فكذلك ها هنا
وهذا كلام حسن قوي معتبر في كثير من
أبواب الفقه كالظهار والعتق وغيرهما وقال أصحابنا من حلف باسم من أسماء الله تعالى
التي يجوز إطلاقها عليه تعالى وحنث لزمته الكفارة قال الأصل ووجهه أن لفظ العليم
والقادر والمريد وإن كان يصدق على كل عالم وقادر ومريد إلا أن أهل العرف نقلوا
قولنا والعليم وحق العليم والقادر وحق القادر والمريد وحق المريد ونحو ذلك من
الأسماء مع الحلف إلى خصوص أسماء الله تعالى حتى نفى النقل العرفي الاحتمال اللغوي
وصارت الكناية مشتهرة باسم الله تعالى فألحقت بالصريح كما ألحقوا كنايات كثيرة في
باب الطلاق بصريحه لما اشتهرت في الطلاق بسبب نقل العرف إياها للطلاق والقاعدة أن
الألفاظ المفردة تبقى على معناها اللغوي حتى إذا ركب أحدهما مع مفرد آخر منها نقل
أهل العرف المركب من المفردين لبعض أنواع ذلك
____________________
(3/106)
الأسماء وإنما يستقيم في الأسماء
التي جرت العادة بالحلف بها فينفي النقل العرفي الاحتمال اللغوي وأما ما لم تجر
العادة بالحلف به كالحكيم والرشيد ونحوهما فلعل كثيرا من الناس لا يعلمها أسماء
لله تعالى فلم يشتهر الحلف بها ولم أعلم أني رأيت من أسماء الله تعالى الرشيد إلا
في الترمذي حيث عدد أسماء الله الحسنى مائة إلا واحدا وأصحابنا عمموا الحكم في
الجميع ولم يفصلوا وهو مشكل ولا يمكن أن يقال إن عادة المسلمين لا يحلفون بغير الله
تعالى وأسمائه فتنصرف جميع الأسماء لله تعالى بقرينة الحلف لأنا نقول إنا نجدهم
يحلفون بآبائهم وملوكهم ويقولون ونعمة السلطان وحياتك يا زيد ولعمري لقد قام زيد
فيحلف بعمره وحياة مخاطبه طول النهار فليس ظاهر حالهم الانضباط ولا حصل في الأسماء
القليلة الاستعمال عرف ولا نقل يعتمد عليه فيستصحب فيها حكم اللغة وأن اللفظ صالح
للقديم هذا هو الفقه المسألة الثانية قال صاحب الخصال الأندلسي يجوز الحلف ويوجب
الكفارة قولك باسم الله لأفعلن وهذه المسألة فيها غور بعيد بسبب أن الاسم ها هنا
إن أريد به المسمى استقام الحكم وإن لم يرد به المسمى فقد حكى ابن السيد البطليوسي
أن العلماء اختلفوا في لفظ الاسم هل هو موضوع للقدر المشترك بين أسماء الذوات فلا يتناول
إلا لفظا هو
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
الجنس مثلا لفظ الرءوس تصدق على رءوس
جميع الحيوان ولفظ الأكل يصدق على كل فرد من أفراد الأكل في أي مأكول كان وإذا
ركبنا هاتين اللفظتين فقلنا والله لا أكلت رءوسا أو أكلت رءوسا لا يفهم أحد إلا
رءوس الأنعام دون غيرها بسبب أن أهل العرف نقلوا هذا المركب لهذه الرءوس الخاصة دون
بقية الرءوس فكذلك لفظ العليم ونحوه كان قبل التركيب مع حرف القسم يصدق على كل
عالم وبعد التركيب معه نقله أهل العرف لخصوص اسم الله تعالى حتى صار صريحا لا كناية
نعم لا ينفع هذا فيما لا تجري العادة بالحلف به كالحكيم والرشيد فلم يشتهر الحلف
بها ونحوهما إذ لعل كثيرا من الناس لا يعلمها أسماء لله تعالى بل لم أعلم أني رأيت
من أسماء الله تعالى الرشيد إلا في الترمذي حيث عدد أسماء الله الحسنى مائة إلا
واحدا وأصحابنا عمموا الحكم في الجميع ولم يفصلوا وهو مشكل ولا يمكن أن يقال إن
عادة المسلمين لا يحلفون بغير الله تعالى وأسمائه فتنصرف جميع الأسماء لله تعالى
بقرينة الحلف لأنا نقول إنا نجدهم يحلفون بآبائهم وملوكهم ويقولون ونعمة السلطان
وحياتك يا زيد ولعمري لقد قام زيد فيحلف بعمره وحياة مخاطبه طول النهار فليس ظاهر
حالهم الانضباط
ولا حصل في الأسماء القليلة
الاستعمال عرف ولا نقل يعتمد عليه فيستصحب فيها حكم اللغة وأن اللفظ صالح للقديم
والمحدث هذا هو الفقه ا ه
المسألة الثانية قولك باسم الله
لأفعلن قال صاحب الخصال الأندلسي يجوز الحلف به ويوجب الكفارة قال ابن الشاط ووجهه
أن لفظ اسم وإن جرى فيه بخصوصه خلاف العلماء في أنه هو المسمى أو لا فقد حكى ابن
السيد البطليوسي أن العلماء اختلفوا في لفظ الاسم هل هو موضوع للقدر المشترك بين
أسماء الذوات فلا يتناول إلا لفظا هو اسم أو وضع في لغة العرب للقدر المشترك بين المسميات
فلا يتناول إلا مسمى
____________________
(3/107)
اسم أو وضع في لغة العرب للقدر
المشترك بين المسميات فلا يتناول إلا مسمى قال وهذا هو تحقيق خلاف العلماء في أن
الاسم هو المسمى أم لا وأن الخلاف إنما هو في لفظ اسم الذي هو ألف سين ميم وأما
لفظ نار وذهب فلا يصح أن يقول عاقل إن لفظ نار هو عين النار حتى يحترق فم من نطق
بهذا اللفظ ولا لفظ ذهب هو عين الذهب المعدني حتى يحصل الذهب المعدني في فم من نطق
بلفظ الذهب وإنما الخلاف في لفظ الاسم خاصة وإذا فرعنا على هذا وقلنا الاسم موضوع للقدر
المشترك بين الأسماء وأن مسماه لفظ حينئذ فينبغي أن لا تلزم به كفارة ولا يجوز
الحلف به كما لو قلنا ورزق الله وعطاء الله فإن إضافة المحدث إلى الله تعالى لا
تصيره مما يجوز الحلف به ولا يوجب الكفارة كذلك إذا أضيف الاسم إلى الله تعالى
يكون على هذا التقدير إضافة لفظ مخلوق لله عز وجل فلا يوجب كفارة
وإن قلنا هو موضوع للقدر المشترك بين
المسميات والقاعدة أن الدال على الأعم غير دال على الأخص فاللفظ الدال على القدر
المشترك بين جميع المسميات لا يكون دالا على خصوص واجب الوجود سبحانه وتعالى وما
لا يكون دالا عليه لغة لا ينصرف إليه إلا بنية أو عرف ناقل ولا واحد منهما فلا تجب
الكفارة ولا يتعين صرف اللفظ لله تعالى فهذا تحرير هذه المسألة
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
قال وهذا هو تحقيق خلاف العلماء في
أن الاسم هو المسمى أم لا وأن الخلاف إنما هو في لفظ اسم خاصة الذي هو ألف سين ميم
وأما لفظ نار وذهب فلا يصح أن يقول عاقل إن لفظ نار هو عين النار حتى يحترق فم من
نطق بهذا اللفظ ولا لفظ ذهب هو عين الذهب المعدني حتى يحصل الذهب المعدني في فم من
نطق بلفظ الذهب ا ه إلا أن فيه عرفا بأن المراد ما يوجب الكفارة والله أعلم ا ه
نعم في حاشية العلامة الأمير على عبد
السلام على الجوهرة أن الخلاف فيما صدقات الاسم ولفظ اسم منها فإنه اسم من الأسماء
ولا يلزم اندراج الشيء تحت نفسه وهو تناقض في الجزئية والكلية بل اندراج اللفظ تحت
معناه وهو كثير كموجود وشيء ومفرد والتحقيق أنه إن أريد من الاسم اللفظ فهو غير
مسماه قطعا أو أريد به ما يفهم منه فهو عين المسمى ولا فرق في ذلك بين جامد ومشتق فيما
يقضي به التأمل ا ه ووجود المسمى فيما يفهم من الاسم ظلي كالصورة في المرآة فلا
يلزم من كونه عينه احتراق فم من يقول نارا ولا أن الذهب المعدني يحصل في فم من
ينطق بلفظ ذهب فتأمل والله أعلم المسألة الثالثة قال اللخمي قال ابن عبد الحكم ها
الله يمين توجب الكفارة مثل قوله تالله فإنه يجوز حذف حرف القسم وإقامة ها التنبيه
مقامه وقد نص النحاة على ذلك فائدة الألف واللام في أسماء الله تعالى للكمال قال
سيبويه تكون لام التعريف للكمال تقول زيد الرجل تريد الكامل في الرجولية وكذلك هي
في أسماء الله تعالى فإذا قلت الرحمن أي الكامل في معنى الرحمة أو العليم أي
الكامل في معنى العلم وكذلك بقية الأسماء فهي لا للعموم ولا للعهد ولكن للكمال ا ه
والله سبحانه وتعالى أعلم
____________________
(3/108)
المسألة الثالثة قال اللخمي قال ابن
عبد الحكم ها الله يمين توجب الكفارة مثل قوله تالله فإنه يجوز حذف حرف القسم
وإقامة ها التنبيه مقامه وقد نص النحاة على ذلك فائدة الألف واللام في أسماء الله
تعالى للكمال قال سيبويه تكون لام التعريف للكمال تقول زيد الرجل تريد الكامل في
الرجولية وكذلك هي في أسماء الله تعالى فإذا قلت الرحمن أي الكامل في معنى الرحمة
أو العليم أي الكامل في معنى العلم وكذلك بقية الأسماء فهي لا للعموم ولا للعهد
ولكن للكمال
الفرق الثامن والعشرون والمائة بين
قاعدة ما يدخله المجاز في الأيمان والتخصيص وقاعدة ما لا يدخله المجاز والتخصيص
اعلم أن الألفاظ على قسمين نصوص وظواهر فالنصوص هي التي لا تقبل المجاز ولا
التخصيص والظواهر هي التي تقبلها فالنصوص التي هي كذلك قسمان أسماء للأعداد نحو
الخمسة والعشرة وغير ذلك من أسماء الأعداد أولها الاثنان وآخرها الألف ولم تصنع
العرب بعد ذلك لفظا آخر للعدد بل عادت إلى رتب الأعداد
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
الفرق الثامن والعشرون والمائة بين
قاعدة ما يدخله المجاز والتخصيص في الأيمان وقاعدة ما لا يدخله المجاز والتخصيص
الألفاظ على قسمين نصوص وهي التي لا تقبل المجاز ولا التخصيص وظواهر وهي التي
تقبلهما والنصوص نوعان النوع الأول ما كان الامتناع فيه من المجاز والتخصيص لغويا
وهي أسماء الأعداد التي أولها الاثنان وآخرها الألف ولم تضع العرب بعد ذلك لفظا
للعدد بل عادت إلى رتب الأعداد فقالت ألفان بالتثنية ومراتب الأعداد أربعة وهي الآحاد
إلى العشرة والعشرات إلى المائة والمئات إلى الألف والألوف فالآحاد والعشرات
والمئات والألوف هي رتب الأعداد الأربعة وهذه الألفاظ تكررها العرب في مراتب
الأعداد إلى غير النهاية مكتفية بها من غير النهاية فنحو الخمسة والعشرة من ألفاظ
العدد عند العرب نصوص لا يدخلها المجاز ولا التخصيص والتخصيص أن تريد بالعشرة
بعضها والمجاز أن تريد بالعشرة مسمى العشر أو بالخمسة مسمى الخمس لأن العشرة نسبة
العشر لأنها عشر المائة والخمسة نسبة الخمس لأنها خمس الخمسة والعشرين فهذا أجنبي
عنها بالكلية فإن التخصيص استعمال اللفظ في بعض معناه مجاز القرينة والمجاز
استعمال اللفظ في غير معناه لعلاقة وقرينة سواء كان ذلك الغير هو بعض المعنى أو
غيره مما بينه وبين المعنى مناسبة خاصة فالمجاز أعم من التخصيص فكل تخصيص مجاز
وليس كل مجاز تخصيصا النوع الثاني ما كان الامتناع فيه من المجاز والتخصيص شرعيا لا
لغويا مثل لفظ الجلالة الله ولفظ الرحمن مما هو مختص بالله تعالى فلا يجوز
استعمالهما في غير الله تعالى بإجماع الأمة وما عدا هذين النوعين
____________________
(3/109)
فقالت ألفان وهذا هو التثنية فتكرر
مراتب الأعداد وهي أربعة الآحاد إلى العشرة والعشرات إلى المائة والمئات إلى الألف
ثم الألوف فهذه الأربعة هي رتب الأعداد وهي آحاد وعشرات ومئات وألوف وتكرر هذه
الألفاظ في مراتب الأعداد إلى غير النهاية مكتفية بها من غير النهاية فهذه عند
العرب نصوص لا يدخلها المجاز ولا التخصيص فلا يجوز أن تطلق العشرة وتريد بها
التسعة ولا غيرها من مراتب الأعداد فهذا هو المجاز وأما التخصيص فلا يجوز أن تقول
رأيت عشرة ثم تبين بعد ذلك مرادك بها وتقول أردت خمسة فإن التخصيص مجاز أيضا لكنه
يختص ببقاء بعض المسمى والمجاز قد لا يبقى معه من المسمى شيء كما تقول رأيت إخوتك
ثم تقول بعد ذلك أردت بإخوتك نصفهم وهم فلان وفلان فهذا تخصيص وقد بقي اللفظ
مستعملا في بعض الإخوة والمجاز الذي ليس بتخصيص أن تقول أردت بإخوتك مساكنهم أو
دوابهم ووجه العلاقة ما بين الإخوة وهذه الأمور من الملابسة وليس المساكن ولا
الدواب بعض الإخوة فلم يبق من المسمى شيء فالمجاز أعم من التخصيص فكل تخصيص مجاز
وليس كل مجاز تخصيصا فالأعداد لا يدخلها المجاز
ولا التخصيص فالتخصيص أن تريد
بالعشرة بعضها والمجاز أن تريد بالعشرة مسمى العشر أو بالخمسة مسمى الخمس لأن
العشرة نسبة العشر لأنها
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
من العمومات نحو المشركين وأسماء
الأجناس من الجماد والنبات أو الحيوان نحو الأسد أو من قبيل الأعراض نحو العلم
والظن والألوان والطعوم والروائح فهي الظواهر فيجوز إطلاق العلم ويراد به الظن
مجازا كقوله تعالى فإن علمتموهن مؤمنات أي ظننتموهن فإن الإيمان أمر باطن لا يعلم
ولكن تدل عليه ظواهر الأحوال فيظن وإطلاق الظن ويراد به العلم كقوله تعالى وظنوا
أنهم مواقعوها أي قطعوا وعلموا هذا هو المقرر في أصول الفقه وفي أبواب الأيمان والطلاق
وغيرهما من كتب الفقه عند الفقهاء وعليه سؤال وهو أن العرب قد تستعمل اسم العدد
مجازا كقوله تعالى إن تستغفر لهم سبعين مرة قال العلماء المراد الكثرة كيف كانت
وقوله تعالى سبعون ذراعا أي طويلة جدا فالمراد الكثرة جدا لا خصوص السبعين
وقول أهل العرف سألتك ألف مرة فما
قضيت لي حاجة وقولهم زرتك مائة مرة فلم ترع لي ذلك لا يريدون خصوص الألف والمائة بل
الكثرة فهذا مجاز قد دخل في السبعين والمائة والألف من ألفاظ العدد وكذا دخل فيما
هو بمعنى أسماء العدد كلفظ كرتين في قوله تعالى فارجع البصر كرتين ينقلب إليك
البصر خاسئا وهو حسير قال المفسرون المراد بكرتين المراجعة الكثيرة من غير حصر
فعبر بلفظ التثنية عن أصل الكثرة مجازا وإذا انفتح الباب في بعض ألفاظ العدد
ونحوها انخرم الجزم في بقيتها فلم يبق لنا نصوص ألبتة في أسماء الأعداد غير أن
الفقهاء مطبقون على ما تقدم والواقع كما ترى فتأمله وعلى ما تقدم من صحة القاعدتين
والفرق بينهما تتخرج أربع مسائل المسألة الأولى إذا حلف ليعتقن ثلاثة عبيد اليوم
فأعتق عبدين وقال أردت بلفظ ثلاثة الاثنين حنث إن خرج اليوم ولم يعتق الثالث ولم
تفده نيته لأن استعمال لفظ الثلاثة في الاثنين مجاز في لفظ من أسماء
____________________
(3/110)
عشر المائة والخمسة نسبة الخمس لأنها
خمس الخمسة والعشرين فهذا أجنبي عنها بالكلية القسم الثاني من النصوص الألفاظ التي
هي مختصة بالله تعالى نحو لفظ الجلالة ولفظ الرحمن فإنه لا يجوز استعمالها في غير
الله تعالى بإجماع الأمة فهذا الامتناع شرعي والامتناع في الإعداد لغوي وأما
الظواهر فهي ما عدا هذين القسمين من العمومات نحو المشركين وأسماء الأجناس نحو
الأسد وغيره مما وضع لجنس من الجماد أو النبات أو الحيوان أو جنس من قبيل الإعراض
نحو العلم والظن والألوان والطعوم والروائح فيجوز المجاز فيها كما يجوز إطلاق العلم
ويراد به الظن مجازا كقوله تعالى فإن علمتموهن مؤمنات أي ظننتموهن فإن الأيمان أمر
باطن لا يعلم ولكن تدل عليه ظواهر الأحوال وكقوله تعالى فظنوا أنهم مواقعوها أي
قطعوا وعلموا هذا هو المقرر في أصول الفقه وفي أبواب الفقه عند الفقهاء في أبواب
الأيمان والطلاق وغيرهما وعليه سؤال وذلك أن العرب قد تستعمل اسم العدد مجازا
كقوله تعالى إن تستغفر لهم سبعين مرة
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
العدد وهو لا يدخل في أسماء الأعداد
فلا تفيد فيها النية لا في الأيمان ولا في الطلاق ولا في غيرهما المسألة الثانية
إذا قال والله لأعتقن عبيدي وقال أردت بعضهم على سبيل التخصيص أو أردت بعبيدي
دوابي وبالعتق بيعها أفاده ذلك لأن لفظ العبيد ولفظ العتق من الظواهر فيدخلها
المجاز وتفيد فيها النية وعلاقة استعمال العبيد في البعض إطلاق العام وإرادة الخاص
وفي الدواب المجاورة في الملك وعلاقة استعمال العتق في البيع المشابهة في بطلان الملك
بكل المسألة الثالثة إذا قال والله لأعتقن ثلاثة عبيد ونوى أنه يبيع ثلاث دواب من
دوابه صح وأفادته نيته لأن لفظ ثلاثة لم يدخله مجاز وإنما دخل المجاز في لفظي
العبيد والعتق لكونهما من الظواهر كما تقدم تنبيه إذا قال أنت طالق ثلاثا ثم قال
أردت اثنتين أو واحدة لا يفيده ذلك وأما إن قال أردت أنك طلقت ثلاث مرات من الولد
فإنه يفيده ذلك ولم يلزمه طلاق لا في الفتيا ولا في القضاء حيث كان هناك من
القرائن ما يعضده ولو قامت عليه بينة وإلا لزمه الطلاق الثلاث في القضاء دون
الفتيا وذلك لأن التغيير والمجاز لم يدخل في اسم العدد الذي هو الثلاث وإنما دخل
التغيير والمجاز في معدوده الذي هو الطلاق لكونه اسم جنس من الظواهر فتغير من
الطلاق الذي هو إزالة العصمة إلى جنس آخر وهو طلق الولد فسقط استشكال بعض الفقهاء
بأنه كيف أثرت النية في الكل ولم تؤثر في البعض وذلك خلاف القواعد فإن النية أبطلت
الطلقات الثلاث كلها إذا نوى طلق الولد وهذا هو جملة مدلول اللفظ فأولى أن تبطل
بعض مدلول اللفظ إذا نوى بالثلاث اثنتين أو واحدة فتأمل المسألة الرابعة إذا قال
والله أو والرحمن لا فعلت كذا وقال أردت بلفظ الجلالة أو بلفظ الرحمن غير
____________________
(3/111)
قال العلماء المراد الكثرة كيف كانت
وكذلك قوله سبعون زراعا أي طويلة جدا وخصوص السبعين ليس مرادا بل المراد الكثرة
جدا وهذا مجاز قد دخل في السبعين وهم اسم العدد وكذلك قوله تعالى فارجع البصر
كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير
قال المفسرون المراد بكرتين المراجعة
الكثيرة من غير حصر وعبر بلفظ التثنية عن أصل الكثرة وهذا مجاز قد دخل في لفظ
كرتين غير أنه ليس من أسماء العدد واسم العدد إنما هو اثنان لكن كرتين في معناها
ويقول أهل العرف سألتك ألف مرة فما قضيت لي حاجة وكذلك زرتك مائة مرة فلم ترع لي
ذلك ولا يريدون خصوص الألف والمائة بل الكثرة وهذا مجاز قد دخل في المائة والألف وإذا
انفتح الباب في هذه الألفاظ في بعضها انخرم الجزم في بقيتها فلم يبق لنا نصوص
ألبتة في أسماء الأعداد غير أن الفقهاء مطبقون على ما تقدم والواقع كما ترى فتأمله
وعلى ما تقدم من صحة القاعدتين والفرق بينهما تتخرج ثلاث مسائل المسألة الأولى إذا
حلف ليعتقن ثلاثة عبيد اليوم فأعتق عبدين وقال أردت بلفظ ثلاثة الاثنين لم تفده
نيته وحنث إن خرج اليوم ولم يعتق الثالث لأن استعمال لفظ الثلاثة في الاثنين مجاز
وهو لا يدخل في أسماء الأعداد وكذلك بقية أسماء الأعداد لا تفيد فيها النية في
الأيمان ولا في الطلاق ولا في غيرهما المسألة الثانية إذا قال والله لأعتقن عبيدي
قال أردت بعضهم على سبيل التخصيص أو أردت بعبيدي دوابي وأردت بالعتق بيعها أفاده ذلك
لأنه يجوز استعمال العبيد مجازا في الدواب والعلاقة الملك في الجميع واستعمال
العتق مجاز في البيع والعلاقة بطلان الملك فهذا تفيده فيه النية والمجاز المسألة
الثالثة إذا قال والله لأعتقن ثلاثة عبيد ونوى أنه يبيع ثلاث دواب من دوابه صح لأن
لفظ ثلاثة لم يدخله مجاز وإنما دخل المجاز في المعدود وهو اسم جنس أعني العبيد
فعبر بجنس العبيد عن جنس الدواب وذلك جائز ولم يعبر بلفظ الثلاث عن غير الثلاث فهو
على بابه ونظيره من الطلاق أن يقول أنت طالق ثلاثا ويريد بالثلاث اثنتين أو واحدة
لا يفيده ذلك وإن قال أردت أنك طلقت ثلاث مرات من الولد أفاده ذلك ولم يلزمه طلاق
في الفتيا ولا في القضاء إن لم تقم عليه بينة أو قامت
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
الله تعالى وعبرت بهذا اللفظ عن بعض
المخلوقات لله من باب إطلاق الفاعل على أثره لما بينهما من العلاقة والحلف
بالمخلوق لا تلزم به كفارة فظاهر كلام العلماء أن هذا تلزمه الكفارة إذا حنث وأن
هذين اللفظين لا يجوز استعمالهما لغير الله تعالى وما امتنع شرعا فهو كالمعدوم حسا
وهذا بخلاف ما لو قال أردت
____________________
(3/112)
لكن هناك من القرائن ما يعضده وإلا
لزمه الطلاق الثلاث في القضاء دون الفتيا
وقد أشكل ذلك على بعض الفقهاء فقال
أثرت النية في الكل ولم تؤثر في البعض وذلك خلاف القواعد فإن النية أبطلت الطلقات
الثلاث كلها إذا نوى طلق الولد وهذا هو جملة مدلول اللفظ فأولى أن يبطل بعض مدلول
اللفظ وهو أن يريد بالثلاث اثنتين وجوابه أن النية إنما أثرت في لفظ المعدود فقط
وهو الطلاق وأما اسم العدد فباق على حاله ثلاثا غير أنه لما تغير المعدود وانتقل
انتقل العدد معه على حاله وهو ثلاث من غير تغيير لمفهوم الثلاث فدخل التغيير والمجاز
في اسم الجنس الذي هو الطلاق لأن الطلاق اسم جنس دون الثلاث لأنه اسم عدد فلم يدخل
فيه مجاز ألبتة غير أن معدوده تغير من الطلاق الذي هو إزالة العصمة إلى جنس آخر
وهو طلق الولد أو غيره من الأجناس فلا إشكال حينئذ فإن قلت لو قال والله أو
والرحمن لا فعلت كذا وقال أردت بلفظ الجلالة أو بلفظ الرحمن غير الله تعالى وعبرت
بهذا اللفظ عن بعض المخلوقات لله من باب إطلاق الفاعل على أثره لما بينهما من
العلاقة والحلف بالمخلوق لا تلزم به كفارة فلا تلزمني كفارة هل تسقط عنه الكفارة
بناء على هذا المجاز قلت ظاهر كلام العلماء أن هذا تلزمه الكفارة إذا حنث وأن هذين
اللفظين لا يجوز استعمالهما لغير الله تعالى
وما امتنع شرعا فهو كالمعدوم حسا
فتلزمه الكفارة وهذا بخلاف لو قال أردت بقولي والعليم والعزيز وغير ذلك من أسماء الله
تعالى أو كفالة الله وعهد الله وعلم الله وغير ذلك من صفاته التي تقدم بسطها بعض
مخلوقاته ممن هو عليم أو عزيز أو بعض صفات البشر من العلم والكفالة والعهد وغير
ذلك فأضفته إلى الله تعالى إضافة الخلق للخالق فإنا نسمع هذه النية وتفيده في
إسقاط الكفارة لأن هذه الألفاظ ليست نصوصا بل أسماء أجناس وقد قال جماعة من
العلماء إنها كنايات لا تكون يمينا إلا بالنية لقوة التردد عندهم والاحتمال وقد
حكيته فيما مضى عن الشافعية والحنابلة والحنفية وقالوا ذلك أيضا في الصفات
واشترطوا فيها الشهرة العرفية ونحن وإن لم نوافقهم على ذلك فنحن نلزمه الكفارة
بناء على الظهور والصراحة لا بناء على النصوصية التي لا تقبل المجاز فتأمل هذه
المواطن وما تفيد فيه نية المجاز وما لا تفيد فإنه فرق محتاج إليه في
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
بقولي والعليم والعزيز وغير ذلك من
أسماء الله تعالى أو بقولي كفالة الله وعهد الله وعلم الله وغير ذلك من صفاته التي
تقدم بسطها بعض مخلوقاته ممن هو عليم أو عزيز أو بعض صفات البشر من العلم والكفالة
والعهد فأضفته إلى الله تعالى إضافة الخلق للخالق فإنا نسمع هذه النية وتفيده في
إسقاط الكفارة لأن هذه الألفاظ ليست نصوصا بل أسماء أجناس وقد قال جماعة من العلماء
إنها كنايات لا تكون يمينا إلا
____________________
(3/113)
الفتيا والقضاء حاجة شديدة وقد اتضح
إيضاحا حسنا من فضل الله عز وجل
الفرق التاسع والعشرون والمائة بين
قاعدة الاستثناء وقاعدة المجاز في الأيمان والطلاق وغيرهما اعلم أن الاستثناء هو
ما كان بإلا وحاشا وخلا وعدا ولا يكون وليس وبقية أخواتها وهي إحدى عشرة أداة
مستوعبة في كتب النحو والمجاز هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة بينهما
وإذا علمت حقيقتهما فاعلم أنهما بحسب مواردهما التي يردان عليها كل واحد أعم من
الآخر من وجه وأخص من وجه وضابط الأعم من وجه والأخص من وجه أن يكون كل واحد منهما
يوجد منفردا ومع الآخر فينفرد كل واحد منهما بصورة ويجتمعان في صورة كالحيوان
والأبيض يوجد الأبيض بدون الحيوان في الجير والثلج والحيوان بدون الأبيض في الزنج
والجاموس ويجتمعان معا في كل حيوان أبيض كذلك الاستثناء والمجاز يوجد كل واحد
منهما في صورة لا يجوز وجود الآخر فيها ويجوز أن يجتمعا في صورة يجوز دخولهما فيها
وتكون قابلة لهما وأبين ذلك بالمثل مثال الصورة التي يدخلها الاستثناء دون المجاز ويمتنع
استعمال المجاز فيها أسماء الأعداد فلا يجوز إطلاق العشرة ويراد بها تسعة
وقد تقدم تقريره وما عليه في الفرق
الذي قبل هذا قال صاحب المقدمات الشيخ أبو الوليد بن رشد لا يجوز الاستثناء بإلا
من الأعداد وإن اتصل ما لم يبن كلامه عليه نحو والله لأعطينك ثلاثة دراهم إلا
درهما وكذلك أنت
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
بالنية لقوة التردد والاحتمال عندهم
وقد حكي فيما مضى عن الشافعية والحنابلة والحنفية وقالوا ذلك أيضا في الصفات
واشترطوا فيها الشهرة العرفية ونحن وإن لم نوافقهم على ذلك إلا أنا ألزمناه
الكفارة بناء على الظهور والصراحة لا بناء على النصوصية التي لا تقبل المجاز فتأمل
هذه المواطن واضبط ما تفيد فيه نية المجاز وما لا تفيد فيه فإنه فرق محتاج إليه في
الفتيا والقضاء حاجة شديدة وقد اتضح أيضا حسنا من فضل الله عز وجل والله أعلم
الفرق التاسع والعشرون والمائة بين قاعدة الاستثناء وقاعدة المجاز في الأيمان
والطلاق وغيرهما الاستثناء هو إخراج ما دخل لغة لا قصدا في مفهوم اللفظ العام بإلا
أو إحدى أخواتها وهي إحدى عشرة أداة مستوعبة في كتب النحو والمجاز هو اللفظ
المستعمل في غير ما وضع له في اصطلاح به التخاطب لعلاقة بينهما وقرينة مانعة من
إرادة المعنى الأصلي والنسبة بينهما بحسب مواردهما التي يردان عليها العموم
والخصوص الوجهي بحيث يجتمعان في صورة يجوز دخولهما معا فيها كالعمومات والظواهر
كلها تقول في العموم رأيت إخوتك إلا زيدا ورأيت إخوتك تريد دار إخوته أو أمير
إخوته لما بين الدار والأمير وبين الإخوة من الملابسة وتقول في الظواهر التي ليست
بعموم كلفظ الأسد والفرس رأيت أسدا
____________________
(3/114)
طالق ثلاثا إلا واحدة بخلاف العموم
وبخلاف الاستثناء بمشيئة الله فإنه يكفي فيه الاتصال وإن لم يبن الكلام عليه ومثال
الصورة التي يدخلها المجاز دون الاستثناء المعطوفات فإذا قلت رأيت زيدا وعمرا إلا
عمرا لم يجز لغة لما فيه من إبطال حكم عمرو وهو منصوص عليه فأنت مستثن لجملة ما
نطقت به في المعطوفات واستثناء جملة كلام منطوق به ممنوع وكذلك أعط زيدا درهما
ودرهما إلا درهما ممتنع لاستثناء جملة منطوق بها بخلاف أعطه ثلاثة دراهم إلا درهما
ويجوز المجاز في المعطوفات وأن يريد بالثاني غير الأول في الصورتين إحداهما
الأسماء المترادفة كقوله تعالى إنما أشكو بثي وحزني إلى الله
والحزن هو البث وقد أريد به الأول
ولو قلت أشكو بثي وحزني إلا حزني لم يجز وكذلك يجوز أن تقول أعطه برا وحنطة وتعطف
الشيء على نفسه إذا اختلف اللفظ كذلك نص عليه النحاة ولو قلت رأيت برا وحنطة إلا
حنطة لم يجز لأن الاستثناء إنما جعل لإخراج ما التف في الكلام وهو غير مراد وما
قصد بالعطف لا بد أن يكون مرادا فالجمع بينهما يقتضي أن يكون مرادا وغير مراد وهو
جمع بين النقيضين الصورة الثانية أن تكون الألفاظ متباينة غير مترادفة ويريد بالثاني
الأول على سبيل المجاز كقولك رأيت زيدا والأسد وتريد بالأسد زيدا لشجاعته فهذا
يجوز ولا يجوز دخول الاستثناء فيه لأنك أتيت باللفظ الثاني لقصد المبالغة بالمعنى
المجازي فإن قولك لزيد أسد
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
إلا يده أو فرسا إلا رأسه ورأيت أسدا
في الحمام تريد رجلا شجاعا وركبت فرسك تريد حماره الفاره الشبيه بالفرس في سرعة
الجري والفرق بين المجاز والاستثناء في هذا القسم الحاصل فيه اجتماعهما هو أن
المجاز يجوز فيه التجوز بجملة الاسم عن جميع المسمى إلى غيره كما عدلت عن الأسد
بجملته إلى الرجل الشجاع والاستثناء لا يجوز فيه استثناء جملة الأسد بل بعضه لأنه يشترط
فيه أن يبقى بعده شيء مما دخل عليه الاستثناء وينفرد الاستثناء عن المجاز في صورة
لا يدخلها إلا هو دون المجاز كأسماء الأعداد فقد تقدم في الفرق الذي قبل هذا تقرير
أنه لا يجوز إطلاق العشرة مرادا بها التسعة ولا مرادا بها العشر بضم العين مجازا
وتقرير ما عليه
وأما الاستثناء منها فقال صاحب
المقدمات الشيخ أبو الوليد ابن رشد لا يجوز الاستثناء بإلا من الأعداد وإن اتصل ما
لم يبن كلامه عليه نحو والله لأعطينك ثلاثة دراهم إلا درهما وكذلك أنت طالق ثلاثا
إلا واحدة بخلاف العموم وبخلاف الاستثناء بمشيئة الله تعالى فإنه يكفي فيه الاتصال
وإن لم يبن الكلام عليه ا ه وينفرد المجاز عن الاستثناء في صورة لا يدخلها إلا هو
دون الاستثناء كالمعطوفات فإنه لا يجوز فيها لغة الاستثناء بأن تقول رأيت عمرا
وزيدا إلا زيدا لما فيه من استثناء جملة ما نطقت به واستثناء جملة ما نطقت به
ممنوع ولأن ما قصد بالعطف لا بد أن يكون مرادا والاستثناء إنما جعل لإخراج ما التف
في الكلام وهو غير مراد فالجمع بينهما في المعطوف يقتضي أن يكون مرادا وغير مراد
وهو جمع بين النقيضين ويجوز في المعطوفات المجاز إما في نفس حرف العطف بأن تعطف به
الشيء
____________________
(3/115)
أبلغ من قولك شجاع
وإذا كان هذا المعنى مقصودا للعقلاء
في مخاطباتهم لا يجوز إبطاله بالاستثناء فهذان مثالان لما ينفرد به كل واحد منهما
عن صاحبه ومثال اجتماعهما في صحة الدخول فيه والاستعمال العمومات والظواهر كلها
يجوز دخول الاستثناء فيها والمجاز فتقول في العموم رأيت إخوتك إلا زيدا فهذا
استثناء وتقول رأيت إخوتك وتريد دار إخوته أو أمير إخوته لما بين الدار والأمير من
الملابسة هذا في العموم وأما الظواهر التي ليست بعموم نحو لفظ الأسد والفرس وجميع
أسماء الأجناس يجوز دخول المجاز فيها إذا وجدت العلاقة ودخول الاستثناء فتقول رأيت
أسدا إلا يده وإلا رأسه بشرط أن لا يستوعبه
وكذلك رأيت فرسا إلا رأسه ويجوز دخول
المجاز فتريد بالأسد زيدا الشجاع وبالفرس حماره الفاره لشبهه بالفرس في سرعة جريه
وقس على ذلك بقية أسماء الأجناس فهذا القسم يدخل فيه المجاز والاستثناء غير أن
المجاز لك أن تتجوز بجملة الاسم عن جميع المسمى إلى غيره كما عدلت عن الأسد بجملته
إلى الرجل الشجاع وليس لك استثناء جملة الأسد لأنه يشترط في الاستثناء أن يبقى
بعده شيء مما دخل عليه الاستثناء فهذا الوجه يقع به الفرق في هذا القسم لا في جواز
الدخول فقد ظهر لك أن الاستثناء يوجد في صورة لا يوجد فيها المجاز ويوجد المجاز في
صورة لا يوجد فيها الاستثناء ويجتمعان في صورة فيكون كل واحد منهما أعم من الآخر
من وجه وأخص من وجه وهو المطلوب وبه ظهر الفرق بين قاعدتيهما حتى يعلم في أي صورة
يجوز استعمال كل واحد منهما وفي أي صورة يمتنع ويفيد ذلك نفعا عظيما في الأيمان
والطلاق وغيرهما
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
على نفسه اكتفاء باختلاف اللفظ كما
في المترادفين في نحو قوله تعالى إنما أشكو بثي وحزني إلى الله والحزن هو البث
وقولك أعطه برا وحنطة نص على ذلك النحاة وإما في نفس المعطوف مع حرف العطف بأن
تعطف الألفاظ المتباينة مريدا بالثاني الأول مجازا كقولك رأيت زيدا والأسد تريد
بالأسد زيدا لشجاعته فأتيت باللفظ لقصد المبالغة بالمعنى المجازي فإن قولك لزيد
أسد أبلغ من قولك له شجاع لأن المجاز أبلغ من الحقيقة وإذا كان هذا المعنى مقصودا للعقلاء
في مخاطباتهم فلا يجوز إبطاله بالاستثناء وإذ قد ظهر لك أن الاستثناء يوجد في صورة
لا يوجد فيها المجاز وأن المجاز يوجد في صورة لا يوجد فيها الاستثناء وأنهما
يجتمعان في صورة فكان كل واحد منهما أعم من الآخر من وجه وأخص من وجه وهو المطلوب
وعلمت في أي صورة يجوز استعمال كل واحد منهما وفي أي صورة يمتنع ظهر لك الفرق بين
قاعدتيهما وأفادك ذلك نفعا عظيما في الأيمان والطلاق وغيرهما فإن من استعمل واحدا
منهما في مكان لا يجوز استعماله فيه بطل استعماله له ولزمه أصل الكلام الأول
بمقتضى وضع اللغة فاعلم ذلك فهي قاعدة الفقه والله أعلم
____________________
(3/116)
فإن من استعمل واحدا منهما في مكان
لا يجوز استعماله فيه بطل استعماله له ولزمه أصل الكلام الأول بمقتضى وضع اللغة
فاعلم ذلك فهي قاعدة الفقه
الفرق الثلاثون والمائة بين قاعدة ما
تكفي فيه النية في الأيمان وقاعدة ما لا تكفي فيه النية اعلم أن النية تكفي في
تقييد المطلقات وتخصيص العمومات وتعميم المطلقات وتعيين أحد مسميات الألفاظ
المشتركات وصرف اللفظ عن الحقائق إلى المجازات ولا تكفي عن الألفاظ التي هي أسباب
ولا عن لفظ مقصود وإن لم يكن سببا شرعيا ويتضح ذلك بذكر عشر مسائل المسألة الأولى
تقييد المطلقات إذا حلف ليكرمن رجلا ونوى به زيدا فلا يبرأ بإكرام غيره لأن رجلا مطلق
وقد قيده بخصوص زيد فصار معنى اليمين لأكرمن زيدا وكذلك إذا قيده بصفة في نيته ولم
يلفظ بها كقوله والله لأكرمن رجلا وينوي به فقيها أو زاهدا فلا يبرأ بإكرام غير
الموصوف بهذه الصفة فهذه صورة تقييد المطلقات
المسألة الثانية تخصيص العمومات
كقوله والله لا لبست ثوبا وينوي إخراج الكتان من
هامش أنوار البروق
قال الفرق الثلاثون والمائة بين
قاعدة ما تكفي فيه النية في الأيمان وقاعدة ما لا تكتفي فيه النية إلى آخر المسألة
الأولى قلت ما قاله في ذلك صحيح
قال المسألة الثانية تخصيص العمومات
كقوله والله لا لبست ثوبا وينوي إخراج الكتان من يمينه
هامش إدرار الشروق
@ 117 الفرق الثلاثون والمائة بين
قاعدة ما تكفي فيه النية في الأيمان وقاعدة ما لا تكفي فيه النية النية تكفي في
تقييد المطلقات وتخصيص العمومات وتعميم المطلقات وتعيين أحد مسميات الألفاظ
المشتركات وصرف اللفظ عن الحقائق إلى المجازات ولا تكفي عن الألفاظ التي هي أسباب
ارتفاع حكم اليمين شرعا كالاستثناء بمشيئة الله تعالى ولا عن لفظ مقصود للحالف وإن
لم يكن سببا شرعيا كلفظ الاستثناء فتكفي في خمسة أنواع وتؤثر فيها ولا تكفي في نوعين
ولا تؤثر فيهما وتتضح هذه السبعة بذكر عشر مسائل لتقييد المطلقات بلا خلاف مسألة
ولتخصيص العمومات بلا خلاف مسألة وللتقييد والتخصيص على الخلاف هل يؤثر بالنية أم
لا مسألة ولتعميم المطلقات مسألة ولتعيين مسميات الألفاظ المشتركات مسألة ولصرف
اللفظ عن الحقائق إلى المجازات مسألة ولعدم كفايتها عن اللفظ الذي هو سبب شرعي
مسألة ولعدم كفايتها عن لفظ مقصود للحالف وليس هو بسبب شرعي ثلاث مسائل المسألة
الأولى إذا حلف ليكرمن رجلا ونوى به زيدا لم يبر بإكرام غيره لأن رجلا مطلق وقد
قيده
____________________
(3/117)
يمينه فيصير هذا العموم مخصوصا بهذه
النية ولا يحنث إذا لبس الكتان لأنه قد أخرجه بنيته وقد تقدم الفرق بين قاعدة النية
المخصصة والنية المؤكدة أن القصد للكتان دون غيره لا يفيد وأن هنالك فرقا جليلا
جميلا فليطالع من هنالك
المسألة الثالثة المحاشاة كما قال
مالك إذا قال كل حلال علي حرام يلزمه الطلاق إلا أن يحاشي زوجته وقال الأصحاب يكفي
في المحاشاة مجرد النية والسبب في ذلك أنها تخصيص بعينه من غير زيادة ولا نقصان
والتخصيص يكفي فيه إرادة المتكلم فكفى في المحاشاة مجرد إرادة المتكلم فليست المحاشاة
شيئا غير التخصيص فاعلم ذلك فهذه هي مواطن الاكتفاء بالنية إجماعا المسألة الرابعة
في المواطن التي اختلف العلماء في الاكتفاء فيها بالنية وهو ما دل اللفظ عليه
التزاما قالت الحنفية لا تؤثر النية فيه تقييدا ولا تخصيصا وقالت بقية الفرق تؤثر
النية في المدلول التزاما كالمطابقة من غير فرق ومثلوا هذه المسألة بقول القائل
والله لا أكلت فقالت الفرق المالكية والشافعية يجوز أن ينوي مأكولا معينا فلا يحنث
بأكل غيره
هامش أنوار البروق
فيصير هذا العموم مخصوصا بهذه النية
ولا يحنث إذا لبس الكتان لأنه قد أخرجه بنيته قلت ليس هذا تخصيص العموم بل هو
الاستثناء بالنية وهو محل خلاف وأما التخصيص بالنية فهو أن يقصد ما عدا الكتان
خاصة ولا أراه إلا محل وفاق قال وقد تقدم الفرق بين قاعدة النية المخصصة والنية
المؤكدة إلى آخر المسألة قلت وقد تقدم الكلام معه هناك بما يقتضي أن الصحيح خلاف
قوله في ذلك
المسألة الثانية إذا قال والله لا
لبست ثوبا ونوى به ما عدا الكتان خاصة لم يحنث إذا لبس الكتان وإنما يحنث إذا لبس
غير الكتان لأن نيته خصصت الثوب المحلوف بعدم لبسه بما عدا الكتان وهو محل وفاق
كما قال ابن الشاط قال المسألة الثالثة المحاشاة
هامش إدرار الشروق
بخصوص زيد حتى صار معنى اليمين
لأكرمن زيدا وكذلك إذا قال لأكرمن رجلا ونوى به فقيها أو زاهدا لم يبر بإكرام غير
الموصوف بهذه الصفة وهذا موطن إجماع كما قال الأصل وابن الشاط
المسألة الثانية إذا قال والله لا
لبست ثوبا ونوى به ما عدا الكتان خاصة لم يحنث إذا لبس الكتان وإنما يحنث إذا لبس
غير الكتان لأن نيته خصصت الثوب المحلوف بعدم لبسه بما عدا الكتان وهو محل وفاق
كما قال ابن الشاط المسألة الثالثة اختلف العلماء في الاكتفاء بالنية في تقييد
المطلقات وتخصيص العمومات المدلول عليهما بغير الدلالة الوضعية المطابقية فقالت
الحنفية ولا تؤثر النية في ذلك تقييدا ولا تخصيصا وقالت بقية الفرق تؤثر النية في
المدلول التزاما وتضمنا تقييدا وتخصيصا كالمطابقة من غير فرق ومثلوا هذه المسألة
بقول القائل والله لا أكلت فقالت الفرق المالكية والشافعية والحنابلة يجوز أن ينوي
مأكولا معينا فلا يحنث بأكل غيره وقالت الحنفية لا يجوز دخول النية ها هنا وإن نوى
بطلت نيته وحنث بأي مأكول أكله لأن لفظ الفعل المتعدي لا يدل على المفعول الذي هو
المأكول بل ولا على الفاعل بالمطابقة بل إنما يدل على ذلك إما
____________________
(3/118)
وقالت الحنفية لا يجوز دخول النية ها
هنا وإن نوى بطلت نيته وحنث بأي مأكول أكله فإن اللفظ إنما دل مطابقة على نفي
الأكل الذي هو المصدر ومن لوازم مصدر الأكل مأكول ما وذلك المأكول لم يلفظ به فلا
يجوز دخول النية فيه لأنه مدلول التزامي واحتجوا على ذلك بأمور أحدها أن الأصل
اعتبار اللفظ المنطوق به بحسب الإمكان خالفنا ذلك فيما دل اللفظ عليه مطابقة وبقي
فيما عداه على الأصل ووجه المناسبة أن تحكيم النية في اللفظ باعتبار معناه فرع تناول
ذلك اللفظ لذلك المعنى والتناول إنما هو محقق في المطابقة والتضمن أما الالتزام
فتبع جاء من جهة العقل فتقرر اللفظ فيه ضعيف فتصرف النية فيه كذلك فلا يترك ما
أجمعنا عليه لهذا الضعيف المختلف فيه وثانيها أن الاستقراء دل على أن النية لا
تدخل إلا فيما دل اللفظ عليه مطابقة واعتبار النيات في الألفاظ أمر يتبع اللغة ألا
ترى أن اللغة لما لم تجوز النية في صرف أسماء الأعداد إلى المجازات امتنع فلا يجوز
أن تطلق العشرة وتريد بها التسعة وثالثها أنه لو صح دخول النية في المدلول
الالتزامي لصح المجاز في كل لازم المسمى بالنية والقصد إليه وليس كذلك لأن الأسد
يلزمه أوصاف كثيرة من البخر والحمى
هامش أنوار البروق
كما قال مالك رحمه الله إذا قال كل
حلال علي حرام يلزمه الطلاق إلا أن يحاشي زوجته وقال الأصحاب يكفي في المحاشاة
مجرد النية قلت المحاشاة هي الاستثناء بعينه قال والسبب في ذلك أنها تخصيص بعينه
من غير زيادة ولا نقصان إلى قوله فاعلم ذلك قلت الصحيح أن المحاشاة هي الاستثناء
بعينه لا التخصيص ولكن لما سبق له توهم أن إخراج بعض متناول اللفظ العام هو
التخصيص قال إن المحاشاة هي التخصيص وذلك غير صحيح
هامش إدرار الشروق
بالتضمن وإما بالالتزام على الخلاف
في كون النسبة لكل منهما داخلة في مفهوم الفعل وهو ما جزم به ابن الشاط وبه صرح
غير واحد من المحققين كالعضد والعصام والسيد والفتري وشيخ الإسلام الهروي وإليه
يشير تأييد التفتازاني قول العضد باستعارة الفعل باعتبار النسبة المبني على دخولها
فيه أو غير داخلة فيه وهو مفاد ابن مالك في الخلاصة حيث قال فيها المصدر اسم ما
سوى الزمان من مدلولي الفعل إلخ وعزاه الفناري في فصول البدائع إلى ابن الحاجب
والصبان في حواشي الأشموني للجمهور كما في بيانية الصبان والأنبابي عليها وقال
الصبان في بيانيته في شرح شيخنا إن الحق عدم دخولها فيه نعم الفعل ملحوظ فيه
النسبة إلى الفاعل أو نائبه مطلقا سواء قلنا إنها داخلة في مفهومه أو خارجة عنه
كما ذكره شيخنا وغيره ا ه المراد وحيث لم يدل على المأكول إلا بالتضمن أو الالتزام
ولم يلفظ به فلا يجوز دخول النية محتجين على ذلك بأمور أحدها أن الأصل اعتبار
اللفظ المنطوق به بحسب الإمكان وخالفنا ذلك فيما دل اللفظ عليه مطابقة
____________________
(3/119)
والوبر وكبر الرأس وغير ذلك ولا يصح
التجوز عنه إلا باعتبار الشجاعة خاصة ولا يصح دخول النية في غيرها حتى تصرف للمجاز
لأنا نشترط في مثل هذا المجاز وهو مجاز المشابهة أن تكون الصفة التي وقعت فيها
المشابهة أظهر صفات المحل المتجوز عنه وحجة المالكية والشافعية من وجوه أحدها أنا
أجمعنا على ما إذا قال والله لا أكلت أكلا أنه يصح أن ينوي بعض المآكل ويخرج البعض
بنيته مع أن أكلا مصدر وأجمع النحاة على أن التصريح به بعد الفعل إنما هو للتأكيد
نحو ضربت ضربا فإن الفعل دل عليه فذكره بعد ذلك يكون تكرارا لذكره فيكون تأكيدا لأنه
حينئذ مذكور مرتين والتأكيد حقيقته تقوية المعنى الأول من غير زيادة وإلا لكان
إنشاء لا تأكيدا وإذا لم يكن التأكيد منشئا كانت الأحكام الثابتة معه ثابتة قبله
لكن الثابت معه اعتبار النية فالثابت قبله اعتبار النية وهو المطلوب وثانيها أن
النية اعتبرت في المطابقة إجماعا مع قوة المعارض فأولى أن تعتبر مع
هامش أنوار البروق
وتوهمه ذلك هو الذي أوجب غلطه حيث
جزم بأن نية التخصيص لا تفيد مع توهمه أنه يشترط في التخصيص في النية ما يشترط في
التخصيص باللفظ وقد تقدم ذلك والكلام معه فيه في الفرق التاسع والعشرين قال فهذه
هي مواطن الاكتفاء بالنية إجماعا قلت ذلك صحيح إلا في المحاشاة فإن الخلاف فيها
معلوم
قال المسألة الرابعة في المواطن التي
اختلف العلماء في الاكتفاء فيها بالنية وهو ما دل اللفظ عليه التزاما قلت في قوله
ما دل اللفظ عليه التزاما عندي نظر فإن المصدر هو الذي يدل على معناه وهو
هامش إدرار الشروق
وبقي فيما عداه على الأصل ووجه ذلك
أن تحكيم النية في اللفظ باعتبار معناه فرع تناول ذلك اللفظ لذلك المعنى والتناول
إنما هو محقق في المطابقة وأما التضمن والالتزام فتبع جاء من جهة العقل وذلك لأن
دلالة الألفاظ وضعية لا عقلية ولم يوضع لفظ المسجد مثلا إلا لجملته لا لجملته
وبعضه الذي هو السقف مثلا ولازمه الذي هو أداء العبادة فيه مثلا وإلا لكان ذلك
اللفظ مشتركا واللازم باطل فلا دلالة للفظ المسجد على السقف ولا على أداء العبادة
أصلا نعم هنا أمر وهو أن من يذكر له لفظا يدل على مجموع أشياء بالوضع فإنه يتذكر
ما تركب منه ذلك المجموع فمن اعتقد هذا القدر وسمى هذا التذكر دلالة فلا حجر عليه لكنه
يدخل اللبس في كلامه على سامع ذلك منه حين يذكر هاتين الدلالتين اللتين معناهما
تذكر الشيء عند ذكر الشيء مع ذكره الدلالة الوضعية من جهة أن لفظ الدلالة لم يوقعه
على الوضعية والتذكر بالتواطؤ بل بالاشتراك وذلك مما يوقع الغلط كثيرا وإذا كانت
دلالة اللفظ على الجزء واللازم تبعا لدلالته على الكل والملزوم جاء من جهة العقل
لا من جهة الوضع والألفاظ إنما تدل وضعا لا عقلا كان تقرير
____________________
(3/120)
ضعف المعارض في دلالة الالتزام بطريق
الأولى وإنما قلنا إن المطابقة أقوى معارضة للنية لأن المطابقة هي الأصل المقصود
بوضع اللغة وغيرها إنما يفيده اللفظ تبعا لها والأصل أقوى من التابع ومع ذلك إذا
عارضت النية المطابقة وصرفت اللفظ عن مدلوله المطابقي للمجاز صح إجماعا مع أن
اللفظ يمنعها من ذلك ويقتضي مسماه بطريق الحقيقة فقد قدمت النية على اللفظ
المطابقي وهو أقوى في المعارضة من دلالة الالتزام فأولى أن تعتبر النية في دلالة الالتزام
ويصرف عموم اللازم إلى خصوصه وتقييد مطلقه وجميع ما أجمعنا عليه في المدلول
المطابقي بطريق الأولى وهو المطلوب وثالثها أنا وجدنا الاستثناءات في لسان العرب
دخلت على العوارض الخارجة عن المدلول المطابقي واللوازم ولفظ الاستثناء إنما هو
فرع عن إرادة المعنى الذي قصد لأجله الاستثناء فإن اللفظ تابع لإرادة المعنى فإنه
يقصد به إفهام السامع ما في نفس المتكلم فمتى دخل الاستثناء في المدلول التزاما دل
ذلك على دخول النية قبله في المدلول الالتزامي وبيان دخول الاستثناء في المدلول
التزاما أو بطريق العرض من وجوه أحدها قوله تعالى حكاية عن يعقوب عليه السلام
لتأتنني به إلا أن يحاط بكم هذا استثناء من الأحوال العارضة أو اللازمة لمعنى الإتيان
وتقدير الكلام
هامش أنوار البروق
القيام مثلا والضرب فأما القيام فيدل
بالالتزام على فاعله وأما الضرب فيدل بالالتزام أيضا على فاعله ومفعوله وأما الفعل
فهو مبني لوقوع المصدر من فاعله إن كان غير متعد أو من فاعله بمفعوله إن كان
متعديا وما بني اللفظ له أو ما تقيد به كيف يقال دل عليه اللفظ التزاما بل الأقرب
أن يدل عليه تضمنا والله أعلم
قال قالت الحنفية لا تؤثر النية فيه
تقييدا ولا تخصيصا إلى آخر احتجاجهم الأول قلت ما قالوه في أثناء احتجاجهم من أن
تناول اللفظ إنما هو محقق في المطابقة والتضمن ليس
هامش إدرار الشروق
اللفظ في الجزء واللازم ضعيفا فيكون
تصرف النية فيه كذلك فلا يترك ما أجمعنا عليه لهذا الضعيف المختلف فيه وثانيها أن
الاستقراء دال على أن النية لا تدخل إلا فيما دل اللفظ عليه مطابقة واعتبار النيات
في الألفاظ أمر يتبع اللغة ألا ترى أن اللغة لما لم تجوز النية في صرف أسماء
الأعداد إلى المجازات امتنع فلا يجوز أن تطلق العشرة وتريد بها التسعة وثالثها أنه
لو صح دخول النية في المدلول الالتزامي والتضمن لصح المجاز في كل لازم أو جزء
المسمى بالنية والقصد إليه وليس كذلك ألا ترى أن الأسد يلزمه أوصاف كثيرة من البخر
والحمى والوبر وكبر الرأس وغير ذلك ولا يصح التجوز عنه إلا باعتبار الشجاعة خاصة ولا
يصح دخول النية في غيرها حتى تصرف للمجاز لأنا نشترط في مثل هذا المجاز وهو مجاز
المشابهة أن تكون الصفة التي وقعت فيها المشابهة أظهر صفات المحل المتجوز عنه
فافهم وحجة المالكية والشافعية والحنابلة من وجوه أحدها أنا أجمعنا على ما إذا قال
والله لا أكلت أكلا أنه يصح أن ينوي بعض المآكل ويخرج البعض
____________________
(3/121)
لتأتنني به في كل حالة من الحالات
إلا في حال الإحاطة بكم فإني لا ألزمكم الإتيان به فيها لقيام العذر حينئذ وثانيها
قوله تعالى وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين وفي الآية
الأخرى إلا استمعوه وهم يلعبون أي لا يأتيهم في حالة من الأحوال إلا في هذه الحالة
من لهوهم وإعراضهم فقد قصد إلى حالة اللهو والإعراض بالإثبات ولغيرها من الأحوال
بالنفي والأحوال أمور خارجة عن المدلول المطابقي وإذا كانت خارجة فإن كانت الأحوال
اللازمة فقد دخلت النية في المدلول التزاما وإن كانت عارضة فقد دخلت النية في العوارض
وإذا دخلت في العوارض دخلت في اللوازم بطريق الأولى فإن العارض أبعد عن مدلول
اللفظ مطابقة من اللازم ضرورة فإذا تصرفت النية في البعيد أولى أن تتصرف في القريب
لأنه أشبه بالمطابقة المجمع عليها من العارض لبعده عن المطابقة وثالثها أنه قصد
إلى المدلول التزاما من غير استثناء بل بالنية المجردة ودل الدليل الخارجي على ذلك
وهو عين صورة النزاع ويدل عليه وجوه أحدها قوله تعالى حرمت عليكم الميتة والدم
ولحم الخنزير
هامش أنوار البروق
بصحيح لأن دلالة الألفاظ ليست عقلية
بل هي وضعية ولم يوضع لفظ المسجد مثلا إلا لجملته لا لجملته وبعضه وهو السقف مثلا
وإلا لكان ذلك اللفظ مشتركا وليس الكلام المفروض إلا على تقدير أن لفظ المسجد لم
يوضع للسقف وإذا كان الأمر كذلك فلا دلالة للفظ المسجد على السقف أصلا لأن الألفاظ
لا تدل عقلا وإنما تدل وضعا وقد عدم الوضع فلا دلالة له ألبتة نعم هنا أمر وهو أن
من يذكر له لفظ يدل على مجموع أشياء بالوضع فإنه يتذكر ما تركب منه ذلك المجموع أو
هامش إدرار الشروق
بنيته مع أن أكلا مصدر وأجمع النحاة
على أن التصريح به بعد الفعل إنما هو للتأكيد نحو ضربت ضربا فإن الفعل دل عليه
فذكره بعد ذلك يكون تكرارا لذكره فيكون تأكيدا وحقيقة التأكيد تقوية المعنى الأول
من غير زيادة وإلا لكان إنشاء لا تأكيدا وإذا لم يكن التأكيد منشأ كانت الأحكام
الثابتة معه ثابتة قبله لكن الثابت معه اعتبار النية فالثابت قبله اعتبار النية
وهو المطلوب وثانيها أن النية حيث اعتبرت مع قوة المعارض لها في المطابقة إجماعا
فلأن تعتبر مع ضعف المعارض لها في دلالتي التضمن والالتزام بطريق الأولى وكون
المطابقة أقوى معارض للنية من غيرها ظاهر من كونها هي الأصل المقصود بوضع اللغة
وغيرها إنما يفيده اللفظ تبعا لها والأصل أقوى من التابع وثالثها أنا وجدنا
الاستثناءات في لسان العرب دخلت على اللوازم والعوارض الخارجة عن المدلول المطابقي
ولفظ الاستثناء إنما هو فرع عن إرادة المعنى الذي قصد لأجله الاستثناء لأن اللفظ
تابع لإرادة المعنى فإنه يقصد به إفهام السامع ما في نفس المتكلم فمتى دخل
الاستثناء في المدلول التزاما دل ذلك على دخول النية قبله في المدلول الالتزامي
وبيان دخول الاستثناء في المدلول التزاما أو بطريق العرض من وجهين
____________________
(3/122)
والمدلول مطابقة في هذه الآية غير
مراد فإن الأعيان لا تحرم بل الأفعال المتعلقة بها وهي الأكل والتناول فقد قصدت
بالتحريم من غير لفظ يدل على ذلك مقارن بل الأدلة الخارجة أفادتنا ذلك وهذه
الأفعال إن كانت لازمة حصل المقصود لوجوه تصرف النية فيها بإضافة التحريم إليها
دون غيرها ولا سيما أن النية تعين في كل عين الفعل المناسب لها فتعين في الخمر الشرب
وفي الميتة الأكل وكذلك جميع الأعيان الواردة في النصوص وإن كانت هذه الأفعال
المقصودة عارضة وقد تصرفت النية فيها فالأولى أن تتصرف في اللازم لأن اللازم أقرب
للمطابقة من العارض وثانيها قوله تعالى حرمت عليكم أمهاتكم والمراد الاستمتاع
المتعلق بهن دون أعيانهن المذكورة في الآية ووجه التقدير ما تقدم في الخمر
والخنزير وثالثها قوله تعالى ما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن
يكره الموت وأنا أكره مساءته ولا يكون إلا ما أريد قال العلماء التردد على الله
تعالى محال غير أنه لما جرت العادة أن كل شخص أنت تعظمه وتهتم به فإنك تتردد في
مساءته نحو ولدك وصديقك ومن لا تعظمه كالعقرب
هامش أنوار البروق
لازم ذلك المجموع فمن اعتبر هذا
القدر وسمى هذا التذكر دلالة فلا حجر عليه لكنه يدخل اللبس في كلامه على سامع ذلك
منه حين يذكر هاتين الدلالتين اللتين معناهما تذكر الشيء عند ذكر الشيء مع ذكره
الدلالة الوضعية من جهة أن لفظ الدلالة لم يوقعه على الوضعية والتذكر بالتواطؤ بل
بالاشتراك وذلك مما يوقع الغلط كثيرا والله أعلم ولا كلام فيه قال وثانيها إلى آخر
احتجاجهم قلت ذلك نقل ولا كلام فيه
هامش إدرار الشروق
أحدهما قوله تعالى حكاية عن يعقوب
عليه السلام لتأتنني به إلا أن يحاط بكم فإن تقدير الكلام لتأتنني به في كل حالة
من الحالات إلا في حالة الإحاطة بكم فإني لا ألزمكم الإتيان به فيها لقيام العذر
حينئذ فهذا استثناء من الأحوال العارضة أو اللازمة لمعنى الإتيان وثانيها قوله
تعالى وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين وفي الآية الأخرى
إلا استمعوه وهم يلعبون أي لا يأتيهم في حالة من الأحوال إلا في هذه الحالة من
لهوهم وإعراضهم فقد قصد إلى حالة اللهو والإعراض بالإثبات ولغيرها من الأحوال بالنفي
والأحوال أمور خارجة عن المدلول المطابقي وإذا كانت الأحوال خارجة فإن كانت لازمة
فقد دخلت النية في المدلول التزاما وإن كانت عارضة فقد دخلت النية في العوارض وإذا
دخلت في العوارض دخلت في اللوازم بطريق الأولى فإن العارض أبعد عن مدلول اللفظ
مطابقة من اللازم ضرورة وإذا تصرفت النية في البعيد فأولى أن تتصرف في القريب لأنه
أشبه بالمطابقة المجمع عليها من العارض لبعده من المطابقة
____________________
(3/123)
والحية وعدوك فإنك إذا خطر بقلبك
إيلامه ومساءته لا تتردد في ذلك بل تبادر إليه فصار التردد لا يقع إلا في موطن
التعظيم وعدمه في موطن الحقارة وإن كان التردد في الإحسان انعكس الحال فيحصل في حق
الحقير دون العظيم إذا تقرر هذا قال العلماء المتحدثون على هذا الحديث المراد بذكر
التردد في هذا الحديث الدلالة على عظم منزلة المؤمن عند الله تعالى وعبر باللفظ
المركب عما يلزمه وهو نفسه ليس مرادا فيصير معنى الحديث منزلة المؤمن عندي عظيمة وجميع
ما وقع في مدلول هذا المركب ليس مرادا فقد قصد إلى لازم اللفظ وأضيف إليه الحكم
وهذا بعينه هو تصرف النية فإن النية هي القصد بعينه وإذا صح القصد صحت النية في
اللازم وهو المطلوب فهذه وجوه واضحة في دخول النيات والمقاصد في المدلول التزاما
في مقتضى اللغة وبها يظهر الجواب عما اعتمدوا عليه أما الأول وهو قولهم نفيناه
فيما عدا المطابقة على مقتضى الأصل فجوابه أن ما ذكرناه من الأدلة والاستعمالات دل
على مخالفة الأصل وأن العرب أجازت النية في الالتزام كما
هامش أنوار البروق
قال وحجة المالكية والشافعية من وجوه
إلى آخر الوجه الثالث قلت هذه الوجوه الثلاثة صحيحة جيدة قال وثالثها أنه قصد إلى
المدلول التزاما إلى قوله ووجه التقدير ما تقدم في الخمر والخنزير قلت ليس ما قاله
هنا من أن دلالة اللفظ في قوله تعالى حرمت عليكم الميتة دلالة التزام بصحيح بل هي
دلالة مطابقة عرفا وكانت الدلالة قبل العرف بلفظ الميتة دلالة مطابقة على الميتة
نفسها ثم صارت بعد العرف دلالة مطابقة على أكلها وكذلك كل دلالة عرفية إنما هي
دلالة مطابقة على ما صارت فيه عرفا قال وثالثها قوله تعالى ما ترددت في شيء أنا
فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره
هامش إدرار الشروق
ورابعها أنا وجدنا النية المجردة
تصرفت في المدلول التزاما وهو عين صورة النزاع في قوله تعالى في الحديث القدسي ما
ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته
ولا يكون إلا ما أريد قال العلماء المراد بذكر التردد في هذا الحديث الدلالة على
عظم منزلة المؤمن عند الله تعالى لأن العادة جرت أن كل شخص أنت تعظمه وتهتم به
كولدك وصديقك فإنك تتردد في مساءته وأن من لا تعظمه كالعقرب والحية وعدوك فإنك إذا
خطر بقلبك إيلامه ومساءته لا تتردد في ذلك بل تبادر إليه فصار التردد لا يقع إلا
في موطن التعظيم وعدمه في موطن الحقارة فإن كان التردد في الإحسان انعكس الحال
فيحصل في حق الحقير دون العظيم فيصير معنى الحديث منزلة المؤمن عندي عظيمة وجميع
ما وقع في مدلول هذا المركب ليس مرادا فقد قصد إلى لازم اللفظ وأضيف إليه الحكم
وهذا بعينه هو تصرف النية فإن النية هي القصد بعينه فإذا صح القصد في اللازم صحت
النية فيه وهو المطلوب فهذه وجوه أربعة واضحة في دخول النيات والمقاصد في المدلول
التزاما وكذا تضمنا في مقتضى اللغة وبها يظهر الجواب على ما اعتمدوا عليه
____________________
(3/124)
أجازتها في المطابقة ثم إن الأصل
معارض بأن الأصل عدم الحجر علينا
وأما الثاني وهو قولهم إن الاستقراء
دل على عدم دخول النية في المدلول التزاما فما ذكرناه من النصوص والاستعمالات يبطل
استقراءهم والمثبت مقدم على النافي
وأما الثالث وهو قولهم لو صح دخول
النية في المدلول التزاما لصح المجاز في كل شيء هو لازم قلنا وإنه كذلك فإنه يصح
عندنا التجوز لكل لازم لأن العلاقة عندنا الملازمة وهي حاصلة بل يصح عندنا المجاز في
غير اللازم كالتعبير بلفظ الجزء عن الكل مع أن الكل غير لازم للجزء وأما ما
ذكرتموه من المثال فذلك المنع إنما جاء من خصوص كونه مجاز تشبيه لا من عموم كونه
مجازا فإنا نشترط في مجاز التشبيه أظهر صفات المتجوز عنه ولا يصح التشبيه بالمعاني
الخفية فهذا بحث خاص بالاستعارة التي هي مجاز تشبيه وما عدا ذلك من أنواع المجاز
فهذا الشرط فيها ساقط ولا يلزم من امتناع أمر في الأخص أن يمتنع في الأعم منه فلا
يلزم إذا حرم قتل الإنسان أن يحرم قتل مطلق الحيوان ولا من تحريم شرب الخمر أن
يحرم مطلق المائع ولا من تحريم لحم الخنزير أن يحرم مطلق اللحم فلا يلزم من امتناع
خاص في مجاز التشبيه أن يحصل الامتناع في أصل المجاز بل الذي نعتقده أن التجوز يصح
في كل
هامش أنوار البروق
الموت وأنا أكره مساءته ولا يكون إلا
ما أريد إلى قوله في اللازم وهو المطلوب قلت ما قاله في ذلك صحيح
قال فهذه وجوه واضحة في دخول النيات
والمقاصد في المدلول التزاما في مقتضى اللغة قلت هو كما قال إلا ما وقع التنبيه
عليه من مثل قوله تعالى حرمت عليكم الميتة قال وبها يظهر الجواب عما اعتمدوا عليه
إلى آخر ما قاله في هذه المسألة قلت ما قاله في ذلك صحيح مع أنه لا شك أن الأصل
إنما هو النيات والمقاصد والألفاظ
هامش إدرار الشروق
أما الأول وهو قولهم نفيناه فيما عدا
المطابقة على مقتضى الأصل فجوابه أن ما ذكرناه من الأدلة والاستعمالات دل على
مخالفة الأصل وأن العرب أجازت النية في الالتزام كما أجازتها في المطابقة ثم إن
الأصل معارض بأن الأصل عدم الحجر علينا على أنه لا شك أن الأصل إنما هو النيات
والمقاصد وإنما الألفاظ وصلة إلى تعريفها وتعرفها فإذا صرفت النيات الألفاظ إلى
شيء أي شيء كان انصرفت إليه وأما الثاني وهو قولهم إن الاستقراء دل على عدم دخول
النية في المدلول التزاما أو تضمنا فجوابه أن ما ذكرناه من النصوص والاستعمالات
يبطل استقراءهم إذ المثبت مقدم على النافي وأما الثالث وهو قولهم لو صح دخول النية
في المدلول التزاما أو تضمنا لصح المجاز في كل شيء هو لازم أو جزء فجوابه أنه لا
مانع عندنا من صحة المجاز في كل لازم أو جزء لأن العلاقة عندنا الملازمة لا خصوص
المشابهة بل يصح عندنا المجاز في غير اللازم كالتعبير بلفظ الجزء عن الكل كما في
قوله تعالى فك رقبة مع أن الجزء غير لازم للكل حتى أنهم لذلك اشترطوا في هذه
العلاقة أن يكون الكل مركبا تركيبا حقيقيا وأن يستلزم انتفاء الجزء انتفاءه عرفا
كالرأس والرقبة بخلاف
____________________
(3/125)
لازم إلا ما تقدم من مجاز التشبيه
خاصة فهذا تلخيص هذه المسألة والحجاج فيها
المسألة الخامسة دخول النية في تعميم
المطلقات وصورته أن تقول والله لأكرمن أخاك وتنوي بذلك جميع إخوتك فإن قولك أخاك
مطلق فإذا أراد جميع إخوتك فقد عمم المطلق ومثله قوله تعالى ثم نخرجكم طفلا فإن
طفلا مطلق مفرد لا يتناول إلا فردا واحدا وهو القدر المشترك بين جميع الأطفال ومع
ذلك فالمراد به جميع الأطفال على سبيل العموم فإن جميعنا لا يخرج طفلا واحدا بل أطفالا
فمعنى الطفولية مضافة لكل بشر منا فيحصل العموم في الأطفال كما أنا نحن غير
متناهين وتوزيع الحقيقة الحاصلة من الطفولية على ما لا يتناهى يوجب أن يحصل منها
أفراد غير متناهية فقد ورد هذا المطلق في كتاب الله تعالى والمراد به العموم فإذا
أراد الحالف تعميم حكم اليمين بالنية كما إذا صرح بالعموم فإن كان في سياق الثبوت
فلا يبرأ إلا بحصول الفعل في جميع أفراد ذلك العموم وإن كان في سياق النفي حنث
بواحد من ذلك العموم وانحلت اليمين بأي فرد حنث فيه مع أن سياق النفي اللفظ فيه
عام فإن النكرة في سياق النفي تعم وإنما يظهر أثر ذلك وتأثير النية في سياق الثبوت
خاصة
هامش أنوار البروق
وصلت إلى تعريفها وتعرفها فإذا صرفت
النيات الألفاظ إلى شيء أي شيء كان انصرفت إليه والله أعلم
قال المسألة الخامسة دخول النية في
تعميم المطلقات وصورته أن تقول والله لأكرمن أخاك وتنوي بذلك جميع إخوتك فإن قولك
أخاك مطلق فإذا أراد جميع إخوتك فقد عمم المطلق قلت ليس ما قاله هنا بصحيح فإن
أخاك معرفة وليست المعرفة مطلقة في عرف الأصوليين وإنما المطلق في عرفهم النكرة في
سياق الإثبات فكان حقه أن يقول والله لأكرمن أخاك وما أشبه
هامش إدرار الشروق
الأرض للسماء والأرض والظفر والأذن
للإنسان ا ه
أي واليد كما في المطول قال فيه وأما
إطلاق العين على الربيئة فليس من حيث إنه إنسان بل من حيث إنه رقيب وهذا المعنى
مما لا يتحقق بدون العين ا ه كذا في بيانية الصبان وما ذكروه من منع استعمال الأسد
في غير الشجاعة من لوازمه فهو إنما جاء من خصوص كونه مجاز تشبيه يشترط فيه أظهر
صفات المتجوز عنه فلا يصح بالمعاني الخفية لا من عموم كونه مجازا ولا يلزم من
امتناع أمر في الأخص أن يمتنع في الأعم منه ألا ترى أن تحريم قتل الإنسان لم يلزم
منه تحريم قتل مطلق حيوان ولا من تحريم شرب الخمر تحريم مطلق مائع ولا من تحريم
لحم الخنزير تحريم مطلق اللحم فالذي نعتقده أن المجاز يصح في كل لازم إلا ما تقدم
من مجاز التشبيه خاصة هذا تلخيص هذه المسألة والحجاج فيها
المسألة الرابعة إذا قال والله
لأكرمن أخا لك أو والله لا أكرمن أخاك ونوى بذلك جميع إخوتك لم يبر في الأول إلا
بإكرام جميع إخوة المخاطب ولم يحنث في الثاني إلا بإكرام جميع إخوة المخاطب لأن
أخا في الأول وإن كان مطلقا لكونه نكرة في الإثبات إلا أن النية صرفته للعموم
____________________
(3/126)
المسألة السادسة تعيين فرد من أفراد
اللفظ المشترك بالنية فإنه يؤثر في تعيين ذلك الفرد لليمين كقوله والله لأنظرن إلى
عين ويريد بهذا اللفظ المشترك أحد مسمياته وهو العين الباصرة مثلا دون عين الماء
وعين الشمس وعين الركبة فلا يبرأ إلا أن ينظر إلى الباصرة بسبب تعيينها بالنية
فهذا قسم يستقل بنفسه دون تخصيص العمومات وتقييد المطلقات والصرف إلى المجازات لأن
اللفظ ينطبق على ما عينه حقيقة من غير زيادة ولا نقصان وفي بقية الصور ليس كذلك
المسألة السابعة تصرف النية بالصرف
إلى المجازات وترك حقيقة اللفظ بالكلية كقوله والله لأضربن أسدا ويريد رجلا شجاعا
فلا يبرأ إلا بضرب رجل شجاع ولو ضرب الأسد الحقيقي ما بر وكذلك بقية أنواع
المجازات من استعمال لفظ الكل في الجزء ولفظ الجزء في الكل ولفظ السبب في المسبب
ولفظ المسبب في السبب ولفظ الملزوم في اللازم ولفظ اللازم في الملزوم إلى غير ذلك
من أنواع المجازات المذكورة في أصول الفقه وهي نحو خمسة عشر نوعا فهذه المسائل
السبعة هي تفصيل ما يؤثر فيه النية مستوعبة بحيث لم يبق بعدها موطن آخر للنية
ألبتة في الأيمان والطلاق ونحوها
المسألة الثامنة وهي من المسائل التي
لا تؤثر فيها النية وهي مسألة الاستثناء بمشيئة
هامش أنوار البروق
ذلك وإنما أوجب غلطه في ذلك شبهة
الاشتراك في لفظ المطلق باعتبار اصطلاح الأصوليين والمنطقيين فإن اصطلاح الأصوليين
في المطلق أنه الواحد المبهم وفي اصطلاح المنطقيين الكلي وقد يكون نكرة كما في
قولهم تمرة خير من جرادة ومعرفة بالألف واللام كقولهم الرجل خير من المرأة ومعرفة
بالإضافة كقولهم أخاك أخاك إن من لا أخا له كساع إلى الهيجا بغير سلاح فإنه لم يرد
أخا معينا ولا أخا واحدا مبهما وإنما أراد هذا النوع على الجملة
هامش إدرار الشروق
وأخاك في الثاني وإن كان مطلقا لكونه
معرفة في سياق النفي إلا أن النية صرفته للعموم
وكذلك ما قال في المسألة السادسة إلا
عبارته بفرد عن أحد مسميات اللفظ المشترك فإن الأولى كان أن يقول تعين أحد مسميات
اللفظ المشترك لأن الفرد في الاستعمال الغالب إنما يراد به الواحد الشخصي لا
الواحد النوعي المسألة الخامسة إذا قال والله لأنظرن إلى عين ونوى بهذا اللفظ
المشترك أحد مسمياته وهو العين الباصرة مثلا دون عين الماء وعين الشمس وعين الركبة
فلا يبر إلا أن ينظر إلى الباصرة بسبب تأثير النية في تعيين أحد مسميات اللفظ
المشترك فهذا قسم يستقل بنفسه دون تخصيص العمومات وتقييد المطلقات والصرف إلى المجازات
لأن اللفظ ينطبق على ما عينته النية حقيقة من غير زيادة ولا نقصان بخلاف بقية
الصور وجميع ما قال في المسألة السابعة صحيح المسألة السادسة إذا قال والله لأضربن
أسدا ونوى به رجلا شجاعا لا الأسد الحقيقي الذي هو الحيوان المفترس لم يبر إلا
بضرب رجل شجاع فلو ضرب الأسد الحقيقي ما بر وكذلك بقية أنواع المجاز المرسل
العشرين من استعمال لفظ الكل في الجزء ولفظ الجزء في الكل ولفظ السبب في المسبب
ولفظ المسبب في السبب ولفظ الملزوم في اللازم ولفظ اللازم في الملزوم إلى آخر العشرين
المذكورة في كتب أصول الفقه وكتب البيان فهذه المسائل الستة هي تفصيل ما تؤثر
النية في الأيمان أو الطلاق ونحوهما
قال المسألة الثامنة وهي من المسائل
التي لا تؤثر فيها النية وهي مسألة الاستثناء بمشيئة الله تعالى إلى آخرها قلت ما
قاله في هذه المسألة فيه نظر من جهة أن الاستثناء بمشيئة الله تعالى لا تأثير له إلا
إن كان مقصودا به رفع اليمين أو حلها فهو أعني الاستثناء بمشيئة الله تعالى دليل
على قصد رفع اليمين وإذا كان الأمر كذلك فما المانع من الاكتفاء بقصد رفع اليمين
الذي لفظ الاستثناء بمشيئة الله تعالى دليل عليه إلا أن يكون في بعض روايات حديث
الاستثناء بمشيئة الله تعالى ما يدل على اشتراط اللفظ بذلك دون القصد فقط ولا أعلم
ذلك الآن فلينظر فإن المسألة لا ينبني التحقيق فيها إلا على ذلك وما نظر به من أن
القصد إلى الصلاة لا ينوب منابها وكذلك ما عداها من الأعمال إنما كان فيها ذلك
كذلك لأنه فهم من مقتضى الشرع أن المراد أعيان تلك الأعمال فإن ورد دليل واضح على
أن المراد عين استثناء المشيئة لفظا استوى الأمر في الاستثناء وسائر الأعمال وإلا
فلا وما حكاه عن اللخمي متجه ولقائل أن يقول إذا ثبت اشتراط اللفظ في الاستثناء
بمشيئة الله تعالى فلا بد منه وإن انعقدت اليمين على نية القول بذلك والله أعلم
____________________
(3/127)
الله تعالى وسبب عدم تأثيرها في هذه
المسألة أن قوله صلى الله عليه وسلم من حلف واستثنى عاد كمن لم يحلف يقتضي أن
الاستثناء بالمشيئة سبب رافع لحكم اليمين لأن القاعدة أن ترتب الحكم على الوصف
يقتضي علية ذلك الوصف لذلك الحكم وسببيته وها هنا قد رتب صاحب الشريعة حكم ارتفاع
اليمين على وصف الاستثناء بمشيئة الله تعالى فيكون الاستثناء بمشيئة الله تعالى هو
سبب ارتفاع حكم اليمين لقوله عليه الصلاة والسلام عاد كمن لم يحلف وهذا إشارة إلى
ارتفاع حكم اليمين فإذا كان الاستثناء هو سبب ارتفاع حكم اليمين والقاعدة أن الأسباب
الشرعية يتوقف حصول مسبباتها على حصولها وأن القصد إليها لا يقوم مقامها فإن القصد
إلى الصلاة لا يقوم مقام الصلاة حتى يكون سبب براءة الذمة منها والقصد إلى السرقة
لا يقوم مقام السرقة فيجب القطع بمجرد القصد بل لا يترتب الحكم إلا على وجود سببه
فلذلك لم تقم النية مقام الاستثناء بمشيئة الله تعالى في حل اليمين بل لا بد من
النطق به على شروطه وحينئذ يترتب رفع اليمين فهذا وجه عدم تأثيرها في مسألة
المشيئة
هامش أنوار البروق
قال ومثله قوله تعالى ثم نخرجكم طفلا
فإن طفلا مطلق مفرد لا يتناول إلا فردا واحدا وهو القدر المشترك بين الأطفال قلت
هذا كلام فاسد وقول غير صحيح فإن القدر المشترك وهو الكلي ليس فردا واحدا عند
مثبتيه وإنما الفرد الواحد واحد مبهم غير معين مما فيه المعنى المشترك وهو أشهر
نوعي النكرة وأكثرهما استعمالا في لغة العرب فإن النكرة في لغة العرب على نوعين
أحدهما يراد به الفرد المبهم في مثل قول القائل أكرم رجلا وثانيهما يراد به هذا الجنس
لا فرد منه مبهم في مثل قول القائل رجل خير من امرأة
هامش إدرار الشروق
المسألة السابعة إذا قال والله
لأضربن غلامي ونوى إن شاء الله أو إلا أن يشاء الله لم تؤثر نيته في ارتفاع حكم
اليمين بسبب أن قوله صلى الله عليه وسلم من حلف واستثنى عاد كمن لم يحلف يقتضي أن
الاستثناء بالمشيئة سبب رافع لحكم اليمين لأن القاعدة أن ترتب الحكم على الوصف
يقتضي علية ذلك الوصف لذلك الحكم وسببيته وها هنا قد رتب صاحب الشريعة حكم ارتفاع
اليمين على وصف الاستثناء بمشيئة الله تعالى فيكون الاستثناء بمشيئة الله تعالى هو
سبب ارتفاع حكم اليمين لقوله عليه الصلاة والسلام عاد كمن لم يحلف وهذا إشارة إلى
ارتفاع حكم اليمين فإذا كان الاستثناء هو سبب ارتفاع حكم اليمين والقاعدة أن
الأسباب الشرعية يتوقف حصول مسبباتها على حصولها وأن القصد إليها لا يقوم مقامها
بدليل أن القصد إلى الصلاة لا يقوم مقام الصلاة حتى يكون سبب براءة الذمة منها وأن
القصد إلى السرقة لا يقوم مقام السرقة فيجب القطع بمجرد القصد بل لا يترتب الحكم
إلا على وجود سببه بالفعل فلذلك لم تقم النية مقام الاستثناء بمشيئة الله تعالى في
حل اليمين بل لا بد من النطق به على شروطه وحينئذ يترتب رفع اليمين نعم قال اللخمي
وعلى القول بانعقاد اليمين بالنية يصح الاستثناء بالنية من غير لفظ المشيئة قاله
الأصل قال ابن الشاط وفيه نظر من جهة أن الاستثناء بمشيئة الله تعالى لا تأثير له
إلا إن كان مقصودا به رفع
____________________
(3/128)
قال اللخمي وعلى القول بانعقاد
اليمين بالنية يصح الاستثناء بالنية من غير لفظ المشيئة
المسألة التاسعة التي لا تؤثر فيها
النية الاستثناء من النصوص نحو أنت طالق ثلاثا إلا واحدة ووالله لأعطينك ثلاثة
دراهم إلا درهما فلو نوى بالطلاق الثلاث طلقتين وبالدراهم الثلاث درهمين فهذا لا
يصح إلا بالاستثناء ولا تكفي هذه النية لأنها لو كفته لدخل المجاز في النصوص وهو
لا يدخل فيها ولا معنى للمجاز إلا استعمال الثلاث في الاثنين وإنما يصح المجاز في الظواهر
وقد تقدم بيانه فلا يمكن أن تقوم النية ها هنا مقام الاستثناء ألبتة المسألة
العاشرة التي لا تنوب فيها النية ولا تؤثر قال اللخمي قال محمد إذا قال والله لقيت
القوم ونوى في نفسه إلا فلانا لا تجزئ فيه النية عن قوله إلا فلانا ويحنث لأنه لم
يلقه وسبب ذلك أنه لو قصد التخصيص والمحاشاة نفعه لأنه مجاز في الظاهر والمجاز في
الظاهر تكفي فيه النية ولكنه قصد إلى الإخراج باللفظ ولم يقصد الإخراج بالنية
والنية شأنها أن تؤثر لا أنها تقوم مقام مؤثر آخر ويضاف التأثير لذلك المؤثر الآخر
وهو قصد أن يكون الإخراج للاستثناء لا للنية
هامش أنوار البروق
قال ومع ذلك فالمراد به جميع الأطفال
على سبيل العموم فإن جميعنا لا يخرج طفلا واحدا بل أطفالا إلى قوله فقد ورد هذا
المطلق في كتاب الله تعالى والمراد به العموم قلت لا يصح أن يكون المراد به في
الآية العموم فإن العموم لا بد أن يكون متناولا لجميع الآحاد الممكنة ولا يتجه ذلك
في الآية إذ لو قال ونخرجكم جميع الأطفال الممكنة لم يكن كلاما صحيحا وإنما العموم
في الآية مستفاد من ضمير الجمع المتصل بنخرج وهو عموم في المخرجين لا في كل ممكن
ثم جاء لفظ طفل مبينا للحالة التي يكون الإخراج فيها وهي حالة الطفولية إما على
تقدير ونخرج كل
هامش إدرار الشروق
اليمين أو حلها فهو أعني الاستثناء
بمشيئة الله تعالى دليل على قصد رفع اليمين وإذا كان الأمر كذلك فما المانع من
الاكتفاء بقصد رفع اليمين الذي لفظ الاستثناء بمشيئة الله تعالى دليل عليه اللهم
إلا أن يكون في بعض روايات حديث الاستثناء بمشيئة الله تعالى ما يدل على اشتراط
اللفظ بذلك فقط دون القصد ولا أعلم ذلك الآن فلينظر فإن المسألة لا ينبني التحقيق
فيها إلا على ذلك وما نظر به من أن القصد إلى الصلاة لا ينوب منابها وكذلك ما
عداها من الأعمال إنما كان فيها ذلك كذلك لأنه فهم من مقتضى الشرع أن المراد أعيان
تلك الأعمال فإن ورد دليل واضح على أن المراد عين استثناء المشيئة لفظا استوى
الأمر في الاستثناء وسائر الأعمال وإلا فلا وما حكاه عن اللخمي متجه ولقائل أن
يقول إذا ثبت اشتراط اللفظ في الاستثناء بمشيئة الله تعالى فلا بد منه وإن انعقدت
اليمين على نية القول بذلك والله أعلم ا ه
وما قاله في المسألة التاسعة
والعاشرة صحيح ظاهر والله أعلم المسألة الثامنة إذ قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة
ووالله لأعطينك ثلاثة دراهم إلا درهما لم يلزمه إلا طلقتان في الأول ويبر بإعطاء
المخاطب درهمين في الثاني فلو ترك التصريح بقوله إلا واحدة في الأول وإلا درهما في
الثاني واكتفى بنية ذلك لم تكفه هذه النية لأنها لو كفته لدخل المجاز في النصوص
وهو لا يدخل
____________________
(3/129)
ونوى الاستثناء فمن ها هنا هو سبب
عدم تأثيرها وعدم اعتبارها ولو قصد الإخراج بها هي نفعه لكن قصد بها لفظا مخرجا لا
الإخراج قال وقيل تنفعه النية وتنوب مناب الاستثناء لحصول المقصود منهما على حد
سواء
هامش أنوار البروق
واحد منكم لأن ونخرجكم في معناه وإما
على أن طفلا اسم جنس فناب مناب اسم الجمع كناس ونفر والله أعلم قال فإذا أراد
الحالف تعميم حكم اليمين بالنية كما إذا صرح بالعموم إلى آخر المسألة قلت ما قاله
في ذلك صحيح
وكذلك ما قال في المسألة السادسة إلا
عبارته بفرد عن أحد مسميات اللفظ المشترك فإن الأولى كان أن يقول تعين أحد مسميات
اللفظ المشترك لأن الفرد في الاستعمال الغالب إنما يراد به الواحد الشخصي لا
الواحد النوعي المسألة الخامسة إذا قال والله لأنظرن إلى عين ونوى بهذا اللفظ
المشترك أحد مسمياته وهو العين الباصرة مثلا دون عين الماء وعين الشمس وعين الركبة
فلا يبر إلا أن ينظر إلى الباصرة بسبب تأثير النية في تعيين أحد مسميات اللفظ
المشترك فهذا قسم يستقل بنفسه دون تخصيص العمومات وتقييد المطلقات والصرف إلى المجازات
لأن اللفظ ينطبق على ما عينته النية حقيقة من غير زيادة ولا نقصان بخلاف بقية
الصور وجميع ما قال في المسألة السابعة صحيح المسألة السادسة إذا قال والله لأضربن
أسدا ونوى به رجلا شجاعا لا الأسد الحقيقي الذي هو الحيوان المفترس لم يبر إلا
بضرب رجل شجاع فلو ضرب الأسد الحقيقي ما بر وكذلك بقية أنواع المجاز المرسل
العشرين من استعمال لفظ الكل في الجزء ولفظ الجزء في الكل ولفظ السبب في المسبب
ولفظ المسبب في السبب ولفظ الملزوم في اللازم ولفظ اللازم في الملزوم إلى آخر
العشرين المذكورة في كتب أصول الفقه وكتب البيان فهذه المسائل الستة هي تفصيل ما
تؤثر النية في الأيمان أو الطلاق ونحوهما
قال المسألة الثامنة وهي من المسائل
التي لا تؤثر فيها النية وهي مسألة الاستثناء بمشيئة الله تعالى إلى آخرها قلت ما
قاله في هذه المسألة فيه نظر من جهة أن الاستثناء بمشيئة الله تعالى لا تأثير له إلا
إن كان مقصودا به رفع اليمين أو حلها فهو أعني الاستثناء بمشيئة الله تعالى دليل
على قصد رفع اليمين وإذا كان الأمر كذلك فما المانع من الاكتفاء بقصد رفع اليمين
الذي لفظ الاستثناء بمشيئة الله تعالى دليل عليه إلا أن يكون في بعض روايات حديث
الاستثناء بمشيئة الله تعالى ما يدل على اشتراط اللفظ بذلك دون القصد فقط ولا أعلم
ذلك الآن فلينظر فإن المسألة لا ينبني التحقيق فيها إلا على ذلك وما نظر به من أن
القصد إلى الصلاة لا ينوب منابها وكذلك ما عداها من الأعمال إنما كان فيها ذلك
كذلك لأنه فهم من مقتضى الشرع أن المراد أعيان تلك الأعمال فإن ورد دليل واضح على
أن المراد عين استثناء المشيئة لفظا استوى الأمر في الاستثناء وسائر الأعمال وإلا
فلا وما حكاه عن اللخمي متجه ولقائل أن يقول إذا ثبت اشتراط اللفظ في الاستثناء
بمشيئة الله تعالى فلا بد منه وإن انعقدت اليمين على نية القول بذلك والله أعلم
وما قاله في المسألة التاسعة والعاشرة صحيح ظاهر والله أعلم
هامش إدرار الشروق
فيها ولا معنى للمجاز إلا استعمال الثلاث
في الاثنين وإنما يصح المجاز في الظواهر وقد تقدم بيانه فلا يمكن أن تقوم النية ها
هنا مقام الاستثناء ألبتة المسألة التاسعة إذا قال كل حلال علي حرام وحاشى زوجته
أي نوى إخراجها من مفهوم الحلال جرى في ذلك خلاف أهل المذهب في الاستثناء بالنية
هل يجزئ فلا يلزمه الطلاق أو لا فيلزمه الطلاق وقد تقدم في الفرق التاسع والعشرين
عن صاحب الجواهر أن منشأ هذا الخلاف النظر إلى أنه من باب تخصيص العموم فيجزئ
بالنية أو النظر إلى حقيقة الاستثناء فلا يجزئ إلا نطقا ا ه
المسألة العاشرة قال اللخمي قال محمد
إذا قال والله لقيت القوم ونوى في نفسه إلا فلانا لا تجزئ فيه النية عن قوله إلا
فلانا ويحنث لأنه لم يلقه وسبب ذلك أنه قصد بالنية اللفظ المخرج أعني قوله إلا
فلانا ولم يقصد بها الإخراج والنية شأنها أن تؤثر لا أنها تقوم مقام مؤثر آخر
ويضاف التأثير لذلك المؤثر الآخر وهو قصد أن يكون الإخراج للاستثناء لا للنية ونوى
الاستثناء فهذا هو سبب عدم تأثيرها وعدم
____________________
(3/130)
والمحل قابل لهما بخلاف ما لو أقامها
مقام الاستثناء في النصوص نحو الإخراج من العشرة فإنه لا ينفعه ذلك لأن المحل ليس
قابلا للمجاز ألبتة فلا تؤثر فيه النية بمفردها فلا تقوم مقام الاستثناء فيه بخلاف
الألفاظ الظواهر فتأمل هذه الفروق فهذه عشر مسائل اتضح بها الفرق بين قاعدة ما
تؤثر فيه النية وقاعدة ما لا تؤثر فيه النية سبعة منها تؤثر فيها النية وثلاثة لا
تؤثر فيها فهذا بيان الفرق تفصيلا وقد تقدم أول الفرق تحريره على سبيل الإجمال
والتحديد
الفرق الحادي والثلاثون والمائة بين
قاعدة الانتقال من الحرمة إلى الإباحة يشترط فيها أعلى الرتب وبين قاعدة الانتقال من
الإباحة إلى الحرمة يكفي فيها أيسر الأسباب وقعت في الشريعة صور كثيرة تقتضي الفرق
بين هاتين القاعدتين أحدها أن العقد على الأجنبية مباح فترتفع هذه الإباحة بعقد
الأب عليها من غير وطء والمبتوتة لا يذهب تحريمها إلا بعقد المحلل ووطئه وعقد
الأول بعد العدة وهذه رتبة فوق تلك الرتبة الناقلة عن الإباحة بكثير
هامش أنوار البروق
قال الفرق الحادي والثلاثون والمائة
بين قاعدة الانتقال من الحرمة إلى الإباحة يشترط فيها أعلى الرتب وبين قاعدة
الانتقال من الإباحة إلى الحرمة يكفي فيها أيسر الأسباب إلى قوله لا بد من بيانه
قلت ما قاله في ذلك ظاهر
هامش إدرار الشروق
اعتبارها أما لو قصد الإخراج بها هي
فإنه ينفعه قصده ذلك على الخلاف المتقدم قال أي اللخمي وقيل تنفعه النية وتنوب
مناب الاستثناء لحصول المقصود منهما على حد سواء والمحل قابل لهما بخلاف ما لو
أقامها مقام الاستثناء في النصوص نحو الإخراج من العشرة فإنه لا ينفعه ذلك لأن
المحل ليس قابلا للمجاز ألبتة فلا تؤثر فيه النية بمفردها فلا تقوم مقام الاستثناء
فيه فتأمل فهذا بيان الفرق إجمالا وتفصيلا والله أعلم الفرق الحادي والثلاثون
والمائة بين قاعدة الانتقال من الحرمة إلى الإباحة يشترط فيها أعلى الرتب وبين
قاعدة الانتقال من الإباحة إلى الحرمة يكفي فيها أيسر الأسباب يقتضي الفرق بين
هاتين القاعدتين صورا كثيرة وقعت في الشريعة منها أن عقدك على الأجنبية مباح ترتفع
إباحته لك بمجرد عقد أبيها نكاحها لغيرك ومجرد العقد من أيسر الأسباب والمبتوتة لا
يذهب تحريمها إلا بعقد المحلل ووطئه ثم عقد البات بعد العدة وهذه رتبة فوق تلك
الرتبة الناقلة عن الإباحة بكثير
____________________
(3/131)
وثانيها المسلم محرم الدم لا تذهب
هذه الحرمة إلا بالردة أو زنى بعد إحصان أو قتل نفسا عمدا عدوانا وهي أسباب عظيمة
فإذا أبيح دمه بالردة حرم بالتوبة وفي القصاص بالعفو وفي الزنى بالتوبة على خلاف
بين العلماء أما عند مالك فلا بد من رجمه ولو تاب ووقع الاتفاق فيما علمت على
المحارب إذا تاب من قبل أن يقدر عليه أنه يسقط عنه الحد وتزول إباحة دمه والتوبة
أيسر من الردة والقتل وأقل تحتيما على العبد وثالثها الأجنبية لا يزول تحريم وطئها
إلا بالعقد المتوقف على إذنها ووليها وصداق وشهود وإباحتها بعد العقد يكفي فيها
الطلاق فترتفع تلك الإباحة بالطلاق الذي يستقل الزوج به من غير زيادة ورابعها الحربي
مباح الدم تزول إباحته بالتأمين وهو سبب لطيف وإذا حرم دمه بالتأمين لا يباح إلا
بسبب قوي يزيل تلك الإباحة من خروج علينا أو قصد لقتلنا حرابة وخروجنا على الإمام
العدل وكذلك تزول إباحة دمه بعقد الجزية فإذا حرم دمه بعقد الجزية لا يباح دمه بكل
المخالفات لعقد الجزية بل لا بد من مخالفة قوية كالتمرد على الإمام ونبذ العهد
مجاهرة وغير ذلك من الأمور المحتاجة إلى قوة شديدة ومناقشة عظيمة
هامش أنوار البروق
قال وخرج بعض الأصحاب هذه المسألة على
قاعدة الأمر والنهي إلى قوله بل الأربع واجبة قلت ما قاله في ذلك ليس بصحيح فإنه
كما أن الأمر بالشيء أمر بأجزائه لضرورة تحصيله ولا يتأتى تحصيله إلا بتحصيل
أجزائه كذلك النهي عن الشيء نهي عن أجزائه لضرورة تفويته ولا يتأتى تفويته إلا
بتفويت أجزائه فإن أجزاء الشيء لا تكون أجزاء له حقيقة إلا بتقدير اجتماعها وأما
قبل اجتماعها فليست بأجزاء له حقيقة بل بضرب من المجاز وهو أنها صالحة لأن تكون
أجزاء له إذا اجتمعت وكثيرا ما يجري هذا الوهم على كثير من الناس في مثل هذه
المسألة فيعتقد أن جزء الشيء
هامش إدرار الشروق
ومنها المسلم محرم الدم ولا تذهب هذه
الحرمة إلا بالردة أو زنى بعد إحصان أو قتل نفس عمدا عدوانا أو حرابة وهي أسباب
عظيمة فإذا أبيح دمه بالردة حرم بالتوبة أو أبيح بقتل النفس عمدا فوجب عليه القصاص
حرم بالعفو أو أبيح بزنى بعد الإحصان حرم بالتوبة على خلاف بين العلماء أما عند
مالك فلا بد من رجمه ولو تاب أو أبيح بالحرابة حرم بتوبته من قبل أن يقدر عليه
اتفاقا لقول الأصل وقع الاتفاق فيما علمت على أنه يسقط عن المحارب الحد وتزول
إباحة دمه إذا تاب قبل أن يقدر عليه والتوبة أيسر من القتل ومنها الأجنبية لا يزول
تحريم وطئها إلا بالعقد المتوقف على إذنها ووليها وصداق وشهود ويكفي في إباحتها بعد
العقد الطلاق فترتفع تلك الإباحة بالطلاق الذي يستقل الزوج به من غير زيادة ومنها
الحربي مباح الدم وتزول إباحته بالتأمين وهو سبب لطيف وإذا حرم دمه بالتأمين لا
يباح إلا بسبب قوي يزيل تلك الإباحة من خروج علينا أو قصد لقتلنا حرابة وخروجا على
الإمام العدل وكذلك تزول إباحة دمه بعقد الجزية فإذا حرم دمه بعقد الجزية لا يباح
دمه بكل المخالفات لعقد الجزية بل لا بد من
____________________
(3/132)
ونظائر هذه القاعدة في الشريعة كثيرة
وهذا الفرق واقع فيها بين القاعدتين الخروج من الإباحة إلى التحريم والخروج من
التحريم إلى الإباحة وقد رام الأصحاب تخريج الحنث ببعض المحلوف عليه على هذه
القاعدة فإن الحنث خروج من الإباحة إلى التحريم فيكفي فيه أيسر سبب فيحنث بجزء
المحلوف عليه إذا حلف لا يأكل هذا الرغيف فأكل منه لبابه لأنه على بر وإباحة حتى
يحنث ولا يبرأ إذا كان على حنث إلا بفعل الجميع إذا حلف ليأكلنه فلا يبرأ إلا بأكل
جميعه لأنه على حنث حتى يبر فهو خارج من حرمة إلى إباحة وهذا التخريج ضعيف فإنهم
إن ادعوا هذه القاعدة المتقدمة كلية في الشريعة منعناها لاندراج صورة النزاع فيها
فللخصم منعها وهو الشافعي رضي الله عنه ولأن هذه الصورة المتقدمة صورة قليلة ولو
كانت كثيرة وضموا إليها أمثالها فالقاعدة أن الدعوة العامة الكلية لا تثبت بالمثل
الجزئية فإنها لو انتهت إلى الألف احتمل أنها جزئية لا كلية فكم من جزئية مشتملة
على أفراد كثيرة ألا ترى إلى قولنا كل عدد زوج كلية باطلة بل إنما تصدق جزئية في
بعض الأعداد وتلك الأعداد التي هي زوج كثيرة جدا لا يحصى عددها ومع ذلك فالكلية
كاذبة لا صادقة
وإن ادعوا أنها جزئية فيحتاجون إلى
هامش أنوار البروق
لا يزال جزءا له في حال اتصاله
بالجزء الآخر وفي حال انفصاله عن الجزء الآخر ولا يشعر أن الجزء في حال الاتصال
بالآخر ليس عين الجزء في حال الانفصال من الآخر فإذا حضر بين يديه الزاج وحده مثلا
قال هذا جزء من المداد وإذا حضر مع العفص وقد امتزجا قال هذا الزاج الممتزج بالعفص
جزء من المداد ويخيل له أنه قال القولين على جزء واحد وليس الأمر كما تخيل فإن معنى
القول الأول هذا الزاج جزء من المداد أي يصير جزءا من المداد إذا مزج بالعفص ومعنى
القول الثاني أنه جزء من
هامش إدرار الشروق
مخالفة قوية كالتمرد على الإمام ونبذ
العهد مجاهرة وغير ذلك من الأمور المحتاجة إلى قوة شديدة ومناقشة عظيمة ونظائر
هاتين القاعدتين أعني الخروج من الإباحة إلى التحريم والخروج من التحريم إلى
الإباحة كثيرة في الشريعة لكن عد الأصحاب منها الحنث ببعض المحلوف عليه في صيغة
البر وعدم البر إلا بجميع المحلوف عليه في صيغة الحنث وتخريجه على قاعدتيها بجعل
الحنث خروجا من الإباحة إلى التحريم فيكفي فيه أيسر سبب فيحنث بجزء المحلوف عليه
إذا حلف لا يأكل هذا الرغيف فأكل منه لبابه لأنه على بر وإباحة حتى يحنث فهو خارج
من إباحة إلى حرمة ولا يبر إذا كان على حنث إلا بفعل الجميع فإذا حلف ليأكلنه فلا
يبر إلا بأكل جميعه لأنه على حنث حتى يبر فهو خارج من حرمة إلى إباحة
قال الأصل هذا التخريج ضعيف فإن
هاتين القاعدتين إن ادعوا لكثرة نظائرهما في الشريعة أنهما كليتان في الشريعة
منعنا تلك الدعوى لاندراج صورة النزاع فيها فللخصم وهو الشافعي رضي الله عنه
القائل بعدم الحنث ببعض المحلوف عليه أن يمنع تلك الدعوى لأن هذه الصورة المتقدمة
قليلة ولو كانت كثيرة وضموا إليها أمثالها فالقاعدة أن الدعوة العامة الكلية لا تثبت
بالمثل الجزئية فإنها ولو انتهت إلى الألف
____________________
(3/133)
دليل آخر يوجب كون صورة النزاع كذلك
فإن كان ذلك القياس فأين الجامع المناسب لخصوص الحكم السالم عن الفوارق أو الدليل
غير القياس فأين هو لا بد من بيانه وخرج بعض الأصحاب هذه المسألة على قاعدة الأمر
والنهي فقال إذا حلف ليفعلن فهو كالأمر أو لا يفعل فهو كالنهي والنهي عن الشيء نهي
عن أجزائه فيكون فاعل الجزء مخالفا والمخالف حانث فيكون فاعل الجزء حانثا وهو المطلوب
وهذه الطريقة أيضا ضعيفة لأن هذه القضية التي ادعاها هذا المخرج منعكسة بل الأمر
بالشيء أمر بأجزائه كإيجاب أربع ركعات فإنه إيجاب لكل ركعة منها والنهي عن الشيء
ليس نهيا عن أجزائه كالنهي عن خمس ركعات في الظهر ليس نهيا عن الأربع بل الأربع
واجبة نعم النهي عن الشيء نهي عن جزيئاته فإن النهي عن مفهوم الخنزير نهي عن كل
خنزير الخنزير الطويل والقصير والسمين والهزيل وجميع جزيئات الخنزير والأمر
بالماهية الكلية ليس أمرا بجزيئاتها فالأمر بإعتاق رقبة ليس أمرا بإعتاق هذه
الرقبة وتلك وجميع الرقاب بل يكفي في حصول ماهية الرقبة شخص منها واحد معين فشتان
ما بين الأجزاء والجزيئات الحكم منعكس بينهما فهذا التخريج باطل قطعا فلا يفتي به
فقيه وأحسن ما رأيت للأصحاب في هذه المسألة طريقة الفرض والبناء وهي أن الشيخ أبا
عمرو
هامش أنوار البروق
المداد في الحال وكيف يصح أن يكون
المشروط بالانفصال عين المشروط بالاتصال وفي مثل هذا كان بعض من لقيناه يقول اختلط
ما بالقوة مع ما بالفعل وما مثل به شهاب الدين من النهي عن خمس ركعات في الظهر
وأنه لا يستلزم النهي عن الأربع وهم مبني على اعتقاد أن الأربع المتصلة بخامسة هي
عين الأربع غير المتصلة بخامسة وهو خطأ ظاهر لا شك فيه وقد سبق له مثل ذلك وسبق
الرد عليه
قال نعم النهي عن الشيء نهي عن
جزيئاته إلى قوله وجميع جزئيات الخنزير
هامش إدرار الشروق
احتمل أنها جزئية لا كلية فكم من
جزئية مشتملة على أفراد كثيرة ألا ترى إلى قولنا كل عدد زوج كلية باطلة بل إنما
تصدق جزئية في بعض الأعداد وتلك الأعداد التي هي زوج كثيرة جدا لا يحصى عددها ومع
ذلك فالكلية كاذبة لا صادقة وإن ادعوا أنها جزئية احتاجوا في تخريج صور النزاع
عليهما إلى دليل آخر أنهما جزئيتان يوجب كون صورة النزاع كذلك فإن كان ذلك الدليل
القياس فأين الجامع المناسب لخصوص الحكم السالم عن الفوارق وإن كان غيره فأين هو لا
بد من بيانه
وأما تخريج بعض الأصحاب مسألة الحنث
ببعض المحلوف عليه في صيغة البر وعدم البر إلا بجميع المحلوف عليه في صيغة الحنث
على قاعدة الأمر والنهي حيث قال إذا حلف ليفعلن فهو كالأمر أو لا يفعل فهو كالنهي
والنهي عن الشيء نهي عن أجزائه فيكون فاعل الجزء مخالفا والمخالف حانث فيكون فاعل
الجزء حانثا وهو المطلوب فقال ابن الشاط إنه تخريج ليس بصحيح فإنه كما أن الأمر
بالشيء أمر بأجزائه لضرورة تحصيله ولا يتأتى تحصيله إلا بتحصيل أجزائه كذلك النهي
عن الشيء نهي عن أجزائه لضرورة تفويته ولا يتأتى تفويته إلا بتفويت أجزائه فإن
أجزاء الشيء لا تكون أجزاء له حقيقة إلا بتقدير اجتماعها وأما قبل اجتماعها فليست
بأجزاء
____________________
(3/134)
بن الحاجب رحمه الله كان يقول هذه
المسألة ثلاثة أقسام المعطوفات نحو
والله لا كلمت زيدا وعمرا والجموع
والتثنيات نحو لا أكلت الأرغفة أو الرغيفين وأسماء الحقيقة الواحدة المفردة
كالرغيف فهذه الأقسام الثلاثة الخلاف فيها واحد فعند الشافعي رضي الله عنه لا يحنث
إلا بالجميع وعندنا بالبعض في المسائل الثلاثة فنقول أجمعنا على ما إذا قال الحالف
والله لا كلمت زيدا ولا عمرا بصيغة لا النافية أنه يحنث بأحدهما واتفق النحاة على
أن لا إذا أعيدت في العطف أنها مؤكدة للنفي لا منشئة نفيا وكذلك قال الله تعالى
وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور فذكر لا في
البعض دون البعض مع أن الكل منفي فحيث تركت لا كان المعنى مثل الموضع الذي ذكرت
فيه لا سواء بسواء غير التوكيد وشأن التوكيد أن تكون الأحكام الثابتة معه ثابتة
قبله وإلا كان منشئا لا مؤكدا ولما أجمعنا على أن الحكم التحنيث مع لا المؤكدة وجب
أن يكون الحكم قبلها التحنيث تحقيقا لحقيقة التأكيد
وإذا اتضح الحنث في هذه الصورة بمدرك
صحيح مجمع
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله هنا صحيح قال والأمر
بالماهية الكلية ليس أمرا بجزئياتها قلت ليس ما قاله بصحيح بل الأمر بالماهية
الكلية أمر بجزئياتها لكنه بما لا يصح التكليف به لتعذره فإن الماهية الكلية بما
هي كلية لا يصح وجودها في الأعيان عند القائلين بها وإدخال جميع جزئياتها الممكنة
في الوجود حتى لا يشذ منها شيء لا يصح أيضا قال فالأمر بإعتاق رقبة ليس أمرا
بإعتاق هذه الرقبة وتلك وجميع الرقاب إلى قوله فلا يفتي به فقيه
هامش إدرار الشروق
له حقيقة بل بضرب من المجاز وهو أنها
صالحة لأن تكون أجزاء له إذا اجتمعت ا ه
فافهم قال الأصل وأحسن ما رأيت
للأصحاب في مسألة الحنث ببعض المحلوف عليه في صيغة البر طريقة الفرض والبناء
وضابطها أن يكون الإنسان يساعده الدليل في بعض صور النزاع دون بعضها فيفرض
الاستدلال في تلك الصورة التي يساعده الدليل عليها
فإذا تم له فيها الدليل بنى الباقي
من الصور عليها فإن الشيخ أبا عمرو بن الحاجب رحمه الله تعالى كان يقول هذه
المسألة ثلاثة أقسام المعطوفات نحو والله لا كلمت زيدا وعمرا والجموع والمثنيات
نحو لا أكلت الأرغفة أو الرغيفين وأسماء الحقيقة الواحدة المفردة كالرغيف فهذه الأقسام
الثلاثة الخلاف فيها واحد فعند الشافعي رضي الله عنه لا يحنث إلا بالجميع وعندنا
بالبعض في المسائل الثلاثة فنقول أجمعنا على ما إذا قال الحالف والله لا كلمت زيدا
ولا عمرا بصيغة لا النافية أنه يحنث بأحدهما واتفق النحاة على أن لا إذا أعيدت في
العطف أنها مؤكدة للنفي لا منشئة نفيا وكذلك قال الله تعالى وما يستوي الأعمى
والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور فذكر لا في البعض دون البعض مع
أن الكل منفي فحيث تركت لا كان معنى الموضع الذي
____________________
(3/135)
عليه وجب أن يكون الواقع في الصورتين
الأخيرتين الحنث لأنه لا قائل بالفرق إذ لو ثبت الحنث في بعضها دون بعض لزم خلاف
الإجماع فإن القائل قائلان قائل بالحنث في الجميع وهو مالك وأتباعه وقائل بعدم
الحنث في الجميع وهو الشافعي رضي الله عنه وأصحابه فلو قلنا بأنه في صورة العطف
دون غيرها كان قولا خارقا للإجماع ولا سبيل إليه وهذه طريقة الفرض والبناء عند
الخلافيين وضابطها أن يكون الإنسان يساعده الدليل في بعض صور النزاع دون بعضها
فيفرض الاستدلال في تلك الصورة التي يساعده الدليل عليها فإذا تم له فيها الدليل بنى
الباقي من الصور عليها فسمي ذلك طريقة الفرض والبناء وهي ضعيفة بسبب أن المناظر
قائم مقام إمامه المجتهد والمجتهد لا يجوز له الاعتماد على قولنا لا قائل بالفرق
فإن هذه المقدمة إنما جاءتنا بعد فتياه هو في المسألة ومدركه في المسألة متقدم على
فتياه فيها فلما أفتى خصمه وهو المجتهد الآخر وبقي هو لم يفت بعد فله أن يقول ما
ظهر بالدليل أي شيء كان لأنه ليس قبل قوله إجماع إنما هو قول خصمه فقط فله هو إذا
قال خصمه لا يحنث عندي في الجميع له هو أن يقول يحنث عندي في البعض دون
هامش أنوار البروق
قلت الأمر بإعتاق رقبة ليس أمرا بكلي
بل بمطلق وهو واحد غير معين من آحاد الكلي ولم يزل به توهم أن المطلق هو الكلي
يوقعه في الخطأ الفاحش وقد تبين خلاف ما قاله من أن الأمر بالكلي ليس أمرا
بجزئياته وتبين أنه لا فرق بين الأجزاء والجزئيات
قال وأحسن ما رأيت للأصحاب في هذه
المسألة طريقة الفرض والبناء وهي أن الشيخ أبا عمرو بن الحاجب كان يقول هذه
المسألة ثلاثة أقسام إلى قوله بصيغة لا النافية أنه يحنث بأحدهما قلت ما حكاه لا
كلام فيه
هامش إدرار الشروق
تركت فيه مساويا لمعنى الموضع الذي ذكرت
فيه غير التوكيد وشأن التوكيد أن تكون الأحكام الثابتة معه ثابتة قبله وإلا كان منشئا
لا مؤكدا ولما أجمعنا على أن الحكم التحنيث مع لا المؤكدة وجب أن يكون الحكم قبل
التحنيث تحقيقا لحقيقة التأكيد
وإذا اتضح الحنث في هذه الصورة بمدرك
صحيح مجمع عليه وجب أن يكون الواقع في الصورتين الأخيرتين الحنث لأنه لا قائل
بالفرق إذ لو ثبت الحنث في بعضها دون بعض لزم خلاف الإجماع فإن القائل قائلان قائل
بالحنث في الجميع وهو مالك رضي الله عنه وأتباعه وقائل بعدم الحنث في الجميع وهو
الشافعي رضي الله عنه وأصحابه فلو قلنا بأنه يحنث في صورة العطف دون غيرها كان
قولا خارقا للإجماع ولا سبيل إليه قال الأصل ولكن طريقة الفرض والبناء ضعيفة لا
تتم إلا في المناظرة جدلا بعد تقرر المذاهب أما والمجتهد يجتهد فلا يصح له
الاعتماد على ما انبنت عليه هذه الطريقة من قول المناظر الآن لا قائل بالفرق فإن
هذه المقدمة إنما جاءتنا بعد فتياه هو في المسألة ومدركه في المسألة متقدم على فتياه
فيها وبعد إفتاء خصمه وهو المجتهد الآخر فيها فله أن يقول ما ظهر له بالدليل أي
شيء كان لأنه ليس قبل قوله إجماع إنما هو قول خصمه فقط فإذا قال خصمه لا يحنث عندي
في الجميع
____________________
(3/136)
البعض والإجماع يصده حينئذ عن ذلك
ولو اعتمد على ما قاله المناظر الآن من قوله لا قائل بالفرق لم يتأت له ذلك ومتى
كان مدرك المناظر لا يصح أن يكون مدرك المجتهد
هامش أنوار البروق
قال واتفق النحاة على أن لا إذا
أعيدت في العطف أنها مؤكدة للنفي لا منشئة نفيا إلى قوله وإلا كان منشئا لا مؤكدا
قلت لا على تقدير صحة هذا الإجماع وتسليم كون إجماع النحاة حجة لا يلزم عن كونها
مؤكدة للنفي لا منشئة له أن لا يفيد تكرارها فائدة غير النفي بل يفيد رفع احتمال
ثابت عند عدم تكرارها وهو أن القائل إذا قال والله لا كلمت زيدا ولا عمرا احتمل
وجهين أحدهما الامتناع من أن يكلمهما لا من أن يكلم أحدهما وثانيهما الامتناع من
أن يكلم كل واحد منهما ومن لازم ذلك الامتناع من أن يكلمهما فإذا تكررت لا يتعين
الوجه الثاني ولا يتناول إجماع النحاة على أنها مؤكدة للنفي لا منشئة له المنع من
إفادتها رفع الاحتمال الأول وتعين الثاني وقوله وشأن التوكيد أن تكون الأحكام
الثابتة معه ثابتة قبله وإلا كان منشئا لا مؤكدا نقول بموجبه ولا يلزم عن ذلك مقصوده
فإنه لم يحك عن النحاة أنهم قالوا إن لا إذا تكررت في العطف لا تفيد فائدة غير
تأكيد النفي بل قالوا لا تفيد إنشاء النفي بل تأكيده ولا يستلزم كونها لا تفيد إنشاء
النفي بل تأكيده أن لا تفيد شيئا غير تأكيد النفي مع تأكيد النفي هذا كله على
تسليم إجماعهم وكونه حجة وكل ذلك غير مسلم قال ولما أجمعنا على أن الحكم التحنيث
مع لا المؤكدة وجب أن يكون الحكم قبلها التحنيث إلى قوله أما المجتهد يجتهد فلا
يصح له ذلك قلت ما قاله من استضعاف طريقة الفرض والبناء وقرره من تبين وجه ضعفها
صحيح كما قال وبين
قال وبالجملة فالمسألة مشكلة إشكالا
قويا فتأمله قلت الإشكال على المذهب كما قال بناء على ما قرر ولقائل أن يقول إن
مدرك مالك رحمه الله الاحتياط للإيمان فأخذ بالأشد ومدرك الشافعي رحمه الله حملها
على مقتضاها المتيقن فأخذ بالأخف فلا إشكال والله أعلم
هامش إدرار الشروق
فله هو أن يقول يحنث عندي في البعض
دون البعض ولا إجماع يصده حينئذ عن ذلك فلو اعتمد على تلك المقدمة لم يتأت له ذلك
ومتى كان المناظر الآن قائما مقام إمامه ومدرك المناظر الآن لا يصح أن يكون هو
مدرك المجتهد لم يحز للمناظر الآن الاعتماد على تلك المقدمة التي انبنت عليها تلك
الطريقة أيضا فافهم ا ه
قال ابن الشاط وما قرره في بيان وجه
ضعف هذه الطريقة صحيح كما قال وبين علي أنا لو سلمنا عدم ضعفها وفرضنا صحة إجماع
النحاة على ما ذكر وكون إجماعهم حجة وقلنا بموجب قوله
وشأن التوكيد أن تكون الأحكام
الثابتة معه ثابتة قبله وإلا كان منشئا لا مؤكدا لا يلزم عن قولنا بقوله المذكور مقصوده
فإنه لم يحك عن النحاة أنهم قالوا إن لا إذا تكررت في العطف لا تفيد فائدة غير
تأكيد النفي بل قالوا لا تفيد إنشاء النفي بل تأكيده ولا يستلزم كونها لا تفيد
إنشاء النفي بل تأكيده أن لا تفيد شيئا غير تأكيد النفي مع تأكيد النفي وهو رفع
احتمال ثابت عند عدم تكرارها فإن القائل إذا قال والله لا كلمت زيدا وعمرا بلا
____________________
(3/137)
لم يصح
نعم هذه الطريقة تتم في المناظرة
جدلا بعد تقرر المذاهب أما والمجتهد يجتهد فلا يصح له الاعتماد على ذلك وبالجملة
فالمسألة عندنا مشكلة إشكالا قويا فتأمله الفرق الثاني والثلاثون والمائة بين
قاعدة مخالفة النهي إذا تكررت يتكرر التأثيم وبين قاعدة مخالفة اليمين إذا تكررت
لا تتكرر بتكررها الكفارة والجميع مخالفة بل تنحل اليمين بالمخالفة الأولى ويسقط
حكم اليمين بخلاف النهي فإنه يبقى مستمرا وإن خولف ألف مرة ويتكرر الإثم بتكرره
وهذا الفرق من المواضع الصعبة المشكلة فإن قوله والله لا فعلت نفي للفعل في جميع الأزمنة
المستقبلة فإن لا من صيغ العموم نص عليه سيبويه مع لن
هامش أنوار البروق
قال الفرق الثاني والثلاثون والمائة
بين قاعدة مخالفة النهي إذا تكررت يتكرر التأثيم وبين قاعدة مخالفة اليمين إذا
تكررت لا يتكرر بتكررها الكفارة والجميع مخالفة قلت ما قاله إلى آخر الفرق صحيح
غير قوله بل الشرط مطلق والمطلق إنما يقتضي مرة واحدة فإنه غير صحيح فإنه لو اقتضى
المرة الواحدة لما كان مطلقا بل مقيدا باقتضاء المرة الواحدة دون غيرها وإنما وقع الاكتفاء
بالمرة الواحدة لضرورة لزوم تحصيل مقتضى التعليق ولا أقل من المرة الواحدة في
التحصيل وجميع ما قاله في الفرقين بعد هذا الفرق صحيح
هامش إدرار الشروق
تكرار لا احتمل وجهين أحدهما
الامتناع من أن يكلمهما معا لا من أن يكلم أحدهما وثانيهما الامتناع من أن يكلم كل
واحد منهما ومن لازم ذلك أن يكلمهما معا فإذا تكررت أفادت مع التأكيد تبين الوجه
الثاني ورفع احتمال الوجه الأول على أنا لا نسلم إجماع النحاة ولا كونه حجة نعم
مسألة الحنث ببعض المحلوف عليه عندنا وإن ضعف فيها التخريج الأول ولم يصح فيها
التخريج الثاني ولا الطريقة المذكورة إلا أنه ليس فيها إشكال أصلا فضلا عن أن يكون
فيها إشكال قوي إذ لقائل أن يقول أن مدرك مالك رحمه الله تعالى الاحتياط للإيمان
فأخذ بالأشد ومدرك الشافعي رحمه الله تعالى جعلها على مقتضاها المتيقن فأخذ بالأخف
فتأمل والله سبحانه وتعالى أعلم
الفرق الثاني والثلاثون والمائة بين
قاعدة مخالفة النهي إذا تكررت بتكرر التأثيم وبين قاعدة مخالفة اليمين إذا تكررت
لا يتكرر بتكررها الكفارة بل تنحل اليمين بالمخالفة الأولى ويسقط حكم اليمين فيما
عداها والجميع مخالفة مع عموم الصيغة في الموضعين فإن قوله في اليمين والله لا
فعلت نفي للفعل في جميع الأزمنة المستقبلة فإن لا من صيغ العموم نص عليه سيبويه مع
لن وقال لن أشد عموما وذلك هو المفهوم من قوله تعالى لا يموت فيها ولا يحيى أي في
جميع الأزمنة المستقبلة لا يحصل له موت ولا حياة وكذلك النهي إذا قيل للمكلف لا تكذب
أو لا تشرب الخمر هو عام في جميع الأزمنة المستقبلة فحيث كان الجامع بين القاعدتين
____________________
(3/138)
وقال لن أشد عموما وذلك هو المفهوم
من قوله تعالى لا يموت فيها ولا يحيى أي في جميع الأزمنة المستقبلة لا يحصل له موت
ولا حياة وكذلك النهي إذا قيل للمكلف لا تكذب أو لا تشرب الخمر هو عام في جميع
الأزمنة المستقبلة فإذا خالف مرة وفعل المنهي عنه حصل له الإثم فإن تكررت منه تلك
المخالفة تكرر الإثم فكذلك يلزم إذا تكررت مخالفة اليمين ينبغي أن تكرر الكفارة
بتكرر المخالفة لأن المخالفة عندها أوجبت الكفارة ألا ترى أنه لو لم يخالف لم
تلزمه كفارة وإذا تكررت المخالفة في اليمين يكون ذلك كتكرر المخالفة في النهي
والجامع المخالفة وعموم الصيغة في الموضعين بصيغة لا في مستقبل الزمان وهذا
الإشكال لا يلزم في مخالفة الشرط إذا قال إن دخلت الدار فعبد من عبيدي حر أو امرأته
طالق فخالف ودخل الدار عتق عبد واحد وطلقت امرأته طلقة واحدة فإن عاد وخالف مقتضى
التعليق لم يلزمه عتق عبد آخر ولا طلقة أخرى بسبب أن صيغة الشرط ليست عامة فلا
توجب التكرر بل الشرط مطلق والمطلق إنما يقتضي مرة واحدة وقد لزم موجبها بخلاف
الحلف فإن الصيغة عامة فبكل فرد من أفراد العموم تحصل المخالفة في ذلك الفرض بعدما
حصلت في الذي قبله فيلزم أن يكون جانيا على اليمين في كل مرة يقدم على الفعل كما
أنه جان على النهي في كل مرة يقدم على الفعل ومع ذلك لم أعلم أحدا قاله من الفقهاء
فيحتاج إلى الفرق بين القاعدتين والفرق من وجوه
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
المخالفة وعموم صيغة لا في مستقبل
الزمان كان ينبغي عدم الفرق بينهما وأن يلزم بتكرر الكفارة إذا تكررت مخالفة
اليمين كما تكرر عليه الإثم بتكرر المخالفة في النهي لكن الأصل
قال لم أعلم أحدا من الفقهاء قال
بعدم الفرق بل أجمع الفقهاء على الفرق بينهما وأنه إذا خالف مرة وفعل المنهي عنه حصل
له الإثم فإن تكررت منه تلك المخالفة تكرر الإثم بخلاف ما إذا حلف بقوله والله لا
أكلت لحما فخالف يمينه وأكل اللحم متكررا فإنهم أجمعوا على أن الكفارة لا تجب عليه
إلا في المرة الأولى ولا تتكرر بتكرر أكل اللحم ومخالفة يمينه حينئذ مشكل يحتاج
إلى بيان سر الفرق بينهما وبيان سره من وجوه أحدها أن صيغة اليمين وإن سلمنا أنها
سالبة كلية عامة في جميع الأزمنة المستقبلة لكن لا نسلم أن نفس هذه السالبة الكلية
هي سبب الكفارة أو شرط وجوبها بل الكفارة ما وجبت إلا لمخالفة هذه السالبة الكلية
ومخالفتها عبارة عن نقيضها ونقيض
السالبة الكلية هي الموجبة الجزئية فهذه الموجبة الجزئية هي سبب الكفارة أو شرط
وجوبها على الخلاف بين الفقهاء في الحنث هل هو شرط الكفارة أو سببها ويدل على أن
سبب الكفارة إنما هو نقيض ذلك السلب الكلي لا ذلك السلب الكلي إن الشارع قال ذلك
كفارة أيمانكم فجعل الكفارة لليمين لا للسلب الكلي الذي هو المحلوف عليه وتوضيح
ذلك أن في قول الحالف والله لا أكلت لحما مثلا أمورا ثلاثة السلب العام المحلوف
عليه واليمين المؤكدة له ومخالفة هذا السلب العام
والكفارة من الأمور الوضعية الشرعية
فصاحب الشرع له أن يجعل مطلق الملابسة للفعل المحلوف عليه
____________________
(3/139)
أحدها أنا نسلم أن الصيغة عامة في
نفي الفعل ولكن الكفارة ما وجبت إلا لمخالفة هذه السالبة الكلية العامة في جميع
هذه الأزمنة المستقبلة ونقيض السالبة الكلية الموجبة الجزئية وهذه الموجبة الجزئية
هي سبب الكفارة أو شرط وجوب الكفارة على الخلاف بين الفقهاء في الحنث هل هو شرط
للكفارة أو سببها ويدل على أن سبب الكفارة إنما هو نقيض ذلك السلب الكلي أن الشارع
قال ذلك كفارة أيمانكم فجعل الكفارة لليمين لا للسلب الكلي الذي هو المحلوف عليه
فها هنا أمور ثلاثة السلب العام المحلوف عليه واليمين المؤكدة له ومخالفة هذا
السلب العام
والكفارة من الأمور الوضعية الشرعية
فصاحب الشرع له أن يجعل مطلق الملابسة للفعل المحلوف عليه سبب الكفارة وعلى هذا التقدير
تتكرر الكفارة بتكرر المخالفة وملابسة الفعل ولم يفعل ذلك بل جعل سبب الكفارة
مخالفة هذا السلب العام لا هذا السلب العام ومخالفة هذا السلب العام إنما هو مطلق
الثبوت فمطلق الثبوت هو سبب الكفارة فيصير معنى وضع الشرع الكفارة أنه قال جعلت
نقيض السلب الكلي سبب الكفارة ولو قال صاحب الشرع من أتى بنقيض السلب الكلي في
يمينه وحنث عليه الكفارة لم يكن هنالك عموم يفهم ألبتة بل يكون مثل قول القائل من
دخل داري فله درهم فإذا دخل الدار رجل مرة واحدة وأخذ درهما ثم دخل ثانيا لا يستحق
شيئا لأن المعلق علق على مطلق الدخول لا على كل مرة
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
سبب الكفارة وحينئذ تتكرر الكفارة
بتكرر المخالفة وملابسة الفعل ولكنه لم يفعل ذلك بل جعل سبب الكفارة مخالفة هذا
السلب العام لا هذا السلب العام ومخالفة هذا السلب العام إنما هو مطلق الثبوت
فيصير معنى وضع صاحب الشرع الكفارة أنه قال جعلت نقيض السلب الكلي سبب الكفارة
فكأنه قال من أتى بنقيض السلب الكلي في يمينه وحنث عليه الكفارة فليس في الكلام
عموم يفهم ألبتة بل هو مثل قول القائل من دخل داري فله درهم وقوله إن دخلت الدار
فأنت طلاق في كونه من باب تعليق مطلق على مطلق فيقتضي الاكتفاء بالمرة الواحدة
لضرورة لزوم تحصيل مقتضى التعليق ولا أقل من المرة الواحدة في التحصيل وقد تقدم بسط
هذه التعاليق أول الكتاب ونظير هذه الكفارة كفارة المفسد لصوم رمضان فإنه إن عاد
فأكل أو جامع لم تلزمه كفارة على الأصح لأن الصوم في معنى السلب العام للأكل
والشرب والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس والكفارة مرتبة على نقيض هذا السلب
العام وهو مطلق الثبوت فإذا حصل لزمته الكفارة فإذا عاد فتكرر لم يكن موجبا كدخول
الدار فإن صاحب الشرع إنما جعل الثبوت بوصف الإطلاق لا بوصف العموم موجبا للكفارة
والمطلق يخرج عن عهدته بصورة إجماعا كإعتاق رقبة وإخراج شاة من أربعين ونظير هذه
الكفارة أيضا كفارة المظاهر فإنه إذا قال أنت علي كظهر أمي كان مقتضى هذا التشبيه
التحريم الدائم لأن هذا هو شأن تحريم الأم المشبه بها فتكون هذه الزوجة محرمة
دائما تحقيقا للتشبيه فإن عاد وعزم على إمساكها أو على وطئها على
____________________
(3/140)
منه حتى يتكرر الاستحقاق بتكرر
الدخول وكذلك إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلت مرة واحدة طلقت طلقة ثم دخلت مرة أخرى
لم يلزمه طلاق وإن كانت في العدة الرجعية لأنه إنما التزم مطلق الطلاق إشارة إلى
تقرير عدم لزوم تكرر الطلاق بتكرر المعلق عليه بمطلق الدخول ولم يأت بعموم يقتضي
التكرر وهو من باب تعليق مطلق على مطلق وقد تقدم بسط هذه التعاليق أول الكتاب كذلك
صاحب الشرع جعل سبب الكفارة مطلق الثبوت المناقض لموجب يمينه من السلب العام لا كل
ثبوت ولا ثبوتين بل فردا واحدا فقط وغيره غير معتبر كالدخلة الثانية للدار من
المطلقة
ونظير هذه الكفارة كفارة المفسد لصوم
رمضان فإن عاد فأكل أو جامع لم تلزمه كفارة على الأصح لأن الصوم في معنى السلب
العام للأكل والشرب والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس فالكفارة مرتبة على نقيض
هذا السلب العام وهو مطلق الثبوت فإذا حصل لزمته الكفارة فإذا عاد فتكرر لم يكن
موجبا كدخول الدار فإن صاحب الشرع لم يجعل الثبوت بوصف العموم موجبا للكفارة بل
بوصف الإطلاق والمطلق يخرج عن عهدته بصورة إجماعا كإعتاق رقبة وإخراج شاة من
أربعين ونظيره أيضا المظاهر إذا قال أنت علي كظهر أمي فمقتضى هذا التشبيه التحريم
الدائم لأن هذا هو شأن تحريم الأم المشبه بها فتكون هذه الزوجة محرمة دائما تحقيقا
للتشبيه فإن عاد وعزم على إمساكها أو على وطئها على الخلاف في العود ما هو فقد أتى
بنقيض ذلك السلب الكلي وهو مطلق الثبوت المناقض له فجعله صاحب
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
الخلاف في العود ما هو فقد أتى بنقيض
ذلك السلب الكلي وهو مطلق الثبوت المناقض له فصاحب الشرع جعل الكفارة تجب عنده
كالحنث في اليمين فإذا كفر ثم عاد فعزم على إمساكها أو وطئها مرة أخرى لا تتكرر
الكفارة بتكرر العود إجماعا فيما علمت لأنها مرتبة على الثبوت بوصف الإطلاق لا
بوصف العموم فكذلك هاهنا كفارة اليمين مرتبة على الثبوت بوصف الإطلاق المناقض
للسلب الكلي العام لا على الثبوت بوصف العموم كما تقدم
وأما مخالفة النهي فتقتضي تكرر الإثم
والتعزير بسبب أن الإثم رتبه الشرع على تحقيق المفسدة في الوجود لأن النواهي تعتمد
المفاسد كما أن الأوامر تعتمد المصالح فكل فرد يكرر تكرر المفسدة معه فيتكرر الإثم
لأنه تابع لمطلق المفسدة في جميع صورها بوصف العموم فعم الإثم أيضا وهو مناسب لحسم
مادة المفسدة إذ لو أثمناه في صورة واحدة وأبحنا له ما بعدها أدى ذلك لوقوع مفاسد
لا نهاية لها فكانت الحكمة الشرعية تقتضي تعميم الإثم في جميع صور المفاسد وثانيها
أن الكفارة لو كانت تتكرر بتكرر المخالفات لليمين لشق ذلك على المكلفين في الصور
التي يحتاجون للمخالفات فيها وتكررها فتترتب على الإنسان كفارات كثيرة جدا لا يمكنه
الخروج عنها إلا بفعلها وذلك حرج عظيم تأباه الشريعة الحنفية السمحة السهلة وأما
الأثام إذا اجتمعت فإن الإنسان يخرج عن عهدتها بالتوبة والإنابة وهي متيسرة على
المتقين وثالثها أن اليمين مباحة لأنها تعظيم للمقسم به والحنث أيضا مباح لقوله
عليه الصلاة والسلام والله
____________________
(3/141)
الشرع تجب عنده الكفارة كالحنث في
اليمين فإذا كفر ثم عاد فعزم على إمساكها أو وطئها مرة أخرى لا تتكرر الكفارة
بتكرر العود إجماعا فيما علمت لأنها مرتبة على مطلق الثبوت بوصف الطلاق لا بوصف
العموم فكذلك ها هنا كفارة اليمين مرتبة على مطلق الثبوت المناقض للسلب الكلي
العام لا على مطلق الثبوت بوصف العموم كما تقدم
وأما مخالفة النهي فتقتضي تكرر الإثم
والتعزير بسبب أن الإثم رتبه الشرع على تحقيق المفسدة في الوجود لأن النواهي تعتمد
المفاسد كما أن الأوامر تعتمد المصالح فكل فرد يتكرر تتكرر المفسدة معه فيتكرر
الإثم لأنه تابع لمطلق المفسدة في جميع صورها بوصف العموم فعم الإثم أيضا وهو
مناسب لحسم مادة المفسدة إذ لو أثمناه في صورة واحدة وأبحنا له ما بعدها أدى ذلك
لوقوع مفاسد لا نهاية لها فكانت الحكمة الشرعية تقتضي تعميم الإثم في جميع صور
المفاسد وثانيها أن الكفارة لو كانت تتكرر بتكرر المخالفات لليمين لشق ذلك على
المكلفين في الصور التي يحتاجون للمخالفة فيها وتكررها فتترتب على الإنسان كفارات
كثيرة جدا لا يمكنه الخروج عنها إلا بفعلها وذلك حرج عظيم تأباه الشريعة الحنيفية
السمحة السهلة وأما الآثام إذا اجتمعت فيخرج الإنسان عن عهدتها بالتوبة والإنابة وهي
متيسرة على المتقين وثالثها أن اليمين مباحة لأنها تعظيم للمقسم به والحنث أيضا
مباح لقوله عليه الصلاة
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا
منها إلا كفرت وفعلت الذي هو خير ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقدم على
المنهي عنه فضلا عن أن يحلف أنه لا بد أن يفعله وإذا كان الحلف والحنث مباحين ناسب
ذلك التخفيف في إلزام الكفارة المتكررة بخلاف النهي فإنه للتحريم والمقدم على
مخالفته أي النهي عاص بعيد من الله تعالى فناسب التغليظ بتكرر الآثام وتظافر أنواع
الوعيد والتعاذير عليه حسما لمادة المعصية ورابعها أن القسم وقع على جملة خبرية
فإن لا أفعل خبر عن عدم الفعل في الزمن المستقبل فإن صدق فيه وحقق السلب العام كما
أخبر عنه فلا كفارة
وإن خالف هذا الخبر كانت مخالفته
تكذيبا لذلك الخبر والصدق والكذب نقيضان ولذلك قال أرباب المعقول إن نقيض السالبة
الكلية هي الموجبة الجزئية وبهما يقع التكاذب لمن يقصد تكذيب من ادعى الأخرى كما
أن نقيض الموجبة الكلية السالبة الجزئية والصدق والكذب عندنا نقيضان لا ثالث لهما
خلافا للمعتزلة فإن الخبر إن طابق الواقع فصدق وإن لم يطابق الواقع فكذب ولا واسطة
بين المطابقة وعدم المطابقة فالكفارة وجبت لمخالفة الصدق وهو الكذب أي الخبر
المناقض للصدق المانع مع تحققه ومتى ارتفع الصدق بصورة واحدة استحال ثبوته فقد
تحققت مفسدة تعذر الصدق وهذا المعنى وهو تعذر الصدق لا يتكرر فلم تتكرر الكفارة
ويدل على اعتبار هذا المعنى أن الحالف لو جعل يمينه خبرا عن موجبة كلية كقوله
والله لأصومن الدهر فأفطر يوما واحدا فقد كذب خبره عن صوم الدهر وتلزمه الكفارة
بإفطاره
____________________
(3/142)
والسلام والله لا أحلف على يمين فأرى
غيرها خيرا منها إلا كفرت وفعلت الذي هو خير ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا
يقدم على المنهي عنه فضلا عن أن يحلف أنه لا بد أن يفعله وإذا كان الحلف والحنث
مباحين ناسب ذلك التخفيف في إلزام الكفارة المتكررة بخلاف النهي فإنه للتحريم
والمقدم على مخالفته عاص بعيد من الله تعالى فناسب التغليظ بتكرر الآثام وتظافر
أنواع الوعيد والتعازير عليه حسما لمادة المعصية ورابعها أن القسم وقع على جملة
خبرية فإن لا أفعل خبر عن عدم الفعل في الزمن المستقبل وإذا كان خبرا فإن صدق فيه وحقق
السلب العام كما أخبر عنه فلا كفارة وإن خالف هذا الخبر كانت مخالفته تكذيبا لذلك
الخبر والصدق والكذب نقيضان ولذلك قال أرباب العقول إن نقيض السالبة الكلية
الموجبة الجزئية وبهما يقع التكاذيب لمن يقصد تكذيب من ادعى الأخرى كما إن نقيض
الموجبة الكلية السالبة الجزئية والصدق والكذب عندنا نقيضان لا ثالث لهما خلافا
للمعتزلة فإن الخبر إن طابق فصدق وإن لم يطابق فكذب ولا واسطة بين المطابقة وعدم
المطابقة فالكذب حينئذ نقيض الصدق فالكفارة وجبت لمخالفة الصدق وهو الكذب في ذلك
الخبر المناقض للصدق المانع من تحققه ومتى ارتفع الصدق بصورة واحدة استحال ثبوته
فقد تحققت مفسدة تعذر الصدق وهذا المعنى لا يتكرر وهو تعذر
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
ذلك اليوم الواحد ولا ينجيه من لزوم
الكفارة صوم بقية الدهر وتضيع بقية الموجبة الكلية عن الاعتبار ولا فرق بين أن
يتكرر منه الفطر في يومين مثلا أو يقتصر على فطر يوم واحد
وإذا تقرر هذا في جهة الثبوت وهو
الموجبة الكلية وجب أن يثبت مثله في السالبة الكلية التي هي خبر عن النفي فيتحقق الكذب
بفرد واحد من الثبوت بأن يفعل مرة واحدة ولا ينفعه بقية السالبة الكلية ولا فرق
بين ثبوت واحد تقع به المخالفة وبين ثبوتين أو أكثر كما لم يكن فرق في الموجبة
الكلية بين سلبين فأكثر تسوية بين طرفي الثبوت والسلب في الخبر عنها وإثبات نقيضها
والاكتفاء بفرد في المناقضة لا يحتاج معه إلى ثان ويكون الثاني وجوده وعدمه سواء
وأما النهي فليس كذلك بل لو اجتنب المنهي عنه مائة مرة لله تعالى أثيب على المائة
ثم إن خالف بعد ذلك استحق العقوبة
بعدد المرات التي خالف فيها بالفعل والثبوت وتتكرر المثوبات بتكرر الاجتناب أو
العقوبات بتكرر المخالفات فدل ذاك على أن المطلوب هو اجتناب مفسدة ذلك الفعل في كل
زمان وأن كل زمان مطلوب لنفسه في الترك لتلك المفسدة ويؤكد الأمر المقتضي للتكرار
أنه إذا فعل مائة مرة أثيب مائة مثوبة وإن تركه مائة مرة استحق مائة عقوبة لأن
المطلوب حصول تلك المصلحة في كل زمان بعينه فكل زمان معين حقق فيه المصلحة استحق
المثوبة وكل زمان معين ضيع فيه تلك المصلحة استحق العقوبة وتعتبر القلة في ذلك
والكثرة فقد شهدت قاعدة الأمر لقاعدة النهي كما شهدت قاعدة خبر الثبوت في اليمين
لقاعدة خبر النفي فيه فأوضح كل منهما الأخرى واتضح لك أن سر الفرق في هذا الوجه من
جهة أن المعتبر في الخبر الصادق المحلوف عليه هو نقيضه الكاذب دون أفراد الفعل وأفراد
الترك بشهادة النفي للإيجاب والإيجاب للنفي
____________________
(3/143)
الصدق فلم تتكرر الكفارة ويدل على
اعتبار هذا المعنى أن الحالف لو جعل يمينه خبرا عن موجبة كلية كقوله والله لأصومن
الدهر فأفطر يوما واحدا فقد كذب خبره عن صوم الدهر وتلزمه الكفارة بإفطاره ذلك
اليوم الواحد ولا ينجيه من لزوم الكفارة صوم بقية الدهر وتضيع بقية الموجبة الكلية
عن الاعتبار ولا فرق بين أن يتكرر منه الثبوت أو يقتصر على فطر يوم واحد وإذا تقرر
هذا في جهة الثبوت وهو الموجبة الكلية وجب أن يثبت مثله في السالبة الكلية التي هي
خبر عن النفي فيتحقق الكذب بفرد واحد من الثبوت بأن يفعل مرة واحدة ولا ينفعه بقية
السالبة الكلية ولا فرق بين ثبوت واحد تقع به المخالفة وبين ثبوتين أو أكثر كما لم
يكن فرق في الموجبة الكلية بين سلبين فأكثر تسوية بين طرفي الثبوت والسلب في الخبر
عنهما وإثبات نقيضهما
والاكتفاء بفرد في المناقضة لا يحتاج
معه إلى ثان ويكون الثاني وجوده وعدمه سواء تسوية بين الطرفين فظهر بهذا التقرير
أن الموجب للكفارة إنما هو إثبات النقيض المكذب للخبر السابق بفرد زاد معه غيره أم
لا كان الكلام نفيا أو إثباتا والنهي ليس كذلك بل لو اجتنب المنهي عنه مائة مرة
لله تعالى أثيب على المائة ثم إن خالف بعد ذلك استحق العقوبة بعدد المرات التي
خالف فيها بالفعل والثبوت وتتكرر المثوبات بتكرر الاجتناب والعقوبات بتكرر
المخالفات
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
والمعتبر للنهي والأمر أفراد الأفعال
والتروك دون النقيض بشهادة كل من الأمر والنهي للآخر تنبيهات الأول كون الحنث كذبا
كما هو مقتضى ما تقرر في هذا الوجه الأخير ليس فيه تقوية لما ذهب إليه الحنفية من
أن الحنث محرم وأن الكفارة وجبت ساترة لذنب تحريم المخالفة بسبب أن الحنث وإن كان
كاذبا أنه ليس بكذب شرعي من جهة الإثم والنهي الشرعي حتى يقال إنه محرم بالإجماع فيتجه
به مذهبهم بل إنما هو كذب من جهة مسمى الكذب لغة وذلك أن الخبر المحلوف عليه في
اليمين خبر وعد وخبر الوعد لا يأثم حالفه وإلا لوجب الوفاء بكل وعد وليس قوله عليه
الصلاة والسلام عدة المؤمن دين يريد مثل الدين ولذلك قيد الحكم بوصف الإيمان الحاث
على مكارم الأخلاف ولو كان الوفاء بالوعد مطلقا واجبا لقال عليه الصلاة والسلام
الوعد دين من غير تفصيل ويدل على أن مخالفة هذه الإخبارات في الوعد والحلف ليست
بكذب محرم قوله عليه الصلاة والسلام من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت
الذي هو خير وليكفر فلو كان ذلك الخبر يجب الوفاء به لما جاز تركه لمجرد الخيرية
التي يكفي فيها مطلق المصلحة بل كانت مخالفة تتوقف على مصلحة عظيمة تساوي مفسدة التحريم
كفوات أمر واجب عظيم فإن المحرم لا يعارض إلا بالواجب ولا يعارض بمطلق الخيرية
التي هي تصدق بأدنى مراتب الندب فليس الحنث حينئذ بمحرم ويؤكده أنه عليه الصلاة
والسلام حلف لأولئك النفر لا يحملهم ثم حملهم بعد ذلك فقيل له يا رسول الله إنك
حلفت فقال والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا
____________________
(3/144)
فدل ذلك على أن المطلوب هو اجتناب
مفسدة ذلك الفعل في كل زمان وأن كل زمان مطلوب لنفسه في الترك لتلك المفسدة ويؤكده
الأمر المقتضي للتكرار أنه إذا فعل مائة مرة أثيب مائة مثوبة وإن تركه مائة مرة
استحق مائة عقوبة لأن المطلوب حصول تلك المصلحة في كل زمان بعينه فكل زمان معين
حقق فيه المصلحة استحق المثوبة وكل زمان ضيع فيه تلك المصلحة استحق العقوبة
وتعتبر القلة في ذلك والكثرة فقد
صارت قاعدة الأمر تشهد لقاعدة النهي كما شهدت قاعدة خبر الثبوت في اليمين لقاعدة
خبر النفي فأوضح كل منهما الأخرى واتضح لك الفرق بين مخالفة قاعدة النهي وبين
مخالفة قاعدة اليمين ونشأ سر الفرق في هذا الوجه من جهة الخبر والصدق والكذب
وتحقيق نقيض كل واحد منهما وأن النقيض هو المعتبر دون أفراد الفعل وأفراد الترك
بشهادة النفي للإيجاب والإيجاب للنفي وأن الأمر والنهي كل واحد منهما يشهد للآخر
وأن المعتبر فيهما إفراد الأفعال والتروك دون النقيض فإن قلت ما ذكرته من الصدق
والكذب الواقعين في الخبر المحلوف عليه نفيا أو إثباتا يقوي مذهب الحنفية في قولهم
إن الحنث محرم وإن الكفارة وجبت ساترة لذنب تحريم المخالفة ولا شك أن الكذب محرم بالإجماع
وأنت قد حققته في اليمين فيتجه ما قالوه قلت لا متعلق لهم في هذا بسبب أن الكذب
الواقع في اليمين هو كذب من جهة
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
منها إلا كفرت وأتيت الذي هو خير فلو
كان هذا كذبا محرما لما أقدم عليه الصلاة والسلام عليه فإن منصبه عليه الصلاة
والسلام يأبى ذلك إباء شديدا فيقطع الفقيه حينئذ بأن هذه المخالفة في الأيمان ليست
كذبا محرما بل يتناوله اللفظ الموضوع للكذب ولا يكون محرما كما أن الكذب الذي يقع
من غير قصد كمن أخبر بالشيء على خلاف ما هو عليه معتقدا ما أخبر به والأمر بخلافه ليس
بمحرم وإن صدق عليه أنه كذب لغة خلافا للمعتزلة في اشتراطهم القصد في حقيقة الكذب
ويدل على صحة مذهب أهل السنة قوله عليه الصلاة والسلام كفى بالمرء كذبا أن يحدث
بكل ما سمع فجعله عليه السلام كذبا مع أنه يعتقد صدق ما سمعه وكذلك قوله عليه
الصلاة والسلام من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار يدل على أن الكذب قد يقع
على غير وجه العمد فظهر أن الكذب يكون لا مع الإثم وأن مخالفة الأيمان من هذا
القبيل التنبيه الثاني اختلف العلماء فيما إذا خالف مقتضى اليمين حالة النسيان أو
حالة الجهل أو حالة الإكراه فمذهب مالك اعتبار الحنث حالة النسيان والجهل دون
الإكراه ومذهب الشافعي وأحمد عدم اعتبار الحنث في الأحوال الثلاثة ومذهب أبي حنيفة
اعتبار الحنث في الأحوال الثلاثة فوافقنا الشافعي وأحمد بن حنبل على الإكراه
وخالفانا في النسيان والجهل وأبو حنيفة بعكس ذلك وتلخيص مدرك الخلاف في هذه
الحالات أن مقتضى اللغة حصول الحنث في هذه الأحوال الثلاثة لحصول مسمى المخالفة بمقتضى
ما أخبر
____________________
(3/145)
مسمى الكذب لغة لا من جهة الإثم
والنهي الشرعي وتقريره أن خبر الوعد خبر ولو خالفه لم يكن آثما فلو قال لزيد غدا
أعطيك درهما ولم يعطه غدا شيئا لم يكن آثما ولو كان آثما لوجب الوفاء بكل وعد وليس
كذلك وقوله عليه السلام عدة المؤمن دين أي مثل الدين ولذلك قيد الحكم بوصف الإيمان
الحاث على مكارم الأخلاق ولو كان الوفاء بالوعد مطلقا واجبا لقال عليه السلام
الوعد دين من غير تفصيل ويدل على أن هذه الإخبارات في الوعد والحلف ليس بكذب محرم
قوله عليه السلام من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر
ولو كان ذلك الخير يجب الوفاء به لما
جاز تركه لمجرد الخيرية التي يكفي فيها مطلق المصلحة بل إن كانت المخالفة تتوقف
على مصلحة عظيمة تساوي مفسدة التحريم كفوات أمر واجب عظيم فإن المحرم لا يعارض إلا
بالواجب ولا يعارض بمطلق الخيرية التي هي تصدق بأدنى مراتب الندب فليس الحنث حينئذ
بمحرم ويؤكده أنه عليه السلام حلف لأولئك النفر لا يحملهم ثم حملهم بعد ذلك فقيل
له يا رسول الله إنك حلفت فقال والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا
كفرت وأتيت الذي هو خير فلو كان هذا كذبا محرما لما أقدم عليه السلام عليه فإن
منصبه عليه السلام يأبى ذلك إباء شديدا فيقطع الفقيه حينئذ بأن هذه المخالفة في
الأيمان ليست كذبا محرما بل يتناوله اللفظ الموضوع للكذب ولا يكون محرما
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
عن نفسه في الاستقبال لكن لما كانت
اليمين إنما يقصد بها الناس حثهم على الإقدام أو الإحجام والحث إنما يقع في
الأفعال الاختيارية فإن الإنسان إنما يحث نفسه على ما هو من اختياره وصنعه
وأما المعجوز عنه فلا يليق بالعاقل
حث نفسه على الصعود إلى السماء ولا على أن يعمل لنفسه يدا زائدة أو عينا زائدة ولا
يحث نفسه على أن يكون آدميا أو منتصب القامة لأن الأول متعذر عليه والثاني واقع
بغير صنعه وإنما يحث نفسه على ما هو من صنعه كالصلاة والصوم حينئذ فتخرج حالة
الإكراه على الحنث لأن الداعية حالة الإكراه ليست للفاعل على الحقيقة بل نشأت عن
أسباب الإكراه فهي من غير صنعة في المعنى فلا جرم لم تندرج هذه الحالة في اليمين
وأما الجهل والنسيان فالإنسان في الجهل يفعل المحلوف عليه جاهلا بأنه المحلوف عليه
كمن يحلف أن لا يلبس ثوبا فيلتبس ذلك الثوب عليه بغيره فيلبسه وهو ذاكر لليمين
جاهل بعين المحلوف عليه وفي النسيان على العكس من الجهل يفعل المحلوف عليه عالما بحقيقته
ناسيا لليمين وفي الإكراه قد يكون ذاكرا لهما فهذا هو الفرق بين الحقائق الثلاث
فالشافعي يقول إن الحنث المقصود من اليمين إنما يكون مع ذكر اليمين والمعرفة بعين
المحلوف عليه بأن يقصد الحالف باليمين ترك المحلوف عليه لأجل اليمين وهذا لا يتصور
إلا مع القصد إلى اليمين المحلوف عليه والمعرفة بهما فلما جهل اليمين في صورة
النسيان والمحلوف عليه في صورة الجهل خرج هاتان الحالتان عما يقصده الناس بالإيمان
وهو الترك لأجل اليمين لهذه القاعدة وإذا خرجا عن ذلك
____________________
(3/146)
كما أن الكذب الذي يقع من غير قصد
كمن أخبر بالشيء على خلاف ما هو عليه معتقدا ما أخبر به والأمر بخلافه ليس بمحرم
وإن صدق عليه أنه كذب لغة خلافا للمعتزلة في اشتراطهم القصد في حقيقة الكذب ويدل
على صحة مذهب أهل السنة قوله عليه السلام كفى بالمرء كذبا إن يحدث بكل ما سمع
فجعله عليه السلام كذبا مع أنه يعتقد صدق ما سمعه
وكذلك قوله عليه السلام من كذب علي متعمدا
فليتبوأ مقعده من النار يدل على أن الكذب قد يقع على غير وجه العمد فظهر أن الكذب
قد يكون لا مع الإثم ومخالفة الأيمان من هذا القبيل وظهر الفرق بين قاعدة مخالفة
النواهي وبين قاعدة مخالفة الأيمان إذا تقرر أن قاعدة الإيمان عدم التكرار فقد
وقعت صور اختلف العلماء في بعضها أو في كلها وهي إذا خالف مقتضى اليمين حالة
النسيان أو حالة الجهل أو حالة الإكراه فمذهب مالك اعتبار الحنث حالة النسيان
والجهل دون الإكراه ومذهب الشافعي عدم اعتبار الحنث في الأحوال الثلاثة ووافقنا
الشافعي وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل على الإكراه على اليمين وخالفنا أبو حنيفة في
الإكراه على الحنث ووافقنا في النسيان والجهل وتلخيص مدرك الخلاف في هذه الحالات
أن مقتضى اللغة حصول الحنث في هذه الأحوال الثلاثة لحصول مسمى المخالفة بمقتضى ما أخبر
عن نفسه في الاستقبال لكن لما كانت اليمين إنما يقصد بها الناس حثهم على الإقدام
أو الإحجام والحث إنما يقع في الأفعال الاختيارية فإن الإنسان إنما يحث نفسه على
ما هو من اختياره وصنعه
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
خرجا عن اليمين والخارج عن اليمين لا
يقع فيه حنث وحالة الإكراه قد خرجت بقوله عليه الصلاة والسلام لا طلاق في إغلاق أي
في إكراه فيقاس على الطلاق غيره فلا يلزم فخرجت الأحوال الثلاثة الإكراه والنسيان
والجهل عند الشافعي فإذا خالف الحالف اليمين في حالة من هذه الحالات لا يلزمه بذلك
كفارة بل لا بد في لزومها من المخالفة مرة أخرى في حالة الاختيار واستحضار اليمين والعلم
بالمحلوف عليه
فاشترط الشافعي التكرر في الأحوال
الثلاثة ومالك يقول الحلف وقع على الفعل المختار المكتسب ومقتضي ذلك أن يخرج
الإكراه وحده
ويبقى النسيان والجهل لأن الناسي
لليمين مختار للفعل غير أنه نسي اليمين والجاهل مختار للفعل غير أنه جهل أن هذا
غير المحلوف عليه وإذا وجد الاختيار والفعل المكتسب فقد وجد ما حلف عليه ووجدت
حقيقة المخالفة فتلزم الكفارة فإذا وقع الفعل في حالة النسيان أو حالة الجهل انحلت
اليمين ولزمت الكفارة ولا يشترط التكرر مرة أخرى ورأى أبو حنيفة أن الإكراه على
الحنث لا يؤثر فيحنث المكره كما يحنث الناسي والجاهل قال الأصل والظاهر من جهة النظر
قول الشافعي وهو أحد الأقوال عندنا بسبب أن الباعث للحالف على الحلف إنما هو أن
تكون اليمين حاثة له على الترك وإلا كان يكفيه العزم على عدم الفعل من غير يمين
وكان يستريح من لزوم الكفارة وإنما أقدم على اليمين ليكون استحضارها في نفسه مانعا
من الإقدام والإحجام فإذا نسيها لم يقصد بهذه الحالة حالة الحلف التي هي حالة
حضورها في نفسه حتى
____________________
(3/147)
وأما المعجوز عنه فلا يليق بالعاقل
حث نفسه عليه ألا ترى أنه لا يحث نفسه على الصعود إلى السماء ولا على أن يعمل
لنفسه يدا زائدة أو عينا زائدة ولا يحث نفسه على أن يكون آدميا أو منتصب القامة
لأن الأول متعذر عليه والثاني واقع بغير صنعه ويحث نفسه على الصلاة والصوم لأنهما
من صنعه فإذا تقرر أن الحث إنما يقع من الإنسان فيما هو من صنعه واختياره اتضح
بذلك خروج حالة الإكراه على الحث لأن الداعية حالة الإكراه ليست للفاعل على
الحقيقة بل نشأت عن أسباب الإكراه فهي من غير صنعه في المعنى
فلا جرم لم تندرج هذه الحالة في
اليمين وأما الجهل والنسيان فالإنسان في الجهل يفعل المحلوف عليه جاهلا بأنه
المحلوف عليه كمن يحلف أن لا يلبس ثوبا فيلتبس ذلك الثوب عليه بغيره فيلبسه وهو
ذاكر لليمين جاهل بعين المحلوف عليه وأما في النسيان فهو على العكس من الجهل يفعل
المحلوف عليه عالما بحقيقته ناسيا لليمين وفي الإكراه قد يكون ذاكرا لهما فهذا هو
الفرق بين هذه الحقائق الثلاث فالشافعي يقول إن الحث المقصود من اليمين إنما يكون
مع ذكر اليمين والمعرفة بعين المحلوف عليه بأن يقصد الترك باليمين لأجل اليمين
وهذا لا يتصور إلا مع القصد
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
تمنعه من الإقدام أو الإحجام وكذلك
العلم بعين المحلوف عليه شرط في الحنث به فإذا جهله استحال مع الجهل الحنث على ما
لم يعلمه فهاتان الحالتان يعلم خروجهما عن اليمين بقصد الحالفين فلا يلتزم فيهما
حنث ويشترط التكرر
وأما الإكراه على اليمين فلقوله عليه
السلام لا طلاق في إغلاق أي في إكراه فيقاس على الطلاق غيره فلا يلزم أ ه وسلمه
ابن الشاط التنبيه الثالث إذا قلنا بأن الإكراه على الحنث يمنع من لزوم موجب
اليمين فأكره على أول مرة من الفعل ثم فعله مختارا حنث
قاله ابن أبي زيد وهو مقتضى الفقه
بسبب أن الإكراه لم يندرج في اليمين فالمرة الأولى من الفعل لكونها حصلت بالإكراه لا
عبرة بها فلا تحصل بها مخالفة اليمين وما وقع بعدها من الفعل بالاختيار هو أول مرة
صدرت مخالفة لليمين فهي المعتبرة دون ما قبلها فلم تتكرر المخالفة فتأمل ذلك وتقع
هذه المسألة في الفتاوى كثيرا ويقع الغلط فيها للمفتين يقول السائل حلفت بالطلاق
لا أخدم الأمير الفلاني في إقطاعه وقد أكرهت بالضرب الشديد على خدمته فيقول له
المفتي لا حنث عليك مع أن ذلك الحالف مستمر على الخدمة مع زوال سبب الإكراه وإمكان
الهروب منه والتغيب عن ذلك الأمير مع أنه يحنث بسبب أنه قد أتى عليه زمن يمكنه
التغيب عن خدمة ذلك الأمير ولم يتغيب فقد خدمه مختارا فيحنث ومثل هذه المسألة إذا
حلف بالطلاق لا يكلم زيدا فخالع امرأته وكلمه لم يلزمه بهذا الكلام فلو رد امرأته
وكلمه حنث عند مالك رحمه الله بسبب أنه إنما قصد الحلف بالطلاق أن يحثه الطلاق على
عدم كلامه بسبب أنه
____________________
(3/148)
إليهما والمعرفة بهما أعني اليمين
والمحلوف عليه
فإذا جهل اليمين في صورة النسيان أو
المحلوف عليه في صورة الجهل فلم يوجدا في نفسه معا فما وجد المقصود من اليمين وهو
الترك لأجل اليمين فهاتان الحالتان لا يقصدهما الناس بالأيمان لهذه القاعدة فخرجا
عن اليمين والخارج عن اليمين لا يقع فيه حنث فخرجت الأحوال الثلاثة عند الإكراه
والنسيان والجهل فإذا خالف اليمين في حالة من هذه الحالات لا يلزم بذلك كفارة ولا
بد من المخالفة مرة أخرى في حالة الاختيار واستحضار اليمين والعلم بالمحلوف عليه
فاشترط التكرر في الأحوال الثلاثة وأما مالك رحمه الله تعالى فقال الحلف وقع على
الفعل المختار المكتسب ومقتضى ذلك أن يخرج الإكراه وحده ويبقى النسيان والجهل لأن
الناسي لليمين مختار للفعل غير أنه نسي اليمين والجاهل مختار للفعل غير أنه جهل أن
هذا عين المحلوف عليه وإذا وجد الاختيار والفعل المكتسب فقد وجد ما حلف عليه ووجدت
حقيقة المخالفة فتلزمه الكفارة فإذا وقع الفعل في حالة النسيان أو الجهل انحلت
اليمين ولزمت الكفارة ولا يشترط التكرر مرة أخرى والظاهر من جهة النظر قول الشافعي
وهو أحد الأقوال عندنا بسبب أن الباعث للحالف على الحلف إنما هو أن تكون اليمين حاثة
له على الترك وإلا كان يكفيه العزم على عدم الفعل من غير يمين وكان يستريح من لزوم
الكفارة وإنما أقدم على اليمين ليكون استحضارها في نفسه مانعا له من الإقدام أو
الإحجام فإذا نسيها لم يقصد بهذه الحالة حالة الحلف بل مقصوده محصور في حالة
حضورها في نفسه حتى تمنعه
وكذلك العلم بعين المحلوف عليه شرط
في الحنث به فإذا جهله استحال مع الجهل الحث على ما لم يعلمه فهذه الحالة يعلم
خروجها عن اليمين بقصد الحالفين فلا يلزم فيها حنث ويشترط التكرار وأما الإكراه
على اليمين فلقوله عليه السلام لا طلاق في إغلاق أي في إكراه فيقاس على الطلاق
غيره فلا يلزم ورأى أبو حنيفة أن الإكراه على الحنث لا يؤثر كما قاله مالك في
الحنث حالة النسيان والجهل والظاهر خلافه لما تقدم من مقاصد الناس في أيمانهم
تنبيه إذا قلنا بأن الإكراه على الحنث يمنع من لزوم موجب اليمين فأكره على أول مرة
من الفعل ثم فعله مختارا حنث
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
يلزمه الطلاق حينئذ فما حلف إلا على
نفي كلام يلزمه به الطلاق والكلام حالة الخلع لم يلزمه بالطلاق لعدم قبول المحل له
فلا يكون من الكلام المحلوف عليه وأول كلام يقع بعد رد امرأته هو أول مخالفة
____________________
(3/149)
قاله ابن أبي زيد وهو مقتضى الفقه
بسبب أن الإكراه لم يندرج في اليمين فالواقع بعد ذلك بالاختيار هو أول مرة صدرت
مخالفة لليمين والأولى لا عبرة بها وتقع هذه المسألة في الفتاوى كثيرا ويقع الغلط
فيها للمفتيين فيقول السائل حلفت بالطلاق لا أخدم الأمير الفلاني في إقطاعه وقد
أكرهت بالضرب الشديد على خدمته فيقول له المفتي لا حنث عليك مع أن ذلك الحالف
مستمر على الخدمة مع زوال سبب الإكراه وإمكان الهروب منه والتغيب عن ذلك الأمير
وهذا يحنث بسبب أنه إذا مضى زمن يمكنه التغيب عن خدمة ذلك الأمير ولم يتغيب فقد خدمه
مختارا فيحنث ولا يقال إن الخدمة السابقة حصل بها مخالفة اليمين والمخالفة لا
تتكرر فلا يحنث بعد ذلك لأنا نقول الحالة السابقة لم تندرج في اليمين لأجل الإكراه
والمرة الأخيرة التي هي أول الفعل الاختياري هي أول مخالفات اليمين فهي المعتبرة
دون ما قبلها فتأمل ذلك ومثل هذه المسألة إذا حلف بالطلاق لا يكلم زيدا فخالع
امرأته وكلمه لم يلزمه بهذا الكلام طلاق فلو رد امرأته وكلمه حنث عند مالك رحمه
الله بسبب أنه إنما قصد الحلف بالطلاق أن يحثه الطلاق على عدم كلامه بسبب أنه
يلزمه الطلاق حينئذ فما حلف إلا على نفي كلام يلزمه به الطلاق والكلام حالة الخلع
لم يلزمه به طلاق لعدم قبول المحل له فلا يكون من الكلام المحلوف عليه وأول كلام
يقع بعد رد امرأته هو أول مخالفة اليمين فيه فيلزم الطلاق به لا بما قبله لما
قلناه في الإكراه حرفا بحرف فتأمل ذلك فهذه الصور الثلاثة المتقدمة يحصل فيها التكرر
في صورة المخالفة لا في المخالفة المعتبرة بسبب ما تقدم تقريره الفرق الثالث
والثلاثون والمائة بين قاعدة النقل العرفي وبين قاعدة الاستعمال المتكرر في العرف
اعلم أن الاستعمال قد يتكرر في العرف ولا يكون اللفظ منقولا ألا ترى أن لفظ الأسد
قد تكرر استعماله في الرجل الشجاع ولم يصر منقولا ونعني بالمنقول هو الذي يفهم عند
الإطلاق بغير قرينة صارفة له عن الحقيقة ولفظ
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
اليمين فيه فيلزم الطلاق به لا بما
قبله لما قلناه في الإكراه حرفا بحرف فتأمل ذلك وبالجملة فهذه الصور الثلاث
المتقدمة يحصل فيها التكرر في صورة المخالفة مطلقا لا في المخالفة المعتبرة بسبب
ما تقدم تقريره والله سبحانه وتعالى أعلم
الفرق الثالث والثلاثون والمائة بين
قاعدة النقل العرفي وبين قاعدة الاستعمال المتكرر في العرف النسبة بين المنقول
العرفي والمتكرر العرفي هي العموم والخصوص المطلق لأن المنقول العرفي هو الذي
____________________
(3/150)
الأسد لا ينصرف عن الحقيقة إلى
المجاز الذي هو الرجل الشجاع إلا بقرينة صارفة إليه وكذلك تكرر لفظ الغزال في
المرأة الجميلة ولفظ الشمس والبدر وكذلك تكرر لفظ الغيث والبحر والغمام في الرجل
السخي ومع ذلك لم يصر اللفظ منقولا فظهر حينئذ أن النقل أخص من التكرر وأن التكرر
لا يلزم منه النقل لأن الأعم لا يستلزم الأخص وإذا لم يصر اللفظ منقولا بمجرد
التكرر لا يجوز حمل اللفظ على شيء تكرر اللفظ فيه ولم يكن اللفظ موضوعا له إلا
بقرينة ولا يعتمد على مطلق التكرر وبهذا الفرق بين هاتين القاعدتين يظهر بطلان ما
وقع في مذهبنا في المدونة أن من حلف لا يفعل شيئا حينا أو زمنا أو دهرا فذلك كله
سنة وقال الشافعي يحمل على العرف في هذه الألفاظ
وقال أبو حنيفة وابن حنبل ذلك ستة
أشهر لقوله تعالى تؤتي أكلها كل حين أي في ستة أشهر وليس الأمر كما قالاه بل
النخلة من ابتداء حملها إلى نهايته تسعة أشهر وحينئذ تعطي ثمرها وهو أحد الوجوه
التي وقعت المشابهة فيها بين النخلة وبين بنات آدم وقد ذكر ذلك في قوله عليه
السلام أكرموا عمتكم النخلة قالوا لأنها خلقت من فضلة طينة آدم فهي عمة بهذا
المعنى وقد حصلت المشابهة بينها وبين بني آدم من أربعة عشر وجها أحدها هذا الوجه
وروى ابن وهب عن مالك ترددا في الدهر هل هو سنة أم لا وروي عن ابن عباس
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
يفهم عند الإطلاق بغير قرينة صارفة
له عن الحقيقة والمتكرر العرفي هو ما استعمل في معناه وفي غير معناه سواء كان مع
القرينة الصارفة له عن معناه أو كان بدونها فكل منقول متكرر وليس كل متكرر منقولا
لصدق المتكرر بدون المنقول على الأسد في الرجل الشجاع وعلى لفظ الغزال والشمس
والبدر في المرأة الجميلة ولفظ الغيث والبحر والغمام في الرجل السخي ونحو ذلك مما
لا ينصرف عن حقيقته إلى المجاز إلا بقرينة صارفة إليه فالنقل أخص من التكرر ولا
يلزم من التكرر النقل لأن الأعم لا يستلزم الأخص وإذا لم يصر اللفظ منقولا بمجرد
التكرر لا يجوز حمل اللفظ على شيء تكرر اللفظ فيه ولم يكن اللفظ موضوعا له إلا
بقرينة ولا يعتمد على مطلق التكرر فظهر الفرق بين هاتين القاعدتين وبه يظهر بطلان
ما وقع في مذهبنا في المدونة أن من حلف لا أفعل شيئا حينا أو زمنا أو دهرا ولا نية
له فذلك كله سنة وقال الشافعي يحمل على العرف في هذه الألفاظ
وقال أبو حنيفة وابن حنبل ذلك ستة
أشهر لقوله تعالى تؤتي أكلها كل حين أي في ستة أشهر وليس الأمر كما قالاه بل النخلة
من ابتداء حملها إلى نهايته تسعة أشهر تعطي ثمرها حينئذ وهو أحد الوجوه الأربعة
عشر التي وقعت المشابهة فيها بين النخلة وبين بنات آدم وقد ذكر ذلك في قوله عليه
الصلاة والسلام أكرموا عمتكم النخلة قالوا لأنها خلقت من فضلة طينة آدم فهي عمة
بهذا المعنى وروى ابن وهب عن مالك ترددا في الدهر هل هو سنة أم لا وروي عن ابن
عباس رضي الله عنهما أنه سنة لقوله تعالى تؤتي أكلها كل حين إشارة إلى
____________________
(3/151)
رضي الله عنهما أنه سنة لقوله تعالى
تؤتي أكلها كل حين إشارة إلى أن الثمرة إذا حملت في وقت لا تحمل بعد ذلك إلا في
ذلك الوقت وهذه الإشارات كلها إلى أصل وجود الاستعمال ولا يلزم من حصول أصل
الاستعمال أن يحمل اللفظ عليه من غير قرينة صارفة ولا يلزم من استعمال اللفظ
المتواطئ في بعض أفراده مرة واحدة أو مرات أن يقال له شرعي ولا عرفي بل ذلك شأن
استعمال اللفظ المتواطئ ينتقل في أفراده والمنقول في اللغة أن الحين اسم لجزء ما
من الزمان وإن قل فهو يصدق على القليل والكثير فالمتجه ما قاله الشافعي رضي الله
عنه فقد ظهر الفرق بين قاعدة كثرة الاستعمال وقاعدة النقل وظهر بظهوره الحق في هذه
المسائل لأن الكلام فيها مع عدم النية
الفرق الرابع والثلاثون والمائة بين
قاعدة تعذر المحلوف عليه عقلا وبين قاعدة تعذره عادة أو شرعا اعلم أنه إذا حلف
ليفعلن كذا وتعذر الفعل عقلا لم يحنث إذا لم يمكنه الفعل قبل ذلك فإن أمكنه ثم
تعذر حنث والفرق بين التعذر العقلي وغيره أن الناس إنما يقصدون بأيمانهم الحنث على
الفعل الممكن لهم أما المتعذر عقلا فلم يوضع اللفظ في القسم حاثا عليه فلذلك
المتعذر عقلا لا يوجب حنثا لأن الحلف على الشيء مشروط بإمكانه وفوات الشرط يقتضي
عدم المشروط فلا
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
أن النخلة إذا حملت بالثمرة في وقت
لا تحمل بعد ذلك إلا في ذلك الوقت وهذه الإشارات كلها إلى أصل وجوه الاستعمال ولا
يلزم من حصول أصل الاستعمال أن يحمل اللفظ عليه من غير قرينة صارفة والمنقول في
اللغة أن الحين اسم لجزء ما من الزمان وإن قل فهو يصدق على القليل والكثير من قبيل
صدق المتواطئ على أفراده ولا يلزم من استعمال اللفظ المتواطئ في بعض أفراده مرة
واحدة أو مرات أن يقال له شرعي ولا عرفي بل ذلك شأن استعمال اللفظ المتواطئ ينتقل
في أفراده فالمتجه ما قاله الشافعي رضي الله عنه فقد ظهر الفرق بين قاعدة كثرة
الاستعمال وقاعدة النقل وظهر بظهوره الحق في هذه المسائل والله سبحانه وتعالى أعلم
الفرق الرابع والثلاثون والمائة بين
قاعدة تعذر المحلوف عليه عقلا وبين قاعدة تعذره عادة أو شرعا وهو أن الناس إنما
يقصدون بأيمانهم الحث على الفعل الممكن لهم فالحلف على الشيء مشروط بإمكانه والمتعذر
عقلا ليس بممكن فلم يوضع اللفظ في القسم حاثا عليه فلا يوجب حنثا لأن فوات الشرط
يوجب عدم المشروط فإذا حلف ليفعلن كذا وتعذر الفعل عقلا لم يحنث إلا إذا أمكنه
الفعل قبل ذلك ثم تعذر فإنه يحنث والمراد بالمتعذر عقلا ما كان فعله من خوارق
العادات فلذا قال ابن القاسم والشافعي إذا حلف ليذبحن الحمامة فقام مكانه فوجدها
ميتة لا حنث عليه وقال مالك الحالف ليضربن امرأته إلى سنة
____________________
(3/152)
يبقى الفعل محلوفا عليه فلا يضره عدم
فعله أما التعذر العادي أو الشرعي الذي يكون الفعل معه ممكنا عادة فهذا مندرج في
اليمين عملا بظاهر اللفظ فإن الحلف اقتضى الفعل في جميع الأحوال إلا ما دل الدليل
على إخراجه وقيل المتعذرات كلها سواء وفي الفرق عدة مسائل المسألة الأولى إذا حلف
ليذبحن الحمامة فقام مكانه فوجدها ميتة قال ابن القاسم والشافعي لا حنث عليه بخلاف
لو حلف ليبيعن أمته فيجدها حاملا عند ابن القاسم يحنث لأن المانع شرعي وسوى بينهما
سحنون في عدم الحنث قال مالك الحالف ليضربن امرأته إلى سنة فتموت قبل السنة لم
يحنث بموتها وهو على بر قال عبد الحق في تهذيب الطالب إن حلف ليركبن الدابة فتسرق
يحنث عند ابن القاسم لأن الفعل ممكن عادة وإنما منعه السارق بخلاف موت الحمام وقال
أشهب لا يحنث لأنه متعذر بسبب السرقة فإن ماتت قبل التمكن بر لتعذر الفعل عقلا
ومنع الغاصب والمستحق كالسارق وإن حلف ليضربن عبده فكاتبه أو ليبيعن أمته فوجدها
حاملا يحنث لأن المانع شرعي والفعل ممكن وقال سحنون لا يحنث لأنه متعذر وإن حلف
ليطأها فوجدها حائضا يخرج الحنث على الخلاف
وقال أشهب إن حلف ليصومن رمضان
وشوالا إن صام يوم الفطر بر وإلا حنث تنبيه ومعنى قول الأصحاب الفعل متعذر عقلا
يريدون أن فعله من خوارق العادات وإلا فيمكن عقلا أن الله تعالى يحيي الحمام والحيوان
حتى يتأتى فيه أفعال الأحياء لكن ذلك خارق للعادة بخلاف السارق ونحوه لا يقال إن
الفعل مستحيل عادة فإن من
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
فتموت قبل السنة لم يحنث بموتها وهو
على بر فجعلوا موت الحمام والحيوان من المتعذر عقلا مع أنه يمكن عقلا أن الله
تعالى يحي الحمام والحيوان حتى يتأتى فيه أفعال الأحياء لكن ذلك خارق للعادة أما
المتعذر عادة وهو ما يكون الفعل معه ممكنا شرعا وعقلا أو المتعذر شرعا وهو ما يكون
الفعل معه ممكنا عادة وعقلا فهما مندرجان في اليمين عملا بظاهر اللفظ فإن الحلف
اقتضى الفعل في جميع الأحوال إلا ما دل الدليل على إخراجه وقيل المتعذرات كلها
سواء قال عبد الحق في تهذيب الطالب إن حلف ليركبن الدابة فتسرق يحنث عند ابن القاسم
لأن الفعل أي في ذاته ممكن عادة وإنما منعه السارق بخلاف موت الحمام وقال أشهب لا
يحنث لأنه متعذر أي عادة بسبب السرقة فإن ماتت قبل التمكن بر لتعذر الفعل عقلا
ومنع الغاصب والمستحق كالسارق وإن حلف ليضربن عبده فكاتبه أو ليبيعن أمته فوجدها
حاملا يحنث لأن المانع شرعي والفعل أي في ذاته ممكن أي عادة وعقلا
وقال سحنون لا يحنث لأنه متعذر أي
شرعا وإن حلف ليطأها فوجدها حائضا يخرج الحنث على الخلاف وقال أشهب إن حلف ليصومن رمضان
وشوالا إن صام يوم الفطر بر وإلا حنث وليس الفعل مع السارق ونحوه بمستحيل عادة لأن
من الممكن عادة القدرة على السارق والغاصب
____________________
(3/153)
الممكن عادة القدرة على السارق
والغاصب ويفعل ما حلف عليه فهذا تحرير القاعدتين والفرق بينهما
الفرق الخامس والثلاثون والمائة بين
قاعدة المساجد الثلاثة يجب المشي إليها والصلاة فيها إذا نذرها وقاعدة غيرها من
المساجد لا يجب المشي إليها إذا نذر الصلاة فيهما
هامش أنوار البروق
قال الفرق الخامس والثلاثون والمائة
بين قاعدة المساجد الثلاثة يجب المشي إليها والصلاة فيها إذا نذرها وقاعدة غيرها
من المساجد لا يجب المشي إليها إذا نذر الصلاة فيها قلت ما حكاه لا كلام فيه وما
قاله من أن الحديث يقتضي عدم لزوم المشي إلى غيرها ليس كما
هامش إدرار الشروق
ويفعل ما حلف عليه كذا في الأصل
وسلمه ابن الشاط وفي المجموع وشرحه وحاشيتيه ما حاصله وحنث بفوت ما حلف عليه حيث
لا نية له إن قدر مثلا ولا بساط بذلك ولو لمانع شرعي مطلقا أي تأخر أم لا فرط أم
لا أقت أم لا ومن المانع الشرعي أن يحلف ليصومن غدا فمرض فإنه دائر بين العادي حيث
لم يطلقه والشرعي لحرمة ضرر نفسه وأما إن ظهر أنه عيد فنقل السيد عند قوله أن يكره
عن عج عن ابن عرفة عدم الحنث لأن بساط يمينه إن كان يصام ومن المانع الشرعي أيضا
حلفه ليبيعن الأمة فوجدها حملت منه أو ليطأنها الليلة فحاضت فيها فيحنث فيهما وأما
ليطأنها وأطلق فينتظر طهرها وانظر لم لا يجعلونهما كمسألة يوم العيد السابقة
وكأنه لما كان الحمل والحيض من
الأمور التي تطرأ أرجعوهما للموانع وأما العيدية فذاتية يوم العيد لا تنفك عنه على
أن مسائل الأيمان خلافية جدا فربما وقع فيها تلفيق من قولين فلم تجر على وتيرة
واحدة كعادي متأخر عن اليمين فرط أم لا أقت أم لا كسرقة الحمام في ليذبحنه كعقلي
تشبيه بالعادي في الحنث مع التأخر وقوله إن فرط ولم يؤقت قيد في المشبه فإن بادر
وأقت ولم يبادر فلا حنث قال البليدي ومن أمثلة ذلك ما إذا حلف ضيف على صاحب الدار
لا يذبح فتبين أنه قد ذبح أو ليفتضن زوجته فوجد عذرتها سقطت فلا حنث أي لأن رفع الواقع
وتحصيل الحاصل محال عقلا فهو مانع متقدم ومن حسن نظم عج إذا فات محلوف عليه لمانع
إذا كان شرعيا فحنثه مطلقا كعقلي أو عاد إن يتأخر وفرط حتى فات دام لك البقا وإن
وقت أو قد كان منه تبادر فحنثه بالعادي لا غير حققا وإن كان كل قد تقدم منهما فلا
حنث في حال فخذه محققا ا ه والله سبحانه وتعالى أعلم
الفرق الخامس والثلاثون والمائة بين
قاعدة المساجد الثلاثة يجب المشي إليها والصلاة فيها إذا نذرها وبين قاعدة غيرها
من المساجد لا يجب المشي إليها إذا نذر الصلاة فيها مع أن القاعدة في النذر أنه لا
يجزئ فعل الأعلى عن فعل الأدنى إذا نذره فمن نذر أن يتصدق برغيف
____________________
(3/154)
قال مالك رحمه الله في المدونة إذا
قال علي أن آتي إلى المدينة أو بيت المقدس أو المشي إليها فلا يأتي إليهما حتى
ينوي الصلاة في مسجديهما أو ما يلازم ذلك وإلا فلا شيء عليه ولو نذر الصلاة في
غيرها من المساجد صلى بموضعه وقاله الشافعي وأحمد بن حنبل وقال اللخمي قال القاضي
إسماعيل ناذر الصلاة في المسجد الحرام لا يلزمه المشي إذا نذره قال والمشي في ذلك
كله أفضل لأن المشي في القرب أفضل وهو قربة قال ومقتضى أصل مالك أن يأتي المكي المدينة
لأنها أفضل فإتيانها من مكة قربة بخلاف الإتيان من المدينة إلى مكة وقدم الشافعي
وأحمد بن حنبل المسجد الحرام عليها قال ابن يونس يمشي إلى غير الثلاثة المساجد من
المساجد إن كان قريبا كالأميال اليسيرة ماشيا ويصلي فيه قال ابن حبيب إذا كان
بموضعه مسجد جمعة لزمه المشي إليه وقال مالك وبه أفتى ابن عباس من بمسجد قباء وهو
من المدينة على ثلاثة أميال وفي الجواهر الناذر
هامش أنوار البروق
قال بل يقتضي عدم إعمال المطي إلى
غيرها
والمراد بذلك والله أعلم أن لا يتحمل
مشقة السفر الذي يحوج إلى إعمال المطي إلا لهذه المساجد فيبقى السفر الذي لا يحوج
إلى إعمال المطي وما دون ذلك مما ليس بسفر مسكوتا عنه في الحديث وما قاله من أن كل
ما وجب المشي إليه وجب إعمال الركاب إليه وإلا فلا دعوى لا حجة فيما ذكر عليها
والله أعلم
قال وسر الفرق أن النذر لا يؤثر إلا
في مندوب إلى قوله فلا يجب الإتيان إلى شيء منها لعدم الرجحان
هامش إدرار الشروق
لا يجزئه أن يتصدق بثوب وإن كان أعظم
منه وقعا عند الله تعالى وعند المسلمين ومن نذر أن يصوم يوما لم يجزه أن يصليه
بدلا عن الصوم وإن كانت الصلاة أفضل في نظر الشرع ومن نذر أن يحج لم يجزه أن يتصدق
بآلاف من الدنانير على الأولياء والضعفاء ولا أن يصلي الستين مع أن الصلاة أفضل من
الحج ونظائر ذلك كثيرة وإنما لم يجز فعل الأعلى عن فعل الأدنى وإن كان الأعلى أعظم
قدرا لأن في ترك الأدنى المنذور مخالفة النذر وإذا خولف المنذور حصل ارتكاب
الممنوع وهو عدم الوفاء لله تعالى بما التزم لوجهه فما وجه مخالفة الفقهاء هذه
القاعدة فيمن نذر الصلاة في غير مسجد من المساجد الثلاثة وفيمن نذر الصلاة في
المسجد الأقصى وهو بمكة أو المدينة حيث قال مالك في المدونة إذا قال على أن آتي
إلى المدينة أو بيت المقدس أو المشي إليهما فلا يأتي إليهما حتى ينوي الصلاة في
مسجديهما أو ما يلازم ذلك وإلا فلا شيء عليه ولو نذر الصلاة في غيرهما من المساجد
صلى بموضعه وقاله الشافعي وأحمد بن حنبل
وقال اللخمي قال القاضي إسماعيل ناذر
الصلاة في المسجد الحرام لا يلزمه المشي إذا نذره قال والمشي في ذلك كله أفضل لأن المشي
في القرب أفضل وهو قربة وهو مقتضى أصل مالك أن يأتي المكي المدينة لأنها أفضل
فإتيانها من مكة قربة بخلاف الإتيان من المدينة إلى مكة وقدم الشافعي وأحمد بن
حنبل المسجد الحرام عليها قال ابن يونس يمشي إلى غير الثلاثة المساجد من المساجد
إن كان قريبا كالأميال
____________________
(3/155)
إن كان بمكة أو المدينة ونذر بيت
المقدس يصلي في مسجد موضعه لأنه أفضل وإن كان بالأقصى مضى إليهما ويمشي المكي إلى
المدينة والمدني إلى مكة للخروج من الخلاف وأصل الباب قول رسول الله صلى الله عليه
وسلم لا تعمل المطي إلا لثلاثة مساجد مسجدي هذا ومسجد إيلياء والمسجد الحرام
فاقتضى ذلك عدم لزوم المشي إلى غيرها فإن كل ما وجب المشي إليه وجب إعمال الركاب
إليه وإلا فلا وسر الفرق أن النذر لا يؤثر إلا في مندوب فما لا رجحان في فعله في
نظر الشرع لا يؤثر فيه النذر وسائر المساجد مستوية من جهة أنها بيوت القرب والتقرب
إلى الله تعالى بالصلاة فيها فلا يجب الإتيان إلى شيء منها لعدم الرجحان فإن قلت
إن المساجد أفضل من غيرها إجماعا
وبعضها أفضل من بعض إما لكثرة طاعة
الله تعالى فيها وإما لقدم هجرته أو لكثرة جماعته أو غير ذلك من أسباب التفضيل
ومقتضى ذلك وجوب الصلاة فيها إذا نذرت لأجل الرجحان في نظر الشرع قلت سؤال جليل
والجواب عنه أن القاعدة الشرعية أن الفعل قد يكون راجحا في
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله من استواء المساجد وعدم
الرجحان فيها دعوى لم يأت عليها بحجة
قال فإن قلت إن المساجد أفضل من
غيرها إجماعا وبعضها أفضل من بعض إلى قوله بل ورد الحديث المتقدم بعدم ذلك قلت ما
قرره من القاعدة صحيح نقول بموجبه ولا يلزم عنه مقصوده وما قاله من اعتقاد رجحان
المساجد على غيرها أو رجحان بعضها على بعض لا يوجب اعتقاد ضم الصلاة إليها ليس
هامش إدرار الشروق
اليسيرة ماشيا ويصلي فيه قال ابن
حبيب إذا كان بموضعه مسجد جمعة لزمه المشي إليه وقال مالك وبه أفتى ابن عباس من
بمسجد قباء وهو من المدينة على ثلاثة أميال وفي الجواهر الناذر إن كان بمكة أو
المدينة ونذر بيت المقدس يصلي في مسجد موضعه لأنه أفضل وإن كان بالأقصى مضى إليهما
ويمشي المكي إلى المدينة والمدني إلى مكة للخروج من الخلاف
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا تعمل المطي إلا لثلاثة مساجد مسجدي هذا ومسجد إيلياء والمسجد الحرام إنما ورد
بعدم إعمال المطي لا بعدم المشي جملة وإعمال المطي أخص من المشي مطلقا ونفي الأخص
لا يستلزم نفي الأعم فالمراد بالحديث والله أعلم أن لا يتحمل مشقة السفر الذي يحوج
إلى إعمال المطي إلا لهذه المساجد فيتبقى السفر الذي لا يحوج إلى إعمال المطي
وما دون ذلك مما ليس سفرا مسكوت عنه
في الحديث قلت لم يخالف الفقهاء القاعدة المذكورة في مسألة ناذر الصلاة في المسجد
الأقصى أو في غير مسجد من المساجد الثلاثة ضرورة أن القاعدة إنما اقتضت منع نيابة
الجنس الأعلى من العبادات عن الجنس الأدنى منها وكذلك نيابة الجنس الأعلى من متعلق
العبادات عن الجنس الأدنى منه لأن في ذلك مخالفة النذر فلم ينب القمح عن الشعير
ولا الصلاة عن الصوم مثلا إلا أنه لم ينذر القمح ولا الصلاة فلو فعل التصدق بالقمح
بدل الشعير أو فعل الصلاة بدل الصوم لكان قد خالف ما التزمه لله تعالى وليس للنذر
____________________
(3/156)
نفسه ولا يكون ضمه لراجح آخر في نفسه
راجحا في نظر الشرع وقد يكون ضمه راجحا فمن الأول الصلاة والحج راجحان في نظر
الشرع كل واحد منهما في نفسه وليس ضمهما راجحا في نظر الشرع والصوم والزكاة راجحان
منفردين وليس ضمهما راجحا في نظر الشرع بل قد يكون الفعلان راجحين في نظر الشرع
وضمهما مرجوح في نظر الشرع كالصوم والوقوف بعرفة والتنفل في المصلى مع صلاة العيد والركوع
وقراءة القرآن لقوله عليه السلام نهيت أن أقرأ القرآن راكعا وساجدا والدعاء في بعض
أجزاء الصلاة كما قبل التشهد ونحوه ومما رجح منفردا ومجتمعا الصوم والاعتكاف
والتسبيح والركوع ونحو ذلك وقد تقدم بسط هذه القاعدة فاعتقاد رجحان المساجد على
غيرهما أو رجحان بعضها على بعض لا يوجب اعتقاد ضم الصلاة إليها لأن اعتقاد الرجحان
الشرعي يتوقف على مدرك شرعي ولم يرد بل ورد الحديث المتقدم بعد ذلك وليس لك أن
تقول إن رجحانها إنما ثبت باعتبار الصلاة فيها فإني أمنع ذلك بل ما دل الدليل على
رجحانها باعتبار الصلاة إلا باعتبار صلاة الفرض دون النفل من الصلاة لقوله عليه
السلام خير
هامش أنوار البروق
بصحيح فإن المساجد لا معنى لفضلها
على غيرها أو فضل بعضها على بعض إلا بالنسبة إلى الصلاة فيها لا باعتبارها في
أنفسها وما قاله من أن الرجحان الشرعي يتوقف على مدرك شرعي صحيح والمدرك الشرعي في
ذلك الأمر المعلوم من الدين ضرورة أن الصلاة المكتوبة في المسجد أفضل منها في غيره
وقوله بل ورد الحديث المتقدم بعدم ذلك ليس بصحيح بل ورد بعدم إعمال المطي لا بعدم
المشي جملة فإن إعمال المطي أخص من المشي مطلقا ونفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم
هامش إدرار الشروق
أثر إلا في تصيير المندوب من حيث هو
مندوب خاصة واجبا وأما نيابة الصفة العليا من صفات متعلق العبادة عن الدنيا فلا
تقتضي القاعدة منعه لأنه ليس فيه مخالفة للنذر فيجوز الفرق بين الأمرين أن جنس
العبادة أو جنس متعلقها هو جنس مقصود من مقاصد الشرع وأما صفة متعلق العبادات
فإنما هو صفة ليست مقصودا للشارع وعلى الصفة تتخرج المسألة المذكورة فلا إشكال
أصلا قاله ابن الشاط
قال وتلخيص القول في المنذورات عندي
أن الناذر عملا إذا نذر من أعمال البر فإنه لا يخلو من أن يكون منذوره ذلك معين
الشخص كما إذا قال لله علي أن أعتق هذا العبد أو أتصدق بهذا الثوب أو لا يكون
منذوره ذلك معين الشخص فإن كان منذوره ذلك معين الشخص فإنه لا يجزئه في الخروج عن
عهدة ذلك النذر إلا ذلك المعين أو لم يكن منذوره ذلك معين الشخص فلا يخلو من أن يكون
معين النوع كما إذا قال لله علي أن أصوم أو لا يكون كذلك فإن كان معين النوع فلا
يخلو مع كونه معين النوع من أن يكون معين الصفة أو لا يكون كذلك فإن كان معين
الصفة فلا يخلو من أن تكون الصفة مما يتعلق بها مقصد شرعي أو لا تكون كذلك
فإن كان معين النوع فقط فلا يجزئه
إلا ذلك النوع بأي صفة كان وإن كان معين النوع والصفة والصفة متعلق المقصد الشرعي
فلا يجزئه إلا كذلك وإن كان معين النوع والصفة مما لا يتعلق بها مقصد شرعي فلا
يجزئه بأدنى من تلك الصفة ويجزئه بأعلى منها وعلى هذا القسم تتخرج المسألة المذكورة
وإن كان غير معين النوع كما إذا قال لله علي أن أعمل عملا صالحا فإنه يجزئه أي
____________________
(3/157)
صلاة أحدكم في بيته إلا المكتوبة مع
أن المساجد من حيث هي مساجد مستوية بالنسبة إلى المكتوبة أيضا حتى يرد دليل شرعي
يقتضي رجحان بعضها على بعض باعتبار فرض أو نفل فإن الرجحان الشرعي حكم شرعي يتوقف
على مدرك شرعي والحديث السابق اقتضى عكس ذلك فلا يجب السعي حينئذ إلى مسجد غير
الثلاثة وإن نذره
وأما ما وقع من قوله يمشي إلى القريب
فمراعاة لضرورة النذر على وجه الندب دون الإلزام وقول ابن حبيب يمشي إلى مسجد
الجمعة مشكل يتوقف ذلك على دليل يدل عليه لما تقدم من القاعدة وكذلك قول الأصحاب
يمشي إلى المسجد القريب استحسان من غير مدرك ظاهر والصواب ما تقدم فإن قلت القاعدة
في النذر أنه لا يجزئ فعل الأعلى عن فعل الأدنى إذا نذره فمن نذر أن يتصدق برغيف
لا يجزئه أن يتصدق بثوب وإن كان أعظم منه وقعا عند الله تعالى وعند المسلمين ومن
نذر أن يصوم يوما لم يجزه أن يصليه بدلا عن الصوم وإن كانت الصلاة أفضل في نظر الشرع
ومن نذر أن يحج لم يجزه أن
هامش أنوار البروق
قال وليس لك أن تقول إن رجحانها إنما
ثبت باعتبار الصلاة إلى قوله فلا يجب السعي حينئذ إلى مسجد غير الثلاثة وإن نذره
قلت ما قاله من أن المساجد مستوية بالنسبة إلى المكتوبة مع تسليمه قبل هذا أن
بعضها أفضل من بعض لا يتبين لي معناه وإذا لم تكن الأعمال في بعض المساجد أفضل من
الأعمال في غيره فما المراد بفضل بعضها على بعض وما قاله من أن الحكم الشرعي يتوقف
على مدرك شرعي
هامش إدرار الشروق
عمل من أعمال البر عمله ا ه ومنه
يتضح الفرق بين قاعدة وجوب المشي على من نذر الصلاة في أحد المساجد الثلاثة وهو
بغيرها وبين قاعدة عدم وجوب المشي على من نذر المشي لمسجد من غير المساجد الثلاثة
وهو في أحدها لأن القاعدتين من قسم
ما تعين فيه النوع المنذور وصفته التي هي زيادة مضاعفة ذلك النوع في أحد المساجد الثلاثة
على مضاعفته في غيرها من المساجد مع كون تلك الصفة مما لا يتعلق بها مقصد شرعي
والحكم في هذا القسم كما علمت أنه لا يجزئ بأدنى من تلك الصفة ويجزئ بأعلى منها
فوجب المشي في القاعدة الأولى لكون النوع المعين المنذور فيها أعلى مضاعفة في
المساجد الثلاثة من مضاعفته في غيرها من المساجد فيجزئ وقد علمت أن شأن النذر
تصيير المندوب من حيث هو مندوب واجبا ووسيلة الواجب واجبة فلذا وجب المشي هنا ولم
يجب في القاعدة الثانية لكون النوع المعين المنذور فيها أدنى مضاعفة في مسجد من
غير المساجد الثلاثة من مضاعفته في واحد منها فلا يجزئ إلا فعله فيما هو فيه من
المساجد الثلاثة لكونه فيه أعلى مضاعفة فلذا لم يجب المشي هنا فتأمل ذلك والله
سبحانه وتعالى أعلم تنبيه قال العلامة الشيخ منصور بن إدريس الحنبلي في شرحه كشاف القناع
على متن الإقناع عند قوله وإذا فرغ من الحج استحب له زيارة قبر النبي صلى الله
عليه وسلم وقبر صاحبيه رضي الله عنهما ما نصه لحديث الدارقطني عن ابن عمر قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي
____________________
(3/158)
يتصدق بآلاف من الدنانير على
الأولياء والضعفاء ولا أن يصلي السنين مع أن الصلاة أفضل من الحج ونظائر ذلك كثيرة
وإذا تقررت هذه القاعدة كيف صح في
هذا الباب أن من نذر أن يصلي ببيت المقدس يصلي بالمدينة أو بمكة إذا كان مقيما
بهما ولا يأتي بيت المقدس وغايته أنه ترك المفضول لفعل الفاضل والقاعدة منع ذلك
فكيف ساغ ذلك هنا قلت ظاهر كلام الأصحاب أنه يصلي بالحرمين إذا كان مقيما بهما
حالة النذر لأنه حينئذ نذر الخروج وترك الصلاة في الحرمين حتى يصليها ببيت المقدس
فقد نذر المرجوح والنذر لا يؤثر في المرجوح بل في المندوب الراجح
هامش أنوار البروق
صحيح وما قاله من أن الحديث السابق
يقتضي عكس ذلك ليس بصحيح وقد سبق بيانه قال وأما ما وقع من قوله يمشي إلى القريب
فمراعاة لضرورة النذر على وجه الندب دون الإلزام قلت ما قاله في ذلك كلام ضعيف لا
يصح إلا بحجة ولم يأت بها قال وقول ابن حبيب يمشي إلى مسجد الجمعة مشكل إلى قوله
من القاعدة قلت إن ثبت له دليل فلا إشكال وإلا أشكل قال وكذلك قول الأصحاب يمشي
إلى المسجد القريب استحسان من غير مدرك والصواب ما تقدم قلت كلامه هذا كلام متناقض
وكيف يصح أن يكون قول الأصحاب استحسانا من غير مدرك وهل الاستحسان إلا مدرك عند
القائلين به
قال فإن قلت القاعدة في النذر أنه لا
يجزئ فعل الأعلى عن فعل الأدنى إلى قوله ونظائر ذلك كثيرة قلت إنما لم يجزه فعل الأعلى
عن فعل الأدنى وإن كان الأعلى أعظم قدرا لأن في ترك الأدنى المنذور مخالفة النذر
وإذا خولف المنذور حصل ارتكاب الممنوع وهو عدم الوفاء لله تعالى بما التزم لوجهه
قال وإذا تقررت هذه القاعدة كيف صح
في هذا الباب أن من نذر أن يصلي بالبيت المقدس يصلي بالمدينة أو بمكة إلى قوله ينبغي
أن يتعين عليه قلت نقول إذا كان الناذر مقيما بالحرمين كان في ضمن نذره الصلاة
ببيت المقدس ترك الراجح وهو الصلاة بالمسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم
وهذا الذي قاله ليس بالظاهر وإنما يكون الأمر كذلك لو لم يكن ترك التنفل بالمسجدين
جائزا أما وترك التنفل بهما جائز فلا يلزم ذلك فالظاهر ورود السؤال
هامش إدرار الشروق
وفي رواية من زار قبري وجبت له
شفاعتي رواه باللفظ الأول سعيد قال ابن نصر الله لازم استحباب زيارة قبر النبي
عليه الصلاة والسلام استحباب شد الرحال إليها لأن زيارة الحاج بعد حجه لا تمكن
بدون شد الرحل فهذا كالتصريح باستحباب شد الرحل لزيارته عليه الصلاة والسلام ا ه
قلت ولعل إمامنا مالكا
____________________
(3/159)
أما لو كان بغير المواضع الثلاثة من
أقطار الدنيا ونذر المشي إلى البيت المقدس ينبغي أن يتعين عليه أو يقال الصلاة من
حيث هي صلاة حقيقة واحدة فالعدول فيها عن الصفة الدنيا إلى الصفة العليا لا يقدح
في موجب النذر ألا ترى أنه لو نذر أن يتصدق بثوب خلق أو غليظ وغير ذلك من الصفات
التي لا تتضمن مصلحة بل هي مرجوحة في الثياب فتصدق بثوب جديد أو غير ذلك من الثياب
الموصوفة بالصفات الجيدة فإنه يجزئه فإن النذر لما ورد على الثوب الخلق ورد على
شيئين أحدهما أصل الثوب والآخر صفته
هامش أنوار البروق
قال أو يقال الصلاة من حيث هي صلاة
حقيقة واحدة إلى قوله فيجزئ ضده قلت كأنه في هذا الوجه من الجواب رام الفرق فيما
بين الجنسين والصفتين ففي الجنسين لا ينوب الأعلى عن الأدنى بخلاف الصفتين مع
اتحاد الجنس فإنه تنوب الصفة العليا عن الدنيا وهذا الوجه وإن كان أظهر من الأول
من جهة أن الصفة الدنيا ليست راجحة في نظر الشرع فإنه لا يقوى أيضا من جهة أن فيه
مخالفة النذر من حيث الجملة قال فكذلك ها هنا لما نذر الصلاة ببيت المقدس نذر أصل الصلاة
موصوفة بخمسمائة صلاة كما ورد في الحديث قلت لا يخفى ما في كلامه هذا من المسامحة
في قوله موصوفة بخمسمائة صلاة وهو وإن كان في معنى موصوفة بأنها تعدل خمسمائة صلاة
ليس من أوصاف المنذور حقيقة كما في الثوبين الجديد والخلق بل هو من أوصاف المنذور
إضافة باعتبار الجزاء عليه وتنظير الوصف الإضافي بالحقيقي فيه ما فيه
قال وهذه الخمسمائة هي بعينها في الحرمين
مع زيادة خمسمائة أخرى لقوله عليه الصلاة والسلام صلاة في مسجدي هذا خير من ألف
صلاة في غيره إلا المسجد الحرام قلت ليس والخمسمائة التي في بيت المقدس هي بعينها
التي في الحرمين مع الزيادة ولا يصح ذلك كيف والأفعال تختلف باختلاف المكان
والزمان وغير ذلك من الأمور الموجبة لاختلاف كل فعلين داخلين تحت جنس واحد مع أن
هذه الخمسمائة ليست أفعالا واقعة من المكلف بل هي جزاء على فعله صلاة واحدة في
البيت المقدس فكل كلامه هذا غير محقق ولا محصل إلا أن يريد أن المجزى عليه
بخمسمائة والمجزى عليه بألف جنس واحد وهو الصلاة فلذلك وجه إلا أن عبارته بعيدة عن
احتمال ذلك جدا
قال فكل ما هو مطلوب للشرع في البيت
المقدس هو موجود في الحرمين من أصل الصلاة وزيادة أجرها ولم يفترقا إلا في زيادة
خمسمائة أخرى تحصل له في الحرمين قلت ما قاله من أن كل ما هو مطلوب للشرع من أصل
الصلاة وزيادة أجرها غير صحيح فإن أجر الصلاة ليس بمطلوب وإنما هو موهوب وما قاله
من أنهما لم يفترقا إلا في زيادة خمسمائة
هامش إدرار الشروق
رضي الله تعالى عنه يشير إلى هذا بقوله
فيما تقدم من عبارة المدونة فلا يأتي إليهما حتى ينوي الصلاة في مسجديهما أو ما
يلازم ذلك ا ه وإن مما يلازم الصلاة في مسجد المدينة المنورة زيارة قبره صلى الله
عليه وسلم وأنه إذا قال
____________________
(3/160)
فأما التصدق بأصل الثوب فقربة فتجب
وأما التصدق بوصف الخلق فليس فيه ندب
شرعي فلا يؤثر فيه النذر فيجزئ ضده فكذلك ها هنا لما نذر الصلاة ببيت المقدس فقد
نذر الصلاة موصوفة بخمسمائة صلاة كما ورد في الحديث أن الصلاة في بيت المقدس
بخمسمائة صلاة وهذه الخمسمائة هي بعينها في الحرمين مع زيادة خمسمائة أخر لقوله
عليه الصلاة والسلام صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة في غيره إلا المسجد الحرام
فكل ما هو مطلوب للشرع في البيت المقدس هو موجود في الحرمين من أصل الصلاة وزيادة
أجرها ولم يفترقا إلا في زيادة خمسمائة أخرى تحصل له في الحرمين وترك هذه الزيادة
ليست مقصودة للشارع فلا جرم لم يتعلق بها نذر ويكون وزان ذلك من نذر أن يتصدق بثوب
فتصدق بثوبين فإنه يجزئه إجماعا ولا يكون وزانه من نذر أن يصوم فصلى لأن خصوص
الصوم من حيث هو صوم مطلوب لصاحب الشرع ولم يحصل هذا الخصوص في الصلاة كما حصل
خصوص الخمسمائة في الألف من غير خلل ألبتة
هامش أنوار البروق
أخرى تحصل له في الحرمين غير صحيح أيضا
فإنه ليس قدر ما يفضل به مسجد النبي صلى الله عليه وسلم مسجد المقدس مثل قدر ما
يفضل به المسجد الحرام على حسب الخلاف في ذلك
قال وترك هذه الزيادة ليست مقصودة
للشارع فلا جرم لم يتعلق بها نذر قلت تلك الزيادة ليست فعلا للمكلف أصلا فليست
مقصودة للشارع على وجه الندب إليها ولا على غير وجه الندب أصلا وإنما هي جزاء قال
ويكون وزان ذلك من نذر أن يتصدق بثوب فتصدق بثوبين قلت ليس وزانه ما ذكر وكيف ينظر
بين جزاء فعل المكلف وبين متعلق فعله هذا خلل واضح
قال فإنه يجزئه إجماعا قلت لا يخلوا
ناذر التصدق بثوب ثم يتصدق بثوبين من أن يقصد الخروج عن عهدة النذر بأحد الثوبين أو
بهما معا فإن قصد الأول فذلك يجزئه بلا شك وإن قصد الخروج عن عهدة النذر بهما معا
ففي ذلك نظر وما أرى دعوى الإجماع تصح في ذلك
قال ولا يكون وزانه من نذر أن يصوم
فصلى قلت قد تبين أنه ليس وزانه ما ذكر قبل وأما أنه ليس هذا وزانه فظاهر قال لأن
خصوص الصوم من حيث هو صوم مطلوب لصاحب الشرع ولم يحصل هذا الخصوص في الصلاة قلت ما
قاله في هذا صحيح ظاهر
هامش إدرار الشروق
علي أن آتي إلى المدينة ونوى زيارة
قبره صلى الله عليه وسلم يجب عليه الإتيان إليها لذلك لأن الزيارة مستحبة والمستحب
يجب بالنذر فاحفظ ذلك
وما قاله في الفرق بعده وهو السادس
والثلاثون والمائة صحيح إلا قوله وهي أن الله تعالى أمر عباده أن يتأدبوا معه كما
يتأدبوا مع أماثلهم فإنه تشبيه لا أرتضيه وما قاله في الفرق بعده صحيح كله
____________________
(3/161)
فهذا هو سر الفرق بين قاعدة عدم
إجزاء خمسمائة أخرى لقوله الراجح عن المرجوح في العبادات وقاعدة إجزاء الصلاة
بالحرمين عن الصلاة ببيت المقدس والصلاة في كل مسجد عن الصلاة في مسجد آخر من
مساجد الأقطار فتأمل ذلك تنبيه مقتضى ما تقرر في النذر لزوم ثلاثة إشكالات على
قواعد الفقهاء الإشكال الأول على ما يقول الفقهاء إن النذر لا يؤثر إلا في مندوب
ولا تأثير له في واجب لأنه لازم له قبل النذر ولا في مباح لأن صاحب الشرع لا يلزم
أحدا بفعل المباح نذره أم لا والمحرم والمكروه بطريق الأولى وإذا كانت القاعدة أن
النذر لا يؤثر إلا في راجح في نظر الشرع أشكل على ذلك إذا نذر أن يتصدق بهذا
الشعير ليس له أن يخرج عنه قمحا مع أن هذا الشعير مشتمل على أمرين أحدهما المالية
وهي موجودة في القمح والتصدق بها راجح في نظر الشرع والثاني كونه شعيرا وكونه
شعيرا لم يؤمر بخصوصه في الصدقة ولا هو راجح في نظر الشرع فكان يلزم أن لا يلزمه
خصوص الشعير وكذلك إذا نذر أن يتصدق بهذا الثوب فتصدق بألف دينار لا يجزئه أو نذر
أن يصوم لا تجزئه الصلاة مع اشتراكهما في القربة وليس في خصوص الصوم وجه يترجح به
على الصلاة حتى يؤثر فيه النذر ويمنع من إقامة الصلاة مقامه وكذلك القول في جميع
الأجناس تتعين من الأموال والعبادات يلزم خصوصها بالنذر وإن لم يكن ذلك الخصوص
راجحا في نظر الشرع بل القربة ما اشتمل عليه مما هو مشترك بينه وبين غيره فقد أثر النذر
فيما ليس براجح في نظر الشرع
هامش أنوار البروق
قال كما حصل خصوص الخمسمائة في الألف
قلت لو كانت الخمسمائة والألف من أفعال المكلف لما صح حصول الخمسمائة في الألف فإن
الخمسمائة مقيدة بالاقتصار عليها والألف مقيدة بتمامها والقيدان لا يجتمعان قال من
غير خلل ألبتة قلت وأي خلل أعظم من خلل يؤدي إلى الجمع بين النقيضين قال فهذا هو
سر الفرق إلى قوله فتأمل ذلك قلت ليته لم يفسر هذا السر فإن مثله مما يجب كتمه
قال تنبيه مقتضى ما تقرر في النذر
لزوم ثلاثة إشكالات على قواعد الفقهاء الإشكال الأول إلى آخر ما قاله في الإشكال
الأول قلت ما قاله من أن النذر قد أثر فيما ليس براجح في نظر الشرع ليس بصحيح بل
أثر في راجح في نظر الشرع من أجل أن كل ما ذكر مندوب إليه على الجملة لا من جهة
أنه مندوب راجح وإنما لم ينب القمح عن الشعير والصلاة عن الصوم لأنه لم ينذر القمح
ولا الصلاة فلو فعل التصدق بالقمح بدل الشعير أو فعل الصلاة بدل الصوم لكان قد خالف
ما التزمه لله تعالى وليس للندب أثر إلا في تصيير المندوب من حيث هو مندوب واجبا
خاصة وامتنعت نيابة الجنس الأعلى من العبادات
هامش إدرار الشروق
____________________
(3/162)
الإشكال الثاني على قاعدة من يقول
النقدان لا يتعينان لعدم تعلق القصد بخصوصياتهم ا شرعا وعادة فيلزم هذا القائل أنه
إذا نذر أن يتصدق بهذا الدرهم أن يتركه ويخرج غيره أو بهذا الدينار أن يتركه ويخرج
غيره مع أن ظاهر كلامهم يقتضي تعيينه بالإخراج وذلك بمقتضى أن الخصوص يتعلق به قصد
شرعي وعادي وهو خلاف قاعدتهم في عدم التعيين ويلزم إذا نذر أن يتصدق بهذا الدرهم
أو بدراهم لم يعينها أن يخرج عوضها دنانير لأن التقرب في المالية لا في كونها
دراهم أو دنانير بل قد يكون أحدهما أنفع للفقير وهو ما لم ينذر لراحته من الصرف في
دفع الدراهم عن الدنانير المنذورة الإشكال الثالث مقتضى ما تقدم من تقديم المسجد
الحرام على المسجد الأقصى لزيادة
هامش أنوار البروق
عن الجنس الأدنى منها وكذلك نيابة
الجنس الأعلى من متعلق العبادات عن الجنس الأدنى منه لأن فيه مخالفة النذر وجازت
نيابة الصفة العليا من صفات متعلق العبادة عن الدنيا لأنه ليس في ذلك مخالفة للنذر
والفرق بين الأمرين أن الجنس أعني جنس العبادة أو متعلقها مما هو جنس مقصود من
مقاصد الشرع وصفة متعلقها إنما هي صفة ليست مقصودة له وعلى الصفة تتخرج مسألة ناذر
الصلاة في المسجد الأقصى فلا إشكال والله أعلم قال الإشكال الثاني على قاعدة من
يقول النقدان لا يتعينان إلى آخر ما قاله فيه قلت ما قاله وألزمه من يقول إن
النقدين لا يتعينان صحيح والله أعلم
قال الإشكال الثالث مقتضى ما تقدم من
تقديم الحرام على الأقصى لزيادة فضيلته مع تحصيل أصل التقرب أن تكون أجناس
المنذورات كلها كذلك يقدم فاضلها على مفضولها ويخرج القمح بدل الشعير فيطلب الفرق
قلت ليس ما قاله في ذلك بصحيح فإن مسألة الحرام والأقصى ليست من نيابة الجنس عن
الجنس بل من نيابة الصفة العليا عن الصفة الدنيا والله أعلم
قلت وتلخيص القول في المنذورات عندي
أن الناذر إذا نذر عملا من أعمال البر فإنه لا يخلو من أن يكون منذوره ذلك معين
الشخص كما إذا قال لله علي أن أعتق هذا العبد أو أتصدق بهذا الثوب أو لا يكون
منذوره ذلك معين الشخص فإنه لا يجزئه في الخروج عن عهدة ذلك النذر إلا ذلك المعين
وإن لم يكن منذوره ذلك معين الشخص فلا يخلو أن يكون معين النوع كما إذا قاله لله
علي أن أصوم أو لا يكون كذلك فإن كان معين النوع فلا يخلو مع كونه معين النوع أن
يكون معين الصفة أو لا يكون كذلك فإن كان معين الصفة فلا يخلو أن تكون الصفة مما
يتعلق بها مقصد شرعي أو لا تكون كذلك فإن كان معين النوع فقط فلا يجزئه إلا ذلك
النوع بأي صفة كان وإن كان معين النوع والصفة من متعلق المقصد الشرعي فلا يجزئه
إلا كذلك وإن كان معين النوع والصفة مما لا يتعلق بها مقصد شرعي فلا يجزئه بأدنى
من تلك الصفة ويجزئه بأعلى منها
هامش إدرار الشروق
فارغه
____________________
(3/163)
فضيلته مع تحصيل أصل التقرب أن تكون
أجناس المنذورات كلها كذلك يقدم فاضلها على مفضولها ويخرج القمح بدل الشعير فيطلب
الفرق
الفرق السادس والثلاثون والمائة بين
قاعدة المنذورات وقاعدة غيرها من الواجبات الشرعية اعلم أن الأوامر تتبع المصالح
كما أن النواهي تتبع المفاسد والمصلحة إن كانت في أدنى الرتب كان المرتب عليها
الندب
وإن كانت في أعلى الرتب كان المرتب
عليها
هامش أنوار البروق
وعلى هذا القسم تخرج مسألة الأقصى
والحرام وإن كان غير معين النوع كما إذا قال لله علي أن أعمل عملا صالحا فإنه
يجزئه أي عمل من أعمال البر عمله والله أعلم
وما قاله في الفرق بعده وهو السادس
والثلاثون والمائة صحيح إلا قوله وهي أن الله تعالى أمر عباده أن يتأدبوا معه كما
يتأدبوا مع أماثلهم فإنه تشبيه لا أرتضيه وما قاله في الفرق بعده صحيح كله
وكذلك ما قال في الفرق بعدهما وهو
التاسع والثلاثون والمائة ما عدا قوله في انحصار المبتدأ في الخبر وما عدا قوله أن
قول الحنفية يلزم فيه التعارض دون قول المالكية والشافعية وقد تقدم التنبيه على
الأمرين في الفرق الثالث والستين
هامش إدرار الشروق
الفرق السادس والثلاثون والمائة بين
قاعدة المنذورات وقاعدة غيرها من الواجبات المتأصلة في الشريعة وهو من وجهين
أحدهما قصور مصلحة الواجب بالنذر عن مصلحة الواجب المتأصل في الشريعة لأن مصلحة الواجب
بالنذر مصلحة المندوب والالتزام لا يغير المصالح وثانيهما إن سبب الواجب بالنذر لا
يناسب الوجوب لكونه قد يعرى عن المصالح رأسا كطيران الغراب في نحو قوله إن طار
الغراب فعلي صدقة درهم بخلاف الأسباب المقررة في أصل الشريعة يتضح لك هذا الفرق
بأربع قواعد القاعدة الأولى إن الأوامر تتبع المصالح والنواهي تتبع المفاسد وكل من
المصلحة والمفسدة إن كان في أدنى الرتب كان المرتب على المصلحة الندب وعلى المفسدة
الكراهة وإن كان كل منهما في أعلى الرتب كان المرتب على المصلحة الوجوب وعلى
المفسدة التحريم ثم أن كلا من مصلحة الندب ومفسدة الكراهة تترقى فيرتقي الندب
بارتقاء مصلحته حتى يكون أعلى مراتب الندب يلي أدنى مراتب الوجوب ويرتقي المكروه
بارتقاء مفسدته حتى يكون أعلى مراتب المكررة يلي أدنى مراتب التحريم فالمصلحة التي
تصلح للندب لا تصلح للوجوب لا سيما إن كان الندب في الرتبة الدنيا فإن الشرع خصص
المرتبة العليا من المصالح بالوجوب وحث عليها بالزواجر صونا لتلك المصلحة عن
الضياع كما أن المفسدة التي تصلح للمكروه لا تصلح للتحريم لا سيما إن كان المكروه
في الرتبة الدنيا فإن الشرع خصص المفاسد العظيمة
____________________
(3/164)
الوجوب ثم أن المصلحة تترقى ويرتقي
الندب بارتقائها حتى يكون أعلى مراتب الندب يلي أدنى مراتب الوجوب وكذلك نقول في
المفسدة التقسيم بجملته وترتقي الكراهة بارتقاء المفسدة حتى يكون أعلى مراتب
المكروه يلي أدنى مراتب التحريم إذا تقرر ذلك علم حينئذ أن المصلحة التي تصلح
للندب لا تصلح للوجوب لا سيما إن كان الندب في الرتبة الدنيا فإن الشرع خصص
المرتبة العليا من المصالح بالوجوب وحث عليها بالزواجر صونا لتلك المصلحة عن
الضياع كما خصص المفاسد العظيمة بالزجر والوعيد حسما لمادة الفساد عن الدخول في
الوجود تفضلا منه تعالى عند أهل الحق لا وجوبا عقليا كما قالت المعتزلة ولو شاء الله
تعالى لم يرتب ذلك هذا في الأحكام المقررة في أصل الشريعة وكذلك القول في الأسباب
الشرعية لم يجعل صاحب الشرع شيئا سبب وجوب فعل على المكلف إلا وذلك السبب مشتمل على
مصلحة تناسب الوجوب فإن قصرت عن ذلك جعلها سبب الندب وكذلك القول في أسباب التحريم
والكراهة فبذل الرغيف للجوعان المشرف على الهلاك واجب
وسبب الوجوب الضرورة وهذا السبب
مشتمل على حفظ حياته وهي مصلحة عظيمة تصلح للوجوب وبذل الرغيف لمن يتوسع به على
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
بالزجر والوعيد حسما لمادة الفساد عن
الدخول في الوجود تفضلا منه تعالى عند أهل الحق لا وجوبا عقليا كما قالت المعتزلة
ولو شاء الله تعالى لم يرتب ذلك القاعدة الثانية إن صاحب الشرع لم يجعل شيئا سبب
وجوب فعل على المكلف إلا وذلك السبب مشتمل على مصلحة تناسب الوجوب فإن قصرت مصلحته
عن ذلك جعله سبب الندب كما أنه لن يجعل شيئا سبب تحريم فعل على المكلف إلا وذلك
السبب مشتمل على مفسدة تناسب التحريم فإن قصرت مفسدته عن ذلك جعله سبب الكراهة مثلا
بذل الرغيف للجوعان المشرف على الهلاك واجب وسبب الوجوب الضرورة وهو مشتمل على حفظ
حياته وهي مصلحة عظيمة تصلح للوجوب وبذل الرغيف لمن يتوسع به على عائلته من غير
ضرورة مندوب إليه وسبب هذا الندب التوسعة فقط لا مع دفع ضرورة حتى تقتضي الوجوب
وكذلك القول في بقية الأسباب الشرعية في بابي الأوامر والنواهي القاعدة الثالثة إن
صاحب الشرع كما جعل الأحكام على قسمين قسم قرره في أصل شرعه ولم يكله إلى خيرة
خلقه كوجوب الصلاة والصوم في رمضان وغير ذلك وقسم وكل وجوبه إلى خيرة خلقه فإن
شاءوا أوجبوه على أنفسهم بإنشاء سببه وهو النذر وإن شاءوا لم يفعلوا ذلك كذلك جعل
الأسباب على قسمين قسم قرره في أصل شرعه ولم يكله إلى خيرة المكلف كالزوال ورؤية
الهلال وملك النصاب وغير ذلك وقسم وكله للعباد فإن شاءوا جعلوه سببا وإن شاءوا لم يجعلوه
سببا وهو شرط النذور والطلاق والعتاق ونحوها فإنها أسباب من حيث إنها يلزم من
وجودها الوجود ومن عدمها العدم كما هو حقيقة السبب
____________________
(3/165)
عائلته من غير ضرورة مندوب إليه وسبب
هذا الندب التوسعة دون دفع ضرورة فلم تقتض التوسعة الوجوب لقصور مصلحتها وكذلك
القول في بقية الأسباب الشرعية في باب الأوامر وفي باب النواهي إذا تقررت هذه
القاعدة فاعلم أن صاحب الشرع جعل الأحكام على قسمين منها ما قرره في أصل شرعه ولم
يكله إلى خيرة الخلق كوجوب الصلاة والصوم في رمضان وغير ذلك ومنها ما وكل وجوبه
إلى خيرة الخلق فإن شاءوا أوجبوه على أنفسهم بإنشاء سببه وهو النذر وإن شاءوا لم
يفعلوا ذلك وكما جعل الأحكام على قسمين جعل الأسباب أيضا على قسمين منها ما قرره في
أصل شرعه ولم يكله إلى خيرة المكلف كالزوال ورؤية الهلال ومالك النصاب وغير ذلك
ومنها ما وكله للعباد فإن شاءوا جعلوه سببا وإن شاءوا لم يجعلوه سببا وهو شرط
النذور والطلاق والعتاق ونحوها فإنها أسباب لوجود حقيقة السبب فيها فإنها يلزم من
وجودها الوجود ومن عدمها العدم ولم يحصر ذلك في المندوبات كما حصره في الأحكام
المنذورات فلا يؤثر النذر إلا في نقل مندوب لواجب بطريق واحد وهو النذر بل عمم ذلك
في سائر الممكنات المستقبلات من الواجبات والمحرمات وغيرها مما ليس
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
القاعدة الرابعة إن صاحب الشرع حصر
ما وكل وجوبه إلى خيرة الخلق من قسمي الأحكام وهو النذر في المندوبات فلا يؤثر
النذر الوجوب إلا في نقل مندوب ولم يحصر ما وكل جعله سببا إلى خيرة المكلف من قسمي
الأسباب في شيء بل عمم ذلك في سائر الممكنات المستقبلات من الواجبات والمحرمات
وغيرها مما ليس من المكتسبات كهبوب الرياح ونزول الأمطار مما ليس فيه حكم شرعي ولا
اكتساب اختياري فأي ذلك شاء المكلف جعله سببا لوجوب منذور عليه أو لزم طلاق أو عتاق
له فهذه الأسباب الموكول جعلها سببا إلى خيرة المكلف أشد بعدا عن القواعد من
الأحكام الموكول وجوبها لخيرة الخلق وهو النذر مع بعد الأحكام في أنفسها عن
القواعد أيضا لأن الأحكام وإن انتقلت فيها المندوبات للواجبات والمندوبات فيها أصل
المصلحة إلا أنها بعدت أيضا بإقامة مصلحة الندب للوجوب عن قاعدة أن الأحكام تتبع
المصالح على اختلاف رتبها كما هو عادة الله تعالى في الشرائع وأما الأسباب فقد
يجعل المكلف ما هو عري عن المصلحة ألبتة كطيران الغراب وصرير الباب سببا لنذره
مثلا على خلاف قاعدة أن الأسباب لا بد من أن تشتمل على مصلحة مسبباتها كأن يقول إن
طار الغراب فعلي صدقة درهم أو امرأته طالق أو غير ذلك فيلزمه جميع ما علقه على ذلك
المعلق عليه إذا وجد وما اقتضت الحكمة الإلهية اعتبار ما لا مصلحة فيه من الأسباب وإقامة
مصلحة الندب للوجوب في النذر وخروج مسألة النذور عن القواعد من ذينك الوجهين إلا
لأنها رجعت إلى القواعد من جهة أخرى فإن الأسباب يخلف بعضها بعضا فعظم المصلحة
الذي هو سبب الوجوب في عادة الشارع وإن فقد هاهنا مع فقد المصلحة في سببه رأسا إلا
أنه خلفه سبب آخر وهو معنى عظيم متحقق بأمرين أحدهما أن مصلحة أدب العبد مع الرب
سبحانه وتعالى بحسن الوفاء فيما وعد ربه به لا سيما وقد
____________________
(3/166)
من المكتسبات كهبوب الرياح ونزول
الأمطار مما ليس فيه حكم شرعي ولا اكتساب اختياري فأي ذلك شاء المكلف جعله سببا
لوجوب منذور عليه أو لزوم طلاق أو عتاق له إذا تقرر هذا حصل الفرق بين الواجب
بالنذر والواجب المتأصل في الشريعة من وجهين أحدهما قصور مصلحته عن الوجوب لأن
مصلحته مصلحة الندب والالتزام لا يغير المصالح ثانيهما أن سببه لا يناسب الوجوب
كالأسباب المقررة في أصل الشريعة كما تقدم فكون المنذورات مستثنيات من القواعد من هذين
الوجهين وهي الاستثناء عن قاعدة الأسباب أشد بعدا عن القواعد لأن الأحكام انتقلت
فيها المندوبات للواجبات والمندوبات فيها أصل المصلحة وأما في الأسباب فقد يحصل ما
هو قد عري عن المصلحة ألبتة كطيران الغراب وصرير الباب وعبور الناموس فلو قال إن
طار الغراب فعلي صدقة درهم لزمه ذلك أو امرأته طالق أو غير ذلك لزمه جميع ما علقه
إذا وجد المعلق عليه فصارت الأسباب أبعد عن القواعد من الأحكام مع بعد الأحكام في
أنفسها فإن قلت كيف اقتضت الحكمة الإلهية اعتبار ما لا مصلحة فيه وإقامة مصلحة
الندب للوجوب مع أن قاعدة عادة الله تعالى في الشرائع أن الأحكام تتبع المصالح على
اختلاف رتبها قلت الأسباب يخلف بعضها بعضا فكما أن عظم المصلحة سبب الوجوب في عادة
الشارع فكذلك ها هنا سبب آخر إذا فقدت هذه المصلحة وهي مصلحة أدب العبد مع الرب
سبحانه وتعالى في أنه إذا وعد ربه بشيء لا يخلفه إياه لا سيما إذا التزمه وصمم
عليه فأدب العبد مع الرب سبحانه وتعالى بحسن الوفاء وتلقي هذه الالتزامات بالقبول
خلق كريم هو سبب خلف المصلحة التي في نفس الفعل فقد يستفاد من هيئة الفاعل وأحواله
وأخلاقه مع خالقه ومعبوده مصالح عظيمة وأي مصلحة أعظم من الأدب حتى قال رويم لابنه
يا بني اجعل عملك ملحا وأدبك دقيقا
أي استكثر من الأدب حتى تكون نسبته
في الكثرة نسبة الدقيق إلى الملح وكثير من الأدب مع قليل من العمل الصالح خير من
كثير من
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
التزمه وصمم عليه أعظم المصالح إذ لا
مصلحة أعظم من الأدب حتى قال رويم لابنه يا بني اجعل عملك ملحا وأدبك دقيقا أي
استكثر من الأدب حتى تكون نسبته في الكثرة نسبة الدقيق إلى الملح فإن كثير الأدب
مع قليل من العمل الصالح خير من كثير من العمل مع قلة الأدب وما ذلك إلا لأن الله
تعالى لما كان لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية كان الممكن في عبادته تعالى هو
الأدب وثانيهما إن صدق الوعد والوفاء بالالتزام من محاسن الأخلاق بين العباد وفي معاملة
الملوك فلعظم المعنى في هذين الأمرين صح جعلهما سبب الوجوب بدلا من المصالح في
أنفس الأفعال ولم يعر الوجوب هاهنا عن مصلحة تناسبه فكان على وفق القواعد وبهذا
التقرير يظهر الفرق بين المنذورات والشروط كما يظهر الفرق بينهما وبين الواجبات
الأصلية من جهة أن مداركها غير مدارك الأسباب والواجبات الأصلية وهي مصالح غير
مصالح نفس الأفعال فتأمل ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم
____________________
(3/167)
العمل مع قلة الأدب وهذه القاعدة قد
تقدم التنبيه عليها وهي أن الله تعالى أمر عباده أن يتأدبوا معه كما يتأدبوا مع
أماثلهم فإن ذلك هو الممكن في عبادة الله تعالى فإنه لا تنفعه الطاعة ولا تضره
المعصية ولما كان الأدب مع الملوك أعظم نفعا لفاعله وأجدى عليه من كثير الخدمة مع
قلة الأدب كان الواقع مع الله تعالى ذلك وكذلك صدق الوعد والوفاء بالالتزام من
محاسن الأخلاق بين العباد وفي معاملة الملوك ولما عظم هذا المعنى جعل هو سبب
الوجود بدلا من المصالح في نفس الأفعال فتأمل ذلك وبهذا التقرير يظهر لك أن النذور
وإن خرجت عن القواعد من زينك الوجهين فقد رجعت إلى القواعد من هذا الوجه وصارت على
وفق القواعد من جهة أنه ما عرى الوجوب عن مصلحة تناسبه وعلى هذا التقرير أيضا حصل
الفرق بين المنذورات والشروط من جهة أن مداركها غير مدارك الأسباب والواجبات
الأصلية وهي مصالح غير مصالح أنفس الأفعال
الفرق السابع والثلاثون والمائة بين
قاعدة ما يحرم لصفته وبين قاعدة ما يحرم لسببه اعلم أن الله تعالى خلق المتناولات
للبشر في هذا العالم على قسمين قسم يحرم لصفته وهو ما اشتمل على مفسدة تناسب
التحريم فيحرم أو الكراهة فيكره فالأول كالسموم تحرم لعظم مفسدتها والثاني سباع
الطير أو الضبع من الوحش على الخلاف في ذلك وقسم يباح لصفته إما لاشتماله على
المصلحة كالبر واللحم الطيب من الأنعام وإما لعدم
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
الفرق السابع والثلاثون والمائة بين
قاعدة ما يحرم لصفته وبين قاعدة ما يحرم لسببه وهو أن القاعدة أن كل ما حرم لصفته
كالميتة حرمت لصفتها وهي اشتمالها على الفضلات المستقذرة والخمر حرم لصفته وهو
الإسكار فلا يباح إلا بسببه كالإضرار ونحوه من الأسباب التي لا تباح الميتة إلا
بها وكالغصة التي لا يباح الخمر إلا بها وما يباح لصفته كالبر ولحوم الأنعام وغير
ذلك من المآكل والملابس والمساكن أبيحت لصفاتها من المنافع والمصالح فلا يحرم إلا
بسببه كالغصب والسرقة والعقود الفاسدة ونحوها من أسباب تحريم المآكل والملابس
والمساكن المباحة لصفاتها من المنافع والمصالح وذلك أن الله تعالى خلق متناولات
البشر في هذا العالم على قسمين قسم يحرم لصفته وهو ما اشتمل على مفسدة
____________________
(3/168)
مفسدته ومصلحته وهو قليل في العالم
فلا يكاد يوجد شيء إلا وفيه مصلحة أو مفسدة ويمكن تنظيره بأكل شعرة من قطن أو نحو
ذلك مما لا يظهر له أثر في جسد ابن آدم وإذا كانت الموجودات في هذا العالم إما
حرام لصفته أو مباح لصفته انبنى على هذا قاعدة أخرى وهو أن كل ما حرم لصفته لا
يباح إلا بسببه وما يباح لصفته لا يحرم إلا بسببه فالقسم الأول كالميتة حرمت
لصفتها وهي اشتمالها على الفضلات المستقذرة فلا تباح إلا بسببها وهو الاضطرار
ونحوه من الأسباب وكذلك الخمر حرم لصفته وهو الإسكار فلا يباح إلا بسببه وهو الغصة
والقسم الثاني كالبر ولحوم الأنعام وغير ذلك من المأكل والملابس والمساكن أبيحت لصفاتها
من المنافع والمصالح فلا تحرم إلا بسببها وهو الغصب والسرقة والعقود الفاسدة
ونحوها فهذه القاعدة في هذا الفرق مطردة في جميع المتناولات
الفرق الثامن والثلاثون والمائة بين
قاعدة تحريم سباع الوحش وبين قاعدة تحريم سباع الطير اعلم أن النواهي تعتمد
المفاسد فما حرم الله تعالى شيئا إلا لمفسدة تحصل من تناوله وقد أجرى الله عادته
أن الأغذية تنقل الأخلاق لخلق الحيوان المتغذي به حتى يقال إن العرب لما أكلت من
لحوم الإبل حصل عندها فرط الإيثار بأقواتها لأن ذلك شأن الإبل
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
تناسب التحريم فيحرم كالسموم تحرم
لعظم مفسدتها والكراهة فيكره كسباع الطير أو الضبع من الوحش على الخلاف في ذلك
وقسم يباح لصفته إما لاشتماله على المصلحة كالبر واللحم الطيب من الأنعام وإما
لعدم مفسدته ومصلحته وهو قليل في العالم فلا يكاد يوجد شيء إلا وفيه مصلحة أو
مفسدة نعم يمكن تنظيره بأكل شعرة من قطن أو نحو ذلك مما لا يظهر له أثر في جسد ابن
آدم فالموجودات في هذا العالم إما حرام لصفته أو مباح لصفته والقاعدة المذكورة في
الفرق انبنت على هذا والله أعلم
الفرق الثامن والثلاثون والمائة بين
قاعدة تحريم سباع الوحش وبين قاعدة تحريم سباع الطير من حيث إن الفقهاء جزموا
جميعا بتحريم أكل سباع الوحش وترددوا في تحريم أكل سباع الطير فمنهم من قال
بالتحريم ومنهم من قال بالكراهة وسر الفرق هو أن فرط الظلم وقلة الرحمة متوفر في
سباع الوحش أكثر منه في سباع الطير إذ هو في الأسد أعظم منه في العقاب والصقر وفي
النمر والفهد أعظم منه في الضبع والنسر وغيرهما من الحدآت والغربان ونحوها فلما
عظمت المفسدة والظلم في سباع الوحش بحيث إنها تثب على الحيوانات وثبا شديدا
فتأكلها وتهلكها وتفسد أبنيتها بتمزيق أعضائها ولا تكترث بهلاكها ولا فساد أبنيتها
ولا ما تجده من الألم في تمزيق أعضائها من غير توقف في ذلك على الحاجة بل شأنها
ذلك لحاجة ولغير حاجة وقد أجرى الله عادته أن الأغذية تنقل خلق الحيوانات المأكولة
لخلق الحيوان المتغذي به حتى يقال إن أربعا أكلت أربعا فأفادتها أربعا أكلت
السودان
____________________
(3/169)
فيجوع الجمع من الإبل الأيام ثم يوضع
لها ما تأكله مجتمعة فيضع كل منها فمه فيتناول حاجته من غير مدافعة عن ذلك الحب
ولا يطرد من يأكل معه ولا تزال الإبل تأكل علفها كذلك بالرفق حتى يفنى جميعه من
غير مدافعة بعضها بعضا بل معرضة عن ذلك وعن مقدار ما أكله غيرها مما يجاورها بخلاف
غيرها من الحيوانات تقاتل عند الاغتذاء على حوز الغذاء وتمنع من يأكل معها أن
يتناول شيئا وذلك مشاهد في السباع والكلاب والأغنام وغيرها فانتقل ذلك لخلق الأعراب
فحصل عندهم من الإيثار للضيف ما لم يحصل عند غيرهم من الأمم كما أنه حصل عندهم
الحقد أيضا لأن الجمل يأخذ ثأره ممن آذاه بعد مدة طويلة ولا يزول ذلك عن خاطره حتى
يقال إن أربعا أكلت أربعا فأفادتها أربعا أكلت العرب لحوم الإبل فأفادتها الحقد
وأكلت السودان القرود فأفادتها الرقص وأكلت الفرنج الخنازير فأفادتها عدم الغيرة
وأكلت الترك الخيل فأفادتها القساوة وإذا تقرر هذا فهذه السباع في غاية الظلم وقلة
الرحمة تأكل الحيوانات من غير اكتراث بهلاك تلك الحيوانات ولا فساد أبنيتها ولا ما
تجده من الألم في تمزيق أعضائها وتثب على ذلك وثوبا شديدا من غير توقف في ذلك
لحاجة ولغير حاجة وذلك لفرط ظلمها وقلة رحمتها وذلك متوفر في سباع الوحش أكثر منه
في سباع الطير فأين الأسد من العقاب والصقر وأين النمر والفهد من الضبع والنسر وغيرهما
من الحدآت والغربان ونحوها فلما عظمت المفسدة والظلم في سباع الوحش حرمت لئلا
يتناولها بنو آدم فتصير أخلاقهم كذلك ولما قصرت مفسدة سباع الطير عن ذلك فمن
الفقهاء من نهض عنده ذلك للتحريم دفعا لمفسدة سوء الأخلاق وإن قلت ومنهم من لم
ينهض عنده ذلك
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
القرود فأفادتها الرقص وأكلت الفرنج
الخنازير فأفادتها عدم الغيرة وأكلت الترك الخيل فأفادتها القساوة وأكلت العرب
لحوم الإبل فأفادتها الحقد أي والإيثار للضيف ما لم يحصل عند غيرهم من الأمم إذ
كما أن شأن الجمل الحقد بحيث يأخذ ثأره ممن آذاه بعد مدة طويلة كذلك شأن الإبل الإيثار
بأقواتها بحيث يجوع الجمع منها الأيام ثم يوضع لها ما تأكله مجتمعة فيضع كل منها
فمه فيتناول حاجته من غير مدافعة بعضها بعضا بل معرضة عن ذلك وعن مقدار ما أكله
غيرها مما يجاورها بخلاف غيرها من الحيوانات فإنها تقاتل عند الاعتداء على حوز
الغذاء وتمنع من يأكل معها أن يتناول شيئا كما هو مشاهد في السباع والكلاب
والأغنام وغيرها والقاعدة أن النواهي تعتمد المفاسد فما حرم الله تعالى شيئا إلا
لمفسدة كما تقدم توضيح ذلك في الفرق السادس والثلاثين والمائة جزم الفقهاء بتحريم
سباع الوحش لئلا يتناولها بنو آدم فتصير أخلاقهم مثل أخلاقهم فتعظم المفسدة ولما
قصرت مفسدة سباع الطير عن ذلك تردد الفقهاء في تحريمها فمنهم من نهض عنده ذلك
للتحريم دفعا لمفسدة سوء الأخلاق وإن قلت ومنهم من لم ينهض عنده ذلك للتحريم لخفة
أمره فاقتصر به على الكراهة فهذا هو الفرق بين هاتين القاعدتين والله سبحانه
وتعالى أعلم
وكذلك ما قال في الفرق بعدهما وهو
التاسع والثلاثون والمائة ما عدا قوله في انحصار المبتدأ في الخبر وما عدا قوله أن
قول الحنفية يلزم فيه التعارض دون قول المالكية والشافعية وقد تقدم التنبيه على
الأمرين في الفرق الثالث والستين
____________________
(3/170)
للتحريم لخفة أمره فاقتصر به على
الكراهة فهذا هو الفرق بين قاعدة سباع الوحش وسباع الطير الفرق التاسع والثلاثون
والمائة بين قاعدة ذكاة الحيات وقاعدة ذكاة غيرها من الحيوانات قال مالك في
المدونة لا بأس بأكل الحيات إذا ذكيت في موضع ذكاتها جاز أكلها لمن احتاج إلى ذلك
وأشار صاحب الجواهر أنها تذكى كما يذكى الصيد ومقتضى ظاهر قوله إنها لأجل العجز
عنها إذا جرحت في أي موضع كان من جسدها جاز تناولها عند الحاجة إليها وهو سبب
لهلاك متناولها ولم يطلق مالك هذا الإطلاق بل قال إذا ذكيت في موضع ذكاتها ولم يقل
إذا ذكيت مثل الصيد والسبب في ذلك أن ذكاة الحيات لا يحكمها إلا طبيب ماهر وصفة ذكاتها
على ما اختاره المتأخرون من الأطباء إذا أرادوا استعمالها في الترياق الفاروق أو
لمداواة الجذام والعياذ بالله تعالى أن تمسك برأسها وذنبها من غير
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
الفرق التاسع والثلاثون والمائة بين
قاعدة ذكاة الحيات وقاعدة ذكاة غيرها من الحيوانات قال العلامة ابن رشد الحفيد في
بداية المجتهد الحيوان في اشتراط الذكاة في أكله على قسمين القسم الأول حيوان لا
يحل إلا بذكاة والقسم الثاني حيوان يحل بغير ذكاة واتفقوا على أن القسم الأول هو
الحيوان البري ذو الدم الذي ليس بمحرم ولا منفوذ المقاتل ولا ميئوس منه بوقذ أو
نطح أو ترد أو افتراس سبع أو مرض ومن القسم الثاني ما اتفقوا عليه وهو الحيوان البحري
ومنه ما اختلفوا فيه وهو أربعة أنواع النوع الأول الحيوان الذي ليس بذي دم مما
يجوز أكله مثل الجراد وغيره اختلفوا هل له ذكاة أم لا والنوع الثاني الحيوان ذو
الدم الذي يكون تارة في البحر وتارة في البر مثل السلحفاة وغيره اختلفوا هل له
ذكاة أم لا والنوع الثالث أصناف المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل
السبع التي نص عليها في آية التحريم اختلفوا في تأثير الذكاة فيها والنوع الرابع
ما لا يحل أكله اختلفوا في تأثير الذكاة فيها أعني في تحليل الانتفاع بجلودها وسلب
النجاسة عنها ا ه بتصرف وقاعدة تذكية الحيوان البري ذي الدم الذي ليس بمحرم إلخ
أنها شرعت لقصد استخراج الفضلات المحرمات من أجسادها المحللة الأكل وهي الدماء والأخلاط
كلها بأسهل الطرق على الحيوان كقطع الأوداج والحلقوم فإن قطع الأوداج خفيف على
الحيوان في إخراج الفضلات المذكورة منها بالنسبة إلى التوسط أو ضرب العنق وقطع
الحلقوم يوجب قطع النفس لأنه مجراه فيختنق الحيوان فيسرع إليه الموت وأما قاعدة
تذكية الحيات التي في قول مالك في المدونة لا بأس بأكل الحيات إذا ذكيت في موضع
ذكاتها جاز أكلها لمن احتاج إلى ذلك ا ه فتفارق القاعدة المذكورة من وجهين
____________________
(3/171)
عنف حذرا من أن يحصل لها غيظ فيدور
السم في جسدها فإذا أخذت
كذلك ثنيت على مسمار مضروب في لوح ثم
تضرب بآلة حادة كالقدوم الحاد مثل الموسى ونحوها من الآلات الحادة الرزينة وهي
ممدودة على تلك الخشبة ويقصد بتلك الضربة آخر الرقبة من جهة رقبتها وذنبها فإن بين
رأسها ووسطها مقدار رقيق وبين ذنبها ووسطها مقدار رقيق فيتجاوز ذلك الرقيق من
الجهتين ويوصل المقدار الغليظ الذي في وسطها فلا يترك غيره ويحاز الرقيقان إلى جهة
الرأس والذنب ويقطع جميع ذلك في فور واحد بضربة واحدة وجيزة فمتى بقيت جلدة يسيرة لم
تقطع مع الجملة قتلت آكلها لأن السم حينئذ يجري من جهة الرأس والذنب في تلك الجلدة
اليسيرة إلى بقية جسدها الذي هو الجزء الغليظ بسبب ما يحدث لها من الغضب عند
الإحساس بألم الحديد وهذا معنى قول مالك رحمه الله موضع ذكاتها فهذا هو الفرق بين
ذكاتها وذكاة غيرها من الحيوانات فهذا فرق من جهة صفة الذكاة وفيها فرق آخر من جهة
المعنى وهو أن الذكاة شرعت فيها لأجل السلامة
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
الوجه الأول في صفة الذكاة فإن معنى
قول مالك رحمه الله موضع ذكاتها أن صفة ذكاة الحيات هو ما اختاره المتأخرون من
الأطباء إذا أرادوا استعمالها في الترياق الفاروق أو لمداواة الجذام والعياذ بالله
تعالى وهو أن تمسك الحية برأسها وذنبها من غير عنف حذرا من أن يحصل لها غيظ فيدور
السم في جسدها فإذا أخذت كذلك ثنيت على مسمار مضروب في لوح ثم تضرب بآلة وزبنة
حادة كالقدوم الذي مثل الموسى في الحدآت وهي ممدودة على تلك الخشبة ويقصد بتلك الضربة
آخر الرقبة والذنب من جهة رقبتها فإن بين رأسها ووسطها مقدارا رقيقا وبين ذنبها
ووسطها مقدارا رقيقا فيتجاوز ذلك الرقيق من الجهتين حتى يصل المقدار الغليظ الذي
في وسطها فلا يترك غيره بل يحاز الرقيقان إلى جهة الرأس والذنب ويقطع جميع ذلك في
فور واحد بضربة واحدة وجيزة لأنه متى بقيت جلدة يسيرة لم تقطع مع الجملة قتلت
آكلها لأن السم حينئذ يجري من جهة الرأس والذنب في تلك الجلدة اليسيرة إلى بقية
جسده الذي هو الجزء الغليظ بسبب ما يحدث لها من الغضب عند الإحساس بألم الحديد
الوجه الثاني في معنى الذكاة فإن الذكاة شرعت في الحيات لأجل السلامة من سم رأسها
وذنبها لا لإخراج الفضلات المحرمات فإن الحيات لا يكاد يخرج منها دم عند ذكاتها
ألبتة ولذلك تذكى من وسطها لا بقطع الأوداج والحلقوم وصل يتعلق بباب الذكاة ست
مسائل أصول المسألة الأولى في بيان تأثير الذكاة في الأصناف الخمسة التي نص عليها في
الآية المسألة الثانية في بيان تأثير الذكاة في الحيوان المحرم الأكل المسألة
الثالثة في بيان تأثير الذكاة في المريضة المسألة الرابعة في بيان هل ذكاة الجنين
ذكاة أمه أم لا المسألة الخامسة في بيان هل للجراد ذكاة أم لا المسألة السادسة في
بيان هل للحيوان الذي يأوي في البر تارة وفي البحر تارة ذكاة أم لا
____________________
(3/172)
من سمها ولا يكاد يخرج منها دم عند
ذكاتها ألبتة وإنما المقصود السلامة من سم رأسها وذنبها ولذلك تذكى من وسطها وشرعت
الذكاة في غيرها من الحيوانات لاستخراج الفضلات المحرمات من أجسادها بأسهل الطرق
على الحيوان ولا بد من ملاحظة القيد الأخير فإنا لو وسطنا الحيوان أو ضربنا عنقه
خرجت منه الفضلات لكن ذلك شاق على الحيوان بسبب كثرة ما يخرج فاختار الشرع قطع
الأوداج والحلقوم لتخرج الفضلات وهي الدماء والأخلاط كلها من الأوداج وقطعها خفيف على
الحيوان بالنسبة إلى التوسط لو ضرب العنق وقطع الحلقوم يوجب قطع النفس لأنه مجراه
فيختنق الحيوان فيسرع إليه الموت ولما كانت هذه قاعدة تذكية الحيوان تعين أن يخرج
عليها الخلاف في صورة الذكاة فمن لاحظ عدم الفضلات في الجراد وغيره مما ليس له نفس
سائلة لم يشترط الذكاة فيها وجعل استخراج الفضلات أصلا وإراحة الحيوان تبعا وأجاز
ميتة ذلك كله
وهو ظاهر الحديث في قوله عليه السلام
أحلت لنا ميتتان ودمان فالدمان الكبد والطحال والميتتان السمك
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
المسألة الأولى قال ابن رشد الحفيد
في البداية أما المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع فإنهم اتفقوا
فيما أعلم على أن الذكاة عاملة فيها إذا لم يصب لها مقتل وغلب على الظن أنها تعيش
واختلفوا فيما إذا أصيب لها مقتل وغلب على الظن أنها لا تعيش فقال قوم تعمل الذكاة
فيها وهو مذهب أبي حنيفة والمشهور من قول الشافعي وقول الزهري وابن عباس وقال قوم
لا تعمل الذكاة فيها
وعن مالك في ذلك الوجهان ولكن الأشهر
أنها لا تعمل في الميئوس منها وبعضهم أول في المذهب أن الميئوس منها على ضربين ميئوسة
مشكوك فيها وميئوسة مقطوع بموتها وهي المنفوذة المقاتل على اختلاف بينهم أيضا في
المقاتل قال فأما الميئوسة المشكوك فيها ففي المذهب فيها روايتان مشهورتان وأما
المنفوذة المقاتل فلا خلاف في المذهب المنقول أن الذكاة لا تعمل فيها وإن كان
يتخرج فيها الجواز على وجه ضعيف وسبب اختلافهم اختلافهم في مفهوم قوله تعالى إلا
ما ذكيتم هل هو استثناء متصل فيخرج من الجنس بعض ما يتناوله اللفظ وهو الأصناف
الخمسة المذكورة على عادة الاستثناء المتصل أم هو استثناء منفصل لا تأثير في
الجملة المتقدمة كما هو شأن الاستثناء المنقطع في كلام العرب فمن قال إنه متصل قال
الذكاة تعمل في هذه الأصناف الخمسة محتجا بإجماعهم على أن الذكاة تعمل في المرجو
منها فيدل على أن الاستثناء له تأثير فيها فهو متصل ومن قال إنه منفصل
قال الذكاة لا تعمل فيها محتجا بأن
التحريم في قوله تعالى حرمت عليكم الميتة لم يتعلق بأعيان هذه الأصناف الخمسة وهي
حية لأن لحم الحيوان محرم في حال الحياة بدليل اشتراط الذكاة فيها وبدليل قوله
عليه الصلاة والسلام ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة وإنما يتعلق بها بعد
الموت فمعنى الآية حرم عليكم لحم الميتة التي تموت من تلقاء نفسها فتسمى ميتة في
أكثر كلام العرب أو بالحقيقة وكذلك لحم الميتة بهذه الأسباب المذكورة في
____________________
(3/173)
والجراد ومن لاحظ سرعة زهوق الروح
وجعله أصلا في نفسه لم يجزها إلا بذكاة وهو مشهور مذهب مالك رحمه الله ومن لاحظ
قاعدة أخرى وهو إلحاق النادر بالغالب في الشريعة أسقط ذكاة ما يعيش في البر من
دواب البحر كالتمساح والترس وغيرهما نظرا لغالبه فإنه لا يعيش في البر وهو مشهور
مذهب مالك رحمه الله ومن لاحظ القاعدة الأولى وجعل ميتة البحر على خلاف الأصل لم
يسقط الذكاة في هذا النوع ويؤيده قوله تعالى حرمت عليكم الميتة وهذه ميتة أو يلاحظ
قاعدة أخرى وهي حمل اللفظ العام على سببه دون عمومه فيختص بالميتة التي وردت الآية
فيها وهي الميتة التي كانوا يأكلونها من الحيوان البري ويقولون تأكلون ما قتلتم
ولا تأكلون ما قتل الله فهذه القواعد والأسرار هي الفرق بين هذه المواطن ولم يبقى
منها إلا ذكاة الجنين في بعض أحواله قال أصحابنا إذا لم تجر فيه حياة لم تصح فيه
ذكاة لا من قبله ولا من قبل أمه ولا يؤكل وإن جرت فيه الحياة وعلامة ذلك عندنا
كمال الخلق ونبات الشعر فإن ذكيت الأم وخرج حيا ثم مات على
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
الأصناف الخمسة قالوا فلما علم أن
المقصود تعليق التحريم بأعيان هذه الأصناف بعد الموت لا في حال الحياة وجب أن يكون
قوله تعالى إلا ما ذكيتم استثناء منفصلا لكن الحق في ذلك أن الواجب كيف ما كان
الاستثناء أن تكون الذكاة تعمل فيها وذلك أنه إن علقنا التحريم بهذه الأصناف في
الآية بعد الموت وجب أن تدخل الأصناف الخمسة في التذكية حال الحياة لأنها ما دامت
حية مساوية لغيرها في ذلك لا فرق في وجوب دخولها حينئذ بين كون الاستثناء منفصلا
أو متصلا إذ لا خفاء بوجوب ذلك إن قلنا إن الاستثناء متصل بل يحتمل أن يقال إن
عموم التحريم يمكن أن يفهم منه تناول أعيان هذه الخمسة بعد الموت وقبله كالحال في
الخنزير الذي لا تعمل فيه الذكاة فيكون الاستثناء على هذا رفعا لتحريم أعيانها
بالتنصيص على عمل الذكاة فيها وإذا كان ذلك كذلك لم يلزم ما اعترض به ذلك المعترض
من الاستدلال على كون الاستثناء منفصلا
وأما من فرق بين المنفوذة المقاتل
والمشكوك فيها فيحتمل أن يقال إن مذهبه أن الاستثناء منفصل وأنه إنما جاز تأثير
الذكاة في المرجوة بالإجماع وقاس المشكوكة على المرجوة ويحتمل أن يقال إنه استثناء
متصل ولكن استثناء هذا الصنف أعني المنفوذة المقاتل بالقياس وذلك أن الذكاة إنما
يجب أن تعمل في حين يقطع أنها سبب الموت فأما إذا شك هل كان موجب الموت الزكاة أو
الوقذ أو النطح أو سائرها فلا يجب أن تعمل في ذلك وهذه هي حالة المنفوذة المقاتل
وله أن يقول إن المنفوذة المقاتل في حكم الميتة والذكاة من شرطها أن ترفع الحياة
الثابتة لا الحياة الذاهبة ا ه بتلخيص المسألة الثانية قال ابن رشد الحفيد في
البداية أيضا وأما هل تعمل الذكاة في الحيوانات المحرمات الأكل حتى تطهر بالذكاة
جلودها فإنهم اختلفوا في ذلك فقال مالك الذكاة تعمل في السباع وغيرها ما عدا
الخنزير وبه قال أبو حنيفة إلا أنه اختلف المذهب في كون السباع فيه محرمة أو
مكروهة وقال الشافعي الذكاة تعمل في كل حيوان محرم الأكل فيجوز بيع جميع أجزائه
والانتفاع بها ما عدا اللحم وسبب
____________________
(3/174)
الفور كرهه ابن المواز ووقع في
الجلاب تحريمه وإن استهل صارخا انفرد بحكم نفسه
وإن لم تذك الأم وألقته ميتا لم يؤكل
وكذلك إن كان حيا حياة لا يعيش معها علم ذلك أو شك فيه وإن ذكيت الأم فخرج ميتا
فذكاتها ذكاته وقاله الشافعي رضي الله عنه وقال أبو حنيفة لا بد له من ذكاة تخصه
ولا يكفي فيه ذكاة أمه ومنشأ الخلاف أن ذكاة أمه تسرع زهوق نفسه بسهولة فإنه
كالجزء منها فلا يحتاج إلى ذكاة أو يلاحظ أنه حيوان مستقل الأعضاء والفضلات فيحتاج
إلى ذكاة تخصه وموته بموت أمه موت له بالغم والآفات الحاصلة له في محله والموت
بذلك لا يبيح في غير صورة النزاع فكذلك في صورة النزاع فهذا منشأ الخلاف من حيث القواعد
وأما من حيث النص فقوله عليه السلام ذكاة الجنين ذكاة أمه خرجه أبو داود يروى برفع
الذكاة الثانية ونصبها فنحن والشافعية نعتمد على رواية الرفع ووجه الاعتماد عليها
أن المبتدأ يجب انحصاره في الخبر والمبتدأ هنا ذكاة الجنين فتنحصر في زكاة أمه فلا
يحتاج إلى ذكاة أخرى وإلا لما انحصرت في ذكاة أمه واعتمد الحنفية على رواية النصب
والتقدير لوجه الحجة منها أن
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
الخلاف هل جميع أجزاء الحيوان تابعة
للحم في الحلية والحرمة أم ليست تابعة للحم فمن قال إنها تابعة للحم قال إذا لم
تعمل الذكاة في اللحم لم تعمل فيما سواه ومن قال إنها ليست بتابعة
قال إنها تعمل في سائر أجزائه وإن لم
تعمل في لحمه لأن الأصل أنها تعمل في جميع أجزائه فإذا ارتفع بالدليل المحرم للحم
عملها في اللحم بقي عملها في سائر الأجزاء حتى يدل الدليل على ارتفاعه فيها أيضا ا
ه فرع قال صاحب البيان قال ابن القاسم الدابة التي لا يؤكل لحمها إذا طال مرضها أو
تعبت من السير في أرض لا علف فيها ذبحها أولى من بقائها لتحصل راحتها من العذاب
وقيل تعقر لئلا يغري الناس ذبحها على أكلها وقال ابن وهب لا تذبح ولا تعقر لنهيه
عليه السلام عن تعذيب الحيوان لغير مأكلة فإذا تركها صاحبها لذلك فعلفها غيره ثم
وجدها قال مالك هو أحق بها لأنه مكره على تركها بالاضطرار لذلك ويدفع ما أنفق عليها
وقيل هي لعالفها لإعراض المالك عنها أفاده الأصل المسألة الثالثة قال ابن رشد
الحفيد في البداية وأما تأثير الذكاة في البهيمة التي أشرفت على الموت من شدة
المرض فإنهم اختلفوا فيه بعد اتفاقهم على عمل الذكاة في التي لم تشرف على الموت
فالجمهور على أن الذكاة تعمل فيها وهو المشهور عن مالك وروي عنه أن الذكاة لا تعمل
فيها وسبب الخلاف معارضة القياس للأثر فأما الأثر فهو ما أخرجه البخاري ومسلم أن
أمة لكعب بن مالك كانت ترعى غنما بسلع فأصيبت شاة منها فأدركتها فذكتها بحجر فسأل
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كلوها وأما القياس فلأن المعلوم من الذكاة أنها
إنما تفعل في الحي وهذه في حكم الميت واتفق كل من أجاز ذبحها على أن الذكاة لا
تعمل فيها إلا إذا كان فيها دليل على الحياة واختلفوا فيما هو الدليل المعتبر في
ذلك فبعضهم اعتبر الحركة وبعضهم لم يعتبرها والأول مذهب أبي هريرة والثاني مذهب زيد
بن ثابت وبعضهم اعتبر فيها ثلاث
____________________
(3/175)
هذا النصب لا بد له من عامل يقتضي
النصب وتقديره عندهم ذكاة الجنين أن يذكى ذكاة مثل ذكاة أمه فحذف مثل الذي هو نعت
للمصدر المحذوف وهو مضاف لذكاة أمه فأقيم المضاف إليه مقامه فأعرب كإعرابه بالنصب
لأن القاعدة أن المضاف إليه متى أقيم مقام المضاف أعرب كإعرابه وحذف الناصب لهذا
المصدر مع المصدر ونعته وبقي الكلام كما ترى فهذا تقرير مذهبهم
ووجه الحجة لهم من الحديث ولنا عنه
جواب حسن وذلك أن نقول ما يتعين التقدير فيما ذكرتموه بل يصح النصب بتقدير آخر وهو
قولنا ذكاة الجنين داخلة في ذكاة أمه فيكون ذكاة أمه منصوبا على أنه مفعول على
السعة أو على الظرف بإسقاط حرف الجر وكان الأصل في ذكاة أمه فحذف حرف الجر فانتصب
المجرور وهذا التقدير أولى لوجهين أحدهما أن المحذوف حينئذ يكون كلمة واحدة وهي
قولنا داخلة وحرف الجر إن قلنا به وأما على تقديركم فيكون المحذوف أربع كلمات ولا
خلاف أن قلة الحذف أولى فيكون ما ذكرناه أولى وثانيهما أن تقديرنا يؤدي إلى الجمع بين
رواية النصب والرفع وعدم التعارض
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
حركات طرف العين وتحريك الذنب والركض
بالرجل وهو مذهب سعيد بن المسيب وزيد بن أسلم وهو الذي اختاره محمد بن المواز
وبعضهم شرط مع هذه التنفس وهو مذهب ابن حبيب ا ه
المسألة الرابعة قال ابن رشد الحفيد
أيضا وأما هل تعمل ذكاة الأم في جنينها أم لا تعمل فيه فإنهم اختلفوا في ذلك فذهب
جمهور العلماء إلى أن ذكاة الأم ذكاة لجنينها وبه قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة
إن خرج حيا ذبح وأكل وإن خرج ميتا فهو ميتة وبعض من قال إن ذكاة الأم ذكاة له اشترط
في ذلك تمام خلقته ونبات شعره وبه قال مالك وبعضهم لم يشترط ذلك وبه قال الشافعي
وسبب اختلافهم في صحة الأثر الذي رواه أبو سعيد في ذلك فقال سألنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن البقرة أو الناقة أو الشاة ينحرها أحدنا فنجد في بطنها جنينا
أنأكله أم نلقيه فقال كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه وخرج مثله الترمذي وأبو
داود عن جابر مع مخالفته للأصول فأما اختلافهم في صحته فبعضهم لم يصححه وبعضهم
صححه ومنهم الترمذي وأما مخالفة الأصل في هذا الباب للأثر فهو أن الجنين إذا كان
حيا ثم مات بموت أمه فإنما يموت خنقا فهو من المنخنقة التي ورد النص بتحريمها وإلى
تحريمه ذهب أبو محمد ابن حزم ولم يرض سند الحديث وأما سبب اختلاف القائلين باشتراط
نبات الشعر في حيته وعدم اشتراطه فمعارضة العموم للقياس
وذلك أن عموم قوله عليه السلام ذكاة
الجنين ذكاة أمه يقتضي أن لا يقع هنالك تفصيل وكونه محلا للذكاة يقتضي أن يشترط
فيه الحياة قياسا على الأشياء التي تعمل فيها التذكية والحياة لا توجد فيه إلا إذا
نبت شعره وتم حلقه ويعضد هذا القياس أن هذا الشرط مروي عن ابن عمر وعن جماعة من
الصحابة وروى معمر عن الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك قال كان أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقولون إذا شعر الجنين فذكاته ذكاة أمه وروى ابن المبارك عن
ابن أبي ليلى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكاة الجنين ذكاة أمه أشعر أو لم
يشعر إلا أن ابن أبي ليلى سيئ الحفظ عندهم ولكن القياس يقتضي أن
____________________
(3/176)
وما ذكرتموه يفضي إلى التعارض وما
أفضى إلى عدم التعارض كان أولى فما ذكرناه أولى مسألة قال صاحب البيان قال ابن
القاسم الدابة التي لا يؤكل لحمها إذا طال مرضها أو تعبت من السير في أرض لا علف
فيها ذبحها أولى من بقائها لتحصل راحتها من العذاب وقيل تعقر لئلا يغري الناس
ذبحها على أكلها وقال ابن وهب لا تذبح ولا تعقر لنهيه عليه السلام عن تعذيب
الحيوان لغير مأكلة فرع مرتب إذا تركها صاحبها فعلفها غيره ثم وجدها قال مالك هو
أحق بها لأنه مكره على تركها بالاضطرار لذلك ويدفع ما أنفق عليها وقيل هي لعالفها لإعراض
المالك عنها فهذا هو استيعاب هذا الباب بعلله ومقاصده إذا كان مقدورا عليه أما غير
المقدور عليه وهو الصيد فلما كان المقصود في الحيوان المقدور عليه القصد إلى
استخراج الدم الحرام المستخبث
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
تكون ذكاته في ذكاة أمه من قبل أنه
جزء منها وإذا كان ذلك كذلك فلا معنى لاشتراط الحياة فيه فيضعف أن يخصص العموم
الوارد في ذلك بالقياس الأول الذي تقدم ذكره عن أصحاب مالك ا ه
وقال الأصل قال أصحابنا إذا لم تجر
في الجنسين حياة لم تصح فيه ذكاة لا من قبله ولا من قبل أمه ولا يؤكل وإن جرت فيه
الحياة وعلامة ذلك عندنا كمال الخلق ونبات الشعر فإن ذكيت الأم وخرج حيا ثم مات
على الفور كرهه ابن المواز ووقع في الجلاب تحريمه وإن استهل صارخا انفرد بحكم نفسه
وإن لم تذك الأم وألقته ميتا أو حيا حياة لا يعيش معها علم ذلك أو شك فيه لم يؤكل
وإن ذكيت الأم فخرج ميتا فذكاتها ذكاته
وقاله الشافعي رضي الله عنه وقال أبو حنيفة لا بد له من ذكاة تخصه ولا يكفي فيه
ذكاة أمه ومنشأ الخلاف أما من حيث القواعد فلأن ذكاة أمه تسرع زهوق نفسه بسهولة
فإنه كالجزء منها فلا يحتاج إلى ذكاة أو يلاحظ أنه حيوان مستقل الأعضاء والفضلات
فيحتاج إلى ذكاة تخصه وموته بموت أمه موت له بالغم والآفات الحاصلة له في محله
والموت بذلك لا يبيح في غير صورة النزاع فكذلك في صورة النزاع وأما من حيث النص
فقوله عليه السلام ذكاة الجنين ذكاة أمه خرجه أبو داود وقد مر في الفرق الثالث
والستين أنه روي برفع الذكاة الثانية وبها تمسك المالكية والشافعية في قولهم
باستغناء الجنين عن الذكاة وأنه يؤكل بذكاة أمه من حيث إنها تقتضي حصر ذكاته في
ذكاة أمه بمعنى أن ذكاة أمه تبيحه فيستغني بها عن الذكاة التي هي في العرف الشرعي
عبارة عن الذبح الخاص في حلقه فبينه وبين أمه ملابسة تصح أن تكون ذكاة أمه هي عين
ذكاته حقيقة لا مجازا بناء على قاعدة أن إضافة المصادر مخالفة لإسناد الأفعال في أنه
يكفي في كونها حقيقة لغوية أدنى ملابسة كقولنا صوم رمضان وحج البيت بخلاف إسناد
الأفعال فإنه يلزم لكونه حقيقة مراعاة الفاعل الحقيقي لا مطلق ملابس وروي بنصب
الذكاة الثانية وبهذه الرواية تمسك الحنفية في قولهم باحتياج الجنين للذكاة
وأنه لا يؤكل بذكاة أمه
____________________
(3/177)
من اللحم الحلال الطيب بأسهل الطرق
على تلك الحيوانات وهو فيها ممكن بآلة تصلح لذلك وهذا كله متيسر في الإنسي
وقد تعذر في الوحشي استخراج الدم
وسهولة الطريق وبقي القصد والآلة ونزل السهم منزلة المدية لضرورة الفرار والتوحش
فهو في الرتبة الثانية ويليه في الرتبة الثالثة الجارح لأنه له اختيار يبعد بسببه
عن كونه آلة لأنه يجوز
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
بناء على أن التقدير ذكاة الجنين أن
يذكى ذكاة مثل ذكاة أمه فحذف المضاف مع بقية الكلام وأقيم المضاف إليه مقامه فأعرب
كإعرابه على قاعدة حذف المضاف مع أنه يمكن أن يكون التقدير على رواية النصب ذكاة
الجنين داخلة في ذكاة أمه فخذف حرف الجر فانتصب الذكاة على أنه مفعول على حد دخلت
الدار بل هذا التقدير أرجح مما قدره الحنفية بوجهين أحدهما قلة الحذف وثانيهما
الجمع بين الروايتين ودفع التعارض بينهما ا ه بتلخيص وإصلاح قال ابن الشاط وما ذكره
من أن الحديث يقتضي الحصر واستغناء الجنين عن الذكاة بذكاة أمه غير مسلم وما قاله
من ترجيح التقدير على مذهب المالكية والشافعية بقلة الحذف وإن سلم إلا أنه يضعف
بأنه ليس في مساق الكلام دليل على دخول ذكاة الجنين في ذكاة أمه كما أن التقدير
على قول الحنفية وإن ضعف بكثرة الحذف إلا أنه يرجح بأنه من مقتضى مساق الكلام وما
قاله من ترجيح التقدير على ما للمالكية والشافعية بالجمع لا يتم إلا إذا تعذر
الجمع على ما للحنفية مع أن الجمع متجه على المذهبين معا والشأن إنما هو في ترجيح
أحد الجمعين على الآخر وفي ذلك نظر وبسطه يطول فتأمل المسألة الخامسة قال ابن رشد
الحفيد أيضا وأما هل للجراد ذكاة أم لا فقال مالك لا يؤكل من غير ذكاة وذكاته عنده
هو أن يقتل إما بقطع رأسه أو بغير ذلك وقال عامة الفقهاء يجوز أكل ميتته وبه قال
مطرف وذكاة ما ليس بذي دم عند مالك كذكاة الجراد وسبب اختلافهم في ميتة الجراد هو
هل يتناوله اسم الميتة أم لا في قوله تعالى حرمت عليكم الميتة وللخلاف سبب آخر وهو
هل نثرة حوت أو حيوان بري ا ه
وقال الأصل لم يشترط الذكاة في
الجراد وغيره مما ليس له نفس سائلة من لاحظ عدم الفضلات فيها بل جعل استخراج
الفضلات أصلا وإراحة الحيوان تبعا وأجاز ميتة ذلك كله وهو ظاهر حديث أنه عليه
السلام قال أحلت لنا ميتتان ودمان فالدمان الكبد والطحال والميتتان السمك والجراد
وأما من لاحظ سرعة زهوق الروح وجعله أصلا في نفسه فإنه لم يجزها إلا بذكاة وهو
مشهور مذهب مالك رحمه الله تعالى
ا ه
المسألة السادسة قال ابن رشد الحفيد
أيضا وأما هل للحيوان الذي يأوي في البر تارة وفي البحر تارة ذكاة أم لا فقد غلب
قوم فيه حكم البر وآخرون حكم البحر واعتبر آخرون حيث يكون عيشه ومتصرفه منهما
غالبا ا ه
وقال الأصل من لاحظ قاعدة إلحاق
النادر بالغالب في الشريعة أسقط ذكاة ما يعيش في البر من دواب البحر كالتمساح
والترس وغيرهما نظرا لغالبه فإنه لا يعيش في البر وهو مشهور مذهب مالك رحمه الله
ومن لاحظ قاعدة تذكية الحيوان وجعل ميتة البحر على خلاف الأصل لم يسقط الذكاة في
هذا النوع ويؤيده قوله تعالى حرمت عليكم الميتة وهذه ميتة إلا أن يلاحظ قاعدة حمل
اللفظ العام على سببه دون عمومه فيختص بالميتة التي وردت الآية فيها وهي الميتة
التي كانوا يأكلونها من الحيوان البري ويقولون
____________________
(3/178)
لنفسه لكن عارض كونه مختارا عدم
العقل فيه فعدم عقله مخل باختياره مضافا إلى التعليم الحاصل فيه والأوهام التي
حصلها فيه الآدمي بسبب التعليم والسياسة الخاصة فصار ذلك مقربا لكونه آلة له ولذلك
لا يصلح أن يكون المجوسي آلة لعقله وكمال اختياره وإن كان الله تعالى جعل ذبيحته ميتة
كافتراس الوحوش كما جعل نسائهم كالبهائم يحرم وطؤهن بسبب عدم تعظيمهم الكتب الإلهية
والرسل الربانية فاهتضموا إلى حيث جعلوا كالبهائم وميز أهل الكتاب عليهم لتعظيمهم
الرسل والرسائل من حيث الجملة
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل
الله ا ه تنبيهان الأول ما ذكر من أن المقصود في الذكاة القصد إلى استخراج الدم
الحرام المستخبث من اللحم الحلال الطيب بأسهل الطرق على الحيوان إنما يتيسر في
الحيوان الإنسي المقدور عليه أما الوحشي فقد تعذر فيه استخراج الدم وسهولة الطريق
ولم يبق إلا القصد والآلة ونزل السهم منزلة المدية لضرورة الفرار والتوحش فهو أي
السهم في الرتبة الثانية ويليه في الرتبة الثالثة الجارح لأن له اختيارا يبعد
بسببه عن كونه آلة لأنه يجوز لنفسه لكن عارض كونه مختارا عدم العقل فيه فعدم عقله مخل
باختياره مضافا إلى التعليم الحاصل فيه والأوهام التي حصلها فيه الآدمي بسبب
التعليم والسياسة الخاصة فصار ذلك مقربا لكونه آلة له ولذلك لا يصلح أن يكون
المجوسي آلة لعقله وكمال اختياره وإن كان الله تعالى جعل ذبيحته ميتة كافتراس
الوحوش كما جعل نساءهم كالبهائم يحرم وطؤهن بسبب عدم تعظيمهم الكتب الآلهية والرسل
الربانية فاهتضموا إلى حيث جعلوا كالبهائم وميز أهل الكتاب عليهم لتعظيمهم الرسل
والرسائل من حيث الجملة التنبيه الثاني قال ابن رشد الحفيد في البداية اتفقوا على
أن الذكاة في بهيمة الأنعام نحر وذبح وأن من سنة الغنم والطير الذبح وأن من سنة
الإبل النحر وأن البقر يجوز فيها الذبح والنحر واختلفوا هل يجوز النحر في الغنم
والطير والذبح في الإبل فذهب مالك إلى أنه لا يجوز النحر في الغنم والطير ولا الذبح
في الإبل إلا في موضع الضرورة وقال قوم يجوز جميع ذلك من غير كراهة وبه قال الشافعي
وأبو حنيفة والثوري وجماعة العلماء وقال أشهب إن نحر ما يذبح أو ذبح ما ينحر أكل
ولكنه يكره وفرق ابن بكير بين الغنم والإبل فقال يؤكل البعير بالذبح ولا تؤكل
الشاة بالنحر ولم يختلفوا في جواز ذلك في موضع الضرورة وسبب اختلافهم معارضة الفعل
للعموم فأما العموم فقوله عليه الصلاة والسلام ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه
فكلوا وأما الفعل فإنه ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر الإبل والبقر وذبح
الغنم وإنما اتفقوا على جواز ذبح البقر لقوله تعالى إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة
وعلى ذبح الغنم لقوله تعالى في الكبش وفديناه بذبح عظيم ا ه والله سبحانه وتعالى أعلم
____________________
(3/179)
الفرق الأربعون والمائة بين قاعدة
أنكحة الصبيان تنعقد إذا كانوا مطيقين للوطء وللولي الإجازة والفسخ وبين قاعدة
طلاقهم فإنه لا ينعقد ووجه الإشكال فيهما والجامع بينهما أن خطاب الوضع كما تقدم
هو الخطاب بالأسباب والشروط والموانع والتقادير الشرعية وقد تقدم بسطها وإنها لا
يشترط فيها التكليف ولا العلم ولذلك نوجب الضمان على الصبيان والمجانين ونطلق
بالإعسار وإن كان معجوزا عنه وغير مشعور به وكذلك بالإضرار ونورث بالأنساب وإن لم
يشعر به الوارث ولا هو من مقدوره لأن ذلك كله من باب خطاب الوضع الذي معناه أن
صاحب الشرع قال إذا وقع هذا في الوجود فاعلموا أني قد حكمت بهذا بخلاف خطاب التكليف
يشترط فيه القدرة على المكلف به والعلم به والطلاق سبب للبينونة والنكاح سبب
للإباحة فينبغي أن ينعقد الجميع في حقه كما انعقد الإتلاف سبب الضمان والبيع بسبب
العقد وغير ذلك من الأسباب الفعلية والقولية
هامش أنوار البروق
قال الفرق الأربعون والمائة بين
قاعدة أنكحة الصبيان تنعقد إذا كانوا مطيقين للوطء وللولي الإجارة والفسخ وبين
قاعدة طلاقهم فإنه لا ينعقد إلى آخر ما قاله في هذا الفرق قلت فيما فرق به هنا نظر
وأما ما قاله في الفرقين بعده الحادي والأربعين والمائة والثاني والأربعين والمائة
فصحيح
هامش إدرار الشروق
الفرق الأربعون والمائة بين قاعدة
أنكحة الصبيان تنعقد إذا كانوا مطيقين للوطء وللولي الإجازة والفسخ وبين قاعدة
طلاقهم فإنه لا ينعقد مع أن كلا من النكاح والطلاق سبب لشيء فالنكاح سبب للإباحة
والطلاق سبب للبينونة فهما من خطاب الوضع لا من خطاب التكليف فقد تقدم أن خطاب
الوضع هو الخطاب بالأسباب والشروط والموانع والتقادير الشرعية وتقدم بسطها وأنها
لا يشترط فيها التكليف ولا العلم ولذلك نوجب الضمان على الصبيان والمجانين ونطلق بالإعسار
وإن كان معجوزا عنه وغير مشعور به وكذلك بالإضرار بالأنساب وإن لم يشعر به الوارث
ولا هو من مقدوره فإن معنى خطاب الوضع أن صاحب الشرع قال إذا وقع هذا في الوجود
فاعلموا أني قد حكمت بهذا فكان لا ينبغي أن ينعقد طلاق الصبيان كما انعقدت أنكحتهم
إذا كانوا مطيقين للوطء وللولي الإجازة والفسخ ولا يفرق بينهما كما أنهم لم يفرقوا
بين كون إتلاف الصبي سببا لضمانه وعقد البيع سببا للزوم البيع ولا بين غير ذلك من
الأسباب الفعلية والقولية إلا أن العلامة الأمير في ضوء الشموع ذكر سر الفرق
بينهما بقوله إنما صح نكاح الصغير وتوقف على النظر ولم يصح طلاقه أصلا لأن الطلاق
كما قال المشذالي من قبيل
____________________
(3/180)
فهذا وجه الجمع بينهما والفرق بين
القاعدتين في أن الصبيان تنعقد أنكحتهم دون طلاقهم أن عقد الأنكحة سبب إباحة الوطء
وهو أهل للخطاب بالإباحة والندب والكراهة دون الوجوب والتحريم لأنهما تكليف ومشقة
من جهة لزوم استحقاق العقاب المحمول عن الصبيان لضعف عقولهم والطلاق سبب تحريم
الوطء بإسقاط العصمة في الزوجة وهو ليس أهلا للتحريم فلم ينعقد سببا في حقه مع
اشتراك السببين في أنهما خطاب وضع وانضاف إلى أحدهما تكليف فلا جرم انتفى انعقاده في
حقه فإن قلت الإتلاف سبب وجوب الضمان والوجوب تكليف
وقد انعقد في حقه فيجب على الولي
الإخراج من مال الصبي المتلف فإن تأخر ذلك للبلوغ وجب على الصبي في ماله وخوطب
حينئذ فقد تأخر الوجوب الذي هو سبب الإتلاف إلى بعد البلوغ فلم لا ينعقد الطلاق في
حقه ويتأخر التحريم إلى بعد البلوغ عند حصول أهلية التكليف كما قلتم ذلك في
الإتلاف وكلاهما سبب وضعي يقتضي التكليف قلت الأصل ترتب المسببات على أسبابها
وتأخرها عنها خلاف القواعد والإتلاف
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
الحدود ولذلك تشطر على العبد وفي
القرآن بعد ذكر الطلاق تلك حدود الله ولا حد على الصبي والنكاح من عقود المعاوضات
فينظر الولي الأصلح
ا ه بلفظه وهو أولى مما قاله الأصل
في سر الفرق هنا من أن عقد الأنكحة سبب إباحة الوطء وهو أصل للخطاب بالإباحة
والندب والكراهة دون الوجوب والتحريم لأنهما تكليف ومشقة من جهة لزوم استحقاق
العقاب المحمول عن الصبيان لضعف عقولهم والطلاق سبب تحريم الوطء بإسقاط العصمة في
الزوجة والصبي ليس أهلا للتحريم فلذا لم ينعقد الطلاق سببا في حقه فهما وإن اشتركا
في أنهما سببان وخطاب وضع إلا أن أحدهما وهو الطلاق لما انضاف إليه تكليف دون
الآخر انتفى عنه دونه الانعقاد في حقه والإتلاف وإن انعقد في حقه سببا لوجوب
الضمان والوجوب تكليف حتى أنه يجب على الولي الإخراج من مال الصبي المتلف فإن تأخر
ذلك البلوغ وجب على الصبي في ماله وخوطب هو حينئذ إلا أن تأخير مسبب الإتلاف عنه
إلى بعد البلوغ عند حصول أهلية التكليف على خلاف القواعد ولم يتعين لإمكان الإخراج
حالة الإتلاف من مال الصبي أو ممن يتبرع به عنه بل هذا هو الغالب والعجز عن إخراج
الضمان من ماله في الحال نادر فألحق بالغالب وانعقد الإتلاف سببا مطلقا وأما
الطلاق فإنه لو انعقد في حقه لكان يتعين تأخير التحريم فيه الأمد الطويل والسنين
الكثيرة إلى حين البلوغ على خلاف القواعد فلا جرم لم ينعقد في حقه ا ه
لقول العلامة ابن الشاط فيما فرق به
هنا نظر
ا ه قلت ولعل وجهه ما قدمناه عنه في
الفرق السادس والعشرين وغيره من أن التكليف بعينه مشقة لأنه منع الإنسان من
الاسترسال مع دواعي نفسه وهو أمر نسبي وبهذا الاعتبار سمي تكليفا وهذا المعنى
موجود في جميع أحكامه حتى الإباحة وذلك لأن القاعدة المقررة كما في الموافقات أن
الشرائع إنما جيء بها لمصالح العباد فالأمر والنهي والتخيير جميعا راجعة إلى حظ
المكلف ومصالحه لأن الله تعالى غني عن الحظوظ منزه عن الأعراض غير أن الحظ إن أخذه
العبد من جهة الطلب
____________________
(3/181)
لم يتعين فيه تأخير مسببه عنه لإمكان
الإخراج حالة الإتلاف من مال الصبي أو ممن يتبرع به عنه فلم يتعين أخر مسببه عنه
وأما الطلاق فيتعين تأخير التحريم فيه الأمد الطويل والسنين الكثيرة إلى حين
البلوغ فلا جرم لم ينعقد في حقه ولهذا الفرق أيضا انعقد سبب البيع في حقه لأنه سبب
إباحة ترتب عليه مسببه في الحال وكذلك الإرث وغيره من الأسباب جميعها تترتب آثارها
في حق الصبيان والتأخير في وجوب الضمان إنما وقع عارضا بسبب العز عن إخراجه من ماله
في الحال وقد لا يتفق ذلك وهو الغالب فألحق النادر بالغالب وانعقد سببا مطلقا
الفرق الحادي والأربعون والمائة بين قاعدة ذوي الأرحام لا يلون عقد الأنكحة وهم
أخو الأم وعم الأم وجد الأم وبنو الأخوات والبنات والعمات ونحوهم ممن يدلي بأنثى
وبين قاعدة العصبة فإنهم يلون العقد في النكاح وهم الآباء والأبناء والجدود
والعمومة والإخوة الشقائق وإخوة الأب
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
فقط كالواجب والمحرم لم يكن ساعيا في
حظه وإن لم يفته حظه وإن أخذه من حيث باعث نفسه فإما أن يطلبه مع ذلك من جهة كونه
داخلا تحت الطلب أيضا كالمندوب والمكروه فيلحق بما قبله في التجرد عن الحظ ويسمى
باسمه وإما أن يطلبه من جهة كونه غير داخل تحت الطلب كالمباح فلا يكون آخذا له إلا
من جهة إرادته واختياره لأن الطلب مرفوع عنه بالفرض فلهذا يقال إن المباح هو العمل
المأذون فيه المقصود به مجرد الحظ الدنيوي خاصة إلا أنه لم يتم فيه الحظ المذكور
من جميع الوجوه بواسطة الحجر عن الاسترسال فيه وفي غيره إلا بمقتضى الإذن لم يخل
عن كلفة ومشقة وقد تقدم في الفرق المذكور أيضا عن العلامة الأمير أن التكليف كما
يفسر بإلزام ما فيه كلفة فلا يشمل الندب والكراهة كذلك يفسر بالطلب فيشملهما وعلى
الأول يظهر ما رجحه المالكية من تعلق الندب والكراهة بالصبي كأمره بالصلاة لسبع من
الشارع بناء على أن الأمر بالأمر أمر وأما الإباحة فليست تكليفا عليها وعدها في
أحكامه إما تغليبا وإما لأنها لا تتعلق إلا بالمكلف لما صرح به في أصول الفقه من
أن أفعال الصبي ونحوه كالبهائم مهملة ولا يقال إنها مباحة إذ المباحة ما لا إثم في
فعلها ولا في تركها ولا ينفى الشيء إلا حيث يصح ثبوته
ا ه فافهم والله سبحانه وتعالى أعلم
الفرق الحادي والأربعون والمائة بين
قاعدة ذوي الأرحام لا يلون عقد الأنكحة وهم أخو الأم وعم الأم وجد الأم وبنو
الأخوات والبنات والعمات ونحوهم ممن يدلي بأنثى وبين قاعدة العصبة فإنهم يلون
العقد في النكاح وهم الآباء والأبناء والجدود والعمومة والإخوة الشقائق وإخوة الأب
وهو أن الولاء شرع لحفظ النسب فلا يدخل فيه من لم يكن له نسب كذوي الأرحام وإنما يدخل
فيه من يكون له نسب حتى تحصل الحكمة لمحافظته على مصلحة نفسه
____________________
(3/182)
والفرق بين الفرقين أن الولاء شرع
لحفظ النسب فلا يدخل فيه إلا من يكون له نسب حتى تحصل الحكمة لمحافظته على مصلحة
نفسه فذلك يكون أبلغ في اجتهاده في نظره في تحصيل الإكفاء ودرء العار عن النسب وخالف
الشافعي رضي الله عنه في الابن فقال لا ولاية له واحتج على ذلك بوجوه أحدها قول
النبي صلى الله عليه وسلم أيما امرأة أنكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل والابن
لا يسمى مولى وثانيها أنه يدلي بها فلا يزوجها كتزويجها لنفسها فإن الفرع لا يكون أقوى
من الأصل ولما أدلى بها صار في معناها وثالثها أنه شخص لا تصح من أبيه الولاية فلا
تصح منه كابن الخال مع الخال
والجواب عن الأول أنه روي بغير إذن
وليها وهو وليها لأن الولاية من القرب لقول العرب هذا يلي هذا أي يقرب منه وابنها
أقرب إليها من غيره لأنه جزؤها وجزء الشيء أقرب إليه من الأمور الخارجة عنه هذا
على هذه الرواية وعلى الرواية الأخرى نقول
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
فذلك يكون أبلغ في اجتهاده في نظره
في تحصيل الإكفاء ورده العار عن النسب وخالف الشافعي رضي الله تعالى عنه في الابن
فقال لا ولاية له محتجا على ذلك بثلاثة وجوه أحدها قول النبي صلى الله عليه وسلم
أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن مواليها فنكاحها باطل والابن لا يسمى مولى
وثانيها أنه يدلي بها فلا يزوجها كتزويجها لنفسها فإن الفرع لا يكون أقوى من الأصل
ولما أدلى بها صار في معناها وثالثها أنه شخص لا تصح من أبيه الولاية فلا تصح منه
كابن الخال مع الخال والجواب عن الثلاثة الوجوه أما عن الأول فبوجهين الأول أن الحديث
كما روي بغير إذن مواليها كذلك روي بغير إذن وليها والابن ولي أمه لأن الولاية من
القرب لقول العرب هذا يلي هذا أي يقرب منه ولا شك أن ابنها أقرب إليها من غيره
لأنه جزؤها وجزء الشيء أقرب إليه من الأمور الخارجة عنه الوجه الثاني أن المولى في
الحديث على روايته بغير إذن مواليها لا نسلم أن المراد به خصوص السيد حتى يصح أن
يقال لا يسمى الابن مولى بل المولى له معان كثيرة في لسان العرب فيحتمل أن يكون
المراد به في الحديث منها الناصر بقوله تعالى فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح
المؤمنين أي ناصره وقوله تعالى وأن الكافرين لا مولى لهم أي لا ناصر لهم وهو كثير
والابن ناصر أمه فيكون هو مولاها بل هذا الاحتمال أولى لأن فيه جمعا بين الروايتين
وأما عن الثاني فبالفرق بقوة عقله الناشئ عن الذكورية وضعف عقلها الناشئ عن
الأنوثة وأما عن الثالث فبأنه جزء منها
____________________
(3/183)
المولى له معان كثيرة في لسان العرب
منها الناصر لقوله تعالى فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين أي ناصره ومنه
قوله تعالى وأن الكافرين لا مولى لهم أي لا ناصر لهم وهو كثير والابن ناصر أمه
فيكون هو مولاه وهذا الاحتمال أولى لأن فيه جمعا بين الروايتين وعن الثاني الفرق
بقوة عقله الناشئ عن الذكورية وضعف عقلها الناشئ عن الأنوثة وعن الثالث أنه جزء
منها فيتعلق به عارها بخلاف أبيه وابن الخال فإن ابن الخال بعيد عنها لا تنكيه فضيحتها
كما تنكي ابنها بل يجب أن يكون الابن مقدما على جميع الأولياء لأنه جزؤها وجزؤها
أمس بها من الأمور الخارجة والقاعدة أنه يقدم في كل ولاية من هو أقوم بمصالحها
ولذلك قدم في القضاء من هو أيقظ وأكثر تفطنا لوجوه الحجاج وسياسة الخصوم وأضبط
للفقه ويقدم في الحروب من هو أعرف بمكايد الحروب وسياسة الجند والجيوش
ويقدم في الفتيا من هو أورع وأضبط لمنقولات
الفقه وفي أمانة الحكم على الأيتام من هو أعرف بتنمية الأموال وأعرف بمقادير
النفقات والكلف والجدال في الخصام ليناضل عن الأيتام
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
فيتعلق به عارها بخلاف أبيه وابن
الخال فإن ابن الخال بعيد عنها لا تنكيه فضيحتها كما تنكي ابنها بل يجب أن يكون
الابن مقدما على جميع الأولياء حتى الأب لأنه جزؤها وجزؤها أمس بها من الأمور
الخارجة نعم في شب أن أب المجنونة مقدم في الجبر على ابنها والابن مقدم عليه في
الولاية
ا ه لكنه غير المعقول إلا أن يؤول
بأن في سببيته أي مقدم بسبب الجبر على ابن المجنونة والابن من زنى مثلا لأن الجبر
ولاية وزيادة فلا يلزم أن الابن له جبر والابن مقدم في الولاية التي لا جبر فيها
وهي الآتية في العصبات أفاده الأمير في شرح المجموع وضوء الشموع والقاعدة أنه يقدم
في كل ولاية من هو أقوم بمصالحها ولذلك قدم في القضاء من هو أيقظ وأكثر تفطنا
لوجوه الحجاج وسياسة الخصوم وأضبط للفقه وفي الحروب من هو أعرف بمكايدها وسياسة
الجند أو الجيوش وفي الفتيا من هو أورع وأضبط لمنقولات الفقه وفي أمانة الحكم على الأيتام
من هو أعرف بتنمية الأموال ومقادير النفقات والكلف والجدال في الخصام ليناضل عن
الأيتام وفي سعاية الزكاة من هو أعرف بنصابها والواجب فيها وأحكام الزكاة من
الاختلاط والافتراق وأقوى خرصا للثمار وربما كان المقدم في باب مؤخرا في باب آخر
كما قدم الرجال في الحروب والإمامة وأخروا في الحضانة فإن مزيد إنفاقهم يمنعهم من
تحصيل مصالح الأطفال وأخر النساء في الحروب والإمامة وقدمن في الحضانة عليهم فإنهن
بسبب مزيد شفقتهن وصبرهن على الأطفال أكمل فيها منهم فلهذه القاعدة يقدم كل ولي
تكون صفته أقرب على غيره من الأولياء لأن صفة أقربيته تكون حاثة على حسن النظر
أكثر من غيره ونحن نعلم بالضرورة أن ابن الإنسان أشفق عليه من ابن عمه لا سيما إذا
بعد وفي بداية المجتهد أن الشافعي اعتبر أن الولد ليس من عصبتها لحديث عمر لا تنكح
المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها أو السلطان ولم يعتبره مالك في الابن
لحديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ابنها أن ينكحها إياه ولأنهم
اتفقوا أعني مالكا والشافعي على
____________________
(3/184)
ويقدم في سعاية الزكاة من هو أعرف
بنصبها والواجب فيها وأحكام الزكاة من الاختلاط والافتراق وأقوى خرصا للثمار وربما
كان المقدم في باب مؤخرا في باب آخر كما قدم الرجال في الحروب والإمامة وأخروا في
الحضانة وقدم النساء عليهم بسبب مزيد شفقتهن وصبرهن على الأطفال فكن لذلك أكمل في
الحضانة من الرجال فإن مزيد إنفاقهم يمنعهم من تحصيل مصالح الأطفال فلهذه القاعدة
قدم الابن على غيره فإنا نعلم بالضرورة أن ابن الإنسان أشفق عليه من ابن عمه لا سيما
إذا بعد ويقدم كل ولي على غيره من الأولياء إذا كانت صفته أقرب وحاله على حسن
النظر أكثر من غيره فيقدم لذلك
الفرق الثاني والأربعون والمائة بين
قاعدة الأجداد في المواريث يسوون بالإخوة وبين قاعدتهم في النكاح وميراث الولاء
وصلاة الجنازة تقدم الإخوة عليهم وسر الفرق بين هذه المواطن والمواريث أن الجد في
باب المواريث يقول أنا أبو أبيه والأخ يدلي بالبنوة فيقول أنا ابن أبيه والبنوة
مقدمة على الأبوة فحجب الابن الأب عن
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
أن الابن يرث الولاء الواجب للأم
والولاء للعصبة ا ه
فافهم والله سبحانه وتعالى أعلم
الفرق الثاني والأربعون والمائة بين
قاعدة الأجداد في المواريث يسوون بالإخوة وبين قاعدتهم في النكاح وميراث الولاء
وصلاة الجنازة تقدم الإخوة عليهم مشهور المذهب أن ترتيب العصبة في غسل الميت وفيما
إذا وصى لأقرب عصبة وفي ميراث الولاء وفي صلاة الجنازة وفي النكاح وفي تكميل عدد
العاقلة هكذا ابن وإن سفل فأب فأخ فابنه فجد أدنى فعم أدنى فابنه فأبو الجد فعم
الأب وهكذا يقدم الأصل على فرعه والفرع على أصل أصله وابن الأخ الشقيق على ابن الأخ
للأب كما في المجموع ومقابل المشهور كما في ضوء الشموع قول المغيرة يقدم الجد على
الأخ لأنه أب
ا ه وفي بداية المجتهد وروي عن مالك
أن الأب أولى من الابن وهو أحسن وقال أيضا الجد أولى من الأخ وبه قال المغيرة وخالف
الشافعي مالكا في ولاية البنوة فلم يجزها أصلا بل قال لا ولاية للابن وفي تقديم
الإخوة على الجد ا ه
وترتيبهم في الحضانة أن يتوسط الأجداد
بين الإخوة وأبنائهم وفي المواريث واستيفاء الدم من الجاني أن يسوى الأجداد
بالإخوة بأن يقدم الأخ ثم الجد ثم ابن الأخ ثم العم ثم ابن العم وما أحسن قول عج
رحمه الله تعالى بغسل وإيصاء ولاء جنازة نكاح أخا وابنا على الجد قدم وعقل ووسطه
بباب حضانة وسوه مع الأباء في الإرث والدم ومراده بالآباء الإخوة دون أبنائهم قال
الأصل وسر الفرق بين المواريث وبين الأبواب الثلاثة أعني النكاح وميراث الولاء
ومنه الإيصاء وتكمل عدد العاقلة وصلاة الجنازة ومنه غسل الميت هو أنه وإن كانت
العمدة في هذه الأبواب الأربعة من أن حجة الجد في باب المواريث أن يقول أنا أبو
أبيه والأبوة
____________________
(3/185)
جملة المال إلى سدسه فهذه العمدة في
الأبواب الأربعة كلها ويفترق الميراث من الثلاثة الأبواب الأخر بأن الجد تسقط
الإخوة للأم به ولا نقدر الإخوة الأشقاء على ذلك ولا الإخوة للأب ويرث مع الابن
بخلاف الإخوة فلما عارض بهذين الوجهين حجة الإخوة بالبنوة سوى بالإخوة في باب
ميراث النسب لأنه هو الذي حصل فيه التعارض وهذا التعارض منفي في الأبواب الثلاثة
بسبب أن الإخوة للأم لا مدخل لهم في ولاية النكاح ولا ميراث الولاء ولا في صلاة
الجنازة حتى يقول الجد للإخوة أنتم عاجزون عن دفع هؤلاء وأنا لا أعجز عن دفعهم
وإذا لم يمكن أن يعارضهم بذلك بقيت حجتهم بالبنوة وتقديمها على الأبوة سالمة عن المعارض
فقدموا في الأبواب الثلاثة بخلاف ميراث النسب
الفرق الثالث والأربعون والمائة بين
قاعدة الوكالة وبين قاعدة الولاية في النكاح أن الرجل إذا وكل وكيلين في بيع سلعة
فباعاها من رجلين كان النافذ من البيعين هو
هامش أنوار البروق
قال الفرق الثالث والأربعون والمائة بين
قاعدة الوكالة وقاعدة الولاية في النكاح إلى قوله ثم يتبين عتق زوجها قبلها ردت
إليه وقيل يفيتها قلت هذا الفرق عندي فاسد الوضع فإنه لا فرق بين البيع والنكاح من
حيث إن السلعة إذا هلكت كان هلاكها فوتا ونفوذا للعقد الثاني وكذلك في النكاح في
المسائل الثماني التي ذكر الفرق فيها
هامش إدرار الشروق
مقدمة على الأخوة قطعا ومن حجة الأخ
في ذلك الباب أن يقول من حيث إنه يدلي بالبنوة عارضها في باب ابن أبيه والبنوة
مقدمة على الأبوة قطعا فقد حجب الابن الأب عن جملة المال إلى سدسه إلا أن حجة
الأخوة بالبنوة لما عارضها في باب ميراث النسب وجهان لم تحصل معارضتهما لهما في
الثلاثة الأبواب الأخر أحدهما أن الجد يسقط الإخوة للأم به ولا تقدر الإخوة أشقاء
كانوا أو لأب على ذلك وثانيهما أن الجد يرث مع الابن بخلاف الإخوة أما الثاني
فظاهر وأما الأول فبسبب أن الإخوة للأم لا مدخل لهم في ولاية النكاح ولا في ميراث الولاء
ولا في صلاة الجنائز لاختصاص هذه الأبواب بالعصبة وأخ الأم خارج عن العصبة وحينئذ
لم يكن لقول الجد للإخوة أنتم عاجزون عن دفع هؤلاء وأنا لا أعجز عن دفعهم وإذا لم
يمكن أن يعارضهم بذلك بقيت حجة الأخوة بالبنوة وتقديمها على الأبوة سالمة عن
المعارض فقدموا في الأبواب الثلاثة بخلاف ميراث النسب
ا ه بتصرف وتوضيح للمراد وسلمه ابن
الشاط قلت ويبقى سر الفرق بين باب الحضانة وبين الأبواب الأربعة مفتقرا للبيان
ويخلق ما لا تعلمون فتأمل ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم
الفرق الثالث والأربعون والمائة بين
قاعدة الوكالة وبين قاعدة الولاية في النكاح وذلك أن الأصل قال لم أجد لمالك ولا
لأصحابه نصا في أن الوكيلين إذا باع أحدهما بعد الآخر سلعة
____________________
(3/186)
الأول وإذا جعلت المرأة أمرها لوليين
فزوجاها من رجلين كفأين فالمعتبر أولهما إن عرف كالبيع إلا أن يدخل بها الأخير فهو
أحق بها وهذه القاعدة فيها سبع مسائل يفيتهن الدخول مسألة الوليين وامرأة المفقود
تتزوج بعد الأجل المضروب يفيتها الدخول فإن قدم قبل الدخول بها فهو أحق بها
والمرأة تعلم بالطلاق دون الرجعة فتتزوج ثم تثبت رجعة الأول فإن دخل بها الزوج
الثاني كان أحق بها وألغيت الرجعة
وقال مالك في المدونة إذا طلق زوج
الأمة الأمة طلاقا رجعيا فراجعها في السفر فلم تعلم بذلك فوطئها السيد بعد انقضاء
العدة مع علمه بالرجعة كان وطء السيد مفيتا لها كالوطء بالزوج وتكون هذه المسألة ثامنة
لهذه المسائل وامرأة الرجل يرتد فيشك في كفره بالأرض البعيدة هل هو إكراه أو
اختيار ثم يتبين أنه إكراه وقد تزوجت امرأته بناء على ظاهر كفره فإن دخل بها
الثاني فهو أحق بها وإن لم يدخل بها فهي للأول والرجل يسلم على عشرة نسوة فاختار
منهن أربعا فوجدهن ذوات محارم فإنه يرجع
هامش أنوار البروق
وإنما يحتاج إلى الفرق بين هذه
المسائل والمسائل الأربع التي ذكر عدم الفوت فيها وأما الفرق بين تينك القاعدتين
فليس بصحيح والله أعلم قال فالشافعي رحمه الله تعالى يسوي بين القاعدتين إلى قوله
يصلح للترجيح لا للاستقلال قلت ما قاله من أن الشافعي يسوي بين القاعدتين يشعر بأن
مالكا لا يسوي بينهما وليس الأمر كذلك بل مالك أيضا يسوي بينهما غير أنه فرق بين مسائل
من فروع القاعدتين فيطلب وجه ذلك الفرق وما قاله من أن القياس قول الشافعي صحيح
هامش إدرار الشروق
واتصل بالثاني تسليم انعقد عقده وفات
عقد الأول بل إنما قالوا النافذ من البيعين هو الأول مطلقا نعم وقع لمالك في
المدونة والجلاب أن الوكيل والموكل خاصة إذا باع أحدهما بعد الآخر انعقد عقد
السابق إلا أن يتصل بالثاني تسليم فقال الأصحاب هذا قياس على مسألة الوليين تجعل
المرأة أمرها لهما فيزوجاها من رجلين كفأين فالمعتبر أولهما إن عرف إلا أن يدخل
بها الأخير فهو أحق بها لقضاء عمر رضي الله عنه بذلك ومذهب مالك رحمه الله تعالى
أن يقول الصحابي الواحد كما يصلح للترجيح كذلك يصلح للاستقلال فيكون حجة على غيره
من غير الصحابة لحديث أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم رواه ابن ماجه وهو
كذلك عند الشافعي في القديم وعلى قوله الجديد يصلح للترجيح لا للاستقلال فليس بحجة
على غيره من الصحابة اتفاقا ولا على غيره من غير الصحابة كما في شرح الحطاب على ورقات
إمام الحرمين في أصول الفقه مع المتن وقال ابن عبد الحكم لا عبرة بالتسليم بل إنما
ينعقد عقد الأول والفرق بين مسألة الوليين في النكاح ومسألة الوكيل وموكله في
البيع أن كشف النكاح مضرة عظيمة بخلاف البيع وهذا هو الصحيح والتخريج مع قيام
الفارق باطل إجماعا فلو رام مخرج تخريج الوكيلين على الموكل والوكيل على ما لمالك
في المدونة والجلاب لتعذر ذلك بسبب الفرق أيضا وهو أن الموكل له التصرف بطريق
الأصالة والوكيل له التصرف بطريق النيابة فهو فرع فإن تأخر عقده
____________________
(3/187)
ويختار من البواقي ما لم يتزوجن
ويدخل بهن أزواجهن فمن دخل بها فات الأمر فيها بالدخول ومن لم يدخل بها كان له
أخذها وقيل لا يفيتهن الدخول والمرأة تطلق للغيبة ثم يقدم بحجة
فإن وجدها تزوجت ودخل بها فاتت عليه
وإن لم يدخل بها لم تفت عليه والمرأة تسلم وزوجها كافر فيفرق بينهما ثم يبين تقدم
إسلامه عليها وخولفت هذه القاعدة في أربع مسائل في المذهب أيضا المرأة ينعى لها
زوجها ثم يتبين حياته وقد تزوجت فإنها لا يفيتها الدخول وقيل يفيتها الدخول
والمطلقة بسبب الإعسار بالنفقة ثم يتبين أنها أسقطتها عنه قبل ذلك وقد تزوجت فإنها
ترجع إليه وإن دخل بها الثاني والرجل يقول عائشة طالق وله امرأة حاضرة اسمها عائشة
وقال لم أردها ولي امرأة أخرى تسمى عائشة ببلد آخر وهي التي أردت فإنها تطلق عليه
هذه لأن الأصل عدم امرأة أخرى فإن تبين صدقه وقد تزوجت ودخل بها زوجها ردت إليه
ولا يفتيها الدخول والأمة تختار نفسها تتزوج ويدخل بها زوجها ثم يتبين عتق زوجها
قبلها ردت إليه وقيل يفيتها
هامش أنوار البروق
قال ووجه الحجة على الشافعي إلى ما
ذكر في الفرق قلت ما قاله يحتاج إلى تأمل ونظر
هامش إدرار الشروق
ووقع التسليم في عقد الموكل أمكن أن
يقول مالك ذلك عندي مضاف للتسليم وكونه متصرفا بطريق الأصالة والأصالة لها قوة وله
أيضا قوة العزل والتصرف بنفسه وهو معنى مناسب مفقود في الوكيلين فإن كليهما فرع لا
أصالة له فلا ينعقد عقد اللاحق منهما مطلقا اتصل به قبض أم لا ومهما وجدنا معنى
يمكن أن يلاحظه الإمام امتنع التخريج على محل ذلك الفارق كما أن المجتهد إذ وجد معنى
يمكن أن يكون فارقا امتنع عليه القياس فالمقلد مع المجتهد كالمجتهد مع الشارع
والوليان في النكاح وإن كانا فرعين لا متأصل فيهما إلا أن المرأة في النكاح لما
كان يتعذر عليها الاستقلال سقط اعتبار التأصل فيها بخلاف الموكل في البيع فإنه لما
كان يمكن استقلاله أمكن أن يكون إمكان استقلاله فرقا يلاحظه الإمام فيتعذر التخريج
والصواب عدم التخريج مطلقا في الموكل والوكيل والوكيلين أيضا فتكون قاعدة الوكيلين
والموكل والوكيل عند مالك تخالف قاعدة مسألة الوليين والسبع المسائل نظائرها عنده
في أن دخول الأخير بالمرأة فيها يفيتها على من قبله المسألة الأولى امرأة المفقود
تتزوج بعد الأجل المضروب فإن قدم قبل الدخول بها فهو أحق بها وإلا فاتت عليه
بالدخول المسألة الثانية المرأة تعلم بالطلاق دون الرجعة فتتزوج ثم ثبتت رجعة
الأول فإن دخل بها الزوج الثاني كان أحق بها وألغيت الرجعة لقضاء معاوية بن أبي سفيان
وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما بذلك وأفاتاها بالدخول المسألة الثالثة قال
مالك في المدونة إذا طلق زوج الأمة الأمة طلاقا رجعيا فراجعها في السفر فلم
____________________
(3/188)
فالشافعي رضي الله عنه يسوي بين
القاعدتين وجعل العقد السابق هو المعتبر وما بعده باطل حصل دخول أم لا فهذا هو
القياس فإن من شرط عقد النكاح أن تكون خالية عن زوج وهذه ذات زوج فلا يصح العقد
عليها واعتمد مالك رحمه الله تعالى على قضاء عمر رضي الله عنه في مسألة الوليين
وقضاء معاوية بن أبي سفيان وعبد الله بن الزبير في مسألة الرجعة وأفاتوا المرأة
بالدخول وهذا مدرك عند مالك وعند الشافعي رضي الله عنه ليس بمدرك لأن مذهبه أن قول
الصحابي يصلح للترجيح لا للاستقلال ووجه الحجة على الشافعي وهو سر الفرق المقصود
بين القاعدتين أنا أجمعنا على الأخذ بالشفعة وهو إبطال أثر العقد السابق وتسليط الشفيع
على إبطاله لأجل الضرر الداخل على الشريك من توقع القسمة
وإذا قضى بتقديم الضرر على القعد
هنالك وجب أن يقضي ههنا بتقديم الضرر على العقد السابق بطريق الأولى من وجهين
الأول أن ضرر الشفعة متوقع فإن القسمة قد تحصل وقد لا تقع ألبتة وأما الضرر ههنا
فناجز وتقريره أن الرجل إذا طلع على المرأة حصل له بها تعلق في الغالب وحصل لها هي
أيضا تعلق فإن الرجل إنما يتزوج في الغالب من مالت نفسه إليها وإذا دخل عليها مع
الميل المتقدم وجدت الرؤية والمباشرة فالغالب حصول الميل كذا هي أيضا إنما
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
تعلم بذلك فوطئها السيد بعد انقضاء
العدة مع عدم علمه بالرجعة كان وطء السيد مفيتا لها كالوطء بالزوج المسألة الرابعة
امرأة الرجل يرتد فيشك في كفره بالأرض البعيدة هل هو إكراه أو اختيار ثم تبين أنه
إكراه وقد تزوجت امرأته بناء على ظاهر كفره فإن دخل بها الثاني فهو أحق بها وإن لم
يدخل بها فهي للأول المسألة الخامسة الرجل يسلم على عشر نسوة فاختار منهن أربعا فوجدهن
ذوات محارم فإنه يرجع ويختار من البواقي ما لم يتزوجن ويدخل بهن أزواجهن فمن دخل
بها فات الأمر فيها بالدخول ومن لم يدخل بها كان له أخذها وقيل لا يفيتهن الدخول
المسألة السادسة المرأة تطلق للغيبة ثم يقدم بحجة فإن وجدها تزوجت ودخل بها فاتت
عليه وإن لم يدخل بها لم تفت عليه المسألة السابعة المرأة تسلم وزوجها كافر فيفرق
بينهما ثم يبين تقدم إسلامه عليها فتفوت عليه إن تزوجت ودخل بها وإن لم يدخل بها
لم تفت عليه وتخالف هذه القاعدة أعني قاعدة مسألة الوليين ونظائرها السبع أربع
مسائل في المذهب أيضا الأولى المرأة ينعى لها زوجها ثم يتبين حياته وقد تزوجت
فإنها لا يفيتها الدخول وقيل يفيتها الدخول الثانية المطلقة بسبب الإعسار للنفقة
ثم يتبين أنها أسقطتها عنه قبل ذلك وقد تزوجت فإنها ترجع إليه وإن دخل بها الثاني
الثالثة الرجل يقول عائشة
____________________
(3/189)
رضيت به بعد ميل نفسها إليه فإذا
باشرته مع الميل المتقدم وحصول الإرب فالغالب حصول الميل وإذا كان الظاهر حصول
الميل إما من الجانبين وإما من أحدهما فلو قضينا بالفراق بعد هذا الميل الناشئ من
الدخول وقضاء الأوطار لحصل الضرر الناجز لمن حصل له الميل بألم الفراق فعلم أن ضرر
الشفعة متوقع وضرر هذه المسائل واقع والواقع أقوى من المتوقع الوجه الثاني في موجب
القياس بطريق الأولى أن الشريك الشفيع يأخذ بغير عقد أضيف إليه بل بمجرد الضرر
وههنا الزوج الثاني معه عقد يقابل به العقد الأول فصار دفع ضرره معضودا بعقد ودفع
ضرر الشريك غير معضود بعقد فكان المعضود أولى فإن قلت وجود هذا العقد كعدمه لأن
المحل غير قابل له فلا يصح للترجيح قلت كون وجوده كعدمه هو محل النزاع نحن نقول
ليس وجوده كعدمه بل اتفقنا على أن مثل هذه الصورة من العقد موجبة للعصمة في غير
صورة النزاع فوجب أن يكون هنا كذلك عملا بوجود الصورة من الإيجاب والقبول ورضى
الولي والمرأة وكون تقدم العقد مانعا صورة النزاع
وهذا وجه الترجيح فإن قلت ما الفرق
بين مسألة الوليين ومسألة الوكيلين وكلا
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
طالق وله امرأة حاضرة اسمها عائشة
وقال لم أردها ولي امرأة أخرى تسمى عائشة ببلد آخر وهي التي أردت فإنها تطلق عليه
هذه الحاضرة لأن الأصل عدم امرأة أخرى فإن تبين صدقه وقد تزوجت ودخل بها زوجها ردت
إليه ولا يفيتها الدخول الرابعة الأمة تعتق وتختار نفسها وتتزوج ويدخل بها زوجها
ثم تبين عتق زوجها قبلها ردت إليه وقيل يفيتها الدخول وسوى الشافعي رضي الله عنه بين
القاعدتين في اعتبار العقد السابق في بابي البيع كالنكاح في جميع مسائله والعقد
الذي بعده باطل حصل دخول أم لا وهو القياس فإن من شرط عقد النكاح أن تكون خالية عن
زوج وهذه ذات زوج فلا يصح العقد عليها إلا أن مالكا رحمه الله تعالى اعتمد على
قضاء عمر رضي الله عنه في مسألة الوليين وقضاء معاوية بن أبي سفيان وعبد الله بن
الزبير رضي الله عنهما في مسألة الرجعة وأفاتوا المرأة بالدخول وهذا مدرك عنده لا
عند الشافعي كما تقدم فيحتاج على مذهب مالك لأمرين الأمر الأول بيان سر الفرق
المقصود بين القاعدتين بأنا أجمعنا على الأخذ بالشفعة وهو إبطال أثر العقد السابق وتسليط
الشفيع على إبطاله لأجل الضرر الداخل على الشريك من توقع القسمة وإذا قضي بتقديم
مجرد الضرر المتوقع غير الناجز بدون أن ينضم إليه عقد على العقد هنالك وجب أن يقضى
هاهنا بتقديم الضرر الناجز المنضم إليه عقد على العقد السابق بطريق الأولى أما كون
ضرر الشريك في الشفعة متوقعا لا ناجزا فلأنها قد تحصل وقد لا تقع ألبتة وأما كون
ضرر فراق الثاني إذا دخل هنا ناجزا لا متوقعا فلأن الرجل إنما يتزوج في الغالب من
مالت نفسه إليها وإذا دخل عليها مع الميل المتقدم وجدت الرؤية والمباشرة فالغالب
حصول الميل وكذلك هي أيضا إنما رضيت به بعد ميل نفسها إليه فإذا باشرته مع الميل المتقدم
وحصول الأرب
____________________
(3/190)
على أن يزوج كل واحد منهما بامرأة
فزوجاه بامرأتين فدخل بإحداهما فتبين أنها خامسة فإنها لا يفتيها الدخول إجماعا
فكذلك ههنا والجامع بطلان العقد قلت بالفرق بينهما من عشر أوجه أحدها المانع من
الصحة في الخامسة هو عقد الرابعة مع ما تقدمه من العقود والمانع في الوليين عقد
واحد فهو أخف فسادا وأقل موانع ففاتت بالدخول بخلاف الخامسة الثاني أن الأولياء
الغالب عليهم الكثرة دون الولاء فصورة الوليين مما يكثر وقوعها فالقول ببطلان
العقد الثاني بعد الدخول يؤدي إلى كثرة الفساد والخامسة نادرة لأن الفساد فيها الناشئ
عن الاطلاع والكشف قليل الثالث أن الزوج كالمشتري الذي هو صاحب الصداق الذي هو الثمن
والمرأة كالبائع لأنها صاحبة السلعة والسلع مقاصد والأثمان وسائل ورتبتها أخفض من
رتبة المقاصد فلذلك لم يبطل عقد الرابعة لأنه إبطال لمقصد وإبطال العقد الأول
للزوج الأول إبطال لصاحب وسيلة التعارض إنما وقع بين الزوجين اللذين هما صاحبا
وسيلة وبين الرابعة والخامسة في صاحبي مقصد فاجتمع في الرابعة كونه مقصدا وموافقة
الأوضاع الشرعية فامتنع إبطاله لقوته بخلاف الزوج الأول
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
فالغالب حصول الميل وإذا كان الظاهر
حصول الميل إما من الجانبين وإما من أحدهما فلو قضينا بالفراق بعد هذا الميل
الناشئ من الدخول وقضاء الأوطار لحصل الضرر الناجز لمن حصل له الميل بألم الفراق
فضرر هذه المسائل الثماني واقع وضرر الشفعة متوقع والواقع أقوى من المتوقع وأما
كون الضرر هنا معضودا بعقد بخلافه في الشفعة فلأن الشريك الشفيع يأخذ بغير عقد
أضيف إليه بل بمجرد الضرر وهاهنا الزوج الثاني معه عقد يقابل به العقد الأول
وبالجملة فسير مخالفة قاعدة مسألة الوليين ونظائرها السبع عند مالك رحمه الله
تعالى لقاعدة الوكيلين في البيع هو تحقق القياس الجلي على الأخذ بالشفعة في القاعدة
الأولى دون الثانية
الأمر الثاني بيان ما يرد على هذا
الفرق من الأسئلة وما يجاب به عنها فالسؤال الأول أن وجود العقد مع الزوج الثاني هنا
لا يصلح مرجحا ضرورة أن المحل غير قابل له لأن عقد الزوج الأول مانع منه فهو معدوم
شرعا والمعدوم شرعا كالمعدوم حسا وجوابه أنه لا نسلم ذلك لأنا لما اتفقنا على أن
وجود مثل صورة هذا العقد من الإيجاب والقبول ورضى الولي والمرأة موجبة للعصمة في
غير صورة النزاع وجب هنا العمل بالصورة أيضا في الترجيح وعدم الالتفات لما في صورة
النزاع من كون عقد الزوج الأول مانعا من قبول المحل لهذا العقد حتى يقال إنه كعدمه
والسؤال الثاني لم اعتبرتم في مسألة الوكيلين يوكلهما الرجل على أن يزوجه كل واحد
منهما بامرأة فزوجاه بامرأتين فدخل بإحداهما فتبين أنها خامسة كون عقد ما قبل المدخول
بها مانعا حيث قلتم لا يفيتها
____________________
(3/191)
الرابع أن ولوع الرجال بالنساء
وشغفهم بهن أكثر منهن بهم والعادة شاهدة بذلك فإن الرجال هم الباذلون والخاطبون
إلى غير ذلك من الدلائل على فرط الميل ولم يوجد ذلك في النساء لضعف طبعهن وغلبة
الحياء عليهن وإذا كان شغف الرجال بهن أعظم صعب التفريق في مسألة الوليين لأنه ضرر
بالزوج الثاني الذي حصل له الشغف بالدخول والخامسة إنما يتوقع فيها داعية ضعيفة
فكان الفساد أقل الخامس أن داعية الرجال في السؤال عن الواقع من أولياء المرأة
ضعيف وعن الواقع من الوكلاء في التزويج قوي فكثر الأول دون الثاني فكان مخالفة القاعدة
في الوليين أقل السادس أنه يتهم في الخامسة أن يكون عدل إليها عن الرابعة مع عمله
بها لأنه المختار للدخول والمرأة محكوم عليها لا خيرة لها السابع أن الخامسة على
خلاف القاعدة المعتبرة فعظمت أسباب إبطالها لأن الله تعالى جعل ثلاثا مستثنيات
فتجوز الهجرة ثلاثا والإحداد ثلاثا وأيام الخيار ثلاثا والضرات ثلاثا ثم يلزم
ويمكث الهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا وجعل المرأة تضر بثلاث من النساء والخامسة لو
صححناها وقع الإضرار بأربع ولم يوجد في مسألة الوليين مخالفة قاعدة إلا ما اشتركا
فيه
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
الدخول إجماعا ولم تعتبروا في مسألة
الوليين ونظائرها السبع كون عقد الأول مانعا حيث قلتم يفيتها دخول الثاني فما
الفرق بينهما وجوابه أنه يفرق بينهما من عشرة أوجه أحدها أن المانع هنا عقد واحد
وفي الخامسة عقد الرابع مع ما تقدمه من العقود الثاني أن الغالب على الأولياء
الكثرة فيؤدي القول ببطلان العقد الثاني بعد الدخول في صورتهما إلى كثرة الفساد
وعلى الوكلاء الندرة فلا يؤدي إلى كثرة الفساد القول بفساد الخامسة الناشئ عن
الاطلاع والكشف النادر الثالث أن التعارض في الوليين وقع بين الزوجين اللذين هما صاحبا
وسيلة ضرورة أن الزوج الذي هو صاحب الصداق كالمشتري الذي هو صاحب الثمن والأثمان
وسائل وفي الوكيلين وقع بين الزوجتين الرابعة والخامسة اللتين كالبائع في كون كل
منهما صاحبة سلعة والسلع مقاصد ورتبة الوسائل أخفض من رتبة المقاصد فلم يكن في
إبطال عقد الزوج الأول إلا إبطال ما رافق الأوضاع الشرعية بخلاف عقد الرابعة فقد
اجتمع في إبطاله ما هو مقصد وما هو موافق للأوضاع الشرعية فلذا امتنع إبطاله لقوته
ولم يمتنع إبطال عقد الزوج الأول لضعفه الرابع أن العادة شاهدة بولوع الرجال
بالنساء وشغفهم بهن أكثر منهن بهم ألا ترى أن الرجال هم الباذلون والخاطبون إلى
غير ذلك من الدلائل على فرط الميل ولم يوجد ذلك في النساء لضعف طبعهن
____________________
(3/192)
الثامن إن شاء أولياء السؤال عن حال
الزوج وليس شأن أولياء الرجل السؤال عن حال المرأة فضعفت الشبهة في الخامسة بكشف
أوليائها التاسع أن عقد الوكالة ضعيف لأنه جاء من الطرفين ولأن المكلف ينشئه فيكون
ضعيفا كالنذر مع الواجب المتأصل بخلاف الأولياء العاشر أن في الخامسة مفسدة اندفعت
بالفسخ وهي أنها على ضرات أربع لها والفائت على ذات الوليين صحبة الزوج الأول ودرء
المفاسد أولى من تحصيل المصالح فإن قلت في صورة الشفعة الشريك مخير وههنا الزوج
الثاني ليس مخيرا بل أنتم تعينون المرأة له جزما فقد زادت صورة الفرع المقيس على
صورة الأصل المقيس عليه بوصف اللزوم فليس الحكم مثل الحكم فلا يصح القياس لتباين
الأحكام قلت الوجه الذي وقع فيه القياس لا اختلاف فيه لأن القياس إنما وقع من جهة
تقديم المضرة على العقد السابق والصورتان من هذا الوجه مستويتان لا اختلاف فيهما
وإنما جعل اللزوم في صورة النزاع دون صورة الشفعة لامتناع الخيار في النكاح لئلا
تكون المخدرات بذلة بالخيار فلذلك حصل اللزوم والتعيين للزوج الثاني ولما كانت
السلع والعقار قابلة للتخيير والخيار ثبت للشفيع الخيار من غير لزوم فإن قلت إنما
أبطلنا العقد في الشفعة لضرر الشفيع لأن العقار مال ورتبة الأموال أخفض من
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
وغلبة الحياء عليهن وقد نبه الله
تعالى على ذلك بقوله تعالى هن لباس لكم وأنتم لباس لهن حيث إنه قدم الجملة الأولى
على الثانية تنبيها على ظهور احتياج الرجل للمرأة وعدم صبره عنها لأنه هو البادئ
بطلب ذلك وكنى باللباس لشدة المخالطة كما في الجمل على الجلالين فيكون ضرر التفريق
بالزوج الثاني الذي حصل له الشغف بالدخول في مسألة الوليين أصعب منه بالخامسة إذ
لا يتوقع فيها إلا داعية ضعيفة الخامس أن مخالفة القاعدة في الوليين أقل من مخالفتها
في الوكيلين إذ القاعدة أن السؤال عن الواقع من الوكلاء في التزويج قوي وعن الواقع
من أولياء المرأة ضعيف السادس أن المرأة محكوم عليها ولا خيرة لها لا تتهم والرجل
من حيث إنه المختار للدخول يتهم أن يكون عدل عن الرابعة إلى الخامسة مع علمه بها
السابع أن دخول الثاني في مسألة الوليين وإن شارك دخول الزوج بالخامسة في مخالفة
قاعدة منع العقد السابق إلا أن الدخول بالخامسة مع ذلك خالف القاعدة المعتبرة من
أن الله تعالى جعل ثلاثا ومستثنيات فتجوز الهجرة ثلاثا والإحداد ثلاثا وأيام
الخيار ثلاث والضرات ثلاث ثم يلزم فعظمت أسباب الإبطال في الخامسة دون مسألة
الوليين الثامن أن شأن أولياء المرأة السؤال عن حال الزوج فتضعف الشبهة في الخامسة
بكشف أوليائها وليس شأن أولياء الرجل السؤال عن حال المرأة فتقوى الشبهة في ذات
الوليين ونحوها التاسع أن عقد الوكالة ضعيف كالنذر مع الواجب المتأصل لأمرين
أحدهما أنه جاء من الطرفين
____________________
(3/193)
رتبة الإبضاع ولا يلزم من مخالفة
العقد المقتضي لما هو أدنى مخالفة العقد المقتضي لما هو أعلى وهذا فرق يبطل القياس
قلت هذا بعينه مستندنا في أولوية القياس وذلك أنكم إذا سلمتم أن الإبضاع أعلى رتبة
من الأموال يكون الضرر بفوات مقاصدها أعظم من ضرر الشريك فيكون أولى بالمراعاة فإن
قلت الزوج الثاني كما حصل له تعلق بالدخول في مسألة الوليين فالزوج الأول وقد حصل
له أيضا تعلق في مسألة الرجعة والمفقود وغيرهما فلم كان دفع ضرر الثاني أولى من
الأول لا سيما وصحبة الأول أطول ومعاهد قضاء الأوطار بينهما أكثر قال الشاعر ما
الحب إلا للحبيب الأول قلت بل ضرر الثاني هو الأولى بالمراعاة وذلك لأن الأول أعرض
بالطلاق وتوحش العصمة إما بالطلاق وإما بالفراق من غير طلاق وإما بحصول السآمة من
طول المباشرة وقد جرت العادة أن طول صحبة المرأة توجب قلة وقعها في النفس وأن
جدتها توجب شدة وقعها في النفس وبهذا يظهر أن ضرر الثاني أقوى وأولى بالمراعاة
فهذا هو سر الفرق بين قاعدة الأنكحة في هذا الباب وبين قاعدة الوكالات في السلع
والإجارات فإن قلت قد سردت ثنتي عشرة مسألة منها ثمانية من هذه القاعدة ومنها أربع
تعارضها وهي
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
وثانيهما أن المكلف ينشئه بخلاف
الأولياء العاشر أن في الخامسة مفسدة أنها على ضرات أربع لها اندفعت بالفسخ
والفائت على ذوات الوليين صحبة الزوج الأول ودرء المفاسد أولى من تحصيل المصالح
والسؤال الثالث أن قياس مسألة الوليين ونظائرها على مسألة الشفعة للشريك لا يصح
لتباين الأحكام ضرورة أن الشريك في صورة الشفعة مخير والزوج الثاني هاهنا ليس
مخيرا بل أنتم قد عينتم المرأة له جزما فقد زادت صورة الفرع المقيس على صورة الأصل
المقيس عليه بوصف اللزوم وجوابه أن للأصل المقيس عليه جهتين إحداهما جهة التخيير وهي
خاصة بالأصل المذكور لكون السلع والعقار قابلة للتخير والخيار فلذا ثبت للشفيع
الخيار من غير لزوم وتمتنع في الفرع الذي هو صورة النزاع لامتناع الخيار في النكاح
لئلا تكون المخدرات بذلة بالخيار فلذلك حصل اللزوم والتعيين للزوج الثاني ولم
تلاحظ في القياس هذه الجهة الجهة الثانية جهة تقديم المضرة على العقد السابق وصورة
النزاع التي هي الفرع مساوية لصورة الشفعة التي هي الأصل في هذه الجهة التي وقع
القياس باعتبارها والسؤال الرابع أن ضرر الشفيع إنما أبطل العقدة في الشفعة
المقتضي إباحة الأموال التي رتبتها أخفض من رتبة الإبضاع فلا يلزم أن يكون ضرر
الزوج الثاني مبطلا للعقد في صورة النزاع المقتضي
____________________
(3/194)
نقض على ما ذكرته من الفرق والنقض
موجب لعدم الاعتبار فيلغى ما ذكرته من الفرق ما لم تفرق بينهما قلت ما ذكرته سؤال
حسن مسموع وبيان الفرق بين الأربعة والثمانية يتضح بأن تعين أقرب الثمانية للأربعة
وتبين الفرق بين تلك الصورة وتلك الأربعة فيحصل الفرق بين الأربعة والثمانية أو
تعين أقرب الصور الثمانية لعدم الفوات بالدخول وأقرب الأربعة للفوات بالدخول وتفرق
بين هاتين الصورتين فيكون الفرق قد حصل بين الجميع بطريق الأولى فإنه إذا حصل
باعتبار الأبعد حصل باعتبار الأقرب بطريق الأولى فنقول كل مسألة دخل فيها حكم حاكم
من هذه الثماني فهي أقرب إلى التفويت بالدخول من الصورة التي لم يدخل فيها حكم
حاكم بسبب أن حكم الحاكم يتنزل منزلة فسخ النكاح من حيث الجملة ألا ترى أن أبا
حنيفة رضي الله عنه قال إن الحاكم إذا حكم بالطلاق بشهادة زور نفذ الطلاق في
الظاهر والباطن وكذلك إذا حكم بالنكاح والزوجية بشهود زور ثبت النكاح في الظاهر
والباطن وجاز لأحد تلك الشهود الزور أن يتزوج تلك المرأة التي شهد بطلاقها مع علمه
بكذب نفسه وأبيحت الزوجة في المسألة الأخرى في نفس الأمر لأن حكم الحاكم في هذه
المسائل وإن لم يصادف عقدا ولا طلاقا لكن حكمه نفسه يتنزل منزلة الطلاق والنكاح
ولهذا المدرك عمم نفوذ الأحكام
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
إباحة الإبضاع التي هي أعلى رتبة
فبطل القياس بهذا الفرق وجوابه أنكم إذا سلمتم أن الإبضاع أعلى رتبة من الأموال
يكون الضرر بفوات مقاصدها أعظم من ضرر الشريك فيكون أولى بالمراعاة فكيف لا يلزم
أن يكون مبطلا للعقد في صورة النزاع حتى يسلم بطلان القياس بهذا الفرق السؤال
الخامس لم رجحتم ضرر الزوج الثاني في مسألة النزاع على ضرر الزوج الأول في مسألة
الرجعية والمفقود وغيرهما مع أن الزوج الثاني كما حصل له تعلق بالدخول في مسألة الوليين
كذا الزوج الأول قد حصل له أيضا تعلق في مسألة الرجعة والمفقود وغيرهما لا سيما
وصحبة الأول أطول وأكثر ومعاهد قضاء الأوطار بينهما قال الشاعر ما الحب إلا للحبيب
الأول وجوابه أنا رجحنا ضرر الثاني لكونه أولى بالمراعاة من ضر الأول لأن الأول
أعرض بالطلاق وتوحش العصمة إما بالطلاق وإما الفراق من غير طلاق وإما بحصول السآمة
من طول المباشرة وقد جرت العادة أن طول صحبة المرأة توجب قلة وقعها في النفس وأن
جدتها توجب شدة وقعها في النفس وبهذا يظهر سر الفرق بين قاعدة الأنكحة في هذا
الباب وبين قاعدة الوكالات في السلع والإجارات والسؤال السادس لم اعتبر ثم هذه
القاعدة في مسألة الوليين ونظائرها السبع ولم تعتبروها في الأربع المسائل حيث قلتم
فيها إن الزوجة لا يفيتها دخول الثاني وهذا نقض لما ذكر من الفرق موجب لعدم اعتباره
وإلغائه ما لم يتبين الفرق بين الثمان المسائل التي اعتبرت فيها القاعدة والأربع
المسائل التي لم تعتبر فيها وجوابه أن أبعد الثمانية عن الفوات بالدخول مسألة ذات
الوليين إذ ليس فيها حكم حاكم ولا
____________________
(3/195)
بشهادة الزور في العقود والفسوخ دون
الديون وغيرها من القضايا فإن الدين ونحوه لا يدخل حكم الحاكم فتستقل الذمة به
والفسخ يمكن أن يستقل به الحاكم في صور مجمع عليها وكذلك الحاكم يستقل بالعقد ولا
تستقل الذمم بالمال إلا أخذه بالفرض أو غيره فلذلك عمم في العقود والفسوخ ومنع
غيرهما ونحن وإن لم نقل بهذا المدرك وقلنا لا ينفذ هذا الحكم غير أنه يبقى فارقا
من حيث الجملة بين ما فيه حكم حاكم وبين ما ليس فيه حكم حاكم فيكون ما فيه حكم
حاكم أقرب إلى الفوات بالدخول من حيث الجملة فأقول الذي دخل فيه حكم الحاكم منها مسألة
المفقود ومسألة المرأة تطلق بسبب طول الغيبة ومسألة المرأة تسلم ثم يتبين تقدم
إسلام زوجها فهذه الثلاث المسائل فيها حكم الحاكم يوجب الفرق بينها وبين غيرها
والخمس المسائل الباقية منها ما بني فيها على ظاهر فانكشف خلافه ومنها ما لا يبنى
فيها على ظاهر فالتي يبنى فيها على ظاهر انكشف خلافه المرأة فيها معذورة بسبب
الظاهر مأذون لها في الإقدام على العقد الثاني بسبب الظاهر وكذلك وليها بخلاف ما
لا ظاهر فيه يقتضي بطلان العقد الأول والتي فيها ظاهر هي المرأة الحرة تعلم بالطلاق
دون الرجعة فإن ظاهر الطلاق يبيح العقد والأمة يطلقها زوجها كما تقدم وامرأة
المرتد فإن ظاهر الكفر يبيح العقد والرجل يسلم على كثير نسوة فإن ظاهر حالهن يقتضي
الاختيار وتزوجهن بناه على ظاهر الاختيار فهن معذورات فهذه
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
ظاهر يقتضي بطلان العقد الأول بخلاف
ما فيها حكم حاكم من مسألة المفقود ومسألة المرأة تطلق بسبب طول الغيبة ومسألة
تسلم ثم يتبين تقدم إسلام زوجها فإن حكم الحاكم ينزل منزلة فسخ النكاح من حيث
الجملة وذلك أن أبا حنيفة رضي الله عنه قال إن الحاكم إذا حكم بالطلاق بشهادة زور
نفذ الطلاق في الظاهر والباطن وكذلك إذا حكم بالنكاح والزوجية بشهود زور ثبت
النكاح في الظاهر والباطن وجاز لأحد تلك الشهود الزور أن يتزوج تلك المرأة التي
شهد بطلاقها مع علمه بكذب نفسه وأبيحت الزوجة في المسألة الأخرى في نفس الأمر فجعل
حكمه في هذه المسائل وإن لم يصادف عقدا ولا طلاقا بمنزلة الطلاق والنكاح ولهذا
المدرك عمم نفوذ الأحكام بشهادة الزور في كل ما يمكن للحاكم أن يستقل به في صور
مجمع عليها من الفسوخ والعقود دون ما لا يدخله حكم الحاكم فتستقل به الذمة من
الديون ونحوها ونحن وإن لم نقل بهذا المدرك بل قلنا لا ينفد هذا الحكم لا أنه لا
أقل من أن نبقيه فارقا من حيث الجملة بين ما فيه حكم حاكم وبين ما ليس فيه حكم
حاكم فيكون ما فيه أقرب إلى الفوات بالدخول مما ليس فيه من حيث الجملة
وبخلاف ما فيها ظاهر ينكشف خلافه من
مسألة المرأة الحرة تعلم بالطلاق دون الرجعة فإن ظاهر الطلاق يبيح العقد ومن مسألة
الأمة يطلقها زوجها كما تقدم فإن ظاهر الطلاق يبيح وطئا سيدها ومن مسألة امرأة
المرتد فإن ظاهر الكفر يبيح العقد ومن مسألة الرجل يسلم على كثير نسوة فإن ظاهر
حالهن يقتضين الاختيار وتزوجهن بناء على ظاهر الاختيار فيهن فالمرأة وكذلك وليها
في هذه المسائل
____________________
(3/196)
أربع فيها عذر يبيح وفي مسألة
الوليين ليس فيها حكم حاكم ولا ظاهر فهي أبعد المسائل عن الفوات بالدخول فنعينها
للبحث والفرق وأما الأربع وهي المرأة ينعى لها زوجها فالفرق بينها وبين مسألة
الوليين أن الموت شأنه الشهرة والظهور فالخطأ فيه نادر فيضعف العذر
فلا يفوت بالدخول وعقد الولي الأول
على المرأة ليس اشتهاره في الوجود كاشتهار الموت ولا تتوفر الدواعي للإخبار به
كتوفره على الإخبار بموت إنسان والتفجع عليه والعوائد شهادة بذلك ومسألة التطليق
بالإعسار فالفرق بينها وبين مسألة الوليين أن المرأة هنا ظالمة قاصدة للفساد فناسب
أن تعاقب بنقيض مقصودها في إبطال تصرفها بالزواج لأنها تعلم أنها أسقطت النفقة
وأنها مبطلة في جميع تصرفها ودعواها بخلاف مسألة الوليين لم يكن عندها علم بالعقد
الأول وأما مسألة الذي يقول عائشة طالق فإن الحكم هنا يبني على استصحاب الحال من
جهة أن الأصل عدم زواجه لامرأة أخرى واستصحاب الولي بعدم العقد على موليته فإن العقود
لأوليائها غالبا بخلاف عقود الرجال على النساء لا يشتهر عند الحاكم فإن قلت الطلاق
بسبب الغيبة أيضا اعتمد الحاكم فيه على الأصل العدمي وهو أن الأصل عدم إيصال
حقوقها إليها قلت الغيبة صورة ظاهرة تشهد بعدم زواج امرأة أخرى تسمى عائشة فإذا
تقرر الفرق
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
الأربع معذورة مأذون لها في الإقدام
على العقد الثاني بسبب الظاهر فيكون ما فيه ظاهر أقرب إلى الفوات بالدخول مما ليس
فيه وحيث كانت مسألة ذات الوليين أبعد المسائل الثمان التي اعتبرت فيها القاعدة عن
الفوات بالدخول فلنعينها لبيان الفرق بينها وبين المسائل الأربع التي لم تعتبر
فيها القاعدة ليحصل الفرق بين باقي الثمانية وبين الأربعة بطريق الأولى فنقول أما
الفرق بين المرأة ينعى لها زوجها وبين مسألة الوليين فهو أن الموت شأنه الشهرة
والظهور وليس اشتهار عقد الولي الأول على المرأة في الوجود كاشتهار الموت ولا
تتوفر الدواعي على الإخبار به كتوفرها على الإخبار بموت إنسان والتفجع عليه كما
تشهد العوائد بذلك ولا شك أن الخطأ فيما الشأن فيه الشهرة والظهور التام نادر
فيضعف العذر فلا يفوت بالدخول
وأما الفرق بين مسألة التطليق
بالإعسار وبين مسألة الوليين فهو أن المرأة في الأولى ظالمة قاصدة الفساد فناسب أن
تعاقب بنقيض مقصودها في إبطال تصرفها بالزواج لأنها تعلم أنها أسقطت النفقة وأنها
مبطلة في جميع تصرفها ودعواها بخلاف المرأة في مسألة الوليين إذ لم يكن عندها علم
بالعقد الأول
وأما الفرق بين مسألة من يقول عائشة
طالق وبين مسألة الوليين فهو من جهتين الأولى أن الحكم في الأولى يبنى على استصحاب
أن الأصل عدم زواجه لامرأة أخرى واستصحاب الأصل أضعف من استصحاب عدم عقد الولي على
موليته فإن العقود لأوليائها غالبا وعقود الرجال على النساء لا تشتهر عند الحاكم
والحاكم وإن اعتمد في الطلاق بسبب الغيبة على الأصل العدمي وهو أن الأصل عدم إيصال
حقوقها إليها إلا أن الغيبة هناك صورة ظاهرة شاهدة على الزوج بدعوى المرأة وليس
هنا صورة ظاهرة
____________________
(3/197)
بين هذه وبين ما وقع فيه حكم فالفرق
بينها وبين مسألة الوليين أن الولي العاقد للعقد الثاني ما دون له في العقد إجماعا
وليس له معارض من حيث الظاهر والمرأة لما تزوجت ههنا مع قول الزوج لي امرأة أخرى
تسمى عائشة قول ظاهره الصدق فإنه مسلم عاقل وقد أخبر عن أمر ممكن لا يعلم إلا من
قبله فينبغي أن يصدق فيه كما تصدق المرأة في حيضها وطهرها وسقطها وانقضاء عدتها
لأنها أمور لا تعلم إلا من قبلها فكذلك ههنا قول الزوج معارض بتصرف المرأة وتصرف
وليها في العقد والولي الثاني في مسألة الوليين لا ظاهر يعارضه فكان بالنفوذ أولى
وأما الأمة تختار نفسها فالفرق بينها
وبين مسألة الوليين أن زوجها متهافت عليها متعلق بها غاية التعلق بسبب أنها نزعت
عصمتها منه قهرا والنفوس مجبولة على حب ما منعت منه فناسب ذلك الرد إليه بخلاف
مسألة الوليين لم يحصل للزوج المعقود له أولا هذا التعلق بسبب أنه لم ير المرأة
ولم يباشرها فكانت أولى بالفوات عليه فهذا هو الفرق الرافع للنقوض الأربعة وإذا اندفعت
النقوض بالفرق صح المدرك وتبين الفرق بين قاعدة الوكالات في البياعات وقاعدة
الوكالات في الأنكحة فاعلم ذلك فقد يسر الله فيه من الحجة ما لم أره قط لأحد فإن
المكان في غاية العسر والقلق والبعد عن القواعد غير أنه إذا لوحظت هذه المباحث
قربت من القواعد وظهر وجه الصواب فيها لا سيما وجمع
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
تشهد بعدم زواج امرأة أخرى تسمى
عائشة
الجهة الثانية أن الولي العاقد للعقد
الثاني مأذون له في العقد إجماعا وليس له معارض من حيث الظاهر فكان عقده بالنفوذ
أولى بخلاف المرأة هاهنا فإنها لما تزوجت مع قول الزوج لي امرأة أخرى تسمى عائشة
وهو قول ظاهره الصدق من حيث إنه مسلم عاقل وقد أخبر عن أمر ممكن لا يعلم إلا من
قبله فينبغي أن يصدق فيه كما تصدق المرأة في حيضها وطهرها وسقطها وانقضاء عدتها لأنها
أمور لا تعلم إلا من قبلها كان قول الزوج ما ذكر معارضا لتصرف المرأة وتصرف وليها
في العقد
وأما الفرق بين الأمة تعتق فتختار
نفسها وبين مسألة الوليين فهو أن زوج الأمة متهافت عليها متعلق بها غاية التعلق
بسبب أنها نزعت عصمتها منه قهرا والنفوس مجبولة على حب ما منعت منه فناسب ذلك الرد
إليه ولم يحصل في مسألة الوليين للزوج المعقود أولا هذا التعلق بسبب أنه لم ير
المرأة ولم يباشرها فكانت أولى بالفوات عليه فهذا هو الفرق الدافع للنقوض الأربعة
المذكورة
وبه يصح المدرك ويتبين ما قاله مالك من
الفرق بين قاعدة الوكيلين في عقود البياعات والإجارات وغيرها من كون المعتبر هو
الأول فقط التحق بالثاني تسليم أو لا وقاعدة الوكيلين في الأنكحة من كون المعتبر
عقد الثاني إن حصل دخول وإلا فعقد الأول لا سيما وقد أفتى جمع كثير من الصحابة
بذلك فلا بد لعقولهم الصافية من قواعد يلاحظونها ولعلهم لاحظوا ما ذكر من هذه
المباحث فإن بملاحظتهما يقرب الفرق المذكور بين القاعدتين من القواعد ويظهر وجه
الصواب فيه فإن الله قد يسر في هذه المباحث من الحجة ما لم أره قط لأحد حتى
____________________
(3/198)
كثير من الصحابة أفتوا بها فلا بد
لعقولهم الصافية من قواعد يلاحظونها ولعلهم لاحظوا ما ذكرته وبهذا ظهر الفرق بين
الوليين والوكيلين في عقود البياعات والإجارات وغيرها في أن المعتبر هو الأول فقط
التحق بالثاني تسليم أم لا وقد وقع لمالك في المدونة والجلاب أن الوكيل والموكل
إذا باع أحدهما بعد الآخر انعقد عقد السابق إلا أن يتصل بالثاني تسليم قال الأصحاب
هذا قياس على مسألة الوليين وقال ابن عبد الحكم لا عبرة بالتسليم والفرق أن كشف النكاح
مضرة عظيمة بخلاف البيع وهذا هو الصحيح والتخريج مع قيام الفارق باطل إجماعا ولم
أجد لمالك ولا لأصحابه نصا في الوكيلين أن التسليم يفيت بل في الموكل
والوكيل خاصة فلو رام مخرج تخريج
الوكيلين على الموكل والوكيل لتعذر ذلك بسبب الفرق أيضا وهو أن الموكل له التصرف
بطريق الأصالة والوكيل له التصرف بطريق النيابة فهو فرع فإن تأخر عقده ووقع
التسليم في عقد الموكل أمكن أن يقول مالك ذلك عندي مضاف للتسليم وكونه متصرفا
بطريق الأصالة والأصالة لها قوة وله أيضا قوة العزل والتصرف بنفسه وهو معنى مناسب مفقود
في الوكيلين فإن كليهما فرع لا أصالة له فلا ينعقد عقد اللاحق منهما مطلقا اتصل به
قبض أم لا ومهما وجدنا معنى يمكن أن يلاحظه الإمام امتنع التخريج على محل ذلك الفارق
كما أن المجتهد إذا وجد معنى يمكن أن يكون فارقا امتنع عليه القياس فالمقلد مع
المجتهد كالمجتهد مع الشارع فإن قلت الوكيلان في النكاح فرعان لا متأصل فيهما
فيسقط ما ذكرته من المناسبة قلت ما ذكرته مسلم غير أن المرأة يتعذر عليها
الاستقلال
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
آل الفرق بها على هذه الحالة من
القرب والظهور بعد أن كان في غاية العسر والقلق والبعد عن القواعد ا ه كلام الأصل
بتنقيح وزيادة وتعقبه ابن الشاط بوجهين الوجه الأول أن ما ذكره في سر الفرق بين
تلك القاعدتين ليس بصحيح بل يحتاج إلى تأمل ونظر الوجه الثاني أن ما يشعر به قوله
إن الشافعي يسوي بين القاعدتين من أن مالكا لا يسوي بينهما ليس بشيء بل مالك رحمه
الله تعالى يسوي بينهما أيضا إذ كما أن السلعة في البيع إذا هلكت كان هلاكها فوتا ونفوذا
للعقد الثاني عنده كذلك المرأة في النكاح في المسائل الثماني التي ذكر الفرق فيها
إذا دخل الثاني بها كان دخوله بها فوتا ونفوذا للعقد الثاني نعم يحتاج إلى الفرق
بين هذه المسائل الثماني والمسائل الأربع التي ذكر عدم الفوت فيها فلذا كان ما
قاله من أن القياس قول الشافعي صحيحا ا ه
بتوضيح والله سبحانه وتعالى أعلم
____________________
(3/199)
فسقط اعتبار التأصل وههنا يمكن
الاستقلال فأمكن أن يكون إمكان الاستقلال فرقا يلاحظه الإمام فيتعذر التخريج
والصواب عدم التخريج مطلقا في الموكل والوكيل والوكيلين أيضا والله أعلم
الفرق الرابع والأربعون والمائة بين
قاعدة الإماء يجوز الجمع بين عدد أي عدد شاء منهن كثر أو قل وبين قاعدة الزوجات لا
يجوز أن يزيد على أربع منهن وهو أن القاعدة أن الوسائل تتبع المقاصد في أحكامها
فوسيلة المحرم محرمة ووسيلة الواجب واجبة وكذلك بقية الأحكام غير أنها أخفض رتبة منها
ووسيلة أقبح المحرمات أقبح الوسائل ووسيلة أفضل الواجبات أفضل الوسائل وقد تقدمت
هذه القاعدة مبسوطة ومضارة المرأة تجمعها مع امرأة أخرى في عصمة وسيلة للشحناء في
العادة ومقتضى ذلك التحريم مطلقا وقد جعل ذلك في شريعة عيسى عليه السلام كما هو
منقول عندهم فلا يتزوج الرجل إلا امرأة واحدة تقديما لمصلحة النساء على مصلحة
الرجال بنفي المضارة والشحناء
هامش أنوار البروق
قال الفرق الرابع والأربعون والمائة
بين قاعدة الإماء يجوز الجمع بين عدد أي عدد شاء منهن كثر أو قل وبين قاعدة
الزوجات لا يجوز أن يزيد على أربع منهن إلى آخر الفرق قلت كل ما قاله في ذلك صحيح
غير قوله إن القاعدة أن الوسائل تتبع المقاصد في الأحكام فإنه ليس ذلك فيها على
الإطلاق أعني الوسائل العادية أما الوسائل الشرعية فذلك فيها على الإطلاق وغير
قوله إن الوسائل أخفض رتبة من المقاصد فإنه إما أن يريد أنها أخفض رتبة من حيث هي
وسائل وتلك مقاصد فهذا كلام ليس معنا إلا أن هذه وسائل وتلك مقاصد فلا فائدة فيه
وإما أن يريد أن الوسائل المحرمة مثلا أخفض رتبة من مقاصدها فيما ترجع إلى العقاب
عليها فذلك دعوى لم يأت عليها بحجة
هامش إدرار الشروق
الفرق الرابع والأربعون والمائة بين
قاعدة الإماء يجوز الجمع بين عدد أي عدد شاء منهن كثر أو قل وبين قاعدة الزوجات لا
يجوز أن يزيد على أربع منهن وذلك أن باب الزواج لما كان مبنيا على العز والاصطفاء
وكان الأصل فيه التخصيص بالوطء ولا تقع الخدمة فيه إلا تبعا بعكس باب الإماء فإن
الخدمة والهوان فيه أصل ولا يقع الوطء فيه إلا تبعا كانت الشحناء والمضارة التي هي
موجودة في باب الزواج على خلاف الأصل فيه من الإعزاز والاصطفاء ليست كذلك في باب
الإماء لأنها وإن وجدت فيه أيضا إلا أنها لما لم تكن على خلاف الأصل فيه بل على الأصل
فيه من الهوان والخدمة كانت ضعيفة عن وجودها في باب الزواج فلما بعدت مناسبة
الإماء فيما
____________________
(3/200)
ويقال إن ذلك شرع عكسه في التوراة
لموسى عليه السلام يجوز للرجل زواج عدد غير محصور يجمع بينهن تغليبا لمصلحة الرجال
في الاستمتاع على مصلحة النساء في الشحناء والمضارة ولما كانت شريعتنا أفضل
الشرائع جمع فيها بين مصلحتي الفريقين فيجوز للرجل أن يجمع بين أربع نسوة فيحصل له
بذلك قضاء إربه ويخرج به عن حيز الحجر ويضاف لذلك التسري بما شاء وروعيت أيضا
مصالح النساء فلا تضار زوجة منهن بأكثر من ثلاث وسر الاقتصار في المضارة على ثلاث
أن الثلاثة اغتفرت في مواطن كثيرة فتجوز الهجرة ثلاثة أيام والإحداد على غير الزوج
ثلاثة أيام والخيار ثلاثة أيام فهذه الصور كلها الثلاث مستثناة على خلاف الأصول
فكذلك لما كانت الشحناء والمضارة على خلاف الأصل استثنى ثلاث زوجات يضار بهن زوجة
أخرى هذا في الأجنبيات والبعيد من القرابات وحافظ الشرع على القرابات القريبة
وصونها عن التفرق والشحناء فلا يجمع بين المرأة وابنتها ولا أمها لأنها أعظم
القرابات حفظا لبر الأمهات والبنات ويلي ذلك الجمع بين الأختين ويلي ذلك الجمع بين
المرأة وخالتها لكونها من جهة الأم وبرها آكد من بر الأب يليه المرأة وعمتها لأنها
من
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
ليس هو وصفهن بل وقوعه نادر فيهن من
الوطء والاصطفاء كانت المهانة الغالبة فيهن من جهة ذل الرق تمنع من الإباء والأنفة
والمنافسة في الحظوظ ولما بعدت مناسبة الزوجات فيما ليس هو وصفهن بل وقوعه نادر
فيهن من المهانة والخدمة كان الوطء والاصطفاء الغالب فيهن من جهة عز الزواج يقتضي
الإباء والأنفة والمنافسة في الحظوظ وكان التحريم مطلقا لجمع امرأة مع أخرى في عصمة
هو مقتضي أن مضارة المرأة بذلك الجمع وسيلة للشحناء في العادة وقد جعل ذلك في
شريعة عيسى عليه السلام كما هو منقول عندهم فلا يتزوج الرجل إلا امرأة واحدة
وإن كانت مصلحة الرجل في الاستمتاع
بتعدد الزوجات تقديما لمصلحة النساء في نفي المضارة والشحناء على مصلحة الرجال في الاستمتاع
ويقال إنه قد شرع عكس ذلك في التوراة لموسى عليه السلام وأنه يجوز للرجل زواج عدد
غير محصور يجمع بينهن تغليبا لمصلحة الرجال في الاستمتاع على مصلحة النساء في نفي
الشحناء والمضارة ولما كانت شريعتنا أفضل الشرائع جمع فيها بين مصلحتي الفريقين إذ
كما أنه روعي فيها مصلحة الرجال فيجوز للرجل أن يجمع بين أربع نسوة فيحصل له بذلك
قضاء إربه ويخرج به عن حيز الحجر ويضاف لذلك التسري بما شاء كذلك روعي فيها مصالح
النساء فلا تضار زوجة منهن بأكثر من ثلاث وسر الاقتصار في جواز المضارة والشحناء على
ثلاث هو أن المضارة والشحناء لما كانت على خلاف أصل والثلاثة على خلاف الأصول قد
استثنيت في صور منها جواز الهجر ثلاثة أيام والإحداد على غير الزوج ثلاثة أيام
والخيار ثلاثة أيام كما مر استثني كذلك ثلاث زوجات يضار بهن زوجة أخرى هذا في
الأجنبيات والبعيد من القرابات
____________________
(3/201)
جهة الأب ثم خالة أمها ثم خالة أبيها
ثم عمة أمها ثم عمة أبيها فهذا من باب تحريم الوسائل لا من باب تحريم المقاصد ولما
كانت الأم أشد برا بابنتها من الابنة بأمها لم يكن العقد عليها كافيا في بعضها
لابنتها إذا عقد عليها لضعف ميلها للزوج بمجرد العقد وعدم مخالطته فاشترط في
التحريم إضافة الدخول إلى العقد وكان العقد كافيا في بغض البنت لضعف ودها فتحرم
بالعقد لئلا تعق أمها فهذا تلخيص أمر الزوجات
وأما الإماء فلما كن في الغالب
للخدمة والهوان لا للوطء والاصطفاء بعدت مناسبتهن في شيء ليس هو وصفهن ووقوعه نادر
فيهن والمهانة من جهة ذل الرق تمنع من الإباء والأنفة والمنافسة في الحظوظ بخلاف
الزواج مبني على العز والاصطفاء والإعزاز والتخصيص بالوطء والخدمة إنما تقع فيه
تبعا عكس باب الإماء الخدمة أصل والوطء إنما يقع فيه تبعا فلذلك لم يقع العدد
محصورا في جواز وطء الإماء لعدم المنافسة والشحناء التي هي موجودة في باب الزواج
وإن وجدت كانت ضعيفة عن وجودها في باب الزواج فهذا هو تلخيص الفرق بين الفرقين
وبيان السر في ذلك فائدة قال ابن مسعود يشترط في تحريم الأم الدخول كما اشترط في
تحريم البنت لقوله تعالى وأمهات نسائكم ثم قال وربائبكم اللاتي في حجوركم
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
أما القرابات القريبة فقد حافظ الشرع
على زيادة صونها عن التفرق والشحناء فمنع الجمع بين المرأة وابنتها وبين المرأة
وأمها حفظا لبر الأمهات والبنات لأن قرابتهما أعظم القرابات وبين الأختين لأن
قرابتهما تلي ذلك في القرب ثم بين المرأة وخالتها لكونها من جهة الأم التي برها
آكد من بر الأب ثم بين المرأة وعمتها لأنها من جهة الأب ثم بين المرأة وخالة أمها
ثم بينها وخالة أبيها ثم بينها وعمة أمها ثم بينها وعمة أبيها ولكن لما كانت الأم
أشد برا ببنتها من البنت بأمها لم يجعل الشرع العقد على الأم كافيا في بغضها لبنتها
إذا عقد عليها لضعف ميل الأم للزوج بمجرد العقد وعدم مخالطته بل اشترط في التحريم
إضافة الدخول إلى العقد وجعل العقد على البنت كافيا في بغضها لأمها فحرم الأم على
من عقد على البنت ولو لم يدخل بها لئلا تعق أمها نعم قال عبد الله بن مسعود رضي
الله عنه يشترط في تحريم الأم الدخول على البنت كما اشترط في تحريم البنت الدخول
على الأم بقوله تعالى وأمهات نسائكم ثم قال وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم
اللاتي دخلتم بهن فقوله تعالى اللاتي دخلتم بهن صفة تعقبت الجملتين فتعمهما كما أن
الاستثناء والشرط إذا تعقبا الجمل عما
ولا يرد هذا على أبي حنيفة رحمه الله
تعالى لأنه يرى ترجيح القريب في الجمل وهي الجملة الأخيرة فيخصها بالاستثناء
والصفة لا سيما والقريب هاهنا هو موضع الإجماع فلا موجب للعدول باللفظ عن موضع الإجماع
بل الموجب وهو القرب يصرف إلى موضع الإجماع فإن اللفظ صالح للأولى والثانية ورجحت
الثانية التي هي موضع الإجماع بالقرب فلم يكن حمل اللفظ هاهنا على الجملة الأخيرة
طلبا لمستند الإجماع فلا يرد أنه لا
____________________
(3/202)
من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فقوله
اللاتي دخلتم بهن صفة تعقبت الجملتين فتعمهما كالاستثناء والشرط إذا تعقبا الجمل
عما والعجب أن مذهب الشافعي رضي الله عنه أن الاستثناء والصفة إذا تعقبا جملا عمها
وخالف أصله ههنا ولم يقل به ههنا فقد خالف أصله
وجوابه أنا نمنع العود ههنا على
الجملتين وإن سلمنا أنه يعود في غير هذه الصورة بسبب أن النساء في الجملة الأولى مخفوض
بالإضافة والنساء في الجملة الثانية مخفوض بحرف الجر الذي هو من والعامل في الصفة
هو العامل في الموصوف على الأصح فلو كان صفة للجملتين لعمل في الصفة الواحدة
عاملان وهو الإضافة وحرف الجر واجتماع عاملين على معمول واحد ممتنع على الأصح كما
تقرر في علم النحو فهذا هو المانع للشافعي من إجراء صلة فإن قلت نعت المجرورين أو
المنصوبين أو المرفوعين مع اختلاف العامل مسألة خلاف بين البصريين والكوفيين
ولو اجتمع بصري وكوفي في هذه المسألة
يتناظران لم يمكن أن يحتج أحدهما على الآخر بمذهبه لأن مذهب أحد الخصمين لا يكون
حجة على الآخر وهذا في بصري وكوفي فكيف يحتج بمذهب البصريين أو بأحد المذهبين على
عبد الله بن مسعود وهو قوله حجة على غيره من جهة أنه عربي من أهل اللسان فإن قصد
بهذا الكلام قيام الحجة على عبد الله بن مسعود لا يستقيم وإن قصد به الاعتذار عن
مذهب من المذاهب فلا بد من إثبات أن ذلك الإمام
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
يلزمنا هاهنا طلب مستند الإجماع في
اشتراط الدخول في تحريم البنت إذ لا يلزمنا طلب دليل للإجماع وإن كان لا بد له من
مستند في نفس الأمر ضرورة أن الإجماع مستقل بنفسه وإنما الأوفق أن تحمل على فائدة
زائدة بأن يجعل اللاتي دخلتم بهن نعتا عائدا للجملة الأولى وهو قوله تعالى وأمهات
نسائكم دالا على اشتراط الدخول في تحريم الأم كما أن الدخول شرط في الجملة الثانية
بالإجماع إذ لا نعلم خلافا في شرطية الدخول في تحريم البنت فيثبت الحكمان في
الجملتين بالإجماع والآية وذلك أنه مهما أمكن تكثير فوائد كلام صاحب الشرع وجعل
مدلول لكل دليل فهو أولى من الترادف والتأكيد ولا يرد أيضا أنه قد تقرر في أصول
الفقه إذا ثبت حكم المجاز بالإجماع
وورد لفظ في ذلك الحكم حمل على
حقيقته ولا يجعل ذلك اللفظ مستند الإجماع لأن الأصل حمل اللفظ على حقيقته مثلا
قوله تعالى ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء حملوا النكاح فيه على حقيقته التي
هي الوطء ولم يجعلوه مستند الإجماع على أن العقد يحرم على الابن نظرا لكون الأصل
ما ذكر من الحمل على الحقيقة ومن عدم الترادف فعلى هذا إذا وطئها الأب وطئا حلالا
أو حراما ما حرمت على الابن وتحرم بالعقد أيضا وذلك أن الإجماع فيما تقرر في أصول
الفقه جاء في المجاز المرجوح على خلاف ظاهر اللفظ فعدلنا باللفظ إلى ظاهره الذي هو
الحقيقة لأجل معارضة موضع الإجماع والإجماع هاهنا جاء في موضع الظاهر الذي هو
القرب فلا موجب للعدول عنه فافهم وإنما يرد قول ابن مسعود رضي الله عنه فقوله
تعالى اللاتي دخلتم بهن صفة تعقبت الجملتين إلخ على مالك والشافعي وأصحابهما رضي
الله عنهم الذين يرون تعميم الاستثناء والصفة
____________________
(3/203)
كان يعتقد هذا المذهب في النحو حتى
يقال أصله يمنعه من ذلك وإذا لم يثبت أن مذهبه في النحو كذلك بطل أيضا الاعتذار به
عن صاحب ذلك المذهب
ومن أين لنا أن مذهب مالك والشافعي
رضي الله عنهما كان في النحو لا يجتمع عاملان على معمول واحد وأن العامل في الصفة
هو العامل في الموصوف فلعل مذهبهما أن النعت يرتفع بطريق التبعية للموصوف كما قاله
جماعة من النحاة لا بالعامل في المنعوت وإنما يصح الكلام على هذه التقادير وهي
متعذرة قلت كلام صحيح متجه فإن قلت أعيد النعت على الجملة الأولى وهو قوله وأمهات نسائكم
فيكون الدخول شرطا في تحريم الأم بهذه الآية ويكون الدخول شرطا في الجملة الثانية
بالإجماع فإنا لا نعلم خلافا في شرطية الدخول في تحريم البنت فيثبت الحكمان في
الجملتين بالإجماع والآية ويكون هذا أولى لئلا يترادف الإجماع والآية على الجملة
الأولى والأصل عدم الترادف ومهما أمكن تكثير فوائد كلام صاحب الشرع وجعل مدلول لكل
دليل فهو أولى من الترادف والتأكيد وقد تقرر في أصول الفقه أنه إذا ثبت حكم المجاز
بالإجماع وورد لفظ في ذلك الحكم حمل حقيقته ولا يجعل ذلك اللفظ مستند الإجماع لأن
الأصل حمل اللفظ على حقيقته ولا يلزمنا أن نعين للإجماع مستندا بل هو مستقل بنفسه
ولا يلزمنا طلب دليل للإجماع وإن كان لا بد له من مستند في نفس الأمر كذلك ههنا لا
يلزمنا طلب
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
في الجمل ولا يرجحون جملة بالقرب فإن
مقتضى مذهبهم الحمل على الجملتين الأولى والأخيرة
ولا يتأتى الجواب عنهم حتى يثبت أنهم
لا يرون الجمع بين عاملين في النعت مع اتفاق الأعراب وأن العامل في النعت هو
العامل المنعوت كما هو عند البصريين من النحاة خلافا لمن يرى منهم الجمع بين
عاملين في النعت مع اتفاق الأعراب ولمن يرى أن العامل في النعت التبعية للموصوف
فإذا ثبت هذا عنهم صح الجواب أيضا على قاعدتهم فإنهم حينئذ يتعين عليهم الحمل على
إحدى الجملتين لا عليهما ولا سبيل إلى الحمل على الجملة الأولى فإنها هي البعيدة وكل
من قال بالعود على جملة واحدة لم يقل هي البعيدة بل انفراد البعيدة بالحمل على
خلاف الإجماع لأن القائل قائلان قائل بالتعميم في الجمل وقائل بالجملة القريبة
وحدها ولم يقل أحد بالحمل على الجملة البعيدة وحدها ولكن تقدير ثبوت ذلك عنهم
متعذر إذ من أين لنا أن مذهب مالك والشافعي وأصحابهما رضي الله عنهم كان في النحو
لا يجتمع عاملان على معمول واحد وأن العامل في الصفة هو العامل في الموصوف فلعل
مذهبهما أن عامل النعت هو التبعية للموصوف كما قاله جماعة من النحاة لا عامل
المنعوت هذا خلاصة ما صححه العلامة ابن الشاط من كلام الأصل وفي كتاب أحكام القرآن
للإمام أبي بكر بن العربي اختلف الناس في قوله تعالى وأمهات نسائكم في الصدر الأول
فروي عن علي وجابر وابن الزبير وزيد بن ثابت ومجاهد أن العقد على البنت لا يحرم
الأم حتى يدخل بها كما أن العقد على الأم لا يحرم البنت حتى يدخل بها وقال سائر
العلماء والصحابة إن العقد على البنت يحرم الأم ولا تحرم البنت حتى يدخل بالأم واختلف
النحاة في الوصف في قوله
____________________
(3/204)
مستند الإجماع في اشتراط الدخول في
تحريم البنت ويحمل اللفظ على فائدة زائدة تكثيرا لفوائد صاحب الشرع وقد مثلوا ذلك
بقوله تعالى ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء والنكاح حقيقة في الوطء مجاز في
العقد وقد أجمع الناس على أن العقد يحرم على الابن فنحمل نحن الآية على الوطء فعلى
هذا إذا وطئها حلالا أو حراما حرمت على الابن وتحرم بالعقد أيضا
ويكون هذا أولى لأن الأصل في الكلام
الحقيقة والأصل أيضا عدم الترادف على مدلول واحد فكذلك ههنا قلت أما هذا السؤال
فالجواب عنه أنا في آية الربائب نحمل اللفظ على الجملة الأخيرة طلبا لمستند
الإجماع بل لأن القرب يوجب الرجحان فإن اللفظ صالح للأولى والثانية ورجحت الثانية
بالقرب وبهذا يظهر الفرق بين هذا السؤال وبين القاعدة المذكورة في أصول الفقه
المتقدم ذكرها فإن في تلك المسألة جاء الإجماع في المجاز المرجوح على خلاف ظاهر
اللفظ فعدلنا باللفظ إلى ظاهره لأجل معارضة الظاهر الذي هو الحقيقة موضع الإجماع
وأما ههنا فموضع الظاهر الذي هو القرب موضع الإجماع فلا موجب للعدول باللفظ عن
موضع الإجماع بل الموجب يصرف إلى موضع الإجماع فافترقا
واعلم أن هذا الجواب إنما يستقيم على
مذهب أبي حنيفة الذي يرى ترجيح القريب في الجمل وهي الجملة الأخيرة فيخصها
بالاستثناء والصفة وأما على رأي مالك
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
اللاتي دخلتم بهن فقيل يرجع إلى
الربائب والأمهات وهو اختيار أهل الكوفة وقيل يرجع إلى الربائب خاصة
وهو اختيار أهل البصرة وجعلوا رجوع
الوصف إلى الموصوفين المختلفي العامل ممنوعا كالعطف على عاملين وجوز ذلك كله أهل
الكوفة ورأوا أن عامل الإضافة غير عامل الخفض بحرف الجر وقد مهدنا القول في ذلك في
كتاب ملجئة المتفقهين إلى معرفة غوامض النحويين وقد رد القاضي أبو إسحاق الرواية
عن زيد بن ثابت والذي استقر أنه مذهب علي خاصة كما استقر اليوم في الأمصار
والأقطار أن الربائب والأمهات في هذا الحكم مختلفات وأن الشرط إنما هو في الربائب
وهذه المسألة من غوامض العلم وأخذها من طريق النحو يضعف فإن الصحابة العرب القرشيين
الذين نزل القرآن بلغتهم أعرف من غيرهم بمقطع المقصود منهم وقد اختلفوا فيه وخصوصا
على مقداره في العلمين ولو لم يسمع ذلك في اللغة العربية لكان فصاحتها بالأعجمية
فينبغي أن يحاول ذلك بغير هذا القصد والمأخذ فيه يرجع إلى خمسة أوجه الوجه الأول
أنه يحتمل أن يرجع الوصف إلى الربائب خاصة ويحتمل أن يرجع إليهما جميعا فيرد إلى
أقرب مذكور تغليبا للتحريم على التحليل في باب الفروج وهكذا هو مقطوع السلف فيها
عند تعارض الأدلة بالتحليل والتحريم عليها الوجه الثاني روى عمرو بن شعيب عن أبيه
عن جده أيما رجل نكح امرأة فدخل بها أو لم يدخل فلا يحل له نكاح أمها وأيما رجل
نكح امرأة فدخل بها فلا يحل له نكاح ابنتها فإن لم يدخل بها فلينكحها
وهذا إن صح حجة ظاهرة لكن رواية
المثني بن الصباح تضعف
____________________
(3/205)
والشافعي وأصحابهما رضي الله عنهم
الذين يرون تعميم الاستثناء والصفة في جملة الجمل ولا يرجحون بالقرب فلا يتأتى هذا
الجواب بل مقتضى مذهبهم الحمل على الجملتين الأولى والأخيرة حتى يثبت أنهم لا يرون
الجمع بين عاملين في النعت مع اتفاق الأعراب وأن العامل في النعت هو العامل في
المنعوت فإذا ثبت هذا عنهم صح الجواب أيضا على قاعدتهم فإنهم حينئذ يتعين عليهم
الحمل على إحدى الجملتين لا عليهما ولا سبيل إلى الحمل على الجملة الأولى فإنها هي
البعيدة
وكل من قال بالعود على جملة واحدة لم
يقل هي البعيدة بل انفراد البعيدة بالحمل على خلاف الإجماع لأن القائل قائلان قائل
بالتعميم في الجمل وقائل بالجملة القريبة وحدها أما الحمل على الجملة البعيدة
وحدها فلم يقل به أحد فهذا تلخيص هذا الموضوع وتحريك البحث فيه بحسب ما فتح الله تعالى
به من فضله
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
الوجه الثالث أن قوله من نسائكم لفظة
عربية لأنه جمع لا واحد له من لفظه بل واحده امرأة ولما كان قولك امرؤ وامرأة كقولك
آدمي وآدمية كان قوله امرأتك كقوله آدميتك في احتمال أن يكون معناه التي تشبهك أو
تجاورك أو تملكها أو تملكك أو تحل لها أو تحل لك والإضافة على معنى الشبه والجواز محال
فلم نجد وجها إلا باب التحليل والتحريم الذي نحن فيه ويشهد له سياق الآية فهو
المقصود بالبيان فإذا حلت له أو ملكها فقد تحققت الإضافة المقصودة فوجب في الأمهات
ثبوت الحكم على الإطلاق وكذلك في البنات لولا التقييد بشرط الدخول ولم تحمل
الأمهات على البنات في التقييد بذلك تغليبا لمعارضة من التحريم كما هو القاعدة في
الفروج فلذا لما تعارض في الأختين من ملك اليمين التحليل والتحريم غلب علي كرم
الله وجهه التحريم الوجه الرابع أنه قد قيل إن المراد بالدخول هاهنا النكاح فعلى
هذا الربائب والأمهات سواء لكن الإجماع غلب على الربائب باشتراط الوطء في أمهاتهن
لتحريمهن الوجه الخامس أن كل واحد من الموصوفين قد انقطع عن صاحبه بوصفه فإنه قال
وأمهات نسائكم ثم قال بعده وربائبكم اللاتي في حجوركم فالوصف الذي يتلوه يتبعه ولا
يرجع إلى الأول لبعده منه وانقطاعه عنه
ا ه بتصرف فائدة مهمة قال الشيخ تاج
الدين السبكي في كتابه توشيح الترشيح حكاية عن والده الإمام تقي الدين السبكي أن السر
في إباحة نكاح أكثر من أربع نسوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله أراد نقل
بواطن الشريعة وظواهرها وما يتحسى وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الناس
حياء فجعل الله له نسوة ينقلن من الشرع ما يرينه من أفعاله ويسمعن من أقواله التي
قد يستحي من الإفصاح بها بحضرة الرجال فيكمل نقل الشريعة وكثر عدد النساء لتكثير
الناقلين لهذا النوع ومنهن عرف غالب مسائل الغسل والحيض والعدة ونحوها قال ولم يكن
ذلك منه لشهوة منه صلى الله عليه وسلم في النكاح ولا كان يحب الوطء للذة البشر
معاذ الله بل إنما حبب إليه النساء لتظهر عنه ما يستحي هو من الإمعان في التلفظ به
فأحبهن لما فيهن من الإعانة على نقل الشريعة في
____________________
(3/206)
الفرق الخامس والأربعون والمائة بين
قاعدة تحريم المصاهرة في الرتبة الأولى وبين قاعدة لواحقها اعلم أنه لما دلت
النصوص على تحريم أمهات النساء والربائب ومن معهن في قوله تعالى وأمهات نسائكم
وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم الآية حمل على العقد في الحرائر لأن المفهوم
من نسائنا في غالب العادة الحرائر المنسوبون إلينا بمبيح الوطء وهو العقد وكذلك في
قوله تعالى والذين يظاهرون من نسائهم وقوله تعالى يا نساء النبي لا يفهم في جميع
ذلك إلا الزوجات الحرائر ولا يستلزم ذلك الدخول لقوله تعالى اللاتي دخلتم بهن فدل
ذلك على أنهن قد يتحققن
هامش أنوار البروق
قال الفرق الخامس والأربعون والمائة
بين قاعدة تحريم المصاهرة في الرتبة الأولى وبين قاعدة لواحقها إلى قوله لا يفهم
في جميع ذلك إلا الزوجات الحرائر قلت لا أعرف ما قاله من أن المفهوم من نسائنا في
غالب العادة الحرائر المنسوبون إلينا بمبيح الوطء وهو العقد بل لقائل أن يقول إن
المراد بنسائنا جميع المنكوحات بعقد كان نكاحهن أو ملك
هامش إدرار الشروق
هذه الأبواب وأيضا فقد نقلن ما لم
يكن ينقله غيرهن مما رأينه في منامه وحالة خلوته من الآيات البينات على نبوته ومن
جده واجتهاده في العبادة ومن أمور يشهد كل ذي لب أنها لا تكون إلا لنبي وما كان
يشاهده غيرهن فحصل بذلك خير عظيم أفاده العطار في حاشيته على محلي جمع الجوامع
والله سبحانه وتعالى أعلم
الفرق الخامس والأربعون والمائة بين
قاعدة تحريم المصاهرة في الرتب الأولى وبين قاعدة لواحقها المصاهرة في الرتبة
الأولى عبارة عن المندرج في قوله تعالى ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء وقوله
تعالى وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وقوله تعالى وأمهات نسائكم وقوله تعالى وربائبكم
اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن قال ابن رشد الحفيد في بدايته فهؤلاء
الأربع أي زوجات الآباء وزوجات الأبناء وأمهات النساء وبنات الزوجات اتفق المسلمون
على تحريم اثنين منهن بنفس العقد وهما زوجات الآباء والأبناء أي لأن اتفاق الرجال
وحمياتهم تنهض بالغضب والبغضاء بمجرد نسبة المرأة إليهم بذلك فيختل نظام ود الآباء
للأبناء وود الأبناء للآباء وهو سياج عظيم قد جعل الشارع صلى الله عليه وسلم خرقه
من الكبائر ألا ترى إلى قوله من أكبر الكبائر أن يسب الرجل أباه قالوا أو يسب
الرجل أباه يا رسول الله قال يسب الرجل أبا الرجل فيسب الرجل أباه فإنه جعل التسبب
لسب الأب بسب الأجنبي من أكبر الكبائر فكيف لو سبه مباشرة
____________________
(3/207)
مع عدم الدخول فإذا تقرر أن المندرج
في الرتبة الأولى إنما هن الحرائر ألحق بهن المملوكات في الرتبة الثانية
لاستوائهما في مبيح الوطء والفراش بشرطه ولحوق الولد بشرطه ولأن الأنفات تحصل من
وطء الغير ما وطئه الإنسان بالملك ويشق عليه أن يطأ أمته غيره فكان وطؤها محرما
كالوطء بالعقد وألحق بالإماء والحرائر شبهتيهما في التحريم لأن الوطء بالشبهة ألحق
بالعقد والملك في لحوق الولد وسقوط الحد وغيرهما
وأما الزنى المحض قد ألحق بالشبهة في
الرتبة الرابعة على مشهور مذهب مالك رحمه الله لكونه يوجب نسبة واختصاصا وربما
أوجب ميلا شديدا يوجب وقع الشحناء بالمشاركة فيه كما يحصل ذلك في المشاركة بالوطء
بالنكاح أو الملك وبالغ مالك في المدونة إذا التذ بها حراما كان كالوطء ووافقه أبو
حنيفة وابن حنبل وقال مالك في الموطأ إنه لا يحرم وقاله الشافعي رضي الله عنه بسبب
أن الزنى مطلوب العدم والإعدام فلو رتب عليه شيء من المقاصد لكان مطلوب الإيجاد
فلا يثبت
هامش أنوار البروق
حرائر كن أو مملوكات ولقائل أن يقول
المراد بهن المنكوحات بعقد وتدخل فيهن الإماء المتزوجات أما قيد كونهن حرائر فلا
وجه له عندي وأما قوله المنسوبون فصوابه المنسوبات قال ولا يستلزم ذلك الدخول
لقوله تعالى اللاتي دخلتم بهن فدل ذلك على أنهن قد يتحققن مع عدم الدخول قلت هذا
استدلال بالمفهوم فهو يختص بمن يراه حجة
هامش إدرار الشروق
على تحريم واحدة بالدخول وهي ابنة
الزوجة أي لما تقدم عن أحكام ابن العربي واختلفوا في أم الزوجة هل تحرم بالدخول أو
بالعقد كما تقدم توضيحه ولواحق المصاهرة في الرتبة الأولى عبارة عن غير المندرج
فيما ذكر ممن تحقق فيه إليه بالمندرج وقد اختلف الأصل والعلامة ابن الشاط في أمرين
الأمر الأول المندرج فيما ذكر فزعم الأصل أن المندرج في ذلك إنما هن الحرائر مدعيا
أن المفهوم من نسائنا في غالب العادة الحرائر المنسوبات إلينا بمبيح الوطء وهو
العقد فلا يفهم من النساء فيما ذكر وفي قوله تعالى يا نساء النبي إلا الزوجات الحرائر
ولا يستلزم ذلك الدخول لقوله تعالى اللاتي دخلتم بهن فدل ذلك على أنهن قد يتحققن
مع عدم الدخول وعليه فيلحق بهن الإماء المنكوحات بملك اليمين في التحريم
لاستوائهما في مبيح الوطء والفراش بشرطه ولحوق الولد بشرطه ولأن الأنفات تحصل من
وطء الغير ما وطئه الإنسان بالملك ويشق عليه أن يطأ أمته غيره فكان وطؤها محرما
كالوطء بالعقد وقال ابن الشاط لا أعرف صحة ما ادعاه من أن المفهوم من نسائنا في
غالب العادة الحرائر المنسوبات إلينا بمبيح الوطء وهو العقد بل لقائل أن يقول إن
المراد بنسائنا إما جميع المنكوحات بعقد كان نكاحهن أو بملك حرائر كن أو مملوكات
وإما المنكوحات بخصوص العقد ولو كن غير حرائر ولا وجه لقيد كونهن حرائر عندي قال
وقوله ولا يستلزم ذلك الدخول لقوله تعالى اللاتي دخلتم بهن إلخ استدلال بالمفهوم فيختص
بمن يراه حجة فيتحصل أن الخلاف بينهما في الإماء المنكوحات بملك اليمين
____________________
(3/208)
له تحريم في أثر المصاهرة واتفق
الأئمة الأربعة في الملك والعقد والشبهة ووافق أبو حنيفة في الملامسة بلذة والنظر
إلى الفرج أنه لا يحرم إلا أن ينزل لعدم إفضائه إلى المقصد الذي هو الوطء وهو إنما
حرم تحريم الوسائل والوسيلة إذا لم تفض لمقصده سقط اعتبارها ومنع الشافعي التحريم
بالملامسة للذة والنظر مطلقا قال أبو الطاهر من أصحابنا اللمس بلذة من البالغ ينشر
الحرمة ومن غير البالغ قولان وبغير لذة لا ينشر مطلقا وفي نظر البالغ للذة قولان
المشهور ينشر الحرمة لأنه أحد الحواس والشاذ لا ينشر لأن النظر إلى الوجه لا يحرم
اتفاقا وإنما الخلاف في باطن الجسد واكتفى في تحريم زوجات الآباء والأبناء بالعقد لأن
اتفاق الرجال وحمياتهم تنهض بالغضب والبغضاء بمجرد نسبة المرأة إليهم بذلك فيختل
نظام ود الآباء للأبناء وود الأبناء للآباء وهو سياج عظيم عند الشرع حتى جعل خرقه
من الكبائر قال عليه الصلاة
هامش أنوار البروق
قال فإذا تقرر أن المندرج في الرتبة
الأولى إلى قوله فكان وطؤها محرما كالوطء بالعقد قلت ألحق الإماء المنكوحات بملك
اليمين بالمتزوجات بناء على ما قرره من أن لفظ نسائنا لا يتناولهن بل يختص
بالمتزوجات وقد يحتمل به لسبق أن يتناولهن اللفظ إلا إن صح ما ادعاه من العرف ولا
أعرف صحة ذلك
قال وألحق بالإماء والحرائر شبهتيهما
في التحريم لأن الوطء بالشبهة ألحق بالعقد وذلك في لحوق الولد وسقوط الحد وغيرهما
هامش إدرار الشروق
وكذلك بعقد إلا أن المنكوحات بالعقد
من المندرج لا من لواحقه على كلا الترددين في كلام ابن الشاط بخلاف المنكوحات
بالملك فإنهن من المندرج على الترديد الأول في كلامه ومن اللواحق على الثاني فافهم
الأمر الثاني الحقيقة في لفظ الأب ولفظ الأم ولفظ الابن ولفظ البنت في النصوص
المتقدمة فقال الأصل أن حقائقها المباشر وأنه متى أريد بها غير المباشر كانت
مجازات وأن الاندراجات في قول اللخمي تحرم امرأة الجد للأب والجد للأم لاندراجهما
في لفظ الآباء كما تندرج جدات امرأته وجدات أمها من قبل أمها وأبيها في قوله تعالى
وأمهات نسائكم وبنت بنت الزوجة وبنت ابنها وكل من ينسب إليها بالبنوة وإن سفل في
قوله تعالى وربائبكم ا ه
ليس بمقتضى الوضع اللغوي وإلا لما
صرح الكتاب العزيز بالثلث للأم ولم يعطه الصحابة رضي الله عنهم للجدة بل حرموها
حتى روي لهم الحديث في السدس ولما صرح في الكتاب بالنصف للبنت وبالثلثين للبنتين
على السوية ورثت بنت الابن مع البنت السدس بالسنة لا بالكتاب ولما كان ابن الابن
كالابن في الحجب والجد ليس كالأب في الحجب ولما كانت الإخوة يحجبون الأم وبنوهم لا
يحجبونها فحينئذ ينبغي أن يعتقد أن هذه الاندراجات في تحريم المصاهرة بالإجماع لا
بالنص فإن الاستدلال بنفس اللفظ تعذر لأن الأصل عدم المجاز والاقتصار على الحقيقة
فالفقيه الذي يعتقد ذلك ويستدل باللفظ غالط
ا ه وقال ابن الشاط لا أعرف صحة ما
قاله من أن الحقيقة في لفظ الأب والأم والابن والبنت المباشر وأنه متى أريد به غير
المباشر فهو مجاز لعل الأمر في ذلك بالعكس وأن الحقيقة في لفظ الأب مثلا كل من له
ولادة والمجاز المباشر لكن
____________________
(3/209)
والسلام من أكبر الكبائر أن يسب
الرجل أباه قالوا أو يسب الرجل أباه يا رسول الله قال يسب الرجل أبا الرجل فيسب
الرجل أباه فجعل التسبب لسب الأب بسب الأجنبي أكبر الكبائر فكيف لو سبه مباشرة قال
اللخمي تحرم امرأة الجد للأب والجد للأم لاندراجهما في لف الآباء كما تندرج جدات
امرأته وجدات أمها من قبل أمها وأبيها في قوله تعالى وأمهات نسائكم وبنت بنت
الزوجة وبنت ابنها وكل من ينسب إليها بالبنوة
وإن سفل في قوله تعالى وربائبكم تنبيه
اعلم أن هذه الاندراجات ليست بمقتضى الوضع اللغوي ولذلك صرح الكتاب العزيز بالثلث
لأم ولم يعطه الصحابة رضي الله عنهم للجدة بل حرموها حتى روي لهم الحديث في السدس
وصرح بالنصف للبنت وللابنتين بالثلثين على السوية وورثت بنت الابن مع البنت السدس
بالسنة لا بالكتاب وابن الابن كالابن في الحجب والجد ليس
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله في ذلك صحيح ظاهر وما
قاله بعد ذلك أكثره حكاية أقوال وإشارة إلى توجيهها ولا كلام في ذلك قال قال
اللخمي تحرم امرأة الجد للأب والجد للأم لاندراجهما في لفظ الآباء إلى قول الشهاب
في تنبيهه فإن دل إجماع على اعتبار المجاز وإلا ألغي حتى يدل دليل عليه قلت لا
أعرف صحة ما قال من أن الحقيقة في لفظ الأب وشبهه أن المراد به المباشر وأنه يغني
هامش إدرار الشروق
غلب هذا المجاز حتى صار عرفا فكان
ذلك السبب في اقتصار الصحابة فيما اقتصروا به من الأحكام على المباشر والله أعلم
ا ه وعليه فتكون الاندراجات في تحريم
المصاهرة بالنص لا بالإجماع فافهم وفي أحكام القرآن لابن العربي أن من علمائنا من
قال إن لفظ الأولاد يتناول حقيقة كل ولد من صلب الرجل دنيا أو بعيدا قال الله
تعالى يا بني آدم وقال النبي صلى الله عليه وسلم أنا سيد ولد آدم وقال تعالى ولكم
نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فدخل فيه كل من كان لصلب الميت دانيا أو
بعيدا ويقال بنو تميم فيعم الجميع فإن كان الصحيح هذا القول فقد غلب مجاز الاستعمال
في ذلك إطلاقه على الأعيان الأدنين على تلك الحقيقة ومن علمائنا من قال ذلك حقيقة
في الأدنين مجاز في الأبعدين وهذا هو الصحيح عندي بدليل أنه ينفي عنه فيقال ليس
بولد ولو كان حقيقة لما ساغ فيه ألا ترى أن ولد الأعيان يسمى ولدا ولا يسمى ولد
الولد وكيفما دارت الحال فقد اجتمعت الأمة هاهنا أي في قوله تعالى يوصيكم الله في
أولادكم الآية على أنه يطلق على الجميع وقد قال مالك لو حبس رجل على ولده لا تنقل
إلى أبنائهم واختلف قول علمائنا فيما لو قال صدقة هل تنقل إلى أولاد الأولاد على
قولين وكذلك في الوصية واتفقوا على أنه لو حلف لا ولد له وله حفدة لم يحنث وإنما
اختلف ذلك في أقوال المخلوقين في هذه المسائل لوجهين إحداهما أن الناس اختلفوا في حمل
كلام المخلوقين هل يحمل على العموم كما يحمل كلام الباري أو لا يحمل كلام الناس
على العموم بحال وإن حمل كلام الله سبحانه عليه
____________________
(3/210)
كالأب في الحجب والإخوة يحجبون الأم
وبنوهم لا يحجبونها فتعلم من ذلك أن الأب حقيقة في الأب القريب مجازا في آبائه
ولفظ الابن حقيقة في القريب مجازا في أبنائه فإن دل إجماع على اعتبار المجاز وإلا
ألغي حتى يدل دليل عليه وينبغي أن يعتقد أن هذه الاندراجات في تحريم المصاهرة
بالإجماع لا بالنص وأن الاستدلال بنفس اللفظ متعذر وأن الفقيه الذي يعتقد ذلك
ويستدل باللفظ غالط لأن الأصل عدم المجاز والاقتصار
هامش أنوار البروق
أريد به غير المباشر فهو مجاز ولعل
الأمر في ذلك بالعكس وأن الحقيقة في لفظ الأب كل من له ولادة والمجاز المباشر لكن
غلب هذا المجاز حتى صار عرفا فكان ذلك السبب في اقتصار الصحابة فيما اقتصروا به من
الأحكام على المباشر والله أعلم قال وينبغي أن يعتقد أن هذه الاندراجات في تحريم
مصاهرة بإجماع لا بالنص وأن الاستدلال بنفس اللفظ متعذر قلت ما قال في ذلك يوافق
عليه لكن لا لأن الحقيقة في المباشر بل لأن المجاز الصائر عرفا فيه قال سؤال المشهور
من مذاهب العلماء في تحليل الزوجة بعد الطلقات الثلاث اشتراط الوطء الحلال إلى آخر
الفرق قلت يحتاج ما قاله إلى نظر وما قال في الفرقين بعده صحيح
هامش إدرار الشروق
الثاني أن كلام الناس يرتبط بالأغراض
والمقاصد والمقصود من الحبس التعقيب فدخل فيه ولد الولد والمقصود من الصدقة
التمليك فلم يدخل فيه غير الأدنى إلا بدليل والذي يحقق العموم هاهنا أي في الآية
أنه قال بعده ولا يوليه لكل واحد منهما السدس فدخل فيه آباء فكذلك يدخل في الأولاد
هاهنا أولاد الأولاد ثم قال في قوله تعالى ولأبويه لكل واحد منهما السدس هذا قول
لم يدخل فيه من علا من الآباء دخول من سفل من الأبناء في قوله أولادكم لثلاثة أوجه
الأول أن القول هاهنا مثنى والمثنى لا يحتمل العموم والجمع الثاني أنه قال فإن لم
يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث والأم العليا هي الجدة ولا يفرض لها الثلث
بإجماع فخروج الجدة من هذا اللفظ مقطوع به وتناوله للأب مختلف فيه الثالث أنه إنما
قصد في قوله أولادكم بيان العموم وقصد هنا بيان النوعين من الآباء وهما الذكر
والأنثى وتفصيل فرضهما دون العموم فأما الجد فقد اختلفت فيه الصحابة فروي عن أبي بكر
الصديق أنه جعله أبا وحجب به الإخوة أخذا بقوله تعالى ملة أبيكم إبراهيم وبقوله
تعالى يا بني آدم وأما الجدة فقد صح أن الجدة أم الأم جاءت أبا بكر الصديق فقال
لها لا أجد لك في كتاب الله شيئا وما أنا بزائد في الفرائض شيئا
ا ه المراد بتصرف وإصلاح فافهم وقد
وافق ابن الشاط الأصل في مسائل قائلا ما قاله في الأولى صحيح ظاهر وما قاله بعد
ذلك أكثره حكاية أقوال وإشارة إلى توجيهات ولا كلام في ذلك
ا ه المسألة الأولى شبهتا العقد
والملك تلحق بهما في التحريم للحرائر والإماء بالعقد والملك لأن الوطء بالشبهة قد
ألحق بالوطء بهما في لحوق الولد وسقوط الحد وغيرها
____________________
(3/211)
على الحقيقة سؤال المشهور من مذاهب
العلماء في تحليل الزوجة بعد الطلاق الثلاث اشتراط الوطء الحلال وحمل آية التحليل
عليه لأن القاعدة أن كل متكلم له عرف فإن لفظه عند الإطلاق يحمل على عرفه فحمل
النكاح في الآية على النكاح الشرعي الذي يتناوله اللفظ حقيقة لا مجازا لأجل العرف
وخولفت هذه القاعدة في قوله تعالى في أمهات الربائب اللاتي دخلتم بهن فاعتبر مالك
مطلق الوطء كان حلالا أو حراما وهو خلاف القاعدة في حمل الدخول على العرف الشرعي
وهو الدخول المباح وجوابه أنه احتاط في الصورتين فخولفت القاعدة لمعارض الاحتياط
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
المسألة الثانية يلحق بالشبهة في
الرتبة الرابعة على مشهور مذهب مالك رحمه الله تعالى الزنى المحض لكونه يوجب مسبة
اختصاصا وربما أوجب ميلا شديدا يوجب وقوع الشحناء بالمشاركة فيه كما يحصل ذلك في
المشاركة بالوطء بالنكاح والملك بل بالغ فقال في المدونة إذا التذ بها حراما كان
كالوطء ووافقه أبو حنيفة وابن حنبل نعم قال مالك في الموطإ أنه لا يحرم وقاله
الشافعي رضي الله عنه بسبب أن الزنى مطلوب العدم والإعدام فلو رتب عليه شيء من
المقاصد لكان مطلوب الإيجاد فلا يثبت له تحريم في أثر المصاهرة المسألة الثانية اتفق
الأئمة الأربعة على أن وطء الأم بالعقد أو الملك أو الشبهة يحرم بنتها لقوله تعالى
اللاتي دخلتم بهن لأن الوطء هو الأصل في الدخول واختلفوا في التلذذ بما دون الوطء
فقال مالك وأبو حنيفة ومثل الوطء اللمس للذة لأنه استمتاع مثله يحل بحله ويحرم
بحرمته ويدخل تحت عمومه وقال أبو الطاهر من أصحابنا اللمس للذة من البالغ ينشر الحرمة
ومن غير البالغ قولان وبغير لذة لا ينشر مطلقا وفي نظر البالغ ما عدا الوجه من
باطن الجسد للذة قولان المشهور ينشر الحرمة لأنه أحد الحواس والشاذ لا ينشر ولا
يحرم النظر إلى الوجه اتفاقا وفي الأحكام لابن العربي وأما النظر فعند ابن القاسم
أنه يحرم وقال غيره لا يحرم لأنه في الدرجة الثانية شبهه في الزنى ذريعة الذريعة لكن
الأموال تارة يغلب فيها التحليل وتارة يغلب فيها التحريم فأما الفروج فقد اتفقت
الأمة فيها على تغليب التحريم فكما أن النظر لا يحل إلا إذا حل أصله اللمس والوطء
بعقد نكاح أو شراء وكذلك يحرم إذا حرم أصله
ا ه وفي بداية المجتهد والنظر عند
مالك كاللمس إذا كان نظر تلذذ إلى أي عضو كان وفيه عنه خلاف ووافقه أبو حنيفة في
النظر إلى الفرج فقط وقال الأصل أنه لا يحرم عنده إلا أن ينزل لعدم إفضائه إلى
المقصد الذي هو الوطء وهو إنما حرم تحريم الوسائل والوسيلة إذا لم تفض لمقصدها سقط
اعتبارها ومنع الشافعي التحريم بالملامسة للذة والنظر مطلقا وفي بداية المجتهد وهو
أحد قولين المختار عنده وقوله الثاني لم يوجب في النظر شيئا وواجب في اللمس
ا ه تنبيه قال الأصل اعتبر مالك
قاعدة حمل اللفظ عند الإطلاق على عرف المتكلم به كغيره من العلماء في مشهور
مذاهبهم في آية التحليل للزوجة بعد الطلاق الثلاث حيث حمل النكاح فيها على الوطء
الحلال وجعله شرطا لموافقتها قاعدة الاحتياط في الفروج وخالفها في قوله تعالى في
أمهات الربائب اللاتي دخلتم بهن حيث حمل الدخول فيها على خلاف العرف الشرعي من
الدخول المباح فاعتبر
____________________
(3/212)
الفرق السادس والأربعون والمائة بين
قاعدة ما يحرم بالنسب وبين قاعدة ما لا يحرم بالنسب اعلم أن الإنسان تحرم عليه
النسب أصوله وفصوله وفصول أول أصوله وأول فصل من كل أصل وإن علا فالأصول الآباء
والأمهات وإن علوا والفصول الأبناء وأبناء الأبناء وإن سفلوا وفصول الأول أول
الأصول الإخوة والأخوات وأولادهم وإن سفلوا احترازا من فصول ثاني الأصول وثالثها
وإن علا ذلك فإنهم أولاد الأعمام والعمات والأخوال والخالات وهن مباحات لقوله
تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك وأول
فصل من كل أصل يندرج فيه أولاد الأجداد والجدات وهم الأعمام والعمات والأخوال
والخالات وقولنا أول فصل احترازا من ثاني فصل من أول الأصول فإن ثاني فصل فصل
أولاد
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
مطلق الوطء ولو حراما لمعارض
الاحتياط في الفروج ا ه
وقال ابن الشاط يحتاج ما قاله إلى
نظر
ا ه قلت لعل وجهه أن النكاح في عرف
الشرع حقيقة في وطء مطلقا لا في خصوص الوطء الحلال فقد قال أبو حنيفة في قوله
تعالى ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء أي ما وطئوه لأن النكاح حقيقة في الوطء
فيحرم على الشخص مزنية أبيه كما في المحلي على جمع الجوامع وقد تقدم نحوه عن الأصل
في الفرق الرابع والأربعين والمائة فلا تغفل
وقال ابن العربي في كتاب الأحكام في قوله
تعالى فإن طلقها فلا تحل له من بعد قال سعيد بن المسيب تحل المطلقة ثلاثا للأول
بمجرد العقد من الثاني وإن لم يطأها الثاني لظاهر قوله تعالى فلا تحل له من بعد
حتى تنكح والنكاح العقد وهذا لا يصح بل هو هنا الوطء لأنه صلى الله عليه وسلم شرط
ذوق العسيلة وهي عبارة عن الوطء نعم يرد على مذهبنا أن من أصول الفقه أن الحكم هل
يتعلق بأوائل الأسماء لزمنا مذهب سعيد بن المسيب وإن قلنا إن الحكم يتعلق بأواخر
الأسماء لزمنا أن نشترط الإنزال مع مغيب الحشفة في الإحلال لأنه آخر ذوق العسيلة
ولذا لا يجوز له أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها ولم يشترط عندنا في التحليل الإنزال
فصارت المسألة في غاية الإشكال بل ما مر بي في الفقه أعسر منها
ا ه ملخصا والله سبحانه وتعالى أعلم
الفرق السادس والأربعون والمائة بين
قاعدة ما يحرم بالنسب وبين قاعدة ما لا يحرم بالنسب المحرم بالنسب على الإنسان
ذكرا كان أو أنثى أربعة أنواع النوع الأول أصوله وهما الآباء والأمهات وإن علوا
والنوع الثاني فصوله وهم الأبناء وأبناء الأبناء وإن سفلوا والنوع الثالث فصول أول
أصوله وهم الإخوة والأخوات وأولادهم وإن سفلوا وأما فصول ثاني
____________________
(3/213)
الأعمام والعمات وأولاد الخال
والخالات فإنهن مباحات فلذلك أطلق في الضابط في الآباء والأمهات والفصول مطلقا
ليندرجوا هم وأولادهم وقيل في غير أول فصول أول فصل من كل أصل لهذا المعنى فانضبط
المحرم على الرجال والنساء لهذا الضابط ودليله قوله تعالى حرمت عليكم أمهاتكم
وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأجمعت الأمة على أن
المراد بهذا اللفظ القريب والبعيد من كل نوع واللفظ صالح له لقوله تعالى يا بني
آدم يا بني إسرائيل ملة أبيكم إبراهيم
ثم قال وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم
وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم
بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم
احترازا من زوجات أبناء التبني دون الرضاع ثم قال وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما
قد سلف وقال قبل ذلك ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف يريد في
الجاهلية فإنه معفو عنه وحرم عليه السلام من الرضاع ما يحرم من النسب
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
الأصول وثالثها وإن علا ذلك وهم
أولاد الأعمام والعمات والأخوال والخالات فمباحات لقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه
وسلم وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك النوع الرابع أول فصل من كل
أصل ويندرج فيه أولاد الأجداد والجدات وهم الأعمام والعمات والأخوال والخالات وأما
ثاني فصل من أول الأصول وهم أولاد الأعمام والعمات والأخوال والخالات فمباحات كما
علمت ودليل هذا الضابط قوله تعالى حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم
وبنات الأخ وبنات الأخت وأجمعت الأمة على أن المراد بلفظ كل نوع من هذه الأنواع
القريب والبعيد واللفظ صالح له لقوله تعالى يا بني آدم يا بني إسرائيل ملة أبيكم
إبراهيم كما تقدم ثم قال فيما يحرم بالرضاع وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من
الرضاعة قال ابن العربي في الأحكام ولم يذكر من المحرم بالرضاع في القرآن سواهما
والأم أصل والأخت فرع فنبه بذلك على جميع الأصول والفروع وثبت عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة
ا ه قال في بداية المجتهد يعني أن
المرضعة تنزل منزلة الأم فتحرم على المرضع هي وكل من يحرم على الابن من قبل أم
النسب
ا ه وقال تعالى قبل ذلك فيما يحرم
المصاهرة ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف يريد في الجاهلية فإنه
معفو عنه ثم قال بعد ذلك وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم
اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من
أصلابكم واحترز بقوله الذين من أصلابكم من زوجات أبناء التبني قال ابن العربي في أحكامه
وابن التبني كان في صدر الإسلام إذ تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن
حارثة ثم نسخ الله تبارك وتعالى ذلك بقوله ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله وهذه
هي الفائدة في قوله تعالى من
____________________
(3/214)
تنبيه قال اللخمي كل أم حرمت بالنسب
حرمت أختها وكل أخت حرمت لا تحرم أختها إذا لم تكن خالة فقد يتزوج الرجل المرأة
ولكل واحد منهما ولد فالولد منهما تحل له ابنة المرأة من غير أبيه وكل عمة حرمت قد
لا تحرم أختها لأنها قد لا تكون أخت أبيه ولا أخت جده
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
أصلابكم ليسقط ولد التبني ويذهب
اعتراض الجاهل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في نكاح زينب زوج زيد وقد كان
يدعى له فنهج الله سبحانه ذلك ببيانه ا ه ولم يحترز به من زوجات ابن الرضاع
لجريانه مجرى ابن النسب في جملة من الأحكام معظمها التحريم لقوله صلى الله عليه
وسلم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ثم قال تعالى وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما
قد سلف وفي أحكام ابن العربي قال ابن عباس في قوله تعالى حرمت عليكم أمهاتكم إلى
قوله تعالى وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما حرم الله
تعالى في هذه الآية من النسب سبعا ومن الصهر سبعا وهذا صحيح وهو أصل المحرمات
ووردت من جهة مبينة لجميعها بأخصر لفظ وأدل معنى فهمته الصحابة العرب وخبر به
العلماء ونحن نفصل ذلك البيان فنقول أما الأصناف النسبية السبعة فالأم عبارة عن كل
امرأة لها عليك ولادة ويرتفع نسبك إليها بالبنوة كانت على عمود الأب أو على عمود
الأم وكذلك من فوقك والبنت عبارة عن كل امرأة لك عليها ولادة تنتسب إليك بواسطة أو
بغير واسطة إذا كان مرجعها إليك والأخت عبارة عن كل امرأة شاركتك في أصليك أبيك
وأمك ولا تحرم أخت الأخت إذا لم تكن لك أختا فقد يتزوج الرجل المرأة ولكل واحد
منهما ولد ثم يقدر بينهما ولد قال سحنون هو أن يزوج الرجل ولده من غيرها بنتها من
غيره وتصويرها أن يكون لرجل اسمه زيد زوجتان عمرة وخالدة وله من عمرة ولد اسمه عمر
ومن خالدة بنت اسمها سعادة ولخالدة زوج اسمه بكر وله منها بنت اسمها حسناء فزوج
زيد ولده عمر حسناء وهي أخت أخت عمرو فمن هنا قال اللخمي كل أم حرمت بالنسب حرمت
أختها وكل أخت حرمت لا تحرم أختها إذا لم تكن خالة وكل عمة حرمت قد لا تحرم أختها
لأنها قد لا تكون أخت أبيه ولا أخت جده
ا ه والعمة عبارة عن كل امرأة شاركت أباك
في ما علا من أصله والخالة هي كل امرأة شاركت أمك فيما عليت من أصليها أو من
أحدهما على تقدير تعلق الأمومة كما تقدم ومن تفصيله تحريم عمة الأب وخالته لأن عمة
الأب أخت الجد والجد أب وأخته عمة وخالة الأب أخت جدته لأمه والجدة أم وأختها خالة
وكذلك عمة الأم أخت جدها لأبيها وجدها أب وأخته عمة وخالة الأم أخت جدتها والجدة
أم وأختها خالة وتتركب عليه عمة العمة لأنها عمة الأب كذلك وخالة العمة خالة الأم
كذلك وخالة الخالة خالة الأم كذلك وعمة الخالة عمة الأم كذلك وقد تضمن هذا كله
قوله تعالى وعماتكم وخالاتكم بالحجر في التحريم ولم يتضمنه آية الفرائض بالاشتراك
في الموارث لسعة الحجر في التحريم وضيق الاشتراك في الأموال فعرق التحريم يسري حيث
اطرد وسبب الميراث يقف أين ورد ولا تحرم أخت العمة ولا أخت الخالة وصورة ذلك كما
قررنا لك في الأخت وبنت الأخ وبنت الأخت عبارة عن كل امرأة لأخيك أو لأختك عليها
ولادة
____________________
(3/215)
فائدة قول العلماء الآباء وإن علوا
والأبناء وإن سفلوا مع أنه لو عكس لاستقام فإن الأبناء فروع والفرع شأنه أن يكون
أعلى من أصله وفرع الفرع أعلى من الفرع في الشجرة والأصل أسفل وأصل الأصل أسفل من
الأصل وهذا يناسب عكس ما قالوه
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
وترجع إليها بنسبة وأما الأصناف
الصهرية السبعة فالأول والثاني أمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وهما
محرمان بالقرآن وقد تقدم بعض الكلام عليهما هنا وإن أردت بسطه فعليك ببداية
المجتهد وأحكام ابن العربي وغير ذلك والثالث أمهات نسائكم وقد تقدم الكلام عليها
في الفرق الذي قبل هذا والرابع ربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم
بهن جمع ربيبة كفعيلة بمعنى مفعولة من ربها يربها إذا تولى أمرها وهي محرمة بإجماع
الأمة كانت في حجر الرجل أو في حجر حاضنتها غير أمها فالاتي في حجوركم تأكيد للوصف
وليس بشرط في الحكم وما رواه مالك بن أوس عن علي من أنها لا تحرم حتى تكون في حجره
فباطل وكمال الكلام عليهما قد تقدم في الفرق قبل والخامس حلائل أبنائكم الذين من
أصلابكم جمع حليلة كفعيلة بمعنى محلة والسادس أزواج آبائكم في قوله تعالى ولا
تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف فكما حرم الله على الآباء نكاح
أزواج أبنائكم كذلك حرم على الأبناء نكاح أزواج آبائهم فكل فرج حل للابن حرم على
الأب أبدا وبالعكس وقد تقدم بقية الكلام عليها في الفرق قبل السابع قوله تعالى وأن
تجمعوا بين الأختين تعلق أبو حنيفة به في تحريم نكاح الأخت في عدة الأخت والخامسة
في عدة الرابعة وقال إن هذا محرم بعموم القرآن لأنه إن لم يكن جمعا في حل فهو في
حبس بحكم من أحكام الفرج وهو إذا تزوج أختها فقد حبس المتزوجة بحكم من أحكام
النكاح وهو الحل والوطء وقد حبس أختها بحكم من أحكام النكاح وهو استبراء الرحم
لحفظ النسب فحرم ذلك بالعموم وهي من مسائل الخلاف الطويلة وقد مهدنا الخلاف فيها
هنالك والذي نجتزي به الآن أن الله سبحانه وتعالى نهاه أن يجمع وهذا ليس بجمع منه
لأن النكاح اكتسبه والعدة إلزامية فالجامع بينهما هو الله سبحانه بحلمه وليس للعبد
في هذا الجمع كسب يرجع النهي بالخطاب إليه وليس قوله تعالى هنا إلا ما قد سلف من
مثل قوله إلا ما قد سلف في نكاح منكوحات الآباء لأن ذلك لم يكن قط بشرع وإنما كانت
جاهلية جهلاء وفاحشة شائعة ونكاح الأختين كان شرعا لمن قبلنا فنسخه الله عز وجل
فينا بقوله هنا إلا ما قد سلف
ا ه كلام ابن العربي بتصرف وحذف
وزيادة فائدة وجه قول العلماء الآباء وإن علوا والأبناء وإن سفلوا مع أنه لو عكس لاستقام
فإن الأبناء فروع وشأن الفرع أن يكون أعلى من صلبه وفرع الفرع أعلى من الفرع في
شجرة النسب والأصل أسفل وأصل الأصل أسفل من الأصل وهو الإشارة إلى أن مبدأ الإنسان
من نطفة والنطفة تنزل من الأب والنازل من الشيء يكون أسفل منه وابن الابن ينزل من
الابن فلفظ الأبناء وإن سفلوا ولفظ الآباء وإن علوا مجاز اصطلحوا عليهما إشارة
لهذا المعنى من التخيل ولا مشاحة فلي الاصطلاح فافهم والله سبحانه وتعالى أعلم
____________________
(3/216)
فما مستند قولهم والجواب أن قولهم
إشارة إلى أن مبدأ الإنسان من نطفة أبيه
والنطفة تنزل من الأب والنازل من
الشيء يكون أسفل منه وابن الابن من الابن ومقتضى هذا أن تقول الأبناء وإن سفلوا
والآباء وإن علوا واللفظان مجازان إشارة لهذا المعنى من التخيل لما ذكره السائل
وقد يلاحظ في اللفظ علاقة هي ضد علاقة أخرى ذلك لاختيار المتكلم المتجوز وهذه
العبارة اصطلاح ولهم في اصطلاحهم ذلك
الفرق السابع والأربعون بين قاعدة
الحصانة لا تعود بالعدالة وقاعدة الفسوق يعود بالجناية اعلم أن الإنسان إذا حكم له
بالفسوق ثم تاب وأناب ذهب القضاء عليه بالفسوق فإذا جنى بعد ذلك كبيرة عاد الفسوق له
وإذا كان محصنا بعدم مباشر الزنى ثم زنى ذهب الإحصان الذي هو شرط في حد القذف فمن
قذف من ليس بمحصن فلا حد عليه فإذا صار بعد الزنى عدلا لم تعد الحصانة بالعدالة
وفي القاعدتين قد ورد الضد بعد الضد المنافي لحكمه ظاهرا قال أصحابنا إذا قذفه بعد
أن صار عدلا لم يحد نقله صاحب الجواهر وصاحب
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
الفرق السابع والأربعون والمائة بين
قاعدة الحصانة لا تعود بالعدالة وقاعدة الفسوق تعود بالجناية وذلك أن عود الفسوق
بعود الجناية إنما هو لأن الأمة مجمعة على أن سبب الفسوق هو ملابسة الكبيرة أو
الإصرار على الصغيرة من حيث هو هذا المعنى من غير قيد ولا شرط معقول المعنى بحيث
إن الإنسان إذا جنى بكبيرة أو بإصرار على صغيرة بعد أن زال القضاء عليه بالفسوق
بتوبته وإنابته من ذلك وجب أن يعود القضاء عليه بالفسوق من غير استثناء صورة من صورة
عملا بطرد العلة ووجود الموجب وأما المحصن بعدم مباشرة الزنى إذا زال إحصانه
بمباشرته الزنى لم تعد حصانته بعدالته بعد مباشرته الزنى فلذا قال أصحابنا فإذا
قذفه بعد إن صار عدلا لم يحد كما نقله صاحبا الجواهر والنوادر وجماعة من الأصحاب
وفي الجواهر أيضا لو لاعن المرأة وأبانها ثم قذفها بتلك الزنية لم يحد ولم يلاعن
لاستيفاء موجب اللعان قبل ذلك وقال ربيعة يحد وإن قذفها بزنية أخرى فإن كانت لم
تلاعن وحدت لم يجب الحد لسقوط إحصانها الذي هو شرط في حد القذف بتلك الزنية بموجب
لعانه وإن لاعنت وجب الحد أي للزوج القاذف فأولى بالحد الأجنبي إذا قذفها بها أي
مطلقا لأن أثر لعان الزوج لا يتعدى لغيره ووقع في كتاب القذف إذا قذف من ثبت عليه
الزنا وحسنت حاله بعد ذلك لا يحد لأن الحصانة لا تعود بالعدالة فمن ثبت فسقه
بالزنا ذهبت حصانته وذلك إنما قالوه بناء على قاعدتين القاعدة الأولى أن الله
تعالى إذا نصب سببا لحكمة فالصحيح عند العلماء أنه لا يجوز ترتب الحكم على تلك
الحكمة لأن الله تعالى لم ينصبها سببا لذلك الحكم بل سبب وسببه وقد لا يصح سبب
سببه سببا له لعدم المناسبة ألا ترى أن وجوب الزواج حكم سببه خوف الزنى والزواج سبب
وجوب النفقة سبب
____________________
(3/217)
النوادر وجماعة من الأصحاب وفي
الجواهر لو لاعن المرأة وأبانها ثم قذفها بتلك الزنية لم يحد ولم يلاعن لاستيفاء
موجب اللعان قبل ذلك وقال ربيعة يحد وإن قذفها بزنية أخرى فإن كانت لم تلاعن وحدت
لم يجب الحد لسقوط حصانتها بتلك الزينة بموجب لعانه
وإن لاعنت وجب الحد وإن قذفها أجنبي
فأولى بالحد لأن أثر لعان الزوج لا يتعدى لغيره ووقع في كتاب القذف إذ قذف من ثبت عليه
الزنى وحسنت حالته بعد ذلك لا يحد لأن الحصانة لا تعود بالعدالة فمن ثبت فسقه
بالزنى ذهبت حصانته وهذا مقام تزلزلت فيه الفكر واضطربت فيه العبر وكيف يصير المقذوف
من أهل الولاية والعدالة وجانبه مهتضم وعرضه مطرح والزنية الثانية التي رماه بها
أو رمى المرأة بها لم يقم عليها مصدق للرمي وأي فرق بين هذه الأذية ههنا وبين أذية
من لم يتقدم له زنى وهما مؤلمان مؤذيان للمرمي أذية ظاهرها الكذب أما إذا رماها
بالزنية الأولى لهو صادق فلا يلحق بمحل الإجماع في الحد لقصوره عنه بل التعزير
لمطلق الأذية بل القياس الجلي أن العرض إذا صار مثلوما بمعاودة الجناية أن
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
وجوب الزواج الذي هو خوف الزنى لا
يناسب أن يكون سببا لوجوب النفقة ونظائر ذلك كثيرة منها أن الله تعالى نصب السرقة
سببا للقطع لحكمة حفظ المال ولم يترتب القطع على من أخذ مالا بغير السرقة نظرا
لتلك الحكمة بل منع لعدم تحقق سببه الذي هو السرقة ومنها أن الله تعالى نصب الزنى
سببا للرجم لحكمة حفظ الأنساب لئلا تلتبس ولم يترتب الرجم على من سعى في التباس
الأنساب بغير الزنى بأن يجمع الصبيان ويغيبهم صغارا أو يأتي بهم كبارا فلا يعرفهم آباؤهم
نظرا لحكمة حفظ الأنساب بل منعوا رجمه لعدم تحقق سببه الذي هو الزنى ومنها أن الله
تعالى شرع الرضاع سببا للتحريم بسبب أن جزء المرضعة وهو اللبن صار جزء الرضيع
باغتذائه به وصيرورته من أعضائه فأشبه ذلك منيها ولحمتها في النسب لأنهما جزء
الجنين
ولذلك قال عليه الصلاة والسلام الرضاع
لحمة كلحمة النسب ولم يترتب ذلك التحريم على سبب سببه الذي هو صيرورة نحو دم
المرأة أو قطعة من لحمها جزءا من أجزاء من شرب دمها أو أكل قطعة من لحمها إذ لم
يقولوا بأنه يحرم عليها أو تحرم هي عليه بل قال مالك في المدونة لا تقع الحرمة
باللبن إذا استهلك وعدم بحيث لا يسمي رضاعا ولبنا وتناوله الصبي إعراضا عن التعليل
بالحكمة وقاله الشافعي أيضا وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنهم أجمعين اللبن
المغلوب بالماء أو الدواء والمختلط بالطعام وإن كان اللبن غالبا لا يحرم لأن
الطعام أصل واللبن تابع نعم قال مطرف من أصحابنا تقع الحرمة باللبن المستهلك بناء
أنه على مقابل الصحيح أنه يجوز ترتيب الحكم على الحكمة ومنها أن الله تعالى شرع
القذف سببا للجلد لحكمة حفظ الأعراض وصون القلوب عن الإذايات لكن اشترط فيه
الإحصان ومن جملته عدم مباشرة الزنى فمن باشر فقد انتفى في حقه عدم مباشرة الزنى
فإن النقيضين لا يصدقان والعدالة بعد ذلك لا تنافي كونه مباشرا فإن لاحظنا الحكمة
بدون السبب حسن إعادة الحكم بحد قاذفه وإن اقتصرنا على خصوص السبب ولم نرتب الحكم
على حكمته بدونه لم نقل بوجوب حد قاذفه ويؤكد ذلك أن الحدود يغلب عليها التعبد من
جهة مقاديرها وإن كانت معقولة المعنى من جهة أصولها والتعبد لا يجوز
____________________
(3/218)
يصير معصوما بمعاودة العدالة والولاية
والجواب وهو الفرق بين القاعدتين أن البحث ههنا يظهر بقاعدتين القاعدة الأولى أن
الله تعالى إذا نصب سببا لحكمه اختلف العلماء هل يجوز ترتيب الحكم على تلك الحكمة
حيث وجدت لأنها أصل في اعتبار ذلك السبب أو لا يجوز لأن الله تعالى لم ينصبها سببا
لذلك الحكم بل سبب سببه وقد لا يصح سبب سبب الحكم سببا للحكم لعدم المناسبة ألا
ترى أن خوف الزنى سبب وجوب الزواج والزواج سبب وجوب النفقة ولا يناسب أن يكون خوف الزنى
سبب وجوب النفقة ونظائره كثيرة وهذا هو الصحيح عند العلماء كما نصب الله تعالى
السرقة سببا للقطع لحكمة حفظ المال ومن أخذ مالا بغير السرقة لا يجوز قطعه ونصب
الزنى سببا للرجم لحكمة حفظ الأنساب لئلا تلتبس فمن سعي في التباس الأنساب بغير
الزنى بأن يجمع الصبيان ويغيبهم صغارا ويأتي بهم كبارا فلا يعرفهم آباؤهم لا يجوز
رجمه لذلك وكذلك شرع الرضاع سببا للتحريم بسبب أن جزء المرضعة وهو اللبن صار جزء
الرضيع باغتذائه به وصيرورته من أعضائه فأشبه ذلك منيها ولحمتها في النسب لأنهما
جزء الجنين ولذلك قال عليه السلام الرضاع لحمة كلحمة النسب
فإذا أخذنا نعلل بهذا الحكمة لزمنا أن
من شرب دم امرأة أو أو أكل قطعة من لحمها يحرم عليها وتحرم عليه وليس كذلك ولأجل
ملاحظة التعليل بالحكمة إذا استهلك اللبن وعدم ما يسمى رضاعا ولبنا وتناوله الصبي
فمن علل بالحكمة أوقع به الحرمة قاله مطرف من أصحابنا وقال مالك في المدونة لا تقع
به الحرمة إعراضا عن التعليل بالحكمة وقاله الشافعي وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى
عنهم أجمعين اللبن المغلوب
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
التصرف فيه فمن هنا ظهر أنه لا يلزم
من الاستواء في الآفة الاستواء في الحد بل يعزر إن آذاه بالقذف على قاعدة السب
والشتم فلا تضيع المصلحة ولا تستباح الأعراض بل تنعصم بالتعزير وقد يزيد التعزير
على الحد على أصل مالك رحمه الله تعالى فلا يستنكر إسقاط الحد في هذه الصورة
وفي تبصرة ابن فرحون عن المازري في
المعلم دليل ما ذهب إليه مالك من جواز زيادة العقوبات على الحد فعل سيدنا عمر رضي
الله تعالى عنه في ضرب الذي نقش خاتمه مائة ونقل ابن قيم الجوزية أنها ثلاثمائة في
ثلاثة أيام وذكر القرافي أن صاحب القضية معن بن زياد زور كتابا على عمر ونقش خاتمه
فجلده مائة فشفع فيه قوم فقال أذكرتموني الطعن وكنت ناسيا فجلده مائة أخرى ثم جلده
بعد ذلك مائة أخرى ولم يخالفه أحد قال المازري فكان إجماعا وضرب عمر رضي الله
تعالى عنه ضبيعا أكثر من الحد ا ه القاعدة الثانية أن ما ورد مطلقا يحمل على ما
ورد مقيدا حيث كان القيد واحدا وإلا حمل ما ورد مقيدا على المطلق لئلا يحصل الترجيح
بلا مرجح فنحو قوله تعالى والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة
____________________
(3/219)
بالماء والمختلط بالطعام وإن كان
اللبن غالبا لا يحرم لأن الطعام أصل واللبن تابع والدواء كالماء عنده وههنا في باب
القذف شرع سببا للجلد لحكمة حفظ الأعراض وصون القلوب عن الأذيات لكن اشترط فيه
الإحصان ومن جملة عدم مباشرة الزنى فمن باشر فقد انتفى في حقه عدم المباشرة فإن
النقيضين لا يصدقان والعدالة بعد ذلك لا ينافي كونه مباشرا فإن لاحظنا الحكمة دون
السبب حسن إعادة الحد وإن اقتصرنا على خصوص السبب لا يجب الحد ويؤكد ذلك أن الحدود
يغلب عليها التعبد من جهة مقاديرها وإن كانت معقولة المعنى من جهة أصولها والتعبد
لا يجوز التصرف فيه فظهر أنه لا يلزم من الاستواء في الأذية الاستواء في الحد بل يعزر
إن آذاه بالقذف على قاعدة السب والشتم فلا تضيع المصلحة ولا تستباح الأعراض وتنعصم
بالتعزير وقد يزيد التعزير على الحد على أصل مالك رحمه الله فلا يستنكر إسقاط الحد
في هذه الصورة القاعدة الثانية قاعدة حمل المطلق على المقيد وذلك أن الله تعالى
قال والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة الآية
وقال في الآية الأخرى إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا
والآخرة فالآية الأولى مطلقة وهذه مقيدة بوصف الغفلة فتحمل المطلقة على المقيدة
على القاعدة في أصول الفقه والمباشر للزنى ليس بغافل عنه فلا يحد قاذفه لأنه لو حد
لحصل معنى اللعن في الدنيا والآخرة وهو منفي بهذه الآية من جهة مفهومها الذي هو مفهوم
الصفة لأن مفهومها أن من ليس بغافل لا يحد قاذفه ولا يلعن في الدنيا والآخرة وهو
المطلوب وقد اتفقنا على أنه يلعن بالتعزير والعقوبة المؤلمة على حسب حال المقذوف
فيبقى ما عداه على مقتضى الدليل أما عود الفسوق بعود الجناية فلأن الأمة مجمعة على
أن سبب الفسوق هو ملابسة
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة الآية من
حيث إنه ورد غير مقيد بوصف الغفلة بخلاف قوله تعالى في الآية الأخرى إن الذين
يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة فإنه قيد بوصف الغفلة
فيحمل المطلق على المقيد على القاعدة في أصول الفقه والمباشر للزنا ليس بغافل عنه
فلا يحد قاذفه لأنه لو حد لحصل معنى اللعن في الدنيا والآخرة وهو منفي بهذه الآية من
جهة مفهومها الذي هو مفهوم الصفة لأن مفهومها أن من ليس بغافل لا يحد قاذفه ولا
يلعن في الدنيا والآخرة وهو المطلوب وقد اتفقنا على أنه يلعن بالتعزير والعقوبة
المؤلمة على حسب حال المقذوف فيبقى ما عداه على مقتضى الدليل ونحو قوله صلى الله
عليه وسلم كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله إلخ مقيد وكذا قوله صلى الله عليه
وسلم كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله إلخ فيحملان على المطلق وهو قوله صلى
الله عليه وسلم كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بذكر الله إلخ على القاعدة في أصول
الفقه من حمل المقيدين على المطلق الواحد لا العكس لئلا يلزم التحكم فافهم والله
سبحانه وتعالى أعلم
____________________
(3/220)
الكبيرة أو الإصرار على الصغيرة من
حيث هو هذا المعنى من غير قيد ولا شرط وهو معقول المعنى بحيث وجب القضاء بفسق
ملابسه من غير استثناء صورة عن صورة عملا بطرد العلة ووجود الموجب فهذا هو الفرق
بين القاعدتين
الفرق الثامن والأربعون والمائة بين
قاعدة ما يلحق فيه الولد بالوطء وبين قاعدة ما لا يلحق فيه اعلم أن العلماء قد
أطلقوا القول بأن الولد لا يلحق بالوطء إلا لستة أشهر فصاعدا وهذا الكلام ليس على
إطلاقه وإنما مرادهم إذا كان الولد قد ولد تاما فإنه لا يتم بعد الوطء إلا في هذه
المدة أو أكثر منها أما أقل فلا وعلى هذا إذا لم تلده تاما نظرت نسبة تلك المدة
لذلك التخلق إن كانت المدة تصلح له ألحقته بالوطء وإن كانت لا تصلح له لم يلحق فقد
يلحق به لثلاثة أشهر إذا كانت ثلاثة أشهر تصلح لذلك التخلق وعلى هذا المنهاج يكون
إلحاق الولد بنسبة المدة إلى صورة التخلق فقولهم حينئذ أن الولد لا يلحق دون ستة
أشهر ليس على ظاهره بل مرادهم إذا كان كامل الخلق فإنه لا يكمل خلقه في أقل من هذه
المدة وسببه ما ذكره ابن جميع وغيره في التحدث على الأجنة أن الجنين
هامش أنوار البروق
قال الفرق الثامن والأربعون والمائة
بين قاعدة ما يلحق فيه الولد بالوطء وبين قاعدة ما لا يلحق فيه إلى قوله فإنه لا
يكمل خلفه في أقل من هذه المدة قلت ما قاله في ذلك من أن كلام العلماء ليس على
إطلاقه ليس عندي بصحيح بل كلامهم على إطلاقه في ذلك لأن ذلك هو مقتضى الآية في
قوله تعالى وحمله وفصاله ثلاثون شهرا قال وسببه ما قاله ابن جميع وغيره في التحدث
على الأجنة
هامش إدرار الشروق
الفرق الثامن والأربعون والمائة بين
قاعدة ما يلحق فيه الولد بالواطئ وبين قاعدة ما لا يلحق به في أحكام القرآن لابن
العربي قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أقل الحمل ستة أشهر لأن الله تعالى
قال وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ثم قال تعالى والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين
لمن أراد أن يتم الرضاعة فإذا أسقطت حولين من ثلاثين شهرا بقيت منه ستة أشهر وهي
مدة الحمل وهذا من بديع الاستنباط ا ه
فمن هنا أطلق العلماء القول بأن الولد
لا يلحق بالواطئ إلا لستة أشهر فصاعدا وقال ابن الشاط وكلامهم هذا على إطلاقه كما
هو مقتضى الآية في قوله تعالى وحمله وفصاله ثلاثون شهرا قال ولا اعتبار عندي بما
حكاه الشهاب عن الأطباء حيث قال ذكر ابن جميع وغيره من الأطباء في التحدث على
الأجنة أن الجنين يتحرك لمثل ما يخلق فيه ويوضع لمثلي ما تحرك فيه قالوا وتخلقه في
العادة تارة يكون لشهر وتارة يكون لشهر وخمسة أيام وتارة يكون لشهر
____________________
(3/221)
يتحرك لمثل ما يخلق فيه وبوضع لمثلي
ما تحرك فيه قالوا وتخلقه في العادة تارة يكون لشهر وتارة يكون لشهر وخمسة أيام
وتارة يكون لشهر ونصف فإذا تخلق في شهر بمعنى تصورت أعضاؤه تحرك في مثل ذلك فيتحرك
في شهرين ويوضع لمثلي ما تحرك فيه ومثلا الشهرين أربع أشهر وأربعة مع شهرين ستة
فيوضع لستة أشهر وإن تخلق لشهر وخمسة أم تحرك في مثل ذلك وهو شهران وعشرة أيام
مثلا ذلك أربعة أشهر وعشرون يوما فإذا أضيف ذلك لمدة التحرك كان سبعة أشهر فيوضع الولد
لسبعة أشهر وإن تخلق لشهر ونصف تحرك في ثلاثة أشهر ووضع لتسعة أشهر على التقدير
المتقدم فلذلك لا يحصل الوضع الطبيعي إلا لستة أشهر أو سبعة أو تسعة قالوا ولهذا
السبب يعيش الولد الذي يوضع لسبعة ولا يعيش الذي يوضع لثمانية
وإن كان أقرب للقوة ولمدة التسعة
بسبب أن الذي يوضع لسبعة وضع من غير آفة سليما على قاعدة الولادة والذي وضع
لثمانية يكون به آفة من مرض أو غيره قد عجله عن التسعة آفة أو أخرته
هامش أنوار البروق
قلت ما قاله هنا حكاية أقوال وتقرير
كلام الأطباء في تصرف أحوال فأما حكاية الأقوال فلا كلام فيه وأما ما حكاه عن
الأطباء فلا اعتبار به عندي على تقدير أن يكون صحيحا لمخالفته لمقتضى الآية ولا
تضر مخالفة الشرع لمقتضى الحسن والله أعلم قال تنبيه فعلى هذا يكون قوله عليه
الصلاة والسلام يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يوما أو أربعين صباحا نطفة ثم
أربعين علقة ثم أربعين مضغة ثم ينفخ فيه الروح إشارة إلى الأطوار الثلاثة تقريبا إلى
قوله والحس مؤول لأجله ظاهر الحديث
هامش إدرار الشروق
ونصف فإذا تخلق في شهر بمعنى تصورت
أعضاؤه تحرك في مثل ذلك فيتحرك في شهرين ويوضع لمثلي ما تحرك فيه ومثلا الشهرين
أربعة أشهر وأربعة مع شهرين ستة فيوضع لستة أشهر وإن تخلق لشهر وخمسة أيام تحرك في
مثلي ذلك وهو شهران وعشرة أيام ومثلا ذلك أربعة أشهر وعشرون يوما فإذا أضيف ذلك
لمدة التحرك كان سبعة أشهر فيوضع الولد لسبعة أشهر وإن تخلق لشهر ونصف تحرك في
ثلاثة أشهر ويوضع لتسعة أشهر على التقدير المتقدم فلذلك لا يحصل الوضع الطبيعي إلا
لستة أشهر أو سبعة أو تسعة قالوا ولهذا السبب يعيش الولد الذي يوضع لسبعة ولا يعيش
الذي يوضع لثمانية
وإن كان أقرب للقوة ولمدة التسعة وذلك
أن الذي يوضع لسبعة وضع من غير آفة سليما على قاعدة الولادة والذي يوضع لثمانية
يكون به آفة من مرض أو غيره قد عجلته تلك الآفة عن التسعة أو أخرته عن السبعة
والذي به آفة لا يعيش فالمولود لثمانية لا يعيش هذا هو المنهج العام والعادة
الغالبة قالوا وقد يحصل عارض إما من جهة المني في مزاجه وبرده ويبسه وإما من جهة
الرحم في برده أو هيئة فيه تمنع من جريان هذه القاعدة فيقعد الولد إلى اثني عشر
شهرا وقال الفقهاء والمؤرخون هذه الأسباب العارضة قد تؤخر الولد إلى سنتين فأكثر
وهو قول الحنفية أو إلى أربع سنين وهو مشهور قول الشافعية أو إلى خمس سنين وهو
مشهور المالكية ووقع في مذهب الشافعي ومالك رضي الله عنهما إلى سبعة قال صاحب
الاستقصاء
____________________
(3/222)
عن السبعة آفة والذي به آفة لا يعيش
فالمولود لثمانية لا يعيش فهذا هو السر في ذلك وهذا هو المهيع العام والعادة
الغالبة قالوا وقد يحصل عارض من جهة المني في مزاجه وبرده أو يبسه أو من الرحم في
برده أو هيئة فيه تمنع من جريان هذه القاعدة فيقعد الولد إلى اثنا عشر شهرا وقال
الفقهاء والمتأخرون هذه الأسباب العارضة قد تؤخر الولد إلى سنتين فأكثر وهو قول
الحنفية أو إلى أربع سنين وهو مشهور قول الشافعية أو إلى خمس سنين وهو مشهور
المالكية
ووقع في مذهب الشافعي ومالك رضي الله
عنهما إلى سبعة قال صاحب الاستقصاء ولدت امرأة بواسط لسبع سنين ولدا له وفرة من
الشعر فجاء عند الولادة بجنبه طائر فقال له كش
وقال مالك إن امرأة العجلاني دائما
لا تضع إلا
هامش أنوار البروق
قلت لا حاجة إلى تأويل الحديث فإن ما
ذكره الأطباء من ذلك لا تتحقق صحته والأصح إبطال ما ذكر لمخالفته الحديث قال فإن
قلت هم قوم كفار لا عبرة بقولهم في الشرائع والأحكام فلا ينبغي على أقوالهم لحوق
الولد وعدم لحوقه قلت السؤال وارد وقول السائل عندي صحيح قال قلت قد اعتبرنا قول
الكفار في الأمور الغائبة عنا من الطبيات إلى آخر ما قاله في هذا الفرق قلت ما
ذكره من قبول قول الكفار في الموطن التي ذكرها صحيح ولكن ليس ذلك من باب
هامش إدرار الشروق
ولدت امرأة بواسط لسبع سنين ولدا له
وفرة من الشعر فجاء عند الولادة بجنبه طائر فقال له كش وقال مالك إن امرأة
العجلاني دائما لا تضع إلا لخمس سنين وهذا من العوارض النادرة الغريبة في هذه
المحال والغالب هو الأول
ا ه كلام الشهاب ووجه عدم اعتبار ما
حكاه عن الأطباء هو أنه على تقدير أن يكون صحيحا على مقتضى الحس مخالف لمقتضى
الآية ومقتضى الشرع مقدم ولا تضر مخالفته لمقتضى الحس على أن الأصح إبطال ما ذكره
الأطباء من ذلك لمخالفته لقوله عليه الصلاة والسلام يجمع خلق أحدكم في بطن أمه
أربعين يوما أو أربعين صباحا نطفة ثم أربعين علقة ثم أربعين مضغة ثم ينفخ فيه
الروح فإن ظاهره أن الحركة في جميع الأجنة لأربعة أشهر والوضع لاثني عشر شهرا وهو يقتضي
تكذيبهم فيما قالوه ولا حاجة إلى تأويله بأن يقال إنه إشارة إلى الأطوار الثلاثة
تقريبا فإن الأربعين تقرب من الثلاثين والخمسة والثلاثين والخمسة والأربعين وهي
بين هذه الأطوار متوسطة تكاد تشتمل على الجميع بتوسطها ودعوى أن كون الحركة في
أربعة أشهر والوضع في اثني عشر شهرا وإن كان صورة واقعة صحيحة غير أنها نادرة
وحمل اللفظ على النادر خلاف الظاهر
فيحمل على الغالب نظرا لأن المباشر لصور التخليق والتحرك والوضع المتقدم تقديره
مشرحون كانوا يشرحون الحبالى ويشقون أجوافهم فيمن وجب عليه القتل ويطلعون على ذلك
حسا وعيانا والحس يؤول لأجله ظاهر الحديث على أنه يمكن أن يقال إن قوله عليه
السلام يجمع خلق أحدكم صيغة مطلقة لا عموم فيها فيتأدى بصورة وقد وقعت في
____________________
(3/223)
لخمس سنين وهذا من العوارض النادرة
الغريبة في هذه الحال والغالب هو الأول فقد ظهر السر والفرق بين ما يلحق الولد فيه
وبين ما لا يلحق فيه تنبيه فعلى هذا يكون قوله عليه السلام يجمع خلق أحدكم في بطن
أمه أربعين يوما أو أربعين صباحا نطفة ثم أربعين علقة ثم أربعين مضغة ثم ينفخ فيه
الروح إشارة إلى الأطوار الثلاثة تقريبا فإن الأربعين تقرب من الثلاثين والخمسة والثلاثين
والخمسة والأربعين وهي بين هذه الأطوار متوسطة تكاد تشتمل على الجميع بتوسطها فهذا
هو معنى الحديث إلا أنه على ظاهره في جميع الأجنة ولو كان على ظاهره لكانت الحركة
في أربعة أشهر ويكون الوضع في اثني عشر شهرا وهي صورة واقعة صحيحة غير أنها نادرة
فلك أن تقول إن قوله عليه السلام يجمع خلق أحدكم صيغة مطلقة لا عموم فيها فيتأدى
بصورة وقد وقعت في صور كثيرة وحصل الوضع في اثني عشر شهرا فحصل مقتضى الحديث وصدق
الخبر فلا حاجة إلى العدول به عن ظاهره ولك أن تقول إن حمل اللفظ على
هامش أنوار البروق
الشهادة بل من باب الخبر وليس ذلك
على الإطلاق بل في مواطن إلجاء الضرورة إلى قبول أقوالهم وليس ما نحن فيه من أمر
لحوق الولد من تلك المواطن لأن الآية يقتضي ظاهرها تعيين المدة التي يلحق فيها
الولد وهي ستة أشهر والحديث يقتضي ظاهره تكذيبهم فيما قالوه والله أعلم وما قاله
في الفرق بعده صحيح
هامش إدرار الشروق
صور كثيرة وحصل الوضع في اثني عشر
شهرا فحصل مقتضى الحديث وصدق الخبر فلا حاجة إلى العدول به عن ظاهره دعوى غير
مسموعة فإن المشرحين المذكورين قوم كفار لا عبرة بقولهم في الشرائع والأحكام فلا
ينبني على قولهم لحوق الولد وعدم لحوقه حتى يقال إن كان الولد قد ولد تاما فلا يتم
بعد الوطء إلا في ستة أشهر فأكثر منها أما أقل فلا وإذا لم تلده تاما نظرت نسبة
تلك المدة لذلك التخلق فإن كانت المدة تصلح له ألحقته بالواطئ
وإن كانت لا تصلح له لم يلحق فقد
يلحق به لثلاثة أشهر مثلا إذا كانت ثلاثة أشهر تصلح لذلك التخلق وقبول قول الكافر
في المواطن التي تقدم ذكرها في في الفرق الأول من الأمور الغائبة من الطبيات
والجراحات وكل ما هو علمهم ودرايتهم وإن كان صحيحا على أنه من باب الخبر لا
الشهادة إلا أنه ليس على إطلاقه بل في مواطن إلجاء الضرورة إلى قبول قولهم وليس ما
نحن فيه من أمر لحوق الولد من تلك المواطن لأن الآية يقتضي ظاهرها تعيين المدة
التي يلحق فيها الولد وهي ستة أشهر والحديث يقتضي ظاهره تكذيبهم فيما قالوه كما
علمت
ا ه كلام ابن الشاط بتوضيح وبالجملة
فالعلامة ابن الشاط اعتبر ظاهر الآية وظاهر الحديث وبنى على ذلك أن الولد لا يلحق
الواطئ لأقل من ستة أشهر فصاعدا ولم يعتبر ما ذكره الأطباء لأمرين أحدهما أن مقتضى
الحس على تقدير صحته لا يقدم على مقتضى ظاهر الشرع إذ لا تضر مخالفة الشرع لمقتضى
الحس الثاني أن ما نحن فيه من أمر لحوق الولد ليس من مواطن إلجاء الضرورة إلى قبول
أقوال الكفار حتى يقبل فيه قول المشرحين من الأطباء الكفار والعلامة الشهاب اعتبر ما
ذكره الأطباء نظرا لكونهم وإن كانوا كفارا قد شرحوا من وجب عليه القتل من الحبالى
وشقوا أجوافهم واطلعوا على ذلك حسا وعيانا وقول الفقهاء لا يقبل قول الكفار ولا
شهادتهم إنما هو في الشهادة في استحقاق الأموال والدماء
____________________
(3/224)
النادر خلاف الظاهر فيحمل على الغالب
ويكون ذلك إشارة إلى التوسط بين الأطوار كما تقدم وحملنا على ذلك أن المباشر لصور
التخليق والتحرك والوضع المتقدم تقديره مشرحون كانوا يشرحون الحبالى ويشقون
أجوافهم فيمن وجب عليه القتل ويطلعون على ذلك حسا وعيانا والحس يؤول لأجله ظاهر
الحديث
فإن قلت هم قوم كفار لا عبرة بقولهم
في الشرائع والأحكام فلا يبنى على قولهم لحوق الولد وعدم لحوقه
قلت قد اعتبرنا قول الكفار في الأمور
الغائبة من الطبيات فلو شهدوا بعدم العيب قبلنا شهادتهم وقضينا بالرد على البائع
حتى قال جماعة من العلماء يقبل في ذلك قول واحد بانفراده ولو شهدوا بأن المرض مخوف
قضينا برد التصرفات والتبرعات وورثنا المطلقة الثلاث في ذلك المرض إذا مات المطلق
فيه ولو شهدوا بأن هذا الدواء في هذا الوقت لا يصلح بهذا المرض وإن دافعه له مخطئ
ضمناه بشهادتهم ولو شهدوا بغير ذلك مما يتوقف على الطبيات والجراحات والأمور التي
هي علمهم ودرايتهم قبلناه فكذلك ههنا فقول الفقهاء لا يقبل قول الكافر ولا شهادته
ليس على إطلاقه بل ذلك في الشهادة في استحقاق الأموال والدماء ونحو ذلك من قضايا
الحكام أما في هذا الباب فلا وقد قال مالك يقبل قول الكافر في الذبيحة ويترتب على
ذلك حكم شرعي وهو جواز التناول ونصوا أيضا على ذلك في قبول الهدية إذا جاءوا بها
وأخبروا أن فلانا بعث بها معهم ويباح أكلها بذلك فظهر الفرق بين أقوال الكفارة في
مواطنها
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
ونحو ذلك من قضايا الحكام أما ما
يتوقف على الطبيات والجراحات والأمور التي هي علمهم ودرايتهم فقد لمالك وأصحابه
قول على قول الكافر في ذلك ويثرب عليه الحكم الشرعي كما مر في الفرق الأول وبنى
عليه أن الولد يلحق الواطئ لأقل من ستة أشهر حيث لم تلده تاما في مدة تصلح للتخلق
الذي ولد عليه وأن ظاهر الآية محمول على صورة من الصور الغالبة التي ذكرها الأطباء
وأما ظاهر الحديث فإما محمول على صورة من الصور غير الغالبة وإن كانت نادرة ليحصل مقتضاه
وتصدق صيغة إطلاقه بصورة ما بلا احتياج إلى العدول به عن ظاهره وإما أن يكون إشارة
إلى التوسط بين الأطوار كما تقدم فيكون محمولا على الغائب لا على النادر لأنه خلاف
الظاهر ونظر في ذلك إلى أن الحس يؤول لأجله ظاهر الحديث فافهم والله سبحانه وتعالى
أعلم
____________________
(3/225)
الفرق التاسع والأربعون بين قاعدة
قيافته عليه السلام وبين قاعدة قيافة المدلجيين اعلم أن مالكا والشافعي رضي الله
عنهما قالا بالقافة في لحوق الأنساب وخصصه مالك في مشهور مذهبه بالإماء دون
الحرائر
وقال أبو حنيفة رضي الله عنه لا يجوز
الاعتماد على القافة أصلا في صورة من الصور لأنه حزر وتخمين فلا يجوز كالاعتماد
على النجوم وعلى علم الرمل والفأل والزجر وغير ذلك من أنواع الحزر والتخمين فإن
الاستدلال بالخلق على الأنساب من باب الحزر البعيد ومع طول الأيام يولد للشخص من
لا يشبههما في خلق ولا في خلق وقد قال عليه السلام للذي أنكر ولده من لونه لعله
عرق نزع بعد أن قال له هل لك من إبل قال نعم قال فما ألوانها قال بيض قال هل فيها
من أورق قال نعم قال فمن أين ذلك الأورق قال لعله عرق نزع قال له عليه السلام لعله
عرق نزع يشير إلى أن صفات الأجداد وأجداد الأجداد والجدات قد تظهر في الأبناء
فيأتي الولد يشبه غير أبويه وقد يأتي يشبه أبويه وليس منهم لأن الواطئ الزاني بأمه
كان يشبه أباه أو جدا من أجداده أو خالا من أخواله يشبه أباه الذي ألحقته به
القافة وليس باب له في نفس الأمر وإذا لم
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
الفرق التاسع والأربعون والمائة بين
قاعدة قيافته عليه السلام وبين قاعدة قيافة المدلجين وذلك أنه جاء في البخاري
وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث اللعان المشهور لما لاعن بين
عويمر العجلاني وامرأته وكانت حاملا إن جاءت به أحمر قصيرا كأنه وحرة فلا أراها
إلا قد صدقت وكذب عليها وإن جاءت به أسود أعين ذا أليتين فلا أراه إلا قد صدق
عليها فجاءت به على المكروه من ذلك وفي بعض الروايات في البخاري كان ذلك الرجل
مصفرا قليل اللحم سبط الشعر وكان الذي ادعى عليه أنه وجده عند أهله خدلا آدم كثير اللحم
جعدا قططا فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم بين فجاءت به شبيها بالرجل الذي
ذكر زوجها أنه وجده عندها والوحرة بالحاء المهملة دويبة حمراء تلصق بالأرض
والأعين الواسع العينين والآدم
الشديد الأدمة وهي سمرة بحمرة
والخدل الكثير اللحم في الساقين يقال
رجل خدل وامرأة خدلاء
والقطط الشديد الجعودة كشعور السودان
فهذا الحديث كالحديث الذي جاء في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
لعائشة رضي الله عنها لما قالت أو تجد المرأة ما يجد الرجل يعني من إنزال المني
واللذة الموجبة للغسل فقال لها عليه السلام تربت يداك ومن أين يكون الشبه يقتضي أن
مني المرأة ومني الرجل يحدث شبها في الولد بالأبوين فيأتي في الخلقة والأعضاء
والمحاسن ما يدل على الأنساب فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى على خلقة
مخصوصة أنها توجب أنه من واطئ مخصوص وأنه يوجب النسب إن جاءت به يشبه صاحب الفراش وجاء
في مسلم أن عائشة رضي الله عنها قالت دخل علي
____________________
(3/226)
يطرد ولم ينعكس لم يجز الاعتماد عليه
لأنه من باب الحزر والتخمين البعيد واحتج مالك والشافعي رضي الله عنهما بما في
مسلم قالت عائشة رضي الله عنها دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم مسرورا
فقال يا عائشة ألم تري أن مجززا المدلجي دخل علي فرأى أسامة وزيدا وعليهما قطيفة
قد غطيا رؤسهما وبدت أقدامهما فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض فقال أبو داود كان
أسامة شديد السواد وأبوه شديد البياض فطعنت الجاهلية على زيد بذلك فسر عليه السلام
لعلمه بترك الطعن عند ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسر إلا بسبب حق فتكون
القيافة حقا وهو المطلوب
أجاب الحنفية عن هذا الحديث بوجهين
الأول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتعين أن يكون سر لكون القيافة حقا بل
جاز أن يسر لقيام الحجة على الجاهلية بما كانوا يعتقدونه وإن كان باطلا والحجة قد
تقوم على الخصم بما يعتقده وإن كان باطلا وقد يؤيد الله الحق بالرجل الفاجر وبما
شاء فإخمال الباطل ودحضه يوجب السرور بأي طريق كان الثاني أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم سر بوجوده آية الرجم في التوراة وهو لا يعتقد صحتها بل لقيام الحجة على
الكفار وظهور كذبهم وافترائهم فلم لا يكون هنا كذلك
أجاب الفقهاء
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات
يوم مسرورا فقال يا عائشة ألم تري أن مجززا المدلجي دخل علي فرأى أسامة وزيدا
وعليهما قطيفة قد غطيا رءوسهما وبدت أقدامهما فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض
وسبب سروره صلى الله عليه وسلم كما قال أبو داود وهو علمه بذلك صلى الله عليه وسلم
بترك الجاهلية عند ذلك الطعن على زيد بسبب أنه كان شديد البياض وابنه أسامة كان
شديد السواد ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسر إلا بسبب حق فتكون القيافة حقا فالقافة
كما تثبت بحديث مجزز المدلجي كذلك تثبت بحديث اللعان وحديث عائشة بل ثبوتها بهذين
الحديثين كما قال بعض الفضلاء أولى ضرورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذين
الحديثين قد صرح بالقيافة وصدرت عنه صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا وفي حديث
المدلجي إنما صدر منه صلى الله عليه وسلم الإقرار على ما قاله المدلجي وأين إقرار
النبي صلى الله عليه وسلم على قول رجل من آحاد الناس معرض للصواب والخطأ مما فعله
هو بنفسه وتكرر منه صلى الله عليه وسلم وهو معصوم من الخطأ ومع هذا فمالك والشافعي
رضي الله عنهما لما قالا بالقافة في لحوق الأنساب وخصصه مالك في مشهور مذهبه
بالإماء دون الحرائر مخالفين لقول أبي حنيفة رضي الله عنه لا يجوز الاعتماد على
القافة أصلا في صورة من الصور لأنه حزر وتخمين والحزر والتخمين كالاعتماد على النجوم
وعلى علم الرمل والفأل والزجر وغير ذلك من أنواع الحزر والتخمين لا يجوز والكبرى
لا شك في ظهورها
ودليل الصغرى أن الاستدلال بالخلق
على الأنساب استدلال بما لم يطرد ولم ينعكس إذ مع طول الأيام قد يولد للشخصين من
لا يشبههما في خلق ولا في خلق ألا ترى إلى قوله عليه السلام للذي أنكر ولده من
لونه لعله عرق نزع بعد أن قال له هل لك من إبل قال نعم قال فما ألوانها قال بيض
قال هل فيها من
____________________
(3/227)
عن الأول بما جاء في البخاري وغيره
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث اللعان المشهور لما لاعن بين عويمر
العجلاني وامرأته وكانت حاملا إن جاءت به أحمر قصيرا كأنه وحرة فلا أراها إلا قد
صدقت وكذب عليها وإن جاءت به أسود أعين ذا أليتين فلا أراه إلا قد صدق عليها فجاءت
به على المكروه من ذلك وفي بعض الروايات في البخاري كان ذلك الرجل مصفرا قليل اللحم
سبط الشعر
وكان الذي ادعى عليه أنه وجده عند
أهله خدلا آدم كثير اللحم جعدا قططا فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم بين
فجاءت شبيها بالرجل الذي ذكر زوجها أنه وجده عندها فائدة الوحرة بالحاء المهملة
دويبة حمراء تلصق بالأرض والأعين الواسع العينين والآدم الشديد الأدمة وهي سمرة بحمرة
والخدل الكثير اللحم في الساقين يقال رجل خدل وامرأة خدلاء والقطط الشديد الجعودة
كشور السودان وبما جاء في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة
رضي الله عنها لما قالت أو تجد المرأة ما يجد الرجل يعني من إنزال المني واللذة
الموجبة للغسل فقال لها عليه السلام تربت يداك ومن أين يكون الشبه فدل هذا الحديث
على أن مني المرأة ومني الرجل يحدث شبها في
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
أورق قال نعم قال فمن أين ذلك الأورق
قال لعله عرق نزع قال له عليه السلام لعله عرق نزع يشير إلى أن صفات الأجداد
وأجداد الأجداد والجدات قد تظهر في الأبناء فيأتي الولد يشبه غير أبويه وقد يأتي
الولد يشبه أبويه وليس هو منهما لأن الواطئ الزاني بأمه كان يشبه أباه وجدا من
أجداده أو خالا من أخواله يشبه أباه الذي ألحقته القافة به وليس هو بأب له في نفس
الأمر والاستدلال بما لم يطرد ولم ينعكس من باب الحزر والتخمين البعيد فلا يجوز الاعتماد
عليه لم يحتجا على أبي حنيفة في ثبوت القافة بحديث اللعان وحديث عائشة بل إنما
احتجا بحديث مجزز المدلجي فعدلا عن مدرك في غاية القوة والشهرة إلى ما هو أضعف
بكثير بل لم يعرج أحد من الفقهاء القائلين بصحة القيافة على الاستدلال بالقوي
ألبتة وما ذلك إلا لموجب حسن هو سر الفرق بين القاعدتين المذكورتين وهو أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أعطاه الله تعالى من وفور العقل وصفاء الذهن وجودة
الفراسة أمرا عظيما بينه وبين غيره من أمته في ذلك فرق لا يدانى ولا يقارب وكذلك
في حواسه وقوى جسده وجميع أحواله فكان يرى من وراء ظهره ويرى في الثريا أحد عشر
كوكبا ونحن لا نرى فيها إلا ستة فلو استدل الفقهاء على أبي حنيفة بقيافته عليه
السلام لم تقم الحجة على أبي حنيفة إذ كان له أن يقول إذا صحت القيافة من تلك
الفراسة النبوية القوية المعصومة عن الخطأ فمن أين لكم أن فراسة الخلق الضعيفة
تدرك من الخلق ما يستدل به على الأنساب ولعلها عمياء عن ذلك بالكلية لقصورها ولم
يبق فيها إلا حزر وتخمين باطل كما أنا عمينا في بقية كواكب الثريا لا ندركها ألبتة
لضعفنا والبصر ==
ج6. الفروق أو أنوار البروق في أنواء
الفروق (مع الهوامش )
أبو العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي
القرافي
سنة الولادة بلا/ سنة الوفاة 684هـ
الولد بالأبوين فيأتي في الخلقة
والأعضاء والمحاسن ما يدل على الأنساب وحديث اللعان أيضا يقتضي ذلك فإن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قضى على خلقة مخصوصة أنها توجب أنه من واطئ مخصوص وأنه يوجب
النسب إن جاءت به يشبه صاحب الفراش وإذا استدل عليه السلام بالخلق التي لم توجد
على الأنساب فالأولى ثبوت الدليل بالخلق المشاهد فإن الحس أقوى من القياس وإذا ثبت
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أثبت هذا من قبل نفسه في صورة ليس فيها غرض للمشركين
دل ذلك على أن هذه القاعدة حق في نفسها وأن سروره عليه السلام لم يكن إلا بحق لا
لأجل إقامة الحجة على المشركين
وعن الثاني أن رجم رسول الله صلى
الله عليه وسلم اليهوديين إنما كان بوحي وصل إليه صلى الله عليه وسلم لعدم صحة
التوراة في آية الرجم وتجويز أنها من المحرفات ولا يلزم من إخبار عبد الله بن سلام
أن في التوراة آية الرجم أن يكون ذلك صحيحا لأن عبد الله بن سلام إنما أخبر بأنه
رآها مكتوبة في نسخ التوراة ولم يخبر أنها مروية عنده بالطريق الصحيح إلى موسى بن
عمران عليه السلام ولا يلزم من أن يكون في النسخ شيء مكتوبا أن يكون صحيحا فإن
الإنسان منا يقطع بأنه وجد في كتب التواريخ حكايات وأمورا كثيرة ولا يقضي بصحتها
فكذلك هنا وإذا كان عليه السلام حكم بالوحي فلا يكون ذلك حجة علينا ههنا فإن هذه
الصورة ليس فيها ما يدل على الوحي بل ظاهر الأمر خلافه فظهر بهذه الأحاديث أن هذا
مدرك صحيح يعتمد عليه وليس من باب الحزر
هامش أنوار البروق
صفحة فارغة آليا
هامش إدرار الشروق
وكيف يتأتى لكم ما تقصدونه بهذا
الاستدلال من ثبوت حكم القيافة إلى يوم القيامة
وإذا قال أبو حنيفة ذلك تعذر جوابه
وبطل الاستدلال عليه ألبتة أما إذا استدل الفقهاء عليه بقضية مجزز المدلجي فقد
استدلوا بشيء يمكن وجوده إلى يوم القيامة فإن الأمة يمكن فيها ذلك لا سيما في هذه
القبيلة فكان الاستدلال بذلك على ثبوت الحكم في القيافة إلى يوم القيامة استدلالا
صحيحا بخلاف الأول لتعذر مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومثل فراسته القوية نعم
بحث الحنفية في الاستدلال بحديث مجزز المدلجي بوجهين الأول أنه يجوز أن يكون سروره
صلى الله عليه وسلم لقيام الحجة على الجاهلية بما كانوا يعتقدونه وإن كان باطلا
وقد يؤيد الله الحق بالرجل الفاجر وبما شاء فإخمال الباطل ودحضه يوجب السرور بأي
طريق كان الثاني أن رسول الله صلى الله