السبت، 13 مايو 2023

ج4وج5وج6.كتاب إبراز المعاني من حرز الأماني في القراءات السبع الإمام الشاطبي


ج4وج5وج6.  كتاب إبراز المعاني من حرز الأماني في القراءات السبع الإمام الشاطبي

فيهما يعني فيهما يعني (ولكن البر من آمن-ولكن البر من اتقى) ، والكلام فيهما كما تقدم في (ولكن الشياطين كفروا) ، وهو على حذف مضاف أي بر من آمن-وموص-من أوصى وموص من وصى وقد تقدم أنهما لغتان كأنزل ونزل ، ومعنى الشلشل الخفيف وهو حال من فاعل صح العائد على ثقله أي صح تشديده في حال كونه خفيفا وإنما خف بسبب كثرة نظائره في القرآن المجمع عليها نحو (ووصينا الإنسان-ذلكم وصاكم به-في مواضع-وما وصينا به إبراهيم) ، وأجمعوا أيضا على التخفيف في (يوصيكم الله-و-يوصي بها-و-يوصين-و-توصون) ، في سورة النساء

(500)

وَفِدْيَةُ نَوِّنْ وَارْفَعِ الْخَفْضَ بَعْدُ فِي طَعَامٍ (لَـ)ـدى (غُـ)صْنِ (دَ)نَا وَتَذَلَّلاَ

قراءة نافع وابن ذكوان على إضافة فدية إلى طعام من باب خاتم حديد وقراءة الجماعة على أن طعام بدل من فدية أو عطف بيان ولقرب هذه القراءة من الأفهام جعلها كالغصن الداني المتذلل الذي لا يعجز الضعيف عن نيل ثمره أراد قوله تعالى (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين) ، ثم ذكر الخلاف في جمع مساكين وإفراده وكل من أضاف فدية إلى طعام جمع مساكين ومن لونه أفرد إلا هشاما والله أعلم

(501)

مَسَاكِينَ مَجْمُوعاً وَلَيْسَ مُنَوَّناً وَيُفْتَحُ مِنْهُ النُّونُ (عَمَّ) وَأَبْجَلاَ

مجموعا حال أي عم في حال كونه مجموعا لأن الذين يطيقونه جماعة على كل واحد إطعام مسكين فعلى الجماعة إطعام مساكين وقراءة الباقين بالإفراد على أن المراد وعلى كل واحد إطعام مسكين كقوله تعالى في موضع آخر (فاجلدوهم ثمانين جلدة) ، أي كل واحد منهم فإذا أفرد مسكين كان مكسور النون منونا لأنه مضاف إليه وإذا جمع فتحت النون من غير تنوين لأنه غير منصرف كقناديل ودنانير وحركة النون حركة إعراب على القراءتين والفتح فيها لا ينصرف علامة الجر فلم يمكن التعبير بالنصب لأن الكلمة مجرورة فكان التعبير عنها بالنصب ممتنعا ويقال أبجله الشيء أي كفاه والله أعلم

(502)

وَنَقْلُ قُرَانٍ وَالْقُرَانِ (دَ)وَاؤُنَا وَفِي تُكْمِلُوا قُلْ شُعْبَةُ الْمِيمَ ثَقَّلاَ

أراد نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها كما يفعل حمزة في الوقف قرأها ابن كثير كذلك في الوصل والوقف وعطف قوله والقران بالجر على قران أي نقل هذين اللفظين أراد أن ينص على المنكر والمعرف باللام ومن جملة ما فيه الخلاف -قرآنه- في موضعين في سورة القيامة وقد نص عليه صاحب التيسير وغيره وليس هو واحدا من اللفظين المذكورين في البيت إلا أن يكون قصد ما دخله لام التعريف وما خلا منها ولو أنه قال ونقل قرآن كيف كان أو كيف جاء دواؤنا لكان أعم وأبين وما أحلى هذا اللفظ حيث كان موجها أي ذو وجهين حصل منه بيان القراءة بنقل حركة الهمزة لابن كثير وظاهره أن نقل القرآن وهو قراءته وتلاوته وتعليمه دواء لمن استعمله مخلص من أمراض المعاصي قال النبي صلى الله عليه وسلم خيركم من تعلم القرآن وعلمه ثم قراءة ابن كثير هذه تحتمل أن تكون من باب نقل حركة الهمزة كما ذكر وتحتمل أن تكون من قرنت بلا همز أي جمعت ومنه القران في الحج وصح عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال قرأت على إسماعيل بن قسطنطين وكان يقول القران اسم وليس بمهموز ولم يؤخذ من قرأت ولو أخذ من قرأت كان كل ما قرئ قرآنا ولكنه اسم للقرآن مثل التوراة والإنجيل قال وكان يقول وإذا قرأت القرآن يهمز قرأت ولا يهمز القران ، قلت والقرآن بالهمز مصدر من قرأت كالشكران والغفران والذي في سورة القيامة المراد به المصدر والخلاف فيه أيضا وذلك دليل على أن من لم يهمز نقل حركة الهمز والتسمية بالمصادر كثيرة والله أعلم وكمل وأكمل لغتان فالخلاف في-ولتكملوا العدة-كالخلاف في-ينزل-وفي فأمتعه-ونحو ذلك والميم مفعول ثقل وبقي عليه فتح الكاف لم ينبه عليه وكان له أن يقول لشعبة حرك تكملوا الميم ثقلا أو وفي تكملوا حرك لشعبة أثقلا كما قال في سورة الحج ثم-وليوفوا-فحركه لشعبة أثقلا

(503)

وَكَسْرُ بُيُوتٍ وَالْبُيُوتَ يُضَمُّ (عَـ)ـنْ (حِـ)ـمى (جِـ)ـلَّةٍ وَجْهاً عَلَى الأَصْلِ أَقْبَلاَ

الكلام في عطفه والبيوت كما تقدم في قوله والقران ليجمع بين ما خلا من لام التعريف وبين ما هي فيه والخالي منها تارة يكون معرفة بالإضافة نحو-بيوتكم-و-بيوتهن-و-بيوت النبي-وتارة يكون نكرة منصوبة أو غير منصوبة نحو (فإذا دخلتم بيوتا-في بيوت أذن الله أن ترفع) ، فإذا صح لنا دخول المضاف تحت قوله بيوت صح لنا دخول قرآنه المضاف تحت قوله قران وههنا كان يحسن ذكر الخلاف في الغيوب والعيون وشيوخا وجيوب لأن الباب واحد وقد جمع ذلك ابن مجاهد وغيره هنا وجمعها الناظم في سورة المائدة والأصل ضم أوائل الجميع لأن فعلا يجمع على فعول كفلوس وفروج وقلوب ومن كسر فلأجل الياء وقال الزجاج أكثر النحويين لا يعرفون الكسر وهو عند البصريين رديء جدا لأنه ليس في الكلام فعول بكسر الفاء ذكر ذلك في سورة النور وقال أو على مما يدل على جواز ذلك أنك تقول في تحقير عين وبيت عيينة بييت فكسر الفاء هاهنا لتقريبه من الياء ككسر الفاء من فعول وذلك مما قد حكاه سيبويه قال فكما كسرة الفاء من عيينة ونحوه وإن لم يكن من أبنية التحقير على هذا الوزن لتقريب الحركة مما بعدها كذلك كسروا الفاء من جيوب ونحوها وقوله وكسر بيوت يعني كسر الباء ويضم جر الكسر في اللفظين وجلة جمع جليل كصبية جمع صبي ووجها تمييز لهم أي هم أجلاء الوجوه ويجوز أن تكون حالا من فاعل يضم ويجوز أن يكون مفعولا لحمى أي حموا قراءتهم بالضم عن طعن من طعن في الكسر لكون الضم جاء على الأصل ويجوز أن يكون وجها منصوبا بفعل مضمر أي خذ وجها وقوله على الأصل أقبلا صفة للوجه على الوجوه كلها غير وجه التمييز

(504)

وَلاَ تَقْتُلُوهُمْ بَعْدَهُ يَقْتُلُوكُمُو فَإِنْ قَتَلُوكُمْ قَصْرُهاَ (شَـ)ـاعَ وَانْجَلاَ

أي قصر هذه الألفاظ الثلاثة وهي ، (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم) ، فقراءة المد من قاتل وقراءة القصر من قتل ولا خلاف في قوله-فاقتلوهم-كذلك (أنه من قتل) ، أي لا تبدءوهم بقتل ولا قتال حتى يبدءوكم به ومعنى (فإن قتلوكم فاقتلوهم) ، أي فإن قتلوا منكم أحدا فاقتلوا منهم أي فإن قتلوا بعضكم على حذف مضاف للعلم به كما سيأتي في قراءة (وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير فما وهنوا) ، أي فما وهن من لم يقتل منهم والله أعلم

(505)

وَبِالرَّفْعِ نَوِّنْهُ فَلاَ رَفَثٌ وَلاَ فُسُوقٌ وَلاَ (حَـ)ـقًّا وَزَانَ مُجَمَّلاَ

فلا رفث وما بعده مبتدأ وبالرفع نونه خبره وأضمر قبل الذكر لأن الخبر في نية التأخير فهو كقولك في داره زيد والمعنى نونه بالرفع أي ملتبسا به فيقرأ للباقين بغير تنوين ملتبسا بصورة النصب وهو الفتح وقيل يجوز أن تكون الهاء في نونه ضميرا مبهما قدمه بشرط التفسير وجعل (فلا رفث ولا فسوق) ، تفسيرا له وأتى بقوله ولا بعد قوله فسوق إقامة لوزن البيت وإلا فقوله ولا جدال لا خلاف في فتحه ولا شك أن لا يبني معها اسمها على الفتح إذا كان نكرة ويجوز رفعه إذا كرر وتجوز المغايرة بين ما تكرر من ذلك ففي نحو لا حول ولا قوة إلا خمسة أوجه فعلى هذا جاءت القراءتان وإنما غاير أبو عمرو وابن كثير فرفعا الأولين على أن المراد النهي عنهما وإن أتيا بلفظ الخبر أي فلا يكونن رفث وهو الجماع ولا فسوق وهو السباب أو المعاصي وأما ولا جدال فهو إخبار محض أي قد ارتفع المراء في زمن الحج وفي مواقفه بعد ما كان الاختلاف فيه بين العرب من النسئ ووقوف بعضهم بعرفة وبعضهم بمزدلفة وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه فاشترط عدم الرفث والفسوق ولم يذكر الجدال فدل على أن سياقه في الآية لمعنى آخر غير ما سبق له الرفث والفسوق وهو ما ذكرناه وقراءة الجماعة تحتمل هذا التفريق أيضا ويحتمل أن يكون الجميع منهيا عنه والمراد به مخاصمة الرفقاء والخدم والمكاريين ويحتمل هذا المعنى قراءة أبي عمرو أيضا وتكون على لغة من غاير في الإعراب فقال لا حول ولا قوة والرفع في الآية أقوى منه في الحوقلة لتكرر المرفوع قبل المفتوح وقوله حقا مصدر مؤكد لقوله نونه بالرفع وزان مجملا معطوف على الفعل الذي نصب حقا أي حق ذلك حقا وزان القارئ الذي حمل هذه القراءة لحسن المعنى الذي ذكرناه في التفريق بين الثلاثة والله اعلم

(506)

وَفَتْحُك سِينَ السِّلْمِ (أَ)صْلُ (رِ)ضًى (دَ)نَا وَحَتَّى يَقُولَ الرَّفْعُ فِي الَّلامِ (أُ)وِّلاَ

يعني قوله تعالى (ادخلوا في السلم كافة) ، فتح السين وكسرها لغتان وقد قرئ بهما الذي في الأنفال والقتال على ما سيأتي في الأنفال وقيل الكسر بمعنى الإسلام والفتح بمعنى الاستسلام والمصالحة ولهذا كسر أكثر القراء هنا وفتحوا في الأنفال والقتال لظهور معنى الإسلام في البقرة فظهور معنى المصالحة في غيرها فنافع وابن كثير والكسائي فتحوا الثلاثة وأبو بكر كسر الثلاثة وأبو عمرو وابن عامر وحفص كسروا في البقرة وحدها وحمزة فتح في الأنفال وحدها وأما الرفع في (حتى يقول الرسول) ، فعلى تأويل أن الفعل بمعنى المضي أي حتى قال الرسول أو هي حكاية حال ماضية والفعل إذا كان كذلك ووقع بعد حتى رفع ووجه النصب أن يكون الفعل مستقبلا وإذا كان كذلك نصبته على تقدير إلى أن يقول أو كي يقول على ما عرف في علم النحو والله أعلم

(507)

وَفي التَّاء فَاضْمُمْ وَافْتَحِ الْجِيمَ تَرْجِعُ الأُمُورُ (سَمَـ)ـا نَصَّا وَحَيْثُ تَنَزَّلاَ

ترجع الأمور مبتدأ وما قبله خبره أي وترجع الأمور اضمم تاءه وافتح جيمه فيصير الفعل مبنيا للمفعول لأن الله رجعهن والقراءة الأخرى على تسمية الفاعل كقوله تعالى (كل إلينا راجعون) ، ورجع ثلاثي سواء كان لازما أو متعديا وسما نصا خبر آخر لترجع الأمور ونصا منصوب على التمييز أي سما نصه بهذا وحيث تنزلا عطف على ظرف محذوف أي هنا وحيث تنزل ترجع الأمور أي حيث جاء في سور القرآن والله أعلم

(508)

وَإِثْمٌ كَبِيرٌ (شَـ)ـاعَ بِالثَّا مُثَلَّثًا وَغَيْرُهُمَا بِالَبَاءِ نُقْطَةٌ اسْفَلاَ

القراءتان بمعنى واحد لأن ما كبر فقد كثر وأجمعوا على (أكبر من نفعهما) ، وقيد الثانية بقوله مثلثا والباء بقوله نقطة اسفلا احترازا من التصحيف والتقدير هي ذات نقطة أسفلها على حذف المبتدأ أو التقدير لها نقطة أسفل على حذف الخبر ولو أنه قال نقطة بالنصب لكان حالا من الباء أي ذا نقطة ثم حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ، وقوله وغيرهما بالباء أي يقرأ بالباء والله أعلم

(509)

قُلِ الْعَفْوَ لِلْبَصْرِيِّ رَفْعٌ وَبَعْدَهٌ لأَعْنَتْكُمْ بِالْخُلْفِ أَحْمَدُ سَهَّلاَ

قل العفو مبتدأ ورفع خبره أي ذو رفع والعفو الفضل هنا وهو ما يسهل إخراجه وتقدير وجه الرفع الذي ينفقونه العفو والنصب على تقدير انفقوا العفو وأحمد هو البزي سهل همزة (لأعنتكم) ، بين بين في وجه وليس من أصله تسهيل الهمزة الواحدة في كلمة ففعل ما فعله حمزة في الوقف في وجه لأنها همزة مفتوحة بعد مفتوح فقياس تسهيلها جعلها بين بين كسأل ففي قراءته جمع بين اللغتين وهو نظير إبدال حفص همزة (هزؤا-و-كفؤا) ، واوا في الوصل والوقف كما سبق والله أعلم

(510)

وَيَطْهُرْنَ فِي الطَّاءِ السُّكُونُ وَهَاؤُهُ يُضَمُّ وَخَفَّا (إِ)ذْ (سَمَا) كَيْفَ (عُـ)وِّلاَ

وخفا يعني الطاء والهاء والباقون وهم حمزة والكسائي وأبو بكر فتحوهما وشددوهما لأن السكون مهما جاء مطلقا فضده الفتح والضم ضده الفتح ومعنى كلمات الرمز أن هذه القراءة كيف ما عول في تأويلها فهي سامية رفيعة محتملة للأمرين وهما انقطاع الدم والغسل والقراءة الأخرى ظاهرة في إرادة الاغتسال وأصلها يتطهرن فأدغمت التاء في الطاء أي حتى يغتسلن فتعين حمل القراة الأخرى على هذا المعنى أيضا وفي الحديث الصحيح عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضي عليك الماء فتطهرين وفي رواية فإذا أنت قد طهرت أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح فيكون من قوله حتى يطهرن بهذا المعنى أو تنزل القراءتان منزلة اجتماعهما فكأنه قيل حتى يطهرن ويتطهرن أي حتى يجتمع الأمران وهما انقطاع الدم والاغتسال فأحدهما لا يكفي بدليل ما لو اغتسلت قبل انقطاع الدم فإن ذلك لا يبيح الوطئ فكذا إذا انقطع الدم ولم تغتسل والله أعلم

(511)

وَضَمُّ يَخَافاَ (فَـ)ـازَ وَالْكُلُّ أَدْغَمُوا تُضَارَرْ وَضَمَّ الرَّاءَ (حَقٌّ) وَذُو جَلاَ

قرأ حمزة على ما لم يسم فاعله كيقال فقوله تعالى (أن لا يقيما حدود الله) ، يكون بدلا من ضمير التثنية في-يخافا-وهو بدل الاشتمال كقولك خفيف زيد شره فالخائف غير الزوجين من الولاة والأقارب ونحو ذلك وعلى قراءة الجماعة هما الخائفان وأن لا يقيما مفعول به والخطاب في قوله تعالى (ولا يحل لكم) ، يجوز أن يكون للأزواج وأن يكون للولاء وقوله سبحانه (لا تضار والدة) ، أصله لا تضارر بكسر الراء الأولى أو بفتحها مبنيا للفاعل أو للمفعول على اختلاف في تفسيره والكل صحيح المعنى في الآية أدغمت الراء الأولى في الثانية فمن رفع جعله خبرا بمعنى النهي ومن فتح فهو نهى انجزمت الراء له ففتحت لالتقاء الساكنين كقولك لاتعض زيدا لأن المدغم ساكن ومثله في المائدة (من يرتد منكم)-وقرئ-من يرتدد) ، على الأصل ولم يقرأ هنا تضارر فقوله وضم الراء يعني الراء المشددة الثانية من الراءين المدغمة والمدغم فيها وإنما قال الناظم وضم الراء ولم يقل ورفع الراء لأن القراءة الأخرى بالفتح لأنها حركة بناء فلا بد من الإخلال بإحدى العبارتين وقوله وذو جلا أي ذو جلاء بالمد أي انكشاف وظهور ويروى بفتح الجيم وكسرها وذو جلا ليس برمز وكذا قوله في آخر آل عمران وذو ملا لأن الواو فاصلة ولا تجعل الواو في ذلك كالواو في وحكم صحاب على ما تقدم في شرح الخطبة

(512)

وَقَصْرُ أَتَيْتُمْ مِنْ رِباً وَأَتَيْتمُو هُنَا (دَ)ارَ وَجْهاً لَيْسَ إِلاً مُبَجَّلاَ

(آتيتم من ربا) ، في سورة الروم وهنا (إذا سلمتم ما آتيتم) ، فالقصر بمعنى فعلتم والمد بمعنى أعطيتم وفي دار ضمير يعود على وقصر أتيتم ووجها تمييز أو حال أو مفعول فعل مضمر كما تقدم في قوله وجها على الأصل أقبلا واسم ليس ضمير يعود إلى الوجه والمبجل الموقر يثني على قراءة القصر خلافا لمن عابها وقرأت في حاشية النسخة المقروءة على الناظم رحمه الله إنما قال ليس إلا مبجلا لأن قصره من باب المجئ لا من باب الإعطاء وإنما يتضح بتبجيله مع تفسير سلمتم بالإخلاص من المنة والخصام من قوله سبحانه (مسلمة لا شيه فيها) ، أي سالمة والله أعلم

(513)

مَعاً قَدْرُ حَرِّكْ (مِـ)ـنْ (صَحَابٍ) وَحَيْثُ جَا يُضَمُّ تَمَسُّوهُنَّ وَامْدُدْهُ (شُـ)ـلْشُلاَ

قدر مفعول حرك ومعا حال مقدمة أي حرك قدر وقدر معا أي أنهما اثنان وهما قوله تعالى (على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) ، ويعني بالتحريك فتح الدال لأنه مطلق وقراءة الباقين بإسكانها وهما لغتان وقوله من صحاب يتعلق بمحذوف ذلك المحذوف حال من فاعل حرك أو مفعوله أي آخذا له أو مأخوذا من صحاب أي منقولا عن جماعة ثقات معروفة صحبة بعضهم لبعض وتمسوهن فاعل جاء أي حيث جاء لفظ (تمسوهن) ، وهو في موضعين هنا وثالث في الأحزاب يضم حمزة والكسائي تاءه ويمدان الميم فيصير-تماسوهن-من فاعلت بمعنى فعلت أو هو على بابه والمراد به الجماع على القراءتين لم يختلف في ذلك وإن اختلف في معنى لامستم ولمستم في سورة النساء والمائدة على ما يأتي والشلشل الخفيف وهو رمز ولهذا لم يوهم أنه تقييد للقراءة وإن كان فيها تشديد في السين لأنه لا يقيد إلا بالألفاظ الواضحة لا بالألفاظ المشكلة المعنى والله أعلم

(514)

وَصِيَّةً ارْفَعْ (صَـ)ـفْوَ (حِرْمِيِّهِ رِ)ضىً وَيَبْصُطُ عَنْهُمْ غَيْرَ قُنْبُلِ اعْتَلاَ

وصية مفعول ارفع والهاء في حرميه تعود إلى لفظ وصية أو إلى الرفع الدال عليه ارفع وصفو مبتدأ ورضى خبره أراد-وصية لأزواجهم-رفعها على أنها خبر مبتدأ محذوف أي أمرهم وصية أو على حذف مضاف قبلها أي أهل وصية أو ذوو وصية أو قبل المبتدأ أي وحكم الذين يتوفون وصية أو هي مبتدأ خبرها محذوف قبلها أي عليهم وصية والنصب على المفعول المطلق وهو المصدر أي يوصون وصية وقرأ هؤلاء إلا قنبلا (والله يقبض ويبسط) ، بالصاد والباقون بالسين على ما ذكره في البيت الآتي والكلام في وجه القراءتين نحو ما تقدم في الصراط وقوله ويبصط مبتدأ واعتلا خبره أي اعتلا عن المذكورين غير قنبل وحسن قوله اعتلا أن الصاد من حروف الاستعلاء بخلاف السين ومن خالف جمع بين اللغتين والله أعلم

(515)

وَبِالسِّينِ بَاقِيِهِمْ وَفي الْخَلْقِ بَصْطَةً وَقُلْ فِيهِماَ الوَجْهَانِ قَوْلاَ مُوَصَّلاَ

(في الخلق بصطة) ، مبتدأ محذوف الخبر أي يقرؤه المذكورون بالصاد أيضا أي و (بصطة) ، في الأعراف كذلك ولا خلاف في (بسطة) ، في البقرة أنه بالسين وهو (وزاده بسطة في العلم والجسم) ، إلا ما رواه مكي وغيره من أنه قد جاء عن نافع والكسائي في بعض الطرق بالصاد وروى عن خلاد وابن ذكوان في-يبصط-و-بصطة- الوجهان الصاد والسين ومعنى موصلا منقولا إلينا وذكر في التيسير الخلاف عن خلاد فيهما قال وروى النقاش عن الأخفش هنا بالسين وفي الأعراف بالصاد وقال في غير التيسير ورأيت ابن داود قد رواهما عن أبي سهل عن ابن السفر عن الأخفش بالسين وقرأتهما على أبي الفتح وأبي الحسن جميعا بالصاد ولم يذكر مكي عن خلاد غير السين وعن ابن ذكون غير الصاد قال وروي عن حفص السين والصاد فيهما وبالوجهين قرأت لحفص

(516)

يُضَاعِفَهُ ارْفَعْ فِي الْحَدِيدِ وَههُنَا (سَماَ شُـ)ـكْرُهُ وَالْعَيْنُ في الْكُلِّ ثُقِّلاَ

(517)

(كَـ)ماَ (دَ)ارَ وَاقْصُرْ مَعْ مُضَعَّفَةٍ وَقُلْ عَسَيْتُمْ بِكَسْرِ السِّينِ حَيْثُ أَتى (ا)نْجَلاَ

يريد (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه) ، هنا وفي سورة الحديد وجه الرفع الاستئناف أي فهو يضاعفه أو يكون معطوفا على يقرض ووجه النصب أنه جواب الاستفهام فنصب بأن مضمرة بعد الفاء وابن عامر وابن كثير شددا للعين في جميع هذا اللفظ كيفما دار وذلك معنى قوله والعين في الكلِّ ثقلا كما دار نحو (يضعف لهم-يضعف لها-يضعفه لكم) ، وكذا مضعفة في آل عمران في قوله (أضعافا مضاعفة) ، وهما لغتان ضاعف وضعف واحد وعنى بقوله واقصر حذف الألف والباقون بالمد وتخفيف العين (وعسيتم) ، هنا وفي سورة القتال قراءة نافع بالكسر قال أبو بكر الإدفوي هو لغة أهل الحجاز يكسرونها مع المضمر خاصة والفتح هو الأصل وقال أبو علي وغيره هما لغتان ، قلت وباقي الأفعال الموازنة لعسى لا يختلف حاله مع المضمر نحو-أتى-و-أتيتم-و-رمى-و-رميتم-وأثنى الناظم رحمه الله على رفع-فيضاعفه-بقوله سما شكره أي شكر العلماء له فهو من باب إضافة المصدر إلى المفعول

(518)

دِفَاعُ بِهاَ وَالْحَجِّ فَتْحٌ وَسَاكِنٌ وَقَصْرٌ (خُـ)ـصُوصًا غَرْفَةً ضَمَّ (ذُ)و وِلاِ

أراد (ولولا دفع الله الناس) ، هنا وفي سورة الحج والفتح في الدال والسكون في الفاء والقصر حذف الألف وهو مصدر دفع ودفاع كذلك مثل كتبت كتابا أو مصدر دافع بمعنى دفع نحو-قاتلهم الله-أي قتلهم الله ، قال أبو ذؤيب فجمع بين اللغتين ، (ولقد حرصت بأن أدافع عنهم وإذا المنية أقبلت لا تدفع) ، وأراد ذو فتح وقصر ولهذا توسط بينهما قوله وساكن فكأنه قال مفتوح ساكن مقصور وخصوصا مصدر ويأتي الخلاف في (إن الله يدافع) ، في سورة الحج (غرفة) ، بالفتح المصدر وبالضم المغروف وذو ولاء بالمد أي ذو نصرة للضم أي ضمه من هذه صفته والله أعلم

(519)

وَلاَ بَيْعَ نَوَّنْهُ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةَ وَارْفَعْهُنَّ (ذَ)ا (أُ)سْوَةٍ تَلاَ

أي متأسيا بمن سبق والكلام فيهن كما سبق في (فلا رفث ولا فسوق) ، غير أن الرفع هنا في الثلاث وثم في اثنتين والذين رفعوا هنا فتحو ثم وبالعكس والنفي هنا خبر محض وثم نفى بمعنى النهي والله أعلم

(520)

وَلاَ لَغْوَ لاَ تَأْثِيمَ لاَ بَيْعَ مَعْ وَلاَ خِلاَلَ بِإِبْرَاهِيمَ وَالطُّورِ وُصِّلاَ

أي وكذلك الخلاف في (لا لغو فيها ولا تأثيم) ، في سورة الطور و(لا بيع فيه ولا خلال) ، في سورة إبراهيم عليه السلام

(521)

وَمَدُّ أَناَ في الْوَصْلَ مَعْ ضَمِّ هَمْزَةٍ وَفَتْحٍ (أَ)تَى وَالْخُلْفُ في الْكَسْرِ (بُـ)ـجِّلاَ

يريد (أنا أحي-أنا أقل منك مالا-إن أنا إلا نذير) ، كلهم يثبت بالألف في الوقف وأثبتها في الوصل نافع وحده وحذفها في الوصل هو الفصيح وقال الإدفوي وإثباتها لغة بعض بني قيس وربيعة قال الأعشى ، (فكيف أنا وانتحالي القوافيا ) ، وقال الآخر ، (أنا سيف العشيرة فاعرفوني ) ، وخص نافع بالإثبات ما بعده همزة مضمومة أو مفتوحة وفيما بعده همزة مكسورة خلاف عن قالون والمشهور عنه الحذف وهو ثلاثة مواضع في الأعراف والشعراء والأحقاف ولا خلاف في قصر نحو (أنا خير منه) والله أعلم

(522)

وَنُنْشِزُهَا (ذَ)اكٍ وَبِالرَّاءِ غَيْرُهُمْ وَصِلْ يَتَسَنَّهْ دُونَ هَاءٍ (شَـ)ـمَرْدَلاَ

ننشزها بالزاي من النشز وهو الرفع يعني تركيب العظام بعضها على بعض وذاك معناه واضح بين من ذكت النار أي اشتعلت أو من ذكا الطيب إذا فاح-و-ننشرها-بالراء نحييها من أنشر الله الموتى أي أحياهم فهو موافق لقوله تعالى (قال من يحيى العظام وهي رميم قل يحييها) ، ويقال راء بالهمز كسائر الحروف من نحو ياء وحاء وطاء وفاء وهاء وأخواتها التي على صورتها خطا وأما التي على صورة الزاي فآخر اسمها ياء في اللغة الفصيحة وهي الزاي ، فإن قلت من أين يعلم من نظم هذا البيت أن القراءة الأولى بالزاي المنقوطة قلت من جهة أنه بين قراءة الباقين بالراء المهملة وقد لفظ بالأولى ولا يمكن أن يصحف الراء إلا بالزاي إذ ليس لنا حرف على صورتها في الخط غيرها ، فإن قلت فلقائل أن يقول لعله ابتدأ الكلمة بالمهملة ثم قال وبالزاي غيرهم يعني المنقوطة ، قلت قد تقدم جواب هذا وهو أنه اعتمد في ذلك على ما هو الأفصح في لغة الزاي ولهذا استغنى الأمير أبو نصر بن ماكولا في كتاب الإكمال في ضبط الأسماء بلفظ الزاي والراء ولا يقيد بنقط ولا إهمال للمغايرة بينهما في الخط وغيره من المصنفين وغيره من المصنفين يقيد ذلك زيادة في البيان ، قوله وصل-يتسنه-أي إذا وصلتها بما بعدها فاحذف الهاء لحمزة والكسائي دون غيرهما وأما في الوقف فثباته للجميع ، لثبوتها في رسم المصحف ووجه حذفها في الوصل أنها هاء السكت وهذا حكمها ووجه إثباتها في الوصل أنه وصل بنية الوقف إن قلنا إنها للسكت أو يقال هي من أصل الكلمة وسكنت للجزم ومعنى لم يتسنه ، لم تغيره السنهات وأصل سنة سنهة فمنهم من يصغرها على ذلك فيقول سنيهة ويقولون سانهت وفي الجمع سنهات ومنهم من يقول سانيت وسنية وسنوات فلا يأتي بالهاء فقراءة الحذف من هذه اللغة وقراءة الإثبات من اللغة الأولى والشمردل الخفيف وهو حال من يتسنه لأنه خف بحذف الهاء والشمردل أيضا الكريم فيكون حالا من الضمير المرفوع في صل والله أعلم

(523)

وَبِالْوَصْلِ قَالَ اعْلَمْ مَعَ الْجَزْمِ (شَـ)ـافِع فَصُرْهُنَّ ضَمُّ الصَّادِ بِالْكَسْرِ (فُـ)ـصِّلاَ

قال اعلم مبتدأ وشافع خبره أي هو ذو شفع بالوصل مع الجزم أي جمع بين همزة الوصل مع إسكان آخره على أنه فعل أمر أو يكون معنى شافع من الشفع بمعنى الزيادة لأنه زاد على ما تقدم من أفعال الأمر نحو (فانظر إلى طعامك)-(وانظر إلى حمارك)-(وانظر إلى العظام) ، أي اعلم بما عاينت قدرة الله على ما لم تعاين والآمر له هو الله تعالى ويجوز أن يكون هو آمرا نفسه كما قال سحيم ، (عميرة ودع إن تجهزت غاديا ) ، فيكون موافقا لقراءة الجماعة بالإخبار عن نفسه فهو بهمزة القطع والرفع ، فإن قلت من أين يلزم إذا كانت همزة قطع أن تكون مفتوحة لا مضمومة ، قلت لأنه فعل أمر من ثلاثي فهمزة قطعه بالفتح سواء وقف على قال أو وصلها بها ومن قرأ بالأمر ووقف على قال ابتدأ بهمزة مكسورة وكان ينبغي أن يبين ذلك كما بين الضم في لفظ (اشدد) ، في سورة طه فقال وضم في ابتدا غيره ولو بينه لأخذ ضده وهو الفتح لقراءة الباقين وعنى بالوصل الإتيان بهمزة الوصل وجعل آخرا علم مجزوما ليؤخذ ضد الجزم عنده وهو الرفع للقراءة الأخرى ولو لفظ موضع الجزم بالسكون للزم أن تكون القراءة الأخرى بالفتح وقد نظمت بدل هذا البيت ضاما إليه البيت الذي فيه خلف ربوة في بيتين يتضمنان إيضاح القراءتين في قال اعلم ويتأخر بيت وجزءا بعدهما ولا يضر ذلك فإن ربوة مقدمة في التلاوة على أكلها فقلت ، (وصل همز قال اعلم مع الجزم وابتدا بكسر شفا واكسر فصرهن فيصلا) ، (وضم لباق وافتحوا ضم ربوة على الراهنا والمؤمنين ندكلا) ، وصرهن بالضم والكسر لغتان ومعناه الإمالة والتقطيع يقال صاره يصيره ويصوره في المعنيين وقيل الكسر للقطع والضم للإمالة وقوله فصلا ، أي بين معنى الضم بقراءة الكسر لأن الكسر متمحض للتقطيع عند بعضهم والضم يحتمل التقطيع والإمالة والله أعلم

(524)

وَجُزْءاً وَجُزْءٌ ضَمَّ الإِسْكَانَ (صِـ)ـفْ وَحَيْثُماَ أُكْلُهَا (ذِ)كْراً وَفي الْغَيْرِ (ذُ)و (حُـ)ـلاَ

أي وجزء المنصوب وغير المنصوب وإنما قدم ذكر المنصوب لأنه هو الذي في سورة البقرة في قوله تعالى (ثم اجعل على كل جبل منهن جزأ) ، فكان هو الأصل وأتبعه ما ليس بمنصوب نحو (جزء مقسوم) ، وإنما حافظ على لفظ المنصوب هنا دون صراط وقران وبيوت كما تقدم لأنه اكتفى في تلك بضبطها بدخول لام التعريف فيها وخلوها منها واجتزأ هنا بتعداد اللفظين المختلفين خطا لما لم تأت لام التعريف في واحدة منهما فهو مثل-شيء-و-شيئا-وقد تقدم البحث فيه في باب نقل الحركة ، وقوله صف أي اذكره أي صف ضم الإسكان فيهما وقد سبق أن مثل هذا فيه لغتان الضم والإسكان وقوله حيثما أكلها أي وحيثما أكلها موجود فصف ضم إسكانه أيضا لمدلول الذال من ذكرى نحو (فآتت أكلها ضعفين)-(أكلها دائم وظلها)و( ذكرى) ، مصدر من معنى صف لأن الواصف ذاكر أو يكون في موضع الحال أي صف ذاكرا أو مذكرا أو لأجل الذكرى أو هذه ذكرى ، وقوله وفي الغير يعني في غير أكلها مما هو من لفظه إلا أنه لم يصف إلى ضمير المؤنث نحو (أكل خمط)-(مختلفا أكله)-(ونفضِّل بعضها على بعض في الأكل) ، زاد معهم أبو عمرو على الضم لخفة هذا وثقل ما فيه ضمير المؤنث وذو حلا خبر مبتدإ محذوف يتعلق به في الغير أي والضم في غير ذلك ذو حلا أي صاحب زينة وحلية والله أعلم

(525)

وَفي رُبْوَةٍ فِي الْمُؤْمِنِينِ وَههُناَ عَلَى فَتْحِ ضَمِّ الراءِ (نَـ)ـبِّهْثُ (كُـ)ـفِّلاَ

يريد قوله (كمثل جنة بربوة)-(وآويناهما إلى ربوة) ، والفتح والضم في الراء لغتان ويقال أيضا بكسر الراء وكفلا جمع كافل وهو الضامن والذي يعول غيره وكنى به عن طالب العلم وخدمه

(526)

وَفي الْوَصْلِ لِلْبَزِّيِّ شَدِّدْ تَيَمَّمُوا وَتَاءَ تَوَفَّى فِي النِّسَا عَنْهُ مُجْمِلاَ

مجملا حال من الضمير في شدد أو من الهاء في عنه وهو من أجمل إذا أتى بالجميل وقوله في الوصل لأن قراءة البزي هذه لا تمكن في الوقف لأنه يشدد التاء في أوائل هذه الكلم الآتي ذكرها والحرف المشدد معدود حرفين أولهما ساكن والابتداء بساكن غير مقدور عليه فخص التشديد بحالة الوصل لتتصل التاء بما قبلها وهذا التشديد إنما هو إدغام تاء في مثلها لأن هذه المواضع التي وقع التشديد في أوائلها هي أفعال مضارعة أولها تاء المضارعة ثم التاء التي من نفس الكلمة فأدغم البزي الأولى في الثانية وغيره حذف إحدى التاءين تخفيفا ثم هذه التاءات على ثلاثة أقسام منها ما قبله متحرك كالذي في النساء (إن الذين توفاهم الملائكة) ، ومنها ما قبله حرف مد مثل (ولا تيمموا الخبيث) ، فالتشديد في هذين القسمين سائغ إذ لم يجتمع ساكنان على غير حدهما فإن (ولا تيمموا-مثل-دابة) ، فتمد الألف لذلك والقسم الثالث ما قبله ساكن صحيح نحو (هل تربصون) ، فهذا في إدغامه جمع بين الساكنين على غير حدهما وسيأتي الكلام عليه ومن المصنفين من يذكر هذه التاءات في باب الإدغام وهذا التشديد وارد في أحد وثلاثين موضعا بلا خلاف عن البزي وله موضعان مختلف عنه فيهما سيذكرهما بعد الفراغ من المتفق عليه له وقد قال مكي في التبصرة وقد روى عن البزي أنه شدد هذا وما كان مثله في جميع القرآن قال والمعول عليه هذه المواضع بعينها وقد ذكر الناظم منها في هذا البيت موضعين ثم أخذ في ذكر الباقي فقال

(527)

وَفي آلِ عِمْرَانٍ لَهُ لاَ تَفَرَّقُوا وَالأَنْعَامُ فِيهاَ فَتَفَرَّقَ مُثِّلاَ

يريد (ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم)-(فتفرق بكم عن سبيله) ، ولفظ به على صفة قراءة البزي له بالتشديد ولم يلفظ بغيره على ذلك إلا قوله (لتعارفوا) ، وهو ممكن قراءته على رواية البزي وعلى غيرها وفاعل مثلا ضمير عائد على البزي يعني مثله أي أحضره لك وأظهره ولا تفرقوا مثل ولا تيمموا والتاء في فتفرق بعد متحرك فكل هذا تشديده مستقيم

(528)

وَعِنْدَ الْعُقُودِ التَّاءُ في لاَ تَعَاَوَنُوا وَيَرْوِى ثَلاَثاَ فِي تَلَقَّفُ مُثَّلاَ

مثلا جمع ماثل من قولهم مثل بين يديه إذا قام وهو نعت ثلاثا أي روى التشديد في ثلاث متشخصات من لفظ تلقف وذلك في الأعراف وطه والشعراء وكلها بعد متحرك ولا تعاونوا مثل ولا تيمموا

(529)

تَنَزَّلُ عَنْهُ أَرْبَعٌ وَتَنَاصَرُونَ نَارًا تَلَظَّى إِذْ تَلَقَّوْنَ ثقِّلاَ

في الحجر (ما ننزل الملائكة) ، وفي الشعراء موضعان (على من تنزل الشياطين تنزل) ، وفي القدر من (ألف شهر تنزل) ، وفي الصافات (ما لكم لا تناصرون) ، فالذي في الحجر (وما لكم لا تناصرون) ، مثل ولا تيمموا والثاني من تنزل في الشعراء بعد متحرك فتشديد هذه الثلاثة جيد وأما الأول في الشعراء والذي في القدر (نارا تلظى)و(إذ تلقونه) ، فممتنع ذلك فيها لأنها بعد ساكن قال مكي وقوع الإدغام في هذا قبيح صعب ولا يجيزه جميع النحويين إذ لا يجوز المد في الساكن الذي قبل المشدد ، قال وقد قال بعض القراء فيه إنه إخفاء وليس بإدغام وهذا أسهل قليلا من الإدغام لأن الإخفاء لا تشديد فيه

(530)

تَكَلَّمُ مَعْ حَرْفَيْ تَوَلَّوْا بِهُودِهاَ وَفي نُورِهَا وَالاِمْتِحاَنِ وَبَعْدَلاَ

يريد (لا تكلم نفس) ، في هود وفيها-تولوا-في موضعين أحدهما في أولها (فإن تولوا فإني أخاف) ، والآخر في قصة عاد وفي النور (فإن تولوا فإنما عليه ما حمل) ، وفي الممتحنة (أن تولوهم) ، فقوله لا تكلم مثل-ولا تيمموا-والبواقي في إدغامها جمع بين ساكنين ثم قال وبعد لا يعني لفظ-تولوا-جاء أيضا مشددا بعد حرف لا ثم ذكر مكانه فقال

(531)

في الأَنْفَالِ أَيْضًا ثُمَّ فِيهَا تَنَازَعُوا تَبَرَّجْنَ في الأَحْزَابِ مَعْ أَنْ تَبَدَّلاَ

يعني (ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون) ، وفي القرآن غير ذلك من لفظ تولوا ولم يشدد لأنه ماض نحو ما في سورة المائدة (فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله) ، والذي في آل عمران (فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين) ، وكذا الذي في آخر براءة ، (فإن تولوا فقل حبسي الله) ، يحتمل الوجهين ولكن لم يذكر في التاءات المشددة وفي الأنفال أيضا (ولا تنازعوا فتفشلوا)-(ولا تبرجن) ، فهذه الثلاثة من قبيل-ولا تيمموا-وأما (ولا أن تبدل بهن) ، فمن قبيل اجتماع الساكنين فهذه تسعة مواضع ثم ذكر العاشر فقال

(532)

وَفي التَّوْبَةِ الْغَرَّاءِ هَلْ تَرَبَّصُونَ عَنْهُ وَجَمْعُ السَّاكِنَيْنِ هُنَا انْجَلَى

قال الشيخ وقوله وجمع الساكنين أراد به وجمعنا للساكنين في النظم هنا انجلا أي انكشف وذهب لأن انقضاءه في النظم وقع هاهنا وهي ثمانية مواضع فذكرها وإن تولوا-فإن تولوا في هود وفي النور (فإن تولوا)-(إذ تلقونه)-(على من تنزل)-(نارا تلظى)-(شهر تنزل)-(هل تربصون) ، وبقي عليه اثنان (أن تبدل بهن)-(أن تولوهم) ، وذكرها غيره تسعة فأسقط-أن تبدل-وإنما هي عشرة في هذا البيت واحدة وفي الذي قبله واحدة وفي كل واحدة من البيتين قبلهما أربعة وقد بينا كلا في موضعه ، قال أو يكون قوله هنا أي في هذه القراءة ، قلت على هذا المعنى يحتمل أن يكون الناظم أشار إلى عسر هذه القراءة وعدم تحقق النطق بالتشديد مع وجود الساكن الصحيح قبل التاء كما أشار إلى ذلك في آخر باب الإدغام الكبير أي انكشف أمره وبان عسره وظهر تعذره وعلى الوجه الأول يكون المعنى أن المواضع التي يلزم من تشديدها الجمع بين الساكنين قد ذكرت فيما تقدم وفرغ منها هنا وليس يفهم من ذلك أنه ذكرها مرتبة بل تفرق ذكرها في أثناء المواضع ولكلامه هذا فائدة جليلة سيأتي ذكرها بعد شرح بيتين آخرين ثم تمم ذكر التاءات ولم يبق إلا ما هو بعد متحرك أو حرف مد فقال

(533)

تَمَيَّزَ يَرْوِي ثُمَّ حَرْفَ تَخَيَّرُونَ عَنْهُ تَلَهَّى قَبْلَهُ الْهَاءَ وَصَّلاَ

يعني (تكاد تميز)-(لما تخيرون)-(فأنت عنه تلهى) ، ولا يمنع تشديد التاء من صلة الهاء في عنه بواو على أصله بل يصل ويشدد فيقع التشديد بعد حرف مد هو الواو فيبقى مثل-ولا تيمموا-فهذا معنى قوله قبله الهاء وصلا أي وصل الهاء بواو وتمم الناظم البيت بذلك زيادة في البيان خوفا من ترك الفطن لذلك كما أنه يترك الصلة في نحو-لعلمه الذين-ويستظهر بقول الناظم ولم يصلوا ها مضمر قبل ساكن وقد تقدم الفرق بينهما في سورة أم القرآن في شرح قوله ومن دون وصل ضم ها قبل ساكن وفي أول باب هاء الكناية وقد ذكر مكي-عنه تلهى-في جملة ما قبله حرف مد ولولا الصلة لعده في جملة ما قبله متحرك والله أعلم

(534)

وَفي الْحُجُراتِ التَّاءُ فِي لِتَعَارَفُوا وَبَعْدَ وَلاَ حَرْفَانِ مِنْ قَبْلِهِ جَلاَ

يريد قوله تعالى (ولا تجسسوا)-(ولا تنابزوا ) ، فهذان موضعان كل واحد منهما بعد لفظ ولا وهما من قبل قوله-وقبائل لتعارفوا- والكل في سورة الحجرات وقوله جلا ليس برمز لورش فهو موهم ذلك فإن جميع الأبيات يقيد فيها بأنها عنه أوله ويروى فيفهم عود ذلك إلى البزي وكل بيت خلا من شيء من ذلك لم يكن فيه ما يوهم رمزا لأنه مجرد تعداد المواضع فيكون القيد فيما بعدها شاملا للجميع كقوله تكلم في الأنفال البيتين فإن الجميع تقيد بقوله في البيت الآخر (هل تربصون) ، عنه فإن قلت فهذا البيت أيضا قد تقيد في البيت بعده من قوله عنه على وجهين قلت تكون الهاء في عنه عائدة على مدلول جلا فالإيهام باق بحاله بخلاف ما تقدم فإنه لم يسبقه ما يوهم الرمز به والضمير في جلا لقوله (لتعارفوا) ، أي كشف عن الحرفين اللذين قبله بدلالته عليهما فهذا آخر الكلمات المعدودة أحدا وثلاثين المشددة للبزي بلا خلاف منها سبعة بعد متحرك وأربعة عشر بعد حرف مد وعشرة بعد ساكن صحيح والذي قبله حرف مد منه واحد بعد الواو وهو-عنه تلهى- وثلاثة عشر بعد الألف ثم ذكر له موضعين آخرين اختلف عنه فيهما فقال

(535)

وَكُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الَّذِي مَعْ تَفَكَّهُونَ عَنْهُ عَلَى وَجْهَيْنِ فَافْهَمْ مُحَصِّلاَ

يعني (ولقد كنتم تمنون الموت) ، في آل عمران ، (فظلتم تفكهون) ، في الواقعة ويصل الميم قبل ذلك كما تقدم في (عنه تلهى) ، فيبقى من قبيل-ولا تيمموا ، فإن قلت لم ينص الناظم على صلة الميم قلت لا حاجة إلى ذلك فإنه معلوم من موضعه ولو لم ينص على صلة (عنه تلهى) ، لما احتيج إلى ذلك كما سبق ولهذا لم يذكر في التيسر صلة شيء من ذلك اتكالا على ما علم من مذهبه ومن المشتغلين بهذه القصيدة من يظن أنه لا صلة في الميمين لعدم نص الناظم عليها وذلك وهم منه والناظم وإن لم يصرح بالصلة فقد كنى عن ذلك بطريق لطيف لمن كان له لب وفهم مستقيم وذلك أنه لو لم تكن هنا صلة لأدى التشديد إلى جمع الساكنين على غير حدهما وقد قال الناظم فيما قبل ، وجمع الساكنين هنا انجلا ، وكان من هذه العبارة وجود الصلة في هذه الميم تصديقا لقوله إن اجتماع الساكنين قد انقضى عند قوله (قل هل تربصون) ، وما أدري ما وجه الخلاف في تشديد هاتين التاءين وليت الخلاف كان عند وجود الساكنين وإلى مثل هذه الدقائق والمعاني أشار بقوله فافهم محصلا أي في حال تحصيل واشتغال وبحث وسؤال لا في حال كلال وملال وعدم احتفال والحمد لله على كل حال

(536)

نِعِمَّا مَعاً في النُّونِ فَتْحٌ (كَـ)ـمَا (شَـ)ـفَا وَإِخْفَاءِ كَسْرِ الْعَيْنِ (صِـ)ـيغَ (بِـ)ـهِ (حُـ)ـلاَ

معا يعني هنا وفي النساء فالذي هنا-إن تبدوا الصدقات فنعما هي-والذي في سورة النساء-إن الله نعما يعظكم به-وكذلك حيث ذكر الناظم معا فإن معناه أن هذا الحرف في موضعين أحدهما أو كلاهما في هذه الصورة كما قال معا قد حرك فإن كان الحرف في أكثر من موضعين لم يقل معا بل يقول حيث أتى أو جميعا أو الكل ونحو ذلك ولو قال معا في الزائد على الاثنين لكان سائغا في اللغة وقد سبق تقريره في باب الهمز المفرد ولكنه فرق بين المعنيين بذلك وليس بحتم أن يقول معا في موضعي الخلاف بل قد يأتي بعبارة أخرى نحو قوله وفي لام لله الأخيرين حذفها (عسيتم) ، بكسر السين حيث أتى انجلا وهو في موضعين فقط كما مر ذكره فإن كان الخلاف في موضعين لكلمة واحدة وتلك الكلمة قد جاءت على أحد الوجهين في موضع ثالث بلا خلاف لم يقل فيه معا لأنه لا يفهم من ذلك موضع الخلاف من موضع الاتفاق بل ينص على موضعي الخلاف كقوله وكسرك (سخريا) ، بها وبصادها لأن الكلمة قد جاءت أيضا في الزخرف ولكنها مضمومة بلا خلاف واعلم أن (نعما) ، كلمتان كتبتا متصلتين والتقى المثلان فأدغمت الميم في الميم واتفق القراء على الإدغام موافقة لخط المصحف فإنهما كتبتا بميم واحدة وهذا موضع اتفق عليه من باب الإدغام الكبير لأن الميم من نعم متحركة مفتوحة وقد أدغمت في الميم من ما الداخلة عليها وكان الأصل نعم ما كما تقول بئس ما ولما أريد الإدغام لم يمكن مع سكون العين قبلها فكسرت فمن القراء من أشبع الكسر في الموضعين معا وهم ابن كثير وورش وحفص وكل من فتح النون ومنهم من أخفى الكسر واختلسه تنبيها على أن أصل هذه العين السكون وهم أبو عمرو وقالون وأبو بكر ، وما أحسن ما عبر عنهم الناظم بقوله صيغ به حلا وباقي القراء وهم ابن عامر وحمزة والكسائي فتحوا النون وكسروا العين وهذه هي اللغة الأصلية في هذا الفعل كحمد وعلم ثم سكن عينه تخفيفا لكثرة استعماله ونقلت كسرة العين إلى النون فصارت هذه هي أفصح

اللغات فيه كما قال تعالى في موضع لا يتصل به ما (نعم العبد) ، فلما اتصلت به ما وجب الإدغام لأجل الخط ولزم كسر العين لأجل الساكنين بقيت كسرة النون على حالها ومن فتحها عدل عن اللغة الأصلية ليأتي بالكسر الأصلي للعين ولا يحتاج إلى كسر لالتقاء الساكنين ويجوز أيضا في اللغة أن يقال في نعم المجردة عن كلمة ما نعم بكسر النون والعين ونعم بفتح النون وسكون العين نص على ذلك أبو جعفر النحاس وغيره وقد ذكر بعض المصنفين في القراءات إسكان العين مع الإدغام وذلك غير مستقيم في التحقيق ونسبه صاحب التيسير إلى من حكى لهم الإخفاء هنا فقال قالون وأبو بكر وأبو عمرو بكسر النون وإخفاء حركة العين ويجوز إسكانها وبذلك ورد النص عنهم والأول أقيس ، قلت ولم يعرج الناظم على هذه الرواية وترك ذكرها كما ترك ذكر نظيرها في (لا تعدوا في السبت) ، كما يأتي وأصاب في ذلك قال مكي في التبصرة وقد ذكر عنهم الإسكان وليس بالجائز وروى عنهم الاختلاس وهو حسن قريب من الإخفاء وقال في الكشف روى عن أهل الإخفاء الاختلاس وهو حسن وروى الإسكان للعين وليس بشيء ولا قرأت به لأن فيهما جمعا بين ساكنين ليس الأول حرف مد ولين وذلك غير جائز عند أحد من النحويين وقال أبو علي من قرأ (فنعما) ، بسكون العين لم يكن قوله مستقيما عند النحويين لأنه جمع بين ساكنين الأول منهما ليس بمد ولين وقد أنشد سيبويه شعرا قد أجتمع فيه الساكنان على حد ما اجتمعا في نعما وأنكره أصحابه قال ولعل أبا عمرو أخفا ذلك كأخذه بالإخفاء في نحو (بارئكم-و-يأمركم) ، فظن السامع الإخفاء إسكانا للطف ذلك في السمع وخفائه وقال أبو جعفر النحاس فأما الذي حكى عن أبي عمرو ونافع من إسكان العين فمحل ، حكى عن محمد بن يزيد أنه قال أما إسكان العين والميم مشددة فلا يقدر عليه أحد أن ينطق به وإنما يروم الجمع بين ساكنين ويحرك ولا يأبه أي لا ينتبه للتحريك ولا يفطن به ، وقد اختار قراءة الإسكان الإمام أبو

عبيد القاسم بن سلام وهو من عجيب اختياراته فذكر قراءة الإسكان في كتابه أولا ثم ذكر قراءة فتح النون وكسر العين ثم قال وبالقراءة الأولى قرأت لأنها فيما يروى لغة النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لعمرو بن العاص نعما المال الصالح للرجل الصالح ، قال هكذا يروى عنه صلى الله عليه وسلم على هذا اللفظ قال ثم أصل الكلمة أيضا إنما هي نعم زيدت فيها ما وإنما قرأ تلك القراءة الأخرى من قرأها لكراهة أن يجمعوا بين ساكنين العين والميم فحركوا العين قال وهو مذهب حسن في العربية ولكنه على خلاف الحديث والأصل جميعا ، قال أبو إسحاق الزجاج بعد ذكره كلام أبو عبيد ولا أحسب أصحاب الحديث ضبطوا هذا ولا هذه القراءة عند البصريين النحويين جائزة البتة لأن فيها الجمع بين ساكنين مع غير حرف مد ولا لين ، قلت صدق أبو إسحاق فكما قيل عمن روى قراءة الإسكان إنه سمع الإخفاء فلم يضبط كذلك القول في رواة الحديث بل أولى لكثرة ما يقع في الأحاديث من الروائق على خلاف فصيح اللغة وقد أخرج هذا الحديث الحاكم في كتابه المستدرك وقال في آخره يعني بفتح النون وكسر العين هذا حديث صحيح ، قلت والحديث بتمامه مذكور في ترجمة عمرو بن العاص في تاريخنا الشامي وغيره والباء في بالمال زائدة مثلها في (وكفى بالله شهيدا) والله أعلم

(537)

وَيَا وَنُكَفِّرْ (عَـ)ـنْ (كِـ)ـرَامٍ وَجَزْمُهُ (أَ)تَى (شَـ)ـافِيًا وَالْغَيْرُ بِالرَّفْعِ وُكِّلاَ

يعني أن حفصا وابن عامر بالياء والباقون بالنون وهي ظاهرة وأما الياء فإخبار عن الله أو عن المذكور وهو الإخفاء ولإيتاء الذي دل عليه قوله تعالى (وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم) ، أي هذا الفعل خير لكم وهو يكفر عنكم وجزم الراء من القراء نافع وحمزة والكسائي لأنه معطوف على موضع (فهو خير لكم) ، وموضعه جزم على جواب الشرط وسيأتي مثل ذلك في الأعراف (من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم) ، قرئ بالياء والنون والجزم والرفع والأكثر ثم على الياء والرفع ووجه الرفع فيهما الاستئناف واستقل الجواب بما قبل ذلك وقوله والغير بالرفع زيادة في البيان لم تدع إلى ذكر ضرورة لأن الرفع ضد الجزم كما أن النون ضد الياء فكما لم يذكر النون كان له أن لا يذكر الرفع والله أعلم

(538)

وَيَحْسَبُ كَسْرُ السِّينِ مُسْتَقبَلاً (سَمَا) (رِ)ضَاهُ وَلَمْ يَلْزَمْ قِيَاساً مُؤَصَّلاَ

مستقبلا حال من يحسب ولولا هو لما كان الخلاف إلا في الذي في سورة البقرة فقط (يحسبهم الجاهل أغنياء) ، فقال مستقبلا ليشمل كل فعل مستقبل في القرآن سواء كان بالياء وأو بالتاء متصلا به ضمير أو غير متصل نحو (أيحسب الإنسان)-(أم تحسب أن أكثرهم)-(ولا تحسبن)-(وهم يحسبون)-(فلا تحسبنهم) ، ولو قال موضع مستقبلا كيف أتى كان أصرح لكنه خاف أن يلتحق بذلك الفعل الماضي نحو (وحسبوا ألا تكون فتنة)-(أحسب الناس أن يتركوا) مما لا خلاف في كسره وكسر السين مبتدأ ثان والعائد إلى المبتدأ الأول وهو يحسب محذوف تقديره كسر السين منه وسما رضاه خبره والكسر والفتح في ذلك لغتان مشهورتان والفتح هو الجاري على القياس لأن ماضيه مكسور السين والغالب على الأفعال التي ماضيها كذلك أن مستقبلها بالفتح كعلم يعلم وشرب يشرب ، وأما إتيان المستقبل بالكسر كالماضي فخارج عن القياس ولم يأت إلا في أفعال يسيرة منها حسب ونعم وبئس فهذا معنى قوله ولم يلزم قياسا مؤصلا أصلته العرب وعلماء العربية وفاعل يلزم ضمير يرجع على يحسب أي لو لزم القياس لكانت سينه مفتوحة واختار أبو عبيد قراءة الكسر وذكر حديثا عن لقيط بن صبرة قال كنت وافد بني المنتفق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا نحن عنده إذ روح الراعي غنمه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أولدت قال بهمة قال اذبح مكانها شاة ثم قال لا تحسبن ولم يقل لا تحسبن أنا من أجلك ذبحناها قال أبو عبيد بالكسر نقرؤها في القرآن كله اختيارا لما حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من لغته واتباعا للفظه والله أعلم

(539)

وَقُلْ فَأْذَنُوا بِالْمَدِّ وَاكْسِرْ (فَـ)ـتىً (صَـ)ـفَا وَمَيْسَرَةَ بِالضَّمِّ في السِّينِ (أُ)صِّلاَ

فتى صفا حال من الضمير في واكسر وأراد كسر الذال وبالمد أراد به ألفا يزيدها بعد الهمزة ويلزم من ذلك تحريك الهمزة والعبارة مشكلة على من لا يعرف القراءة إذ قد يفهم أن الكسر في الهمزة فيكون المد بعدها ياء أو يريد بالمد الألف بعد الألف التي هي بدل من الهمزة الساكنة ويكون الكسر في الذال فيلبس ذلك على من لا يعرف فيحتاج إلى موقف ولو قال ومد وحرك فأذنوا اكسر فتى صفاه لظهر الأمر فقراءة حمزة وأبي بكر من الأعلام أي فأعلموا من وراءكم بحرب من الله لأن آذن بمعنى أعلم وقراءة الجماعة من أذن به أي علم به فهو أذين أي كونوا على إذن بحرب من الله ورسوله وأما ميسرة بالفتح والضم فلغتان والفتح أفصح وأشهر وأقيس وهي اختيار أبي عبيد وغيره والله أعلم

(540)

وَتَصَّدَّقُوا خِفٌّ (نَـ)ـمَا تُرْجَعُونَ قُلْ بِضَمٍّ وَفَتْحٍ عَنْ سِوى وَلَدِ الْعُلاَ

يريد (وأن تصدقوا خير لكم) ، وأصله تتصدقوا فحذف عاصم إحدى التاءين وغيره أدغم الثانية في الصاد فمن ثم جاء التشديد وأراد (واتقوا يوما ترجعون فيه) ، والخلاف فيه على ما سبق معناه في ترجع الأمور

(541)

وَفي أَنْ تَضِلَّ الْكَسْرُ (فَـ)ـازَ وَخَفَّفُوا فَتُذْكرَ (حَقًّـ)ـا وَارْفَعِ الرَّا (فَـ)ـتَعْدِلاَ

إنما قال فاز لأن وجهه ظاهر أي إن ضلت إحداهما ذكرتها الأخرى ولهذا رفع فتذكر لأنه جواب الشرط نحو (ومن عاد فينتقم الله منه) ، فلما لم يستقم مع الكسر إلا الرفع قال فتعدلا ومن فتح أن فعلى التعليل وعطف فتذكر على تضل وإن كان التعليل في الحقيقة إنما هو الإذكار ولكنه تقدم ذكر سببه وهو الإضلال ونظيره أعددت السلاح أن يجيء عدو فأدفعه به وعلة إعداد السلاح إنما هو دفع العدو لا مجيئه ولكن ذكر مجيء العدو توطئة له لأنه سبب الدفع والتخفيف والتشديد في فتذكر لغتان يقال اذكر وذكر كأنزل ونزل والله أعلم

(542)

تِجَارَةٌ انْصِبْ رَفْعَهُ فِي النِّسَا (ثَـ)ـوى وَحَاضِرةٌ مَعْهَا هُنَا عَاصِمٌ تَلاَ

الذي في النساء (إلا أن تكون تجارة عن تراض) وهنا (إلا أن تكون تجارة حاضرة) ، فنصب التي في النساء الكوفيون ونصب التي في البقرة عاصم مع صفتها وهي حاضرة فقوله وحاضرة معها أي وانصب حاضرة مع تجارة هنا ثم قال عاصم تلا ذلك أو التقدير عاصم تلا حاضرة معها أي نصبهما وأجاز الناظم مع ههنا أي مع الحرف الذي ههنا فوجه النصب في الموضعين جعل كان ناقصة واسمها مضمر يعني الأموال ذات تجارة ومن رفع جعلها تامة وقيل إنها أيضا هنا ناقصة والخبر تديرونها ويجوز أن يقدر في النساء دائرة بينكم والله أعلم

(543)

وَ (حَقٌّ) رِهَانٍ ضَمُّ كَسْرٍ وَفَتْحَةٍ وَقَصْرٌ وَيَغْفِرْ مَعْ يُعَذِّبْ (سَمَا) الْعُلاَ

أي حق جمع رهان أن يكون مضموم الراء والهاء وأن تحذف ألفه وهو المراد بقوله وقصر فيقال رهن يشير إلى أن رهن جمع رهان وهو قول الأكثر ورهان جمع رهن وهو قياس جمعه كفرخ وفراخ وبغل وبغال وكبش وكباش والرهن في الأصل مصدر ثم استعمل استعمال الكتاب فكما يسمى المكتوب كتابا كذلك يسمى المرهون رهنا وقيل رهن أيضا جمع رهن كسقف وسقف وأما قوله تعالى (فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) ، فقرءتا بالجزم عطفا على (يحاسبكم) ، وبالرفع قرأ ابن عامر وعاصم على الاستئناف أي فهو يغفر ويعذب ثم ذكر تتمة رمز الجزم فقال

(544)

(شَـ)ـذَا الْجَزْمِ وَالتَّوْحِيدُ فِي وَكِتَابِهِ (شَـ)ـرِيفٌ وَفي التَّحْرِيمِ جَمْعُ (حِـ)مىً (عَـ)لاَ

شذا فاعل سما في البيت الماضي والعلا مفعول أي طال شذا جزم يغفر مع يعذب العلا والشذا حدة الطيب وتوحيد الكتاب هنا أريد به القرآن أو جنس الكتاب وفي التحريم أريد به الإنجيل أو الجنس ولم يقرأ بالجمع في التحريم إلا أبو عمرو وحفص لأنه ليس معه ورسله بخلافه هنا وروينا في جزء المخزومي عن علي بن عاصم قال أخبرنا خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان يقرأ (وصدقت بكلمات ربها وكتبه) ، ويقول الكتاب أكثر من الكتب قال علي بن عاصم فسألت أهل العربية فقالوا الكتاب جماع الجميع قلت كأنهم أشاروا إلى أن الكتاب مصدر فجميع الكتب كتابه المشهورة وغير المشهورة ووجه قراءة من جمع في البقرة وأفرد في التحريم أنه نظر إلى من أسند الفعل إليه في الموضعين وهو في البقرة مسند إلى المؤمنين ومؤمنو كل زمان لهم كتاب يخصهم وفي التحريم الفعل مسند إلى مريم وحدها فأشير إلى الكتاب المنزل في زمانها ووجه الجمع أن قبلها (بكلمات ربها) ، وفي البقرة قبلها (وملائكته) وبعدها (ورسله)

(545)

وَبَيْتِي وَعَهْدِي فَاذُكُرُونِي مُضَافُهَا وَرَبِّي وَبِي مِنِّي وَإِنِّي مَعاً حُلاَ

أي في هذه السورة من ياءات الإضافة المختلف في فتحها وإسكانها على ما تقرر في بابها ثماني ياءات وإنما ذكر في آخر كل سورة ما فيها من ياءات الإضافة لأنه لم ينص عليها بأعيانها في بابها وإنما ذكرها على الإجمال فبين ما في كل سورة من الياءات المختلف فيها لتنفصل من المجمع عليها ويأخذ الحكم فيما يذكره من الياءات السابق في أحكامها ولم يذكر الزوائد لأنها كلها منصوص عليها بأعيانها في بابها وصاحب التيسير لما لم ينص على الجميع بأعيانها في البابين احتاج إلى ذكر الأمرين في آخر كل سورة وبيان حكم كل ياء منها فتحا وإسكاناً حذفا وإثباتا وزاد بعض المصنفين في آخر كل سورة ذكر ما فيها من كلمات الإدغام الكبير مفروشة ، أما الياءات الثماني المنصوصة فنشرحها ونبين أحكامها استذكارا لما سبق بيانه قوله تعالى (بيتي للطائفين) ، فتحها نافع وهشام وحفص (عهدي الظالمين) ، سكنها حمزة وحفص (فاذكروني أذكركم) ، فتحها ابن كثير وحده (ربي الذي يحيي) ، سكنها حمزة وحده (بي لعلهم يرشدون) ، فتحها ورش وحده (مني إلا من اغترف) ، فتحها نافع وأبو عمرو (إني أعلم ما لا تعلمون)-(إني أعلم غيب السموات) ، فتحها الحرميان وأبو عمرو فهذا معنى قوله وإني معا أي تكررت مرتين وحلا أي هي حلا وفي هذه السورة من ياءات الزوائد ثلاث ياءات (أجيب دعوة الداع إذا دعان) ، أثبتها أبو عمرو وورش في الوصل وقالون على رواية (واتقون يا أولي الألباب) ، أثبتها أبو عمرو وحده في الوصل وكنت قد طلب مني نظم الزوائد في أواخر السور تبعا لياءات الإضافة ففعلت ذلك في نيف وعشرين بيتا سيأتي ذكرها مفرقة في أواخر السور التي تكون فيها وقلت في آخر سورة البقرة بيتا ابتدأته بعد ياءات الإضافة المنظومة وهو ، (فتلك ثمان والزوائد واتقون من قبلها الداعي دعاني قد انجلا) ، والله أعلم

سورة آل عمران

(546)

وَإِضْجَاعُكَ التَّوْرَاةَ (مَـ)ـا رُدَّ (حُـ)سْنُهُ وَقُلِّلَ (فِـ)ـي (جَـ)ـوْدٍ وَبِالْخُلْفِ (بَـ)ـلَّلاَ

الإضجاع من ألفاظ الإمالة وأميلت ألف التوراة لأنها بعد راء وقد وقعت رابعة فأشبهت ألف التأنيث-كتترى-و-النصارى فلهذا قال ما رد حسنه وقيل الألف منقلبة عن ياء وأصلها تورية من ورى الزند وهذا تكلف ما لم تدع إليه حاجة ولا يصح لأن إظهار الاشتقاق إنما يكون في الأسماء العربية والتوراة والإنجيل من الأسماء الأعجمية ، قوله وقلل في جود يعني أميل إمالة قليلة وهي التي يعبر عنها بقولهم بين بين وبين اللفظين وقد سبق الكلام في تحقيقها في باب الإمالة والجود المطر الغزير أي في شهرة واستحسان كالجود الذي تحيا به الأرض يشير إلى أن التقليل محبوب مشهور في اللغة وبالخلف بللا يعني قالون لأنه لم يدم على التقليل فهو دون الجود إذ كان مرة يفتح ومرة يقلل فاختلف الرواة عنه لذلك وهذا الموضع من جملة ما الحكم فيه عام ولم ينبه عليه الناظم لأن إمالة التوراة لا تختص بما في هذه السورة وكان موضع ذكرها باب الإمالة ولو ذكرها فيه لظهر إرادة العموم لأنه ليس بعض السور بأولى به من بعض كما ذكر ثم ألفاظا كثيرة وعمت كقوله وإضجاع-أنصارى-وآذانهم-طغيانهم- وإنما ذكر إمالة التوراة هنا موافقة لصاحب التيسير ولكن صاحب التيسير قال في جميع القرآن فزال الإشكال وظاهر إطلاق الناظم يقتضي الاقتصار على ما في هذه السورة على ما سبق تقريره مرارا ومن الدليل على أن من عادته بالإطلاق الاقتصار على ما في السورة التي انتظم فيها وإذا أراد العموم نص عليه بما يحتمل ذلك قوله في أول سورة المؤمنين-أماناتهم وحد-وفي سال داريا ثم قال صلاتهم شاف فأطلق وفي سأل أيضا-صلواتهم- ولا خلاف في إفراده فلما لم يكن فيها خلاف أطلق لعلمه أن لفظه لا يتناولها إلا بزيادة قيد ولما عم الخلاف في أماناتهم قيد فقال وفي سال وفي هذه السورة موضعان آخران عم الحكم فيهما ولم ينبه

عليهما وهما-هأنتم-وكأين-كما سيأتي وكان يمكن أن يقول هنا أمل جملة التوراة ما رد حسنه والله أعلم

(547)

وَفي تُغْلَبُونَ الْغَيْبُ مَعْ تُحْشَرُونَ (فِـ)ـي (رِ)ضًا وَتَرَوْنَ الْغَيْبُ (خُـ)صَّ وَخُلِّلاَ

في رضى في موضع نصب على الحال من الغيب أو في موضع رفع خبرا له أي الغيب مستقر في هذين اللفظين كائنا في وجه مرضى به أو الغيب فيهما كائن في رضى والغيب والخطاب في مثل واحد كما تقول قل لزيد يقوم وقل لزيد قم وقد تقدم مثله في البقرة (لا تعبدون إلا الله) ، بالتاء وبالياء وقد جاء في القرآن العزيز الغيب وحده في قوله تعالى (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم) ، والخطاب وحده في قوله سبحانه (قل للمخلفين من الأعراب ستدعون) ، وقيل ليقول لهم اليهود والإخبار عن مشركي مكة وقوله ويرون الغيب ويرون مبتدأ والغيب بدل منه بدل الاشتمال أي وغيب يرون خص ويجوز أن يكون الغيب خص مبتدأ وخبرا وهما خبر يرون والعائد محذوف أي الغيب فيه وخلل بمعنى خص وإنما جمع بينهما تأكيدا لاختلاف اللفظين كقول عنترة (أقوى وأقفر بعد أم الهيثم ) ، يريد قوله (يرونهم مثليهم) ، أي خص الذين حضروا القتال فهم الذين رأوا الخطاب قيل لليهود وقيل لمن غاب عن الوقفة من المسلمين أو المشركين فلم يختص الرائي على قراءة الخطاب بالحاضرين فالمعنى على قراءة الغيب يرى المشركون المسلمين مثلي المشركين أو مثلي المسلمين أو يرون أنفسهم مثلي المسلمين أو يرى المسلمون المشركين مثلي المسلمين وذلك أيضا تقليل لأنهم كانوا أكثر من ثلاثة أمثالهم أو يرون أنفسهم مثلي المشركين ، وعلى قراءة الخطاب يحتمل أن يكون الخطاب للمسلمين أي ترون المشركين ببدل مثلي المسلمين الحاضرين لها أو ترون المسلمين الحاضرين مثلي المشركين أو ترون المسلمين مثلي المسلمين تكثيرا لهم ويحتمل أن يكون الخطاب للمشركين أي ترون المسلمين مثلي المشركين ترغيبا لهم أو ترون المشركين مثلي المسلمين حقيقة ومع

هذا نصر المسلمون عليهم ويحتمل أن يكون الخطاب لليهود أي ترون المشركين مثلي المسلمين حقيقة أو ترون المسلمين مثلي المشركين آية من الله تعالى أو ترون المسلمين مثلي المسلمين وعلى الجملة فهذه الوجوه كلها ما كان منها دالا على التقليل من الطريقين فهو على وفق ما كان في سورة الأنفال من قوله تعالى (وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم) ، وما كان منها دالا على التكثير فوجه الجمع بين الآيتين أن التكثير وقع بعد التقليل وكان حكمة تقليل المسلمين أولا أن لا يكترث لهم الكفار ويستهينوا أمرهم فلا يكثروا الاستعداد لهم وحكمة تقليل المشركين ظاهرة وهي أن لا يهابهم المسلمون ولا يرغبوا بسبب كثرتهم فلما حصل الغرض من الجانبين والتقى الجمعان كثر الله تعالى المسلمين في أعين الكفار ليجتنبوا عنهم فينهزموا وليس بقوي عندي في معنى هذه الآية إلا أن المراد تقليل المسلمين وتكثير المشركين فهو موضع الآية التي ذكرها الله سبحانه بقوله (قد كان لكم آية في فئتين التقتا) ، ويدل عليه قوله بعد ذلك (والله يؤيد بنصره من يشاء) ، أي ليس ذلك بسبب قلة ولا كثرة فلا تغتروا بكثرتكم فإن النصر من عند الله والهاء في ترونهم للكفار سواء قرئ بالغيب أو الخطاب والهاء في مثليهم للمسلمين ، فإن قلت إن كان المراد هذا فهلا قيل يرونهم ثلاثة أمثالهم وكان أبلغ في الآية وهي نصر القليل على هذا الكثير والعدة كانت كذلك أو أكثر قلت أخبر عن الواقع وكان آية أخرى مضمومة إلى آية النصر وهي تقليل الكفار في أعين المسلمين وقللوا إلى حد وعد المسلمون النصر عليهم وهو أن الواحد من المسلمين يغلب الاثنين فلم تكن حاجة إلى التقليل أكثر من هذا وفيه فائدة وقوع ما ضمن لهم من النصر في ذلك والله أعلم

(548)

وَرِضْوَانٌ اضْمُمْ غَيْرَ ثَانِي الْعُقُودِ كَسْرَهُ (صَـ)ـحَّ إِنَّ الدِّينَ بِالْفَتْحِ رُفِّلاَ

ضم الراء وكسرها في رضوان لغتان قيل الضم لنبي تميم والكسر لأهل الحجاز وأجمع على كسر الثاني في سورة المائدة وقوله تعالى (ومن ابتع رضوانه سبل السلام) ، والأول فيه الخلاف وهو (يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا) ، والأولى في البيت أن يكون ورضوانا اضمم بالنصب فهو مثل زيدا اضرب وليس تصح إرادة الحكاية هنا لأن لفظ رضوان المختلف فيه جاء بالحركات الثلاث فرفعه نحو ما في هذه السورة ونصبه نحو الأول في المائدة وجره مثل نحو (يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان) ، فإذا لم تستقم إرادة لفظ واحد منها على الحكاية تعين أن يسلك وجه الصواب في الإعراب وهو النصب (إن الدين عند الله الإسلام) ، بالفتح رفل أي عظم يعني فتح همزة إن ووجهه جعله بدلا من قوله (أنه لا إله إلا هو) ، قال أبو علي فيكون البدل من الضرب الذي الشيء فيه هو هو ألا ترى أن الدين هو الإسلام يتضمن التوحيد والعدل وهو هو في المعنى ، قال وإن شئت جعلته من بدل الاشتمال لأن الإسلام يشتمل على التوحيد والعدل ، قال وإن شئت جعلته بدلا من القسط لأن الدين الذي هو الإسلام قسط وعدل فيكون من البدل الذي الشي فيه هو هو وقيل إن الدين مفعول شهد الله وقيل إن الدين معطوف على أنه وحرف العطف محذوف والبدل أوجه هذه الأوجه ووجه الكسر الاستئناف لأن الكلام الذي قبله قد تم والله أعلم

(549)

وَفي يُقْتلُونَ الثَّانِ قَالَ يُقَاتِلُونَ حَمْزَةُ وَهْوَ الْحَبْرُ سَادَ مُقَتِّلاَ

يعني (ويقتلون الذين يأمرون بالقسط) ، واحترز بقوله اثنان عن الأول وهو (ويقتلون النبيين بغير حق) ، فلا خلاف فيه أنه من قتل وأما الثاني فقرأه حمزة من قاتل ثم أثنى على حمزة بقوله وهو الحبر أي العالم يقال بفتح الحا وكسرها والمقتل والمجرب للأمور وهو حال من فاعل ساد العائد على حمزة يشير إلى شيخوخته وخبرته بهذا العلم يقال رجل مقتل إذا كان قد حصلت له التجارب فتعلم وتحنك بها والله أعلم

(550)

وَفي بَلَدٍ مَيْتٍ مَعَ المَيْتِ خَفَّفُوا (صَـ)ـفَا (نَفَرًا) وَالمَيْتَةُ الْخِفُّ خُوِّلاَ

أي الخلف وقع في هذين اللفظين حيث أتيا ، قال في التيسير الحي من الميت والميت من الحي وإلى بلد ميت وشبهه إذا كان قد مات والتخفيف والتثقيل في مثل هذا لغتان ، قال الشاعر فجمع بين اللغتين ، (إنما الميت ميت الأحياء ) ، وقوله صفا نفرا نصب نفرا على التمييز وقد استعمل هذا اللفظ بعينه في موضعين آخرين أحدهما في أواخر هذه السورة في ومتم ومت فقال فيه صفا نفر بالرفع على الفاعلية والموضع الآخر في سورة التوبة ترجئ همزة صفا نفر بالجر على الإضافة وقصر صفا الممدود ، وقوله والميتة الخف الخف يقع في بعض النسخ منصوبا وفي بعضها مرفوعا فوجه النصب أن يكون مفعولا ثانيا لقوله خولا أي ملك هذا اللفظ الخف من قولهم خوله الله الشيء إذا ملكه إياه ووجه الرفع أنه مبتدأ ثان والعائد إلى الأول محذوف أي الخف فيه كقوله ، السمن منوان بدرهم أي التخفيف فيه خول أي حفظ من خال الراعي يخول فهو خائل إذا حفظ والتشديد للتكثير ويجوز أن يكون الخف صفة الميتة أي انفرد نافع بتثقيله وأشار بقوله خولا أي حفظ إلى أن لفظ الميتة الذي وقع فيه الخلاف معروف مشهور بين القراء وهو الذي في سورة يس (وآية لهم الأرض الميتة) ولا شك أن إطلاق الناظم الميتة يلبس على المبتدئ بقوله (الميتة والدم) ، في سورتي المائدة والنحل أما الذي في البقرة فلا يلبس لأنه تعداه ولم يذكره فدل على أنه غير مختلف فيه وقول من قال لما لم يذكر الذي في البقرة علم أنه لا خلاف فيه ولا ما كان من نوعه غير مستقيم فكم من ألفاظ متفقة وقع الخلاف في بعضها على ما نظم نحو-بسطة-في البقرة بالسين اتفاقا وفي الأعراف تقرأ بالصاد والسين ولو كان أخر ما في يس إلى سورته لكان أولى وليته ذكره في الأنعام كما فعل صاحب التيسير والله أعلم

(551)

وَمَيْتًا لَدَى الأَنْعَامِ وَالْحُجُرَاتِ (خُذْ) وَمَا لَمْ يَمُتْ لِلْكلِّ جَاءَ مُثَقَّلاَ

يريد قوله تعالى-أو من كان ميتا فأحييناه-أن يأكل لحم أخيه ميتا-انفرد نافع أيضا بتثقيلهما كالميتة في يس ثم أخذ يذكر ما أجمعوا على تثقيله فقال هو ما لم يمت أي ما لم يتحقق فيه بعد صفة الموت كقوله وما هو بميت (إنك ميت وإنهم ميتون)-(ثم إنكم بعد ذلك لميتون) ، وكذلك أجمعوا على تخفيف الميتة في غير يس وذلك في البقرة والمائدة والنحل و-إلا أن يكون ميتة-في الأنعام وفيها (إن تكن ميتة فهم فيه شركاء) وفي ق (وأحيينا به بلدة ميتا) ، ونحوه فقول صاحب التيسير في ضبط ما وقع فيه الخلاف إذا كان قد مات يرد عليه هذا الذي أجمع على تخفيفه والناظم أخذ مفهوم عبارة صاحب التيسير فقال وما لم يمت للكل جاء مثقلا ولم يتعرض لما أجمعوا على تخفيفه وتعرض له مكي فقال لم يختلفوا في تشديد ما لم يمت ولا في تخفيف ما هو نعت لما فيه هاء التأنيث نحو (بلدة ميتا) ، فقد بان أن ما أجمع عليه منه ما ثقل ومنه ما خفف وقلت بدل هذا البيت بيتا نبهت فيه على ذلك وبينت ما وقع فيه الخلاف من الميتة وهو بعد قوله والميتة الخف خولا ، (بياسين في الأنعام ميتا خذوا وفوق ق وباقي الباب خف وثقلا) ، أي هذه مواضع الخلاف قد نص عليها وما عدا ذلك مجمع عليه لكن بعضه وقع الاتفاق على تحقيقه وبعضه على تشديده والله أعلم ، ووقع في كتاب السبعة لابن مجاهد تخفيف سائر القرآن مما لم يمت زاد في نسخة كقوله وإن يكن ميتة وبلدة ميتا ونحوه

(552)

وَكَفَّلَهاَ الْكُوفِي ثَقِيلاً وَسَكَّنُوا وَضَعْتُ وَضَمُّوا سَاكِناً (صَـ)ـحَّ (كُفِّلاَ)

أي يقرؤه الكوفي ثقيلا أي كفلها الله زكريا وقرأ الجماعة على إسناد الفعل إلى زكريا وهو موافق لقوله تعالى (أيهم يكفل مريم) ، وقراءة وضعت بإسكان العين وضم التاء على إخبار أم مريم عليها السلام عن نفسها وقراءة وضعت بفتح العين وسكون التاء إخبار من الله تعالى عنها وليس الضمير في سكنوا ولا في ضموا عائد على الكوفي وإنما يعودان على مطلق القراءة ولو قال ، (وكفلها الكوفي ثقيلا وضعت ساكن العين واضمم ساكنا صح كفلا) ، لارتفع هذا الوهم وكفلا جمع كافل وهو منصوب على التمييز والله أعلم

(553)

وَقُلْ زَكَرِيَّا دُونَ هَمْزِ جَمِيعِهِ (صِحَابٌ) وَرَفْعٌ غَيْرُ شُعْبَةَ الاُوَّلاَ

أي دونه جماعات يقومون بنقله ودليله والعرب تنطق بزكريا ممدودا ومقصورا وهو اسم أعجمي ومن عادتهم كثرة التصرف في الألفاظ الأعجمية ويقال أيضا زكرى وزكر بالصرف فيهما لإلحاق الأول بالنسب فهو كصرف معافري ومدايني ولخفة الثاني بإسكان الوسط فهو كنوح ولوط وغير شعبة من الذين همزوا زكريا رفعوا الأول وهو قوله تعالى (وكفلها زكريا) ، على أنه فاعل وكفلها وشعبة نصبه على أنه مفعول به لأنه يقرؤه وكفلها بالتشديد وقوله غير شعبة مبتدأ ورفع خبره أي ذو رفع وقيل غير فاعل والأولا مفعول رفع لأنه مصدر والله أعلم

(554)

وَذَكِّرْ فَنَادَاهُ وأَضْجِعْهُ (شَـ)ـاهِداً وَمِنْ بَعْدُ أَنَّ اللهَ يُكْسَرُ (فِـ)ـي (كَـ)لاَ

إسناد الفعل إلى الجماعة يجوز تذكيره وتأنيثه فلما ذكر حمزة والكسائي فناداه الملائكة أمالا ألفه على أصلها في إمالة ذوات الياء ولهذا قال شاهدا أي شاهدا بصحته وإن الله من بعد فناداه يعني (أن الله يبشرك بيحيى) ، يكسر في كلأ أي في حراسة وحفظ والكسر على تقديره فقالت-إن الله-أو يكون أقام النداء مقام القول فكسر أن بعده ومن فتح فعلى تقدير فنادته بأن الله أي بهذا اللفظ ثم حذف الجار وحذفه من نحو هذا شائع لكن هل تبقى (إن) ، وما بعدها في موضع نصب أو جر فيه خلاف بين النحويين وهذه العبارة في قوله (إن الله) ، يكسر في النفس منها نفرة وكذا قوله في أول براءة (لا أيمان) ، عند ابن عامر والأولى فتح همزة-أيمان-هناك أو يقال ويفتح لا أيمان إلا لشامهم ويقال هنا ويكسر أن الله من بعد في كلا والله أعلم

(555)

مَعَ الْكَهْفِ وَالإِسْرَاءِ يَبْشُرُ (كَـ)ـمْ (سَمَا) (نَـ)ـعَمْ ضُمَّ حَرِّكْ وَاكْسِرِ الضَّمَّ أَثْقَلاَ

أي لفظ يبشر هنا وفي سورتي الإسراء والكهف أما في آل عمران فموضعان (أن الله يبشرك بيحيى) ، (إن الله يبشرك بكلمة منه) ، وفي أول الإسراء والكهف (ويبشر المؤمنين) ، الخلاف في هذا الفعل المضارع في هذه الأربعة هل هو مضارع فعل بتخفيف العين كخرج أو مضارع فعل بتشديدها كسول وهما لغتان إلا أن المشدد مجمع عليه في القرآن في الفعل الماضي والأمر (وبشرناه بإسحاق)-(فبشرهم بعذاب) ، فهذا مما يقوي التشديد في المضارع وقال الشاعر ، (بشرت عيالي إذ رأيت صحيفة ) ، وأنشد أبو علي ، (فأعنهم وأبشر بما بشروا به ) ، وحكى لغة ثالثة أبشر يبشر كأكرم يكرم فالبشر والإبشار والتبشير ثلاث لغات فيه ويقال بشر بكسر الشين وأبشر كأدبر إذا سر وفرح وأنشد الجوهري بيت أبي علي بفتح الشين في الأمر وكسرها في الماضي وأبشر بالهمز مطاوع وبشر ومنه قوله تعالى (وأبشروا بالجنة) ، وكان المعنى والله أعلم بشروا أنفسكم بها وكم في قوله كم سما خبرية أي سما سموا كثيرا وتقديره كم مرة سما ونعم جواب سؤال مقدر كأنه قيل له صف ما شأنه فقال نعم فهو مثل قوله فيما سبق نعم إذ تمشت وأراد ضم الياء وفتح الباء لأنه أطلق التحريك وكسر الشين لأنها هي المضمومة في قراءة التخفيف وأراد بالضم المضموم أي ذا الضم وأثقلا حال منه أي في حال كونه ثقيلا أي يصير مكسورا مشددا والله أعلم

(556)

(نَ)ـعَمْ (عَمَّ) فِي الشُّورَى وَفي التَّوْبَةِ اعْكِسُوا لِحَمْزَةَ مَعْ كَافٍ مَعَ الْحِجْرِ أَوَّلاَ

أي عم هذا الحكم في الشورى وهو التثقيل وهو قوله تعالى (ذلك الذي يبشر الله عباده) ، وافق أبو عمرو وابن كئير فيه من خفف ووافق ابن عامر فيه من شدد وقرأ حمزة وحده بعكس التثقيل يعني بالتخفيف في التوبة ، (يبشرهم ربهم) ، وفي مريم وهي المرادة بقوله مع كاف لأن أولها كهيعص كما تسمى سورة ص وق ون بالحرف الذي في أولها وصرفه ضرورة وقد ترك صرفه في قوله وكم صحبة يا كاف وفي كاف فتح اللام وكذا استعمل ص فقال هشام بصاد حرفه متحملا وفي ص غيطلا وفيها موضعان (يا زكريا إنا نبشرك) ، وفي آخرها ( لتبشر به المتقين) ، والأول الذي في الحجر (إنا نبشرك بغلام) ، واحترز بقوله أولا عن الثاني وهو (فبم تبشرون) ، ولا خلاف في تشديده فهذه المواضع الأربعة خففها حمزة وحده ، فقد صار الخلاف في تسعة مواضع منها في آل عمران موضعان وفي التوبة والحجر والإسراء والكهف والشورى منها واحد بالتاء وهو آخر مريم واثنان بالنون في الحجر وأول مريم والبواقي بالياء

(557)

نُعَلِّمُهُ بِالْيَاءِ (نَـ)ـصُّ (أَ)ئِمَّةٍ وَبِالْكَسْرِ أَنِّي أَخْلُقُ اعْتَادَ أَفْصَلاَ

الخلاف في (ونعلمه الكتاب) ، بالنون والياء ظاهر ونص أئمة خبره أي هو منصوص عليه للأئمة ويجوز نصبه مثل كتاب الله وصبغة الله والكسر في (أني أخلق لكم) ، على الابتداء فلا يبقى له تعلق بما قبله فلهذا قال اعتاد أفصلا أو (أني أخلق) ، مبتدأ وبالكسر خبره واعتاد بمعنى تعود والضمير فيه راجع إلى الكسر ويجوز أن يعود إلى (إني أخلق) ، فيكون بالكسر حالا منه أي هو بالكسر اعتاد الفصل وأفصلا بمعنى فاصلا وهو حال أو في موضع المصدر كقوله ولا خارجا من في ذور كلام أي اعتاد فصلا أي اعتاد الكسر أو المكسور وهو أني أن يفصل ما بعده مما قبله فيجوز على قراءة الكسر الوقف على (بآية من ربكم) ، ثم يبتدئ بقوله-أني أخلق-إما استئنافا وإما تفسيرا ، فموقعها كموقع قوله (خلقه من تراب) ، بعد قوله (كمثل آدم) ، ووجه قراءة الفتح البدل من (أني قد جئتكم) ، أو من آية في قوله (بآية من ربكم) ، أو خبر مبتدأ محذوف أي هي-أني أخلق-فيكون في موضع نصب أو جر أو رفع

(558)

وَفِي طَائِراً طَيْراً بِهاَ وَعُقُودِهاَ (خُصُـ)ـوصاً وَيَاءٌ فِي نُوَفِّيهِمُ (عَـ)ـلاَ

أي قرءوا طيرا في موضع طائر هنا وفي المائدة دون غيرهما وأشار إلى ذلك بقوله خصوصا وهو مصدر والطائر مفرد والطير اسم جمع ويقع على المفرد وجمعه طيور وأطيار وجمع طائر أيضا أطيار كصاحب وأصحاب وأما (فيوفيهم أجورهم) ، فالياء فيه والنون ظاهران

(559)

وَلاَ أَلِفٌ فِي هَا هَأَنْتُمْ (زَ)كاَ (جَـ)ـناً وَسَهِّلْ (أَ)خاَ (حَـ)ـمْدٍ وَكَمْ مُبْدِلٍ (جَـ)ـلاَ

هذا من جملة المواضع التي الحكم فيها عام ولم يبينه بل أطلقه فيوهم إطلاقه أنه مختص بسورته فقط وصاحب التيسير وغيره قالوا حيث وقع واستعمل الناظم لا بمعنى ليس فارتفع ألف بعدها وقوله في ها (هأنتم) ، أي لا ألف في لفظ ها من (هأنتم) ، ويشكل على هذا التأويل أنه لفظ بـ هأنتم بغير ألف وجوابه أنه أراد في لفظ ها من ها أنتم الذي صار لفظه بعد حذف الألف منه (هأنتم) ، وحذف هذا المقدر كله للعلم به فهو قريب من قوله وفي بلد ميت مع الميت خففوا أي خففوا المثقل حتى صار على هذا اللفظ وكذا قوله قل سارعوا لا واو وقل قال موسى واحذف الواو أي احذفها من (وقال الذي) ، صار بعد الحذف قال ويجوز أن يكون أراد في ها-هاأنتم-وقصر الممدود أي الألف بعدها هاء-هاأنتم-ووجه التجوز في التعبير عن ذلك بحرف في أن الألف لما كانت عقيب الهاء تجوز لشدة القرب بأن جعلها فيها قريبا من قوله تعالى (ولأصلبنكم في جذوع النخل) ، وهذا الوجه أوفق للفظة أنتم-بغير ألف ولو قال و-هاأنتم-اقصر حيث جا ، زكا ، جنا لخلص الكلام من هذا التكلف في تأويله وجنا في موضع نصب على التمييز وأخا حمد حال أو منادى على حذف حرف الندا ومعنى البيت من جهة القراءة أن الألف في قراءة قنبل وورش محذوف والباقون أثبتوا الألف إلا أن نافعا وأبا عمرو سهلا الهمزة أي جعلاها بين بين فهي في قراءة أبي عمرو وقالون واقعة مسهلة بعد الألف وفي قراءة ورش مسهلة بعد الهاء إذ الألف في قراءته والهمزة المفتوحة بعد الألف كالمفتوحة بعد مفتوح قياس تسهيلهما أن تجعلا بين بين وجماعة من أهل الأداء وشيوخ الإقراء أبدلوها له ألفا وهذان الوجهان لورش هما كما سبق له في باب الهمزتين من كلمة في قوله عن الهمزة الثانية ، (وقل ألفا عن أهل مصر تبدلت لورش وفي بغداد يروي مسهلا) ، وقراءة قنبل على نحو فعلتم نحو هزمتم وهشمتم وكذا يكون وزن قراءة ورش على وجه التسهيل لأن الهمزة المسهلة بزنة المحققة فيما يرجع إلى

الوزن ووزن قراءة الباقين فاعلتم نحو قاتلتم وضاربتم إلا أن غير قالون وأبي عمرو وهم الكوفيون وابن عامر والبزي حققوا الهمزة ثم أخذ يبين هذه الكلمة ويشرحها على ما تقرر من أصولهم وفي عبارة صاحب التيسير عن قراءة نافع وأبي عمرو إشكال فإنه قال نافع وأبو عمرو-وهاءنتم-حيث وقع بالمد من غير همز وكذا قال شيخه أبو الحسن بن غلبون ، ومكي وكأنهم يعنون من غير همز محقق ، بل هو مسهل بين بين وكذلك شرحه أبو علي الفارسي رحمه الله وصرح مكي في الكشف قال وبين بين أنوى في العربية في ذلك كله لورش ثم قال الداني وورش أقل مدا وهذا هو الوجه الثاني له الذي أبدل فيه الهمزة ألفا قال المهدوي أبدلها ورش ألفا وحذف إحدى الألفين لالتقاء الساكنين وقال صاحب الروضة قرأ أهل المدينة وأبو عمرو-هأنتم-بتليين الهمزة والباقون بتحقيقها وكلهم أثبتوا ألفا قبل الهمزة إلا ابن مجاهد عن قنبل فإنه حذفها وكان نافع في غير رواية ورش أقصرهم مدا وفي كتاب أبي عبيد قرأ أهل المدينة وأبو عمرو-هأنتم-غير ممدودة ولا مهموزة في جميع القرآن وكان حمزة والكسائي يقرآنها بالمد والهمز معا قال وكذلك نقرؤها بالإشباع والتحقيق ، قلت وهذا خلاف ما نقله الجماعة من المد لأبي عمرو وقالون والله أ علم

(560)

وَفي هَائِهِ التَّنْبِيهُ (مِـ)ـنْ (ثَـ)ـابِتٍ (هُـ)ـدىً وَإِبْدَالُهُ مِنْ هَمْزَةٍ (زَ)انَ (جَـ)ـمَّلاَ

يعني الهاء من-هاأنتم-فيها معنى التنبيه في قراءة ابن ذكوان والكوفيين والبزي لأن لفظ ها من حروف التنبيه وهو يدخل على أسماء الإشارة وعلى الضمائر فيكون داخلا هنا على الضمير الذي هو أنتم كما تقول هاأنتم فعلت كذا ودل على أنها للتنبيه في قراءة هؤلاء كونهم مدوا بعد الهاء وليس من-مذهبهم المد بين الهمزتين بخلاف غيرهم وقوله من ثابت متعلق بالتنبيه وهدى تمييز مثل زكا جنا أي ثابت هداه يعني المتكلم بها أنتم وهو الله جل وعز ثم قال وإبداله أي إبدال الهاء من همزة زان وجمل فجملا معطوف على زان بإسقاط حرف العطف ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر أي الهاء في هاأنتم على قراءة قنبل وورش تكون بدلا من همزة الاستفهام والأصل أأنتم لأنهما مما مدا بعد الهاء ولو كانت للتنبيه لأتوا بألف ها والهاء تبدل من الهمز في مواضع كثيرة فيجوز أن يكون هذا منها وإنما لم يسهل قنبل الثانية لأنه قد أبدل الأولى هاء فلم تجتمع همزتان وسهل ورش اعتبارا بالأصل أو كما سهل البزي في (لأعنتكم) ، وقفا ووصلا وهو كما يفعل حمزة فيهما في الوقف على وجه وكل ذلك جمع بين اللغات

(561)

وَيَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ عَنْ غَيْرِهِمْ وَكَمْ وَجِيهٍ بِهِ الْوَجْهَيْنِ لِلْكُلِّ حَمَّلاَ

أي ويحتمل الهاء في قراءة غير من تقدم وهم أبو عمرو وقالون وهشام أن تكون بدلا من همزة لأن من مذهب هؤلاء الثلاثة المد بين الهمزتين من كلمة كما سبق في بابه والألف هنا في قراءتهم ثابتة ومن مذهب أبي عمرو وقالون التسهيل في مثل هذا وقد سهلا فكان من هذا الباب بدليل التسهيل والمد ويحتمل أن تكون ها التي للتنبيه والألف الثانية هي ألف ها وإنما سهل أبو عمرو وقالون الهمز على خلاف أصلهما جمعا بين اللغتين كما فعل البزي في-لأعنتكم-ثم ذكر أن جماعة من القراء من له وجاهة وقول مقبول حمل الهاء على الوجهين لجميع القراء السبعة فالهاء في به للهاء والباء زائدة وهذه الطريقة غير مذكورة في التيسير ولكن قد ذكرها جماعة مثل مكي والمهدوي وأبي علي الفارسي وإن كانت هذه الطريقة ظاهرة في بعض القراءات أكثر من بعض وقد تقرر الوجهان في مذهب الغير على ما ذكر وأما احتمال التنبيه في قراءة ورش وقنبل فوجهه أن يقال حذفت ألف ها تخفيفا ولالتقاء الساكنين في قول من أبدل لورش وأما احتمال البدل في قراءة ابن ذكوان والكوفيين والبزي فلا مانع منه إلا كونهم مدوا بين الهمزتين وهذا لا يضر جمعا بين اللغتين لأن الهمزة الأولى مقدرة منونة وأريد بالمد الإشارة إلى ذلك والذي استحسنه الجماعة أن تكون الهاء للتنبيه في قراءة هؤلاء قال المهدوي إذ ليس أحد من القراء يدخل بين الهمزتين المفتوحتين من كلمة ألفا مع التحقيق فيقدر له هذا التقدير ، قال مكي وهذا أولى بقراءة البزي وعلى ذلك تحمل قراءة الكوفيين وابن عامر إلا هشاما فإنه قد يدخل بين الهمزتين ألفا في غير هذا فيجوز أن يحمل هذا على أصله في غيره قلت الأولى في هذه الكلمة على جميع وجوه القراءات فيها أن تكون ها للتنبيه لأنا إن جعلنا الهاء بدلا من همزة كانت تلك الهمزة همزة استفهام و-هاأنتم-أينما جاءت في القرآن إنما هي للخبر لا للاستفهام ولا مانع من ذلك إلا تسهيل من سهل وحذف من حذف أما التسهيل فقد سبق

تشبيهه بقوله-لأعنتكم-وشبهه وأما الحذف فنقول ها مثل أما كلاهما حرف تنبيه ، وقد ثبت جواز حذف ألف أما فكذا حذف ألف ها وذاك قولهم أم والله لأفعلن وقد حمل البصريون قولهم (هلم إلينا) ، على أن أصله ها لم ثم حذفت ألفها فكذا-ها أنتم-

(562)

وَيَقْصُرُ فِي التنْبِيهِ ذُو الْقَصْرِ مَذْهَباً وَذُو الْبَدَلِ الْوَجْهاَنِ عَنْهُ مُسَهِّلا

ذكر في هذا البيت تفريع ما يقتضيه الخلاف في البيت السابق على التقديرين من أن الهاء للتنبيه أو بدل من همزة ونبه بقوله ويقصر على أن كلامه في من في قراءته ألف فخرج من ذلك قنبل وورش إذ لا ألف في قراءتهما والقصر والمد لا يكونان إلا في حرف من حروف المد فقال إذا حكمنا بأن الهاء للتنبيه صار المد في ذلك على قراءة من أثبت الألف من قبيل المنفصل مثل (وما لنا أن لا) ، وذلك أن ها كلمة وأنتم كلمة أخرى فيقصر من مذهبه القصر ويمد من مذهبه المد فخرج من هذا أن للبزي والسوسي القصر ولقالون والدوري خلاف تقدم لكن على رواية المد لهما يتجه هاهنا خلاف آخر مأخوذ من قوله وإن حرف مد قبل همز مغير البيت قد تقدم شرحه والباقون على المد فقوله وذو البدل يعني من ذكرنا أن الهاء في مذهبه بدل من الهمزة عنه وجهان في حال تسهيله فلا يكون ذلك إلا في مذهب الدوري وقالون على رواية أما السوسي فإنه من ذوي القصر مذهبا وأما ورش فلا ألف في قراءته فلا مد وعلى الوجه الآخر الذي أبدل فيه الهمزة ألفا مده بمقدار نطقه بألف نحو قال وباع لا زيادة عليه بقي من ذوي البدل هشام فله المد قولا واحدا لأنه ليس بمسهل وكل هذا تفريع على أن-ها-للتنبيه لأصحاب البدل وغيرهم أما إذا قلنا إن الهاء بدل من الهمزة فالكل مستوون في المد بمقدار ألف كما يقرءون (أأنذرتهم) ، وكما يقولون قال وباع لأنها ألف بين همزتين فليس هذا من المد المنفصل ولا المتصل وقول الناظم وذو البدل وإن كان يعني به بدل الهاء من الهمز فلم يقل ذلك ليبني الخلاف على

البدل إذ لا مناسبة في ذلك وإنما ذكره تعريفا لمن عنه الوجهان لا شرطا ، فقال من ذكرنا إن الهاء مبدلة من همزة في مذهبه إذا فرعنا على أنها أيضا في حقه للتنبيه هل يكون له مد نظر إن كان مسهلا فوجهان لأن الألف حرف مد قبل همز مغير وإن كان محققا مد بلا خلاف وهو هشام هذا قياس مذهبهم وما يقتضيه النظم والمعنى فلا تختلف القراءة بالمد والقصر إلا على قولنا إن ها للتنبيه فما فرع الناظم إلا على هذا القول وولم يفرع على قول البدل لوجهين أحدهما أن كون ها للتنبيه هو الأصح على ما اخترناه في شرح البيت السابق الثاني أنه ترك التفريع على ذلك لظهوره لأنه لا يقتضي تفاوتا في المد للجميع لأن التقدير تقدير أنهم أدخلوا ألفا بين همزتين بعضهم جرى على أصله وبعضهم خالف في ذلك أصله وإدخال ألف بين همزتين لا يختلف في النطق بها كما سبق تقريره وذكر بعض من شرح أن إدخال الألف بين الهمزتين يقتضي أن الأمر يصير من قبيل المتصل كأن الألف من نفس الكلمة فعلى هذا القول أيضا يستوون في المد ولا يجئ القصر إلا على قولنا إن حرف المد الذي قبل الهمز المغير لا يمد إلا أن هذا القول عندي غلط فإن من يقول بمد الألف بعد إدخالها بين الهمزتين يكون بقدر ألفين وأكثر والمنقول أنهم يدخلون بينهما ألفا للفصل فلا حاجة إلى زيادة المد بل يقتصر على مقدار النطق بألف على حدها في نحو قال وباع وذكر الشيخ في شرحه أن قوله وذو البدل يعني ورشا الوجهان عنه يعني المد والقصر في حال كونه مسهلا ويعني بالتسهيل مذهبيه وهما إبدال الهمز وبين بين فالمد على قول البدل والقصر على بين بين ولم يرد بمسهلا حالة بين بين فقط فإنه لا يتجه له فيها إلا القصر وقد تقدم في الأصول أن التسهيل يطلق على كل تغيير للهمز وإنما ذكر مسهلا ليفصل ورشا من قنبل لأن كليهما ذو بدل أي الهاء بدل من همزة عندهما إلا أن قنبلا لا يمد لإسقاطه الألف وورش بمد لأجل الألف المبدلة من الهمزة فمده هو الإتيان

بالألف المبدلة لا أمر زائد على ذلك هذا شرح ما ذكره في الشرح وهو معلوم مما تقدم فلم تكن حاجة إلى ذكره وقال لي الشيخ أبو عمرو رحمه الله يعني بقوله وذو البدل أبا عمرو وقالون لأنهما هما اللذان من مذهبهما إدخال ألف بين الهمزتين وجاء عنهما هنا خلاف لأجل أن الهمزة الأولى مبدلة والثانية مسهلة فلم يستصعب الجمع بينهما فلا حاجة إلى طول المد واحترز بقوله مسهلا من هشام فإنه أيضا من ذوي البدل ولا حاجة إلى ذكر قنبل وورش إذ لا ألف في قراءتهما قلت وهذا مشكل فإنه يقتضي أن الألف في قراءتهما على وجه وليس الأمر كذلك فإنهما يثبتان الألف وأهل علم القراءات عبروا عن هذه الألف لهما بأنها مدهما الذي ثبت لهما في باب الهمزتين من كلمة وقال صاحب التيسير من جعلها للتنبيه وميز بين المنفصل والمتصل في حروف المد لم يزد في تمكين الألف سواء حقق الهمزة بعدها أو سهلها ومن جعلها مبدلة وكان ممن يفصل بالألف زاد في التمكين سواء أيضا حقق الهمزة أو لينها وقال ابن غلبون في التذكرة اعلم أن أبا عمرو ورجال نافع يتفاضلون في المد في-هاأنتم-إذا جعلوا الهاء بدلا من همزة الاستفهام على ما بيناه في تفاضلهم في (ءأنذرتهم) ،

{qj`jVjLjLjLjLjL

~me^eYeYeYeYeYeYe

$ ( l p ? ? <?>?@?F?H?J???ô?¨??v?z?

P-R-T-Z-\-^-

ونحوه يريد أن من أدخل الألف أطول مدا مثل قالون ومن لم يدخل فلا مد أو له مد قصير كقراءة ورش ثم قال فأما إذا جعلت الهاء للتنبيه فإنهم يستوون في المد في-هاأنتم-لأنه ليس أحد منهم يدخل بين الألف وبين الهمزة الملينة التي بعد-ها-ألفا-كما فعل ذلك من فعله منهم في قوله (ءأندرتهم) ، ونحوه وكذا الباقون ممن عدا قنبلا يتفاضلون في المد هاهنا على ما بيناه من تفاضلهم في المد في حرف اللين الواقع قبل الهمزة في باب المد والقصر فيما كان من كلمة أو كلمتين على الوجهين من جعل الهاء بدلا من همزة الاستفهام أو للتنبيه قلت معنى عبارتهما أن الاختلاف في إدخال الألف إنما يأتي على قولنا إنها بدل من الهمزة أما إذا كانت للتنبيه فلم يجتمع همزتان لا لفظا ولا تقديرا فلا سبيل إلى القول بإدخال الألف فاستووا في لفظ المد من هذه الجهة لكنهم يتفاضلون فيه على ما سبق ذكره في باب المد والقصر ويعتبر الخلاف المستفاد من قوله وإن حرف مد قبل همز مغير ونظير إتيان الناظم بقوله وذو البدل تعريفا لا شرطا قول العلماء مثل ذلك في معنى الحديث الصحيح أن امرأة كانت تستعير المتاع وتجحده فقطع النبي صلى الله عليه وسلم يدها قالوا ذكر استعارة المتاع وجحده إنما كان تعريفا لا سببا للقطع والسبب سرقة لم تذكر للعلم بها وكان الغرض تعريف المرأة التي قطعت يدها فعرفت بما كانت مشهورة به والله أعلم

(563)

وَضُمَّ وَحَرِّكْ تَعْلَمُونَ الْكِتَابَ مَعْ مُشَدَّدَةٍ مِنْ بَعْدُ بِالْكَسْرِ (ذُ)لِّلاَ

يعني ضم التاء وحرك العين أي افتحها لأنه ذكر التحريك مطلقا غير مقيد مع لام مشددة مكسورة من بعد ذلك فيصير تعلمون من التعليم والقراءة الأخرى من العلم وقد لفظ بها مع كونها معلومة من أضداد ما ذكره والمفعول الأول على قراءة التشديد محذوف أي (تعلمون الناس الكتاب) ، يعني حفظه وفهمه والتعليم يستلزم علم المعلم فكان فيه دلالة على القراءة الأخرى ويؤيد تعلمون بالتخفيف قوله بعد ذلك (تدرسون) ، أي أنتم جامعون لفهم الكتاب وتلاوته وقوله ذللا أي قرب والله أعلم

(564)

وَرَفْعُ وَلاَ يَأْمُرْكُمُو (رُ)وحُهُ (سَماَ) وَبِالتَّاءِ آتَيْناَ مَعَ الضَّمِّ (خُـ)ـوِّلاَ

ينبغي أن لا يقرأ يأمركم في البيت إلا بتحريك الراء إما برفع أو بنصب على القراءتين والوزن مستقيم على ذلك على كف الجزء السباعي وإن قرئ بسكون الراء وضم الميم استقام الوزن بلا كف لكن يكون التلفظ بما لم يقرأ به في القرآن مع ضعف الإسكان في الراء على ما سبق وموضع ولا يأمركم جر بإضافة ورفع إليه ووجه نصب يأمركم العطف على ما قبله من قوله (أن يؤتيه الله-ثم يقول)-(ولا يأمركم) ، ووجه الرفع القطع مما قبله على تقدير وهو لا يأمركم أو ولا يأمركم الله وأبو عمرو على أصله في الاختلاس السابق ذكره وهو فائدة ذكره مع أهل الرفع وهو دليل على ترجيح الاختلاس على الإسكان في ظنه على ما هو الحق وقد سبق بيانه ، فقال صاحب التيسير وأبو عمرو على أصله في الاختلاس والإسكان ، قوله وبالتاء آتينا يعني (آتينا كم من كتاب وحكمة) ، اجعل مكان النون تاء مضمومة وهي تاء المتكلم موضع نون العظمة ولم ينبه على إسقاط الألف لأنه لازم من ضم التاء فإن الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا ووجه القراءتين ظاهر وخول معناه ملك والله أعلم

(565)

وَكَسْرُ لِماَ (فِـ)ـيهِ وَبِالْغَيْبِ تُرْجَعُونَ (عَـ)ـادَ وَفيِ تَبْغُونَ (حَـ)ـاكِيهِ (عَـ)ـوَّلاَ

أي كسر اللام من (لما آتيناكم من كتاب وحكمة) ، حمزة فالهاء في فيه عائدة على آتينا لأنه معه ومتصل به وهذا مما يقوي قوله ولا ألف في ها-هأنتم-أي بعدها وهاهنا قبلها ووجه التجوز فيها واحد وهو الاتصال المذكور أي الكسر مستقر فيما هو متصل بهذا الكلام ومتعلق به ويجوز أن تعود الهاء على الكسر ويكون خبر مبتدأ محذوف أي فيه كلام وبحث كما سنذكره أو تعود الهاء على (لما) ، أي كسره مستقر فيه غير خارج عنه واللام على قراءة حمزة لام التعليل وما مصدرية أو موصولة أي لأجل إيتائي إياكم بعض الكتاب والحكمة ثم لمجئ رسول مصدق لما معكم أو الذي آتيتكموه وجاءكم رسول مصدق له واللام في (لتؤمنن به) ، جواب القسم الذي دل عليه أخذ الميثاق والخطاب للأنبياء والمراد أتباعهم والتقدير ميثاق أمم النبيين وعلى قراءة الجماعة اللام في (لما) ، هي الموطئة للقسم وما إما موصولة أو شرطية والفعلان بعدها ماضيان في اللفظ مستقبلان في المعنى ويظهر لك المعنى إذا قدرت موضع ما حرف إن الشرطية أي إن آتيتكم ذلك تؤمنوا ثم أخرج مخرج الأقسام والمعاهدة وأخذ الميثاق تأكيد للأمر وتقوية له ولتؤمنن جواب القسم ومثله (لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين) ، وقوله حاكيه عولا أي حاكي الغيب عول عليه والغيب في (يبغون) ، راجع إلى ما قبله من قوله (هم الفاسقون) ، والخطاب على الالتفات أو الاستئناف والغيب في-يرجعون-عاد أي عاد على يبغون لأن حفصا قرأهما بالغيب والله أعلم

(566)

وَبِالْكَسْرِ حَجُّ الْبَيْتِ (عَـ)ـنْ (شَـ)ـاهِدٍ وَغَيْبُ مَا تَفْعَلُوا لَنْ تُكْفَرُوهُ لَهُمْ تَلاَ

الكسر والفتح في الحج لغتان ولم يقرأ بالكسر إلا في هذا الموضع أي-وحج البيت- بكسر الحاء منقول عن شاهد أي عن ثقة شاهد له بالصحة وأضاف وغيب إلى جملة ما بعده من الفعلين أي غيب هذا المجموع لهم أي لمدلول عن شاهد وفي تلا ضمير يعود على وغيب أي أنه تبع ما قبله من الغيبة من قوله (من أهل الكتاب أمة)إلى قوله (وأولئك من الصالحين) ، والخطاب لهذه الأمة أو على طريق الالتفات أو التقدير وقلنا لهم ذلك والله أعلم

(567)

يَضِرْكُمْ بِكَسْرِ الضَّادِ مَعْ جَزْمِ رَائِهِ (سَماَ) وَيُضَمُّ الْغَيْرُ وَالرَّاءَ ثَقَّلاَ

يريد (لا يضركم كيدهم شيئا) ، ضار يضير وضر يضر لغتان والفعل مجزوم في القراءتين على جواب الشرط والضم في الراء على قراءة من شدد ضمة بناء إتباعا لضمة الضاد كما نقول لا يرد ويجوز في اللغة الفتح والكسر وظاهر كلامه يدل على أن ضمة الراء حركة إعراب لأنه ضد الجزم وقد قيل به على أن يكون في نية التقديم على الشرط وقيل على حذف الفاء وكلاهما ضعيف والأصح ما تقدم ولكن ضاقت على الناظم العبارة كما تقدم في تضارر في سورة البقرة وأراد بقوله ويضم الغير ضمة الضاد لأن الكسر ضده الفتح لا الضم فاحتاج إلى بيانه وأما جزم الراء فيهم من القراءة الأخرى لأن الجزم ضده الرفع والراء بالنصب لأنه مفعول ثقلا وإنما نص عليه في القراءة الأخرى ولم ينص على التخفيف في الأولى لأنه مستغن عن ذكر التخفيف في الأولى لعدم إمكان النطق بمشدد مجزوم في وسط كلمة ولا يتعذر النطق بمرفوع خفيف فذكره في موضع الحاجة إليه والله أعلم

(568)

وَفِيماَ هُناَ قُلْ مُنْزِلِينَ وَمُنْزِلُونَ لِلْيَحْصُبِي فِي الْعَنْكَبُوتِ مُثَقِّلاَ

أي وفي جملة الحروف المختلف فيها هنا هذا الحرف الذي هو (بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين) ، أو التقدير اقرأ لليحصبي-منزلين-في الحرف الذي هنا-ومنزلون-في حرف العنكبوت وهو (إنا منزلون على أهل هذه القرية) ، واليحصبي هو ابن عامر ومثقلا بكسر القاف حال من فاعل قل وقل بمعنى اقرأ لأن القراءة قول ومنه (إنه لقول رسول كريم) ، أو التقدير-منزلين-هنا-و-منزلون-في العنكبوت استقر لليحصبي مثقلا لهما وإن كان مثقلا صح بفتح القاف فالتقدير استقر ذلك له مثقلا والتخفيف والتثقيل في ذلك لغتان من أنزل ونزل

(569)

وَ(حَقُّ نَـ)ـصِيرٍ كَسْرُ وَاوِ مُسَوِّمِينَ قُلْ سَارِعُوا لاَ وَاوَ قَبْلُ (كَـ)ـماَ (ا)نْجَلَى

السومة العلامة وسوم أي أعلم فمن كسر الواو أسند الفعل إليهم وهو من الإعلام الذي يفعله الشجاع في الحرب من لباس مخصوص وغيره ومن فتح الراء فلأن الله تعالى فعل بهم ذلك وحذف الواو من (وسارعوا إلى مغفرة) ، تقدم مثله في (وقالوا اتخذ الله ولدا) ، والواو منه ساقطة في مصاحف المدينة والشام دون غيرها واحترز بقوله قبل عن الواو التي بعد العين وانجلا أي انكشف والله أعلم

(570)

وَقَرْحٌ بِضَم الْقَافِ وَالْقَرْحُ (صُحْبَةٌ) وَمَعْ مَدِّ كَائِنْ كَسْرُ هَمْزَتِهِ (دَ)لاَ

أي قرأه صحبة والضم والفتح لغتان وجاء ذلك في ثلاثة مواضع في هذه السورة اثنان بلفظ التنكير (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله) ، والثالث بلفظ التعريف (من بعد ما أصابهم القرح) ، ولفظ كائن جاء في مواضع هنا وفي الحج والطلاق والخلاف في جميعها ولم يبين النظم أنه حيث أتى وفاعل دلا ضمير كسر همزته ومعنى دلا في اللغة أخرج دلوه ملآى واستعاره هنا لحصول الغرض وتمام الأمر بالمد مع الكسر وأراد بالمد زيادة ألف بعد الكاف والباقون بلا ألف مع فتح الهمزة ثم ذكر باقي قيود القراءة فقال

(571)

وَلاَ يَاءَ مَكْسُوراً وَقَاتَلَ بَعْدَهُ يُمَدُّ وَفَتْحُ الضَّمِّ وَالْكَسْرِ (ذُ)و وِلاَ

الياء المكسورة زيادة في قراءة غير ابن كثير وهي مشددة ولم يتسع له مجال البيت لذكر ذلك ولو قال في البيت السابق وكل كائن كسر همزته دلا ثم قال ومد ولا ياء لكان وافيا بالغرض ولا حاجة إلى قوله مكسورا حينئذ لأنه لفظ بقراءة الجماعة أي ولا يثبت ابن كثير الياء التي في هذا اللفظ و-كأين-وكئن-لغتان وفيها غير ذلك من اللغات وهي كلمة أي دخل عليها كاف التشبيه كما دخل على ذا في كذا ثم كثر استعمالهما كالكلمة الواحدة بمعنى كم الخبرية فتصرفوا فيها على وجوه وكتب تنوينها نونا ، قوله وقاتل بعده أي بعد كأين قوله تعالى (وكأين من نبي قاتل معه)-(قتل معه) ، القراءتان ظاهرتان إلا أن معنى قوله-قتل معه ربيون كثير فما وهنوا-أي فما وهن من لم يقتل منهم والضم في القاف والكسر في التاء إذا فتحا مع المد صارت الكلمة قاتل فقوله ذو ولا أي فتح الضم والكسر ذو متابعة للمد مصاحبة له والله أعلم

(572)

وَحُرِّكَ عَيْنُ الرُّعْبِ ضَمَّا كَمَا (رَ)سَا وَرُعْباً وَيَغْشى أَنَّثُوا (شَـ)ـائِعاً تَلاَ

يريد الرعب المعرف باللام ورعبا المنكر المنصوب حيث أتى ذلك فالضم فيه والإسكان لغتان وقيل الضم الأصل فأسكن تخفيفا وهو في أربعة مواضع قيل والأصل الإسكان إتباعا ورسا أي ثبت واستقر والتأنيث في-تغشى-للأمنة والتذكير للنعاس وهما واحد لأنه أبدل النعاس من الأمنة وشائعا تلا حالان من مفعول أنثوا أي أنثوا شائعا تابعا ما قبله وهو الأمنة أو يكون شائعا حالا من الضمير في تلا العائد على يغشى

(573)

وَقُلْ كُلَّهُ لِلهِ بِالرَّفْعِ (حَـ)ـامِداً بِمَا يَعْمَلُونَ الْغَيْبُ (شَـ)ـايَعَ (دُ)خْلُلاَ

كله مبتدأ والله الخبر والجملة خبر (إن الأمر) ، وقد أجمعوا على قراءة (إنا كل فيها) ، وهو على هذا الإعراب وكله بالنصب تأكيدا للأمر والغيب في (بما يعملون بصير) ، شايع دخللا له وهو (حسرة في قلوبهم) ، ووجه الخطاب قوله (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا) ، وبعده (ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم) ، والدخلل الدخيل وقد تقدم

(574)

وَمِتُّمْ وَمِتْناَ مُتَّ فِي ضَمِّ كَسْرِهاَ (صَـ)ـفَا (نَفَرٌ) وِرْداً وَحَفْصٌ هُناَ اجْتَلاَ

أي حيث جاءت هذه الكلمات وفهم ذلك من حيث أنه عددها وفيها ما ليس في هذه السورة فقام ذلك مقام قوله حيث أتى ونحوه وضم الميم وكسرها في جميع ذلك لغتان يقال مات يموت فعلى هذا جاء الضم كقولك من قام يقوم قمت ويقال مات يمات كخاف يخاف فعلى هذا جاء الكسر كخفت فيكون الضم من فعل يفعل كقتل يقتل والثاني من فعل يفعل كعلم يعلم ووردا نصب على التمييز أي صفا وردهم ووافقهم حفص على ضم ما في آل عمران وكسر ما في غيرها جمعا بين اللغتين والذي في آل عمران موضعان (ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم)و(لئن متم أو قتلتم لإلى) ، وهذا معنى قوله وحفص هنا اجتلا أي اجتلا الضم وهو من قولهم اجتليت العروس وهذه عبارة مشكلة فإنه لا يفهم منها سوى أن حفصا خصص هذه السورة بقراءة وسائر المواضع بخلافها فيحتمل أن يكون الذي له في آل عمران ضما وأن يكون كسرا لأنه استأنف جملة ابتدأها لحفص ولم يخبر عنه إلا بقوله اجتلا فاحتمل الأمرين فإن قلت اجعل حفصا عطفا على الرمز السابق قلت كان جمعا بين الرمز والمصرح به في مسئلة واحدة وذلك غير واقع في هذا النظم وأيضا فقد فصل بالواو في قوله وردا ثم لو سلمنا أن هذا اللفظ يفيد الضم كان مشكلا من جهة أخرى وهي أنه يوهم أن حفصا منفردا بالضم هنا إذ لم يعد معه الرمز الماضي كقوله رمى صحبة ولو قال صفا نفر معهم هنا حفص اجتلا حصل الغرض وبان وزال الإبهام ولم يضر عدم الواو الفاصلة لعدم الريبة في اتصال ذلك والله أعلم

(575)

وَبِالْغَيْبِ عَنْهُ تَجْمَعُونَ وَضُمَّ فِي يَغُلَّ وَفَتْحُ الضَّمِّ (إِ)ذْ (شَـ)ـاعَ (كُـ)ـفِّلاَ

عنه يعني عن حفص والغيب والخطاب في قوله (خير مما يجمعون) ، كما تقدم في (بما يعملون بصير-وأما)-(وما كان لنبي أن يغل) ، فقواه إذ شاع كفلا على البناء للمفعول ومعنى كفل أي حمل يعني أن هذه القراءة حملها السلف الخلف لما كانت شائعة ومعناها يوجد عالا أو ينسب إلى الغلول أو يغل منه أي يخان بأن يؤخذ من الغنيمة قبل أن يقسمها والغلول الأخذ في خفية ومن قرأ يغل على البناء للفاعل فهو ظاهر أي أنه لا يفعل ذلك واختار ذلك أبو عبيد وأبو علي وقالا أكثر ما يجيء الفعل بعد ما كان لكذا أن يفعل منسوبا إلى الفاعل نحو (وما كان لنفس أن تموت) ، (ما كان لنا أن نشرك)-(وما كان الله ليظلمهم) ، فإن قلت كل واحدة من القراءتين مشتملة على ضم وفتح فكيف تميز إحداهما من الأخرى قلت كأنه استغنى بالترتيب عن تقييد ذلك فضم أولا ثم فتح الضم فيكون الضم في الياء وفتح الضم في الغين والواو وإن كانت لا تقتضي الترتيب على المذهب المختار إلا أن المذكور بها جائز أن يكون مرتبا في نفس الأمر ولا بد أن يريد بذلك إحدى القراءتين ودلنا على هذه القراءة ظاهر لفظه إذ لو أراد الأخرى لقال وفتح أن يغل وضم الفتح حقك نولا أو دام ندحلا أو نل دائما حلا ونحو ذلك

(576)

بِمَا قُتِلُوا التَّشْدِيدُ (لَـ)ـبَّى وَبَعْدَهُ وَفي الْحَجِّ لِلشَّامِي وَالآخِرُ (كَـ)ـمَّلاَ

أي التشديد بهذا اللفظ وهو قوله تعالى (لو أطاعونا)-(ما قتلوا) ، والذي بعده (ولا تحسبن الذين قتلوا)-والآخر-(وقاتلوا وقتلوا) ، يقرأ جميع ذلك بالتشديد والتخفيف وفي التشديد معنى التكثير فأما قوله قبل ذلك (ما ماتوا وما قتلوا)-(ليجعل الله ذلك حسرة) ، فمخفف بلا خلاف ويعلم ذلك من كونه تعداه ولم يذكره واشتغل بذكر متم ويغل ويجمعون ويمتاز هنا أيضا من الأول المختلف فيه بكون هذا في أوله واو وذلك لا واو في أوله فقوله -بما قتلوا- لا يتناول ظاهره إلا ما ليس في أوله واو فالتشديد في -ما قتلوا-لهشام وحده وهو المشار إليه بقوله لبى أي لبى بالتشديد من دعاه -والذين قتلوا-مع الذي في الحج وهو(ثم قتلوا أو ماتوا) ، شددهما ابن عامر (وقاتلوا وقتلوا) ، شدده ابن عامر وابن كثير وهو المرموز في هذا البيت الآتي

(577)

(دَ)رَاكِ وَقَدْ قَالاَ فِي الأنْعَامِ قَتَّلُوا وَبِالْخُلْفِ غَيْباً يَحْسَبَنَّ (لَـ)ـهُ وَلاَ

معنى دراك أدرك كما تقدم في بدار والذي في الأنعام (قد خسر الذين قتلوا أولادهم) ، شدده أيضا ابن عامر وابن كثير وأما الغيب في (ولا يحسبن الذين قتلوا في سبيل) ، فعن هشام فيه خلاف ومعنى الغيب فيه ولا يحسبن الرسول أو حاسب واحد أو يكون -الذين قتلوا-فاعلا والمفعول الأول محذوف أي أنفسهم أمواتا قال الزمخشري وجاز حذف المفعول الأول لأنه في الأصل مبتدأ فحذف كما حذف المبتدأ في قوله-بل أحياء-أي بل هم أحياء لدلالة الكلام عليهما وقوله غيبا نصب على الحال من يحسبن والعامل فيها ما يتعلق به بالخلف أي لا يحسبن استقرار بالخلف غيبا أي ذا غيب له ولا أي نصر والله أعلم ، فإن قلت جاء يحسبن في هذه السورة في مواضع فمن أين علم أنه للذي بعده-الذين قتلوا- ، قلت لأنه أطلق ذلك فأخذ الأول من تلك المواضع ولأنه قد ذكر بعده -أن ويحزن-فتعين هذا لأن باقي المواضع ليس بعده أن ويحزن والله أعلم ، وأكثر المصنفين في القراءات السبع لا يذكرون في هذا الموضع خلافا حتى أن ابن مجاهد قال لم يختلفوا في قوله -ولا تحسبن الذين قتلوا-أنها بالتاء وذكرها أبو علي الأهوازي في كتاب الإقناع في القراءات الشواذ ونسبها إلى ابن محيصن وحده والله أعلم

(578)

وَأَنَّ اكْسِرُوا (رُِ)فْقاً وَيَحْزُنُ غَيْرَ اْلأَنْبِيَاءِ بِضَمٍّ وَاكْسِرِ الضَّمَّ (أَ)حْفَلاَ

يعني قوله تعالى (وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين) ، الكسر على الاستئناف والفتح على العطف على (بنعمة من الله وفضل) ، فيكون من جملة ما بشر به الشهداء وهو أن الله سبحانه يفعل بغيرهم من المؤمنين مثل ما فعل بهم من حسن الخاتمة وقال أبو علي المعنى يستبشرون بتوفر ذلك عليهم ووصوله إليهم لأنه إذا لم يضعه وصل إليهم فلم يبخسوه ولم ينقصوه وحزن وأحزن لغتان وقيل حزنه بمعنى جعل فيه حزنا مثل كحله ودهنه أي جعل فيه كحلا ودهنا ومثل حزنه في هذا المعنى فتنه قال سيبويه وقال بعض العرب أفتنت الرجل وأحزنته أراد جعلته حزينا وفاتنا واستثنى نافع من ذلك ما في الأنبياء وهو (لا يحزنهم الفزع الأكبر) ، فقرأه كالجماعة بفتح الياء وضم الزاي فقوله غير الأنبياء أي غير حرف الأنبياء ورفقا مصدر في موضع الحال أي ذوي رفق بمعنى رافقين وأحفلا حال من فاعل أكسر أي حافلا بهذه القراءة

(579)

وَخَاطَبَ حَرْفَا يَحْسَبَنَّ (فَـ)ـخُذْ وَقُلْ بِمَا يَعْمَلُونَ الْغَيْبُ (حَقٌّ) وَذُو مِلاَ

حرفا يحسبن فاعل خاطب جعلهما مخاطبين لما كان الخطاب فيهما وقد استعمل هذا التجوز كثيرا في هذه القصيدة نحو وخاطب فيها تجمعون له ملا وأراد بالحرفين (ولا تحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير)-(ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا) ، فأما الأول فعلى قراءة الجماعة بالغيب يكون-إنما نملي لهم خير لأنفسهم-سد مسد مفعولي حسب نحو (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون) ، وفي الثاني يكون المفعول الأول محذوفا أي البخل خبرا لهم وقراءة حمزة بالخطاب مشكلة وقد صرح جماعة من أهل العربية بعدم جوازها قال أبو جعفر النحاس زعم أبو حاتم أنه لحن لا يجوز قال وتابعه على ذلك جماعة وقال الزجاج من قرأ-ولا يحسبن-بالتاء لم يجز عند البصريين إلا كسر إن المعنى لا تحسبن الذين كفروا إملاؤنا لهم خير لهم ودخلت أن مؤكدة فإذا فتحت صار المعنى ولا تحسبن الذين كفروا إملاءنا خيرا لهم قال أبو إسحاق وهو عندي يجوز في هذا الموضع على البدل من الذين المعنى ولا تحسبن إملاءنا للذين كفروا خيرا لهم وقد قرأ بها خلق كثير ومثل هذه القراءة من الشعر قول الشاعر (فما كان قيس هلكه هلك واحد ) ، جعل هلكه بدلا من قيس المعنى فما كان هلك قيس هلك واحد قال أبو علي في الإصلاح لا يصح البدل إلا بنصب خير من حيث كان المفعول الثاني لحسبت فكما انتصب هلك واحد في البيت لما أبدل الأول من قيس بأنه خبر كان كذلك ينتصب خير إذا أبدل الإملاء من-الذين كفروا-بأنه مفعول ثان لتحسبن قال وسألت أحمد بن موسى يعني ابن مجاهد عنها فزعم أن أحدا لم يقرأ بها يعني بنصب خير وقال في الحجة-الذين كفروا-في موضع نصب بأنه المفعول الأول والمفعول الثاني في هذا الباب هو المفعول الأول في المعنى فلا يجوز إذا فتح أن في قوله (أنما نملي لهم) ، لأن إملاءهم لا يكون إياهم ، قال فإن قلت فلم لا يجوز الفتح في أن وتجعله بدلا من-الذين كفروا-كقوله (وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره) ، وكما كان أن

من قوله سبحانه (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم) ، قيل لا يجوز ذلك وإلا لزمك أن تنصب خيرا على تقدير لا تحسبن إملاء الذين كفروا خيرا لأنفسهم من حيث كان المفعول الثاني لتحسبن وقيل إنه لم ينصبه أحد فإذا لم ينصب علم أن البدل فيه لا يصح وإذ لم يصح البدل لم يجز إلا كسر إن على أن يكون إن وخبرها في موضع المفعول الثاني من تحسبن ، وقال الزمخشري الذين كفروا في من قرأ بالتاء نصب-وإنما نملي لهم خيرا لأنفسهم-بدل منه أي ولا تحسبن أنما نملى للكافرين خير لهم وأن مع خبره ينوب عن المفعولين وما مصدرية ، فإن قلت كيف صح مجئ البدل ولم يذكر إلا أحد المفعولين ولا يجوز الاقتصار بفعل الحسبان على مفعول واحد ، قلت صح ذلك من حيث أن التعويل على البدل والمبدل منه في حكم المنحى ألا تراك تقول جعلت متاعك بعضه فوق بعض مع امتناع بكونك على متاعك ، قال ويجوز أن يقدر مضاف محذوف على-ولا تحسبن الذين كفروا-أصحاب أن الإملاء خير لأنفسهم أو ولا تحسبن حال الذين كفروا إن الإملاء خير لأنفسهم ، وقال النحاس زعم الكسائي والفراء أنها جائزة على التكرير أي ولا تحسبن الذين كفروا ولا تحسبن أنما نملي لهم يعني مثل (لا تحسبن الذين يفرحون) ، (فلا تحسبنهم) كما سيأتي ، قال النحاس وقراءة يحيى بن وثاب بكسر إن حسنة كما تقول حسبت عمرا أخوه خارج ، وقال مكي إنما وما بعدها بدل من الذين فسد مسد المفعولين كما في قراءة من قرأ بالياء وقال المهدوي قال قوم قدم الذين كفروا توكيدا ثم جاء لهم من قوله-إنما نملي لهم-ردا عليهم والتقدير ولا تحسبن أن إملاءنا للذين كفروا خير لهم وقال أبو الحسن الحوفي إن وما عملت فيه في موضع نصب على البدل من الذين كفروا والذين المفعول الأول والثاني محذوف ، وقال أبو القاسم الكرماني في تفسيره المسمى باللباب يجوز أن تكون التاء للتأنيث كقوله (كذبت قوم نوح) ، ولا تحسبن القوم الذين والذين وصف للقوم كقوله (وأورثنا القوم

الذين كانوا) ، قلت فيتحد معنى القراءتين على هذا لأن الذين كفروا فاعل فيهما وكذا يتحد معنى القراءتين على قول من يقول إن الذين كفروا مفعول على قراءة الياء أيضا والفاعل الرسول أو أحد كما تقدم في (ولا تحسبن الذين قتلوا) ، وقيل إنما نملي بدل من الذين كفروا بدل الاشتمال أي إملاءنا خير بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي هو خير لأنفسهم والجملة هي المفعول الثاني ، قلت ومثل هذه القراءة بيت الحماسة ، (منا الأناة وبعض القوم تحسبنا أنا بطاء وفي إبطائنا سرع) ، كذا جاءت الرواية بفتح أنا بعد ذكر المفعول الأول فعلى هذا يجوز أن تقول حسبت وزيد أنه قائم أي حسبته ذا قيام فوجه الفتح أنها وقعت مفعوله وهي وما عملت فيه في موضع مفرد وهو المفعول الثاني لحسبت والله أعلم ، وأما-ولا تحسبن الذين يبخلون-على قراءة الخطاب فتقديرها على حذف مضاف أي بخل الذين يبخلون والغيب في-بما يعملون خبير-رد على-سيطوقون ما بخلوا به-والخطاب رد على (وإن تؤمنوا وتتقوا) ، والملأ بالمد مصدر لملا وبالقصر الجماعة الأشراف وكلاهما مستقيم المعنى هنا والله أعلم

(580)

يَمِيزَ مَعَ الأنْفَالِ فَاكْسِرْ سُكُونَهُ وَشَدِّدْهُ بَعْدَ الْفَتْحِ وَالضَّمِّ (شُـ)ـلْشُلاَ

يريد (حتى يميز الخبيث) ، وفي الأنفال (ليميز الله الخبيث) ، أي يميز هنا مع حرف الأنفال اكسر الياء الساكنة وشددها بعد الفتح في الميم والضم في الياء وماز يميز وميز يميز لغتان وشلشلا حال من فاعل شدده أو من مفعوله ومعناه خفيفا لأنه قبل التشديد خفيف ويستحب للقارئ تخفيف اللفظ بالحروف المشددة وأن لا يتقعر فيها ويزعج السامع ويتكلف في نفسه مالا يحتاج إليه والله أعلم

(581)

سَنَكْتُبُ يَاءٌ ضُمَّ مَعْ فَتْحِ ضَمِّهِ وَقَتْلَ ارْفَعُوا مَعْ يَا نَقُولُ (فَـ)ـيَكْمُلاَ

أي ياء ضمت مع فتح ضم التاء فيصير الفعل مبنيا للمفعول وقد كان الفاعل ورفع قتل ونصبه عطفا على محل ما قالوا وهو رفع إن كان سنكتب مبنيا للمفعول ونصب إن كان للفاعل وياء يقول الله تعالى والنون نون العظمة ، وقوله مع يا يقول أي مع قراءة يا يقول ونصب فيكملا بالفاء في جواب ارفعوا لأنه أمر والله أعلم أي قرأ ذلك كله حمزة

(582)

وَبِالزُّبُرِ الشَّامِي كَذَا رَسْمُهُمْ وَبِالْكِتَابِ هِشَامٌ وَاكْشِفِ الرَّسْمَ مُجْمِلاَ

يعني قرأ ابن عامر (جاءوا بالبينات وبالزبر) ، بزيادة الباء في (وبالزبر) وكذلك رسم في مصاحف أهل الشام وانفرد هشام بزيادة الباء في-وبالكتاب-فقرأ الآية التي في آل عمران كالتي في فاطر بإجماع ، وقد روى أبو عمرو الداني من طرق أنه في مصحف الشام كذلك ، قال في المقنع هو في الموضعين بالباء ، وقال رأيت هارون بن موسى الأخفش يقول في كتابه إن الباء زيدت في الإمام يعني الذي وجه به إلى الشام في-وبالزبر-وحدها ، قلت وكذلك رأيته أنا في مصحف عندنا بدمشق هو الآن بجامعها بمشهد على ابن الحسين يغلب على الظن أنه المصحف الذي وجهه عثمان رضي الله عنه إلى الشام ورأيته كذلك في غيره من مصاحف الشام العتيقة ، قال الشيخ في شرح العقيلة والذي قاله الأخفش هو الصحيح إن شاء الله لأني رأيته كذلك في مصحف لأهل الشام عتيق يعني المصحف المقدم ذكره فإلى هذا الاختلاف أشار بقوله واكشف الرسم مجملا أي آتيا بالجميل من القول والفعل والله أعلم

(583)

(صَـ)ـفَا (حَقُّ) غَيْبٍ يَكْتُمُونَ يُبَيِّنُنْنَ لاَ تَحْسَبَنَّ الْغَيْبُ (كَـ)ـيْفَ (سَمَا) اعْتَلاَ

أي يكتمون ويبينن صفا حق غيب فيهما يريد قوله تعالى (ليبيننه للناس ولا يكتمونه) ، الغيب فيهما والخطاب على ما تقدم في-لا يعبدون إلا الله-ويقوى الخطاب الاتفاق عليه في الآية المتقدمة (وإذا أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم-وأما)-(لا تحسبن الذين يفرحون) ، فقرئ بالغيب والخطاب وسيأتي توجيههما

(584)

وَ(حَـ)ـقَّا بِضَمِّ الْبَا فَلاَ يَحْسِبُنَّهُمْ وَغَيْبٍ وَفِيهِ الْعَطْفُ أَوْ جَاءَ مُبْدَلاَ

نصب حقا على المصدر أي حق ذلك حقا وهو أن-فلا يحسبنهم-بضم الباء والغيب وفي بعض النسخ وحق بالرفع فيكون خبر المبتدأ الذي هو-فلا يحسبنهم-أي أنه بالضم والغيب حق ووجه ضم الباء أن الأصل فلا يحسبون فالواو ضمير-الذين يفرحون-لأن ابن كثير وأبا عمرو قرءا بالغيب فيهما فانحذفت النون للنهي وانحذفت الواو لسكون نون التأكيد فبقيت ضمة الباء على حالها دالة على الواو المحذوفة ويكون يحسبن على قراءتهما قد حذف مفعولاه لدلالة ظهور المفعولين في (فلا يحسبنهم بمفازة من العذاب) ، أي لا يحسبن الفارحون أنفسهم فائزين وقرأ نافع وابن عامر بالغيبة في الأول والخطاب في الثاني مع فتح الباء لأجل النون المؤكدة ولولاها لكانت الباء ساكنة والقول في مفعولي الأول كما تقدم وقرأ الباقون وهم عاصم وحمزة والكسائي بالخطاب فيهما ووجه ذلك أن يقال الذين يفرحون هو المفعول الأول والثاني محذوف لأنه في الأصل خبر المبتدأ فحذف كما يحذف خبر المبتدأ عند قيام الدلالة عليه ، وقوله-فلا يحسبنهم بمفازة قد استوفى مفعوليه وهما في المعنى مفعولا الأول فاستغنى عنهما في الأول بذكرهما في الثاني على قراءة الغيبة في الأول وعلى قراءة الخطاب استغنى عن أحدهما دون الآخر تقوية في الدلالة ، وقال الزمخشري أحد المفعولين-الذين يفرحون-والثاني-بمفازة-وقوله-فلا يحسبنهم-تأكيد تقديره لا تحسبنهم فلا تحسبنهم فائزين وقوله وفيه العطف أي في تحسبنهم فائدة العطف على الأول فلهذا كرر أو جاء مبدلا منه فذكر وجهين لمجيء فعل النهي عن الحسبان في هذه الآية مكررا وما ذكرناه من تأويل هذه القراءات الثلاث لا يخرج عن الوجهين اللذين ذكرهما لأن الجملة الثانية إن وافقت الأولى في الغيبة والخطاب صح أن تكون بدلا منها على أن تكون الفاء في-فلا-زائدة كقوله ، وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي ، ووجه البدل أن الكلام إذا طال الفصل بينه وبين ما يتعلق به جاز إعادته ليتصل بالمتعلق به كقوله تعالى (فلما

جاءهم كتاب من عند الله) ، فلما طال الفصل قبل الجواب أعاد الفصل بالفاء فقال تعالى (فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به) ، وتجوز الإعادة بلا فاء قال سبحانه في موضع آخر (إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) ، سمى نحو هذا بدلا باعتبار أنه عوض منه وإلا فهو بالتأكيد أشبه على اصطلاح النحويين وبهذا عبر عنه الزمخشري كما سبق ذكره وأما على قراءة من غاير بين الفعلين غيبة وخطابا فالثانية عطف على الأولى لا بدل كقولك ما قام زيد فلا تظننه قائما وذكر الشيخ أبو علي في الحجة وجه البدل ونص على زيادة الفاء في-فلا-ومنع من وجه العطف وقال ليس هذا موضع العطف لأن الكلام لم يتم ألا ترى أن المفعول الثاني لم يذكر بعد وفيما قاله نظر والله أعلم

(585)

هُناَ قَاتَلُوا أَخِّرْ (شِـ)ـفَاءً وَبَعْدُ فِي بَرَاءةَ أَخِّرْ يَقْتُلُونَ (شَـ)ـمَرْدَلاَ

يعني قوله تعالى (وقاتلوا وقتلوا) وفي براءة (فيقتلون ويقتلون) ، قدم الجماعة في الموضعين الفعل المبني للفاعل على الفعل المبني للمفعول وعكس ذلك حمزة والكسائي في الموضعين فأخرا المبني للفاعل وقدما المبني للمفعول ووجهه من جهة المعنى أنهم-قاتلوا وقتلوا-بعد ما وقع القتل فيهم وقتل بعضهم لا أن القتل أتى على جميعهم وهو كالمعنى السابق في قوله-قتل معه ربيون كثير فما وهنوا-وقوله شفاء مصدر في موضع الحال أي أخره ذا شفاء والشين فيه وفي شمردلا رمز ولو اختصر على الأخير لحصل الغرض ولكن كرر زيادة في البيان لأنه محتاج إلى كلمة يتزن بها البيت في موضع شفاء فلو أتى بكلمة ليس أولها شين لكانت رمزا لمن دل عليه أول حروفها فعدل إلى كلمة أولها رمز القارئ خوفا من اللبس والشمردل الخفيف والله أعلم

(586)

وَيَا آتُها وَجْهِي وَإِنِّي كِلاَهُمَا وَمِنِّي وَاجْعَلْ لِي وَأَنْصَاريَ الْمِلاَ

يعني-وجهي لله-فتحها نافع وابن عامر وحفص وإني موضعان أحدهما (وإني أعيذها) ، فتحها نافع وحده والآخر (إني أخلق لكم من الطين) ، فتحها نافع وابن كثير وأبو عمرو غير أن (أني) ، مفتوحة في قراءة غير نافع فلفظ بها في البيت على قراءة نافع (فتقبل مني إنك) ، فتحها نافع وأبو عمرو و(واجعل لي آية) ، فتحها أيضا أبو عمرو ونافع (من أنصاري إلى الله) ، فتحها نافع وحده والملا بكسر الميم والمد جمع ملئ وهو الثقة وهو صفة لأنصاري أو صفة لقوله وياءاتها أي وياءاتها الملاهي كذا وكذا فهذه ست ياءات إضافة مختلف في إسكانها وفتحها وفي هذه السورة من ياءات الزوائد المختلف في إثباتها وحذفها ياءان (ومن اتبعني) ، أثبتها في الوصل نافع وأبو عمرو (وخافون إن كنتم مؤمنين) ، أثبتها أبو عمرو وحده في الوصل وقلت في ذلك ، (مضافاتها ست وجاء زيادة وخافون إن كنتم من اتبعن ولا) ، أي وجاء وخافون ومن اتبعن زيادة أي ذوي زيادة فيهما الياء الزائدة على الرسم والولا المتابعة أي ولى هذا هذا ولاء بكسر الواو والله أعلم

سورة النساء

(587)

وَكُوفِيُّهُمْ تَسَّاءَلُونَ مُخَفَّفًا وَحَمْزَةُ وَالأَرْحَامَ بِالْخَفْضِ جَمَّلاَ

نصف هذا البيت هو نصف هذه القصيدة أي الكوفيون قرءوا تساءلون بالتخفيف والأصل تتساءلون فمن خفف حذف التاء الثانية ومن شدد أدغمها في السين وله نظائر مثل-تذكرون-تزكى-تصدى وأما قراءة والأرحام بالنصب فعطف على موضع الجار والمجرور أو على اسم الله تعالى أي واتقوا الأرحام أي اتقوا حق الأرحام فصلوها ولا تقطعوها وفي الحديث أنا الرحمن وهي الرحم شققت لها من اسمي من قطعها قطعته فهذا وجه الأمر بالتقوى فيها مع لله تعالى وقرأها حمزة والأرحام بالجر وعبر الناظم عنه بالخفض واستحسنه الشيخ هنا وقال فيه تورية مليحة لأن الخفض في الجواري الختان وهو لهن جمال والخفض الذي هو الإعراب جمال الأرحام لما فيه من تعظيم شأنها قلت يعني بسبب عطفها على اسم الله تعالى أو بسبب القسم بها وبهذين الوجهين عللت هذه القراءة وفي كل تعليل منهما كلام أما العطف فالمعروف إعادة حرف الجر في مثل ذلك كقوله-وإنه لذكر لك ولقومك-فخسفنا به وبداره الأرض-ونحو ذلك ، وقال الزجاج القراءة الجيدة نصب الأرحام المعنى واتقوا الأرحام أن تقطعوها فأما الخفض فخطأ في العربية لا يجوز إلا في اضطرار شعر وخطأ أيضا في أمر الدين عظيم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تحلفوا بآبائكم فكيف يكون تتساءلون بالله والأرحام على هذا قال ورأيت إسماعيل بن إسحاق ينكر هذا ويذهب إلى أن الحلف بغير الله أمر عظيم وأن ذلك خاص لله تعالى على ما أتت به الرواية فأما العربية فإجماع النحويين أنه يقبح أن ينسق باسم ظاهر على اسم مضمر في حال الخفض إلا بإظهار الخافض قال بعضهم لأن المخفوض حرف متصل غير منفصل فكأنه كالتنوين في الاسم فقبح أن يعطف اسم يقوم بنفسه على اسم لا يقوم بنفسه ، وقال المازني كما لا تقول مررت بزيد وبك لا تقول مررت بك وزيد قلت هاتان العلتان منقوضتان بالضمير المنصوب وقد جاز العطف عليه فالمجرور كذلك وأما إنكار هذه القراءة من جهة المعنى لأجل أنها سؤال بالرحم وهو حلف

وقد نهى عن الحلف بغير الله تعالى فجوابه أن هذا حكاية ما كانوا عليه فحضهم على صلة الرحم ونهاهم عن قطعها ونبههم على أنها بلغ من حرمتها عندهم أنهم يتساءلون بها ثم لم يقرهم الشرع على ذلك بل نهاهم عنه وحرمتها باقية وصلتها مطلوبة وقطعها محرم وجاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية عند حثه على الصدقة يوم قدم عليه وفد مضر وهو إشارة إلى هذا سواء كان قرأها نصبا أو خفضا فكلاهما محتمل وخفي هذا على أبي جعفر النحاس فأورد هذا الحديث ترجيحا لقراءة النصب ولا دليل له في ذلك فقراءة النصب على تقدير واتقوا الأرحام التي تتساءلون بها فحذف استغناء بما قبله عنه وفي قراءة الخفض حذف واتقوا الأرحام ونبه بأنهم يتساءلون بها على ذلك وحسن حذف الياء هنا أن موضعها معلوم فأنه كثر على ألسنتهم قولهم سألتك بالله والرحم وبالرحم فعومل تلك المعاملة مع الضمير فهو أقرب من قول رؤبة خير لمن قال له كيف أصبحت أي بخير لما كان ذلك معلوما قال الزمخشري في كتاب الأحاجي في قولهم لا أبا لك اللام مقدرة منوية وإن حذفت من اللفظ الذي شجعهم على حذفها شهرة مكانها وأنه صار معلوما لاستفاضة استعمالها فيه وهو نوع من دلالة الحال التي لسانها أنطق من لسان المقال ومنه حذف لا في (تالله تفتؤ تذكر يوسف) ، وحذف الجار في قوله روبة خير إذا أصبح وحمل قراءة حمزة-تساءلون به والأرحام- عليه سديد لأن هذا الكلام قد شهر بتكرير الجار فقامت الشهرة مقام الذكر ، وقال في الكشاف وينصره قراءة ابن مسعود (تساءلون به والأرحام) ، قال الفراء حدثني شريك بن عبد الله عن الأعمش عن إبراهيم قال والأرحام خفض الأرحام قال هو كقولهم أسألك بالله والرحم قال وفيه قبح لأن العرب لا ترد مخفوضا على مخفوض قد كنى عنه قال وقال الشاعر في جوازه ، (فعلق في مثل السواري سيوفنا وما بينهما واللعب غوط نفانف) ، قال وإنما يجوز هذا في الشعر لضيقه ، قال الزجاج وقد جاء ذلك في

الشعر أنشد سيبويه ، (فاذهب فما بك والأيام من عجب ) ، وقال العباس بن مرداس ، (اكر على الكتيبة لا أبالي أحتفي كان فيها أم سواها) ، وأنشده الحق في إعرابه لحسان بن ثابت فانظر بنا والحق كيف نوافقه والأبيات المتقدمة وزاد ، (إذا أوقدوا نارا لحرب عدوهم فقد خاب من يصلى بها وسعيرها) ، ثم أخذ في الاستدلال على صحة ذلك وقوته من حيث النظر وأصاب رحمه الله فإن الاستعمال قد وجد وكل ما يذكر من أسباب المنع فموجود في الضمير المنصوب مثله وقد أجازوا العطف عليه فالمجرور كذلك قياسا صحيحا وقول أبي علي في الحجة هو ضعيف في القياس قليل في الاستعمال ممنوع ولقائل أن يقول العطف على الضمير المنصوب كذلك فقال الشيخ في شرحه حكى قطرب ما فيها غيره وفرسه وقال في شرح المفصل وقد أجاز جماعة من النحويين الكوفيين أن يعطف على الضمير المجرور بغير إعادة الخافض واستدلوا بقراءة حمزة وهي قراءة مجاهد والنخعي وقتادة وابن رزين ويحيى بن واب وطلحة والأعمش وأبي صالح وغيرهم وإذا شاع هذا فلا بعد في أن يقال مثل ذلك في قوله تعالى-وكفر به والمسجد الحرام-أي وبحرمة المسجد الحرام ولا حاجة أن يعطف على سبيل الله كما قاله أبو علي وغيره ولا على الشهر الحرام كما قاله الفراء لوقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه وإن كان لكل وجه صحيح والله أعلم والوجه الثاني في تعليل قراءة الخفض في الأرحام أنها على القسم وجوابه إن الله كان عليكم رقيبا أقسم سبحانه بذلك كما أقسم بما شاء من مخلوقاته من نحو والتين والزيتون والعصر والضحى والليل إما بها أنفسها أو على إضمار خالقها عز وجل وهو كإقسامه بالصافات وما بعدها على أن إلهكم لواحد وهذا الوجه وإن كان لا مطعن عليه من جهة العربية فهو بعيد لأن قراءة النصب وقراءة ابن مسعود بالياء مصرحتان بالوصاة بالأرحام على ما قررناه وأما رد بعض أئمة العربية ذلك فقد سبق جوابه وحكى أبو نصر ابن القشيري رحمه الله في تفسيره كلام أبي

إسحاق الزجاج الذي حكيناه ثم قال ومثل هذا الكلام مردود عند أئمة الدين لأن القراءات التي قرأ بها أئمة القراء ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم تواترا يعرفه أهل الصنعة وإذا ثبت شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم فمن رد ذلك فقد رد على النبي صلى الله عليه وسلم واستقبح ما قرأ به وهذا مقام محذور لا تقلد فيه أئمة اللغة والنحو ولعلهم أرادوا أنه صحيح فصيح وإن كان غيره أفصح منه فإنا لا ندعي أن كل القراءات على أرفع الدرجات في الفصاحة قلت وهذا كلام حسن صحيح والله أعلم

(588)

وَقَصْرُ قِيَامًا (عَمَّ) يَصْلَوْنَ ضُمَّ (كَـ)ـمْ (صَـ)ـفَا نَافِعٌ بِالرَّفْعِ وَاحِدَةٌ جَلاَ

القيم والقيام واحد يوصف به الذي يقوم بالمصالح ومعناه الثبات والدوام وهما مصدران وصف بهما الأموال هنا والكعبة في المائدة ووصف الدين في الأنعام بالقيم والقيم أي هو مستقيم قال حسان بن ثابت ، (فنشهد أنك عبد الإله أرسلت نورا بدين قيم) ، فابن عامر قرأ الثلاثة قيما على وزن عب ونافع هنا فقط-وسيصلون سعيرا-بضم الياء وفتحها ظاهر وواحدة التي رفعها نافع وحده وهو-وإن كانت واحدة-جعل كان تامة ومن نصب طابق به قوله-فإن كن نساء فإن كانتا اثنتين-أي إن كان الوارث واحدة وإنما أنث الفعل وألحق علامتي الجمع والتثنية في كن وكانتا ليطابق الاسم الخبر لفظا ولم يأت الناظم في هذا البيت بواو فاصلة وذلك في موضعين إذ لا ريبة في اتصال المسائل الثلاث وجلا في آخر البيت ليس برمز إذ قد تقدم مرارا بيان أنه لم يرمز قط مع التصريح بالاسم ولم يصرح بالاسم مع الرمز ولولا أن ذلك اصطلاحه لكان نافع محتملا أن يكون من جملة قراء سيصلون بالضم ورفع واحدة لورش وحده والله أعلم

(589)

وَيُوصى بِفَتْحِ الصَّادِ (صَـ)ـحَّ (كَـ)ـمَا (دَنَا) وَوَافَقَ حَفْصٌ فِي الأَخِيرِ مُجَمَّلاَ

الكسر والفتح في هذا ظاهر أن والأخير هو الذي بعده-غير مضار وصية من الله-ومجملا حال من حفص أي مجملا ذلك على أئمته وناقلا لفتحه ذلك عنهم وفي قراءته جمع بين اللغتين وحق هذا البيت أن يكون بعد البيتين اللذين بعده لأن فلأمه في السورة قبل قوله يوصي بها والله أعلم

(590)

وَفِي أُمًّ مَعْ فِي أُمِّهَا فَلأُمِّهِ لَدَى الْوَصْلِ ضَمُّ الهَمْزِ بِالْكَسْرِ (شَـ)ـمْلَلاَ

أراد (وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي) أول الزخرف (في أمها رسولا) ، في القصص-فلأمه-في موضعين هنا ضم الهمزة في هذه المواضع أسرع بالكسر والأصل الضم ووجه كسر الهمزة وجود الكسرة قبلها أو الياء وهي من جنس الكسر فكسروا الهمزة استثقالا للخروج من كسر وشبهه إلى ضم وهذا كما فعلوا في كسر هاء الضمير نحو بهم وفيهم والهمز مجترأ عليه حذفا وإبدالا وتسهيلا فغير بعيد من القياس تغيير حركته وقد غيروا حركة حروف عدة كما مضى في بيوت وما سيأتي في جيوب وعيون وشيوخ وغيوب قال أبو جعفر النحاس رحمه الله في كسر-فلأمه-هذه لغة حكاها سيبويه قال هي لغة كثير من هوازن وهذيل وقوله لدى الوصل يريد به وصل حرف الجر بهمزة أم فلو فصلت بأن وقفت على حرف الجر ضمت الهمزة بلا خلاف لأنه لم يبق قبلها ما يقتضي كسرها فصارت كما لو كان قبلها غير الكسر والياء نحو-ما هن أمهاتهن-وأمه آية-وكذا إذا فصل بين الكسر والهمزة فاصل غير الياء نحو-إلى أم موسى فرددناه إلى أمه-لا خلاف في ضم كل ذلك فقول الناظم وفي أم قيده بذكر في احترازا من مثل ذلك وقوله وفي أم وما بعده مبتدأ وضم الهمزة بدل اشتمال من المبتدأ وشمللا خبر المبتدأ ومعناه أسرع

(591)

وَفي أُمَّهَاتِ النَّحْلِ وَالنُّورِ وَالزُّمَرْ مَعَ النَّجْمِ (شَـ)ـافٍ وَاكْسِرِ الْمِيمَ (فَـ)ـيْصَلاَ

في هنا حرف جر وليس كقوله وفي أم فإن في ثم من لفظ القرآن فلهذا أعربنا ذلك مبتدإ وهذا خبره مقدم والمبتدأ قوله شاف أي وفي هذه الكلمة التي هي أمهات من هذه السور الأربع كسر شاف أو يكون تقدير الكلام وأسرع ضم الهمز بالكسر في هذه المواضع وشاف خبر مبتدإ محذوف أي هو شاف وأسكن الراء من الرمز ضرورة نحو ، (فاليوم أشرب غير مستحقب إثما من الله ولا واغل) ، وهذه المواضع الأربعة-والله أخرجكم من بطون أمهاتكم-أو بيوت أمهاتكم-يخلقكم في بطون أمهاتكم-(وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم) ، فالجميع قبله كسر فلهذا كسرت الهمزة اتباعا وكسر حمزة دون الكسائي الميم بعد الهمزة تبعا لها في هذه المواضع الأربعة وفيصلا حال من الضمير في اكسر أي فاصلا بين قراءتهما فحمزة كسر الهمزة والميم معا والكسائي كسر الهمزة وحدها وكل ذلك في الوصل فإن وقفت على حرف الجر وابتدأت الكلمات ضمت الهمزة وفتحت الميم كقراءة الجماعة والله أعلم

(592)

وَنُدْخِلْهُ نُونٌ مَعْ طَلاَقٍ وَفَوْقُ مَعْ نُكَفِّرْ نُعَذِّبْ مَعْهُ في الْفَتْحِ (إِ)ذْ (كَـ)ـلاَ

أي ذو نون هاهنا في موضعين-ندخله جنات-وندخله نارا-مع الذي في آخر الطلاق وندخله جنات والذي فوق الطلاق يعني سورة التغابن فيها ندخله مع نكفر يعني قوله تعالى-نكفر عنه سيئاته وندخله-ثم قال نعذب معه أي مع ندخله في الفتح أي اجتمعا في سورة الفتح في قوله-ومن يطع الله ورسوله ندخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول نعذبه عذابا أليما-فذلك سبعة مواضع قرأهن بالنون نافع وابن عامر والباقون بالياء ووجه القراءتين ظاهر وضاق عليه البيت عن بيان أن في هذه السورة موضعين كما قال في البقرة معا قدر حرك ومثله قوله في الأعراف والخف أبلغكم حلا ولم يقل معا وهو في قصتي نوح وهود وكلا أي كلاه أي حفظه قارئه فرواه لنا ، والله أعلم

(593)

وَهذَانِ هاتَيْنِ الَّلذَانِ الَّلذَيْنِ قُلْ يُشَدَّدُ لِلْمَكِّي فَذَانِكَ (دُ)مْ (حَـ)ـلاَ

التشديد في هذه الكلمات في نوناتها ولم يبينه لظهوره أو لأن كلامه في النون في قوله ندخله نون فكأنه قال تشدد نون هذه الكلمات لابن كثير والتشديد والتخفيف في ذلك كله لغتان وأراد (هذان خصمان)-(إن هذان لساحران)-(إحدى ابنتي هاتين)-(واللذان يأتيانها منكم)-(أرنا اللذين أضلانا)-(فذانك برهانان من ربك) ، التشديد عوض من الألف المحذوفة من هاذان وهاتين وفذانك ومن الياء المحذوفة في اللذان واللذين حذفتا لسكون ألف التثنية بعدهما شدد الجميع ابن كثير ووافقه أبو عمرو على تشديد-فذانك-وقراءة الباقين بالتخفيف على قياس نونات التثنية مطلقا وقوله دم حلا أي ذا حلا وأراد-فذانك-بالتشديد لأن الكلام فيه ولقائل أن يقول إنما لفظ به مخففا فيدخل في قوله وباللفظ استغنى عن القيد وجوابه أنه لم يمكنه اللفظ به مشددا لامتناع اجتماع الساكنين في الشعر فلم يبق اللفظ جاليا للمقصود

(594)

وَضُمَّ هُنَا كَرْهًا وَعِنْدَ بَرَاءةٍ (شِـ)ـهَابٌ وَفي الأَحْقَافِ (ثُـ)ـبِّتَ (مَـ)ـعْقِلاَ

الضم والفتح في هذا لغتان كالضعف والضعف وفي الأحقاف موضعان وقوله عند براءة أي فيها كما تقول عندي كذا أي في ملكي يريد فيما حوته براءة من الآيات وكما تجوز عما هو عندي بقي في قوله ولا ألف في ها-هانتم- على ما سبق تجوز هنا بعكس ذلك وكان له أن يقول وما في براءة أو وكرها هنا وفي براءة ضمه شهاب ومعقلا تميز أو حال والضمير في ثبت للحرف المختلف فيه أو لشهاب أي ثبت معتلا أو مشبها معقلا المعقل الملجأ يقال فلان معقل لقومه وأصله الحصن

(595)

وَفي الْكُلِّ فَافْتَحْ يَا مُبَيِّنَةٍ (دَ)نَا (صَـ)ـحِيحًا وَكَسْرُ الْجَمْعِ (كَـ)ـمْ (شَـ)ـرَفًا (عَـ)ـلاَ

أي كم علا شرفا والمميز محذوف أي كم مرة علا شرفا والجمع يعني به مبينات جمع مبينة فوجه الفتح فيهما ظاهر أي بينها من يدعيها-وآيات مبينات-بينها الله سبحانه وبالكسر يجوز أن يكون لازما أي هي بينة في نفسها ظاهرة وبينات جمعها يقال بينت الشيء تبين مثل تبين ويجوز أن يكون متعديا أي مبينة صدق مدعيها فهو لازم ومتعد وصحيحا حال من فاعل دنا وكسر الجمع أي كسريا المجموع من ذلك والله أعلم

(596)

وَفي مُحْصَنَاتٍ فاكْسِرِ الصَّادَ (رَ)اوِيًا وَفي المُحْصَنَاتِ اكْسِرْ لَهُ غَيْرَ أَوَّلاَ

يعني اكسر المنكر والمعرف إلا الأول وهو (والمحصنات من النساء) ، في رأس الجزء لأنه بمعنى المزوجات فالكسر على معنى أنهن أحصن فروجهن إما بالأزواج أو بالحفظ والفتح على أن الله تعالى أحصنهن أو يكون بمعنى الكسر قال الشيخ في شرحه يقال أحصن فهو محصن والفتح إذا أفلس فهو ملفح وأشهب فهو مشهب نذرت بالفتح هذه الثلاثة وأولا مخفوض بغير ولكنه غير منصرف والتقدير غير حرف أول والله أعلم

(597)

وَضَمٌّ وَكَسْرٌ فِي أَحَلَّ صِحَابُهُ وُجُوهٌ وَفِي أَحْصَنَّ (عَـ)ـنْ (نَفَرِ) الْعُلاَ

يعني (وأحل لكم ما وراء ذلكم) ، ومعنى صحابه وجوه أي رواته رؤساء من قولهم هم وجوه القوم أي أشرافهم وكبارهم وعاد الضمير مفردا صحابه وإن كان الذي عاد إليه مثنى وهما الضم والكسر لأنهما في معنى المفرد وهو اللفظ والحرف أو صحاب هذا الفعل وجوه وهذه القراءة على مطابقته (حرمت عليكم) ، ووجه الفتح إسناد الفعل إلى الله تعالى لقوله قبله (كتاب الله عليكم) ، قوله وفي أحصن أي والضم والكسر في الموضعين الفتح في الحرفين أما كونه ضد الكسر فمطرد ومنعكس وأما كونه ضد الضم فمطرد غير منعكس على ما سبق بيانه في شرح الخطبة ولم يقرأ أحد بالضم والكسر في الكلمتين معا إلا حفص وقرأ أبو بكر بالفتح فيهما معا وأما باقي القراء فمن ضم وكسر في-أحل-فتح في-أحصن-ومن فتح في-أحل-ضم وكسر في-أحصن-فالفتح في-أحصن-كالكسر في-محصنات أسند الفعل إليهن والضم والكسر في-أحصن-كفتح صاد-محصنات-والله أعلم

(598)

مَعَ الْحَجِّ ضَمُّوا مَدْخَلاً (خَـ)ـصَّهُ وَسَلْ فَسَلْ حَرَّكُوا بِالنَّقْلِ (رَ)اشِدُهُ (دَ)لاَ

أي خص بالخلف مدخلا هنا وفي الحج (وندخلكم مدخلا كريما)-(ليدخلنهم مدخلا يرضونه) ، دون الذي في-سبحان-(مدخل صدق) ، فإنه بالضم اتفاقا وخصه فعل أمر وفتح الصاد لغة صحيحة خلافا لمن لم يجز فيه إلا الضم عند اتصال ضمير الغائب به اتباعا ويجوز أن يكون خصه فعل ما لم يسم فاعله ، على حذف حرف الجر اتساعا أي خص به ومدخلا بالضم إما مصدر أو اسم مكان من أدخل وبالفتح أيضا كذلك من دخل فيكون على قراءة الفتح قد قرن بالفعل غير مصدره واسم مكانه أو يقدر له فعله على معنى فيدخلون مدخلا وأما فعل الأمر من سأل فإن لم يكن قبله واو ولا فاء فقد أجمع القراء على حذف الهمزة بعد نقل حركتها إلى السين نحو (سل بني إسرائيل) ، وإن كان قبله واو أو فاء وكان أمرا لغير المخاطب فأجمعوا على همزة نحو (وليسئلوا ما أنفقوا) ، وإن كان أمرا للمخاطب فالقراء أيضا أجمعوا على الهمز لا ابن كثير والكسائي وعلته أن أمر المخاطب كثير الاستعمال فخففوه والمستعمل بغير واو ولا فاء أكثر فناسب التخفيف والهمز الأصل والراشد السالك طريق الرشد ودلا أي وافق في حصول مقصوده فإن معناه لغة أخرج دلوه ملآء وذلك مقصود من أدلى دلوه فاستعاره الناظم لهذا المعنى وما يناسبه والله أعلم وأحكم

(599)

وَفي عَاقَدَتْ َقْصٌر (ثَـ)ـوَى وَمَعَ الْحَدِيدِ فَتْحُ سُكُونِ الْبُخْلِ وَالضَّمِّ (شَـ)ـمْلَلاَ

في المفاعلة عاقدت ظاهرة ومعنى عقدت أي عقدت أيمانكم عهودهم والأيمان هنا جمع يمين التي هي اليد وهنا وفي سورة الحديد (ويأمرون الناس بالبخل) ، فتح السكون في الخاء وفتح الضم في الباء شملل أي أسرع أي قراءة حمزة والكسائي بفتح الحرفين والباقون بالضم والإسكان وهما لغتان كالحزن والحزن والعرب والعرب والله أعلم

(600)

وَفي حَسَنَهْ (حِرْمِيُّ) رَفْعٍ وَضَمُّهُمْ تَسَوَّى (نَـ)ـماَ (حَقًّا) وَ(عَمَّ) مُثَقَّلاَ

يعني (وإن تك حسنة) ، الرفع على أن كان تامة والنصب على أنها ناقصة والاسم ضمير عائد على الذرة أو على المثقال وأنث ضميره لأنه مضاف إلى مؤنث كقوله ، (كما نهلت صدر القناة من الدم ) ، وأسكن الناظم الهاء من-حسنة-ضرورة كما سبق في هذه السورة وفي أمهات النحل والنور والزمر وفي الأصول وفي البقرة فقل (يعذب) ، وقوله سبحانه (لو تسوى بهم الأرض) ، بضم التاء على البناء للمفعول والتثقيل أراد به التشديد مع فتح التاء أصله لو تتسوى فأدغم التاء في السين وحمزة والكسائي على حذفها مع فتح التاء مثل ما مضى في تسألون أول السورة ونما أي ارتفع وحقا تمييز أو حال ومثقلا حال وفاعل نما ضمير الضم وفاعل عم ضمير تسوى والله أعلم

(601)

وَلاَمَسْتُمُ اقْصُرْ تَحْتَهاَ وَبِهاَ (شَـ)ـفاَ وَرَفْعُ قَلِيلٌ مِنْهُمُ النَّصْبَ (كُـ)ـلِّلاَ

يعني قوله (ولامستم النساء) ، هنا وفي المائدة إذا قصر صار لمستم فيجوز أن يكون لامس بمعنى لمس ويجوز أن يكون على بابه واختلف الصحابة ومن بعدهم من الفقهاء في أن المراد به الجماع أو اللمس باليد مع اتفاقهم على أن المراد باللمس الجماع في قوله تعالى (ما لم تمسوهن) ، حيث وقع سواء قرئ بالمد أو بالقصر والذين مدوا لامس قصروا تمسوهن وبالعكس مع أن معنى اللفظين واحد من حيث أصل اللغة وقد حققنا الكلام في هذا ولله الحمد في المسائل الفقهية في الكتاب المذهب سهل الله إتمامه وأما (ما فعلوه إلا قليل منهم) ، فالرفع فيه هو الوجه الأقوى عند النحويين على البدل من فاعل فعلوه كأنه قال ما فعله إلا قليل منهم ولو كان بهذه العبارة لم يكن إلا بالرفع ومعنى اللفظين واحد والنصب جائز على أصل باب الاستثناء كما في الإيجاب لو قلت فعلوه إلا قليلا لم يجز إلا النصب وقد أجمعوا على رفع (ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم) ، واختلفوا في (ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك) ، وفيه بحث حسن سيأتي إن شاء الله تعالى قوله ورفع قليل أي مرفوعه وهو اللام الأخيرة كلل النصب أي بالنصب أي جعل له كالإكليل وهو التاج أو يكون من قولهم روضة مكللة أي محفوفة بالنور فيكون قوله رفع على ظاهره ليس بمعنى مرفوع يعني أن النصب في مثل هذا تابع للرفع كالنور التابع للروضة لأن أصل هذا الباب عند النحويين البدل كما ذكرنا فكأن النصب طارئ على ما هو وجه الكلام وأصله

(602)

وَأَنِّثْ يَكُنْ (عَـ)ـنْ (دَ)ارِمٍ (تظْلَمُونَ غَيْبُ شُهْدٍ (دَ)نَا إِدْغَامُ بَيَّتَ (فِـ)ـي (حُـ)ـلاَ

يعني (كأن لم يكن بينكم وبينه مودة) ، التأنيث لأجل لفظ مودة والتذكير لأجل الفصل الواقع بين الفعل والفاعل مع أن المودة بمعنى الود والدارم الذي يقارب الخطا في مشيه أي القراءة منقولة عن شيخ هذه صفته ودارم أيضا اسم قبيلة من تميم وليس ابن كثير منهم خلافا لما وقع في شرح الشيخ رحمه الله وقد بينا الوهم في ذلك في الشرح الكبير في ترجمة ابن كثير وأما (ولا يظلمون فتيلا)-(أينما تكونوا) ، فقرئ بالغيب ردا على ما قبله من قوله (ألم تر إلى الذين قيل لهم) ، إلى آخر الآية والخطاب على الالتفات وإن كان المراد قل لهم فالغيب والخطاب من باب قولك قل لزيد لا يضرب ولا تضرب بالياء والتاء ومنه ما سبق ، (قل للذين كفروا سيغلبون) و (لا يعبدون إلا الله) ، ولا خلاف في الأول أنه بالغيبة وهو (لا يظلمون فتيلا)-(انظر كيف يفترون) وأما (بيت طائفة) ، فأبو عمرو على أصله في إدغامه ووافقه حمزة فيه كما وافقه في مواضع أخر تأتي في أول سورة والصافات ولولا حمزة لما احتاج إلى ذكر هذا الحرف لأبي عمرو هنا بل كان ذلك معلوما من إدغام الحرفين المتقاربين فلما احتاج إلى ذكره لأجل حمزة رمز لأبي عمرو معه خشية أن يظن أنه لحمزة وحده ولهذا نظائر سابقة ولاحقة وكان يلزمه مثل ذلك في أول والصافات فلم يفعله وقد قيل إن إدغام (بيت طائفة) ، ليس من باب الإدغام الكبير بل من الصغير والتاء ساكنة للتأنيث مثل (وقالت طائفة) ، وقد ذكرنا وجه هذا القول على بعده في الشرح الكبير في باب الإدغام وفي هذا البيت ثلاث مسائل وصلها بغير واو فاصلة بينها إذ لا ريبة في ذلك والله أعلم

(603)

وَإِشْمَامُ صَادٍ سَاكِنٍ قَبْلَ دَالِهِ كَأَصْدَقُ زَايًا (شَـ)ـاعَ وَارْتَاحَ أَشْمُلاَ

، يعني نحو (تصدية) و (يصدفون) و (يصدر) و (تصديق) و (فاصدع بما تؤمر) و (على الله قصد السبيل) و (من أصدق) ، وجه هذا الإشمام ما تقدم في-الصراط-لأن الدال مجهورة وقراءة الباقين بالصاد الخالصة وقوله زايا بالنصب هو ثاني مفعولي وإشمام والأول أضيف إليه وهو صاد لأنك تقول أشم الصاد زايا والمصدر يتعدى تعدية فعله وأشملا تمييز والارتياح النشاط وأشملا جمع شمال بكسر الشين وهو الخلق واليد يشير إلى حسنه في العربية والله أعلم

(604)

وَفِيهَا وَتَحْتَ الْفَتْحِ قُلْ فَتَثَبَّتُوا مِنَ الثَّبْتِ وَالْغَيْرُ الْبَيَانِ تَبَدَّلاَ

، يعني (إذا ضربتم في سبيل الله فتبيَّنوا)-(فمن الله عليكم فتبينوا) ، وفي الحجرات (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) ، قرأها حمزة والكسائي من الثبات في الأمر والثبت هو خلاف الإقدام والمراد التأني وخلاف العجلة ومنه قوله تعالى (وأشد تثبيتا) ، أي وأشد وفقا لهم عما وعظوا بأن لا يقدموا عليه وقرأها الباقون من بيان الأمر وهو ثمر التثبت فيه فيستعمل في موضعه قال الأعشى (كما راشد تجدن أمرا تبين ثم ارعوى أو قدم ) ، قدم أي أقدم قال أبو علي فاستعمل التبيين في الموضع الذي يقف فيه ناظرا في الشيء حتى يقدم عليه أو يرتدع عنه وقال في موضع الزجر النهي والتوقف ، (لزيد مناة توعد يا ابن تيم تبين أين تاه بك الوعيد) ، وقال الفراء هما متقاربان في المعنى يقول ذلك للرجل لا تعجل بإقامة الحد حتى يتبين ويتثبت وقول الناظم من الثبت أي اشتقاقه من كلمة الثبت يقال رجل ثبت أي ثابت القلب واستعمله العلماء الحائزون أحوال الرواة ونقلة الأحاديث في الحافظ الذاكر لما حدث به الضابط له الذي لا تدخله شبهة في ذلك ولا تشكك فيه فيقولون هو ثقة ثبت وهو من ذلك وعسر على الناظم أن يقول من التثبت أو التثبيت وكان هو وجه الكلام كما قال غيره فعدل إلى كلمة فيها الحروف الأصول التي مرجع جميع ما اشتق من ذلك إليها وقال الشيخ أشار إلى أن معنى القراءة طلب الثبت وهو تفعلوا بمعنى استفعلوا من طلب ثبات الأمر والقراءة الأخرى أمر بطلب بيان الأمر ثم قال الناظم والغير تبدل من الثبت البيان أي جعله مشتقا من البيان لا من الثبت ولم يذكر للقراءة من الثبت رمزا اعتمادا على الرمز السابق في إشمام-أصدق-وبابه لأنه أول رمز يليه ، فإن قلت فلقائل أن يقول ينبغي أن يؤخذ لها ما يرمز به في المسئلة التي بعدها كما أنه جمع بين مسئلتين لرمز واحد فيما مضى في البقرة وهما (قالوا اتخذ الله ولدا)و(كن فيكون) ، وجمع بين ثلاث مسائل لرمز واحد في آل عمران في البيت الذي أوله سنكتب ،

قلت اهتمامه ببيان قراءة الغير في هذا البيت قطع ذلك الاحتمال لأنه يعلم أنه ما شرع في بيان قراءة الغير إلا وقد تم بيانه للقراءة الأخرى قيدا ورمزا فتعين اعتبار الرمز السابق إذ ليس غيره فكأنه قال اشما وقرءا فتثبتوا من الثبت وكان النظم يحتمل زيادة بيان فيقال في الثبت السابق كأصدق زايا شاع والتثبت شمللا إليها وتحت الفتح في-فتثبتوا-وغيرهما لفظ الثبات تبدلا أي أسرع الثبت إلى هذه السورة وإلى الحجرات في لفظ-فتثبتوا-وغير حمزة والكسائي يبدل عن ذلك لفظ البيان والله أعلم

(605)

وَ (عَمَّ فَـ)ـتًى قَصْرُ السَّلاَمَ مُؤَخَّراً وَغَيْرُ أُولِى بِالرَّفْعِ (فِـ)ـى (حَقِّ نَـ)ـهْشَلاَ

فتى مفعول عم أي عم قصر السلام قارئا ذا فتوة أو سخيا بعلمه أو قويا في العلم لأن الفتى يكنى به عن الشاب والشاب مظنة القوة فهو كما سبق شرحه في قوله وكم من فتى كالمهدوي وقال الشيخ فتى حال من قصر السلام ومؤخرا حال من السلام يريد قوله سبحانه وتعالى (لمن ألقى إليكم السلم) ، احترازا من اللتين قبله ولا خلاف في قصرهما-وألقوا إليكم السلم-وبعده-(ويلقوا إليكم السلم) ، وكذا لا خلاف في قصر التي في النحل (وألقوا إلى الله يومئذ السلم) ، فلعله أشار بالعموم إلى هذا إذ سخا القصر في الجميع يقال ألقى السلام والسلم إذا استسلم وانقاد وقيل السلام هنا التسليم (غير أولي الضرر) ، بالرفع صفة للقاعدين كقوله-غير المغضوب-لأن القاعدين كانوا نوعين أولي الضرر وأصحاء فمعناه غير أولي الضرر منهم فحصل الحصر بين القسمين أو يكون بدلا من القاعدين لأنه استثناء من المنفي فيجوز فيه البدل والنصب وقراءة النصب على الحال من القاعدين أو على الاستثناء وقرئ شاذا بالجر على أنه صفة المؤمنين ونهشل اسم قبيلة فلهذا لم يصرفه وأشار باشتقاقه إلى أولي الضرر لأنه من قولهم نهشل الرجل إذا أسن واضطرب أو بكون قوله نهشلا فعلا ماضيا على حذف الموصوف أي في حق الذي نهشل أي جاء غير أولى بالرفع في حق هؤلاء المعذورين لأنه وصف القاعدون بذلك ليخرج منهم أولي الضرر والله أعلم

(606)

وَنُؤْتِيهِ بِالْيَا (فِـ)ـى (حِـ)ـمَاهُ وَضَمُّ يَدْ خُلُونَ وَفَتحُ الضَّمِّ (حَقٌّ صِـ)ـرًى حَلاَ

، يريد (فسوف نؤتيه أجرا) ، القراءة بالنون والياء ظاهرة والهاء في حماه عائدة على يؤتيه كقولك زيد بماله في داره ويدخلون الجنة بضم الياء وفتح الخاء على بناء الفعل للمفعول وبفتح الياء وضم الخاء على بنائه للفاعل وكلاهما ظاهر المعنى والصري بكسر الصاد وفتحها الماء المجتمع المستنقع يشير إلى عذوبة القراءة وكل عذب

(607)

وَفي مَرْيَمٍ وَالطَّوْلِ الأَوَّلِ عَنْهُمُ وَفِي الثَّانِ (دُ)مْ (صَـ)ـفْوًا وَفِي فَاطِرٍ (حَـ)ـلاَ

وقع في نسخ القصيدة الأول بالرفع والأولى أن يكون مجرورا على أنه بدل من الطول أو وفي مريم وحرف الطول الأول ويدل عليه قوله بعد ذلك وفي الثان أي في الأول عنهم وفي الثان عن دم صفوا وقوله عنهم أي عن المذكورين بضم الياء وفتح الخاء والذي في مريم (فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا) ، والأول في الطول (يدخلون الجنة يرزقون فيها) ، والثاني فيها (سيدخلون جهنم داخرين) ، دم صفوا أي ذا صفوا أو دام صفوك نحو طب نفسا وقر عينا فهو حال على الأول تمييز على الثاني وحلا في آخر هذا البيت ليس بمعنى حلا في آخر البيت الذي قبله وإن اتفقا لفظا بل هو من حلا فلان امرأته أي جعلها ذات حلى كأن حرف فاطر وهو قوله تعالى (جنات عدن يدخلونها يحلون فيها) ، لما صحبه ذكر الحلية كأنه قد حلا وقال الشيخ كأن هذا الحرف على قراءة أبي عمرو قد جعل المعنى ذا حلية لحسن القراءة ومشاكلتها للمعنى أو من حلوت فلانا إذا أعطيته حلوانا والله أعلم

(608)

وَيَصَّالَحَا فَاضْمُمْ وَسَكِّنْ مُخَفِّفًا مَعَ الْقَصْرِ وَاكْسِرْ لاَمُهُ (ثَـ)ـابِتًا تَلاَ

يعني قرأ الكوفيون (أن يصلحا بينهما صلحا) ، من أصلح يصلح وقرأ الباقون بهذا اللفظ المنظوم وأصله يتصالحا فأدغمت التاء في الصاد وثابتا حال من اللام أو من الهاء في لامه أو من فاعل اكسر أي في حال ثباتك فيما تفعل فإنك على ثقة من أمرك وبصيرة من قراءتك أو يكون نعت مصدر محذوف أي كسرا ثابتا تلا ما قبله من الحركات المذكورة أو هو مفعول تلا أي تبع هذا المذكور أمرا ثابتا وهو كل ما تقدم ذكره من الحروف وقال الشيخ التلاء بالمد الذمة وهو منصوب على التمييز

(609)

وَتَلْوُوا بِحَذْفِ الْوَاوِ الأُولى وَلاَمُهُ فَضُمَّ سُكُونًا (لَـ)ـسْتَ (فِـ)ـيهِ مُجْهَّلاَ

يقال لويت فلانا حقه إذا دفعته ومطلته وقد جعلت القراءة الأخرى التي بحذف الواو بمعناها على تقدير أن الواو المضمومة همزت ثم ألقيت حركتها على اللام وحذفت ذكر ذلك الفراء والزجاج والنحاس وأبو علي غير أن أبا علي قدم قبله وجها آخر اختاره وهو أن جعله من الولاية وقال ولاية الشيء إقبال عليه وخلاف الإعراض عنه وتابعه الزمخشري على هذا ولم يذكر غيره قال وإن وليتم إقامة الشهادة أو أعرضتم عن إقامتها وقول الناظم ولامه فضم الفاء زائدة ولامه مفعول فعل مضمر يفسره ما بعده أي حرك لامه أو ضم لامه ثم فسره بقوله فضم سكونا ولا بد من ضمير يرجع إلى اللام كقولك زيدا اضرب رأسه ولا تقول رأسا فقوله سكونا أي سكونا فيه أو سكونه وقوله لست فيه مجهلا جملة في موضع الصفة لقوله سكونا أو هي مستأنفة ولو كان قدم لفظ فيه على لست لكان جيدا ورجع الضمير في فيه إلى اللام فيقول فضم سكونا فيه لست مجهلا ويكون فيه رمزا بحاله كقوله في آل عمران وكسر لما فيه وإن كان موهما في الموضعين أنه تقييد للقراءة ، فإن قلت سكونا مصدر في موضع الحال من اللام أي ضم لامه في حال كونها ساكنة فلا حاجة إلى ضمير يرجع إلى اللام ولا إلى تقديم فيه على لست ، قلت ضم اللام في حال السكون محال والحال تقييد للفعل بخلاف الصفة فإذا قيل اضرب زيدا راكبا تعين ضربه في حال ركوبه وإذا قيل اضرب زيدا الراكب كان الراكب صفة مبينة لا غير فله ضربه وإن ترك الركوب فعلى هذا يجوز أن يقال ضم اللام الساكنة ولا يجوز ضم اللام ساكنة فاعرف ذلك

(610)

وَنُزِّلَ فَتْحُ الضَّمِّ وَالْكَسْرِ (حِصْنُـ)ـهُ وَأُنْزِلَ عَنْهُمْ عَاصِمٌ بَعْدُ نُزِّلاَ

يريد قوله تعالى (والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل) ، فتحهما حصن وانفرد عاصم بفتح (وقد نزل عليكم في الكتاب) ، والقراءة في المواضع الثلاثة دائرة بين بناء الفعل للفاعل أو للمفعول وهما ظاهرتان والهاء في حصنه تعود على نزل وهو خبر فتح الضم والكسر وهما خبر نزل ثم قال وأنزل كذلك عنهم والله أعلم

(611)

وَيَا سَوْفَ تُؤْتِيِهِمْ (عَـ)ـزيزٌ وَحَمْزَةٌ سَيُوتِيهِمُ فِي الدَّرْكِ كُوفٍ تَحَمَّلاَ

يريد (سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله)-(أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما) ، الياء والنون فيهما ظاهرتان وقد سبق لهما نظائر والدرك من قوله تعالى (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) ، تحمله الكوفيون بإسكان رائه والباقون بفتحها وهما لغتان كالقدر والقدر والشمع والشمع وتحريك الراء اختيار أبي عبيد والله أعلم

(612)

بِالإِسْكَانِ تَعْدُوا سَكِّنُوهُ وَخَفِّفُوا (خُـ)ـصُوصاً وَأَخْفَى الْعَيْنَ قَالُونُ مُسْهِلاَ

قوله بالإسكان متعلق بآخر البيت السابق ثم ابتدأ تعدوا أي قرأه غير نافع بإسكان العين وتخفيف الدال من عدا يعدو كما قال سبحانه في موضع آخر (إذ يعدون في السبت) ، وقرأ نافع بفتح العين وتشديد الدال وكان الأصل يعتدوا كقوله (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم) ، ثم أدغمت التاء في الدال وألقيت حركة التاء على العين وأخفى قالون حركة العين إيذانا بأن أصلها السكون والكلام فيه كما سبق في إخفاء كسر العين في نعما وقوله مسهلا أي راكبا للطريق الأسهل وكأنه أشار بذلك إلى طريق آخر وعر روى عنه لم ير الناظم ذكره لامتناع سلوكه قال صاحب التيسير والنص عنه بالإسكان ، قلت وكذا ذكر ابن مجاهد عن نافع قال أبو علي وكثير من النحويين ينكرون الجمع بين الساكنين إذا كان الثاني منهما مدغما ولم يكن الأول حرف لين نحو-دابة-وثمود-الشرب-وقيل لهم-ويقولون إن المد يصير عوضا من الحركة ثم قال وإذا جاز نحو أصيم ومديق ودويبة مع نقصان المد الذي فيه لم يمتنع أن يجمع بين الساكنين في نحو تعدوا-لأن ما بين حرف اللين وغيره يسير ، قلت ذلك القدر اليسير هو الفارق لأنه هو القائم مقام الحركة وما ليس فيه ذلك اليسير فلا حركة فيه ولا ما يقوم مقامها فلا ينبغي أن يتكلف جوازه وصحته مع عسره على اللسان أو استحالته وقد سبق في-نعما هي-تحقيق ذلك أيضا وإنكار أبي علي وغيره من أئمة العربية جواز إسكان العين وعجبت منه كيف سهل أمره هنا ، قال ابن النحاس لا يجوز إسكان العين والذي يقرأ بهذا إنما يروم الخطأ ، قال الحوفي وهذا شيء لا يجوز ولعل القارئ بذلك أراد الإخفاء فتوهم عليه الإسكان والله أعلم

(613)

وَفي الانْبِياَ ضَمُّ الزَّبُورِ وَههُناَ زَبُوراً وَفي الإِسْراَ لِحَمْزَةَ أُسْجِلاَ

أسجلا أي أبيح لحمزة القراءة به والمسجل المطلق المباح الذي لا يمتنع عن أحد وأسجل الكلام إذا أرسله من غير تقييد وفتح الزاي من الزبور وضمها لغتان في اسم الكتاب المنزل على داود عليه السلام وإن كانت اللفظة عربية وهما مصدران سمى بهما الزبور وهو المكتوب يقال زبر إذا كتب ويقال زبرت الكتاب إذا أحكمت كتابته ، وقال مكي زبرت الكتاب أي جمعته فهو مثل تسمية المكتوب كتابا ومثل الزبور بالفتح القبول وبالضم الشكور وقيل المفتوح يصلح للمفرد والجمع كالعدو وذكر أبو علي في المضموم وجهين أحدهما أنه جمع زبرا وقع على الزبور اسم الزبر كقولهم ضرب الأمير ونسج اليمن ثم جمع الزبر على زبور كما جمع الكتاب على كتب والآخر أن يكون جمع زبور على تقدير حذف الحرف الزائد وهو الواو ولا ضرورة إلى هذا التكلف ووقع في شرح الشيخ أنه جمع زبر وهو الكتاب كقدر وقدور ، وقال مكي هو جمع زبر كدهر ودهور ، قلت الإفراد وجهه ظاهر لان المتيقن كتاب واحد أنزل على داود اسمه الزبور كالتوراة والإنجيل والقرآن أما وجه الجمع إن كان مرادا فله معنيان أحدهما أن الجمع توجه إلى أنواع ما فيه فكل نوع منها زبر والآخر أن يكون نزل على داود صحف متعددة كما جاء (صحف إبراهيم وموسى) ، وليس في سورة النساء شيء من ياءات الإضافة ولا ياءات زوائد المختلف فيها والله أعلم

سورة المائدة

(614)

وَسَكِّنْ مَعًا شَنَآنُ (صَـ)ـحَّا (كِـ)ـلاَهُمَا وَفي كَسْرِ أَنَ صَدُّوكمْ (حَا)مِدٌ دَلاَ

أي وسكن كلمتي-شنآن-معا يعني (ولا يجرمنكم شنآن قوم) ، في موضعين في هذه السورة وضد الإسكان المطلق الفتح فقوله صحا كلاهما رمز قراءة الإسكان وأشار بهذا اللفظ إلى صحة الإسكان والفتح أي صحت القراءة بهما في هذه الكلمة ومعناها شدة البغض وهما لغتان ومن الإسكان قول الأحوص ، (وإن لام فيه ذو الشنان وفندا ) ، لأنه خفف الهمز بإلقاء حركته على الساكن قبله وحذفه على ما تقرر في باب وقف حمزة-وأن تعتدوا-مفعول ثان لقوله-ولا يجرمنكم-أي لا يلبسنكم الشنآن العدوان وأن صدوكم بالفتح تعليل أي لأنهم صدوكم وكان الصد قد وقع سنة ست ونزلت هذه الآية سنة ثمان فاتضح معنى التعليل وقراءة الكسر على معنى إن حصل صد ويصح أن يقال مثل ذلك وإن كان الصد قد وقع كقوله تعالى (وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم) ، أي إن يكونوا قد صدوكم وقال أبو علي معناه إن وقع مثل هذا الفعل وعلى ذلك قول الفرزدق ( أتغضب أن أذنا قتيبة حزنا ) ، ودلا معناه ساق سوقا رقيقا ودلا أي أخرج دلوه ملآء وقد سبق وجه التجوز به في مثل هذه المواضع وهو أنه أنجح وحصل مراده ولم يحقق مسعاه ونحو ذلك والله أعلم

(615)

مَعَ الْقَصْرِ شَدِّدْ يَاءَ قَاسِيَةً (شَـ)ـقَا وَأَرْجُلِكُمْ بِالنَّصْبِ (عَمَّ رِ)ضاً (عَـ)ـلاَ

يريد (وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون) ، فإذا قصر بحذف الألف وشددت الياء صار قسية على وزن فعيلة فالقراءتان بمعنى عالمة وعليمة وقيل قسية ردية مغشوشة من قولهم درهم قسى قال الزمخشري وهو من القسوة لأن الذهب والفضة الخالصين فيهما لين والمغشوش فيه يبس وصلابة قال أبو علي والقسوة خلاف اللين والرقة وقد وصف الله تعالى قلوب المؤمنين باللين فقال (ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله) ، ويشهد لقراءة المد (فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله) وأما (وأرجلكم إلى الكعبين) ، فقرئت بنصب اللام وجرها أما النصب فوجهه العطف على وجوهكم وأيديكم لأن الجميع ثابت غسله من جهة السنة وإنما فصل بين المعطوف والمعطوف عليه بقوله-وامسحوا برءوسكم-للتنبيه على الترتيب المشروع سواء قيل بوجوبه أو استحبابه وأما الجر فوجهه ظاهر وهو العطف على برءوسكم والمراد به المسح على الخفين وعلى ذلك حمل الشافعي رحمه الله القراءتين فقال أراد بالنصب قوما وبالجر آخرين ، فإن قلت التحديد يمنع من ذلك فإن قوله-إلى الكعبين-كقوله-إلى المرافق ، قلت التحديد لا دلالة فيه لي غسل ولا مسح وإنما يذكر عند الحاجة إليه فلما كانت اليد والرجل لم يذكر التحديد فيهما لاقتصر على ما يجب قطعه في السرقة أو لوجب استيعابها غسلا ومسحا إلى الإبط والفخذ أعتنى بالتحديد فيهما ولما لم يحتج إلى التحديد لم يذكره لا مع الغسل ولا المسح كما في الوجه والرأس ، فإن قلت استيعاب المحدود بالمسح على الخف غير واجب بالإجماع ، قلت فائدة التحديد أن الاقتصار على مسح ما جاوز ذلك غير مجز فليس المطلوب إلا المسح فيما دون الكعبين إلى أطراف الأصابع فهذا أرجح ما وجدت من الأقوال في تفسير هذه الآية وإعرابها ورضى في موضع نصب على التمييز أو الحال أشار إلى أن قراءة النصب ظاهرة الموافقة لما ثبت في السنة وقراءة الجر خفية الموافقة وهي ما ذكرناه والله أعلم

(616)

وَفي رُسُلُنَا مَعْ رُسْلُكُم ثُمَّ رُسْلهُمْ وَفي سُبْلَنَا فِي الضَّمِّ الإِسْكَانُ (حُـ)ـصِّلاَ

يريد (ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات) ، وضم إلى ذلك ما يناسبه حيث جاء فالإسكان لأبي عمرو في سين هذه الكلمات وفي باء-سبلنا-للتخفيف والباقون بضمها على الأصل وهما لغتان وأجمعوا على ضم المضاف إلى ضمير المفرد نحو-رسله- وعلى ضم ما لا ضمير معه نحو-الرسل-و-سبل السلام

(617)

وَفِي كَلِمَاتِ السُّحْتِ (عَمَّ نُـ)ـهىً (فَـ)ـتًى وَكَيْفَ أَتى أُذُنٌ بِهِ نَافِعٌ تَلاَ

، السحت ما لا يحل وإنما قال كلمات السحت لأنه تكرر في مواضع من هذه السورة وفي عم ضمير يعود إلى الإسكان والنهى جمع نهية وهي الغاية والنهاية والهاء في به للإسكان أيضا أي كيفما أتى لفظ أذن-منكرا أو معرفا مفردا أو مثنى نحو (ويقولون هو أذن)-(والأذن بالأذن)-(في أذنيه وقرا) ، الضم والإسكان لغتان والله أعلم

(618)

وَرُحْمًا سِوَى الشَّامِي وَنُذْرًا (صِحَابُـ)ـهُمْ (حَـ)ـمَوْهُ وَنُكْرًا (شَـ)ـرْعُ (حَـ)ـق (لَـ)ـهُ (عُـ)ـلاَ

ألحق بالألفاظ السابقة ما يشاكلها مما وقع فيه الخلاف المذكور في غير هذه السورة أراد (وأقرب رحما) في الكهف (عذرا أو نذرا) في المرسلات (لقد جئت شيئا نكرا) ، في الكهف ولا خلاف في إسكان عذرا

(619)

وَنُكْرٍ (دَ)نَا وَالْعَيْنُ فَارْفَعْ وَعَطْفَهَا (رِ)ضًى وَالْجُرُوحُ ارْفَعْ (رِ)ضى (نَفَرٍ) مَلاَ

يريد (إلى شيء نكر) ، في سورة القمر سكنها ابن كثير وحده قوله والعين فارفع يريد (والعين بالعين) ، قوله وعطفها أي ومعطوفها يعني ما عطف عليها وهو الأنف والأذن والسن وللرفع ثلاثة أوجه ، أحدها الرفع على استئناف جملة وعطفها على الجملة السابقة كقولك فعلت كذا وزيد فعل كذا وعمرو وبكر قال أبو علي الواو عاطفة جملة على جملة وليست للاشتراك في العامل كما كان كذلك في قول من نصب ولكنها عطفت جملة على جملة كما يعطف المفرد على المفرد ، قال والوجه الثاني أنه حمل الكلام على المعنى لأنه إذا قال (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) ، فمعنى الحديث قلنا لهم النفس بالنفس فحملت العين بالعين على هذا ، قلت لأن أن ههنا لو حذفت لاستقام معنى الكلام بحذفها استقامته بثبوتها وتكون النفس مرفوعة فصارت أن هنا كإن المكسورة في أن حذفها لا يخل بالجملة فجاز العطف على محل اسمها كما يجوز على محل اسم المكسورة وقد حمل على ذلك (إن الله بريء من المشركين ورسوله) ، قال الشيخ أبو عمرو ورسوله بالرفع معطوف على اسم أن وإن كانت مفتوحة لأنها في حكم المكسورة وهذا موضع لم ينبه عليه النحويون ثم وجه ذلك وقرره بما سنذكره إن شاء الله تعالى في شرح النظم في النحو وقال الزمخشري والعين بالرفع لعطف على محل (أن النفس) ، لأن المعنى وكتبنا عليهم النفس بالنفس إما لإجراء كتبنا مجرى قلنا وإما لأن معنى الجملة التي هي النفس بالنفس مما يقع عليه الكتب كما تقع عليه القراءة قال الزجاج رفعه على وجهين العطف على موضع النفس بالنفس وعلى الاستئناف قال وفيها وجه آخر أن يكون عطفا على الضمير في-بالنفس-المعنى أن النفس مأخوذة هي بالنفس والعين معطوفة على هي ، قلت ورفع الجروح على الابتداء وقصاص خبره وعلى قراءة نصب الجروح يكون قصاص خبر أن ولا يستقيم في رفع الجروح ، الوجه الثالث وهو أنه عطف على الضمير الذي في خبر النفس وإن جاز فيما قبلها وسببه استقامة المعنى في قولك

مأخوذة هي بالنفس والعين مأخوذة بالعين ولا يستقيم والجروح مأخوذة قصاص هذا معنى قول بعضهم لما خلا وله الجروح وقصاص عن الباقي الخبر خالف الأسماء التي قبلها فخولف بينها في الإعراب وقال بعضهم إنما رفع الجروح ولم ينصب تبعا لما قبله فرقا بين الجملة والمفسر وقيل خولف ذلك الإعراب لاختلاف الجراحات وتفاوتها فإذن الخلاف بذلك الاختلاف قال أبو علي فأما-والجروح قصاص-فمن رفعه يقطعه عما قبله فإنه يحتمل هذه الوجوه الثلاثة التي ذكرناها في قول من رفع والعين بالعين قال ويجوز أن يستأنف-والجروح قصاص-ليس على أنه مما كتب عليهم في التوراة ولكن على استئناف إيجاب وابتداء شريعة في ذلك قال ويقوى أنه من المكتوب عليهم في التوراة نصب من نصبه ، قلت وفي هذا البيت رضى مرتين فالأول حال من الضمير في ارفع والثاني حال من مفعول ارفع والملا الأشراف أي أنه مرضى لهم والله أعلم

(620)

وَحَمْزَةُ وَلْيَحْكُمْ بِكَسْرٍ وَنَصْبِهِ يُحَرِّكُهُ يَبْغُونَ خَاطَبَ (كُـ)ـمَّلاَ

أي وحمزة يحرك-وليحكم-بكسر ونصبه فالهاء في نصبه لحمزة أو للفظ وليحكم والهاء في يحركه لقوله وليحكم فالكسر في اللام والنصب في الميم وإنما زاد قوله يحركه لتأخذ ضد التحريك للقراءة الأخرى وهو الإسكان في الحرفين ولو لم يذكر لكان ضد الكسر الفتح وضد النصب الخفض أراد قوله تعالى (وليحكم أهل الإنجيل بما) ، قرأه حمزة على التعليل أي لأجل الحكم بما فيه-آتيناه الإنجيل-وقرأه الباقون على الأمر وقوله (أفحكم الجاهلية يبغون) ، الخطاب فيه لأهل الكتاب والغيبة إخبار عنهم وجعل يبغون كأنه خطاب الكمل مجازا لما كان الخطاب فيه وعنى بالكمل أهل الكتاب أي إنهم أهل علم وفهم فحسن توبيخهم ولومهم لصدهم عن حكم الله تعالى وهم يعلمونه والله أعلم

(621)

وَقَبْلَ يَقُولُ الْوَاوُ (غـ)ـصْنٌ وَرَافِعٌ سِوَى ابْنِ الْعَلاَ مَنْ يَرْتَدِدْ (عَمَّ) مُرْسَلاَ

يعني (ويقول الذين آمنوا أهؤلاء) ، يثبت الواو في مصاحف أهل العراق دون غيرهم وجعل الواو غصنا لأنها تصل ما بعدها بما قبلها لأنها عاطفة كغصن امتد من شجرة إلى أخرى ووجه حذف الواو أنه على تقدير سائل سأل ماذا يقول المؤمنون حينئذ ورفع يقول ظاهر على الاستئناف ونصبه أبو عمرو وحده عطفا على (فيصبحوا) ، لأن فيصبحوا منصوب بالفاء في جواب الترجى بعسى وهذا وجه جيد أفاد به الشيخ أبو عمرو رحمه الله ولم أر أحدا ذكره وذكروا وجوها كلها بعيدة متعسفة قيل هو عطف على (أن يأتي بالفتح) ، ولا يستقيم على ظاهره إذ يبقى التقدير فعسى الله أن يقول الذين آمنوا فتحيل أبو علي لصحته وجهين تبعه فيهما الناس أحدهما أنه عطف على معناه لأن معنى عسى الله أن يأتي وعسى أن يأتي الله واحد فالتقدير عسى أن يأتي الله وأن يقول الذين آمنوا والثاني أن يكون قوله-أن يأتي-بدلا من اسم الله تعالى فيكون المعنى كما سبق وقيل التقدير ويقول الذين آمنوا به أي بالله وأما الزمخشري فلم يقدر شيئا من ذلك بل أطلق القول بأنه عطف على-أن يأتي-وذكر ابن النحاس وجها آخر وهو أن يكون عطفا على بالفتح لأن معناه بأن يفتح فأضمر أن قبل يقول ليكون عطف مصدر على مصدر كقوله (للبس عباءة وتقر عيني ) وأظن أن الذي حملهم على ارتكاب هذه الأوجه البعيدة وتركهم الوجه الواضح الذي ذكرته أولا اعتقادهم أن فيصبحوا ليس نصبا على جواب الترجي لأن الترجي من الله تعالى إيجاب وتحقيق فلم يكن معنى الترجي حاصلا فيكون-فيصبحوا-عطفا على-أن يأتي بالفتح-ولا يستقيم عطف-ويقول-على ظاهر قوله-أن يأتي-فتأولوا هذه التأويلات ونحن نقول وإن كان الأمر كذلك فلا يمتنع النصب اعتبارا بلفظ الترجي وهذا متعين في تعليل قراءة عاصم (فتنفعه الذكرى) ، بالنصب في سورة عبس فهو في جواب (لعله يزكى) ، فكذا ههنا والله أعلم ، وقول الناظم ورافع سوى ابن العلا رافع خبر مقدم والمبتدأ قوله سوى ابن العلا أي غير ابن العلا

رافع ليقول وفي هذه العبارة نظر فإن أكثر النحويين يقولون إن سوى التي بمعنى غير لازمة للنصب على الظرفية فلا يجوز أن يليها عامل يقتضي غير ذلك إلا أن المختار خلاف ما ذكروه ففي أبيات الحماسة (ولم يبق سوى العدوان ) ، فإذا جاز وقوع سوى فاعلة جاز وقوعها مبتدأة وأما (من يرتد منكم عن دينه) ، فرسم بدالين في مصاحف المدينة والشام وبدال واحدة في المصاحف الباقية فكل من القراء وافق مصحفه وهما لغتان الإدغام لتميم والإظهار لأهل الحجاز وقد جاء التنزيل بالأمرين (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى)-(ومن يشاق الله) ، والمرسل المطلق يعني أنه أطلق من عقال الإدغام والضمير في عم لقوله من يرتد ثم بين قراءة الباقين فقال

(622)

وَحُرِّكَ بِالإِدْغَامِ دَالُهُ وَبِالْخَفْضِ وَالْكُفَّاَر (رَ)اوِيهِ (حَـ)ـصَّلاَ

يعني الدال الثانية حركت بالفتح مصاحبة لإدغام الأولى فيها فالباء في بالإدغام باء المصاحبة مثل دخل عليه بثياب السفر وليست باء الاستعانة بالآلة نحو كتبت بالقلم فإن الإدغام لا يصلح آلة للتحريك فإن قلت من أين علم أن مراده بالتحريك الفتح قلت لأنه ذكره غير مقيد وذلك هو الفتح في اصطلاحه كما سبق في شرح الخطبة وإنما فتحت الدال الثانية لسكون الأولى قبلها بسبب الإدغام ويجوز كسرها لغة لا قراءة (والكفار أولياء) ، بخفض الراء عطفا على قوله (من الذين أوتوا الكتاب) ، وبالنصب عطفا على (الذين اتخذوا دينكم) ، والواو في-والكفار-من التلاوة وهي مبتدأ والتقدير والكفار بالخفض راويه حصله والله أعلم

(623)

وَبَا عَبَدَا اضْمُمْ واَخْفِضِ التَّا بَعْدُ (فُـ)ـزْ رِسَالَتَهُ اجْمَعْ وَاكْسِرِ التَّا (كَـ)ـمَا (ا)عْتَلاَ

يريد (وعبد الطاغوت) ، اضمم باء عبد واخفض التاء من الطاغوت فيكون عبدا اسما مضافا إلى الطاغوت ويكون معطوفا على القردة وهو المبالغ في العبودية المنتهى فيها كما يقال فطن وحذر للبليغ في الفطنة قال طرفة بن لبنى (إن أمكم أمة وإن أباكم عبد ) ، وعبد في قراءة الجماعة فعل والطاغوت مفعول والجملة عطف على صلة من وأما (فما بلغت رسالاته) ، بالجمع فظاهر لأنه أريد جمع ما أرسل به من التوحيد والأحكام وما يشتمل عليه ذلك أنواع كثيرة والإفراد يدل على ذلك أيضا لأن رسالته صلى الله عليه وسلم تضمنت تلك الأشياء كلها واستعمل الناظم لفظ الكسر في العبارة عن حركة التاء في الجمع واستعمل لفظ الفتح في العبارة عن حركة المفرد في قوله في سورة الأنعام-رسالات-فردوا-فتحوا- دون علة والحركتان في الموضعين حركتا إعراب على القراءتين في كل حرف منها ووجهه أن كل كلمة منهما في القراءتين منصوبة غاية ما في الأمر أن علامة النصب في إحداهما فتحة وفي الأخرى كسرة فلفظ في الموضعين بعلامة النصب في إحدى القراءتين لتأخذ ضدها في القراءة الأخرى ولو قال انصبوا لتحير السامع إذ القراءة الأخرى في الموضعين منصوبة ومثل ذلك قوله في الأعراف ويقصر ذريات مع فتح تائه والله أعلم

(624)

(صَـ)ـفَا وَتَكُونُ الرَّفْعُ (حَـ)ـجَّ (شُـ)ـهُودُهُ وَعَقَّدْتُمُ التَّخْفِيفُ (مِـ)ـنْ (صُحْبَةٍ) وَلاَ

صفا من جملة رمز من قرأ رسالاته بالجمع وهم بن عامر ونافع وأبو بكر وأما (وحسبوا أن لا تكون فتنة) ، فنصبه ورفعه لوقوع حرف أن قبله من بعد فعل الحسبان وما كان كذلك جاز فيه الوجهان فالنصب بناء على أن أن هي الناصبة للأفعال المضارعة والرفع بناء على أن أن هي المخففة من الثقيلة وأما إذا جاءت أن بعد فعل علم فالرفع لا غير نحو (علم أن سيكون منكم مرضى أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا) ، وفي غير ذلك النصب لا غير نحو (أريد أن تبوء بإثمي)-(إني أريد أن أنكحك) ، ولم يختلف في نصب (إن ظنا أن يقيما حدود الله)-(تظن أن يفعل بها فاقرة)وأما(عقدتم الأيمان) ، فالتخفيف فيه والتثقيل سيان وفي التشديد معنى التكثير والتكرير وقوله عقدتم مبتدأ والتخفيف بدل منه بدل اشتمال أو مبتدأ ثان أي التخفيف فيه وخبره ولا أي متابعة من صحبة النقل ويجوز أن يكون التقدير ظهر من صحبة متابعة فيكون ولا حالا ومن صحبة خبر المبتدأ ويجوز أن يكون من صحبة متعلقا بالتخفيف والخبر ولا ويجوز أن يكون التخفيف خبر وعقدتم أي هو ذو التخفيف من صحبة وولا على هذا حال والله أعلم

(625)

وَفي الْعَيْنِ فَامْدُدْ (مُـ)ـقْسِطاً فَجَزَاءُ نَو ْوِتُوا مِثْلُ مَا فِي خَفْضِهِ الرَّفْعُ (ثُـ)ـمَّلاَ

يعني في عين عقدتم أي اتبع فتحها فيتولد منها ألف عبر عنها بالمد وجعل المد في العين تجوزا وهو على المعنى الذي ذكرناه في قوله ولا ألف في هاء هأنتم يعني أن ابن ذكوان زاد ألفا بعد العين وهو ممن خفف القاف فتصير قراءته-عاقدتم-وهو بمعنى عقدتم أو يكون من اثنين على أصل فاعلتم فههنا ثلاث قراءات والذي سبق في سورة النساء فيه قراءتان المد والتخفيف والثالثة هنا التشديد والمقسط العادل وثملا حال من الضمير في نونوا وهو جمع ثامل وهو المصلح والمقيم أيضا يقال ثمل يثمل بضم الميم وكسرها في المضارع ثملا فهو ثامل وقوله مثل ما في خفضه الرفع جملة معترضة بين الحال وصاحبها وانتظامها كانتظام قولك زيد في داره عمرو أي قرءوا (فجزاء مثل ما قتل) ، بتنوين جزاء ورفع مثل فمثل في هذه القراءة صفة جزاء وكذا من النعم أي فعليه جزاء مماثل ما قتل وذلك الجزاء من النعم والقراءة الأخرى بإضافة جزاء إلى مثل وقد أشكلت على قوم حتى قالوا الجزاء إنما هو للصيد لا لمثله من النعم ووجهها أنها إضافة تخفيف لأن مثل مفعول جزاء أصله فجزاء مثل ما آي فعليه أن يجزي المقتول مثله من النعم فمن النعم على قراءة الإضافة يجوز أن يكون متعلقا بالجزاء ويجوز أن يكون صفة له كما أنه متعين للصفة على قراءة التنوين وسببه أنك إذا نونت جزاء فقد وصفته بمثل ومتى وصف المصدر أو أكد أو عطف عليه امتنع تعلق شيء به نص أبو علي على ذلك كله وعلى قراءة الإضافة لم يوصف فجاز تعلق من النعم به وجرى هنا بمنزلة قضى فكما تقول قضيت زيدا حقه كذا تقول جزيت الصيد مثله فظهر أن تقدير الآية فعليه أن يجزى المقتول مثله من النعم ثم حذف المفعول الأول لما في قوة الكلام من الدلالة عليه ثم أضيف الجزاء إلى المثل تخفيفا كما تقول أعجبني عزمك على إكرام زيد غدا وقال أبو علي هو من قولهم أنا أكرم مثلك يريدون أنا أكرمك فكذا إذ قال فجزاء مثل ما قتل فالمراد جزاء ما قتل فالإضافة كغير الإضافة قال

ولو قدرت الجزاء تقدير المصدر فأضفته إلى المثل كما تضيف المصدر إلى المفعول به لكان في قوله من جر مثلا على الاتساع الذي وصفنا أي يكون مثل زائد والله أعلم

(626)

وَكَفَّارَةُ نَوِّنْ طَعاَمِ بَرَفْعِ خَفْضِهِ دُمْ (غِـ)ـنىً وَاقْصِرْ قِيَامًا (لَـ)ـهُ (مُـ)ـلاَ

يريد (أو كفارة طعام مساكين) ، الكلام في القراءتين هنا بالتنوين والإضافة كما سبق في البقرة (فدية طعام) ، ولكن مساكين في هذه السورة لا خلاف في جمعه وقوله دم غنا أي غنيا أو دام غناك بالعلم والقناعة إن القنوع الغناء لا كثرة المال القناعة كنز لا ينفد وتقدم الكلام في سورة النساء في-قياما-وقيما-والملا بضم الميم جمع ملأة وهي الملحفة كنى بها عن حجج القراء لأنها تسترها من طعن طاعن كما تستر الملا والله أعلم

(627)

وَضَمَّ اسْتُحِقَّ افتح لَحِفْصٍ وَكَسْرُهُ وَفي الأَوْلَياَنِ الأَوَّلِينَ (فَـ)ـطِبْ (صِـ)ـلاَ

يعني افتح الياء المضمومة والحاء المكسورة وكان يمكنه أن يقول وتاء استحق افتح لحفص حاءه ولكن المعنى كان يختل في التاء دون الحاء فإن ضد الفتح الكسر والتاء في قراءة غير حفص مضمومة فاحتاج أن يقول وضم استحق ثم قال وكسره فهو أولى من أن يقول وحاءه لوجهين أحدهما المقابلة بين حركتي الضم والكسر والثاني زيادة البيان لقراءة الغير وإذا ابتدئت هذه الكلمة كسرت همزتها في قراءة حفص وضمت في قراءة غيره وأرادوا قرأ-الأولين-في موضع-الأوليان-أو-الأولين-استقر مكان-الأوليان-وأراد بالصلا الذكاء لأنهم يقولون هو يتوقد ذكاء أو أراد نار الضيافة كقوله ، (متى نأتنا تلمم بنا في ديارنا تجد حطبا جزلا ونارا تأججا) ، وهو إشارة إلى حصول العلم منه فموضع صلا نصب على التمييز أو الحال مثل دم غنا ودم يدا والأوليان على قراءة حفص رحمه الله فاعل استحق كأنهما استحقا على أصحابهما أن يقيموهما للشهادة والأوليان تثنية الأولى وهو في غير قراءة حفص مفعول ما لم يسم فاعله على حذف مضاف أي استحق عليهم إقامة الأولين منهم للشهادة وقيل بدل من آخران أو من الضمير في يقومان أو على تقديرهما الأوليان وقيل هو مبتدأ خبره آخران المقدم عليه أي فالأولياء آخران وقيل هو صفة لآخران وإن كان لفظه نكرة لأنه قد اختص بالصفة في قوله يقومان ومرفوع استحق على هذه الأقوال غير القول الأول محذوف أي استحق عليهم الإثم فاستغنى عنه بقوله عليهم كما تقول جنى عليهم وقيل معناه استحق خصومهم الحق عليهم والأولين في قراءة حمزة وأبي بكر صفة الذين استحق لأنهم أول المذكورين في القصة وهم أولياء الميت أو لأنهم هم الذين دفعوا الحكومة أولا واعلم أن الآية من أشكل آي القرآن تفسيرا وإعرابا وفقها قال أبو محمد مكي في كتاب الكشف هذه الآية في قراءتها وإعرابها وتفسيرها ومعانيها وأحكامها من أصعب آية في القرآن وأشكلها قال ويحتمل أن يبسط ما فيها من العلوم في ثلاثين ورقة أو أكثر قال وقد

ذكرناها مشروحة في كتاب منفرد قلت وسأجتهد إن شاء الله تعالى في بيانها وكشف غامضها وتفصيل أحكامها في الكتاب المذهب في علم المذهب أو في كتاب إيضاح مشكلات الآيات

(628)

وَضَمَّ الْغُيُوبِ يَكْسِرَانِ عُيُوناً الْعُيُونِ شُيُوخاً (دَ)انَهُ (صُحْبَهٌ مِـ)ـلاَ

يعني أن حمزة وأبا بكر كسرا الغين من الغيوب لما تقدم من التعليل في بيوت ثم أردفه ما اختلف القراء في كسره من هذا القبيل وهو عيون المنكر والمعرف نحو (في جنات وعيون)-(وفجرنا فيها من العيون) ، وشيوخا في غافر كسر هذه الثلاثة ابن كثير وحمزة والكسائي وأبو بكر وابن ذكوان ومعنى دانه أي دان به أي تدين بقراءته أي دان له أي أطاعه وملاء بكسر الميم والمد جمع ملآن وهو صفة لصحبه يعني أنهم ملئوا علما ثم ذكر موضعا آخر فقال

(629)

جُيُوبِ (مُـ)ـنِيرٍ (دُ)ونَ (شَـ)ـكٍّ وَسَاحِرٌ بِسِحْرٌ بِهاَ مَعْ هُودَ وَالصَّفِّ (شَـ)ـمْلَلاَ

أراد (على جيوبهن) ، في النور كسره الجماعة المتقدمون غير أبي بكر وقرأ حمزة والكسائي ساحر في موضع سحر هنا وفي أول هود (إن هذا إلا سحر) وفي الصف (قالوا هذا سحر) ، كذلك على تقدير ذو سحر وعبر عنه بالمصدر مبالغة أو تكون الإشارة إلى ما جاء به وشملل أي أسرع ساحر بسحر في هذه السورة أي جاء به أشار إلى رجوع معنى سحر إلى معنى ساحر على ما ذكرناه والله أعلم

(630)

وَخَاطَبَ هَلْ يَسْتَطِيعُ (رُ)وَاتُهُ وَرَبُّكَ رَفْعُ الْبَاءِ بِالنَّصْبَ (رُ)تِّلاَ

أي قرءوا بالخطاب للكسائي ومعنى قرأته ظاهر أي هل تطلب طاعة ربك في إنزال المائدة يريدون استجابة الله سبحانه دعاءه وقراءة الجماعة على معنى هل يطلب ربك الطاعة من نزول المائدة ويجوز أن يكون عبر عن الفعل بالاستطاعة لأنها شرطه والمعنى هل ينزل ربك علينا مائدة من السماء إن دعوته بها ومثله (فظن أن لن نقدر عليه) ، أي ظن أن لن نؤاخذه فعبر بشرط المؤاخذة هو القدرة على المشروط وهو المؤاخذة ومثله في حديث الذي أوصى بنيه بتحريقه وتذرية رماده في البحر قوله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا ما عذبه أحد أي لئن حكم بتعذيبي ليكونن عذابا عظيما ويقول الرجل للرجل بصورة المستفهم تقدر تفعل كذا وهو يعلم قدرته عليه وإنما معناه افعله فإنك قادر على فعله وهذا معنى حسن يعم جميع هذه المواضع المشكلة والله أعلم ، ومثل ذلك في الإشكال ما رواه الهيثم ابن جمار وهو ضعيف عن ثابت عن أنس أن أبا طالب مرض فعاده النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا ابن أخي ادع ربك الذي تعبد فيعافيني فقال اللهم اشف عمي فقام أبو طالب كأنما نشط من عقال فقال يا ابن أخي إن ربك الذي تعبد ليطيعك قال وأنت يا عماه لو أطعته أو قال لئن أطعته أو قال لئن أطعت الله ليطيعنك أي ليجيبنك إلى مقصوده والله أعلم

(631)

وَيَوْمَ بِرَفْعٍ (خُـ)ـذْ وَإِنِّي ثَلاَثُهاَ وَلِي وَيَدِي أُمِّي مُضَافَاتُهاَ الْعُلاَ

يريد (هذا يوم ينفع الصادقين) ، فارفع على أن يوم خبر هذا أي هذا اليوم يوم ينفع الصادقين وهو يوم القيامة والنصب على الظرف أي قال الله تعالى ما تقدم ذكره في هذا اليوم أو قال الله هذا الذي قصصته عليكم ينفع ذلك اليوم وقال الفراء يوم خبر المبتدا على معنى قراءة الرفع وإنما بنى على الفتح لإضافته إلى غير اسم يعني إلى غير اسم متمكن ومنع البصريون بناء ما يضاف إلى المضارع وخصوا ذلك بالمضاف إلى الماضي نحو على حين عاتبت لأن المضارع معرب والماضي مبني فسرى البناء إلى ما أضيف إليه ثم ذكر الناظم ياءات الإضافة وهي ست منها ثلاث في لفظ إني فهذا معنى قوله وإني ثلاثها فالضمير في ثلاثها يعود إلى إني الأول-إني أخاف-فتحها الحرميان وأبو عمرو والأخريان (إني أريد أن تبوء)-(فإني أعذبه عذابا) ، فتحهما نافع وحده والثلاث الأخر (ما يكون لي أن أقول) ، فتحها الحرميان وأبو عمرو (يدي إليك) ، فتحها نافع وأبو عمرو وحفص (وأمي إلهين) ، فتحها هؤلاء وابن عامر وفيها زائدة واحدة (واخشون ولا تشتروا) ، أثبتها في الوصل أبو عمرو وحده وقلت في ذلك ، (فياءاتها ست وفيها زيادة وعبر عنها قوله اخشون مع ولا)

سورة الأنعام

(632)

وَ(صُحْبَةُ) يُصْرَفْ فَتْحُ ضَمٍّ وَرَاؤُهُ بِكَسْرٍ وَذَكِّرْ لَمْ يَكُنْ شَاعَ وَانْجَلاَ

أي الذي صحب يصرف فتح يائه وكسر رائه كما تقول صحبة زيد عمرو وبكر وإنما قال فتح ضم ولم يقل فتح ياء لما ذكرناه في فتح ضم استحق يريد قوله تعالى (من يصرف عنه يومئذ) ، قراءة صحبة على معنى من يصرف الله عنه العذاب وقراءة الباقين على بتاء الفعل للمفعول وأما (ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا) ، فقراءة حمزة والكسائي يكن بالياء وهذا معنى التذكير الذي أشار إليه بقوله وذكر فإن الباقين قرءوا بالتاء على التأنيث فاسم يكن على قراءتهما قوله أن قالوا وفتنتهم الخبر وأما قراءة الباقين فمن نصب فتنتهم فهذا وجهها ومن رفع فتنتهم جعلها الاسم والخبر أن قالوا والله أعلم

(633)

وَفِتْنَتُهُمْ بالرَّفْعِ (عَـ)ـنْ (دِ)ين (كَـ)ـامِلٍ وَبَا رَبِّناَ بِالنَّصْبِ (شَـ)ـرَّفَ وُصَّلاَ

من رفع الفتنة مع تأنيث يكن فقراءته ظاهرة ومن نصبها ففي قراءته إشكال فإن الاسم إن قالوا وهو مذكر فما وجه التأنيث وهي قراءة أبي عمرو ونافع وأبي بكر فقال أبو علي ءانث أن قالوا لما كان الفتنة في المعنى وفي التنزيل (فله عشر أمثالها) ، وقال لبيد ، (فمضى وقدمها وكانت عادة منه إذ هي غردت إقدامها) ، فأنث الإقدام لما كان العادة في المعنى قال وقد جاء في الكلام ما جاءت حاجتك فأنث ضمير ما حيث كان الحاجة في المعنى ونصب الحاجة مثل ذلك قولهم من كانت أمك فأنث ضمير من حيث كان الأم ومثله (ومن يقنت منكن لله) ، قال الزجاج ويجوز أن يكون تأويل أن قالوا إلا مقالتهم أي فيؤنث الفعل على هذا التقدير لأن المقالة مؤنثة والنصب في (والله ربنا) ، على النداء أو بإضمار أعني والخفض على النعت والثناء وقوله وصلا جمع واصل وهو مفعول شرف والفاعل ضمير يعود على الباء أي شرف هذا النداء الواصلين إلى الله لا هؤلاء الكفرة

(634)

نُكَذِّبُ نَصْبُ الرَّفْعِ (فَـ)ـازَ (عَـ)ـلِيمُهُ وَفِي وَنَكُونَ انْصِبْهُ (فِـ)ـي (كَـ)ـسْبِهِ (عُـ)ـلاَ

أي انصب الرفع وكان يمكنه أن يقول وفي ونكون النصب ولكن كان يلزم من تلك العبارة أن يكون ضده الخفض ولما قال انصبه علم أن القراءة الأخرى الرفع والرفع في الفعلين على العطف على (نرد) ، أي ياليتنا نرد ونوفق للإيمان والتصديق أو يكون على القطع أي ونحن لا نكذب ونكون من المؤمنين أي قد عاينا وشاهدنا مالا نكذب معه أبدا ومنه قولهم دعني ولا أعود ويجوز أين كونا في موضع الحال أي ياليتنا نرد غير مكذبين وكائنين من المؤمنين والنصب فيهما على جواب التمني بالواو وابن عامر نصب-ونكون-على الجواب ورفع ولا نكذب على ما سبق من الوجوه الثلاثة ويشكل على قراءة النصب وعلى قراءة الرفع أن جعلنا لجميع متمنى أو قلنا الواو للحال قوله سبحانه بعد ذلك (وإنهم لكاذبون) ، والمتمنى لا يوصف بصدق ولا كذب فيحمل ذلك على أنه استئناف إخبار عنهم بصفة ذم من جملة صفاتهم كما لو قال-وإنهم لظالمون

(635)

وَلَلدَّارُ حَذْفُ اللاَّمِ الاُخْرَى ابْنُ عَامِرٍ وَالآخِرَةُ المَرْفُوعُ بِالْخِفْضِ وُكِّلاَ

يعني حذف ابن عامر لام التعريف وأبقى لام الابتداء وأضاف الدار إلى الآخرة على تقدير ولدار الساعة الآخرة أو لدار الحياة الآخرة وكتبت في مصاحف الشام بلام واحدة وقراءة الجماعة بالتعريف وجعل الآخرة صفة للدار

(636)

وَ(عَمَّ عُـ)ـلاً لاَ يَعْقِلُونَ وَتَحْتَهاَ خِطاَباً وَقُلْ فَي يُوسُفِ (عَمَّ نَـ)ـيْطَلاَ

علا تمييز أو حال أي عم علاه أو عاليا وفاعل عم لا يعقلون وخطابا أيضا حال أي مخاطبا وذا خطاب ويجوز أن يكون خطابا تمييز على قولنا إن علا حال ونيطلا أيضا تمييز أي نصيبا وقال الشيخ هو مفعول من أجله أي عطاء لأنه يستعمل في العطاء وأصله للدلو ثم استعير للنصب كما قال تعالى (ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم) ، والغيبة والخطاب في ذلك ظاهران ولفظه في السور الثلاث (أفلا تعقلون) ، وبعده في الأنعام (قد نعلم إنه ليحزنك) ، وفي الأعراف وهي المراد بقوله وتحتها أي تحت هذه السورة بعده (والذين يمسكون بالكتاب) ، وبعده في يوسف (حتى إذا استيأس الرسل) ، الخطاب في الثلاث لعم علا وتابعهم أبو بكر في يوسف والذي في يس لابن ذكوان ونافع وذلك قوله

(637)

وَيَاسِينَ (مِـ)ـنْ (أَ)صْلٍ وَلاَ يُكْذِبُونَكَ الْخَفِيفُ (أَ)تى (رُ)حْباً وَطَابَ تأَوُّلاَ

يعني الذي بعده (وما علمناه الشعر) ، وبقي موضع آخر في القصص ذكره في سورته (وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون) ، الخطاب فيه لغير أبي عمرو وأما (فإنهم لا يكذبونك) ، فالتخفيف فيه والتشديد من باب واحد أكذب وكذب مثل أنزل ونزل وتأولا تمييز ورحبا حال من الضمير في أني العائد على يكذبونك أو مفعول به أي صادف مكانا رحبا من صدور قرائه لقبولهم له وتوجيههم لمعانيها إذ يحتمل أن يكون من أكذبته أي وجدته كاذبا وأكذبته أيضا إذا نسبته إلى الكذب كقول الكميت (فطائفة قد أكقرتني بحبكم ) أي نسبتني إلى الكفر

(638)

أَرَيْتَ فِي الاِسْتِفْهَامِ لاَ عَيْنَ (رَ)اجِعٌ وَعَنْ نَافِعٍ سَهِّلْ وَكَمْ مُبْدِلٍ جَلاَ

يعني إذا جاء لفظ رأيت أو رأيتم بعد همزة الاستفهام فالكسائي وحده يسقط عين الكلمة وهي الهمزة لأنها عين الفعل تخفيفا لاجتماعها مع همزة الاستفهام وهي لغة للعرب مشهورة كقوله ، (أرأيت امرءا كنت لم أبله أتاني فقال اتخذني خليلا) ، وقد أجمع على إسقاطها في المضارع نحو-يرى-مع الاستفهام وغيره فلم ترجع في الماضي في هذا الموضع وهو الاستفهام فقوله راجع صفة لعين أي باعتبار الموضع ويحوز نصبه على هذا نحو لا رجل ظريفا فيها ولا رجل ظريف فيها كلاهما لغة وخبر لا محذوف ، أي راجع فيه ولو جعلت راجع خبر لا لم يبق عائد إلى المبتدأ الذي هو رأيت فهذا كقولك زيد لا غلام ظريف له أو في الدار ويجوز أن يكون راجع خبر المبتدأ ولا عين على تقدير لا عين فيه جملة حالية ، أي رأيت محذوف العين راجع في المعنى إلى الثابت العين لأنهما لغتان بمعنى واحد وهذا الوجه أولى ليكون قد رمز بعد كمال التقييد وعلى الوجه الأول يلزم أن يكون راجع من جملة التقييد وهو رمز وليس ذلك من عادته ولأن هذا الباب لو فتح للزم أن تكون كلمات التقييد رمزا وإلا فجعل البعض رمزا دون بعض فيه إلباس وقد سبق التنبيه على أن لفظ فيه في قوله وكسر لما فيه ملبس وأنه لو قال فضم سكونا فيه لكان فيه محتملا للتقييد وهو رمز وأما قوله وفي ونكون انصبه فلو لم يكن ظاهرا كل الظهور أن لفظ النصب لا يأتي إلا بيانا للقراءة وتقييدا لها وإلا لأوهم أنه رمز نافع ولم تكن له حاجة بذلك البيان فإن الكلمة التي قبلها مثلها في القراءة فكانت الثانية داخلة في قيدها وهذه عادته كقوله فيما يأتي إذا فتحت شدد لشام وههنا فتحنا ولم يحتج أن يعيد لفظ شدد وكذا وإن بفتح عم نصر أو بعدكم نما وكذا وينذر صندلا ولم يحتج أن يقول بالغيب وقال بعضهم تقدير البيت اذكر رأيت كائنا في الاستفهام ثم قال وعن نافع سهل أي جعل الهمزة التي أسقطها الكسائي بين بين على قياس تخفيف الهمز وأبدلها جماعة من مشايخ مشيخة المصريين

لورش ألفا وهذا على ما تقدم له من الخلاف في-أنذرتهم-وأنتم-والله أعلم

(639)

إِذَا فُتِحَتْ شَدِّدْ لِشَامٍ وَههُنَا فَتَحْناَ وَفِي الأَعْرَافِ وَاقْتَرَبَتْ كَلاَ

يعني (إذا فتحت يأجوج ومأجوج)-(فتحنا عليهم أبواب كل شيء)-(ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم)-(ففتحنا أبواب السماء) والتخفيف والتشديد في كل ذلك لغتان ومن عادته أن يجمع النظائر مقدما لما في سورته مهما أمكن وهنا لم يمكنه فقدم الذي في الأنبياء ثم رجع إلى ما في سورة الأنعام وغيرها ومعنى كلا حفظ وهو مهموز كما قال تعالى (قل من يكلوكم بالليل والنهار) ، ولكن وقف عليه فأبدل من الهمزة ألفا لسكونها والله أعلم

(640)

وَبِالْغُدْوَةِ الشَّامِيُّ بِالضَّمِّ ههُناَ وَعَنْ أَلِفٍ وَاوٌ وَفِي الْكَهْفِ وَصَّلاَ

أي يقرأ بن عامر بالغدوة والعشي بضم الغين وسكون الدال وبالواو موضع الألف فتصير بالغدوة ولم ينبه على كون الدال ساكنة استغناء باللفظ به وكان له أن يستغني أيضا باللفظ عن ذكر الضم والواو وإنما ذكرهما لتعرف القراءة الأخرى فيه بالضم على الفتح ونص على الألف بدلا عن الواو وبقي فتح الدال استغنى عن التنبيه عليه لأن الألف لا يكون قبلها إلا مفتوح أو تركه لأنه قد لفظ بالدال في قراءة ابن عامر ساكنة فكأنه قال بسكون الدال ولو قال ذلك لكان ضدا لكون المطلق الحركة المطلقة وهي الفتح ومعنى قوله عن ألف واو أي وثبت له بدلا عن واو ثم قال وفي الكهف وصلا أي اتبع الذي في الكهف الذي في الأنعام فقرأ ذلك كما قرأ هذا أو وفي الكهف وصل هذه القراءة إلينا ورسمت الغدوة بالواو في جميع المصاحف كالصلوة والزكوة والحيوة قال الفراء في سورة الكهف من كتاب المعاني قرأ أبو عبد الرحمن السلمي بالغدوة والعشي ولا أعلم أحدا قرأ بها غيره والعرب لا تدخل الألف واللام في الغدة لأنها معرفة بغير ألف ولام سمعت أبا الجراح يقول ما رأيت كغدوة قط يعني بردا أصابه ، يريد كغداة يومه ألا نرى أن العرب لا تضيفها فكذلك لا تدخلها الألف واللام إنما يقولون أتيتك غداة لخميس ولا يقولون غدوة الخميس فهذا دليل على أنها معرفة وقال أبو عبيد كان عبد الله بن عامر وأهل الشام أو كثير منهم يقرءونها بالغدوة على واو كذلك يروي عن أبي عبد الرحمن السلمي وأما القراءة فعلى غير هذا قرءوا جميعا بالغداة قال وكذلك هي عندنا وإنما نرى ابن عامر والسلمي قرءا تلك القراءة اتباعا للخط قال والذي نقول به ليس في إثباتهم الواو في الكتاب دليل على القراءة بها لأنهم قد كتبوا الصلوة والزكوة بالواو ولفظهما على تركها وكذلك الغداة على هذا وجدنا ألفاظ العرب قال ابن النحاس قرأ أبو عبد الرحمن السلمي وعبد الله بن عامر ومالك بن دينار بالغدوة قال وباب غدوة أن يكون معرفة إلا أنه يجوز تنكيرها

كما تنكر الأسماء الأعلام فإذا نكرت دخلتها الألف واللام للتعريف وعشى وعشية نكرتان لا غير قال أبو علي وجه دخول لام المعرفة عليها أنه قد يجوز وإن كان معرفة أن ينكر كما حكاه زيد من أنهم يقولون لقيته فينة والفينة بعد الفينة ففينته مثل الغدوة في التعريف بدلالة امتناع الانصراف وقد دخلت عليه لام التعريف وذلك أن يقدر من أمه كلها له مثل هذا الاسم فيدخل التنكير لذلك وقول من قال بالغداة أبين قال سيبويه زعم الخليل أنه يجوز أن يقول أتيتك اليوم غدوة و بكرة فجعلهما بمنزلة ضحوة قال أبو العباس المهدوي حكى سيبويه والخليل أن بعضهم ينكره فيقول رأيته غدوة بالتنوين وبذلك قرأ ابن عامر نكرة فأدخل عليها الألف واللام والله أعلم

(641)

وَأَنَّ بِفَتْحٍ (عَمَّ نَـ)ـصْراً وَبَعْدُ(كَـ)ـمْ (نَـ)ـماَ يَسْتَبِينَ (صُحْبَةٌ) ذَكَّرُوا وِلاَ

نصراً تمييز أو حال كما تقدم في وعم علا ونما أي ورد من قولهم نما الحديث قال من حديث نمى إلي عجيب أي كم مرة نمى أي نقل أراد أنه (من عمل منكم سوءا بجهالة) ، والذي بعده (فإنه غفور رحيم) ، قرأهما ابن عامر وعاصم بالفتح ونافع فتح الأول وكسر الثاني والباقون بكسرهما فكسرهما معا ظاهر أما الأول فوقع مستأنفا على وجه التفسير والثانية واقعة بعد فاء الجزاء فكانت مكسورة كقوله سبحانه (ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم) ، أجمعوا على كسرها وهذا وجه كسر نافع لها وأما فتح الأول فعلى البدل من الرحمة أو على تقدير لأنه وفتحت الثانية وإن كانت بعد فاء الجزاء على حذف مبتدأ أي فأمره-أنه غفور رحيم-أو على تقدير حذف الخبر فالغفران حاصل له وقد أجمع على الفتح في (ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له)-(كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله) ، ومنهم من جعل الثانية تكريرا للأولى لأجل طول الكلام على حد قوله (أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون) ، ودخلت الفاء في (فأنه غفور رحيم) ، على حد دخولها في (فلا تحسبنهم بمفازة) ، على قول من جعله توكيدا لقوله (ولا تحسبن الذين يفرحون) ، إلا أن هذا ليس مثل (أيعدكم أنكم إذا متم) ، لأن هذه لا شرط فيها وتلك فيها شرط فيبقى بغير جواب فقيل الجواب محذوف لدلالة الكلام عليه تقديره غفور له ومنهم من جعل الثانية معطوفة على الأولى بالفاء وكل هذا تكلف والوجه ما قدمناه وأجاز الزجاج كسر الأولى مع فتح الثانية وإن لم يقرأ به وأما (ولتستبين سبيل) ، فذكره صحبة متابعة للرواية أي قرءوه بالياء لأن لفظ السبيل مذكر في قوله تعالى (وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا)-(وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا) ، ومن قرأه بالتاء أنثوه كما جاء (قل هذه سبيلي)-(ويبغونها عوجا) ، وكل هذا على قراءة من رفع سبيل على أنه فاعل تستبين وهم كل القراء غير نافع على ما سيأتي في أول البيت الآتي وأما قراءة

نافع بنصب سبيل فعلى أنها مفعول تستبين والتاء للخطاب لا للتأنيث أي ولتستبين-أنت-سبيل المجرمين-أي تتبينها وتعرفها فقول الناظم صحته ذكروا يريد أن غيرهم أنثوا ونافع لم يؤنث وإنما جاء بتاء المخاطبة ولكن العبارة ضاقت عليه فلم يمكنه التنبيه عليه واغتفر أمره لأن قراءته كقراءة الجماعة لفظا بالتاء إلا أنهما يفترقان في المعنى وذلك لا يقدح في التعريف بصورة القراءة وقوله ولا أي متابعة وهو في موضع نصب على الحال أو هو مفعول من أجله والله أعلم

(642)

سَبِيلَ بِرَفْعٍ (خُـ)ـذْ وَيَقْضِ بِضَمِّ سَاكِنٍ مَعَ ضَمِّ الْكَسْرِ شَدِّدْ وَأَهْمِلاَ

مضى الكلام في رفع سبيل ونصبه وأما يقضي الحق فقرئ بضم الساكن وهو القاف وبضم الكسر في الصاد مع تشديد الصاد وإهمالها وهو أن تجعلها غير منقوطة فتعود صادا فتصير الكلمة يقص من القصص من قوله تعالى (نحن نقص عليك نبأهم بالحق) ، وبمعنى الإتباع من قوله سبحانه (فارتدا على آثارهما قصصا) ، أي يتبع الحق فيما يفعل والقراءة الأخرى من القضاء والحق نعت مصدر محذوف أي يقضي القضاء الحق أو مفعول به على إسقاط الخافض أي يقضي بالحق كما قال (والله يقضي بالحق) ، وهو مفعول صريح على أن يقضي بمعنى يصنع الحق وتفعله والياء منه محذوفة في الرسم باتفاق فلهذا احتمل القراءتين ثم رمز لمن قرأ يقص من القصص في أول البيت الآتي فقال

(643)

(نَـ)ـعَمْ (دُ)ونَ (إِ)لْبَاس وَذكَّرَ مُضْجِعاً تَوَفَّاهُ وَاسْتَهْوَاهُ حَمْزَةُ مُنْسِلاَ

ما أحسن ما عبر عن القراءتين في يقص وكأنه جعل حسن ذلك حالة نظمه فقال بعده نعم دون إلباس قدر كأن سائلا سأل فقال هل استوعبت قيود هاتين القراءتين فقال نعم من غير إلباس بل هو أمر واضح ظاهر ووقع لي أنه كان غنيا عن تكلف هذه العبارة وذلك بأن يلفظ بالقراءتين معا فهو أسهل مما أتى فلو قال ، (سبيل برفع خذ ويقض يقص صاد حرمي نصر إذ بلا ياء انزلا) ، لحصل الغرض واجتمع في بيت واحد بيان اللفظين في القراءة ورمزها وعرف بأن رسمها بلا ياء ولكن فيما عبر به الناظم رحمه الله صناعة حسنة وأسلوب غريب وأما (توفته رسلنا)-(كالذي استهوته الشياطين) ، فقرأهما حمزة توفاه واستهواه والخلاف فيهما كالذي سبق في (فنادته الملائكة) ، في آل عمران أي ذكر حمزة لفظ هذا الفعل وأضجع ألفه أي أمالها على أصله ولو لم يذكر الإمالة لكان ذلك معلوما من أصله كما أنه في البيت الآتي لما ذكر الكوفيين قرءوا-أنجانا-في موضع-أنجيتنا-لم يتعرض للإمالة وكان ذلك مفهوما من بابها فحمزة والكسائي يميلان الألف وعاصم لا يميل على أصله وضد تذكير الفعل تأنيثه وذلك بإلحاق تاء ساكنة آخره فيلزم حذف الألف من آخر الفعل لسكونها وقوله منسلا ليس برمز لأنه صرح باسم القارئ ولم يأت بعده بواو فاصلة لظهور الأمر يقال انسلت القوم إذا تقدمتهم وهو حال من حمزة والله أعلم

(644)

مَعاً خُفيَةً فِي ضَمِّهِ كَسْرُ شُعْبَةٍ وَأَنْجَيْتَ لِلْكًوِفِيِّ أَنْجى تَحَوَّلاَ

الضم والكسر في خفية لغتان وقوله معا يعني هنا وفي الأعراف (تدعونه تضرعا وخفية)-(ادعوا ربكم تضرعا وخفية) ، أي مظهرين للضراعة والاستكانة ومضمرين ذلك في أنفسكم أي ادعوا ربكم وارغبوا إليه ظاهرا وباطنا وأما التي في آخر الأعراف (واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة) ، فذلك من الخوف بتقديم الياء على الفاء ووزنه فعلة كجلسة وركبة فأبدلت الواو ياء لأجل الكسرة قبلها وأما قوله (لئن أنجيتنا من هذه) ، فعلى الخطاب وقراءة الكوفيين على الغيبة أي أنجانا الله وهما ظاهران أي وأنجيت تحول للكوفي أنجا وهم في ذلك على أصولهم في الإمالة فيميلها حمزة والكسائي ولم يبين ذلك كما بين في-توفاه-واستهواه-وفناداه الملائكة لضيق العبارة عليه والله أعلم

(645)

قُلِ اللهُ يُنْجِيكُمْ يُثَقِّلُ مَعْهُمُ هِشَامٌ وَشَامٍ يُنْسِيَنَّكَ ثَقَّلاَ

أي هشام مع الكوفيين على تشديد ينجيكم وابن عامر وحده على تشديد (ينسينك الشيطان) ، والتخفيف والتشديد فيهما لغتان أنجى ونجى وأنسى ونسى كأنزل ونزل وأكمل وكمل وأمتع ومتع

(646)

وَحَرْفَيْ رَأَى كُلاًّ أَمِلْ (مُـ)ـزْنَ صُحْبَةٍ وَفِي هَمْزِهِ (حُـ)ـسْنٌ وَفِي الرَّاءِ (يُـ)ـجْتَلاَ

كلا بمعنى جميعا فهو حال من رأى أي حيث أتى رأى فأمال حرفيه أي أمل حرفي رأى جميعا وليس كلا تأكيدا لحرفي لأن تأكيد المثنى إنما يكون بلفظ كلا ولو أراد ذلك لأتى بلفظ معا واتزن النظم به ولا هو تأكيد لرأي وإلا لكان مخفوضا كما قال المخلصين الكل فلا يتجه أن يكون كلا هنا إلا بمنزلة جميعا في نحو قوله عليهم إليهم حمزة ولديهم جميعا فيكون منصوبا على الحال من رأى ورأى هنا معرفة أي وحرفي هذا اللفظ فجاز نصب الحال عنه وإن كان مضافا إليه لأنه من باب رأيت وجه القوم جميعا ومزن صحبة منصوب على الحال أيضا أو على المدح وكنى بالمزن وهو السحاب عن العلم وعنى بالحرفين الراء والهمزة وعلى التحقيق الهمزة غير ممالة وإنما الإمالة في الألف التي بعدها وإنما من ضرورة ذلك إضجاع فتحة الهمزة والعرب تستحسن إمالة الراء لا سيما إذا كان بعدها ألف ممالة ثم قال وفي همزة حسن أي واقتصر على إمالة همز رأى أبو عمرو وفي إمالة الراء خلاف عن السوسي ومزن صحبة أمالوهما معا والله أعلم

(647)

بِخُلْفٍ وَخُلْفٌ فِيهِماَ مَعَ مُضْمِرٍ (مُـ)ـصِيبٌ وَعَنْ عُثْمَانَ في الْكُلِّ قَلِّلاَ

أي وعن ابن ذكوان الخلف في إمالة الهمزة والراء معا إذا اتصلت الكلمة بالمضمر نحو (ولقد رآه نزلة أخرى)-(رآها تهتز)-(فرآه في سواء الجحيم) ، وجه الخلاف بعد الألف عن الطرف باتصال الضمير بها وعثمان هو ورش أمال الحرفين حيث جاءت كلمة رأى بين بين نحو (رأى كوكبا)-(رأى نارا) ، وقوله بخلفٍ في أول البيت يعني عن السوسي المرموز في البيت السابق ثم ابتدأ وخلف فيهما فقوله فيهما خبر المبتدإ إن كان مصيب صفته وإلا فهو صفته إن كان مصيب الخبر وفي قللا ضمير تثنية يرجع إلى حرفي رأى والكل هنا هو كلا في البيت السابق

(648)

وَقَبلَ السُّكُونِ الرَّا أَمِلْ (فِـ)ـي (صَـ)ـفاَ يَدٍ بِخُلْفٍ وَقُلْ فِي الْهَمْزِ خُلْفٌ (يَـ)ـقِي (صِـ)ـلاَ

يعني إذا وقع رأى قبل ساكن نحو (رأى القمر)-(رأى الشمس)-(ورأى المجرمون النار)-(وإذا رأى الذين) ، فقد تعذرت إمالة الألف لسقوطها لأجل الساكن وإضجاع الهمز إنما كان لأجل إمالة الألف فأمال هؤلاء الراء تقدير أن الألف كلها موجودة ممالة بخلف عن السوسي وحده وأما إمالة الهمزة ففيها الخلاف عن السوسي وعن أبي بكر لأنه إذا قدم ذكر الخلف وأطلقه كان لجميع من يأتي بعده وإن قدم ذكر القراء اختص الخلف المطلق بالأخير منهم وإن قيد الخلف ظهر أمره وخلف السوسي أنه يميل الراء والهمزة معا ولا يميلهما معا ومثله الخلف المذكور لهشام في باب الزوائد في إثبات ياء-كيدوني-في الإعراف وصلا ووقفا أو لا يثبتها وصلا ووقفا ووجه إمالة الهمزة اعتبار الأصل أيضا فإن التقاء الساكنين عارض ولينبه على أنه لو وقف على الكلمة لأمال وقوله في صفايد أي في صفا نعمة وقوله يقي صلا يعني العلم لأن معرفة الخلف تستلزمه أي يقي صلاء النار إن شاء الله تعالى وصلاء النار حرها صح بالكسر والمد والفتح والقصر

(649)

وَقِفْ فِيهِ كَالأُولَى وَنَحْوُ رَأَتْ رَأَوْا رَأَيْتُ بِفَتْحِ الْكُلِّ وَقْفاً وَمَوْصِلاَ

فيه بمعنى عليه أي إذا وقفت على هذا الذي لقيه ساكن فالحكم فيه كالحكم في الكلمة الأولى وهي (رأى كوكبا) ، ونحوه فتميل الحرفين لحمزة والكسائي وأبي بكر وابن ذكوان وتميل لأبي عمرو فتحة الهمزة وحدها وأما السوسي فلا يختلف حكمه فإن الخلف له في إمالة الراء في الكلمتين وورش أمال الحرفين بين بين فهذه تفاصيل مذاهبهم في نحو-رأى كوكبا-تطرد في نحو (رأى القمر) ، إذا وقفت على-رأى-لأن الساكن قد زال فرجعت الألف فأما إذا كان بعد الهمز ساكن لا ينفصل من الكلمة نحو (فلما رأته حسبته لجة)-(رأتهم من مكان بعيد)و(إذا رأوك)-(فلما رأوه عارضا)و(إذا رأوهم قالوا)-(فلما رأينه أكبرنه)-(وإذا رأيت الذين يخوضون)-(إذا رأيتهم حسبتهم) ، فكل القراء يفتحون الراء والهمزة لأن الألف التي بعد الهمزة هنا معدومة لا ترجع أبدا وكسر فتحة الهمزة إنما كان لأجل إمالة الألف وكذلك الذين أمالوا الراء إنما فعلوا ذلك لأنهم كانوا يميلونها لإمالة الألف أو مع كونها في حكم الموجودة في نحو-أي القمر-فأما في موضع سقطت فيه الألف وليست في حكم الموجودة فإنهم فتحوا على الأصل في الوقف والوصل وقوله بفتح الكل أي مقروء بفتح القراء كلهم واقفين وواصلين

(650)

وَخَفِّفَ نُوناً قَبْلَ فِي اللهِ (مَـ)ـنْ (لَـ)ـهُ بِخُلْفٍ (أَ)تى وَالْحَذْفُ لَمْ يَكُ أَوَّلاَ

يعني نون (أتحاجوني في الله) ، ولم يمكنه النطق بالكلمة في نظمه لما فيها من اجتماع الساكنين وذلك لا يقع متزنا ومثله ما يأتي في سورة النحل ومن قبل فيهم يكسر النون نافع ويشبه ذلك تعبيره عن-ستجدني-بقوله وما بعده إن شاء لأن في ستجدني خمس متحركات متواليات وذلك ممتنع في الشعر والأصل أتحاجونني بنونين الأولى علامة رفع الفعل والثانية نون الوقاية فللعرب في مثل ذلك ثلاث لغات إبقاء النونين على حالهما كما قال تعالى في سورة سبأ (وإذ تأمروننا أن نكفر بالله) ، وإدغام الأولى في الثانية على أصل قاعدة الإدغام فيلزم من ذلك النطق بنون مشددة واللغة الثالثة حذف إحدى النونين فبقي نون واحدة مخففة كرهة للتضعيف وقد قرئ بهذه اللغات الثلاث في سورة الزمر (أفغير الله تأمروني أعبد) ، كما يأتي قرئ ( أتعدانني) ، في الأحقاف بالإظهار والإدغام دون الحذف ولم يقرأ هنا بالإدغام والحذف وقيل إن الحذف لغة غطفان وقوله من له أتى أي خفف النون القارئ الذي أتى التخفيف له أي الذي وصل إليه نقله وورد إليه خبره وعرفه قراءة ولغة خلافا لمن أنكر الحذف وقوله بخلف يعني عن هشام وحده لإطلاقه فرجع إلى من يليه وهو المرموز في له دون من وقوله والحذف لم يك أولا يعني أن المحذوفة من النونين هي الثانية دون الأولى لأن الاستثقال بها وقع ولأن الأولى تقوم مقامها في وقاية الفعل وهي دالة على رفع الفعل ففي حذفها إخلال ولأن الأولى قد تكون ضمير الفاعل وذلك نون جماعة المؤنث نحو أكرمتني وقد جاء الحذف في فليتى وتخوفني والأصل فليتني فلا ينبغي أن يقال الفاعل حذف وبقي نون الوقاية وأيضا فقد حذفت نون الوقاية حيث لم يجتمع مع غيرها في نحو قدى وليتى ولعلى ففهم أنها هي المجترأ على حذفها في جميع المواضع ولا ضرورة تلجئ إلى الكشف عن مثل هذا والبحث عنه ولكنه من فوائد علم العربية وقد تعرض له أبو علي في الحجة ويأتي مثل هذا في سورة الحجر

(651)

وَفي دَرَجَاتَ النُّونِ مَعْ يُوسُفٍ (ثَـ)ـوَى وَوَالَّليْسَعَ الْحَرْفاَنِ حَرِّكْ مُثَقِّلاَ

يعني (نرفع درجات من نشاء) ، هنا مع حرف يوسف وعنى بالنون التنوين في درجات وثوى أي أقام التنوين فيها وتقديرها نرفع درجات من نشاء فيكون درجات منصوبا على التمييز أو الحال أي ذوى درجات أو على إسقاط الخافض أي في درجات ويشهد لهذه القراءة قوله تعالى ، (ورفع بعضهم درجات وآتينا)-(ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم)-(ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ) ، القراءة الأخرى على إضافة درجات إلى أصحابها فتكون هي المرفوعة ومنه قوله تعالى (رفيع الدرجات) ، وفي الحديث اللهم ارفع درجته في عليين ومن رفعت درجته فقد رفع ، قوله ووالليسع لفظ القرآن-واليسع-فأدخل واو العطف الفاصلة على ذلك لتحصل حكاية لفظ القرآن وهي في موضعين هنا وفي سورة ص وإليهما أشار بقوله الحرفان لأن الحرف اصطلاح القراء عبارة عن الكلمة المختلف في قراءتها وفي إعراب الحرفان نظر وذلك أنه جاء بلفظ الرفع فلزم أن يكون ووالليسع قبله مبتدأ والحرفان بدل منه بدل الاشتمال كأنه قال حرفاه أي موضعاه ويجوز أن يكون مبتدءا ثانيا أي الحرفان من هذا اللفظ ولو قال الحرفين بالنصب لكان أجود إعرابا وأقل إضمارا فإن قولك زيدا اضرب بنصب زيد أولى من رفعه بدرجات وقوله والليسع حرك مثل زيدا اضرب سواء وأراد بالتحريك فتح اللام لأنه ليس في كلمة اليسع ساكن سواها ومثقلا حال من فاعل حرك أي مشددا اللام ثم تمم الكلام فقال

(652)

وَسَكِّنْ (شِـ)ـفَاءَ وَاقْتَدِهْ حَذْفُ هَائِهِ (شِـ)ـفَاءً وَبِالتَّحْرِيكِ بِالْكَسْرِ (كُـ)ـفِّلاَ

يعني سكن الياء وضاق عليه النظم عن بيان محل التسكين فإنه محتمل أن يكون في الياء والسين وشفاء حال أي ذا شفاء فقرأ حمزة والكسائي على أن اسمه ليسع على وزن لحمر فدخلت عليه آلة التعريف وعلى قراءة الجماعة يكون اسمه كأنه يسع على وزن يضع ثم دخله الألف واللام كقوله رأيت الوليد ابن اليزيد وكل هذا من تصرفاتهم في الأسماء الأعجمية واختار أبو عبيد قراءة التخفيف وقال كذلك وجدنا اسم هذا النبي في الأنباء والأحاديث وقال الفراء في قراءة التشديد هي أشبه بأسماء العجم وقوله تعالى (فبهداهم اقتده) ، الهاء في اقتده هاء السكت فحذفها في الوصل شفاء كما تقدم في-يتسنه-ومن أثبتها في الوصل أجراه مجرى الوقف واتبع الرسم وأجمعوا على إثبات هاء السكت في الوصل في-كتابيه-وحسابيه-في موضعين في الحاقة واختلفوا في-ماليه-و-سلطانيه-و-ماهيه-في سورة القارعة على ما يأتي وابن عامر حرك هاء-اقتده-بالكسر قال ابن مجاهد يشم الهاء الكسر من غير بلوغ ياء قال وهذا غلط لأن هذه الهاء هاء وقف لا تعرف في حال من الأحوال أي لا تحرك وإنما تدخل ليتبين بها حركة ما قبلها وقال أبو علي ليس بغلط ووجهها أن تجعل الهاء كناية عن المصدر لا التي تلحق الوقف وحسن إضماره لذكر الفعل الدال عليه وعلى هذا قول الشاعر ، (هذا سراقة للقرآن يدرسه ) ، فالهاء كناية عن المصدر ودل يدرس على الدارس ولا يجوز أن يكون ضمير القرآن لأن الفعل قد تعدى إليه اللام فلا يجوز أن يتعدى إليه وإلى ضميره كما أنك إذا قلت زيدا ضربته لم تنصب زيدا بضربت لتعديه إلى الضمير قلت فالهاء على هذا ضمير الاقتداء الذي دل عليه اقتد وقيل ضمير الهدى وقيل إن هاء السكت تشبه بهاء الضمير فتحرك كما تشبه هاء الضمير بهاء السكت فتسكن وقوله كفلا أي جعل له كافل وهو الذي ينصره ويذب عنه ثم قال

(653)

وَمُدَّ بِخُلْفٍ (مَـ)ـاجَ وَالْكُلُّ وَاقِفٌ بِإِسْكَانِهِ يَذْكُو عَبِيرًا وَمَنْدَلاَ

أي مد كسرة الهاء ابن ذكوان بخلاف عنه والمد فرع تحريكها فجرى فيها على القياس إذ هاء الضمير بعد المتحرك موصولة في قراءة-يؤده-و-فألفه-ونحوهما وهشام من مذهبه القصر في ذلك فقصرها هنا وقوله ماج أي اضطرب وهو صفة لخلف وهو من زيادات هذه القصيدة فلم يذكر صاحب التيسير فيه عن ابن ذكوان غير المد وذكر النقاش عن هشام حذف الهاء كقراءة حمزة والكسائي وذكر عن ابن ذكوان مثل قراءة نافع وغيره بالإسكان ويجوز في قراءة الإسكان أن تكون الهاء ضميرا على ما ذكر في قراءة ابن عامر وأسكنت كما أسكنت في-فألقه-ويتقه-ونحوهما فإذا وقفت على-اقتده-فكلهم أثبتوا الهاء ساكنة لأنها إن كانت هاء السكت فظاهر وإن كانت ضميرا فالوقف يسكنها فهذا معنى قوله والكل واقف بإسكانه أي بإسكان الهاء ويذكو معناه يفوح من ذكت النار أي اشتعلت والعبير أخلاط تجمع بالزعفران عن الأصمعي وقال أبو عبيدة هو الزعفران وحده والمندل العود يقال له المندل والمندلي ذكره المبرد وأنشد ، (إذا أخمدت يلقى عليها المندل الرطب ) ، وقال صاحب الصحاح رحمه الله المندلي عطر ينسب إلى المندل وهي بلاد الهند وانتصب عبيرا ومندلا على التمييز ويجوز أن يكونا حالين أي مشبها ذلك والضمير في يذكو للهاء ، أو الإسكان وموضع الجملة من يذكو نصب على الحال لأن إثبات الهاء في الوقف ساكنة لا كلام فيه والله أعلم

(654)

وَتُبْدُونَهَا تُخْفُونَ مَعْ تَجْعَلُونَهُ عَلَى غَيْبِهِ (حَـ)ـقًّا وَيُنْذِرَ (صَـ)ـنْدَلاَ

يعني (يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيرا) ، وجه الغيب فيه الرد على قوله (إذ قالوا ما أنزل الله على بشر) ، والخطاب لقوله (قل إى) ، قل لهم ذلك وقوله وعلمتم على قراءة للغيب التفات والغيب في (ولينذر أم القرى) ، يرجع إلى الكتاب فيكون فعل الإنذار مسندا إلى الكتاب والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وصندلا تمييز أو حال على ما سبق في عبيرا ومندلا عطف جميع ما في هذا البيت على ما في البيت السابق أي وهذا المذكور في هذا البيت يذكو صندلا كما ذكا ذاك عبيرا ومندلا وقوله على غيبة أي على ما فيه من الغيبة فهو في موضع الحال كقولك هو على حداثته يقول الشعر أي ويذكو يبدونها وما بعده على غيبه حقا مصدر مؤكد والصندل شجر طيب الرائحة والله أعلم

(655)

وَبَيْنَكُمُ ارْفَعْ (فِـ)ـي (صَـ)ـفَا (نَفَرٍ) وَجَاعِلُ اقْصُرْ وَفَتْحُ الْكَسْرِ وَالرَّفْعِ (ثُـ)ـمِّلاَ

أي كائنا في صفا نفر فقصر الممدود أو أراد في صلابة الصفا المقصورة لقوة الحجة فيه قال أبو عبيد وكذلك نقرؤها بالرفع لأنا قد وجدنا العرب تجعل بين اسما من غير ما ويدل على ذلك قوله (فلما بلغا مجمع بينهما) ، فجعل بين اسما من غير ما وكذلك قوله (هذا فراق بيني وبينك) ، وقد سمعناه في غير موضع من أشعارها وكان أبو عمرو يقول معنى-تقطع بينكم-تقطع وصلكم فصارت ههنا اسما من غير أن يكون معها ما قال وقرأها الكسائي نصبا وكان يعتبرها بحرف عبد الله لقد تقطع ما بينكم ، قال الزجاج الرفع أجود ومعناه لقد تقطع وصلكم والنصب جائز المعنى لقد تقطع ما كان من الشرك بينكم قال أبو علي لما استعمل بين مع الشيئين المتلابسين في نحو بيني وبينك شركة وبيني وبينه رحم وصداقة صارت لاستعمالها في هذه المواضع بمنزلة الوصلة وعلى خلاف الفرقة فلهذا جاء لقد تقطع وصلكم ، قلت وقيل المعنى تفرق جمعكم وتشتت وقيل اتسع في الظرف فأسند الفعل إليه مجازا كما أضيف إليه في قوله تعالى (شهادة بينكم) و (مجمع بينهما) ، و(هذا فراق بيني وبينك) ، وقال عنترة (كأنها أقص الأكام عشية بقريب بين المنشمين مصلم) ، وقول أبي عمرو لقد تقطع وصلكم يعني أن البين يطلق بمعنى الوصل فلا يكون الظرف متسعا فيه هذا وجه آخر وقراءة النصب على أنه ظرف على أصله والفاعل مضمر دل عليه سياق الكلام أي لقد تقطع الاتصال بينكم وقيل لقد تقطع الذي بينكم فحلف الموصول وقيل تقطع الأمر بينكم وقيل بينكم صفة موصوف محذوف أي لقد تقطع وصل بينكم كقولهم ما منهما مات أي أحد مات وقيل الفاعل (ما كنتم تزعمون) ، أي لقد تقطع وصل ما زعمتم كقولك قام وقعد زيد فأحد الفعلين رافع للفاعل الموجود والآخر فاعله مضمر لدلالة الموجود عليه وأما قوله تعالى (وجاعل الليل سكنا) ، فهذه القراءة موافقة لقوله تعالى (فالق الإصباح) ، كلاهما اسم فاعل أضيف إلى مفعوله وقرأه الكوفيون-وجعل الليل-جعلوه فعلا ماضيا ومفعولا به

لأن فالق بمعنى فلق فعطفوا-وجعل-عليه أراد فتح الكسر في العين وفتح الرفع في اللام ومعنى ثمل أصلح والله أعلم

(656)

وَعَنْهُمْ بِنَصْبِ اللَّيْلِ وَاكْسِرْ بِمُسْتَقَرْرٌ الْقَافَ (حَـ)ـقًّا خَرَّقُوا ثِقْلُهُ (ا)نْجَلاَ

أي عن الكوفيين لأنه صار مفعولا وفي قراءة الباقين هو مضاف إليه فكان مجرورا وقوله سبحانه بعد ذلك-والشمس والقمر-بالنصب يقوي قراءة الكوفيين أي وجعل ذلك حسبانا وقوله تعالى (وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع) ، هما بفتح القاف والدال موضع الاستقرار والاستيداع فالتقدير فلكم مستقر وهو حيث يستقر الولد في الرحم ولكم مستودع وهو حيث أودع المنى في صلب الرجل وإذا كسرت القاف كان اسم فاعل أي فمنكم مستقر في الرحم أي قد صار إليها واستقر فيها ومنكم من هو مستودع في صلب أبيه فعلى هذه القراءة يكون مستودع اسم مفعول لأن فعله متعد ولم يتجه في مستقر بفتح القاف أن يكون اسم مفعول لأن فعله لازم فلهذا عدل إلى جعله اسم مكان وعطف مستودع عليه لفظا ومعنى لإمكان ذلك فيهما والتخفيف والتشديد في-وخرقوا له بنين-لغتان والتخفيف أكثر وفي التشديد معنى التكثير ولهذا قال انجلا أي ظهر وجهه وانكشف معناه وهو التكثير لأن المشركين قالوا الملائكة بنات الله وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله وكل طائفة من هؤلاء عالم لا يحصى ومعنى وخرقوا أي افتروا ذلك يقال خرق واختلق واخترق إذا افترى والباء في بنصب زائدة أو التقدير وثمل الفتح أيضا بنصب الليل عنهم

(657)

وَضَمَّانِ مَعْ يَاسِينَ فِي ثَمَرٍ (شَـ)ـفَا وَدَارَسْتَ (حَقٌّ) مَدُّهُ وَلَقَدْ حَلاَ

أي هنا ويس يريد (انظروا إلى ثمره إذا أثمر)-(ليأكلوا من ثمره وما عملته) ، فالضمان في الثاء والميم فيكون جمع ثمرة كخشب في جمع خشبة أو جمع ثمار ككتب في جمع كتاب أو جمع ثمر كأسد في جمع أسد وقيل هو اسم مفرد لما يجنى كطنب وعنق وأما ثمر بفتح الثاء والميم فجمع ثمرة كبقر وشجر وخرز واختلفوا أيضا في الذي في الكهف كما يأتي إلا أن حمزة والكسائي جريا فيه على ضم الحرفين كما ضما هنا وفي يس وعاصم وحده جرى على الفتحتين في الجميع ونافع وابن كثير وابن عامر ضموا في الكهف وحدها وزاد أبو عمرو إسكان الميم فيها وكل ذلك لغات وقرأ ابن كثير وأبو عمرو (وليقولوا دارست) ، على وزن فاعلت أي دارست غيرك هذا الذي جئتنا به والباقون بلا ألف-درست-أي قرأت وهو في الرسم بغير ألف كما في (جاعل الليل) ، إلا أن ا لألفات كثير حذف في أوساط الكلم من الرسم ثم ذكر قراءة أخرى فقال

(658)

وَحَرِّكْ وَسَكنْ (كَـ)ـافِيًا وَاكْسِرِ انَّهَا (حِـ)ـمى (صَـ)ـوْبِهِ بِالْخُلْفِ (دَ)رَّ وَأَوْبَلاَ

أي حرك السين أي افتحها وسكن التاء فقل درست على وزن خرجت فالتاء على هذه القراءة هي تاء التأنيث الساكنة اللاحقة لأواخر الأفعال الماضية والتاء في القراءتين السابقتين تاء الخطاب المفتوحة ومعنى هذه القراءة أي امحيت هذه الآيات وعفت ومضت عليها دهور فكانت من أساطير الأولين فأحييتها أنت وجئتنا بها وكافيا حال ثم قال واكسر أنها أراد (أنها إذا جاءت لا يؤمنون) ، فألقى حركة الهمزة في أنها على الراء الساكنة من اكسر فيجوز كسر الراء وفتحها على بناء حركة الهمزة المنقولة وفيها قراءتان الكسر لأبي عمرو وابن كثير ولأبي بكر بخلاف عنه وهي ظاهرة لأنها استئناف إخبار عنهم أنهم لا يؤمنون إذا جاءت الآية ومعنى-وما يشعركم-وما يدريكم إيمانهم إذا جاءت فحذف المفعول وابتدأ بالإخبار بنفي وقوعه والقراءة الأخرى بالفتح يوهم ظاهرها أنه عذر للكفرة فقيل إن أنها بمعنى لعلها وهي في قراءة أبي-لعلها- ذكر ذلك أبو عبيد وغيره ولعل تأتي كثيرا في مثل هذا الموضع نحو (وما يدريك لعل الساعة قريب)-(وما يدريك لعله يزكى) ، وقيل إنها وما بعده مفعول يشعركم على أن لا زائدة نحو (وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون) ، وهو قول الكسائي والفراء وقيل هو عذر للمؤمنين أنهم لا يعلمون ما سبق به القضاء على الكفار من أنهم لا يؤمنون إذا جاءت الآية على ما قاله تعالى (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية) ، وقيل التقدير لأنها إذا جاءت أي منعنا من الإتيان بالآية أنهم لا يؤمنون إذا جاءت قال الزجاج زعم سيبويه عن الخليل أن معناها لعلها إذا جاءت لا يؤمنون وهي قراءة أهل المدينة قال وهذا الوجه أقوى وأجود في العربية والذي ذكر أن لا لغو غالط لأن ما كان لغوا لا يكون بمنزلة لغو ومن قرأ بالكسر فالإجماع على أن لا غير لغو فليس يجوز أن يكون معنى لفظه مرة لنفي ومرة لإيجاب وقد أجمعوا على أن معنى أن ههنا إذا فتحت معنى لعل قلت وقد تكلم أبو علي

في الاصطلاح على هذا واقتصر لمن قال أن لا لغو واختار أن يكون التقدير لأنها أي فلا نؤتيهموها لإصرارهم على كفرهم عند ورودها فتكون هذه الآية كقوله تعالى (وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون) ، أي بالآيات المقترحة وقول الناظم حمى صوبه أضاف حمى إلى الصوب وهو نزول المطر والهاء في صوبه للكسر المفهوم من قوله واكسر ودر أي تتابع صبه وسيلانه وأوبل أي صار ذا وبل وقد مضى الكلام فيه في قوله جودا وموبلا في الإدغام الصغير وأشار إلى ظهور حجة قراءة الكسر والله أعلم

(659)

وَخَاطَبَ فِيهَا يُؤْمِنُونَ (كَـ)ـمَا (فَـ)ـشَا وَصُحْبَةُ (كُفْؤٍ فِي الشَّرِيعَةِ وَصَّلاَ

فيها أي في هذه الآية وفاعل خاطب تؤمنون جعله مخاطبا لما كان فيه خطاب وقد تقدم نظيره فمن قرأ بالخطاب كان-وما يشعركم-خطابا للكفار ومن قرأ بالغيبة فالخطاب للمؤمنين ويجوز أن يكون للكفار على قراءة الكسر وعلى تقدير لعل والخطاب في الشريعة وصله صحبة كفؤ يعني في قوله تعالى (فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون) ، الخطاب المرسل إليهم والغيبة ظاهرة والله أعلم

(660)

وَكَسْرٌ وَفَتْحٌ ضُمَّ فِي قِبَلاً (حَـ)ـمى ظَهِيرًا وَلِلْكُوفِيِّ فِي الْكَهْفِ وُصِّلاَ

ضم إما فعل ما لم يسم فاعله أو أمر فإن كان لم يسم فاعله فهو صفة لفتح وحذف مثله بعد قوله وكسر تخفيفا وأراد كسر ضم وفتح ضم أي القاف والباء من قبلا مضمومتان فهو كقوله تعالى (والله ورسوله أحق أن يرضوه) ، وهذه الصفة المقدرة هي التي سوغت جواز الابتداء بقوله وكسر وفي قبلا خبره وإن كان ضم فعل أمر كان عدولا عن الوجه الأقوى في الإعراب مع إمكانه إلى الوجه الأضعف حين رفع وكسر وفتح وكان الوجه نصبهما لأنهما مفعول ضم والظاهر أنه قصد هذا الوجه وغفل عن ضعف الرفع في مثل هذا فقد تكرر منه هذا النظم في قوله المتقدم والليسع الحرفان حرك وفاعل حمى ضمير الضم المفهوم من قوله ضم وظهيرا حال منه أو مفعول به أي حمى من كان له ظهيرا أي سعينا يحتج له وينصره وإذا كان حلا فمعناه أن قراءة الضم ظهرت على الأخرى بكثرة وجوهها والخلاف في قوله تعالى (وحشرنا عليهم كل شيء قبلا) ، وفي الكهف (أو يأتيهم العذاب قبلا) ، يقرآن بضم القاف والباء وبكسر القاف وفتح الباء قيل القراءتان بمعنى واحد أي عيانا وقيل المضموم هنا جمع قبيل وهو الكفيل أي كفلاء بما وعدناهم والقبيل أيضا الجماعة أي جماعات تشهد بصدقك قال الفراء في سورة الأنعام قبلا جمع قبيل وهو الكفيل قال وإنما اخترت ههنا أن يكون القبيل في معنى الكفالة لقولهم (أو تأتي بالله والملائكة قبيلا) ، يضمون ذلك قال وقد يكون قبلا من قبل وجوههم كما تقول أتيتك قبلا ولم أك دبرا وقد يكون القبيل جمعا للقبيلة كأنك قلت أو تأتي بالله والملائكة قبيلة قبيلة وجماعة جماعة وقال في الكهف-قبلا-عيانا وقد يكون قبلا بهذا المعنى وقد يكون قبلا كأنه طوائف من العذاب مثل قبيل وقبل قال أبو علي قال أبو زيد يقال لقيت فلانا قبلا ومقابلة وقبلا وقبلا وقبليا وقبيلا كله واحد وهو المواجهة ثم أتبع ذلك بكلام طويل مفيد رحمه الله

(661)

وَقُلْ كَلِماَتٌ دُونَ مَا أَلِفٍ (ثَـ)ـوَى وَفي يُونُسٍ وَالطَّوْلِ (حَـ)ـامِيهِ (ظَـ)ـلَّلاَ

يعني قرأ هؤلاء كلمة بالإفراد وهو يؤدي معنى الجمع كما تقدم في-رسالاته-في المائدة ويأتي له نظائر وأراد (وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا)-(إن الذين حقت عليهم كلمات ربك لا يؤمنون)-(وكذلك حقت كلمات ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار) ، أفرد الكوفيون الثلاثة ووافقهم ابن كثير وأبو عمرو في يونس والطول وما في قوله دون ما ألف زائدة

(662)

وَشَدَّدَ حَفْصٌ مُنْزَلٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَحُرِّمَ فَتْحُ الضَّمِّ وَالْكَسْرِ (إ)ذْ (عَـ)ـلاَ

أراد (أنه منزل من ربك بالحق) ، التخفيف والتشديد لغتان من أنزل ونزل وحرم بفتح الحاء والراء على إسناد الفعل إلى الله وبضم الحاء وكسر الراء على بناء الفعل للمفعول وكذا توجيه الخلاف في-فصل لكم-الذي قبله وهو قوله

(663)

وَفُصِّلَ (إِ)ذْ (ثَـ)ـنَّى يَضِلُّونَ ضَمَّ مَعْ يَضِلُّوا الذِي فِي يُونُسٍ (ثَـ)ـاِبتًا وَلاَ

فقراءة نافع وحفص بإسناد الفعلين إلى الفاعل وقراءة ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر بإسنادهما إلى المفعول وقراءة حمزة والكسائي وأبي بكر بإسناد فصل إلى الفاعل وإسناد حرم إلى المفعول ولم يأت عكس هذا ومعنى إذ ثنى أي أعاد الضمير في فصل إلى اسم الله تعالى قبله فهو مثن بذكره ويقال ضل في نفسه وأضل غيره وأراد (وإن كثيرا ليضلون)-(ربنا ليضلوا عن سبيلك) ، في يونس ولا خلاف في فتح التي في صاد (إن الذين يضلون عن سبيل الله) ، وسيأتي الخلاف في التي في إبراهيم وغيرها وقوله ثابتا حال من مفعول ضم وولا تمييز أي نصرا أو يكون حالا على تقدير ذا ولا وساق الناظم رحمه الله هذه الأبيات الثلاثة على خلاف ترتيب التلاوة ولكن على ما تهيأ له نظمه وكان يمكنه أن يقول ، (وشدد حفص منزل وابن عامر وفي كلمات القصر للكوف رتلا) ، (وفي يونس والطول ظلل حاميا وفصل فتح الضم والكسر ثق ألا) ، (وحرم إذ علا يضلون ضم مع يضلوا الذي في يونس ثابتا ولا)

(664)

رِسَالاَتُ فَرْدًا وَافْتَحُوا دُونَ عِلَّةٍ وَضَيْقًا مَعَ الْفُرْقَانِ حَرِّكُ مُثْقِلاَ

يريد قوله تعالى (الله أعلم حيث يجعل رسالته) ، وجه الإفراد والجمع فيه كما سبق في (فما بلغت رسالته) ، في سورة المائدة وتكلمنا ثم على فتح التاء وخفضها وقوله وضيقا مع الفرقان أراد-يجعل صدره ضيقا حرجا-(إذا ألقوا منها مكانا ضيقا) ، شدد الياء وكسرها كل القراء سوى ابن كثير والقراءتان كما سبق في الميْت والميِّت ثم تمم الكلام فقال

(665)

بِكَسْرٍ سِوَى المَكِّي وَرَا حَرَجاً هُنَا عَلَى كَسْرِهَا (إ)لْف (صَـ)ـفَا وَتَوَسَّلاَ

بين التحريك أنه بالكسر ولو لم يبين لكان فتحا لإطلاقه وقوله سوى المكي مستثنى من محذوف أي لكل سوى المكي والرواية بكسر التنوين وإلا لجاز أن يكون بكسر مضافا إلى سوى المكي وقوله ورا حرجا أراد وراء حرجا بالمد وإنما قصره ضرورة يريد (ضيقا حرجا) ، كسر راءه نافع وأبو بكر وفتحها الباقون وهما بمعنى واحدا عند قوم وقيل هما كدنف ودنف يحتاج الفتح إلى تقدير مضاف أي ذا حرج لأنه مصدر والكسر اسم فاعل كحذر وحذر وقال الشيخ وإذا تضايق الشجر والتف فلم تطق الماشية تخلله لتضايقه سما حرجا وحرجة فشبه به قلب الكافر لضيقه عن الحكمة والإلف الأليف وصفا أخلص يعني على كسر هذه الراء قاريء أليف مخلص متوسل إلى الله تعالى أي متقرب إليه وقوله هنا زيادة في البيان والله أعلم

(666)

وَيَصْعَدُ خِفٌّ سَاكِنٌ (دُ)مْ وَمَدُّهُ (صَـ)ـحِيحٌ وَخِفُّ الْعَيْنِ (دَ)اوَمَ (صَـ)ـنْدَلاَ

أي ذو خف أي ذو حرف خفيف ساكن وهو الصاد في قراءة ابن كثير والباقون على تحريك الصاد بالفتح وتشديدها دم يعني على القراءة به ثم ذكر أن شعبة زاد مدا يعني بعد الصاد وأنه وابن كثير معا خففا العين فقرأ ابن كثير (كأنما يصعد) ، على وزن يذهب ويعلم وهو ظاهر لأنه مضارع صعد كعلم وقرأ شعبة يصاعد أصله يتصاعد فأدغم التاء في الصاد وقرأ الجماعة (يصعد) ، بتشديد الصاد والعين أصله يتصعد فأدغم ومفعول قوله داوم محذوف أي داوم خف الصاد في قراءة ابن كثير وداوم المد بعدها في قراءة أبي بكر وصندلا حال أي عطرا مشبها صندلا

(667)

وتَحْشُرَ مَعْ ثَانٍ بِيُونُسَ وَهُوَ فِي سَبَأَ مَعْ نَقُولُ الْيَا فِي الأَرْبَعِ (عُـ)ـمِّلاَ

يعني يحشر الذي بعد يصعد وهو (ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن) ، والثاني في يونس هو الذي بعده (كأن لم يلبثوا) ، وقوله وهو يعني يحشر في سبأ مصاحب لقوله يقول يعني (ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة) ، الياء في الأربع يعني في يقول مع يحشر في السور الثلاث لحفص والباقون بالنون ووجه القراءتين ظاهر ولا خلاف في الأول بيونس والأول بالأنعام أنهما بالنون وقوله ونحشر مع ما بعده مبتدأ والياء مبتدأ ثان وخبره عملا أي اعمل فيها وقوله في الأربع من باب إقامة الظاهر مقام المضمر وفيه زيادة فائدة العددية التي اندرج بسببها لفظ يقول فيما فيه الخلاف لأن العدة لا تتم إلا بيقول وعمل وأعمل واحد كأنزل ونزل وقصر لفظ الياء ونقل حركة الهمزة في الأربع وأبدل همزة سبا ألفا بعد أن أسكنها بنية الوقف على قراءة قنبل كما يأتي وكل ذلك سبق له نظائر والله أعلم

(668)

وَخَاطَبَ شَامٍ تَعْلَمُونَ وَمَنْ تَكُونُ فِيهَا وَتَحْتَ النَّمْلِ ذِكْرُهُ (شُـ)ـلْشُلاَ

يعني (وما ربك بغافل عما يعملون)-(وربك الغني) ، وجه الخطاب أن بعده (إن يشأ يذهبكم) ، وما بعده إلى آخر الآية والغيب رد على ما قبله من قوله (ولكل درجات مما عملوا) وأما (من يكون له عاقبة الدار) ، هنا وفي القصص فتذكيره وتأنيثه على ما سبق في (ولا تقبل منها شفاعة) ، لأن تأنيث العاقبة غير حقيقي وشلشلا أي خفيفا

(669)

مَكَانَاتِ مَدَّ النُّونَ فِي الْكُلِّ شعْبَةٌ بِزَعْمِهِمُ الْحَرْفَانِ بِالضَّمِّ رُتِّلاَ

مكانات جمع مكانة وقد تقدم الكلام في نظير ذلك من الجمع والإفراد من-كلمات-و-رسالات-وغيرهما وقوله مد النون لأنه إذا أشبع فتحها صارت ألفا فكان المد فيها وهو كما سبق في سورة المائدة وفي العين فامدد وقوله في الكل يعني حيث جاء والزعم بفتح الزاي وضمها لغتان وقوله بزعمهم الحرفان مبتدأ نحو السمن منوان بدرهم أي الموضعان منه رتلا بالضم وليس مثل ما تقدم من قوله واليسع الحرفان فقد سبق أنه لو قال ثم الحرفين بالنصب لكان أجود وأما هنا فالرفع لا غير

(670)

وَزَيَّنَ فِي ضَمٍّ وَكَسْرٍ وَرَفْعُ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ بِالنَّصْبِ شَامِيُّهُمْ تَلاَ

(671)

وَيُخْفَضُ عَنْهُ الرَّفْعُ فِي شُرَكَاؤُهُمْ وَفِي مُصْحَفِ الشَّامِينَ بِالْيَاءِ مُثِّلاَ

يعني قوله تعالى (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم) ، قراءة الجماعة على أن شركاؤهم فاعل زين والمفعول قتل المضاف إلى أولادهم وقراءة ابن عامر على أن زين فعل لم يسم فاعله وقتل بالرفع على أنه أقيم مقام الفاعل وأولادهم بالنصب مفعول قتل لأنه مصدر وشركائهم بالجر على إضافة قتل إليه أي قتل شركائهم أولادهم كقولك عرف ضرب زيد عمرا أضيف المصدر إلى الفاعل فانجر وبقي المفعول منصوبا لكن في قراءة ابن عامر زيادة على هذا وهو تقديم المفعول على الفاعل المجرور بالإضافة وسيأتي توجيه ذلك فقوله وزين مبتدأ وفي ضم وكسر في موضع الحال أي كائنا في ضم الزاي وكسر الياء ورفع قتل عطف على وزين أولادهم كذلك على حذف حرف العطف وبالنصب في موضع الحال أي منصوبا وشاميهم تلا جملة من مبتدأ ثان وخبر هي خبر وزين وما بعده أي تلا على هذه الصورة أو يكون وزين وما بعده مفعولا لقوله تلا مقدما عليه أي ابن عامر تلا ذلك وكان التعبير على هذا التقدير يقتضي أن يقول وقتل بالرفع فلم يتزن له فقلب اللفظ لأمن الإلباس لأن من تلا قتل بالرفع فقد تلا الرفع وقيل ورفع قتل مبتدإ خبره محذوف أي وله رفع قتل وله أولادهم بالنصب وقوله وفي مصحف الشامين حذف منه ياء النسبة المشددة وهذا سنتكلم عليه إن شاء الله تعالى في باب التكبير في قوله وفيه عن المكين أراد أن مصحف أهل الشام الذي أرسله عثمان رضي الله عنه إليهم رسم فيه شركائهم بالياء فدل ذلك على أنه مخفوض فهو شاهد لقراءته كذلك ولكن لا دلالة فيه على نصب أولادهم فهو الذي استنكر من قراءته فيحتمل أن يكون أولادهم مجرورا بإضافة المصدر إلى مفعوله وشركائهم صفة له قال أبو عمرو الداني في مصاحف أهل الشام (أولادهم شركائهم) ، بالياء وفي سائر المصاحف شركاؤهم بالواو قال أبو البرهسم في سورة الأنعام في إمام أهل الشام وأهل الحجاز أولادهم شركائهم وفي إمام أهل العراق شركاؤهم قلت ولم ترسم كذلك إلا باعتبار

قراءتين فالمضموم عليه قراءة معظم القراء ويحتمل أيضا قراءة أبي عبد الرحمن السلمي على إسناد زين إلى القتل كما فعل ابن عامر ولكنه خفض الأولاد بالإضافة ورفع شركاؤهم على إضمار فعل كأنه قيل من زينه فقال شركاؤهم فهو مثل ما يأتي في سورة النور-يسبح له فيها-بفتح الياء ثم قال رجال أي يسبحه رجال وهي قراءة ابن عامر وأبي بكر وأما خفض شركائهم فيحتمل قراءة ابن عامر ويحتمل أن يكون نعتا للأولاد وعلى قراءة أبي عبد الرحمن السلمي السابقة وهذا أوجه من القراءة لا استبعاد فيه لفظا ولا معنى قال الزجاج وقد رويت شركائهم بالياء في بعض المصاحف ولكن لا يجوز إلا على أن يكون شركاؤهم من نعت أولادهم لأن نعت أولادهم شركاؤهم في أموالهم وقال ابن النحاس فيها أربع قراءات فذكر ما ذكرناه ونسب قراءة السلمي إلى الحسن أيضا ونسب القراءة الرابعة إلى أهل الشام فقال وحكى غير أبي عبيد عن أهل الشام أنهم قرءوا زين بالضم قتل بالرفع وخفض أولادهم شركائهم بالخفض أيضا على أن يبدل شركائهم من أولدهم لأنهم شركاؤهم في النسب والميراث وذكر الفراء القراءتين الأوليين برفع شركائهم ثم قال وفي بعض مصاحف أهل الشام شركائهم بالياء فإن تكن مثبتة عن الأولين فينبغي أن يقرأ زين ويكون الشركاء هم الأولاد لأنهم منهم في النسب والميراث فإن كانوا يقرءون زين بفتح الزاي فلست أعرف جهتها إلا أن يكونوا فيها آخذين بلغة قوم يقولون أتيتها عشايا ويقولون في تثنية حمراء حمرايان فهذا وجه أن يكونوا أرادوا (زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم) ، يعني بياء مضمومة لأن شركائهم فاعل زين كما هو في القراءة العامة قال وإن شئت جعلت زين فعلا إذا فتحته لا يلبس ثم يخفض الشركاء باتباع الأولاد قلت يعني تقدير الكلام زين مزين فقد اتجه شركائهم بالجر أن يكون نعتا للأولاد سواء قريء زين بالفتح أو بالضم وتفسير الشركاء على قراءة الجماعة هم خدم الأصنام أو الشياطين زينوا للكفرة أن

يقتلوا أولادهم بالوأد وبالنحر للآلهة وعلى قراءة ابن عامر يكون الشركاء هم القاتلين لأنهم لما زينوا للمشركين قتل أولادهم صاروا كأنهم كانوا هم القاتلين في المعنى والله أعلم

(672)

وَمَفْعُولُهُ بَيْنَ المُضَافَيْنِ فَاصِل وَلَمْ يُلْفَ غَيْرُ الظُرْفِ فِي الشِّعْرِ فَيْصَلاَ

يعني أن المفعول في قراءة ابن عامر وهو-أولادهم-الذي هو مفعول القتل وقع فاصلا بين المضاف والمضاف إليه لأن قتل مضاف إلى شركائهم وأكثر النحاة على أن الفصل بين المضافين لا يجوز إلا بالظرف في الشعر خاصة فهذا معنى قوله ولم يلف أي لم يوجد غير الظرف فيصلا بين المضاف والمضاف إليه وأما في كلام غير الشعر فلم يوجد الفصل بالظرف فكيف بغيره ذكر الناظم-رحمه الله-ما اعترض به على قراءة ابن عامر ثم مثل بالظرف فقال

(673)

كَلِلَّهِ دَرُّ الْيَوْمَ مَنْ لاَمَهَا فَلاَ تَلُمْ مِنْ سُلِيمِي النَّحْوِ إِلاَّ مُجَهِّلاَ

أراد بيتا أنشده سيبويه وغيره وهو لعمرو بن قميئة ، (لما رأت ساتيذ ما استعبرت لله در اليوم من لامها) ، يريد لله در من لامها اليوم أنشد سيبويه أيضا لأبي حية النميري ، (كما خط الكتاب بكف يوما يهودي ) ، أي بكف يهودي يوما وأنشد لدرنا بنت عتبة ، (هما أخوا في الحرب من لا أخا له ) ، أي أخوا من لا أخا له في الحرب قال وقال ذو الرمة ، (كأن أصوات من إيغالهن بنا أواخر الميس أصوات الفراريخ) ، أي كأن أصوات أواخر الميس وكل هذه الأبيات فصل فيها بالظرف الصريح وبالجار والمجرور بين المضاف والمضاف إليه ولا يجوز ذلك في غير الشعر قال سيبويه في قوله (يا سارق الليلة أهل الدار ) بخفض الليلة على التجوز ونصب أهل على المفعولية ولا يجوز يا سارق الليلة أهل الدار إلا في شعر كراهية أن يفصلوا بين الجار والمجرور ثم وقال مما جاء في الشعر قد فصل بينه وبين المجرور قول عمرو بن قميئة فذكر الأبيات المتقدمة وغيرها ثم قال وهذا قبيح ويجوز في الشعر على هذا مررت بخير وأفضل من ثم قال أبو الفتح ابن جني الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف وحرف الجر كثير لكنه من ضرورة الشاعر وقوله مليم هو اسم فاعل من ألام الرجل إذا أتى بما يلام عليه أي من مليم أهل النحو وهو اسم جنس هكذا وقع في روايتنا بلفظ المفرد ولو كان بلفظ الجمع كان أحسن أي من مليمي النحو ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين وتقع كذلك في بعض النسخ وهو الأجود وحذفها إنما جاء من الكاتب لأن الناظم أملى فخفيت الياء على الكاتب لأنها ساقطة في اللفظ أي الذين تعرضوا لإنكار قراءة ابن عامر هذه من النحاة على قسمين منهم من ضعفها ومنهم من جهل قارئها وكلهم قد أتى بما يلام عليه لأنه أنكر قراءة قد صحت عن إمام من أئمة المسلمين لكن من نفى ذلك ولم يجهل فأمره أقرب إذ لم يبلغ علة أكثر من ذلك ومن جهل فقد تعدى طوره فبين أمره ولمه وجهله بما قد خفي عنه فإن هذه القراءة قد نقلها ابن عامر عمن قرأها

عليه ولم يقرأها من تلقاء نفسه وسيأتي توجيهها ، قال أبو عبيد وكان عبد الله بن عامر وأهل الشام يقرءونها-زين-بضم الزاي ، (قتل) ، بالرفع-أولادهم-بالنصب ، (شركائهم) ، بالخفض ويتأولونه-قتل شركائهم أولادهم-فيفرقون بين الفعل وفاعله قال أبو عبيد ولا أحب هذه القراءة لما فيها من الاستكراه والقراءة عندنا هي الأولى لصحتها في العربية مع إجماع أهل الحرمين والبصرتين بالعراق عليها وقال أبو علي فصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول والمفعول به مفعول المصدر وهذا قبيح قليل في الاستعمال ولو عدل عنها إلى غيرها كان أولى ألا ترى أنه إذا لم يفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف في الكلام وحال السعة مع اتساعهم في الظروف حتى أوقعوها مواقع لا يقع فيها غيرها نحو (إن فيها قوما جبارين) ، تلقون للهجر حولا كميلا ، (ولا تلحني فيها فإني لحبها أخاك مصاب القلب جم بلا بله) ، ألا ترى أنه قد فصل بين أن واسمها بما يتعلق بخبرها ولو كان بغير الظرف لم يجز ذلك فإذا لم يجيزوا الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف في الكلام مع اتساعهم في الظرف في الكلام وإنما جاء في الشعر فأن لا يجوز في المفعول به الذي لم يتسع فيه بالفصل به أجدر وقال الزمخشري وأما قراءة ابن عامر بالفصل بينهما بغير الظرف فشيء لو كان في مكان الضرورات وهو الشعر لكان سمجا مردودا فكيف به في الكلام المنثور فكيف به في القرآن المعجز بحسن نظمه وجزالته ، قال والذي حمله على ذلك أنه رأى في بعض المصاحف-شركائهم-مكتوبا بالياء ولو قريء بجر الأولاد والشركاء لأن الأولاد شركاؤهم في أموالهم لوجد في ذلك مندوحة عن هذا الارتكاب ، قلت فإلى هذا الكلام وشبهه أشار الناظم يلوم قائله ثم ذكر وجه هذه القراءة فقال

(674)

وَمَعْ رَسْمِهِ زَجَّ الْقَلُوصَ أَبِي مَزَادَةَ اْلأَخْفَشُ النَّحْوِيُّ أَنْشَدَ مُجْمِلاَ

أي ومع كون الرسم شاهدا لقراءة ابن عامر وهو جر-شركائهم-وأما نصب الأولاد فليس فيه إلا النقل المحض لأن الرسم كما يحتمل نصب الأولاد يحتمل أيضا جرها كما سبق وهو الذي رجحه أهل النحو على القول باتباع هذا الرسم أي مع شهادة هذا البيت الذي ورد أيضا بالفصل بين المضافين بالمفعول به وهو ما أنشده الأخفش ولعله أبو الحسن سعد بن مسعدة النحوي صاحب الخليل وسيبويه ، (فزججتها بمزجة زج القلوص أبي مزادة) ، أي زج أبي مزادة القلوص فالقلوص مفعول ويروي فزججتها متمكنا ويروي فتدافعت قال الفراء في كتاب المعاني بعد إنشاده لهذا البيت وهذا مما كان يقوله نحويو أهل الحجاز ولم نجد مثله في العربية وقال في موضع آخر ونحويو أهل المدينة ينشدون هذا البيت والصواب زج القلوص بالخفض وقال أبو العلاء أحمد بن سليم المعري في كتاب شرح الجمل واختار قوم أن يفصلوا بين المضاف والمضاف إليه بالمصدر كما يفصل بينهما بالظرف قال وليس ذلك ببعيد وقد حكى أن بعض القراء قرأ (فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله) ، على تقدير مخلف رسله وعده قال وزعموا أن عيسى ابن عمر أنشد هذا البيت ، (فزججته متعرضا زج القلوص أبي مزاح) ، قال هكذا الرواية عنه وقد روي أبي مزادة قال أبو علي الفارسي وجه ذلك على ضعفه وقلة الاستعمال له أنه قد جاء في الشعر الفصل على حد ما قرأ قال الطرماح ، (يطفن بحوزي المراتع لم ترع بواديه من قرع لقسي الكنائن) ، قال وزعموا أن أبا الحسن أنشد زج القلوص أبي مزادة فهذان البيتان مثل قراءة ابن عامر قال ابن جني في بيت الطرماح لم نجد فيه بدا من الفصل لأن القوافي مجرورة قال في زج القلوص فصل بينهما بالمفعول به هذا مع قدرته على أن يقول زج القلوص أبو مزادة كقولك سرني أكل الخبز زيد قال وفي هذا البيت عندي دليل على قوة إضافة المصدر إلى الفاعل عندهم وأنه في نفوسهم أقوى من إضافته إلى المفعول ألا تراه ارتكب هنا الضرورة مع تمكنه من ترك ارتكابها لا لشيء غير

الرغبة في إضافة المصدر إلى الفاعل دون المفعول قال أبو الحسن الحوفي احتج ابن الأنباري لهذه القراءة فقال قد جاء عن العرب هو غلام إن شاء الله أخيك ففرق بإن شاء الله ويروى أن عبد الله بن ذكوان قال سألني الكسائي عن هذا الحرف وما بلغه من قرائتنا فرأيته كأنه أعجبه ونزع بهذا البيت ، (تنفى يداها الحصى في كل هاجرة نفي الدراهم تنقاد الصياريف) ، فنصب الدراهم ورواه غيره بخفض الدراهم ورفع تنقاد على الصحة قلت وإنما أعجب الكسائي لأنه وافق عنده ما بلغه من جوازه لغة ومثله ما أنشده غيره (فداسهم دوس الحصاد الدائس ) ، أي دوس الدائس الحصاد وفي شعر أبي الطيب (سقاها الحجى سقي الرياض السحائب ) ، أي سقى السحائب الرياض قال أبو الحسن ابن خروف يجوز الفصل بين المصدر والمضاف إليه بالمفعول لكونه في غير محله فهو في نية التأخير ولا يجوز بالفاعل لكونه في محله وعليه قراءة ابن عامر ، قلت وقد أنشد الشيخ أبو العلاء المعري في شرحه بيتا فيه الفصل بالفاعل وبالجار والمجرور معا وهو ، (تمر على ما تستمر وقد شفت غلائل عبد القيس منها صدورها) ، أي شفت عبد القيس غلائل صدورها منها ، وجاء الفصل أيضا بالمنادى المضاف أنشد ابن جني في كتاب الخصائص ، (كأن برذون أبا عصام زيد حمار دق باللجام) ، قال أي كأن برذون زيد يا أبا عصام حمار دق باللجام ، قلت ووجدت في شعر أسند إلى الفرس معاوية يخاطب به عمرو بن العاص رحمهما الله تعالى ، (نجوت وقد بل المرادى سيفه من ابن أبي شيخ الأباطح طالب) ، أي من ابن أبي طالب شيخ الأباطح ففصل بين مضاف ومضاف إليه وهو صفة لذلك المضاف والمضاف إليه وابن أبي طالب هو علي رضي الله عنه ولا يعد فيما استبعده أهل النحو من جهة المعنى وذلك أنه قد عهد تقدم المفعول على الفاعل المرفوع لفظا فاستمرت له هذه المرتبة مع الفاعل المرفوع تقديرا فإن المصدر لو كان منونا لجاز تقدم المفعول على فاعله نحو أعجبني ضرب عمرا زيد فكذا في

الإضافة وقد ثبت جواز الفصل بين حرف الجر ومجروره مع شدة الاتصال بينهما أكثر من شدته بين المضاف والمضاف إليه في نحو قوله تعالى (فبما نقضهم ميثاقهم)-(فبما رحمة من الله) ، فإن قالوا ما زائدة فكأنها ساقطة في اللفظ لسقوطها في المعنى ، قلت والمفعول المقدم هو في غير موضعه معنى فكأنه مؤخر لفظا ولا التفات إلى قول من زعم أنه لم يأت في الكلام المنثور مثله لأنه ناف ومن أسند هذه القراءة مثبت والإثبات مرجح على النفي بإجماع ولو نقل لي هذا الزاعم عن بعض العرب أنه استعمله في النثر لرجع عن قوله فما باله لا يكتفي بناقلي القراءة عن التابعين عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ثم الذي حكاه ابن الأنباري فيه الفصل في غير الشعر بجملة مستقلة مركبة من فعل وفاعل مع حرف شرط مما يقوي ما ذكرناه أنهم التزموا أن الفصل بالجار والمجرور لم يأت إلا في الشعر وقد روت الرواة في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الفصل بهما وهو نحو قوله صلى الله عليه وسلم فهل أنتم تاركوا لي صاحبي و تاركوا لي أمرائي ، أي تاركوا صاحبي لي وتاركوا أمرائي لي فلم يبق لهم تعلق بأنه لم يأت في الكلام المنثور فصل بالمفعول ولا بالظرف ونحوه والله أعلم ، قال أبو القاسم الكرماني في لباب التفاسير قراءة ابن عامر وإن ضعفت في العربية للإحالة بين المضاف والمضاف إليه فقويت في الرواية عالية وفي كتاب الخصائص لابن جني بأن ما يرد عن العربي مخالفا للجمهور إذا اتفق شيء من ذلك نظر في حال العربي وفيما جاء به فإن كان فصيحا وكان ما أورده مما يقبله القياس فإن الأولى أن يحسن الظن به وقد يمكن أن يكون ذلك وقع إليه من لغة قديمة قد طال عهدها وعفا رسمها أخبرنا أبو بكر جعفر بن محمد بن أبي الحجاج عن أبي خليفة الفضل ابن الحباب قال قال ابن عون عن ابن سيرين قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه فجاء الإسلام فتشاغلت عنه العرب بالجهاد وغزو فارس

والروم ولهيت عن الشعر وروايته فلما كثر الإسلام وجاءت الفتوح واطمأنت العرب في الأمصار راجعوا رواية الشعر فلم يثوبوا إلى ديوان مدون ولا كتاب مكتوب وألفوا ذلك وقد هلك من هلك من العرب بالموت والقتل فحفظوا أقل ذلك وذهب عنهم كثيره قال وحدثنا أبو بكر عن أبي خليفة قال قال يونس بن حبيب قال أبو عمرو بن العلاء ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقله ولو جاءكم وافرا لجاءكم علم وشعر كثير قال أبو الفتح إذا كان الأمر كذلك لم يقطع على الفصيح يسمع منه ما يخالف الجمهور بالخطأ ما وجد طريق إلى تقبل ما يورده إذا كان القياس يعاضده ، قلت وقد بينا وجه القياس في هذه القراءة وقد حان نقلها من طريق صحيح وبالله التوفيق ، وقول الناظم رحمه الله أبي مزادة الأخفش بفتح الهاء من مزادة أراد أن يأتي بلفظ الشاعر فأبقى الهاء ساكنة فلقيها سكون اللام في الأخفش فلزم تحريكها ففتحها على حد قوله سبحانه (الم الله) ، في أول آل عمران ولو أبدل الهاء تاء على الأصل وفتحها لكان له وجه لأنه واصل وشاعرها أبدلها هاء للوقف ولكن كان يفوت لفظ الحكاية وكان بعض الشيوخ يجيزوا قراءته بالتاء ولم نسمعه من الشيخ أبي الحسن رحمه الله إلا بالهاء واتفق أني رأيت الشيخ الشاطبي رحمه الله في المنام وسألته عنه أهو بالتاء أو بالهاء فقال بالهاء والله أعلم

(675)

وَإِنْ يَكُنَ أنِّثْ (كُـ)ـفْؤَ صِدْقٍ وَمَيْتَةٌ (دَ)ـنَا (كَـ)ـافِيًا وَافْتَحْ حِصَادِ (كَـ)ـذِي (حُـ)ـلاَ

فتح نون يكن بإلقاء حركة همزة أنث إليها ثم حذف الهمزة وكسر الدال من حصاد على حكاية لفظ القرآن وكفؤ صدق منصوب على الحال وكذا كافيا وكذى حلا في موضع الحال أي كائنا كصاحب حلا وهو جمع حلية أراد (وإن تك ميتة فهم فيه شركاء) ، فرفع ميتة على أن كان تامة أي وإن يوجد في بطنها ميتة وتأنيث ميتة غير حقيقي فلهذا ذكر ابن كثير ومن نصب ميتة وأنث تكن قدر وإن تكن الأجنة ميتة وهي قراءة أبي بكر وقراءة الباقين على وإن يكن ما في بطونها ميتة وقول الناظم رحمه الله وميتة يعني بالرفع وإطلاقه دال على ذلك والحصاد بفتح الحاء وكسرها لغتان فالفتح قراءة ابن عامر وأبي عمرو وعاصم ورمزه في البيت الآتي وهو

(676)

(نَـ)ـمَا وَسُكُونُ المَعْزِ (حِصْنٌ) وَأَنَّثُوا يَكُونُ (كَـ)ـمَا (فِـ)ـي (دِ)ينِهِمْ مَيْتَةٌ (كَـ)ـلاَ

أشار بقوله نما إلى عاصم ومعناه اشتهر وانتشر من نما المال وغيره ينمي إذا زاد والمعز بإسكان العين وفتحها لغتان اسم جمع لماعز كتجر وخدم ومن أنث يكون ورفع ميتة جعل كان تامة ومن نصب ميتة وأنث يكون فعلى ما تقدم في مثلها في (ثم لم تكن فتنتهم) ، بنصب الفتنة وتأنيث تكن أنث الفعل لتأنيث الخبر أو على تقدير إلا أن تكون الأنعام أو الجنة أو النفس ميتة ومن نصب ميتة وذكر يكون قدر إلا أن يكون الموجود ميتة وكلا معناه حرس لأن الرفع مع التأنيث قراءة واضحة بخلاف التأنيث مع النصب وموضع قوله إن يكون ميتة نصب على البدل من محرما كما تقول لا أحد كريما إلا زيدا أو عمرا فقوله (أو دما مسفوحا أو لحم خنزير أو فسقا) ، كلها معطوفات على موضع أن يكون ميتة سواء قرئت صفة بالنصب أو بالرفع كأنه قال لا أجد محرما إلا ميتة أو دما أو لحم خنزير أو فسقا ويجوز على قراءة ميتة بالنصب أن تكون المنصوبات بعدها عطفا عليها والله أعلم

(677)

وَتَذَّكَّرُونَ الْكُلُّ خَفَّ (عَـ)ـلَى (شَـ)ـذَا وَأَنَّ اكْسِرُوا (شَـ)ـرْعًا وَبِالْخِفِّ (كُـ)ـمِّلاَ) الكل

الكل يعني حيث جاء والتخفيف في الذال لا في الكاف الأصل تتذكرون فمن خفف حذف التاء الثانية ومن شدد أدغمها في الذال والشذا بقية القوة والشدة أي خف على قوة من الحجج (وأن هذا صراطي مستقيما) ، كسرة على لاستئناف والفتح على حذف حرف الجر أي ولأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه قال أبو علي من فتح أن فقياس قول سيبويه أنه حملها على فاتبعوه لأنه قال في قوله (لإيلاف قريش)-(وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون)-(وأن المساجد لله) ، إن المعنى لهذا فليعبدوا رب ولأن هذه أمتكم ولأن المساجد لله (فلا تدعوا مع الله أحدا) ، فكذلك قوله ولـ (أن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه) ، قال ومن خفف يعني وفتح فإن المخففة في قوله تتعلق بما تتعلق به المشددة وموضع هذا رفع بالابتداء وخبره صراطي وفي أن ضمير القصة والحديث والفاء في قوله فاتبعوه مثل الفاء في قولك بزيد فامرر وعلى قراءة الكسر عاطفة جملة على جملة وعلى القول الأول زائدة وقال الفراء تفتح إن بوقوع اتل عليها وإن شئت جعلتها خفضا يريد (ذلكم وصاكم به)-(وبأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه) ، وقول الناظم وبالخف كملا أي كملت وجوه القراءة فيها لأنها ثلاثة وقد ذكرها والله أعلم

(678)

وَيَأْتِيَهُمْ (شَـ)ـافٍ مَعَ النَّحْلِ فَارَقُوا مَعَ الرُّومِ مَدَّاهُ خَفِيفًا وَعَدَّلاَ

يعني (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة) ، هنا وفي النحل قرأهما بالياء حمزة والكسائي على التذكير والباقون بالتاء ووجههما ظاهر لأن تأنيث الجماعة غير حقيقي وقرأ حمزة والكسائي أيضا (فارقوا دينهم) ، وفي الروم على وزن قاتلوا والباقون-فرقوا-بتشديد الراء من التفريق والأول من المفارقة وهما متقاربان لأن من فرق دينه فآمن ببعض وكفر ببعض فقد فارق الدين المأمور به والله أعلم

(679)

وَكَسْرٌ وَفَتْحٌ خَفَّ فِي قِيَماً ذَكَا وَيَا آتُهَا وَجْهِي مَمَاتِيَ مُقْبِلاَ

خف صفة وفتح أي افتح من غير تشديد فالقراءة الأخرى بالكسر والتشديد في الياء مع فتح القاف وقد تقدم الكلام في (قيما) ، في سورة النساء ثم ذكر من ياءات الإضافة ياءين أحدهما (وجهي) ، للذي فتحها نافع وابن عامر وحفص والثانية ومماتي فتحها نافع وحده وقول الناظم مقبلا حال من محذوف تقديره خذه مقبلا عليه وهو اعتراض بين عدد الياءات ويجوز أن يكون التقدير أتى ذلك مقبلا وظاهر الكلام فيه معنى حسن فإن الوجه معناه القصد فكأنه قال وجهي مماتي في حال كون الممات مقبلا إلى الإنفكاك لي منه والله أعلم

(680)

وَرَبِّي صِرَاطِي ثُمَّ إِنِّي ثَلاَثَةٌ وَمَحْيَايَ وَالإِسْكَانُ صَحَّ تَحَمُّلاَ

أراد (ربي إلى صراط) ، فتحها نافع وأبو عمرو و(صراطي مستقيما) ، فتحها ابن عامر وحده إني في ثلاثة مواضع (إني أمرت) ، فتحها نافع وحده (إني أخاف إن عصيت)-(إني أراك وقومك) ، فتحهما الحرميان وأبو عمرو و-محياي-أسكنها قالون وورش بخلاف عنه فهي ثمان ياءات ثم أكد صحة الإسكان في-محياي-من جهة النقل بقوله والإسكان صح تحملا لأن النحاة طعنوا فيه كما سبق ذكره ونصب تحملا على التمييز وإنما قال ذلك لأجل ما قاله أبو عمرو الداني في كتاب الإيجاز قال أوجه الروايتين وأولاهما بالصحة رواية من روى الإسكان إذ هو الذي رواه ورش عن نافع دون غيره وإنما الفتح اختيار من ورش وقد كان له اختيار يأخذ به يخالف فيه ما رواه عن نافع وربما لم يبينه للقاريء متحملة عنه على أنه يرويه عن نافع وقال أبو الأزهر وداود بن أبي طيبة أمرني عثمان بن سعيد أن أنصبها مثل مثواي وزعم أنه أقيس في النحو وقال يونس بن عبد الأعلى قال لي عثمان بن سعيد وأحب إلي أن ينصب-محياي-ويوقف-مماتي- ، قلت ونعم ما اختاره ورش من فتح ياء-محياي-وقد أتى في باب ياءات الإضافة تقرير ذلك وفيها زائدة واحدة (وقد هدان) -(ولا أخاف) ، أثبتها في الوصل أبو عمرو وحده وانتظمت لي موضع قوله والإسكان صح تحملا فقلت زيدت-قد هداني-لمن تلا

سورة الأعراف

(681)

وَتَذَّكَّرُونَ الْغَيْبَ زِدْ قَبْلَ تَائِهِ (كَـ)ـرِيماً وَخِفُّ الذَّالِ (كَـ)ـمْ (شَـ)ـرَفاً (عَـ)ـلاَ

أي زاد ابن عامر ياء فقرأ ( قليلا ما يتذكرون) ، وخفف الذال والباقون لم يزيدوا هذه الياء الدالة على الغيب وهم في تخفيف الذال وتشديدها مختلفون على ما سبق في الأنعام وإنما احتاج إلى إعادة الكلام في تخفيف الذال هنا لأجل زيادة ابن عامر على تخفيفها وقد سبق الكلام في تعليل مثل هذه القراءات وفي معنى قوله كم شرفا علا في سورة النساء والله أعلم

(682)

مَعَ الزُّخْرُفِ اعْكِسْ تُخْرَجُونَ بِفَتْحَةٍ وَضَمٍّ وَأُولَى الرُّومِ (شَـ)ـافِيهِ (مُـ)ـثِّلاَ

أراد (ومنها تخرجون يا بني آدم) ، وفي الزخرف (بلدة ميتا كذلك تخرجون) ، والأولى من الروم (وكذلك تخرجون ومن آياته) ، احترز من الثانية وهي (ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون) ، فإنهم أجمعوا على أن الفعل فيه مسندا إلى الفاعل فاختلفوا في المواضع الثلاثة المذكورة فقرأها حمزة والكسائي وابن ذكوان كذلك مسماة للفاعل وقرأها غيرهم على بناء الفعل للمفعول ووجه القراءتين ظاهر لأنهم أخرجوا فخرجوا فقوله بفتحة يعني في التاء وضم يعني في الراء ولو قال بفتحة فضم فعطف بالفاء كان أجود من الواو هنا لأن قراءة الباقين أيضا بضم وفتحة والواو لا تقتضي ترتيبا وإذا قيل ذلك بالفاء بان أن الضم بعد الفتحة فيفهم أنها على إسناد الفعل إلى الفاعل وفائدة قوله اعكس أن يجعل مكان فتحة التاء ضمة ومكان الضم فتحا ولولا قوله اعكس لجعلت مكان الفتحة كسرة لأنها ضدها

(683)

بِخُلْفٍ (مَـ)ـضى فِي الرُّومِ لاَ يَخْرُجُونَ (فِـ)ـي (رِ)ضا وَلِباَس الرَّفْعُ (فِـ)ـي (حَقِّ نَـ)ـهْشَلاَ

أي عن ابن ذكوان خلاف في أولى الروم المذكورة وقوله مضى رمزه ولو لم يرمز لكان معلوما لأن ذكره للخلف مهما أطلقه بعد رمزين أو أكثر رجع إلى آخر رمز هذه عادته ولكنه اضطر هنا إلى كلمة يتزن البيت بها فلو أتى بغير ما في أوله ميم لأوهم رمزا لغير ابن ذكوان فكان رمز الميم أولى ولأن فيه زيادة بيان ويجوز أن يقال هذا الموضع لا نظير له فإن المواضع التي يطلق فيها الخلف بعد رمز متعدد يكون الخلف فيها راجعا إلى الحرف المرموز له وهنا رجع الخلف إلى بعض المذكور وهو موضع واحد من ثلاثة فلو قال بخلف الذي في الروم لظن أن الخلف فيه للجميع وأن الموضعين الآخرين لا خلف فيهما فأزال الوهم بالرمز والله أعلم ، ثم قال-لا يخرجون-يعني الذي في الجاثية (فاليوم لا يخرجون منها) ، انفرد حمزة والكسائي عن ابن ذكوان بقراءته بفتح الياء وضم الراء وهو مشتبه بالذي في الحشر (لئن أخرجوا لا يخرجون معهم) ، فليس في فتح يائه خلاف وقوله في رضى أي كائن في رضى من قبول العلماء له وفي ظاهر العبارة أيضا معنى حسن وهو أن الكفار لا يخرجون مرضيا عنهم بل يخرجون من عذاب إلى عذاب أعاذنا الله برحمته والقراءتان في جميع ذلك مثل-يرجعون-و-يرجعون-وأما (ولباس التقوى) ، بالنصب فعطف على ما قبله قال أبو علي ومن رفع قطع اللباس في الأول واستأنف به فجعله مبتدأ وقوله ذلك صفة أو بدل أو عطف بيان ومن قال إن ذلك لغو يعني فصلا لم يكن على قوله دلالة لأنه يجوز أن يكون على حد ما ذكرنا وخير خبر اللباس والمعنى لباس التقوى خير لصاحبه إذا أخذ به وأقرب له إلى الله تعالى مما خلق له من اللباس والرياش الذي يتجمل به وأضيف اللباس إلى التقوى كما أضيف إلى الجوع والخوف في قوله تعالى (فأذاقها الله لباس الجوع والخوف) ، وقال غير أبي علي ولباس بالرفع خبر مبتدأ أي وهو لباس التقوى فيكون وهو ضمير اللباس المواري للسوأة سماه لباس التقوى لستره العورة لأن كشفها محرم ينافي التقوى وإليه

الإشارة بقوله-ذلك خير-أي خير في نفس الأمر أي خير من الريش المتجمل به والذي يظهر من قراءة النصب أنه استعار التقوى لباسا كما استعار للجوع والخوف مجازا ثم أشار إليه بقوله-ذلك خير-أي مما تقدم أو المجوع خير في نفسه أو خير من عدمه كما قال سبحانه في موضع آخر (ذلك خير لكم وأطهر) ، وإذا دلتنا قراءة النصب على أن لباس التقوى غير اللباس المواري للسوأة فالأولى جعل قراءة الرفع كذلك فيكون مبتدأ وذلك إشارة إليه للعلم به والحث عليه من الشارع في عدة مواضع وما أحسن قول الشاعر ، ( إذا المرء لم يلبس ثيابا من التقى تقلب عريانا وإن كان كاسيا) ، وإعراب قول الشاطبي ولباس الرفع كما سبق في قوله والميتة الخف خولا في آل عمران وقد سبق تفسير قوله في حق نهشلا في سورة النساء أي يتسلى بذلك المنقول من الضعفاء العاجزين عن لباس الزينة في الدنيا والله أعلم

(684)

وَخَالِصَةٌ (أَ)صْلٌ وَلاَ يَعْلَمُونَ قُلْ لِشُعْبَةَ فِي الثَّانِي وَيُفْتَحُ (شَـ)ـمْلَلاَ

هذا البيت جامع لثلاث مسائل استعمل فيها الرفع والغيب والتذكير وهي الأمور التي يستغنى بها لفظا عن القيد ، المسألة الأولى (خالصة يوم القيامة) ، القراءة فيها دائرة بين الرفع والنصب فكان إطلاقه لها من غير قيد دليلا على أنه أراد الرفع لمن رمز له وهو نافع وحده فالباقون بالنصب فوجه الرفع أن يكون-خالصة-خبر المبتدأ الذي-هو هي وقوله-للذين آمنوا-متعلق بالخبر وفي الحياة معمول آمنوا أي هي خالصة يوم القيامة للمؤمنين في الدنيا ويجوز أن يكون للذين آمنوا خبر المبتدأ وخالصة خبر بعد خبر وفي الحياة الدنيا معمول الأول أي استقرت في الدنيا للمؤمنين وهي خالصة يوم القيامة وخالصة بالنصب على الحال أي هي للمؤمنين في الدنيا على وجه الخلوص يوم القيامة بخلاف الكافرين فإنهم وإن نالوها في الدنيا فما لهم في الآخرة منها شيء وذكر أبو علي وجوها كثيرة فيما يتعلق به قوله في الدنيا قال الشيخ ومعنى قوله أصل أنها خلقت للذين آمنوا بطريق الأصالة في الدنيا والآخرة وإنما شاركهم غيرهم في الدنيا بطريق التبعية ، المسئلة الثانية (قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون) ، القراءة فيها دائرة بين الغيب والخطاب فكان إطلاقه لها من غير قيد دليلا على أنه أراد الغيب لشعبة وحده والباقون بالخطاب ووجه القراءتين ظاهر سبق لهما نظائر وقوله في الثاني احترز به من قوله تعالى (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) ، فإنه بالخطاب من غير خلاف فإن قلت هلا قال في الثالث فإن قبل هذين الموضعين ثالثا وهو (إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون) ، وهو أيضا بالخطاب بلا خلاف قلت أراد الثاني بعد كلمة خالصة التي ذكر الخلاف فيها ولم يحتج إلى الاحتراز عما تقدم خالصة فإن ذلك يعلم أنه لا خلاف فيه لأنه تعداه ولو كان فيه خلاف لذكره قبل خالصة هذا غالب نظمه وإن كان في بعض المواضع يقدم حرفا على حرف على ما يواتيه النظم ولكن الأصل ما ذكرناه ونظير ما فعله هنا ما

يأتي في سورة يونس من قوله وذاك هو الثاني يعني لفظ ننجي بعد نجعل وهو ثالث إن ضممت إليه آخر قبل نجعل على ما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى والدليل على أنه يراعي ترتيب الحروف ولا يحتاج إلى أن يحترز عن السابق قوله في سورة المؤمنين صلاتهم شاف أراد التي بعد أماناتهم ولم يحترز عن قوله (الذين هم في صلاتهم خاشعون) ، لأنها سبقت ذكر أماناتهم وهذه مواضع حسنة لطيفة يحتاج من يروم فهم هذا النظم أن ينظر فيها واو أنه قال وخالصة أصل وشعبة يعلمون بعد ولكن لا لما احتاج إلى ذكر ثان ولا ثالث ، المسئلة الثالثة (لا يفتح لهم أبواب السماء) ، اختلف فيها في موضعين أحدهما المذكور في هذا البيت وهو التذكير والتأنيث وكان إطلاق الناظم في قوله ويفتح شمللا دليلا على أنه أراد التذكير لحمزة والكسائي ووجه القراءتين ظاهر لأن تأنيث الأبواب ليس بحقيقي وقد وقع الفصل بين الفعل وبينها ثم ذكر الموضع الثاني فقال

(685)

وَخَفِّفْ (شَـ)ـفَا (حُـ)ـكْماً وَماَ الْوَاوَ دَعْ (كَفى) وَحَيْثُ نَعَمْ بِالْكَسْرِ فِي الْعَيْنِ (رُ)تِّلاَ

أي وافق أبو عمرو وحمزة والكسائي على تخفيف-يفتح لهم-ولم يوافقهما في التذكير فصار فيها ثلاث قراءات التذكير مع التخفيف والتأنيث مع التخفيف وقراءة الباقين التأنيث مع التشديد فالتخفيف من فتح والتشديد من فتح وقد تقدم نظيرهما وقوله وما الواو دع الواو بالنصب مفعول دع أي اترك الواو أسقطها من قوله تعالى (وما كنا لنهتدي) ، قرأها ابن عامر كذلك لأن الواو لم ترسم في مصحف الشام وهو نظير قراءته في سورة البقرة (قالوا اتخذ الله) ، والباقون بالواو فيهما على ما رسم في مصاحفهم ووجه إثبات الواو فائدة العطف وسقوطها الاستئناف أو الاستغناء عنها وإليه الإشارة بقوله كفى قال أبو علي كأن الجملة ملتبسة بما قبلها فأغنى القياس به عن حرف العطف قال ومثل ذلك قوله تعالى (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم) ، فاستغنى عن الحرف العاطف بالتباس إحدى الجملتين بالأخرى ونعم بفتح العين وكسرها لغتان وهو حرف مستعمل تارة عدة وتارة تصديقا وقوله وحيث نعم أي وحيث هذا اللفظ موجود في القرآن ففيه هذا الخلاف والله أعلم

(686)

وَأَنْ لَعْنَةُ التَّخْفِيفِ وَالرَّفْعُ (نَـ)ـصُّهُ (سَماَ ) مَا خَلاَ الْبَزِّي وَفِي النُّورِ (أُ)وصِلاَ

يريد (أن لعنة الله على الظالمين) ، وتخفيفه في نون أن والرفع في آخر-لعنة-لأنه إذا خففت أن بطل عملها وارتفع ما بعدها بالابتدا والخبر وأضمر بعد أن ضمير الشأن وقرأ نافع وحده بمثل هذا في سورة النور في قوله سبحانه (أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين) ، وكذلك يقرأ أيضا (أن غضب الله) ، على ما سيأتي في مكانه وقراءة الباقين ظاهرة في المواضع الثلاثة بتشديد أن ونصب ما بعدها على أنه اسمها وأسكن ياء البزي وخففها ضرورة والله أعلم

(687)

وَيُغْشِي بِهاَ وَالرَّعْد ثَقَّلَ (صُحْبَةٌ) وَوَالشَّمْسُ مَعْ عَطْفِ الثَّلاَثَةِ كَمَّلاَ

يريد (يغشى الليل النهار) ، بهذه السورة وبالرعد التخفيف فيها والتشديد لغتان ويقال أغشى وغشي مثل انزل ونزل وأما (والشمس والقمر والنجوم مسخرات) ، فقرئت الأربعة بالرفع والنصب أما الرفع فعلى الابتداء والخبر مسخرات وأما النصب فعلى تقدير وخلق الشمس والقمر والنجوم مسخرات فيكون نصب مسخرات على الحال أو يكون على إضمار جعل فيكون مسخرات مفعولا به فقوله-والشمس-أدخلا واو العطف الفاصلة على واو التلاوة وأطلق لفظ الشمس ولم يقيد حركتها ليعلم أنها رفع ثم قال مع عطف الثلاثة يعني بالثلاثة-والقمر والنجوم مسخرات-وهذه الثلاثة منها اثنان معطوفان وثالث وهو-مسخرات-ليس معطوفا لكنه في حيز ما عطف فأعطاه حكمه فلهذا قال مع عطف الثلاثة أي مع الثلاثة المتصفة بالعطف فهو من باب سحق عمامة أي عمامة موصوفة بأنها سحق أي ذات سحق بمعنى بالية فكذا هذه الثلاثة موصوفة بأنها ذات عطف أي معطوفة وقوله كمل الرفع في الأربعة والفاعل هو القاريء أو هذا اللفظ لأن التكميل فيه كما سبق في خاطب

(688)

وَفِي النَّحْلِ مَعْهُ فِي الأَخِيرَيْنِ حَفْصُهُمْ وَنُشْراً سُكُونُ الضَّمِّ فِي الْكُلِّ (ذَ)لِّلاَ

معه أي مع ابن عامر في رفع الأخيرين حفص أي وافقه على رفع-النجوم مسخرات- في سورة النحل ولم يوافقه على رفع-والشمس والقمر-في النحل ولا على رفع الأربعة هنا في عبارة الناظم نظر وذلك أنها لا تخلو من تقديرين وكلاهما مشكل أحدهما أن يكون تقدير الكلام حفص وابن عامر على الرفع في الأخيرين في النحل فهذا صحيح ولكن لا يبقى في نظمه دلالة على أن ابن عامر يرفع الأولين في النحل لأن لفظه في البيت الأول لم يأت فيها مما يدل على الموضعين ولفظه في هذا البيت لم يتناول لا الأخيرين والتقدير الثاني أن يكون في النحل متعلقا بالبيت الأول كأنه قال برفع هذه الأربعة هنا وفي النحل ثم ابتدأ وقال معه في الأخيرين حفص وهذا وإن كان محصلا لعموم رفع الأربعة في الموضعين لابن عامر فلا يبقى في اللفظ دلالة على أن حفصا لم يوافقه لا على رفع الأخيرين في النحل فقط بل يبقى ظاهر الكلام أن حفصا موفقة على رفع الأخيرين في الموضعين فلو قال وفي النحل حفص معه ثم في الأخيرين نشرا إلى آخر البيت لاتضح المعنى بقوله ثم لدلالته على تخصيص موافقة حفص مما في النحل فقط والذي في النحل هو (وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات) ، فرفع الأربعة ظاهر على ما سبق ورفع الأخيرين على الابتداء والخبر والشمس والقمر نصبهما على ما توجه به نصب الأربعة وذلك بفعل مضمر وهو وخلق الشمس أو وفعل الشمس وما بعدهما فيكون مسخرات حالا أو مفعولا به كما مضى أو يقدر هذا الفعل قبل والنجوم ويكون الشمس والقمر معطوفين على الليل والنهار وإنما لم نقل ذلك في والنجوم مسخرات لأن الفعل الناصب هو وسخر فيصير المعنى وسخر النجوم مسخرات وهذا غير مستقيم ويجوز أن يكون المعنى ونتعلم هذه الأشياء في حال كونها مسخرات لما خلقن له أو يكون مسخرات بمعنى تسخيرات فيكون مصدرا أي سخرها أنواعا من التسخير كقوله سرحه مسرحا ووقع في تفسير الواحدي خلل في نقل قراءة حفص في النحل فقال وقرأ حفص

مسخرات بالرفع وحدها وجعلها خبر مبتدإ محذوف كأنه قال هي مسخرات وأما نشرا من قوله تعالى (وهو الذي يرسل الرياح نشرا) ، وحيث شاء فأسكن شينا مدلول ذللا ومعنى ذلك سهل وقرب وقوله وسكون الضم مبتدأ ثان وقامت الألف واللام في الكلمة مقام الضمير العائد على المبتدإ الأول أي في كله أي في جميع مواضعه ثم قال

(689)

وَفي النُّونِ فَتْحُ الضمِّ (شَـ)ـافٍ وَعَاصِمٌ رَوى نُونَهُ بِالْبَاءِ نُقْطَةٌ اسْفَلاَ

قرأ حمزة والكسائي بفتح النون وسكون الشين على أنها مصدر في موضع الحال أو مؤكدا أي ذات نشر أو نشرها أي نحييها فنشرت نشرا أي حييت من أنشر الله الموتى فنشرها وأقام قوله يرسل الريح مقام ينشرها قال أبو زيد أنشر الله الريح إنشارا إذا بعثها وقراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو نشرا بضم النون والشين جمع نشور أو نشر وهي الريح الحية وقراءة ابن عامر على تخفيف هذه القراءة بضم النون وإسكان الشين وقراءة عاصم-بشرا بباء مضمومة وإسكان الشين جمع بشير من قوله تعالى (يرسل الرياح مبشرات) ، أي تبشر بالمطر والرحمة وقد مضى إعراب لفظ لقطة أسفلا في سورة البقرة أي لها لقطة أسفلها قيدها بذلك خوفا من التصحيف والله أعلم

(690)

=============

ج5. كتاب : إبراز المعاني من حرز الأماني في القراءات السبع الإمام الشاطبي

مجموع قوله-من له غير-في موضع خفض بإضافة راء إليه أي وراء هذا اللفظ حيث ياء خفض رفعها رسا أي ثبت ووجه الخفض أنه صفة إلى لفظا والرفع صفة له معنى لأن التقدير ما لكم إله غيره ومن زائد وأبلغ وبلغ لغتان كأغشى وغشى والقراءة بهما هنا في موضعين وفي الأحقاف فقول الناظم والخف مبتدأ وخبر حلا وأبلغكم منصوب بالمبتدأ لأنه مصدر كأنه قال وتخفيف أبلغكم حلا فأقام الخف مقام التخفيف فلما أدخل عليه لام التعريف نصب المضاف إليه مفعولا به وكان التخفيف مضافا إلى المفعول كما تقول ضرب زيد حسن ثم تقول الضرب زيد أحسن ومنه قول الشاعر ، (كررت فلم أنكل عن الضرب مسمعا ) ، والأصل عن ضرب مسمع والله أعلم

(691)

مَعَ أحْقَافِهاَ وَالْوَاوُ زِدْ بَعْدَ مُفْسِدِينَ (كُـ)ـفْؤاً وَبِالإِخْبَارِ إِنَّكُمُو (عَـ)ـلاَ

أي مع كلمة أحقافها وهي (وأبلغكم ما أرسلت به ولكني) ، والهاء عائدة على سور القرآن ليعلم بها ثم قال زد واوا بعد قوله مفسدين يريد قوله تعالى في قصة صالح (ولا تعثوا في الأرض مفسدين)-(وقال الملأ) ، رسمت الواو في مصحف الشام دون غيره فقرأها ابن عامر كذلك وحذفها الباقون كما أنه حذف واو (وما كنا لنهتدي) ، وأثبتها الباقون وكفرا حال من فاعل زد أو من الواو أي إثباتها مكافيء لحذفها إذ المعنى فيهما واحد قوله وبالإخبار متعلق بعلا أي أئنكم علا وارتفع بقراءته على الخبر أي بهمزة واحدة في قوله (أئنكم لتأتون الفاحشة) ، أخبر أنهم بما كانوا عليه توبيخا لهم وقرأه الباقون بزيادة همزة الاستفهام الذي بمعنى الإنكار وهم على أصولهم في تحقيق الثانية وتسهيلها والمد بين الهمزتين وترك المد والذي قرأ بالإخبار حفص ونافع وقد رمز له في أول البيت الآتي ، فإن قلت من أين يتعين أن الاستفهام ضد الإخبار حتى تعلم منه قراءة الباقين وإنما هما قسمان من أقسام الكلام والأمر والنهي والتمني والترجي كذلك ، قلت قد نطق بلفظ الاستفهام في قوله أئنكم علا فأغنى عن أحد الضدين الإخبار وكأن قال يقرأ هذا اللفظ على الخبر فيعلم أن قراءة الباقين بهذا اللفظ ويجوز أن يندرج ذلك تحت الإثبات والحذف فالإخبار حذف لهمزة الاستفهام وضد إثباتها والله أعلم

(692)

( أَلاَ وعَلَى الحِرْمِيُّ إنَّ لَنَا هُنَا وَأَوْ أَمِنَ الإسْكَانَ حَرْمِيُّه كَلا) ألا

ألا من تتمة رمز ما سبق وعلى في قوله وعلى الحرمي فعل ماض ارتفع به الحرمي وألا حرف تنبيه أخبر بعد بأن قراءة الحرمين (إن لنا لأجرا) ، بالإخبار قد علمت ولو كان على حرف جر لكان له معنى مستقيم أيضا أي على الحرميين قراءة-إن لنا-بالإخبار والواو في وعلى للفصل والعين رمز حفص لأن الواو زائدة على الكلمة فكأنه قال وحفص بخلاف العين في قوله وعى نفر فإنها متوسطة وسيأتي لهذا نظائر وكم صحبة يا كاف ودون عناد عم وحكم صحاب قصر همزة جاءنا وقد سبق في شرح الخطبة الكلام على هذا وقوله هنا احترازا من الذي في الشعراء فإنه بالاستفهام اتفاقا كقراءة الباقين هنا وأما (أو أمن أهل القرى) ، ففي واوه الإسكان والفتح فالإسكان على أنها حرف أو أي أفأمنوا هذا أو هذا وقراءة الجماعة على أنها واو العطف دخلت عليها همزة الاستفهام وهو استفهام بمعنى النفي وقوله الإسكان مبتدأ ثان والعائد إلى الأول محذوف أي الإسكان فيه و معنى كلا حفظ وحرس والله أعلم

(693)

(عَلَيَّ عَلَى خَصُّوا وَفي سَاحِرٍ بِهَا وَيُونُسَ سَحَّار شَفَا وتَسَلْسَلاَ

أي خصوا علي موضع على في قوله تعالى (حقيق على أن لا أقول) ، فقراءة نافع واضحة أي واجب على قول الحق وأن لا أقول على الله غيره وعلى فى قراءة الجماعة متعلقة برسول وحقيق صفته أي أني رسول على هذه الصفة وهي أني لا أقول إلا الحق وحقيق بمعنى حق أي أنا رسول حقيقة ورسالتي موصوفة بقول الحق قال ابن مقسم حقيق من نعت الرسول أي رسول حقيق من رب العالمين أرسلت على أن لا أقول على الله إلا الحق وهذا معنى صحيح واضح وغفل أكثر المفسرين من أرباب اللغة عن تعلق حرف على برسول ولم يخطر لهم تعلقه إلا بقوله حقيق فقال الأخفش والفراء على بمعنى الباء أي حقيق بأن لا أقول إلا الحق كما جاءت الباء بمعنى على في (ولا تقعدوا بكل صراط) ، وتبعهما الأكثرون على ذلك وذكر الزمخشري أربعة أوجه أخر ، أحدها أن يكون من المقلوب لا من الإلباس كقوله (وتشقي الرماح بالضياطرة الحمر ) ، ومعناه وتشقي الضياطرة بالرماح يعني فتكون بمعنى قراءة نافع أي قول الحق حقيق على فقلب اللفظ فصار أنا حقيق على قول الحق قال ، والثاني أن ما لزمك فقد لزمته فلما كان قول الحق حقيقا عليه كان هو حقيقا على قول الحق أي لازما له ، والثالث أن تضمن حقيق معنى حريص كما ضمن هيجني معنى ذكرني في بيت الكتاب يعني قوله ، (إذا تغنى الحمام الورق هيجني ولو تغربت عنها أم عمار) نصب أم عمار يهيجني لأنه استعمله بمعنى ذكرني ، قال والرابع أن يغرق موسى عليه السلام في وصف نفسه بالصدق أي أنا حقيق على قول الحق أي واجب على أن أكون أنا قائله والقائم به وكل هذه وجوه متعسفة وليس المعنى إلا على ما ذكرته أولا وقراءة حمزة والكسائي (يأتوك بكل سحَّار عليم) ، والباقون-بكل ساحر-وكذا في يونس (وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم) ، ولا خلاف في الذي في الشعراء أنه سحار بألف بعد الحاء كما قرأ حمزة والكسائي في الأعراف ويونس وساحر وسحار مثل عالم وعلام وفي التشديد مبالغة وتقدير نظم البيت وسحار شفا في

موضع ساحر في الأعراف ويونس والمتسلسل الماء الذي يجري في الحلق سائغا سهل الدخول فيه يشير إلى الميل إليه لموافقته لفظ ما أجمع عليه في الشعراء

(694)

وَفِي الْكُلِّ تَلْقَفْ خِفُّ حَفْصٍ وَضُمَّ فِي سَنَقْتُلُ وَاكْسِرْ ضَمَّهُ مُتَثَقِّلاَ

لفظ في هذا البيت بقراءة حفص ولفظ بقراءة الجماعة في البقرة عند ذكر تاآت البزى ويروي ثلاثا في تلقف والتخفيف والتشديد في القاف ويلزم التخفيف سكون اللام والتشديد فتحها ولم ينبه عليه للعلم به من لفظه وقد سبق له نظائر وقوله وفي الكل يعني هنا تلقف وفي طه والشعراء فقراءة حفص من لقف يلقف كعلم يعلم وقراءة الباقين أصلها تتلقف فحذفت التاء الثانية تخفيفا كقوله تعالى (تنزل الملائكة والروح فيها) ، وتقدير النظم وتلقف مخفف حفص في الكل وأما (سنقتل أبناءهم) ، فالضم في النون وكسر الضم مع التشديد في التاء ومتثقلا حال من المكسور وهو الضم الذي بمعنى المضموم ثم تمم الكلام في ذلك فقال

(695)

وَحَرِّكْ (ذَ)كَا (حُـ)ـسْنٍ وَفِي يَقْتُلُونَ (خُـ)ـذْ مَعاً يَعْرِشُونَ الْكَسْرُ ضُمَّ (كَـ)ـذِي (صِـ)ـلاَ

أي حرك القاف بالفتح فيصير مستقبل قتل بتشديد التاء والقراءة الأخرى مستقبل قتل بتخفيف التاء وهما ظاهرتان وفي التشديد معنى التكثير وذكا بضم الذال والمد اسم الشمس وقصره ضرورة أي هي ذكا حسن يعني القراءة أي حرك مشبها شمس حسن ثم قال وفي يقتلون خذ أي فيه بما قيد به في سنقتل يعني (يقتلون أبناءكم) ، لم يخففه غير نافع وأما سنقتل فخففه نافع وابن كثير ثم قال معا يعرشون يعني هنا وفي النحل ضم الراء وكسرها لغتان وقوله كذى صلا أي كصاحب صلا والصلاء بالمد ذكا النار بالقصر واستعارها وذلك يستعار للتعبير به عن الذكاء الممدود وهو الفطنة أي ضم الكسر فيه مشبها ذلك والله أعلم

(696)

وَفي يَعْكُفُونَ الضَّمُّ يُكْسَرُ (شَـ)ـافِياً وَأَنْجى بِحَذْفِ الْيَاءِ وَالنُّونِ (كُـ)ـفِّلاَ

ضم الكاف وكسرها لغتان وقرأ ابن عامر (وإذ أنجاكم من آل فرعون)-(والباقون-أنجيناكم) وكلاهما ظاهر

(697)

وَدَكَّاءَ لاَ تَنْوِينَ وَامْدُدْهُ هَامِزاً (شَـ)ـفَا وَعَنِ الْكُوفِيِّ فِي الْكَهْفِ وُصِّلاَ

الدكاء بالمد الرابية الناشرة من الأرض كالدكة أي جعله كذلك يعني الجبل ههنا والسد في الكهف أو جعله أرضا مستوية ومنه ناقة دكاء للمستوية السنام ودكا بالقصر والتنوين في قراءة الجماعة مصدر بمعنى مدكوكا أو مندكا أي مندقا والمعنى دكه دكا مثل قعد جلوسا ومرفوع وصلا ضمير عائد على دكا الممدود غير النون أي وصل إلينا نقله عن الكوفيين في حرف الكهف والله أعلم

(698)

وَجَمْعُ رسَالاَتِي (حَـ)ـمَتْهُ (ذُ)كُورُهُ وَفي الرُّشْدِ حَرِّكْ وَافْتَحِ الضَّمَّ (شُـ)ـلْشُلاَ

يريد قوله تعالى (إني اصطفيتك على الناس برسالاتي) ، وقد سبق الكلام في إفراد رسالة وجمعها في سورة المائدة والأنعام وذكوره بمعنى سيوفه يشير بذلك إلى حجج القراءة وعدالة من نقلها والرشد والرشد لغتان كالبخل والبخل وقيل الرشد بالضم الصلاح وبالفتح الدين ولهذا أجمع على ضم-فإن آنستم منهم رشدا-وعلى فتح-فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا-أي حرك الشين بالفتح وافتح ضم الراء في حال خفته

(699)

وَفِي الْكَهْفِ (حُـ)سْنَاهُ وَضَمُّ حُلِيِّهِمْ بَكَسْرٍ (شَـ)ـفَا وَافٍ وَالاِتْبَاعُ ذُو حُلاَ

أي وفتح الذي في الكهف أبو عمرو وحده وهو قوله تعالى-على أن تعلمن مما علمت رشدا-وضمه الباقون وقبل هذا الحرف في الكهف موضعان لا خلاف في فتحهما وهما-وهيئ لنا من أمرنا رشدا-وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا-وذلك لموازنة رءوس الآي قبلهما وبعدهما نحو-عجبا-عددا-أحدا-وأما وجه الإسكان في الثالث المختلف فيه فلأن قبله-علما-وبعده-صبرا-فرشدا بالضم والإسكان يوافقه فاتفق أن اللفظ المختلف فيه في الصورتين هو واقع في قضية موسى عليه السلام ولعل الناظم أشار بقوله حسناه إلى حسن القراءتين وهو مصدر على فعلى كحسنى أو هو تثنية حسن أي حسنا هذا اللفظ وحسناه قراءتاه وحلى جمع حلى الأصل ضم الحاء ومن كسرها أتبعها كسرة اللام فلهذا قال والاتباع ذو حلا تعليلا لهذه القراءة أي الإتباع معروف في لغة العرب مستحسن عندهم وليس قوله ذو حلا برمز فإن رمز قراءة الكسر في قوله شفا والاتباع هي بكسر الحاء وهو يوهم أنه رمز لقراءة أخرى في باديء الرأي فلو كان حذفه وقيد موضع الخلاف في الكهف كان أولى فيقول ، (وفي ثالث في الكهف حز وحليهم بكسر لضم الحاء الاتباع شمللا) ، والله أعلم

(700)

وَخَاطَبَ يَرْحَمْنَا وَيَغْفِرْ لَنَا (شَـ)ـذاً وَبَا رَبَّنَا رَفْعٌ لِغَيْرِهِمَا انْجَلاَ

أي مشبها شذا أو ذا شذا وهو العود لأنهما قرءا على الخطاب ونصبا ربنا على حذف حرف النداء وقراءة الباقين على الغيب وإسناد الفعلين إلى ربنا فلهذا رفع على الفاعلية

(701)

وَمِيمَ ابْنَ أُمَّ اكْسِرْ مَعًا (كُفْؤَ) (صُحْبَةٍ) وَآصَارَهُمْ بِالْجَمْعِ وَالْمَدِّ (كُـ)ـلِّلاَ

معا يعني هنا ونى طه وفتح الميم وكسرها لغتان وإفراد الإصر وجمعه مضت نظائره وهو الثقل من التكاليف وغيرها وكفؤا حال من فاعل اكسر أو مفعوله وقد مضى في النساء معنى كللا

(702)

خَطِيئَاتُكُمْ وَحْدَهُ عَنْهُ وَرَفْعُهُ (كَـ)ـمَا (أَ)لَّفُوا وَالْضَّمِيرُ بِالْكَسْرِ عَدَّلاَ

عنه أي عن ابن عامر ورفع التاء له ولنافع لأنهما قرءا يغفر بإسناد الفعل إلى المفعول فلزم رفع خطيئتكم لابن عامر وخطيئاتكم لنافع وإنما كسر الباقون التاء علامة للنصب في-خطيئاتكم-لأنهم يقرءون نغفر بإسناد الفعل إلى الفاعل فخطيئاتكم مفعوله وأبو عمرو قرأ خطايا على جمع التكسير فموضعهما نصب ومعنى ألفوا أجمعوا

(703)

وَلكِنْ خَطَايَا (حَـ)ـجَّ فِيهَا وَنُوحِهَا وَمَعْذِرَةً رَفْعٌ سِوى حَفْصِهمْ تَلاَ

أي وقرأ أبو عمرو في هذه السورة وفي سورة نوح-خطايا-على وزن مطايا والذي في نوح (مما خطاياهم أغرقوا) ، وقرأ الباقون بجمع السلامة-مما خطيئاتهم-وهو مشكل إذ لقائل أن يقول من أين يعلم ذلك فلعل الباقين قرءوا بالإفراد أو بعضهم بجمع السلامة وبعضهم بالإفراد كما قرءوا في الأعراف فلو أنه قال بعد قوله والغير بالكسر عدلا كنوح خطايا فيهما حج وحده أي كحرف نوح وأبو عمرو قرأ فيهما أي في الأعراف ونوح خطايا لم يبق مشكلا ولعله اجتزأ عن ذلك بقوله أولا خطيئاتكم وحده عنه فكأنه قال وهذا اللفظ قرأه أبو عمرو هنا وفي نوح خطايا فبقي الباقون في السورتين على ما لفظ به وهو خطيئاتكم ، فإن قلت هلا قال والغير بالخفض أو بالجر لأنها حركة إعراب لا بناء ، قلت هذه العبارة جيدة في حرف نوح لأنه مجرور وأما الذي في الأعراف فمنصوب وعلامة نصبه الكسرة فعدل إلى لفظ الكسر لأنه يشمل الموضعين والله أعلم ، وأما (معذرة إلى ربكم) ، فهو بالرفع خبر مبتدإ محذوف وبالنصب مصدر أو مفعول له وقال سيبويه بعد قوله فقالت حنان ما أتى بك ههنا ومثله في أنه على الابتداء وليس على فعل قوله تعالى (قالوا معذرة إلى ربكم) لم يريدوا أن يعتذروا اعتذارا مستأنفا من أمر ليسوا عليه ولكنهم قيل لهم-لم تعظون قوما-فقالوا-معذرة-أي موعظتنا معذرة إلى ربكم-قال ولو قال رجل لرجل معذرة إلى الله وإليك من كذا وكذا لنصب والله أعلم

(704)

وَبِيسٍ بِيَاءٍ (أَ)مَّ وَالْهَمْزُ (كَـ)ـهْفُهُ وَمِثْلَ رَئِيس غَيْرُ هذَيْنِ عَوَّلاَ

أراد (بعذاب بئيس) ، ومعنى أم قصد فقرأه نافع بتسهيل قراءة ابن عامر وقراءة ابن عامر بهمزة ساكنة محققة من بئس كحدر كما يقال كبد في كبد وقراءة غيرهما على وزن فعيل ظاهرة والكل صفة عذاب ومعناه الشدة من قولهم بؤس الرجل يبؤس بأسا إذا كان شديد البأس فعذاب بئيس مثل عذاب شديد ويجوز أن يكون وصفا بالمصدر من البأساء يقال بئس يبأس بؤسا وبئسا وبأسا وقال أبو علي في قراءة نافع بيس فجعل بئس الذي هو فعل اسما فوصف به مثل إن الله ينهى عن قيل وقال ، وقوله عول ليس برمز لأنه صرح بالقاريء في قوله غير هذين وعولا خبر غير هذين أي عول عليه أي على مثل رئيس فقرأ به والله أعلم

(705)

وَبَيْئَسٍ اسْكِنْ بَيْنَ فَتْحَيْنِ (صَـ)ـادِقاً بِخُلْفٍ وَخَفِّفْ يُمْسِكُونَ (صَـ)ـفَا وِلاَ

ألفى همزة اسكن على تنوين بئيس فانفتح وحذفت الهمزة أي أسكن الياء بين فتح الباء وفتح الهمزة ولو قال وبيس الياء بين فتحتين كأن الأولى لئلا يقرأ بهمزة ساكنة بين الباء والياء على وزن فعيل وكان يستفاد سكون الياء من لفظه بالحرف أي قرأه أبو بكر على وزن فيعل وهو صفة أيضا كضيغم والوجه الآخر لأبي بكر مثل الجماعة فهم ذلك من قوله غير هذين وأمسك ومسك لغتان وصفا بالتنوين أي قويا وولاء متابعة وهو تمييز من معناه أي قويا متابعته أو حال بعد حال أي ذا متابعة ويجوز أن يكون صفا بلا تنوين فعلا ماضيا وفي ولا الوجهان ويجوز أن يكون صفا بلا تنوين مضافا إلى ولا أي قوي متابعته ويجوز أن يكون مقصورا من الممدود والله أعلم

(706)

وَيَقْصُرُ ذُرِّيَّاتِ مَعْ فَتْحِ تَائِهِ وَفِي الطُّورِ فِي الثَّانِي (ظَـ)ـهِيرٌ تَحَمَّلاَ

يريد (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم) ، قصره الكوفيون وابن كثير أي حذفوا ألفه فصار مفردا بعد أن كان جمعا فلزم فتح الياء لأنه مفعول به وإنما كانت مكسورة في قراءة الباقين بالجمع لأن الكسر هو علامة النصب في جمع المؤنث السالم وقال فتح تائه ولم يقل نصب لما سبق تقريره في رسالته في سورة المائدة والثاني في الطور هو (ألحقنا بهم ذرياتهم) ، الخلاف في الموضعين واحد وكلتا القراءتين ظاهرة ثم قال

(707)

وَيَاسِينَ (دُ)مْ (غُـ)ـصْناً وَيُكْسَرُ رَفْعُ أَوَّلِ الطُّورِ لِلْبَصْرِي وَبِالْمَدِّ (كَـ)ـمْ (حَـ)ـلاَ

زاد معهم أبو عمرو في إفراد الذي في يس وهو (أنا حملنا ذريتهم) ، ومعنى دم غصنا أي مشبها غصنا في الانتفاع بظله وثمره وكنى بذلك عن تعليم العلم وأول الطور هو (واتبعتهم ذريتهم) ، قصره أيضا ابن كثير والكوفيون كما فعلوا بالثاني لكن تاء الأول مرفوعة لأنه فاعل وأبو عمرو وابن عامر جمعاهما وهو معنى قوله وبالمد كم حلا فتاء الثاني مكسورة لهما لأنه مفعول وتاء الأول مضمومة لابن عامر لأنه فاعل ومكسورة لأبي عمرو لأنه مفعول لأنه يقرأ (وأتبعناهم ذرياتهم) ، مع ما يأتي في سورة ، فإن قلت لم قال وبكسر ولم يقل وبخفض وهي حركة إعراب ، قلت لأنه نصب علامته الكسرة ، فإن قلت هلا قال وبنصب ، قلت لما كان المألوف من علامة النصب إنما هو الفتحة خاف على من لا يعرف النحو أن يفتح التاء في جمع المؤنث السالم فعدل إلى التعبير بعلامة النصب هنا وهي الكسرة لهذا المعنى وهو حسن

(708)

يَقُولُوا مَعاً غَيْبٌ (حَـ)ـمِيدٌ وَحُيْثُ يُلْحِدُونَ بِفَتْحِ الضمِّ وَالْكَسْرِ (فُـ)ـصِّلاَ

يريد (شهدنا أن تقولوا) ، -وبعده-أو يقولوا-الغيب حميد لأنه قبله ما يرجع إليه والخطاب على الالتفات ولحد وألحد لغتان وهو في ثلاث سور هنا (وذروا الذين يلحدون في أسمائه) ، وفي النحل (لسان الذي يلحدون إليه) ، وفي فصلت (إن الذين يلحدون في آياتنا) ، ثم ذكر أن الكسائي وافق حمزة في حرف النحل فقال

(709)

وَفِي النَّحْلِ وَالاَهُ الْكِسَائِي وَجَزْمُهُمْ يَذَرْهُمْ (شَـ)ـفَا وَالْيَاءُ (غُـ)ـصْنٌ تَهَدَّلاَ

والاه أي تابع حمزة والجزم والرفع في (يذرهم في طغيانهم) ، تقدم مثله في البقرة (ويكفر عنكم من سيئاتكم) ، والياء لله والنون للعظمة ويقال تهدل الغصن أي استرخى لكثرة ثمرته فقراءة حمزة والكسائي بالياء والجزم و قراءة عاصم وأبي عمرو بالياء والرفع والباقون بالنون والرفع

(710)

وَحَرِّكْ وَضُمَّ الْكَسْرَ وَامْدُدْهُ هَامِزاً وَلاَ نُونَ شِرْكاً (عَـ)ـنْ (شَـ)ـذَا (نَفَرٍ) مَلاَ

شركا مفعول وحرك ولا نون يعني لا تنوين فيه وضم الكسر يعني في الشين والتحريك عبارة عن فتح الراء فيصير شركاء جمع شريك على وزن كرماء وشركا على تقدير ذا شرك ويجوز أن يكون سمى الشريك شركاء على المبالغة وقوله عن شذا متعلق بمحذوف أي آخذا ذلك والشذا يجوز أن يكون بمعنى بقية النفس أي خذه عن بقية نفر ملا أي ثقاة ويجوز أن يكون عبارة عن الطيب وكنى به عن العلم أي آخذا ذلك عن علم نفر هذه صفتهم وعبر عن العلم بالشذا لأن العلم طيب العلماء والله أعلم

(711)

وَلاَ يَتْبَعُوكُمْ خَفَّ مَعْ فَتْحِ بَائِهِ وَيَتْبَعُهُمْ فِي الظُّلَّةِ (ا)حْتَلَّ وَاعْتَلاَ

يريد (وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم) ، التخفيف من تبع مثل علم والتشديد من اتبع مثل اتسق والظلة هي سورة الشعراء في آخرها (والشعراء يتبعهم) ، التخفيف في الموضعين لنافع وحده وكذلك ويتبعهم في الظلة وقوله احتل أي حمل ذلك في هاتين الكلمتين وهو تخفيف التاء بإسكانها وفتح الباء واعتلا ارتفع والله أعلم

(712)

وَقُلْ طَائِفٌ طَيْفٌ (رِ)ضىً (حَقُّـ)ـهُ وَيَا يَمُدُّونَ فَاضْمُمْ وَاكْسِرِ الضَّمَّ (أَ)عْدَلاَ

قل هنا بمعنى اقرأ أي اقرأ هذه الكلمة التي هي طائف اقرأها طيف للكسائي وأبي عمرو وابن كثير يريد قوله تعالى (إذا مسهم طائف) ، قال أبو عبيدة-طيف من الشيطان-أي يلم به لما قالوا أبو زيد طاف الخيال يطيف طيفا-وطاف الرجل يطوف طوفا إذا أقبل وأدبر فمن قرأ-طايف-كان اسم فاعل من أحد هذين ومن قرأ-طيف- فهو مصدر أو تخفيف طيف كميت ويكون طيف بمعنى طايف يحتمل الوجهين وقال أبو علي الطيف مصدر فكان المعنى إذا مسهم وخطر لهم خطرة من الشيطان تذكروا قال ويكون طايف بمعناه مثل العاقبة والعافية ويجوز ذلك مما جاء المصدر فيه على فاعل وفاعلة والطيف أكثر لأن المصدر على هذا الوزن أكثر منه على وزن فاعل فالطيف كالخطرة و الطائف كالخاطر وقوله رضى حقه أي حقه رضى أي مرضي وأما (وإخوانهم يمدونهم في الغي) ، فقراءة الجماعة من مد مثل شد لأنه هو المستعمل في المكروه نحو (ويمدهم في طغيانهم)-(ونمد له من العذاب مدا) ، وقراءة نافع وحده من أمد مثل أعد وهو أكثر ما يستعمل في المحبوب نحو (وأمددناهم بفاكهة)-(أتمدونني بمال)-(ويمددكم بأموال وبنين)-(إني ممدكم بألف من الملائكة)-(أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين) ، قال أبو علي فوجهه ههنا أنه بمنزلة قوله تعالى (فبشرهم بعذاب أليم) وقوله (فسنيسره للعسرى) ، وقيل مد وأمد لغتان يقال مد النهر وأمده بحر آخر وأمددت الجيش بمد إذا أعنتهم ومددتهم صرت لهم مددا وقال سيل أبي مده أنى وأعدلا حال أي عادلا في بيان وجه ذلك

(713)

وَرَبِّي مَعِي بَعْدِي وَإِنِّي كِلاَهُمَا عَذَابِي آيَاتِي مُضَافَاتُهَا الْعُلاَ

فيها سبع ياءات إضافة (ربي الفواحش) ، أسكنها حمزة وحده (معي بني إسرائيل) ، فتحها حفص وحده (من بعدي أعجلتم) ، فتحها الحرميان وأبو عمرو (إني أخاف عليكم) ، في قصة نوح كذلك فتحها أبو عمرو والحرميان (إني اصطفيتك) ، فتحها أبو عمرو وابن كثير فهذا معنى قوله كلاهما أي إني وإني كلاهما أي جاء لفظ إني في موضعين وهذا كما سبق في معنى قوله معا ، (قال عذابي أصيب) ، فتحها نافع وحده (سأصرف عن آياتي الذين) ، أسكنها ابن عامر وحمزة ويقع في بعض النسخ-عذابي-وآياتي-بإسكان ياء-عذابي-وإثبات واو العطف في-وآياتي-وفي بعضها بفتح الياء وحذف الواو وفيها زائدة واحدة في آخرها (ثم كيدون فلا) ، أثبتها أبو عمرو في الوصل وعن هشام خلاف في الوصل والوقف وقلت في ذلك ، (مضافاتها سبع وفيها زيادة تحلت أخيرا ثم كيدون مع فلا) ، أي هي (كيدون فلا تنظرون)

(714)

وَفِي مُرْدِفِينَ الدَّالَ يَفْتَحُ نَافِعٌ وَعَنْ قُنْبُلٍ يُرْوَى وَلَيْسَ مُعَوَّلاَ

أي وليس معولا عليه قال صاحب التيسير قرأ نافع-مردفين -بفتح الدال وكذلك حكى لي محمد ابن أحمد عن ابن مجاهد أنه قرأ على قنبل قال وهو واهم ، قلت والقائل بأنه وهم هو ابن مجاهد فإنه قال في كتاب السبعة له من رواية ابن بدهن قرأت على قنبل مردفين بفتح الدال مثل نافع وهو وهم حدثني الجمال أحمد ابن يزيد عن القواس عن أصحابه مردفين بكسر الدال ، قلت والقواس هو شيخ قنبل وكان قنبل سنة قرأ عليه ابن مجاهد قد اختلط على ما بيناه عند اسمه في الخطبة في الشرح الكبير واختار أبو عبيد قراءة الفتح قال وتأويله أن الله تعالى أردف المسلمين بهم قال وكان مجاهد يفسرها ممدين وهو تحقيق هذا المعنى قال وفسرها أبو عمرو على قراءة الكسر أردف بعضهم بعضا قال أبو عبيدة فالإرداف أن يحمل الرجل صاحبه خلفه ولم يسمع هذا في نعت الملائكة يوم بدر فإن تأول بعضهم مردفين بمعنى رادفين لم أحبه أيضا لأن القرآن لم ينزل بهذه اللغة ألا تسمع قوله تعالى (تتبعها الرادفة) ، ولم يقل المردفة وكذلك قوله تعالى (ردف لكم) ، يقول أردف لكم وقال الفراء مردفين متابعين يردف بعضهم بعضا ومردفين فعل بهم قال الزجاج يقال أردفت الرجل إذا جئت بعده فمعنى مردفين يأتون فرقة بعد فرقة قال أبو علي من قال مردفين احتمل وجهين أحدهما أن يكونوا مردفين مثلهم تقول أردفت زيدا فيكون المفعول محذوفا في الآية والآخر أن يكونوا جاءوا بعدهم ، قال أبو الحسن تقول العرب بنو فلان مردفوننا أي يجيئون بعدنا قال أبو عبيدة مردفين جاءوا بعد وردفني وأردفني واحد فمردفين صفة للألف الذين هم الملائكة ومردفين على أردفوا الناس أي أنزلوا بعدهم فيجوز على هذا أن يكون حالا من الضمير المنصوب في ممدكم مردفين بألف من الملائكة والله أعلم

(715)

وَيُغْشِي (سَمَا) خِفًّا وَفِي ضَمِّهِ افْتَحُوا وَفِي الْكَسْرِ (حَقًّـ)ـا وَالنُّعَاسَ ارْفَعُوا وِلاَ

خفا تمييز أو حال أي ارتفع تخفيفه أو ارتفع خفيفا أي ذا خف يعني تخفيف الشين مع سكون الغين والباقون بفتح الغين وتشديد الشين وهما لغتان سبق ذكرهما في الأعراف وزاد ابن كثير وأبو عمرو على تخفيف الشين فتحها وفتح الياء الأولى وانقلبت الياء الأخيرة ألفا لانفتاح ما قبلها فقرءا مما يغشاكم مضارع غشى كعمى يعمى فهذا معنى قوله وفي ضمه افتحوا يعني ضم الباء وفي الكسر يعني كسر الشين فتحوا أيضا فتحا حقا والتقدير حق ذلك حقا ولزم من قراءتهما يغشى أن يرتفع النعاس على الفاعلية وأن ينتصب في قراءة غيرهما على المفعولية ليتعدى الفعل إليه بالزيادة على غشى همزة أو تضعيفا فهذا معنى قوله والنعاس ارفعوا أي لمدلول حقا ولا بالكسر أي ذوى ولاء أي متابعة

(716)

وَتَخْفِيفُهُمْ فِي الأَوَّلِينَ هُنَا وَلكِنِ اللهُ وَارْفَعْ هَاءهُ (شَـ)ـاعَ (كُـ)ـفَّلاَ

يعني الأولين (ولكن الله قتلهم)-(ولكن الله رمى) احتراز من (ولكن الله سلم)-(ولكن الله ألف بينهم) ، فإنهما مشددان بلا خلاف وموضع قوله-ولكن الله-نصب على أنه مفعول وتخفيفهم أي وتخفيفهم-ولكن الله-في الموضعين الأولين أي تخفيف هذا اللفظ ولهذا قال وارفع هاءه أي الهاء من اللفظ المذكور وهي التي في اسم الله تعالى وفي الأولين هو خبر المبتدإ ويجوز أن يكون من جملة ما تعلق بالمبتدأ والخبر شاع وقوله وارفع هاءه وقع معترضا لأنه من تتمة القراءة فليس بأجنبي وقد سبق تعليل القراءتين في (ولكن الشياطين كفروا) ، وكفلا جمع كافل ونصبه على التمييز

(717)

وَمُوهِنُ بِالتَّخْفِيفِ (ذَ)اعَ وَفِيهِ لَمْ يُنَوَّنْ لِحَفْصٍ كَيْدَ بِالْخَفْضِ عَوَّلاَ

يريد (موهن كيد الكافرين) ، وهنت الشي وأوهنته واحد أي جعلته واهنا ضعيفا وتنوين موهن ونصب كيد هو الأصل لأنه اسم فاعل نصب مفعوله وإضافة حفص إضافة تخفيف نحو-بالغ الكعبة-في قراءة الجميع وبالغ أمره-في قراءة حفص أيضا كما سيأتي ومعنى ذاع انتشر وقوله لم ينون أي لم يقع فيه تنوين لحفص فالفعل مسند إلى الجار والمجرور ولا ضمير فيه يرجع إلى موهن أغنى عن ذلك قوله وفيه وكيد مبتدأ وخبره عول عليه

(718)

وَبَعْدُ وَإِنَّ الْفَتْحُ (عَمَّ عُـ)ـلاَ وَفِيهِمَا الْعُدْوَةِ اكْسِرْ (حَقًّـ)ـا الضَّمَّ وَاعْدِلاَ

يعني وبعد موهن (وأن الله مع المؤمنين) ، الفتح فيه عم علاه أو عم ذا علا وهو على إضمار حرف الجر أي ولأن الله مع المؤمنين امتنع عنا فئتكم وقرأ الباقون بكسر وأن على الاستئناف والعدوة بكسر العين وضمها لغتان وهي جانب الوادي وقيل المكان المرتفع وقوله فيهما لأنها في موضعين (إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى) ، وهي مخصوصة في العلم حكاية لما في القرآن وإنما موضعها رفع بالابتداء وتقدير الكلام والعدوة اكسر الضم في موضعيها ويجوز أن يكون العدوة بدلا من الضمير في فيهما أو في عطف بيان أي اكسر الضم فيهما ثم بين ما أضمره فقال العدوة كقولك رأيته زيدا ومررت به زيد ، فإن قلت كيف بدل مفردا من ضمير تثنية وأنت لا تقول رأيتهما زيدا بل يجب أن تقول زيدا وعمرا أو الزيدين أو نحو ذلك قلت لما كان المضمر في هذا النظم لفظا متحدا لم يحتج إلى تثنية اللفظ المثنى بل اللفظ المفرد كاف في البيان كالتمييز في عشرون رجلا لما كان الغرض بيان حقيقة المعدود المتحد الجنس كفى في بيانه لفظ مفرد فكذا هذا ولما كان المضمر في قولك رأيتهما ومررت بهما يحتمل الاختلاف لزم البيان بلفظ التثنية أو ما يقوم مقامه والكلام في حقا كما سبق إما نعت مصدر محذوف أي اكسر الضم كسرا حقا وهو مصدر مؤكد أي حق ذلك حقا والألف في واعدلا بدل عن نون التأكيد الخفيفة أراد واعدلن قال الشيخ لأن أبا عبيد زعم أن الضم أعرب اللغتين وأكثرهما وقد ذكر اليزيدي أن الكسر لغة أهل الحجاز وأنكر أبو عمرو الضم فأعدل أنت ويقال العدوة بالفتح أيضا والله أعلم

(719)

وَمَنْ حَيِيَ اكْسِرْ مُظْهِرًا (إِ)ذْ (صَـ)ـفَا (هُـ)ـدًى وَإِذْ يَتَوَفَّى أَنِّثُوهُ (لَـ)ـهُ (مُـ)ـلاَ

يريد (ويحيى من حي عن بينة) ، أصل هذا المدغم حيي بياءين على وزن عمى فأدغم أراد كسر الياء الأولى مظهرا لما كان أدغم في قراءة الغير وللباقين افتح مدغما وهما لغتان نحو عيى وعى وهدى تمييز أو حال أي صفا هداه وصفا ذا هدى كما سبق في عم علا وغيره والتأنيث والتذكير في (يتوفى الذين كفروا الملائكة) ، سبق نظيرهما في-تأتيهم الملائكة-في آخر الأنعام واللفظ الفاصل هنا بين الفعل والفاعل أكثر منه ثم فلهذا كان الأكثر هنا على التذكير وثم على التأنيث والملا بضم الميم جمع ملاءة وهي الملحفة كنى بذلك عن الحجج وقد سبق أيضا تفسيره

(720)

وَبِالْغَيْب فِيهَا تَحْسَبَنَّ (كَـ)ـمَا (فَـ)ـشَا (عَـ)ـمِيمًا وَقُلْ فِي النُّورِ (فَا)شِيهِ (كَـ)ـحَّلاَ

يريد (ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا) ، فقراءة الخطاب ظاهرة الذين كفروا سبقوا مفعول بلا تحسبن والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وأما القراءة بالغيب فعلى تقدير ولا يحسبن الرسول أو حاسب فبقي الذين كفروا سبقوا مفعولين كما ذكرنا وقيل الذين كفروا فاعل يحسبن وسبقوا المفعول الثاني والأول محذوف تقديره إياهم سبقوا كذا قدره أبو علي وهو معنى تقدير أبي عبيد وغيره حين قالوا لا تحسبنهم سبقوا وقيل سد سبقوا مسد المفعولين على تقدير أنهم سبقوا أو أن سبقوا أو بأن قدره أبو علي أيضا ثم حذفت أن واسمها اختصارا للعلم بمكانها ومعنى سبقوا فاتوا كما قال سبحانه في موضع آخر (أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا) ، والذي في النور (لا يحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض) ، يتوجه فيه جميع الوجوه المذكورة إلا الأخير منها وهو تقدير أنهم سبقوا لأن لفظ معجزين منصوب نعم يقوم مقامه وجه آخر لا يتأتى هناك وهو أن يكون معجزين مفعولا أولا وفي الأرض مفعولا ثانيا أي لا تحسبن أن في الأرض من يعجز الله وقوله عميما حال من الضمير في فشا ومعناه اشتهر في حال عمومه يشير إلى أنه مقدر بقولنا لا يحسبن أحد وكحلا بالتشديد مبالغة في كحل عينه استعاره هنا على أنه شفا أو بصر ونور وهدى ونحو ذلك والله أعلم

(721)

وَإِنَّهُمُ افْتَحْ (كَـ)ـاِفيًا وَاكْسِرُوا لِشُعْبَةَ السَّلْمَ وَاكْسِرْ فِي الْقِتاَلِ (فَـ)ـطِبْ (صِـ)ـلاَ

يريد (إنهم لا يعجزون) ، كسره على الاستئناف والفتح على تقدير لأنهم وقيل هو مفعول لا يحسبن على تقدير أن لا زائدة لأن ابن عامر الذي فتح أنهم يقرأ لا يحسبن بالغيب وتكون زيادة لا هنا كما سبق في الأنعام ، (أنها إذا جاءت لا يؤمنون) ، بكسر السين وفتحها لغتان واللام ساكنة فيهما ويقال أيضا بفتح السين واللام ومعنى الجميع المسالمة والمصالحة يريد-وإن جنحوا للسلم-ولهذا قال فاجنح لها لما كان السلم بمعنى المسالمة والذي في سورة القتال (فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم) ومعنى قوله فطب صلا أي ذكاء لأنه قد سبق أن صلاء النار هو استعارها ويعبر به عن الذكاء كما يقال هو يتوقد ذكاء ويجوز أن تكون إشارة إلى نار القرى التي يهتدي بها الأضياف والتي تصلح طعامهم أي طب نارا على معنى طب قرى لأضيافك أي طب علما لمن قصدك مستفيدا فصلا تمييز والله أعلم

(722)

وَثَانِي يَكُنْ (غُـ)ـصْنٌ وَثَالِثُهاَ ثَوَى وَضُعْفاً بِفَتْحِ الضَّمِّ (فَـ)ـاشِيهِ (نُـ)ـفَلا

يريد (وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا) ، هذه هي الثانية تذكير يكن وتأنيثها لأن الفعل مسند إلى مائة وتأنيثها غير حقيقي وقد وقع الفصل بين الفعل وبينها فحسن التذكير وأ التأنيث فهو الأصل نظرا إلى لفظ علامة التأنيث في مائة والثالث قوله تعالى بعد ذلك (فإن تكن منكم مائة صابرة) ، الكلام فيه كما سبق في الثانية لكن أبو عمرو فرق بينهما في قراءته فأنث الثالث كما وصف المائة بقوله صابرة فتأكد التأنيث في الموصوف بتأنيث الصفة فقوى مقتضى مشاكلة التأنيث في يكن وإنما قال ثاني وثالث لأن قبلهما أول لا خلاف في تذكيره وهو ( إن يكن منكم عشرون) ، وبعدهما رابع لا خلاف في تذكيره أيضا وهو (وإن يكن منكم ألف) ، ودلنا على أن مراده التذكير في الثاني والثالث إطلاقه وعدم تقييده وأما (وعلم أن فيكم ضعفا) ، ففتح الضاد وضمها فيه لغتان ومعنى نفلا أي أعطى نفلا وهي الغنيمة والله أعلم

(723)

َوِفي الرُّومِ (صِـ)ـفْ (عَـ)ـنْ خُلْفِ (فَـ)ـصْلٍ وَأَنِّثْ انْ يَكُونَ مَعَ الأَسْرَى الأُسَارى حُلاً (حَـ)ـلاَ

يريد قوله تعالى (الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا) ، الخلاف في الثلاثة كالتي في الأنفال غير أن حفصا اختار الضم في ثلاثة الروم لما نذكر فصار له وجهان فلذا ذكر عنه خلافا دون أبي بكر وحمزة قال صاحب التيسير في سورة الروم أبو بكر وحمزة من ضعف في الثلاثة بفتح الصاد وكذلك روى حفص عن عاصم فيهن غير أنه ترك ذلك واختار الضم اتباعا منه لرواية حدثه بها الفضل بن مرزوق عن عطية العوفي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه ذلك بالضم ورد عليه الفتح وأباه قال وعطية يضعف وما رواه حفص عن عاصم عن أئمته أصح وبالوجهين آخذ في روايته لأتابع عاصما على قراءته وأوافق حفصا على اختياره ، قلت وهذا معنى قول ابن مجاهد عاصم وحمزة من ضعف بفتح الضاد ثم قال حفص عن نفسه بضم الضاد فقوله عن نفسه يعني اختيارا منه لا نقلا عن عاصم وفي كتاب مكي قال حفص ما خالفت عاصما في شيء مما قرأت به عليه إلا ضم هذه الثلاثة الأحرف قال أبو عبيد وبالضم يقرأ اتباعا للغة النبي صلى الله عليه وسلم سمعت الكسائي يحدث عن الفضل بن مرزوق عن عطية العوفي قال قرأت على ابن عمر-الله الذي خلقكم من ضعف بالفتح-فقال إني قرأتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قرأت-فقال لي من ضعف ، قال أبو عبيد يعني بالضم قوله وأنث أن يكون أراد قوله تعالى (أن يكون له أسرى) ، فألقى حركة أن على ثاء أنث وقد سبق أن تأنيث الجمع غير حقيقي فيجوز تذكير الفعل المسند إليه ثم قال مع الأسرى الأسارى يعني (قل لمن في أيديكم من الأسرى) ، يقرؤه أبو عمرو-الأسارى-وكلاهما جمع أسير ولا خلاف في الأولى-أن يكون له أسرى-وهو غير ملبس لأنه ذكرها معرفة باللام وتلك هي الثانية واتفق للناظم هنا اتفاق حسن وهو تكرير الرمز في حلا حلا بعد تكرر

كلمتي القراءة وهما تكون والأسارى فأنث أبو عمرو تكون وقرأ الأسارى ولم يرمز لقراءة تكون فجاء تكرير الرمز بعد الأسارى مناسبا حسنا وإن كان لو لم يكرره لجاز كما جمع في البقرة مسئلتين لابن عامر في قوله-عليم وقالوا- وقال في آخر البيت كفلا وكما جمع لحمزة ثلاث مسائل في آل عمران في قوله-سنكتب وقال في آخر البيت فتكمل وتارة يكرر الرمز من غير تكرار الحرف المختلف فيه نحو اعتاد أفضلا نمنى علا علا وإنما اتفق له مناسبة التكرار هنا وقوله مع الأسرى أي مع قراءة موضع الأسرى الأسارى ومن الممكن أن يقدر مع قراءة الأسرى موضع الأسارى فيفيد ضد المقصود ولكنه هنا لفظ بقراءتين من غير قيد فالرمز للثانية منهما كقوله سكارى معا سكرى وعالم قل علام شاع ولو كان قال وفي الأسرى الأسارى لكان أظهر ولكنه قصد مزج الموضعين من غير تخلل واو فاصلة بينهما ولو قال بالواو لكان له أسوة بقوله و-كن فيكون-وحلا في موضع نصب على الحال من فاعل أنث أي أنث تكون مع قراءتك الأسارى ذا حلا وحلا صفة حلا وقال الشيخ رحمه الله معنى أن يكون مع الأسرى أي أنثه مصاحبا له والأسارى مبتدأ وحلا حلا خبره ، قلت هذا مشكل فإن تكون في القراءة مصاحبة للأسارى لا للأسرى إن أراد أن يجمع قراءتي أبي عمرو وإن أراد بالمصاحبة المذكور في التلاوة بعد يكون فتلك أسرى لا أسارى كما سبق بيانه ثم لو كان بعد يكون لفظ الأسرى لبقيت قراءة الجماعة في موضع الخلاف لا دليل عليها فإن ذلك لا يفهم من لفظ الأسارى والله أعلم

(724)

وَلاَيَتِهمْ بِالْكَسْرِ (فُـ)ـزْ وَبِكَهْفِهِ (شَـ)ـفَا وَمَعًا إِنِّي بِيَاءَيْنِ أَقْبَلا

يريد (ما لكم من ولايتهم من شيء) ، وفي الكهف (هنالك الولاية لله الحق) ، قال أبو عبيد يقال مولى بين الولاية من ولايتهم إذا فتحت فإذا كسرت فهو من وليت الشيء قال الزجاج الولاية من النصرة والنسب بفتح والتي بمنزلة الإمارة مكسورة قال وقد يجوز كسرها لأن في تولي بعض القوم بعض جنسا من الصناعة والعمل وكلما كان من جنس الصناعة مكسور مثل القصارة والخياطة قال أبو علي قال أبو الحسن ما لكم من ولايتهم من شيء هذا من الولاية فهو مفتوح وأما في السلطان فالولاية مكسورة وكسر الواو في الأخرى لغة وليست بذلك قال أبو عبيد والذي عندنا في هذا الأخذ بفتح الواو في الحرفين جميعا يعني في الأنفال والكهف قال لأن معناهما من الموالاة في الدين وأما الولاية فإنما هي من السلطان والإمارة ولا أحبها في هذا الموضع وقال الفراء (ما لكم من ولايتهم من شيء) ، يريد من مواريثهم من شيء وكسر الواو في-من ولايتهم-أعجب إلي من فتحها لأنها إنما تفتح إذا كانت نصرة أكثر ذلك وكان الكسائي يذهب إلى النصرة بفتحها ولا أظنه علم التفسير ويختارون في وليته ولاية الكسر وقد سمعناها بالفتح والكسر في معنييهما جميعا والهاء في قوله وبكهفه للقرآن للعلم به وإني بياءين أي في موضعين وهما (إني أرى ما لا ترون)-(إني أخاف الله) ، فتحها الحرميان وأبو عمرو وقوله معا تأكيد وكذا أقبلا والألف في آخره ضمير الياءين أي إني ملتبس بياءين أقبلا معا وإن كان أقبل خبر إني والتقدير إني أقبل بياءين معا فالألف للإطلاق

سورة التوبة

(725)

وَيُكْسَرُ لاَ أَيْمَانَ عِنْدَ ابْنِ عَامِرٍ وَوَحَّدَ (حَقٌّ) مَسْجِدَ اللهِ الاوَّلاَ

أراد (إنهم لا أيمان لهم) ، الفتح جمع يمين والكسر بمعنى الإسلام أو بمعنى الأمان أي لا تؤمنهم من القتل وتقدير البيت ويكسر عند ابن عامر-لا إيمان-ولا ينبغي من جهة الأدب أن يقرأ إلا بفتح الهمزة وإن كان كسرها جائزا في التلاوة وذلك لقبح ما يوهمه تعلق-عند-بأيمان-وموضع لا أيمان-رفع أي يكسر همز هذا اللفظ فليته قال وهمزة لا أيمان كسر ابن عامر وقوله تعالى (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله) ، وحده ابن كثير وأبو عمرو لأن المراد به المسجد الحرام وليدل على أنه إنما جمع ثانيا باعتبار أن كل مكان منه مسجدا وأريد به جميع المساجد والتوحيد يؤدي معناه كما تقدم في مواضع ومن جمع فلهذا المعنى ولموافقته الثاني-إنما يعمر مساجد الله-فجمعه متفق عليه

(726)

عَشِيرَاتُكُمْ بِالجمْعِ (صِـ)ـدْقٌ وَنَوِّنُوا عُزَيْرٌ (رِ)ضى (نَـ)ـصٍّ وَبِالْكَسْرِ وُكِّلاَ

جمع أبي بكر عشيراتكم كما جمع مكانات وعبر عن قراءته ثم بمد النون وهنا بالجمع لأنه لم يمكنه هنا أن يقول بمد الراء ولو قال بالمد لم يحصل الغرض لأن في عشيرتكم مدين الياء والألف فلو قال بالمد موضع بالجمع لظن أنه الياء فعدل إلى لفظ الجمع وكذا لو كان أطلق لفظ المد في مكانات لم يدر أي الألفين أراد فقيد بقوله مد النون وقد سبق معناه ومن نون عزير فهو عنده اسم عربي فهو منصرف وكسر التنوين لالتقاء الساكنين وهو مبتدأ وابن خبره ومن لم ينون فهو عنده أعجمي فلم يصرفه وهذا اختيار الزمخشري وقيل بل عربي وإنما ابن صفة فحذف التنوين لوقوع ابن بين علمين والخبر محذوف أي معبودنا أو نبينا أو يكون المحذوف هو المبتدأ أي المعبود أو النبي عزير وأنكر عبد القاهر الجرجاني في كتاب دلائل الإعجاز هذا التأويل وقرره أحسن تقرير ، وحاصله أن الإنكار ينصرف إلى الخبر فيبقى الوصف كأنه مسلم كما تقول قال فلان زيد بن عمرو قادم وإنما يستعمل مثل هذا إذا لم يقدر خبر معين ويكون المعنى أنهم يلهجون بهذه العبارة كثيرا في محاوراتهم لا يذكرون عزيرا إلا بهذا الوصف وقيل حذف التنوين لالتقاء الساكنين كما قرأ بعضهم ، (أحد الله الصمد) ، بحذف التنوين من أحد قال الفراء سمعت كثيرا من الفصحاء يقرءونها ذكر هذين الوجهين أبو علي وقال لأن عزيرا ونحوه ينصرف عجميا كان أو عربيا قال الزجاج ولا اختلاف بين النحويين أن إثبات التنوين أجود وقوله رضى نص أي مرضي نص بمعنى نصه مرضي وهو نعت مصدر محذوف أي نونوه تنوينا مرضيا النص عليه وبالكسر وكل ذلك التنوين أو يكون حالا من فاعل نونوا أي ذوي رضى نص أي راضين بالنص عليه والله أعلم

(727)

يُضَاهُونَ ضَمَّ الْهَاءِ يَكْسِرُ عَاصِمٌ وَزِدْ هَمْزَةً مَضْمُومَةً عَنهُ وَاعْقِلاَ

أي زد همزة بعد الهاء المكسورة فيكون مضارع ضاهأ على وزن دارأ ومعناه شابه وقراءة الجماعة من دارا على وزن راما وهما لغتان مثل أرجيت وأرجأت ، قال الزجاج والأكثر ترك الهمزة والألف في واعقل بدل من نون التأكيد الخفيفة والله أعلم

(728)

يُضَلُّ بِضَمِّ الْيَاءِ مَعْ فَتْحِ ضَادِهِ (صِحَابٌ)وَلَمْ يَخْشَوْا هُنَاكَ مُضَلِّلاَ

أراد (يضل به الذين كفروا) ، قرأه صحاب على إسناد الفعل للمفعول وأسنده الباقون إلى الفاعل وكلاهما ظاهر وتمم البيت بقوله ولم يخشوا إلى آخره أي لم يخافوا من عائب لقراءتهم

(729)

وَأَنْ تُقْبَلَ التَّذْكِيرُ (شَـ)ـاعَ وِصَالُهُ وَرَحْمَةٌ الْمَرْفُوعُ بِالْخَفْضِ (فَـ)ـاقْبَلاَ

يريد (أن تقبل منهم نفقاتهم) ، والتذكير والتأنيث كما سبق في (ولا تقبل منها شفاعة) ، وغيره وأما (ورحمة للذين آمنوا منكم) ، بالرفع فمعطوف على-أذن خير-أي هو أذن خير وهو رحمة وقرأ حمزة بالخفض عطفا على خير والفاء في فاقبلا زائدة وأرادا قبله بالخفض والألف في آخره كالألف في آخر واعتلا

(730)

وَيَعْفُ بِنُونٍ دُونَ ضَمٍّ وَفَاؤُهُ يُضَمُّ تُعَذَّبْ تَاهُ بِالنُّونِ وُصِّلاَ

(731)

وَفِي ذَالِهِ كَسْرٌ وَطَائِفَةٌ بِنَصْبِ مَرْفُوعِهِ عَنْ عَاصِمٍ كُلُّهُ اعْتَلاَ

أراد إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة) ، قرأ عاصم على بناء الفعلين وهما يعف ونعذب للفاعل المتكلم فلزم من ذلك النون في أولهما وفتحها في يعف مع ضم الفاء وكسر ذال نعذب ونصب طائفة بعدها وقراءة الجماعة على بناء الفعلين للمفعول الغائب فلزم من ذلك أن يكون أول يعف ياء مضمومة وفتح الفاء وأول نعذب تاء لأجل تأنيث طائفة فهي أولى من الياء لعدم الفعل ثم فتح الذال ورفع طائفة بعدها لأنها مفعول ما لم يسم فاعله وقوله تاه أي تاؤه فقصر الممدود

(732)

وَحَقٌّ بِضَمِّ السَّوْءِ مَعْ ثَانِ فَتْحِهَا وَتَحْرِيكُ وَرْشٍ قُرْبَةٌ ضَمُّهُ جَلاَ

أراد (عليهم دائرة السوء) ، وثاني سورة الفتح وهو (وظننتم ظن السوء) ، ولا خلاف في فتح الأول وهو (الظانين بالله ظن السوء) وكذا (ما كان أبوك امرأ سوء)-و-(أمطرت مطر السوء) ، والسوء بالضم العذاب كما قيل له سييه والسوء بالفتح المصدر والهاء في فتحها للسور وحذف الياء من ثاني للضرورة وقوله تعالى (ألا إنها قربة لهم) ، ضم الراء وإسكانها لغتان وقربة في النظم مفعول التحريك وإنما رفعه حكاية لفظ القرآن وضمه مفعول جلا وجلا خبر التحريك الذي هو المبتدأ

(733)

وَمِنْ تَحْتِهَا المَكِّي يَجُرُّ وَزَادَ مِنْ صَلاَتَكَ وَحِّدْ وَافْتَحِ التَّا (شَـ)ـذًّا (عَـ)ـلاَ

يعني (من تحتها الأنهار) ، في الآية التي أولها (والسابقون الأولون) ، ثبتت في مصاحف مكة دون غيرها فقرأها ابن كثير وجر تحتها بها وحذفها الباقون فانتصب تحتها على الظرفية فقوله وزاد من أي كلمة من ثم قال صلاتك وحد يعني (إن صلواتك سكن لهم) ، التوحيد فيه والجمع سبق نظيرهما والصلاة هنا بمعنى الدعاء فهو مصدر يقع على القليل والكثير وإنما جمع لاختلاف أنواعه فمن وحد فتح التاء لأن الفتح علامة النصب في المفرد ومن جمع كسرها لأن الكسر علامة النصب في جمع المؤنث السالم وشذا حال أي ذا شذا علا

(734)

وَوَحِّدْ لَهُمْ في هُودَ تُرْجِىُّ هَمْزُهُ (صَـ)ـفَا (نَفَـ)ـرٍ مَعْ مُرْجَئُونَ وَقَدْ حَلاَ

يعني (قالوا يا شعيب أصلواتك تأمرك) ، أي عيادتك ولم يتعرض للتاء لأنها مضمومة في قراءتي الإفراد والجمع لأنها مبتدأ ثم ذكر الخلاف في (ترجي من تشاء منهن) ، في سورة الأحزاب (وآخرون مرجون) ، هنا بالهمز فيهما وبغير همز وهما لغتان قال صاحب المحكم والهمز أجود وأرى ترجي مخففا من ترجيء لمكان تؤوى أي طلب المشاكلة بينهما وقد تقدم في الخطبة أن ضد الهمز لا همز ثم ينظر في الكلمة المهموزة فإن كان الهمز لم يكتب له صورة نطقت بباقي حروف الكلمة على صورتها وهو كقوله-الصابئين-الهمز-والصابئون-خذ وإن كانت كتبت له صورة نطقت في موضع الهمز بالحرف الذي صورت به كقوله وبهمز-ضيزى-وفي هذا البيت المشروح الأمران يقرأ الباقون ترجي بالياء التي هي صورة الهمز ويقرءون-مرجون-بواو بعد الجيم إذ لا صورة للهمزة وقوله صفا نفر خفض نفر بإضافة صفا المقصور أو الممدود إليه أي الهمز قوى وصاف من الكدورة

(735)

وَ (عَمَّ) بِلاَ وَاوِ الَّذِينَ وَضُمَّ في مَنَ اسَّسَ مَعْ كَسْرٍ وَبُنْيَانُهُ وِلاَ

أي قرأ مدلول عم جميع المذكور في هذا البيت أراد (والذين اتخذوا مسجدا) ، سقطت الواو في مصاحف المدينة والشام فقرأها نافع وابن عامر على الاستئناف وقرأ الباقون بالواو عطفا لجملة على جملة فتقدير البيت قرأ عم الذين بلا واو وحذف التنوين من واو لالتقاء الساكنين ولم يرو إضافة واو إلى الذين فإن الذين لا واو فيه ولو كان والذين لأمكن تقدير ذلك ثم قال وضم وهو فعل أمر أي ضمه لمدلول عم أيضا ويجوز وضم بفتح الضاد على أن يكون فعلا ماضيا أي قرأ عم الذين وضم في-أفمن أسس-ضم الهمزة وكسر السين جعله فعلا لم يسم فاعله فلزم من ذلك رفع بنيانه لأنه مفعوله وقرأ الباقون ببناء الفعل للفاعل وهو ضمير يرجع إلى من فتحوا الهمزة والسين ونصبوا بنيانه والخلف في الموضعين هنا ولم ينبه على ذلك فهو نظير ما ذكرناه في قوله في سورة النساء وندخله نون ولم يقل معا ، فإن قلت يكون إطلاقه دليلا عل تعميم ما في السورة من ذلك وقوله معا قدر حرك زيادة بيان ، قلت لا يستمر له هذا إذ يلزم أن يكون قوله وعم بلا واو الذين يشمل كل لفظ والذين من هذا الموضع إلى آخر السورة نحو (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا)-(الذين اتبعوه في ساعة العسرة) ، وقول الناظم وبنيانه مفعول فعل مضمر أي وارفع بنيانه لمدلول عم أو ورفع عم بنيانه وإطلاقه له دليل على رفعه وولا بكسر الواو مفعول له أي متابعة للنقل

(736)

وَجُرْفٍ سكونُ الضَّمِّ (فِـ)ـي (صَـ)ـفْوٍ (كَـ)ـامِل تُقَطَّعَ فَتْحُ الضَّمِّ (فِـ)ـي (كَـ)ـامِل (عَـ)ـلاَ

الضم والإسكان في راء جرف لغتان وتقطع قلوبهم بضم التاء على بناء الفعل للمفعول وبفتحها على بنائه للفاعل وأصله تتقطع فحذفت التاء الثانية مثل (تنزل الملائكة) ، وسبق له نظائر

(737)

يَزِيغُ (عَـ)ـلَى (فَـ)ـصْلٍ يَرَوْنَ مُخَاطَبٌ (فَـ)ـشًا وَمَعِي فِيهَا بِيَاءَيْنِ جُمِّلاَ

يعني (كاد يزيغ قلوب فريق منهم) ، قرأ حفص وحمزة بالتذكير في يزيغ لأن تأنيث قلوب غير حقيقي والباقون بالتأنيث وإطلاقه دل على إرادته لتذكير ثم قال يرون مخاطب جعله مخاطبا لما كان الخطاب فيه يعني (أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة) ، الخطاب للمؤمنين والغيبة للمنافقين وفي هذه السورة ياآن للإضافة كلاهما في لفظ معي أحدهما (معي أبدا) ، فتحها الحرميان وأبو عمرو وابن عامر وحفص والثانية (معي عدوا) ، فتحها حفص وحده وليس فيها ولا في الأنفال ولا في يونس شيء من الزوائد والله أعلم

سورة يونس

(738)

وَإِضْجَاعُ رَا كُلِّ الْفَوَاتِحِ (ذِ)كْرُهُ (حِـ)ـمًى غَيْرَ حَفْصٍ طَاوَيَا (صُحْبَةٌ) وَلاَ

ذكر في هذا الموضع جميع ما وقع الخلاف في إمالته من الحروف المقطعة في أوائل السور ويقال لها الفواتح لأن السور استفتحت بها وإنما أميلت لأنها أسماء ما يلفظ به من الأصوات المتقطعة وقد أمالوا يا في الندا وهي حرف فإمالة هذه الأسماء أولى فابتدأ بذكر الراء لأنها أول حروف الفواتح إمالة سواء كانت في الر وذلك في يونس وهود ويوسف وإبراهيم والحجر أو في المر في أول الرعد فلهذا قال كل الفواتح والإضجاع هو الإمالة وأتى بلفظ را فقصر را حكاية للفظه في القرآن وكذا ما يأتي من طا ويا وها وحا ولا نقول إنه قصر ذلك ضرورة وأشار بقوله ذكره حمى إلى حسن الإضجاع أي لا يصل أحد إلى الطعن عليه فهو في حمى من ذلك واستثنى منهم حفصا فإنه لا يميل شيئا في القرآن إلا كلمة-مجراها-وقد سبق ذكره في باب الإمالة ثم ذكر أن صحبة أمالوا طاويا فالطاء من طه وطسم وطس والياء من يس وأما الياء من كهيعص فوافقهم على إمالتها ابن عامر كما يأتي في البيت الآتي وولا في آخر البيت بكسر الواو في شرح الشيخ ورأيته في بعض النسخ من القصيدة بفتحها وهو أحسن لأن قبله وبنيانه ولا بالكسر وهو قريب منه فالكسر بمعنى متابعة أي أمال صحبة طاو-يا متابعة لنقل فهو مفعول من أجله والفتح على تقدير ذا ولا أي نصر لإمالة ومحبة لها فهو حال من صحبة أي أمالوهما ذوي ولا

(739)

وَ(كَـ)ـمْ (صُحْبَةٍ) يَا كَافِ والْخُلْفُ (يَـ)ـاسِرٌ وَهَا صِفْ (رِ)ضًى (حُـ)ـلْوًا وَتَحْتَ (جَـ)ـنًى (حَـ)ـلاَ

الكاف في كم رمز ابن عامر كأنه قال وابن عامر ومدلول صحبة على إمالة-يا-التي في أول سورة مريم وعبر عنها بقوله كاف لأنه أولها كما يقال ص ن ق وكذا صنع في غير هذا الموضع كقوله في يوسف وفي كاف فتح اللام في-مخلصا-ثوى ومعنى الكلام في الظاهر وكم صحبة أمالوها أي أمالها كثير من القراء ثم قال والخلف في إمالتها عن السوسي والياسر في اللغة هو اللاعب بقداح الميسر وكان لا يتعاطاه من العرب إلا الكرماء فكأنه قال والخلف خلف كريم أي هو صادر عن نقل صحيح ثم قال وها أي وإمالة ها من-كهيعص-لأبي بكر والكسائي وأبي عمرو ثم قال وتحت أي وإمالة ها من السورة التي تحت مريم وهي طه جنا حلا أي حلا جناه وإمالته لورش ولأبي عمرو ومن يأتي ذكره في البيت الآتي وليس لورش ما يمليه إمالة محضة غيرها من طه وما عدا ذلك إنما يميله بين اللفظين

(740)

(شَـ)ـفَا (صـ)ـادِقًا حم (مُخْـ)ـتَارُ (صُحْبَةٍ) وَبَصْرٍ وَهُمْ أَدْرى وَبِالْخُلْفِ (مُـ)ـثِّلاَ

، حمزة والكسائي وأبو بكر هم تتمة من أمال-ها-من-طه-ثم قال-حم-أي أمال حا من-حم- في السور السبع ابن ذكوان وصحبه ثم قال وهم وأبو عمرو أمالوا لفظ-أدري-كيف أتى نحو-أدراك-وأدراكم-وعن ابن ذكوان خلاف فيه فقوله وبصر مبتدأ وليس عطفا على صحبة لامتناع الجمع بين الرمز والتصريح والله أعلم

(741)

وَذو الرَّا لِوَرْشٍ بَيْنَ بَيْنَ وَناَفِع لَدى مَرْيَمٍ هَايَا وَحَا (جِـ)ـيدُهُ (حَـ)ـلاَ

جمع في هذا البيت ذكر من أمال شيئا من ذلك بين بين فورش فعل ذلك في را من (الر-و-المر) ، ونافع بكماله في-ها يا أول مريم وورش وأبو عمرو فعلا ذلك في حا من (حم) ، في السور السبع وأما لفظ-أدري- فقد علم من مذهب ورش في إمالته بين بين من باب الإمالة وإنما ذكره الناظم هنا لأجل زيادة أبي بكر وابن ذكوان على أصحاب إمالته وإلا فهو داخل في قوله وما بعد راء شاع حكما فأبو عمرو وحمزة والكسائي فيه على أصولهم والجيد كل العنق والله أعلم

(742)

نُفَصِّلُ يَا (حَقٍّ عُـ)ـلاً سَاحِرٌ (ظُـ)ـبًى وَحَيْثُ ضِيَاءً وَافَقَ الْهَمْزُ قُنْبُلاَ

قصر لفظ-يا-ضرورة والخلاف في-نفصل الآيات-بالياء والنون ظاهر ثم قال ساحر ظبي يعني قوله تعالى قبل يفصل (قال الكافرون إن هذا لسحر مبين) ، أي ذو سحر قرأه مدلول ظبي ساحر فقوله ساحر هو مما استغنى لميه باللفظ عن القيد ولكنه لم يبين القراءة الأخرى والخلاف في مثل هذا دائر تارة بين ساحر وسحار على ما في الأعراف والذي في آخر يونس وتارة هو دائر بين ساحر وسحر على ما مر في المائدة وما يأتي في طه وظبي جمع ظبة وهي من السيف والسهم والسنان حدها أي هو ذو ظبى أي له حجج تحميه وتقوم بنصرته ثم قال وحيث ضياء أي حيث أتى هذا اللفظ فضياء مرفوع بالابتدا على ما عرف فيما بعد حيث والخبر محذوف أي وحيث ضياء موجود ولا تنصب حكاية لما في يونس فإنه قد يكون مجرورا نحو ما في القصص (من إله غير الله يأتيكم بضياء) ، ثم قال وافق الهمز قنبلا وهو من قولك وافقني كذا إذا صادفته من غرضك وأراد همز الياء ولم يبين ذلك وفي آخر الكلمة همز فربما يتوهم السامع أنه هو المعنى ثم لو فهم ذلك لم يكن مبينا للقراءة الأخرى فإنه الهمز ليس ضده إلا تركه ولا يلزم من تركه أبداله ياء فقد حصل نقض في بيان هاتين المسألتين ساحر وضياء فلو أنه قال ما تبين به الحرفان لقال ساحر ظبي بسحر ضياء همزيا الكل زملا قالوا ووجه هذا الهمز أنه أخر الياء وقدم الهمزة فانقلبت الياء همزة لتطرفها بعد ألف زائدة كسقاء ووداء وهذه قراءة ضعيفة فإن قياس اللغة الفرار من اجتماع همزتين إلى تخفيف إحداهما فكيف يتحيل بتقديم وتأخير إلى ما يؤدي إلى اجتماع همزتين لم يكونا في الأصل هذا خلاف حكمة اللغة قال ابن مجاهد ابن كثير وحده ضياء بهمزتين في كل القرآن الهمزة الأولى قبل الألف والثانية بعدها كذلك قرأت على قنبل وهي غلط وكان أصحاب البزي وابن فليح ينكرون هذا ويقرءون ضياء مثل الناس قال أبو علي ضياء مصدرا وجمع ضوء كبساط

(743)

وَفِي قُضِيَ الْفَتْحانِ مَعْ أَلِفٍ هُنَا وَقُلْ أَجَلُ المَرْفُوعُ بِالنَّصْبِ (كُـ)ـمِّلاَ

يريد (لقضي إليهم أجلهم) ، قراءة ابن عامر على البناء للفاعل فنصب أجلهم على المفعولية وقراءة الباقين على بناء الفعل للمفعول وهو أجلهم فلزم رفعه فقول الناظم الفتحان يعني في القاف والضاد والألف بعدهما والقراءة الأخرى علمت بما لفظ به لا من الضدية ولو بين القراءة الأخرى باللفظ فقال قضى موضع قوله هنا أو موضع قوله وقل لكان أولى وأكثر فائدة لما فيه من الإيضاح ورفع وهم احتمال أن يريد زيادة ألف على الياء فيصير قضيا وإنما قال هنا احترازا من التي في الزمز (قضى عليها الموت) ، فإن الخلاف فيها أيضا كهذا الخلاف وإن كان الأكثر ثم على مثل قراءة ابن عامر هنا وكان مستغنيا عن هذا الاحتراز فإن الإطلاق لا يعم غير ما في السورة التي هو في نظم خلفها على ما بيناه مرارا والله أعلم

(744)

وَقَصْرُ وَلاَ (هَـ)ـادٍ بِخُلْفٍ (زَ)كَا وَفي الْقِيَامَةِ لاَ الاولى وَبِالْحَالِ أُوِّلاَ

يعني بالقصر حذف ألف ولا من قوله (ولا أدراكم به) ، ومن قوله (لا أقسم بيوم القيامة) دون قوله (ولا أقسم بالنفس) ، فهذا معنى قوله لا الأولى أي وقصر لا الواردة في سورة القيامة أولا فالمعنى على القصر-لو شاء لأدراكم به-فتكون اللام جواب لو قال ابن مجاهد قرأت على قنبل (ولا أدراكم) ، فقال-ولا درأكم-فجعلها لا ما دخلت على أدراكم فراجعته غير مرة فلم يرجع ذكر ذلك في غير كتاب السبعة ويوجد في بعض نسخها ومعنى القصر في-لا أقسم-مؤول بأنها لام الابتداء دخلت على فعل الحال أي لأنا أقسم فهذا معنى قوله وبالحال أولا وقراءة الباقين بالمد ظاهرة في (ولا أدراكم) ، بكون لا نافية وأما في القيامة فيكون موافقة لما بعدها وفي معناها اختلاف للمفسرين قبل لا زائدة وقيل نافية ردا على الكفرة ثم استأنف-أقسم بيوم القيامة-فيتفق معنى القراءتين على هذا واختار الزمخشري أنه نفي للقسم على معنى أن المذكور قدره فوق ذلك والله أعلم

(745)

وَخَاطَبَ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُناَ (شَـ)ـذاً وَفي الرُّومِ وَالْحَرْفَيْنِ في النَّحْلِ أَوَّلاَ

عما يشركون فاعل خاطب وشذا حال منه ولو قدمه على هنا لكان أولى ليتصل المعطوف وهو قوله وفي الروم وما بعده بالمعطوف عليه وهو هنا ولئلا يتوهم أن الذي في الروم والنحل خطابه لغير حمزة والكسائي ولا سيما وقد قال في آخر البيت أولا فيتوهم أنه رمز لنافع وإنما هو ظرف للحرفين أي اللفظين الواقعين أول سورة النحل ولم يحترز بذلك من شيء بعدهما وإنما هو زيادة بيان وهذا مما يقوى ذلك الوهم ولو كان احترازا لخف أمره والذي هنا بعده (وما كان الناس إلا أمة) ، والذي في الروم بعده (ظهر الفساد) ، واللذان في النحل (سبحانه وتعالى عما يشركون)-(بالحق تعالى عما يشركون) ، الخطاب في الجميع للمشركين والغيب إخبار عنهم والله أعلم

(746)

يُسَيِّرُكُمْ قُلْ فِيهِ يَنْشُرُكُمْ (كـ)ـفَى مَتَاعَ سِوَى حَفْص بِرَفْعٍ تَحَمَّلاَ

أي جعل مكان يسيركم ينشركم من قوله تعالى (فانتشروا في الأرض)و(متاع الحياة الدنيا) ، بالرفع خبر-بغيكم-أو خبر مبتدأ محذوف أي هو متاع وخبر بغيكم-قوله-على أنفسكم-أي لا يتجاوزها ونصب متاع على أنه مصدر أي تتمتعون متاعا وقال أبو علي تبغون متاع الحياة الدنيا أو يكون متعلقا بقوله بغيكم وخبر بغيكم محذوف لطول الكلام

(747)

وَإِسْكَانُ قِطْعاً (دُ)ونَ (رَ)يْبٍ وُرُودُهُ وفِي بَاءِ تَبْلُو التَّاءُ (شَـ)ـاعَ تَنَزُّلاَ

القطع بسكون الطاء الجزء من الليل الذي فيه ظلمة قال الله تعالى (فأسر بأهلك بقطع من الليل) ، وقال الشاعر ، (افتحي الباب فانظري في النجوم كم علينا من قطع ليل بهيم) ، وبفتح الطاء جمع قطعة وكلتا القراءتين ظاهرة وقوله مظلما صفة قطعا على قراءة الإسكان وعلى قراءة الفتح هو حال من الليل وأما (هنالك تبلوا كل نفس) ، فقرأها حمزة والكسائي بتاءين من التلاوة أو من التلو وهو الإتباع وقرأها الباقون بباء موحدة قبل اللام من الاختبار وتنزلا نصب على التمييز ولم يقيد الناظم حرفي القراءة بما لا يحتمل التصحيف على عادته مثل شاع بالثا مثلثا وغيرهما بالباء نقطة أسفلا وهو مشكل إذ من الجائز أن تقرأ وفي تاء تبلوا الباء شاع فيكون عكس مراده فلو أنه قال في البيت الأول متاع سوى حفص وقطعا رضى دلا ، (بالإسكان تبلو كل نفس من التلاوة والباقون تبلو من البلا) ، لاتضح المراد ويكون الإطلاق في متاع دالا على رفعه فلا يحتاج إلى قيد على ما عرف من اصطلاحه والله أعلم

(748)

وَيَا لاَ يَهدِّي اكْسِرْ (صَـ)ـفِيًّا وَهَاهُ (نَـ)ـلْ وَأَخْفَى (بَـ)ـنُو (حَـ)ـمْدٍ وَخُفِّفَ (شُـ)ـلْشُلاَ

قصر يا وها ضرورة أراد (أم من لا يهدي) ، قرأه حمزة والكسائي من هدى يهدى كرمى يرمي وهو بمعنى يهتدى أو على أنه على تقدير إلا بأن يهدى وحرف الجر يحذف مع أن كثيرا وقراءة الباقين أصلها يهتدى فأريد إدغام التاء في الدال فألقيت حركتها على الهاء لتدل على حركة المدغم كما قالوا يعض ويرد ويفر والأصل يعضض ويردد ويفرر وكسر عاصم الهاء لالتقاء الساكنين ولم ينبه على حركة المدغم لأنه قد علم أن تاء الافتعال لا تكون إلا مفتوحة بخلاف عين الفعل المدغمة في يعض ويرد ويفر فإن حركتها اختلفت كما ترى ولم يفعل ذلك عاصم في (لا تعدو في السبت) ، ففتح كغيره ولم يكسر لأن الكسر في لا يهدي أنسب للياء قبلها وكسر شعبة الياء إتباعا للهاء ولا يجوز كسر ياء المضارعة إلا في مثل هذا وفي ييجل لتنقلب الواو ياء ومن أخفى حركة الهاء نبه بذلك على أن أصلها السكون قال في التيسير والنص عن قالون بالإسكان ، قلت والكلام عليه كما سبق في-لا تعدو-و-نعما-وغيرهما لأنه جمع بين الساكنين على غير حدهما فلا يستقيم وشلشلا حال لأنه كتب في المصحف بغير تاء فخفف قراءة في حال كونها خفيفا في الرسم ويجوز أن يكون شلشلا صفة قامت مقام المصدر وهي في معناه لا من لفظه ل فكأنه قال وخفف خفيفا أي تخفيفا كما قال قم قائما أي قياما وعنى بالتخفيف قراءة ترك تشديد الدال وبقي سكون الهاء لم ينبه عليه وهذا قد سبق له نظائر ولكنه نطق فيها بالكلمات مخففة نحو وفي الكل تلقف خف حفص ولا يتبعوكم خف ويغشى سما خفا وموهن بالتخفيف ذاع ولو قال في موضع وخفف شلشلا ويهدي شمردلا لكان أبين لكونه نص على لفظ القراءة كما نص على لفظ قراءة الباقين في قوله ويا لا يهدي اكسر فيكون المعنى وقريء يهدي في حال كونه شمردلا أي خفيفا

(749)

وَلكِنْ خَفِيفٌ وَارْفَعِ النَّاسَ عَنْهُمَا وَخَاطَبَ فِيهَا يَجْمَعُونَ (لَـ)ـهُ (مُـ)ـلاَ

أراد (ولكن الناس أنفسهم يظلمون) ، الخلاف فيها كما سبق في (ولكن الشياطين كفروا)-(ولكن البر من آمن)-(ولكن الله رمى) ، وقوله عنهما أي عن حمزة والكسائي والغيبة والخطاب في قوله-هو خير مما يجمعون-ظاهر أن الخطاب للكفار والغيب إخبار عنهم وقوله فيها أي في هذه السورة وملا جمع ملاءة وهي الملحفة وقد ذكرنا المراد بها

(750)

وَيَعْزُبُ كَسْرُ الضَّمِّ مَعْ سَبَأ (رَ)سَا وَأَصْغَرَ فَارْفَعْهُ وَأَكْبَرَ (فَـ)ـيْصَلاَ

أي مع حرف سبأ والكسر والضم في زاي يعزب لغتان ومعناه وما يبعد وما يغيب ومعنى رسا ثبت واستقر ورفع ولا أصغر على الابتداء والفتح على أنه اسم لا بني معها كالوجهين في لا حول ولا قوة إلا بالله بفتحهما ورفعهما على ما ذكرناه ، وقال كثير من الناس أن الرفع عطف على موضع من مثقال والفتح على لفظ مثقال أو على ذرة ولكنه لا ينصرف وهو مشكل من جهة المعنى ويزيل الإشكال أن يقدر قبل قوله-إلا في كتاب-ليس شيء من ذلك إلا في كتاب مبين وكذا يقدر في آية الأنعام (وعنده مفاتح الغيب) ، وأما الذي في سورة سبأ فلم يقرأ (ولا أصغر من ذلك ولا أكبر) ، إلا بالرفع فقط وهو يقوى قول من يقول إنه معطوف وسببه أن-مثقال-فيها بالرفع لأنه ليس قبله حرف جر وفيصلا حال من المرفوع وكأنه أشار إلى الوجه المذكور أولا أي انفصل مما قبله في المعنى فارتفع بالابتداء والخبر وقال الشيخ فيصلا حال من الفاعل في ارفعه أي حاكما في ذلك

(751)

مَعَ الْمدِّ قَطْعُ السِّحْرِ (حُـ)ـكْمٌ تَبَوَّءا بِيَا وَقْفِ حَفْصٍ لَمْ يَصِحَّ فَيُحْمَلاَ

أي قطع همز السحر مع ما بعدما حكم من الأحكام المنقول في علم القراءات يريد قوله تعالى (ما جئتم به السحر) ، قرأه أبو عمرو بقطع الهمزة على أنها للاستفهام وبالمد بعدها بدلا من همزة الوصل فصار مثل-آلذكرين-وهو استفهام بمعنى التقرير والإنكار عليهم وما في-ما جئتم به-استفهامية أيضا أي أي شيء جئتم به ثم ابتدأ-آلسحر-أي أهو السحر وقراءة الجماعة بهمزة وصل من غير مد على أن ما موصولة بجئتم به وهي مبتدأ والسحر خبرها أي الذي جئتم به السحر حقيقة وحكى أبو علي الأهوازي من طريق الأصمعي عن أبي عمرو مثل قراءة الجماعة وأما (أن تبوءا لقومكما) ، فروي عن حفص أنه إذا وقف عليه أبدل الهمزة ياء مفتوحة وأنكر ذلك أبو العباس الأشناني فيما حكاه ابن أبي هاشم عنه ولم يعرفه ، قال وقال في الوقف مثل الوصل يعني بالهمز قال الداني وبذلك قرأت وبه آخذ ، قلت وهو أيضا فاسد من جهة العربية فإنه ليس على قياس تسهيل الهمز وقول الناظم تبوءا مبتدأ ووقف حفص إن كان مرفوعا فهو مبتدأ ثان أي وقف حفص عليه بياء لم يصح وإن كان وقف مجرورا بإضافة يا إليه فالخبر لم يصح أي تبوءا باليا لم يصح ونصب فيحملا في جواب النفي بالفاء

(752)

وَتَتَّبِعَانِ النُّونُ خَفَّ (مَـ)ـدًّا وَمَاجَ بِالْفَتْحِ وَالإِسْكَانِ قَبْلُ مُثَقَّلاَ

أي خف مداه لأن الناطق بالخفيفة أقصر مدا من الناطق بالشديدة وهي نون رفع الفعل على أن تكون لا للنفي لا للنهي والواو للحال أي فاستقيما غير متعبين أو تكون جملة خبرية معناها النهي كقوله تعالى (لا تعبدون إلا الله) ، أو يكون إخبارا محضا بجملة مستأنفة أي ولستما تتبعان وإن قلنا إن لا نهي كانت النون نون التأكيد الخفيفة على قول يونس والفراء وكسرت لالتقاء الساكنين وقيل خففت الثقيلة للتضعيف كما تخفف رب وإن ثم إن الناظم ذكر رواية أخرى عن ابن ذكوان وليست في التيسير وهي بسكون التاء وفتح الباء وتشديد النون من تبع يتبع والنون المشددة للتأكيد فهذا معنى قوله وماج أي اضطرب بالفتح في الباء والإسكان في التاء قبل الباء ومثقلا حال من فاعل ماج وهو ضمير تتبعان وهذه قراءة جيدة لا إشكال فيها ، قال الداني في غير التيسير وقد ظن عامة البغداديين أن ابن ذكوان أراد تخفيف التاء دون النون لأنه قال في كتابه بالتخفيف ولم يذكر حرفا بعينه قال وليس كما ظنوا لأن الذين تلقوا ذلك أداء وأخذوه منه مشافهة أولى أن يصار إلى قولهم ويعتمد على روايتهم وإن لم يتفق ذلك في قياس العربية ولم يذكر ابن مجاهد عن ابن ذكوان غير هذا الوجه وذكر الأهوازي عن ابن عامر في هذه الكلمة أربع قراءات تشديد التاء والنون كالجماعة وتخفيفهما وتشديد التاء وتخفيف النون وعكسه تخفيف التاء وتشديد النون وهما الوجهان المذكوران في القصيدة وساق الأخير من طريق ابن ذكوان ، فإن قلت هل يجوز أن تكون الميم في وماج رمزا نحو الكاف من وكم صحبة لأنها قراءة ولم يذكر لها قارئا ، قلت لا يجوز لأن الرمز الحرفي إذا تمحض يجب تأخيره عن القراءة بل تكون هذه القراءة لمن رمز له في القراءة قبلها كقوله وعم بلا واو الذين البيت فالقراءتان متى اجتمعتا في بيت لقاريء متحد تارة يتقدم رمزه وتارة يتأخر مثل كفلا في البيت الذي أوله عليم وقالوا وقد رد القراءة في بيت لا رمز فيه على رمز في بيت

قبله في قراءة فتثبتوا في سورة النساء فما هنا أولى والله أعلم

(753)

وَفِي أَنَّهُ اكْسِرْ (شَـ)ـافِياً وَبِنُونِهِ وَنَجْعَلُ (صِفْ) وَالْخِفُّ نُنْجِ (رِ)ضىً (عَـ)ـلاَ

يريد قوله تعالى (آمنت أنه) ، الكسر فيه للإستئناف أو على إضمار القول والقول هنا هو المعبر عنه بالإيمان أو ضمن-آمنت-معنى قلت والفتح على حذف الباء أي آمنت بأنه كذا نحو يؤمنون بالغيب وهو مفعوله من غير تقدير حرف جر أي صدقت أنه كذا والخلف في قوله سبحانه (ونجعل الرجس) ، بالنون والياء ظاهر النون للعظمة والياء لأن قبله-إلا بإذن الله-والهاء في قوله وبنونه لقوله ونجعل نحو في داره زيد لأن الواو في-ونجعل-من التلاوة فيكون-ونجعل-مبتدا وبنونه خبر مقدم أي استقر بنونه ويجوز أن تكون-ونجعل-مفعول صف أي صف بنونه والخف مبتدأ وننجي مفعول به كما ذكرنا في قوله في الأعراف والخف أبلغكم ورضى خبر المبتدا وعلا تمييز أو خبر بعد خبر وننجي المختلف في تخفيفه وتشديده هو (كذلك حقا علينا ننجي المؤمنين) ، وهما لغتان أنجى ونجى كأنزل ونزل ولا خلاف في تشديد الذي قبله (ثم ننجي رسلنا) ، ولا في تشديد-ننجيك ببدنك-في هذه الطريقة المنظومة وقد ذكر أبو علي الأهوازي الخلاف فيهما أيضا ونسب تخفيفهما إلى أبي عمرو والكسائي وكتبت ننجي المؤمنين بلا ياء في المصاحف الأئمة فلهذا يقع في كتب مصنفي القراءات بلا ياء ، قال الشيخ والوقف عليه على رسمه بغير ياء ، قلت ويقع في نسخ القصيدة ننج بلا ياء والأصل الياء كتابة ولفظا ، فإن قلت لعله ذكره بلا ياء ليدل على موضع الخلاف لأن الياء فيه محذوفة في الوصل لالتقاء الساكنين ، قلت لو كان أراد ذلك لم يحتج إلى تقييده بما ذكره في البيت الآتي وهو

(754)

وَذَاكَ هُوَ الثَّانِي وَنَفْسِي تَاؤُهَا وَرَبِّيَ مَعْ أَجْرِيَ وَإِنِّي وَلِي حُلاَ

يعني هو الثاني بعد كلمة-ونجعل الرجس-وإلا فهو الثالث لوعد-ننجيك-والكلام في هذا كما سبق في الأعراف في قوله-لا يعلمون-قل لشعبة في الثاني يعني بعد خالصة وإلا فهو ثالث ثم ذكر ياءات الإضافة وهي خمس وأراد (من تلقاء نفسي إن أتبع)-(قل إي وربي إنه لحق) ، فتحها نافع وأبو عمرو (إن أجري إلا على الله) ، فتحها نافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص (إني أخاف إن عصيت)-(لي أن أبدله) ، فتحهما الحرميان وأبو عمرو وحلا ليس برمز وكذا كل ما كان مثله مما مضى ومما يأتي من الأبيات المذكور فيها عدد ياءات الإضافة لأنه لم يذكر أحكامها في أواخر السور كما سبق بيانه والهاء في ياؤها للسورة وليس فيها من الزوائد شيء والله أعلم

سورة هود

(755)

وَإِنِّي لَكُمْ بِالْفَتْحِ (حَقُّ رُ)وَاتِهِ وَبَادِيءَ بَعْدَ الدَّالِ بِالْهَمْزِ (حُـ)ـلِّلاَ

يريد (إني لكم نذير مبين) ، في أول قصة نوح الفتح على حذف الباء أي أرسلناه بهذا الكلام والكسر على فقال-إني لكم-وأما-باديء الرأي-فذكر أن أبا عمرو قرأه بهمزة بعد الدال وبدأ الشيء أوله ولم يبين قراءة الجماعة وهي بياء مفتوحة إما من بدأ إذا ظهر أو يكون خفف الهمز الذي في قراءة أبي عمرو وقياس تخفيفه أنه يبدل ياء لانفتاحه وكسر ما قبله فهو كما في ضياء في قراءة قنبل ولو قال وباديء همز الياء عن ولد العلا لكان أجلى وأحلى وحلل من التحليل

(756)

وَمِنْ كُلِّ نُونٍ مَعْ قَدْ أَفْلَحَ عَالِماً فَعُمِّيَتِ اضْمُمْهُ وَثَقِّلْ (شَـ)ـذًّا (عَـ)ـلاَ

يريد (من كل زوجين اثنين) ، هنا وفي سورة (قد أفلح المؤمنون) ، التنوين في تقدير من كل شيء زوجين ويكون زوجين مفعولا واثنين تأكيدا وعلى قراءة غير حفص يكون اثنين مفعول احمل وأما (فعميت عليكم) ، فاضمم عينه وشدد ميمه فيكون معناه أخفيت وقراءة الباقين بالتخفيف على معنى خفيت ووزنه ولا خلاف في تخفيف (فعميت عليهم الأنباء) ، في سورة القصص وإعراضه عن ذكرها دليل على أن الخلف المذكور مختص بما في هذه السورة ألا ترى-أن من كل زوجين-لما كان في سورتين ذكرهما وهو أول هذا البيت ويجوز في البيت ضم تاء فعميت وكسرها كما قرئ بهما قوله تعالى (قالت اخرج) ، الكسر على التقاء الساكنين والضم للإتباع وشذا حال من الفاعل أو المفعول في اضممه وثقل أي ذا هذا عال والله أعلم

(757)

وَفِي ضَمِّ مَجْرَاهَا سِوَاهُمْ وَفَتْحُ يَا بُنَيِّ هُنَا (نَـ)ـصٌّ وَفِي الْكُلِّ (عُـ)ـوِّلاَ

أي غير حمزة والكسائي وحفص ضم ميم-مجراها-على أنه مصدر أجرى وهؤلاء فتحوها على أنها مصدر جرى وفي في قوله وفي ضم بمعنى على أي على ضمها من عدا هؤلاء وأما يا بني بفتح الياء وكسرها فلغتان مثل ما تقدم في-يا ابن أم-بفتح الميم وكسرها ففتح حفص الجميع ووافقه أبو بكر هنا فعلى الكسر أصله يبنى فحذفت الياء كما تقول يا غلام والأصل يا غلامي وعلى الفتح أبدلت الياء ألفا لتوالي الياءات والكسرات ثم حذفت الألف وبقيت الفتحة دالة عليها

(758)

وَآخِرَ لُقْماَنٍ يُوَالِيهِ أَحْمَدُ وَسَكَّنَهُ (زَ)اكٍ وَشَيْخُهُ الأَوَّلاَ

في لقمان ثلاثة مواضع (يا بني لا تشرك بالله)-(يا بني إنها إن تك)-(يا بني أقم الصلاة) ، فالوسطى على ما تقدم تفتح لحفص وتكسر لابن كثير وغيره والأولى والأخيرة فتحهما حفص وكسرهما من عدا ابن كثير وأما ابن كثير فسكن الأولى وله في الأخيرة وجهان فتحها البزي فوافق حفصا في ذلك وسكنها قنبل ووجه الإسكان أن بعد حذف ياء الإضافة بقي ياء مشددة هي مجموع ياء التصغير وياء لام الفعل فخفف ذلك التشديد بحذف الياء الأخيرة وهي لام الفعل وبقيت ياء التصغير وهي ساكنة وكأنه عند التحقيق وصل بنية الوقف فإذا وقف على المشدد جاز تخفيفه وفي قراءة ابن كثير جمع بين اللغات الثلاث ففتح وسكن وكسر الأكثر ومعنى يواليه يتابعه وأحمد هو اسم البزي وزاك عبارة عن قنبل وشيخه هو ابن كثير

(759)

وَفِي عَمَلٌ فَتْحٌ وَرَفْعٌ وَنَوِّنُوا وَغَيْرَ ارْفَعُوا إِلاَّ الْكِسَائِيَّ ذَا الْمَلاَ

يريد (إنه عمل غير صالح) ، فالفتح في الميم والرفع والتنوين في اللام فقراءة الكسائي واضحة أي إنه عمل عملا غير صالح وقراءة الجماعة على تقدير إنه ذو عمل وإن كانت الهاء في إنه عائدة على النداء فقراءتهم أيضا واضحة والملا الأشراف ويريد مشايخه أو أصحابه

(760)

وَتَسْئَلْنِ خِفُّ الْكَهْفِ (ظِـ)ـلٌّ (حِـ)ـمًي وَهَاهُنَا (غُـ)ـصْنُهُ وَافْتَحْ هُنَا نُونَهُ دَلاَ

الذي في الكهف (فلا تسئلن عن شيء)-(والذي هنا)-(فلا تسئلن ما ليس لك) ، وأصله فلا تسئل لحقته نون الوقاية بعدها ياء المفعول وهي ثابتة في الكهف لثبوتها في الرسم إلا في وجه عن ابن ذكوان تقدم ذكره في آخر باب الزوائد وأما هنا فحذفت الياء تخفيفا فهذه قراءة الجماعة المرموزين في هذا البيت والمراد بالتخفيف تخفيف النون والباقون ألحقوا نون التأكيد الخفيفة في آخر الفعل فأدغمت في نون الوقاية ففتحت اللام وكانت ساكنة لأجل التقاء الساكنين فبقيت نون مشددة مكسورة فبهذا قرأ نافع في الكهف مع إثبات الياء وكذا ابن عامر وفي وجه حذف ابن ذكوان الياء وأما هنا فقرأ ابن عامر ونافع وابن كثير بالتشديد إلا أن نافعا وابن عامر كسرا النون من غير ياء وابن كثير فتح النون لأنه ألحق الفعل نون التأكيد الثقيلة ولم يأت بنون الوقاية ولا ياء المفعول وإنما لم يفعل في الكهف مثل هذه لأن الياء فيه ثابتة في الرسم ويلزم من إثبات الياء كسر النون وأما التي في هود فلم ترسم فيها ياء فأمكن فيها القراءتان وقول الناظم خف الكهف صفة-تسئلن-أي الخفيف في سورة الكهف وظل حمى خبره ولفظ بقوله-تسئلن-بلا ياء ليشمل لفظ ما في السورتين وقوله وههنا غصنه أي فرع ذلك لأن من خففه أقل عددا من مخفف الكهف وقد سبق معنى ولا وفاعله ضمير عائد على تسألن أي جمع وجوه القراءات فيه من فتح وكسر وتخفيف وتشديد في السورتين فهو كمن أخرج دلوه ملآنا

(761)

وَيَوْمَئِذٍ مَعْ سَالَ فَافْتَحْ (أَ)تَى (رِ)ضاً وَفِي النَّمْلِ (حِصْنٌ) قَبْلَهُ النُّونُ (ثُـ)ـمِّلاَ

يريد (ومن خزي يومئذ) ، وفي سورة-سأل سائل-(لو يفتدي من عذاب يومئذ) ، قريء بفتح الميم وجرها فأما جرها فظاهر لأنه اسم أضيف إليه ما قبله فكان مجرورا وأما وجه الفتح فكونه أضيف إلى غير متمكن وهو إذ وهذه حالة كل ظرف لزم الإضافة إذا أضيف إلى غير متمكن ويجوز أن لا يبني وعليه القراءة الأخرى ، وأما الذي في النمل وهو (وهم من فزع يومئذ) ، فزاد على فتح الميم عاصم وحمزة لكن الكوفيون نونوا قبله-من فزع-فهذا معنى قوله قبله النون أي قبل يومئذ زاد الكوفيون نونا أو تنوينا والباقون أضافوا-من فزع-إلى-يومئذ-فمن جر الميم مع الإضافة فقراءته واضحة كما سبق شرحه وهو ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر على أصلهم ومن فتحها مع الإضافة وهو نافع وحده فوجهه ما تقدم ، فقراءته في السور الثلاث على طريقة واحدة وأما فتح الميم بعد التنوين فهو في قراءة عاصم وحمزة يكون حركة إعراب وهو ظرف منصوب إما بفزع وإما بآمنون وقراءة الكسائي تحتمل الأمرين لأنه فتح الذي في هود وسأل لاعتقاده فيه البناء فكذا لو وجه هذا التنكير في فزع أنه أريد تهويله أي من فزع عظيم وهو الفزع الأكبر آمننا الله تعالى منه ومعنى ثمل أصلح لأن التنوين جود الفتح على الظرفية ولم يخرج إلى وجه البناء والله أعلم

(762)

ثَمُودَ مَعُ الْفُرْقَانِ وَالْعَنْكَبُوتِ لَمْ يُنَوَّنْ (عَـ)ـلَى (فَـ)ـصْلٍ وَفِي النَّجْمِ (فُـ)ـصِّلاَ

أراد (ألا إن ثمودا كفروا ربهم) ، وفي الفرقان (وعادا وثمود وأصحاب الرس) ، وفي العنكبوت (وعادا وثمودا وقد تبين لكم من مساكنهم) ، وفي النجم (وثمودا فما أبقى) ، لم ينون الجميع حفص وحمزة ووافقهما أبو بكر على عدم تنوين الذي في النجم ورمزه في أول البيت الآتي نما لأن النون لعاصم بكماله في اصطلاح هذه الطريقة عبارة عن أبي بكر وحفص معا والباقون نونوا في الجميع ووجه التنوين وعدمه مبني على صرف هذه الكلمة وعدم صرفها وللعرب فيها مذهبان تارة تصرفها ذهابا إلى اسم الحي وتارة تترك صرفها ذهابا إلى اسم القبيلة وكذا الخلاف في سبأ لما سيأتي في سورة النمل ، فإن قلت أطلق قوله ثمود هنا فما المانع أن يظن أنه أراد التي في أول القصة-وإلى ثمود أخاهم صالحا-وهو غير منصرف اتفاقا قلت منع منه أمران ، أحدهما أن هذا سابق على كلمة يومئذ فلو كان فيه خلاف لذكره قبل مسئلة يومئذ لا يقال إنه في بعض المواضع يقدم ما تأخر من الحروف ويؤخر ما تقدم كقوله بعد هذا البيت ويعقوب ثم قال هنا قال سلم ومثله ودرى اكسر ثم قال يسبح فتح الياء كذا صف وتوقد البيت ولفظ توقد قبل يسبح وإنما ضرورة النظم تحوج إلى مثل هذا فإن جوابه أنه لا ضرورة هنا لأن مسئلة يومئذ في بيت مستقل فكان يمكنه تأخيره ، الأمر الثاني أن جميع هذه المواضع الأربعة المختلف فيها منصوبة والخلاف واقع في إثبات التنوين وعدمه فقط وأما قوله وإلى ثمود فمجرور فلا يكفي فيه ذكر التنوين بل لا بد من جره عند من صرفه كما ذكر بعد ذلك في لثمود فلم يدخل في مراده والله أعلم ، قال سيبويه وثمود وسبأهما مرة للقبيلتين ومرة للحيين وكثرتهما سواء ، قال أبو علي فمن صرف في جميع المواضع كان حسنا ومن لم يصرف في جميع المواضع فكذلك وكذلك إن صرف في موضع ولم يصرف في موضع آخر إلا أنه لا ينبغي أن يخرج عما قرأت به القراء لأن القراءة سنة فلا ينبغي أن نحمل على ما تجوزه العربية حتى ينضم إلى ذلك الأثر من

قراءة القراء وقول الناظم على فصل أي على قول فصل والله أعلم ، واختار أبو عبيد قراءة التنوين في هذه المواضع الأربعة لأنها رسمت بألف بعد الدال وهو دليل الصرف

(763)

(نَـ)ـماَ لِثَمُودٍ نَوِّنُوا وَاخْفِضُوا (رِ)ضاَ وَيَعْقُوبُ نَصْبُ الرَّفْعِ (عَـ)ـنْ (فَـ)ـاضِلٍ (كَـ)ـلاَ

نما من تتمة رمز الذي في النجم ثم ابتدأ لثمود أراد (ألا بعدا لثمود) ، صرفه الكسائي فخفضه ونونه موافقة لما قبله وهو (ألا إن ثمودا) ، وفتحه الباقون غير منون لأنه غير مصروف وقوله رضى أي ذوي رضى وموضع لثمود نصب ما بعده وقريء يعقوب بالنصب والرفع فالنصب على تقدير ووهبنا لها يعقوب من وراء إسحاق ودل عليه معنى قوله تعالى (فبشرناها بإسحاق) ، لأنه في معنى وهبنا واختاره أبو علي وذكر وجهين آخرين على ضعف فيهما أحدهما أن يكون مجرورا عطفا على إسحاق والثاني أن يكون منصوبا عطفا على موضع بإسحاق أي فبشرناها-بإسحاق-ويعقوب من وراء إسحاق وضعفهما من جهة الفصل بين واو العطف والمعطوف بالظرف فهو كالفصل بين الجار والمجرور ولو قلت مررت بزيد اليوم وأمس عمرو على تقدير وبعمر وأمس لم يحسن ولكن في الشعر يحتمل مثل ذلك كما جاء بكف يوما يهودي ، ومثله في الفصل بين حرف العطف والمرفوع وآونة أثالي وفي المنصوب (ويوما أديمها نعلا ) ، في بيتين معروفين أنشدهما أبو علي وغيره الأول لابن أحمر والثاني للأعشى وله نظير في إعراب بعضهم (ولكل قوم هاد) ، على أن هاد عطف على منذر أي أنت منذر وهاد لكل قوم وقد مضى في هذه القصيدة وسيأتي نحو من ذلك في نظم الناظم وذكر وجه العطف جماعة من أئمة العربية وأما قراءة يعقوب بالرفع فعلى الابتداء وخبره ما قبله أي مولود لها من رواء إسحاق يعقوب أو يكون فاعل من وراء على قول الأخفش أي واستقر لها من وراء إسحاق يعقوب ، قال أبو جعفر النحاس وتكون الجملة في موضع الحال وأظنه في البشارة أي فبشرناها بإسحاق متصلا به يعقوب قال ويجوز على إضمار

فعل أي ويحدث من وراء إسحاق يعقوب وقوله نصب الرفع أي نصب رفعه أو نصب الرفع فيه منقول عن فاضل كلأه أي حفظه

(764)

هُناَ قَالَ سِلْمٌ كسْرُهُ وَسُكُونُهُ وَقَصْرٌ وَفَوْقَ الطُّورِ (شَـ)ـاعَ تَنَزُّلاَ

كسره مبتدأ وسكونه وقصر عطف عليه وشاع خبر المبتدأ وتنزلا تمييز وفوق الطور عطف على هنا أي قوله قال سلم موضع قال سلام-هنا وفي الذاريات وهما لغتان كحرم وحرام وحل وحلال وقيل سلم ضد حرب وذلك لأنه نكرهم فقال أنا مسالم لكم ورفعه على حكاية قوله أي سلام عليكم أوامري سلام ونصب-قالوا سلاما-أي قولا ذا سلامة لم يقصد فيه حكاية قولهم وكذا معنى قوله تعالى (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) ، وأما في كل موضع يقصد التسليم فلم يأت الأمر معرفا والأكثر تنكيره (سلام عليكم بما صبرتم)-(سلام قولا من رب رحيم)-(سلام على نوح)-(وسلام عليه يوم ولد) ، وجاء معرفا في (والسلام علي يوم ولدت)-(والسلام على من اتبع الهدى) ، وقيل التقدير سلمنا سلاما وله نظائر والله أعلم

(765)

وَفَاسْرِ أَنِ اسْرِ الْوَصْلُ (أَ)صْلٌ (دَ)ناَ وَهَاهُنَا حَقٌّ إِلاَّ امْرَاتَكَ ارْفَعْ وَأَبْدِلاَ

يريد حيث جاء هذان اللفظان وجاء فأسر في ثلاث سور هنا (فأسر بأهلك بقطع من الليل) ، ومثله في الحجر والدخان (فأسر بعبادي ليلا) ، وأما (أن أسر) ، ففي طه والشعراء عني بالوصل همزة الوصل ولا يظهر لفظها إلا على تقدير أن تقف على أن فتبتديء إسر بكسر الهمزة وأما إذا وصلت فلا يظهر إلا أثرها وهو حذفها في الدرج وكسر النون من أن لالتقاء الساكنين لورش وغيره وأما في كلمة فأسر فلا يظهر أثر إلا في حذفها وقرأ الباقون بهمزة القطع المفتوحة فالنون من أن ساكنة على أصلها لكنها تفتح لحمزة إذا وقف على أن أسر على رواية نقل الحركة له في الوقف والقراءتان مبنيتان على الفعل الذي منه هذا الأمر وفيه لغتان سرى وأسرى فعلى لغة سرى جاءت همزة الوصل في الأمر كقولك ارم من رمى وعلى لغة أسرى جاءت همزة القطع كقولك من أعطى أعط ويشهد لسرى قوله سبحانه (والليل إذا يسر) ، ويشهد لأسرى قوله تعالى (سبحان الذي أسرى) ، ويتعلق بهما بحث كما ذكرناه في تفسير آية سبحان فأما قوله تعالى (ولا يلتفت منكم أ حد إلا امرأتك) ، فقريء برفع امرأتك ونصبها فقوله ههنا احترازا من الذي في العنكبوت (إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك) ، فإنه منصوب باتفاق لأنه مستثنى من موجب وأما هنا فمستثنى من غير موجب فجرى فيه الوجهان النصب والرفع كما سبق في سورة النساء (ما فعلوه إلا قليل منهم) ، و (إلا قليلا) ، لكن لم يقرأ بالنصب ثم إلا واحد وههنا الأكثر على النصب فلهذا قال جماعة من أئمة العربية إنه مستثنى من قوله تعالى (فأسر بأهلك) ، ليكون مستثنى من موجب وهذا فيه إشكال من جهة المعنى إذ يلزم من استثنائه من (فأسر بأهلك) ، أن لا يكون أسرى بها وإذا لم يسر بها كيف يقال (لا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك) ، على قراءة الرفع فكيف تؤمر بالالتفات وقد أمر أن لا يسري بها فهي لما التفتت كانت قد سرت معهم قطعا فيجوز أن يكون هو لم يسر بها ولكنها تبعتهم والتفتت فأصابها ما أصاب قومها والذي

يظهر لي أن الاستثناء على القراءتين منقطع لم يقصد به إخراجها من المأمور بالإسراء بهم ولا من المنهيين عن الالتفات ولكن استؤنف الإخبار عنها بمعنى لكن امرأتك يجري لها كيت وكيت والدليل على صحة هذا المعنى أن مثل هذه الآية جاءت في سورة الحجر وليس فيها استثناء أصلا فقال تعالى (فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون) ، فلم تقع العناية إلا بذكر من أنجاهم الله تعالى فجاء شرح حال امرأته في سورة هود تبعا لا مقصودا بالإخراج مما تقدم ونحو ذلك قوله تعالى في سورة الحجر (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين) ، قال كثير من المفسرين إنه استثناء متصل وبنى قوم على ذلك جواب الاستثناء الأكثر من الأقل لأن الغاوي أكثر من المهتدي وعندي أنه منقطع بدليل أنه في سورة سبحان (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا) ، فأطلق ولم يستثن الغاوين دل على أنه أراد بقوله تعالى-عبادي المخلصين-المكلفين وهم ليس للشيطان عليهم سلطان فلا حاجة إلى استثناء الغواة منهم فحيث جاء في الحجر استثناء الغواة كان على سبيل الانقطاع أي لكن من اتبعك من الغاوين لك عليهم سلطان فإذا اتضح هذا المعنى لك علمت أن القراءتين واردتان على ما يقتضيه العربية في الاستثناء المنقطع ففيه لغتان النصب والرفع فالنصب لغة أهل الحجاز وعليها الأكثر والرفع لبني تميم وعليها اثنان من القراء ولهذا قلت في المنظومة التي في النحو ، (واحمل على المنقطع إلا امرأتك في هود مطلقا فتقوى حجتك) ، وقول الناظم ارفع وأبدلا يجوز بضم الهمزة وفتحها فضمها على أنه فعل لم يسم فاعله وفتحها على الأمر والألف في آخره بدل من نون التأكيد الخفيفة والمعنى واحكم على المرفوع أنه بدل من أحد قوله-ولا يلتفت منكم أحد-هذا على قول الجماعة إنه مستثنى من ذلك ولم يختلفوا فيه وإنما الخلاف بينهم في قراءة النصب منهم من استثناها من ذلك ومنهم من

استثناها من-فأسر بأهلك-وقوله-إلا امرأتك-أبدل فيه الهمزة ألفا ليتزن له النظم وقد سمع نحو ذلك من العرب يقولون المرأة والكماة فيبدلونها ألفا ولزم من هذه العبارة في نظمه إيهام وذلك أنه قال ارفع وأبدلا فيظن أنه أراد ما لفظ به من إبدال الهمزة ألفا وإنما أراد الإبدال من جهة الإعراب ووقع لي في تصحيح ما أعربه النحاة معنى حسن وذلك أن يكون في الكلام اختصار نبه عليه اختلاف القراءتين وكأنه قيل فأسر بأهلك إلا امرأتك وكذا روى أبو عبيد وغيره أنها في قراءة ابن مسعود هكذا وليس فيها-ولا يلتفت منكم أحد-فهذا دليل على استثنائها من المسري بهم ثم كأنه سبحانه قال فإن خرجت معكم وتبعتكم من غير أن تكون أنت سريت بها فإنه أهلك عن الالتفات غيرها فإنها ستلتفت ويصيبها ما أصاب قومها فكانت قراءة النصب دالة على ذلك المعنى المتقدم وقراءة الرفع دالة على هذا المعنى المتأخر ومجموعها دال على جملة المعنى المشروح

(766)

وَفِي سَعِدُوا فَاضْمُمْ (صِحَابًـ)ـا وَسَلْ بِهِ وَخِفُّ وَإِنْ كُلاًّ (إِ)لَى (صَـ)ـفْوِهِ (دَ)لاَ

صحابا أي ذا صحاب ويقال سال عنه وسال به بمعنى وعليه حمل قوله تعالى (سأل سائل بعذاب) ، أي عن عذاب ومنه (فسئل به خبيرا) ، وقال علقمة ( فإن تسألوني بالنساء فإنني ) ، وقال الشيخ سل به بمعنى اعتن به واشتغل به كما يقال سل عنه بمعنى ابحث عنه وفتش عنه وإنما قال ذلك لصعوبة تخريج وجه الضم لأنه يقتضي أن يكون سعد متعديا وهي لغة مجهولة ويدل على وجودها قولهم مسعود والمعروف أسعده الله بالألف وقيل إن سعد لغة هذيل يقال سعد كما يقال جن وأما-وإن كلا لما ليوفينهم- فمعناها على القراءات من أشكل الآيات وقد نظم في هذا البيت الخلاف في أن وفي البيت الآتي الخلاف في لما والخلاف فيهما في التشديد والتخفيف فقوله-وإن كلا-في موضع خفض بإضافة وخف إليه واعلم أن إن يجوز تخفيفها وهي باقية على إعمالها فقوله كلا اسمها مخففة كانت أو مشددة ولا يجوز أن يكون المخففة نافية لأنها قد نصبت كلها وقد دخلت اللام في الخبر إلا في قراءة من شدد كما يأتي فهي قراءة أبي بكر وحده وقوله إلى صفوه دلا خبر وخف وإن كلا والهاء في صفوه للخف وفاعل دلا ضمير عائد إلى القاريء أي إلى صفو الخف أدلى القاريء دلوه ثم استخرجها أي وجد قراءة حلوة فقرأ بها يقال دلوت الدلو نزعتها وأدليتها أرسلتها في البئر قال الله تعالى (فأدلى دلوه) ، واجتزى الشاطبي بقوله دلا عن أن يقول أدلى فدلا لأنه لا يوصف بأنه دلا إلا بعد أن يكون أدلى دلوه ، وقال صاحب الصحاح قد جاء في الشعر الدالي بمعنى المدلي فإذا كان الأمر كذلك ظهر قول الناظم داي لا إلى صفوه بمعنى أدلى دلوه إليه والله أعلم

(767)

وَفِيها وَفِي يس وَالطَّارِقِ العُلا يُشَدِّدُ لَمَّا كَامِلُ نَصَّ فَاعْتَلا العلى

العلى نعت للطارق وفي جعله نعتا للسور الثلاث نظر من جهة أن بعضها معبر عنه بالضمير والمضمر لا يوصف فأشار إلى قوة قراءة من شدد لما بقوله كامل نص فاعتلا فالقراءات في هاتين الكلمتين (أن ولما) ، أربع تخفيفهما لنافع وابن كثير تشديدهما لابن عامر وحمزة وحفص تخفيف إن وتشديد لما لأبي بكر وحده تشديد إن وتخفيف لما لأبي عمرو والكسائي فمن شدد إن وخفف لما فاللام في لما هي التي تدخل فيما كان في خبر إن واللام في-ليوفينهم-جواب قسم محذوف ومثله (وإن منكم لمن ليبطئن) ، غير أن اللام في لمن داخلة على الاسم وفي لما داخلة على موضع الخبر وقام القسم وجوابه مقام الخبر و-ما-في لما زائدة لتفرق بين اللامين لام التوكيد ولام القسم وقيل بمعنى الذي وزاد بعضهم فجعلها بمعنى من وقيل اللام في لما موطئة للقسم مثل (لئن أشركت ليحبطن عملك) ، والمعنى وإن جميعهم والله ليوفينهم ربك أعمالهم من حسن وقبح وإيمان وجحود فهذا تعليل قراءة أبي عمرو والكسائي ، قال الفراء جعل ما اسما للناس كما جاز (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) ، ثم جعل اللام التي فيها جوابا لأن وجعل اللام التي في ليوفينهم لا ما دخلت على نية يمين فيما بين ما وصلتها كما تقول هذا من ليذهبن وعندي ما لغيره خير منه ومثله (وإن منكم لمن ليبطئن) ، ثم قال بعد ذلك ما يدل على أن اللام مكررة فقال إذا عجلت العرب باللام في غير موضعها أعادوها إليه نحو إن زيدا لإليك لمحسن ومثله ، (ولو أن قومي لم يكونوا عزة لبعد لقد لالقيت لابد مصرعا) ، قال أدخلها في بعد وليس بموضعها وسمعت أبا الجراح يقول إني بحمد الله لصالح وقال أبو علي في قراءة من شدد إن وخفف لما وجهها بين وهو أنه نصب كلا بأن وأدخل لام الابتداء على الخبر وقد دخل في الخبر لام-ليوفي-وهي التي يتلقى بها القسم وتختص بالدخول على الفعل فلما اجتمع اللامان فصل بينهما كما فصل بين أن واللام فدخلت ما وإن كانت زائدة للفصل ومثله في الكلام إن

زيدا لما لينطلقن ، قال هذا بين ويلي هذا الوجه في البيان قراءة من خفف (إن ولما) ، وهي قراءة ابن كثير ونافع ، قال سيبويه حدثنا من نثق به أنه سمع من العرب من يقول إن عمرا لمنطلق كما قالوا كأن ثدييه حقان قال ووجهه من القياس (أن:إن) ، مشبهة في نصبها بالفعل والفعل يعمل محذوفا كما يعمل غير محذوف نحو لم يك زيد منطلقا (فلا تك في مرية) ، وكذلك لا أدر ، قلت فتعليل هذه القراءة كالتي قبلها سواء واللام في لما هي الفارقة بين المخففة من الثقيلة والنافية وقال الفراء وأما الذين خففوا أن فإنهم نصبوا وهو وجه لا أشتهيه لأن اللام لا يقع الفعل الذي بعدها على شيء قبله فلو وقعت كل لصلح ذلك كما يصلح أن يقول إن زيدا لقائم لا يصلح إن زيدا لاضرب لأن تأويلها كتأويل إلا ، قلت واستشكل أبو علي وغيره قراءة من شدد لما هنا في سورة هود سواء شدد إن أو خففها لأنه قد نصب بها-كلا-وإذا نصب بالمخففة كانت بمنزلة المثقلة فكما لا يحسن إن زيدا إلا منطلق لأن إلا إيجاب بعد نفي ولم يتقدم هذا إلا إيجاب مؤكد فكذا لا يحسن إن زيدا لما منطلق لأنه بمعناه وإنما شاع نشدتك بالله إلا فعلت ولما لأن معناه الطلب فكأنه قال ما أطلب منك إلا فعلك فحرف النفي مراد مثل (تالله تفتأ) ، ومثل أبو علي بقولهم شر أهر ذا ناب أي ما أهره إلا شر قال وليس في الآية معنى النفي ولا الطلب وحكى عن الكسائي أنه قال لا أعرف وجه التثقيل في لما ، قال أبو علي ولم يبعد فيما قال قال أبو جعفر النحاس القراءة بتشديدها عند أكثر النحويين لحن حكى عن محمد بن يزيد أن هذا لا يجوز ولا يقال إن زيدا إلا لأضربنه ولا لما لأضربنه قال وقال الكسائي الله جل وعز أعلم بهذه القراءة ما أعرف لها وجها قال وللنحويين بعد هذا فيها أربعة أقوال فذكرها مختصرة وأنا أبسطها وأنبه على ما فيها ثم أذكر وجها خامسا هو الحق إن شاء الله تعالى ، الأول قاله الفراء وتبعه فيه جماعة قال أراد لمن ما فلما اجتمع

ثلاث ميمات حذف واحدة فبقيت ثنتان فأدغمت إحداهما في الأخرى كما قال الشاعر ، (وإني لما أصدر الأمر وجهه إذا هو أعيا بالسبيل مصادر) ، قال نصر بن علي الشيرازي وصل من الجارة بما فانقلبت النون أيضا ميما للإدغام فاجتمعت ثلاث ميمات فحذفت أحديهن فبقي لما بالتشديد قال وما هاهنا بمعنى من وهو اسم لجماعة الناس كما قال تعالى (فانكحوا ما طاب) ، أي من طاب والمعنى وإن كلا من الذين ليوفينهم ربك أعمالهم أو من جماعة ليوفينهم ربك أعمالهم ، قال المهدوي حذفت الميم المكسورة والتقدير لمن خلق ليوفينهم وجوز أن يكون تقدير هذا الوجه لمن ما بفتح الميم وتكون اللام داخلة على من التي بمعنى الذي وما بعدها زائدة ، قال فقلبت النون ميما وأدغمت في الميم التي بعدها فاجتمعت ثلاث ميمات فحذفت الوسطى منهن وهي المبدلة من النون فقيل لما قلت فقد صار لهذا الوجه الذي استنبطه الفراء تقديران وسبق المهدوي إلى التقدير الثاني أبو محمد مكي وقال التقدير وإن كلا لخلق ليوفينهم ربك قال فيرجع إلى معنى القراءة الأولى التي بالتخفيف وهذا هو الذي حكاه الزجاج فقال زعم بعض النحويين أن معناه لمن ما ثم قلبت النون ميما فاجتمعت ثلاث ميمات فحذفت الوسطى قال وهذا القول ليس بشيء لأن من لا يجوز حذفها لأنها اسم على حرفين وقال النحاس قال أبو إسحاق هذا خطأ لأنه يحذف النون من من فيبقى حرف واحد وقال أبو علي إذا لم يقو الإدغام على تحريك الساكن قبل الحرف المدغم في نحو قوم مالك فأن لا يجوز الحذف أجدر قال علي إن في هذه السورة ميمات اجتمعت في الإدغام أكثر مما كان يجتمع في لمن ما ولم يحذف منها شيء وذلك قوله (وعلى أمم ممن معك ) ، فإذا لم يحذف شيء من هذا فأن لا يحذف ثم أجدر ، قلت وما ذكره الفراء استنباط حسن وهو قريب من قولهم في (لكنا هو الله ربي) ، أصله لكن أنا ثم حذفت الهمزة وأدغمت النون في النون وكذا قولهم أما أنت منطلقا انطلقت قالوا المعنى لأن كنت منطلقا

وما أحسن ما استخرج الشاهد من البيت الذي أنشده واجتمع في-أمم ممن معك-ثماني ميمات خمس ظاهرة والتنوين في أمم والنون من ممن كلاهما تقلب ميما وتدغم في الميم بعده على ما تمهد في بابهما في الأصول ثم إن الفراء أراد أن يجمع بين قراءتي التخفيف والتشديد من لما في معنى واحد فقال ثم يخفف كما قرأ بعض القراء (والبغي يعظكم) بحذف الياء عند الياء أنشدني الكسائي شعرا ، (واشمت العداة بنا فأضحوا لدى تباشرون بما لقينا) ، معناه يتباشرون فحذف ياؤه لاجتماع الياءات قلت الأولى أن يقال حذفت ياء الإضافة من لدى فبقيت الياء الساكنة قبلها المنقلبة عن ألف لدى وهو مثل قراءة من قراءة-يا بني-بالإسكان على ما سبق وأما الياء من يتباشرون فثابتة لدلالتها على المضارعة قال ومثله كأن من آخرها القادم يريد إلى القادم فحذف عند اللام اللام الأولى قلت لأن آخر إلى حذف لالتقاء الساكنين وهمزة الوصل من القادم تحذف في الدرج فاتصلت لام إلى بلام التعريف في القادم فحذفت الثانية على رأيه والأولى أن يقال حذفت الأولى لأن الثانية دالة على التعريف فلم يبق من حروف إلى غير الهمزة فاتصلت بلام القادم فبقيت الهمزة على كسرها وهذا قريب من قولهم (ملكذب) ، في من من الكذب (وبالعنبر) ، في بني العنبر (وعلماء) ، بنو فلان أي على الماء ، القول الثاني قال الزجاج زعم المازني أن أصلها لما بالتخفيف ثم شددت الميم قال وهذا ليس بشيء لأن الحروف نحو رب وما أشبهها تخفف ولسنا نثقل ما كان على حرفين ، الثالث قال النحاس قال أبو عبيد القاسم بن سلام الأصل-وإن كلا لما ليوفينهم-بالتنوين من لممته لما أي جمعته ثم بني منه فعلى كما قريء-ثم أرسلنا رسلنا تترا-بغير تنوين وبتنوين ، قلت الذي في كتاب القراءات لأبي عبيد وروى عن بعض القراء-وإن كلا لما-منونة يريد جميعا قال وهي صحيحة المعنى إلا أنها خارجة عن قراءة الناس وقال الفراء المعنى-وإن كلا-شديدا-ليوفينهم-وإن

كلا-حقا-ليوفينهم- وقال أبو علي وقد روى أنه قريء-وإن كلا لما-منونا كما قال-وتأكلون التراث أكلا لما-فوصف بالمصدر وينبغي أن يقدر المضاف إليه كل نكرة ليحسن وصفه بالنكرة ولا يقدر إضافته إلى معرفة فيمتنع أن تكون لما وصفا له ولا يجوز أن تكون حالا لأنه لا شيء في الكلام عامل في الحال قال فإن قال إن لما فيمن ثقل إنما هي لما هذه وقف عليها بالألف ثم أجرى الوصل مجرى الوقف فذلك مما يجوز في الشعر ، قال ابن جني معنى لما بالتنوين توفية جامعة لأعمالهم جمعا ومحصلة لأعمالهم تحصيلا فهو كقولك قياما لأقومن وقعودا لأقعدن قال الشيخ أبو عمرو رحمه الله استعمال لما في هذا المعنى بعيد وحذف التنوين من المنصرف في الوصل أبعد قال وقيل لما فعلى من اللم ومنع الصرف لأجل ألف التأنيث والمعنى فيه مثل مضى لما المنصرف قال وهذا أبعد إذ لا تعرف لما فعلى بهذا المعنى ولا بغيره ثم كان يلزم هؤلاء أن يميلوا لمن أمال وهو خلاف الإجماع وأن يكتبوها بالياء وليس ذلك بمستقيم ، قلت فهذه ثلاثة أوجه وهي خمسة في المعنى لأن الأول اختلف في تقديره على وجهين لمن ما بكسر الميم وفتحها وهذا الثالث اختلف في ألفه على وجهين أحدهما أنها بدل من التنوين والثاني أنها للتأنيث ، القول الرابع قال الزجاج وقال بعضهم قولا ولا يجوز غيره (إن لما) في معنى (إلا) مثل (إن كل نفس لما عليها حافظ) ، ثم أتبع ذلك بكلام طويل مشكل حاصله أن معنى إن زيد لمنطلق ما زيد إلا منطلق فأجريت المشددة كذلك في هذا المعنى إذا كانت اللام في خبرها وعملها النصب في اسمها باق بحاله مشددة ومخففة والمعنى نفي بأن وإثبات باللام التي في معنى إلا ولما بمعنى إلا قلت قد تقدم إنكار أبي على جواز إلا في مثل هذا الموضع فكيف يجوز لما التي بمعناها على أن من الأئمة من أنكر مجيء لما بمعنى إلا قال أبو عبيد أما من شدد لما يتأولها إلا فلم نجد هذا في كلام العرب ومن قال هذا لزمه أن يقول رأيت القوم لما

أخاك يريد إلا أخاك وهو غير موجود ، قال الفراء وأما من جعل لما بمنزلة إلا فإنه وجه لا نعرفه وقد قالت العرب مع اليمين بالله لما قمت عنا وإلا قمت عنا فأما في الاستثناء فلم تقله في شعر ولا غيره ألا ترى أن ذلك لو جاز لسمعت في الكلام ذهب الناس لما زيدا ، قلت وقد ذكر ابن جني وغيره أن إلا تقع زائدة فلا بعد في أن تقع لما التي بمعناها زائدة فهذا وجه آخر فصارت الوجوه سبعة والصحيح في معنى لما المشددة في هذه السورة ما قاله الشيخ أبو عمرو رحمه الله في أماليه المفرقة على مواضع من القرآن وغيره قال لما هذه هي لما الجازمة حذف فعلها للدلالة عليه لما ثبت من جواز حذف فعلها في قولهم خرجت ولما وسافرت ولما ونحوه وهو سائغ فصيح فيكون المعنى وإن تلا لما يهملوا ولما يتركوا لما قدم من الدلالة عليه من تفصيل المجموعين كقوله تعالى (فمنهم شقي وسعيد) ، ثم ذكر الأشقياء والسعداء ومجازاتهم ثم بين ذلك بقوله-ليوفينهم ربك أعمالهم- قال وما أعرف وجها أشبه من هذا وإن كانت التنوسي تستبعده من جهة أن مثله لم يقع في القرآن قال والتحقيق يأبى استبعاد ذلك قلت هذا وجه مليح ومعنى صحيح والسكوت على لما دون فعلها قد نص عليه الزمخشري في مفصله وأنشد ابن السكيت شاهدا على ذلك في كتاب معاني الشعر له ، (فجئت قبورهم بدءا ولما فناديت القبور فلم يجبنه) ، وقال في معناه بدءا أي سيدا وبدؤ القوم أي سيدهم وبدء الجزو خبر أنصبائها قال وقوله ولما أي لم أكن سيدا إلا حين ماتوا فإني سدت بعدهم كما قال الآخر ، (خلت الديار فسدت غير مدافع ومن الشقاء تفردي بالسودد) ، قلت ونظير السكوت على لما دون فعلها سكوت النابغة على قد دون فعلها في قوله ، (أزف الترحل غير أن ركاينا لما تزل برحالنا وكأن قد) ، أي وكأن قد زالت قال الشيخ أبو عمرو وأما قراءة أبي بكر فلها وجهان أحدهما الوجوه المذكورة في قراءة ابن عامر وغيره فتكون أن مخففة من الثقيلة في قراءتهم والوجه

الثاني أن تكون أن نافية ويكون كلا منصوبا بفعل مضمر تقديره وإن أرى كلا أو إن أعلم ونحوه ولما بمعنى إلا نحو-إن كل نفس لما عليها حافظ-ومن هاهنا كانت أقل إشكالا من قراءة ابن عامر لقبولها هذا الوجه الذي هو غير مستبعد ذلك الاستبعاد وإن كان في نصب الاسم الواقع بعد حرف المنفي استبعاد ولذلك اختلف في مثل قوله إلا رجلا جزاه الله خيرا هل هو منصوب بفعل مقدر ونون ضرورة فاختار الخليل إضمار الفعل واختار يونس التنوين للضرورة قلت فهذا ما يتعلق بتوجيه القرارات في تشديدان ولما في تخفيفها في هذه السورة وهو من المواضع المشكلة غاية الإشكال وقد اتضحت والحمد لله وإن كان قد طال الكلام فيها فلابد في المواضع المشكلة من التطويل زيادة في البيان ولو كان الشرح الكبير بلغ هذا الموضع لم يحتج إلى هذا التطويل في هذا المختصر والله الموفق ، والذي في يس (إن كل لما جميع لدينا محضرون) ، وفي الطارق (إن كل نفس لما عليها حافظ) ، إن في الموضعين للنفي لأن كل مرفوع بعدها فلم يحتج أن تجعلها المخففة من الثقيلة على قراءة من شدد لما ولما بمعنى إلا ومن خففها فهي لام الابتدا وما زائدة وإن هي المخففة من الثقيلة ولم تعمل والله أعلم

(768)

وَفي زُخْرُفٍ (فِ)ـي (نَـ)ـصِّ (لُـ)ـسْنٍ بِخُلْفِهِ وَيَرْجِعُ فِيه الضَّمُّ وَالْفَتْحُ (إِ)ذّ (عَـ)ـلاَ

يريد-وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا-الكلام فيه كالكلام في الذي في يس والطارق ولسن جمع لسن بكسر السين وهو الفصيح لأن اللسن بفتح السين الفصاحة يقال لسن الكسر فهو لسن ولسن وقوم لسن لم يوافق ابن ذكوان على تشديد التي في الزخرف وعن هشام فيها خلاف وتقدير البيت والتشديد في حرف الزخرف مستقر في نص قوم فصحاء نقلوه وأما-وإليه يرجع الأمر كله-فالخلاف فيه ظاهر سبق له نظائر وهو إسناد الفعل إلى المفعول أو الفاعل

(769)

وَخَاطَبَ عَمَّا يَعْمَلُونَ بِهاَ وآخِرَ النَّمْلِ (عِـ)ـلْماً (عَمَّ) وَارْتَادَ مَنْزِلاَ

عما تعملون فاعل خاطب جعله مخاطبا لما كان الخطاب فيه وعلما مفعول خاطب أي خاطب ذوي علم وفهم وهم بنو آدم وقال الشيخ هو مصدر أي اعلم ذلك علما وآخر النمل يروي بجر الراء ونصبها فالجر عطفا على الضمير في بها مثل قراءة-به والأرحام-والنصب عطفا على موضع الجار والمجرور كأنه قال هنا وآخر النمل وكلا الموضعين في آخر السورة (وما ربك بغافل عما تعملون) فالخطاب هنا للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين والغيبة رد على قوله (وقل للذين لا يؤمنون) ، والخطاب في آخر النمل رد على قوله (سيريكم آياته) ، والغيبة إخبار عنهم وارتاد معناه طلب والضمير في عم وارتاد للعلم أي علما عم العقلاء من بني آدم المخاطبين واختار موضعا لنزوله وحلوله فيهم والله أعلم ثم ذكر ياآت الإضافة فقال

(770)

وَيَاآتُهاَ عَنِّي وَإِنِّي ثَمَانِياَ وَضَيْفِي وَلكِنِّي وَنُصْحِيَ فَاقْبَلاَ

أراد عنى-إنه لفرح-فتحها نافع وأبو عمرو و-إني-في ثمانية مواضع (إني أخاف إن عصيت-إني أخاف عليكم) ، في قصتي نوح وشعيب (إني أعظك-إني أعوذ بك) ، إني أعوذ بك فتح الخمس الحرميان وأبو عمرو (إني أراكم بخير) ، فتحها نافع وأبو عمرو والبزي (إني إذا لمن الظالمين) ، فتحها نافع وأبو عمرو (إني أشهد الله) ، فتحها نافع وقد ضبطت هذه الثمانية في بيت فقلت ، (أراكم أعوذ أشهد الوعظ مع إذا أخاف ثلاثا بعد أن تكملا) أي هذه الألفاظ بعد إني ونبهت بالوعظ على أعظكم و(ضيفي أليس) ، فتحها نافع وأبو عمرو (ولكني أراكم) ، فتحها البزي ونافع وأبو عمرو-ولا ينفعكم نصحي إن أردت فتحها نافع وأبو عمرو فهذه اثنتا عشرة ياء وقوله ثمانيا نصب على الحال من إني أي خذها ثمانيا أو فاقبلها ثمانيا وثمانيا مصروف قال الجوهري لأنه ليس بجمع فيجري مجرى جوار وسوار في ترك الصرف وما جاء في الشعر غير مصروف فهو على توهم أنه جمع وأراد فاقبلن فأبدل من نون التأكيد ألفا وياءاتها مبتدأ ويجوز نصبه بكسر التاء مفعولا لقوله فاقبلا وعنى وما بعده بدل منه وما أحلى ما اتفق له من اتصال هاتين اللفظتين ونصحي فاقبلا والله أعلم

(771)

شِقَاقِي وَتَوْفِيقِي وَرَهْطِيَ عُدَّهاَ وَمَعْ فَطَرَنْ أَجْرِي مَعاً تُحْصِ مُكْمِلاَ

أراد (شقاقي أن يصيبكم) ، فتحها الحرميان وأبو عمرو (وما توفيقي إلا بالله) ، فتحها نافع وأبو عمرو وابن عامر (أرهطي أعز) ، فتحها الحرميان وأبو عمرو وابن ذكوان (فطرني أفلا تعقلون) ، فتحها نافع والبزي (إن أجري إلا) ، موضعان في قصتي نوح وهود فلهذا قال أجري معا سكنهما ابن كثير وحمزة والكسائي وأبو بكر ونصب معا كنصب ثمانيا فهذه ثماني عشرة ياء إضافة وقوله تحص مجزوم لأنه جواب قوله عدها ومكملا حال من فاعل تحص وفيها ثلاث زوائد (فلا تسئلن) ، أثبتها في الوصل أبو عمرو وورش (ولا تخزون في ضيفي) ، أثبتها في الوصل أبو عمرو وحده (يوم يأت لا تكلم نفس) ، أثبتها في الوصل نافع وأبو عمرو والكسائي وأثبتها ابن كثير في الحالين وقلت في ذلك ، (وزيدت فلا تسئلن ما يوم يأت لا تكلم لا تخزون في ضيفي العلا)

سورة يوسف

(772)

وَيَا أَبَتِ افْتَحْ حَيْثُ جَا لاِبْنِ عَامِر وَوُحِّدَ لِلْمَكِّي آيَاتُ الْوِلاَ

الخلاف في يا أبت مثل ما سبق في يا ابن أم ويا بني بالفتح والكسر والتاء في يا أبت تاء تأنيث عوضت عن ياء الإضافة في قراءة من كسرها لأنه حركها بحركة ما قبل ياء الإضافة لتدل على ذلك وهي في قراءة من فتح عوض من الألف المبدلة من ياء الإضافة في قولك يا أبا وفتحت تحريكا لها بحركة ما قبل الألف وقيل يجوز أن يكون الفتح على حد قولهم في الترخيم يا أميمة بالفتح وقراءة ابن كثير (آية للسائلين) ، بالإفراد أي آية عجيبة كما جاء في آخر السورة (لقد كان في قصصهم عبرة) ، والباقون بالجمع كما جاء في مواضع (إن في ذلك لآية)-(إن في ذلك لآيات) ، ووجه القراءتين ظاهر وكم من آية في ضمنها آيات واختار أبو عبيد قراءة الجمع وقال لأنها عبر كثيرة قد كانت فيهم والولا القرب وهو صفة لقوله (آيات للسائلين) ، أي ذات الولا أي القريبة من قوله يا أبت ولا خلاف في إفراد التي في آخر السورة (وكأين من آية في السموات والأرض)

(773)

غَيَابَاتٍ فِي الْحَرْفَيْنِ بِالْجَمْعِ نَافِعٌ وَتَأْمَنُناَ لِلْكُلِّ يُخْفَي مُفَصَّلاَ

يريد بالحرفين موضعين وهما (وألقوه في غيابت الجب)-(وأجمعوا أن يجعلوه في غيابت الجب) ، والغيابة ما يغيب فيه شيء وغيابة البئر في جانبه فوق الماء فوجه الإفراد ظاهر ووجه الجمع أن يجعل كل موضع مما يغيب غيابة ثم يجمع أو كان في الجب غيابات أي ألقوه في بعض غيابات الجب أو أريد بالجب الجنس أي ألقوه في بعض غيابات الأجبية وأما (مالك لا تأمنا) ، فأصله لا تأمننا بنونين على وزن تعلمنا وقد قريء كذلك على الأصل وهي قراءة شاذة لأنها على خلاف خط المصحف لأنه رسم بنون واحدة فاختلفت عبارة المصنفين عن قراءة القراء المشهورين له ، وحاصل ما ذكروه ثلاثة أوجه إدغام إحدى النونين في الأخرى إدغاما محضا بغير إشمام إدغام محض مع الإشمام إخفاء لا إدغام وهذه الوجوه الثلاثة هي المحكية عن أبي عمرو في باب الإدغام الكبير فالإخفاء هو المعبر عنه بالروم ولم يذكر الشاطبي في نظمه هنا غير وجهين الإخفاء في هذا البيت والإدغام مع الإشمام في البيت الآتي ومال صاحب التيسير إلى الإخفاء وأكثرهم على نفيه قال في التيسير مالك لا تأمننا بإدغام النون الأولى في الثانية وإشمامها الضم قال وحقيقة الإشمام في ذلك أن يشار بالحركة إلى النون لا بالعضو إليها فيكون ذلك إخفاء لا إدغاما صحيحا لأن الحركة لا تسكن رأسا بل يضعف الصوت بها فيفصل بين المدغم والمدغم فيه لذلك وهذا قول عامة أئمتنا وهو الصواب ، لتأكيد دلالته وصحته في القياس فهذا معنى قول الناظم للكل يخفى مفصلا أي نفصل إحدى النونين عن الآخر بخلاف حقيقة الإدغام وقال أبو بكر ابن مهران في كتاب الإدغام مالك لا تأمننا بالإشارة إلى الضمة وتركها قال ولم يحك عن أحد منهم إلا الإدغام المحض من أشار منهم ومن ترك ولو أراد من أشار الإخفاء دون الإدغام لفرقوا وبينوا وقالوا أدغم فلان وأخفى فلان فلما قالوا ادغم فلان

وأشار وأدغم فلان ولم يشر درينا أنهم أرادوا الإدغام دون الإخفاء وأنه لا فرق عندهم بين الإشارة وتركها والله أعلم ، وقال صاحب الروضة لا خلاف بين جماعتهم في التشديد والله أعلم

(774)

وَأُدْغَمَ مَعْ إِشْمَامِهِ البَعْضُ عَنْهُمُ وَنَرْتَعْ وَنَلْعَبْ يَاءُ (حِصْنٍ) تَطَوَّلاَ

أي فعل ذلك بعض المشايخ عن جميع القراء وهذا الوجه ليس في التيسير وقد ذكره غير واحد من القراء والنحاة حتى قال بعضهم أجمعوا على إدغام لا تأمننا قال ابن مجاهد كلهم قرأ لا تأمنا بفتح الميم وإدغام النون الأولى في الثانية-والإشارة إلى إعراب النون المدغمة بالضم اتفاقا قال أبو علي وجهه أن الحرف المدغم بمنزلة الحرف الموقوف عليه من حيث جمعهما السكون فمن حيث أشموا الحرف الموقوف عليه إذا كان مرفوعا في الإدراج أشموا النون المدغمة في تأمنا قال وليس هذا بصوت خارج إلى ذلك اللفظ إنما هو تهيئة العضو لإخراج ذلك الصوت به ليعلم بالتهيئة أنه يريد ذلك المهيأ له قال وقد يجوز في ذلك وجه آخر في العربية وهو أن يتبين ولا يدغم ولكنك تخفي الحركة وإخفاؤها هو أن لا تشبعها بالتمطيط ولكنك تختلسها اختلاسا قلت وهذا هو الوجه المذكور في البيت الأول وقال أبو الحسن الحوفي جمهور القراء على الإشمام للإعلام بأن النون من تأمن كانت مرفوعة وصفة ذلك أنك تشير إلى الضمة من غير صوت مع لفظك بالنون المدغمة وهو شيء يحتاج إلى رياضة قال مكي لا تأمنا بإشمام النون الساكنة الضم بعد الإدغام وقبل استكمال التشديد هذه ترجمة القراء قلت ووجه الإشمام الفرق بين إدغام المتحرك وإدغام الساكن ، قال الفراء تشير إلى الرفعة وإن تركت فلا بأس كل قد قريء به والياء في (يرتع ويلعب) ، ليوسف والنون لجميع الإخوة ثم ذكر خلاف القراء في العين فقال

(775)

وَيَرْتَعْ سُكُونُ الْكَسْرِ فِي الْعَيْنِ (ذُ)و (حِـ)ـماً وَبُشْرَايَ حَذْفُ الْيَاءِ (ثَبْتٌ وَمُيِّلاَ

من أسكن العين فللجزم وقراءته من رتع يرتع أي يتسع في الخصب ومن كسرها فهو من ارتعى يرتعي يفتعل من الرعي فحذف الياء للجزم وأثبتها قنبل في وجه على ما تقدم في باب الزوائد فقرأه الكوفيون بالياء وسكون العين وقراءة نافع بالياء وكسر العين وقراءة ابن عامر وأبي عمرو بالنون وسكون العين وقراءة ابن كثير بالنون وكسر العين وبإشباع كسرتها في وجه ففي يرتع خمس قراءات وفي يلعب قراءتان الياء لحصن والنون للباقين وأما (بشراي) ، فمن حذف ياءه كأن قد نادى البشرى من غير إضافة أي أقبلي فهذا وقتك والباقون على إضافة البشرى إليه وكلاهما ظاهر وقوله ثبت أي قراءة ثبت يقال رجل ثبت أي ثابت القلب ثم ذكر في البيت الآتي أن حمزة والكسائي أمالا الألف على أصلهما لأنها ألف تأنيث لا سيما وقبلها راء فقال

(776)

(شِـ)ـفَاءً وَقَلِّلْ (جِـ)ـهْبِذَا وَكِلاَهُمَا عَنِ ابْنِ الْعَلاَ وَالْفَتْحُ عَنْهُ تَفَضَّلاَ

شفاء حال من الممال أي ذا شفاء وقلل أي أمل بين بين وجهبذا أي مشبها جهبذا وهو الناقد الحاذق في نقده وجمعه جهابذة كأنه أشار بذلك إلى التأنق في التلفظ بين بين فإنها صعبة على كثير ممن يتعاطى علم القراءة أي أمالها ورش بين اللفظين على أصله في إمالة ذوات الراء ثم قال وكلاهما بمعنى الإمالة والتقليل رويا عن أبي عمرو وروى عنه الفتح وهو الأشهر وعليه أكثر أهل الأداء وليس في التيسير غيره واختاره أبو الطيب ابن غلبون بين اللفظين قال مكي وقد ذكر عن أبي عمرو مثل ورش والفتح أشهر وحكى أبو علي الأهوازي الإمالة عن أبي عمرو من طريق اليزيدي قال مكي أما الإمالة المحضة فهي أقيس من الوجهين الأخيرين لأنه أمال البشرى إمالة محضة وأمال الرؤيا بين اللفظين فكما أمال رؤياي بين اللفظين كذلك يقتضي أن يميل بشراي على قياس أصله والفتح فيه وبين اللفظين خروج عن الأصل الذي طرده في إمالته قلت وعلل الداني الفتح بأن ألف التأنيث هنا رسمت ألفا ففتح ليدل على ذلك ويلزم على هذا القياس أن لا يميل رؤياي بين اللفظين كذلك والله أعلم

(777)

وَهَيْتَ بِكَسْرٍ (أَ)صْلُ (كُـ)ـفْؤٍ وَهَمْزُهُ (لِـ)ـسَانٌ وَضَمُّ التَّا (لِـ)ـوَى خُلْفُهُ (دُ)لاَ

أي أصل عالم كفؤ وهمزه لسان أي لغة وقصر لفظ التاء ولوى ضرورة ولوى خلفه مبتدأ ودلا خبره وقد سبق معناه يقال هيت كأين وهيت كحيث وهيت مثل غيظ قريء بهذه الثلاث اللغات وزاد هشام الهمز وهو من أهل كسر الهاء وضم التاء وفتحها وهو اسم فعل بمعنى هلم وأسرع ويقال أيضا هيت كجير ولم يقرأ بهذه اللغة وقيل المهموز فعل من هاء يهييء كجاء يجيء إذا تهيأ فعلى الفتح وهو المشهور عن هشام يكون خطابا ليوسف على معنى حسنت هيئتك أو على معنى تهيأ أمرك الذي كنت أطلبه لأنها ما كانت تقدر في كل وقت على الخلوة به وتحتمل قراءة نافع وابن ذكوان أن أصلها الهمز فخففت وقال أبو علي يشبه أن يكون هيت مهموزا بفتح التاء وهما من الراوي لأن الخطاب يكون من المرأة ليوسف وهو لم يتهيأ لها ولو كان لقالت له هئت لي وجوابه أن يقال وقع قولها لك بيانا لا متعلقا بهيت والمعنى لك أقول والخطاب لك ومثله (وكانوا فيه من الزاهدين)-(بلغ معه السعي) والله أعلم

(778)

وَفِي كَافَ فَتْحُ الَّلامِ فِي مُخْلِصاً (ثَـ)ـوَى وَفِي الْمُخْلِصِينَ الْكُلّ (حِصْنٌ) تَجَمَّلاَ

يريد (إنه كان مخلصا) ، في سورة مريم وسماها كاف لأنها استفتحت بهذه الحروف فصارت كصاد ونون وقاف وفي قوله وفي المخلصين الكل أي حيث جاء معرفا باللام فقوله مخلصين له الدين لا خلاف في كسر لامه ومعنى الكسر أنهم أخلصوا لله تعالى دينهم ومعنى الفتح أخلصهم الله أي اجتباهم وأخلصهم من السوء والله أعلم

(779)

معاً وَصْلُ حَاشَا (حَـ)ـجَّ دَأْباً لِحَفْصِهِمْ فَحَرِّكْ وَخَاطِبْ يَعْصِرُنَ (شَـ)ـمَرْدَلاَ

يريد أن لفظ حاشا جاء في موضعين في هذه السورة (قلن حاش لله ما هذا بشرا)-(قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء) ، أثبت أبو عمرو الألف بعد الشين في الموضعين إذا وصل الكلمة بما بعدها فإن وقف عليها حذف الألف كسائر القراء وقفا ووصلا اتباعا للرسم ولا يكاد يفهم هذا المجموع من هذا اللفظ اليسير وهو قوله معا وصل حاشا حج فإنه إن أراد بوصل حاشا إثبات ألفها في الوصل دون الوقف على معنى وصل هذا اللفظ فيكون من باب قوله وباللفظ استغنى عن القيد إن جلا فكأنه قال وصل حاشا بالمد لم يعلم أي المدين يريد ففي هذه اللفظة ألفان أحدهما بعد الحاء والأخرى بعد الشين وكل واحدة منهما قد قريء بحذفها قرأ الأعمش-حشا لله-وأنشد ابن الأنباري على هذه القراءة ، (حشا رهط النبي فإن منهم بحورا لا تكدرها الدلاء) ، وإن كان أراد بقوله وصل حاشا وصل فتحة الشين بألف كما توصل الضمة بواو والكسرة بياء لم يكن مبينا لحذفها في الوقف وتقدير البيت وصل كلمتي حاشا معا حج أي غلب وحاشا حرف جر يفيد معنى البراءة وبهذا المعنى استعمل في الاستثناء ثم وضع موضع البراءة فاستعمل كاستعمال المصادر فقيل حاشا لله كما يقال براءة لله فلما تنزل منزلة الأسماء تصرفوا فيه بحذف الألف الأولى تارة وبحذف الثانية أخرى وتارة بتنوينه قرأ أبو السمال-حاشا لله-هذا معنى ما ذكره الزمخشري ومال أبو علي إلى أنه فعل فقال هو على فاعل مأخوذ من الحشا الذي يعني به الناحية والمعنى أنه صار في حشا أي في ناحية مما قرن به أي لم يقترنه ولم يلابسه وصار في عزل عنه وناحية وفاعله يوسف ، أي بعد عن هذا الذي رمى به لله أي لخوفه ومراقبة أمره (والدأْب والدأَب لغتان كالمعز والمعز) ، والفاء في فحرك زائدة أي حرك دأبا لحفص ويعصرون بالخطاب والغيبة ظاهر وما فيه الخطاب تارة يجعله مفعولا بالخطاب كهذا وتارة فاعلا نحو وخاطب عما يعملون وكل ذلك لأن الخطاب فيه وشمردلا حال من فاعل خاطب أو مفعوله ومعناه

خفيفا والله أعلم

(780)

وَنَكْتَلْ بِيَا (شَـ)ـافٍ وَحَيْثُ يَشَاءُ نُونُ (دَ)ارٍ وَحِفْظاً حَافِظاً (شَـ)ـاعَ عُقلاَ

يريد (فأرسل معنا أخانا نكتل) ، الياء للأخ والنون لجماعة الأخوة وقوله تعالى (يتبوأ منها حيث يشاء) ، الياء ليوسف والنون نون العظمة ولا خلاف في قوله (نصيب برحمتنا من نشاء) ، أنه بالنون ودار اسم فاعل من دريت والتقدير ذو نون قاريء دار وشاف كذلك أي بياء قاريء شاف ويجوز أن يكون شاف صفة يا أو خبر نكتل وبيا متعلق به أي ونكتل شاف بيا ووزن نكتل نفتل والعين محذوفة والأصل نكتال حذفت الألف لالتقاء الساكنين في حال الجزم وأصل نكتال نكتيل على وزن نفتعل مثل نكتحل ويتعلق بذلك حكاية ظريفة جرت بين أبي عثمان المازني وابن السكيت في مجلس المتوكل أو وزيره ابن الزيات قد ذكرتها في ترجمة يعقوب بن السكيت في مختصر تاريخ دمشق وقوله حفظا مبتدأ وخبره مضمر أي يقرأ حافظا أو يكون خبره شاع عقلا وعقلا تمييز وهو جمع عاقل أي شاع ذكر الذين عقلوه وحافظا حال أي شاع على هذه الحالة في القراءة ويجوز أن يكون عقلا حال على معنى ذا عقل وانتصب حفظا في الآية وحافظا على التمييز وجوز الزمخشري أن يكون حافظا حالا ومنعه أبو علي والتمييز في حفظا ظاهر أي حفظ لله خير من حفظكم ووجه حافظا أن لله تعالى حفظة كما له حفظ نحو قوله تعالى (ويرسل عليكم حفظة) ، فالتقدير حافظه خير من حافظكم كما كان حفظه خيرا من حفظكم ويجوز أن يكون التمييز من باب قولهم لله دره فارسا أي در فروسيته فيرجع المعنى إلى القراءة الأخرى وهذا التمييز الذي هو حافظ يجوز إضافة خير إليه وقد قريء-خير حافظ-ولا تجوز الإضافة إلى حفظ إلا على تقدير خير ذي حفظ والله أعلم ، وقدم ذكر الخلاف في-نكتل-على-حيث يشاء-ضرورة للنظم وإلا فالأمر بالعكس وقدمه

(781)

وَفِتْيَتِهِ فِتْيَانِهِ (عَـ)ـنْ (شَـ)ـذاً وَرُدْ بِالاخْبَارِ فِي قَالُوا أَئِنَّكَ (دَ)غْفَلاَ

أي يقرأ فتيانه أو التقدير وقراءة فتيته بلفظ فتيانه لحفص وحمزة والكسائي وهم الذين قرءوا-حافظا فلو قال عنهم موضع قوله عن شذا لاستقام لفظا ومعنى وفتية وفتيان كلاهما جمع فتى كإخوة وإخوان الأول للقلة والثاني للكثرة فكأن الخطاب كان لجميع الأتباع والذين باشروا الفعل قليل منهم وقوله ورد أي اطلب من راد وارتاد إذا طلب الكلأ ، ود غفلا مفعول به وهو العيش الواسع أي اطلب عيشا واسعا بالقراءة بالأخبار في قوله (إنك لأنت يوسف) ، لأنها ظاهرة المعنى وذلك أنهم جزموا بمعرفته لما اتضح لهم من قرائن دالة على ذلك فهذه قراءة ابن كثير وقرأ الباقون بالاستفهام وهم على أصولهم في التحقيق والتسهيل والمد بين الهمزتين ثم يحتمل أن يكون استفهاما على الحقيقة ولم يكن بعد قد تحقق عندهم وتكون قراءة ابن كثير على حذف همزة الاستفهام كما قيل ذلك في قوله (وتلك نعمة تمنها علي) ، أي وتلك نعمة وله نظائر ويحتمل أن يكون استفهاما على سبيل الاستغراب والاستعظام وإن كانوا قد عرفوه حق المعرفة أي إنك لهو ونحن وأنت يعامل بعضنا بعضا معاملة الغرباء ولعل بعض الإخوة قالوه خبرا وبعضهم استفهاما فجاءت القراءتان كذلك ومن عادة الناظم أن يجعل الاستفهام ضد الإخبار وقد تقدم تقرير ذلك في سورة الأعراف وسيأتي مثله في الرعد واتفق لي نظم أربعة أبيات عوض الثلاثة المتقدمة تبين فيها القراءتان في حاشا وصلا ووقفا وذكر فيها الخبر والاستفهام في أئنك مع التنبيه على أنهم على أصولهم في ذلك تجديدا للعهد بما تقدمت معرفته وتذكيرا بذلك خوفا من الذهول عنه ولم يستقم لي إيضاح جميع ذلك إلا بزيادة بيت فقلت ، (وفي الوصل حاشا حج بالمد آخرا معاد أبا حرك لحفص فتقبلا) ، أراد بالمد بعد الشين احترازا عن المد بعد الحاء ثم قال ، (ونكتل بياء يعصرون الخطاب شذ وحيث يشا النون دار وأقبلا) ، استغنى برمز واحد وهو قوله شذ لقراءتين في نكتل ويعصرون ثم قال ، (وفي حافظا حفظا صفا حق

عمهم وفتيته عنهم لفتيانه انجلا) ، (والأخبار في قالوا أئنك دغفلا ويستفهم الباقي على ما تأصلا)

(782)

وَيَيْأَسْ مَعًا وَاسْتَيْأَسَ اسْتَيْأَسُوا وَتَيْأَسُوا اقْلِبْ عَنِ الْبَزِّي بِخُلْفٍ وَأَبْدِلاَ

معا يعني هنا وفي الرعد (إنه لا ييأس من روح الله)-(أفلم ييأس الذين آمنوا)-(حتى إذا استيأس الرسل)-(فلما استيأسوا منه)-(ولا تيأسوا من روح الله) ، فهذه خمسة مواضع استفعل فيها بمعنى فعل كاستعجب واستسخر بمعنى عجب وسخر وكلها من اليأس من الشيء وهو عدم توقعه لا التي في الرعد قيل إنها بمعنى علم فقراءة الجماعة في هذه المواضع على الأصل الهمز فيها بين الياء والسين وروي عن البزي أنه قرأها بألف مكان الياء وبياء مكان الهمزة وكذلك رسمت في المصحف وحمل ذلك على القلب والإبدال قال أبو علي قلبت العين إلى موضع الفاء فصار استفعل وأصله استيأس ثم خفف الهمزة وأبدلها ألفا لسكونها وانفتاح ما قبلها فصار مثل راس وفاس فهذا معنى قول الناظم اقلب وأبدلا ولم يذكر ما هو المقلوب وما هو المبدل وأراد بالقلب التقديم والتأخير وعرفنا أن مراده تقديم الهمزة على الياء قوله وأبدلا فإن الإبدال في الهمز ثم لم يبين أي شيء يبدل بل أحال ذلك على قياس تسهيلها لأنها إذا جعلت في موضع الياء وأعطيت حكمها بقيت ساكنة بعد فتح وبقيت الياء مفتوحة على ما كانت عليه الهمزة ثم لما اتصفت الهمزة بالسكون جاز إبدالها ألفا فقرأ البزي بذلك في وجه وإن لم يكن من أصله إبدال الهمزة المنفردة كما أنه سهل همزة (لأعنتكم) ، بين بين في وجه وإن لم يكن ذلك من أصله جمعا بين اللغات القلب في هذه اللغة في الفعل الماضي يقال يئس وأيس فيبني المضارع على ذلك فقراءة الجماعة من لغة يئس وهي الأصل عندهم وقراءة البزي من لغة أيس فمضارعه ييأس وأراد الناظم وأبدلن فأبدل النون ألفا

(783)

وَيُوحى إِلَيْهِمْ كَسْرُ حَاءِ جَمِيعِهَا وَنُونٌ عُلاً يُوحى إِلَيْهِ (شَـ)ـذاً (عَـ)ـلاَ

أي وحيث أتى وعلا خبر أي القراءة بالكسر وبالنون ذات علا لإسناد الفعل فيها إلى الله تعالى والقراءة الأخرى بالياء وفتح الحاء على أنه فعل ما لم يسم فاعله وأراد بقوله يوحي إليه قوله تعالى في سورة الأنبياء (إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) ، فقرأ حفص الجميع بالنون وكسر الحاء ووافقه حمزة والكسائي على الذي في الأنبياء ولا خلاف في الذي في أول الشورى (كذلك يوحى إليك أنه) ، بالياء واختلف في كسر الحاء وفتحها كما سيأتي وتقدم معنى شذا علا

(784)

وَثَانِيَ نُنْجِ احْذِفْ وَشَدِّدْ وَحَرِّكَنْ (كَـ)ـذَا (نَـ)ـلْ وَخَفِّفْ (كُـ)ـذِّبُوا (ثَـ)ـابِتاً تَلاَ

يريد حذف النون الثانية وتشديد الجيم وتحريك الياء بالفتح فيصير فعلا ماضيا لم يسم فاعله من أنجى والقراءة الأخرى على أنه فعل مضارع من أنجى وهو قوله تعالى (فنجي من نشاء) ، فالنون الأولى حرف المضارعة والثانية من أصل الفعل فالمحذوف في قراءة التشديد هي الأولى حقيقة لأن الفعل فيها ماض ولكن الناظم أراد حذف الثاني صورة لا حقيقة وكانت هذه العبارة أخصر لبقاء النون الأولى مضمومة فلو كان نص على حذف الأولى لاحتاج إلى أن يقول وضم الثانية ولولا الاحتياج إلى هذا لأمكن أن يقال أراد الثاني من فننجي لأن لفظ القرآن كذلك والثاني من فننجي هي النون الأولى وكان يستقيم له أن يقول وثاني فننجي احذف ولكنه عدل إلى تلك العبارة لما ذكرناه والنون في قوله وحركنى نون التأكيد الخفيفة التي تبدل ألفا في الوقف وقوله كذا نل دعاء للمخاطب بالنجاة وأما (وظنوا أنهم قد كذبوا) ، فخفف الكوفيون الذال وثابتا حال من التخفيف وتلا بمعنى تبع ما قبله من القراءات الثابتة وقيل أراد تلا بالمد أي ذمة فالتشديد وجهه ظاهر هو من التكذيب ويكون ظنوا بمعنى تيقنوا وجوز أبو علي أن يكون بمعنى حسبوا والتكذيب من الكافر كان مقطوعا به فلا وجه للحسبان على هذا إلا ما سنذكره من تفسير صحيح عن عائشة رضي الله عنها وأما قراءة التخفيف فمن قولهم كذبته الحديث أي لم أصدقه فيه ومنه (وقعد الذين كذبوا الله ورسوله) ، فالمفعول الثاني في الآيتين محذوف ثم في تأويل هذه القراءة وجوه أربعة اثنان على تقدير أن يكون الضمير في-وظنوا أنهم-الرسل واثنان على تقدير أن يكون الضمير للمرسل إليهم وقد تقدم ذكرهم في قوله (عاقبة الذين من قبلهم) ، ولفظ الرسل أيضا دال على مرسل إليهم فإن عاد الضمير على المرسل وهو الظاهر لجرى الضمير على الظاهر قبله فله وجهان أحدهما وظن الرسل أن أنفسهم كذبتهم حين حدثتهم بالنصر أو كذبهم رجاؤهم كذلك وانتظارهم له من غير أن يكون الله تعالى وعدهم به ولهذا

يقال رجا صادق ورجا كاذب وقوله بعد ذلك جاءهم نصرنا أي جاءهم بغتة من غير موعد والوجه الثاني منقول عن ابن عباس قال وظن من أعطاهم الرضى في العلانية وأن يكذبهم في السريرة وذلك لطول البلاء عليهم أي على الأتباع وقد قيل في قراءة التشديد نحو من هذا روى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لم يزل البلاء بالأنبياء صلوات الله عليهم حتى خافوا أن يكون من معهم من المؤمنين كذبوهم وفي صحيح البخاري عن عائشة في قراءة التشديد قالت هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوا وطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النصر حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم جاءهم نصر الله عند ذلك فاتحد على ذلك معنى القراءتين وأما إن كان الضمير في-وظنوا أنهم-للمرسل إليهم فلتأويله وجهان أحدهما وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوا فيما وعدوا به من النصر والثاني وظن المرسل إليهم أنهم قد كذبوا من جهة الرسل فيما أخبروا به من أنهم ينصرون عليهم وهذا قول يحكى عن سعيد بن جبير رضي الله عنه سئل عن ذلك فقال نعم حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدقوهم وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم فقال الضحاك ابن مزاحم وكان حاضرا لو رحلت في هذه إلى اليمن كان قليلا قال أبو علي وإن ذهب ذاهب إلى أن المعنى ظن الرسل أن الذي وعد الله أممهم على لسانهم قد كذبوا فيه فقد أتى عظيما لا يجوز أن ينسب مثله إلى الأنبياء ولا إلى صالحي عباد لله قال وكذلك من زعم أن ابن عباس ذهب إلى أن الرسل قد ضعفوا وظنوا أنهم قد أخلفوا لأن الله لا يخلف الميعاد ولا مبدل لكلمات الله قلت وإنما قال ابن عباس ما تقدم ذكره فخفى معناه على من عبر بهذه العبارة والله أعلم

(785)

وَأَنِّي وَإِنَّى الْخَمْسُ رَبِّي بِأَرْبَعٍ أَرَانِي مَعاً نَفْسِي لَيُحْزِنُنِي حُلاَ

أني وما عطف عليه مبتدا وحلا خبره والخمس نعت لإنى المكسورة وحدها والمفتوحة واحدة وهي-أني أوف الكيل-فتحها نافع وحده والخمس المكسورة-إني أراني-مرتين فتحهما نافع وأبو عمرو-إني أرى سبع بقرات-إني أنا أخوك-إني أعلم من الله-فتحهن الحرميان وأبو عمرو وربي في أربعة مواضع و-ربي أحسن مثواي-فتحها أيضا الحرميان وأبو عمرو-ذلكما مما علمني ربي إني تركت-إلا ما رحم ربي إن-سوف استغفر لكم ربي إنه-فتحهن نافع وأبو عمرو وأراني معا يعني أراني أعصر-أراني أحمل-فتحهما الحرميان وأبو عمرو-وما أبريء نفسي إن-فتحها نافع وأبو عمرو-وقال إني ليحزنني-فتحها الحرميان فهذه أربع عشرة ياء من جملة اثنين وعشرين ثم ذكر الثماني الباقية فقال

(786)

وَفِي إِخْوَتِي حُزْنِي سَبِيلِي بِي وَلِي لَعَلِّي آبَاءِي أَبِي فَاخْشَ مَوْحَلاَ

أراد-وبين إخوتي إن-فتحها ورش وحده-وحزني إلى الله-فتحها نافع وأبو عمرو وابن عامر- هذه سبيلي أدعو-فتحها نافع وحده-بي إذ أخرجني-لي أبي-فتحهما نافع وأبو عمرو-لعلي أرجع-فتحها الحرميان وأبو عمرو وابن عامر-ملة آبائ إبراهيم كذلك-أبي أو يحكم-فتحها الحرميان وأبو عمرو وقوله وفي إخوتي تقديره والياءات المختلف فيها أيضا في هذه الألفاظ إخوتي وما بعده وقوله فاخش موحلا يعني في عددها واستخراج مواضعها فإنها ملبسة لا سيما قوله الخمس فقد يظن أنه نعت لأنى المفتوحة وتقرأ الأولى بالكسر وإنما هو نعت للمكسورة والأولى مفتوحة وقد يظن أن الخمس نعت لهما ومجموعهما خمسة مواضع أحدهما اثنان والآخر ثلاثة كما قال وفي مريم والنحل خمسة أحرف وقال-تسؤ-و-نشأ- ست أي مجموعهما ست كل واحد ثلاثة وقد تقدم بيان ذلك أو فاخش غلطا في استخراجها من السورة فلا تعد ما ليس منها نحو-إن ربي لطيف لما يشاء-إني حفيظ عليم-ونحو ذلك ولا خلاف في تسكينه والموحل مصدر وحل الرجل بكسر الحاء إذا وقع في الوحل بفتح الحاء وهو الطين الرقيق وقال الشيخ رحمه الله أي فاخش موحلا في إخوتي وما نسق عليه كما تقول وفي دار عمرو فاجلس وفيها ثلاث زوائد نرتع أثبت ياءه قنبل بخلاف عنه في الحالين-حتى تؤتوني موثقا-أثبتها ابن كثير في الحالين وأبو عمرو في الوصل-من يتقي ويصبر-أثبتها قنبل وحده وقلت في ذلك ، (روائدها نرتع وتؤتون موثقا ومن يتقي أيضا ثلاث تجملا)

سورة الرعد

(787)

وَزَرْعٌ نَخِيلٌ غَيْرُ صِنْوَانٍ أَوَّلاَ لَدى خَفْضِهَا رَفْعٌ (عَـ)ـلَى (حَقُّهُ) طَلاَ

يريد الخفض رفع في هذه الكلمات الأربع وهي قوله تعالى-وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان-وقوله أولا قيد لصنوان ونصبه على الظرف بعامل مقدر أي الواقع أولا احترز بذلك من صنوان الذي بعد غير فإنه مخفوض اتفاقا لأنه مضاف إليه ووجه الرفع في هذه الكلمات أنه عطف-وزرع ونخيل-على قوله-وفي الأرض قطع متجاورات وجنات-أي فيها ذا وذا-وزرع ونخيل-وقوله صنوان نعت لنخيل وغير عطف على صنوان والصنوان جمع صنو وهو أن يكون الأصل واحدا وفيه النخلتان والثلاث والأربع وصنو الشيء مثله الذي أصلهما واحد وفي الحديث عم الرجل صنو أبيه ويتعلق بهذه اللفظة بحث حسن يتعلق بصناعة النحو من جهة أن صنوان جمع تكسير وقد سلم فيه لفظ المفرد كما يسلم في جمع السلامة وقد ذكرت ذلك في المجموع من نظم المفصل ووجه قراءة الخفض في هذه الكلمات الأربع أنها عطفت على أعناب أي احتوت الجنات التي في الأرض على أعناب وزرع ونخيل كما قال تعالى في موضع آخر (وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب) ، وقال تعالى (أو تكون لك جنة من نخيل وعنب) ، وقال تعالى (جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا) ، وقال في سورة الأنعام (وجنات من أعناب) ، وذكر الزرع والنخل قبل ذلك وقال في آخر السورة (وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع) ، فعطف النخل والزرع على جنات فهذا موافق لقراءة الرفع هنا وكل واحد من هذه الأنواع موجود فجاءت الآيات والقراءات على وجوه ما الأمر عليه وقوله طلا في موضع نصب على التمييز وهو جمع طلية وهو العنق أي علت أعناق حقه ومنه المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة إشارة إلى أمنهم وسرورهم ذلك اليوم الذي يحزن فيه الكافر ويخجل فيه المقصرون وهذا البيت أتى به الناظم مقفى كما فعل في أول سورة الأنبياء وفي سأل وباب التكبير كما يأتي وهو أنه جعل لفظ عروضه موافقا للفظ ضربه على حد ما ابتدأ به القصيدة فقال ، (وقل قال عن شهد وآخرها علا )

، (إلى نصب فاضمم وحرك به علا ) ، (روى القلب ذكر الله فاستسق مقبلا ) ، وذلك جائز في وسط القصيدة جوازه في أولها كما فعل امرء القيس في التفريع ، (ألا أنعم صباحا أيها الطلل البالي وهل ينعمن من كان في الزمن الخالي) ، ثم قال بعد بيتين آخرين ، (ديار لسلمى عافيات بذي الحال ) ، (عليها كل أسحم هطال ) ، وقال في التقفية في أثناء قصيدته المشهورة ، (قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ) ، (أفاطم مهلا بعض هذا التدلل وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي)

(788)

وَذَكَّرَ تُسْقَى عَاصِمٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَقُلْ بَعْدَهُ بِالْيَا يُفَضِّلُ (شُـ)ـلْشُلاَ

التذكير على تقدير يسقى المذكور والتأنيث على تسقى هذه الأشياء ويفضل بعضها بالياء والنون ظاهر أن النون للعظمة والياء رد إلى اسم الله في قوله (الله الذي رفع) ، وما بعده وشلشلا حال من فاعل قل أي خفيفا والله أعلم

(789)

وَمَا كُرِّرَ اسْتِفْهَامُهُ نَحْوُ آئِذَا أَئِنَّا فَذُو اسْتِفْهَامٍ الْكُلُّ أَوَّلاَ

أي كل موضع تكرر فيه لفظ الاستفهام على التعاقب في آية واحدة أو كلام واحد نحو هذا الذي وقع في سورة الرعد وهو (أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد) ، وهذا قد جاء في القرآن في أحد عشر موضعا هذا أولها وفي سبحان موضعان كلاهما (أئذا كنا عظاما ورفاتا إءِنا لمبعوثون خلقا جديدا) ، وفي-قد أفلح-(قالوا أءذا كنا وترابا وعظاما أئنا لمبعوثون) ، وفي النمل (أءذا كنا ترابا وآباؤنا أءنا لمخرجون) ، وفي العنكبوت (أءنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين أءنكم لتأتون الرجال) ، وفي ألم السجدة (أءذا ضللنا في الأرض أءنا لفي خلق جديد) ، وفي الصافات موضعان (أءذا متنا وكنا ترابا وعظاما أءنا لمبعوثون) ، والثاني مثله (أءنا لمدينون) ، وفي الواقعة (وكانوا يقولون أءذا متنا وكنا ترابا وعظاما أءنا لمبعوثون) ، وفي النازعات (أءنا لمردودون في الحافرة أءذا كنا عظاما نخرة) ، وقد جمعت ذلك في بيتين وقلت ، (بواقعة قد أفلح النازعات سجدة عنكبوت الرعد والنمل أولا) ، (وسبحان فيها موضعان وفوق صاد أيضا فإحدى عشرة الكل مجتلا) ، ونظمته على بحر البسيط فقلت ، (رعد قد أفلح نمل عنكبوت وسجدة واقعة والنازعات ولا) ، (وموضعان بسبحان ومثلهما فويق صاد فإحدى عشرة النملا) ، فالجميع واقع في أنه واحد على لفظ واحد وما نظمه صاحب القصيدة-أءذا-أءنا إلا في موضعين في النازعات فإنه في آيتين متجاورتين ولفظه على عكس ما ذكره وهو-أءنا-وأءذا-والذي في العنكبوت في آيتين ولكنه بلفظ آخر متحد وهو-أءنكم-أئنكم-فما أراد الناظم بقوله نحو-أءذا-أءنا-إلا تشبيه تعاقب الاستفهامين على ما بيناه فإن قلت قد تكرر في سورة والصافات-يقول (أءنك لمن المصدقين أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون) ، فيأخذ الوسط مع الذي قبله أما الذي بعده قلت بل مع الذي بعده فإنهما اللفظان ونص عليهما الناظم فلا معدل عنهما إلا إذا لم يجدهما كما في العنكبوت كيف وإن أتتك قد تقدم

ذكرها في باب الهمزتين من كلمة فإن لم يذكر ثم شيئا من الاستفهامين وإن كان الجميع لا خلف عن هشام في مده وضابطه أن يتكرر الاستفهام وفي كل واحد همزتان وإلا فقد يوجد أحد الشرطين ولا يكونا من هذا الباب بيانه أن المتكرر يوجد وليس في كل واحد همزتان كالذي في قصة لوط في سورة الأعراف (أتأتون الفاحشة)-(أئنكم لتأتون) ، فهذا استفهام مكرر لكن الأول همزة واحد والثاني كذلك في قراءة نافع وحفص وفي قراءة غيرهما ويوجد الهمزتان ولا يكرر وهذا كثير نحو (أئن لنا لأجرا)-(أئنك لأنت يوسف)-(أئنا لمغرمون) ، كل ذلك يقرأ بالاستفهام والخبر وليس من هذا الباب ومنه ما أجمع فيه على الاستفهام نحو (أئذا ما مت)-(أئنا لتاركوا آلهتنا)-(أئنك لمن المصدقين)-(أئن ذكرتم) ، ولفظ الناظم بقوله-أئذا-أئنا-مد الأول وقصر الثاني لأجل الوزن وكلاهما قريء به كما بينه ولكن لم يخص أحد بالمد الأول دون الثاني بل منهم من مدهما ومنهم من قصرهما في جميع هذه المواضع ثم بين النظام اختلاف القراء في هذا الاستفهام المكرر على الصفة المذكورة فقال فذو استفهام الكل أولا أي كل القراء يقرأ أول بلفظ الاستفهام أي بهمزتين والتحقيق والتسهيل يوجدان من أصولهم في ذلك ونصب قوله أولا على الظرف أي أول الاستفهامين يدل على ذلك أنه قال بعد ذلك وهو في الثاني أي والإخبار في اللفظ الثاني على ما سنبينه ولو كان قال الأول بالألف واللام ولو نصبه على أنه مفعول بالاستفهام لأنه مصدر لكان جائزا ويكون معنى استفهموه جعلوه بلفظ الاستفهام فقوله الكل مبتدأ وذو استفهام خبره مقدم عليه والجملة خبر وما كرر استفهامه والعائد إليه محذوف أي الكل ذو استفهام فيه أولا ويجوز أن يكون المعنى كله ذو استفهام على أن يكون الكل عبارة عن المواضع لا عن القراء والمعنى الأول لقوله بعده سوى نافع وعلى المعنى الثاني نحتاج أن يقدر للقراء سوى نافع والله أعلم

(790)

سِوَى نَافِعٍ فِي النَّمْلِ وَالشَّامِ مُخْبِرٌ سِوَى النَّازِعَاتِ مَعْ إِذَا وَقَعَتْ وِلاَ

أي استثنى نافع وحده الذي في النمل فقرأ الأول فيه بالإخبار أي بهمزة واحدة ( أءذا كنا ترابا) ، ووافق الجماعة كلهم في المواضع الباقية على الاستفهام في الأول ثم ذكر قراء ابن عامر وهي أنه يقرأ بالإخبار في جميع المواضع ما عدا النمل واستثنى له أيضا من غير النمل الواقعة والنازعات فلزم من ذلك أن الأول في النازعات والواقعة لم يقرأه أحد بالإخبار والذي في النمل الإخبار فيه لنافع وحده وما عدا ذلك الإخبار فيه لابن عامر وحده إلا الذي في العنكبوت فإنه وافقه على الإخبار في الأول جماعة كما يأتي في البيت الآتي فهذا معنى قوله والشام مخبر يعني في غير النمل سوى كذا وكذا وولا في آخر البيت بكسر الواو أي والشام مخبر متابعة فهو في موضع نصب على أنه مفعول من أجله فكأن أصحاب الناظم رحمه الله قد استشكلوا استخراج ذلك لأنهم قدروا قوله فذوا استفهام الكل أولا سوى نافع فبذلك فسره الشيخ ونظم هذا المعنى في بيتين نذكرهما وإذا كان المعنى كذلك لزم أن يكون قد بين الخلاف في موضع واحد وليس هو في السورة التي النظم فيها ثم رام بيانه في جملة المواضع وعكس هذا أولى فغير الشاطبي هذا البيت بمادل على أن مراده فذو استفهام الكل في جميع المواضع فقال ، (سوى الشام غير النازعات وواقعه له نافع في النمل أخبر فاعتلا) ، أي نافع وحده قرأ في النمل بالإخبار ودل على أنه منفرد بذلك أنه لم يعد ذكر ابن عامر معه وذلك لازم كما بيناه قوله رمى صحبة وفي غير ذلك قال الشيخ رحمه الله ومعنى البيتين يعود إلى شيء واحد والأول أحسن وعليه أعول ، قلت في البيت الثاني تنكير لفظ واقعة وإسكانها وذلك وإن كان جائز للضرورة فاجتنابه مهما أمكن أولى وقوله له زيادة لا حاجة إليها قال ولو قال الناظم رحمه الله فالاستفهام في النمل أولا ، (خصوص وبالإخبار شام بغيرها سوى النازعات

مع إذا وقعت ولا) ، لارتفع الإشكال وظهر المراد والخاء في خصوص رمز

(791)

وَ(دُ)ونَ (عِـ)ـنَادٍ (عَمَّ) فِي الْعَنْكَبُوتِ مُخْبِرًا وَهْوَ في الثَّانِي (أَ)تَى (رَ)اشِدًا وَلاَ

أي تابع ابن كثير وحفص ونافع وابن عامر في الإخبار في أول الذي في العنكبوت فقرءوا-إنكم-بهمزة إن المكسورة وهذا أحد المواضع التي رمز فيها بعد الواو الفاصلة في كلمة واحدة ومخبرا حال من الضمير في عم وهو عائد على الأول من الاستفهامين جعله مخبرا لأن الإخبار فيه كما يجعل ما فيه الخطاب مخاطبا في نحو وخاطب عما تعلمون ، ثم قال وهو يعني الإخبار في الثاني أي في الاستفهام الثاني في كل المواضع الأحد عشر المذكورة إلا ما يأتي استثناؤه وكل ما تقدم ذكره كان مختصا بالاختلاف في الأول ، وقوله أتى راشدا رمز لنافع والكسائي فهما المخبران في الثاني فقرأ-إنا-بهمزة واحدة مكسورة ورشدا حال أو مفعول به أي أتى الإخبار قارئا راشدا وولا بفتح الواو في موضع نصب على التمييز أي راشداً ولاؤه وهو وما قبله المكسور الواو ممدودان وإنما قصرا للوقف عن ما ذكرناه مرارا

(792)

سِوَى الْعَنْكَبُوتِ وَهْوَ فِي الْنَّمْلِ (كُـ)ـنْ (رِ)ضَا وَزَادَاهُ نُونًا إِنَّنَا عَنْهُمَا اعْتَلاَ

أي لم يقرأ أحد في ثاني العنكبوت بالإخبار وهو يعني الإخبار في ثاني النمل لابن عامر والكسائي وأما نافع فاستفهم كالباقين لأنه قرأ الأول بالخبر كما سبق وكذا فعل في العنكبوت لما أخبر في الأول استفهم في الثاني وابن عامر لما كان مستفهما في أول النمل على خلاف أصله أخبر في الثاني هنا على خلاف أصله أيضا ثم قال وزاده نونا أي زاد ابن عامر والكسائي الثاني في النمل نونا فقراءة (إئنا لمخرجون) ، والباقون بنون واحدة والاستفهام-أئنا-ثم قال

(793)

وَ(عَمَّ) (رِ)ضاً فِي النَّازِعَاتِ وَهُمْ عَلَى أُصُولِهِمْ وَامْدُدْ (لِـ)ـوَى (حَـ)ـافِظٍ (بَـ)ـلاَ

رضى في موضع نصب على التمييز أي عم رضا الإخبار في ثاني النازعات فقريء-إذا كنا-بهمزة واحدة فوافق ابن عامر نافعا والكسائي في أصلهما الذي هو الإخبار في الثاني لأنه يقرأ-الأول بالاستفهام فهو كما قرأ في النمل وكان القياس أن يفعل في الواقعة كذلك لكنه استفهم في الموضعين كما أن الكسائي استفهم في موضعي العنكبوت فخالفا أصلهما فيهما والباقون على الاستفهام مطلقا وهم على أصولهم في ذلك لأنه اجتمع في قراءتهم بالاستفهام همزتان في الأول وهمزتان في الثاني ، فمن مذهبه تحقيق الهمزتين وهم الكوفيون وابن عامر حقق ، ومن مذهبه تسهيل الثانية سهل وهم الحرميان وأبو عمرو على ما تمهد في باب الهمزتين من كلمة ، ومن مذهبه المد بين الهمزتين سواء كانت الثانية محققة أو مسهلة مدهنا وهم أبو عمرو وقالون وهشام وقد رمزهم هنا بقوله وامدد لوى حافظ بلا وإنما اعتنى ببيان ذلك ولم يكتف بما تقدم في باب الهمزتين من كلمة إعلاما بأن هشاما يمد هنا بغير خلاف عنه بخلاف ما تقدم في الباب المذكور وقد ذكر لهشام فيه سبعة مواضع لا خلف عنه في مدها فهذا الباب كذلك وقوله وامدد لوى أراد لوا الممدود فقصره ضرورة وهو مفعول امدد وإذا مد اللواء ظهر واشتهر أمره لأن مده نشره بعد طيه فكأنه يقول انشر علم الحفظة القراء وأشهر قراءاتهم ومعنى ابتلا اختبر وهو صفة لحافظ وأشار الشيخ إلى أن لوى في موضع نصب على الحال أي في علو لواء الحافظ وشهرته واعلم أن القراءة بالاستفهام في هذه المواضع في الأصل وهو استفهام الإنكار والتعجب ومن قرأ بالخبر في الأول أو الثاني استغنى بأحد الاستفهامين عن الآخر وهو مراد فيه ومن جمع بينهما فهو أقوى تأكيدا والعامل في إذا من قوله-إذا كنا-في أول المواضع التسع وثاني النازعات فعل مضمر يدل عليه ما بعده في الأول وما قبله في الثاني ، تقديره أنبعث إذا كنا ترابا أنرد إذا كنا عظاما نخرة ومن قرأ بالإخبار في ثاني النازعات جاز أن يتعلق إذا

بما قبله وهو-لمردودون-وأما الإخبار في باقي المواضع فلفظه إنا فلا يعمل ما بعد إن فيما قبلها كما لا يعمل ما بعد الاستفهام فيما قبله نص عليه أبو علي وأما الموضع الحادي عشر وهو الذي في العنكبوت فليس فيه لفظ إذا فالأمر فيه ظاهر

(794)

وَهَادٍ وَوَالٍ قِفْ وَوَاقٍ بِيَائِهِ وَبَاقٍ (دَ)نَا هَلْ يَسْتَوِي (صُحْبَةٌ) تَلاَ

يعني حيث وقعت هذه الكلم في هذه السورة أو غيرها نحو (ولكل قوم هاد)-(ومن يضلل الله فما له من هاد)-(وما لهم من دونه من وال)-(وما لهم من الله من واق)-(ما عندكم ينفذ وما عند الله باق) ، ابن كثير يقف بالياء على الأصل وأنما حذفت في الوصل لاجتماعها مع سكون التنوين فإذا زال التنوين بالوقف رجعت الياء والباقون يحذفونها تبعا لحالة الوصل وهما لغتان والحذف أكثر وفيه متابعة الرسم وأما ما يستوي المختلف فيه فهو قوله تعالى-أم هل تستوي الظلمات والنور-لما كان تأنيث الظلمات غير حقيقي جاز أن يأتي الفعل المسند إليها بالتذكير والتأنيث فقراءة صحبة بالتذكير وإطلاق الناظم له دال على أنه ذلك وقبل هذا-هل يستوي الأعمى والبصير لا خلاف في تذكيره إذ لا يتجه فيه التأنيث مع تذكير الفاعل فلم يحتج إلى أن يقيد موضع الخلاف بأن يقول الثاني أو نحو ذلك وقد سبق في الأصول أن هذا الموضع لا إدغام فيه لأحد من القراء لأن من مذهبه إدغام لام هل عند التاء وهما حمزة والكسائي قرآ هنا بالياء وهشام استثنى هذا الموضع من أصله وفي تلا ضمير يعود على صحبه لأن لفظه مفرد والله أعلم

(795)

وَبَعْدُ (صِحَابٌ) يُوْقِدُونَ وَضَمُّهُمْ وَصُدُّوا (ثَـ)ـوَى مَعْ صُدَّ فِي الطَّوْلِ وَانْجَلاَ

أي وبعد يستوي قراءة صحاب يوقدون بالغيبة ردا إلى قوله تعالى-أم جعلوا لله-وقراءة الباقين بالخطاب ظاهرة وصدوا ثوى مع صدأى أقام الضم في-وصدوا- مع الضم في-وصد عن السبيل-في غافر للكوفيين والباقون بفتح الصاد وتوجيه القراءتين ظاهر لأن الله تعالى لما صدهم عن سبيله صدوهم لا راد لحكمه والضمير في وضمهم للقراء أهل الأداء وهو يوهم أنه ضمير صحاب ولا يمكن ذلك لأجل أبي بكر ولأن ثوى حينئذ لا يبقى رمزا مع التصريح

(796)

وَيُثْبِتُ فِي تَخْفِيفِهِ (حَقُّ نَـ)ـاصِرٍ وَفِي الْكَافِرِ الْكُفَّارُ بِالْجَمْعِ (ذُ)لِّلاَ