ج4وج5وج6..كتاب الأصول في النحو أبي بكر محمد بن سهل بن السراج النحوي البغدادي
( أَلا تَسْأَلاَنِ المَرْءَ مَاذَا يُحَاوِلُ ... أَنَحْبٌ فيُقْضَى أَمْ ضَلالٌ وبَاطِلٌ )
وأما إجراؤهم إياه مع ( مَا ) بمنزلة اسم واحد فهو قولك : ماذا رأيتَ فتقولُ : خيراً كأنك قلت : مَا رأيتَ ومثل ذلكَ قولهم : ماذا تَرى : فتقول : خيراً وقال الله : ( ماذا أنزلَ ربكمُ قالوا : خيراً ) كأنه قال : ما أنزلَ ربكم قالوا : خيراً أي أَنزل خيراً فلو كان ( ذَا ) لغواً لَمَا قالت العربُ : عما ذا تسألُ ولَقالوا : عَمَّ ذَا تسألُ ولكنهم جعلوا ( مَا وذَا ) اسماً واحداَ كما جَعلوا ( مَا وإنَّ ) حرفاً واحداً حين قالوا : ( إنَّما ) ومثل ذلكَ كأنَّما و ( حيثُما ) في الجزاء ولو كان ( ذَا ) بمنزلة ( الذي ) في هذا الموضع البتة لكان الوجه في ( ماذا رأيتُ ) إذا أراد الجواب أن تقول : خيرٌ فهذا الذي ذكر سيبويه بَيّنٌ واضح من استعمالهم ( ذَا ) بمنزلة ( الذي ) فأما أنْ تكون ( الذي ) هي ( ذَا ) فبعيدٌ جداً ألا ترى أنَّهم حين استعملوا ( ذَا ) بمنزلة ( الذي ) استعملوها بلفظها ولم يغيروها والتغيير لا يبلغ هذا الذي ادعوه والله أعلم ولا يعرف له نظير في كلامهم ومَنْ
ومَا وأي يستعملن بمعنى ( الذي ) فيوصلن كما توصل ولكن لا يجوز أن ( يوصفَ بهن ) كما وصف ( بالذي ) لأنها أسماءٌ لمعانٍ تلزمها ولهن تصرفٌ غير تصرفٍ ( الذي ) لأنهن يكنَّ استفهاماً وجزاءَ وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم والألفُ واللام تستعمل في موضع ( الذي ) في الوصف ولكنها لا تدخل إلا على اسم فلما كان ذلك من شأنها وأرادوا أن يصلوها بالفعل نقلوا الفعْلَ إلى اسم الفاعل والفعلَ يريدون فيقولون في موضع ( الذي قامَ ) القائم فالألفُ واللام قد صار اسماً وزال المعنى الذي كان له واسمُ الفاعلِ ها هنا فِعلٌ وذاكَ يرادُ بهِ أَلاَ تَرى أنهُ لا يجوز أن تقول : ( هذا ضَاربٌ زيداً أَمسِ ) حتى تضيف ويجوز أن تقولِ : ( هَذا الضاربُ زيداً أمسِ ) لأنك تنوي ( بالضاربِ ) الذي ضربَ ومتى لم تنو بالألف واللام ( الذي ) لم يجز أن تعمل ما دخلت عليه وصار بمنزلة سائر الأسماء إلا أن الفاعل هنا إعرابُه إعراب ( الذي ) بغير صلةٍ لأنه لا يمكن فيه غير ذلكَ وكان الأخفش يقول : ( إنَّ زيداً ) في قولك : ( الضارب زيداً أَمسِ ) منصوبٌ انتصابَ : الحسَنِ وجهاً وأنه إنما نصب لأنه جاء بعد تمام الإسم
وقال أبو بكر : ليس عندي كَما قَالَ لأن الأسماءَ التي تنتصبُ عن تمام الإسم إنما يكنَّ نكراتٍ والحَسَنُ وما أشبههُ قد قال سيبويه : إنه مشبهُ باسم الفاعلِ وقد ذكرنا ذَا فيما تقدَم
ذكر ما يوصل به الذي :
اعلمْ : أنَّ ( الذي ) لا تتم صلتها إلا بكلامٍ تامٍ وهي توصل بأربعة أشياءٍ : بالفعل والمبتدأ والظرف والجزاء بشرطه وجوابهِ ولا بد من أن يكون في صلته ما يرجع إليه فإن لم يكن كذلك فليس بصلة لهُ والفعل الذي يوصل به ( الذي ) ينقسم انقسامه أربعة أقسام قبل أن يكون صلةً : فِعْلٌ غيُر متعدٍ وفِعٌل متعدٍ لى مفعولٍ واحدٍ وفِعلٌ متعدٍ إلى مفعولين وفِعْلٌ متعدٍ إلى ثلاثة مفاعيل وفِعْلٌ غيرُ حقيقي نحو ( كانَ ) و ( ليسَ ) فهذه الأفعالُ كلها يوصل بها ( الذي ) مع جميع ما عملت فيه وذلك قولك : الذي قامَ والذي ضَربَ زيداً والذي ظَنَّ زيداً منطلقاً والذي أعطى زيداً درهماً والذي أعلمَ زيداً عمراً أبَا فلانٍ ( والذي كانَ قائماً والذي ليسَ منطلقاً ) ففي هذه كلها ضمير ( الذي ) وهو يرجع إليه وهو في المعنى فاعلٌ فاستتر في الفعل ضمير الفاعل لأنه قد جرى على من هو لهُ فإن كان الفعل لغيره لم يستتر الضمير وقلت : ( الذي قامَ أبوهُ أَخوك ) والذي ضربَ أخوهُ زيداً صاحبكَ وأما وصله بالمبتدأ فنحو ( الذي هُوَ زيدٌ أخوك ) والذي زيدٌ أبوهُ غلامُكَ والذي غلامُه في الدار عبد الله
وأما صلته بالظرف فنحو قولك : ( الذي خلفَكَ زيدٌ ) كأنَّك
قلت : ( الذي استقرَّ خلفَكَ زيدٌ ) والذي عندَك والذي أمامَكَ وما أشبه ذلك وأما وصلُه بالجزاء فنحو قولك : ( الذي إنْ تأتِه يأتِك عمروٌ ) و ( الذي إنْ جئتَهُ فهو يُحسنُ إليكَ ) ولا يجوز أن تصلَ ( الذي ) إلا بما يوضحهُ ويبينهُ من الأخبار فأما الإستخبار فلا يجوز أنْ يوصل به ( الذي ) وأَخواتُها لا يجوز أن تقول : ( الذي أَزيدٌ أَبوهُ قائمٌ ) وكذلك النداءُ والأمر والنهي وجملة هذا أن كل ما تمكن في باب الأخبار ولم يزد فيه معنى على جملة الأخبار وصَلُحَ أن يقال فيه صدقٌ وكذبٌ وجازَ أن توصف به النكرة فجائزٌ أن يوصل به ( الذي ) ويجوز أن تصل بالنفي فتقول : ( الذي ما قامَ عمروٌ ) لأنه خبرٌ يجوز في الصدقُ والكذبُ ولأنك قد تصفُ به النكرة فتقول : ( مررتُ برجلٍ ما صَلى )
وكل فعلٍ تصلُ به ( الذي ) أو تصفُ به النكرة لا يجوز أن يتضمن ضمير الموصول أو الموصوف فغير جائزٍ أن تصل به ( الذي ) لو قلت : ( مررتُ برجلٍ نِعَم الرجلُ ) لَما جاز إلا أن تريد : ( هُوَ نِعْمَ الرجلُ ) فتضمر المبتدأ على جهةِ الحكاية
ومن ذلك فِعْلُ التعجبِ لا يجوز أن تصل به ولا تصف لا تقول : ( مررتُ برجلٍ أكرمْ به من رجلٍ ) لأنَّ الصفةَ موضعها من الكلام أن تفصل بين الموصوفات وتبين بعضها من بعض وإنما تكون كذلك إذا كانت الصفة محدودةً متحصلة فأما إذا كانت مبهمة غير متحصلةٍ فلا يجوز ألا ترى أنك
إذا قلت : ( أكرم بزيد وما أكرمه ) فقد فضلتهُ في الكرم على غيره إلا أنكَ لم تذكر المفضول إذ كان أبلغ في المدح أن يظن به كل ضربٍ من الكرم فإذا قلت : أكرم من فلانٍ فَقَدْ تَحصّلَ وزالَ معنى التعجب وجاز أن تصفَ به وتصل به فنعم وبئس من هذا الباب فإن أضمرت مع جميع هذه القولَ جازَ فيهنَّ أن يكُنَّ صفاتٍ وصلاتٍ لأن الكلام يصير خبراً فتقول : مررتُ برجلٍ يقالُ لَهُ : ما أحسنه ويقالُ : أَحسنْ به وبرجلٍ تقولُ لَهُ : اضربْ زيداً وبالذي يقالُ لهُ : اضربْ زيداً وبالذي يقول اضربْ زيداً
ومررتُ برجلٍ نِعْمَ الرجل هُوَ أي : تقولُ نِعْمَ الرجلُ هُوَ وبالذي نِعْمَ الرجلُ هُوَ أي : بالذي يقول : نِعْمَ الرجلُ هُوَ
واعلم أنَّ الصلةَ والصفة حقهما أن تكونا موجودتينِ في حال الفعل الذي تتذكرهُ لأنَّ الشيءَ إنما يوصفُ بما فيه فإذا وصفتهُ بفعلٍ أو وصلتهُ فالأولى به أن يكون حاضراً كالإسم ألا ترى أنكَ إذا قلت : مررتُ برجلٍ ( قائمٍ ) فهو في وقت مروركَ في حال قيامٍ وإذا قلت : ( هذا رجلٌ قامَ أمسِ ) فكأنكَ قلتَ : ( هذا رجلٌ معلومٌ ) أي : ( أعلمه ) الساعة أنهُ قامَ أمسِ ولأنكَ محققٌ ومخبرٌ عما تعلمه في وقتَ حديثكَ وكذلكَ إذا قلت : ( هذا رجل يقومُ غداً ) فإنما المعنى : ( هذا رجلٌ معلومٌ الساعةَ أنَّهُ يقومُ غداً ) وعلى هذا أجازوا : مررتُ برجلٍ معه صقْرٌ صائداً به غداً فنصبوا ( صائداً ) على الحال لأنَّ التأويل ( مقدراً الصيد بهِ غداً ) فإن لم يتأولْ ذلك فالكلام محالٌ وكل موصوفٍ فإنما ينفصلُ من غيره بصفةٍ لزمته في وقته وكذلك الصلة إذا قلت : ( الذي قامَ أمسِ والذي يقومُ غداً ) فإن وصلت ( الذي ) بالفعل المقسم عليه نحو قولك : ( ليقومنَّ ) لم تحتج إليه
لأن القسمَ إنما يدخلُ على ما يؤكد إذا خِيفَ ضَعفُ علم المخاطب بما يقسم عليه والصفة إنما يراعى فيها من الكلام مقدار البيان وبابها : أن يكون خبراً خالصاً لا يخلطه معنى قسم ولا غيره فإن وصل به فهو عندي جائز لأن التأكيد لا يبعده من أن يكون خبراً وأما إنَّ وأخواتها فحكم ( إنَّ ) من بين أخواتها حكم الفعل المقسم عليه إن لم تذكرها في الصلة فالكلام غير محتاج إليها وإن ذكرتها جاز فقلت : ( الذي إنَّ أباهُ منطلقٌ أخوكَ ) وفي ( إنَّ ) ما ليس في الفعل المقسم عليه لأن خبر ( إنَّ ) قد يكون حاضراً وهو بابها وفعلُ القسمِ ليس كذلك إنما يكون ماضياً أو مستقبلاً فحكمه حكم الفعلِ الماضي والمستقبل إذا وصف به و ( ليت ولعلَّ ) لا يجوز أن يوصلَ بهما لأنهما غيرُ أخبارٍ ولا يجوز أن يقال فيهما صدقٌ ولا كذبٌ و ( لكنَّ ) لا يجوز أن يوصل بها ولا يوصفُ لأنهما لا تكون إلا بعد كلام
وأما ( كأَنَّ ) فجائزٌ أن يوصل بها ويوصفُ بها وهي أحسنُ من ( إنَّ ) من أجل كافِ التشبيه تقول : ( الذي كأنَّهُ الأسدُ أَخوكَ ومررت بالذي كأنَّهُ الأسدُ ) لأنه في معنى قولك : مثلُ الأسَدِ واعْلَم أنَّهُ لا يجوز أن تقدَم الصلة على الموصولِ ولا تفرقَ بين الصلة والموصول بالخبر ولا بتوابع الموصول بعد تمامه كالصفة والبدلِ وما أشبه ذلك
ذكر الإِخبار عن الذي :
اعلم : أنَّ ( الذي ) إذا تمت بصلتها كان حكمها حكم سائر الأسماء التامة فجاز أن تقع فاعلةً ومفعولةً ومجرورةً ومبتدأةً وخبراً لمبتدأ فتقول : ( قامَ الذي في الدارِ ورأيت الذي في الدار ومررتُ بالذي في الدار وزيدٌ الذي في الدار ) فيكون خبراً والذي في الدار زيدٌ فتكون
( الذي ) مبتدأةً وزيدٌ خبر المبتدأ وإذا جعلت مبتدأةً فحينئذٍ تكثر المسائلُ وهو الباب الذي أفرده النحويون وجعلوه كحدٍّ من الحدودِ فيقولون إذا قلتَ : ( قامَ زيدٌ ) كيف تخبر عن زيدٍ بالذي وبالألفَ واللام فيكون الجواب : ( الذي قامَ زيدٌ والقائمُ زيدٌ ( فتكون ) الذي مبتدأٌ وقامَ صلتهُ وفيه ضمير يرجع إليه وبه تمَّ
وهو في المعنى : ( زيدٌ ) لأنَّ الضمير هو الذي والذي هو زيدٌ فهو في المعنى : الفاعلُ كما كان حين قلتَ : ( قامَ زيدٌ ) وكذلك إذا دخلت الألف واللامُ بدلاً من الذي قلت : ( القائمُ زيدْ ) فالألف واللامُ قد قامتا مقامَ الذي و ( قائم ) قَدْ حَلَّ مقامَ ( قامَ ) وفي ( قائمٍ ) ضمير يرجع إلى الألف واللام والألفُ واللام هما زيدٌ إلا أنكَ أعربت ( القائمَ ) بتمامه بالإِعراب الذي يجبُ ( للذي ) وحدها إذ لم يكن سبيلٌ إلى غير ذلك وكل اسم قيل لك أخبر عنه فحقه أن تنتزعه من الكلام الذي كانَ فيه وتضع موضعه ضميراً يقومُ مقامهُ ويكون ذلك الضمير راجعاً إلى الذي أو الألف واللام وإنما كان كذلك لأن كل مبتدأٍ فخبره إذا كان اسماً مفرداً في المعنى هُوَ هُوَ فإذا ابتدأتَ ( بالذي ) وجعلت اسماً من الأسماء خبره فالخبر هو ( الذي ) والذي هو الخبر وهذا شرط المبتدأ والخبر وإنما الأخبار عن ( الذي والألف واللامِ ) ضربٌ من المبتدأ والخبر وقد كنت عرفتك أن الصلة كالصفة للنكرة فإذا أشكل عليك شيءٌ من ذلك فاجعل الصلة صفة ليبين لك إنْ قالَ قائلٌ إذا قلت : ( ضربتُ زيداً ) كيف تخبر عن زيد قلت : ( الذي ضربتهُ زيدٌ ) فجعلت موضع ( زيدٍ ) الهاء وهي مفعولةٌ كما كان ( زيدٌ وهو ) ( الذي والذي هو زيد ) فإن جعلته صفةً قلت : ( رجلٌ ضربتهُ زيدٌ ) إلا أنَّ حذف الهاء في
صلة ( الذي ) حَسَنٌ لأنهم استثقلوا اجتماع ثلاثة أشياء في الصلة ( فِعْلٌ وفاعلٌ ومفعولٌ ) فصرن مع ( الذي ) أربعة أشياء تقوم مقامَ اسمٍ واحدٍ فيحذفون الهاءَ لطول الإسم ولك أن تثبتها على الأصلِ فإن أخبرت عن المفعولِ بالألف واللام قلت : ( الضاربُهُ أنا زيدٌ ) وكان حذفُها قبيحاً وقد أجازوهُ على قبحه
وقال المازني : لا يكادُ يسمع من العرب وحذفُ الهاء من الصفة قبيحٌ إلا أنه قد جاء في الشعر
والفرق بينهُ وبين الألف واللامِ أنَّ الهاء ثَمَّة تحذفُ من اسمٍ وهي في هذا تحذف من فعلٍ وإن قيلَ لكَ : أخبرْ عن ( زيدٍ ) من قولك : ( زيدٌ أَخوكَ ) قلت : ( الذي هو أَخوك زيدٌ ) أخذت زيداً من الجملة وجعلت بدله ضميرهُ وهو مبتدأٌ كما كانَ زيدٌ مبتدأً وأخوك خبره كما كان وقولك : هو وأخوك جميعاً صلة ( الذي ) وهي راجعة إلى ( الذي ) والذي هو ( زيدٌ ) وإن أردتَ أن تجعلهُ صفةً فتعتبره بهاء قلت : ( رجلٌ هُو أخوكَ زيدٌ ) فقولك : هو أخوكَ جملةٌ وهي صفةٌ لرجلٍ وزيدٌ الخبرُ فإن أردت أن تخبر عن ( أخوكَ ) قلت : ( الذي زيدٌ هُوَ أخوكَ ) فجعلت الضميرَ موضعَ ( الذي ) انتزعتهُ من الكلام وجعلتهُ خبراً وإنما قال النحويونَ أخبر عنهُ وهو في اللفظ خبر لأنه في المعنى محدثٌ عنهُ ولأنه قد يكون خبراً ولا يجوز أن يحدث عنه نحو الفعل والألف واللام لا مدخل لهما في المبتدأ والخبر كما عرفتك وهذه المسائل تجيءُ في أبوابها مستقصاةً إن شاء الله فإن كان خبر المبتدأ فعلاً أو ظرفاً غير متمكنٍ لم يجز الإِخبارُ عنه إذا قال لكَ : ( زيدٌ قامَ ) كيفَ تخبرُ عن ( قامَ ) لم يجز لأن الفعل لا يضمر وكذا لو قال : ( زيدٌ في الدار ) أخبرْ عن ( في الدار )
لم يجز لأن هذا مما لا يضمر وقد بينا أن معنى قولهم : أخبر
عنهُ أي انتزعهُ من الكلام واجعل موضعهُ ضميراً ثم اجعله خبراً فهذا لا يسوغُ في الأفعال ولا الحروف
واعلم أنهُ إذا كان صلةُ ( الذي ) فعلاً جاز أن يدخل الفاء في الخبر نحو ( قامَ فلَهُ درهمٌ ) والذي جاءني فأنا أكرمهُ شبهَ هذا بالجزاء لأن قولك : فلَهُ درهمٌ تبع المجيء وكذلك هو في الصفة تقول : ( كُلُّ رجلٍ جاءني فلَهُ درهمٌ وكلُّ رجلٍ قام فإني أكرمهُ ) والأصل في جميع هذا طرح الفاء وأنت في ذكرها مخيرٌ إلا أنها إذا دخلت ضارع الكلام الجزاء ويبين أن الخبر من أجل الفعل ولذلك لم يجزْ أن تدخل الفاءُ في كل حالٍ وبأن لو قلت : ( الذي إنْ قمتُ قام فلَهُ درهمٌ ) لم يجزْ لأن معنى لجزاء قد تمَّ في الصلة ولكن لو قلت : ( الذي إنْ قمتُ قامَ فلَهُ درهمٌ إنْ أعطاني أعطيتهُ ) جاز لأنه بمنزلة قولك : ( زيدق إن أعطاني أعطيتهُ ) وكذلك إذا قلت : ( الذي إنْ أَتاني فلَهُ درهمٌ لَهُ دينارٌ ) لا يجوز أن تدخل الفاء على ( لَهُ دينارٌ ) فالفاء إذا دخلت في خبر ( الذي ) أشبه الجزاء من أجل أنه يقعُ الثاني بالأول ألا ترى أنكَ إذا قلت : الذي يأتيني لهُ درهمٌ قد يجوز أن يكون لهُ درهمٌ لا من أجل إتيانهِ ويجوز أن يكونَ لهُ درهمٌ من أجلِ إتيانه فإذا قلت : الذي يأتيني فلهُ درهمٌ دلت الفاءُ على أنَّ الدرهمَ إنما يجب لهُ من أجلِ الإِتيان إلا أن الفرق بين الذي وبين الجزاء الخالص أنَّ الفِعلَ الذي في صلة ( الذي ) يجوز أن يكون ماضياً وحاضراً ومستقبلاً والجزاء لا يكون إلا مستقبلاً وإذا جاءت الفاء فحق الصلة أن تكون على اللفظ الذي يحسن في الجزاء في اللفظ
وإنْ اختلفَ المعنى
فمن أجل هذا يقبحُ أن تقول : ( الذي ما يأتني فلَهُ درهمٌ ) لأنه لا يجوز أن تقول : ( إنْ ما أتاني زيدٌ فلَهُ درهمٌ و ( لاَ ) كُلّ رجلٍ ما أتاني فلهُ درهمٌ ) إذا أردتَ هذا المعنى قلت : ( الذي لم يأتني فلَهُ درهمٌ وكُلُّ رجلٍ لم يأتني فلَهُ درهمٌ ) والقياسُ يوجبُ إجازتهُ للفرق الذي بين ( الذي وبين الجزاء ) لأنهُ إذا جازَ أن يلي الذي من الأفعال ما لا يلي ( إنْ ) وكان المعنى مفهوماً غير مستحيل فلا مانع يمنعُ من إجازته وإنما أجزنا دخولَ الفاء في هذا لأن الذي ما فَعَل قد يجبُ لهُ شيءٌ بتركه الفعل إذا كان ممن يقدر منه ذلك الفِعْلُ وإنما لم يجز ( ما ) مع ( إنْ ) في الجزاء لأن ( ما ) لا تكون إلا صدراً والجزاء لا يكون إلا صدراً فلم يجز لأن ( إن ) تعمل فيما بعد ( ما ) فلما أرادوا النفي أتوا ( بلَمْ ) وبنوها مع الفعل حتى صارت كأنها جزءٌ منه أو ( بلا ) فقالوا ( إنْ لَمْ تَقمْ قمتُ وإنْ لم تقمْ لا أقَمْ )
واعلم أن كل اسمٍ لا يجوز أن تضمره وترفعهُ من الكلام وتكني عنه فلا يجوز أن يكون خبراً في هذا الباب من أجل أنكَ متى انتزعته من الكلام وهو اسم ظاهرٌ أو مضمر فلا بد من أن تضمر في موضعه كما خبرتُكَ
ولك اسم مبنيٌ إلا المبهمات والمضمرات والذي وما كان في معناهُ فإنهن في أصول الكلام لا يجوز أن يكُنَّ خبراً ( للذي ) وكذلك كلُّ ظرفٍ غير متمكنٍ في الإِعراب ليس مما يرفع لا يجوز أن يكون خبراً للذي لأن جميع الأسماء إذا صارت أخباراً ( للذي ) والذي مبتدأٌ
لم يكن بد من رفعها فكلُّ ما لا يرتفع لا يجوز أن يكون خبراً لو قلت : الموضع الذي فيه زيدٌ عندك لم يجز لأنه كان يلزم أن يرفع ( عنه ) وهو لا يرتفع وكذلك ما أشبهه ولو قلتَ
الموضع الذي قمتَ فيه خلفكَ
جاز لأن ( خلفَ ) قد يرفعُ ويتسعُ فيه فيقالُ : ( خلفكَ واسعُ ) وأما ما يجوز من المبهمات والمضمرات فنحو قولك : ( الذي في الدار هَذا والذي في الدار الذي كانَ يُحبُّك والذي في الدار هُوَ ) وكذلك : ما كان في معنى ( الذي ) تقول : ( الذي في الدار مَنْ تُحبُّ والذي في الدار ما تحبُّ ) فيكون الخبر ( مَا ومنَ ) بصلتهما وتمامهما فإن كانتا مفردتين لم يجز أن يكونا خبراً ( للذي ) وكذلك الذي لا يجوز أن يكون خبراً وهو بغير صلة إلا على نحو ما جاء في الشعر مثل قوله
( بَعْدَ اللتيّا واللتيّا والتي ... )
فإن هذا حذف الصلات لعلم المخاطب بالقصة ولا يجوز أن تخبر عن النعت لأنك تحتاج أن تضمره فإذا أضمرته زال أن يكون نعتاً ولو قيل لك أخبر عن العاقل في قولك : ( زيدٌ العاقلُ أخوكَ ) فأخبرت لزمكَ أنْ تقول : ( الذي زيدٌ هوَ أخوكَ العاقلُ ) فتضع موضع ( العاقل ) هو فيصيرُ نعتاً لزيدٍ وهو لا يكون نعتاً ولا يجوز أن تخبر عن ( زيدٍ ) وحده في هذه المسألة
لأنه يلزمك أن تقول : ( الذي هو العاقلٌ أخوك زيدٌ فتصف ( هُوَ ) بالعاقل وهذا لا يجوز ولكن إذا قيل لك أخبر عن مثل هذا فانتزع زيداً وصفتهُ جميعاً من الكلام وقل : ( الذي هو أخوكَ زيدٌ العاقلُ ) ومما لا يجوز أن يكون خبراً المضافُ دون المضاف إليه لو قيل : ( هذا غلامُ زيدٍ ) أخبر عن ( غلامٍ ) ما جاز لأنه كان يلزم أن تضمرَ موضع غلامٍ وتضيفه إلى ( زيدٍ ) والمضمر لا يضاف فأما المضاف إليه فيجوز أن يكون خبراً لأنه يجوز أن يضمر وجميع ما قدمتُ سيزداد وضوحاً إذا ذكرت الأبواب التي أجازها النحويون
باب ما جاز أن يكون خبراً
اعلم : أن أصول الكلام جملتان : فعلٌ وفاعلٌ ومبتدأٌ وخبرٌ وقد عرفتُك كيفَ يكون الفاعل خبراً وأن الفعل لا يجوز أن يكون خبراً مخبراً عنه في هذا الباب وذكرت لك المبتدأ والخبر والإِخبار عن كُل واحدٍ منهما وأبواب هذا الكتاب تنقسم بعددِ أسماء الفاعلين والمفعولين وبحسب ما يتعدى من الأفعال وما لا يتعدى فكلُّ ما يتعدى إليه الفعلُ ويعمل فيه إلا ما استثنيناه مما تقدمَ فهو جائز أن تخبر عنه إلا أن يكون اسماً نكرةً لا يجوز أن يضمر فيعرف فإنه لا يجوز الإِخبار عنه نحو ما ينتصب بالتمييز فجميع الأبواب التي يجوز الإِخبار عن الأسماء التي فيها مميزٌ أربعة عشر باباً :
الأول : الفعل الذي لا يتعدى
والثاني : الفعلُ الذي يتعدى إلى مفعولٍ واحدٍ
والثالث : ما يتعدى إلى مفعولين ولكَ أن تقتصر على أحدهما
والرابع : ما يتعدى إلى مفعولين وليس لكَ أن تقتصر على أحدهما
والخامس : ما يتعدى إلى ثلاثة مفعولينَ
والسادس : الفعلُ الذي بنيَ للمفعول الذي لم يذكر مَنْ فعَلَ بهِ
والسابع : الذي تعداهُ فعلهُ إلى مفعول واسم الفاعل والمفعول لشيءٍ واحدٍ
والثامن : الظروف من الزمان والمكان
والتاسع : المصدرُ
والعاشر : المبتدأُ والخبرُ
والحادي عشر : المضافُ إليهِ
والثاني عشر : البدلُ
والثالث عشر : العطفُ
والرابع عشر : المضمرُ
وقد كان يجب أن يقدم باب ما يخبر فيه ( بالذي ) ولا يجوز أن يخبر عنه بالألف واللام ولكنا أخرناهُ ليزداد وضوحه بعد هذه الأبواب
فأما ما قاسه النحويون من المحذوفات في الكلام ومن إدخال ( الذي ) على ( الذي ) و ( التي ) وركبوه من ذلك فنحو نفرده بعد إن شاء الله
الأول : باب الفعل الذي لا يتعدى الفاعل إلى المفعول :
وهو ( ذهبَ زيدٌ وقعدَ خالدٌ ) وكذلك جميع ما أشبههُ من الأفعال التي
لا تتعدى إذا قيل لك أخبرْ عن ( زيدٍ ) بالذي قلت : ( الذي ذَهَبَ زيدٌ ) فالذي مبتدأٌ و ( ذهبَ ) صلته وفيه ضمير الفاعل وهو يرجع إلى ( الذي ) فقد تم ( الذي ) بصلته وخبرهُ زيدٌ فإن قيل لك أخبر عنه بالألف واللام قلت : ( الذاهبُ أَخوكَ ) فرفعت الذاهب لأنهُ اسمٌ ومعناه : ( الذي ذهبَ ) ولم يكن بدٌ من رفعه لأن اللام لا تنفصل من الصلة كإنفصال ( الذي ) وهي جزءٌ من الإسم ولكن المعنى معنى ( الذي ) فإن ثنيتَ ( الذي ) قلت : ( اللذان قاما أَخواكَ ) فإن جعلتَ ( موضعَ ) الذي الألف واللام قلت : ( القائمانِ أخواك ) ثنيتَ ( القائمَ ) إذ لم يكن سبيلٌ إلى ثنيةِ الألف واللام والتأويل : ( اللذان قاما ) ويرجع إلى الألف واللام الضميرُ الذي في ( القائمينِ ) وليست الألفُ بضميرٍ في ( قائمانِ ) وإنما هي ألفُ التثنية مثلها في سائر الأسماء التي ليس فيها معاني الأفعال كما تقول : الزيدان أخواكَ فإن جمعتَ قلتُ : ( الذينَ قاموا إخوتُكَ ) وبالألف واللام : ( القائمونَ إخوتُكَ ) وتفسيرُ الجمع كتفسير التثنية ومن استفهم قال القائمونَ إخوتُكَ و ( القائمانِ أخواكَ ) ولا يجوز أن تقول القائُم اخوتكَ على قول من قالَ أَقائمٌ أُخوتُكَ لأن قولهم : ( أقائمٌ أُخوتكَ ) تجري مجرى : أَيقومُ أُخوتُكَ وما كان فيه الألف واللام لا يجري هذا المجرى لأنه قد تكملُّ اسماً معرفة والمعارف لا تقومُ مقامَ الأفعالِ لأن الأفعالَ نكراتٌ ولكن لا يجوز أن تعمل ما في صلة الألف واللام وهو ( قائمٌ ) فتقول : ( القائمُ أَبوهُ وأَخوكَ والقائمُ أَبوهما أَخواكض ) ولا يجوز أن تقول : ( القائمانِ أَبواهما أَخواكَ ) من أجل
أنَّ ( قائمٌ ) قد عَمِلَ عَمَلَ الفعْلِ وما تمت الألف واللامُ بعد بصلتهما وما لم يتم فلا يجوز أن يُثنى فإذا أَعملت ( ما ) في صلة الألف واللام في ( فاعل ) امتنعت التثنية وإنّما جاز أن تقول : ( القائمانِ أَخواكَ ) لأن الإسم قد تم والضمير الذي في ( القائمِ ) لا يظهر فأشبه ما لا ضمير فيه وإنما احتمل الضمير الإسم إذا كان في صلة ما هو له وجارياً عليه استغناءً بعلم السامع وليس بابُ الأسماء أن تضمر فيها إنما ذلك للأفعال فإذا لم يكن اسمُ الفاعل فعلاً في الحقيقة للألف واللام أو لما يوصف به أو يكون خبراً لهُ لم يحتمل الضمير ألبتة وقد بينتُ ذا فيما تقدم
وتقول : ( القائمُ أخواهُ زيدٌ والقائمُ أخوتهُ عمروٌ ) لأن الفعلَ للأَخوينَ وللأخوة وهو مقدمٌ فالضمير أبداً عدته بحسب الألف واللام إن عنيت بهما واحداً كان واحداً وإن عنيتَ اثنين كانَ مُثنى وإن عنيتَ جميعاً كان جمعاً وكذلك الألف واللام والذي إنما هي بحسب من تضمر في العدة وإذا قلت : ( اللذانِ ذهبا أخواك ) قلت ( الذاهبان أخواك ) وإذا قلت ( الذين يذهبونَ قومَكَ ) قلت : ( الذاهبونَ قومُكَ ) تثنى اسمَ الفاعل في الموضع الذي تثنى فيه الفِعْلَ ألا ترى أنكَ تقولُ : ( الزيدانِ ذاهبانِ ) لما كنت تقول ( الزيدانِ يذهبانِ ) ولا يجوز أن تقول ( الزيدانِ ذاهبٌ ) وتضمرهما وتقول : ( الزيدانِ ذاهبٌ أبوهما ) كما كنت تقول : ( الزيدانِ يذهبُ أَبوهما ) إلا أنَّ تقدير الالف في ( ذاهبانِ ) غير تقديرها في ( يذهبان ) لأنَّ ألفَ ( يذهبانِ ) للتثنية والضمير وهي في ( ذاهبانِ ) تثنيةٌ وإنما الضميرُ في النية
الثاني : الفعل الذي يتعدى إلى مفعول واحد :
وذلك قولك : ( ضَربَ زيدٌ عمراً ) اعلم أن هذا الباب لا بد من أن يكون في جميع مسائله اسمانِ في كل مسألة فاعلٌ ومفعولٌ فإن قيل لك : ( أخبرْ عن الفاعلِ بالذي ) قلت : ( الذي ضَربَ عمراً زيدٌ ) فالذي رفع بالإبتداء ( وضَربَ عمراً ) صلتهُ وفي ( ضَرَبَ ) ضميرُ ( الذي ) هو راجع إليه وضَربَ وعمروٌ في صلة ( الذي ) وبهما تم اسماً والخبرُ زيدٌ وزيدٌ هو ( الذي )
فإن قيلَ لكَ : ثَنِّ واجمعْ قلتَ : ( اللذانِ ضربا عمراً الزيدانِ ) والذين ضربوا عمراً الزيدونَ لا بد من أن يكون الخبرُ بعدَ المبتدأ مساوياً لهُ وكذلك الضمير الذي في الصلة وهي كلها يشار بها إلى معنى واحدٍ الذي والضميرُ والخبرُ فإن قيل لك : أخبر بالألف واللام عن الفاعل في هذه المسألة قلت ( الضاربُ عمراً زيدٌ ) والتفسير كالتفسير في ( الذي ) فإن قيل لك : ثَنِّ واجمعْ
قلتَ : ( الضاربانِ عمراً الزيدانِ ) والضاربون عمراً الزيدون ولا يجوز أن تقول : ( الضاربُ عمراً الزيدانِ لأن المبتدأَ قد نقص عدده عن عدة الخَبِر والضاربُ عمراً واحدٌ وليسَ في الصلةِ دليلٌ على أن الألف واللام لجماعةٍ فإذا ثنيتَ وجمعتَ
قام الدليل وقد مضى تفسيرُ ذا وينبغي أنْ تراعي في التثنية والجمع ( اللذين ) في الألف واللام أن يكون الإسم الذي فيه الألف واللام بأسره نظيرُ ( الذي ) وحدها في إعرابه وتثنيته وجمعه فإن رفعتَ ( الذي ) رفعتهُ وإن نصبتهُ نصبتهُ وإن خفَضتَهُ خفضتهُ وإنْ ثنيتَه وجمعتَه ثنيتهُ وجمعتهُ وكذلك يكونان إذا قامَ
أحدهما مقامَ الآخر
ومن حيث أعرب الفاعل في هذا الباب نحو : ( الضاربُ ) كإعرابِ ( الذي ) كذلك ثُني وجُمع تثنيته وجمعَهُ ولو كانت الألف واللام تُثنى أو يكون فيها دليل إعرابٍ لأنفصلت كإنفصال ( الذي ) من الصلة فما فيه الألف واللام مما جاء على معنى الذي لفظهُ لفظ الإسم غير الموصول ومعناهُ معنى الموصول فإن قيل لكَ أخبرْ عن المفعول في قولك : ضَربَ زيدٌ عمراً قلت : ( الذي ضربَهُ زيدٌ عمروٌ ) وحذف الهاء حسنٌ كما خبرتك به وإنْ شئت قلتَ : الذي ضربه زيدٌ عمروٌ فالذي مبتدأٌ وضربَهُ زيدٌ صلتهُ والهاء ترجع إلى ( الذي ) وعمروٌ خبرَ المبتدأ والذي هو عمروٌ
فإن ثنيتَ وجمعتَ قلتَ : اللذانِ ضربهما زيدٌ العمرانِ والذينَ ضربهم زيدٌ العمرونَ فإن أخبرتَ بالألف واللام قلتَ : الضاربهُ زيدٌ عمروٌ جعلتَ : الضاربَهُ مبتدأً والهاء ترجع إلى الألف واللام ورفعت زيداً بأنه خبرُ الضاربِ وحذف الهاء في هذه المسألة قبيحٌ وهو يجوزُ على قبحه فإن ثنيتَ وجمعتَ قلتَ : الضاربهما زيدٌ العمرانِ والضاربهم زيدٌ العمرونَ فإذا قلتَ : ( ضربتُ زيداً ) فقيلَ لك : أَخبر عن ( التاءِ ) فهو كالإخبار عن الظاهر وتأتي بالمكنى المنفصل فتقول : ( الذي ضَربَ زيداً أنا ) فإن قيل لك : أَخبرْ عن زيدٍ قلتَ : ( الذي ضربتهُ زيدٌ ) لأنَ الضميرَ وقعَ موقعهُ من الفعل فلم يحتج إلى المنفصل فإن ثنيتَ أو جمعتَ
الأول في ذا كالفاعل في الذي قبله وقال المازني مثلُ ذلك قال أبو بكر والذي عندي أنَّ المفعولَ الأول يجوز أن يقتصر عليه كما ( كانَ ) يجوز أن يقتصر على الفاعل بغير مفعولٍ وليس في الأفعال الحقيقية فِعْلٌ لا يجوز أن تقتصر فيه على الفاعل بغير مفعولٍ
وكل فعلٍ لا يتعدى إذا نُقل إلى ( أَفعلَ ) تعدى فلما كانَ يجوز أن أقول : ( عَلمَ زيدٌ ) فاقتصر على الفاعل جاز أنْ أقول : ( أَعلمَ اللّهُ زيداً ) ولكن لا يجوز أن يقتصر على المفعول الثاني في هذا الباب لأنه المفعولُ الأولُ في الباب الذي قبله وإنما استحالَ هذا من جهة المعنى لأنَّكَ إذا قلت : ( ظننتُ زيداً منطلقاً ) فالشكُّ إنما وقعَ في الإنطلاق لا في زيدٍ فلذلك لا يجوز أن تقول : ( ظننتُ زيداً ) وتقطع الكلام ويجوز أن تقول : : ظننتُ وتسكت فلا تعديه إلى مفعولٍ وهذا لا خلاف فيه وإذا جازَ أن تقول : ( ظننتُ وتسكت فيساوي ( قمت ) في أنه لا يتعدى جاز أن تقول : ( أظننت زيداً ) إذا جعلته يظن بهِ كما تقول أَقمتُ زيداً لأنه لا فرق بين ( ظَنَّ زيدٌ ) إذا لم تعده وبين قامَ زيدٌ كما تقولُ : أَقمتُ زيداً وكل فِعْلٍ لا يتعدى إذا نقلته إلى ( أفعلَ ) تعدّى إلى واحدٍ فإن كان يتعدى إلى واحدٍ تعدّى إلى اثنين وإنْ كانَ يتعدى إلى اثنينِ تعدى إلى ثلاثةٍ فإن نقلتَ ( فَعَلَ ) إلى ( فُعِلَ ) كان بالعكس لأنه إنْ كان لا يتعدى لم يجز نقلهُ إلى ( فُعِلَ ) وإنْ كان يتعدى إلى
مفعولٍ واحدٍ أُقيمَ المفعولُ فيه مقامَ الفاعلِ ولم يتعدَ بعدهُ إلى مفعولٍ وإن كان يتعدى إلى مفعولين أقيمَ أحدهما مقام الفاعل فتعدى إلى مفعولٍ واحدٍ وكذلك إن كان يتعدى إلى ثلاثة مفعولين تعدى إلى مفعولين ( فَفُعِلَ ) ينقصُ مِنْ المفعولاتِ و ( أَفَعلُ ) يزيدُ فيها إذا كان منقولاً من ( فَعَلَ ) فإذا أخبرتَ عن الفاعل ( بالذي ) من قولكَ : أعلمَ اللّهُ زيداً عمراً خيرَ الناسِ قلت : ( الذي أَعلمَ زيداً عمراً خيرَ الناسِ اللّهُ ) وتفسيرهُ كتفسير ما قبله فإن قيلَ لكَ ثنِّ هذه المسألة بعينها فهو محالٌ كُفرٌ لأنَّ الله عز و جل لا سمي له ولا يجوز تثنيته ولا جمعه ولكن لو قلت : ( أعلمَ بكرٌ عمراً زيداً خيرَ الناسِ ) لجاز تثنية بكرٍ وجمعهُ عى ما تقدمَ من البيان وإن قلته : بالألف واللام وأردت الإِخبار عن الفاعل فهو كالإِخبار عنه في الباب الذي قبله وذلك قولك : ( المعلمُ زيداً عمراً خيرُ الناسِ اللّهُ ) والمنبىء زيداً عمراً أَخاكَ اللّهُ وإن أخبرت عن المفعول الأول قلت : ( المعلمهُ الله عمراً خيرَ الناسِ زيدٌ ) وإثباتُ الهاءِ ها هنا هو الوجه وحذفها جائز وهو ها هنا أسهل عندَ المازني وعندي لكثرة صلة هذا حتى قد أفرط طولهُ وإن أخبرت عن المفعول الثاني قلت : ( المعلمهُ الله زيداً خيرَ الناسِ عمروٌ ) وإن شئتَ قلت : ( المعلم الله زيداً إيَّاهُ خيرَ الناسِ عمروٌ ) وهو الوجهُ والقياسُ لأنَّ تقديمَ الضمير كأنهُ يدخلُ الكلام لِبْساً فلا يعلم عن أي مفعولٍ أخبرتَ : أَعن الأول أم الثاني وكذلك إذا أخبرتَ عن الثالث قدمتَ الضمير إنْ
شئتَ قلت : ( المعلمهُ الله زيداً عمراً خيرُ الناسِ ) وإنْ أخرت قلت : المعلمُ اللّهُ زيداً عمراً إيَّاهُ خيرُ الناسِ وهو القياسُ لِما يدخل من اللبسِ ولأنَّ حقَّ الضمير أن يقعَ موقعض الإسم الذي انتزع ليخبر عنه في موضعه
السادس : الفعل الذي بني للمفعول ولم يذكر من فعل به :
اعلم : أن المفعول الذي تقيمه مقامَ الفاعل حكمهُ حكم الفاعل تقول : ضُرِبَ زيدٌ كما تقول : ( ضَربَ زيدٌ ) فإذا أردت أن تخبر عن ( زيدٍ ) من قولك : ضُربَ زيدٌ بالذي قلت : ( الذي ضُرِبَ زيدٌ ) ففي ( ضَرِبَ ) ضميرُ ( الذي ) والذي مبتدأٌ وضرِبَ مع ما فيه من الضمير صلة لهُ وزيدٌ الخبر على ما فسرنا في الفاعل فإن ثنيتَ قلت : ( اللذانِ ضُرِبا الزيدانِ ) وإن جمعت قلت : ( الذينَ ضُرِبوا الزيدونَ ) فإنْ قلتَ ذلك بالألف واللام قلت : ( المضروب زيدٌ ) لأن مفعولاً في هذا الباب كفاعل في غيره أَلا ترى أنَّكَ إذا جعلتهُ صفة قلتَ : ( رجلٌ ضُرِبَ زيدٌ ) ورجلٌ مضروبٌ زيدٌ فإن ثنيتَ قلت : ( المضروبانِ الزيدانِ ) و ( المضروبونَ الزيدون ) وتفسيرُ المفعول كتفسير الفاعل فإن قلتَ : ( أُعطِي زيدٌ درهماً ) فأخبرتَ عن ( زيدٍ ) قلتَ : ( أُعطي درهماً زيدٌ ) وإن أخبرتَ عن الدرهم قلتَ : ( الذي أُعطِي زيدٌ درهمٌ ) وإن شئتَ قلتَ : ( الذي أُعطيهُ زيدٌ درهمٌ ) ولكَ أن تقولَ : ( أُعطيَ زيدٌ إيَّاهُ درهمٌ ) وهو القياسُ لأن الضمير في موضعه والتقديم في هذه المسألة جائزٌ لأنهُ غيرُ ملبس ولكن لو كان أصل المسألة : أُعطي زيدٌ عمراً
ما جاز هذا عندي فيه لأنه ملبس لا يعرف المأخوذ من الآخذ وليس الدرهم
كذلك لأنه لا يجوز أن يكون آخذاً وعلى هذا المثال : ( بابُ ظننتُ وأخواتُها ) تقول : ظُنَّ زيدٌ قائماً فإن أخبرتَ عن ( زيدٍ ) بالذي قلتَ : الذي ظُنَّ قائماً زيدٌ
وإن أخبرت عن ( قائمٍ ) قلت : ( الذي ظُنَّ قائماً زيدٌ ) وإن أخبرتَ عن ( قائمٍ ) قلت : ( الذي ظُنَّ زيدٌ قائمٌ ) وإن شئتَ قلتَ : الذي ظَنَّهُ زيدٌ قائمٌ ولكَ أن تقول : ( الذي ظُنَّ زيدٌ إياهُ قائمٌ ) وهو القياسُ وإن قلتهُ بالألف واللام وأخبرت عن ( زيدٍ ) قلتَ : ( المظنونُ قائماً ) وإن أخبرتَ عن ( قائمٍ ) قلتَ : ( المظنونهُ زيدق قائمٌ ) وإن شئتَ قلتَ : ( المظنونُ زيدٌ إياهُ قائمٌ ) فإن ثنيتَ قلتَ : ( المظنونانِ قائمين الزيدانِ ) وإن جمعتَ قلتَ : ( المظنونون قائمينَ الزيدونَ ) فإذا أخبرتَ عن ( قائمٍ ) قلتَ : ( المظنونهما الزيدانِ قائمانِ ) وإن شئت قلت : ( المظنونُ الزيدانِ إيّاهما قائمانِ ) وعلى هذا القياسُ في الفِعْلِ الذي يتعدى إلى ثلاثة مفعولينَ
السابع : الفاعل الذي تعداه فعله إلى مفعول واسم الفاعل والمفعول فيه لشيء واحد :
وذلك كانَ ويكونُ وما تصرف منهُ وليسَ وما دامَ وما زال وأصبحَ وأمسى وما كانَ نحوهنَّ تقول : ( كانَ عبدُ الله أَخاكَ وأَصبحَ زيدٌ أَباك )
فإن أخبرت عن الفاعل في هذا الباب بالذي قلت : ( الذي كانَ أخاكَ عبد اللِه ) ففي كانَ ضميرُ الذي وهو اسمُها وأخاك خبرها وهي اسمُها وخبرها صلة ( الذي ) و ( الذي ) مبتدأٌ وعبد اللِه خبرهُ والذي أصبحَ أباكَ زيدٌ مثله
فإن أخبرتَ بالألف واللامِ قلت : ( الكائنُ أَخاكَ زيدٌ ) وتقديرهُ تقديرُ : ( الضاربِ أخاكَ زيدٌ ) ولا خلافَ في الإِخبار عن اسم ( كانَ ) فأما خبرها ففيه اختلاف فمن الناس من يجيزُ الإِخبار عنه فيقول : الكائنهُ زيدٌ أَخوكَ والمصبحهُ عمروٌ أخوكَ وإن شئتَ جعلتَ المفعولَ منفصلاً فقلت : ( الكائنُ زيدٌ إياهُ أَخوكَ ) والمصبحُ زيدٌ إياهُ أَبوكَ وقال قوم : إن الإِخبار عن المفعول في هذا الباب محالٌ لأن معناهُ : ( كانَ زيدٌ مِن أَمرهِ كذا وكذا ) فكما لا يجوز أن تخبر عن ( كانَ من أمرهِ كذا وكذا ) كذلك لا يجوز أن تخبر عن المفعول إذا كان في معناه كذا حكى المازني جميع هذا
قال أبو بكر : والإِخبار عندي في هذا الباب عن المفعول قبيحٌ لأنه ليس بمفعولٍ على الحقيقة وليس إضمارهُ متصلاً إنما هو مجازٌ وعلامات الإِضمارِ ها هنا غيرُ محكمةٍ لأنَّ الموضع الذي تقعُ فيه الهاءُ لا يجوز أن تقع ( إياَّه ) ذلك الموقع فأجازتهم إيّاهُ ( في ) كانَ وأخواته دليلٌ على أن علامات الإِضمار لا تستحكم ها هنا قال الشاعر :
( ليتَ هذَا اللَّيْلَ شَهْراً ... لا تَرىا فيه عَريبا )
( لَيْسَ إيَّايَ وإيَّاكَ ... ولا نَخْشَى رَقِيبَا )
فقال : ( ليسَ ) إيَّاي ولم يقل : ليسني فقد فارقَ باب ( ضربني ) وقد
روى ( عليهِ رجلاً ليسني ) وإنما هذا كالمثل لأنهم لا يأمرون ( بعليكَ ) إلا المخاط بَ فقد شذ هذا من جهتين من قولهم : ( عليهِ ) فأمروا غائباً ومن قولهم : ( ليسني ) فأجروهُ مجرى ( ضربني ) فإذا قلت : ( ليسَ زيدٌ أخاكَ ) وأخبرتَ عن الفاعلِ والمفعول فإنَّهُ لا يجوز إلا ( بالذي ) ولا يجوز بالألف واللام لأن ( ليسَ ) لا تتصرف ولا يبنى منها فاعلٌ أَلا ترى أَنَّكَ لا تقول : ( يفعلُ ) منها ولا شيئاً من أمثلةِ الفِعْلِ وهي فِعْلٌ وأصلها ( لَيِسَ ) مثل ( صَيِدَ ) البعيرُ
وألزمتِ الإِسكانَ إذ كانت غير متصرفةٍ فتقول : إذا أَخبرتَ عنِ الفاعل من قولكَ : ( ليسَ زيدٌ أَخاكَ ) الذي ليسَ أَخاكَ زيدٌ وإن أخبرتَ عن المفعول قلت : الذي ليسَ زيدٌ إياهُ أَخوكَ ) وإن شئتَ قلتَ : ( الذي ليسهُ زيدٌ أَخوكَ ) على قياسِ الذين أجازوهُ في ( كانَ ) والذين أجازوا الإِخبارَ عن المفعول في بابِ ( كانَ ) وأخواتِها يحتجون بقول أبي الأَسود الدؤلي :
( فإنْ لا تَكُنْهَا أَوْ تَكُنْه فإنَّهُ ... أَخوها غَذَتْهُ أُمُّهُ بلبانِها )
فجعله كقولك : اضربها ويضربها ولو قلت : ( كانَ زيدٌ حسناً
وجههُ فأخبرت عن الوجه لم يجز لأنَّك كَنتَ تضع موضعهُ ( هُوَ ) فتقول : الذي كانَ زيدٌ حسناً هُو وجههُ إذا كانَ يلزمك أن تضعَ موضع الإسم الذي تخبر عنه ضميراً يرجعُ إلى ( الذي ) كما بينتَ فيما تقدمَ فإذا كان ( هو ) يرجع إلى ( الذي ) لم يرجع إلى زيدٍ شيءٌ وإن رجعَ إلى زيدٍ لم يرجعْ إلى الذي ولكن لو أخبرتَ عن قولكَ : ( حسناً وجههُ بأَسرهِ ) جازَ في قول من أجاز الإِخبار عن المفعول في هذا الباب فتقول : الكائنهُ زيدٌ حَسُنٌ وجههُ ولو أخبرتَ ( بالذي ) لقلت : ( الذي كانَ زيدٌ حَسنٌ وجههُ ) وحذفت ضميرَ المفعولِ من ( كانَ ) كما حذفتهُ من ( ضَرَبَتُ ) حينَ قلتَ : الذي ضَربَ زيدٌ ولو أَثبتَ الهاءَ لجازَ وإنْ أخبرت بالذي على قول من جعل المفعول ( إيَّاهُ ) لم يجز حذفهُ لأنه منفصلٌ وكنتَ تقول : الذي كانَ زيدٌ إياهُ حَسَنٌ وجهه
الثامن : الظروف من الزمان والمكان :
اعلم : أنَّ الظرف إذا أخبرتَ عنه فقد خَلُصَ اسماً وصار كسائر المفعولات إلا أنَّكَ إذا أضمرتهُ أدخلتَ حرف الجرِّ على ضميره ولم تعد الفعلَ إلا ضميره إلا بحرف الجر إلا أنْ تريد السعة فتقدر نصبُه كنصبِ سائر المفعولاتِ وهذه الظروف منها ما يكن اسماً وظرفاً ومنها ما يكونُ ظرفاً
ولا يكون اسماً وقد تقدم ذكرها في هذا الكتاب إلا أنَّا نعيدُ منه شيئاً ها هنا ليقومَ هذا الحدُّ بنفسه فالذي يكون منه ظرفاً واسماً ضمَّ اليومُ والليلةُ والشهرُ والسنةُ والعامُ والساعةُ ونحو ذلك
وأما ما يكون ظرفاً ولا يكون اسماً فنحو ( ذاتَ مرةٍ وبُعيداتَ بَينٍ وبكراً وسَحَراً ) إذا أردتَ ( سَحراً ) بعينه ولم تصرف ولَم تُردْ سحراً من الأسحارِ وكذلك ضَحيّاً إذا أردت ضُحَى يومِكَ وعشيةً وعتمةً إذا أردتَ عشيةَ يومكَ وعتمة ليلتِكَ لم يستعملنَ على هذا المعنى إلا ظروفاً وأما الأماكن وما يكون منها اسماً فنحو المكان والخَلْفِ والقدام والأمامِ والناحية وتكون هذه أيضاً ظروفاً والظروفُ كثيرةٌ وأما ما يكون ظرفاً ولا يكون اسماً فنحو : عندَ وسوى وسواءٌ إذا أردتَ بهنَّ معنى ( غير ) لم تستعملُ إلا ظروفاً ورُبَّما كان الظرفُ ظرفاً والعمل في بعضه لاَ في كلِه نحو : آتيكَ يومَ الجمعةِ وإنما تأتيهِ في بعضه لا كلهِ وكذلك آتيكَ شهرَ رمضانَ وكل ما كان في جواب ( مَتى ) فعلى هذا يجيء وأما ما كان جواباً ( لكم ) فلا يكون العمل إلا فيه
كله نحو : سرتُ فرسخينِ وفرسخاً وميلاً لا يجوز العمل في بعضه دون بعضٍ
وإذا قلت : صمتُ يوماً لم يجزْ أن يكون الصومَ في بعضه من أجل أنه وضع للإِمساكِ عن الطعام والشراب وغيره في اليوم كُلِه
فما كان من الظروف قد يستعمل اسماً فالإِخبار عنه جائزٌ وما كان مِنها لا يجوز إلا ظرفاً لم يجز الإِخبارُ عنه تقول : ( ذهبتُ اليومَ ) فإذا قيلَ لكَ : أَخبرْ عنِ اليومِ ( بالذي ) قلتَ : الذي ذهبتُ فيهِ اليوم ولَمْ يجز حذفُ ( فيهِ ) كما كان يجوز حذف الهاءِ لأن الضمير قد انفصل بحرف الجرِ وكذلك إذا قلتَ : ( قمتُ اليومَ يا هذا ) فجعلتَ اليومَ مبتدأ قلت : ( اليومُ قمتُ فيهِ ) لأنه قد صار اسماً والمضمر لا يكون ظرفاً وكل ما دخل عليه حرفُ الجر فهو اسمٌ وإنما الظرفُ هو الذي قد حُذفَ حرف الجر منه وذلك المعنى يُراد به فإن ثنيتَ قلتَ : اللذان ذهبتُ فيهما اليومانِ
فإن قلت ذلك بالالف واللامِ قلتَ : ( الذاهبُ فيهِ أَنا اليومُ ) والذاهبُ فيهما أَنا اليومانِ فالألفُ واللامُ قد قامَ مقامَ ( الذي ) وأفردت ( ذاهباً ) ولم تثنيهِ لأن فاعله غير مضمرٍ فيه وهو مذكور بعده وإنْ جمعتَ قلتَ الذاهبُ فيهنَ أَنا الأيامُ وكذلك الإِخبار عن المكان إذا قلت : ( جلستُ مكانكَ ) فإذا أردتَ الإِخبارَ عن ( مكانُك ) قلت : ( الذي جلستُ فيه مكانكَ ) واللذانِ جلستُ فيهما مكاناكَ وبالألف واللامِ : ( الجالسُ فيهِ أنا مكانُكَ ) والجالسُ فيهما أنا مكاناكَ فإن جعلتَ الزمان والمكان في هذه المسائل مفعولين على السعة أسقطت حرف الجر فصار حكمه حكم المفعول الذي تقدم ذكره فقلت : في ( ذهبتُ اليوم ) إذا أردت أن تخبر عن اليوم بالذي قلت : ( الذي ذهبتُ اليوم ) كما تخبرُ عن زيدٍ في
قولك : ( ضربتُ زيداً ) تريد : الذي ذهبتهُ اليوم وإن شئتَ أظهرتَ الهاءَ وهو الأصل وإثباتها عندي في هذا أَولى منهُ في ضربتُ : لأنَّ هنا حرف الجر محذوف الهاء معه إخلالٌ بالكلام وتقولهُ بالألف واللام : الجالسهُ أَنا مكانكَ وتقول : ( سرتُ بزيدٍ فرسخينِ يومين ) فالفرسخان ظرفٌ من المكان واليومان ظرفٌ من الزمان فإن أخبرت عن اليومين ( بالذي ) قلت : اللذان سرتُ بزيدٍ فرسخين فيهما يومانِ وبالألف واللام السائرُ أَنا بزيدٍ فرسخين ( فيهما يومان ) وإن أخبرت عنهما على السعة قلت : السائرهما أنا بزيدٍ فرسخينِ يومانِ وبالذي : اللذانِ سرتُ بزيدٍ فرسخين يومانِ وإن شئتَ قلت : سرتهما وهو أحبها إليَّ كي لا يكثر ما يحذفُ فإن بنيت الفعل للمفعول فقلت : ( سيرَ بزيدٍ فرسخانِ يومينِ ) فأنتَ بالخيار إن شئتَ نصبتَ الفرسخينِ ورفعت اليومينِ وإن شئتَ رفعتَ الفرسخينِ ونصبتَ اليومينِ إلا أنَّ الذي ترفعهُ تجعلهُ مفعولاً على السعة لأنه قد صار اسماً وخرج عن حد الظرف وتجعلُ الثاني ظرفاً إن شئت وإن شئتَ جعلتهُ مفعولاً على السعة أيضاً فإذا أخبرتَ عن الفرسخين فيمن رفعهما بالذي قلت : ( اللذانِ سيرا بزيدٍ يومينِ الفرسخانِ وإن قلتهُ بالألف واللام قلت ( المسيرانِ بزيدٍ يومينٍ ) فرسخانٍ ) وإن أخبرت عن ( اليومينِ ) في هذه المسألة وقد رفعت الفرسخينِ قلت ( المسيرُ بزيدٍ فرسخانِ فيهما يومانِ ) هذا إذا كان ( اليومانِ ) ظرفاً فإن جعلتهما مفعولين على السعة قلت : ( المسيرُ هما بزيدٍ فرسخانِ يومانِ ) وإذا قدمتَ الفرسخينَ من قولك : ( سير بزيدٍ فرسخانِ
يومينِ قلت : ( الفرسخانِ سيرا بزيدٍ يومينِ ) فجعلت ضمير الفرسخينِ في ( سِيرَ ) فقلت : سيرا وخَلف الضمير الفرسخين فقامَ مقامهما فإن قدمت اليومين قلت : ( اليومانِ سير بزيدٍ فيهما فرسخانِ ) فأظهرتَ حرفَ الجرِّ لمَّا احتجتَ إلى إضمار ( اليومينِ ) فإن جعلتهما مفعولين على السعة قلت : اليومانِ سيرهما بزيدٍ فرسخانِ فإن قدمت الفرسخينِ واليومين قلت : ( الفرسخانِ اليومانِ سيراهما بزيدٍ ) فالفرسخان : مبتدأٌ واليومانِ مبتداٌ ثانٍ وسيراهما بزيدٍ خبر اليومين والألف ضمير الفرسخين وهي ترجع إليهما وهما ضمير اليومين هذا إذا جعلتهما في أصل المسألة مفعولين على السعة فإن لم تجعلهما كذلك قلت : سيرا فيهما وكل ما قدمته فقد مقامَ مقامهُ ضميره فإن أدخلت ( اللذينِ ) في ( سيرَ ) وجعلتَ ( اللذينِ ) هما الفرسخانِ قلت : ( الفرسخانِ اليومانِ اللذانِ سيرا بزيدٍ فيهما هما ) فالفرسخان : مبتدأٌ أولُ واليومان مبتدأٌ ثانٍ واللذان مبتدأٌ ثالثٌ وصلته سيرا بزيدٍ فيهما والخبرُ ( هُما ) والألف في ( سيرا ) ترجع إلى اللذين و ( فيهما ) ترجعُ إلى اليومين واليومانِ مبتدأٌ وخبرهما اللذان وصلتهما مع خبرهما الجملة واليومان وما بعدهما خَبرَ الفرسخينِ وإن شئتَ قلت : ( اللذانِ سيراهما ) فإن أخبرت بالألف واللام قلت : ( الفرسخانِ اليومانِ المسيران بزيدٍ فيهما هما ) واعتبرْ صحةَ هذه المسائل بأنْ تجعل كل اسمٍ ابتدأتهُ موضعَ ضميره فإن استقام ذلك وإلا فالكلام خطأٌ ألا ترى أن قولك : ( هما ) ضمير الفرسخين و ( هُما ) التي في قولكَ : المسيراهُما ضمير اليومين فإذا جعلت كلَّ واحدٍ منهما موضع ضميره صار الكلام : ( المسيرانِ بزيدٍ يومين فرسخانِ ) فعلى هذا يقعُ التقديم والتأخير في كل هذه المسائل فإن جعلتَ ( اللذين ) في هذه المسألة لليومين قلت :
الفرسخانِ اليومان اللذان سيرا فيهما بزيدٍ فالفرسخان مبتدأٌ واليومانِ مبتدأٌ ثانٍ و ( اللذانِ ) خبرُ ( اليومينِ ) وهُما اليومانِ والألفُ في ( سيرا ) ضمير الفرسخين وفيهما ضميرُ ( اللذينِ ) فلو جعلتَ ( الفرسخين ) موضعَ ضميرهما لقلت : اليومانِ اللذان سير الفرسخان فيهما بزيدٍ هما فإن أخبرت بالألف واللام في هذه المسألة وجعلتهما ( لليومين ) أيضاً قلت : ( الفرسخانِ اليومانِ المسيرهما بزيدٍ هما ) فهما الأولى : مفعولةٌ على السعةِ والثانيةُ فاعلةٌ وإنما ظهر الفاعل ها هنا لأن كُلَّ اسمْ كان فيه ضمير الفاعل جرى على غير نفسه فإن الفاعل يظهر فيه وإنما جاز في ( اللذينِ سيرا ) لأنَّهُ فِعْلٌ فتثنيه وإن كان جارياً على غير مَنْ هُو لهُ ومعنى قولي : جَارٍ على غير مَنْ هو له أن اللذينِ لليومين والألف في ( سيرا ) للفرسخين فلما قلتهُ بالألف واللام لم يصلح أن تقول : المسيراهما كما قلت : ( اللذانِ سيراهما ) لأن مسيراً اسمٌ ولو ثنيتهُ لكان فيه ضمير الألف واللام ولا يجوز غير ذلك كما بينت فيما تقدم يجوز أن تقول القائمان وضمير الفاعل للألف واللام وكذلك المضروبان فالألف واللام في هذا بخلاف ( الذي ) وحدُه لأنها تتحد مع الإسم الذي بعدها فيثني تثنية ( الذي ) وحدهُ إذا كان الفعلُ لهُ فإن لم يكن الفعل للألف واللام يدخل على اسم الفاعل واسم الفاعل لا يحتملُ الضمير إذا جرى على غير من هو لهُ فإذا جرى اسمُ الفاعلِ على غير من هو له أفرد وذكر الفاعل بعده إما مظهراً وإما مكنياً فلذلك قلت الفرسخانِ اليومانِ المسيرهما بزيدٍ هُما لأنك لو جعلتَ الفرسخين في موضعهما
لقلت : اليومانِ المسيرهما بزيدٍ الفرسخانِ ويبينُ لكَ اسمُ الفاعلِ والمفعول إذا جرى على غير من هو لهُ في هذه المسألة تقول : الفرسخان اليومانِ مسيرهما بزيدٍ ( هما ) فتجعل الأولى مفعولةً والثانيةَ تقومُ مقامَ الفاعلِ لأن قولك : مسيرهما هُما الفرسخانِ فإذا جعلت : ( مسيرهما ) خبراً عن اليومين فقد أجريتهما على غير من هُما لهُ فلم يحتمل الإسم إذ جرى على غير نفسه أن يكون فيه ضميرٌ مرفوعُ ولو قلت : ( الفرسخان اليومانِ سيراهما بزيدٍ ) جازَ والألف للفرسخينِ ألا ترى أنك تقول : ( زيدٌ ضاربُه أَنا ) ولو قلت : ( زيدٌ اضربْهُ ) لم تحتجْ إلى ( أنا ) لأن الفعل مما يضمر فيه وإن جرى على غير صاحبه
التاسع : الإِخبار عن المصدر :
اعلَم : أن المصدر إذا كان منصوباً وجاء للتوكيد في الكلام فقط ولم يكن معرفة ولا موصوفاً فالإِخبار فنه قبيحٌ لأنهُ بمنزلة ما ليس في الكلام ألا ترى أنكَ إذا قلت : ( ضربتُ ضرباً ) فليس في ( ضرباً ) فائدةٌ لم تكن في ( ضربتُ ) وإنما تجيء تأكيداً فإذا قلت : ضربتُ ضرباً شديداً أو الضرب الذي تعلمُ فقد أفادكَ ذلك أمراً لم يكن في ( ضربتُ ) فهذا الذي يحسنُ الإِخبار عنه فإن أردتَ الإِخبار عن ذلك قلت : ( الذي ضربتُ ضربٌ شديدٌ ) تريد : ( الذي ضربتهُ ضربٌ شديدٌ ) وإن قلت سِيرَ بزيدٍ سيرٌ شديدٌ قلت الذي سِيرَ بزيدٍ سيرٌ شديدٌ والذي يجوز أن تخبر عنه من المصادر ما جاز أن يقومَ مقامَ الفاعل كما كانَ ذلك في الظروف قال الله تبارك وتعالى ( فإذا نُفخَ في الصورِ نفخةٌ واحدة )
وذكر المازني : أن الإخبار عن النكرة يجوزُ من هذا الباب وإن الأحسن أن يكون معرفةً أو
موصوفاً وهو عندي غيرُ جائزٍ إلا أنْ تريد بالمصدر نوعاً من الفعل فتقول على ذلك : ( ضُرِبَ ضَرْبٌ ) أي : نوعٌ من الضرب وفيه بعدٌ وتقول : ( ضربتُكَ ضرباً شديداَ ) فإذا أخبرتَ عنهُ بالألف واللام قلت : ( الضاربكَ أنا ضَرْبٌ شديدٌ ) أي : ( الذي ضربتكه ضربٌ شديدٌ ) فإن ثنيتَ المصدر أو أفردتَ المرة فيه حَسُنَ الإِخبار لأنك تقول : ضُرِبَ ضربتانِ فتكونُ فيه فائدة لأن قولك : ( ضُرِبَ ) لا يفصح عن ضربتين وكذلك لو قلت : ( ضُرِبَ ضربةٌ واحدةٌ ) أو ضربةٌ ولم تذكر واحدةً فإذا قلت : ( ضُرِبَ بزيدٍ ضربٌ شديدٌ ) قلت : ( المضروبُ بزيدٍ ضَرْبٌ شديدٌ ) و ( المنفوخُ في الصور نفخٌ شديدٌ ) وإذا قلت : ( شربتُ شربَ الإبلِ ) قلت : ( الشاربهُ أَنا شربُ الإِبلِ ) وإذا قلت : ( تبسمتُ وميضَ البرقِ ) قلت : المتبسمة أنا وميضُ البرقِ وقد قال قومٌ : إنَّ وميضَ البرقِ ينتصبُ على ( فعلٍ ) غير ( تبسمتُ ) كأنهم قالوا : ( ومضتُ وميضَ البرقِ ) فهؤلاءِ لا يجيزون الإِخبار عن هذه الجهة ومن نصب المصادر إذا كانت نكرةً على الحال لم يجز الإِخبار عنها كما لا يجوز الإِخبار عن الحال وإذا كانت المصادر وغيرها أيضاً حالاً فيها الألف واللام لم يجز أن تخبر عنها نحو : أَرسلها العِراكَ والقومُ فيها الجماءَ الغفيرَ ورجعَ عودَهُ على بدئهِ وما أشبه هذا مما جاء حالاً وهو معرفة وكل ما شذَّ عن بابه فليس لنا أن نتصرفَ فيه ولا نتجاوز ما تكلموا به وكل اسمٍ لا يكون إلا نكرةً فلا يجوز الإِخبار عنهُ وقد ذكرنا هذا فيما تقدم فقصة : رُبَّ رَجلٍ وأخيهِ وكُلُّ شاةٍ وسخلتَها وما أشبه هذا مما جاء معطوفاً نكرةً فهو كالحالِ لا يجوز الإِخبارُ عنهُ ولو أجزتهُ لوجبَ أن تكرر ( رُبُّ ) فتقول : ( الذي رُبّهُ )
ولا حجةَ في قول العربِ : رُبّهُ رجلاً ورُبّها امرأةً لأنَّ هذا ليس بقياسٍ ولا هو اسمٍ تقدم
قال المازني : وأما قول العرب : ( ويحَهُ رجلاً ) فإنَّما جاءت الهاءُ بعد مذكورٍ وقد يجوز الإِخبار عنها كما يجوز الإِخبارُ عن المضمر المذكور فتقول : ( الذي ويحهُ رجلاً هو ) وفيه قبحٌ لأنَّ ( ويح ) بمعنى الدعاءِ مثل الأمر والنهي والذي لا يوصل بالأمر والتي لأنَّهما لا يوضحانه والدعاءُ بتلكَ المنزلة قال : إلا أنَّ هذا أسهل لأن لفظه كلفظ الخير قال أبو بكر أنا أقولُ : ( وهو عندي غير جائزٍ لأن هذه أخبار جعلتْ بموضع الدعاء فلا يجوز أن تحالَ عن ذلك وأما ما جاء من المصادر مضمراً فعله مثل : إنما أنتَ ضرباً وأنتَ سيراً وضرباً ضرباً ) فلا يجوز عندي الإِخبار عنه لأنها مصادر استغنى بها عن ذكرِ الفعلِ فقامت مقامه فلا يجوز الإِخبار غعنها كما لا يجوز الإِخبار عن الفعل والمصدر يدل على فعله المحذوف فإذا أضمرتهُ لم يدل ضميره على الفعل
والمازني : يجيزُ الإِخبار عن هذا فيقولُ إذا أخبرتَ عن ( سير ) من قولك : إنَّما أَنتَ سيراً قلتَ : ( الذي انتَ إيّاهُ سيرٌ شديدٌ ) كأنَّكَ قلتَ : الذي أنتَ تسيرهُ سيرٌ شديدٌ
العاشر : الإبتداء والخبر :
اعلمْ : أنَّ هذا الباب لا يجوزُ الإٍخبار فيه إلا بالذي لأنه لا يكونُ منه فاعلُ
وذلك قولكَ : ( زيدٌ أخوكَ ) إن أخبرتَ عن ( زيد ) قلت : ( الذي
هو أخوكَ زيدٌ ) انتزعت زيداً من الصلة وجعلتَ موضعهُ ( هو ) فرجع إلى ( الذي ) والذي هُو زيدٌ على ما بينت فيما تقدم وإن أخبرت عن الأخ
قلت : ( الذي زيد هو أخوكَ ) جعلتَ ( هو ) مكان الخبر كما كان في أصل المسألة ولا يجوز هذا التقديم والتأخير لأنهُ ملبسٌ
وتقولُ : ( أنتَ منطلقٌ ) للذي تخاطبُ وإن أردتَ أن تخبر عن المخاطب قلت : ( الذي هو منطلق أنت ) وإن أخبرتَ عن منطلق قلت الذي أنت هو منطلقٌ وإنْ أخبرتَ عن المضمر في ( منطلقٍ ) لم يجز لأنكَ تجعل مكانهُ ضميراً يرجعُ إلى ( الذي ) ولا يرجع إلى المخاطب فيصيرُ المخاطب مبتدأً ليس في خبره ما يرجع إليه وإذا قلت : ( زيدٌ ضربته ) فأخبرت عن ( زيدٍ ) أقمت مقامه ( هو ) فقلت : ( الذي هو ضربتهُ زيدٌ ) فهو يرجع إلى ( الذي ) والهاءُ في ( ضربتهُ ) لم يجز لأنكَ تصيرُ إلى أن تقول : ( الذي زيدٌ ضربتهُ هو ) فإن جعلت الهاء التي في ( ضربتهُ ) ترجع إلى ( زيدٍ ) لم يرجع إلى ( الذي ) شيءٌ وإن رددته إلى ( الذي ) لم يرجع إلى ( زيدٍ ) شيءٌ
قال المازني : هل يجوز أن أحملَ هذا على المعنى لأنَّ زيداً هو الذي في المعنى فإن ذلك أيضاً غير جائز لأنك لا تفيدُ حينئذ بالخبر معنى ولا يجوز الإِخبار عن ( ضربتهُ ) في هذه المسألة لأنه فعلٌ وجملةٌ والأفعال والجملُ لا يخبر عنها لأنك إذا أخبرتَ احتجت أن تضمر ما تخبرُ عنهُ والفعلُ لا يضمرُ وكذلكَ الجملةُ لأن ذلك محالٌ وإذا قلت زيدٌ ذهب عمروٌ إليهِ جاز أن تخبر عن زيدٍ فتقول : ( الذي هو ذهبَ عمروٌ إليه زيدٌ ) لأنك تجعل الهاء التي في ( إليه ) يرجع إلى ( هو ) وتجعلُ ( هو ) يرجع إلى ( الذي ) وإن أخبرت عن ( عمروٍ ) فجائزٌ
فتقول : ( الذي زيدٌ ذهبَ إليه عمروٌ ) وتجعل للفاعل في ( ذهب ) ضميراً
يرجع إلى ( الذي ) وتجعل عمراً خبراً للمبتدأ وإن جعلت في موضع ( عمروٍ ) في هذه المسألة ( هنداً ) كان أبينُ إذا قلت : ( زيدٌ ذهبتْ هندٌ إليهِ ) فأخبرتَ عن ( هندٍ ) قلتُ : التي زيد ذهبتْ إليهِ هندٌ فإن ثنيتَ هنداً قلت : ( اللتانِ زيدٌ ذهبتا إليه الهندانِ ) فصار الكلام أوضحُ لما ظهر ضمير الفاعل وهو الراجع إلى ( اللتين ) فإن أخبرتَ عن ( الهاءِ ) في هذه المسألة لم يجز من حيث لم يجز الإِخبار عن الهاء في ( زيدٍ ضربتهُ ) فإن قلت : ( زيدٌ ذاهبٌ إليه عمروٌ ) فأخبرتَ عن ( عمروٍ ) قلت : الذي زيدٌ ذاهبٌ إليه هو ( عمروٌ ) جعلتَ ( هو ) فاعلاً وجعلتَ ( هو ) منفصلاً لأن ( ذاهباً ) اسمٌ إذا صار خبراً لغير من هو لهُ أو صفةً أو حالاً صار فاعلهُ منفصلاً والفعلُ ليس كذلك وقد مضى تفسير هذا وتقول : ( زيدٌ يضربهُ أبوهُ ) فإن أخبرت عن ( زيدٍ ) قلت : ( الذي هو يضربه أبوهُ زيدٌ ) جعلتَ ( هو ) موضعَ ( زيدٍ ) وهو الراجعُ إلى ( الذي ) والهاء في يضربهُ ترجع إلى ( هو ) وكذلك الهاء في ( أبيهِ ) كما كان في أصل المسألة وإن أخبرتَ عن الأبِ قلتَ : ( الذي زيدٌ يضربه أبوهُ ) فتجعل في ( يضربهُ ) فاعلاً وهو صلة ( الذي ) وجعلت الأب خبراً وهو ( الذي ) وهذه المسألة تلبس بقولك : ( زيدٌ يضربُ أبَاهُ ) لو قيلَ لك أخبر عن ( الأبِ ) لقلت : الذي زيدٌ يضربهُ أبوهُ ولو جعلتَ موضع أبيهِ أمهُ لارتفعَ اللبْسُ لو قيلَ لك كيفَ تخبرُ عن الأمِ من قولك : ( زيدٌ تضربهُ أمهُ ) لقلت : ( التي زيدٌ تضربهُ أمُهُ ) ولو قلت ( زيدٌ يضرب أمه ) فأخبرت عن الأمِ لقلتَ : ( التي زيدٌ يضربُها أمُهُ ) وهذه المسألة متى ما لم يخالف فيها بين
المبتدأ والفاعل أو المفعول ألبسَ فلم يعلم الفاعلُ من المفعول فإن خالفتَ بأن تجعلَ أحدهما مفرداً والآخر مثنىً أو مجموعاً أو تجعلَ أحدهما مذكراً والآخر مؤنثاً زال اللبسُ ألا ترى أن أصل المسألة إذا قلت : ( زيدٌ يضربهُ عمروٌ ) وعمروٌ فاعلٌ لو قيلَ لك : قدم عمراً لقلت : عمروٌ زيدٌ يضربهُ ففي ( يضربُه ) ضمير ( عمروٍ ) مرفوعٌ ولو قيلَ لك : قدم عمراً من قولك : ( زيدٌ يضربُ عمراً ) لقلت : ( عمروٌ زيدٌ يضربهُ ) ففي ( يضربهُ ) ضمير ( زيدٍ ) واللفظُ واحدٌ جعلتَ عمراً فاعلاً أو مفعولاً إذا قدمتهُ وابتدأتهُ فإن خالفتَ بين الإسمين حتى يقعَ ضميراهما متخالفين بأن المرادُ وذلك أن تجعلَ موضع عمروٍ العمرانِ فإذا قلتَ : زيدٌ يضربهُ العمرانِ فقدمتَ العمرينَ مبتدأينِ قلت : ( العمرانِ زيدٌ يضربانهِ ) وإن قلت : ( زيدٌ يضربُ العمرين ) فقدمتَ العمرينِ مبتدأينِ قلت : العمرانِ زيدٌ يضربهما فإن جعلت موضعَ ( يضربُ ) ضارباً من قولك : زيدٌ يضربهُ أبوهُ قلتَ : زيدٌ ضاربهُ أبوهُ فإن أخبرتَ عن الأب قلت : الذي زيدٌ ضاربهُ هو أبوهُ فأظهرتَ ( هو ) منفصلةً لما تقدم ذكره فإن أخبرتَ عن الأب من قولك : ( زيدٌ ضاربٌ أباهُ ) قلتَ : ( الذي زيدٌ ضاربهُ أبوهُ ) ولم تحتجْ إلى ( هو ) لأن ( ضاربَ ) إلى جانب زيدٍ وهو لهُ فأما قولهم : ( السمَنُ منوانِ بدرهمٍ ) فهذا مستعملٌ بالحذف يريدونَ : السمن منوانِ منهُ بدرهمٍ فإن أخبرتَ عن السمن قلت : ( والذي هو منوانِ بدرهمٍ السمنُ ) تريد : ( الذي هو منوانِ منه بدرهمٍ السمنُ ) نقلتهُ عما كانَ والحذفُ بحاله والهاءُ التي في ( منهُ ) ترجِعُ إلى
( هو ) كما كانت ترجعُ إلى السمن في أصل المسألة
وإن أخبرت عن ( المنوينِ ) قلت : ( اللذانِ السمنُ هما بدرهم منوانِ ) وإن أتممت الكلامَ قلت : ( اللذانِ السمنُ هُما بدرهمٍ منهُ منوانٍ ) والإِتمامُ هو أحبُّ إليَّ
لأن المحذوفَ لا ينبغي أن يُصرفَ تصرفَ غير المحذوف وحقه أن يترك على لفظه ليدلَ على ما حذف منه وهذه المسألة نظير قولك : ( زيدٌ عمروٌ قائمٌ إليه ) فزيدٌ : مبتدأٌ كالسمنِ ومنوان : مبتدأٌ ثانٍ كعمروٍ وقولكَ : ( بدرهمٍ منهُ ) خبر ( منوينِ ) والهاءُ في ( منهُ ) ترجعُ إلى ( السمنِ ) كرجوع الهاء في ( إليهِ ) فإن قيلَ لك : أخبر عن خبر السمنِ بأسره وهو قولك : ( منوانِ منهُ بدرهمٍ ) لم يجز لأن الجمل لا تضمر وكذلكَ لو قيلَ لك : أخبر في قولك : زيدٌ عمروٌ قائمٌ إليهِ عن خبر ( زيدٍ ) بأسرهِ لَمْ يَجزْ
الحادي عشر : المضاف إليه :
اعلم : أن المضاف إليه على ضربين : فضربٌ منه يكون الإسمانِ فيه كحروف زيدٍ وعمروٍ يرادُ بهما التسميةُ فقط كرجل اسمهُ عبد الله أو عبد الملك فهذا الضرب لا يجوز أن تخبر فيه عن المضاف إليه لأنه كبعض حروف الإسم وضربٌ ثانٍ من الإِضافة وهي التي يراد بها الملك نحو : ( دارُ عبد الله ) وغلامُ زيدٍ فهذانِ منفصلان جمع بينهما المُلكَ ومتى
زالَ الملكُ زالتِ الإِضافة فهذا الضرب الذي يجوز أن تخبر عن المضاف إليه أما المضاف الأول فلا يجوزُ أن تخبر عنه البتةَ أعني ( غلاماً وداراً ) إذا قلت : غلامُ زيدٍ ودارُ عمروٍ لأنكَ لو أخبرتَ عنهُ لوجبَ أن تضمره وتضيفهُ والمضمر لا يضاف فإذا قلت : ( هذا غلامُ زيدٍ ) فأردت الإِخبار عن ( زيدٍ ) قلت : ( الذي هذا غلامهُ زيدٌ ) جعلت الهاء موضع زيدٍ وهي الراجعة إلى الذي وكذلك إذا قلت قمتُ في دار زيدٍ قلت الذي قمتُ في داره زيدٌ فإن قلت : هذا ابن عرس وسامُ أبرصَ وحَمارُ قَبانَ وأبو الحرثِ وأنتَ تعني الأسدَ فأخبرت عن المضاف إليه في هذا الباب لم يجز لأن الثاني ليس هو شيءٌ يقصدُ إليه وإنما حُمارَ قيانَ اسم للدابةِ ليس أن قبانَ شيءٌ يقصدُ إليهِ كما كان زيد شيئاً يقصد إليه
وقال أبو العباس عن أبي عثمان : أنه قد جاء الإِخبار في مثل : حُمارَ قبانَ وأبي الحرثِ وما أشبههُ ولكنه في الشعر شاذٌ
الثاني عشر : البدل :
اختلف النحويون في الإِخبار في هذا الباب فمنهم من لا يجيز الإِخبار عن المبدل منهُ إلا والبدلُ معه كما يفعلُ في النصب
قال أبو بكر : وإلى هذا أذهبُ وهو الذي يختارهُ المازني ومنهم من يجيز الإِخبار عن المبدل منهُ دون البدلِ فإذا قلت : ( مررتُ برجلٍ أخيكَ ) فأخبرت عن ( رجلٍ ) قلت : الذي مررت بهِ رجلٌ أخوكَ والمار به أنا رجلٌ أخوكَ تجعلُ الرجل خبراً ثم تبدلُ الأخ منه كما كان في أصل المسألة وقومٌ يقولون : المارُ به أنا أخيك رجلٌ فيجعلون ( الأخ ) بدلاً من الإسم المضمر كما كان بدلاً من مظهرٍ
قال المازني : فإنْ أخبرت عن أخيك من قولك : ( مررتُ برجلٍ أخيكَ ) قلت :
المار أنا برجلٍ بهِ أخوكَ قال : وهذا قبيحٌ لأنَّكَ جئتَ بالبدلِ الذي لا يصح الكلام إلا به فجعلته بعد ما قدرت كلامكَ تقديراً فاسداً قال : ومن أجاز هذا أجازَ : ( زيدٌ ضربتُ أخاكَ أباهُ ) قال : وهو جائز على قبحه قال أبو بكر : ومعنى قول المازني : قدرت كلامكَ تقديراً فاسداً يعني : أنَّ حقَّ الكلامِ أن يستغني بنفسه قبل دخول البدل لأن حقَّ البدلِ أي يكون بمنزلة ما ليسَ في الكلام وأن يكون متى أسقط استغنى الكلامُ فلو قلت : ( المارُّ أنَا برجلٍ أخوكَ ) لم يجز لأنهُ لم يرجع إلى الألف واللام شيءٌ فكان الكلام فاسداً وكذلك لو قلت : ( زيدٌ ضربتَ أخاكَ ) لم يجز لأنهُ لم يرجع إلى ( زيدٍ ) شيءٌ وقولكَ ( أباهُ ) بعدُ بمنزلة ما ليس في الكلام قال المازني : وكِلا القولينِ مذهبٌ وليسا بقويين
الثالث عشر : العطف :
اعلم : أن العطف يشبهُ الصفة والبدل من وجهٍ ويفارقهما من وجهٍ أما الوجهُ الذي أشبههما فإنه تابعٌ لِما قبلهُ في إعرابه وأما الوجه الذي يفارقهما فيه فإن الثاني غير الأول والنعتُ والبدلُ هما الأول
ألا ترى أنكَ إذا قلت : ( زيدٌ العاقلٌ ) فالعاقل هو زيدٌ وإذا قلت : ( مررتُ بزيدٍ أخيكَ ) فأخوكَ هو زيدٌ وإذا قلت ( قامَ زيدٌ وأخوكَ ) فأخوك غيرُ زيدٍ فلذلك يجوز أن تخبر عن الإسم المعطوفِ عليهِ الأولِ ويجوز أن تخبر عن الإسم المعطوف الثاني التابع لما قبلهُ ولك أن تخبر عنهما جميعاً تقول : زيدٌ وعمروٌ في الدارِ فإن أخبرتَ عنهما جميعاً قلت : ( اللذانِ هما في الدار زيدٌ وعمروٌ )
وإن أخبرتَ عن زيدٍ قلت : ( الذي هو وعمروٌ في الدار زيدٌ ) وإن أخبرت عن زيدٍ قلت : ( الذي هو وعمروٌ في الدار زيدٌ ) وإن أخبرتَ عن ( عمروٍ ) قلت : ( الذي زيدٌ وهو في الدار عمروٌ ) وإن شئت قلتَ : ( الذي هو زيدٌ في الدار عمروٌ ) لأن المعنى واحدٌ فإن قلت : ( قامَ زيدٌ وعمروٌ ) فأخبرتَ عنهما جميعاً قلت : ( اللذانِ قاما زيدٌ وعمروٌ ) وإن أخبرت عن ( زيدٍ ) قلت : الذي قامَ هو وعمروٌ ( زيدٌ ) فأكدت الضمير في ( قامَ ) بهو لتعطف عليه الظاهر ويجوز أن لا تذكر ( هو ) فتقول : ( الذي قامَ وعمروٌ زيدٌ ) وفيه قبحٌ وإن أخبرت عن ( عمروٍ ) قلت : ( الذي قامَ زيدٌ وهو عمروٌ زيدٌ ) فإن قلت في هذه المسائل بالألف واللام فقياسهُ قياسُ ما تقدم وإن أخبرت عن المفعول من قولك : ضربتُ زيداً وعمراً فإن أردتَ أن تخبر عن ( زيدٍ ) قلت : الذي ضربتهُ وعمراً زيدٌ وإن أخبرتَ عن عمروٍ ) قلت : ( الذي ضربتُ زيداً وإياهُ عمروٌ ) فإن لم تردْ ترتيب الكلام على ما كان عليه قلت : الذي ضربتهُ وزيداً عمروٌ وجاز ذلك لأنَّ قولك : ( ضربتُ زيداً وعمراً وضربتُ عمراً وزيداً ) في الفائدة سواءٌ فإن قلت : ضربتُ زيداً وقامَ عمروٌ لم يجز الإِخبار عن واحدٍ منهما لأنهما من جملتين والعاملان يختلفان فلو أخبرت عن ( زيدٍ ) لكنت قائلاً : ( الذي ضربتهُ وقامَ عمروٌ زيدٌ ) فليس لقولكَ قامَ عمروٌ اتصالٌ بالصلة فإن زدتَ في الكلام فقلتَ وقامَ عمروٌ إليه أو من أجله جاز فإن قلت : ضربتُ زيداً أو عمراً فأخبرت عن ( زيدٍ ) فإن الأخفش يقولُ ( الضاربهُ أنا أو عمراً زيدٌ ) قال لأنَّ
عمراً قد صار كأنه من سببه إن وقع عليهما فِعْلٌ واحدٌ كما تقول : مررتُ برجلٍ ذاهبٍ أبوهُ أو عمروٌ ولو قلت : أو ذاهبٌ عمروٌ لم يجز لأنهما لم يجتمعا في فِعْلِ واحدٍ فيصير عمروٌ إذا جعلت لهُ فعلاً على حدته كأنك قلت : مررتُ برجلٍ ذاهبٌ عمروٌ وكذلك لا يجوز الضاربه أنا والضاربُ زيداً عمروٌ قال أبو بكر لأنه قد انفصل من العامل الذي في صلة الضاربِ وإذا قلت : ضربتُ أو شتمتُ عمراً فأخبرت عن ( عمروٍ ) قلت : ( الذي ضربتُ أو شتمتُ عمروٌ ) تريد : ( الذي ضربتهُ أو شتمتهُ عمروٌ ) فالفعلانِ داخلانِ في الصلة فإن قلتهُ بالألف واللام احتجتَ أن تقول : الضاربه أنا والشاتمه أنا عمروٌ فأخرجتَ ما كان في صلة ( الذي ) عنها لأنه لا بد من ألف ولامٍ أخرى حتى يصير فاعلٌ بمعنى الفعل وهذا لا يجوز ومعنى الكلام أيضاً يتغير لأنك إذا قلت : الذي ضربتُ أو شتمتُ عمروٌ فالشك واقع في الفعلين وإذا قلت ( الضاربهُ أنا أو الشاتمهُ أنا عمروٌ ) فالشك في الإسمين فإن قلت : ضربتُ زيداً أو شتمتُ عمراً لم يجز أن تخبر عن زيدٍ إلا أن تضمر في الجملة الثانية ما يرجعُ إلى ( زيدٍ ) فتقول : ( الذي ضربتُ أو شتمتُ عمراً من أجله أو لهُ زيدٌ )
واعلم : أنه قد جاء في العطف أشياءٌ مخالفةٌ للقياس فمن ذلك قولك : ( مررت برجلٍ قائمٍ أبواه لا قاعدين ) فقولك : ( لا قاعدينِ ) معطوفٌ على ( قائمٍ ) وليس في قولك : ( قاعدينِ ) شيءٌ يرجعُ إلى رجلٍ كما كان في قولك : قائمٌ أبواهُ ضميرٌ يرجع إلى ( رجل ) فجاز هذا في المعطوف على
غير قياسٍ وهذا لفظُ المازني وقول كلُّ من يرضى قوله وكان ينبغي أن تقول : مررتُ برجلٍ قائمٍ أبواه ولا قاعدٍ أبواه وأن لا يجيء الأبوان مضمرين ولكنه حكى عن العرب وكثر في كلامهم حتى صار قياساً مستقيماً ومما جاء في العطف لا يجوز في الأول قول العرب : ( كُلُّ شاةٍ وسخلتَها بدرهمٍ ) ولو جعلتَ السخلةَ تلي ( كُلَّ ) لم يستقمْ ومثلهُ : ( ربَّ رجلٍ وأخيهِ ) فلو كان الأخ يلي : ( رُبَّ ) لم يجز ومن كلام العرب : ( هذا الضاربُ الرجلِ وزيدٍ ) ولو كان زيدٌ يلي الضاربَ لم يكن جراً وينشدونَ هذا البيتَ جراً :
( الواهب المائةِ الهجانِ وعبدِها ... عوذاً تُزجَّى خلفَها أطفالها )
وكان أبو العباس رحمهُ الله يفرقُ بين عبدها وزيدٍ : ويقول : إن الضمير في ( عبدِها ) هو المائة فكأنه قال : وعبدُ المائة ولا يستحسنُ ذلك في ( زيدٍ ) ولا يجيزه وأجاز ذلك سيبويه والمازني ولا أعلمهم قاسوه إلا على هذا البيت
وقال المازني : إنه من كلام العرب والذي قال أبو العباس أولى وأحسن فإذا قلت : ( مررتُ بزيدٍ القائمِ أبواه لا القاعدينِ ) أجريتَ ( القاعدينِ ) على القائم أبواه عطفاً فصارا جميعا من صفة زيدٍ ولم يكن في القاعدينِ ما يرجع إلى الموصول في اللفظ ولكنه جاز في المعرفة كما جاز في النكرة وتقول على هذا القياس : مررتُ بهندِ القائمِ أبواها لا القاعدين فتجري ( القاعدينِ ) عليها
قال المازني : وقد قال قوم من أهل العلم : نجيزُ هذا في الألف واللام ولا نجيزهُ في ( الذي ) لأن الألف واللام ليستا على القياس و ( الذي ) لا بد في صلته من ضميره وقال هؤلاء ألا ترى أنك تقول : ( نِعْمَ الذاهبُ زيدٌ ونِعْمَ القائمُ أبوهُ زيدٌ ونِعْمَ الضارب زيداً عمروٌ ) ولا تقول : ( نِعْمَ الذي ذهبَ زيدٌ ) ألا تَرى أن الألفَ واللامَ قد دخلتا مدخلاً لا يدخلهُ ( الذي ) وكذلك جاز مررتُ بهندٍ القائمِ أبواها لا القاعدينِ ولم يجز : ( مررتُ بهندٍ القائم أبواها لا اللذينِ قَعَدا ) وقال الآخرون : نجيزهُ ( بالذي ) معطوفاً ونجعل صلتهُ على المعنى كما قلنا : أنا الذي قمتُ وأنت الذي قمتَ
وأنا الذي ضربتُكَ فحملناهُ على المعنى فكان الحملُ على المعنى في العطف أقوى إذ كان يكون ذلك في هذا وليس معطوفاً لأنّا قد رأينا أشياءً تكون في العطف فلا تكون في غيره فإذا كانت صلةُ ( الذي ) جائزة أن تحمل على المعنى غير معطوفةٍ فهي معطوفةٌ أشد احتمالاً فأجازوا هذا الباب على ما ذكرتُ لك
قال المازني : وهو عندي جائزٌ على المعنى كما تقول : ( اللذانِ قامَ وقعدَ أخواك ) فتجعل الضمير الذي في ( قام وقعد ) يرجع إلى ( اللذينِ ) على معناهما لا على لفظِهما
ومما جاءَ في الشعر في صلة الذي محمولاً على معناه لا على لفظه :
( وأَنَا الَّذِي قَتَّلتُ بَكْراً بالقَنَا ... وتَرَكْتُ تِغْلِبَ غَيْرَ ذَاتِ سَنَامِ )
ولو حمله على لفظه لقال : ( قَتَل ) قال : وليس كل كلام يحتمل أن
يحمل على المعنى لو قلت : أخَواكَ قامَ وأنتَ تريدُ : قامَ أحدهُما لم يكن كلاماً لأنك ابتدأت الأخوين ولم تجيء في خبرهما بما يرجعُ إليهما فلذلك لم يجز هذا ولو قلت : أخواكَ قام وقعد فحملت ( قامَ وقعدَ ) على معنى الأخوين كان هذا أقوى لأن الكلام كلما طال جاز فيه ما لا يجوز فيه إذا لم يطل ولو قلت : ( اللذانِ قامَ أخواكَ ) تريد : ( اللذان قامَ أحدهما أخواك ) لم يجز وقد يضطر الشاعر فيجيء بالشي على المعنى فيكون ذلك جائز كما جاز له صرف ما لا ينصرف ووضع الكلام في غير موضعه ولا يجوز ذلك في غير الشعر فكلُّ ما شنَع في السمع أجازتُه ولم يستعمل لا تجزه
وقال الأخفش : لو أنَّ رجلاً أجاز : مررت بالذي ذهبت جاريتاهُ والذي أقَامتا على القياس يعني في هذا الباب وعلى أنه يجوز في العطف ما لا يجوز في الإِفراد كان قياساً على قبحه وعلى أنه ليس من كلام العرب ومن لم يجز هذا لم يجز : ( مررتُ بالحَسنة جاريتاهُ لا القبيحتينِ ) إذا أرادَ معنى ( الذي ) ويجوز هذا على أن لا يجريه مجرى ( الذي ) ولكن يدخل الألف واللام للمعرفة وإذا قلت : ( ضربتُ زيداً فعمراً ) فأردتَ الإِخبارَ عن ( زيدٍ ) قلت : ( الذي ضربتُه فعمراً زيدٌ ) فإن أخبرت عن ( عمروٍ ) قلت : ( الذي ضربتُ زيداً فإياهُ عمروٌ ) ولا يجوز أن تجعل ضميره متصلاً وتقدمهُ كما فعلت في الواو لأن معنى الفاء خلاف ذلك وثمَّ كالفاء وكذلك ( لا ) إذا كانت عاطفة فإذا قلت : ( ضربتُ زيداً ثمَّ شتمتُ عمراً ) لم يجز أن تخبر عن زيدٍ بالألف واللام لأنهُ يلزمكَ أن تقول : ( الضاربهُ أنا ثُمَّ الشاتمُ أنَا عمراً زيدٌ ) فلا يكون لقولك : ( الشاتمُ أنا عمراً ) اتصال بما في الصلة إلا أن تريد له أو من أجله كما بينا في مسائل تقدمت لو قلت : الذي ضربتهُ
وضربتُ عمراً زيدٌ أو ثمَّ ضربتُ عمراً أو فضربتُ عمراً لم يجز ذلك كله إلا على هذا الضمير أو تكون تريد : ( ضربتهُ وزيداً ) فتقول : ضربتهُ وضربتُ زيداً ترد الفعل الثاني توكيداً فيجوز على هذا وهو أيضاً قبيحٌ وكذلك لو قلت : الذي ضربتهُ وقمتُ أو ثم قمتُ أو قلتُ زيدٌ لم يجز إلا على ما ذكرتُ لك وهو قبيحٌ ألا ترى أنَّكَ لو قلت : ( مررتُ برجلٍ قائمٍ أبوه وأنا ) جاز ولو قلت : ( مَرَّ زيدٌ برجلٍ وذاهبٌ أنا ) لم يجز إلا على ما ذكرت لك من الضمير فتقول : وذاهبٌ أنا من أجلهِ ولو قلت : ( الذي ضربتُه فبكى زيدٌ أخَوكَ ) جاز لأَنَّ بكاء زيدٍ كان لضربِكَ إياهُ ولو قلت : ( الضاربهُ أنا والباكي زيدٌ أَخوكَ ) لم يجز لأنك إذا أدخلت الألف واللام لم تجعل الأول علةً للآخر وإنما يكون ذلك في الفعل ولو قلت : الذي ضربتهُ وقمتُ زيدٌ كان جيداً لأنَّ الفعلين جميعاً من صلة ( الذي )
وقال الأخفش : لو قلت : الضاربهُ أنا وقمتُ زيدٌ كان جائزاً على المعنى لأن معنى الضاربهُ أنا الذي ضربتهُ وفي ( كتاب الله عز و جل ) : ( إنَ المصدقينَ والمصدقات وأقَرضوا الله قرضا حَسَناً يضاعفُ لهم ) ولو قلت : الضاربة أنا والقائم أنا زيدٌ لم يجز لأن كل واحدٍ منهما اسمٌ على حياله والقائمُ أنا ليس فيه ذكرُ زيدٍ ولو قلت ( الضاربُ زيداً فمبكيه أنتَ ) كان جائزاً على أن يكون الضربُ علةً للبكاءِ لأنك لو قلت : الضاربُ زيداً
فبكى أنا كان جيداً ولو قلت : ( الضاربُ زيداً فالباكي هو أنا ) لم يحسن
وقال الأخفش : إلا على وجهٍ بعيدٍ كأنه ليس فيه ألفٌ ولامٌ كما قالت العرب : هم فيها الجماءَ الغفير يريدون : هُم فيها جماً غفيراً وأرسلها العراك يريد : أرَسلها عِراكاً وقال : قالت العربُ : ( همُ الخمسة العشَر ) يريدون : ( هُم الخمسةَ عَشَرَ )
الرابع عشر : الإِخبار عن المضمر :
إذا قلت : ( قمتُ ) فأخبرتَ عن ( التاءِ ) قلت : ( القائمُ أنَا ) فإن قلت ( قمتَ ) فأخبرتَ عن ( التاءِ ) قلت : ( القائمُ أنتَ ) فإنْ كان الضمير غائباً قلتُ : ( القائمُ هوَ ) وإن أخبرتَ ( بالذي ) قلت : ( الذي قامَ هُوَ والذي قامَ أنتَ والذي قامَ أنَا ) لأنك لو قلت : ( الذي قمتُ أنا والذي قمتَ أنتَ ) لم يكن في صلة ( الذي ) شيءٌ يرجع إليه وزعموا أنه سمع من العرب وهو في أشعارهم : أنا الذي قمتُ وأنت الذي قمتَ إذا بدأت بالمخاطب قبل ( الذي ) أو بدأ المتكلم ( بأنا ) قبل ( الذي ) فحملت ( الذي ) في هذا الباب على المعنى والجيد : أنا الذي قامَ والآخر جائزٌ فإذا قلتَ : ( ضربتني ) فأخبرت عن المفعول قلت : ( الذي ضربته أنا ) فإن قلت : ( ضربتك ) فأخبرت عن الفاعل قلت : الذي ضربكَ أنا ) ولا يجوز : ( الذي ضربتُكَ أنتَ ) ولا ( الذي ضربتني أنا ) إذا أخبرت عن ( التاء ) فإن قدمت ( نفسَكَ ) قبلَ ( الذي ) قلتَ : ( أنا الذي ضربتُكَ وأنا الذي ضربتني ) قال المازني ولولا أن هذا حكي عن العرب الموثوق بعربيتهم لرددناه لفساده وإذا قلتَ :
ضربتُكَ فخبرتَ عن المفعول بالذي قلت : ( الذي ضربتُ أنتَ ) إن شئتَ حذفتَ الهاء من ( ضربتُ ) وإن شئت أثبتها وكذلك إذا قلت : مررتُ بِكَ فأخبرتَ عن ( الكاف ) بالذي قلت : ( الذي مررتُ بهِ أنتَ ) فإن قلتَ : ضربتني أو مررت بي فأخبرتَ عن نفسك قلتَ : ( الذي مررتُ بهِ أنا والذي ضربتهُ أنا ) فالمجرور والمنصوب والمرفوع من المضمر على هذا فإذا قلت : هذا غلامُك فأخبرت عن ( الكاف ) قلت : الذي هذا غلامهُ أنتَ وإذا قلت : هذا غلامي فأخبرت عن الياء قلت : ( الذي هذا غلامهُ أنَا ) وإذا قلت : ( هذا غلامُه ) قلت : ( الذي هذا غلامُه هُوَ ) لأن ( أنَا ) للمتكلم وأنتَ للمخاطب وهو للغائب
وقال المازني في هذا الباب : إنه جائزٌ عند جميع النحويين
ثم قال : وهو عندي رديءٌ في القياس ولولا اجتماع النحويين على إجازته ما أجَزتُهُ قال أبو بكر : والذي جعلهُ عندهُ رديئاً في القياس أنكَ تخرج المضمر الذي هو أعرف المعارف إلى الظاهر لأن ( الذي ) وإن كان مبهماً فهو كالظاهر لأنه يصحُّ بصلته
باب ما تخبر فيه بالذي ولا يجوز أن تخبر فيه بالألف واللام وما يجوز بالألف واللام ولا يجوز بالذي وذلك المبتدأ والخبر
أما ما يخبر فيه ( بالذي ) ولا يجوز بالألف واللام فالمبتدأ والخبر وقد بيناه فيما تقدم وكذلك ما جرى مجراهما والمضاف إليه والإسم المعطوف وكل اسمٍ لا يتصلُ به فعلٌ فيرفعه أو ينصبه أو يتصل به بحرف جرٍ لا يجوز أن تخبر عنهُ إلا ( بالذي ) وكل فعلٍ لا يتصرف فلا يجوز عنه الإِخبار إلا ( بالذي ) وقد تقدم ذكر هذا
وأما ما يجوز بالألف واللام ولا يجوز ( بالذي ) مكانَهُ فقال الأخفش تقول : ( مررتُ بالقائم أخواهُ إلا القاعدين ) ولو قلت : ( مررتُ بالذي قعدت جاريتاهُ لا الذي قامَتا ) لم يجز لأن ( الذي ) لا بد من أن يكون في صلتهما ذكرها وكذلك لو قلت : ( مررتُ بالقاعد أبواها لا القائمين ) كان جيداً
ولو قلت : مررت بالتي قعدَ أبواها لا التي قاما لم يجز لأنه ليس في صلة ( التي ) ذكر لها ألا ترى أنكَ
تقول : ( المضرُوبُ الوجه عبد الله ) ولا تقول : ( الذي ضُرِبَ الوجهُ عبد الله ) وتقول : المضروبةُ الوجهِ ضربتين أمةُ الله
ولا تقول : ( التي ضُرِبتِ الوجهُ ضربتين أمةُ الله لأنهُ ليسَ في صلة ( التي ) لها ذِكْرٌ
ذكر المحذوفات التي قاس عليها النحويون وذلك قولك : ( ضربتُ وضربَني زيدٌ ) وضربني وضربتُ زيداً قال الأخفش : إذا قلتَ : ( ضربتُ وضربني زيدٌ ) فأدخلتَ عليه الألفَ واللام وجعلتَ ( زيداً ) خبراً قلت : ( الضاربهُ أنَا والضاربي زيدٌ ) لا يحسن غير ذلك لأنك حين طرحتَ المفعول في ( ضربتُ وضربني ) لم تزد على ذلك وأنت لو طرحتَ ( الهاءَ ) من قولكَ ( الضاربهُ أنَا والضاربي زيدٌ ) كنتَ قد طرحتَ المفعول به كما طرحتَهُ في ( ضربتُ ) وطرحت الشيءَ الذي تصحُّ به الصلة لأن كلَّ شيءٍ من صلة ( الذي ) لا يرجع فيه ذكر ( الذي ) فليس هو بكلام قال : إلا أنَّ بعض النحويين قد أجازَ هذا وهو عندي غير جائز لطول الإسم لأنه صيرَ ( الضارب أنا والضاربي ) كالشيء الواحد وإذا جعلتَ ( أنا ) هُو الخبر يعني إذا أخبرت عن ( التاء ) كان حذفُ ( الهاء ) أمثلُ من هذا وذلك أنك إذا قلت : ( الضاربُ والضاربهُ زيدٌ أنَا ) إنما أوقعت من ( الضاربِ ) المفعول به ولم توقع ذكر ( الذي ) فلم تزد على مثل ما صنعت في ( ضربتُ وضربني زيدٌ ) لأنك إنما ألغيتَ ثم المفعول وألغيتهُ ها هُنا أيضاً وإن كان في قولك : ( الضاربُ والضاربهُ زيدٌ أنا ) أقبحُ منهُ في ( ضربتُ وضربني زيدٌ ) لأنَّ هذا مما يخل بصلة الإسم أن يحذف منه المفعول به حتى يصير الإسم كأنهُ لم يتعد
قال المازني : إذا أردتَ الإِخبار عن زيد فإن ناساً من النحويين يقولون : ( الضاربُ أنا والضاربي زيدٌ ) قال : وما أرى ما قالوا إلا محالاً إن
كنت لم تنوِ أن يكون في ( الضارب ) مفعولٌ محذوفٌ فإن كنت أردت أن يكون محذوفاً فإثباته أجودُ قال : وإن قلت : إني إنما أحذفه كما أحذفه في الفعل فإن ذلك غير جائز لأنكَ حين حذفته في الفعل لم تضمر وأنت ها هنا تحذفه مضمراً فحذفهما مختلف فلذلك لم يكن مثله في الفعل قال : والقياس عندي أن أقول : ( الضاربُ أنا والضاربي زيدٌ ) فأجعل ( الضارب ) مبتدأ وأجعل ( أنا ) خبره فأجعل ( الضاربي ) مبتدأ وأجعل زيداً خبره وأجعله تفسيراً لما وقع عليه ( ضربتُ ) كما كان تفسيراً له مع الفعل وأجعل الضارب الأول غير متعدٍّ كما كان الفعل الذي بنيته منه غير متعدٍّ وأجعل ( أنا ) خبراً له لأن الفعل والفاعلَ نظيرهما من الأسماء المبتدأُ والخبر لأنك إذا قلت : ( ضرب زيدٌ ) فلا بد لضرب من ( زيدٍ ) كما أنك إذا قلت : ( زيدٌ منطلقٌ ) فلا بد له من ( منطلقٍ ) أو ما أشبههُ فجعلت الأول مبتدأً و ( أنا ) خبره وعطفت عليه مبتدأً وخبره لتكون جملةً عطفتَها على جملةٍ كما كان الفعل والفاعل جملة عطفت عليها فعلاً وفاعلاً جملةً قال : فهذا أشبه وأقيسُ مما قال النحويون
قال أبو بكر : وهذا الباب عندي لا يجوز الإِخبار فيه من أجل أن هاتين الجملتين كجملة واحدة لحاجة الأولى إلى ما يفسرها من الثانية وإذا أدخلت الألف واللام فصلت فإن أحوجت الضرورة إلى الإِخبار فهما بالألف واللام فأَقيسُ المذهبين مذهب المازني ليكون الإسم محذوفاً ظاهراً غير مضمرٍ كما كان في الفعل
وقال الأخفش : من جوز الحذف في ( ضربتُ وضربني زيدٌ ) إذا أَدخلَ عليه الألف واللام قال في
( ظننتُ وظنني زيدٌ عاقلاً ) إذا أعمل الآخر ( الظانُّ ) أنَا ( والظاني عاقلاً زيدٌ ) فإن قال : قد أضمرت اسمين من قبل أن تذكرهما قلت : أما الأول منهما فأضمرتهُ ليكونَ له في الصلة ذكرٌ والثاني أضمرتهُ لأنهُ لا بد إذا أعملتَ الفعلَ في واحد من أن تعمله في الآخر قال : فإن جعلتَ ( أنَا ) هو الخبر يعني : إذا أخبرت عن الياء فحذف الهاء أمثلُ شيئاً لأنك لم تزد على حذف المفعول به كما حذفته من قبل الألف واللام فتقول : ( الظانُّ والظانهُ زيدٌ عاقلاً أنا ) وإن ألحقت ( الهاء ) قلت : ( الظانهُ إياهُ والظانهُ عاقلاً زيدٌ أنا )
قال المازني : فإن قلت : ( ضربني وضربتُ زيداً ) فأخبرت عن ( زيدٍ ) قلت : ( الضاربي هُوَ والضاربهُ أنَا ) فجعلت الضاربي مبتدأ وهو خبره كما كان فاعلاً في ( ضربني ) ليكون الضاربُ يستغني ويكون ( هُو ) يحتاج إلى أن يفسر كما كان محتاجاً وهو في موضع ( ضربني ) وليكون جملةً معطوفة على جملةٍ وكذلك إن كان فعلاً تعدى إلى مفعولين نحو : أعطيتُ وأعطاني زيدٌ درهماً إذا أخبرت عن نفسك قلت : المعطي أنا والمعطى درهماً زيدٌ فجعلت ( أنا ) الأول خبراً ( للمعطى ) كما كان فاعلاً ( لأعطيتُ ) وجعلت الثاني مبتدا وآخر الكلام خبره فجعلته جملة معطوفة على جملة قال أبو بكر : فعلى هذا يجيء هذا الباب وإن كثرت مسائله فقسه على ما ذكرت لك وليس أحد يقوله علمت من أهل العلم لأنهم إنما جروا على أشياء اصطلحوا عليها لم يفكروا في أصولها وهذا أقيس وأشبه بكلام العرب
باب ما ألف النحويون من ( الذي ) و ( التي ) وإدخال الذي على ( الذي ) وما ركب من ذلك
وقياسه قد تقدم من قولنا : إن ( الذي ) لا يتم إلا بصلة وإنه وصلتهُ بمنزلة اسم مفرد فمتى وصلت ( الذي ) بالذي فانظر إلى الأخير منهما فوقه صلته فإذا تم بصلته وخبره فضع موضعه اسماً مضافاً إلى ضمير ما قبله لأنه إن لم يكن فيه ضمير يرجع إليه لم يصلح فإذا كان الأول مبتدأً فإنه يحتاج إلى صلة وخبر كما كان يحتاج وصلته غير ( الذي ) ويكون ( الذي ) الثاني يحتاج إلى صلة وخبر ويكون الثاني وصلته وخبره صلة للأول ولا بد من أن يرجع إلى كل واحد منهما ضمير في صلته حتى يصح معناه إلا أن ( الذي ) التالي للأول يحتاج إلى أن يكون فيه ضميران أحدهما يرجع إلى الثاني والآخر يرجع إلى ( الذي ) الأول وإن كان ( الذي ) بعد ( الذي ) الأول مرتين أو ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً أو ما بلغ فحاله كحال الذي ذكرت لك من المبتدأ والخبر وحاجة كل واحد منهما إلى ما يتمه وما يكون خبراً له تقول : ( الذي التي قامت في داره هندٌ عمروٌ ) فيكون ( الذي )
الأول مبتدأً ويكون ( التي ) الثانية مبتدأةً أيضاً ويكون ( قامت في داره ) فيه ضميران : أحدهما مرفوع وهو المضمر في ( قامتْ ) وهو راجع إلى ( التي ) والهاءُ راجعة إلى ( الذي ) الأول وتكون ( هندٌ ) خبر ( التي ) الثانية وتكون ( التي ) الثانية وصلتها وخبرها صلة للذي ( الأول ) ويكون ( عمروٌ ) خبر ( الذي ) الأول فإن ثنيت قلت : ( اللذانِ اللتانِ قامَتا في دارهِما الهندانِ العمرانِ ) فظهر الضمير الذي كان في ( قامت ) في الواحدة والتفسير ذلك التفسير وكذلك لو قلت : الذي التي في داره هندٌ عمروٌ ففي ( داره ) ضميران أحدهما مرفوعٌ والآخر مجرور فالمرفوع مضمر في الإستقرار المحذوف الذي قام الظرف مقامه ( فالتي ) مع صلتها تقوم مقام اسم مضاف إلى ضميرٍ ( الذي ) ألا ترى أنك لو وضعت موضع ذلك ( أُختهُ ) لجاز أن تقول : ( الذي أُختهُ هندٌ عمروٌ ) وتقول : ( الذي الذي ضرب عمروٌ زيدٌ ) تجعل الفاعل الذي في ( ضَربَ ) يرجع إلى ( الذي ) الأول وإن شئت إلى الثاني وتجعل المفعول المحذوف في ( ضرب ) يرجع إلى الآخر وتجعل عمراً خبراً للثاني وزيداً خبراً للأول وتقول : ( الذي التي أخُتهُ أُمها هندٌ زيدٌ ) فتجعلُ ( الذي ) مبتدأً والتي مبتدأً ثانياً وأختهُ أمها ( صلةٌ التي ) وفيها ما يرجع إلى ( الذي ) وإلى ( التي ) وهند خبر ( التي ) فصارت ( التي ) مع صلتها مبتدأً خبره ( هندٌ ) وهذا المبتدأُ والخبر صلةُ ( الذي ) وقد تم به لأن فيه ذكره و ( زيدٌ ) خبر ( الذي ) فكأنكَ قلت : ( الذي أُختهُ هندٌ زيدٌ ) فلو قلت الذي التي أُختهُ هندٌ أُختها زيدٌ لم يجز لأنك لم تجعل في صلة التي شيئاً يرجع إليهما ولو قلت الذي التي أُختها هندٌ أُخته زيدٌ جازَ لأنكَ جعلتَ ( أُختَها ) مبتدأةً و ( هنداً ) خبرها وهما في صلة ( التي ) وجعلت قولك : أُختهُ خبر التي وجعلت ( الهاء ) التي أضفت الأخت إليها راجعةً إلى ( الذي ) وجعلت التي وصلتها وخبرها صلةً ( للذي ) فصار خبرها مضافاً إلى ضمير الذي يرجع إلى ( الذي )
في صلته وصار زيدٌ خبراً عن ( الذي ) فكأنك قلت ( الذي هندٌ أُختهُ زيدٌ ) فصلح أن تضع هذا موضع ( التي ) لأنه ليس في ( التي ) وصلتها ما يرجع إلى ( الذي ) ولولا الهاء في ( أخته ) ما كان كلاماً فإن أدخلت كان على هذا قلت : ( كان الذي التي أُختها هندٌ أختهُ زيداً ) وإن أدخلت ( ظننتُ ) قلت : ( ظننتُ الذي التي أُختها هندٌ زيداً ) فنصبت ( الذي وزيداً ) وتركت سائر الكلام الذي هو صلة للذي مرفوعاً فإن أدخلت في هذه المسائل ( الذي ) ثالثة فالقياس واحد تقول : ( اللذان الذي التي أُخته أُختها أخُتهما هندٌ زيدٌ أخواكَ ) لا بد في صلة الأخير وخبره من ثلاثة مضمرات بعدد المبتدآت الموصولات
فإن لم يكن كذلك فالمسألة خطأٌ فتجعل اللذين ابتداءً والذي ابتداءً ثانياً والتي ابتداءً ثالثاً وتجعل أُخته أُختها صلة ( للتي ) والهاء في ( أُختهِ ) ترجع إلى ( الذي ) وها في ( أُختها صلة للتي ) والهاء في ( أُختِه ) ترجع إلى ( الذي ) وها في ( أُختها ) ترجع إلى ( التي ) وأُختهما خبر للتي وهي مضافةٌ إلى ضمير ( اللذين ) وهي وصلتها وخبرها صلة ( للذي ) وزيدٌ خبر الذي والذي وصلته وخبره صلة للذين وأخواك خبر ( اللذين ) وتعتبر هذا بأن تجعل موضع ( التي ) مع صلتها اسماً مؤنثاً مضافاً إلى ضمير ما قبله كما كان في قولك : ( أُختهُ ) فتقول : ( اللذانِ الذي أمُهُ أختهما زيدٌ أخواكَ ) فتجعل موضع ( الذي ) بتمامه صاحبهما فتقول : ( اللذان صاحبهُما زيدٌ أخواكَ ) فالكلام وإن طال فإلى هذا يرجع فنعتبره إذا طال بهذا الإمتحان فإنه يسهله وتعرف به الخطأ من الصواب
وتقول : ( اللذان الذي أخوهُ زيدٌ أخوهما أبوه أخواكَ ) تجعل اللذين ابتداءً والذي ابتداءً ثانياً و ( أخوهُ زيدٌ ) صلة الذي وأخوهما ابتداءً وأبوهُ خبرهُ وهما جميعاً خبر ( الذي ) والضمير الذي في ( أخيهما ) راجع
إلى ( اللذينِ ) والضمير الذي في قولك : ( أبوه ) راجع إلى الذي والكلام الذي بعد ( اللذين ) إلى قولك : ( أبوهُ ) صلة للذينِ وأخواكَ خبرٌ عنهما ولو أدخلت على هذا ( كانَ ) أو ظننتُ وما أشبههما من العوامل كان الكلام على حاله كله ما خلا ( اللذين وأخويكَ ) فإنهما يتغيرانِ وذلك قولك : ( ظننت اللذينِ الذي أخوهُ زيدٌ أخوهما أبوهُ أخَويك ) فلو أخبرت عن اللذينِ لقلت : ( الظانَّهما أنا أخويكَ اللذانِ الذي أخوهُ زيدٌ أخوهما أبوهُ )
قال المازني : فإن أخبرت عن زيد جازَ فقلت : ( الظانُّ أنَا اللذين الذي أخوهُ هو أَخوهما أَبوهُ أخويك زيدٌ ) جعلت ( الظانَّ ) ابتداءً وأوقعته على ( اللذين والأخوينِ ) وجعلت صلتهما على حالها وجعلت قولك : هو راجعاً إلى ( الظانِّ ) فلذلك صح الكلام قال : ولو أخبرت عن ( غير زيدٍ ) مما في الصلة لم يجز وإنما لم يجز ذلك لأن ما في الصلة من الأسماء التي هي غير ( زيدٍ ) كلها مضافات إلى مضمراتٍ فلو أخبرت عنهما احتجت أن تنتزعهما من الكلام وتجعل موضعهما ضميراً فلا يقومُ مقامَ الراجع الذي كان شيءٌ ولو أخبرت عن ( الذي ) لقلتُ : الظانُّ أنا اللذينِ هو أَخوهما أبوه أَخويكَ الذي أخوهُ زيدٌ
وقال أبو بكر وهذه مسألة في كتاب المازني ورأيتها في كثير من النسخ مضطربة معمولة على خطأ والصواب ما وجدته في كتاب أبي العباس محمد بن يزيد بخطه عن المازني وقد أثبته كما وجدته قال : لو قلت ( الذي التي اللذانِ التي أبوهما أخواكَ أُختها أُختهُ زيدٌ ) جاز أن تجعل ( الذي ) مبتدأً ( والتي ) مبتدأةً أيضاً ( واللذين ) مبتدأين والتي مبتدأةً
وتجعل ( أبوها ) مبتدأً وهو مضاف إلى ضمير ( التي ) الثانية وأبوهما خبر ( أبيها ) وهو مضاف إلى ضمير ( اللذينِ ) وأُختها خبر ( التي ) الثانية وهو مضاف إلى ضمير ( التي ) الأولى وهذا كله صلة للذينِ وأخواك خبر اللذينِ وهذا كله صلة للتي الأولى يعني اللذينِ وصلتهما وخبرهما ( وأُختهُ ) خبر عن ( التي ) وهي وصلتُها وخبرها صلة ( للذي ) وزيدٌ خبر عن ( الذي )
قال أبو بكر : ويعتبر هذاه بأن تقيم مقام كل موصول مع صلته اسماً حتى تردَّ الجميع إلى واحد فإذا قلت : ( الذي التي اللذانِ التي أبوها أبوهما أُختها أَخواكَ أُختهُ زيدٌ ) عمدت إلى ( التي ) الثانية وصلتها أبوها أبَوهما فأَقمتَ مقامهما ( أمهما ) فصار الكلام الذي التي اللذان أُمهما أختها أخواكَ أختهُ زيدٌ ثم تقيم مقام ( اللذين ) وصلتهما اسماً فتقول : الذي التي صاحباها أَخواكَ أختهُ زيدٌ ثم تقيم مقام ( التي ) مع صلتها ( هندٌ ) فيصير الكلام : ( الذي هندٌ أُختهُ زيدٌ ) فإلى هذا التقدير ونحوه ترجع جميع المسائل وإن طالت
وإذا قلت ( الذي التي اللذانِ التي أبوها أبوهما أُختها أَخواكَ أُخته زيدٌ ) فأردت الإِخبار عن ( الذي ) قلت : ( الذي هو زيدٌ الذي التي اللذانِ التي أبوهما أُختها أخواكَ أُخته ) لأن هذا كله صلة ( للذي ) الذي أخبرت عنه وإن أخبرت عن شيءٍ في الصلة وكان مضافًا إلى ضمير لم يجز وإن كان غير مضاف فالإِخبار عنه جائزٌ نحو الأخوين وزيدٍ فالإِخبار عن هذا كله جائز وتقول : ( الذي إنَّهُ زيدٌ الذي إنَّ أباهُ منطلقٌ ) تجعل ( الذي ) مبتدأ وتعمل ( إنَّ ) في ضميره وتجعل ( زيداً ) خبراً ( لأن ) وتجعل ( إن ) وما عملت فيه صلة ( للذي ) وتجعل ( الذي ) الثاني خبراً للذين الأول وتجعل ( إنَّ أباهُ منطلقٌ ) صلة للذي الثاني
قال المازني : وإنما جاز أن تجعل في صلة ( الذي ) إنَّ لأنهُ قد جاء في القرآن : ( ما إنَّ مفاتَحهُ ) كأنهُ قال والله أعلم الذي إنَّ ( مفاتحهُ ) لأن ( ما ) إذا كانت بمنزلة ( الذي ) كانت صلتها كصلة الذي
باب أخوات الذي وهي ( ما ومن وأي ) مضاف ومفرد يكُنَّ استفهاماً وجزاءً وخبراً بمنزلة ( الذي ) فإذا كن استفهاماً أو جزاءً لم يحتجن إلى صلات وكن أسماء على حدتهن تامات نحو : ( من أبوك ) وما مالك وأي أبوك والجزاء نحو : ( من يأتنا نأته ) وأي يذهب تذهب معه وأياً تأكل آكل وقد يكن بمنزلة ( الذي ) فإذا كن كذلك وصلن بما وصل به ( الذي ) بالإبتداء والخبر وبالظروف وبالفعل وما يعمل فيه نحو : ( اضرب من في الدار واضرب من أبوه منطلق ) وكل ما أكل زيد تريد : ( ما أكله زيد ) وتحذف الهاء من الصلة كما تحذفها من صلة ( الذي ) لطول الإسم وقد توصل ( أي ) بالإبتداء والخبر وقد يحذف المبتدأ من اللفظ ويؤتي بالخبر فإذا كانت كذلك وكانت مضافة بنيت على الضمة في كل أحوالها كقولك : اضرب أيهم أفضل واضرب أيهم قائم ومثل ذلك قراءة الناس : ( ثمَّ لننَزَعنَّ منْ كل شيعةٍ أيُّهم أشَدُّ ) لأنك لو وضعت ( الذي ) ها هنا كان قبيحاً إنما تقول : ( الذي هو قائم ) فإن قلت : ( الذي قائم ) كان قبيحاً فإن قلت : اضرب أيهم في الدار واضرب أيهم هو قائم واضرب أيهم يأتيك نصبت لأنك لو وضعت ( الذي ) ها هنا كان حسناً وزعموا أن من العرب من يقول : ( اضرب أيهم أفضل ) على
القياس وقد قرأ بعض أهل الكوفة : ( ثم لنَنزعنَّ من كُل شيعةٍ أيَّهم أشَّد ) وإنما حذف المبتدأ من صلة ( أي ) مضافة لكثرة استعمالهم إياها فإذا كانت مفردة لزمها الإِعراب فقلت : ( اضرب أياً أفضل ) ولا تثني ها هنا وإن كانت ( الذي ) تقبح ها هنا من قبل أنهم إنما بنوها مضافة وتركوها مفردة على القياس
قال أبو بكر : هذا مذهب أصحابنا وأنا أستبعد بناء ( أي ) مضافة وكانت مفردة أحق بالبناء ولا أحسب الذين رفعوا أرادوا إلا الحكاية كأنه إذا قال : ( اضرب أيهم أفضل ) فكأنه قال : اضرب رجلاً إذا قيل : ( أيهم أفضل ) قيل : هو
والمحذوفات في كلامهم كثيرة والإختصار في كلام الفصحاء كثير موجود إذا آنسوا بعلم المخاطب ما يعنون وهذا الذي اختاره مذهب الخليل
قال سيبويه : زعم الخليل : أن ( أيهم ) إنما وقع في قولهم اضرب أيهم على أنه حكاية كأنه قال : ( اضرب الذي يقال له أيُّهم أفضل )
وشبهه بقول الأخطل :
( ولَقَدْ أَبِيْتُ مِنَ الفَتَاةِ بِمَنْزِلٍ ... فَأَبِيْتُ لا حَرِجٌ ولا مَحْرُومُ )
وأما يونس فزعم : أنه بمنزلة قولك : ( أشهد أنه لعبد الله ) واضرب ( معلقة ) يعني ( بمعلقةٍ ) أنها لا تعمل شيئاً والبناء مذهب سيبويه والمازني وغيرهما من أصحابنا ومن العرب من يعمل ( منْ ) وما نكرتين فإذا فعلوا ذلك ألزموهما الصفة ولم يجيزوهما بغير صفة قالوا : اضرب من طالحاً أو امرر بمن صالح قال الشاعر :
( يا رُبَّ مَنْ يُبْغِضُ أَذْوَادَنَا ... رُحْنَ عَلَى بَغْضائِه واغْتَدَيْن )
وقال الآخر :
( رُبَّما تَكْرَهُ النُّفُوسُ مِنَ الأَمْرِ ... لَهُ فَرْجةٌ كَحَلِّ العِقَال )
فجعلها نكرة وأدخل عليها ( رُبَّ )
واعلم : أنه يجوز أن تقول : لأضربن أيهم في الدار وسأضرب أيهم في الدار ولا يجوز : ( ضربت أيهم في الدار ) وهذه المسألة سئل عنها الكسائي في حلقة يونس فأجازها مع المستقبل ولم يجزها مع الماضي فطولب بالفرق فقال : ( أيٌ ) كذا خلقت
قال أبو بكر : والجواب عندي في ذلك أن ( أياً ) بعض لما تضاف إليه مبهم مجهول فإذا كان الفعل ماضياً فقد علم البعض الذي وقع به الفعل وزال المعنى الذي وضعت له ( أيّ ) والمستقبل ليس كذلك
باب الإستفهام إذا أردت الإِخبار عنه
إذا قلت : ( أيهم كان أخاك ) فأردت الإِخبار عن الأخ قلت : أيهم الذي هو كأنه أخوك وإن شئت ( كان إيّاه ) كما ذكر في مفعول ( كان ) المضمر فيما مضى وذلك أن اسم ( أي ) كان مضمراً في ( كان ) ولم يستقم أن تجعل ( الذي ) قبل ( أي ) لأنه استفهام فجعلت ( هو الذي ) هو ضمير أي تقوم مقامه فصار ( أي ) لأنه استفهام فجعلت ( هو الذي ) هو ضمير أي تقوم مقامه فصار ( أي ) ابتداء في ( كان ) وأخوك خبر ( الذي ) والذي وخبره خبر أي وتقديره تقدير : زيد الذي أبوه ضربه عمرو تجعل ( الذي ) لعمرو والأب هو الفاعل فإن أخبرت عن ( أي ) في هذه المسألة قلت : ( أيهم الذي هو ضرب أخاك ) تجعل ( أيهم ) خبراً مقدماً وتجري الكلام مجراه كأنه في الأصل : ( الذي هو ضرب أخاك أيُّهم ) ثم قدمته لأنه بمنزلة : زيد ضرب أخاك فالإِخبار عن ( زيد ) الذي هو ضرب أخاك زيد فإذا قدمت زيداً وأدخلت عليه ألف الإستفهام قلت : ( أزيد الذي هو ضرب أخاك ) فهذا نظير ( أيهم ) فإن قلت : ( أيهم ضرب أخوك ) فجعلت ( أي ) مفعولة فأردت الإِخبار عن ( أي ) قلت : أيهم الذي إياهُ ضربت أخوك والتقدير : ( الذي إياه ضرب أخوك أيهم ) إلا أنك قدمت ( أي ) وهي خبر الإبتداء لأنها استفهام
( الذي بعضهم هو زيد ) ولكنك قدمت للإستفهام ( فبعض ) يجوز فيها التقديم والتأخير وأن يقع صلةً وغير صلةٍ وخبراً وأيهم إذا كانت استفهاماً لا يجوز أن يكون إلا صدراً كسائر حروف الإستفهام
باب من الألف واللام يكون فيه المجاز تقول في قولك : ( ضربنا الذي ضربني ) إذا كنت وصاحبك ضربتما رجلاً ضربك فأردت أن تجعل اسميكما الخبر قلت : ( الضاربان الذي ضربني نحن ) وتصحيح المسألة
( الضاربان الذي ضرب أحدهما نحن ) وإنما جاز أن تقول : ( الذي ضربني ) على المجاز وإنه في المعنى واحد ألا ترى أنك لا تقول : ( الضارب الذي ضربني أنا ) إلا على المجاز وتصحيح المسألة : ( الضارب الذي ضربه أنا ) لأن الضارب للغائب وإنما جاز الضارب الذي ضربني أنا على قصد الإِبهام كأنه قال : ( من ضرب الذي ضربك )
فأجبته بحسب سؤاله فقلت : ( الضارب الذي ضربني أنا ) كما تقول : ( الضارب غلامي أنا ) والأحسن : ( الضارب غلامه أنا ) لأن الذي هو غلامه قد تقدم ذكره والأحسن أن تضيفه إلى ضميره فإن أردت أن تجعل اسم المضروب هو الخبر من قولك
( ضربنا الذي ضربني ) قلت : ( الضاربة نحن الذي ضربني ) هذا المجاز وتصحيح المسألة الضاربه نحن الذي ضرب أحدنا
باب مسائل من الألف واللام تقول : هذا ثالث ثلاثة قلت : الذين هذا ثالثهم ثلاثة فإن قيل لك : في حادي أحد عشر وثالث ثلاثة عشر أخبر عن أحد عشر وثلاثة عشر
لم يجز أن تقول : الذين هذا حاديهم أحد عشر ولا الذين هذا ثالثهم ثلاثة عشر كما قلت : الذين هذا ثالثهم ثلاثة لأن أصل ( حادي ) أحد عشر وثالث ثلاثة عشر حادي عشر أحد عشر وثالث عشر ثلاثة عشر هذا الأصل ولكن استثقلوا أن يجيئوا باسم قد جمع من اسمين ويوقعوه على اسم قد جمع من اسمين فلما ذهب لفظ ( أحد عشر ) وقام مقامه ضمير رد حادي عشر إلى أصله ومع هذا فلو جاز أن تضمر أحد عشر واثني عشر من قولك حادي أحد عشر وثاني اثني عشر ولا ترد ما حذف لوجب أن تقول : حاديهم وثانيهم وثالثهم ورابعهم فيلبس بثالثهم وأنت تريد ثلث ثلاثة ولو أردت إدخال الألف واللام فقلت : الحادي عشر هم أنا أو
الثاني الثاني عشرهم أنا لم يجز في شيء من هذا إلى العشرين لأن هذا مضاف ولا يجري مجرى الفعل لأنه اشتق من شيئين وكان حق هذا أن لا يجوز في القياس ولولا أن العرب تكلمت به لمنعه القياس وإنما ثاني اثني عشر في المعنى أحد اثني عشر وليس يراد به الفعل وثالث ثلاثة إنما يراد به أحد ثلاثة
قال الأخفش : ألا ترى أن العرب لا تقول : هذا خامس خمسة عدداً ولا ثاني اثنين عدداً وقد يجوز فيما دون العشرة أن تنون وتدخل الألف واللام لأن ذلك بناء يكون في الأفعال وإن كانت العرب لا تتكلم به في هذا المعنى قال : ولكنه في القياس جائز أن تقول : الثاني اثنين أنا والثانيهما أنا اثنان ليس بكلام حسن وإذا قلت : هذا ثالث اثنين ورابع ثلاثة فهو بما يؤخذ من الفعل أشبه لأنك تريد : هذا الذي جعل اثنين ثلاثة والذي جعل ثلاثةً أربعةً ومع ذلك فهو ضعيفٌ لأنه ليس له فعل معلوم إنما هو مشتق من العدد وليس بمشتق من مصدر معروف كما يشتق ( ضارب ) من الضرب ومن ضرب فإذا قلت : هذا رابع ثلاثة تريد رابع ثلاثة
فأخبرت عن ثلاثة قلت : الذين هذا رابعهم ثلاثةٌ وبالألف واللام : الرابعهم هذا ثلاثة وإنما يجوز مثل ذا عندي في ضرورة لأن هذه الأشياء التي اتسعت فيها العرب مجراها مجرى الأمثال ولا ينبغي أن يتجاوز بها استعمالهم ولا تصرف تصرف ما شبهت به فثالث ورابع مشبه بفاعل وليس به وتقول : مررت بالضاربين أجمعون زيداً فتؤكد المضمرين في ( الضاربين ) لأن المعنى : ( الذين ضربوا أجمعون زيداً ) ولو قلت : مررت بالضاربينَ أجمعين زيداً لم يجز لأن الصلة ما تمت ولا يجوز أن تؤكد ( الذين ) قبل أن يتم بالصلة ألا ترى أنك لو قلت : ( مررت بالذين أجمعين في الدار ) لم يجز أنك
وصفت الإسم قبل أن يتم
وتقول : ( زيد الذي كان أبوه راغبين فيه ) فزيد : مبتدأٌ و ( الذي ) خبره ولا بد من أن يرجع إليه ضمير أما الهاء في ( أبويه ) وأما الهاء في ( فيه ) لا بد من أن يرجع أحد الضميرين إلى ( الذي ) والآخر إلى ( زيد ) فكأنك قلت : ( زيد الرجل الذي من قصته كذا وكذا ) فإن جعلت ( الذي ) صفة لزيد احتجت إلى خبر فقلت : زيد الذي كان أبواه راغبين فيه منطلق
فكأنك قلت : ( زيد الظريف منطلق ) فإن جعلت موضع زيد ( الذي ) فلا بد من صلة ولا يجوز أن تكون ( الذي ) الثانية صفة لأن ( الذي ) لا يوصف حتى يتم بصلته فإذا قلت : الذي الذي كان أبواه راغبين فيه فقد تم الذي الثاني بصلته والأول ما تم فإذا جئت بخبر تمت صلة الأولى ( بالذي الثانية ) وخبرها فصار جميعه يقوم مقام قولك : زيد فقط واحتجت إلى خبر فإن قلت : أخوك تم الكلام فقلت : الذي الذي كان أبواه راغبين فيه منطلق أخوك كأنك قلت : ( الذي أبوه منطلق أخوكَ ) فإن جعلت موضع ( منطلق ) مبتدأ وخبراً لأن كل مبتدأ يجوز أن تجعل خبره مبتدأ وخبراً قلت : ( الذي الذي كان أبواه راغبين فيه جاريته منطلقةٌ أخوك )
فكأنك قلت ( الذي أبوه جاريته منطلقة أخوك ) فإن جعلت موضع ( أخوك ) مبتدأ وخبراً قلت الذي الذي كان أبواه راغبين فيه جاريته منطلقةٌ عمرو أخوه فالذي الثانية صلتها ( كان أبواه راغبين فيه ) وهي مع صلتها موضع مبتدأ وجاريته مبتدأ ومنطلقة خبر جاريته وجاريته ومنطلقة جميعاً خبر الذي الثانية والذي الثانية وصلتها وخبرها صلة
للذي الأولى فقد تمت الأولى بصلتها وهي مبتدأ وعمرو مبتدا ثانٍ
وأخوه خبر عمرو وعمرو وأخوه جميعاً خبر الذي الأولى فإن جعلت ( من ) موضع الذي فكذلك لا فرق بينهما تقول : مَنْ مَنْ كان أبواه راغبين فيه جاريته منطلقة عمرو أخوه فإن أدخلت ( كان ) على ( من ) الثانية قلت : ( من كان من أبواه راغبين فيه جاريته منطلقة عمرو أخوه ) لا فرق بينهما في اللفظ إلا أن موضع جاريته منطلقة نصب ألا ترى أنك لو جعلت خبر ( من ) الثانية اسماً مفرداً كمنطلق لقلت : ( من من كان أبواه راغبين فيه منطلقاً عمرو أخوه ) فإن أدخلت على ( من ) الأولى ( ليس ) فاللفظ كما كان في هذه المسألة إلا أن موضع قولك : ( عمرو أخوه ) نصب لأن ( من ) بجميع صلتها اسم ليس وعمرو أخوه الخبر فكأنك قلت : ( ليس زيد عمرو أخوه )
وقال الأخفش : ( إذا قلت الضاربهما أنا رجلان ) جاز ولا يجوز : الثانيهما أنا اثنانِ لأنك إذا قلت : ( الضاربهما ) لم يعلم أرجلانِ أم امرأتان فقلت : رجلان أو أمرأتان وإذا قلت : الثانيهما أنا لم يكونا إلا اثنين فكان هذا الكلام فضلاً أن تقول : الثانيهما أنا اثنانِ قال : ولو قالت المرأة الثانيتهما أنا اثنان كان كاملاً لأنها قد تقول : الثانيتهما أنا اثنتان
إذا كانت هي وامرأة قال : فإن قلت : الضاربتهن أنا إماء اللّهِ والضاربهن أنا إماء الله وقد علم إذا قلت : الضاربهن أنهن من المؤنث قلت : أجل : ولكن لا يدري لعلهن جوار أو بهائم وأشباه ذلك مما يجوز في هذا ولو قالت المرأة : ( الثالثتهن أنا ثلاث ) كان رديئاً لأنه قد علم إذا قالت : الثالثتهن أنه لا يكون إلا ثلاث وكذلك إذا قالت : الرابعتهن أنا أربع يكون رديئاً لأنه قد علم
فإذا قلت : رأيت الذي قاما إليه فهو غير جائز لأن قولك :
الذي قاما إليه ابتداء لا خبر له وتصحيح المسألة رأيت اللذين الذي قاما إليه أخوك فترجع الألف في ( قاما ) إلى ( اللذين ) والهاء في ( إليه ) إلى ( الذي ) وأخوك خبر ( الذي ) فتمت صلة اللذين وصح الكلام ولو قلت : ( ظننت الذي التي تكرمه يضربها ) لم يجز وإن تمت الصلة لأن ( التي ) ابتداء ثانٍ وتكرمه صلة لها وتضربها خبر ( التي ) وجميع ذلك صلة ( الذي ) فقد تم الذي بصلته وهو مفعول أول ( لظننت ) وتحتاج ( ظننت ) إلى مفعولين فهذا لا يجوز إلا أن تزيد في المسألة مفعولاً ثانياً فتقول : ( ظننت الذي التي تكرمه يضربها أخاك ) وما أشبه ذلك وتقول : ( ضرب اللذان القائمان إلى زيد أخواهما الذي المكرمهُ عبد الله ) فاللذان ارتفعا ( بضرب ) والقائمان إلى ( زيد ) مبتدأ وأخواهما خبرهما وجميع ذلك صلة اللذين فقد تمت صلة ( اللذينِ ) والذي مفعول والمكرمة مبتدأ وعبد الله خبره وجميع ذلك صلة ( الذي ) وقد تم بصلته وإن جعلت ( الذي ) الفاعل نصبت ( اللذينِ ) وتقول : رأيت الراكبَ الشاتمهُ فرسَكَ والتقدير رأيت الرجل الذي ركب الرجلُ الذي شتَمهُ فرسَكَ وتقول : ( مررت بالدار الهادمها المصلحُ داره عبد الله ) فقولك : ( الهادمها ) في معنى ( التي هدمها الرجل الذي أصلح دارَهُ عبدُ الله ) وتقول : ( رأيت الحاملَ المطعمَةُ طعامَك غلامُكَ ) أردت : رأيت الرجل الذي حمل الذي أطعمه غلامك طعامك وحق هذه المسائل إذا طالت أن تعتبرها بأن تقيم مقام ( الذي ) مع صلته اسماً مفرداً وموضع ( الذي ) صفة مفردة لتتبين صحة المسألة وتقدير هذه المسألة : رأيت الحاملَ الرجلَ الظريفَ وتقول : ( جاءني القائم إليه الشارب ماءهُ الساكن داره الضارب أخاه زيد ) فالقائم إليه اسم واحد وهذا كله في صلته والشارب ارتفع
بقائم والساكن ارتفع ( بشارب ) والضارب ارتفع ( بساكن ) وزيد ( بضارب ) وتقول : ( الضارب الشاتم المكرم المعطيه درهماً القائم في داره أخوك سوطاً أكرم الآكلَ طعامَهُ غلامُهُ ) تريد : ( أكرم الآكلُ طعامَهُ غلامَهُ الضاربُ الشاتمَ المكرمَ المعطيهُ درهماً القائم في داره أخوك سوطاً ) كأنك قلت : أكرم زيد الضارب الرجل سوطاً
واعلم : أنه لك أن تبدل من كل موصول إذا تم بصلته ولا يجوز أن تبدل من اسم موصول قبل تمامه بالصلة فتفقد ذا فمن قولك ( الضارب ) إلى أن تفرغ من قولك سوطاً اسم واحد فيجوز أن تبدل من القائم بشراً ومن المعطي بكراً ومن المكرم عمراً ومن الشاتم خالداً ثم لك أن تبدل من الضارب وما في صلته فتقول : ( عبد الله ) فتصير المسألة حينئذ : الضاربُ الشاتمُ المكرمُ المعطيهُ درهماً القائم في داره أخوك سوطاً بشر بكراً عمراً خالداً عبد الله أكرم الآكل طعامه غلامه وإنما ساغ لك أن تبدل من القائم مع صلته لأنك لو جعلت موضعه ما أبدلته منه ولم تذكره لصلح ولا يجوز أن تذكر البدل من ( المعطيه ) قبل البدل من ( القائم ) لأنك إذا فعلت ذلك فرقت بين الصلة والموصول والبدل من القائم في صلة المعطي والبدل من المعطي في صلة المكرم فحق هذه المسألة وما أشبهها إذا أردت الإِبدال أن تبدأ بالموصول الأخير فتبدل منه ثم الذي يليه وهو قبله فإذا استوفيت ذلك أبدلت من الموصول الأول لأنه ليس لك أن تبدل منه قبل تمامه ولا لك أن تقدم البدل من الضارب الذي هو الموصول الأول على اسم من المبدلات الباقيات لأنها كلها في صلة الضارب ولو فعلت ذلك كنت قد
أبدلت منه قبل أن يتم
فإن أبدلت من الفاعل وهو ( الآكل ) فلك ذاك فتقول : الضارب الشاتم المكرم المعطيه درهماً القائم في داره أخوك سوطاً أكرم الآكل طعامَهُ غلامهُ جعفر
وتقول : الذي ضربني إياه ضربت فالذي مبتدأ وخبره إياه ضربت والهاء في ( إياه ) ترجع إلى الذي وإنما جاء الضمير منفصلاً لأنك قدمته وتقول بالذي مررت بأخيه مررت تريد : مررت بأخيه إذا قلت : ( الذي كان أخاه زيد ) إن أردت النسب لم يجز لأن النسب لازم في كل الأوقات وإن أردت من المؤاخاة والصداقة جاز تكون الهاء ضمير رجل مذكور وتقول : الذي ضربت داره دارك فالذي مبتدأ وضربت صلته وداره مبتدأ ثان ودارك خبرها وهما جميعاً خبر ( الذي ) وتقول : ( الذي ضربت زيد أخوك ) فالذي مبتدأ و ( ضربت ) صلته وزيد الخبر وأخوك بدل من زيد وتقول : الذي ضربت زيداً شتمت تريد : ( شتمت الذي ضربته زيداً ) فتجعل زيداً بدلاً من الهاء المحذوفة وتقول : ( الذي إياه ظننت زيد ) ( الذي ظننته زيداً ) وتجعل إياه لشيء مذكور ولا يجوز أن تقول : ( الذي إياه ظننت زيد )
وإن جعلت ( إياه ) للذي لأن الظن لا بد أن يتعدى إلى مفعولين ولا يجوز أن تعديه إلى واحد فإن قلت : المفعول الثاني الهاء محذوفة من ( ظننت ) فلا يجوز في هذا في الموضع أن تحذف الهاء لأنها ليست براجعة إلى الذي وإنما هي راجعة إلى مذكور قبل الذي وإنما تحذف الهاء من صلة ( الذي ) متى كانت ترجع إلى ( الذي ) وكذاك : ( الذي أخاه ظننت زيد ) وإن أضمرت هاء في ( ظننت ) ترجع إلى الذي جاز وإن جعلت الهاء في ( أخيه ) ترجع إلى ( الذي ) لم يجز أن تحذف الهاء من ( ظننت ) لأنها حينئذ لمذكور غير الذي وإنما جاز حذف الهاء إذا كانت ضمير ( الذي ) لأنها حينئذ لا يتم الذي إلا بها فتحذف منه لطول الإسم كما
حذفوا الياء من اشهيباب فقالوا : اشهباب لطول الإسم
فأما إذا كانت الهاء ضميراً لغير الذي فقد يجوز أن تخلو الصلة من ذلك ألبتة فأفهم الفرق بين الضميرين وما يجوز أن يحذف منهما وما لا يجوز حذفه وتقول : ( الذي ضارب أخوك ) تريد الذي هو ضارب أخوك فتحذف هو وإثباتها أحسن ( فهو ) مبتدأ وضارب خبره وهما جميعاً صلة ( الذي ) وهو يرجع إلى ( الذي )
وتقول : الذي هو وعبد الله ضاربان لي أخواك
نسقت بعبد الله على ( هو ) فتقول في هذه المسألة على قول من حذف : ( هو الذي وعبد الله ضاربان لي أخوك ) عطفت ( عبد الله ) على ( هو ) المحذوف وهو عندي قبيح والفراء يجيزه وإنما استقبحته لأن المحذوف ليس كالموجود وإن كنا ننويه ويجب أن يكون بينهما فرق والعطف كالتثنية فإذا جئت بواو وليس قبلها اسم مسموع يعطف عليه كنت بمنزلة من ثنى اسماً واحداً لا ثاني له ألا ترى أن العرب قد استقبحت ما هو دون ذلك وذلك قولك : ( قمت وزيد ) يستقبحونه حتى يقولوا : قم أنت وزيد فاذهب أنت وربُّك لأنه لو قال ( اذهب وربكَ ) كأن في السمع العطف على الفعل وإن كان المعنى غير ذلك وهو يجوز على قبحه وتقول : ( الذي هو وعبد الله ضَرباني أخوكَ ) فإن حذفت ( هو ) من هذه المسألة لم يجز لا تقول : ( الذي وعبد الله ضرباني أخوكَ ) فتضمر ( هو ) لأن هو إنما تحذف إذا كان خبر المبتدأ اسماً ألا ترى أنكَ إذا قلت : ( الذي هو ضربني زيد ) لم يجز أن تحذف ( هو ) وأنت تريده فتقول : ( الذي ضربني زيد ) لأنَّ الذي قد وصلت بفعل وفاعل والفاعلُ ضمير ( الذي ) ولا دليل في ( ضربني ) على أن هنا محذوفاً كما يكون في الأسماء ألا ترى أنك إذا قلت : ( الذي منطلقٌ زيد ) فقد دلك ارتفاع
( منطلقٍ ) على أن ثم محذوفاً قد ارتفع به ولا يجوز حذف ما لا دليل عليه فلما لم يجز هذا في الأصل لم يجز في قولك : ( الذي وعبد الله ضرباني أخوكَ ) وجاز في قولك : ( الذي وعبد الله ضاربانِ لي أخوكَ ) فهذا فرق ما بين المسألتين ولا يجوز أيضاً : ( الذي وعبد اللّهِ خلفكَ زيد ) تريد : ( الذي هو ) فإن أظهرت ( هو ) جاز والفراء يجيز : الذي نفسه محسن أخوكَ تريد : الذي هو نفسهُ محسن أخوكَ يؤكد المضمر وكذاك : ( الذين أجمعون محسنون أخوتك ) تريد : ( الذين هم أجمعونَ ) فيؤكد المضمر قال : ومحال : ( الذي نفسهُ يقومُ زيد ) وقام أيضاً وكذلك في الصفة يعني الظرف محال الذي نفسه عندنا عبد اللّهِ فإن أبرزته فجيد في هذا كله ومن قال : ( الذي ضربتُ عبد اللّهِ ) لم يقل : ( الذي كان ضربتُ عبد الله ) وفي ( كان ) ذكر الذي لأن الضمير الراجع إلى الذي في ( كان ) فليس لك أن تحذفه من ( ضربت ) لأن الهاء إذا جاءت بعد ضميرٍ يرجع إلى ( الذي ) لم تحذف وكانت بمنزلة ضمير الأجنبي فإن جلعت في ( كان ) مجهولاً جاز أن تضمر الهاء لأنه لا راجع إلى الذي غيرها وليس في هذه المسألة ( ككان ) تقول : ( الذي ليس أضربُ عبد اللّهِ ) وفي ( ليس ) مجهول فإن كان فيه ذكر ( الذي ) لم يجز فإن ذهبت ( بليس ) مذهب ما جاز أن ترجع الهاء المضمرة إلى ( الذي ) فإذا قلت : ( الذي ما ضربتُ عبد اللّهِ ) الهاء المضمرة ترجع على ( الذي ) فإن قلت : ( الذي ما هو أكرمتُ زيد ) في قول من جعل ( هو ) مجهولاً جاز لأن الإِضمار يرجع على ( الذي ) وتقول : ( الذي كنت أكرمتُ عبد الله ) تريد أكرمتهُ
وتقول : ( الذي أكرمتُ ورجلاً صالحاً عبد الله )
تريد : أكرمته وعطفت على الهاء والأحسن عندي أن تظهر الهاء إذا عطفت عليها وتقول : ( الذي محسناً ظننتُ أخوكَ ) تريد : ظننتهُ ومحسناً مفعول ثان فإذا قلت : ( الذي محسناً ظننتُ وعبد الله أخوك ) قلت : محسنينِ لأنك تريد : الذي ظننتهُ وعبد الله محسنينِ
وأجاز الفراء : ( ما خلا أخاهُ سارَ الناسُ عبد اللّهِ ) تريد : الذي سارَ الناسُ ما خلا أخاهُ عبد اللّه
ويقول : الذي قياماً ليقومن عبد الله تريد : ( الذي ليقومنَ قياماً عبد الله ) وكذلك : ( الذي عبد الله ليضربنَ محمدٌ ) ورد بعض أهل النحو ( الذي ليقومنَ زيدٌ ) فيما حكى الفراء وقال فاحتججنا عليه بقوله ( وإنَّ منكم لَمَنْ ليبطئنَ ) وإذا قلت : ( الذي ظنَّكَ زيداً منطلقاً عبد الله ) فهو خطأ لأنه لم يعد على الذي ذكره وإذا قلت : ( الذي ظنكَ زيداً إياهُ عبد الله ) فهو خطأ أيضاً لأنه لا خبر للظن وهو مبتدأ فإن قلت : ( الذي ظنكَ زيداً إياهُ صواب عبد الله ) جاز لأن الذكر قد عاد على ( الذي ) وقد جاء الظن بخبر ولا يجوز أن تقول : ( الذي مررتُ زيدٌ ) تريد : ( مررت به زيدٌ ) كما بينت فيما تقدم
ويجوز : ( الذي مررت مَمرٌ حسنٌ ) لأن كل فعل يتعدى إلى مصدره بغير حرف جر و ( الذي ) هنا هي المصدر في المعنى ولك أن تقول : ( الذي مررتهُ ممرٌ حسنٌ ) وقال الفراء : لا إضمار هنا لأنه مصدر كأنك قلت : ( ممرُكَ مَمرٌ حَسنٌ ) واحتج بقول الله عز و جل : ( فاصدع بما تؤمر ) وقال : لا إضمار هنا لأنه في مذهب المصدر وكذاك ( ما خلق الذكر والأنثى ) لم يعد على ( ما ) ذكر لأنه في مذهب المصدر قال أبو بكر : أما قوله في ( ما ) ففيها خلاف من النحويين من يقول : أنها وما بعدها قد يكون بمعنى المصدر
ومنهم من يقول : إنها إذا وقعت بمعنى المصدر فهي أيضاً التي تقومُ مقامَ ( الذي ) ولا أعلم أحداً من البصريين يجيز أن تكون ( الذي ) بغير صلة ولا يجيز أحدٌ منهم أن تكون صلتها ليس فيها ذكرها إما مظهراً وإما محذوفاً ولا أعرف لمن ادعى ذلك في ( الذي ) حجة قاطعة وقوله عز و جل : ( فاصدعْ بما تؤمرُ ) قد بينت ذلك : أن الأفعال كلها ما يتعدى منها وما لا يتعدى فإنه يتعدى إلى المصدر بغير حرف جرٍ وتقول : ( ما تضربُ أخويك عاقلين ) تجعل ( ما ) وتضرب في تأويل المصدر كأنك قلت : ( ضَرْبُكَ أَخويكَ إذا كانا عاقليِن وإذْ كانا عاقلينِ ) ولا يجوز أن تقدم ( عاقلين ) فتقول : ( ما تضرب عاقلينِ أَخويكَ ) ولا يجوز أيضاً : ما عاقلينِ تضربُ أَخويكَ وإنما استحال ذلك من قبل أن صلة ( ما ) لا يجوز أن تفصل بين بعضها وبعض ولا بين ( ما ) وبينها بشيءٍ ليس من الصلة
وتقول : ( الذي تضربُ أَخوينا ) ( قبيحينِ ) تريد : ( إذا كانا قبيحينِ ) فإن قلت : قبيحٌ رفعت فقلت : ( الذي تضربُ أخوينا قبيحٌ )
واعلم : أن هذه الأسماء المبهمة التي توضحها صلاتها لا يحسن أن توصف بعد تمامها بصلاتها لأنهم إذا أرادوا ذلك أدخلوا النعت في الصلة إلا ( الذي ) وحدها لأن ( الذي ) لها تصرف ليس هو لمنْ وما ألا ترى أنك تقول : ( رأيتُ الرجلَ الذي في الدار ) ولا تقول : رأيتُ الرجلَ مَنْ في الدار وأنت تريد الصفة وتقول : ( رأيتُ الشيءَ الذي في الدار ) ولا تقول : ( رأيتُ الشيءَ ما في الدار ) وأنت تريد : الصفة فالذي لما كان يوصف بها حَسُنَ أن توصف و ( مَنْ وما ) لما لمْ يجز أن يوصف بهما لم يجز أن يوصفا ويفرق بين الذي وبين ( مَنْ ) وما أن الذي تصلح لكل موصوف مما يعقل ولا يعقلُ وللواحد العلمِ وللجنس وهي تقوم في كل موضع مقام الصفة و ( مَنْ )
مخصوصة بما يعقل ولا تقع موقع الصفة و ( ما ) مخصوصة بغير ما يعقل و لا يوصف بها
وقال الفراء : مَنْ نعت ( مَنْ وما ) على القياس لم نردد عليه ونخبره أنه ليس من كلام العرب
قال : وإنما جاز في القياس لأنه إذا ادعى أنه معرفة لزمه أن ينعته قال : وأما ( ما ومن ) فتؤكدان يقال : نظرتُ إلى ما عندكَ نفسه ومررت بمَن عندكَ نفسِه قال أبو بكر : والتأكيد عندي جائزٌ كَما قال وأما وصفهما فلا يجوز لأن الصلة توضحهما وقد بينت الفرق بينهما وبين ( الذي ) وقد يؤكد ما لا يوصف نحو المكنيات وأما ( أنْ ) إذا وصلتها فلا يجوز وصفها لأنها حرف والقصد أن يوصف الشيء الموصول وإنما الصلة بمنزلة بعض حروف الإسم وإنما تذكر ( أن ) إذا أردت أن تعلم المخاطب أن المصدر وقع من فاعله فيما مضى أو فيما يأتي إذا كان المصدر لا دليل فيه على زمانٍ بعينه فإذا احتجت إلى أن تصف المصدر تركته على لفظه ولم تقله إلى ( أنْ ) وتقول : ( مَنْ أحمرُ أخوكَ ) تريد : منْ هو أحمرُ أخوكَ مَنْ حمراءُ جاريتُكَ تريد : مَنْ هي حمراءُ جاريتُكَ وليس لك أن تقول منْ أَحمُر جاريتُكَ فتذكر أحمر للفظ مَنْ لأن أحمر ليس بفعل تدخل التاء في تأنيثه ولا هو أيضاً باسم فاعل يجري مجرى الفعل في تذكيره وتأنيثه لا يجوز أن تقول : ( مَنْ أحمرَ جاريتُكَ ) ويجوز أن تقول : منْ محسنٌ جاريتُكَ لأنك تقول : محسنٌ ومحسنةٌ كما تقول : ضَربَ وضربتُ
فليس بين محسنٍ ومحسنةٍ في اللفظ والبناء إلا الهاء وأحمر وحمراء ليس كذلك للمذكر لفظ وبناء غير بناء المؤنث وهذا مجاز والأصل غيره وهو في الفعل عربي حَسنٌ تقول : منْ أحسَن جاريتُكَ ومن أحسنتَ جاريتكَ كلٌّ عربي فصيح ولست تحتاج أن تضمر ( هو ) ولا ( هي ) فإذا قلت : ( محسنٌ جاريتُكَ ) فكأنَّكَ قلت : ( مَنْ هو محسنٌ جاريتُكَ فأكدت تذكير ( مَنْ ) بهو ثم يأتي بعد ذلك بمؤنث فهو قبيح إذا أظهرت ( هو ) وهو مع الحذف أحسن وتقول : ( ضربتُ الذي ضربني زيداً ) إذا جعلته بدلاً من ( الذي ) فإن جعلته بدلاً من اسم الفاعل وهو المضمر في ( ضربني ) رفعته فقلت : ضربتُ الذي ضربني زيدٌ لأن في ( ضربني ) اسماً مرفوعاً تبدل زيداً منه وتقول : ( ضربتُ وجه الذي ضَربَ وجهي أخيكَ ) لأن الأخ بدل من ( الذي ) فإن أبدلتهُ من اسم الفاعل المضمر في ( ضربَ ) رفعته ولا يجوز أن تنصب ( الأخ ) على البدل من الوجه لأن الأخَ غير الوجه
وتقول : ضربتُ وجوهَ اللذينِ ضربا وجهي أخويكَ إذا جعلت أخويكَ بدلاً من ( اللذينِ ) فإن جعلتهما بدلاً من الألف التي في ( ضربا ) رفعت وإنما قلت : ضربتُ وجوهَ ( اللذينِ ) لأن كل شيئين من شيئين إذا جمعتهما جعلت لفظهما على الجماعة
قال الله جل ثناؤه : ( فاقطعوا أيديهما ) وقال : ( فقد صغت قلوبكما ) وتقول : ( ضربَ وجهي الذين ضربتُ وجوههم أُخوتُكَ ) ترفع الأخوة إذا جعلتهم بدلاً من ( الذينِ ) فإن جعلتهم بدلاً من الهاء والميم اللتين في جوههم جررت
وتقول : ( مررت باللذينِ مَرا بي أخويكَ ) إذا كانا بدلاً من ( اللذينِ ) فإن
كانا بدلاً من الألف في ( مَرا ) رفعت فقلت : ( أخواكَ ) لأن في ( مَرا ) اسمين مضمرين ولو قلت : ( ضربني اللذان ضربتُ الصالحانِ ) وأكرمتُ وأنت تريد أن تجعل : ( وأكرمت ) من الصلة لم يجز لأنك قد فرقت بين بعض الصلة وبعض بما ليس منها وتقول : المدخولُ به السجنَ زيدٌ لأن السجن قام مقام الفاعل وشغلت الباء بالهاء فالمدخولُ به السجنَ ابتداء وزيد خبر الإبتداء وتقول : المدخل السجن زيد : على خبر الإبتداء وأضمرت الإسم الذي يقوم مقامَ الفاعل في ( المدخل ) ويدلك على أن في ( المدخل ) إضماراً أنك لو ثنيته لظهر فقلت المدخلان وأقمت السجن مقام المفعول به والتأويل الذي أدخل السجن زيد وإن شئت قلت : ( المدخلهُ السجنَ زيدٌ ) كأنك قلت : ( الذي أَدخلهُ السجن زيد ) ولك أن تقول : ( الذي أُدخلَ السجن إياهُ زيد ) لأن ( أدخل ) في الأصل يتعدى إلى مفعولين فإذا بنيته للمفعول قام أحد المفعولين مقام الفاعل واقتضى مفعولاً آخر ولا بدّ من إظهار الهاء في ( المدخله ) وقد بينت هذا وضربه فيما تقدم
وتقول : ( أُدخلَ المدخلُ السجنَ الدارَ ) لأن في ( المدخل ) ضمير الألف واللام وهو الذي قام مقام الفاعل والسجن مفعول للفعل الذي في الصلة والمدخلُ وصلته مرفوع بأدخل : والدار منصوبة بأدخل لأنه مفعول له كأنك قلت : أدخلَ زيد الدارَ وتقول : ( أُدخلَ المدخولُ به السجنُ الدارَ ) قام المدخول به مقام الفاعل ورفعت السجن لأنك شغلت الفعل به وشغلت الهاء بالباء ومن قال : ( دخلَ بزيدٍ السجنُ ) قال : أُدخلَ المدخولُ به السجنُ الدار
وتقول : ( دُخلَ بالمدخلِ السجنَ الدار ) والتأويل : ( دخلَ بالذي أدخلَ السجنَ الدارُ ) فإن ثنيت قلت : ( باللذينِ أُدخلا السجنُ الدارَ ) وتقول :
( جاريةُ منْ تضربْ نضربْ ) تنصبهما بالفعل الثاني إذا جعلت ( مَنْ ) بمعنى ( الذي ) كأنك قلت : ( جارية الذي تضربه تضربُ ) فإن جعلت ( من ) للجزاء قلت : ( جاريةُ مَنْ تضربْ نضربْ ) تجزم الفعلين وتنصب الجارية بالفعل الأول لأن الثاني جواب فإن جعلت ( من ) استفهاماً قلت : ( جاريةُ من تضربْ ) جزمت ( أضرب ) لأنه جواب كما تقول : ( أتضربُ زيداً أضربْ ) أي : إنْ تفعل ذاك أفعل وتقول : جارية من تضربها نضربْ ترفع الجارية بالإبتداء وشغلت الفعل بالهاء و ( من ) وحدها اسم لأنه استفهام والكلام مستغن في الإستفهام والجزاء لا يحتاج ( من ) فيهما إلى صلة فإن جئت بالجواب بعد ذلك جزمت على الجزاء وإن أدخلت في الجواب الفاء نصبت وتقول : على منْ أنتَ نازلُ إذا كنت مستفهماً توصل نازلاً ( بعلى ) إلى ( من ) فإن جعلت ( من ) بمعنى الذي في هذه المسألة لم يكن كلاماً لأن الذي تحتاج إلى أن يوصل بكلام تام يكون فيه ما يرجع إليها فإن كانت مبتدأ احتاجت إلى خبر وإن لم تكن كذلك فلا بدّ من عامل يعمل فيها فلو قلت : على من أنت نازلٌ عليه لم يجز لأنك لم توصل بعلى إلى ( من ) شيئاً فإن قلت : ( نزلتُ على من أنتَ عليه نازلٌ ) جاز وتقول : أبا مَنْ تكنى وأبا من أنتَ مكنى ( فمنْ ) في هذا استفهام ولا يجوز أن تكون فيه بمعنى ( الذي ) أضمرت الإسم الذي يقوم مقام الفاعل في مكنى وتكنى ونصبت أبا منْ لأنه مفعول به متقدم وإنما نصبته ( بتكنى ) وهو لا يجوز أن يستقدم عليه لأنه استفهام فالإستفهام صدر أبداً مبتدأ كان أو مبنياً على فعل والفعل الذي بعده يعمل فيه إذا كان مفعولاً ولا يجوز تقديم الفعل على الإستفهام وكلما أضفته إلى الأسماء التي يستفهم بها فحكمها حكم الإستفهام لا تكون إلإ صدراً ولا يجوز أن يقدم على حرف الإستفهام
شيء مما يستفهم عنه من الكلام وتقول : أبو مَنْ أنتَ مكنى به رفعت الأول لأنك شغلت الفعل بقولك ( به ) كأنك قلت : أأبو زيد أنتَ مكنىً به ولو قلت : بأبي من تكنى به كان خطأ لأنك إنما توصل الفعل بياء واحدة ألا ترى أنك تقول : ( بعبد الله مررتُ ) ولا يجوز : ( بعبد الله مررتُ به ) ولو جعلت ( من ) في هذه المسألة بمعنى ( الذي ) لم يجز حتى تزيد فيها فتقول : ( أبو منْ أنت مكنى به زيد ) ألا ترى أنك تقول : من قام فيكون كلاماً تاماً في الإستفهام فإن جعلت ( من ) بمعنى ( الذي ) صار ( قام ) صلة واحتاجت إلى الخبر فلا بدّ أن تقول : ( من قام زيد ) وما أشبههه وتقول : ( إنَّ بالذي به جراحات أخيكَ زيد عيبين ) فقولك : عيبين اسم ( إنَّ ) وجعلت الهاء بدلاً من الذي ثم جعلت زيداً بدلاً من الأخ وتقول : إن الذي به جراحات كثيرة أخاك زيدا به عيبان تجعل الأخ بدلاً من ( الذي ) وزيداً بدلاً من الأخ وبه عيبين خبر إنّ
وتقول : ( إنّ الذي في الدار جالساً زيدٌ ) تريد : إنّ الذي هو في الدار جالساً زيد وإن شئت لم تضمر وأعملت الإستقرار في الحال ألا ترى أن ( الذي ) يتم بالظرف كما يتم بالجمل وإن شئت قلت : ( إنّ الذي في الدار جالس زيد ) تريد : ( الذي هو في الدار جالس ) فتجعل جالساً خبر هو وتقول : ( إنّ الذي فيكَ راغب زيد ) لا يكون في ( راغب ) إلا الرفع لأنه لا يجوز أن تقول : ( إن الذي فيك زيدٌ ) وتقول : ( إن اللذين بك كفيلان أخويك زيد وعمرو ) تريد : ( إنّ ) أخويك اللذين هما بك كفيلان زيد وعمرو فزيد وعمرو خبر ( إنّ ) ولا يجوز أن تنصب كفيلين لأن بك لا تتم بها صلة ( الذي ) في هذا المعنى وقال الأخفش : تقول : ( إنّ الذي به كفيل أخواك زيد ) لأنها صفة مقدمة قال : وإن شئت قلت : ( كفيلاً ) في قول من قال : أكلوني البراغيثُ
قال أبو بكر : معنى قوله : صفة مقدمة
يعني : أن كفيلا صفة وحقها التأخير فإذا قدمت أعملت عمل الفعل ولكن لا يحسن أن تعمل إلا وهي معتمدة على شيءٍ قبلها وقد بينا هذا في مواضع ومعنى قوله في قول من قال : ( أكلوني البراغيث ) أي تثنية على لغتهم وتجريه مجرى الفعل الذي يثنى قبل مذكور ويجمع ليدل على أن فاعله اثنان أو جماعة كالتاء التي تفصل فعل المذكر من فعل المؤنث نحو : قامَ وقامتْ وقد مضى تفسير هذا أيضاً
وتقول : ( إن اللذين في دارهما جالسين أخواك أبوانا ) تريد : أن اللذين أخواكَ في دارهما جالسين تنصب ( جالسين ) على الحال من الظرف
وإن رفعت ( جالسين ) فقلت : إن اللذين في دارهما جالسان أخواك أبوانا تريد أن اللذينْ أخواكض في دارهما جالسينِ رفعت وجعلتهما خبر الأخوينِ وتقول : منهنَ منْ كان أختُكَ وكانت أُختُكَ : فمن ذكر فللفظ ومن أنث فللتأويل وكذلك : منهن من كانتا أُختيكَ ومنهن من كان أخواتك وكنَّ أخواتكَ ومن يختصمان أخواك وإن شئت : من يختصمُ أخواكَ توحد اللفظ وكذاك : من يختصمُ إخوتُكَ ويختصمون وتقول : منْ ذاهب وعبد الله محمد نسقت بعبد الله على ما في ( ذاهب ) والأجود أن تقول : ( من هو وعبد الله ذاهبان محمد ) فإذا قلت : ( من ذاهب وعبد الله محمد ) فالتقدير من هو ذاهب هو وعبد الله محمد ( فهو الأول ) مبتدأ محذوف
وتقول : ( من يحسن أخوتك ) ولك أن تقول : ( من يحسنون إخوتُكَ ) مرة على اللفظ ومرة على المعنى
وتقول : ( من يحسنُ ويسيءُ إخوتُكَ ومن يحسنون ويسيئونَ أخوتك وقبيح أن تقول : ( من يحسنُ ويسيئونَ إخوتُكَ لخلطك المعنى باللفظ في حالٍ واحدة وتقول ( الذي ضربتُ عبد الله فيها ) تجعل عبد الله بدلاً من ( الذي ) بتمامها فإن أدخلت ( إن ) قلت : ( إن الذي ضربتُ عبد الله فيها ) نصبت عبد الله على البدل فإن قلت : ( الذي فيك
عبد الله راغب ) لم يجز لأن ( راغباً ) مع ( فيك ) تمام الذي فلا يجوز أن يفرق بينهما وتقول : ( الذي هو هو مثلُكَ ) الأول كناية عن الذي والثاني كناية عن اسم قد ذكر وكان تقديم ضمير الذي أولى من تقديم ضمير الأجنبي ومن قال : ( الذي منطلق أخوك ) وهو يريد : ( الذي هو منطلق أخوك ) جاز أن تقول : ( الذي هو مثلك ) يريد : ( الذي هو هو مثلُكَ ) فتحذف ( هو ) التي هي ضمير الذي وتتركُ ( هو ) التي هي ضمير مذكور وقد تقدم لأنها موضع ( منطلق ) من قولك الذي منطلق مثلك
وتقول : ( مررتُ بالذي هو مسرع ومسرعاً ) فمن رفع ( مسرعاً ) جعل هو مكنياً من ( الذي ) ومن نصب فعلَى إضمار ( هو ) أخرى كأنه قال : الذي هو هو مسرعاً لأن النصب لا يجوز إلا بعد تمام الكلام
وتقول : ( مررت بالذي أنت محسناً ) تريد : الذي هو أنت محسناً ولا يجوز رفع ( محسن ) في هذه المسألة وتقول : من عندك اضرب نفسهُ تنصب ( نفسه ) لأنه تأكيد ( لمنْ ) فموضع ( من ) نصب ( بأضربُ ) فإن جعلت نفسه تأكيداً للمضمر في ( عند ) رفعت وقدمته قبل ( أضربُ ) ولم يجز تأخيره لأن وصف ما في الصلة وتأكيده في الصلة فتقول : إذا أردت ذلك من عندك نفسه أضرب وتقول : ( من من أضربُ أنفسهم عبد الله ) تؤكد ( من ) فتجر وإن شئت نصبت أنفسهم تتبعه المضمر كأنك قلت من من أضربُهم أنفسَهم وأجاز الفراء : ( من من أضربُ أنفسهُ ) يجعل الهاء ( لمْن ) ويوحد للفظ ( من ) وقال : حكى الكسائي عن العرب : ليت هذا الجراد قد ذهب فأراحنا من أنفسهِ الهاء للفظ الجراد وقال : تقول : ( من من داره تبنى زيد ) تريد : ( مِنَ الذينَ دورهم تبنى زيد ) قال : ولا يجوز أن تقول : ( مِنْ مَنْ رأسهُ يخضبُ بالحناء زيد ) حتى تقول :
( مِنْ مَنْ أَرأسهُ مخضوباتٌ ) فرق بين رأس ودار لأن الدار قد تكون لجماعة والرأس لا يكون لجماعة قال : ويجوز : ( مِنْ مَنْ رأسهُ يخضبُ بالحناء زيد ) فيمن أجاز ضربت رأسكم وتقول : ( مِنَ المضروبين أحدُهم محسنٌ زيدٌ ) تريد : ( مِنَ المضروبين وأحدهم محسن زيد ) والأحسن أن تجيء بالواو إلا أن لك أن تحذفها إذا كان في الكلام ما يرجع إلى الأول فإن لم يكن لم يجز حذف الواو فإن قلت : ( من المظنونين أحدُهم محسن زيد ) جاز بغير إضمار واو لأن قولك : ( أحدُهم محسنٌ ) مفعول للظن كما تقول : ( ظننت القوم أحدهم محسن ) فأحدهم محسن مبتدأ وخبر في موضع مفعول ثانٍ للظن فإذا رددته إلى ما لم يُسمَ فاعله قلت : ( ظُنَّ القومُ أحدُهم محسنٌ ) وتقول : ( مررت بالتي بنى عبد الله ) تريد : ( الدار التي بناها عبد الله ) وتقول : ( الذي بالجارية كفل أبوهُ أبوها ) ولا يجوز : ( الذي بالجارية كفل أبوهُ ) ولو جازَ هذا لجاز : زيد أبوهُ وهذا لا يجوز إذا لم يكن مذكور غير زيد لأنه لا يجب منه أن يكون زيد أبا نفسِه وهذا محال إلا أن تريد التشبيه أي : زيدُ كأبيهِ وتقول : ( مررت بالذي كَفلَ بالغلامين أبيهما ) تجعل ( الأبَ ) بدلاً من الذي ( وهما في أبيهما ضمير الغلامين ) وكذاك : ( إنَّ الذي كفلَ بالغلامين أبوهما ) فأبوهما خبر إن ( وهما ) من أبيهما يرجع إلى الغلامين وتقول : ( مررت بالذي أكرمني وألطفني عبد الله ) نسقت ( ألطفني ) على ( أكرمني ) وهما جميعاً في صلة الذي وعبد الله بدل من الذي فإن عطفت ( ألطفني ) على مررت رفعت عبد الله فقلت : ( مررت بالذي أكرمني وألطفني عبد الله ) فأخرجت ( ألطفني عبد الله ) من الصلة كأنك قلت : ( مررت بزيد وألطفني عبد الله ) وتقول : ( الذي مررت وأكرمني عبد الله ) رجع إلى الذي ما في ( أكرمني ) فصح الكلام ولا تبال أن لا تعدى ( مررت ) إلى شيءٍ هو نظير قولك : الذي قعدتُ وقمتُ إليه زيدٌ
فإن قلت : ( الذي أكرمني ومررتُ عبد الله ) جاز
أيضاً لأن الكلام لا خلل فيه كما تقول : ( أكرمني زيد ومررتُ ) لا تريد أنك : مررت بشيءٍ وإنما تريد : مضيتَ
وقال قوم : ( الذي أكرمني ومررت عبد الله ) محال
لا بدّ من إظهار الباء وهو قولك : ( الذي أكرمني ومررت به عبد الله ) وهذا إنما لا يجوز إذا أراد أن يعدى ( مررت ) إلى ضمير الذي فإن لم ترد ذلك فهو جائز وهم مجيزون : ( الذي مررت وأكرمني عبد الله ) على معنى الإِضمار وإذا قلت : ( الذي أكرمتُ وظننتُ محسناً زيد ) جاز تريد : ( ظننتهُ ) لا بدّ من إضمار الهاء في ( ظننتُ ) لأن الظن لا يتعدى إلى مفعول واحد وأما أكرمتُ فيجوز أن تضمرها معها ويجوز أن لا تضمر كما فعلت في ( مررت )
وتقول : ( مررت بالذي ضربتُ ظننتُ عبد الله ) تلغي الظن فإن قدمت ( ظننت ) على ( ضربتُ ) قبح لأن الإِلغاء كلما تأخر كان أحسن وتقول : ( الذي ضربتُ ضربتُ عبد الله ) والتأويل : ( الذي ضربتهُ أمس ضربُ اليوم ) ( فالذي ) منصوب ( بضربتُ ) الثاني وعبد الله بدل من ( الذي )
وتقول : ( للذي ظننتهُ عبد الله درهمان ) تريد : للذي ظننته عبد الله درهمان فإذا قلت : للذي ظننت ثم عبد الله درهمان صار ( ثم ) المفعول الثاني للظن والمفعول الأول الهاء المحذوفة من ( ظننت ) وجررت عبد الله مبدلاً له من الذي وتقول : تكلم الذي يكلم أخاكَ مرتين إن نصبت أخاك ( يتكلم ) الفعل الذي في الصلة فتكون مرتين إن شئت في الصلة وإن شئت كان منصوباً بتكلم بالفعل الناصب ( للذي ) فإن جعلت أخاك بدلاً من ( الذي ) لم يجز أن يكون ( مرتين ) منصوباً بالفعل الذي في الصلة لأنك تفرق بين بعض الصلة وبعض بما ليس منها
وتقول : الذين كلمت عامةً أخوتك تريد : ( الذين كلمتهم عامة أخوتُكَ ) والذين كلمتُ جميعاً أخوتكَ مثله تنصب ( عامة ) وجميعاً نصب الحال فإن قلت : الذين ( عامةً ) كلمتُ إخوتُكَ قبحَ عندي لأنه في المعنى ينوب عن التأكيد والمؤكدُ لا يكون قبل المؤكَّدِ كما
أن الصفة لا تكون قبل الموصوف وتقول : ( الذي عَن الذي عنكَ معرضٌ زيدٌ ) تريد : الذي هو معرض عن الذي هو عنك معرض زيد كأنك قلت : ( الذي معرض عن الرجل زيدٌ ) وهذا شيءٌ يقيسه النحويون ويستبعده بعضهم لوقوع صلة الأول وصلة الثاني في موضع واحد وتقول : ( أعجبني ما تصنع حسناً ) تريد : ( ما تصنعهُ حَسناً ) وكذلك : ( أعجبني ما تضربُ أخاكَ ) تريد : ( ما تضربهُ أخاكَ ) فما وصلتُها في معنى مصدر وكذلك : ( أعجبني الذي تضربُ أخاكَ ) تريد : الذي تضربهُ أخاكَ و ( ما ) أكثر في هذا من ( الذي ) إذا جاءت بمعنى المصدر
واعلم أنك إذا قلت : ( الذي قائم زيد ) فرفعت ( قائماً ) وأضمرت ( هو ) لم يجز أن تنسق على هو ولا تؤكده لا تقول : ( الذي نفسه قائمٌ زيدٌ ) الذي وعمرو قائمان زيد وقوم يقولون إذا قلت : ( الذي قمتُ فضربتهُ زيد ) إذا كان القيام لغواً فالصلة ( الضربُ ) وإن كان غير لغوٍ فهو الصلة ولا يجيزون أن يكون لغواً إلا مع الفاء ولا يجيزونَهُ مع جميع حروف النسق فإن زدت في الفعل جحداً أو شيئاً فسد نحو قولك : ( الذي لَم يقمْ فضربته زيد ) والغاء القيام لا يعرفه البصريون وإنما من الأفعال التي تلغى الأفعال التي تدخل على المبتدأ وخبره نحو ( كانَ وظننتُ ) لأن الكلام بتم دونها و ( قامَ ) ليس من هذه الأفعال وهؤلاء الذين أجازوا إلغاء ( القيام ) إنما أن يكونوا سمعوا كلمة شذت فقاسوا عليها كما حكى سيبويه ما جاءت حاجتك أي : صارت على جهة الشذوذ فالشاذ محكيٌ ويخبر بما قصد فيه ولا يقاس عليه وأما أن يكونوا تأولوا أنه لغو وليس بلغوٍ لشبهة دخلت
عليهم وقال من يجيز اللغو إذا قلت : ( الذي قامَ قياماً فضربتهُ زيد ) خطأٌ إذا أردت اللغو وكذاك : الذي قمتُ قياماً فضربتهُ وهؤلاء يجيزون : ( الذي ضاربٌ أنتَ زيد ) يريدون : ( الذي ضاربهُ أنتَ زيدٌ ) فإذا حذفوا نونوا ومثل ذا يجوز عندي في شعر على أن ترفع أنت بضاربٍ وتقيمه مقامَ الفعل كما تقول : ( زيد ضاربهُ أنتَ ) تريدُ : ( ضارب أنت إيَّاهُ ) إذا أقمنا ( ضاربٌ ) مقام الفعل حذفنا معه كما تحذف مع الفعل ضرورة ولا يحسن عندي فلا غير ضرورة لأنه ليس بفعل وإنما هو مشبه بالفعل وما شبه بالشيء فلا يصرف تصريفه ولا يقوى قوته وإنما هذا شيءٌ قاسوهُ ولا أعرف له أصلاً في كلام العرب وهؤلاء لا يجيزون : ( الذي يقوم كان زيدٌ ) على أن تجعل ( يقومُ ) خبر كان تريد : ( الذي كانَ يقومُ زيدٌ ) والقياس يوجبه لأنه في موضع ( قائم ) وهو يقبح عندي من أجل أن ( كان ) إنما تدخل على مبتدأ وخبر فإذا كان خبر المبتدأ قبل دخولها لا يجوز أن يقدم على المبتدأ فكذا ينبغي أن تفعل إذا دخلت ( كانَ ) وأنت إذا قلت : ( زيدٌ يقوم ) فليس لك أن تقدم ( يقومُ ) على أنه خبر زيدٍ وإذا قلت : ( الذي كانَ أضربُ زيد ) كان خطأ لأن الهاء المضمرة تعود على ما في كان ولا تعود على الذي وإنما يحذف الضمير إذا عاد على الذي فإن قلت الذي كنتُ أضرب زيد جاز لأن الهاء ( للذي ) وتقول : ( الذي ضربتُ فأوجعتُ زيد ) تريد : ( الذي ضربته فأوجعتهُ ) إذا كان الفعلان متفقين في التعدي وفي الحرف الذي يتعديان به جاز أن تضمر في الثاني
وكذلك : ( الذي أحسنتُ إليه وأسأتُ زيدٌ ) أحسنت تعدت ( بإليهِ ) وأسأتُ مثلها وإذا اختلف الفعلان لم يجز لو قلت : ( الذي ذهبتُ إليه وكفلتُ زيد ) تريد : بهِ لم يجز لأن ( به ) خلاف ( إليه ) وحكوا : مررتُ بالذي مررتُ وكلفتُ بالذي كفلتُ فاجتزوا بالأول فإذا اختلف كان خطأ لو قالوا : ( كفلتُ بالذي ذهبتُ ) لم يجز حتى تقول : إليه
وقالوا : ( أمرُّ بِمَنْ تمرُّ وأرغب فيمن ترغبُ ) قالوا : وهو في ( مَنْ ) أجود لأَن تأويل الكلام عندهم
جزاءٌ ومن قولهم : ( إنْ هذا والرجلُ ) وكل ما دخلته الألف واللام وكل نكرةٍ وكل ما كان من جنس هذا وذاك يوصل كما توصل ( الذي ) فما كان منه معرفة ووقع في صلته نكرة نصبت النكرة على الحال وهي في الصلة وإذا كان نكرة تبع النكرة وهو في الصلة وإذا كان في الصلة معرفة جئت ( بهو ) لا غير فتقول في هذا والرجل قام : ( هذا ظريفاً ) فظريف حال من ( هذا ) وهو في صلة ( هذا ) وضربت هذا قائماً وقام الرجل ظريفاً وظريف في صلة الرجل وضربتُ الرجلَ يقومُ وقامَ وعندك يجري على ما جرى عليه ( الذي ) لا فرق بينهما عندهم إلا في نصب النكرة فتقول في النكرة : ضربتُ رجلاً قامَ ويقومُ وقائماً وضربتُ رجلاً ضربتُ وضربت في صلة ( رجلٍ ) وثم هاء تعود على ( رجل ) ويقولون إذا قلت : ( أنتَ الذي تقومُ وأنت رجلٌ تقومُ وأنتَ الرجلُ تقوم ) فإن هذا كله يلغى لأن الإعتماد على الفعل فإن جعلوا الفعل للرجل قالوا : ( أنت الرجلُ يقوم ) وقالوا إذا قلت : ( أنت من يقومُ ) لم يجز إلا بالياء لأن ( مَنْ ) لا تلغى وقالوا قلت ( أنت رجلٌ تأكلُ طعامَنا ) وقدمت الطعام حيث شئت فقلت : ( أنت طعامنا رجلٌ تأكلُ ) أجازوه في ( رجل ) وفي كل نكرة وهذا لا يجوز عندنا لأن الغاء ( رجلٍ ) والرجل والذي غير معروف عندهم وهؤلاء يقولون إذا قلت : ( أنت الرجل تأكلُ طعامَنا ) أو آكلاً طعامَنا لم يجز أن تقول : ( أنت طعامَنا الرجل آكلاً ) لأنه حال وصلة الحال والقطع عندهم لا يحال بينهما وقالوا : إذا قلت : ( أنت فينا الذي ترغبُ ) كان خطأن لأن ( الذي ) لا يقوم بنفسه ورجل قد يقوم بلا صلة قالوا : فإن جعلت ( الذي ) مصدراً جاز فقلت : ( أنت
فينا الذي ترغب ) ووحدت ( الذي ) في التثنية والجمع قال الله عز و جل : ( وخضتم كالذي خَاضُوا ) يريد : كخوضهم ويقولون على هذا القياس : ( أنت فينا الذي ترغبُ ) وأنتما فينا الذي ترغبان وأنتم فينا الذي ترغبونَ وكذاك المؤنث ( أنتِ فينا الذي ترغبينَ ) تريد : ( أنتِ فينا رغبتُكَ ) ولا تثنى ( الذي ) ولا تجمع ولا تؤنث وكذاك : ( الذي تضربُ زيداً قائماً وما تضربُ زيداً قائماً ) تريد : ( ضربكَ زيداً قائماً ) قالوا : ولا يجوز هذا في ( إنْ ) لأن ( إنْ ) أصله الجزاء عندهم وإذا قدمت رجلاً والرجل والذي وهو ملغى كان خطأً في قول الفراء قال : إنه لا يلغى متقدماً وقال الكسائي : تقديمه وتأخيره واحد
وإذا قلت : ( أين الرجلُ الذي قلتَ وأينَ الرجلُ الذي زعمتَ ) فإن العرب تكتفي ( بقلتُ وزعمتُ ) من جملة الكلام الذي بعده لأنه حكاية تريد : الذي قلتَ إنه من أمره كذا وكذا وقد كنت عرفتك أن العرب لا تجمع بين الذي والذي ولا ما كان في معنى ذلك شيءٌ قاسهُ النحويون ليتدرب به المتعلمون وكذا يقول البغداديون الذين على مذهب الكوفيين يقولون : إنه ليس من كلام العرب ويذكرون أنه إن اختلف جاز وينشدون :
( مِنَ النَّفَرِ اللاَّئِي الَّذِينَ إذَا هُمُ ... يَهَابُ اللِّئَامُ حَلْقَةَ البَابِ قَعْقَعُوا )
قالوا : فهذا جاء على إلغاء أحدهما وهذا البيت قد رواه الرواة فلم يجمعوا بين ( اللائي والذينَ ) ويقولون : ( على هذا مررتُ بالذي ذو قال ذاك ) على الإِلغاء فقال أبو بكر : وهذا عندي أقبحُ لأن الذي يجعل ( ذو ) في معنى ( الذي ) من العرب طيءٌ فكيف يجمع بين اللغتين ولا يجيزون : ( الذي منْ قامَ زيدٌ ) على اللغو ويحتجون بأنَّ ( منْ ) تكون معرفة ونكرة مررتُ بالذي القائم ( أبوهُ ) على أن تجعل الألف واللام للذي وما عاد من الأب على الألف واللام ويخفض القائم يتبع ( الذي ) وهذا لا يجوز عندنا لأن ( الذي ) لا بدّ لها من صلة توضحها ومتى حذفت الصلة في كلامهم فإنما ذاك لأنه قد علم وإذا حذفت الصلة وهي التي توضحه ولا معنى له إلا بها كان حذف الصفة أولى فكيف تحذف الصلة وتترك الصفة ويقولون : إن العرب إذا جعلت ( الذي والتي ) لمجهول مذكر أو مؤنث تركوه بلا صلة نحو قول الشاعر :
( فإن أَدْعُ اللَّوَاتِي مِنْ أُنَاسٍ ... أَضَاعُوهُنَّ لا أَدْعُ الَّذِينا )
ويقولون : الذي إذا كان جزاء فإنه لا ينعت ولا يؤكد ولا ينسق عليه لأنه مجهول لا تقول : ( الذي يقومُ الظريفُ فأخواكَ ولا الذي يقوم وعمرو فأَخواكَ ) لأنهُ مجهول ( وعمرو ) عندهم معروف
قال أبو بكر : إن كانَ ( أخاهُ ) من النسب فلا معنى لدخول الفاء لأنه أخوه على كل حال وإن كان من المؤاخاة فجائز وأما النعت والتوكيد فهو عندي كما قالوا إذا جعلت ( الذي ) في معنى الجزاء لأنه لم يثبت شيئاً منفصلاً من أمة فيصفه وإذا قلت : ( الذي يأتيني فلَهُ درهم ) على معنى الجزاء فقد أردت : ( كل من يأتيني ) فلا معنى للصفة هنا والعطف يجوز عندي كما تقول الذي يجيءُ مع زيد فلهُ درهم فعلى هذا المعنى تقول : ( الذي يجيء هو وزيد فلهُ درهم ) أردت الجائي مع زيد فقط ولك أيضاً أن تقول في هذا الباب : ( الذي يجيئني راكباً فلهُ درهم ) ويجيزون أيضاً الدار تدخلُ فدارنا يجعلونها مثل ( الذي ) كأنك قلت : ( الدارٌ التي تدخلُ فدارُنا ) وهذا لايجوز لما عرفتك إلا أن يصح أنه شائع في كلام العرب وأجازوا ( الذي يقوم مع زيد أخواكَ ) يريدون : ( الذي يقومُ وزيد أخواكَ ) يعطفون ( زيداً ) على ( الذي ) وإنما يجيزون أن يكون مع بمنزلة الواو إذا كان الفعل تاماً وإذا كان ناقصاً لم يجز هذا
قال الفراء : إذا قلت : ( الذي يقومُ مع زيدٍ أخواكَ ) لم أقل :
( أخواكَ الذي يقومُ مع زيدٍ ) قال : ولا أقولُ : ( الذي يختصمُ مع زيدٍ أخواكَ ) لإن الإختصام لا يتم والطوال وهشام يجيزانه مع الناقص وفي التقديم والتأخير ويجعلونه ( مع ) بمنزلة الواو والفراء لم يكن يجيزه إلا وهو جزاء وإذا قلت : ( الذي يختصمُ زيدٌ أخواكَ ) فزيد لا يجوز أن ينسق به إلا على ما في الإختصام لأنه لا يستغني عن اسمين ويقول : ( اللذانِ اختصما كلاهما أخواكَ ) فاللذان ابتداء واختصما صلة لهما و ( كلاهما ) ابتداء ثانٍ وأخواك خبره وهذه الجملة خبر اللذين فإن جعلت ( كلاهما ) تأكيداً لما في اختصما لم يجز لأن الإختصام لا يكون إلا من اثنين فلا معنى للتأكيد هنا فإن قلت : اللذان اختصما كلاهما أخوان لم يجز على تأويل وجاز على تأويل آخر إن أردت بقولك : ( أخوان ) أن كل واحد منهما أخ لصاحبه لم يجز لأن ( كلاهما ) لا معنى لها ها هنا وصار مثل ( اختصما ) الذي لا يكون إلا من اثنين لأن الأخوين كل واحد منهما أخ لصاحبه مثل المتخاصمين والمتجالسين فإن أردت بأخوين أنهما أخوان لا نسيبان جاز لأنه قد يجوز أن يكون أحدهما أخاً لزيد ولا يكون الآخر أخاً لزيد فإذا كان أحدهما أخاً لصاحبه فلا بدّ من أن يكون الآخر أخاً له فلا معنى ( لكلا ) ها هنا وتقول : ( الذي يطيرُ الذبابُ فيغضبُ زيدٌ ) فالراجع إلى ( الذي ) ضميره في ( يغضبُ ) والمعنى الذي إذا طار الذباب غضب زيد ولا يجوز الذي يطير الذبابُ فالذي يغضبُ زيدٌ لأن الذي الأولى ليس في صلتها ما يرجع إليها وقوم يجيزون الطائر الذباب ( فالغاضبُ زيدٌ ) لأن الألف والام الثانية ملغاة عندهم فكأنهم قالوا : ( الطائرُ الذبابُ ) فغاضبٌ زيدٌ وهذا لا يجوز عندنا على ما قدمنا في الأصول أعني إلغاء الألف واللام
واعلم : أن من قال : ( من يقومُ ويقعدونَ قومُكَ ومن يقعدونَ ويقومونَ أخوتكَ ) فيرد مرة إلى اللفظ ومرة إلى المعنى فإنه لا يجيز أن تقول : ( من قاعدونَ وقائمُ إخوتكَ ) فيرد ( قائماً ) إلى لفظ ( مَنْ ) لأنك إذا جئت بالمعنى لم يحسن أن ترجع إلى اللفظ وتقول : ( منْ كان قائماً إخوتُكَ ومن كان يقومُ إخوتُكَ ) ترد ما في كان على لفظ ( مَنْ ) وتوحد فإذا وحدت اسمٍ كان لم يجز أن يكون خبرها إلا واحداً فإذا قلت مَنْ كانوا قلت قياماً ويقومون ولا يجوز ( منْ كانَ يقومونَ إخوتُكَ وقوم يقولون إذا قلت : ( أعجبني ما تفعلُ ) فجعلتها مصدراً فإنه لا عائد لها مثل ( أَنْ ) فكما أنَّ ( أَنْ ) لا عائد لها فكذلك ما وقالوا : إذا قلت : ( عبد الله أحسنُ ما يكون قائماً ) فجاءوا ( بما ) مع ( يكونُ ) لأن ( ما ) مجهول و ( يكون ) مجهول فاختاروا ( ما ) مع يكون : أردت : ( عبد الله أحسن شيء يكونُ ) فما في ( يكون ) ( لِمَا ) فإذا قلت : ( عبد اللِه أحسنُ مَنْ يكونُ ) فأردت أحسن من خلق جاز ولافعل ( ليكون ) يعنون لا خبر لها وقالوا إذا قلت : ( عبد الله أحسنُ ما يكونُ قائماً ) إذا أردت أن تنصب ( قائماً ) على الحال أي : أحسن الأشياء في حال قيامه قالوا : ولك أن ترفع عبد الله بما في ( يكون ) وترفع أحسن بالحال وتثنى وتجمع فتقول : ( الزيدانِ أحسنُ ما يكونانِ قائمينِ والزيدونَ أحسنُ ما يكونون قائمينَ ) يرفعون ( أحسنَ ) بالحال ولا يستغنى عن الحال ها هنا عندهم فإن قلت : ( عبد اللِه أحسنُ ما يكونُ ) وأنت أحسن ما تكون على هذا التقدير لم يجز لأَن عبد الله إذا ارتفع بما في ( يكون ) لم يكن لأحسنَ خبر ومعنى
قولهم : ارتفع بما في ( يكون ) يعنونَ أنهم يرفعون بالراجع من الذكر وهذا خلاف مذهب البصريين لأن البصريين يرفعون بالإبتداء قالوا : فهذا وقتٌ فلا يرتفع عبدُ اللِه بجملته فإن أردت : ( عبد الله أحسنُ شيءٍ يكونُه ) فهو جائز وهو صفة فإذا قلت : ( أحسنُ ما يكونَ عبد الله قائماً ) جرى مجرى : ( ضربي زيداً قائماً ) وقال محمد بن يزيد : قول سيبويه : أخطبُ ما يكون الأمير قائماً تقديره : على ما وضع عليه الباب : أخطبُ ما يكونُ الأمير إذا كانَ قائماً كما قال ( هذا بُسْراً أطيبُ منه تمراً فإن قال قائل : أحوال زيد إنما هي القيام والقعود ونحو ذلك فكيف لم يكن أخطب ما يكون الأمير بالقيام أي : ( أخطبُ أحوالهِ القيامُ ) فالجواب في ذلك : أن ( القيامَ ) مصدر وحال زيد هي الحال التي يكون فيها من قيام وقعود أو نحوه فإن ذكرت المصدر أخليته من زيد وغيره وإنما المصدر لذات الفعل فأما اسم الفاعل فهو المترجم عن حال الفاعل لما يرجع إليه من الكناية ولأنه مبني له وذلك نحو : ( جائني زيدٌ راكباً ) لأن في ( راكب ) ضمير زيد وهو اسم الفاعل لهذا الفعل فإن احتج
القائل في إجازتنا : أخطب ما يكون الأمير يوم الجمعة فالتقدير : ( أخطبُ أيامِ الأميرِ يوم الجمعة ) فجعلت الخطبة للأيام على السعة وقد تقدم تفسير ذلك في الظروف مبيناً كما قال الله عز و جل : ( بَلْ مكرُ الليلِ والنهارِ ) أي مكركم فيهما قال محمد : وجملة هذا أنَ الظرف من الزمان متضمن الفاعل لا يخلو منه وقد يخلو من فعل إلى آخر وقال في موضع آخر : كان سيبويه يقول في قولهم : أكثرُ ضربي
زيداً قائماً إن قائماً سَد مسدّ الخبر وهو حال قال : وأصله إنما هو على ( إذ كان ) وإذا كان ومثله : ( أخطبُ ما يكونُ الأمير قائماً وأكثر شربي السويقَ ملتوتاً وضربي زيداً قائماً ) وتقول ذلك في كل شيء كان المبتدأ فيه مصدراً وكذلك إن كان في موضع الحال ظرف نحو قولك : أخطبُ ما يكونُ الأمير يوم الجمعة وأحسنُ ما يكونُ زيدٌ عندكَ وقال : وكان أبو الحسن الأخفش يقول : ( أخطبُ ما يكونُ الأميرُ قائمٌ ) ويقول : أضفت أخطبَ إلى أحوال قائم أحدُها ويزعم سيبويه أنك إذا قلت : ( أخطبُ ما يكونُ الأميرُ قائماً ) فإنما أردت : ( أخطبُ ما يكون الأمير إذا كان قائماً ) فحذفت لأنه دل عليهما ما قبلها و ( قائماً ) حال وقد بقي منها بقية وكذلك قوله : ضربي زيداً راكباً أي : إذا كان راكباً وهي ( كان ) التي معناها ( وقع ) فأما أكلي الخبز يوم الجمعة فلا يحتاج فيه إلى شيءٍ لأن يوم الجمعة خبر المصدر وينبغي أن يكون على قول سيبويه ظننتُ ضربي زيداً قائماً وظننتُ أكثر شربي السويقَ ملتُوتاً أنه أتى ( لظننتُ ) بمفعول ثانٍ على الحال التي تسد مسد المفعول الثاني كما سدت مسد الخبر فإن قيل : إن الشك إنما يقع في المفعول الثاني قيل : إن الشك واقع في ( إذ كان ) و ( إذا كان ) والحال دليل لأن فيها الشك وأن يعمل فيها ( ظننت ) ولكن في موضعها كما كنت قائلاً : القتالُ يوم الجمعةِ فتنصب يوم الجمعة بقولك القتالُ فإن جئت بظننت قلت : ( ظننتُ القتالَ يوم الجمعةِ ) فيوم الجمعة منتصب بوقوع القتال وليس ( بظننتُ ) والدليل على ذلك أنه ليس يريد أن يخبر أن القتال هو اليوم هذا محال ولكنه يخبر أن القتال في اليوم وتقول : إنَّ القتالَ اليومَ ظننتُ فتنصب لأنَّ ( إنَّ ) لا تعمل فيه شيئاً إنما تعمل في موضعه كما وصفت
لك وقياس ( ظننتُ ) وإن وكان والإبتداء والخبر واحد وكذلك لو قلت : ( كانَ زيدٌ خلفكم ) لم تكن كانَ الناصبة ( لخلف ) فكذلك إذا قلت : ( كانَ أكثر شربي السويقَ ملتُوتاً ) نصب ( ملتُوتاً ) بما كان انتصب به قبل دخول ( كانَ ) سد مسد خبرها كما سد مسد خبر الإبتداء ولكن ما ينصب هذه الظروف هو الخبر لهذه العوامل كما كان خبر الإبتداء فإذا قلت : ( كان زيدٌ خلفكم ) فتقديره : ( كان زيد مستقراً خلفكم ) وكان ضربي زيداً إذا كان قائماً وما كان مثلهن فهذا مجراه
تم الكتابُ بمَنِّ الله وعونِه من باب الألف واللام
ذكر ما يحرك من السواكن في أواخر الكلم وما يسكن من المتحركات وما تغير حركته لغير إعراب وما يحذف لغير جزم
أما ما يتحرك من السواكن لغير إعراب فهو على ضربين : إما أن يحرك من أجل ساكن يلقاه ولا يجوز الجمع بين ساكنين وإما أن يكون بعده حرف متحرك فيحذف ويلقي حركته عليه
الأول على ضربين : أحدهما : إما أن يكون آخر الحرف ساكناً فيلقاه ساكن نحو قولك : ( قُم الليلَ ) حركت الميم بالكسر لإلتقاء الساكنين وأصل التحريكات لإلتقاء الساكنين الكسر ولم تردِ الواو لأن الكسر غير لازمة في الوقف وكذلك قولك : ( كَمِ المالُ ومَنِ
الرجلُ ) فإن قلت : ( مِنَ الرجل ) فالفتح أحسن من قبل أن الميم مكسورة فيثقل الكسر بعد كسرة ولكثرة الإستعمال أيضاً والكسرة الأصل فكل ما لا يتحرك إذا لقيهُ ساكن حرك من ذلك قولك : ( هذا زيدٌ العاقلُ ) حركت التنوين بالكسر
والآخر : ما حرك من أواخر الكلم السواكن من أجل سكون ما قبلها وليس التحريك تحرك البناء كأين وأولاءِ وحيث فمن ذلك الفعل المضاعف والعرب تختلف فيه وذلك إذا اجتمع حرفان من موضع واحد فأهل الحجاز يقولون : ( ارددْ وإنْ تضاررْ أضارر وغيرهم يقول : ( ردَّد ) وفرّ وإنْ تردَّ أرَدُّ ويقولون : لا تضار لأن الألف يقع بعدها المدغم والذين يدغمون يختلفون في تحريك الآخر فمنهم من يحركه بحركة ما قبلها أي حركة كانت وذلك رُدَّ وعُضَّ وفُرَّ واطمئنَ واستعدَّ واجترَّ لأن قبلها فتحة فإذا جاءت الهاء والألف التي لضمير المؤنث فتحواً أبداً فقالوا : رُدَّها وعُضَّها وفُرَّها لأن الهاء خفية فكأنه قال : فِرّا ورِدّا ولم يذكرها فإذا كانت الهاء مضمومة في مثل قولهم : ردهو ضموا كأنهم قالوا : رُدوا
فإن جئت بالألف واللام وأردت الوصل كسرت الأول كله فقلت : رُدِّ القومَ وردِّ ابنكَ وعَضِّ الرجل وفُرِّ اليوم وذلك لأن الأصل : أرْدُدْ فهو ساكن فلو قلت : أردُدِ
القومَ لم يكن إلا الكسر فهذه الدال تلك وهي على سكونها وهو الأصل على لغة أهل الحجاز ألا ترى أن الذال في ( مُذْ واليوم في ذهبتم لما لقيها الألف واللام احتيج إلى تحريكها لإلتقاء الساكنين رُدَّ إلى الأصل وأصلها الضم فقلت : مُذُ اليوم وذهبتمُ اليوم لأن أصل ( مُذْ ) منذُ يا هذا وأصل ذهبتم : ذهبتُمُ يا قوم فرد مذ وذهبتم إلى أصله وهي الحركة ومنهم من يفتح على كل حال إلا في الألف واللام وألف الوصل وهم بنو أسد قال الخليل : شبهوه ( بأين وكيف ) ومنهم من يدعه إذا جاء بالألف واللام مفتوحاً يجعله في جميع الأشياء ( كأينَ ) ومن العرب من يكسرُ ذا أجمع على كل حال فيجعله بمنزلة ( اضرب الرجلَ ) وإن لم تجىء بالألف واللام لأنه فعل حرك لإلتقاء الساكنين والذي يكسرون كعب وغني
ولا يكسر هلم ألبتة من قال : هلما وهلمي ليس إلا الفتح وأهل الحجاز وغيرهم يجمعون على أنهم يقولون للنساء أرددنَ لأن سكون الدال هنا لا
يشبه سكون الجزم ولا سكون الأمر والنهي لأنها إنما سكنت من أجل النون كما تسكن مع التاء وزعم الخليل وغيره إن ناساً من بكر بن وائل يقولون ( رَدَّنَ ومرَّنَ وردَّتْ ) كأنهم قدروا الإِدغام قبل دخول النون والتاء والشعراء إذا اضطروا إلى ما يجتمع أهل الحجاز وغيرهم على إدغامه أخرجوه على الأصل ومن ذلك الهمزة إذا خففت وقبلها حرف ساكن حذفت وألقيت الحركة على الساكن وسنذكر باب الهمزة إن شاء الله
والثاني : ما يسكن لغير جزم وإعراب وهو على ثلاثة أضرب إسكان لوقف وإسكان لإِدغام وإسكان لإستثقال أما الوقف فكل حرف يوقف عليه فحقه السكون كما أن كل حرف يبتدأ به فهو متحرك وأنا أفرد ذكر الوقف والإبتداء
وأما الإِدغام فنحو قولك : ( جَعَلَ لَكَ ) فمن العرب من يستثقل اجتماع كثرة المتحركات فيدغم وهذا يبين في الإِدغام
وأما إسكان الإستثقالِ فنحو ما حكوا في شعر امرىء القيس في قوله :
( فاليومَ أشربْ غَيْرَ مُسْتَحْقَبٍ ... إثماً مِنَ الله ولا وَاغِلِ )
كان الأصل : أشربُ فأسكن الباءَ كما تسكنها في ( عَضُدِ ) فتقول : ( عَضْدٌ ) للإستثقال فشبه المنفصل والإِعراب بما هو من نفس الكلمة وهذا عندي غير جائز لذهاب علم الإِعراب ولكن الذين قالوا ( وهو ) فأسكنوا الهاء تشبيهاً ( بِعَضْدٍ ) والذين يقولون في ( عَضُدٍ ) ( عَضْدٌ ) وفي ( فَخَذٍ ) إنما يفعلون هذا إذا كانت العين مكسورة أو مضمومة فإذا انفتحت لم يسكنوا
الثالث : ما غيرت حركته لغير إعراب تقول : هذا غلامٌ فإذا أضفته إلى نفسك قلت : غُلامي فزالت حركت الإِعراب وحدث موضعها كسرة وقد ذكرت ذا فيما تقدم فهذه الياء تكسر ما قبلها إذا كان متحركاً فإن كان قبلها ياءٌ نحو : ( يا قاضي ) قلت : قاضِيَّ وجواريَّ فإن كان قبلها واو ساكنة وقبلها ضمةٌ قلبتها ياءً وأدغمت نحو ( مسلميَّ ) فإن كان ما قبلها ياء ساكنة وقبلها حرف مفتوح لم تغيرها تقول : ( رأيتُ غُلامي ) تدع الفتحة على حالها وكل اسم آخره ياءٌ يلي حرفاً مكسوراً فلحقته الواو والنون والياء للجمعِ تحذف منه الياء ويصير مضموماً تقول في ( قاضٍ ) إذا جمعت ( قاضونَ ) وقاضينَ لما لزم الياء التي هي لام السكون أسقطت لإلتقاء الساكنين فإن أضفت ( قاضُون ) إلى نفسك قلت : ( قاضي ) كما قلت : مُسلِميَّ وتختلف العرب في إضافة المنقوص إلى الياء فمن العرب من يقول : بُشرايَ بفتح الياء ومنهم من يقول : بشريَّ وأما قولهم : في عَلَيّ عليكَ ولَدَيّ لديكَ فإنما ذاك ليفرقوا بينهما وبين الأسماء المتمكنة كذا قال سيبويه : وحدثنا الخليل إن ناساً من العرب يقولون : علاكَ ولداكَ وإلاكَ وسائر علامات المضمر المجرور بمنزلة الكاف وهؤلاء على القياس قال : وسألته عَنْ مَنْ قال : رأيتُ كلا أَخويكَ ومررت بكلا أخويكَ ومررت
بكليهما فقال : جعلوه بمنزلة : عليكَ ولديكَ وكِلا لا تفرد أبداً إنما تكون للمثنى
الرابع : ما حذف لغير جزم وذلك على ضربين : أحدهما ما يحذف من الحروف المعتلة لإلتقاء الساكنين والآخر ما يحذف في الوقف ويثبت في الإِدراج
فأما الذي يحذف لإلتقاء الساكنين فالألف والياءُ التي قبلها كسرة والواو التي قبلها ضمة وذلك نحو : هو يغزو الرجل ويرمي القومَ ويلقي الفارسَ وكذلك إن كانت واو جمع أو ياءٌ نحو : مسلمو القوم ومسلمي الرجل فإن كان قبل الواو التي للجمع فتحة لم يجز أن يحذف لأنها لا تكون كذا إلا وقبلها حرف قد حذف لإلتقاء الساكنين وهي مع ذلك لو حذفت لإلتبست بالواحد وذلك قولك : هم مصطفو القوم واخشوا الرجلَ والفتح مع ذلك أخف من الضم وأما الذي يحذف في الوقف ويثبت في غيره فنذكره في الوقف والإبتداء ونجعله يتلو ما ذكرنا ثم نتبعه الهمزَ للحاجة إليه إن شاء الله
باب ذكر الإبتداء كل كلمة يبتدأ بها من اسم وفعل وحرف فأول حرف تبتدئ به وهو متحرك ثابت في اللفظ فإن كان قبله كلام لم يحذف ولم يغير إلا أن يكون ألف وصل فتحذف ألبتة من اللفظ وذلك إجماع من العرب أو همزة قبلها ساكن فيحذفها من يحذف الهمزة ويلقي الحركة على الساكن وسنذكر هذا في تخفيف الهمزة فأما ما يتغير ويسكن من أجل ما قبله فنذكره بعد ذكر ألف الوصل إن شاء الله
ألف الوصل :
ألف الوصل همزة زائدة يوصل بها إلى الساكن في الفعل والإسم والحرف إذ كان لا يكون أن يبتدأ بساكن وبابها أن تكون في الأفعال غير المضارعة ثم المصادر الجارية على تلك الأفعال وقد جاءت في أسماء قليلة غير مصادر ودخلت علىحرف من الحروف التي جاءت لمعنى ونحن نفصلها بعضها من بعض إن شاء الله
أما كونها في الأفعال غير المضارعة فنحو قولك مبتدئاً : اضربْ اقتلْ اسمعْ اذهب كان الأصل : تذهبُ تضربُ
وتقتلُ وتسمعُ فلما أزلت حرف المضارعة وهو ( التاءُ ) بقي ما بعد الحرف ساكناً فجئت بألف الوصل لتصل إلى الساكن وأصل كل حرف السكون فكان أصل هذه الهمزة أيضاً السكون فحركتها لإلتقاء الساكنين بالكسر فإن كان الثالث في الفعل مضموماً ضممتها وتكون هذه الألف في ( انفعلت ) نحو : انطلقت وافعللت نحو : احمررَتُ وافتعلتُ نحو : احتبسَتُ ويكون في : استفعلتُ نحو : استخرجتُ وافعللتُ نحو : اقعنسستُ وافعاللتُ نحو : اشهاببتُ وافعولتُ نحو : اجلوذتُ وافعوعلتُ نحو : اغدودنتُ وكذلك ما جاء من بنات الأربعة على مثال استفعلتُ نحو احرنجمت واقشعررتُ فألف الوصل في الفعل في الإبتداء مكسورة أبداً إلا أن يكون الثالث مضموماً فتضمها نحو قولك : اقتل استضعف احتقرَ احرنجم والمصادر الجارية على هذه الأفعال كلها وأوائلها ألفاتُ الوصل مثلها في الفعل ولا يكون إلا مكسورة تقول : انطلقتُ انطلاقاً واحمررتُ احمراراً واحتبستُ احتباساً واستخرجت استخراجاً واقعنسستُ اقعنساساً واشتهابيتُ اشهيباباً واجلوذتُ اجلواذاً واغدودنتُ اغديداناً وأما الأسماء التي تدخل عليها ألف الوصل سوى المصادر الجارية على أفعالها وهي أسماء قليلة : فهي : ابنْ وابنةْ واثنانِ واثنتانِ وامرؤٌ وامرأَةِ وابنمْ واسمْ واستٌ فجميع هذه الألفات مكسورة في الإبتداء ولا يلتفت إلى ضم الثالث تقول : مبتدئاً ابنمْ وامرءٌ لأنها ليست ضمة تثبت في هذا البناء على حال كما كانت في الفعل وأما الحرف الذي تدخل عليه ألف الوصل فاللام التي يعرف بها الأسماء نحو : القومِ والخليل والرجل والناس وما
أشبه ذلك إلا أن هذه الألف مفتوحة وهي تسقط في كل موضع تسقط فيه ألف الوصل إلا مع ألف الإستفهام فإنهم يقولون : أَ الرجل عندك فيمدون كيلا يلتبس الخبر بالإستفهام وقد شبهوا بهذه الألف التي في ( أيمِ وأيمن ) في القسم ففتحوها لما كان اسماً مضارعاً للحروف وأما ما يتغير إذا وصل بما قبله ولا يحذف فالهاء من ( هو ) إذا كان قبلها واو أو فاء نحو قولهم : فهو قالَ ذاكَ وهي أُمُكَ وكذلك لامُ الأمر في قولك : لتضربْ زيداً إذا كان قبلها واو وصلت فقلت : ولتضربْ والعرب تختلف في ذلك فمنهم من يدع الهاء في ( هو ) على حالها ولا يسكن وكذلك هي ومن ترك الهاء على حالها في ( هي ) و ( هو ) ترك الكسرة في اللام على حالها فقال في قوله : فلينظرْ ( فلينظر ) فإن كان قبل ألف الوصل ساكن حذفت ألف الوصل وحركت ما قبل الساكن لإلتقاء الساكنين وإن كان مما يحذف لإلتقاء الساكنين حذفته فأما الذي يحرك لإلتقاء الساكنين من هذا الباب فإنه يجيء على ثلاثة أضرب يحرك بالكسر والضم والفتح فالمكسور نحو قولك : ( اضرب ابنَكَ واذهبِ اذهبْ ) و ( قل هو الله أحد الله ) وإن الله وعنِ الرجلِ وقَطِ الرجلُ وأما الضم فنحو قوله : ( قُلْ اُنظروا وقالت أخرج ) وعذابٌ أُركض ومِنهُ أو انقض إنما فعل هذا
من أجل الضم الذي بعد الساكن ومنهم من يقول : قلِ انظرزا ويكسر جميع ما ضم غيره ومن ذلك الواو التي هي علامة الإِضمار يُضمُّ إذا كان ما قبلها مفتوحاً نحو : ( لا تنسوا الفضلَ بينكم ) قال الخليل لفصلَ بينها وبين واو ( لَو ) وأو التي من نفس الحرف وقد كسر قوم وقال قوم : لو استطعنا والياء التي هي علامة الإِضمار وقبلها مفتوح تكسر لا غير نحو أخشى الرجل يا هذهِ وواو الجميع وياؤه مثل الضمير نقول : مصطفو الله في الرفع ومصطفى الله في النصب والجر وأما الفتح فجاء في حرفين ( ألم الله ) فرقوا بينه وبين ما ليس بهجاء والآخر : مِنَ الله ومِنَ الرسولِ لما كثرت وناس من العرب يقولون : ( مِنِ الله ) واختلفت العرب في ( مِنْ ) إذا كان بعدها ألف وصل غير ألف
اللام فكسره قوم ولم يكسره قوم ولم يكسروا في ألف اللام لكثرتها معها إذ كانت الألف واللام كثيرة في الكلام وذلك : ( مِن ابنِك ) ( ومِنِ امرىءٍ ) وقد فتح قوم فصحاء فقالوا : ( مِنَ ابنكَ وأما ما يحذف من السواكن إذا وقع بعدها حرف ساكن فثلاثة أحرف الألف والياء التي قبلها حرف مكسور والواو التي قبلها حرف مضموم فالألف نحو : رمى الرجل وحُبلى الرجل ومعزى القوم ورَمَتْ دخلت التاء وهي ساكنة على ألف ( رَمَى ) فسقطت وقالوا : رَمَيا وغَزَوا لئلا يلتبس بالواحد وقالوا : حبليان وذفريانِ لئلا يلتبس بما فيه ألف تأنيث والياء مثل : يقضي القوم ويرمي الناس والواو نحو : يغزو القوم ومن ذلك : لم يبعْ ولم يقُلْ ولم يَخفْ فإذا قلت : لم يخفِ الرجلُ ولم يبعِ الرجلُ ورمت المرأة لم تردِ الساكنَ الساقط وكان الأصل في ( يبعُ ) ( يبيعُ ) وفي ( يخفُ ) يخاف وفي ( يَقَلْ ) يقول : فلم نرد لأنها حركة جاءت لإلتقاء الساكنين غير لازمة وقولهم : ( رَمَتا ) إنما حركوا للساكن الذي بعده ولا يلزم هذا في ( لم يخافاَ ) ( ولم يبيعَا ) لأن الفاء غير مجزومة وإنما حذفت النون للجزم ولم تلحق الألف شيئاً حقه السكون
ذكر الوقف على الإسم والفعل والحرف أما الأسماء فتنقسم في ذلك على أربعة أقسام اسمٍ ظاهرٍ سالمٍ وظاهر معتل ومضمر مكني ومبهم مبنيّ :
الأول : الأسماء الظاهرة السالمة نحو : ( هذا خالدٌ وهذا حَجر
ومررت بخالد وحجرٍ ) فأما المرفوع والمضموم فإنه يوقف عنده على أربعة أوجه : اسكانٌ مجردٌ وإشمامٌ ورومُ التحريك والتضعيف وجعل سيبويه لكل شيءٍ من ذلك علامة في الخط فالإِشمام نقطة علامة
وعلامة الإِسكان وروم الحركة خط بين يدي الحرف وللتضعيف الشين فالإِشمام لا يكون إلاّ في المرفوع خاصة لأنك تقدر أن تضع لسانك في أي موضع شئت ثم تضم شفتيكَ وإشمامُك للرفع إنما هو للرؤية وليس بصوت يسمع فإذا قلت : ( هذا مَعْنٌ ) فأشممت كانت عند الأعمى بمنزلتها إذا لم تشم وإنما هو أن تضم شفتيكَ بغير تصويت ورومُ الحركة صوت ضعيف ناقص فكأنك تروم ذاك ولا تتممهُ وأما التضعيف فقولك : هذا خالدٌ وهو يجعل وهذا فَرِحٌ ومن ثم قالت العرب في الشعر في القوافي ( سبسباً تريد : السبسبَ وعَيهَلُّ تريد : العَيهلُ ) وإنما فعلوا ذلك ضرورة وحقه الوقف إذا شدد وإذا وصل رده إلى التخفيف فإن كان الحرف الذي قبل آخر حرف ساكناً لم يضعفوا نحو ( عمروٍ ) فإذا نصبت فكل اسم منون تلحقهُ الألف في النصب في الوقف فتقول : ( رأيتُ زيداً وخالداً ) فرقوا بين النون والتنوين ولا يفعل ذلك في غير النصب وأزد السراة يقولون :
هذا زيدوْ وهذا عَمرُوْ وبكرُوْ ومررت بزيدي يجعلون الخفض والرفع مثل النصب والذين يرومون الحركة يرومونها في الجر والنصب والذين يضاعفون يفعلون ذلك أيضاً في الجر والنصب إذا كان مما لا ينون فيقولون : مررت بخالدّ ورأيت أحمرَّ
وقال سيبويه : وحدثني من أَثقُ به أنه سمع أعرابياً يقول : أَبيضَّه يريد : أبيضَّ وألحق الهاء مبنياً للحركة فأما المنون في النصب فتبدل الألف من التنوين بغير تضعيف وبعضُ العرب يقول في ( بكرٍ ) : هذا بكرو من بكرٍ فيحرك العين بالحركة التي هي اللام في الوصل ولم يقولوا : رأيتُ البكرَ لأنه في موضع التنوين وقالوا : هذا عِدِلْ وفِعِلْ فأتبعوها الكسرة الأولى لأنه ليس من كلامهم فِعَلٌ وقالوا في اليسر فأتبعوها الكسرة الأولى لأنه ليس في الأسماء فُعِلْ وهم الذين يقولون في الصلة اليُسْرُ فيخففون وقالوا : ( رأيتُ العِكِمَ ) ولا يكون هذا في ( زيدٍ وعَوْنٍ ) ونحوهما لأنهما حَرفا مَدٍّ فإن كان اسمٌ آخره هاء التأنيث نحو : ( طلحةَ وتمرةٍ وسفرجلةٍ ) وقفت عليها بالهاء في الرفع والنصب والجر وتصير تاءٌ في الوصل فإذا ثنيت الأسماء الظاهرة وجمعتها قلت : زيدانِ ومسلمانِ وزيدونَ ومسلمونَ تقف على النون في جميع ذلك ومن العرب
من يقول : ضَاربانِهْ ومسلمونَهْ فيزيد هاء يبين بها الحركة ويقف عليها والأجود ما بدأتُ به وإذا جمعت المؤنث بالألف والتاء نحو : تمراتٍ ومسلماتٍ فالوقف على التاء وكذلك الوصل لا فرق بينهما فإذا استفهمت منكراً فمن العرب من يقول إذا قلت رأيت زيداً قال : أزيدنيه وإن كان مرفوعاً أو مجروراً فهذا حكمه في إلحاق الزيادة فيه فأما آخر الكلام فعلى ما شرحتُ لكَ من الإِعراب فإذا كان قبل هذه العلامة حرف ساكن كسرته لإلتقاء الساكنين وإن كان مضموماً جعلته واواً وإن كان مكسوراً جعلته ياءً وإن كان مفتوحاً جعلته ألفاً فإن قال : ( لقيتُ زيداً وعمراً ) قلت : أَزيداً وعمرنَيْهِ وإذا قال : ( ضربتُ عُمَر ) قلت : أَعمراهُ وإن قال : ( ضربتُ زيداً الطويلَ ) قلت : الطويلاه فإن قال : ( أَزيداً يا فتى ) تركت العلامة لما وصلت ومن العرب من يجعل بين هذه الزيادة وبين الإسم ( إنْ ) فتقول : أعَمُرَانِيه
القسم الثاني : وهو الظاهر المعتل :
المعتل من الأسماء على ثلاثة أضرب : ما كان آخره ياءً قبلها كسرة أو همزة أو ألف مقصورة فأما ما لامه ياءٌ فنحو : ( هذا قاضٍ وهذا غازٍ وهذا العَمِ ) يريد : القاضي والغازيَ والعَمِىَ أسقطوها في الوقف لأنها تسقط في الوصل من أجل التنوين
قال سيبويه : وحدثنا أبو
الخطاب : أنَّ بعض من يوثق بعربيته من العرب يقول : ( هذا رامي وغازي وعَمِي ) يعني في الوقف والحذف فيما فيه تنوين أجود فإن لم يكن في موضع تنوين فإن البيان أجود في الوقف وذلك قولك : هذا القاضِي والعاصِي وهذا العَمِي لأنها ثابتة في الوصل ومن العرب من يحذف هذا في الوقف شبهوه بما ليس فيه ألف ولام كأنهم أدخلوا الألف واللام بعد أن وجب الحذف فيقولون : ( هذا القاضْ والعاصْ ) هذا في الرفع والخفضِ فأما النصب فليس فيه إلا البيان لأنها ثابتة في الوصل تقول : رأيتُ قاضياً ورأيتُ القاضي وقال الله عز و جل : ( كلاّ إذا بلغتِ التراقَي ) وتقول : رأيت جواريَ وهُنَّ جوارٍ يا فَتى في الوصل ومررتُ بجوارٍ فالياء كياء قاضي والياء الزائدة ها هنا كالأصلية نحو : ياءِ ثَمانٍ ورباع إذا كان يلحقها التنوين في الوصل قال سيبويه : وسألت الخليلَ عن ( القاضي ) في النداء فقال : ( اختار يا قاضي ) لأنه ليس بمنون كما اختار هذا القاضي فأما يونس فقال : ( يا قاضْ ) بغير ياء وقالا في ( مُرٍ ) وهو اسم من أرى هذا مُرِي بياء في الوقف كرهوا أن يخلو بالحرف فيجمعوا عليه لو قالوا :
مُر ذهاب الهمزة والياء وذلك أن أصله مُرئِي مثل : مُرْعِي فإن كان الإسم آخره ياء قبلها حرف ساكن أو واو قبلها ساكن فحكمه حكم الصحيح نحو : ( ظَبيٍ وكرسيٍّ ) وناس من بني سعد يبدلون الجيم مكان الياء في الوقف لأنها خفيفة فيقولون : هذا تميمج يريدون تميمي وهذا عَلِجّ يريدون : عَلي وعربَانج يريدون : عرباني والبرنج يريدون : البِرَني وجميع ما لا يحذف في الكلام وما لا يختار فيه أن لا يحذف يحذفُ في الفواصل والقوافي فالفواصل قول الله عز و جل : ( والليل إذا يسري ) و ( ذلك نبغ ) ( ويوم التناد ) ( والكبير المتعال )
الضرب الثاني : وهو ما كان آخره همزة :
ما كان في الأسماء في آخره همزة وقبل الهمزة ألف فحكمهُ حكم الصحيح وإعرابُه كإعرابِه تقول : هذا كساءٌ ومررتُ بكساءَ وهو مثل حُمارٍ في الوصل والوقف فإن كانت الهمزة ألف قبلَها وقبلُها ساكن فحكمها حكم الصحيح وحكمها أن تكون كغيرها من الحروف كالعين وذلك
قولك : الخَبءُ حكمهُ حكم الفرع في الإِسكان ورومِ الحركة والإِشمام فتقول : هو الخَبْء ساكن والخَبءَ بروم الحركة والخَبَءْ تشمُ وناس من العرب كثير يلقون على الساكن الذي قبل الهمزة الحركة ومنهم تميم وأسدْ يقولون : ( هو الوثُوءْ ) فيضمون الثاء بالضمة التي كانت في الهمزة في الوصل وفي الوثيء ورأيت الوثأ وهو البطؤ ومن البطيء ورأيت البطأ وهو الردؤ وتقديرها : الردعُ ومن الرِدّىءْ ورأيتُ الردأْ وناس من بني تميم يقولون : هو الردِيءْ كرهوا الضمة بعد الكسرة وقالوا رأيتُ الرِدِيءْ سووا بين الرفع والنصب وقالوا : من البُطؤْ لأنه ليس في الكلام ( فُعِلٌ ) ومن العرب من يقول : هو الوَثُوْ فيجعلها واواً من الوثُيْ ورأيتُ الوثَاءَ ومنهم من يسكن الثاء في الرفع والجر ويفتحها في النصب وإذا كان ما قبل الهمزة متحركاً لزم الهمزة ما يلزم النَّطعْ من الإِشمام والسكون وروم الحركة وكذلك يلزمها هذه الأشياء إذا حركت الساكن قبلها وذلك قولك : هو الخَطأْ والخَطأْ تُشم والخَطأَ ترومُ قال سيبويه : ولم نسمعهم ضاعفوا لأنهم لا يضاعفون الهمزة في آخر الكلمة ومن العرب من يقول : هو الكَلَوْ حرصاً على البيان ويقول : من الكَلَى ورأيت الكلاء وهذا وقف الذين يحققون الهمزة فأما الذين لا يحققون الهمزة من أهل الحجاز فيقولون : الكَلاَ وأكِمُو وأهنى يبدل من الهمزة حرفاً من
جنس الحركة التي قبلها وإذا كانت الهمزة قبلها ساكن فالحذف عندهم لازم ويلزم الذي ألقيت عليه الحركة ما يلزم سائر الحروف من أصناف الوقف
الضرب الثالث : منه وهو ما كان في آخره ألف مقصورة :
حقُّ هذا الإسم أن تقف عليه في الرفع والنصب والجر بغير تنوين وإن كان منصرفاً فتقول : : هذا قَفَا ورأيت قَفَا ومررت بقفاَ إلا أن هذه الألف التي وقفت عليها يجب أن تكون عوضاً من التنوين في النصب وسقطت الألف التي هي لام لإلتقاء الساكنين كما تسقط مع التنوين في الوصل هذا إذا كان الإسم مما ينون مثلهُ وبعض العرب يقول في الوقف : هذا أَفْعَىْ وحُبْلَى وفي مُثَّنَّى مُثَنَّىً فإذا وصل صيرها ألفاً وكذلك كل ألف في آخر اسم وزعموا أن بعض طَيء يقول : ( أَفْعَو ) لأنها ابين من الياء وحكى الخليل عن بعضهم : هذه حُبْلاْ مهموز مثل حُبْلَعْ ورأيت رَجُلاً مثل رَجُلَعْ فهمزوا في الوقف فإذا وصلوا تركوا ذلك
القسم الثالث : وهي الأسماء المكنية :
من ذلك ( أَنا ) الوقف بألف فإذا وصلت قلت : أَنَ فعلت ذاك بغير ألف ومن العرب من يقول في الوقف : هذا غُلامْ يريد : هذا غُلامي
شبهها بياء قاض وقد أسقَانْ وأَسْقِنْ يريد : أسقاني وأسقني لأن ( في ) اسم
وقد قرأن أبو عمرو فيقول : ( ربي أكرمِنْ ) ( وربي أهانِنْ ) على الوقف وترك الحذف أقيس فأما : هذا قاضِيَّ وهذا غلامَيَّ ورأيتُ غلامَيَّ فليس أحد يحذف هذا ومن قال : غلاميَّ فاعلم وإني ذاهبٌ لم يحذف في الوقف لأنها كياء القاضيْ في النصب ومن ذلك قولهم : ( ضربَهُو زيد وعليَهُو مالٌ ولديهو رجلٌ وضربَها زيد ) وعليّها مالٌ فإذا كان قبل الهاء حرف لين فإن حذف الياء والواو في الوصف أحسن وأكثر وذلك قولك : عليه يا فتى ولديه فلان ورأيتُ أباهُ قَبلُ وهذا أبوه كما ترى وأحسنُ القراءتين : ( ونَزلناهُ تنزيلاً ) ( وأنْ تحملُ عليهِ يلهثُ ) ( وشَروه بثَمنٍ بَخسٍ ) ( وخذوهُ فغلوهُ )
والإِتمام عربي ولا يحذف الألف في المؤنث فيلتبس المذكر والمؤنث فإن لم يكن قبل هاء التذكير حرف لين أثبتوا الواو والياء في الوصل وجميع هذا الذي يثبت في الوصل من الواو والياء يحذف في الوقف إلا الألف في ( هَا ) وكذلك إذا كان قبل الهاء حرف ساكن وذلك قول بعضهم : منهُ يا فتى وأصابتهُ جائَحةٌ والإِتمام أجودُ فإن كان الحرف الذي قبل الهاء متحركاً فالإِثبات ليس إلا كما تثبت الألف في التأنيث وهاتان والواو والياء تلحقان الهاء التي هي كناية يسقطان في
الوقف هذا في المكنى
المتصل فأما إن كانت الكناية منفصلة نحو : هُو وهي وهما وهنَّ فإن جميع ذا لا يحذف منه في الوقف شيءٌ ومن العرب من يقول : هُنَّهْ وضَرَبتنّهْ وذَهَبتَّهْ وغُلامِيَهْ ومن بَعْدِيَهْ وضَربِنهْ فأما من رأى أن يسكن الياء فإنه لا يلحق الهاء وَهِيَهْ يريدون ( هي ) وهوَهْ يريدون ( هُوَ ) يا هذا وخُذهْ بحكمكَهْ وكثير من العرب لا يلحقون الهاء في الوقف فإذا قلت : عليكمو مال وأنتُمو ذاهبونَ ولديهمي مال فمنهم من يثبت الياء والواو في الوصل ومنهم من يسقطهما في الوصل ويسكن الميم والجميع إذا وقفوا وقَفوا على الميم ولو حركوا الميم كما حركوا الهاء في ( عليه مال ) لاجتمع أربع متحركات نحو : ( رُسُلكمو ) وهم يكرهون الجمع بين أربع متحركات وهذه الميمات من أسكنها في الوصل لا يكسرها إذا كان بعدها ألف وصل ولكن يضمها لأنها في الوصل متحركة بعدها واو كما أنها في الإثنين متحركة بعدها ألف نحو : غُلامكُما وإنما حذفوا وأسكنوا استخفافاً وذلك قولك : كنتُمُ اليومَ وفعلُتُم الخير وتقول : مررتُ بهي قَبلُ ولديهي مال ومررت بدارهي وأهل الحجاز يقولون : مررتُ بِهُو قَبلُ ولديهو مال ويقرأون
فخسفَنا بهو وبدار هُو الأرض وجميع هذا الوقف فيه على الهاء ويقول بهمي دَاءٌ وعليهمي مالٌ ومن قال : ( بدارِ هُو الأرض ) قال : عليهمو مال وبهمو داءٌ والوقف على الميم
الرابع : المبهم المبني :
تقول في الوصل : علامَ تقولُ كَذا وكَذا وفيمَ صنعتَ ولِمَ فعلتَ وحتامَ وكان الأصل : على ( مَا ) وفي ما ولِما صنعت فالأصل ( مَا ) إلا أن الألف تحذف مع هذه الأحرف إذا كان ( ما ) استفهاماً فإذا وقفت فلك أن تقول : فيمَ وبِمَ ولِمَ وحتامَ ولك أن تأتي بالهاء فتقول : لِمَه وعلامَه وحتامَه وبِمَهْ وثبات الهاء أجود في هذه الحروف لأنك حذفت الألف من ( ما ) فيعوضون منها في الوقف الهاء ويبينون الحركة وأما قولهم : مجيءُ مَ جِئتَ ومثلُ م أنتَ فإنك إذا وقفت ألزمتها الهاء لأن ( مجيء ومثل ) تستعملان في الكلام مفردين لأنهما اسمان ويقولون : مثلَ ما أنتَ ومجيءُ ما جئتَ وأما حَيهَّلَ إذا وصلت فقلت : حَيهَّلَ بِعُمَر وإذا وقفت فإن شئت قلت : حَيهَّلْ وإن شئت قلت : حَيهَّلا تقف على الألف كما وقفت في ( أنَا ) وتقول : هذي أمةُ الله فإذا وقفت قلت : ( هَذِهْ ) فتكون الهاء عوضاً عن الياء وقد مضى ذكر ذا وقد تلحق الهاء بعد الألف في الوقف لأن الألف خفية وذلك قولهم : هؤلاءِ وها هُناهُ والأجود أن تقف بغير هاءٍ ومن قال : هؤلاء وها هُناه لم يقل في ( أَفعى وأَعمى ) ونحوهما من الأسماء المتمكنة كيلا يلتبس بهاء الإِضافة لأنه لو قال : أَعماه وأَفعاه لتوهمتَ الإِضافة إلى ضمير
واعلم : أنهم لا يتبعون الهاء ساكناً سوى هذا الحرف الذي يمتد به الصوت لأنه خفي وناس من العرب كثير لا يلحقون الهاء
الوقف على الفعل :
الفِعْلُ ينقسم إلى قسمين : سالم ومعتل فأما السالم فما لم تكن لامه ألفاً ولا ياء ولا واواً والمعتل ما كان لا مهُ ألفاً أو ياءً أو واواً
الأول : الفعل السالم والوقفُ عليه كما تقف على الإسم السالم في الرفع في جميع المذاهب غير مخالف له إلا في الإسم المنصوب المنصرف الذي تعوض فيه الألف من التنوين فيه فتعوض منه تقول لن نضرب أما المجزوم فقد استغنى فيه عن الإِشمام والروم وغيره لأنه ساكن وكذلك فعلُ الأمر تقول : لم يضربْ ولَم يقتلْ واضربْ واقتلْ وإذا وقفت على النون الخفيفة في الفعل كان بمنزلة التنوين في الإسم المنصوب فتقول : اضربا ومنهم من إذا ألحق النون الشديدة قال في الوقف : اضربنَّهْ وافعَلنَّهْ وافعَلنَّه ومنهم من لا يلحق الهاء . وقد ذكرنا باب النونين الخفيفة والشديدة
الثاني : الفعل المعتل :
نحو : يرمي ويغزو وأخشى ويقضي ويرضى وجميع هذا يوقف عليه بالواو والياء والألف ولا يحذف منه في الوقف شيء لأنه ليس مما يلحقه التنوين في الوصل فيحذف فأما المعتل إذا جزم أو وقف للأمر ففيه لغتان : من العرب من يقول : إرْمِهْ ولَم يَغْزهُ وأخشَهْ ولم يقضِهْ ولم يَرضَهْ ومنهم من يقول : ارمِ واغزُ واخشَ فيقف بغير هاء
قال سيبويه : حدثنا بذلك عيسى بن عمر ويونس وهذا اللغة أقل اللغتين فأما : لا تقهِ من وقيتُ وإن تَعِ أَعِهْ من ( وعَيتُ ) فإنه
يلزمها الهاء في الوقف من تركها في ( اخشَ ) وقد قالوا : لا أَدرِ في الوقف لأنه كثر في كلامهم وهو شاذ كما قالوا : ( لم يَكُ ) شبهت النون بالياء حيث سكنت ولا يقولون : لَم يكُ الرجلُ لأنها في موضع تحريك فيه فلم يشبه بلا أدرِ ولا تحذف الياء إلا في أَدرِ وما أَدرِ
الوقف على الحرف :
الحروف كلها لك أن تقف عليها على لفظها فالصحيح فيها والمعتل سواء وقد ألحق بعضهم الهاء في الوقف لبيان الحركة فقال : إنَّهْ يريدون ( أنَّ ) ومعناها أَجَلْ قال الشاعر :
( ويَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلاكَ ... وقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إنَّهُ )
ولَيتَهْ ولعَلَهْ كذاك
باب الساكن الذي تحركه في الوقف إذا كان بعدها المذكر الذي هو علامة الإِضمار
وذلكَ قولك في : ( ضربتُهُ ضَربْتُهُ وأضرِبُهْ وقَدهُ ومِنُهْ وعَنُهْ ) قال سيبويه : سمعنا ذلك من العرب ألقوا عليه حركة الهاء وقال أبو النجم :
( فَقَرِّبَنْ هذا وهذا أَزْحِلُه ... )
وسمعنا بعض بني تميم من بني عدي يقولون : قد ضَرَبتِهْ وأَخَذَتِهْ حرك لسكون الهاء وخفائها فإذا وصلت أسكنت جميع هذا لأنك تحرك الهاء فتبينُ
الوقف على القوافي العرب إذا ترنمت في الإِنشاد ألحقت الألف والياء والواو فيما ينون ولا ينون لأنهم أرادوا مدَّ الصوت فإذا لم يترنموا فالوقف على ثلاثة أوجه : أما
أهل الحجاز فيدعون هذه القوافي ما نونَ منها وما لم ينونْ على حالها في الترنم ليفرقوا بينهُ وبين الكلام فيقولون :
( قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَىَ حَبِيبٍ ومنزلي ... )
وفي النصب :
( فَبِتْنَا نَحِيدُ الوَحْشَ عَنَّا كأنَمَّا ... قَتِيلانِ لَمْ يَعْلَمْ لَنَا النَّاسُ مصْرَعَا )
وفي الرفع :
( هُرَيْرَةَ وَدِعْهَا وإنْ لاَمَ لاَئِمُو ... )
هذا فيما ينون فأما ما لا ينون في الكلام وقد فعلوا به كفعلهم بما ينون فقول جرير في الرفع :
( مَتى كَانَ الخِيَامُ بِذِي طُلُوحٍ ... سُقِيتِ الغَيْثَ أيَّتُها الخِيَامُو )
وقال في الجر :
( أَيْهَاتَ مَنْزِلُنَا بِنَعْفِ سُوَيَقَةٍ ... كَانَتْ مُبَاَكةً مِنَ الأَيامِي )
وفي النصب :
( أَقِلِّي اللَّوْمَ عَاذِلَ والعِتَابَا ... وقُولِي إنْ أَصَبْت لَقَد أَصَابَا )
فهذا وجهٌ :
الثاني : ناس كثيرون من بني تميم يُبدلون مكانَ المدةِ النونَ فيما ينونُ ولا ينونُ لمَّا لم يريدوا الترنم يقولون :
( يا أبتا عَلَّك أو عَسَاكَنْ ... )
( ويا صاحِ ما هاجَ الدموعَ الذُّرَفنَّ ... )
قال العجاجُ :
( مِنْ طَللٍ كالأَتْحَمِي أنَهَجَن ... )
وكذلك الجر والرفع والمكسور والمبني والمفتوحُ المبني والمضموم المبني في جميع هذا كالمجرور والمرفوع والمنصوب
الثالث : إجراء القوافي في مجراها لو كانت في الكلام ولم تكن قوافي شعرِ يقولون :
( أقِلِّي اللَّومَ عَاذِلَ والعِتَاب ... )
وقال الأخطلُ :
( واسأَلْ بمصقَلةَ البَكْرِيُ ما فَعَلْ ... )
ويقولون :
( قَدْ رَابَنِي حَفْصٌ فَحَرِّكْ حَفْصَا ... )
يثبتون الألف التي هي بدل من التنوين في النصب كما يفعلون في الكلام والياءات والواوات اللواتي هُنَّ لاماتٌ إذا كان ما قبلها حرف الروي فُعِلَ بها ما فُعِلَ بالواو والياء اللتين ألحقتا للمد في القوافي فالأصل والزائد للإِطلاق والترنم سواءٌ في هذا من أثبت الزائد أثبت الأصل ومن لم يثبت الزائد لم يثبت الأصل فمن ذلك إنشادهم لزهير :
( وبَعْضُ القَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لا يفْرِ ... )
وكذلك : يغزو لو كانت في قافية كنت حاذفاً الواو إن شئت وهذه اللامات لا تحذف في الكلام وتحذف في القوافي والفواصل فتقرأ ( والليل إذا يسر ) إذا وقفت وأما يخشى ويرضى ونحوهما مما لامه ألف فإنه لا يحذف منهنَّ الألف لأنَّ هذه الألف لما كانت تثبتُ في الكلام جُعلت بمنزلة ألف النصب التي في الوقف بدلاً من التنوين فلم تحذف هذه الألف كما لم يجز حذف ألف النصب ألا ترى أنه لا يجوز لك أن تقول : لم يعلمْ لنا الناسُ مصرعْ فتحذف الألف قال رؤبة :
( دايَنتُ أروي والدُّيونُ تُقضَى ... فَمَطَلتْ بعضاً وأَدَّتْ بَعْضَا )
فكما لا تحذف ألف ( بعضا ) لا تحذف ( لف تقضي )
وزعم الخليل : أن واو يغزو وياء ( يقضي ) إذا كانت واحدة منهما حرف الروي ثم تحذف لأنها ليست بوصل حينئذ وهي حرف روي كما أن القاف في ( وقاتم الأعماق خاوي المخترق ) حروق رويٍّ فكما لا تحذف القاف لا تحذف
واحدة منهما وهذا هو القياس كما قال إذا كانتا حرفي روي فأما إذا جاءتا بعد حرف الروي فحكمها حكم ما يزاد للترنم
وقال سيبويه : وقد دعاهم حذف ياء ( يقضي ) إلى أن حذف ناس كثيرون من قيس وأسد الواو والياء اللتين هما علامتا المضمر ولم تكثر واحدة منهما في الحذف ككثرة ياء ( يقضي ) لأنهما يجيئان لمعنى الأسماء وليستا حرفين بنينا على ما قبلهما فهما بمنزلة الهاء في قوله :
( يا عَجباً لِلدّهْرِ شَتَّى طَرَائِقُهْ ... )
وقال : سمعت من العرب من يروي هذا الشعر :
( لا يُبْعِدٌ الله أصحاَباً تَركْتُهُمُ ... لَمْ أَدْرِ بَعْدَ غَدَاةٍ الأمْسِ ما صَنَعْ )
يريدُ : ما صنعوا
وقال عنترةُ :
( يا دَارَ عَبْلَةَ بالجَوَاءِ تَكَلَّمْ ... )
يريد : تكلمي
فأما ( الهاءُ ) فلا تحذف من قولك : شتَّى طرائقهُ وما أشبهه لأنَّ الهاء ليست من حروف المد واللين قال : وأنشدنا الخليل :
( خَلِيلَيَّ طِيرَا بالتَّفَرُّقِ أوَقَعَا ... )
فلم يحذف الألف كما لم يحذفها من ( يقضي ) فإنما جاء الحذف في الياء والواو إذا كانا ضميرين فقط ولم يجيء في الألف ولم يجز لما نقدم ذكره
واعلم : أن الساكن والمجزوم يقعان في القوافي فإذا وقع واحد منهما في القافية حرك وجعلوا الساكن والمجزوم لا يكونان إلا في القوافي المجرورة حيث احتاجوا إلى حركتها ولا يقع ذلك في غير المجرور كما أنهم إذا اضطروا إلى تحريكها لإلتقاء الساكنين كسروا قال امرؤ القيس :
( أَغَرَّكِ مِنِّي أنَّ حُبَّكِ قَاتِلي ... وأنَّكَ مَهْمَا تَأمِري القَلْبَ يَفْعَلِ )
وقال طرفة :
( مَتَى تَأْتِنِي أُصْبِحكَ كأسَاً رَوِيَّةً ... فإنْ كُنْتَ عَنْها غَانِياً فَاغْنَ وَازْدَدِ )
ولو كانت في قواف مرفوعة أو منصوبة كان اقواء وقال أبو النجم :
( إذا استحثُّوها بَحَوْبٍ أو حلى ... )
وحلْ مسكنة في الكلام
قال سيبويه : ويقول : الرجل إذا تذكر ولم يرد أن يقطع كلامهُ ( قالا ) فيمد ( قال ويقولوا ) فيمد ( يقولُ ) ومن
العامي فيمدُّ ( العامَ ) سمعناهم يتكلمون به في الكلام ويجعلونه علامة ما يتذكرونه ولم يقطعوا كلامهم فإذا اضطروا إلى مثل هذا في الساكن كسروا سمعناهم يقولون : إنه ( قدي ) في ( قَدْ ) ويقولون : إلى في الألف واللام يتذكرون الحارث ونحوه
قال : وسمعنا من يوثق به في ذلك يقول : ( هذا سيفني يريد : سيفٌ ولكنَّهُ تذكر بعدُ كلاماً ولم يرد أن يقطع اللفظ ولو أراد القطعَ ما نونَ فالتنوين حرفُ ساكن فكسر كما كسر دال ( قَدْ )
باب ( من ) وأي إذا كنت مستفهماً عن نكرة
إذا قال القائل : رأيتُ رجلاً قلتَ : مَنَا وإذا قال هذا رجلٌ قلت : مُنو وإن قال : رأيتُ رجلين قلت : مَنَيْنْ وإن قال : ( هذانِ رجلانِ ) قلت : مَنَانْ وفي الجميع مَنونْ ومَنَينْ وللمؤنث : مَنَهْ ومَنَتْ مثل : بنتٍ وابنةٍ ومنتانْ ومناتْ
وزعَمَ الخليل : أنَّ هذا الباب في ( مَأْ ) إذا وصلت قلت : مَنْ يَا فتى وإنما يصلحُ هذا في الوقف فقط
قال سيبويه : وحدثنا يونس : أن ناساً يقولون : مَنَا ومِنَى ومَنَو واحداً كان أو اثنين أو جماعة وإذا قال : رأيتُ امرأة ورجلاً قلت : مَنْ ومَنَا لأنكَ تقول : مَنْ يا فتى في الصلة للمؤنث وإن بدأت بالمذكر قلت : مَنْ ومنَهْ قال : فإذا قال : ( رأيتُ عبد اللهِ ) فلا تقل : مَنَا لا يصلح ذلك في شيءٍ من المعرفة قال سيبويه : وسمعنا من العرب من يقال لهُ : ذهب مَعَهم فيقول : مع مَنِين وقد رأيتهُ فيقولُ : مَنَا وذلك أنه سأله على أن الذين ذكر ليسوا عنده ممن يعرفهم بأعيانهم والعرب تختلف في الإسم المعروف فأهل الحجاز إذا
قال الرجلُ : ( رأيتُ زيداً ) قال : ( مَنْ زيداً ) يحكون نصب أو رفع أو جر وأما بنو تميم فيرفعون على كل حال وإنما يكون هذا في الإسم الغالب فإذا قال : ( رأيتُ أَخا زيدٍ ) لم يجز : ( مُنْ أخا زيدٍ ) إلا قول من قال : ( دَعنا مِن تمرتانِ ) وليس بقَرشياً والواجبُ الرفعُ وقال يونس : إذا قال رجل : رأيت زيداً وعمراً أو زيداً وأخاهُ أو زيداً أخا عمرو فالرفع يرده إلى القياس والأصل إذا جاوز الواحد كما ترد : ما زيد إلا منطلق إلى الأصل فأما ناس فإنهم قالوا : منْ أخو زيدٍ وعمروٍ ومَنْ عمراً وأخا زيدٍ يتبع الكلام بعضُه بعضاً وإذا قالوا : ( منْ عمراً ومنْ أخو زيدٍ ) رفعوا ( أخا زيدٍ ) قال : وسألت يونس عن رأيت زيد بن عمروٍ فقال : أقول : مَنْ زيدَ بنَ عمرو لأنه كالواحد فَمنْ نونَ زيداً رفع في قول يونس فإن أدخلت الواو والفاء في ( مَنْ ) فقلت : فَمن أو منون لم يكن فيما بعده إلا الرفع ويقول القائل : رأيت زيداً فتقول : المَنيَّ فإن قال : رأيت زيداً وعمراً قلت : المَنينْ وإن ذكر ثلاثة قلت : المنيِينّ تحمل الكلام على ما حمل عليه المتكلم كأنك قلت : القرشيَّ أم الثَقفيَّ نصب وإن شاء رفع على ( هو ) كما قال صالح في جواب كيف أنتَ وما أي فهي مخالفة ( لِمَنْ ) لأنها معرفة فإذا استفهمت بها عن نكرة قلت : إذا قال : رأيتُ رجلاً أياً فإن قال : رجلين قلت : أييَّن وللجميع : أيَينَ فإن ألحقت ( يا فتى ) فهي على
حالها وإذا قلت : رأيتُ امراةً قلت : أيةً يا فتى وللإِثنتين : أَيتُّين يا فتى والجماعة أيَّاتٍ يا فتى وإن تكلم بجميع ما ذكرنا ومجروراً جررت وإن رفع رفعت فإن قال : رأيت عبد الله فإن الكلام من عبد الله وأي عبد الله ليس مع ( أيٍّ ) في المعرفة إلا الرفع فأيٌّ ومَنْ يتفقان في أشياء ويختلفان
فأما اتفاقهما فإنهما يستفهم بهما ويكونان بمعنى ( الذي ) تقول : اضرب أيهم هو أفضل واعط أيهم كان أفضل واضربْ أيهم أبوهُ زيد كما تقول : اضربْ منْ أبوهُ زيد ومن هو أفضل فإن قلت : ( اضربْ أيهم عاقلٌ ) رفعت هذا مذهب سيبويه وهو عندي مبني ( لأنَّ ) الذي عاقل قبيح فإن دخلت ( هو ) نصبت وزعم الخليل أنه سمع عربياً يقول : ما أنا بالذي قال لك شيئاً فعلى هذا تقول : اضربْ أيهم قائل لك خيراً إذا طال الكلام حَسُنَ حذف ( هو ) ومن لا يقدر فيها الرفع إذا قلت : اضربْ منْ أفضلُ ورفع أضربْ أيُّهم أفضلُ وهو بمعنى ( الذي ) عندي ناقص لأصول العربية إلا أنْ تراد الحكاية أو ضَربُ من الضروب يمنع الفعل من الإتصال ( بأي ) وما يفارق ( أي ) فيه ( من ) أن أي تضاف و ( من ) لا تضاف ومن تصلح للواحد والإِثنين والجماعة والمذكر والمؤنث فمن ذلك : ( ومنهم من يستمعون إليك ) ومَنْ كانت أُمُّكَ وتقول أيضاً : أَيهم كانت أمُّكَ وزعمَ الخليل أن بعضهم قرأ : ( ومَنْ يقنتُ منكنَّ لله ) وقال الفرزدق :
( نَكُنْ مِثْلَ مَنْ يا ذِئْبُ يَصْطَحِبَان ... )
فأي : إنما هي بعض لما أضيفت إليه ومن قد حكى فيها أنها تكون نكرة وتوصف نحو قولك : مررت بمن صالح وقالوا : من تكون استفهاماً وتعجباً وجزاءً قال بعض الكوفيين : إذا وقعت على نكرة كانت تعجباً ولم تكن استفهاماً ولم يجاز بها إذا وقعت على نكرة أزادتها كلها وإذا وقعت على معرفة أزادت بعضها في الجزاء والإستفهام فإذا قلت : أيُّ الرجلين أخواكَ وأي رجالٍ إخوتُكَ فهو على العدد وإذا قلت : أي الزيدينِ أخوكَ وأي الثلاثةِ صاحبُكَ وصاحباكَ فلا يجوز أصحابُكَ لأنها تزيد بعد المعرفة
واعلم : أنها في جميع ذلك لا تخرج عن معنى البعض لأنك إذا قلت : أي الرجلينِ أخواكَ إنما تريد : أي الرجالِ إذا صُنفوا رجلينِ رجلينِ أخواك وقد حكى أن ( ذا ) قد جاءت بمعنى ( الذي )
باب ما تلحقه الزيادة في الإستفهام يقول الرجل : ضربتُ زيداً فتقول إذا أنكرت : أزيدَنِيهْ وإن كان مرفوعاً أو مجروراً فهذا حكمه
إذا كان قبل هذه العلامة حرف ساكن كسرتَهُ لإلتقاء الساكنين مثل التنوين
وإن كان مضموماً جعلته واواً وإن كان مكسوراً جعلته ياءً وإن كان مفتوحاً جعلته ألفاً فإن قال : ( لقيتُ زيداً وعمراً ) قلت : أزيداً وعَمرنيهْ وإذا قال : ضربتُ عمر قلت : أعُمراهُ فإن قال : ضربتُ زيداً الطويلَ قلت : الطويلاه وإن قلت : أزيداً يا فتى تركت الزيادة إذا وصلت ومن العرب من يجعل بين هذه وبين الإسم أن فيقول : أَعُمرانِيهْ قال سيبويه : سمعنا رجلاً من أهل البادية قيل له : أتخرجُ إنْ أخصبتِ الباديةُ فقال : أَنَا إِنِيهْ منكراً
ومما زادوا الهاء فيه بياناً قولهم : أضْرِبْهُ يريد : اضرِبْ وتقول إني قد ذهبتُ فيقول : أذَهبتوُه ويقول : أنا خارج فتقول : أنا إنِيهْ تلحق الزيادة ما لفظتهُ وتحكيه
ذكر الهمزة وتخفيفه الهمزة لا تخلو من أن تكون ساكنة أو متحركة فالساكنة لها ثلاث جهات إما أن يكون قبلها فتحة أو كسرة أو ضمة فإن كان قبلها فتحة
أبدلت ألفاً وذلك في راس راس وفي يأس ياس وفي قرأتُ قراتُ وإن كان قبلها كسرة أُبدلت ياء وذلك قولهم : في الذئب الذيبُ وفي المئرةِ الميرةُ وإن كان قبلها ضمة أبدلتها واواً وذلك قولك في البؤسِ البوسُ والمؤمنِ المومنُ وإنما يبدل مكان كل همزة ساكنة الحرف الذي منه حركة ما قبلها لأنه ليس شيءٌ أقرب منه فالفتحة من الألف والضمة من الواو والكسرة من الياء والهمزة المتحركة لا تخلو من أن يكون ما قبلها ساكناً أو متحركاً فالهمزة المتحركة التي قبلها ساكن تكون على ضربين : همزة قبلها حرف مد وهو واو قبلها ضمة أو ياء قبلها كسرة أو ألف زيد للمدَ
والضرب الآخر : همزة قبلها حرف غير مد فالضرب الأول : الهمزة المتحركة التي قبلها مدَّةٌ فهي تبدل إذا كان قبلها واوا أو ياء وذلك في قولك مقروءة مقروة ومقروٌّ فاعلم وأبدلت الهمزة واواً وإنما فعلت ذاك لأن الواو زائدة وقبلها ضمة وهي على وزن مَفْعُولةٍ ومَفْعُولٍ وإذا كان قبل الهمزة ياء ساكنة قبلها كسرة وهي زائدة أبدلت الهمزة ياء تقول في : خطيئةٍ خَطيّةٌ
في النَسيء النَسيُّ يا هذا
وفي أُفَيئسٍ تصغير أفْأَسٍ أُفَيَّسُ وفي سُويئلٍ وهو تصغير سائل سُويَلٍ فياء التصغير بمنزلة ياء خطيةٍ
وإن كان ما قبل ياء التصغير مفتوحاً قلبوها لأنهم أجروها مجرى المدةِ كانت لا تحرك أبداً وهي نظير الألف التي تجيء في جمع التكسير ونحو ألف دراهم ألا ترى أنك تقول : دُرَيهم فتقع ياء التصغير ثالثة كما تقع الألفُ ويكسر ما بعدها كما يكسر ما بعد الألف ولا تحرك كما لا تحرك الألف وإن كان الساكن الذي قبل الهمزة ألفاً جعلت بينَ بينَ ومعنى قول النحويين : ( بَينَ بينَ ) أن تجعل الهمزة في اللفظ بين الحرف الذي منه حركتها وبين الهمزة بأنْ تلينَها فإن كانت مفتوحة جعلت بين الألف والهمزة وإن كانت مضمومة جعلت بين الواو والهمزة وإن كانت مكسورة جعلت بين الياء والهمزة
وقال سيبويه :
ولا يجوز أن تجعل الهمزة بينَ بينَ في التخفيف إلا في موضع يجوز أن يقع موضعها حرف ساكن ولولا أن الألف يقع بعدها الحرف الساكن ما جاز ذلك لأنه لا يجمع بين ساكنين وذلك في المسائِل المسايلُ يجعلها بين الياء والهمزة وفي هباءةٍ هَبَاأَةٌ فيجعلونها بين الهمزة والألف يلينُ الصوتُ بها وتقول في : جزاءُ أُمهِ جَزاؤامُهِ جزاؤامُهِ
الضرب الثاني :
الهمزة المتحركة التي قبلها حرف ساكن ليس بحرف مَدٍّ فَمنْ يخفف الهمزة يحذفها ويلقي حركتها على الساكن الذي قبلها وذلك قولك في المرأة المَرةُ وفي الكماة الكَمَةُ وقال الذين يخففون : ( ألاَّ يسجدوا لله الذي يُخرجُ الخَبَ في السموات والأرض ) ومن ذلك : مَن بُوكَ ومَن مُّكَ وكَم بلكَ إذا خففت ومثل ذلك : الحمر تريد الأحمر وقد قالوا : الكماةُ والمُراة ومثله قليل ومما حذف في التخفيف لأن ما قبله ساكن قولهم : أَرَى وتَرَى ونَرى ويَرى
وقد أجمعت العرب على تخفيف المضارع من رأيت لكثرة استعمالهم إياه فإذا خففت همزة أرأَوهُ قلت : رَوْهُ حذفت الهمزة وألقيت حركتها وهي الفتحة على الراء وسقطت ألف الوصل وتقديره أرَأوهُ مثل : أرَعوهُ دخلت ألف الوصل من أجل سكون الراء فلما حركت سقطت ألف الوصل فإن أمرت واحداً قلت : ذاك نطقت بالراء وحدها وكان الأصل ارْأى فحذفت الألف التي هي لام الفعل للأمر كما حذفتها في : اخشَ يا هذا وكان الأصل اخشى وحذفت الهمزة للتخفيف وألقيت حركتها على الراء فسقطت ألف الوصل فبقيت الراء وحدها قال سيبويه : وحدثني أبو الخطاب : أنه سُمعَ من يقول : قد أَراهُم فجاء به على الأصل
باب ذكر الهمزة المتحركة لا تخلو الهمزة المتحركة من إحدى ثلاث جهات من الضم أو الكسر أوالفتح وكل همزة متحركة وقبلها حرف متحرك فتخفيفها أن تجعلها ( بينَ بينَ ) إلا أن تكون مفتوحة قبلها ضمة أو كسرة فإنك تبدلها وإنما صار ذلك كذلك لأن الهمزة لو خففتها وقبلها ضمة أو كسرة لنحوت بها نحو الألف والألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحاً وذلك محال فأما ما تجعل من ذلك ( بينَ بينَ ) فنحو : سأل وسَيئمَ وقد قَرأَهُ وكل همزة متحركة قبلها حرف متحرك فهذا حكمها أن تجعلها ( بينَ بينَ ) إلا ما استثنيتَهُ من الهمزة المفتوحة التي قبلها ضمة أو كسرة فإن كانت وقبلها فتحة جعلت بينَ بينَ بين الألف والهمزة وإن كان قبلها ضمة أبدلتها واواً وإن كان قبلها كسرة أبدلتها ياءً فتقول في التخفيف في التؤدةِ التودةُ فيجعلونها واواً خالصة ونريدُ أن نقريَكَ في نقرئك وفي المئرِ الميرُ ياء خالصة وتقول في المتصل منْ غلامُ يبِيكَ وهذا غلامُ وبِيكَ وإن كانت الهمزةُ مكسورةً وقبلها فتحو صارت بين الهمزة والياء وذلك في يَئَسَ يُيسَ وفي سَئِمَ سَيِمَ ( وإذْ قال إبراهيم )
وإن كانت مضمومة وقبلها فتحة صارت بين الهمزة والواو وذلك قولك : ضربتُ أُختَكَ وإن كانت مضمومة وقبلها ضمة جعلت بينَ
بينَ وذلك : هذا دِرهمُ أُختِكَ وإن كانت مضمومة وقبلها كسرة جعلت بينَ بينَ وذلك من عند أُختكَ وقال سيبويه : وهو قول العرب والخليل
باب الهمزتين إذا التقتا وذلك على ضربين : فضرب يكونان فيه في كلمة واحدة وضرب في كلمتين منفصلتين اعلم : أن الهمزتين إذا التقتا في كلمة واحدة لم يكن بُدٌّ من إبدال الآخرةِ ولا تخفف فمن ذلك قولك في فاعل جائي أبدلت مكانها الياء لأن ما قبلها مكسور وكذلك إن كان قبلها مفتوح جعلتها ألفاً نحو : آدمَ لإنفتاح ما قبلها قال : وسألت الخليل عن فَعْلَلٍ من جئتُ فقال : جَيأَي مِثالِ جَيعَاً وإذا جمعت آدم قلت : أَوادمُ كما أنك إذا حقرت قلت : أُويَدمٌ صيروا ألفهُ بمنزلة ألف خالدٍ لأن البدل من نفس الحرف فشبهت ألف آدم بألف ( خالدٍ ) لإنفتاح ما قبلها لأنها ليست من نفس الكلمة ولا بأصل فيها وأما خَطايا فأصلها خَطَائي فحقها أن تبدل ياء فتصير : خطائي فقلبوا الياء ألفاً رفَعوا ما قبلها كما قالوا مُداري أبدلوا الهمزة الأولى ياء كما أبدلوا ( مَطايا ) وفرقوا بينها وبين الهمزة التي من نفس الحرف وناس يحققون فإذا وقعت الهمزة بين ألفين خففوا وذلك قولهم : كساءان ورأيت كساءين كما يخففون إذا التقت الهمزتان لأن الألف أقرب الحروف إلى الهمزة ولا يبدلون ياء لأن الألف الآخرة تسقط ويجري الإسم في الكلام
الضرب الثاني : من التقاء الهمزتين وهو ما كان منه في كلمتين منفصلتين :
اعلم : أن الهمزتين إذا التقتا وكل واحدة منهما في كلمة فإن أهل التحقيق يخففون إحداهما ويستثقلون تحقيقهما كما يستثقل أهل الحجاز تحقيق الواحدة وليس من كلام العرب أن تلتقي همزتان محققتان إلا إذا كانتا عيناً مضاعفة في الأصل نحو : سمائين ومن كلامهم تحقق الآخرة وهو قول أبي عمرو وذلك قول الله عز و جل : ( فَقد جاء أشراطُها ) ( ويا زكريا إنا ) ومنهم من يحقق الأول ويخفف الآخرة وكان الخليل يستجب هذا ويقول : لأني رأيتهم يبدلون الثانية في كلمة واحدة كآدم وأخذ به أبو عمرو في قوله : ( يا ويلتا أَلِدُ وأنا عجوزٌ )
فحقق الأولى وقال سيبويه : وكل عربي والزنة واحدة محققة ومخففة ويدلك على ذلك قول الأعشى :
( أَانْ رَأَتْ رَجُلاً أَعْشَى أَضَرَّ بِهِ ... )
فلو لم يكن بزنتها محققة لانكسر البيت وأما أهل الحجاز فيخففون الهمزتين لأنه لو لم يكن إلا واحدة لخففت فتقول : اقرأ آية في قول من خفف الأولى لأن الهمزة الساكنة إذا خففت أبدلت بحركة ما قبلها ومن حقق الأولى قال : اقْرُ آية ويقولون : اقْرِيَ مثل : اقر آية لأنه خفف همزة متحركة قبلها حرف ساكن وأما أهل الحجاز فيقولون : اقرأ آيةً ويقولون : أَقرِي باكَ السلام يبدلون الأولى ياء لسكونها وإنكسار ما قبلها ويحذفون الثانية لسكون ما قبلها ومن العرب ناس يدخلون بين ألف الإستفهام وبين الهمزة ألفاً إذا التقتا وذلك لأنهم كرهوا التقاء الهمزتين ففصلوا كما قالوا : اخشينانِ فهؤلاء أهل التحقيق وأما أهل الحجاز فمنهم من يقول : آإنكَ وآأنتَ وهي التي يختار أبو عمرو ويدخلون بين الهمزتين ألفاً ويجعلون الثانية بينَ بين كما يخفف بنو تميم في التقاء الهمزتين وكرهوا الهمزة التي هي بينَ بين مع الأول كما كرهوا معها المخففة وأما الذين لا يخففون الهمزة فيحققونهما جميعاً ويدخلون بينها ألفاً وإن جاءت ألف الإستفهام وليس قبلها شيء لم يكن من تحقيقها بد وخففوا الثانية واعلم : أن الهمزة التي يحقق أمثالها أهل التحقيق من بني تميم وأهل الحجاز وتُجعل في لغة أهل التخفيف بينَ بين قد تبدل مكانها الألف إذا كان ما قبلها مفتوحاً والياء إذا كان ما قبلها مكسوراً ياء مكسورة وليس هذا بقياس مطرد وإنما يحفظ عن العرب حفظاً فمن ذلك قولهم
في ( منسأةٍ ) مِنْسأةٌ ومن العرب من يقول في أوْ أَنْتَ أوَّنْتَ وأبو يوب في أبو أيوب وكذلك المنفصلة إذا كانت الهمزة مفتوحة وقال بعض هؤلاء : سَوَّةٌ وضَو شبهوه بأوَّنْتَ فإن خففت في قولهم : أحْلِبني إبلَكَ وأبو أُمِّكَ لم تثقل الواو كراهية لإجتماع الواوات والضمات والياءات والكسرات وحذفت الهمزة وألقيت حركتها على ما قبلها وبعضهم يقول : يريد أن يَجيكَ ويَسُوكَ وهو يِجيكَ ويَسُوكَ يحذف الهمزة ويكره الضمة مع الياء والواو وعلى هذا تقول : هُوَ يَرمْ خْوانَهُ يريد : يَرمِ أخْوانُه حذف الهمزة وأذهب الياء لإلتقاء الساكنين
قال أبو بكر : ذكرنا ما يلحق الكلم بعد تمامها وبقي ما يلحق الكلم في ذاتها وهو تخفيف الهمز وقد ذكرناه والمذكر والمؤنث والمقصور والممدود والتثنية والجمع الذي على حدها والعدد وجمع التكسير والتصغير والنسب
والمصادر وما اشتق منها والأمالة والأبنية والتصريف والإِدغام وضرورة الشاعر
باب المذكر والمؤنث التأنيث يكون على ضربين : بعلامة وغير علامة فعلامة التأنيث في الأسماء تكون على لفظين : فأحد اللفظين التاء تبدل منها في الوقف هاء في الواحدة والآخر الألف أما الهاء فتأتي على سبعة أضرب
الأول : دخولها على نعت يجري على فعله وذلك قولك : في قائمٍ ومفطرٍ وكريم ومنطلقٍ إذا أردت تأنيث قائمة وقاعدة ومفطرة وما لم يُسمَ فهذا بابه وجميع هذا نعت لا محالة وهو مأخوذ من الفعل
الثاني : دخولها فرقاً بين الإسم المذكر والمؤنث الحقيقي الذي لأُنثاهُ ذكر وذلك قولهم : امرؤٌ وامرأةٌ ومرءٌ ومرأةٌ ويقولون رجَلٌ وللأُنثى رَجُلةٌ قال الشاعر :
( وَلَمْ يُبالوا حُرْمةَ الرَّجُلَةَ ... )
والثالث : دخولها فرقاً بين الجنس والواحد منه نحو قولك : تَمْرٌ وتَمرةٌ
وبُسرٌ وبُسرةٌ وشعير وشعيرةٌ وبقَر وبقَرةٌ فحق هذا إذا أخرجوا منه الهاء أن يجوز فيه التأنيث والذكير فتقول هو التَّمرُ وهو البُسرُ وهو العنب وكذلك ما كان في منهاجه ولك أن تقول : هي التَمرُ وهي الشعيرُ وكذلك ما كان مثلها قال الله عز و جل : ( كأنَّهم أعجازُ نَحُلٍ خاوية ) فالتذكير على معنى الجمع والتأنيث على معنى الجماعة ومن هذا الباب جَرادٌ وجرادةٌ وإنما هو واحد من الجنس ليس جرادٌ بذكرِ جَرادةٍ
واعلم : أن هذا الباب مؤنثه لا يكون له مذكر من لفظه لأنه لو كان كذلك لالتبس الواحد المذكر بالجمع وجملتها أنها مخلوقات على هيئة واحدة فأما حَيّةٌ فإنما منعهم أن يقولوا في الجنس ( حَيٌّ ) لأنه في الأصل نعتٌ حَيٌ يقع لكل مذكر من الحيوان ثم تنفصل أجناسها لضروب
الرابع : ما دخلته الهاء وهو مفرد لا هو من جنس ولا له ذَكرٌ وذلك : بلدةٍ ومدينة وقرية غُرفة
الخامس : ما تدخله الهاء من النعوت لغير فرق بين المذكر والمؤنث فيه وهو نعت للمذكر للمبالغة وذلك : عَلاّمةٌ ونَسابةٌ وراويةٌ فجميع ما كانت فيه الهاء من أي باب كان فغير ممتنع جمعه من الألف والتاء لحيوان أو غيره لمذكر أو مؤنث قَلتْ أو كثرتْ
السادس : الهاء التي تلحق الجمع الذي على حد مفَاعِلَ وبابه ينقسم على ثلاث أنحاء فمن ذلك ما يراد به النَّسبُ نحو : الأَشاعثةِ والمهالبةِ والمَناذرةِ والثاني : أن يكون من الأعجمية المعربة نحو
الجَواربةِ والمَوازجةِ والسيَّابجةِ والبرابرةِ
وهذا خاصة يجتمع فيه النسب والعجمة فأنث في حذف الهاء من هذا والذي قبله بالخيار
الثالث : أن تقع الهاء في الجمع عوضاً من ( ياء ) محذوفة فلا بد منها أو
من الياء وذلك في جمع جحجاجٍ جَحاجيجٌ وفي جمع زنديق زَناديقٌ وفيفرزان فرازين فإن حذفت الياء قلت فَرازنةٌ وزَنادقةٌ وجحاجحَةٌ وليس هذا كعَساقلةٍ وصيَاقلةٍ لأنك حذفت من هذا شيئاً لا يجتمع هو والهاء ولو اجتمعا لم يكن مُعاقباً ولا عوضاً
وإنما قلت : إن باب الهاء في الجمع للنسب والعجمة لمناسبة العجمة أن تناسب الهاء ألا ترى أن الإسم تمنعه الهاء من الإنصراف كما تمنعه العجمة فيما جاوز الثلاثة وإن الهاء كياء النسب تقول : بطةٌ وبَطٌ وتَمرةٌ وتَمرٌ فلا يكون بين الواحد والجمع إلا الهاء وكذلك تقول : ( زنجيٌ وزنجٌ وسنديٌ وسندٌ وروميٌّ ورومٌ ويهوديٌّ ويهودٌ ) فلا يكون بين الجمع والواحد إلا الياء المشددة وكذلك التصغير إنما يصغر ما قبل الياء المشددة التي للنسبة تأتي بها في أي وزن كان وكذلك تفعل بالهاء تقول في تصغير تَميميٌ تُميميٌّ وفي تصغير جمزي جُمَيزيٌّ وتقول : في عنترةَ عُنَتيريٌّ فالإسم على ما كان عليه
السابع : ما دخلت عليه الهاء وهو واحد من جنس إلا أنه للمذكر والأنثى وذلك نحو : حمامةٍ ودجاجةٍ وبطةٍ وبقرةٍ واقع على الذكر والأنثى ألا ترى قول جرير :
( لمَّا تَذَكَّرتُ بِالدَّيْرَيْنِ أَرَّقَنِي ... صَوْتُ الدَّجَاجِ وقَرْعٌ بالنَّواقِيسِ )
إنما يريد : زُقاءِ الديوكِ
باب التأنيث بالألف هذه الألف تجيء على ضربين : ألف مقصورة وألف ممدودة والألف المقصورة تجيء على ضربين : فضرب لا يشك في ألفهِ أنها ألف تأنيث وضرب يلبس فيحتاج إلى دليل
الأول : ما جاء على فُعْلَى فهو أبداً للتأنيث لا يكون هذا البناء لغيره وذلك نحو : حُبْلى وأُنثى وخُنْثى ودُنْيا لأنه ليس في الكلام اسم على مثال ( جَعْفَر ) فهذا ممتنع من الإلحاق
الثاني منه : ما جاء على وزن الأصول وبابه أن ينظر هل يجوز إدخال الهاء عليه
فإن دخلت فإنه ليس بألف تأنيث لأن التأنيث لا يدخل على التأنيث وإن امتنعت فهي للتأنيث فما الذي لا تدخل عليه الهاء فَسكرى وغْضبى ونحوه مما بني الذكر منه على فَعْلانَ نحو : سَكْرانَ وغَضبانَ وكذلك جمعه نحو : سَكارى في أن الألف للتأنيث ومن ذلك : مَرْضَى وهَلْكَى ومُوتى فأما ما تدخله الهاء فنحو : عَلْقَاةٍ وأرطأَةٍ وقد ذكرته فيما ينصرف وما لا ينصرف
الضرب الثاني : من ألف التأنيث هو الألف الممدودة :
وهي تجيء على ضربين : منه ما يكون صفة للمؤنث ولمذكره لفظ منه على غير بنائه ومنه ما يجيء اسماً وليس له مذكر اشتق له من لفظه
فالضرب
الأول يجيء على فَعْلاء نحو : حَمْراءَ وخَضْراءَ وسوداءَ وبيضاءَ وعوراءَ : والمذكر من جميع ذا على ( أَفعلَ ) نحو : أَحمرَ وأخضرَ وأَعورَ وجميع ما جاء على هذا اللفظ مفتوح الأول فألفه للتأنيث
وأما ما جاء اسماً لواحد ولجميع فالواحد نحو : صَحْراءَ وطَرْفاءَ وقَعْساءَ وحلفاء وخنفساء وقرفصاء وأما ما جاء لجمع فنحو : الحكماء والأصدقاء والأخمساء وأما بطحاء وأبطحُ : فأصله صفة وإن كان قد غلب عليه حتى صار اسماً مثل : أَبرق وبَرقاءَ وإنما هو اختلاط بياض البقعة بسوادها يقال : جبَلٌ أَبرق وأما قوباء وخُششَاء فهو ملحق بقسطاطَ وقرطاطَ وكذلك : علباء وحرباءُ وقِيقاء وزيزاءُ مذكرات ملحقات بسرادحٍ ومداتُهن منقلبات وما كان على هذا الوزن مضموم الأول أو مفتوحاً ليست ألفه للتأنيث
الضرب الثاني : من القسمة الأولى من المؤنث :
وهو ما أُنث بغير علامة من هذه العلامات وهذا النوع يجيء على ثلاثة أضرب منه ما صيغ للمؤنث ووضع له وجعل لمذكره اسم يخصه أيضاً فغير عن حرف التأنيث واسم يلزم التأنيث وإن لم تكن له علامة ولا صيغة تخصه ولكن بفعله وبالحديث عنه تأنيثه واسم يذكر ويؤنث
الأول : قولك : أَتانٌ وحمارٌ وعَناقٌ ورخلٌ وجملٌ وناقةٌ صار
هذا المؤنث بمخالفته المذكر معرفاً معروفاً ( بذي ) عن العلامة ومن قال رجل وامرأة وهو المستعمل الكثير فهو من ذلك وكذلك حَجَرٌ
الثاني : ما كان تأنيثه بغير علامة ولا صيغة وكان لازماً أما الثلاثي فنعرفه بتصغيره وذلك أنه ليس شيءٌ من ذوات الثلاثة كان مؤنثاً إلا وتصغيره يرد الهاء فيه لأنه أصل للمؤنث وذلك قولك : في بَغْلِ بُغَيلَةٌ وفي ساقٍ سُويقةٌ وفي عَين عيينةٌ وأما قولهم في : حَرْبٍ حُرَيْبٌ وفي فَرَسٍ فُرَيسٌ فإن حراباً إنما هو في الأصل مصدر سمي به وأما فرس فإنه يقع للمذكر والأنثى فإن أردت الأنثى خاصة لم تقل إلا فُرَيسةٌ فإن كان الإسم رباعياً لم تدخله الهاء في التصغير وذلك نحو : مَقْربٍ وأرنب وكل اسم يقع على الجمع لا واحد له من لفظه إذا كان من غير الآدميين فهو مؤنث وذلك نحو : إبلٍ وغنمٍ تقول في تصغير غنمٍ غُنَيمةٌ وفي إبلٍ أُبَيلَةٌ ولا واحد في لفظه وكذلك خَيلٌ هو بمنزلة هندٍ ودعدٍ وشمسٍ فتصغر ذلك فتقول : غُنَيمةٌ وخُيَيلَةٌ فإن كان شَيءٌ من ذلك من الناس فهو مذكر ولك أن تحمله على التأنيث
الثالث : وهو ما يذكر ويؤنث :
فمن ذلك الجموع لك أن تذكر إذا أردت الجمع وتؤنث إذا أردت الجماعة فأما قومٌ فيقولون في تصغيره قوَيمٌ وفي بَقَرٍ بُقَيرٌ وفي رَهْطٍ رُهَيطٌ لأنك تقول في ذلك ( هم ) ولا يكون ذلك لغير الناس فإن قلت فقد أقول : جاءتِ الرجالُ و ( كذبت قبلهم قوم نوح ) وما أشبه ذلك فإنما تريد جاءتْ جماعةُ الرجالِ وكذبت جماعة قوم نوح كقول الله تعالى : ( واسألِ
القريةِ ) إنما هو أهل القرية وأهل العيرِ فما كان من هذا فأنت في تأنيثه مخير ألا ترى إلى قول الله تعالى : ( كأنهم أعجاز نخل منقعر ) فهذا على لفظ الجنس
وقال ( كَأَّنهم أعجازُ نَخلٍ خاوية ) على معنى الجماعة وتقول : هذه حصىً كبيرةٌ وحصىً كثيرةٌ وكذلك كل ما كان ليس بين جمعه وواحده إلا الهاء قال الأعشى :
( فإنْ تَبْصِرِني وَلِي لِمَّةٌ ... فإنَّ الحَوَادِثَ أَودَى بِهَا )
لأن الحوادث جمع حَدثٍ والحدثُ مصدر والمصدر واحدهُ وجمعه يؤولان إلى معنى واحد وكذلك قول عامر بن حريم الطائي :
( فَلا مُزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَهَا ... ولا أَرْضَ أَبْقَلَ إبقَالَها )
لأن أرضاً ومكاناً سواءٌ ولو قال على هذا : ( إنَّ زينبَ قامَ ) لم يجز لأن
تأنيث هذا تأنيث حقيقي فمهما اعتوره من الإسم فخبرت عنه بذلك فإنّ الخبر عنه لا عن الإسم
واعلم : أن من التأنيث والتذكير ما لا يعلم ما قصد به كما أنه يأتيك من الأسماء ما لا يعرف لأي شيء هو تقول : فِهْرٌ فهي مؤنثةٌ وتصغيرها فُهَيرَةٌ وتقول : قَتَّبٌ لحشوةِ البَطنِ وهو المعي وتصغيره قُتَيبَةٌ وبذلك سمي الرجل قُتَيبَةً وكذلك : طريقٌ وطرقٌ وطريقين جُرنِ وجُرناتِ وأوطبُ وأواطبُ والشيء قد يكون على لفظ واحد مذكر ومؤنث فمن ذلك : اللسان يقال هو وهي والطريقُ مثله والسبيلُ مثلهُ وأما قولهم : أرضٌ فكان حقه أن يكون الواحدُ أرضةٌ والجمع أرضٌ لو كان ينفصل بعضها من بعض كتمرةٍ من تَمرٍ ولكن لما كانت نَمطَاً واحداً وقع على جميعها اسم واحد كما قال الله عز و جل : ( فاطر السمواتِ والأرضِ ) وقال : ( ومَنْ في الأرض مثلهنَّ ) فإذا اختلفت أجناسها بالخلقة أو انفصل بعضها من بعض بما يعرض من حزنٍ وبَحرٍ وجَبلٍ قيلَ : أرضون كما تقول في التَمرِ تمرانِ تريد ضربين فكان حق أرض أن تكون فيها الهاء لولا ما ذكرنا وإنما قالوا : أرضونَ والمؤنث لا يجمع بالواو والنون إلا أن يكون منقوصاً كمشيةٍ وثُبةٍ وقُلَةٍ وكليةٌ لا بد أنها كانت هاءً في الأصل فلذلك جاءت الواو والنون عوضاً
وطاغوت فيها اختلاف فقوم يقولون : هو أحد مؤنث وقال قوم : بلْ هو اسم للجماعة قال الله تعالى : ( الذين اجَتنبُوا الطاغوتُ أنّ يعبدوها ) فهذا قول قال محمد بن يزيد : والأصوب عندي والله أعلم أنه جماعة وهو كل ما عُبد من دون الله من إنسٍ وجِنٍ وغيره ومن حَجرٍ وخَشبٍ و ما سوى ذلك قال الله عز و جل :
( أولياؤهم الطاغوت يخرجونَهم من النور إلى الظلمات ) فهذا مبين لا شك فيه ولا مدافعة له وقولهم : إنه يكون واحدة لم يدفعوا به أن يكونوا الجماعة وادعاؤهم أنه واحدة مؤنثة تحتاج إلى نعت والعنكبوت مؤنثة قال الله جل اسمه ( كَمثلِ العنكبوتِ اتخذتْ بيتاً ) والسّماء تكون واحدة مؤنثة بالبنية على وزن عناقٍ وأتانٍ وكل ما أُنث وتأنيثه غير حقيقي والحقيقي : المؤنثُ الذي له ذكر فإذا ألبس عليك فرده إلى التذكير فهو الأصل قال الله تعالى : ( فَمنْ جاءهُ موعظةٌ مِنْ ربهِ فانتهى ) لأن الوعظ والموعظة واحد وأما حائضُ وطامثٌ ومُفْصلٌ فهو مذكر وصف به مؤنث
ذكر المقصور والممدود :
وهما بناتُ الياء والواو اللتين هما لامات فالمنقوص كل حرف من بنات الياء والواو وقعت ياؤه أو واوه بعد حرف مفتوح فأشياء يعلم أنها منقوصة لأن نظائرها من غير المعتل إنما يقع أواخرهنَّ بعد حرف مفتوح وذلك نظائرها من غير المعتل وذلك نحو : مُعْطي وأشباهه لأنه معتل مثل مُخْرَجٍ ومثل ذلك المفعول وذلك أن المفعول من سَلقيتَهُ فهو مُسَلْقىً والدليل على ذلك أنه لو كان بدل هذه الياء التي في ( سلقيتُ ) حرفاً غير الياء لم يقع إلا بعد مفتوح فكذلك هذا وأشباهه وكل شيءٍ كان مصدراً لفَعلَ يفعَلُ وكان الإسم أَفعلُ فهو منقوص لأنه على مثال : حوِل يحول فهو حول واسمه أحول فمن ذلك قولهم : للأعشى به عَشيٌ وللأعمى به عَمَىً
وللأقنى به قُنَىً وما يعلم أنه منقوص أن ترى الفعلَ فُعَلَ يَفْعَلُ والإسم منهُ فَعَلٌ وذلك فَرقَ يَفْرَقُ فَرقَاً فمصدر هذا من بنات الياء والواو على ( فَعَلٍ ) هَوْيَ يَهْوى ورديت تَردَى وهو رَدٍ وهو الردَّى وصديت صَدىً وهو صَدٍّ ولويتَ لوىً وكذلك : كَري يكْرى كرَىً وإذا كان ( فَعِلَ ) يَفعَلُ فَعلاء والإسمُ منه فَعْلانُ فهو أيضاً منقوص نظيره من الصحيح : عَطشَ يعطَشُ عَطَشَاً وهو عطشانُ وله فَعْلَى نحو : عَطْشى والمعتل : نحو طَوِيَ يَطوي طَوىً وصَديَ يَصْدى صَدىً وهو صديانُ وقالوا : رَضيَ يَرضى رَضاً وهو رَاضٍ وهو الرضا ونظيره : سَخِطَ يسخطُ سخطاً وهو ساخطٌ وكسروا الراء من رضاً كما قالوا : الشِيعُ فلم يجيئوا به على نظائره وذا لا يُجسر عليه إلا سماعاً ومن المنقوص ما لا يعلم أنه منقوص إلا بالسماع نحو : قَفَاً ورحىَّ وقد يستبدل بالجمع إذا سمعتَ أرحاءَ وأقفاءَ علمت أنه جمع لمنقوص وهذا بين في الجمع وكل جماعة واحدها فِعْلة أو فُعْلَة فهي مقصورة نحو : عُروة وعُرىً وفريةِ وفِرىً أما الممدود فكل شيء ياؤه أو واوه بعد ألف فمنها ما يعلم أنه ممدود في كل شيء نحو : الإستسقاء لأن استسقيتُ مثل استخرجتُ فكذلك الإشتراء لأن اشتريتُ مثل احتقرت ومن ذلك الأحبنطاء والإسلنقاء فإنه يجيء على مثال الإستفعال في وروده ووزن متحركاته وسواكنه ومما يعلم أنه ممدود أن تجد المصدر مضموم الأول ويكون للصوت وذلك نحو : العُواء والزقاء والرُّغاء ونظيره من غير المعتل الصُّراخُ والنُّباحُ ومن ذلك البُكاءُ قال الخليل : والذينَ
قصروهُ جعلوهُ كالحزنِ ويكون العلاج كذلك نحو النُّزاء ونظيره من غير المعتل القُماصُ وقلما يكون ما ضُم أوله من المصدر منقوصاً لأن فُعَلاً لا تكاد تراه مصدراً من غير بنات الياء والواو ومنه ما لا يعلم إلا سماعاً نحو : السماءِ والرشاءِ والألاء والمقلاء ومما يعرف به الممدود الجمع الذي يكون على مثال أَفْعِلَةٍ فواحدها ممدود نحو : أَفْنِيةٍ واحدُها فِنَاء وأرشِيَةٍ واحدها رشاءُ
ذكر التثنية والجمع الذي على حد التثنية الأسماء المثناة والمجموعة على ضربين : صحاحٌ ومعتلة فأما الصحاحُ فقد تقدمت معرفتها وهذا الجمع إنما يكون لمن يعقل خاصة والمعتل على ثلاثة أضرب مقصورٍ وممدودٍ وما آخرهُ ياءٌ
الأول المقصور : ما كان على ثلاثة أحرف فصاعداً فالألف بدل غير زائدة فإن كان من بنات الواو أظهرت الواو وإن كان ياء أظهرت الياء فبنات الواو مثل : قَفاً وعَصاً ورَحاً والدليل عليه قولهم رضَاً فلا يميلون وليس شيءٌ من بنات الياء لا يجوز فيه الإِمالةُ فتقول على هذا فيه : قَفوانِ وعصوانِ ورحوانِ ومن ذلك رِضَاً والدليل على أن الألف منقلبة من واو قولهم : مرضُوّ ورُضوان وأما مرضيٌ فبمنزلة مَسنيةٍ وهي من سنوتُ استثقلوا الواوين فأبدلوا وبنات الياء مثل : رَحَى وعَمى وهُدىً
وفَتىً لأنهم يقولون : فتيانِ ورَحيانِ فأما الواو في الفتوةِ فمن أجل الضمة التي قبلها وحكم الجمع بالتاء في هذا حكم التثنية قالوا : قنواتٌ وأدواتٌ وتقول في رباً ربوانِ لقولهم : ربوتُ فإذا جاء من المنقوص شيءٌ ليس له فعل ولا اسم تثبت فيه الواو وألزمت ألفه الإنتصاب فهو من بنات الواو نحو : لَدىَّ وإلىَّ وإنما يثنيان إذا صار اسمين وإن جاء من المنقوص شيء ليس فِعلٌ تثبت فيه الياء وإلا اسم وجازت إمالته فالياء أولى به وذلك نحو : مَتى وبَلى وحكم الجمع بالتاء حكم التثنية فإن كان الإسم المقصور على أربعة أحرف فما زاد أو كانت ألفهُ بدلاً من نفس الحرف أو زائدة فتثنية ما كان من الواو من هذا كتثنية ما كان من الياء والجمع بالتاء كالتثنية وذلك نحو قولك : في مصطفى مصطفيانِ ومصطفياتُ وأعمى وأعميانِ فإن جمعتَ المنقوص جمع السلامة فإنك تحذف الألف وتدع الفتحة التي قبلها على حالها تقول في مصطفى مصطفون وفي رجل سميتهُ : قَفاً قَفونَ
الثاني : من الممدود : اعلم : أن الممدود بمنزلة غير المعتل تقول في كساءٍ : كساءانِ وهو الأجودُ فإن كان لا ينصرف وآخره زيادة جاءت للتأنيث فإنك تبدل الألف واواً وكذلك إذا جمعته بالتاء وذلك قولك جمراوان وحمراواتٌ وناس كثيرون يقولون : علباوانِ وحرباوانِ شبهوه بحمراء إذ كان زائداً مثله وإنما تثنيته علباءانِ وحرباءانِ لأَن علباءُ ملحق بسرواحَ والملحق كالأصل وهذا يبين في التصريف وقال ناس : كساوانِ وغطاوانِ ورداوانِ وإن جعلوه بمنزلة عِلْبَاءَ وعلباوان أكثر من كساوان قال سيبويه : وسألته يعني الخليل عن عقلتُهُ بثنايينِ لِمَ لَمْ يهمز فقال : لأنه لم يفرد لهُ واحدٌ
الثالث : الإسم المعتل : الذي لامهُ ياء قبلها كسرة نحو : قاضٍ وغَازٍ تثنيه : قاضيان وغازيانِ وتجمعهُ : قاضونَ وتثبت الياء في التثنية وتسقط في الجمع
كما كانت في مصطفى إذا ثنيت فقلت : مصطفيان وإذا جمعت قلت : مصطفونَ والتثنية ترد فيها الأشياء إلى أصولها
باب جمع الإسم الذي آخره هاء التأنيث إذا سميتَ رجلاً : طلحة أو امرأة فجمعهُ بالتاء لا تغيره عما كان عليه فأما حُبلَى وحمراءُ وخُنفساءُ إن سميتَ بها رجلاً قلت : حُبلون وحمراوونَ تجمع جميع هذا بالواو والنون لأنها ليست تَزولُ إذا قلت : حَمراوانٍ فمن حيثُ قلت حمراوانِ قلت : حمراوونَ ولما لم يجزْ تمرتانِ لم يجز تَمرتونَ وتجمعُ عيسى وموسى عيسونَ وموسونَ
باب جمع الرجال والنساء قال سيبويه : إذا جمعت اسمَ رجلٍ فأنت فيه بالخيار إن شئت جمعته بالواو والنون وإن شئت كسرته وإذا جمعت اسم امرأةٍ فأنت بالخيار جمعت بالتاء وإن شئت كسرته على حد ما تكسر عليه الأسماء للجمع فإذا سميت بأحمر قلت : الأحامرُ جعلته مثل أرنبٍ وأرانب وأخرجته من جمع الصفة وإن سميت بورقاء جعلتها كَصلْفاء تقول : صلاف وصحراء صَحارٍ وإن جمعت خالداً وحاتماً قلت : خَوالدٌ وحواتمُ ولو سميت رجلاً أو امرأةً بسنَةٍ لكنت بالخيار وإن شئت قلت : سنونَ وإن شئت قلت : سنواتٌ وكذلك ثُبةٌ تقول : ثُباتٌ وثُبونَ لا تجاوز جمعهم الذي كان عليه وشِيةٌ وظُبَةٌ شِياتٌ وظُباتٌ لأنهم لم يجاوزوا هذا وكان اسماً قبل أن يسمى به
وابنٌ بنونُ وأبناءُ وأُم أُمهاتٌ وأُماتُ واسمٌ وأسمون وأسماء
وامرؤ امرؤنَ مستعمل بألف الوصل وإنما سقطت في بنون لكثرة استعمالهم إياه
وشاةٌ إذا سميت بها لمْ تقلْ إلا شِيَاةٌ لأنهم قد جمعوه ولم يجمعوه بالتاء
ولو سميت رجلاً بُربةَ فيمن خفف قلت : رُباتٌ وربونَ وعِدةٌ
عِدات وعدونَ كَلدونَ وشَفَةٌ في التكسير شفاهٌ ولا يجوز في أُمة آماتٌ ولا شفاتٌ كذا قال سيبويه والقياسُ يجيزهُ وقالوا : آمٌ وإماءٌ في أمةٍ وقال بعضهم : أَمَّةٌ وإموانٌ ولو سميت رجلا بِبُرة لقلت : بُرىً مبرةٌ كما فعلوا به قبل : وإذا جاء شيء مثل ( برةَ ) لم تجمعه العرب ثم قست ألحقت التاء والواو والنون لأن الأكثر مما فيه هاء التأنيث من الأسماء التي على حرفين الجمع بالتاء والواو والنون ولم تكسر على الأصل وإن سميت رجلا وامرأة بشيء كان وصفاً ثم أردت أن تكسره كسرته على تكسيرك إياه لو كان اسماً على القياس فإن كان اسماً قد كسرته العرب لم تجاوز ذلك وأما والدٌ وصاحبٌ فجعلوهما كضاربٍ وإن تكلم بهما كما يتكلم بالاسماء فإن أصلهما الصفة وإذا كسرت الصفة على شيءٍ قد كسر عليه نظيرها من الأسماء كسرتها إذا صارت اسماً على ذلك كما قالوا في أحمرَ أحامُر والذين قالوا : في حارثٍ حَوارثُ إنما جعلوه اسماً ولو كان صفة لكان حارثونَ ولو سميت رجلاً بِفَعيلةٍ قلت : فَعَائِلُ وإن سميته بشيء قد جمعوهُ فُعُلاً جمعته كما جمعوه مثل صَحيفة وصُحُفٍ وسفينةٍ وسُفُنٌ وإن سميته بفَعيلةِ صفة لم يجز إلا فَعَائلُ لأنه الأكثر ولو سميته بعجوز قلت : العُجُزُ نحو : عَمودٍ وعُمُدٌ وقالوا في أَبٍ أبونَ وفي أخٍ أخونَ لا يغير إلا أن تحذف العرب شيئاً كما قال :
( وفَديننَا بالأَبيِنا ... )
وعثمان : لا يجوز أن تكسره لأنك توجب في تحقيره عُثَيمينَ وإنما تحقيره عُثَيمانُ وهذا يبين في التصغير وما يجمع الإسم فيه بالتاء من هذه المنقوصة لمذكر كان أو لمؤنث فرجلٌ تسميه : ببنتٍ وأُختٍ وهَنتٍ وذَيتٍ تقول في جمعه : بناتُ وذَيَّاتُ وهَناتُ وفي أختٍ أخواتٌ وإن سميته : بمساجد ومفاتيح جمعته للمذكر بالواو والنون والمؤنث بالالف والتاء لأنه جمع لا يكسر وكذلك قالوا : سَراويلاتٌ حين جاء على هذا المثال وإن سميت بجمع يجوز تكسيره كسرته وإن سمعت اسماً مضافاً فهو مثل جمعه مفرد تقول في عبد الله كما تقول : عبدونَ وأسقطت النون للإِضافة وإن جمعت أبا زيدٍ قلت : أباءُ زيدٍ لأنك عرفتهم بالثاني وإن جمعت بالواو والنون قلت : أبو زيدٍ تريد : أبونَ قال سيبويه : وسألت الخليل عن قولهم الأشعرونَ فقال : كما قالوا : الأشاعرةُ والمسامعةُ حين أراد بني مِسْمَعٍ وكذلك الأعجمون كما قال بعضهم : النميرونَ وليس كل هذا النحو تلحقه الواو والنون ولكن تقول فيما قالوه يعني بقوله : هذا النحو الجمع الذي جاء على معنى النسبة
قال سيبويه : وسألت الخليل عن ( مقتوىً ومقتوينَ ) فقال : هو بمنزلة النسب للأشعرين وقال سيبويه : لم يقولوا :
( مَقتَونَ ) جاءوا به على الأصل وليس كل العرب تعرف هذه الكلمة وقوله : جاءوا به على الأصل لأن الواو حقها إذا تحرك ما قبلها فانفتح أن تقلب ألفاً فإن صارت ألفاً طرحت لإلتقاء الساكنين كما قال : مصطفونَ وقال في تثنية المبهمة ذانِ وتانِ واللذانِ ويجمع اللذونَ وإنما حذفت الياء ( في ) من الذي والألف في ذا في هذا الباب ليفرقا بينها وبين الأسماء المتمكنة غير المبهمة وهذه الأسماء لا تضاف
ذكر العدد الأسماء التي توقع على عدة المؤنث والمذكر لتبين ما العدد إذا جاوز الإثنين والثنتين إلى أن يبلغ تسعَ عشرة وتسعةَ عشَر فإذا جاوز الإثنين فيما واحدة مذكر فإن أسماء العدد مؤنثة فيها الهاء وذلك ثلاثة بنين وأربعةُ أجمالٍ فإن كان واحده مؤنثاً أخرجت الهاء وذلك قولك : ثلاث بناتٍ وأربعُ نسوةٍ فإذا جاوز المذكر العشرة فزاد عليها واحداً قلت : أحدَ عشَر وإن جاوز المؤنث العشرةَ فزاد عليها واحداً قلت : إحدى عشِرَةَ في لغة بني تميم وبلغة أهل الحجاز : إحدى عَشْرَةَ وإن زاد المذكر واحداً على أحدَ عَشَر قلت : اثنا عشرَ وإن له اثني عَشر حذفت النون لأن عشرَ بمنزلة النون والحرف الذي قبل النون حرف إعراب وإذا زاد المؤنث واحداً على إحدى عَشرة قلت ثِنتا عَشِرَةَ وإن له ثنتي عشِرة واثنتي عشِرة وبلغة أهل
الحجاز عَشْرة فإذا جاوزت ذلك قلت : ثلاثة عشَر وأذا زاد على ثنتي عشَرة واحداً قلت : ثلاثَ عشَرة وحكم أربعةَ عشَر وما يليها من العدد إلى العشرين من حكم ثلاثةَ عشَر
باب ما اشتق له من العدد اسم به تمامه وهو مضاف إليه وذلك قولهم : خامسُ خَمْسَةٍ وثاني اثنينِ وثالثُ ثلاثةٍ إلى قولك : عاشرُ عَشرةٍ فقولك : ثاني وثالث مشتق من اثنين وثلاثة وبالثالث كمل العدد فصار ثلاثة وقد أضفته إلى العدد وهو ( ثلاثة ) فمعناه : أحد ثلاثةٍ وأحدُ أربعة وتقول للمؤنث : خامسةُ فتدخلها الهاء كما تدخل في ( ضاربةٍ ) لأنك قد بنيته بناء اسم الفاعل فإذا أضفت قلت : ثالثةَ ثلاث ورابعةُ أربع وتقول : هذا خامسُ أربعةٍ تريد : هذا الذي خمسُ الأربعة وتقوله في المؤنث : هذا خامسةُ أربعٍ وكذلك جميع هذا من الثلاثة إلى العشرة فإذا أردت أن تقول في أحدَ عَشر كما قلت : في ( خامس ) قلت : حادي عَشر وثاني عشر وثالث عشر إلى أن تبلغ إلى تسعة عشر ويجري مجرى خمسة عشر في فتح الأول والآخر
وفي المؤنث : حاديةَ عشَرة كذلك إلى أن تبلغ تسعةَ عشَر
ومن قال خامسُ خمسةٍ قال : خامسُ خمسةَ عَشَر وحادي أحد عَشر . ( فحادي وخامس ) ها هنا يجرُّ ويرفع ولا يبنى وبعضهم يقول : ثالثَ عشر ثلاثةَ عشَر ونحوه وهو القياس وليس قولهم :
ثالثُ ثلاثةَ عشَر في الكثرة كثالث ثلاثةٍ لأنهم قد يكتفون بثالث عشر وتقول : هذا حادي أحد عشَر إذا كُنَّ عشَر نسوة فيهن رجل ومثل ذلك : خامسُ خمسةَ إذا كن أربع نسوة فيهن رجلٌ كأنك قلت : هو تمامُ خمسةٍ والعرب تغلب التذكير إذا اختلط بالمؤنث وتقول : هو خامسُ أربعةٍ إذا أردت به أن صير أربع نسوةٍ خمسةً ولا تكاد العرب تكلم به وعلى هذا تقول : رابعُ ثلاثةَ عشَر كما قلت : خامسُ أربعةٍ فأما بضعةَ عشر فبمنزلة تسعةَ عشَر في كل شيء وبضعَ عشرة كتسعَ عشَرة في كل شيءٍ
باب العدد المؤنث المواقع على معدود مؤنث تقول : ثلاث شياهٍ ذكورٌ ولهُ ثلاثٌ من الشَّاءِ والإِبل والغنم فأجريت ذلك على الأصل لأن أصله التأنيث وقال الخليل قولك : هذا شَاةٌ بمنزلة قولك : هذا رحمةٌ
أي هذا شيء رحمةٌ وتقول : له ثلاث من البطِ لأنك تصيره إلى بطةٍ وتقول له ثلاثةٌ ذكور من الغنم لأنك لم تجيء بشيء من التأنيث إلا بعد أن أضفت إلى المذكر ثم جئت بالتفسير فقلت : من الإِبل ومن الغنم لا تذهب الهاء كما أن قولك : ذكورٌ بعد قولك : من الإِبل لا تثبت الهاء وتقول : ثلاثةُ أشخصٍ وإن عنيتَ نساءً لأن الشخص اسم مذكر وكذلك : ثلاثُ أعينٍ وإن كانوا رجالاً لأن العين مؤنثةُ تريد الرجل الذي هو عين القوم وثلاثة أنفسٍ لأن النفس عندهم : إنسان وثلاثة نساباتٍ وهو قبيح لأن النسابةَ صفةٌ فأقمت الصفة مقام الموصوف فكأنه لفظ بمذكر ثم وصفه فلم يجعل الصفة تقوى قوة الإسم
وتقول : ثلاثةُ دوابٍ إذا أردت المذكر لأن أصل الدابة عندهم صفة فأجروها على الأصل وإن كان لا يتكلم بها كأسماءٍ
وتقول : ثلاثُ أَفراسٍ إذا أردت المذكر لأنه قد ألزم التأنيث وتقول : سار خمسُ عشرة من بين يوم وليلةٍ لأنك ألقيتَ الإسم على الليالي فكأنك قلت : خمسَ عشَرة
ليلةٍ وقولك : من بين يومٍ وليلةٍ توكد بعد ما وقع على الليالي لأنه قد علم : أن الأيام داخلة مع الليالي وتقول : أعطاهُ خمسَةَ عشَرَ من بينِ عبدٍ وجاريةٍ لا غيرَ لإختلاطها قال سيبويه : وقد يجوز في القياس : خمسةَ عشَر من بين يومٍ وليلةٍ وليس بحدٍّ في كلام العرب وتقول : ثلاثُ ذَودٍ لأن الذود أنثى وليس باسم كسر عليه فأما ثلاثة أشياء فقالوها لأنهم جعلوا أشياء بمنزلة أفعال لو كسروا عليه ( فَعْلٌ ) ومثل ذلك : ثلاثَةُ رَجْلةٍ لأنه صار بدلاً من أرجالٍ وزعم الخليل : أن أشياء مقلوبةٌ كقسى وزعم يونس عن رؤبة : أنه قال : ثلاث أنفسٍ على تأنيث النفس كما قلت : ثلاثُ أعينٍ
واعلم : أن الصفة في هذا الباب لا تجري مجرى الإسم ولا يحسنَ أن تضيف إليها الأسماء التي تعدد تقول : هؤلاء ثلاثةٌ قَرشيونَ وثلاثة مسلمونَ كراهية أن يجعل الإسم كالصفة إلا أن يضطر شاعر
ذكر جمع التكسير هذا الجمع يسمى : مكسراً لأن بناء الواحد فيه قد غُير عما كان عليه فكأنه قد كسر لأن كسر كل شيءٍ تغييره عما كان عليه والتكسير يلحق الثلاثي من الأسماء والرباعي ولا يكادون يكسرون اسماً خماسياً لا زائد فيه فمتى كسروه حذفوا منه وردوه إلى الأربعة ويكسرون ما يبلغ بالزيادة أربعة أحرف فأكثر من ذلك لأنه يسوغ لهم حذف الزائد منه
والذي يحذف على ضربين : ضرب يحذف ويعرض من الحذف الياء تعويضاً لازماً وضرب التعويض فيه وتركه جائزان وسنذكر كل واحد من ذلك في موضعه إن شاء الله وأبنية هذه الجموع تجيء أيضاً على ثلاثة أضربٍ : ضرب يكون اسماً للجمع ومنها ما بني للأقل من العدد وهي العشرة فما دونها ومنها ما هي للأكثر والكثير ما جاوز العشرة ويتسعون فيها فمنها ما يستعمل في غير بابه ومنها ما يقتصر به على بناء القليل عن الكثير والكثير منها ما يستغنى فيه بالقليل عن الكثير فالذي يستغنى فيه بناء الأقل عن الأكثر فتجده كثيراً والإستغناء بالكثير عن القليل نحو : ثلاثةٍ شسوعٍ وثلاثةِ قُروءٍ وإذا أردت أن تعرف ما يكون اسماً للجمع فهو الذي ليس له باب يكسر فيه وتطرد الأسماء المجموعة المكسرة على ضربين : أحدهما عدته ثلاثةُ أحرفٍ والآخر عدتهُ أربعةُ أحرف والثلاثة على ضربين أحدهما مذكر لا هاء فيه أو على لفظ المذكر والآخر فيه هاء التأنيث وكذلك ما كان على أربعة أحرفٍ ونبدأ بالإسم الثلاثي الذي لا زائد فيه وهو يجيء على عشرة أبنيةٍ : فُعْلٌ فِعْلٌ فَعَلٌ فَعِلٌ فَعُلٌ فِعُلٌ فِعِلٌ فُعَلٌ فَعُلٌ
وأبنية الجموع على ثلاثة عشَر بناءً : فَعْلٌ فُعُلٌ فُعْلَةٌ فِعُلَةٌ أَفعُلٌ فَعيلٌ فَعَالٌ فُعُولٌ فِعَالةٌ فُعُولةٌ فُعْلانٌ فِعْلانٌ أَفعالٌ فأَفعلُ وإفعالُ بناءانِ للقليل وفِعَالُ وفُعولٌ أخوان وهما للكثير وفِعالةٌ وفعُولة ومؤنثاهما يجريان مجراهما والثلاثي يجيء أكثره على بناء هذه الأربعة وفُعولٌ وفِعالٌ أخوان وليست أَفعلُ وإفعالُ أخوينِ لأن ما يجيء على فِعالٌ يجيء فيه بعينه كثيراً فَعولٌ وفُعلانٌ وفِعلانٌ ايضاً للكثير وما لم يخص القليل ولا الكثير فيهما فهو اسم للجمع وأسماء الجمع منها : فُعلٌ وفَعْلٌ إلا أن يكون مقصوراً من فُعُولٍ وفِعْلةٍ وفِعَلَةٍ إن لم تكن مقصورة من فَعلةٍ وفَعيلٍ
الأول : من أبنية الجموع فُعْلٌ :
فُعْلٌ كسروا ( فَعَلٌ ) على ( فُعْلٍ ) وهو قليل قالوا : أسدٌ وأُسْدٌ وقد جاء في ( فَعَلٍ فُعْلٌ ) وهو قولهم : الفُلْكُ للواحَدِ وللجمع الفُلْكُ وهو اسم للجميع لا يقاس عليه وقالوا : أَركنُ ورَكْنٌ وبعض العرب يقول : نَصَفٌ ونُصْفٌ وقد جاء في ( فَعْلٍ ) رَهْنٌ وَرَهَنٌ فَفُعْلُ : اسم للجميع ولمتأولٍ أن يتأولَ أنَّ ( فُعْلَ ) مخفف ( فُعَلٍ وإن ( فَعَلُ ) مقصور من ( فُعولٍ ) وكيف كان الأمر فهو بمنزلة اسم للجمع لا يقاس عليه وقالوا فيما أعلت عينهُ : دارٌ ودورٌ وساقٌ وسوقٌ ونابٌ ونِيبٌ فهذا في الكثير
الثاني : فَعَلٌ :
قالو : أَسَدٌ وأُسْدٌ فهذا مما يدل على أن ( فُعُلَ ) في ذلك الباب مخفف من ( فُعْلٍ ) وكسروا ( فَعِلُ ) عليه قالوا : نِمَرٌ ونُمُرٌ قال الراجز :
( فيها عَياييلُ أُسودٌ ونُمُرْ ... )
وهو عندي مقصور عن فُعولٍ حذفت الواو وبقيت الضمة والذين قالوا : أُسْدٌ وفُلْكٌ ينبغي أن يكون خففوا ( فُعُلٌ ) والقياس يوجب أن يكون لفظ الجمع أثقل من لفظ الواحد
الثالث : فَعْلَةٌ :
جَمعوا ( فَعُلٌ ) عليه قالوا : رَجُلٌ وثلاثةُ رَجْلَةٍ استغنوا بها عن أَرجال
الرابع : فِعْلَةٌ :
كسروا عليه ثلاثة أبنية : فَعْلٌ وفِعْلٌ وفُعْلٌ وذلك قولهم : فَقَعٌ وفِقْعَةٌ وجَبٌ وجِبْأَةٌ وهو اسم جمع وقالوا في المعتل : عُودٌ وعِودَةٌ وزَوجٌ وزِوَجَةٌ وثَورٌ وثِوَرَةٌ وبعض يقول : ثِيرَةٌ فأما فِعْلٌ فنحو : حِسْلٍ وحِسْلَةٌ وقِرْدٌ وقِرْدَةٌ للقليل والكثير وقالوا : فيما اعتلت عينه : دِيْكٌ ودِيْكَةٌ وكِيسٌ وكِيْسَةٌ وفيل وفِيلَةٌ
وأما فُعْلٌ فنحو : حُجْرٍ وحِجْرَةٌ وخُرجٍ وخِرْجَةٌ وكُرْزٌ وكِرْزَةٌ وهو كثير ومضاعفهُ حُبَ وحِبْبَةٌ
الخامس : فَعيلٌ :
جاء فَعْلٌ على فَعيلٍ قالوا : كَلْبٌ كَليبٌ وهو اسم للجمع لا يقاس عليه وعَبْدُ وعَبيدٌ وجاء فيه فِعْلٌ قالوا : ضِرْسُ وضَريسٌ
السادس : أَفعُلُ :
وهو يجيء جمعاً لخمسة أبنية : فَعْلٌ فَعَلٌ فَعِلٌ فِعْلٌ فُعْلٌ فأما فَعْلٌ فنحو : كَلْبٍ وأَكلُبٌ وفَلْسُ وأَفلُسٌ وأَفْعَلٌ في الثلاثي إنما يكون لأقل العدد وأقلُ العدد العشرةٌ فما دونها والمضاعف يجري هذا المجرى وذلك ضَبٌّ وأَضّبٌ وبنات الياء والواو بهذه المنزلة تقول : ظَبْيٌ وأَظْبٍّ ودَلْوٌ وأَدْلٍ كان الأصل : أَظبوٌ وأدلوٌ ولكن الواو لا تكون لاماً في الأسماء
وقبلها متحرك فقلبوها ياء وكسروا ما قبلها
وجاء في المعتل العين : ثَوْبٌ وأَثوُبٌ وقَوْسْ وأَقْوُسٌ وذلك قليل
وقالوا : أَيْرٌ وآيَرٌ وقد جاء أَفعُلٌ في الكثير أيضاً جمع فَعْلٍ قالوا : أكْفُّ
الثاني : فَعَلٌ نحو : زَمَنٍ وأَزْمُنْ وقالوا في المعتل : عَصَاً وأَعصٍّ بدل من أَعصاءٍ
الثالث : فِعَلٌ نحو : ضِلَعٍ وأَضْلُعٌ
الرابع : فِعْلٌ نحو : ذِئْبٍ وأَذْؤُبٌ وقِطْعٍ وأقْطُعٌ وجِرْوٍ وأَجْرٌّ ورِجْلٌ وأَرْجُلٌ إلا أنهم لا يجاوزون أَفْعُلَ في القليل والكثير
الخامس : فُعْلٌ : رَكْنٌ وأَركُنٌ وجاء في ( فُعْلٍ ) مما اعتلتْ عينه : دَارٌ وأَدْوُرٌ وسَاقٌ وأَسوُقٌ ونارَ وأَنوُرٌ وقال يونس : وما جاء مؤنثاً ومن ( فُعْلٍ ) من هذا الباب فإنه يكسر على أَفْعُلٍ وقال سيبويه : لو كان هذا صُحَّ للتأنيث لما قالوا : رَحَاً وأَرحاءُ وقَفَاً وأَقفاءُ في قول من أنثَ القَفَا وقال : في جمع قَدَم أَقدامٍ وأَفْعُلٌ إنما هو مستعار في فُعْلٍ وإنما حقه أَفعالَ في القليل ولكنهم قد يدخلون بعض هذه الجموع على بعض لأن جمعها إنما هو جمع اسمٍ ثلاثي
السابع : من أبنية الجموع فِعَالٌ :
وهو جمعُ خمسة أبنية : فَعْلٌ فَعَلٌ فَعِلٌ فَعُلٌ فُعْلٌ : فأما فَعْلٌ فهو كُلْبٌ وكِلابٌ وربما كان في الحرف الواحد لغتان قالوا : فَرخٌ وفُروخٌ وفِراخٌ لأن فُعولاً أختُ فِعَالٍ والمضاعف يجري هذا المجرى قالوا : ضَبٌّ وضِبَابٌ وصَكٌّ وصِكَاكٌ والمعتل مثله وقالوا : ظَبْيٌ وظِبَاءٌ ودَلْوٌ ودِلاءٌ وقالوا فيما اعتلت عينهُ سَوْطٌ وسِيَاطٌ ولم يستعملوا ( فُعولاً ) حينما
اعتلت عينه من ذوات الواو وقد يجيء خَمسةُ كِلابٍ يراد به خمسة من الكلاب أي من هذا الجنس وكان القياس خَمسةُ أَكْلُبٍ لأن ( أَفْعُلَ ) للقليل وفِعَالاً للكثير وأما فَعَلٌ فيجمع في الكثير على فِعالٍ أيضاً نحو : جَمَلٍ وجِمَالٍ وهو أكثر من فُعُولٍ وأما فَعُلٌ فنحو رَجُلٍ ورِجَالٍ وسَبُعٍ وسِبَاعٍ وأما فِعْلٌ فنحو : بِئْرٍ وبِئَارٍ وذِئْبٍ وذِئَابٍ ومضاعفهُ : زِقٌّ وزِقاقٌ والمعتل نحو : رِيحٍ ورِياحٍ وأما فُعْلٌ فنحو : جُمْدَ وجِمَادٍ وقُرْطٍ وقِراطٍ ومضاعفه خُصٌّ وخِصَاصٌ وعُشٌّ وعِشَاشٌ والمضاعف فيه كثير
الثامن : من الجموع فُعُولٌ :
وقد جاء جمعاً لستة أبنية : فَعُلٌ وفَعَلٌ وفَعِلٌ وفِعَلٌ وفِعْلٌ فُعْلٌ فأما فَعْلٌ فإذا جاوز العشرة فإنه قد يجيء على ( فُعُولٍ ) قال : نَسْرٌ ونُسُورٌ وبَطْنٌ وبُطُونٌ والمضاعف مثله : صَكٌّ وصُكُوكٌ وبَتٌّ وبُتُوبٌ وبنات الياء والواو مثله قالوا : ثَدْيٌ وثُدُيٌ ودَلْوٌ ودُلُيٌ فهو فُعُولٌ وذلك يبين في التصريف وفَوْجٌ وفُؤُوجٌ وبَحْرٌ وبُحُورٌ وبَيْتٌ وبُيُوتٌ ابتزتْ فُعُولٌ الياء كما ابتزت فِعَالٌ الواو فأما ( فَعَلٌ ) فيجمع في الكثير على فُعُولٍ نحو أَسَدٍ وأُسُودٍ وذكَرٍ وذُكُورٍ وهو أقل من فِعَالٍ والمضاعف فيه قياسه فُعُولٌ فالذي جاء على أفعالٍ نحو : لَبَبٌ وأَلبابٍ والمعتل : نحو قَفَاً وقُفُيٌّ وقِفيٌّ وعَصَاً وعُصُيٌّ وعِصِيٌّ وإنما كسرت الفاء من أجل الياء والكسرة والمعتل العين نحو : نَابٍ ونُيُوبٍ وقال بعضُهم في سَاقٍ سُؤُوقٌ فهمزوا وأما فَعِلٌ فنحو : نَمرٍ ونُمُورٍ ووَعِلٍ ووُعُولٍ وأما فِعَلٌ فنحو : ضِلَعٍ وضُلُوعٍ وإرَمٍ وأُرُوُمٍ وأما فِعْلٌ : فنحو : حِمْلٍ وحُمُولٍ وعِرْقٍ وعُرُوقٍ
وشِسْعٍ وشُسُوعٍ استغنوا فيها عن بناء أدنى العدد والمضاعف : لِصُّ ولُصُوصٌ والمعتل فِيلٌ وفُيُولٌ ودِيكٌ ودُيُوكٌ وأما فُعْلٌ فنحو : بُرْجٍ وبُرُوجٍ وخُرْجٍ وخُرُوجٍ
التاسع : من أبنية الجموع فِعَالةٌ :
جاء في فَعْلٍ فُعُولةٌ وفِعَالةٌ وزعم الخليل : إنما أرادوا أن يحققوا التأنيث نحو الفِحَالةِ يعني تأنيث الجمع وجاء في فَعَلٍ جَمَلٌ وجِمَالةٌ وحَجَرٌ وحِجَارةٌ وقالوا أَحجارٌ
العاشر : من أبنبية الجموع فَعُولةٌ :
جاء في فَعْلٍ فُعُولةٌ نحو : بَعْلٍ وبُعُولةٍ وعَمٍّ وعُمُومةٍ وجاء فيما اعتلت عينه : عَيْرٌ وعُيُورٌ وخَيْطٌ وخُيُوطٌ
الحادي عشَر : فِعْلانُ :
وهو لأربعة أبنية : فَعَلٌ وفَعْلٌ وفِعْلٌ وفُعْلٌ فأما فَعْلٌ فنحو : خُرْبٌ وخِرْبانٍ وبَرْقٌ وبَرقَانُ في الكثير وفي المعتل جَارٌ وجِيرانُ وقاعٌ وقِيعانٌ وقل فيه فِعَالٌ وألزموهُ فِعْلانَ وقد يستغنى فيه بأَفعالٍ نحو : مَالٌ وأَموالٍ
وأما فَعَلٌ : نحو : جَحَلٍ وجِحْلانٍ ورَألٍ ورِئْلانٍ وفيما اعتلت عينهُ نحو : ثَورٍ وثِيرانٍ وقَوزٍ وقِيْزانٍ وهو قطعة من الرمل
وأما فِعْلٌ : نحو : رِئْدٍ ورِئْدانٍ وهو فَرْخُ الشجرة وصِنْوٍ وصنوانِ وقِنْوٍ وقنوانٍ وأما فُعْلٌ : فنحو : خُشٍّ وخُشِّانِ وقالوا : خُشّانٌ لأن
فِعْلانَ وفُعْلانَ : أُختان وجاء في المعتل من بنات الواو التي هي عين فِعْلان انفردت به فِعْلانُ نحو : عُودٍ وعِيْدانٍ وغُولٍ وغِيْلانٍ وكُوْزٍ وكِيزانٍ وحُوْتٍ وحِيتَانٍ ونُوْنٍ ونينَانٍ
الثاني عشر : فُعْلانُ :
وهو لأربعة أبنية : فَعَلٌ وفَعْلٌ وفِعْلٌ وفُعْلٌ : جاء في الكثير جمعاً لِفَعَلٍ نحو : جَمَلٍ وجُمْلانٍ وسَلَقٍ وسُلْقانٍ وجاء فَعْلٌ على فُعْلانٍ نحو : ثَغْبٍ وثُغْبانٍ وبَطْنٍ وبُطنانٍ وظَهْرٍ وظُهرانٍ وجاء في فِعْلٍ نحو : ذِئْبٍ وذُئبانٍ وفي مضاعفة زقٌّ وزُقانٌ وجاء في ( فُعْلٍ ) في المضاعف نحو : خُشٍّ وخَشَّانٍ جميعاً
الثالث عشر : أَفعالٌ جاءت جمعاً لعشرة أبنية :
فَعَلٌ . فَعِلٌ . فُعُلٌ . فُعَلٌ . فِعَلٌ . فِعِلٌ . فَعْلٌ . فُعْلٌ . فُعِلٌ
فأما فَعَلٌ : فنحو : جَمَلٍ وأَجمالٍ وجَبَلٍ وأَجبالٍ وأَسَدٍ وآسادٍ وهذا لأدنى العدد وفي المعتل : قاعٌ وأَقواعٌ وجارٌ وأَجوارٌ ويستغني به عن الكثير في : مَالٍ وأَموالٍ وبَاعٍ وأبواع وأما فَعْلٌ فقد جاء جمعه : أفعالُ وليس ببابه فقالوا : زَنْدٌ وأزنادٌ وقال الأعشى :
( وزَنْدُكَ أَثْقَبُ أَزنَادِها ... )
وقالوا في المضاعف : جدٌّ وأجدادٌ وفيما اعتلت عينه لأدنى العدد : سَوْطٌ وأسواطٌ وقد يقتصرون عليها للقليل والكثير نحو : لَوْحٍ وألواحٍ ونَوْعٍ وأنواعٍ وبَيْتٍ وأبياتٍ للقليل
ومما جاء أَفعالٌ لأكثر العدد وذلك نحو : قَتَبٍ وأقتابٍ وارسانٍ وقد جاء في فَعِلٍ للكثير قالوا : أرآدٌ ومضاعف ( فَعَلٍ ) أفعالٌ لم يجاوزوه في القليل والكثير نحو : لَبَبٍ وألبابٍ ومَدَدٍ وأمدادٍ وفَنَنٌ وأفنانٍ كما لم يجاوزوا الأَقدامَ والأرسانَ والمعتل اللام من فَعَلٍ نحو : صَفاً وأصفاءُ وصُفِيٍّ وقَفَاً وأقفاءُ وقالوا : أَرْحاء في القليل والكثير قال أبو بكر : ومن ذكرى قَتَبٍ إلى هذا الموضع فهو في الصنف الأول في باب فَعَلٍ وأما فَعِلٌ فنحو : كَبِدٍ وأكباد وفَخذٍ وأفخاذٍ ونَمرٍ وأنمارٍ وقلما يجاوزُ بِفَعِلٍ هذا الجمع
فأما فِعَلُ فنحو : ضِلَعٍ وأضلاعٍ وإرَمٍ وأَرماءٍ وأما فَعُلٌ : فنحو : عَضُدٍ وأَعضادٍ وعَجُزٍ وأعجازٍ اقتصروا على أفعالٍ في ( عَضُدٍ ) وأما فُعُلٌ فنحو : عُنُقٍ وأعناقٍ وطُنُبٍ وأَطنابٍ مقتصر عليه في جمع ( طُنُبٍ ) وأما فُعَلٌ فنحو : رُبَعٍ وأرباعٍ ورُطَبٍ وأرطابٍ وأما فِعِلٌ فنحو : إبِلٍ وآبالٍ وأما فِعْلٌ فنحو : حِمْلٍ وأحمالٍ وجِذْعٍ وأجذاعٍ ومما استعمل فيه للقليل والكثير : خِمْسٌ وأخماسٌ وشِبْرٌ وأشبارٌ وطِمْرٌ وأطمارٌ والمعتل نحو : نِحيٍ وأنحاءٍ وفيما أعتلت عينه : فِيلٌ وأفيالٌ وجِيْدٌ وأجيادٌ ومِيْلٌ وأميالٌ في القليل وقد يقتصر فيه على أَفعالٍ
قال سيبويه : وقد يجوز أن يكون أصل ( فِيلٍ ) وما أشبهه ( فُعْلاً ) كسر
من أجل الياء كما قالوا : أبيضُ وبِيضٌ قال أبو الحسن الأخفش : هذا لا يكون في الواحد إنما للجميع
وإنما اقتصارهم على أفعالٍ كقولهم : أَميالٌ وأَنيابٌ وقالوا : ريحٌ وأرواحٌ فأما فُعْلٌ : فَجُنْدٌ وأَجنادٌ وبُرْدٌ وأَبرادٌ في القليل وربما استغنوا به في الكثير نحو : رُكْنٍ وأركانٍ وجُزْءٍ وأَجزاءٍ وشُفْرٍ وأشفارٍ ومضاعفه حُبٌّ وأَحبابٌ والمعتل : مُدْيٌ وأمدادٌ لا يجاوز به وفيما اعتلت عينه عُودٌ وأعوادُ وغُولُ وأغوالٌ
وحُوتٌ وأحواتٌ وكُوزٌ وأكوازٌ في القليل
باب جمع الثلاثي الذي فيه هاء التأنيث في الجمع فَعْلٌ فَعَلٌ فَعِلٌ فُعُولٌ فَعُولٌ فِعَالٌ فَعْلانٌ فِعْلانٌ فَعْلاتٌ فَعُلاتٌ فَعْلاءٌ أَفْعَلٌ وإنما يقع فَعْلٌ في الباب الثاني وهو ما الفرق بين جمعه وواحده الهاء فقط
هذه أبنية الجمع فيه
فأما أبنية الأسماء المجموعة فستة : فَعْلَةٌ وفَعَلةٌ وفٌعَلَةٌ وفُعْلَةٌ وفِعْلَةٌ وفَعِلَةٌ
الأول : فَعْلَةٌ : جمعها بالتاء في أدنى العدد وتفتح العين فتقول : فَعَلاتٌ نحو : جَفْنَةٍ وجَفَناتٍ فإذا جاوزت أدنى العدد صار على فَعَالٍ مثل : قِصَاعٍ وقد جاء على فُعُولٍ وهو قليل مثل : مأنةُ ومُؤونٌ والمأنةُ أسفل البطن وقد يجمعون بالتاء وهم يريدون الكثير وبنات الياء والواو بهذه المنزلة وكذلك المضاعف فالمعتل نحو : ركوةٍ ورِكاءٍ وقَشوةٍ وقِشَاءٍ وركواتِ وقَشَواتٍ وظَبيةٍ وظَبَياتٍ والمضاعف نحو : سَلَّةٍ وسَلاتٍ فأما ما اعتلت عينه فإذا أردت أدنى العدد ألحقت التاء ولم تحرك العين وذلك نحو : عَيَبةٍ وعَيَباتٍ وعِياتٍ وضَيْعَةٍ وضَيْعَاتٍ وضِياعٍ ورَوْضَةٍ ورَوْضاتِ ورياضٍ وقد قالوا : نَوْبةٌ ونُوبٌ ودَولةٌ ودُولٌ وجَوبةً وجُوبٌ ومثلها قَرْيةٌ وقُرىً ونَزوَةٌ ونُزىً وفَعْلَةٌ من بنات الياء على ( فِعَلٍ ) نحو : خَيْمَةٍ وخِيَمٍ
الثاني : فَعَلةٌ : وهو بمنزلة فَعْلَةٍ وإن جاء شيء من بنات الواو والياء والمضاعف أجري مجرى الضرب وهو عزيز وذلك قولك : رَحَبةٌ ورَحبَاتٌ ورَقَبَةٌ ورَقباتٌ ورِقابٌ ولم يذكر سيبويه مثالاً لما اعتلت لامه فأما ما اعتلت عينه فيكسر على ( فِعَالٍ ) قالوا : نَاقةٌ ونِياقٌ وقد كسر على ( فِعَلٍ ) قالوا : قَامةٌ وقِيَمٍ وتَارَةٌ وتِيَرٌ
قال الراجز :
( يَقومُ تاراتٍ ويمشي تِيَرا ... )
فكأنَّ ( فِعَلَ ) في هذا الباب مقصورة من فِعَالٍ
الثالث : فُعْلَةٌ : تجمع على فُعُلاتٍ نحو : رُكْبةٍ ورُكُباتٍ وغُرفَةٍ وغُرُفاتٍ فإذا أردت الكثير كسرته على ( فُعَلٍ ) قلت : رُكَبٌ وغُرَفٌ وقد جاء نُقرةٌ ونِقارٌ وبُرْمَةٌ وبِرامٌ ومن العرب من يفتح العين فيقول : رُكباتٌ وغُرفاتٌ وبنات الواو بهذه المنزلة نحو : خُطْوةٌ وخُطُواتٍ وخُطىً ومن العرب من يسكن فيقول : خُطْواتٌ وبناء الياء نحو : كُليةٍ وكُلىً ومُديةٍ ومُدىً اجتزأوا ببناء الأكثر ومَن خفف قال : كُلْياتٌ ومُدْياتٌ والمضاعف يكسر على ( فُعَلٍ ) مثل ركبة ورُكَب وقالوا : سُرّات وسُرَرٌ ولا يحركون العين لأنها كانت مدغمةً والفِعالُ في المضاعفة كثير نحو : جِلالٍ وقِبابٍ والمعتلُ العين نحو : دَولةٍ ودُولاتٍ ودُولٍ
الرابع : فِعْلَةٌ : نحو ما في القليل بالألف والتاء وتكسر العين نحو :
سِدرةٍ وسِدراتٍ وكِسْرةٍ وكِسراتٍ
ومن العرب من يفتح العين فيقول : سدراتٌ وكَسِراتٌ فإن أردت الكثير قلت : سِدرٌ
ومن قال : غُرْفاتٌ فخفف قال : سِدْراتٌ وقد يريدون الأقل فيقولون : كِسَرٌ وفِقَرٌ في القليل لقلة استعمالهم التاء في هذا الباب
والمعتل اللام فيه نحو : لِحيةٍ ولِحىً وفِريةٍ وفِرىً ورِشوةٍ ورِشَاً
اجتزأوا بهذا عن التاء ومن قال : كِسْراتٌ
قال : لِحْيَاتٌ والمضاعف : قِدّةٌ وقِدّاتٌ وقِدَةٌ ورِبَّةٌ ورِبَّاتٌ ورِببٌ وقد جاء ( فِعْلَةٌ ) على ( أَفْعُلِ ) قالوا : نِعْمَةٌ وأنْعُمٌ وشِدّةٌ وأشَدٌ ولم تجمع : رِشوةٌ بالتاء ولكن من أسكن قال : رِشْواتٌ لأنَّ الواو لا تعتل في الإِسكان هنا : والمعتل العين : قِيمةٌ وقِيماتٌ ورِيبةٌ وقِيَمٌ ورَيبٌ
الخامس : فَعِلَةٌ : نحو : نَعِّمةٌ ونَعِّمٍ ومَعِدةٍ ومَعِدٌ وذلك أن تجمع بالتاء ولا تغير
السادس : فُعَلةٌ : نحو : تُخَمةٍ وتُخَمٍ وتُهَمةٍ وتُهَمٍ وليس هذا كرُطَبةٍ ورُطَبٍ ألا ترى أن الرطب مذكرٌ كالبُرِّ وهذا مؤنث كالظَّلَمِ والغُرَفِ
باب ما يكون من بنات الثلاثة واحداً يقع على الجميع
ويكون واحد على بنائه من لفظه إلا أنه مؤنث تلحقه الهاء للفصل وهذا الباب حقه أن يكون لأجناس المخلوقات وهي تجيء على تسعة أبنية
الأول : فَعْلَةٌ : نحو : طَلْحَةَ وطَلْحٍ وتَمْرةٍ وتَمرٍ ونَخْلَةٍ ونَخْلٍ وصَخْرَةٍ وصخرٍ وإذا أردت القليل جمعت بالتاء وربما جاءت الفَعْلَةُ على فِعَالٍ نحو : سَخْلَةٍ وسِخَالٍ وبهمةٍ وبِهَاماً وهم شبهوها بالقِصَاعِ
وقال بعضهم : صَخْرةٌ وصُخورٌ وبنات الياء والواو نحو : مَرْوةٍ ومَروٍ وسَروةٍ وسَرْو
وقالوا : صَعْوةٌ وصِعَاءٌ وشَريةٌ وشَرْيٌ
والمضاعف نحو : حَبَّةٍ وحَبٍّ
والمعتل العين نحو : جَوْزةٍ وجُوزٍ وبَيْضَةٍ وبَيْضٍ وبَيضاتٍ وقد قالوا : روضَةٌ ورِياضٌ
الثاني : فَعَلةٌ : وهي مثل فَعْلَةٍ قالوا : بَقَرةٌ وبَقَرٌ وبَقراتٌ وقالوا :
أكمَةٌ وإكَامٌ وبنات الياء والواو نحو : حَصىً وحَصاةٍ وقَطاةٍ وقَطاً وقَطواتٍ وقال : أَضاةٌ وأَضىً وإضاءٌ مثل إكَامٍ وأَكمٍ وقالوا : حَلَقٌ وفَلَكٌ ثم قالوا : حَلْقَةٌ وفَلْكَةٌ فخففوا في الواحد حيث ألحقوه الزيادة وغيروا المعنى هذا لفظ سيبويه قال : وزعم يونس عن أبي عمرو أنهم يقولون : حَلقَةُ
والمعتلُ العين هامٌ وهَامَةٌ وهَاماتٌ وراحٌ وراحَةٌ وراحاتٌ وسَاعةٌ وساعٌ وسَاعاتٌ
الثالث : فَعِلَةٌ : نحو : نَبِقَةٍ ونَبِقَاتٍ ونَبِقٌ فلم يجاوزوا هذا
الرابع : فِعَلَةٌ : نحو : عِنَبَةٍ وعِنَبٍ وإبَرةٍ وإبَراتٍ وهو فسيلُ المُقلِ
الخامس : فَعُلَةٌ : نحو : سَمُرَةٍ وسَمُرٍ وسَمُراتٍ
السادس : فُعُلَةٌ : نحو بُسُرةٍ وبُسُرٍ
السابع : فُعَلَةٌ : نحو عُشَرٍ وعُشَرةٍ ورُطَبٍ ورُطَبَة ورُطَباتٍ ويقول ناس للرطب أرطابُ مثل : عِنَبٍ وأعنابٍ وهذا عندي إنما يجوز إذا اختلفت أنواعه ونظيره من الياء مُهاة ومُهي وهو ماء الفحل في رَحِم الناقة
الثامن : فِعْلَةٌ : نحو : سِلْقَةٍ وسِلْقٍ وسِلْقاتٍ
وقد قالوا : سِدْرةٌ وسِدْرٌ وقالوا : لِقْحَةٌ ولِقَاحٌ وفي المضاعف حِقَّةُ وحِقَاق وقالوا : حِقَقٌ قال المسيب بن علس :
( قَد نالني منهم على عَدَمٍ ... مِثْلُ الفسيلِ صغارُها الحِقَقُ )
والمعتل العين نحو : تِينةٍ وتينٍ وتِيَناتٍ وطِينٌ وطِينَةٍ وطِينَاتٍ قال سيبويه : وقد يجوز أن يكون هذا ( فُعْلاً )
التاسع : فُعْلَةٌ : نحو : دُخْنَةٍ ودُخْنٍ ودُخْنَانٍ ومن المضاعف : دُرَّةٌ ودُرٌّ ودُرّاتٌ وقالوا : دُرَرٌ كما قالوا : ظُلَمٌ ومن المعتل العين : تُومةٌ وتُومٌ وتُوماتٌ وصُوفَةٌ وصُوفَاتٌ وصُوفٌ
باب ما جاء لفظ واحدة وجمعه سواء وقالوا : حَلْفاءُ للجميع وحَلْفاءُ واحدةٌ وطَرْفاءُ مثله وهذا عندي : إنما يستعملُ فيهما ليحقر الواحدُ منهُ قال أبو العباس : حدثني أبو عثمان المازني عن الأصمعي قال : واحدُ الطَرْفاء طِرفَةُ وواحدُ القُصْباءِ قَصِبةٌ وواحدُ الحَلْفاءِ حَلِفَةُ تكسر اللام مخالفة لأختيها
باب ما كان على حرفين وليس فيه علامة التأنيث اعلم : أن ما كان أصلهُ ( فَعْلاً ) كسر على ( أَفْعِلٍ ) نحو : يِدٍ وأَيدٍ وفي الكثير على ( فِعَالٍ ) و ( فُعولٍ ) وذلك : دِمَاءٌ مدُميُ فإن كان ( فَعَلٌ ) كسر في القليل على ( أفعالٍ ) وذلك أبٌ وآباء
وزعم يونس أنه يقول : أخُ وآخاءٌ
وقال إخوانٌ
وبنات الحرفين تكسر على قياس نظائرها التي لم تحذف
وأما ما كان من بنات الحرفين وفيه الهاء للتأنيث فإنهم يجمعونها بالتاء وبالواو والنون
كأنه عوضٌ فإذا جمعت بالتاء لم تغير وذلك : هَنَةٌ وهَناتٌ وشِيَةٌ وشِياتٌ وفِئَةٌ وفِئاتٌ وثُبَةٌ وثُبِاتٌ وقُلَةٌ وقُلاّتٌ وربما ردوها إلى الأصل إذا جمعوها بالتاء فقالوا : سَنَواتٌ وعِضَواتٌ فإذا جمعوا بالواو والنون كسروا الحرف الأول وذلك نحو : سِنُونَ وقِلُونَ وثِبُونَ ومِئُونِ فرقوا بين هذا وبين ما الواو له في الأصل نحو قوله : هَنُونَ ومَنُونَ وبَنُونَ وبعضهم يقول : قُلونَ فلا يغير وأما هَنَةٌ ومَنَةٌ فلا يجمعان إلا بالتاء لأنهما قد ذكرا
وقد يجمعون الشيء بالتاء فقط استغناءً وذلك نحو قولهم : ظُبَةٌ وظُباتٌ وشِيَّةٌ وشِياتٌ والتاء تدخل على ما دخلت فيه الواو والنون لأن الاصل لها فقد يكسرون هذا النحو على بناء يرد ما ذهب من الحرف
وذلك قولهم : شَفَةٌ وشِفَاةٌ وشَاةٌ وشِيَاهٌ واستغنوا عن التاء حيث عنوا بها أدنى العدد وتركوا الواو حيث ردوا ما يحذف منه وقالوا : أمَةٌ وآمٍ وإماءٌ وهي ( فَعَلةٌ ) لأنهم كسروا ( فَعَلة ) على ( أَفعُلٍ ) ولم نرهم كسروا ( فَعْلَةً ) على ( أَفعُلٍ ) وقالوا : بُرَةٌ وبَراتٌ وبُرونَ وبُرى ولُغَةٌ ولُغىً وقد يستغنون بالشيء عن الشيء وقد يستعملون فيه جمع ما يكون في بابه وقالت العرب : أَرْضٌ وأرضاتٌ وأرضونَ فجمعوا بالواو والنون عوضاً من حذفهم الألف والتاء وتركوا الفتحة على حالها وزعم يونس أنهم يقولون : حَرَّةٌ وحَرُّون وقالوا : إوَزّةٌ وإوَزْون وزعم يونس أيضا أنهم يقولون : حَرّةٌ وإحرون يعنونَ الحِرارَ كأنه جمع إحَرَّة ولكن لا يتكلم بها
وقد يجمعون المؤنث الذي ليست فيه هاءُ التأنيث بالتاء وذلك قولهم : عُرُساتٌ وأَرضاتٌ وقالوا : سَماواتٌ استغنوا بالتاء عن التكسير وقالوا : أهلاتٌ فشبهوها بصَعْباتٍ وقالوا : أهَلاتٌ وقالوا : إمْوانُ جماعةُ أمةٍ
باب تكسير ما عدة حروفه بالزيادة أربعة أحرف للجمع الأسماءُ المكسرةُ في هذا الباب ستةٌ : فِعَالٌ فَعَالٌ فُعَالٌ وفَعِيلٌ فُعُولٌ فَاعلٌ
فالأول : فِعَالٌ : جاء في القليل على ( أَفْعَلةٍ ) نحو : حِمَارٍ وأَحْمَرةٍ والكثير ( فُعُلٌ ) نحو : حُمُرٍ ولك أن تخفف في لغة بني تميمٍ فتقول : حُمْرٌ ورُبما عنوا ببناء أكثر العدد أدناه وذلك قولهم : ثلاثةُ جُدُرٍ وثلاثةُ كُتُبٍ
والمضاعف لا يجاوز به أدنى العدد وإن عنوا الكثير وذلك : جِلالٌ وأَجلَةٌ وعِنَانٌ وأَعنّةٌ وكِنَانٌ وأَكنَةٌ وكذلك المعتلُ نحو : رِشَاءٍ وأَرشيةٍ وسِقَاء وأَسقيةٍ
وما أعتلت عينهُ فيكسر على ( أَفعِلَةٍ ) نحو : خِوانٍ وأَخونةٍ ورِواقٍ وأروقَةٍ فإن أردت الكثير جاء على ( فُعْلٍ ) وذلك نحو : خُوْنٍ وروقٍ بونٍ
وذوات الياء عِيَانٌ وعُيُنٌ والعِيَانُ : حديدةٌ تكون في مَتاعِ الفَدَان فثقلوا لأن الياء أخفُّ من الواو كما قالوا : بَيُوضٌ وبُيُضٌ وزعم يونس : أن من العرب من يقول : صَيُودٌ وصِيدٌ
والثاني : فَعَالٌ : يجيء على ( أَفْعِلَةٍ ) في القليل نحو : زَمانٍ وأزْمنَةٍ وقَذالٍ
وأقذَلةٍ والكثير ( فُعُلٌ ) نحو : قُذُلٍ وقد يقتصرون على أدنى العدد فيه
وبنات الواو والياء على ( أَفعِلَةٍ ) نحو : سَمَاءٍ وأَسمِيةٍ . وكرهوا بناء الأكثر
الثالث : فُعَالٌ : يجيء على ( أَفْعِلَةٍ ) في القليل : غُرابٌ وأَغْرِبةٌ والكثير ( فِعْلانٌ ) نحو : غِرْبانٍ وغِلْمَانٍ ولم يقولوا : أَغْلِمَةٌ استغنوا بغِلْمَةٍ والمضاعف ذُبابٌ وأذْبةٌ في القليل وذِبَّانٌ في الكثير وقالوا في المعتل في أدنى العدد أحْوِرةٌ والذين يقولون : حِوارٌ يقولون : حِيرانٌ
وأما سُوارٌ وسُورٌ فوافق الذين يقولون : سُوارٌ للذين يقولون : سِوارٌ كما اتفقوا في الحُوار وقال قوم : حُورانٌ وربما اقتصروا على بناء أدنى العدد فيه كما فعلوا ذلك في غيره وقالوا : فُؤَادٌ وأَفْئدةٌ وقالوا : قُرادُ وقُرُدٌ وذُبَابٌ وذُبٌ
الرابع : فَعيلٌ : يجمع في القليل على ( أَفْعِلَةٍ ) والكثيرُ فُعُلٌ وفُعْلانٌ مثل : رَغيفٍ وأرْغفَةٍ ورُغُفٍ ورُغْفَانٍ وربما كسروه على ( أفْعِلاءِ ) نحو : أَنْصَباءٍ
وقد قال بعضهم فيه ( فِعْلانٌ ) قال : فَصِيلٌ وفِصلانٌ والمعتل نحو : قَرْيٍّ وأقرْيةٍ وقُريَانٍ ولم يقولوا في صَبِيٍّ وأَصْبِيةٍ استغنوا بِصبيَةٍ وقالوا : في المضاعف : حزيز وأحزَةٌ وحُزَّانٌ وقال بعضهم : حِزَّانٌ وقالوا : سريرٌ وأسِرَةٌ وسُرُرٌ وقالوا : فَصِيلٌ وفصالٌ حيث قالوا : فَصِيلةٌ وتوهموه الصفة فشبهوه بظَريفةٍ وظِرافٍ حيث أنثوا وكان هو المنفصلُ من أبٍ وقد قالوا : أَفِيلٌ وأَفَائلٌ وهو حاشية الإِبل
وقالوا : إفَالٌ شبهوها بِفصَالٍ حيث قالوا : في الواحد أفْيَلةُ فأشبه الصفة
الخامس : فَعولٌ : ويذكر في باب المؤنث
السادس : فَاعِلُ وفَاعَلٌ : يكسران على فَواعلَ ويكسرونَ الفَاعِلَ أيضاً على ( فُعلانٍ ) نحو : حَاجرٍ وحُجْزانٍ وعلى فِعْلانٍ في المعتل نحو : حائِطٍ وحِيطاَنٍ وكان أصله : صفةً فأجري مجرى الأسماء فيجيء على ( فُعْلانٍ ) نحو : راكبٍ ورُكْبَانٍ وفارسٍ وفُرْسانٍ
وقد جاء على فِعَالٍ نحو : صِحَابٍ ولا يكون فيه فواعلُ لأن أصله صفةٌ وله مؤنث فيفصلونَ بينهما إلا في فَوارس
باب تكسير ما عدةُ حروفه بالزيادة أربعة أحرف للجمع
الأسماء المكسرة في هذا الباب ستة : فِعَال وفَعَال فُعَال فَعيل وفعول وفاعِل
فالأول : فِعَالٌ : جاءَ في القليلِ على ( أَفْعِلةٍ ) نحو : حِمَارٍ وأَحْمِرةٍ والكثيرُ فَعُلٌ نحو : حُمُرٍ ولكَ أَن تخففَ في لغةِ بني تميمٍ فتقولُ : حُمْرٌ ورُبَّما عنَوا ببناءِ أَكثرِ العددِ أَدناهُ وذلكَ قولُهم : ثلاثةُ جُدُرٍ وثلاثةُ كُتُب
والمضاعف لا يجاوزُ بهِ أَدنى العددِ وإِنْ عَنوا الكثيرَ وذلكَ : جِلاَلٌ وأَجِلَّةٌ وعِنَانٌ وأَعِنَّةٌ وكِنَانٌ وأكِنَّةٌ وكذلكَ المعتلُ نحو : رِشَاءٍ وأَرشيةٍ وسِقَاءٍ وأَسقيةٍ
وما اعتلتْ عينهُ فيكسرُ على ( أَفعِلَةٍ ) نحو : خِوَانٍ وأَخوتَةٍ ورِوَاقٍ وأَروقَةٍ فإِنْ أَردتَ الكثيرَ جاءَ على ( فُعْلٍ ) وذلكَ نحو : خُوْنٍ وَرُوْقٍ وبُونٍ . وذواتُ الياءِ عِيَانٌ وعُيُنٌ والعِيَانُ : حديدةٌ تكونُ في مَتاعِ الفَدَانِ فثقلوا لأَنَّ الياءَ أَخفُّ مِنَ الواوِ كَما قالوا : بَيُوضٌ وبُيُضٌ وزعَم يونس : أَنَّ مِنَ العربِ مَنْ يقولُ : صَيُودٌ وصِيدٌ
الثاني : فَعَالٌ : يجيء علَى ( أَفْعِلَةٍ ) في القليلِ نحو : زَمَانٍ وأَزْمِنَةٍ وقَذَالٍ وأَقذِلةٍ والكثيرُ ( فُعُلٌ ) نحو : قُذُلٍ وقد يقتصرون على أَدنى العددِ
فيه
وَبَناتُ الواوِ والياءِ على ( أَفعِلَةٍ ) نحو : سَمَاءٍ وأَسميةٍ
وكرهوا بناءَ الأكثرِ
الثالثُ : فُعَالٌ : يجيءُ علَى ( أَفْعِلَةٍ ) في القليل غُرابٌ وأَغْرِبةٌ والكثيرٌ ( فِعْلانٌ ) نحو : غِرْبَانٍ وغِلْمَانٍ ولَم يقولوا : أَغْلِمَةٌ استغنوا بغِلْمَةٍ والمضاعفُ : ذُبابٌ وأَذِبَّةٌ في القليلِ وذِبَّانٌ في الكثيرِ وقالوا في المعتلِّ في أدنى العددِ : أَحوِرةٌ والذينَ يقولونَ : حَوَارٌ يقولونَ : حِيرانٌ
وأَما سُوارٌ وسُورٌ فوافقَ الذينَ يقولونَ : سُوارٌ للذينِ يقولونَ : سِوارٌ كما اتفقوا في الحُوار وقالَ قومٌ : حُورانٌ ورُبَّما اقتصروا على بناءِ أَدنى العددِ فيهِ كما فعلوا ذلك في غيرِه وقالوا : فُؤَادٌ وأَفْئِدةٌ وقَالُوا : قُرادُ وقُرُدٌ وذُبَابٌ وذُبٌّ
الرابعُ : فِعيلٌ : يجمعُ في القليلِ على ( أَفْعِلَةٍ ) والكثيرُ : فُعُلٌ وفُعْلانٌ مثلُ : رَغيفٍ وأَرْغفَةٍ ورُغُفٍ ورُغْفَانٍ ورُبَّما كسروهُ على ( أَفْعِلاَء ) نحو : أَنْصِبَاء
وقَد قالَ بعضُهم فيهِ ( فِعْلانٌ ) قالَ : فَصِيلٌ وفِصْلاَنٌ والمعتلُّ : نحو : قَرِيٍّ وأَقْريةٍ وقُريَانٍ ولم يقولوا : في صَبِيٍّ أَصْبِيةٍ استغنوا بصِبيَةٍ وقالوا في المُضاعفِ : حَزيرٌ و أَحزّة وحُزّانٌ وقالَ بعضُهم : حِزّانٌ وقالوا : سَريرٌ وأَسِرةٌ وَسُرُرٌ وقالوا : فَصِيلٌ وفِصَالٌ حيثُ قالوا : فَصِيلةٌ وتوهموهُ الصفةَ فشبهوهُ بظَريفةٍ وظِرافٍ حيثُ أنثَّوا وكانَ هُوَ
المنفصلَ من أَبٍ وقد قالوا : أَفِيلٌ وأَفَائلٌ وَهوَ حاشية الإِبل
وقالوا : إفَالٌ شبهوها بِفصَالٍ حيثُ قالوا : في الواحدِ أَفيلَةُ فأَشبهَ الصفةَ
الخامسُ : فَعولٌ : ويذكرُ في بابِ المؤنثِ
السادسُ : فَاعِلُ وفَاعَلٌ : يكسرانِ عَلى فَواعلَ ويكسرونَ الفَاعِلَ أَيضاً على ( فُعلانٍ ) نحو : حَاجرٍ وحُجْرانٍ وعلَى فِعْلانٍ في المعتلِّ نحو : حَائِطٍ وحِيطَانٍ وكانَ أَصلهُ صفةً فأُجري مجرى الأسماءِ فيجيء على ( فُعْلانٍ ) نحو : رَاكبٍ ورُكْبَانٍ وفَارسٍ وفُرْسَانٍ
وقد جاءَ علَى فَعَالٍ نحو : صِحَابٍ و لا يكونُ فيهِ فواعلُ لأَنَّ أَصلَهُ صفةٌ ولَهُ مؤنثٌ فيفصلونَ بينَهما إلاّ في فَوَارِسَ
بَابُ المؤنثِ
والأبنيةُ المجموعةُ فيهِ أَحدَ عشَرَ بناءً : فَعَالٌ وفِعَالٌ وفُعَالٌ وفَعيلٌ وفَعُولٌ وفُعَلٌ وفِعْلٌ وفَعيلةٌ وفِعَالةٌ وفَعَالةٌ وفُعَالةٌ
اعلَم : أَنَّ ما كانَ مِنْ هذهِ الأسماءِ التي تجيءُ بالزيادةِ على أَربعةِ أَحرفٍ وهي مؤنثةٌ فجمعها في القليلِ علَى ( أَفْعُلٍ )
فأَمَّا فَعالٌ : فمثلُ : عَناقٍ وأَعنُقٍ وفي الكثيرِ على ( فُعُولٍ ) مثلُ عُنُوقٍ
وأَمَّا فِعَالٌ : فنحو : ذِراعٍ وأَذرعٍ ولا يجاوزونها هَذا ومَنْ أَنثَ اللسانَ قالَ : أَلْسنٌ ومَنْ ذَكرَ قالَ : أَلسنةٌ
وقَد جاءَ في شَمالٍ : شَمائلٌ كسرتْ علَى الزيادةِ
وقالوا : أَشْمُلٌ
وأما فُعَالٌ : فنحو : عُقَابٍ وأَعْقُبٍ . وقالوا : عِقْبانٌ
وأَما فَعِيلٌ : فَيَمِينٌ وأَيمُنٌ لأَنَّها مؤنثةٌ وقالوا : أَيمانٌ
وأَما فَعُولٌ : فنحو : قَدُوم وقُدُمٌ وهو بمنزلةِ فِعِيلٍ في القليلِ في المذكرِ فإِنْ أَردتَ الكثيرَ كسرتَهُ على فِعْلانٍ نحو : خِرْفَانٍ وقالوا : عَمُودٌ
وعُمُدٌ وَزبُورٌ وزُبُرٌ وقد كسروا أَشياءَ منها مِنْ بَنَاتِ الواوِ على ( أَفعالٍ ) قالوا : فَلُوٌّ وأَفْلاء وعَدُوٌ وَعدُوٌّ وصفٌ ولكنّهُ ضَارَع الأَسماءَ
وأَما فُعْلَى فإِنْ كانت : فُعْلَى أَفعل ( فتكسيرُها ) على ( فُعَلٍ ) نحو : الصُّغرى والصُّغَرِ ومثلهُ مِنْ ذَواتِ الياءِ والواوِ : الدُّنيا والدُّنَى والقُصوَى والقُصَى وإِنْ شئتَ جمعتَهنَّ بالتاءِ فقلتَ : الصُّغْرَياتُ والكُبْرَياتُ كما يجمعُ المذكرُ بالواوِ والنونِ نحو : الأَصغرونَ :
فُعْلَى وفِعْلَى إذا كسرتَهُ حذفَت الزيادَة التي هي للتأنيثِ ثَمَ تبنى على ( فَعَالى ) وتبدلُ الياءُ مِنَ الأَلفِ نحو : حَبَالى وذَفارى ولم ينونوا ذِفرى
و ( فُعْلَى وفِعْلَى ) في هَذا البابِ سواءٌ وقالوا في ذِفْرَى : ذَفارٌ قَال : فقولُهم : ذَفارٌ يدلُّك أَنَّهُم جمعُوا هَذا البابَ على ( فَعَالٍ ) ثُمَّ قَلَبوا الياءَ أَلفاً وجاءَ على الأصلِ والفرقُ بينَ حُبْلَى والصُّغرى أَنَّ الصُّغْرَى فُعْلَى أَفعل مثلُ الأَصفرِ ولا تفارقها الألفُ واللامُ وحُبْلَى ليستْ كذلكَ فأشبهتْ ذِفْرَى وأَما فِعْلَى فهو مثلُ حُبْلَى إذا كسرتَهُ حذفَت الزيادةَ التي هي للتأنيثِ ثُمَّ بنيتَهُ على ( فَعَالى ) وأَبدلتَ مِنَ الياءِ الألفِ وفُعْلَى وفِعْلَى في هَذا البابِ سواءٌ
وقالوا في ذِفْرى : ذَفاَرٌ ولم ينونوا ذِفرى وما كانتِ الألفُ في آخرهِ للتأنيثِ فحكمهُ حكمُ ذِفْرَى تحذفُ الألفُ التي قبلَ الطرفِ نحو : صَحراءَ وصَحارَى وقالوا : صحارٍ فإنْ أردتَ أَدنى العددِ جمعتَ بالتاءِ
فقلتَ : صَحْراواتٌ وذِفْرَياتٌ وحُبْلَياتٌ وقالوا : أُنثى وإناثٌ ورُبَى ورُبابٌ
وأَما فَعِيلَةٌ : فما عدةُ حروفهِ أَربعةٌ وفيهِ هاءُ التأنيثِ حَذَفوا وكسروهُ على ( فَعائلَ )
ورُبَّما كسروهُ عَلَى ( فُعُلٍ ) ليسَ يمتنعُ شيءٌ مِنْ هَذا أَنْ يجمعَ بالتاءِ إِذَا أَردتَ ما يكونُ لأَقلِّ العددِ نحو : صَحيفةٍ وصَحائفَ وصُحُفٍ وقد يقولونَ : ثلاثُ صَحائفَ
فأَما فِعَالةٌ : فمثلُ فَعِيلةٍ نحو : عِمَامةٌ وعَمَائمُ
وأَمَّا فَعَالةٌ فنحو : حَمَامةٍ وحَمَائمَ
ودَجَاجةٍ ودَجَائجَ وفي التاءِ مثلُ ( فَعِيلةٍ ) ز
وأَمَّا فُعَالَةٌ : فمثلُ ما قبلَها نحو : ذُوابة وذَوَائبَ وليسَ ممتنعٌ شيءٌ من ذَا مِنَ الألفِ والتاءِ إِذَا أَردتَ أَدنى العددِ
واعلَم : أَنَ فَعِيلاً وفَعَالاً وفِعَالاً وفُعَالاً إذا كانَ شيءٌ منها يقعُ على الجميعِ ( فواحده ) يَكونُ على بنائِه وتلحقهُ هاءُ التأنيثِ مثلُ : دَجَاجةٍ ودَجَاجٍ وسَفِينةٌ وسَفَينٌ ومُرَارةٌ ( ومُرَارٌ ) ودَجَاجاتٌ وسَفِينَاتٌ ومُرَاراتٌ فأَمرها كأمرِ ما كانَ عليهِ ثلاثةُ أَحرفٍ من الجمعِ بالتاءِ وغيرِه وكذلكَ بناتُ الياءِ والواوِ فيهِ
وقالوا : دَجَائجُ وسَحَائبُ
وكُلُّ ما كانَ واحداً مذكراً على الجميعِ فإِنهُ بمنزلةِ ما كانَ على ثَلاثةِ أَحرفٍ مِنَ الجميعِ وغيرِه مما ذكَرنا كثرتْ حروفهُ أَو قلَّتْ : نحو : سَفَرجلةٍ وسَفَرجلٍ كما يقولونَ تَمْرةٌ وتَمْرٌ
باب ما كان من الأَسماء على أربعة أحرف من غير زيادة
اعلِم : أَنَّ ما كانَ من بناتِ الأربعةِ لا زيادةَ فيهِ فإِنهُ يكسرُ علَى مِثالِ ( مَفَاعلٍ ) نحو : ضَفَادعٍ وإِنء عنيتَ الأَقلَّ أَيضاً لا تجاوزهُ لأَنكَ لا تصلُ إلى التاءِ لأَنهُ مذكرٌ فإِنْ كانَ فيه حرفٌ رابعٌ زَائدٌ وهوَ حرفُ لينٍ كسرتُه علَى مثالِ ( مَفَاعيلٍ ) نحو : قِنديلٍ وقَنَاديل وكُلُّ شيءٍ من بناتِ الثلاثةِ أُلحقَ بزيادةٍ ببناتِ الأربعةِ وأُلحق ببنائِها فتكسرهُ أَيضاً على مَثَالِ مَفَاعِل والملحقُ بمنزلةِ الأَصلي وذلكَ نحو : جَدْولٍ وجَدَاول وأَجدلٍ وأَجادل ومما لم يُلحقْ بالأربعةِ وفيه زِيادةٌ وليستِ الزيادةُ بمدةٍ فتكسيرهُ على مِثالِ ( مَفَاعل ) أَيضاً نحو : تَنْضُبٍ وتَنَاضِب وكُلُّ شيءٍ مِنْ بناتِ الثلاثةِ قد أُلحقَ ببنات الأربعةِ فصارَ رابعهُ حرفَ مَدٍّ فهوَ بمنزلةِ ما كانَ من بناتِ الأربعةِ لَهُ رابعٌ حرفُ مَدٍّ كقُرطاطٍ وقَراطيطٍ وكذلكَ ما كانت فيهِ زائدةٌ ليستْ بمدةٍ ولا رابعه حرفُ مدٍّ ولم يبنَ بناءَ بناتِ الأَربعةِ التي رابعُها حَرْفُ مَدٍّ نحو : ( كَلوبٍ وكَلاليبَ ) ويَربوعٍ ويَرابيعَ وكُلُّ شيءٍ مما ذكرْنا كانت فيهِ هاءُ التأنيثِ فتكسيرهُ على ما ذكرْنا مِنَ الأربعةِ إِلاّ أَنَّكَ تجمعُ بالتاءِ إِذَا أردتَ أَدنى العددِ
واعلَم : أَنَّ الخماسي مِنَ الأسماءِ التي هيَ أُصولٌ لا يجوزُ تكسيرهُ فمتى استكرهوا حذَفوا منها وردوهُ إِلى الأربعةِ تقولُ في سَفَرجلٍ : سَفَارجُ فتحذفُ اللامَ وقالوا في فَرَزدقٍ : فَرَازِقُ حذفوا الدالَ لأَنَّها مِنْ مخرجِ التاءِ والتاءُ مِنْ حروفِ الزوائدِ والقياسُ أَنْ يقولوا : فرازدٌ وما جاءَ مِنَ الأسماءِ ملحقاً فاحذفْ بالخمسةِ مِنهَا الزوائدَ وردَّهُ إِلى الأربعةِ فإِنْ كَان فيه زائد ثانٍ أو أَكثرُ فأَنتَ بالخيارِ في حذفِ الزوائدِ حتى تردَّهُ إِلى مِثَالِ : ( مَفَاعِل ) ومَفَاعيل فإِنْ كانَ إِحدى الزوائدِ دخلتْ لمعنىً أًثبتَّ ما دخلَ لمعنىً وحذفتَ ما سواهُ وذلكَ نحو : مُقْعَنسس وهوَ ملحقٌ بمحرنجمٍ فالميمُ زائدةٌ والنونُ زائدةٌ والسينُ الأخيرةُ زائدةٌ فتقول : مَقَاعسُ وإنْ شئتَ : مَقَاعيسُ فتحذف النونَ والسينَ ولا تَحذفُ الميمَ لأنَّها أُدخلت لمعنَى اسمِ الفاعلِ وأنتَ بالتعويضِ بالخيارِ والتعويضُ أَنْ تلحقَ ياءً ساكنةَ بينَ الحرفينِ اللذينِ بعدَ الألفِ فإنْ كانتِ الزيادةُ رابعةَ فالتعويضُ لازمٌ كما ذَكرنا في قنديلٍ وقَنَاديل لا يجوز إلاّ التعويضُ
ورُبّما اضطر فزادَ الياءَ من غير تعويضٍ مِنْ شيءٍ كما قالوا
( نَفْيَ الدَّراهِمِ تَنْقَادُ الصَّيَاريفُ ... )
ذكر تكسير الصفةِ
بابُ الثلاثي منها
الأول : فَعْلٌ جاءَ فيهِ تسعةُ أَبنيةٍ : فِعَالٌ فَعُولٌ فَعْلٌ أَفْعَلٌ فَعِيلٌ أَفْعَالٌ فَعْلانُ فِعَلَةٌ فُعْلانٌ
فِعَالٌ : نحو صَعْبٍ وصِعَابْ ولا يكسرُ للقليلِ
وفُعُولٌ نحو : كَهْلٍ وكُهُولٍ وليسَ شيءٌ مِنْ هَذا إِذَا كانَ للآدميينَ يمتنعُ مِنَ الواوِ والنونِ وإِذَا أَلحقتَهُ الهاءَ للتأنيثِ كسرَ على ( فِعَالٍ ) نحو : عَبلةٍ وعِبَالٍ وليسَ شيءٌ مِنْ هذا يمتنعُ مِنَ التاءِ إِلا أَنك لا تحركُ الأوسطَ لأنهُ صفةٌ
وقالوا : شِياهٌ لَجَبات فحركوا ومِنَ العربِ مَنْ يقولُ : شَاةٌ لَجَبةٌ وقالوا : رِجالٌ رَبَعاتٌ لأَنَّ أَصلَ ( رَبَعةٍ ) اسمٌ مؤنثٌ وقعَ على المذكرِ والمؤنثِ وَقَد كسروا ( فَعْلاً ) على ( فُعْلٍ ) مثلُ كُثٍّ وكُثٍّ وكسروا ما استعملوا منهُ استعمالَ الأَسماءِ على ( أَفْعُلٍ ) نحو : عَبْدٍ وأَعْبُدٍ وقَالوا : عَبيدٌ كما قالوا : كَليبٌ وقالوا : شَيخٌ وأَشياخٌ وشِيخانٌ وشِيخَةٌ وقالوا : وَغْدٌ وَوِغدانٌ وَوُغَدانٌ ورُبَّما كسروا الصفةَ تكسيرَ الأسماءِ
الثاني : فَعَلٌ على ثلاثةِ أَبينةٍ : فِعَالٌ وفِعْلانٌ وأَفعَالٌ وذلكَ : حَسَنٌ
وحِسَانٌ عندَ البابِ وقالوا : خَلَقٌ وخِلْقانٌ وبَطَلٌ وأَبطَالٌ استغنوا بهِ عن ( فَعَالٍ ) فألحقتَهُ الهاءَ للتأنيثِ كسرَ أَيضاً على ( فِعَالٍ ) وليسَ شيءٌ مِنْ هَذا للآدميينَ يمتنعُ مِنَ الواوِ والنونِ
وما كانَ على ( أَفعالٍ ) نحو : أَبْطَالٍ فإِنَّ مؤنَّثهُ إِذا لحقتهُ الهاءُ جُمِعَ بالتاءِ نحو : بَطَلةٍ وبَطَلاتٍ مِنْ قِبلٍ أَن مذكرَهُ لَمْ يجمَع ( على فِعَالٍ ) فيكسرُ هُوَ عليهِ . ( فَعَلَةٌ ) كَما لا يجمعُ مؤنثُ ( فَعْلٍ ) علَى ( أَفْعُلٍ ) كما قالوا : رَجُلٌ صَنَعٌ وقَومٌ صَنَعُونَ ورَجُلٌ رَجَلٌ وقَومٌ رَجَلونَ والرَّجَلُ : هُوَ الرَّجِلٌ الشَّعَرٌ ولم يكسروهما
الثالثُ : فُعُلٌ : جاءَ على ( أَفعالٍ ) وهو في الصفاتِ قليلٌ وذلكَ قولُكَ : جَنُبٌ فَمَنْ جمعَ مِنَ العربِ قالَ : أَجْنَابٌ وإِنْ شئتَ قلتَ : جُنبُونَ وقالوا : رَجُلٌ شُلُلٌ ولا يجاوزونَ ( شُلُلوُنَ ) وَهوَ الخفيفُ في الحاجةِ
الرابعُ : فِعْلٌ : علَى ( أَفعالٍ ) و ( أَفْعُلٍ ) وذلكَ جِلْفٌ وأَجْلاَفٌ
وقالَ بعضَ العَربِ : أَجْلُفٌ
وقالوا : رَجُلٌ صِنْعٌ وقَومٌ صِنْعونَ وليسَ شيءٌ مما ذكرنا يمتنعُ مِنَ الواوِ والنونِ ومؤنثهُ إِذَا لحقتهُ الهاءُ بمنزلةِ مؤنث ما كسر على ( أَفعالٍ ) مِنْ بابِ ( فَعْلٍ ) يجمعُ بالألفِ والتاءِ وقالوا : عِلْجةٌ وعِلْجٌ
الخامس : فُعْلٌ : وأَفعالٌ يقولونَ : رَجُلٌ مُرٌّ وأَمرارٌ وَهوَ مثلُ ( فِعْلٍ ) في القلةِ ويقالُ : رَجُلُ حُلْوٌ وقَومٌ حُلْونَ وهوَ العظيمُ البطنِ
السادسُ : فَعُلٌ على أَفعالٍ : وذلكَ : يَقظٌ وأيقَاظٌ ونَجُدٌ وأَنجادٌ وبابهُ أَن يجمعَ بالواوِ والنونِ
السابعُ : فَعِل : جاءَ علَى ( أَفعالٍ ) وقالوا : نَكِدٌ وأَنكادٌ
فجميعُ الأَبنيةِ التي جاءَت مِنَ الثلاثي في الصفاتِ سبعةُ أَبنيةٍ
الأول : فَعْلٌ . وجاءَ فيهِ تسعةُ أبنيةٍ : فَعالٌ وفُعُولٌ وفُعْلٌ وأَفْعُلٌ وفَعِيلٌ وأَفعَالٌ وفِعْلانٌ وفِعَلةٌ وفُعْلانٌ
الثاني : فَعْلٌ وجاء فيه ثلاثة أبنية : فِعَالٌ وفُعَالٌ وأَفْعَالٌ
الثالث : فَعَلٌ : جاء على أفعال
الرابع : فَعْلٌ : جاء على أفعال وأَفْعُلٍ
الخامس : فَعُلٌ : جاء على أفعال
السادس : فَعَلٌ : جاء على أفعال
السابع : فِعْلٌ : جاء على أفعال
واعلَمْ : أَنَّ جميعَ هذهِ النعوتِ لا تمتنعُ من الواوِ والنونِ والألفِ والتاءِ لأَنَّها على الفعلِ تجري والأَسماءُ أَشدُّ تمكناً في التكسيرِ فمتى احتجتَ إلى تكسيرِ صفةٍ ولم تعلمْ أَنَّ العربَ كسرتَها فكسرها تكسيرَ الإسمِ الذي هُوَ علَى بنائِه لأَنَّها أَسماءٌ وإنْ كانت صفاتٍ
والضرورةُ تقعُ في الشعرِ فأَمَّا إِذَا احتجتَ إلى ذلكَ في الكلامِ فاجمعْ بالواوِ والنونِ والألفِ والتاءِ إِلاّ أَنْ تعلَم أَنَّ العربَ قد كسروا مِنْ ذلكَ شيئاً فتكسرْ عليهِ
باَبُ تكسيرِ ما كانَ في الصفاتِ عددُ حروفهِ أربعةُ أحرفٍ بالزيادةِ
تجيء الصفةُ في هَذا البابِ على تسعةِ أبنيةٍ : الأولُ : فَاعِلٌ : جاءَ علَى سبعةِ أَبنيةٍ : فَعَّلٌ وفُعَّالٌ وفُعْلَةٌ وفَعَلةٌ فيما اعتلت لامهُ
وفُعُلٌ وفُعَلاءُ وفَواعلُ
فأَما ( فُعَّلٌ ) فنحوه شَاهدٍ وشُهَّدٍ ومثلُهُ من بناتِ الياءِ والواوِ التي هنَّ عيناتُ : صَائِمٌ وصُوَّمٌ وغَائِبٌ وغُيَّبٌ وفي اللاماتِ : غَازٍ وغُزَّى
وأما ( فُعَّالٌ ) فنحو : جَاهِلٍ وجُهَّالٍ وشَاهِدٍ وشُهَّادٍ وهو كثيرٌ
وأَما فَعَلَةٌ فنحو : فَاسقٍ وفَسَقَةٍ وبَارٍّ وبَرَرَةٍ وهو كثيرٌ ومثلُه فيما اعتلتْ عينُهُ : كخائن وخَوَنةٍ وبائعٍ وَبَاعةٍ ويجيءُ نَظيرُهُ مِنْ بَناتِ الياءِ والواوِ والتي هيَ لامٌ على ( فُعَلَةٍ ) نحو : قاضٍ وقَضَاةٍ ورامِ ورُماَةٍ
وأَمَّا فُعُّلٌ : فَبازِلٌ وبُزُّلٌ وعَائطٌ وعُيُّطٌ وحَائلٌ وحُوّلٌ
وأَما ( فُعْلاءُ ) : فَعالمٌ وعُلَماءُ وصَالِحٌ وصُلَحاءُ وفُعُّلٌ وَفَعلاءُ في هَذا البابِ ليسَ بالقياسِ المتمكنِ وليسَ شيءٌ للآدميينَ يمتنعُ مِنَ الواوِ والنونِ وإِذَا أُلْحِقَتِ الهاءَ للتأنيثِ كسر على فَوَاعلَ : كضَاربةٍ وضَوَاربَ وكذلكَ إِنْ كانَ صفةً للمؤنثِ ولمْ يكنْ فيهِ هاءُ التأنيثِ : كحَائضٍ وَحَوَائض ويكسرونَهُ على ( فُعّلٍ ) نحو : حُيّضٍ وزَائرٍ وزُوّرٍ لا يمتنعُ
شيءُ فيهِ الهاءُ مِنْ هذهِ الصفاتِ مِنَ التاءِ وإنْ كانَ فَاعلٌ لغيرِ الآدميينَ كسرَ عَلَى ( فَوَاعلَ ) وإِنْ كانَ لمذكرٍ أَيضاً مثلَ : جِمَالٍ بَوَازلَ وقَد اضطرَّ الفرزدقُ فَقَال :
( وإِذَا الرجالُ رأَوا يزيدَ رأَيتَهم ... خُضُعَ الرقابِ نَوَاكسَ الأبصارِ )
فجعلَ الآدميينَ كغيرِهم
الثاني : فَعِيلٌ : يجيءُ تكسيرهُ على عَشَرةِ أَبنيةٍ : فُعَلاءُ . وفِعَالٌ
وأَفْعِلَةٌ في المضاعفِ وأَفْعِلاءُ في المُعتلِ . وفُعُلٌ
وفُعْلانٌ وفِعْلانٌ وأَفعَالٌ وفَعَائِلُ في المؤنثِ وفَعولُ وذلكَ نحو : فقيهٍ وفقهاء وقَالوا : لَئيمٌ ولِئَامٌ وما كانَ منهُ مضاعفاً كسرَ على ( فَعَالٍ ) : كشديدٍ وشِدَادٍ ونظيرُ فَعَلاءَ فيهِ أَفْعِلاء : كشديدٍ وأَشُدَّاءَ وقد يُكسّرونَ المضاعفَ على ( أَفْعِلةٍ ) نحو : شحيحٍ وأَشحَّةٍ ومتى كانَ من بناتِ الياء والواوِ فإنَّ نظيرَ فُعَلاءَ فيه : أَفْعِلاء : كغني وأَغْنياءَ وغَويٍّ وأِّغْوياءَ
استغنوا بهذَا عن ( فِعَالٍ ) وبالواوِ
والنونِ
وما كانَ مِن بناتِ الياءِ والواوِ وهي عيناتٌ كُسَر علَى ( فِعَالٍ ) نحو : طَويلٍ وطِوَالٍ وهو قليلٌ في الكلامِ وليسَ شيءٌ مِنْ هَذا للآدميينَ يمتنعُ مِنَ الواوِ والنونِ
وأَما فُعُلٌ فمثلُ نَذيرٍ ونُذُرٍ ومثلُه مِنْ بناتِ الياءِ : ثَنِيٌّ وثُنٍ وكانَ الأصلُ : ثنوّاً فوقعتْ الواوُ طرفاً قبلَها ضمةٌ فقلبتْ ياءً وكُسر ما قبلَها وهذَا يبينُ في موضِعه إِنْ شَاء اللُه
وقَد جاءَ ( فُعْلانٌ ) قالَ : ثَنِيٌّ وثُنْيَانٌ وجَاء فِعلانٌ قالوا : خَصِيٌّ وخِصْيَانُ و ( أَفْعَالٌ ) مثلُ : ( يتيمٍ وأَيتامٍ ) وقالوا : صَديقٌ وأصدقاءُ حيثُ استعملَ كما تستعملُ الأسماءُ نحو : نَصيبٍ وأَنصباءَ وإِذَا ألحقتَ الهاءَ ( فَعيلاً ) للتأنيثِ فالمؤنثُ يرافقُ المذكرَ مثلَ : صَبيحةٍ وصِبَاحٍ ويكسرُ علَى ( فَعَائِلَ ) وقد يستغنونَ على ( فَعَائِلَ ) بغيرِها نحو : صغيرٍ وصِغَارٍ وقالوا : خَليفةٌ وخَلائِفُ جاءوا بهِ على الأَصلِ وقالوا : خُلَفاءُ مِنْ أَجلِ أَنه لا يقعُ إِلاّ على مذكرٍ فصارَ مثلَ : ظريفٍ وظُرَفاءَ وأَما فُعُولٌ فَجاءَ في جمعِ ظَريفٍ : ظُرُوفٌ
وقالَ أَبو بكر : هو جمعهُ عندي علَى حَذفِ الزوائدِ كأَنهُ جمعُ ظُرَفاءَ
وقال الخليلُ : هو بمنزلةِ : مَذَاكيرَ إِذَا لم يكسر علَى ذَكَرٍ
فَقَد أُجريَ شيءٌ مِنْ فَعيلٍ مستوياً في المذكرِ والمؤنثِ شُبِّه بفُعُولٍ نحو : جَديدٍ وسَديسٍ وفَعيلٌ إِذَا كانَ بمعنى فَعُولٍ فهوَ في المذكرِ والمؤنثِ سواءٌ لا يجمعُ بالواوِ والنونِ ويكسرُ علَى فَعْلَى نحو : قَتيلٍ وقَتْلَى
وقالَ سيبويه : سمعنَا مَنْ يقولُ : قَتلاءٌ
الهاءُ تدخلُ في بابِ فَعيلٍ على ما كانَ مقدراً فيهِ قبلَ أَن يُفعلَ بهِ ذاكَ فإِذاَ فُعِلَ كانَ بغيرِ هاءٍ تقولُ : هذِه ذَبيحةُ فِلانٍ قَبلَ أَن تذبحَ فإِذَا ذَبحتْ قيلَ : شاةٌ ذبيحُ
الثالثُ : فُعُولٌ : ويجيءُ على : فُعُلٍ وفَعَائِلَ للمؤنثِ وفَعْلاءَ قالوا : صَبُورٌ وصُبُرٌ وفي المؤنثِ : عَجُوزٌ وعَجَائِزُ وليسَ شيءٌ مِنْ هَذا يجمعُ بالواوِ والنونِ كَما أَنَّ مؤنثَهُ لا يجمعُ بالتاءِ
وقالُوا للمذكرِ : جَزُورٌ وجَزَائرُ لمَّا لَم يكنْ مِنَ الآدميينَ شبهوهُ بالمؤنثِ وقالوا : رَجُلٌ وَدُودٌ وودودة شبهوهُ : بصديقٍ وصَديقةٍ وقالوا : امرأةٌ فَرُوقةٌ ومَلُولةٌ
الرابعُ : فَعالٌ : يجيءُ علَى ثَلاثةِ أَبنيةٍ : عَلَى فُعُلٍ وفُعْلٍ فيما اعتلتْ عينهُ وفَعْلاءَ وذلكَ نحو : صَناعٍ وصُنُعٍ وقالوا فيما اعتلت عينهُ : نَوارٌ ونُوُرٌ وجَوادٌ وَجُودٌ والهاءُ لا تدخلُ في مؤنثهِ وجاءَ : جَبَانٌ وجُبنَاءُ
الخامسُ : فِعَالٌ : جاءَ علَى ثلاثةِ أَبنيةٍ : فُعُلٌ فَعَائِلُ وفِعَالٌ
اعلَمْ : أَنَّ فِعَالاً بمنزلةِ : فَعَالٍ لا تدخلُ الهاءُ في مؤنثهِ وجمعَ علَى : فُعُلٍ نحو : نَاقةٍ دلاث وَدُلُثٍ وزعمَ الخليل : أَنَّ هِجَانَ للجماعةِ بمنزلةِ : ظِرافٍ وزعَم أبو الخطابِ : أَنَّ الشِّمالَ تجعلُ
جمعاً وقالوا : دِرْعٌ دِلاصٌ وأَدرعٌ دِلاصٌ لفظُ الجميعِ لفظُ الواحدِ وإنّما وقَع هَذا لأن ( فِعالَ وفَعولَ وفَعيلَ ) أَخواتٌ فالزيادةٌ مِنْ جميعهنَّ في موضعٍ واحدٍ
السادسُ : فَيْعِلٌ : وهذَا البناءُ لا يكونُ إلاّ في المعتلِّ فيجيءُ جمعهُ علَى : ( أَفعالٍ ) وأَفْعلاءَ وذلكَ نحو : مَيّتٍ وأَمواتٍ وحقهُ الواوُ والنونُ نحو : قيّمٍ وقَيمونَ ومثلُ أَمواتٍ : قَيْلٌ وأَقيالٌ والأصلُ : قيّلٌ فَخُفِّفَ وَلوْ لَم يكنْ ( فَيْعِلاً ) لِمَا جمعوا بالواوِ والنونِ فقالوا : قَيلونَ لأَنَّ ( فَعِيلَ ) التكسيرُ فيهِ أَكثرُ وفَيعِلَ الواوُ والنونُ فيهِ أَكثْرُ ويقولونَ للمؤنث أيضاً : أَمواتٌ وقالوا : هَيّنٌ وأهْونَاءُ
السابعُ : مَفْعَلٌ : يكسرْ عَلَى مَفَاعِلَ مَدْعَسٌ ومَدَاعِسُ
الثامنُ : مُفْعَلٌ ومُفْعَلٌ يجمعُ بالواوِ والنونِ والمؤنثُ بالتاءِ إلاّ أَنَّهم قَد قالوا : مُنكَرٌ ومَناكيرُ ومُوْسَرٌ ومَياسيرُ
وأَما مَفْعِلٌ الذي يكونُ للمؤنثِ ولا تدخلهُ الهاءُ فإنهُ يكسرُ نحو : مُطْفِلٍ ومَطَافِلَ وقَد قالوا علَى غيرِ القياسِ : مَطافِيلُ
التاسعُ : فُعَّلٌ يجمعُ بالواوِ والنونِ وذلكَ نحو : زُمَّلٍ وجُبَّاً يقالُ : رَجُلٌ جُبّاً إذَا كانَ ضعيفاً
بَابُ ما ألحقَ مِنْ بناتِ الثلاثةِ ببنَاتِ الأربعةِ مِنَ الصفاتِ
وهو يجيءُ علَى ثلاثةِ أَبنيةٍ علَى : فَعْوَلٍ وفَيْعَلٍ وأَفْعَلَ
والأولُ : فَعْوَلٌ : نحو : قَسْوَرٍ وقَسَاورَ وتَوْأَمٍ وتَوَائمَ أَجروهُ مجَرى : قَشْعَمٍ وقَشَاعِمَ
الثاني : فَيْعَلٌ : نحوَ : غيْلَمٍ وغَيَالمَ شبهوها : بِسَمْلَقٍ وسَمَالقَ ولا يمتنعانِ من الواوِ والنونِ أَعني : فعلول وفيعل إذا عنيتَ الآدميين والتاءِ إذا عنيتَ غيرَ الآدميينَ
الثالثُ : أَفعلٌ : إذَا كانَ صفةً كسرَ على : ( فُعْلٍ ) وفُعْلانٍ وذلكَ نحو : أَحمرَ وحُمْرٍ ولا يحركونَ العينَ إلاّ أَنْ يضطَر شاعرٌ وهو مما يكسرُ على ( فُعلانٍ ) نحو : حُمْرانٍ وسُوْدانٍ ويمْضانٍ
فالمؤنثُ من هذا يجمعُ على ( فُعْلٍ ) نحو : حَمْراءَ وحُمْرٍ وفي ( أَفعلَ ) إذا كانَ صفةً هَلْ
هو ملحقٌ أَم غيرُ ملحقٍ نظرٌ وسؤالٌ
قال : والحقيقةُ أَنهُ غيرُ ملحقٍ ولو كانَ ملحقاً لِما أُدغَم في مثلِ الأَصمِّ
وأَما الأَصغرُ والأَكبرُ فإنّهُ لا يوصفُ بهِ كَما يوصفُ بأحمَر ولا تفارقُه الألفُ واللامُ لا تقولُ : رَجُلٌ أَصغرُ
قالَ سيبويه : سمعَنا العربَ تقول : الأَصَاغرةُ كما تقول : القَشَاعمة وإنْ شئت قلتَ : الأَصغرونَ وقالوا الآخرونَ ولم يقولوا غيرهُ
بَابُ تكسيرِ مَا جاءَ مِنَ الصفةِ عَلَى أَكثرَ مِنْ أَربعةِ أَحْرفٍ
وهيَ تجيء علَى عشَرةِ أَبنيةٍ :
الأول : مِفْعَالٌ : ويجيءُ علَى : مَفَاعيلَ ولا تدخلُه الهاءُ ولا يجمعُ بالواوِ والنونِ نحو : مِهْذَارٍ ومَهَاذير ومِفْعَلٌ بمنزلتِه للمذكر والمؤنثِ كأَنه مقصور منه
الثاني : مِفْعيلٌ : تقولُ في مِحْضيرٍ : مَحَاضيرُ وقالوا : مِسْكينةٌ شبهتْ بفَقيرةٍ فأَدخلوا الهاءَ فيجوزُ على ذَا : مسكينونَ وقالوا أَيضاً : امرأة مِسكينٌ فَمَنْ قالَ هَذا لم يجزْ أن يجمَع بالواوِ والنونِ ومؤنثهُ بالألفِ والتاءِ لأَنَّ الهاءَ تدخلهُ
الرابعُ : فُعّالٌ : مثلُ ( فُعَّالٍ ) نحو : الحُسَّانِ وقالوا : عُوَّارٌ وعَوَاويرُ
الخامسُ : مَفْعُولٌ : مثلُه بالواوِ والنونِ وقالوا : مكسورٌ ومَكاسيرُ وَمَلْعُونٌ ومَلاَعينُ شبهوها بالأسماءِ
السادس : فُعُّيلٌ : نحو : زُمَّيلٍ وجمعهُ كَجمعِ : فُعَّلٍ بالواوِ والنونِ
السابعُ : فَعْلانُ إذا كانَ صفةً وكانَ لَهُ فَعْلَى كسرَ علَى ( فُعالٍ ) نحو : عَطْشَانَ وعُطاشٍ وقد يكسرُ علَى : فَعَالى وفِعَال نحو : سَكارى وكذلكَ المؤنثُ أيضاً
وجاءَ بعضهُ على ( فُعَالى ) نحو : سُكَارى ( ولا يُجمعُ فَعْلانُ بالواوِ والنونِ ولا مؤنثهُ بالتاءِ إلاَّ أَن يضطرَ شاعرٌ وقَد قَالوا فيما يلحقُ مؤنثَهُ الهاءُ كَما قالوا في هَذا لأنَّ آخَرَهُ ألف ونون زائدتان وذلكَ : نَدْمانةٌ ونَدمانٌ ونَدَامى وقالوا : خَمْصانةٌ وخَمصانٌ وخُمَاصٌ ومنهم مَنْ يقولُ : خَمَصانُ
وقد يكسرون ( فَعِلاً ) علَى : ( فَعالى ) لأنه يدخل ( فَعْلاَن ) فيعني به ما يعني ( بفَعْلانَ ) وذلكَ : رَجُلٌ عَجلٌ وسَكِرٌ وحَذِرٌ قالوا : حَذارَى وقالوا : رَجُلٌ رَجِلٌ ورَجالى وقالَ بعضهُم : رَجْلانُ ورَجْلَى وقالوا : رجالٌ كما قالوا : عِجَالٌ ويقالُ : شَاةٌ حَرْمى وشياهُ حِرامٌ وحَرَامى لأَنَّ ( فَعْلَى ) صفةٌ بمنزلةِ التي لَها فَعْلانُ
الثامن : فُعْلانٌ نحو : خُمْصانٍ وعُرْيانٍ يجمعُ بالواوِ والنونِ ولَمْ يقولوا في عُريْانٍ : عِرَاء ولا : عَرَايا استغنوا بُعَراةٍ
وعُراةٌ إنّما هُوَ جمعُ عَارٍ إلاَ أن المعنى واحدٌ في عُرْيان وعَارٍ
التاسعُ : فُعَلاءُ فهي بمنزلةِ فُعَلةٍ مِنَ الصفاتِ لأَنَّ الألفينِ للتأنيثِ نظيرُ الهاءِ وذلكَ : نُفَساءُ ونُفساواتٌ ونُفَاسٌ وليسَ شيءٌ مِنَ الصفاتِ آخرهُ علامة التأنيثِ يمتنعُ مِنَ الجمعِ بالتاءِ غيرُ : فَعْلاءَ أَفْعَل وفَعْلَى فَعْلاَن
العاشر : فَعْلاءُ : قَد ذكرنَا في بابِ ( أَفعلَ ) أَنَّها تجيءُ علَى ( فُعْلٍ ) نحو : حَمْراءَ وحُمْرٍ فالمذكرُ والمؤنثُ فيهِ سواءٌ كما كانَ في جمعِ فَعْلَى فَعْلانَ وقَالَ : بَطْحاواتٌ في جمعِ بَطْحَاءَ حيثُ استعملتْ كالأسماءِ وقالوا : بطحاءُ وبِطَاحٌ وبَرْقَاءُ وبِرَاقٌ
بَابُ ما كانَ مِنَ الأسماءِ عدةُ حروفهِ خمسةٌ وخامسهُ أَلفُ التأنيثِ أَو أَلفا التأنيثِ
فمَا كانَ على ( فُعَالى ) يجمعُ بالتاّءِ نحو : حُبَارَى وحُبَارياتٍ وما كانَ آخره ألفانِ على فَاعِلاءَ نحو : القَاصِعَاءِ فهو على : ( فَوَاعلَ ) تقولُ فيهِ : قَواصعُ شبهوا ( فَاعِلاَءَ ) بِفَاعلة وجعلوا أَلفي التأنيثِ بمنزلةِ الهاءِ وقالوا : خُنْفَساءُ وخَنَافسُ
بَابُ ما جُمعَ علَى المعنى لا علَى اللفظِ
قالَ الخليلُ : إنّما قالوا : مَرْضى وهَلْكى ومَوْتَى وجَرْبى لأَنَّ المعنى معنى : مفعولٍ وقَد قالوا : هُلاّكٌ وهالكون فجاءوا بهِ علَى الأصلِ وقالوا : مِراضٌ وسِقَامُ ولم يقولوا : سَقْمَى وقالوا : وجعٌ وقَوْم وَجْعَى ووجَاعتى وقالوا : قومٌ وجاعٌ كما قالوا : بعيرٌ جَرِبٌ وإبلٌ جِرَابٌ وقالوا : مَائِقٌ ومَوْقَى وأحْمقُ وحَمْقَى وأَنْوَكُ ونَوْكَى لأنهُ شيءٌ أصيبوا بهِ
وقالوا : أَهْوجُ وهُوجٌ على القياسِ وأَنوكُ ونُوْكٌ وقالوا : سَكْرَى كَمَرضَى وَرَوبَى : للذين اسثقلوا نَوماَ والواحدُ : رَائبٌ وقالوا : زَمِنٌ وزَمْنَى وضَمِنٌ وضَمْنى ورَهِيصٌ ورَهْصى
وحَسيرٌ وحَسْرَى وإنْ شئتَ قلتَ : زَمِنونَ وهَرِمونَ
وقالوا : أُسَارى مثل : كُسَالى وقالوا : وَجٍ
ووجْيَا بلا همزٍ وقالوا : سَاقطٌ وسَقْطَى مثلُه : وفَاسِدٌ وفَسْدَى وليسَ يجيءُ في كُلِّ هذَا على المعنى لم يقولوا : بَخْلَى ولا سَقْمَى
قالَ أبو العباس : لو قالوهُ جازَ . وقالوا : يَتَامى
قالَ سيبويه : وقالوا : عقيمٌ وعُقٌمٌ
وقال : لو قيلَ إنَها لم تجىءْ علَى ( فُعلَ ) لكانَ مذهباً يعني : أَنَّ بابَها أَن يقالَ عَقْمَى مثلُ : قَتيلٍ وقَتْلَى فصرفتْ عن بَابِها لأَنُّها بَلَيةٌ فأَكثر ما تجيءُ عَلَى فَعْلَى
باَبُ ما جاءَ بناءُ جمعهِ علَى غيرِ ما يكونُ في مثلهِ
فَمِنْ ذلكَ : رَهْطُ وأَرَاهطُ وبَاطلٌ وأَباطيلُ كأَنَّهم كسروا : أَرْهُطٌ وأَبْطالٌ ومِنْ ذلكَ : كُراعٌ وأَكارعُ وحديثٌ وأَحاديثُ وعَروضٌ وأَعاريضُ وقَطيعٌ وأَقاطيعُ لأَنَّ هذَا لو كسرتَهُ وعدةُ حروفِه أَربعةٌ بالزيادةِ التي فيها لكانت ( فَعَائلَ ) ولَم يكنْ في الأَول زيادة
ومِثل أَراهطَ أهلٌ وأَهَالٍ . ولَيلة ولَيالٍ كأَنهُ جمَع : أَهلاً وليلاً
وقالَ أبو العباس : ليلةٌ أصلها ( ليلاً ) فحذفت وزعمَ أَبو الخطاب : أَنَّهمْ يقولونَ : أَرضٌ وآراضٌ كما قالوا : أَهْلٌ وآهالٌ فهذَا على قياسهِ وقالَ بعضُهم : أَمْكُنٌ كأَنهُ جَمْعُ مُكْنٍ
وقالَ سيبويه : ومثلُ ذلكَ : تَوأَمٌ وتوائمُ كأنهم كسروهُ على ( تِئمٍ ) كما قالوا : ظِئْرٌ وظُؤارٌ وقالَ أبو العباس : توأَمٌ اسمٌ مِنْ أَسماءِ الجمعِ وفِعَالٌ لا يكونُ مِنْ أَبوابِ الجمعِ وكذلَك : رَجْلٌ ورِجَالٌ وقالَوا : كرَوانٌ
وللجمعِ : كِرْوَانٌ
وقالَ أبو العباس : كَرَوانٌ جمعْ : كِرْوَانٍ تحذفُ الزوائدَ وكذلكَ قالَ في أَمْكنٍ جَمعُ : مَكَانٍ
وقال سيبويه : إنما جُمِعَ ( كَرَوانُ ) على ( كَرىً ) وقالوا في مِثْلِ : ( أَطرِقْ كَرا إنَّ النعامَ في القرُى ومِثْلُ هذَا : حمارٌ وحَميرٌ وصَاحبٌ وأَصحابٌ وطَائِرٌ وأَطيارٌ
بَابُ ما هُوَ اسمٌ يقعُ علَى الجميعِ ولم يكسر عليهِ واحدهُ وهوَ مِنْ لفظهِ
وذلكَ نحو : رَكْبٍ وسَفْرٍ وطَائرٍ وطَيْرٍ وصَاحبٍ وصَحْبٍ أَلا تَرى أَنكَ تقولُ في التصغير : رُكَيبٌ وسُفَيرٌ ولو كانَ تكسيراً لردَّ إلى الواحدِ ومثلُ ذلكَ : أَديمٌ وأَدَمٌ وعَمُودٌ وعَمَدٌ وحَلْقَةٌ وحَلَقٌ وفَلْكَةٌ وفَلَكٌ ومِنْ ذلكَ : الجامَلُ والباقِرُ وأَخٌ وإخوةٌ وسَرِيٌّ وسَرَاةٌ مِنْ ذلكَ لو قالَ قائلٌ : شُبِّهَ ( فَعِيلٌ بفَاعِلٍ ) نحو : فَاسقٍ وفَسَقةٍ قيلَ لَهُ : مثالُ هذا في المعتلِّ إنَّما يجيءُ على ( فَعَلةٍ ) نحو : قَاضٍ وقَضَاةٍ و ( فَعَلةٌ ) ليسَ من جُموعِ المعتلِّ فلذلكَ لم يجعلْ جمعاً وصارَ في رَكْبٍ وسَفْرٍ وقالوا : فَارهُ وفُرْهَةٌ مثْل : صَاحبٍ وصُحْبَةٍ وغَائِبٍ وغَيَبٍ وخَادمٍ وَخَدَمٍ وإهَابٍ وأَهَبٍ ومَاعِزٍ وَمَعَزٍ وضَائنٍ وضَأَنٍ وعَازبٍ وعِزيبٍ وغاَزٍ وغَزِيٍّ
بَابُ جَمْعِ الجَمْعِ
أَما أبنيةُ أَدنى العددِ فيجمعُ على ( أَفَاعِل ) وأَفاعيلَ نحو : أَيدٍ وأَيادٍ وأَوطبٍ وأَواطبَ وأَفعالٌ بمنزلةِ إفعالٍ نحو : أَنعامٍ وأَناعيمٍ وقد جمعوا ( أَفْعلةً بالتاءِ )
قالوا : أَغطيةٌ وأَغطياتٌ وأَسقيةٌ وأَسقياتٌ وقالوا : أَسورةٌ وأَسَاورَةٌ وقالوا : جِمَالٌ وجَمَائلُ
وقالوا : جَمَالاتٌ وبُيوتاتٌ عملوا بفُعُولٍ ما عملوا بَفَعالٍ وكذلكَ ( فُعُلٌ ) قالوا : الحُمُراتُ بضم الميم
قالَ سيبويه : وليسَ كُلُّ جَمْعٍ يجمعُ
لم يقولوا : في جَمْعِ بَرٍّ أَبرارٌ وقالوا : في تَمْرٍ تُمْرَانٌ
وأَبوا العباس يُجيزُ : أَبرار في جمع بَرٍّ ويركنُ إلى القياسِ وقالوا في مُصْرانٍ : مَصَارينُ
وأَبياتٌ وأَباييت وبيوتٌ وبيُوتاتٌ وقالوا : عُوذٌ وعُوذاتٌ ودُورٌ ودُوراتٌ وحُشَّانٌ وحَشَاشينَ وكُلُّ بناءٍ مِنْ أَبنيةِ الجموعِ ليسَ علَى مثالِ ( مَفَاعِلَ ) ومَفَاعيلُ ( إذا اختلفتْ ضروبهُ فجمعُه
عندي جَائزٌ وقياسُه أَن ينظرَ إلى ما كانَ على بنائِه مِنَ الواحدِ أو على عدتِه فتكسرهُ علَى مِثَالِ تكسيرهِ
وقالَ سيبويه : مَنْ قالَ : أَقاويلُ وأَباييتُ في أَبياتٍ لا يقولُ : أَقوالانِ لا يثُني ( أَقوالاً ) وكذلكَ : البُسْرُ والتَّمْرُ إلاّ أَن تريدَ ضربينِ مُختلفينِ فهذَا يدلُّكَ علَى أَنَّ جمعَ الجَمْعِ يجيءُ علَى نوعينِ : فنوعٌ يرادُ بهِ التكثيرُ فَقَط ولا يرادُ بهِ ضروبٌ مختلفةٌ ونوعٌ يرادُ بهِ الضروبُ المختلفةٌ وهو الذي لا يمتنع منهُ جَمْعٌ قالوا : إبلانِ لأنَّهُ اسمٌ لم يكسر
وقالَ : لِقَاحانِ سَوداوانِ لأَنَّهم لم يقولوا : لِقَاحٌ واحدةٌ وهو في إبْلٍ أَقوى لأَنهُ لم يكسرْ
قالَ سيبويه : سأَلتُ الخليلَ عن : ثلاثةِ كلابٍ فَقالَ : يجوزُ في الشعر علَى ( من ) وإنْ نونتَ قلتَ : ثلاثةٌ كلابٌ
بَابُ ما لُفِظَ بهِ مثنىً كما لُفِظَ بالجمعِ
وهو أَن يكونَ كُلُّ واحدٍ بعضَ شيءٍ مفردٍ مِنْ صاحبهِ كقولِكَ : ما أَحسنَ رؤوسهمَا وزعمَ يونس أَنَّهم يقولونَ : غِلمانهما وإنّما هُما اثنانِ
وزَعم أَيضاً أَنَّهم يقولونَ : ضربتُ رأْسيهما وأَنهُ سَمع ذلكَ مِن رؤبةَ والبابُ ما جاءَ في القرآنِ قالَ الله عزَّ وجلَّ : ( إنْ تُتوبَا إلى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قَلُوبُكُمَا ) . ( والسَّارِقُ والسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْديَهُما )
بابُ مَا كاَن من الأعجميةِ على أَربعةِ أحرفٍ وقد أعربَ
جمعُ هَذا الضربِ على مثالِ مَفَاعل وزعَم الخليلُ : أنهم يلحقون جمعَهُ الهاءَ إلاّ قليلاً : كَمَوْزَجٍ ومَوازِجَةٍ وطَيْلسانٍ وَطَيالسةٍ وقَد قالوا : جَوارِبُ وكَيالجُ وقَد أَدخلوا الهاءَ أيضاً
وكذلكَ إذا كسرتَ الإسمَ وأَنت تريدُ : آلَ فلانٍ أَو جماعةَ الحي كالمَسامعةِ والمناذرة والمَهالبةِ وقَد قالوا : دَياسِمُ وهُنُّ ولدُ الذئبِ مِنَ الضبع
وقالوا : ولَدُ الكلبِ مِنَ الذئبةِ وقالوا البَرابرةُ
والسَيابجةُ فاجتمعَ فيهما الأَعجميةٌ والإِضافةُ
بَابُ التحقيرِ
التصغيرُ شيءٌ اجتزىءَ بهِ عن وصفِ الإسمِ بالصغرِ وبُني أَولهُ علَى الضمِّ وجُعلَ ثالثهُ ياءً ساكنةً قبلَها فتحةٌ ولا يجوزُ أن يصغرَ اسمٌ يكون على أقل من ثلاثة أَحرفٍ فإذا كانَ الإسمُ ثلاثياً فالإِعرابُ يقعُ على الحرفِ الذي بعدَ الياءِ نحو قولِكَ في حَجرٍ : حُجَيْرٌ فإنْ كان آخرهُ هاء التأنيثِ فلا بُدَّ مِنْ أَن ينفتحَ لها ما قبلها فإنْ جاوزَ الإسم الثلاثةَ بزائدٍ أَو غير زائدٍ فهوَ نظيرُ الجمعِ الذي يجيءُ على ( مَفَاعلَ ) ومَفَاعيلَ فالأَلفُ في الجمعِ نظيرهُ الياءُ في التصغيرِ وما بعدَها مكسورٌ كَما أَنَّ ما بعدَ الألفِ مكسورٌ إلاَّ أَنَّ أَولَ الجمعِ مفتوحٌ وأَولَ هَذا مضمومٌ وجميعُ التصغير يجيءُ على ثلاثةِ أَمثلةٍ عَلى مثالِ تصَغيرِ : فَلْسٍ ودِرهمٍ ودِينارٍ وتصغيرُها : فُليسُ ودُرَيهمٌ ودُنَيْنيرٌ وهذا الياءُ التي تجيءُ في مِثَالِ : دُنينيرْ وَمَا أَشبه تكونُ عوضاً لازماَ متى كانَ في الإسمِ زائدةٌ تابعةٌ كما وقعت في دينار وتكون غير ملازمة متى كان في الإسم زيادةٌ تابعةٌ كما وقعتْ في دينار وتكونُ غيرُ ملازمةٍ مَتى كان في الاسمِ زيادةٌ غيرُ تابعةٍ فحينئذٍ لَكَ فيهِ الخيارُ فياءُ التصغير زائدةٌ وياءُ التعويضِ زائدةٌ فالتصغيرُ إنّما يكونُ في الثلاثي وفيما كان عددهُ أَربعةَ أَحرفٍ بزيادةٍ أَو غيرِ زيادةٍ فإنْ تجاوزَ العددُ ذلكَ حُذفَ حتَى يُردَّ إلى هذا العددِ
والأسماء تنقسمُ ثلاثةَ أقسامٍ : اسم لا زيادةَ فيهِ ولا نَقْصَ واسم فيهِ
==
ج5. كتاب : الأصول في النحو أبي بكر محمد بن سهل بن السراج النحوي البغدادي
زيادةٌ واسم مَنْقوص
الأول : الإسمُ الذي لا زيادةَ فيهِ ولا نَقص وهذا الضَّربُ ينقسمُ ثلاثةَ أَقسامٍ : اسمٌ ثلاثي واسمٌ رُباعي واسمٌ خُماسي أَما الثلاثي : فينقسمُ أيضاً ثلاثةَ أَقسامٍ : اسمٌ صحيحٌ واسمٌ مضاعفٌ واسمٌ معتلٌّ
الأولُ مِنَ الثلاثي : أَمّا الصّحيحُ فعلَى ضربين : مذكرٌ ومؤنثٌ فالمذكر نَحو قولِكَ : رجلٌ ورُجَيلٌ وحَجَرٌ وحُجَيرٌ وجَمَلٌ وَجُمَيْلٌ وكَلْبٌ وكُلَيبٌ والمؤنثُ نحو : قَدمٍ وقِدْرٍ تقولُ : قُدَيْمَةٌ لأنّكَ تقولُ : قَدمٌ صغيرةٌ وقُدَيْرَةٌ لأَنَكَ تقولٌ : قَدْرٌ صغيرةٌ وفي عينٍ عُيَينَةٌ وأُذنٍ : أُذَيْنَةٌ
الثاني مِنَ الثلاثي : وهو المضاعفُ تقولُ في دَنٍّ : دُنينٌ وفي مَدٍّ : مُدُيدٌ يزولُ الإِدغامُ لتوسطِّ ياءِ التصغيرِ
الثالث مِنَ الثلاثي : وَهوَ المعتلُّ يجيءُ على ضربينِ فالضربُ الأولُ : ما كانتِ الألفُ بدلاً من عينهِ والضربُ الثاني : ما لامهُ ياءٌ أوْ واوٌ
ذكر تحقيرِ ما كانتِ الألفُ بَدلاً مِن عينهِ
حَقُّ هذَا الإسم إذَا صُغِّر أَن يردَّ إلى أصلهِ فإنْ كانتِ الأَلفُ منقلبةً مِنْ واو ردتِ الواوُ وإنْ كانت منقلبةً من ياءٍ ردت الياءُ تقولُ في نَابٍ نُييبٌ والنابُ مِنَ الإِبلِ كذلكَ لأنكَ تقولُ : أَنيابٌ وتقولُ في بَيتِ : بُيَيتٌ وفي شَيخٍ : شُيَيْخٌ هَذَا الأَحسنُ
ومنهم مَنْ يكْسرُ الأولَ فيقولُ : شِييخٌ وبِييتٌ وتقولُ في تصغيرِ سَيّدٍ : سُيَيْدٌ وَهوَ الأَحسنُ وإنْ حقرتَ رجلاً : اسمهُ : سارَ وغَابَ لقلتَ غُييبٌ وسُيَيرٌ لأنهما من الياء ولو حقّرت السّار وأنت تريد السائر : لقلت : سُوَيرٌ لأنها أَلفُ ( فَاعلٍ )
قَالَ سيبويه : وسألتُ الخليلَ عن : خَافٍ ومَالٍ يعني إذا قلتَ : رَجلٌ خَافٍ ورَجُلٌ مَالٌ فقالَ : خَاف يصلح أَن يكونَ ( فاعِلاً ) ذهبتْ عينهُ ويصلحُ أَنْ يكَون ( فَعِلاً ) لأَنهُ مِنْ فَعِلْتُ
يعني أَنَّ اسمَ الفاعل إذا كانَ ماضيهِ علَى ( فَعِلَ ) أَنهُ قَد يجيءُ هو أَيضاً على فَعِلٍ : نحو : حَذِرٍ فهو رَجلٌ حَذِرٌ وفَرِقٌ فَهوَ رجلٌ فَرِقٌ قالَ : وأَما مَالٌ فإنَّهم لم يقولوا ( مَائِلٌ )
قالَ وحدثني مَنْ أَثقُ بهِ : أَنهُ يقالُ : رَجُلٌ مَالٌ إذَا كَثُرَ مَالهُ وكَبشٌ صَافٌ إذا كثر صوفه ونعجةٌ صافةٌ قالَ : وإذا جاءَ اسمٌ نحو : النَّابِ لا تدري أَمِنَ الياءِ هو أَم مِنَ الواوِ
فاحملْهُ على الواوِ حتى يتبينَ لكَ لأَنَّها مبدلةٌ مِنَ الواوِ أكثرُ قال أبو العباس : إنما قلبتِ الألفُ يعني الأَلفَ التي لا يُدرى أصلُها إلى الواوِ للضمة التي قبلَها يعني في باب التصغير
قالَ سيبويه : ومِنَ العربِ مَنْ يقولُ في ناب : نُوَيبٌ فيجيءُ بالواوِ لأَنَّ هذه الألف يكثرُ إبدالُها مِنَ الواواتِ وهو غَلَطٌ منه وأَما المؤنثُ فتقولُ : في نُورةٍ : نُوَيرةٌ وفي جَوْزَة جُويزَةٌ
الضرب الثاني : ما لامهُ معتلةٌ مِنَ الثلاثي :
تقولُ في قَفَاً : قُفَيٌّ وفي فَتَى فُتَيٌّ وفي جروٍ : جُرَيٌ وفي ظَبْي : ظَبَيٌّ فيصير جميعُ ذلكَ إلى الياءِ
القسمُ الثاني : مما لا زيادة فيهِ وهو الرُّباعي :
وذلكَ نحو : جَعْفرٍ وسَلْهبٍ تقولُ : جُعَيفرٌ وَسُلَيْهَبٌ والتصغيرُ كالتكسيرِ
القسمُ الثالثُ : مِما لا زيادةَ فيهِ وهو الخماسي :
وذلكَ نحو : سَفَرجلٍ وفَرَزدقٍ تقولُ : سُفَيرجٌ وفُرَيزدٌ وقالَ بعضهم : فُرَيزقٌ لأنَّ الدالَ تشبهُ التاءَ والتاءُ من حروفِ الزيادةِ وكذلكَ خَدَرْنَقٌ : خُدَيْرِق فيمَن قَالَ : فُرَيزقٌ ومَنْ قالَ : فُرَيزدٌ قَال : خُدَيرنٌ ولا يجوزُ في ( جَحْمَرشٍ ) حذفُ الميم وإن كانت تزادُ لأنها رابعةٌ بعدَ ياءِ التحقير
وقالَ الخليلُ : لو كنتُ محقراً مثلَ هذهِ الأسماءِ لا أَحذفُ منها شيئاً لقلت : سُفيرجلٌ حَتى يصيرَ مثلَ : دُنَينيرٍ
الثاني مِنَ القسمةِ الأولى : وهو ما كانَ مِنَ الأسماءِ فيه زيادةٌ :
وهو علَى عشَرة أضربٍ :
الأول : المضاعفُ المدغمُ
الثاني : اسمٌ ثلاثي لحقتهُ الزيادةُ للتأنيثِ فصارَ بالزيادةِ أربعة أحرفٍ
الثالث : اسمٌ ثلاثي أُدخلَ عليهِ أيضاً التأنيثُ وما ضَارعَهما
الرابع : اسمٌ يحذفُ منهُ في التحقيرِ مِن بناتِ الثلاثةِ
الزيادةُ التي كسرتهُ للجميع لحذفتها
الخامس : اسمٌ يحذفُ منهُ الزوادُ من بناتِ الثلاثةِ مما أَولهُ أَلفُ الوصلِ
السادس : اسمٌ فيه زائدتانِ تكونُ فيه بالخيار أيُّهما شئتَ حذفتَ
السابع : اسمٌ مِنْ بناتِ الثلاثةِ تثبتُ زيادتهُ في التحقيرِ
الثامنُ : ما يحذفُ في التحقيرِ من زوائد بناتِ الأربعةِ
التاسع : ما أَولهُ أَلفُ الوصلِ وفيهِ زيادةُ من بناتِ الأربعةِ
العاشر : تحقيرُ الجَمْعِ
الأول : المضاعفُ المُدغم : تقولُ في مُدُقٍّ : مُدَيّقٌ وفي أصمٍّ : أُصَيّمٌ تجمعُ بينَ ساكنين كما فعلتَ في الجَمْعِ لأَنَّ هذهِ الياءَ نظيرةُ تلكَ الألفِ
الثاني تصغيرُ ما كانَ على ثلاثةِ أحرفٍ ولحقْتهُ الزيادةُ للتأنيثِ فصارَ بالزيادةِ أربعةَ أحرفٍ تقولُ في حٌبْلَى : حُبَيلَى وفي بُشْرَى : بُشَيرى وفي أُخرى : أُخَيرَى فلا تكسرُ ما قبلَ الألفِ كما لا تكسرُ ما قبلَ الهاءِ في طُلَيحةٍ وسُلِيمةٍ فإن جاءتِ الألفُ للإِلحاقِ قِلبتْ ياءً تقولُ في مِعْزَى : مُعَيزٌ وفي أَرْطَى : أُرَيطٌ وفيمن قالَ : عَلْقَى فَنونَ عُلَيقٌ وإذا كانتِ الألفُ خامسةٌ للتأنيثِ أو لغيرهِ حذفتْ تقولُ في : قَرْقَرى : قُرَيْقِرٌ وفي حَبَركىٍ : حُبَيرَكٌ
الثالث : اسم ثلاثي أُدخلَ عليهِ ألفا التأنيثِ وما ضَارعَهما تقولُ في حَمْراءَ : حُمَيراءُ فَلا تغير وكذلكَ ( فَعْلانُ الذي لَهُ ) ( فَعْلَى ) تقولُ في ( عَطْشَان ) وسَكْرانَ : عَطَيشانٌ وسُكَيْرانٌ لأنَّ مؤنَثهُ : عطشى وسَكرَى فأما ما كانَ آخرهُ كآخرِ ( فَعْلاَن ) الذي لَهُ فَعْلَى وعلى عدةِ حروفِه وإِنْ اختلفت
حركاتهُ ولم تكسرهُ للجمعِ حتى يصيرَ على مثالِ ( مَفَاعيلَ ) فتحقيرهُ كتحقيرِ ( عطشانَ وسَكْرَانِ ) فإنْ كانَ يكسرُ على مِثَالَ ( مَفاعيلَ ) كسرحان وسراحينَ فإنَّ تصغيرهُ : سُرَيحينٌ فأما ما كانَ على ثلاثةِ أحرف فلحقتهُ زائدتانِ فكانَ ممدوداً منصرفاً فإنهُ مثلُ ما هو بدلٌ مِنْ ياءٍ مِنْ نفسِ الحرف نحو : عِلْبَاء وحِرْبَاء تقول : عُلَيْبي وحُرَيبى
يحقرُ كما يحقرُ ما تظهرُ فيهِ الياءُ مِنْ نَفسِ الحرفِ وذلكَ نحو : دِرْحَاية ودُرَيحيةٌ ومَنْ صرفَ غَوغَاءَ قالَ : غُوَيغَى ومَنْ لم يصرفْ جعلَها كَعَوراءَ فقالَ : غُويغاءُ يا هَذا ومَنْ صرفَ قُوباءَ قالَ : قُوَيبَى ومَنْ لم يصرفْ قُوباءَ قالَ : قُوَيباءُ لأَنَّ تحقيرَ ما لحقتهُ ألفا التأنيثِ وكانَ علَى ثلاثةِ أحرفٍ حكمهُ حكمٌ واحدٌ كيفَ اختلفتْ حركاتهُ وكُلُّ اسم آخرهُ أَلفٌ ونونٌ يجيءُ على مثالِ ( مَفَاعِيلَ ) فتحقيرهُ كتحقيرِ : سَرحانَ تقولُ في سَرْحانَ : سُرَيحينُ وفي ضِبْعانَ : ضُبَيعينُ لأنكَ تقولُ : ضَبَاعينُ حُوْمانٌ : حُوَيمينٌ لأَنكَ تقولُ : حَوَامينُ وسُلطانٌ : سُلَيطينٌ لأَنكَ تقولُ : سَلاطينُ وفي فِرزانٍ : فُرَيزينٌ كقولهم : فَرَازينُ ومَنْ قالَ : فَرَازنةٌ قالَ أيضاً : فُرَيزينٌ لأنهُ جَاءَ مثلُ جَحَاجحة وزَنَادقةٍ وتقولُ في وَرَشانٍ وُرَيشينٌ لأَنكَ تقولُ : وَراشَين وأَما ظِربان فتقولُ : ظَرَيبانُ لأَنكَ تقولُ : ظَرَابيٌّ ولا تقولُ : ظَرابينُ فلا تأتي بالنونِ في جمعِ التكسيرِ كما لا تأتي بها في جمعِ سَكْرانَ إذا
قلتَ : سُكَارى وإذا جاءَ شَيءٌ على مِثالِ : سرْحان ولم تعلمِ العربُ كسرَتهُ في الجمع فتحقيرهُ كتحقيرِ سكرانَ تثبتُ الألفَ والنونَ في آخره كألفي التأنيثِ ولو سَمّيتَ رجلاً : سرحانَ
ثم حقرتهُ لقلتَ : سُرَيحينٌ لأنَّه يجمعُ جَمعَ الملحقِ في نكرتهِ وإذا جمعتِ العربُ شيئاً فَقَد كفَتكَ إِيَّاهُ
فأَمَّا عُثْمانُ فتصغيرهُ عُثَيمانٌ لأَنهُ لَم يكسرْ علَى عَثَامينَ ولاَ لَه أًصلٌ في النكرةِ يُكسرُ عليهِ
الرابع : ما يحذفُ في التحقير من بناتِ الثلاثةِ مِنَ الزيادات :
لأَنكَ لو كسرتَهُ للجمعِ حذفَتها تقولُ في مغتلم : مُغَيلمٌ : كقولِكَ : مَغالمُ وإنْ شِئْتَ عوضْت فقلتَ : مُغَيليمٌ العوضُ هُنَا غيرُ لازمٍ لأَنَّ الزيادةَ لم تَقَعْ رابعةً وفي جوالقَ : جُوَيليقٌ إذا أردتَ التعويضَ وفي مُقدّمٍ ومؤخّرٍ : مقيدمٌ ومؤيخرٌ تحذفُ الدالُ ولا تحذفُ الميمُ لأَنَّ الميمَ دخلتْ أولاً لمعنىً وإن شئتَ عوضَت فقلتَ : مُقَيديمٌ ومُؤَيخيرٌ
واعْلم : أنهُ لا يجوزُ أَنْ تقولَ : مُقَيدمٌ فتدعُ الدالُ على تَشديدِها لأَنهُ لا يكونُ الكلامُ مَقَادمُ مِنْ أَجلِ أَنهُ لا يجتمعُ ثلاثةُ أَحرفٍ مِنَ الأصولِ بعدَ أَلفِ الجمع وأَمَّا منطلقٌ فتقولُ فيهِ : مُطَيلقٌ ومُطَيليقٌ تحذفُ النونَ ولا تحذفُ الميمَ لأنَّها أَولٌ وتقولُ في : مُذَكّرٍ مُذَيكرٌ وكانَ الأصلُ مُذتكراً فقلبتِ التاءُ ذالاً من أَجلِ الدالِ ثم أُدغمتِ الذالُ في الدالِ وهذا يبينُ في موضعهِ إن شَاءَ الله
فإذَا حقرتَ حذفتَ الدالَ لأنَّها التاءُ في مفتعلٍ وظهرتِ الذالُ إذ لم
يكن ما تدغمُ فيهِ وإنْ شئتَ عوضْت فقلتَ : مُذَيكيرٌ وكَذا مستمعُ تقولُ : مُسَيمعٌ ومُسَيميعٌ وتقولُ في مُزْدان مزيّنٌ ومُزَيينٌ لأَنَّ أصلَ مُزدانٍ مُزْتانٌ وهو مُفْتعلٌ مِنَ الزَّينِ فأبدلتِ التاء دالاً فلما صغرت حذفَتها لأَنها زائدةٌ في حَشْوِ الإسمِ وتقولُ : مُحْمَرٌّ مُحَيمرٌ ومُحَيميرٌ وفي : مَحمَارٍ مُحَيميرٌ لا بُدَّ مِنَ التعويضِ وإِنَّما ألزمتَها العوضَ لأَنَّ فيها إذا حذفتَ الرّاء ألفاً رابعةَ في محمَارّ
وتقولُ في حَمَارّةٍ : حُمَيرّةٌ جمعَ بينَ ساكنينٍ لأَنكَ لو كسرتَ قلتَ : حَمَارٌّ وفي جُبُنَّةٍ جُبَينَّةٌ لأَنَّكَ لو كسرت قلت : جَبَانٌ وقد قالوا : جُبْنَةٌ فخَففوا
وتقولُ في مُغدودنٍ : مُغَيدينٌ فتحذفُ الدال الثانية لأَنهُ مُفْعُوعلٌ فالعينُ الثانيةُ هي المكررةُ الزائدةُ
هَذا القياسُ عندَ سيبويه
وإنْ حذفتَ الدالَ الأُولى فهوَ بمنزلةِ جُوَالق وتقولُ في خَفيددٍ : خُفَيدِدٌ وخُفَيديدٌ وغَدَودنٌ مثلُ ذلكَ وقَطَوطَى : قَطَيطٌ وقَطَيطيٌّ
ومُقْعَنسسٌ تحذفُ النونُ وإحدى السينين فتقولُ : مُقَيعسُ ومُقَيعيسٌ وأَما مُعْلَوّطٌ فليسَ إلاّ : مُعَيليطٌ وعَفَنْجَجٌ : عُفَيججٌ وعفُيجَيجٌ لأَنَّ النون بمنزلةِ واو غَدَودنٍ وياء خَفَيددٍ والجيمَ بمنزلةِ الدال
وَعَطَوّدٌ : عُطَيَّدٌ وعَطَيّيدٌ
وإنّما ثقلتِ الواوُ الملحقةُ كما ثقلت باء عَدَبّسٍ ونُونُ عَجَنَّسٍ عِثْوَلٌ : وعُثَيّلٌ لأَنَّهم يقولون : عَثَاولُ وعَثَاويلُ والواو ملحقةُ بمنزلةِ شينِ قِرْشِبٍّ واللامُ الزائدةُ بمنزلةِ الباءِ في قِرْشبٍّ فحذفتها كما حذفت الباءَ في : قَرَاشب
وأثبتوا ما هو بمنزلةِ الشين
وأَلَنْددٌ وَيَلندَدٌ واحدٌ تقولُ : أُلَيْدٌّ ولو سميتَ رجلاً بأَلْبَبَ
لقلتَ : أُلَيْبٌّ . ترده إلى القياس لأَنَّ ( أُلبباً ) شَاذٌ كحَيوةٍ
إذا حقرتَ حَيْوَة صَار مثل : حِذوةٍ وجميعُ هَذا قولُ سيبويه وإستبرقٌ : أُبيرقٌ وأُبَيريقٌ . وأَرَندجٌ وأُرَيدجٌ مثلُ أَلنددٍ
ولا تلحقُ الألفُ إلاّ بناتِ الثلاثةِ فتدعُ الزائدَ الأولَ وتحذفُ النونَ
وذُرَحْرَحٌ ذُرَيرحُ لأَنَّ الراءَ والحاءَ ضُوعفا كما ضَوعفت دَالُ مَهْددٍ : والدليلُ عَلى ذلكَ : ذُرّاحٌ وذُرَّوحٌ ومَنْ لغتهُ ذُرَحْرَحٌ يقولُ : ذَرَارِحٌ
وقالوا : جُلَعلعُ وجَلاَلِعُ
وزعمَ يونس : أَنَّهم يقولونَ : في صَمَحمحٌ صَمَامحُ فتقولُ عَلَى هَذا جُلَيلعٌ وإن شئتَ عوضَت فقلتُ : ذُرَيريحٌ
وزَعَم الخليل : أَنَّ ( مَرمَريسَ ) من المراسةِ فضاعفوا الميمَ والدالَ في أوّلِهِ وتحقيرهُ : مُرَيريسٌ لأنَّ الياءَ تصيرُ رابعةً فصارتِ الميمُ أَولى بالحذفِ مِنَ الراءِ لأَنَّ الميمَ إذا حذفت تبينَ في التحقير أَن أَصلُهُ من الثلاثةِ كأنَّكَ حقرتَ ( مرّاس ) ومُسَرولٌ مُسَيريلٌ ليسَ إلا ومساجدُ اسمُ رجل مُسَيجدٌ تحقيرُ مَسْجدٍ
الخامس : ما تحذفُ منهُ الزوائدُ مِن بناتِ الثلاثةِ :
مما أَوائله أَلفاتُ الوصلِ تقولُ في استضرابٍ تُضَيريبٌ حذفَت أَلفَ الوصلِ والسينَ لا بُدَّ من تحريكِ ما يليها ولم تحذف التاءَ لأَنهُ ليسَ في كلامِهم سِفْعَالْ وفيهِ التّجفافُ والتّبيانُ وتقولُ في افتقارٍ : فُتَيقيرٌ تحذفُ أَلفَ الوصلِ لتحركَ ما يَليها ولا تحذفُ التاءَ الزائدةَ إذا كانت ثانيةَ في بناتِ الثلاثةِ وكانَ الإسمُ عدةُ حروفِه خَمسةٌ رابعهنَّ حَرفُ لينٍ لم يحذفْ منهُ شَيءٌ في تكسيرِ الجمعِ ولا في تَصغيرٍ وإنمَا تحذفُ الزائدَ إذا زادَ على هذه العدةِ وخرجَ عن الوزنِ وانطلاقٌ قالَ سيبويه نُطَيليقٌ لأَنَّ الزيادةَ إذا كانت أَولاً في بناتِ الثلاثةِ وكانت على خمسةِ أحرفٍ فكانَ رابعهنَ
حرفُ لينٍ لم يحذفُ منهُ شيءٌ في التصغير ولا في الجمع كتِجفافٍ تجافيفَ
وقالَ أبو عثمان المازني : أقولُ في انطلاقٍ طُلَيقٌ طلُيَيقٌ لأَنَّه ليسَ في كلامِهم نِفْعَالٌ
قالَ أبو بكر : والذي أَذهبُ إليهِ قولُ سيبويهِ لأَنهُ إِنّما يحذفُ الزائدُ ضرورةً فإذا قدرَ على إثباتِه كان أَولى لئلا يلبسَ بغيرهِ مما لا زائدَ فيهِ فأَمَّا استفعالٌ فَلم يجزْ أَن تثبتَ السينَ والتاءَ فيهِ لأَنهُ ستةُ أحرفٍ كانَ حذفُ السينِ أَولى لأَنَّها ساكنةٌ ولأَنَّها إِذا حذفتْ بقي مِنَ الإسم مِثالٌ تكونُ عليهِ الأسماءُ فكانَتْ أَولى بالحذفِ وليسَ يلزمنا متى حذَفنا زائداً أن نبقَي الباقي عَلى مِثالٍ مَعروفٍ من الأسماءِ ولَو وجبَ هَذا لمَا جازَ أن تقولَ : في افتقار فَتيقيرٌ لأَنَّهُ ليسَ في الكلام ( فَتعالٌ ) ولا شيءَ مِنْ هَذا الضربِ وتقولُ في اشهِيبابٍ : شُهَيبيبٌ واغديدانٍ : غُدَيدينٌ تحذفُ الألفَ والياءَ
واقعنساسٌ تحذفُ الألف والنونَ وحذفُ النونِ أولى مِنْ السينِ واعلوّاطٌ وعُلَييّطٌ تحذفُ الألفَ والوَاو الأُولى لأَنَّها بمنزلةِ الياءِ في اغديدانٍ والواوُ المتحركةُ بمنزلة ما هُوَ من نفسِ الحرفِ لأَنَّهُ أَلحقَ الثلاثةَ بالأربعةِ
السادس : اسمٌ مِنَ الثلاثي :
فيهِ زائدتانِ تكونُ فيهِ بالخيارِ أيُّهما شئتَ حذفتَ تقولُ في قَلَنْسُوةٍ : قُلَيسيَة وحَبَنْطَى : حُبَيطٌ وحُبَينط لأَنها جمعياً دخلت للإِلحاق
وكُوَأْللٌ : وهو القصيرُ زيادةً كُؤَيللٌ وكُؤَيليلُ وكُوئيلٌ وكُوَيئيلُ وفي حُبَارى : حبيرى وحُبَيِّرٌ
قالَ أَبو بكر : والذي أَختارهُ إذا كانت إحدى الزائدتينِ علامةَ لشيءٍ لم تحذفِ العلامةُ إِلاّ أن يكونَ الزائدُ الآخرُ ملحقاً فإِن الملحقَ بمنزلةِ الأَصلي فأَرى أَن تُصغرُ حُبَيرى وتحذفَ الألفَ الأولى التي في حَشوِ الإسمِ وتترك أَلفُ التأنيث وكانَ أبو عمرو يقولُ : حُبَيرةٌ يجعلُ الهاءَ بدلاً مِنْ أَلفْ التأنيثِ وألمَا علانيةٌ وثُمانيةٌ فأَحسنهُ عُلَينيةٌ وثُمَينيةٌ لأَنَّ الياءَ في آخرِ الإسم أبداً بمنزلةِ ما هوَ مِن نفسِ الحرفِ لأَنها تلحِقُ بناءً ببناءٍ فياءُ ( عُفارية وقُرَاسية ) بمنزلةِ راءِ عُذافرةٍ وقَد قَالَ بعضَهم : عُفَيرِةٌ وثُمينةٌ شبهَها بألفِ حُبَارى وكذلكَ صَحَارى وأشباهُ ذلكَ فإن سميتَ رجلاً بمَهارى وصَحارى قلتَ : مُهَيرٌ وصُحَيرٌ قالَ سيبويه : وهوَ أَحسنُ لأنَّ هذه الألفَ لم تجيء للتأنيثِ إنّما أرادوا : مُهاريٌّ وصَحاريٌّ فحذَفوا وأَبدلوا وعَفَرناةٌ وعَفَرني غُفَيرنٌ وعُفيريةٌ لأَنَّهما زيدتا للإِلحاق العِرَضني ضَربٌ مِنَ السيرِ عُرَيضنٌ لأَنَّ النونَ ملحقةٌ والألفُ للتأنيثِ فثباتُ الملحقِ أَولى
وقَبائلُ اسمُ رَجُلٍ : قُبَيئلٌ وقَبَيئيلٌ
إذا عوضت وطَرحُ الألفِ أولى مِنَ الهمزةِ لأَنَّها بمنزلةِ جيمِ مَسَاجدَ
وهَمزةُ بُرَائلٍ وهذا قولُ الخليلِ وأَمَّا يونسُ فيقولُ : ( قُبَيّلٌ ) بحذفُ الهمزة
قالَ أبو بكر : فقولُ الخليلِ أحسنُ لأَنَّ حذفَ الساكنِ أَولى مِنْ حذفِ المتحركِ وبقاءُ الهمزةِ أدلُّ على المصغرِ وتقولُ في لُغَّيزَى : لُغَيغِيز تحذفُ الألفَ لأَنَّك لو حذفتَ الياءَ الرابعةَ لاحتجتَ إلى أَنْ تحذفَ الألفَ فتقولُ : لُغيغزٌ لأَنهُ يستوفي عدد الخمسة وكذلك اقْعِنساسُ : قُعَيسيسٌ تحذفُ النونَ وتتركُ الألفَ لأنك لو حذفتَ الألفَ لاحتجتَ إلى حذف النونِ فحذفُ ما يستغنى بحذفهِ وحدَه أولى مِنْ أن تخلّ بالإسمِ
وياء لُغَّيزَى ليست بياءِ تَصغيرٍ لأَنَّ ياءَ التصغيرِ لا تكونُ رابعةً فهي بمنزلةِ الألفِ في خُضَّارى وتَصغيرُ خَضَّارى كتصغيرِ لُغَّيزَى
وَبُركاءُ وجَلُولاءُ بُرَيكاءُ وجُلَيلاءُ ففرقوا بينَ هذهِ الألفِ التي للتأنيثِ وقبلَها أَلفٌ وبينَ الهاءِ التي للتأنيث لأَنَّ هذه لازمةٌ والهاءُ غير لازمة وتقولُ في : عِبْدّى عُبَيْدٌ تحذفُ الألفَ ولا تحذفُ الدال وفي مَعْلوجاء ومَعْيُوراء : مُعَيليجاء ومُعَييراءُ تلزمُ العوضَ لأنَّ الواوَ رابعةٌ قالَ سيبويه : لَو جاءَ في الكلام فَعُولاءَ ممدوداَ لم تحذفِ الوَاو في
قولِ مَنْ قالَ في أَسودٍ : أُسَيودٌ فأمّا من قال في سيد : أسيدٌ وفي جَدولٍ جُدَيّلٌ فإنهُ يلزمهُ أن يحذفَ فيقولُ : فُعَيلاءُ لأَنَّهُ غيرُ الحرفِ الملحقِ فصارَ بمنزلةِ الزائدِ في ( بَرُكاءَ ) ويحقرُ : ظَرِفينَ وظَرِيفاتٍ ظَرِيفونَ وظَرِيفاتٌ
وقالَ سيبويه : سألتُ يونس عن تحقيرِ ثلاثينَ فقالَ : ثُليثونَ ولم يثقلْ شَبهوها بواوِ جَلْولاءَ لأَنَّ ثلاثاً لا تستعملُ مفردةً وهي بمنزلةِ عشرينَ لا تفردُ عِشراً
ولو سميتَ رَجلاً جِدَارين ثُمَ حقرتَ لقلتَ : جَدَيرينُ ولم تثقلْ لأنك لستَ تريدَ معنى التثنية فإِنْ أَردتْ معنى التثنيةِ ثقلتَ وكذلكَ لو سميتَهُ بدَجاجاتٍ وظَرِيفينَ ثقلتَ في التحقيرِ لأنَّ تحقيرَ ما كانَ من شيئين كتحقيرِ المضاف فدجاجةُ كدَرابَ جِردَ ودجاجتينِ كدَرابَ جِرْدينِ
السابع : كُلُّ اسمٍ من بناتِ الثلاثةِ تثبتُ فيه زيادتهُ في التحقيرِ :
وذلكَ قولُكَ في تِجفافٍ : تُجيفيفٌ وإصليتٌ : أُصَيليت
ويربوعٌ : يربيع لأَنَّها تثبتُ في الجمع وعَفريتٌ : عُفَيريتٌ ومَلكوتٌ : مُلَيكيتٌ لقولهم : مَلاكيتُ وكذلك : رَعْشُنٌ لقولَك : رَعَاشنٌ وَسَنْبَتَةٌ لقولِهم : سُنَابتٌ والدليلُ علَى زيادة التاءِ قولُهم : سَنْبةٌ
وقَرْنوةٌ تصغرُ : قُرَينيةٌ لأَنَّك لو جمعتَ قلتَ : قَرانٌ
وبَرْدَرايا وحوْلايا بُرَيدرٌ وحُويليٌ لأنَّ الياء ليستْ للتأنيثِ وهي كياءِ دِرْحايةٍ
الثامنُ : ما يحذفُ مِنْ زوائد بناتِ الأربعةِ كَما تحذفُها في الجمع :
تقولُ في قَمَحدوةٍ قُمَيحدةٌ لقولِهم : قَمَاحدُ وسُلحفاةٌ سُلَيحفةٌ لسلاَحفَ وفي مَنجنيقٍ مُجَينيقٌ لِمَجانيقَ وعنكبوتُ : عُنَيكبٌ وعُنَيكيبٌ لعَناكبَ وعَنَاكيبَ
وتَخربوتُ تُخَيربٌ وتُخَيريبٌ تعوضُ وإن شئتَ فعلتَ ذلكَ بقَمحدوةٍ وسُلَحفاةٍ ونحوهما
عَيْطَمُوس : عُطَيْميسٌ لقولِهم : عَطَاميسُ وعَيْضَموز : عَضَيميزٌ لأَنَّك لو كسرتَ
قلتَ : عَضاميزُ وحَجَنفلٌ حُجَيفلٌ وحُجَيفيلٌ النونُ زائدةٌ وكذلك عَجَنَّسُ وعَدَبَّسُ ضاعفوا كَما ضاعفوا ميمَ مُحمّدِ وكذلكَ قِرشَبٌّ ضاعفوا الباءَ كما ضاعفوا دَالَ معَدٍّ وكَنهور لا تحذفُ واوهُ لأَنَّها رابعةُ فيما عدتهُ خمسةُ أحرفٍ
وعَنْتَريسٌ عُتَيريسٌ والنونُ زَائدةٌ لأَنَّ العَتْرَسةَ الشدةُ والعَنتريسَ الشديدُ وخَنْشَليلٌ خُنَيشيلٌ تحذفُ إحدى اللامين زائدةٌ لأَنَّها زائدةٌ يدلُّكَ على ذلك التضعيف والنونُ من نفس الحرفِ حتَى يتبينَ لك سوى ذلك ومنجنونٌ مُنَيجِينٌ وطُمَأنينةٌ طُمَيئينةٌ تحذفُ إحدى النونين لأَنَّها زائدةٌ
وفي قشعريرةٍ قُشَيعرةٌ وقِنْدَأَوٌ إنْ شئتَ حذفتَ الواو كما حذفَت ألفَ حَبَركى وإن شئتَ النونَ وإبراهيم بُرَيهيم وقَد غَلط في هذا سيبويه لأنَّه حذَفَ الهمزة فجلعَها زائدةً ومِنْ أصولهِ أنَّ الزوائدَ لا تلحقُ ذواتِ الأربعةِ مِنْ أوائِلها إلاّ الأسماءَ الجاريةَ على أَفعالِها ويلزمهُ أن يصغر إبراهيم : أُبيريةٌ ويصغِّر اسماعيلَ : سُمَيعيلٌ وقالَ : تحذفُ الألفُ حتَى تجيءَ عَلى مِثَالِ : فُعَيعيلٍ ومُجرفسٌ جُرَيفسٌ وجُرَيفيسٌ ولَو لم يحذِف الميم لم يجيء التحقيرُ على مِثَالِ : فُعَيعلٍ وفعيعيلٍ ومُقْشَعِرٌ ومُطْمَئنٌ تحذفُ الميمَ وأَحَد الحرفين المضاعفين
فتقولُ : قُشَيعيرٌ وطُمَيْئين وخَورنقٌ مثل : فَدَوكسٍ وبَرْدَرايا بُرَيدرٌ تحذفُ الزوائدَ حتَى تصيرَ على مثالِ ( فُعَيعلٍ ) وإنْ عوضتَ قلتَ : بُرَيديرٌ وحُويَليٌّ لأَنَّ الياءَ فيهما ليستْ للتأنيثِ ولكنها بمنزلةِ ياء دِرْحايةٍ
التاسع : تحقيرُ ما أَولهُ أَلفُ الوصِل وفيهِ زيادةٌ مِنْ بناتِ الأربعةِ :
وذلكَ احرنجامٌ تقولُ : حُرَيجيمٌ تحذفُ الألفَ والنون حتى يصيرَ ما بقيَ علَى مثالِ : فُعَيعيلٍ ومثلهُ الإطمئنانُ والإسلنقاء
العاشرُ : ما كُسِّر عليهِ الواحدُ للجمعِ :
كُلُّ بناءٍ لأَدنى العددِ فتحقيرهُ جائزٌ وهو علَى أربعةِ أَبنيةٍ : أَفْعُلٌ وأَفعالٌ وأَفْعلةٌ وفِعْلَةٌ وذلكَ قولُه في أَكلبٍ : أَكيلبٌ وفي أَجمالٍ : أُجَيْمالٌ وفي أَجربةٍ أُجَيربَةٌ وفي غِلْمَةٍ : غُليمةٌ وفي وُلَيدةٌ : وَلَيدةٌ فإنْ حقرتَ ما بنيَ للكثيرِ وددته إلى بناءِ أَقلِّ العددِ تقولُ في تصغيرِ : دُورٍ أُدَيرٌ تردُّءْ إلى أَدنى العددِ فإنْ لم تفعلْ تحقرها على الواحِدِ وأَلحقْ تاءَ الجمعِ فإنْ حقرتَ مَرَابدَ وقَنَاديلَ قلتَ : قُنَيديلاتٌ ومُرَيبداتٌ ودَراهمُ دُرَيهمات وفِتيانٌ وفُتَيَّة تردهُ إلى فِتيةٍ وإنْ شئتَ قلتُ : فُتَيَّونَ والواوُ والنونُ بمنزلة الألفِ والتاءِ وفُقراءُ فُقَيرونُ فإنْ كانَ الإسمُ قد كسِّر علَى واحدِه المستعملِ في الكلامِ فتحقيرهُ على واحدِه المستعملِ تقولُ في ظروفٍ جَمعُ ظريفٍ : ظُرَيفون وفي السُّمَحاءِ : سَمَيحونَ وفي شُعراءَ شُوَيعرونَ تردهُ إلى سَمَحٍ وظَريفٍ وشَاعرٍ فإِذَا جاءَ جمعٌ لم يستعملْ واحدهُ حقِّرَ على القياسِ نحو : عَبَاديد تقولُ : عُبَيديدونَ لأنَّهُ جمعُ
فُعْلولٍ أَو فِعْلالٍ أو فِعْليلٍ فكيفَ كانَ فهذَا تحقيرهُ
وزعمَ يونس : أَنَّ مِنَ العربِ مَنْ يقولُ : سُرَييلاتٌ في تصغيرِ سَراويلٍ يجمعهُ جمعاَ بمنزلةِ : دَخَاريضَ ودَخْرُضةٍ وتقولُ في جُلوسٍ وقُعودٍ : جُوَيلسونَ وقُويعدونَ فأَما ما كانَ اسماً للجمعِ وليسَ من لفظٍ واحدٍ مكسراً فإنّهُ يحقرُ على لفظهِ لأَنهُ اسم للجمعِ كالإسمِ الواحدِ وذلكَ نحو : قومٍ يحقرُ قُوَيمٌ ورَجُلٌ رُجَيلٌ لأَنهُ غير مُكسرٍ وكذلكَ النفرُ والرَّهط والنسوةُ والصحبةُ فإنْ كسرتَ شيئاً مِنْ هذا لأَدنى العددِ حقرتَهُ بعدَ التكسيرِ نحو : أَقوام أُقيامٌ وأَنفارٍ تقولُ : أُنَيفارٌ والأَراهطُ رُهَيطونَ
قالَ أبو عثمان المازني : قالَ الأَصمعي : بنَاتُ رَهطٍ وأَرْاهطٍ وأَراهط فَعَلى هذا تقولُ : أُرَيهطٌ وأَما قولهُ :
( قَدْ شَرِبتُ الأَدُهَيْدَ هِينا ... )
فكأَنهُ حقَّر دَهادِه فردهُ إلى الواحدِ وأَدخلَ الياءَ والنونَ للضرورةِ كمَا يدخلُ في أرضينَ والدّهداه : حاشيةُ الإِبلِ وإذَا حقرتَ السنينَ قلتَ : سُنَيَّاتٌ لأَنكَ قد رددتَ ما ذهبَ وأَرضونَ أُرَيضاتٌ لأَنكَ قد غيرتَ البناءَ وإن كانَ اسمُ امرأةٍ قلتَ : أُرَيضونَ وكذلكَ سِنونَ لا تردُّ إلى الواحدِ لأَنكَ لا تريدُ جمعاَ تحقرهُ وإذا حقرتَ سَنينَ اسمَ امرأةٍ في قولِ
مَنْ قالَ : سنينَ قلتَ : سُنَيّنٌ على قولِهِ في يَضَع : يُضَيّعٌ لا تحتاجُ إلى أَنْ تردَّ لأَنهُ على مِثالِ المصغراتِ مِنْ فَعَيلٍ وفَعَيعِلٍ فَمن قال : سِنُونَ قالَ : سُنَيُّونَ فلم يكن بُدٌّ مِنَ الردِّ لأَنَّ الواوَ والنونَ ليستا من الإسم المصغرِ
وقالَ سيبويه : تقولُ في أَفعَالٍ اسم رجلٍ أُفَيْعالٌ فرقوا بينها وبينَ إفْعالٍ
الثالثُ : مِنَ القسمةِ الأُولى وهو الإسمُ المنقوصُ :
وهَو على سبعةِ أَضربٍ :
الأولُ : ما ذهبتْ فاؤهُ مِنْ بناتِ الحرفينِ
الثاني : ما ذهبتْ عينهُ
الثالثُ : ما ذهبتْ لامهُ
الرابع : ما ذهبتْ لامهُ وكانَ أَولهُ أَلفَ الوصلِ
الخامسُ : ما كانَ فيهِ تاءُ التأنيثِ
السادسُ : ما حُذفَ منهُ ولا يردُّ في التحقيرِ
السابعُ : الأَسماءُ المبهمةُ
الأولُ : ما ذهبتْ فاؤهُ من بناتِ الحرفينِ :
مِنْ حقِّ هَذا البابِ أَن تردَّ الإسمَ فيه إلى أَصلهِ حتَى يصيرَ على مثالِ فُعَيلٍ نحو : عِدةٍ وَزِنة تقولُ : وُعَيدةٌ وَوُزَينةٌ ووُشَيةٌ
ويجوز أُعَيدةٌ وأُشَيةٌ وَكُلٌ إذا سميتَ بهِ قلتَ : أُكَيلٌ وخُذْ أُخَيْذٌ
الثاني : ما ذهبتْ عينهُ :
وذلكَ مُذْ يدلُّكَ علَى ذهابِ العينِ مُنذُ وتحقيرُه مُنَيذٌ وسَلْ هُو مِن سَأَلتُ وتحقيرهُ سُؤَيلٌ ومَنْ قالَ : سَالَ يسالُ فَلَم يهمزْ قالَ : سُوَيلٌ ويحقرُ سَهُ سُتَيهةٌ
الثالثُ : ما ذهب لامهُ :
نَحو : دَم تقولُ : دُمَيٌّ يدلُّكَ عليهِ دِمَاءٌ ويَدٍ يُدَيةٌ يدلُّكَ عَليهِ أَيدٍ وشَفَةٍ شُفَيهةٌ يدلُّكَ شِفاةٌ شَافهتُ وحِرٍ حُرَيحٌ يدلُّكَ أَحراحٌ ومَنْ قالَ في سَنَةٍ سَانيتٌ
قالَ : سُنَيةٌ ومَنْ قالَ : سَانهتُ قالَ : سُنْيهةٌ
ومنهم مَنْ يقولُ في عِضَةٍ عُضيهةٌ مِنَ العِضاه ومنهم مَنْ يقولُ عُضَيّةٌ مِنْ عَضَّيتُ وعلَى ذلكَ قالوا : عِضَواتٌ وتقول في فُلٍ : فُلَينٌ دليلهُ فلانٌ وَرُبُ مخففةٌ تحقيرُها رُبَيبٌ تدلُ رُبَّ الثقيلةُ عليهَما
وكذلكَ بخٍ يدلُكَ عليهَا ( بَخٍّ ) الثقيلةُ . وكُلَّ هَذا يبنى إذا سمَى بهِ
قالَ سيبويه : وأَظن قَطْ كذلكَ لأَنَّ معناهاَ انقطاعُ الأمرِ وفَمٌ فُوَيهٌ يدلُّ عليَهِ : أَفواهُ وَذِه ذُيَيّةٌ لو كانت امرأةً لأَنَّ الهاءَ في ذِه بدلٌ مِنْ ياءٍ فتذهبُ هذِه الهاءُ كما ذَهبتْ ميمُ ( فمٍ ) وإذَا خففتَ ( إنَّ ) ثم حقرتها رددتَ وأَما ( إن ) الجزاءِ ( وأَنْ ) التي تنصبُ الفعلَ و ( إنِ ) التي في معنى مَا و ( إنْ ) التي تُلغى في قولِكَ ما إنْ تفعلُ وعَنْ تقول : عُنَيُّ وأُنَيُّ وليسَ
على نقصانِها دليلٌ مَا هو فحملَ على الأكثرِ وهو الياءُ أَلا تَرى أَنَّ ابناً واسماً ويداً وما أَشبه إنَّما نقصانهُ الياءُ وجميعُ هَذا قولُ سيبويه
الرابع : ما ذهبت لامهُ وكانتْ أَولهُ أَلفاً موصولةَ :
تقولُ في اسمٍ سُمَيٌّ ويدلُّ أَسماءُ وابنٍ بُنَيٌّ يدلُّ أَبناءٌ وأستٍ : سُتَيهةٌ ويدلُ أَستاهٌ
الخامس : تحقيرُ ما كانَ مِنْ ذلكَ فيهِ تاءُ التأنيثِ :
اعلم : أَنهم يردونهُ إلى الأصلِ ويأتونَ بالهاءِ فيقولونَ في أُختٍ : أَخَيةٌ
وفي بِنتٍ : بُنَيةٌ وذَيْتٍ : ذُيَيُّةٌ وهَنْتٍ : هُنَيةٌ ومِنَ العربِ مَنْ يقولُ في ( هَنْتٍ ) : هُنَيهةٌ يجعلُ الهاءَ بدلاً مِنَ التاءِ في ( هنْتٍ ) ولو سميتَ امرأةً : ( بِضَرَبَتْ ) ثُمَ حقرتَ لقلتَ : ضُرَيبةٌ تجعلُ الهاءَ بدلاً من التاءِ
السادسُ : ما حذفَ منهُ ولا يردُّ في التحقيرِ ما حذفَ منهُ :
وذلكَ من قبلِ أَنَّ ما بقيَ منهُ لا يخرجُ عن أَمثلةِ التحقيرِ مِنْ ذلكَ مَيتٌ : مُيَيتٌ والأصلُ مَيّتٌ وهَارٍ : هُوَيرٌ والأَصلُ هَائرٌ
وزعمَ يونس : أَنَّ ناساً يقولونَ : هُوَيئرٌ فهؤلاءِ لم يحقروا هاراً وإنّما حقَروا هَائراً كما قالوا : أُبَيَنونَ كأَنّهم حقروا أَبْنَى ومُرٍّ وَيُرِى إذَا سُميَ بهما مُرَيٌّ ويُرَىٌّ ولا يقاسُ علَى ( هُويئَرٍ )
قالَ سيبويه : فأمَا يونس فحدثني أَنَّ أَبا عمرو كانَ يقول في : ( يُرى )
يريئيٌ يهمزُ ويجرُّ وهذَا ردهُ إلى الأصلِ وتصغيرُ يَضَعُ : يَضَيْعُ علَى مذهبِ سيبويه وكانَ أَبو عثمان يَرى الردَّ فيقولُ : يُوضَعٌ ومُرَئينٌ وهو أَجودُ عندُه لأَنها عينٌ ويقولُ في خَيرٍ مِنَكَ : خُييرٌ منكَ وشُترَيرٌ منكَ لا تردُّ الزيادةُ
السابعُ : الأَسماءُ المبهمةُ :
اعلَم : أَنَّ التحقيرَ يضمُ أَوائلَ الأسماءَ غيرَ هذِه فإنَّ أَوائلَها تتركُ علَى حالِها تقول في هَذا : هذَيَّا وذاكَ ذَيّاكَ وأُلا أُلَيَّا
وأَلحقوا هذه الألفَ الزائدةَ أواخرَها لتخالفَ أواخرَ غيرِها كما خالفتْ أَوائلَها قال : هَذا قولُ الخليلِ
قالَ سيبويه : قلتُ فَما بالُ ياءِ التصغيرِ فيهِ ثانيةً قالَ هي في الأصلِ ثالثةٌ ولكنّهم حذفوا الياءَ حينَ اجتمعتِ الياءاتُ
وإنّما حذفُوها من ذَييَّا فَأَما تَيّا فتحقيرُ تَا لأَنهم قد استعملوا ( تَا ) مفردةً ومَنْ مَدَّ أُلاءِ يقولُ أُليَّاء
والذي تقولُ : ( اللَّذَيَّا ) والتي : اللتَيَّا وإذَا ثنيتَ أَو جمعتَ حذفتَ هذِه الألفاتِ تقولُ : اللَّذيّونَ واللتَياتُ والتثنيةُ اللَّذَيَّانِ واللَّتَيّانِ وذَيانِ ولا تحقرُ ( مَنْ ) ولاَ ( أَي ) إذا صارا بمنزلةِ الذي استغنى عنَهما بتحقيرِ ( الذي ) ولا تحقرُ اللاتي استغنوا عنَها باللَّتياتِ
قالَ سيبويه : كما استغنوا بقولهِم : أَتَانا مُسَيّاناَ وعُشَيّانَا مِن تحقيرِ القَصْرِ في قولِهم : أَتى قَصْراً وَهْوَ العَشِيّ
الأبوابُ المنفردةُ تسعةٌ
الأولُ : تحقيرُ كُلِّ حرفٍ فيهِ بدلٌ
الثاني : تحقيرُ الأسماءِ التي يثبتُ الإِبدالٌ فيها
الثالث : تحقيرُ ما كانَ فيهِ قَلبٌ
الرابعُ : تحقيرُ كُلِّ اسمِ كانَ من شيئينِ ضُمَّ أَحدهما إلى الآخرِ
الخامسُ : ترخيمُ التصغيرِ السادسُ : ما جرى في الكلامِ مصغراً
السابعُ : ما يحقرُ لدنوهِ من الشيءِ وليسَ مثَلهُ
الثامنُ : ما لا يحقرُ
التاسعُ : ما حُقرَ علَى غيرِ مكبره المستعمل
الأولُ : تحقيرُ كُلِّ حَرفٍ كانَ فيهِ بَدلٌ :
تحذفُ البدلَ وتردهُ إلى الأصلِ تقولُ في ميزانٍ : مُوَيزينٌ ومِيقاتٍ : مُوَيقيتٌ وقِيلٍ : قُوَيلٌ وأَما عِيدٌ فتحقيرهُ عُيَيدٌ أَلزموهُ البدلَ لقولِهم أَعيادٌ وأَعيادٌ شاذٌّ وطَيٌّ طُوَيٌّ وطَيّانُ وَرَيَّانُ : رُوَيّانُ وطُوَيّانُ والأَصلُ : طَويتُ ورَويتُ وتقولُ في قِيٌّ قُويٌّ لأنهُ من القَواء يستدلُّ عليهِ بالمعنى ومُوقنٌ مُيَيقنٌ ومُوسرٌ مُيَيسرٌ وعَطاءٌ وقَضاءٌ عَطَيٌّ وقَضَيٌّ الصِّلاءُ صُلَيٌّ وكذلكَ صَلاءةٌ
وأَما أَلاءةٌ
وأَشاءةٌ فأُلَيّئةٌ وأُشَيّئةٌ لأَنَّ هذهِ الهمزةَ ليست مبدلةً ولو كانتْ مبدلةً لجاءَ فيها أَلايةٌ كمَا كانَ في عباءة عَبايةٌ وفي صَلاءةٍ : صَلايةٌ وإذَا لم يكنْ شاهدٌ فهو عندَهم مهموزٌ فأَمّا النَّبيُّ فَقَد اختلفتِ العربُ فيهِ فَمن قالَ : النُبَآءُ قالَ : نُبَييءُ تقديرُها : نُبَيّعٌ
ومَنْ قالَ : أَنبِياءُ
قالَ : نُبَيٌّ وأَما النُّبوَةُ فَعلى القياسِ نُبَيئِةٌ وليسَ مِنَ العربِ أَحدٌ إلا وهوَ يقولُ : تَنَبّأَ مُسيلمةُ وهوَ من ( أَنبأتُ ) وأَما الشاءُ فالعربُ تقولُ فيهِ : شُوَيٌّ وفي شَاةٍ شُوَيهةٌ وقِيراطٌ : قُرَيريطٌ وديِنارٌ : دُنَينيرٌ وَدِيباجُ :
دَبَابيجُ وَدُبَيْبِيجٌ ودِيْماسٌ فيمَن قالَ : دَمَاميسْ وأَمَّا مَنْ قَالَ : دَيَاميسُ ودَيَابيجُ فهيَ عندَهُ ملحقةٌ كواوِ جِلْواخٍ وياءِ جِريالٍ
ولو سميتَ رجلاً : ذَوَائبَ لقلتَ ذُؤَيئبُ تقديرُها : فُعَيعلٌ لأَنَ الواوَ بدلٌ مِنَ الهمزةِ التي في ذُؤابةٍ
الثاني : تحقيرُ الأسماءِ التي يثبتُ الإِبدالُ فيها :
وذلكَ إذا كانت أَبدالاً مِنَ الياءاتِ والواواتِ التي هي عيناتٌ نحو : قَائمٍ قويئِمٌ وبائعٍ بُوَيئِعٌ لثباتِها في قائمٍ وَبائعٍ وكذلكَ أَدؤرٌ تثبتُ الهمزةُ في التصغيرِ والجمعِ وأَوائلُ اسمِ رجلٍ تثبتُ الهمزةُ لأَنَّ الدليلَ لو كانَ أَفاعِلَ لثبتتِ الهمزةُ في الجمعِ والنَّؤُور والسُّؤورُ لأنَّ هذهِ كلهَا ليستْ منتهى الإسمِ لأنهم لا يبدلونَ من اللاماتِ إذا كانت منتهى الإسمِ أَلا تراهم قالوا : فعلوةٌ وكذلكَ فَعَائلُ لأَنهُ مثلُ قائِلٍ
ولو كانتْ فُعَائل ثم كسرتَهُ للجمعِ لثبتَتْ
وتاءُ تُخمةٍ وتَاء تُراثٍ وتاء تُدَعةٍ يثبتنَ لأَنهن بمنزلةٍِ الهمزةِ التي تُبدلُ مِنْ واوٍ نحو أَلفٍ أُرْقَة وأَلفِ أُدَدٍ وإنَّما أَددٌ مِنَ الودِّ
والعربُ تصرفُ أُدَداً جعَلُوهُ بمنزلةِ ثُقَبٍ ولَم يجعلْوهُ مِثْلَ عُمَرَ ويقولونَ : تميمُ بن أُدٍّ وَودٍّ جميعاً
ومُتَّلجٌ ومُتَّهم ومُتَّخمٌ التاءُ هَا هُنَا بمنزلتِها في أولِ الحرفِ لأَنكَ تقولُ : اتلجتُ واتّلجَ واتَّخَم وكذلكَ في تَقوى وتَقيّة وتُقاةٍ وقالوا في التُّكأَةِ اتكأَتهُ وهُما يُتكئانِ
فهذِه التاءُ قَويةٌ يصرفونَها ومُتّعدٌ ومُتّزنٌ لا تحذفُ التاءُ منهما وإنّما جاؤوا بها كراهيةَ الواوِ والضمةِ
التي قبلَها وإنْ شئتَ قلتَ : مُوتعدٌ ومُوتَزنٌ كما تقولُ : أَدْؤر لو ثنيتَ فلا تهمزُ
الثالثُ : تحقيرُ ما كانَ فيهِ قلبٌ يَردٌّ ما قلبَ منهُ إلى الأصلِ :
فتقول في لاثٍ : لُوَيثٌ لأَنَّ أَصلَ لاثٍ : لائِثٌ وشِاكٍ شُوَيك لأَنَّ الأصلَ شَائكٌ وكذلكَ مُطَمئنٌ إنما هو من ( طَأمنتُ ) فتقولُ مُطَيئمنُ وقسيٌّ الأصلُ : قُوُوسٌ وأَينُقٌ إنَّما هو أَنوٌق ومنهُ قولُهم : أَكرهُ مَسائيتَكَ وإنَما جمعتَ المسَاءةَ وسَاءَةٌ مَفْعَلَةٌ مِنْ يسوءُ
فكانَ أَصلهُ مُساوئةً الواوُ قبلَ الهمزةِ فلما قلبَ صارتِ الهمزةُ قبلَ الواوِ
وقُلبتْ ياءً فصارتْ مسَائيةً ومِنْ ذلكَ : قَدْ راءهُ مثلُ رَاعَهُ وإنَّما الأصلُ رآهُ مثلُ رَعاهُ
الرابعُ : تحقيرُ كُلُّ اسمٍ كانَ من شيئينِ ضُمَّ أَحدهُما إلى الآخرِ فَجُعلا بمنزلةِ اسم واحد
زعمَ الخليلُ : أَنَّ التصغيرَ إنّما يكونُ في الصدرِ الأول تقولُ في حضَرموتَ : حُضَيرموتٌ وبَعلبك : بُعَيلبك وخمسَةَ عَشَر : خُمَيسة عَشَر وأما اثَنا عَشَرَ فتقول : ثُنَيّا عَشَر فَعَشر بمنزلةِ نونِ اثنينِ
الخامسُ : الترخيمُ في التصغير :
كُلُّ زائدٍ من بناتِ الثلاثة يجوزُ حذفُه في التصغيرِ حتى يصيرَ على مثال فُعيلٍ فتقولُ في حارثٍ : حُرَيثُ وخَالد : خُلَيدٌ وأَسودَ : سُوَيدٌ وغلابٍ اسمُ امرأةٍ : غُلَيبةٌ
وزعمَ الخليل : أَنهُ يجوزُ في صَنَفْندَدٍ : صُنفَيدٌ وفي خَفيددٍ : خُفَيدٌ وفي مَقْعَنسسٍ : قُعَيسٌ وبناتُ الأربعةِ في الترخيمِ بمنزلةِ بناتِ الثلاثةِ تحذفُ الزوائدَ حتَى يصيرَ على مِثَالِ ( فُعَيعلٍ ) ولا فَرقَ في بناتِ الأَربعةِ بينَ تصغيرِ الترخيمِ وغيرِه إلاّ أَنَّ ياءَ التعويضِ لا تقعُ فيهِ وحكى سيبويه أَحسبهُ عَنِ الخليلِ : أَنهُ سمعَ في إبراهيمَ وإسماعيلَ : سُمِيعٌ وبُرَيةٌ
قال أبو العباس : القياسُ أَبيرةٌ وأُسَيمعٌ لأَنَّ الألفَ لا تدخلُ على بَناتِ الأربعةِ
السادسُ : ما جَرى في الكلامِ مصغراً فقط :
وذلكَ جُمَيلٌ وَهو طائرُ في صورةِ العُصفورِ وكُعَيثٌ وهَو البلبلُ قالَ سيبويه : سألتُ الخليلَ عن كُمَيتٍ فقالَ : إنّما صُغرَ لأَنهُ بينَ السوادِ والحمرةِ وأَما سَكيتٌ فهو ترخيمٌ : سُكَّيْتٍ وهوَ الذي يجيءَ آخرَ الخيل
السابعُ : ما يحقرُ لدنوهِ مَنَ الشيءِ وليسَ مثلهُ :
وذلكَ أُصَيغرُ منهُ وهُو دُوَينُ ذاكَ وفُوَيقُ ذاكَ ومِنْ ذلكَ : أُسَيدٌ أَي قَدْ قاربَ السوادَ
وأَما قولَ العرب : وهو مُثَيلُ هَذا وأُمَيثالٌ فإنّما
يريدونَ : أَن يخبروا : أَن المشبهَ حقيرٌ كما أَنّ المشبهَ بهِ حقيرٌ وقولُهم : ما أُمَيلحهُ يعنونَ بهِ الموصوفَ بالملاحةِ ولم يحقرَ مَنَ الأفعالِ شيءٌ مِنْ غير هَذا الموضع
الثامنُ : ما لا يحقرُ :
كُلُّ اسمْ معرفةٍ عَلَم لا ثانيَ لَهُ فلاَ يجوزُ تحقيرهُ لأَنهُ إنّما يكونُ . فعلاماتُ الإِضمارِ لا تحقرُ لذلكَ ولا يحقرُ أَينَ ولا مَتَى ولا حيثُ ونحوهن لبعدِها من التمكنِ وأَنّها لا تُثنى وكذلكَ : مَنْ وَمَا وأَيهّم ولا تحقرُ ( غَيرُ ) لأَنَّها غَيرُ مَحدودةٍ وسِواكَ كذلكَ فأَمّا : اليومُ والليلةُ والشهرُ والسنةُ والساعةُ فيحقرنَ وأَمسِ وغدٌ لا تحقرانِ استغنوا عن تحقيرِهما بما هُو أَشد تمكناً وهو اليومُ والليلةُ والساعةُ وكذلكَ أَولُ مِنْ أمسِ والثلاثاءُ والأربعاءُ والبارحةُ لَمَا ذكرنا ولا يحقرُ الإسمُ إذَا كانَ بمعنى الفعلِ نحو هو ضويرب زيداً وإنْ كان ضَاربَ زيدٍ لِمَا مضَى فتحقيرهُ جيدٌ ولا تحقرُ ( عندَ ) وكذلكَ عَنْ ومَعَ
التاسعُ : ما يُحقرُ علَى غيرِ بناءِ مكبرهِ :
والمستعملُ من ذلكَ : مَغربُ الشمسِ مُغَيربانُ والعَشِيّ عُشَيانٌ قال : وسمعنَا مَنْ يقولُ في عَشيةٍ : عُشَيشيةٌ كأَنهم حقَّروا مَغْرِبانَ وعَشيانٌ وعَشَاةٌ قال : وسألتُ الخليلَ عن قولِهم : آتيكَ أُصيلالاً فقالَ إنَما هُو أُصَيلانٌ أَبدلوا اللامَ منها وتصديقهُ قولُهم : آتيكَ أُصَيلانا
قالَ سيبويه : وسألتهُ عِنْ قَولِ بعضِهم : آتيكَ عُشَيّاناتٍ . ومُغَيرباناتٍ فقالَ : جعلوا ذلكَ الحينَ أَجزاء ومثلُ ذلكَ قولُهم : المفَارِقُ في مَفْرقٍ جَعَلَ كُلَّ موضعٍ مَفْرِقاً
ومِنْ ذلكَ قِيلَ للبعيرِ ذو عَثَانينَ وأما غُدوةٌ فتحقيرُها : غُدَيةٌ وسَحَرٌ : سُحَيرٌ وضُحىً : ضُحَياّ
واعلمْ : أَنَّ جميعَ هذهِ الأشياء ليست تحقيرُ الحينِ وإنّما يريدُ أَنْ يقربَ وقتاً من وقتٍ وكذلكَ المكانُ
تقولُ : قُبَيلَ وبُعَيدَ وجميعُ هَذَا إذا سميتَ بهِ حقرتَهُ علَى القياسِ
ومَمَا جاءَ على غيرِ مكبرهِ إنسانٌ ه : أُنَيسيانٌ وبنون : أُبَينُونَ : ورَجُلٌ : رُوَيجلٌ وصِبْيةٌ : وأُصَيبيةٌ وغِلْمةٌ : واُغَيلِمةٌ ومنهم مَنْ يجيءُ بهِ علَى القياسِ فيقولُ : صُبَيَّةٌ وغُلَيمةٌ
ذِكرُ النَّسَبِ
وهوَ أَن يضيفَ الإسمَ إلى رجلٍ أَو بلدٍ أَو حَيٍّ أَو قبيلةٍ ويكونُ جميعُ ما ينسبُ إليه على لفظِ الواحدِ المذكرِ فإنْ نسبتَ شيئاً مِنَ الأسماءِ إلى واحدٍ مِنْ هذهِ زدتَ في آخرِه ياءيْنِ الأولَى منهما ساكنةٌ مدغمةٌ في الأُخرى وكسرتَ لَها ما قبلَها هَذا أَصلُ النسبِ إلاّ أَنْ تخرجَ الكلمةُ إلى ما يستثقلونَ من اجتماعِ الكسراتِ والياءاتِ وحروفِ العللِ وقَد عدلتِ العربُ أسماءً عن أَلفاظِها في النسبِ وغيرتْها وأَخذت سَماعاً منهم فتلكَ تقالُ كما قَالوها . ولا يقاسُ علَيها
وهذهِ الأسماءُ تنقسمُ في النسبِ على خسمةِ أَقسامٍ : اسمٌ نُسبَ إليهِ فَسلمَ بناؤهُ ولَم تغيرْ فيهِ حركةٌ ولا حرفُ ولا حذفَ منهُ شيءٌ واسمُ غُيِّر من بنائهِ حركة فجعلَ المكسورُ منهُ
مفتوحاً واسمٌ قُلبَ فيهِ الحرفُ الذي قبلَ ياءي النَّسبِ وأُبدلَ . واسمٌ حُذفَ منهُ
واسمٌ محذوفٌ قبلَ النسبِ . فمنها ما يردٌّ إلى أصلهِ ومنها ما يُتركُ على حذفِه
الأول : اسمٌ نُسبَ إليهِ فسلمَ بناؤهُ ولم يغيرْ فيهِ حركةٌ ولا حرفٌ ولا حذفَ منهَ شيءٌ :
وذلكَ نحو قولَكَ : هَاشِمّيٌ وبكَرِيٌّ وزَيدِيٌّ وسَعْدِيٌّ وتَميمِيٌّ وقَيسِيٌّ ومَصرِيٌّ فجميعُ هذهِ قد سَلمَ منها بناءُ الإسم وزدتَ عليهِ ياءي الإِضافةِ وكسرتَ للياءِ ما قبلَها وعَلَى هذا يجري القياسُ طَالَ الإسمُ أَو قَصُرَ
الثاني : اسمٌ غُيِّرَ مِن بنائِه حركةٌ فجُعلَ المكسورُ فيهِ مفتوحاً :
وذلكَ إذا نُسبَ إلى اسمٍ علَى وزنِ فَعِلٍ مسكورِ العينِ فإِنَّكَ تفتحَها استثقالاً لإجتماعِ الكسرتينِ والياءين في اسمٍ ليسَ فيهِ حرفُ غيرُ مكسورٍ إلاّ حرفاً واحداً وهوَ النَّسبُ إلى النَّمرِ : نَمَريٌّ
وفي شَقِرةٍ : شَقَرِيٌّ وفي سَلِمةٍ : سَلَميٌّ فأَما تَغْلبُ فحقُّ النَّسَبِ أَن تأتَى بهِ علَى القياسِ وتدعهُ علَى لفظِه فتقولُ : تَغْلِبيٌّ لأَنَّ فيهِ حرفينِ غيرَ مكسورينِ الياءُ مفتوحةٌ والعينُ ساكنةٌ ومنهم مَنْ يفتحُ فَيقولُ : تَغْلَبَيٌّ وبعضُهم يقولُ في الصَّعِقِ : صِعِقيٌّ يدعهُ علَى حالِه ويكسرُ الصادَ لأَنهُ يقولُ : صِعِقٌ فهذَا
كُسرَ مِنْ أَجلِ حرف الحَلقِ ويقولُ في عَلبَطٍ وَجَنَدلٍ : عَلَبطِيٌّ وجَنَدلِيٌّ فلا يغيرُ
الثالثُ : مِنَ القسمةِ الأُولى : ما يقلبُ فيهِ الحرفُ الذي قبلَ يائي النَّسَبِ مِن حروفِ العلةِ :
وذلكَ على ضربين : الضربُ الأَولُ : الإِضافة إِلى كُلِّ شيءٍ من بناتِ الياءِ والواوِ التي هيَ فيهنَّ لاماتٌ مِنَ الثلاثي تقولُ في هُدَىً : هُدَوِيٌّ وفي حَصَىً : حَصَوِيٌّ ورَحَا : رَحَويٌّ هَذا فيما كانَ قبلَ اللام فتحةٌ وقد قلبتْ لامهُ أَلفاً فأَماَّ الياءُ التي قبلَها مكسورٌ فنحو : عَمّ وشَجٍّ تقولُ : عَمَويٌّ وشَجَويٌّ
فعلوا بهِ ما فَعلوا بنَمِرٍ ففتحوهُ فانقلبتِ الياءُ أَلفاً
ثم قلبوَها واواً مِنْ أجلِ ياءي النَّسَبِ
وقيلَ في حَيَّةٍ : حَيَوِيٌّ
وفي لِيّةٍ لووِيٌّ ومَنْ قالَ : أُمييٌّ قالَ : حَييٌّ فإِنْ كَان ما قبلَ الياءِ والواوِ حرفٌ ساكنٌ قلبتْ في ظَبْيٍ : ظَبيُ وغَزوٌ ودَلوٌ دَلَويٌّ وغَزَوِيٌّ لا تغيرُ فإِنْ كَان فيه هاءُ التأنيثِ فمنهم مَنْ يجعلُهُ بمنزلةِ مما لا هاءَ فيهِ وهو القياسُ وكانَ يونس يقولُ في ظَبيةٍ : ظَبَوِيٌّ وفي دُميةٍ : دَمَوِيٌّ وفِتيةِ : فَتوِيٌّ وقالوا في بني زنيةٍ : زَنويٌّ وفي البِطيةِ : بَطَوِيٌّ وقالَ : لا أَقولَ في :
غَزوةٍ إلاَ غَزْويٌّ لأَنَّ ذَا لاَ يشبه آخِرُه آخرَ فَعِلةٍ إذا أسكنتْ عينُها وكذلك غُدوةٌ وعُرْوةٌ وكانَ يونس يقولُ في عُرْوَةٍ : عُرَوِيٌّ وقالَ في رَايةٍ وطَايةٍ وثايةٍ وآيةٍ رَائيٌّ وآئيٌّ يهمز لإجتماع الياءاتِ مع الألفِ ومَنْ قالَ : أُمُيَيٌّ قالَ : آيِيٌّ فلم يهمزْ وَهْوَ أَولى وأَقوى ولو أَبدلتَ من الياءِ واواَ جازَ تقولُ : ثَاوِيٌّ وآَوِيٌّ وطَاوِيٌّ كما قالوا : شَاوِيٌّ فأَبدلوا مِنَ الهمزةِ
الضربُ الثاني : ما زادَ على الثلاثةِ
مِنَ العربِ مَنْ يقولُ في حَانٍ حَانويٌّ والكثيرُ : حَانيٌّ يحذفُ فَمَن قالَ : حَانوِيٌّ قالَ في مرْمَى : مَرْمَوِيٌّ
ومِنْ ذلكَ الإِضافةُ إلى ما لامهُ ياءٌ أَو واوٌ قبلَها أَلفُ ساكنةٌ وهي غيرُ مهموزةٍ تَقولُ في سِقَايةٍ : سَقَائِيُّ ولُقَايةٍ : لَقَائِيٌّ أبدلت همزةً وتقولُ في شَقَاوةٍ وعَلاوةٍ : شَقَاوِيٌّ وعَلاوِيٌّ شبهوهُ بآخر حَمراء ولم يبدلوا مِنَ الوَاوِ همزةً وقالوا في : غَداءٍ : غَداوِيٌّ وفي رِدَاءٍ : رَدَاوِيٌّ وياءُ دِرْحايةٍ بمنزلةِ ياء سِقَايةٍ ولو كانَ مكانَها واوٌ كانتْ بمنزلةِ الواوِ التي في : شَقاوةٍ وحَوْلاياَ وبَرْدَرَايا تسقطُ الألفُ لأَنَّها كالهاءِ وحكمُ الياءِ حكمُها في سِقَايةِ فإِذَا أضفتَ إِلى
ممدودٍ ومنصرفٍ فالقياسُ أَن تدَعهُ على حالِه وقد أَبدلَ ناسُ مِنَ العربِ مكانَها واواً وهمزةً كثير وإنْ كانتِ الهمزةَ مِنْ نفسِ الحرفِ فالإِبدالُ فيها تقولُ في قُراءٍ قراوِيٌّ
وكُلُّ اسمٍ ممدودٍ لا يدخلُه التنوينُ كَثرَ أَو قَلَّ فالإِضافةُ إليهِ لا تحذفُ منهُ شيئاً وتبدلُ الواوُ مكانَ الهمزةِ وذلكَ قولُكَ في زَكرِيَّا زَكَراوِيٌّ
وفي بَرُوكاءَ بَروكاوِيٌّ ومِنْ ذلكَ ما رابعهُ أَلفٌ غيرُ زائدةٍ ولا ملحقةٍ مَلهَى ومَرْمَى وأَعْشَى وأَعْيَا فَذَا يجري مَجرى حَصَىً ورَحَى
قالَ سيبويه : سمعناهم يقولونَ في أَعْيَا : أَعْيَويٌّ حَي مِنَ العَربِ مِن جَرْمٍ ويقولونَ في : أَحوى : أَحوِويٌّ وكذلكَ حكمُ مِعْزَى وذِفْرَى فيمَنْ نونَ فإِنْ أضفتَ إلى اسمٍ آخرهُ أَلفٌ زائدةٌ لا ينونُ وهوَ علَى أَربعةِ أَحرفٍ حذفتها وسنذكرهُ في بابِ الحذفِ إِنْ شاءَ الله
الرابعُ : مِنَ القسمةِ الأُولى :
الأسماءُ التي حذف منها وهي علَى ضربين : اسمٌ ضُمَّ إليهِ شيءٌ ليسَ فيهِ فيحذفُ ما ضُمَّ إليه وينسبُ إلى الصدرِ واسمٌ حُذفَ مِنْ بنائهِ في الإِضافةَ
الأولُ : منها علَى سبعةِ أَضربٍ : هاءُ التأنيثِ والألفُ والنونُ التي
للتثنيةِ والواوُ والنونُ اللتانِ للجمعِ والألفُ والتاءُ اللتانِ للجمعِ والمضافُ إليهِ إِلاّ أَنْ يكونَ أَعرفَ مِنَ الصدرِ والإسمُ الذي بنيَ مع اسمٍ قَبلَهُ والأسماءُ المحكيةُ فجميعُ هذَا إِنّما يضافُ وينسبُ إلى الصدرِ والجمعُ المكسرُ يرجعُ إِلى الواحدِ
الأولُ : مِنْ ذلكَ هاءُ التأنيثِ :
تحذفُ مِنَ الإسمِ ويُنسب إلى الإسمِ ولا هاءَ فيهِ وذلكَ نحو قولِكَ في حَمْدَةَ : حَمِديٌّ وفي سَلْمَةَ : سَلمِيٌّ وفي سَفرجَلةٍ : سَفَرجلِيٌّ وكُلٌّ اسمٍ فيهِ هاءُ التأنيثِ فَعلَى هذا يجري
الثاني : النسبُ إلى المثنى والمجموعِ علَى حدِّ التثنيةِ :
مَنْ قالَ : قِنَّسرونَ ورأَيتُ قِنَّسرينَ وهذهِ يَبْروُنَ ورأَيتُ يَبرينَ يا هَذا
قالَ : قِنَّسرِيٌّ ويَبريُّ ومَنْ قالَ : هذهِ قِنَّسرين ويَبرين قالَ : يُبرِينيٌّ وإِنْ أَضفتَ إِلى ( زَيدان ) قلتَ : زَيدِيٌّ فتضيفُ إِلى الإسمِ بلا زيادةٍ
الثالثُ : الألفُ والتاءُ :
تقولُ في مسلماتٍ مُسلِميٌّ
الرابعُ : أَن تضيفَ إِلى مضافٍ :
تقولُ إِذا أَضفتَ إِلى عبد القيسِ : عَبديٌّ وإِلى امرىءِ القَيسِ : امرئيٌّ فإِن خافوا اللبسَ نسَبوا إلى ما ليسَ فيهِ فقالوا في : عبدِ مُنافٍ مُنافِيٌّ فَأما ابن كُراع وابن الزُّبيرِ فلا يجوزُ إلاّ : زُبيرِيٌّ وكُراعِيُّ وتقولُ في أَبي بكرِ بن كلابٍ : بَكْريٌّ : وقَد يُركبونَ مِنَ الإسمينِ المضاف أَحدهما إِلى الآخرِ اسماً إِذا خافوا اللبسَ فيقولونَ : عَبْشَميٌّ في عَبد شَمسٍ وعَبْدَرِيٌّ في عَبدِ الدارِ وليسَ بقياسٍ
الخامسُ : الأسمُ الذي بُنيَ مَع اسمٍ :
تقولُ : في خَمسةَ عشرَ ومَعد يكرب : خَمْسِيٌّ ومَعديٌّ تضيفُ إلى الصدر
وتقولُ في رَجلٍ سُميَ اثنا عَشَر ثَنوِيٌّ في قولِ مَن قالَ في ابن : بَنَوِيٌّ واثنيٌّ في قَولِ مَنْ قالَ : ابنيُّ وأَمَّا اثنا عشرَ التي للعددِ فلا يضافُ إليها ولا تضافُ
السادسُ : مِنَ الأَسماءِ المحكيةِ :
وذلكَ نحو : تأبطَ شَراً تضيفهُ إلى الصدرِ فتقولُ : تَأبطِيٌّ وكذلك حَيثُما وإنَّما ولَولا وأَشباهُ ذلكَ
قالَ سيبويه : سمعنا مَنْ يقولُ : في كَنْت : كَونٌّي وقالَ أَبو عمر : قومٌ يقولونَ : كنتيٌّ وقالَ أَبو العباس : هُوَ خطأ
السابعُ : الإِضافةُ إلى الجمعِ :
توقعُ الإِضافة على الواحدِ لتفرقَ بينَهُ وبينَ التسميةِ تقولُ في أَبناءِ فَارس : بَنَوِيٌّ وفي الرِّبابِ : رُبّيُّ واحدُه رُبَّةٌ وفي مساجدَ : مَسْجِديٌّ وإلى جُمَعٍ جُمَعيٌّ وإلى عُرفاءَ : عَريفيٌّ وإلى قبائلَ : قَبَليٌّ
وزعَم الخليلُ : أنَّ نحو ذلكَ مَسْمَعِيٌّ في المسَامعةِ ومُهَلّبيٌّ في المَهالبةِ وقالَ أبو عبيدة : وقالوا في الإِضافة إَلى العَبَلاتِ وهُم حَيٌّ مِنْ قُريشٍ
عَبلِيٌّ فإِنْ كانتِ الإِضافةُ إِلى جمعٍ لا واحدَ له تركتهُ علَى لفظهِ لأنَّهُ ليسَ لَهُ ما تردهُ إليهِ وذلكَ نحو الإِضافةِ إلى نَفَرٍ نَفَرِيٌّ لأَنَهُ لا واحدَ لَهُ
وأُناسٌ أُنَاسِيٌّ وقالوا : إِنسانِيٌّ
قالَ : سيبويه : وأُنَاسِيٌّ أَجودَ وقالَ أَبو زيد : النَّسبُ إِلى مَحَاسنَ مَحَاسنٌّي لأنهُ لا واحدَ لَهُ وإن أَضفتَهُ إِلى عَبَاديدَ قلتَ : عَبَاديدِيٌّ لأَنَّه لا واحدَ لَهُ وواحدهُ علَى فَعْليلٍ أَو فِعْلالٍ وفي أعرابٍ أعرابيٌّ لأَنَّه لا واحدَ لَهُ فإِنْ جمعتَ شيئاً مِنْ هذه الجموعِ التي لا واحِد لَها فلتَ في نَفَرٍ : أنفارٌ وفي نُسْوَةٍ : نِسَاءُ وفي نَبَطٍ : أنباطٌ فأردتَ الإَضافةَ إِليه رددتَهُ إِلى ما كاَن عليهِ قبلَ الجمعِ فقلتَ في أنفارٍ نَفَرِيٌّ
وفي نِساَءٍ : نِسَوِيٌّ وفي أَنباط : نَبَطِيٌّ وإِنْ سميت بجمعٍ تَركتَهُ على لفظِه أَيّ جمعٍ كان قالوا : في أنمارٍ : أَنماريٌّ وفي كلابٍ : كِلابيٌّ فرقوا بينَ الجمعِ إذا سُميَ بهِ وبينَهُ إذا لمَ يسمَّ بهِ ولو سميتَ بضَرَباتٍ لقلتَ : ضَربيٌّ لا تغيرُ المتحركَ لأَنَّكَ لم تردِ الإِضافةَ إلى واحدٍ وإِنّما حذفَت الأَلفَ والتاءَ كما تحذفُ الهاءَ مِنَ الواحِد ومَدَائِنيٌّ جَعلوهُ بمنزلةِ اسمٍ للبلدِ وعلَى ذَا قالوا في الأبناءِ : أَبناوِيٌّ وقالوا في الضِّباب إذَا كان اسمَ رجلٍ : ضِبابيٌّ وفي مِعافِر : مَعَافِريٌّ وهوَ فيما يزعمونَ : معافرَ بن مُرٍ أخو تَميم
وقالوا : في
الأَنصارِ : أَنصارِيٌّ لأنَّ هَذا قَد صارَ اسماً لَهم وإنْ كانَ أصلُه صفةً قَدْ غلبتْ فهوَ مثلُ أَنمارٍ
الضربُ الثاني : مِنَ الرابع من القسمةِ الأُولى :
وهوَ ما يحذفُ منهُ مِنْ أصلِ بنائِه عندَ الإِضافةِ إليهِ وهو يجيءُ على ضربينِ : أَحدهما المحذوفُ حرفٌ قبلَ آخرهِ والثاني : يحذفُ أحرفٌ منهُ
والضربُ الأولُ ينقسمُ ثلاثةَ أَقسامٍ :
الأول : ما كان قبل لامهُ ياءٌ زائدة أو واوٌ فما جاءَ فَعِيلةٍ أو فُعيلَةٍ فبابهُ وقياسهُ حذف الياءِ وفتحُ ما قبلَه ذلكَ تقولُ في حنيفة : حَنفيٌّ وجَهينةَ : جَهَنيٌّ وقُتَيبةَ : قُتَبِيٌّ وشَنوءةَ : شَنَئيٌّ
وقد تركوا التغييرَ في مثلِ حَنيفةَ وهُوَ شاذٌّ قالوا في مِثل سَليمةَ : سَليميٌّ وفي عَميرةَ : عَميريٌّ
وقالوا : سَليقيٌّ للرجلِ مِنْ أَهلِ السليقةِ فأمَّا شديدةٌ وطويلةٌ فلا تحذفُ الياءُ لأَنكَ إنْ حذفَتها خرجتَ إلى الإِدغام والإِعلالِ فتقولُ : طويليٌّ وقالوا في بني حُوَيزة : حُويزيٌّ
الثاني : الإِضافةُ إلى فُعيلٍ وفَعِيل ولاماتُهنَّ واواتٌ وما كانَ في اللفظِ بمنزلتهما :
تَقولُ في عَدِيٍّ عَدَوِيٌّ وفي غنيٍّ غَنَويٌّ وفي قُصَيٍّ :
قُصَويٌّ وفي أُميّةَ : أُمَوِيٌّ وحذَفوا الياءَ الزائدةَ وأبدلوا اللامَ واواَ وبعضهُم يقولُ : أُمّييٌ وقالوا في مَرْمَيٍّ : مَرْميٌّ
جعلوهُ بمنزلة بُختيٌّ استثقالاً للياءات ومَرْمِيةٌ : مَرْمِيٌّ ومَنْ قالَ : حَانَويٌّ قالَ : مرمويٌّ فَإِذا أَضفتَ إِلى عَدُوةٍّ قلتَ : عَدَويٌّ مِنْ أَجلِ الهاءِ كما قلتَ في شَنُوءةٍ : شنئيٌّ وقَالوا في تَحيةٍ : تَحوِيٌّ وكذلكَ كُلُّ شيءٍ كانَ آخرهُ هكَذا وتقولُ في قِيسيٍّ وثدِيٍّ : ثُدَويٌّ وقُسَويٌّ لأَنَّها فُعولٌ فتردَّها إِلى الأصلِ وإِنّما كانتْ أَلفاً مكسورةً قبلَ الإِضافة بكسرةٍ ما بعْدَها
الثالثُ : الإِضافةُ إلى كُل اسمٍ آخرُهُ ياءانِ مدغمةُ إحداهما في الأُخرى :
نحو : أُسيّدٍ وحُمَيّرٍ تقولُ أُسيْدِيٌّ وحُمَيرِيٌّ تحذفُ الياءَ المتحركةَ وقالوا في زَبينةٍ : زَبانيٌّ أَبدلوا أَلفاً مِنْ ياءِ
وتقولُ في مُهَيّيمٍ تصغيرُ مُهوّمٍ : مُهَيّيِميٌّ فَلا تحذفُ منهُ شيئاً لِئلا يصيرَ كأُسيّدٍ
الضرب الثاني : ما يحذفُ آخره عندَ الإِضافةِ مِنَ الالفاتِ والياءاتِ وهوَ علَى ثلاثة أقسام :
الأولُ : الإِضافةُ إِلى اسمٍ على أَربعةِ أَحرفٍ فصاعداً إِذَا كانَ آخرهُ ياءً ما قبلَها مكسورٌ
الثاني : الإِضافة إلى كُلِّ اسمٍ آخرهُ أَلفٌ زائدةٌ لا ينونُ وهو علَى أَربعةِ أَحرفٍ
الثالث : الإِضافةُ إلى كُلِّ اسمٍ كاَنَ آخرهُ أَلفاً وكانَ علَى خمسةِ أَحرفٍ
الأول من ذلكَ : وهو ما كانَ على أَربعةِ أحرفٍ فصاعداً إِذَا كانَ آخرهُ ياء قبلَها مكسور :
تقول في رجلٍ مِنْ بني ناجيةً : ناجِيٌّ وفي أَدلٍ : أَدِليٌّ وفي صحارٍ : صَحارِيٌّ وفي ثمانٍ : ثَمانيٌّ وفي رَجلٍ اسمهُ يمانٌ : يَمانيٌّ لأَنكَ لو أضفتَ إلى رجلٍ اسمهُ يَمني لأحدثت ياءينِ سواهما
وحذفتهما وإلى يَرمي يَرمِيٌّ وإلى عَرقوةٍ : عَرقيٌ وقالَ الخليلُ : مَن قالَ في يثربَ : يَثربِيٌّ وفي تَغلبَ : تَغلَبِيٌّ : ففتحَ فإِنَّهُ يقول في يَرمي : يَرمويٌّ
الثاني : الإضافة إلى كلِّ اسمٍ آخرهُ ألفٌ زائدةٌ لا ينونُ وهوَ علَى أَربعةِ أَحرفٍ :
تقولُ في حُبْلَى : حُبلِيٌّ ودِفلى : دِفِليٌّ وسِلَّى : سلِيٌّ ومنهم مَنْ يقولُ : دِفلاوِيٌّ يفرقُ بينَها وبينَ التي هي من نفسِ الحرف فجعلتْ بمنزلةِ : حَمراويٌّ وقالوا في دَهنادَ : دَهناوِيٌّ وقالوا في دُنيا : دُنياوِيٌّ وإِنْ شئتَ قلتَ : دُنيِيٌّ ومنهم مَنْ يقولُ : حُبْلوِيٌّ فيجعلُها بمنزلةِ ما هوَ من نفسِ الحرفِ
قالَ سيبويه : فإِنْ قلتَ في مَلْهىً : مَلْهِيٌّ لم أر بهِ بأساً ولا يجوزُ الحذفُ في ( قَفَا ) لأنهُ ثلاثي
وأَما جَمَزَى فلا يجوز فيه : جَمزويٌّ ولكن : جَمزيٌّ لأَنَّها ثقلت لتتابعِ الحركاتِ
والحذفُ في مِعْزَى أَجودُ . قالَ : لأَنَّهُ ليسَ كالأصلِ وإِنْ كانَ ملحقاً
الثالثُ : الإِضافة إلى كُلِّ اسمٍ كانَ آخرهُ ألفاً وكانَ علَى خمسةِ أحرفٍ :
تقولُ في حُبَارى : حُبَاريٌّ
وفي جُمادَى : جُمَادِيٌّ وفي قَرقَرى : قرقريٌّ وكذلك كُلّ اسمٍ كانَ آخرهُ أَلفاً وكانَ علَى خمسةِ أحرفٍ
قالَ وسألتُ يونسَ عَنْ مُرامىً فقالَ : مُرامِيٌّ يجعلُها كالزيادة وتقولُ في مُقْلَولىً مُقْوَلَويٌّ وفي يَهيرّى : يَهيرِّيٌّ ولا يفرقُ هُنَا بينَ الزائدِ والأصلِ فأمَّا الممدودُ مصروفاً كانَ أَو غيرَ مصروفٍ كثرَ عددهُ أَو قَلَّ فإِنَّه لا يحذفُ وذلكَ قولُكَ في خُنفساءَ : خُنْفَساوِيٌّ وحَرْملاءَ : حَرْملاوِيٌّ ومَعْيوراء : مَعْيوراوِيٌّ لم تحذفْ هذهِ الألفُ لأَنَّها متحركةٌ وحذفت تلكَ لأَنَّها ساكنةٌ ميتةٌ فكذلكَ لو أَضفتَ إَلى عِثيرٍ وحِثيلٍ
لقلتَ : عِثيريٌّ وحِثيليٌّ كما قلتَ : حميريٌّ ولم يجزْ إسقاطُ الياءِ لأنها متحركةٌ فقد فَرقوا بينَ المتحركِ والساكنِ مُثنىًّ بمنزلةِ مُرامىً لأَنَّها خَمسةٌ
الخامسُ : مِنَ القسمةِ الأُولى :
وهوَ ما أُضيفَ إلى الأسماءِ المحذوفة قبلَ الإِضافةَ وهو على ثلاثةِ أقسامٍ :
الأولُ : الإِضافةُ إلى بناتِ الحرفينِ
الثاني : الإِضافةُ إلى ما فيهِ الزوائدُ من بناتِ الحرفينِ
الثالث : الإِضافة إلى ما ذهبت فاؤهُ
الأول : مِنْ ذلكَ الإِضافةُ إلى بناتِ الحرفينِ وهي تجيءُ علَى ضربينَ : أَحدهما أَنْتَ فيهِ مخيرٌ في ردِّ ما حذفت وتركهِ والآخرُ : لا بُدَّ فيهِ من الردِّ
اعلَم : أنهُ ما كانَ منقوصاً فأَنتَ فيهِ بالخيار إِنْ شئتَ قلتَ في دَم وَيدٍ : دَمِيٌّ وإِن شئتَ قلتَ : دَموِيٌّ تَردٌّ ما حُذِفَ وكذلكَ غَدٌ وغَدوِيٌّ وإِنَّما فتحتَ عينَ غدٍ ويَدٍ وهُما فَعْلٌ لأَنَّك نسبتَهُ إلى الإسم وكانتِ العينُ متحركة فرددتُ وتركتَ الحرفَ
وتقولُ في ثُبةٍ ثُبيٌّ : وثَبوِيٌُّ وفي شَفَةٍ : شفيٌّ وشَفَهيٌّ
وفي حِرٍ : حرِيٌّ وحرِحيٌّ وإنت أَضفتَ إلى ( رُبَ ) فيمن خَفَف قُلتَ : رُبيٌّ وإِنْ شئتَ رددتَ كما قالوا في قُرةٍ : قُرِيٌّ وإِنَّما اسكنتَ كراهيةَ التضعيفِ فلم يقولوا : رَبّيٌّ وأَمَّا ما لا يجوزُ فيه إِلاّ الردُّ مِنْ بناتِ الحرفينِ فنحو : أَبٍ وأَخٍ تقولُ في أَبٍ : أَبوِيٌّ وفي أخٍ : أَخوِيٌّ وفي حَمٍ : حَمَوِيٌّ لأَنَّ هذه تظهرُ في الإِضافةِ والتثنيةِ
والجمعِ تقولُ : أَبو زيدٍ وأَخو عمروٍ وحَمو بكرٍ وتُثنيِ فتقولُ : أَبوانِ ومَنْ يقولُ : هَنوكَ مثلُ ( أَبوكَ ) يقولَ : هَنويٌّ ومَنْ قالَ : وضَعَةٌ وهو نبتٌ ضَعَواتٌ قالَ : ضَعَويٌّ ومَنْ جعلَ سنةً مِنْ سانهتُ يقولُ : سَنَهيٌّ ومنهم من يقولُ : في عِضَةٍ ويقولُ : عَضَوِيٌّ وإِن أَضفتَ إِلى أُخت قلتَ : أَخوِيٌّ لأنكَ تقولُ : أخوات
قال سيبويه : وسمعنا من يقول في جمع هَنْتٍ : هَنَواتٌ وكان يونس يقول : أُختيٌّ وليسَ بقياسٍ
الثاني : الإِضافةُ إلى ما فيهِ الزوائدُ مِنْ بناتِ الحرفينِ :
إنْ شئتَ قلتَ في ابنٍ واسمٍ وابنةٍ واستٍ واثنان : ابنِيٌّ واثنِيٌّ فتركتَهُ على حالِه وإن شئتَ رددتَهُ إلى أصلهِ
سَمَويٌّ وبَنَويٌّ وسَتَهِيٌّ وزَعَم يونسُ : أَنَّ أبا عمروٍ زَعم : أَنَّهم يقولونَ : ابناويٌّ في الإِضافةِ إلى أَبناءٍ وقالَ سيبويه : في الإِضافة ابنمَّ إنْ شئتَ : بَنَويٌّ وإنْ شِئتَ : ابنمِيٌّ
واعلَم : أَنكَ إذَا حذفتَ أَلفَ الوصلِ فلا بُدَّ مِنَ الرَّدَّ وتقولُ في بنتِ : بَنَويٌّ ولو جازَ بَنيٌّ لأَنهُ يقولُ بناتُ لَجازَ : بَنِيٌّ في ابنٍ لأَنهُ يقولُ بَنونَ فالزيادةُ كأَنَّها عوضٌ عَما حُذِفَ فإذَا حذفَتها فلا بُدَّ مِنَ الردِّ لأَنهُ قَد زَالَ ما استعيضَ بهِ وكذلكَ : كلتا وثنتانِ تقولُ : كَلوِيٌّ وثَنَوِيٌّ
قالَ أبو العباس : التاءُ في ( كِلتا ) عندَ سيبويه بَدلٌ مِنْ أَلفِ ( كِلا ) مثلُ التاءِ التي هيَ بَدلٌ مِن واوٍ فَحُذِفَ أَلفُ التأنيثِ وردَّ ما التاءُ بدلٌ منهٌ
وكانَ يونس يقولُ : ثنيتيٌّ كقولِه : في أُختٍ وذَيْتٍ بمنزلة بنتٍ وأصلها ذَيَّةٌ فإذَا حذفتْ التاءُ لزمها التثقيلُ لأَنَّ التاءَ عوضٌ فإنْ نسبتَ إليها قُلتَ : ذَيَوِيٌّ وإنَّما ثقلتَ كما ثَقلت ( كَيٌّ ) اسماً وأَصلُ بنتٍ وابنةٍ ( فَعَلٌ ) وكذلكَ أُختٌ واسْتٌ والدليلُ : استاهُ وسَهُ وآخاءٌ وَبنونَ وقالوا : في اثنينِ : أَثناء ولم يجيء : ثِينيٌّ وقالوا في : اثنتينِ اثنتيٌّ هكذا ليسَ عينهُ في الأصلِ متحرَكة إلاّ ذَيْتٌ وأَما ( كِلتا ) فالدليلُ عَلى تحركِ عينِها قولُهم كِلاً كمعاً واحد الأمعاء
ومَنْ قالَ : رأيتُ كِلتَا أُختيكَ فإنهُ جعلَ الألفَ أَلفَ تأنيثٍ
فإنْ سمّى بهَا شيئاً لم يصرفْه في معرفةٍ ولا نكرةٍ وصارتِ التاءُ بمنزلةِ الواوِ في ( شَرْوَى ) ولو جَاءَ مِنْ هذَا اسمٌ منقوصٌ وبانَ لكَ أَنهُ فِعْلُ لحركتَ العينَ إذَا أَضفتهُ وفَمٌ إذَا شئتَ قلتَ : فَميٌّ لأَنَّهم قَالوا : فَموانِ ولَو لَم يقولوهُ لم يجزْ لأَنهُ لا ينبغي أَنْ يجمعَ بينَ العوضِ والمعوضِ وبينَ الحرفِ الذي عُوِّض فالميمُ إنّما جُعِلَتْ عوضاً مِنَ الواوِ إذا قلتَ : فُو زيدٍ
قَال أَبو بكر : والذي زينَ لهم عندي أَنْ قالوا : ( فَمَوانِ ) أَنَّ هذا يعدُ محذوفاً وهيَ الهاءُ يدلُّكَ عليهِ قولُكَ : تفوهتُ وأَفواهُ فإنْ أَضفتَ إلى
رجلٍ اسمهُ ذوا مالٍ قلتَ : ذُوويٌّ وكذلكَ ذَات مالٍ لأَنكَ إذا أَضفتَ حذفتَ الهاءَ فكأَنكَ تضيفُ إلى ( ذو ) وإن أضفت إلى رجلٍ اسمهُ فو زيدٍ قالَ سيبويه : فكأَنكَ إنما تضيفُ إلى فم والإِضافةُ إلى شَاءٍ شَاوِيٌّ كذا تكلموا بهِ وإنْ سميتَ بهِ رجلاً قلت : شَائيٌّ وإنْ شئتَ قلتَ : شَاوِيٌّ كذَا قالَ سيبويه
وبينَ شائِيٍّ وعَطائِيٍّ فرقٌ لأَنَّ الهمزةَ في عطاءٍ بعدَ أَلفٍ زائدةٍ ولَيست في شاءٍ كذلكَ كما قلتَ : عطاويٌّ وفي شاةٍ شَاهِيٌّ والإِضافةُ إلى لاتٍ مِنَ اللاتِ والعُزى حكمُها حَكمُ ( لاَ ) لا تقولُ : ( لائِيٌّ ) ولا تُحَركُ العينانِ مِنْ هذِه الحروفِ ( كلوٍ )
واعلَم : أَنَّ ( لواً ) إذَا ثقلتَها وسميتَ بهَا ليستْ كالأسماءِ المنقوصةِ لأَنَّ الأسماءَ المنقوصةَ التي قد حذفتْ لاماتُها حقُّها وحكمُها أَنْ تْعربَ العيناتُ وتحرك إذا أفردتْ والواوُ مِنْ ( لَوٍّ ) لم تحلقْها حرَكةٌ في حالٍ والإِضافةُ إلى امرئٍّ امرئِيٌّ مثلُ امرعِيٍّ لأَنهُ ليسَ من بناتِ الحرفينِ وكذلكَ امرأةٌ وقد قالوا : مَرْئيٌّ مثلُ مَرْعِيٍّ في امريءِ القيسِ والإِضافةُ إلى ماءٍ مائِيٌّ ومنَ قَالَ : عَطاوِيٌّ
قال : ماوِيٌّ وقولُهم : شَاوِيٌّ يقوي ذَا
قالَ أبو بكر : شَاءٌ مثلُ ماءٍ وإنَّ الهمزةَ تصلحُ أَنْ تكونَ فيهما جميعاً مبدلةً مِنْ هاءٍ لقولِهم مُوَيةٌ وشُوَيهةٌ
الثالثُ : الإِضافةُ إلى ما ذهبتْ فاؤهُ مِنْ بناتِ الحرفينِ :
اعلَمْ : أَنَّ هذَا البابَ ينقسمُ قسمينِ : أَحدهما : أَنْ تكونَ الفاءُ وحدَها مِنْ حروفِ اللينِ في الإسمِ
والآخرُ : أنَ يجتمعَ فيه حرفا لينٍ فتكونُ فَاؤهُ ولامهُ معتلتينِ فالأولُ : إذَا نسبَ إليه لم ترد الفاءُ لبعدِها من حروفِ الإِضافةِ وذلكَ قولُهم في : عِدَةٍ : عِديٌّ وفي زنَةٍ : زِنيٌّ وأَمّا الذي فاؤهُ وعينهُ معتلتانِ فإذَا نسبتَ إليهِ رردتَ الفاءَ
قالَ سيبويه : وتتركُ العينَ على حركتِها فتقولُ : شِيَةٍ وِشَويٌّ فَلا تسكنُ مثلَ : شَجويٍّ
وقالَ الأَخفشُ : القياسُ : اسكانُ العينِ
فتقولُ : وِشيٌّ وأَما الردُّ فلا بُدُّ منهُ لأَنَّهْ لا يبقى الإسمُ علَى حرفينِ أَحدهما حرفُ لينٍ . بَابُ ما غُيرَ في النَّسَبِ وجاءَ على غيرِ القياسِ الذي تقدمَ
وهو ينقسمُ أَربعةَ أَقسامٍ :
الأول : ما جاءَ على غيرِ قياسٍ
الثاني : ما يكونُ علماً خلافهُ إذَا لم يردَّ بهِ ذلكَ
الثالث : ما يحذفُ فيهِ ياءُ الإِضافةِ إذا جعلتَهُ صاحبَ معالجةٍ
الرابع : ما يكونُ مذكراً يوصفُ بهِ مؤنُّثٌ علَى تأولِ النَّسَبِ
الأولُ : ما جاءَ معدولاً على غيرِ قياسٍ وهو يجيءُ علَى ضربينِ :
أَحدهما : أَن تبدلَ الإسمَ عن لفظٍ إلى لفظٍ آخرَ والضربُ الثاني : تغيرُ ياءي النَّسبْ مِنْ ذلكَ قولُهُم : هُذيلٌ هُذَلِيٌّ وفَقَيمٌ كِنَانةَ : فُقَمِيٌّ ومُلَيحُ خُزَاعةَ مُلَحِيٌّ وثُقيفٌ ثقَفيٌّ وكان القياسُ في جميعِ هذهِ أَنْ تثبتَ وقالوا في زبينةٍ : زَبانِيٌّ وفي طيءٍ : طَائِيٌّ والعَالية : عُلْويٌّ وبَاديةٍ : بَدَوِيٌّ والبصرة : بِصْرِيٌّ والسَّهلُ : سُهْليٌّ والدهر : دُهْرِيٌّ وفي حَيّ من بني عَدِيٍّ يقالُ لَهم : بنو عَبيدة : عُبَديٌّ
قالَ سيبويه حدثني مَنْ أَثقُ بهِ أَنَّ بعضَهم يقولُ : في بني جَذِيمةَ : جُذَمِيٌّ وقالوا في بني الحُبْلَى من الأنصارِ : حُبْلِيٌّ وفي صَنْعاءَ : صَنْعَانِيٌّ وفي شتاءٍ : شَتَويٌّ وقالَ أبو العباس : هُوَ جمعُ شِتْوَةٍ
وفي بَهراءَ قَبيلة مِنْ قُضاعةٍ : بَهْرانيٌّ وفي دَسْتِواءَ : دَسْتوانيٌّ مثلُ بَحرانيٍّ وزَعمَ الخليلُ : أَنهَّم بنوا البحرَ على بناءِ فَعْلانَ وفي الأُفُقِ : أَفَقيٌّ ومن العرب مَنْ يقولُ : أُفُقيٌّ علَى القياسِ
وفي حروراءَ وهوَ اسمُ موضع : حَرُورِيٌّ وكانَ القياسُ : حَرَواويٌّ وجَلُولاء : جَلُوليٌّ وخُرَاسان : خُرْسيٌّ وخُراسانيٌّ أَكثر وخُراسيٌّ وقالَ بعضُهم : إبلٌ حَمَضِّيةٌ إذا أَكلتِ الحَمْضَ وَحَمْضيِّةٌ أَجودَ وإبلُ طُلاحِيّةٌ إذا أكلتِ الطَّلْحَ
قالَ سيبويه : وسمعنا مَنْ يقولُ : أَمَوِيٌّ وقالَ في : الرَّوْحَاءِ : رَوحانيٌّ ورَوحاويٌّ أَكثرُ
وقالوا في : طُهَيَّةَ : طُهْويٌّ وقالَ بعضُهم : طُهَوِيٌّ علَى القياسِ
الضربُ الثاني : ما جاءَ معدولاً محذوفاً منهُ إحدى الياءين :
وذلكَ قولُهم في شَأْم : شَآمٌ وفي تِهامةَ : تَهامٌ يفتحونَ التاءَ ومَنْ كسرَها شدَّدَ
فقالَ : تِهاميٌُّ ويمانٌ في اليمنِ وزعمَ الخَليلُ : أَنَّهم أَلحقوا هذهِ الألفاتِ عوضاً مِنْ ذَهابِ إحدى الياءين
وقالَ سيبويه : منهم مَنْ يقولُ : تَهامِيٌّ ويَمانيٌّ وشَآمِيٌّ وإنْ شئتَ قلتَ : يَمَنِيٌّ علَى القياسِ قال : وزَعم أبو الخطابِ : أَنهُ سمعَ مِنَ العرَبِ مَنْ يقولُ في الإِضافةِ إلى الملائِكة والجنِّ : رُوحانيٌّ أَضافَ إلى الروحِ وللجميعُ : رأَيتُ روحانيينَ
وزعَم أَبو عبيدة : أَنَّ العربَ تقولهُ لكُلِّ شيءٍ فيهِ الروحُ وجميعُ هذَا إذَا صارَ اسماً في غيرِ هذَا الموضعِ فأَضفتَ إليهِ جَرى علَى القياسِ
الثاني : ما يكونُ عَلماً خلافه إذا لَم يردْ بهِ ذلكَ :
قالوا في الطويلِ الجُمّة : جُمَانيٌّ وفي الطويلِ اللحيةِ : لِحيانِيٌّ وفي الغليظ الرقبةِ : رَقَبانيٌّ فإذَا سميتَ بها قلتَ : رَقَبِيٌّ وجُمّيٌّ علَى الأَصلِ وقالوا في القديمِ السنِّ : دُهْرِيٌّ ولو سميتَ بالدهرِ لقلتَ : دَهْرِيٌّ
الثالثُ : ما تحذفُ منهُ ياءُ الإِضافةِ :
إذا جعلتَهُ صاحبَ معالجةٍ جاءَ على ( فَعَّالٍ ) قالوا : لِصَاحبِ الثيابِ : ثَوَّابٌ ولِصَاحبِ العَاجِ : ( عَوَّاجُ ) وذا أَكثرُ من أَنْ يُحصى وقَدْ قالوا : البتِّيّ أَضافوهُ إلى البتُوتِ وقَد قالوا : البَتَّاتُ فأَمَّا ما كانَ ذَا شيءٍ وليسَ بصنعةٍ فيجيءُ عَلَى فَاعِل تقولُ لذي الدرعِ : دارِعٌ ولذي النبلِ : نَابِلٌ ومثله نَاشِبٌ وتَامرٌ ذو تمرٍ وآهِلٌ أَي : ذوا أَهلٍ ولِصِاحبِ الفَرسِ : فَارِسٌ وعِيشةٌ راضيةٌ ذَاتِ رِضَاً ومثلهُ طَاعمٌ كاسٍ ذُو طَعامٍ وكسوة
وناعل ذُو نَعْلٍ وقالوا : بَغَّالٌ لِصاحبِ البغلِ شبهوهُ بالأَولِ وقالوا لذي السيفِ : سَيّافٌ ولا تقولُ لصاحِب الشعيرِ : شَعّار ولا لِصاحبِ البرِّ : بَرَّارٌ ولا لِصاحبِ الفاكهةِ : فَكَّاهٌ ولم يجىءُ هذا في كُلِّ شيءٍ والقياسُ في جميعِ ذا أَنْ تنسبَ إليه بالياءِ المشددةِ على شرائِط النَّسَبِ التي مَضَتْ
الرابعُ : ما يكونُ مذكراً يوصف بهِ مؤنثٌ :
اعلَمْ : بأَنَّ هذَا البابَ جاءَ على ذي شيءٍ مثل دارعٍ ونَابلٍ وهَذا قولُ الخليلِ فمن ذلكَ قولهم : حَائضٌ وطامثٌ وناقةٌ ضَامرٌ قالَ الخليل : لم يجيء هذَا على الفعلِ وكذلكَ مرضعٌ فإنْ أَجراهُ على الفعلِ قالَ : مرضعةٌ وهي حائضةٌ غَداً ولا يجوزُ غيرهُ
وقالَ سيبويه : إنَّ ( حائضَ ) جاءَ على صفةِ شيءٍ والشيءُ مذكرٌ
وقالَ : إنَّ ( فَعُولاً ومِفْعَالاً ومِفْعلاً ) يكونُ في تكثيرِ الشيءِ وتشديدهِ ووقعَ في كلامِهم على أَنهُ مذكر
وقالَ الخليل : إنَّهم : يريدونَ الإِضافةَ ويستدلُّ على ذلكَ بقولِهم : رَجُلٌ عَمِلٌ وليسَ معناهُ المبالغةُ إلاّ أَنَّ الهاءَ تدخلهُ يعني : ( فَعِلٌ ) وقالَ : نَهِرٌ يريدونَ : نَهَاريٌّ يعني : النهارَ وقالوا : رَجَلٌ حَرِحٌ : ورَجلٌ سَتِهٌ كأَنّهُ قالَ : حِرِيٌّ واسْتِيٌّ وقالَ في قولِهِم : مَوْتٌ ( مَائتٌ ) وشُغْلٌ شَاغِلٌ وشِعْرٌ شِاعِرٌ أَرادوا بهِ المبالغةَ
قالَ أبو العباسُ : أي شِعرٌ يقومُ بنفسِه وشُغْلٌ يقومُ مقامَ فاعلِه
وقالَ الخليلُ : هو بمنزلةِ قولِهم : هَمٌّ ناصِبٌ وقَد جاءتْ هاءُ التأنيثِ في
شيءٍ مِنْ ( فَعُولٍ ) ومِفْعَالٍ وأَمّا : مِفْعيلٌ فقلّما جاءتْ فيهِ الهاءُ ومِفْعَلٌ قَد جاءتِ الهاءُ فيهِ
يُقالُ : مِصَكٌّ ومِصَكةٌّ . هَذا بابُ المَصادِر وأَسماءُ الفَاعلينَ
المصادرُ الأصول والأَفعالُ مشتقةٌ مِنْها وكذلكَ أَسماءُ الفاعلينَ وقد تكونُ أسماءً في معاني المصَادرِ لم يشتقَّ فيها فَعْلٌ ولكنْ لا يجوزُ أَن يكونَ فِعْلٌ لَم يتقدمهُ مصدرٌ فإذَا نطقَ بالفعلِ فقد وجبَ المصدرُ الذي أُخِذَ منهُ ووجبَ اسمُ الفَاعِل ولو كانتِ المصادرُ مأخوذةَ مِنَ الفعلِ كاسمِ الفِاعِلِ لما اختلفتْ كما لا يختلفُ اسمُ الفاَعِل ونحو نذكرُ أَربعةَ أَشياءٍ : المصدرَ والصفةَ والفِعْلَ وما اشتقَّ منهُ
فالفِعْلُ ينقسمُ قسمينِ : ثلاثي ورُباعي والثلاثي ينقسمُ قسمين : فِعْلٌ بغيرِ زيادةٍ وفِعْلٌ فيهِ زيادةٌ وانقسامُ المصادرِ في الزيادةِ وغيرِها كانقسامِ الأَفعالِ
القسم الأولُ : الفِعْلُ الثلاثي الذي لا زيادةُ فيهِ
وهو ينقسمُ عل ضربينِ : فِعْلٍ متعدٍ إلى مَفْعولٍ وفِعلٌ غيرُ متعدٍّ
ذِكرُ أَبنيةِ المتعدي مِنَ الثلاثي
وهوَ على ثلاثةِ أَضربٍ على فَعَلَ يَفْعِلُ مثلُ : ضَرَبَ يَضْرِبُ
وفَعَلَ يَفْعُلُ مثلُ : قَتَلَ يَقْتُلُ وفَعِلَ يَفْعَلُ نحو : لَحِسَ يَلْحَس وليسَ في الكلامِ فَعَلَ يَفْعَلُ إلاّ أن يكونَ فيهِ حرفٌ مِن حروفِ الحلقِ وسنذكرَها بَعْدُ إنْ شَاءَ الله
والصفةُ : على فَاعِلٍ في جميعِ هَذا وذلكَ نحو : ضاربٍ وقَاتلٍ ولاحِسٍ وقَدْ جاءَ اسمُ الفاعِل علَى ( فَعيلٍ ) قالوا : ضَريبُ قَدَاحٍ للضاربِ وصَريمٌ بمعنى : صَارمٍ وأَصلُ المصدرِ في جميعِها أَن يجيءَ على ( فَعْلٍ ) لأَنَّ المرةَ الواحدةَ علَى فَعْلَةٍ ولكنَّها اختلفتْ أَبنيتُها كما تختلفُ أَبنيةُ سائرِ الأَسماءِ ونحن نذكرُ ما جاءَ في بابٍ بابٍ مِنْها
الضربُ الأولُ : فَعَلَ يَفْعِلُ :
يجيءُ علَى اثني عَشَر بناءً
فَعْلٌ نحو : ضَرَبَ ضَرْباً وَهوَ الأَصلُ وفِعْلٌ : قالَهُ قِيْلاً
وفَعَلٌ : سَرَقَ سَرَقاً فَعَلَةٌ : غَلَبَةٌ : فِعْلَةٌ : سَرِقَةٌ فَعِلٌ :
كَذِبٌ فِعْلَةٌ
حِمْيَةٌ فِعَالٌ : ضِرَابُ الفَحلِ كالنِّكاح فِعَالةٌ : حِمَايةُ فِعْلانٌ : حِرْمَانٌ فُعْلانٌ : غُفْرانٌ فَعْلانٌ : لَيَّانٌ مِنْ لَويتُهُ قالَ أَبو العباسِ : فَعْلانٌ لا يكونُ مصدراً ولكنْ استثقلوا الكسرةَ مَع الياءِ
الضَّرْبُ الثاني :
فَعَلَ يَفْعُلُ فَعْلٌ : هُوَ الأَصلُ نحو : القَتْل وجاء ( فَعَلٌ ) حلبَها يحلبُها حَلَباً فَعِلٌ : الخَنِقُ فُعْلٌ كُفْرٌ فِعْلٌ قِيلٌ : وحِجُّ فِعْلَةٌ : شِدَّةٌ فِعَالٌ : كِتَابٌ فُعْلانٌ : شُكْرَانٌ فُعُولٌ : شُكُورٌ وقدَ جاءَ : فِعِلَ يَفْعِلُ : حَسِبَ يَحْسِبُ وَيَئسَ يَيئِسُ ونَعِمَ يَنْعمُ
قالَ : سيبويه : والفتحُ في هذَا أَقيسُ وكانَ هذَا عندَ أًصحابِنا إنّما يجيءُ عَلى لغتينِ ومِنْ ذَا قولُهم : فَضِلَ يَفضُلُ ومتَّ تَمُوتُ وكُدْتَ تكادُ
الضربُ الثالثُ : فَعِلَ يَفْعَلُ :
فَعْلٌ الأصلُ مثلُ : حَمِدُ حَمداً فَعَلٌ : عَمَلٌ فُعْلٌ : شُرْبٌ فَعْلَةٌ : رَحْمَةٌ فِعْلَةٌ : خِلتهُ خِيْلَةً فَعَلَةٌ قالوا : رَحَمْتُهُ رَحَمَةً فِعَالٌ : سِفَادٌ
فَعَالٌ : سَمَاعٌ فِعْلانٌ : غَشِيَةُ غِشْيَاناً فَعَلَ يَفعُلُ مِنْ حروفِ الحَلقِ فَعَالَةٌ : نَصَاحةٌ فِعَالةٌ : نِكاءةٌ فُعَالٌ : سُوَالٌ
القسمُ الثاني مِنَ الثلاثي وهوَ الذي لا يتَعدى
وهو ينقسمُ قسمينِ : عَمَلٌ وغيرُ عَمَلٍ ونحنُ نبدأُ بذكرِ ما هوَ عَمَلٌ
اعلَمْ : أَنَّ هذَا الفعلَ على أَبنيةِ المتعدي واسمُ الفَاعِل في الثلاثةِ التي على وزنِ المتعدي على ( فاعِل ) والمصدرُ الذي يكثرُ فيهِ ( فُعُولٌ ) وعليهِ يقاسُ فَعَلَ يَفْعِلُ فُعُولٌ الكثيرُ مثلُ : جُلُوسٍ فَعِلٌ : حَلِفٌ فَعْلٌ : عَجْزٌ
فَعَلَ يَفْعَلُ وجدتُ فَعَلَ يَفْعَلُ فيمَا هو غيرُ متعدٍّ أَكَثرُ من ( فَعَلَ يَفْعِلُ ) وهُما أُختانِ فَعُولٌ هوَ الأَكثرُ الذي يقاسُ عليهِ نحو : قُعُودٍ فَعَالٌ : ثَبَاتٌ فَعْلٌ قالوا : سَكَتَ : سَكْتاً فُعْلٌ : مُكْثٌ والشغْلُ فِعْلٌ : فِسْقٌ فِعَالَةٌ : عِمَارةٌ
فَعِلَ يَفْعَلُ فَعَلٌ : عَمَلٌ فَعْلٌ
حَرِدَ يَحْردُ حَرْداً وهو حَاردٌ قولهم : فَاعِلٌ يدلٌّ علَى أَنهَّمُ جعلوهُ مِنْ هذَا البابِ
فَعْلٌ : حَميتِ الشمسُ حَمْياً وهيَ حَاميةٌ فَعِلٌ : الضَّحِكُ
وأَما ما كانَ غيرُ عَمَلٍ فقد تجيءُ هذهِ الأبنيةُ فيهِ إلاّ أَنهُ يخصهُ فَعُلٌ : يَفْعُلُ وهذَا البناءُ لا يكونُ في المتعدي ألبتةَ
بَابُ فَعَلَ يَفْعَلُ مِنْ حروفِ الحلقِ : فَعْلٌ : هَدَأَ هَدْءاً فَعَالٌ : ذَهَابٌ . فِعَالٌ : مِزَاحٌ
ذِكرُ مَا جاءَ من المصادرِ والصفاتِ والأَفعالِ علَى بناءٍ واحدٍ لتقاربِ المَعاني
:
هَذا الضربُ إنّما حقهُ أَنْ يجيءَ فيما كانَ خِلقةَ أَو خُلُقاً أَو صِناعةً تكونُ في الشيءِ فما جاءَ مِنَ الأعمالِ فمشبهُ بهذَا
اعلَمِْ : أنَّ العربَ ربُما أَجرِتْ هذهِ المصادرَ على المعاني كما خبرتُكَ ورُبَّما رجعوا إلى بناءِ الفعلِ وكذلكَ الصفةُ وأَبنيةُ الأََفعالِ قد تجيءُ علَى بناءٍ واحدٍ لتقارب المعاني وجميعُ هذه التي ذكرتُ لا تخلو منْ أَن تتفقَ في المصادرِ أو في الصفاتِ أو في الفعلِ فهي مِنْ أَجلِ هذَا تُقسمُ ثلاثةَ أَقسامِ
الأول : منها المتفقةُ في المصدرِ والثاني : المتفقةُ في الصفةِ والثالثُ : المتفقةُ في الفعلِ
الضربُ الأولُ : المتفقةُ في المصدرِ :
وهوَ ينقسمُ على سبعةِ أَقسامٍ :
فُعَالٌ فُعَالةٌ فِعَالٌ فِعَالةٌ فَعَالةٌ فَعَلٌ فَعَلانٌ
الأولُ : فُعَالٌ لِمَا كانَ داءاً نحو : السُّكَاتِ والعُطَاسِ والثاني : لِمَا فُتِّتَ نحو : الحُطَامِ والفُتَاتِ والفضَاضِ
الثالثُ : لِمَا كانَ صوتاً كالصُّرَاخِ والبُكَاءِ وقَد جاءَ الهديرُ والضجيجُ والصَّهيلُ وقالوا : الهَدْرُ والصَوْتُ أَيضاً تَحركٌ فَبَابُ فُعَالٍ وفَعَلانٍ وَاحدٌ وقَدْ جاءَ الصوتُ على فَعَلَةٍ نحو : الرَّزَمةِ والجَلَبَةِ
الثاني : فُعَالَةٌ : ما كانَ جَزاءً لَمَا عملتَ : نحو العُمَالةِ والخُبَاسةِ والظُلامةِ
الثاني : مِنْ فُعَالةٍ ما كانَ معناهُ الفُضَالةُ نحو القُلامةِ والقُوارةِ والقُراضةِ
الثالث من الأول : فِعَالٌ للهياجِ نحو : الصِّرافِ في الشاةِ والهِبَابِ والقِرَاع لأَنهُ تَهييجٌ فيُذكّر الثاني مِنْ فِعَالٍ وهو لما كانَ انتهاءُ الزمانِ نحو : الصِّرام والجِزَازِ والحِصَادِ ورُبَّما دخلتِ اللغةُ في بعضِ ذَا فكانَ فيهِ ( فِعَالٌ وفَعَالٌ ) فإِذَا أرادوا الفعلَ على ( فَعَلْتُ ) قالوا : حَصدتهُ حَصْدَاً إِنّما يريدُ العملَ لا انتهاءَ الغايةِ
الثالث من فعالٍ للتباعدِ نحو : الشِّرَادِ والشِّماسِ والنِّفَارِ والخِلاَءِ
وقالوا : النُّفُور والشُّمَوس والشَّبيبُ مِنَ شَبَّ الفرسُ وقالوا : الشَّبُّ وقالوا : خَلأَتِ الناقةُ خِلاَءً وخَلأً مثلُ خَلْعٍ وقالوا : العِضَاضُ شبهوهُ بالحِرَانِ ولم يريدوا بهِ : فعلتُه فِعْلاً
الرابعُ من ( فِعَالٍ ) ما كانَ وسماً نحو : الخِبَاطِ والعِلاطِ والعِرَاضِ
الأَثرُ يكونَ علَى فِعَالٍ والعملُ يكونُ فَعْلاً كقولِكَ : وسمتهُ وَسْمَاً وأَما المُشْطُ والدَّلوُ والخُطَّافُ فإنما أرادوا بهِ صورةَ هذهِ الأشياءِ
وقَد جاءَ على ( فَعْلَةٍ ) نحو : القَرمةِ والجَرْفةِ اكتفوا بالعملِ وأَوقعوهُ على الأَثرِ
فَعَالةٌ للقيامِ بالشيءِ وعليهِ نحو : الوِلايةِ والإِمارةِ والخِلاَفَةِ والعِرَافةِ والنِّكابةِ والعِيَاسةِ والسياسةِ وقالوا في العِيَاسةِ : العوس والعياسةِ
والسياسةِ والقِصَابةِ وإِنّما أَرادوا أَن يخبروا بالصنعة التي تَليها فصارَ بمنزلةِ الوَكَالةِ وكذلكَ السِّعَايةِ تريدُ : الساعيَ الذي يأخذُ الصدقةَ
فَعَالةٌ للتركِ والإنتهاءِ نحو : السَّامةِ والزَّهادةِ والإسمُ فَاعلٌ وقالوا : الزُّهْدُ
فَعَلٌ للإنتهاءِ والتركِ أَيضاً هَذا يجيءُ فعلُه علَى ( فَعِلَ يَفْعَلُ ) نحو : أَجِمَ يأجَمُ أَجَمَاً وَسَنِقَ يَسْنَقُ سَنَقًا
قالَ أبو بكر : وعندي أَنَّ حَذَرَ وفَرِقَ وفَزَعَ مِنْ هَذا البابِ للتركِ وجاؤوا بضده على مثالهِ نحو : هَوِيَ هَوَىً وَهوَ هَوٍ وقَنِعَ : يَقْنعُ فهوَ قُنعٌ وقالوا : قَنَاعةٌ كزَهادةٍ وقالوا : قَانعٌ كزاهدٍ وقالوا : بَطِنَ يَبْطنُ بَطَناً وهو بَطِنٌ وتَبِنَ وثَمِلَ مثلهُ
فَعَلاَنٌ : ما كانَ زَعْزعةً للبدنِ في ارتفاعٍ كالعَسَلانِ والرَّتَكانِ والغَثَيانِ واللَّمَعانِ وجاءَ على ( فُعَالٍ ) لأنهما يتقاربانِ في المعنى وذلكَ
( النُّزَاء ) والقُمَاصُ
وقالوا : وجَبَ وَجيباً ووَجفَ وَجِيفاً كَما قالوا في الصوتِ : الهَديرُ ورسمَ البَعيرُ رَسِيماً وقالوا : النَّزْوُ واللَّمْعُ ولا يجيءُ فعلهُ متعدياً إِلاّ شَاذّاً نحو : شَنِئتُهُ شَنآناً
وقالَ أَبو العباس : المعنى شَنئتُ منهُ
الضربُ الثاني : المتفقةُ في الصفةِ :
فَعْلاَنُ : الجوعُ والعطشُ ويكونُ المصدرُ ( فَعَلٌ ) فالفعلُ : فَعِلَ يَفْعَلُ وذلكَ طَوِيَ : يَطْوي طَواً وَهْوَ طَيَّانُ وعَطِشَ يَعْطشُ عَطَشاً وَهْوَ : عَطْشَانُ وقالوا : الظَّماءةُ والطَوّى مثلُ الشِّبَعِ وضدهُ مثله : شَبعَ يَشْبَع ُ شَبَعَاً وَهوَ من : شَبعانَ وملئتُ مِنَ
الطعامَ وقَدحٌ نَصْفانَ وجَمجمةٌ نَصْفَى وقَدَحٌ قَرْبَانُ وجَمجمةٌ قَربى بمنزلةِ ملآنٍ ولم يقولوا : قَرِبٌ
ورَجلٌ شَهْوَانُ وشَهْوَى لأَنهُ بمنزلةِ الغَرْثَى والغَضَبُ كالعَطشِ لأَنهُ في جوفِه ومثلهُ : ثَكِلَ يَثْكلُ ثَكْلاً وهو ثَكْلانُ وثَكْلَى وعَبَرْتَ تَعبرُ عَبْراً وعَبْرى
وأمَّا ما اعتلتْ عينهُ فَعِمْتَ تَعامُ عَيْمَةً وهوَ عَيْمَانُ وهيَ عَيْمَى كأَنَّ الهاءَ عوضٌ مِنْ فتحةِ العينِ في ( عَيْمةٍ ) وَحِرتَ تَحارُ حَيْرَةً وَهوَ حَيرانُ وهيَ حَيْرَى وهوَ كسكرانَ وأَما جَربانُ وجَرْبَى فلأَنهُ بلاءٌ وقالوا : الرِّيُّ وسَغَبَ يَسْغُبُ سُغْباً وهوَ سَاغبٌ وجَاعَ يَجُوْعُ وهوَ جَائعٌ وجَوْعَانُ وَسكَرٌ وسُكْرٌ
الثاني : مِنَ الصفةِ : أَفعلُ :
للألوانِ ويكونُ الفعلُ على ( فَعِلَ ) ( يَفْعَلُ ) والمصدرُ فُعْلَةٌ نحو : كَهِبَ يَكْهُبُ كَهْبَةً وشَهِبَ يَشْهُبُ شَهْبَةً وصَدِيَ يَصْدَاُ صُدْأَةً وقالوا أَيضاً : صَدَأَ ورُبَّما جاءَ الفعلُ على فَعِلَ : يَفْعُلُ نحو : أَدِمَ يَأدُمُ ومِنَ العربِ مَنْ يقولُ : أَدُمَ يَأدُمُ أُدْمَةً وشَهُبَ وقَهُبَ وكَهُبَ ويبنونَ الفِعْلَ منهُ عَلَى
إفعالَّ مثلُ اشهابَّ ويستغني ( بإفْعالَّ ) عَنْ ( فَعِلَ ) وهوَ الذي لا يكادُ ينكسرُ في الأَلوانِ يقولونَ : أسْوَدَّ وابيضَّ فيقصرونهُ وقالوا : ( الصُّهوبةُ والبَياضُ والسَّوادُ كالصباحِ والمساءِ ) ومن الألوانِ جَوْنٌ وَوَرْدٌ علَى وَزنِ ( فَعْلٍ )
وقَالُوا : الأغبسُ والغُبْسَةُ كالحمرة
وجَاءَ المصدر الوُرْدَةُ والجُونَةُ
وجَاءَ فَعِيلٌ : خَصِيفٌ أَي : أسودُ
وتأتي ( أَفْعَلُ ) صفةً في معنى الداءِ والعيبِ
الفِعلُ فَعِلَ يَفْعَلُ والمصدرُ ( فَعَلٌ ) فيما كانَ داءٍّ أو عيباً عَوِرَ يَعْوَرُ عَوَراً وأَعوَرُ وأَصْلَعُ وأَجذَمُ وأَجبنُ وأَقطعُ وأَجذَمُ لم يتكلمْ بِالفعلِ منهُ ويقالُ لموضعِ القَطعِ : القُطْعَةُ والقَطَعَةُ والصُّلْعَةُ والصَلَعَةُ وقالوا : سَتهاءُ وأستَهُ جاءَ على بناءِ ضدهِ رَسْحَاءُ وأَرْسَحُ وأَهضمُ وهَضماءُ
وقَالوا : أَغلبُ وأَزبرُ والأَغلبُ العظيمُ الرَّقبةِ والأَزبرُ العظيمُ الزُّبْرَةِ وهو موضعُ الكَاهلِ وآذنُ وأَذْناءُ وأَسَكٌّ وسَكاءُ وأَخلَقُ وأَمْلَسُ وأَجْردُ كمَا قالوا : أَخشنُ في ضدهِ وقالوا : الخُشْنَةُ وخُشونةٌ كالصهوبةِ ومؤنثُ كُلِّ أَفعلَ فَعْلاءُ
قالَ أبو العباس : أَفعلُ فَعْلانُ وفَعيلٌ شيءٌ واحدٌ لأنها تقعُ لِمَا لا يتعدى وقالوا في الأَصيدِ : صَيِدَ يَصْيَدُ صَيَدَاً وقالوا : شَابَ يَشِيبُ ومثلُ : شَاخَ يَشِيخُ وأَشيبُ كأَشمطَ وأَشْعَر كأَجردَ وأَزبُّ
وقالوا : هَيجَ يَهْوجِ هَوَجاً وثَوِلَ يَثْولُ ثُوْلاً وأثولُ وقالوا : مَالَ يَمِيلُ وَهْوَ مائلٌ وأَميلُ
فَعيلٌ بمعنى : العَديلَ لأَنَّ فِعْلَة فاعلتُهُ وذلكَ نحو : الجَليسِ والعديلِ والخليطِ والكَميعِ وخَصِيم ونَزيع وقَد جَاءَ خَصْمٌ
ثاني فَعِيل : ما أَتى مِنَ الفَعْلِ نحو : حَلُمَ يَحْلُمُ حِلْماً فهوَ حَليمٌ وظَرُفَ يَظْرُفُ ظَرْفاً وهوَ ظَريفٌ وقالوا : في ضدهِ جَهِلَ جَهْلاً وَهُوَ جاهلٌ وقالوا : عَالِمٌ وعَلِمَ يَعْلمُ وجَهِلَ كحَرِدَ حَرْداً وهوَ حَارِدٌ فهذاَ ارتفاعٌ في الفعلِ واتضاعٌ وقالوا : عَليمٌ وفَقيهُ وهوَ فَقيهٌ والمصدرُ فَقْهٌ
وقالوا : اللُّبُّ واللُّبابةُ ولَبيبُ كما قالوا : اللؤْمُ واللآمةُ ولَئِيمٌ وقالوا : فَهِمَ يَفْهَمُ فَهْماً وهوَ فَهِمٌ ونَقِهَ يَنْقَهُ نقَهاً وهوَ نَقِهٌ وقالوا : الفَهَامةُ ونَاقَةٌ ولَبِقٌ
وَحذَقَ يحذِقُ حِذْقاً وَرَفُقَ يَرْفُقٌ رِفْقاً وَهْوَ رَفيقٌ وقالوا :
رَفِقٌ وَعَقَلَ يَعْقِلُ عَقْلاً وعَاقِلٌ ورَزُنَ رَزَانةً وهوَ رَزينٌ ورزينةٌ وقالوا للمرأةِ : حَصُنتْ حُصْناً وهيَ حَصَانٌ مثلُ جَبَانٍ
وقالوا : حَصْناً ويقالُ لها ثَقالٌ ورَزَانٌ وصَلِفَ يَصْلَفُ صَلَفاً وصَلِفٌ ورَقُعَ رَقَاعةً كحَمُقَ حَمَاقةً وحَمِقٌ وأَحمقُ كأَشنع وخَرُقَ خُرْقاً وأَخرقُ وقالوا : النَّواكةُ وأَنوكُ واستنوكَ ولم نسمعهم قالوا : نَوِكَ
ثَالثُ فَعِيلٍ : ما كانَ ولايةً نحو : أَميرٍ ووَكيلٍ ووصيٍّ وجَرِيٌّ بمعنى وَكيلٍ
الضربُ الثالثُ : المتفقةُ في الفِعْلِ :
هَذا البابُ يكون في الخصالِ المحمودةِ والمَذمومةِ يجيءُ هَذا علَى ( فَعُلَ ) يَفْعُلُ إِلاّ في المضاعفِ وهوَ علَى ثلاثةِ أَضربٍ
الأولُ : ما كانَ حُسْناً أَو قُبْحاً
الثاني : ما كانَ في الصغرِ والكبرِ
الثالثُ : الضَّعفُ والجبنُ والشجاعةُ ومنهُ ما يختلطُ منهُ فَعُلَ بِفَعِلَ كثيراً وهوَ الرِّفعةُ والضَّعةُ لأَنَّ فَعُلَ أُختُ ( فَعِلَ )
الأولُ مِنْ فَعُلَ يَفْعُلُ ما كانَ حُسناً أَو قُبحاً :
الفعلُ فَعُلَ يَفْعُلُ فَعَالاً وفَعَالةً وفُعْلاً والأسمُ فعيلٌ قَبُحَ
يَقْبُحُ قَبَاحةً وَوَسَمَ يُوْسُمُ وسامةً ووَسَاماً وَجمُلَ جَمَالاً وقالوا : الحُسنُ والقُبحُ وفَعَالة أَكثرُ وقالوا : نَضيرٌ على البابِ وقالوا : نَضرَ وجههُ وناضِرٌ ونَضْرٌ ونَضَارةٌ وقالوا : ضَخْمٌ وسَبْطٌ وقَطَطٌ مثلُ : حَسَنٍ وسَبِط سَبَاطةً وسُبُوطةً ومَلُحَ مَلاَحةً ومَليحٌ وسَمُحَ سَمَاحةً وسَميحٌ وشَنُعَ شَنَاعةً وشَنيعُ ونَظُفَ نَظَافةً كصَبُحَ صَبَاحةً وقالوا : رَجُلٌ سَبْطٌ وجَعْدٌ
قالَ أبو العباس : هُذيل تقولُ : سَميحٌ وَنذيلٌ
قالَ سيبويه : وقالوا : طَهُرَ طُهْراً وطَهَارةً وطَاهِرٌ وقالوا : طَهُرتِ المرأةُ وطَمَثَتْ
الثاني : الصغرُ والكبرُ :
وذلكَ عَظُمَ عَظَامةً وهوَ عَظيمٌ ويجيءُ المصدرُ علَى ( فِعَلٍ ) نحو : الصِّغَرِ والكِبَرِ والقِدَمِ وكَثُرَ كَثارةً وهو كَثيرٌ وقالوا : الكَثْرةُ وسَمِنَ سِمناً وهوَ سمينٌ ككبرَ كِبرَاً وهوَ كبيرٌ وقالوا : كَبُرَ على الأَمرِ كَعَظُمَ وجاءَ : فَخْمٌ وضَخْمٌ والمصدرُ فُعُولةٌ الجُهُومةُ وقالوا : بَطِنَ يَبْطُنُ بِطنةً وَهْوَ بَطينٌ
الثالثُ : الضعفُ والجبنُ وضدُّهما :
شَجُعَ شَجَاعَةً وشَجيعٌ وشُجاعٌ وفَعيلٌ أَخو فُعَالٍ وضَعُفَ ضعفاً وهوَ ضعيفٌ وجَرُؤَ يَجْرؤُ جُرأَةً وهوَ جَرِيءٌ وغَلُظَ يَغْلُظُ غِلَظاً وغَليظٌ للصلابةِ مِنَ الأرضِ وغيرِها
وسَهُلَ سَهُولَةً وسَهْلٌ وسَرُعَ سِرَعاً وهوَ سريعٌ وبَطُؤَ بِطَأً وهوَ بَطيءٌ
قالَ سيبويه : إنما جعلناهما في هَذا البابِ لأَنَّ أَحدهما أَقوى على أمرهِ وكَمُشَ كَماشَةً وكَميشٌ وحَزُنَ حُزُونةَ للمكانِ وهوَ حَزْنٌ وصَعُبَ صُعُوبةَ وهوَ صَعْبُ
هَذا بابُ ما يختلطُ فيهِ : فَعُلَ يَفْعُلُ كثيراً وهوَ ما كانَ مِنَ الرفعةِ والضَّعةِ
قالوا : غَنِيَ غِنَىً وهو غَبِيٌّ وفقيرٌ كصَغيرٍ والفَقْرُ كالضَّعْفِ ولم يقولوا : فَقُرَ كما لم يقولوا في الشديدِ شَدُدْتَ استغنوا بافْتقَر واشتدَّ وشَرُفَ شَرَفاً وهوَ شَريفٌ وكَرُمَ ولَؤُمَ مثلُه ودَنُوَ ومَلُؤَ ملاءةً وهوَ مَلِيءٌ ووَضعَ ضَعَةً وَهوَ وضيعٌ وضِعَةً ورفيعٌ ولم يقولوا : رَفُعَ وقالوا : نَبُهَ يَنْبُهُ وهو نَابهٌ ونَبيهٌ وسَعِدَ يَسْعَدُ سعادةً وسعيدٌ وشَقي يشقى شَقَاوةً وشَقِيُّ وَبَخِلَ يَبْخَلُ بُخْلاً وبَخيلٌ أَمُرَ علَينا فهو أَميرٌ وأَمَرَ أَيضاً وقالوا : الشَّقاءُ حذفوا الهاءَ
ورَشِدَ يَرشَدُ رَشَداً ورَاشدٌ والرُّشْدُ ورَشيدٌ والرَّشادُ والبخْلُ والبَخَلُ كالكَرَمِ
أَمَّا المُضَاعفُ فلا يكونُ فيهِ ( فَعَلْتُ ) وذلكَ نحو : ذَلَّ يَذِلُّ ذُلاًّ وذِلَّةً وذَليلٌ وشحيحٌ وشَحَّ يَشحُّ وقالوا : شَحِحْتُ
وضَنَنْتُ ضَنّاً وضَنَانةً وَلَبَّ يَلَبُّ واللُّبُّ واللَّبابةُ واللبيبُ وقَلَّ يَقِلُّ قِلَّةً وقَليلٌ وعَفَّ يَعِفُّ عِفَةً وعَفيفٌ ويقولونَ : لَبُبْتَ تَلُبُّ
بَابُ : فَعَلَ يَفْعَلُ مِنْ حروفِ الحَلقِ
اعلَمْ : أَنَّ يَفْعَلُ إِذَا قلتَ فيهنَ : فَعَلَ يَفْعَلُ مفتوحُ العينِ وذلَكَ كانتِ الهمزةُ أَو الهاءُ أَو العينُ أَ والغينُ أَو الحاءُ أَو الخاءُ لاماً أَو عيناً نحو : قَرَأَ يَقْرَأُ وَوَجَبَهُ يَجبهُ وقَلَعَ يَقْلَعُ وذَبَحَ يَذْبَحُ ونَسَخَ يَنْسَخُ
وهَذا ما كانتْ فيهِ لاماتٌ
وأَما ما كانت فيهِ عيناتٌ فَهْوَ كقولِكَ : سَأَلَ يَسْأَلُ وذَهَب يَذْهَبُ وبَعَثَ يَبْعَثُ ونَحَلَ يَنْحَلُ ونَحَرَ يَنْحَرُ وَمغَثَ يَمْغَثُ وذَخَرَ يَذْخَرُ وقَدْ جاؤوا بأَشياءَ منهُ علَى الأصلِ قالوا : بَرَأَ يَبْرُؤُ كمَا قالوا : قَتَلَ يَقْتُلُ وهَنَأَ يَهنِىءُ كَضَرَبَ يَضْرِبُ وهوَ في الهمزِ أَقلُّ وكذلكَ في الهاءِ لأَنَّها مستقلةُ في الحَلقَ وكلَّما سَفلَ الحرفُ كانَ الفتحُ
لَهُ أَلزم والفتحُ مِنَ الألفِ والألفُ أَقربُ إلى حروفِ الحَلقِ من أُختيها وقالوا : نَزَعَ يَنْزِعُ وَرَجَعَ يَرْجَعُ ونَضَحَ يَنْضَحُ ونَطَحَ يَنْطح وَرشَحَ يَرْشِحُ وجَنحَ يَجْنحُ والأصلُ في العينِ أَقلُّ لأَنَّها أَقربُ إلى الهمزةِ مِنَ الحاءِ وقالوا : صَلَحَ يَصْلُحُ وَفَرَغَ يَفْرُغُ وصَبَغَ يَصْبُغُ ومَضَغَ يَمْضُغُ ونَفَخَ يَنْفُخُ وطَبخَ يَطْبُخُ ومَرخَ يَمْرُخُ والخاَءُ والغينُ الأصلُ فيهما أَحسنُ لأَنَّهما أَشدُّ ارتفاعاً إلى الفَم ومما جاءَ على الأَصل من هذهِ الحروفِ فيهِ عيناتٌ قولُهم : زَأَرَ يَزْئِرُ ونأم يَنْئِمُ ونَعَرَ يَنْعِرُ وَرَعَدَتْ تَرْعُدُ وقَعَدَ يَقْعُدُ وشحجَ يَشْحِجُ ونَحتَ يَنْحِتُ وشَحَبَ يَشْحُبُ ونَغرتِ القدرُ تَنْغِرُ ولَغَبَ يَلْغُبُ وشَعَرَ يَشْعُرُ ومَخَضَ يَمْخُضُ ونَخَلَ يَنْخُلُ ونَخَرَ يَنْخُرُ وهَذا الضربُ إذَا كانتْ فيهِ الزوائدُ لم يفتحْ ألبتةَ كانَ حرف الحَلقِ لاماً أَو عيناً لأَنَّ الكسرَ لَهُ لازمٌ ولَيسَ هُوَ مثلُ ( فَعَلَ ) الذي يجيءُ مضارعهُ على ( يَفْعِلُ ) وَيَفْعَلُ وذلكَ مثلُ : استبرأَ يستبرِىءُ وانتزعَ يَنْتِزِعُ وكذلكَ : فَعُلَ يَفْعَلُ لا يغيرُ لأَنَّهُ لازمٌ لَهُ الضَمُّ وذلكَ قولُهم : صَبُحَ يَصْبُحُ وقَبُحَ يَقْبُحُ وضَخُمَ يَضْخُمُ ومَلُؤَ يَمْلُؤُ وقمؤَ يَقْمُؤُ وضَعُفَ يَضْعُفُ وقالوا : رَعَفَ يَرْعُفُ وسَعُلَ يَسْعُلُ
فَضَموا ما جاءَ منهُ علَى فَعَلَ فهم في ( فَعُلَ ) أَجدرُ وكانَ حَقُّ ( سَعُلَ ) وَرعُفَ أَن يجَيءَ علَى مثالِ ما جاءتْ عليهِ الأدواءُ
فإنْ كانتْ هذهِ الحروفُ فاءاتٍ نحو : أَمرَ وأَكَل وأَفلَ يَأْفُلُ لم تفتحِ العينُ لسكونِ حَرفِ الحَلقِ وقالوا : أَبى يَأْبَى شبهوهُ بيَقْرَاُ وفيهِ وجهُ آخرُ أَن يكونَ مثلَ : حَسِبَ يَحْسِبُ فُتِحَا كما كُسِرَا وقالوا : جَبىَ يَجْبَى وقَلَى يَقْلَى ( جَبَى جَمَعَ الماءَ في الحوضِ ) وحكى سيبويه : عَضَضْتَ تَعَضُّ
وقالَ أَبو العباس : عَضَضْتَ غيرُ معروفٍ ومَا كانت لامهُ ياءً أَو واواً فحكمهُ في هَذا البابِ حكمُ غيرِ المعتلِّ نحو : شَأَى يَشْأَى وَسَعَى يَسْعَى وَمَحَا يَمْحىَ وصَفَى يَصْفَى ونَحَا يَنْحَى وقد قَالُوا : يَنْحُو يَصْفُوا ويزهوهم الآلُ ويَنْجُو ويَرغُو وأَما ما كانت لامهُ مِنْ حروفِ الحَلقِ وعينهُ معتلةٌ فلا تفتحُ لأَنَّها تكونُ ساكنةً نحو : بَاعَ يَبِيعُ وتَاهَ يتِيهُ وجَاءَ يَجِيءُ وكذلكَ المضاعفُ : نحو : دَعَّ يَدُعُّ وشَحَّ يَشُحُّ وزعمَ يونس : أَنَّهم يقولونَ : كَعِّ يَكَعُّ
قالَ سيبويه : يَكِعُّ أَجودُ وهوَ كما قالَ
واعلم : أَنَّ هذه الحروفَ الستةَ إذا كَنَّ عيناتٍ في ( فَعِلَ ) ففيهِ أَربعُ لغاتٍ : فَعِلَ وفِعِلَ وفِعْلَ اسماً كانَ أَو صفةً نحو : رِحِمَ
وبِعِلَ والإسمُ رَجُلٌ لَعِبٌ وضَحِكٌ وما أَشبهَ ذلكَ في جميعِ حروفِ الحلقِ وفي ( فَعيلٍ ) لُغتانِ : فَعِيلٌ وفِعِيلٌ وتكسرُ الفاءُ في هذَا البابِ في لغةِ تَميمٍ نحو : سِعِيدٍ ورغيفٍ وَبخِيلٍ وَبِيِئسٍ وأَمَّا أَهلُ الحجازِ فيجرونَ جميعَ هَذا على القياس فإِنْ كانتِ العينُ مضمومةً لم تضم لها ما قبلهَا نحو : رَؤوفٍ ورؤوفٍ لا يضمُّ
قَالَ وسمعتُ مِنْ بعضِ العَربِ مَنْ يقولُ : بِيْسَ ولا يُحققُ الهمزةَ ويدعُ الحرفَ على الأصلِ
وأَمَّا الذينَ قالوا : مِغِيرَةٌ وَمِعينٌ فَلَيسَ علَى هَذا ولكنهم أَتبعوا الكسرةَ الكسرةَ كما قالوا : مِنْتِنٌ وَأُنْبُؤُك وأُجُؤكَ ( أَرادَ : أُنبِئُكَ وأَجِيئكَ ) وقَالوا : في حرفٍ شَاذٍّ : إحِبَّ يحِبُّ شبهوهُ ( بِمِنْتِنٍ ) فجاؤوا بهِ على ( فَعَلَ ) كما قَالوا : يِئْبَى لِما جَاءَ شاذاً عن بابهِ خولفَ بهِ وقالوا : لَيْسَ ولم يقولوا : لاسَ ولا يجوزُ في ( أَجِيئُكَ ) ما جازَ في ( يَحِبُّ ) لأَنَّ يَحِبُّ غُيرتْ عن أَصلِها وكانَ حقُّها يُحِبُّ فلمَّا غيرتْ استحسنوا التغييرَ هُنَا والإتباعَ وأَجيئُكَ على حِقّها فلا يجوزُ أَن يتبعَ الهمزةَ الجيم لأَنَّ الجيمَ في الأصلِ ساكنةٌ أَيضاً
بَابُ نظائرِ الثلاثي الصحيحِ مِنَ المعتل
وهوَ ينقسمُ ثلاثَة أَقسامٍ معتل اللام والعينِ والفاءِ : الأولُ : وهوَ ما اعتلت لامهُ وذلكَ نحو : رميتهُ رَمْيَاً ومراهُ يمريهِ مَرْياً وَهوَ مَارٍ وغَزَاهُ يغزوهُ غَزْواً وَهوَ غازٍ هذهِ الأصولُ وقالوا : لقيتُه لِقَاءً واللُّقىَ وقليتهُ فأَنا أَقليهِ قِلَىً وهديتهُ هُدَىً وفِعَلٌ أُختُ فَعَلٌ لأَنهُ لَيسَ بينهما إلاّ الضمُّ والكسرُ وكُلُّ واحدةٍ تدخلُ على صاحبتِها وَعَتا عُتُوَّاً وثَوَى يثَوَى ثُوِيّاً ومَضَى مُضِيَّاً وعَاتٍ وثاوٍ وماضٍ ونَمَى يَنْمَى نَمَاءً وبَدَا يَبْدُو وقَضَى يَقْضِي قَضَاءً ونَثَا يَنْثُو نَثَاءً وقالوا : بَدَا بَدَاً ونَثَا نَثَاً وزَنَى زِنَاً وسَرَى يَسْرِي سُرَىً والتُّقى
هَذا ما كانَ ماضيهُ علَى ( فَعَلَ ) وأَما ( فَعُلَ ) فقالوا : بَهُو يَبْهُو بَهَاءً وهو بَهِيٌّ وسَرُو يَسْرُو سَرْواً وسَرِيٌّ وبَذُوَ يَبْذَو بَذَاءً وهُوَ بَذِيٌّ وبَذى مثلُ : سَقُمَ في تصرفهِ وَدَهُوْتُ
وَهْوَ دَهِيٌّ وبعضُ العرب يقولُ : بَزِيْتُ كَشَقِيْتُ وأَمَّا ( فَعِلَ ) فنحو : خَشِيَ يَخْشَى خَشْيَةً وخَشَيَاً وهوَ خَشْيَانُ وخَاشٍ وشَقِي يَشْقَى شَقَاوةً وشَقَاءً وقَوِيَ قَوَةً وخَزِيَ يَخْزَى خَزَايةً فهوَ خَزْيَانُ إذَا استحيى
قالَ الأصمعي : خَشِيَ الرجلُ يَخْشَى خَشْياً وَهْوَ خَشْيَانُ وخَشٍّ إذَا أَخذهُ الرّبو والنّفَسُ وهذا معَ ما قبلهُ يدخلُ في بابِ الأدواءِ وهذا لم يذكره سيبويه وكان هذا موضعه في فَعَلَ فيما مضى وعَرِيَ الرجلُ إذَا خَرجَ مِنْ ثيابِه يَعْرَى عُرْياً فهو عُريَانٌ وامرأةٌ عُرْيانَةٌ ونَشِيَ الرجلُ الخَبَر إذَا تخبره ونَظَر مِنْ أَينَ جَاءَ
يَنْشَا نِشْوَةً فهوَ نَشْيان
نظيرُ ذلكَ مما اعتلتْ عينهُ كِلتهُ كَيلاً والإسمُ كَائِلٌ وقِلْتهُ قَوْلاً والإسمُ قَائِلٌ وزِرتهُ زِيَارةً وخِفتُه خوفاً وهِبتهُ أَهَابهُ هيبَة ونلتُه أنالهُ نَيْلاً وذِمتُه أَذيمهُ ذَاماً وقِتُّه قُوتاً
وقالَ بعضهم : ( رجُلٌ خَافٍ ) فجاؤوا به على ( فَعِل ) مثلُ فَرِقٍ وقزعٍ وعِفْتُه أَعَافهُ عِيَافةً وغُرتُ أَغورُ غُووراً وغِيَاراً وغِبتُ غُيُوباً وقامَ قِياماً ونحتُ نِيَاحةً وغابتِ الشمسُ غِياباُ ودَامَ يَدومُ دَوَاماً وَلِعْتَ تَلاَعُ لاعاً وَرَجلٌ لاَعٌ ولائِعٌ إلاّ أَنَّ قولَهم : لاعٌ أَكثرُ
نظيرُ ذلكَ مما اعتلت فاؤهُ
وَعَدتهُ أَعِدهُ وَعداً ولا يجيءُ في هَذا البابِ ( يَفْعُلُ ) يحذفُ الواوَ في ( يَعُدُ ) لوقوعِها بينَ ياءٍ وكسرةٍ وتجري باقي حروفِ المضارعةِ عليَها
وقالَ بعضُهم : وجَدَ يَجُدُ كأَنَّهم حذفوها مِنْ يُوْجُدُ وقالوا : وَرَدَ وُروداً وَوَجِلَ يَوْجَلُ وَهُوَ وَجِلٌ وَوَضُؤَ يُوْضُؤُ فأتموا ما كان على فَعُلَ وقالوا : وَرِمَ يَرِمُ وَرَماً وَهْوَ شَاذٌ عِنِ القياسِ وَوَرِعَ يَوْرَعُ لغة وَوَجدَ يَجِدُ وَجْداً وَوَغِرَ يَغِرُ ويُوْغَرُ وَوَحِرَ يَحِرُ ويُوحَرُ ويُوحَرُ أَكثرُ ولا يجوزُ يَوْرَمُ وَوَلى يَلي وأَصلُه فَعِلَ يَفْعَلُ فَنُقل إلى ( يَفْعَلُ ) ليحذفوها طلباً للخفةِ وأَمَّا ما كانَ مِنَ الياءِ فإنهُ لا يحذفُ منهُ وذلكَ قولُهم : يَئِسَ ييئِسُ ويَمَنَ وَيَيْمنُ وبعضهُم يقولُ : ( يَئِسَ ) يحذفُ الياءَ مِنْ ( يَفْعِلُ ) فأَمّا وطِيئَ يَطَأُ فإنَّما فتحوا العينَ للهمزةِ وهذَا جاءَ على ( فَعِلَ يَفْعِلُ مثلُ : حسِبَ يَحْسِبُ
بَابُ ذِكرِ المصَادرِ التي تُضارعُ الأسماءَ
التي ليستْ بمصادرَ وحقُّها الوصفُ مِنْ هذهِ الأفعالِ التي تقدمَ ذكرُها وجاءت علَى ضربينِ : أَحدهُما ما فيهِ علامةٌ للتأنيثِ والضربُ الثاني لا علامةَ فيهِ للتأنيثِ ويَجْمَعُ هذهِ المصادرَ كلَّها أَنَّها جاءت غيرَ جاريةٍ على فِعْلٍ وأَنَّ ما وقعَ منها صفةً خالصةً فعلَى غيرِ لفظِ الصفةِ والمؤنثُ ينقسمُ قسمينِ : أَحدهُما حرفُ التأنيثِ فيهِ أَلفٌ والآخرُ هاءٌ
القسمُ الأولُ : ما جاءَ مِنَ المصادرِ فيهِ أَلفُ التأنيثِ
وذلكَ قولُهم : رجَعْتهُ رُجْعَى وبشرتهُ بُشْرَى وذكّرتهُ ذِكْرَى واشتكيتُ شكْوى وأَفتيتهُ فُتْيَا وأَعداهُ عَدْوَى والبُقيا أَمَّا الحُذْيَا فالعطيةُ والسُّقيا ما سقيتَ والدَّعوى ما ادعيتَ وقال بعضُهم : اللهمّ : أَشرِكنَا في دَعْوى المسلمينَ وقالوا : الكِبْرِيَاءُ
الفِعْلُ رِميَّا وحجِّيزَى
وحِثِّيثَى وقالوا : الهجِّيرى وَهْوَ كثرةُ القولِ بالشيءِ والكلامُ بهِ
وقالَ الأخفشُ : الأهجيرَى وَهْوَ كثرةُ كلامهِ بالشيءِ يرددهُ
القسمُ الثاني علَى ضربينِ
أَحدهما ( فِعْلَةٌ ) يُرادُ بها ضَربٌ مِنَ الفعلِ ( فِعْلَةٌ ) يرادُ بها المرةَ وذَلكَ الطِعْمَةُ وقِتْلَةُ سوءٍ وبئْسَتِ المِيتَةِ إنّما تريدُ : الضربَ الذي أَصابهُ مِنَ القتلِ وكذلكَ : الرِّكَبةُ والجِلْسَة وقَدْ تجيءُ الفِعْلَةُ لا يرادُ بها هَذا نحو الشِّدَةِ والشِّعْرةِ والدِّريةِ وَقَدْ قالوا : الدَّريةُ وقالوا : ليتَ شِعْري فحذفوا كما قالوا : ذَهَبت بعذرتِها وهوَ أَبو عُذرِها وهوَ بزنتهِ أَي بقَدْرهِ والعِدَةُ والضِّعَةُ والقِحَةُ لا تريدُ شيئاً من هَذا وأَمَّا المرةُ الواحدةُ من الفعل فهي فعلة نحو ضربة وقومة وقالوا أتيته إتيانه ولقيته لِقاءةً وهوَ قليلٌ وقالوا : غَزَاةٌ فأرادوا عَمْلَةً واحدةً وحجةَ عَمَلِ سَنَةٍ وقالوا : قَتَمةٌ وسَهَكَةٌ وخَمُطةٌ اسمٌ لبعضِ الريحِ كالبَنّةِ والشَّهْدَةِ والعَسَلةِ ولم يُرِدْ فَعَلَ فَعْلَةً
الضربُ الثاني الذي لا علامةَ فيهِ للتأنيثِ :
وهوَ ينقسمُ قِسمين : أَحدهما ما أصلهُ أَن يكونَ مبنياً للصفةِ فوقعَ للمصدرِ والقسمُ الآخرُ ما هُوَ من أَبنيةِ المصادرِ فوصفَ بهِ أَو جعلَ هُوَ الموصوف بعينِه : الأولُ : ما لفظه لفظ الصفةِ فوقعَ للمصدرِ وذلكَ ما جاءَ على ( فَعُولٍ ) نحو : تَوضأتُ وضُوءاً وتَطهرتُ طَهُوراً وأَولعتُ بهِ وَلُوعاً ومنهم مَنْ يقولُ وقدتُ النارَ وَقُوداً عالياً وقَبلتُه قَبُولاً والوُقُودُ أَكثرُ والوَقَودُ الحَطبُ وعلَى فلانٍ قَبُولٌ وهذا البناءُ أَكثرُ ما يجيءُ في الصفاتِ نحو : ضَرُوبٍ وقَتُولٍ وهَبُوبٍ وتَؤُوم وطروَبٍ
الثاني : ما لفظهُ لَفظُ المصدرِ فجاءَ على معنى : مَفْعُولٍ وفَاعلٍ وذلك قولُكَ : لَبَنٌ حَلَبٌ إنّما تريدُ : مَحلوبٌ وكقولِهم : الخَلْقُ إنَّما يريدُ بهِ : المَخلوقَ والدرهمُ ضَرْبُ الأَمير : أَي : مَضروبٌ
ويقعُ علَى الفَاعلِ نحو : رَجلٍ غمْرٍ وَرَجل نَومٍ إنَّما تريدُ : الغَامرَ والنائمَ ومَاءٌ صَرَى أي صرٍ ومَعْشٌر كَرمٌ أي كُرماءُ وقالوا صَرِيِ يَصْرَى صَرْىً وَهُوَ صَرٍّ إذا تغيرَ اللبنُ في الضرعِ وَهْوَ رضىً أَي : مَرْضِيٌّ وأَمّا ما جُعلَ هوَ الموصوفُ بعينهِ : إلا أَنهم جاؤوا بهِ مخالفاً لبناءِ المصدرِ وغيرَ مخالفٍ
فقولُهم : أصابَ شِبعَه وهَذا شِبْعُه إنَّما يريدنَ مُشْبِعَهُ ومِنْ ذلكَ : هُوَ مِلءُ هذَا أَي : ما يملأُ هَذَا وقولُهم : لَيْسَ لَهُ طَعمٌ إنَّما معناهُ : ليسَ لَهُ طِيبٌ أَي : ليسَ بمؤثرٍ في ذوقي ومَا أَلتذُّ بهِ فهذَا مما خولفَ بهِ
وقد يجيءُ غيرَ مخالفٍ نحو : رويتُ ريّاً وأَصَابَ رِيَّهُ وَطعمتُ طُعْماً وأَصابَ طُعْمَه ونَهِلَ يَنْهِلُ نَهَلاً وأَصَابَ نَهَلَهْ وقالوا : قُتَّهُ قَوْتَاً والقوتُ : الرزقُ فَلَم يدعوهُ علَى بناءٍ واحدٍ وقالوا : مَرَيْتُها مَرْياً إذَا أَرادَ العَمَلَ وحلبتُها مِرْية لا يريدُ
( فِعْلَةً ) ولكنَّهُ يريدُ نحواً مِنَ الدرةِ والحَلبِ وقالوا : لُعْنَةٌ للذي يُلْعنُ واللعْنَةُ المصدرُ والخَلْقُ المصدرُ والمخلوقُ جَمعاً وقالوا : كَرَعَ كُرُوعاً والكَرَعُ : الماءُ الذي يكرعُ فيه وَدَرَأْتُهُ دَرْءاً وَهْوَ ذُو تُدْرَإِ أي : ذُو عُدَّةٍ ومَنَعةٍ وكاللُّعْنَةِ السُّبَّةُ إذا أَردتَ المشهورَ بالسَّبِّ واللعنِ جعلوهُ مثلَ : الشُهرَةِ
قالَ أبو بكر : قَد ذكرتُ أَحوالَ الأَفعالِ الثلاثيةِ المتعديةِ وغيرَ المتعديةِ التي لا زائدَ فيها وعَرَّفْتُ : أَنَّ الفعلَ الذي لا يتعدى يُفَضَّلُ علَى المتَعدي بِفَعُلَ يَفْعُلُ وعرفتُكَ الأَسماءَ الجاريةَ عليها والمصادرَ وما لا يجري مِنَ المصادِرِ على الفعلِ
واعلَم : أنَّ كُلَّ فِعْلٍ متعدٍّ فقد يبنى منهُ على مفعولٍ نحو قولِكَ في ضُرِبَ : مَضروبٌ وفي قُتِلَ : مَقتولٌ وما لا يتعدى فلا يجوزُ أن يبنى منهُ ( مفعولٌ ) إلا أن تريدَ المصدرَ أو تتسعَ في الظروفِ فتقيمَها مقامَ المفعول الصحيح وقدْ جاءَ في اللغةِ ( فُعِلَ ) ولَم يستعملْ منهُ فَعَلتُ وذلكَ نحو : جُنَّ وسُلَّ
وَوُرِدَ مِنَ الحُمّى وهو مجنونٌ ومَسلولٌ ومحمومٌ ومورودٌ ولم يستعمل فيهِ فَعَلتُ : ومثلُه : قَطِعَ : كأَنَّهم قالوا : جُعِلَ فيهِ جنونٌ فجاءَ مجنونٌ عَلَى ( فُعِلَ ) كما جاءَ محبوبٌ مِنْ ( أَحْبَبتُ ) وكانَ حَقٌ مجنونٍ : مُجَنٌّ علَى : أَجَنَّ وقالَ بعضُهم : ( حَبَبْتُ ) فجاءَ بهِ على القياسِ ونحنُ نتبعُ هذَا : بذكِر الأَفعالِ التي فيها زوائدُ من بنات الثلاثةِ ومصادرِها
بَابُ ذكرِ الأَفعالِ التي فيها زوائدُ مِنْ بَناتِ الثلاثةِ ومصادرها
هذهِ الأفعالُ تجيء علَى ضربين : أَحدهما على وزنِ الفِعلِ الرباعي والآخرُ على غيرِ وزنِ ذواتِ الأربعةِ فأَمَّا الذي على وزنِ ذواتِ الأربعةِ فهو أَيضاً على ضربينِ : أَحدهما ملحقٌ ببناتِ الأربعةِ والآخرُ على وزنِ ذواتِ الأربعة في متحركاتهِ وسواكنهِ وليسَ بملحقٍ فالمحلقُ : حَوقَلَ حَوْقَلةً وَبَيْطرَ بَيْطَرةً وَجَهْوَرَ كلامَهُ وكذلكَ شَمْللتُ شَمْلَلَةً وسَلْقيتهُ سَلْقَاةً وجَعْبيتُهُ جَعْبَاةً فهذا ملحقٌ بِدَحْرَجَ ومضارعهُ كمضارعِ يُدَحرجُ نحو : يُجَعْبي ويُحوقلٌ ويُشمللُ ومصدرُ الرباعي بغيرِ زيادةِ يجيءُ على ( فَعْلَلَةٍ وفِعْلاَلٍ )
نحو : السِّرهاف والزَّلْزَلةِ والزِّلْزَالِ وكذلك : الملحقُ الحِيقَالُ السِّلقَاء على مثالٍ الزِّلْزَالِ كما قالَ :
( وبعضُ حِيقَالِ الرجَالِ الموتُ ... )
الضربُ الآخرُ : الذي علَى وزنِ ذواتِ الأربعة وليسَ بملحقٍ وهو يجيءُ على ثلاثةِ أضربٍ : فَعَلَ وأَفْعَلَ وفَاعَلَ الوزنُ على وَزنِ : دَحْرَجَ والمضارُع كمضارعِ بناتِ الأربعةِ لأَنَّ الوزَن واحدٌ ولا يكونُ المصدرُ كمصادِرها لأَنَّهُ غيرُ ملحقٍ بِهَا تقولُ : قَطَّعَ يدَهُ يُقَطعُها وكَسَّرَ يُكسرُ علَى مثالِ : يُدحرِجُ وقَاتَلَ يُقاتلُ وأَما أَفْعلتُ فنحو : أَكرَم يُكرمُ وأَحْسَنُ يُحْسِنُ وكانَ الأَصلُ : يُؤَكرمُ ويُؤحْسنُ حتَى يكونَ على مثالِ : يُدحرجُ لأَنَّ همزةَ أَكرمَ مزيدةٌ بحذاءِ دَال دَحْرَجَ وَحَقُّ المضارعِ أَن ينتظمَ ما في الماضي منَ الحروف ولكن حُذِفَتِ
الهمزة وقَدْ ذكرنَا هذَا فيما تقدمَ ومع هذَا فإنَّهم حذَفُوا الهمزَة الأصليّة لإلتقاءِ الهمزتينِ في : أَاْكلُ وأاخذْ وأَامرْ فقالوا : خُذْ وكُلْ ومُرْ ورُبمَّا جاءَ على الأصلِ فقالوا : أومرْ فإنْ اضطَّر شَاعرٌ فقالوا : يؤكرمُ ويُؤحسنُ جازَ ذلكَ كما قالَ :
( وصَالياتٍ ككُمَا يُؤثفَينْ ... )
وكما قالَ : ( فإنهُ أَهْلٌ لأن يُؤَكُرِمَا ... )
والمصادرُ في الفَعَلِ علَى مثالِ : الزِّلزالِ وليسَ فيهِ مثالُ : الزَّلْزلَةِ لأَنهُ نَقَصَ في المضارع فَجُعِلَ هَذا عوضاً وذلكَ نحو : أكرمتُه إكراماً وأَعطيتُه إعطاءً وأَمَّا ( فاعلتُ ) فمصدره اللازمُ لَهُ ( مُفَاعلةٌ )
وذلكَ نحو : قَاتلتُهُ مُقَاتلَةً وشَاتمتُهُ مُشَاتمةً فهذَا على مثالِ : دَحْرجتُهُ مُدَحرجَةً ولَم يكنْ فيهِ شيءٌ على مثالِ : الدَّحْرجَةِ لأَنهُ ليسَ بملحقٍ ( بِفَعْلَلتُ ) ويجيءُ فيهِ ( الفِعَالُ ) نحو : قَاتلتُه قِتالاً وراميتُه رِمَاءً وكانَ الأصلُ ( فِيعَالاً ) لأَنَّ ( فَاعلتُ ) علَى وزنِ ( أَفْعَلتُ ) وفَعْلَلتُ فالمصدرُ كالزِّلْزَالِ والإِكرامِ ولكنَّ الياءَ محذوفةٌ مِنْ ( فِيعَالٍ ) استخفافاً وإنْ جَاءَ بها جَاءٍ فمصيبٌ وأَمَّا فَعَّلْتُ : فمصدرهُ التفعيلُ لأَنَّهُ ليسَ بملحقٍ فالتاءُ الزائدةُ عوضٌ مِنْ تثقيل العينِ والياءُ بدلٌ مِنَ الألفِ التي تلحقُ قبلَ أواخرِ المصادرِ وذلكَ قولُكَ : قَطَّعتُه تَقْطيعاً وكَسَّرتهُ تكسيراً وشمَّرتُ تَشميراً وكان أَصلُ هَذا المصدرِ أنَ يكونَ فِعَّالاً كما قلتَ أَفْعلتُ إفْعَالاً ولكنهُ غُيرَ لبينَ أَنهُ ليسَ ملحقاً ولو جاءَ بهِ جاءٍ علَى الأَصلِ لكانَ مصيباً كما قالَ الله جلَّ ذكره ( وكذبوا ليبينَ بآياتِنا كِذّابًا ) وقالَ قومٌ : حَمَّلتهُ حِمَّالاً وكَلّمتُه كِلاّماً فهذهِ تصاريف هذهِ الأَفعالِ ومصادرها ونحنُ نذكرُ معانيها ومواقعها في الكلامِ إنْ شاء الله
الأولُ : فَعَّلَ :
حقهُ أنْ يكونَ للتكثيرِ والمُبالغةِ فأذَا أدخلتَ عليهِ التاء قلتَ : تَفَعَّلتُ تَفَعُّلاً ضموا العينَ لأَنهُ لَيسَ في الكلام اسمٌ على ( تَفَعّلَ ) وفيهِ ( تَفَعُّلٌ ) مثلُ التَنوطِ اسمٌ ويجيءُ : فَعَّلتهُ وأَفْعَلتُه بمعنىً واحدٍ
نحو : خَبَّرتهُ وأَخبرتُهُ وَوَعَّزْتُ وأَوعزتُ وسَمّيتُ وأَسميتُ أَي : جَعَلتُه فَاعِلاً ويجيئان مفترقينِ نحو : عَلّمتهُ وأَعلمتُه فَعَلّتُ أَدبتُ وأَعلمتُ : آذنتُ وكذلكَ آذنتُ وأَذّنتُ مفترقانِ فآذنتُ : أَعلمتُ وأَذّنتُ مَنَ النداءِ والتصويتِ بإعلامٍ وبعضُ العربِ يجري : أَذّنتُ وآذنتُ مجرى سَمّيتُ وأَسميتُ وأَمرضتُه جَعلتُه مَريضاً ومَرَّضتهُ قمتُ علَيهِ
ومثلُه أَقذيتُ عينَهُ وَقَذّيتُها فأَقذيتُها : جعلتَها قَذِيَّةً وقَذَّيتُها : نَظفتُها مِنَ القَذَاءِ كَثَّرْتُ وأكثرتُ وقَلَّلتُ وأَقللتُ فكَثَّرتُ أَنْ تجعلَ قليلاً كثيراً وقَلّلتُ تَجعلُ كثيراً قليلاً وصَبَّحْنا ومَسَّينَا وسَحَّرْنا فمعناهُ : أَتيناهُ صباحاً في هذهِ الأوقاتِ ومثلهُ بَيّتناهُ أَتيناهُ بَيَاتاً وما بنيَ على ( يُفْعّلُ ) فهوَ يُشجّعُ ويُجَبّنُ ويُقَوّي أَي يُرمى بذلكَ وقد شُيّع الرجلُ أي رُميَ بذلكَ وقيلَ فيهِ
الثاني : أَفعَلُ :
وحَقُّ هذهِ الألفِ إذا دخلتْ على : فَعِلَ لا زيادةَ فيهِ أَنْ يجعلَ الفاعلَ مفعولاً نحو : قَام وأَقمتُه وقَد ذكَر هذا فيما مضى ويكونُ في معنى ( فَعَلَ ) في لغتينِ مختلفتينِ نحو : قِلْتُه وأَقلتُه وأَشباهُ هذَا كثيرٌ وقد أَفردَ لَهُ النحويونَ وأَهلُ اللغةِ كتباً يذكرونَ فيها : فَعَلْتُ وأَفْعَلتُ والمعنى واحدٌ وكما أَنهُ قَدْ جاءَ أَفْعَلتُ في معنى : فَعَلْتُ فكذلكَ
يجيءُ : فَعَلتُ في معنى : أَفْعَلتُ يَنْقلُ الفَاعلَ فيجعلُهُ مفعولاً نحو : نَعِمَ الله بِكَ عيناً وأَنْعَم بمعنىً واحدٍ ويقالُ : أبانَ وأَبنتهُ واستبانَ واستبنته بمعنىً واحدٍ فأَبانَ وأَبنتُه في ذَا الموضع كحَزنَ وأَحزنتهُ وكذَلكَ : بَيّنَ وبَيّنتهُ ويجيءُ : أَفعلتُه علَى أَن تُعَرِضَهُ لأَمرِ كأَقتلتهُ وأَقبرتهُ جعلتَ لَهُ قبراً وسقيتُه فَشَرِبَ وأَسقيتهُ جعلت لَهُ سُقْيَا ويجيءُ : أَفْعلُ علَى معنى أَنهُ صارَ صَاحبَ كذَا نحو : أجربَ صَارَ صَاحبَ جَربٍ وأَحالَ : صَارَ حِيَالٍ ومثلُه : مُقْوٍ ومُقطفٌ أَي : صَاحبُ قُوةٍ وقِطَافٍ في مالِه مِنْ قَوِيَ الدابةُ وقَطفَ ومثله أَلامَ فلانُ ( أيَ : صَارَ صاحبَ لائمةٍ ) ولاَمهُ بغيرَ هَذا المعنى وإنّما هُوَ إِذَا أَخبرهُ بأَمرِه والمعْسرُ والمُرسرُ مثلُ : المُجرِبِ فأَمَّا عَسَّرتُهُ فضيقتُ عليهِ ويَسَّرتُه وسعتُ عليهِ ومثلُ ذلكَ : اسمنتُ وأَكرمتُ فأربِط
وكذلكَ أَلأَمتُ وأَرابَ صارَ صاحبَ رِيبةٍ ورَابني جَعلَ فيَّ رِيبةً ويجيءُ علَى معنى أَنهُ استحقَّ ذلكَ نحو : أَحصدَ الزرعُ وأَقطعَ النخلُ إذَا استحقَّ ذلكَ فإنْ أَخبرتَ أَنكَ فعلتَ قلتَ : قَطَعْتُ وأَحمدتُه : وجَدتُهُ مستحقاًّ للحمدِ مني وحَمدتُه جزيته وقضيته حقَّهُ ويجيءُ للمصيرِ إلى الحينِ وذلكَ نحو :
أَسْحَرْنَا وأَصْبَحْنا وأَهْجَرْنا وأَمْسَيْنا أَي : صِرنَا في هذِه الأوقاتِ
ويجيءُ : أفعلتُ في معنى : فَعَّلتُ كما جاءت ( فَعَّلتُ ) في معناها : أَقْلَلتُ وأَكثرتُ في معنى قَلَّلتُ وكَثَّرتُ وقالوا : أَغلقتُ الأبوابَ وغَلَّقتُ
قالَ الفرزدقُ :
( ما زلتُ أَغلقُ أَبواباً وأَفتحها ... حَتَى أَتيتُ أَبا عمرِو بن عَمارِ )
ومثلُ : أَغْلَقتُ وغَلّقتُ أَجدتُ وجَوَّدتُ وإذَا جَاءَ شيءٌ نحو : أَقْلَلتُ وأَكثرتُ : أي ِ جئتُ بقليلٍ وكثيرٍ فهذا على غيرِ معنى : قَلّلتُ وكَثَّرتُ
الثالثُ : فَاعلَ :
وأَصلهُ أَن يكون لتساوي فاعلينِ في ( فعل ) وذلكَ نحو ضاربتُهُ وكَارمتُهُ فإذَا كنتَ أنتَ فعلتَ مِنْ ذلكَ ما تغلبُ بهِ وتستحقُّ أن تَنسبَ الفعلَ إليكَ دونَهُ قلتَ : كارَمني فكرمتهُ أُكرمهُ وخَاصمني فخصمتُه أُخصمُه فهذَا البابُ كلهُ علَى مثالِ : خَرجَ يَخرُجُ إلاّ ما كانَ مثل : رَميتُ وبِعتُ وَوَعدَ فإنَّ جميعَ ذلكَ : أَفعلُهُ وليسَ في كُلِّ شيءٍ يكونُ هذا لا تقولُ : نَازعني فنزعتُهُ استغني عنهُ بِغَلَبْتُهُ وقَد يجيءُ ( فَاعلتُ )
لا تريدُ به عَمَل اثنينِ نحو نَاولتهُ وعاقبتُه وعافاه الله وسافرتُ وظاهرتُ عليهِ وأَما ( تَفَاعلتُ ) فلا يكونُ إلاّ وأَنتَ تريدُ فِعْلَ اثنينِ فصاعداً ولا يعملُ في ( مَفْعولٍ ) نحو : تَرامينَا وقَد يشركهُ ( افْتعَلنا ) فتريدُ بها معنىً واحداً نحو : تَضاربوا واضطَربوا وتَجاوروا واجتوروا وقالوا : تَماريتُ في ذلكَ وتراءيتُ لَهُ وتَقَاضيتُه وقد يجيءُ ( تفَاعلتُ ) ليريكَ أَنهُ في حالٍ ليسَ فيها نحو : تَغَافلتُ وتَعامَيتُ وتَعاشيتُ وتعارجتُ
قالَ الشاعر :
( إذَا تَخازرتُ ومَا بي مِنْ خَزَرْ ... )
بابُ دخولِ ( فعَّلتُ ) علَى ( فَعَلْتُ ) لا يشركهُ في ذلك : ( أَفْعَلْت )
تقولُ : كَسَرتُها فَإِذا أَردَت كثرةَ العَملِ قلتَ : كَسَّرتُها وقالَوا : مَؤَّتْتُ وقَوَّمْتُ إِذا أردتَ جماعةَ الإِبلِ وغيرَها وقالوا : يُجَوِّلُ أَي : يكثرُ الجَولانَ ويُطّوفُ أي : يكثرُ ذاكَ والتخفيفُ في هذا كلِه جَائزٌ لأَنَّ كُلَّ فالقليلُ فيهِ واجبٌ يجوزُ أَنْ تقولَ : ضَرَبْتُ تريدُ : ضَرباً كثيراً وقليلاً فإِذاَ قلتَ : ضَرَّبتُ انفردَ بالكثيرِ أَلا تَرى أَنكَ إذَا قلتَ : ضَرَبْتُ ضَرباً جازَ أَن يكونَ مرةً ومراراً فإِذَا قلتَ : ضربةً انفرد بمرةٍ واحدةٍ
بَابُ دخولِ التاءِ علَى فَعَّلَ
فإِذا أدخلتَ التاءَ على ( فَعَّلَ ) صارَ للمطاوعةِ نحو : كَسّرتهُ فَتَكَسَّرَ وأَما تَقَيَّسَ وتَنَزّرَ فكأَنهُ جرى على ( نُزرَ فَتَنَزَّرَ وَقُيِّسَ فَتَقَيَّس مثلُ . كُسِّرَ فتكَسَّرَ وإِذَا أَرادَ الرجلُ أَن يدخلَ نفسَهُ في أَمرٍ حتَى يُضافُ إليه يقولُ : تَفَعّلَ نحن : تَشَجّع وتَمَرّأَ أَي : صَارَ ذَا مُروةٍ وقَد يجيءُ تَقَيَّسَ وتَنَزَّرَ مثلُه إذَا أَدخلَ نفسَهُ في ذَلِكَ وقَد يشاركُ ( تَفَعَّلَ ) اسْتَفعَلَ نحو : تَعَظَّمَ واسْتعظَمَ وتَكَبَّر واسْتكبَر وتجيءُ : تَفَعّلْتُ بمعنى : الإستثباتِ ويُشاركُها استَفْعَلتُ : نحو : تَيَقّنتُ واستيقنتُ وتَبَيّنتُ واستبينتُ وتَثَبّتَ واستثبتَ وقولُهم : تَقَعَّدتْهُ إِنّما هُوَ : رَيَّثْتهُ عَنْ حاجتهِ وعُقْتُهُ ومثلهُ : تهيبني البلادُ وأمَّا : تنقّصتهُ فكأنهُ الآخِذُ مِنَ الشيء الأوّلَ فالأوّلِ ومثلُهُ : يَتَجرَّعهُ ويَتَحسَّاهُ وأَما ( تَعَقَّلهُ ) فنحو : تَقَعَّدهُ لأَنهُ يريدُ : أَن يَختِلهُ عن أَمرٍ يعوقهُ عنهُ ويَتَملَّقه نحو ذلكَ لأَنهُ إِنَّما
يُريدُ أَنْ يُديرَهُ عَنْ شيءٍ وقالوا : تَظلمني أَي : ظَلَمني مَالي كما قالوا : جِزْتُ وجَاوزتُهُ ونَهيتُهُ واستنهيتهُ مثلُ : عَلَوته واستعلَيتهُ والمعنى واحدٌ وأَمَّا تَخَوَّفهُ فهوَ أَن تُوقعَ أَمراً يقعُ بكَ فَلا تأمنهُ في حالِكَ التي تكلمتَ فِيهَا و ( خافهُ ) ليَس كذلكَ وأَما يتَسَمَّعُ ويَتَبصّرُ ويَتحَفَّظُ ويَتَجرّعُ ويتدَخّلُ ويَتعَمّقُ فجميعهُ عَملٌ بَعْدَ عَملٍ في مهلةٍ وتَنَجَّزَ حَوائجَهُ واستَنْجَزَ في معنىً واحدٍ
بابُ افتراقِ : فَعَلْتُ واَفْعَلتُ
تقول : دخلَ وأَدخلهُ غيرُهُ وخافَ وأَخفتُه وجَالَ وأَجلتُه ومَكُثَ وأمكثتهُ وفَرِحَ وأَفرحتهُ وفرَّحْتُهُ يشتركانِ
ومِنَ العربِ مَنْ يقولُ : أَملحتهُ والكثيرُ مَلّحتهُ وَظَرُفَ وَظَرَّفتُهُ ولا يستنكرُ ( أَفعلتُ ) فيها فأمَّا : طَرَدتهُ : فَنَحيتهُ وأَطردتهُ : جعلتَهُ طريداً وطَلَعتُ : بَدوتُ وأَطلعتُ : هَجمتُ وشَرقتِ الشمسُ بدَتْ وأَشرقتْ : أَضاءَتْ : وأسرعَ : عَجِلَ كَثَقُلَ كأَنهُ غَريزةٌ كَخَفّفَ وقالوا : فَتَن الرجلُ وفَتَنتهُ وحَزِنَ وَحَزنْتُهُ لم يردْ أَن يقولَ : جَعَلتُه حزيناً ولكنْ جلعتُ فيهِ حزناً مثلُ كَحَلْتُهُ جَعلتُ فيهِ كُحلاً وإذا أردتَ ذلكَ قلتَ : أَحزنتهُ : وأَفتنتهُ ومثلهُ : شَتِرَ الرجلُ وشَتَرْتُ عينهُ فإِذَا أَردتَ تغيرَ
شَتر الرجل قُلتَ : أَشترتهُ وعورتْ عينهُ وعُرتهُا وبعضهم يقولُ : سَوِدتُ وسَدتُها مِنَ السوادِ وقد اختلفوا في هذَا البيتِ لنصيبٍ فقالَ بعضُهم :
( سَوِدتُ فَلَمْ أَملكْ سَوَادِي وتَحْتَهُ ... قَمِيصٌ مِنَ القُوهيّ بِيضُ بَنائقُه )
وقالَ بعضُهم : سُدْتُ : يريدُ فَعُلتُ وجملةُ هذَا أَنكَ إذا أردتَ تغييرَ ( فَعَلَ ) قلتَ : أَفعلُ فَقَط وقالوا : عَوَّرتُ عينَهُ مثلِّ فرَّحته وسوَّدته ومثلُ : فَتَنْتهُ جَبَرَتْ يَدهُ وجَبَرتُها وَرَكَضَت الدابةُ وَركضتُها ونَزَحتِ الرَّكْيَّةُ وَنَزَحْتُها وسَارتِ الدابةُ وسَرتُها ورَجُسَ الرجلُ وَرَجَستُه ونَقَصَ الدرهمُ ونَقَصتُهُ وغَاضَ الماءُ وَغِضْتُهُ وقَد جاءَ فَعَّلتهُ إذَا أَردتَ أَن تجعلَهُ ( مُفْعِلاً ) نحو : فَطَّرنهُ فأَفطرَ وَبَشَّرْتُهُ فأَبشرَ وهَوَ قليلٌ وأَما خَطَّأتهُ فإنّما أَردتَ : سميتُهُ مُخْطِئاً مثلُ فَسَّقتهُ وَزَنَّيتُهُ وحَيَّيتهُ
وسَقَّيتهُ قلتَ لَهُ : حَياكَ اللّهُ وسَقاك ويَا فَاسقُ ويَا زَاني وأَفَّغتُ بهِ قلتَ لَهُ أُفٍّ لك وقالوا : أَسقيتهُ في معنى سَقَّيتُهُ ودَخلَ ( أَفعلُ ) علَى ( فَعَّلَ ) كدخولِ فَعَّلَ عليهِ
القسمُ الثاني : ما فيهِ زائدٌ مِنْ بنَاتِ الثلاثةِ :
وليسَ علَى وزنِ ذَواتِ الأربعةِ وهو ما أُسكنَ أَوله ودخلَ عليهِ أَلفُ الوصلِ وهيَ تجيءُ على ثمانيةِ أَبنيةٍ : انْفَعلَ افْتعَلَ استفعلَ افَعالَلتُ افْعَلَلتُ افْعَوْعَلَ افْعَوَّلَ افْعَنللْتُ
الأولُ : انْفَعلَ هذَا البناءُ يجيءُ للمطاوعةِ نحو : قَطعتُهُ فانقطعَ وكسرتهُ فانكسرَ وقالوا : طردتُه فذَهبَ استغنى بهِ عَنْ انطردَ وقَد يجيءُ : افْتعَلَ ( في معنى ) ( انْفَعَلَ ) نحو : غمتُه فاغْتَمَّ يجوزُ فيهِ انفعل وافْتعلَ
الثاني : افْتَعلَ : حكمُ افْتعَلَ وبابهُ أَن يكونَ متعدياً وقَدْ يجيءُ في معنى ( انْفَعلَ ) في المطاوعةِ فمتى جاءَ على معنى المطاوعةِ فهوَ غيرُ متعدٍ فإذا قلتَ : شَويتهُ فاشْتَوى فهوَ علَى معنى : انشَوى وإِذَا قلتَ : اشتويتُ اللحمَ أَي : اتخذتُ شِواءً وشويتُ مثلُ : أَنضجتُ وكذلكَ اختبز وخَبزَ واطَّبخَ وطَبَخَ واذَّبحَ وذَبَح فذبحَ بمنزلةِ قولهِ : قَتَلهُ واذَّبحَ بمنزلةِ قولهِ : اتخَذَ ذبيحةً والأَجودُ في ( افتعلَ ) أَن يقع متعدياً على
غيرِ معنى الإنفعالِ وحَبستهُ بمنزلةِ : ضبطْتهُ واحتبستهُ اتخذتُهُ حبيساً واصطَبَّ الماءَ بمنزلةِ استقِهِ تقولُ اتخذْهُ لنفسِكَ وكذلكَ : أكْتَلْ واتَّزِنْ وقَد يجيءُ على وَزنته وكِلْتهُ فاكتالَ واتَّزنَ وقد يجيءُ فيما لا يرادُ بهِ شيءٌ مِنْ هذَا نحو : افْتقَر فأمَّا كسبَ فإنهُ أَصابَ واكتسبَ : هُوَ التصرفُ والطَّلبُ والإجتهادُ بمنزلةِ الإضطرابِ
وقد جاءَ : افْتَعلتُ على ( تَفَعَّلْتُ ) قَالوا : ادَّخَلوا واتَّلجوا يريدونَ معنى : تَدخلوا وتولجوا
وقالوا : قرأتُ واقترأَتُ وخَطفَ واخْتَطفَ بمعنىً واحدٍ وأَما انتزعَ فهي خَطْفةٌ كقولِكَ استَلبَ وأما ( نَزَع ) فإنهُ تحميلُكَ إِياهُ وإن كانَ على نحوِ الإستلابِ وكذلكَ : قَلعَ واقْتَلعَ وجَذَبَ واجْتَذَبَ
الثالثُ : استفعلَ :
وهُوَ طَلبُ الفعلِ نحو : استنطقتهُ فنطَقَ لأَنَّ : استنطقَ مأخوذُ مِنْ ( نَطقَ ) واستكتمتهُ فكتمَ واستخرجتهُ فَخَرجَ واستعطيتهُ طلبتُ العطيّةَ ومثلهُ استعتبت واستفهمتُ وَهوَ متعدٍّ وفِعْلُ المطاوعِ يجيءُ على ( فَعَلَ ) إِنْ كانَ الماضي علَى ( فَعَلَ ) بلا زيادةٍ وإن كانَ الماضي علَى ( أَفعلَ ) كانَ فِعْلُ المطاوعِ عَلى ( أَفعلُ ) نحو : استنطقتهُ فَنطَق لأنه استنطقته مأخوذ من ( نطق ) فإن قلت : استَفْتَيْتُهُ قلت : فأفتى لأَنَّ الماضي : أفتى ومنهُ أُخذَ اسْتَفْتَى وكذلكَ : استخبرتهُ فأَخبرَ لأَنكَ تريدُ : سألتهُ أَن يخبرَ وكذلكَ : استعملتهُ فأعلمني فَعَلَى هذَا يجري هَذا فافهمهُ وقالوا :
اسَتَحَقَّهُ طَلَب حَقَّهُ واستخفَّهُ : طَلَب خفتَهُ واستعجلَ : مَرَّ طالباً ذاكَ مِنْ نفسهِ ويجيءُ : اسْتَفْعَلتُ أيضاً على معنى : أَصابهُ الفعلُ أي : أَصبتُ كذَا نحو : استَجَدتهُ : أَصبتهُ جيداً واستكرمتهُ أَصبتهُ كريماً واستعظمتهُ أَصبتهُ عظيماً وقد جاءَ في التحولِ مِنْ حالٍ إلى حالٍ نحو : استنوقَ الجملُ واستتيستِ الشاةُ
وقَد جاءَ : استفعلَ ( في معنى ) تَفعَّلَ قالوا : تَعَظَّمَ واستعظمَ وتَكبَّرَ واستكبرَ وتَيقَّنتُ واستيقنتُ وتثبَّتُّ واسْتَثْبتُّ وقَد جاءَ علَى معنى : ( أَفَعَلَ وفَعَّلَ ) وذلكَ نحو : استخلفَ لأَهلهِ كما تقولُ : أَخلفَ لأَهلهِ واستعليتُهُ بمعنى عَلَوْتُهُ
الرابعُ : افْعَاللتَ :
يجيءُ هذَا الضربُ في الألوانِ نحو : احماررتُ احمِراراً واشْهَابَّ اشهيباباً وكذلكَ جميعُ هذَا الضربِ وقد مضَى ذكرهُ وتجيءُ . أَشياءُ مستعملةً بالزيادةِ فَقَط نحو : أقطَارَّ النبتُ وأقطر وارعويتُ واشْمَأززتُ
قَد ذكرهُ سيبويه في الرباعي وإن كانَ مهموزاً فليسَ هذَا موضعَهُ وهو ثلاثي
الخامسُ : افْعَلَلتُ :
وَهُوَ مقصورٌ من افْعَالَلتُ نحو : احمررتُ وما أَشْبهَهُ ويجيءُ الشيءُ مستعملاً بالزيادةِ فقط
السادس : افْعَوعَلَ :
قالَ الخليل : كأَنَّهم يريدونَ بهِ المبالغةِ والتوكيد وذلكَ : خَشُنَ واخْشَوشنَ واعشوشبتِ الأرضُ واحْلولَى ورُبّما بُنيَ عليه الفعلُ فلم يفارقُهُ نحو : اعروريتُ الفَلْو إذا ركبتهُ بغيرِ سَرجٍ
السابعُ : افْعَوَّلَ :
نحو : اجْلَوّذَ واعلوَّط كذَا قالَ سيبويه : وقالوا : الاعِلواط : ركوبُ العُنُقِ والتَقَحمُ علَى الشيء
الثامِنُ : افْعَنللَ :
نحو : اسْحَنْكَك ومعناهُ اسودَّ فهو بمنزلةِ : اذلولى إذا أريدَ بهِ الإِلحاقُ باحْرَنجَمَ واقَعنْسَسَ مِثْلهُ
بَابُ مَصادر ما لحقتهُ هذهِ الزوائدُ
أَفْعَلتُ مصدرهُ إفْعالٌ أَلفهُ مقطوعةٌ افْتَعَلْتُ : افْتِعالٌ أَلفهُ موصولةٌ مثلهُ في فعلهِ انْفَعَلتُ : انْفعالٌ نحو : انطلقتُ انطلاقاً واحمررتُ : احمراراً واحماررتُ : احميراراً واشْهاببتُ اشهيباباً واقْعَنسَسْتُ اقْعِنْسَاساً واجْلَوَّذْتُ اجْلوَّاذاً استفعلتُ استفْعَالاً وكذلكَ كلّ مَا كانَ على وزنهِ ومثالهِ يخرجُ علَى هذَا الوزنِ وهَذا المثال فَعَّلتُ : ( تَفْعيلٌ ) التاءُ بدلٌ مِنَ العينِ الزائدةِ في ( فَعَّلتُ ) والياءُ بمنزلةِ الألفِ في الأَفعَال
وقالَ ناَسٌ : كَلَّمتهُ كِلاَّماً وحَمَلّتُهُ حِمَّالاً شبهوهُ بالإِفعال في متحركاتهِ وسَواكنهِ
تَفَعَّلتُ ( تَفَعُّلٌ ) ضَموا العينَ لأَنهُ ليسَ في الكلامِ اسمُ على : ( تَفَعّلٍ ) وفيهِ : تَفَعُّلٌ
مثلُ التَّنُوطِ وهو طائرٌ ومَنْ قالَ : كِذَّاباً
قالَ : تَحَملتُ تِحمَّالاً فَاعلتُ : مُفَاعلةً الميمُ عوضٌ مِنَ الألفِ التي بعدَ الفاءِ والهاءُ عوضٌ مِنَ الألفِ التي في المصدرِ قبلَ آخرهِ
ومَنْ قالَ تِحمّالاً فهوَ يقولُ : قِيتَّالاً وقالوا : مَاريتهُ مِراءً وقَاتلتهُ قِتَالاً وجاءَ فِعَالٌ علَى ( فَاعلتُ ) كثيراً لأَنَّهُم حذَفوا الياءَ التي جاءَ بها أُولئكَ في قِتيالٍ ( ومُفَاعلةٌ ) لا تنكسرُ
تَفَاعلتُ : ( تَفَاعلٌ ) : ضموا العينَ ولَم يكسروها لئلا يشبه الجمعَ ولم يفتحوا لأَنهُ ليسَ في الكلامِ ( تَفَاعِلٌ ) في الأسماءِ ولو فتحوا لكانَ لفظُ المصدرِ كلفظِ الفِعْلِ
بَابُ ما لحقتهُ الهاءُ عوضاً
وذلكَ أَقمتُ إِقامةً كانَ الأصلُ إِقواماً فحذفتِ الألفُ وكذلكَ : استَعنتهُ استعانةً كانَ الأصلُ : استفعالاً وأَريتهُ : إِراءةً وإِنْ شئتَ لم تُعوضْ قالَ تَعالى : ( وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ) وقَالوا : اخترتُ اختياراً فلم يلحقوا الهاءَ حينَ أَتموا
وقالوا : أَريتهُ : إِرَاءً مثلُ : إِقاماً وأَمَّا : عَزَّيتُ : تَعْزيةً فلا يجوزُ حذفُ الهاءِ منها ولا مما لامهُ ياءٌ أو وَاوٌ وكانَ أَصلُ تَعزيةٍ تَعزّيٌ فَحَذْفت زَاياً مَنَ الزاي المشددةِ والمشددةُ حرفانِ وقَد يجيءُ في الأولِ نحو الاحواذِ والإستحواذ ونحوه على الأصل ولا يجوز الحذفُ فيما لامهُ همزةٌ نحو : تَجزئةٍ وتَهنئةٍ لأَنَّهم
أَلحقوهما بأخيتهما الياءِ والواو قالَ أبو العباس : الإِتمامُ أَجودُ وأَكثرُ عَنْ أبي زيدٍ وجميعِ النحويينِ فيقولونَ : هَنَّأتهُ وخطَّأتُه تخْطئاً وتَهْنِئاً وتَخْطِئةً وتَهْنِئةً
بَابُ ما جاءَ المصدرُ فيهِ مِنْ غيرِ الفعلِ لأَنَّ المعنى واحدٌ
وذلكَ : اجتوروا تجَاوراً وتجاوروا اجتِواراً وانكسَر كَسْراً وكُسِرَ انكساراً ( واللهَ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأرض نَباتاً ) كأَنَّه قالَ : فَنبتم نَباتاً ( وَتَبتَّلْ إليه تَبْتِيلاً ) كأَنهُ قالَ : بَتّلَ
وفي قراءةِ ابن مسعودِ : ( وأَنْزِلَ الملائكةُ تَنِزْيِلاً ) لأَنَّ أُنزلَ ونُزّلَ واحدٌ
قالَ القطامي :
( وَليسَ بأَنْ تَتَبَّعَهُ اتِّباعَا ... )
فجاء به على ( اتبع ) وقال رؤبة :
( وقَدْ تَطَوَّيْتُ انطواءَ الحِضْبِ ... )
فجاءَ بهِ على ( انفْعلَ ) ومثلُ هذهِ الأشياءِ ( تدَعهُ تركاً ) لأَنَّ المعنى واحدٌ
هذا بابُ ما يكثرُ فيهِ المصدرُ مِنْ ( فَعَلْتُ )
وتلحقُ الزوائدَ وتَبنيهِ بناءً آخرَ علَى غيرِ ما يجبُ للفعلِ تقولُ : في الهَدْر التَّهدار وفي اللَّعِبِ التَّلْعَابُ والصَّفْقِ التَّصْفَاقُ والتَّرْدَادُ والتَّجْوَالُ والتَّقْتَالُ والتَّسْيَارُ فأَما : التِّبْيَانُ فلم تزدِ التاءُ للتكثيرِ ولو كَانَتْ لذلكَ لفتحت ولكنَّها زيدتْ لغيرِ علة وكذَلكَ التِّلْقاَءُ إنَّما يُريدُ : اللُّقيَانَ
ذِكرُ الفِعْل الرّباعي وهوَ القسمُ الثاني مِنْ أَولِ قِسْمةٍ
الرباعي عَلَى ضربينِ : أَحدهما : لا زيادةَ فيهِ والآخرُ ذو زيادةٍ : الأولُ : الذي لا زيادةَ فيهِ نحو : دحرجتُه : دَحْرَجةً وزَلزلتُه : زَلْزَلةً بهِ نحو : حَوْقلتهُ : حَوقَلةً وزَحولتُهُ : زَحْوَلةً مأخوذُ مِنَ ( الزِّحْلةِ ) وإنَّما أَلحقوا الهاءَ عوضاً مِنَ الألفِ التي تكونُ قبلَ آخرِ حَرْفٍ وذلكَ أَلفُ زِلزالٍ وقالوَا : زَلِزالٌ والكسرُ الأَصلُ نحو : القِلْقَالِ وسَرْهفتهُ
سِرْهَافاً كَأنَّهم أَرادوا مِثالَ الإِعطاءِ لأَنَّ أَعطى على وَزْنِ : دَحْرجَ وسَرْهفَ فإذَا قلتَ : سِرْهَافاً فصارَ علَى وزِن : إكْرَاَمٍ في سَواكنهِ ومتحركاتِه لا في زوائدِه
وزلزالٌ على مِثَالِ : تَفْعيلٍ
الثاني مِنَ الرباعي : وهوَ ما لحقتهُ الزيادةُ ففيهِ ما جَاءَ بالزيادةِ علَى مثالِ : اسْتَفعلتُ ( فمصدرُه يجيءُ على مثالِ مصدرِ اسْتَفْعَلَ ) وذلكَ نحو احْرَنجمتُ احْرنجَاماً واطمأنَنتُ واطْمئنَاناً والطمأنينةُ والقُشعَريرةُ ليسَ واحدٌ مِنْهما بمَصدر علَى ( اطْمأنَنتُ ) واقشعررتُ كَما أَنَّ النَّباتَ ليسَ بمصدرٍ علَى ( أَنْبتَ ) وتدخلُ التاءُ على ذواتِ الأربعةِ كما دخلتْ على ذواتِ الثلاثةِ نحو : تَدَحْرجَ وتَدحرجنَا تَدحرجاً والكلامُ يقلُّ في ذواتِ الأربعةِ
بَابُ ما لا يجوزُ أَنْ تعديَهُ مِنَ الثلاثي والرباعي
وذلكَ انْفَعَلْتُ نحو : انْطَلقتُ انطلاقاً وانْكمَشتُ لا تقولُ فيهِ فَعَلْتُهُ مثلُ : كسرتهُ فانكسرَ لا يجوزُ : احرنجمتُه لأَنّهُ نظيرُ انفعلتُ ( في بنَاتِ الثلاثةِ زادُوا فيهِ نوناً وأَلفَ وصلٍ وليسَ في الكلامِ ) أفَعَنللْتهُ ولاَ ( افْعَنْلَيتهُ ولا افْعلَلَتُهُ ولا افْعَاللتُه ) وهو نحو : احمررتُ واشهاببتُ ونظيرُ ذلكَ من بناتِ الأربعةِ اطمأننتُ واشْمأزَزْتُ وأَما ( افعَوعلَ ) فقد يتعدى
قالَ حَميدُ الهلالي :
( فلمَّا أتى عَامانِ بعدَ انفصالِه ... عِنِ الضرعِ واحْلَولى دِمَاثاً يُرُودُها )
وافَعَوَّلَ أَيضاً يتعدى نحو ( اعلوَّطتهُ ) وكذلكَ ( فَعْلَلْتُهُ ) صَعْرَرتهُ لأَنهُ علَى بناءِ دَحْرجتهُ وهوَ ملحقٌ بهِ وكذلكَ فوعلتهُ مُفَوْعلةً نحو : كَوكبتهُ مَكَوكبةً وقالوا : اعروريتُ الفَلْو فَعْرّوهُ
واعْلَم : أَنّ ما لا يتعدى في جميعِ الأفعالِ أَقلُّ مما يتعدى
قالَ سيبويه : إنّما كثَر المتعدي لأَنَّهم يدخلونَ المَفعولَ في الفعل ويشغلونه بهِ كما يفعلونَ ذلكَ بالفاعِل
هذَا بابٌ نظيرُ ( ضَرَبتُه ) ضَرْبةً . مِنْ هذهِ الأَبوابِ كُلُّ المصادرِ
المصادرُ تجيءُ علَى أَفعالِها على القياسِ لا تتغيرُ نحو : اسْتَفْعَلتُ اسْتفعَالاً وأعطيتُ إعطاءَةً وانطلقتُ : انطلاقةً واستخرجتُ : استخراجةً وتقولُ : قَاتلتُه مُقَاتلةً ولا تقولُ : قِتَالةً لأَنَّ الأكثرَ في ( فَاعلتُ ) مُفَاعلةً ولو أَردتَ الواحدَ من ( اجتورتُ فقلتَ : تَجَاورةً جازَ لأَنّ المعنى واحدٌ ومثلُ ذلكَ تَرَكَهُ تَرْكَةً واحدةً
واحرنجمتُ احْرنجامةً واحدةً واقشعررتُ اقشعرارةً ونظيرُ ذلكَ مِنْ بناتِ الأربعةِ : دحرجتُه دَحْرجَةً واحدةً وزَلزلةً واحدةً
ذِكْرُ المشتقِّ مِنْ ذواتِ الثلاثةِ علَى مثالِ المضارعِ مما أَولُه ميمٌ :
اعلَم : أَنهم يشتقون للمكانِ والمصدرِ والزمانِ مِنَ الثلاثي ولا يكادُ يكونُ في الرباعي إلاّ قليلاً أَو قياساً
الأولُ : الثلاثي : يجيءُ علَى مثالِ الفِعْلِ المضارعِ على ( يَفْعِلُ ) ويَفْعَلُ فتقعُ الميمُ موقعَ حرفِ المضارعة للفصلِ بينَ الإسمِ والفعلِ
الضربُ الأولُ : وهوَ ما كانَ ( علَى ) فَعَلَ يَفْعَلُ فإنَّ موضِع الفعلِ مَفْعِلٌ مثلُ يَفْعِلُ :
وذلِكَ مَجْلِسٌ ومَحْبِسٌ والمصدرُ مَفْعَلٌ وذلكَ قولُهم : إنَّ في ألفِ درهمٍ لمِضْرباً أَي : لَمَضْرَباً وقالَ عزّ وجلَ : ( أَينَ المَفَرُّ ) والمكانُ ( المِفَرُّ ) والمَبِيتُ : المكَانُ والمَعَاشُ المصدرُ
وقَد جاءَ مَفْعِلُ يرادُ بهِ ( الحينُ ) جَعلوا الزَّمانَ كالمكانِ وذلكَ قولُهم : أَتتِ الناقةُ علَى مَضْرِبها وأَتَتْ علَى مَنْتجها تريدُ الحينَ ورُبّما بنوا المصدرَ على المَفْعِلِ قالَ جَلَّ وعَزَّ : ( إليَّ مرْجِعُكم ) وقالوا : المَحِيضُ يريدونَ : الحَيْضَ
والمَعْجِزُ يريدونَ : العَجْزَ وقالوا : المَعْجِزُ القياسِ ورُبّما أَلحقوا هاءَ التأنيثِ فقَالوا : المَعْجَزةُ كما قالوا : المَعْيِشةُ ويدخلونُ الهاءَ في المَوْضِعِ أَيضاً : نحو المَزلَّةِ أَي : مَوضعُ الزّللِ وقالوا : المَعْذرةُ والمَعْتبةُ وقالوا : المَعْصِيةُ والمَعْرِفَةُ
الضربُ الثاني :
ما كانَ على ( يَفْعَلُ ) مفتوحاً اسمُ المكانِ علَى مثالِه على القياسِ
مفتوحٌ كما أَنَّ ( يَفْعِلُ ) كانَ فيهِ مكسوراً وذلكَ قولُكَ : شَرب يَشْرَبُ والمكانُ : مَشْرَبٌ ويَلْبَسُ والمكانُ : مَلْبَسٌ والمصدرُ مفتوحٌ أَيضاً لأَنَّه كانَ يُفتَحُ معَ المكسورِ فهوَ في المفتوحِ أَجدرُ وقَد جاءَ الكسرُ للفرقِ
وقالوا : علاهُ المكبرُ وقالَوا : مَحْمِدَةٌ فأنثوا وكسروا وحكم ( يفْعُلُ ) حكمُ ( يَفْعَلُ ) وتنكبوا أَنْ يقولوا : ( مَفْعُلٌ ) لأَنهُ ليسَ في الكلام اسمٌ مثلُ ( مَفْعُلٍ ) تقولُ في ( يَقْتُلُ ) ( ويقومُ ) : المَقْتَلُ والمَقامُ في المكانِ وقالوا : المَلامةُ في المصدرِ وقالوا : المَرَدُّ والمَكَرُّ يريدونَ : الكُرُورَ والرَّدَّ وقالوا : المَدْعَاةُ والمأْدبةُ يريدونَ : الدَّعاءَ إلى الطعامِ وقالوا : مطْلِعٌ يريدونَ الطُّلوعَ كما قالوا : في بَابِ ( يَفْعِلُ ) المَرْجِعُ وبَابُ : يَفْعُلُ حقهُ أَنْ يشتركَ فيهِ ( يَفْعَلُ ) ويَفْعَلُ بَلْ كانَ ( يُفْعِلُ ) أَحقُّ بهِ لأَنُّ ( يَفْعِلُ ) أُختُ ( يَفْعُلُ ) أَلاْ تَراهما يجيئانِ في مضارعِ ( فَعَلَ ) ولكنْ جاءَ في الأكثرِ على ( يَفْعل ) لخفةِ الفَتحةِ وأَنهُ لمّا كانَ لا بُدَّ من تغييرِ يَفْعَلُ غيروا إلى الأَخفِّ فإذَا جاءكَ شيءٌ على قياسِ ( يَفْعَلُ ) فاعلم : أَنَّ الخفةَ قصدوا
وإنْ جاءَ على قياسِ ( يَفْعِلُ ) فاعلم : أَنَّهُ أَحقُّ بهِ لأَنَّهما أُختانِ أَعني : يَفْعِلُ ويَفْعُلُ وقالوا : مَطْلِعٌ يريدونَ : الطُلوعَ وهيَ لغةُ بني تميمِ
وأَهلُ الحجازِ يفتحونَ وقَد كسروا الأَماكنَ أَيضاً في هذَا
وذلكَ المَنْبِتُ والمَطْلِعُ لمكانِ الطُّلوعِ وقالوا : مَسْقِطُ رأْسي للموضعِ والسقوطِ المَسْقَطُ
قالَ أبو العباسِ : يختلفُ الناَسُ في ( المَطْلِعِ ) فبعضُ يزعمُ : أَنَّ المَطلعَ : هو المكانُ الذي يطلعُ فيهِ ويجعلُ المصدرَ ( المَطْلعَ ) وبعضُهم يقولُ كما قالَ سيبويه وأَمَّا المَسْجِدُ فاسمُ البيتِ ولستَ تريدُ بهَ موضِعَ جبهتِكَ ولو أَردتَ ذلكَ لقلتَ : مَسْجَدٌ ونظيرُ ذلكَ : المُكْحُلة والمِحْلَبُ والمِيسمُ اسمٌ لوعاءِ الكُحْلِ وإنَّما دخلتْ هذهِ الميمُ في ( مِيْسَم ) ومِحْلَبٍ لمعنى الإرتفاقِ وكذلكَ : المُدُقُ صارَ اسماً كالجُلمودِ وكذلكَ المَقْبُرةُ والمَشْرقُةَ ومَوضعُ الفعلِ مَقْبَرٌ وكذلك المَشْرُقَةُ وهي الغُرْفَةُ وكذلكَ : المُدْهنُ والمَظلِمةُ بهذهِ المنزلةِ إنّما هوَ اسمُ ما أَخذَ منكَ
وقالوا : مَضْرَبةُ السيفِ جَعَلُوهُ اسماً للحديدة وبعضُهم يقولُ : مَضْرُبةٌ والمِنْخِرُ بمنزلةِ المُدْهنِ والمَسْرُبَةُ والمَكرُمةُ والمأثُرةُ بمنزلةِ : المَشْرُقةِ وقَد قالَ قومٌ : مَعْذَرُةٌ كالمأْدُبةِ ومثلهُ : ( فَنَظَرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ )
ويجيءُ المِفْعَلُ اسماً وذلكَ ( المِطْبخُ ) والمِرْبَدُ وكُلُّ هذهِ الأبنيةِ تقعُ اسماً للذي ذكرنَا من هذهِ الفصولِ لا لمصدرٍ ولا لموضعِ فِعْلٍ
بَابُ ما كانَ مِنْ هذَا النحو مِنْ بناتِ الياءِ والواوِ التي فيهِ لاماتٌ
الموضعُ والمصدرُ فيهِ سواءٌ يجيءُ على ( مَفْعَلٍ ) وكانَ الأَلفُ والفتحُ أَخفٌّ علَيهم مِنَ الياءِ والكسرةِ وذلكَ نحو : مَغْزَىً ومَرْمَىً وقَد قالوا : مَعْصِيةٌ ومَحْمِيةٌ ولم يجىء مكسوراً بغيرِ الهاءِ وأَما بناتُ الواوِ مثلُ : يَغزُو فيلزمُها الفتحُ لأَنَّها ( يَفْعُلُ ) وإنْ كانَ فيها ما في بَناتِ الياءِ مِنَ العَلَّةِ
بَابُ ما كانَ من هَذا النحوِ من بناتِ الياءِ والواوِ فيهِ فاءٌ
المكانُ منِ ذواتِ الواوِ يُبنى علَى ( مَفْعِلٍ ) وذلكَ قولُكَ للمكانِ المَوْعِدُ والموَضِعُ والمَورِدُ وفي المصدرِ المَوجِدةُ والموْعِدةُ ومَوْحِلٌ لإِنَّ هَذا البابَ يَفعَلُ منه لا يصرفُ إلى يَفْعُلُ
وقال أكثر العرب في وَحِلَ وَوَجِلَ مَوْجِلٌ ومَوْجلٌ لأَنَّ هذهِ الواوَ قَد تَعَلُّ فشبهوهُ بواوِ وَعَد
وقالَ سيبويه : حدثَنا يونس وغيرُه : أَنَّ ناساً مِنَ العربِ يقولونَ في ( وَجِلَ ) يَوْجَلُ ونحوِه : مَوْجَلٌ قالَ : وكأَنَّهم الذينَ يقولونَ : يوْجَلُ ( فلم يعلوا الواوَ ) وقالوا : مَوَدةٌ لأَنَّ الواو تَسلمُ في ( يَوَدُّ ) وليستْ مثلَ
( واوِ يَوْجَلُ ) التي قَد يعلُّها بعضُهم فتح ومَوْحَدٌ فتحَ لأَنَّهُ اسمٌ معدولٌ عن واحد فشبهوهُ بالأسماءِ نحو : مَوْهبٍ ومَوألةٍ وأَما بناتُ الياءِ فإنَّها بمنزلةِ غيرِ المعتلَّ لأنَّها تتمُّ فَلا تَعَلُّ أَلاَ تراهم قالوا : مَيْسَرةٌ وقالَ بعضُهم : مَيْسُرَة
بَابُ ما يكونُ ( مَفْعَلَةٌ ) بالفتحِ والهاءُ لازمةٌ لَهُ
وذلكَ إِذَا أَردتَ أَن تُكثِر الشيءَ بالمكانِ نحو : مَسْبَعَةٍ ومَأْسَدَةٍ وَمَذأَبةٍ وليسَ في كُلِّ شيءٍ قيلَ إِلاّ أَنْ تَقيس شيئاً وتعلَم أَنَّ العربَ لم تتكلم بهِ ولم يجيئوا بمَثَل لهذَا في الرباعي ولو قلتَ من بنَاتِ الأربعةِ مثلَ قولِكَ : مَأْسَدةٌ لقلتَ : مُثَعْلَبةٌ لأَنَّ ما جاوزَ الثلاثةَ يكونُ نظيرَ المُفْعَلِ ( منهُ بمنزلةِ المَفْعُولِ ) وقالوا : أَرضٌ مُثَعلبةٌ ومُعَقْربةٌ ومَنْ قالَ : ثَعالةٌ قالَ : مُثْعَلةٌ ومُحْيَأَةٌ مِنَ الحَياتِ وَمَفْعَاةٌ فيها أَفاعٍ ومَقْثَأَةٌ : فيها القِثَّاءُ
باب نظائِر ما ذكرنا مِما جاوزَ بناتَ الثلاثةِ زيادةٍ بزيادةٍ أَو غيرِ
فالمكانُ والمصدرُ يُبنى من جميعِ هَذا بناءَ المفعول وكانَ بناءُ المفعولِ أَولى بهِ لأَنَّ المصدَر مفعولٌ والمكانَ مفعولٌ فيهِ فيضمونَ أَوَّلَهُ كما يضمونَ المفعولَ كما أَنَّ أَولَ بَناتِ الثلاثةِ كأَولِ المفعولِ منها في فتحهِ إِلاّ أَنَّهُ على غيرِ بنائهِ وهوَ مِنَ الرباعي عَلى بنائِه يقولونَ للمكانِ : هَذا مُخْرجُنَا ومُمْسَانَا وكذلكَ إذا أردتَ المصدَر وتقولُ أيضاً للمكانِ : هَذا مُتَحاملنا وتقولُ : ما فيهِ مُتُحامَلٌ أَي : تَحَاملٌ ويقولونَ : مُقَاتَلُنَا وكذلك تقولُ إذا أردتَ المُقَاتلةَ : أي : القِتَالَ
ومذهبُ سيبويه : أنَّ المصدَر لا يأتي علَى وزنِ ( مَفعول ) ألبتةَ ويتأولُ في قولهم : دَعْهُ إِلى مَيْسُورَةٍ وإِلى مَعسورةٍ أنَّهُ إِنَّما جاءَ علَى الصفةِ كأَنهُ قالَ : دَعْهُ إِلى أَمرٍ يُؤسرُ فيهِ وإِلى أَمرٍ يَعْسُر فيهِ
وغيرهُ يكونُ عندَهُ على ( مَفْعولٍ ) ويحتجُّ بقولِهم مَعْقولٌ يرادُ بهِ العَقْلُ ولا أَحسبُ الصحيحَ إِلاّ مذهبَ سيبويه
وقَد تأولَ سيبويه للمعقولِ فقالَ : كأَنهُ عُقِلَ لَهُ شَيءٌ أي : حُبِسَ لَهُ لُبّهُ وشُدِّدَ قَال : ويستغنى بهذَا عن ( المَفْعَلِ ) الذي يكونُ مصدراً
بَابُ ما عالجتَ به
المِقَصُّ الذي تقصُّ بهِ والمَقَصُّ : المكانُ والمَصدرُ وكُلُّ شيءٍ يُعالجُ بهِ مكسور الأولِ كانت فيهِ هاءُ التأنيثِ أو لم تكنْ وذلكَ : مِخلَبٌ ومِنْجَلٌ ومِكْسَحَةٌ ومِسَلَّةٌ والمِصفَى والمِخْرز والمِخْيطُ ويجيءُ علَى مَفْعال نحو : مِقْراضٍ ومِفْتاحٍ ومِصْباحٍ وقالوا : المِفْتَحُ والمِسْرَجة
بابُ ما لا يجوزُ فيهِ ( ما أَفْعَلَهُ )
لا يقالُ : ما أَحْمرَهُ ولاَ ما أَعرجهُ إِنّما تقولُ : ما أشدَّ حمرَتَهُ وما أَشَدَّ عَرَجَهُ وكَذا جميعُ الألوان والخِلَقِ وما لم يكنْ فيهِ ( ما أَفعلهُ لم يكنْ فيهِ ) أَفْعِلْ بهِ
وكذلكَ : أَفعلُ منهَ وكذلَك أيضاً فَعُولٌ ومِفْعَالٌ نحو : رَجلٍ ضَرُوب ورَجلٌ مِحْسَانٌ لأَنَّ هذا في معنى : ما أَحسنَهُ لأَنَّكَ إِنما تريدُ المبالغةَ وأَمَّا قولُهم : ما أَحمقهُ وأَرْعَنهُ وأَنوكهُ وفي الأَلدِّ : ما أَلدَّهُ فإِنَّ هذا عندهم مِنْ قلةِ العِلْمِ ونقصانِ الفطنةِ وليسَ بلونٍ ولا خِلْقَة في جسدٍ إِنّما هُوَ كقولِكَ : ما أَنظرهُ تريدُ نَظَر التفكيرِ وكذلك ما أَلسنَهُ تريدُ البَيانَ والفصاحةَ
بَابُ ما يستغنى فيهِ عن ما أَفعَلةُ بمَا أَفْعَلَ فِعْلَهُ وعن أَفْعَلَ منه بقولهم ( أَفْعَلُ منه فِعْلاً )
لا تقول في الجواب : ما أجوبَهُ إِنَّما تقولُ : ما أجودَ جوابَهُ ولا تقولُ : هَذا أجوبُ مِن هذا ولكنْ أجود منهُ جواباً وكذلك : أَجوب بهِ إِنّما تقولُ : أَجودْ بجوابهِ ولا يقولونَ : في ( قَالَ يَقيلُ مِنَ النَّومِ ما أقيلَهُ إِنّما يقولونَ : ما أَكثرَ قائلَتهُ وما أَنوَمهُ في سَاعةِ كَذا وكذَا كما قالوا تَركتُ ولَم يقولوا : وَدَعْتُ هَذا مذهب سيبويه
وقال أبو العباس : الخِلَق على خلافهِ
والقياسُ يوجبُ ما قالَ أبو العباسِ
بَابُ ما أَفعلَهُ علَى معنيينِ أَحدهما على معنى الفاعل والآخر على معنى الصفةِ
تقولُ : ما أَبغضني لَهُ وما أَمقتني لَهُ وما أَشهاني كذلكَ تريدُ : أَنكَ ماقتٌ وأنكَ مبغضٌ وكذلكَ ما أَمقتُه لي أي : هُوَ ماقتٌ لي فهي في المعنى ( فَاعِلٌ ) وأَمَّا ما كانَ في المعنى ( المفعولُ ) فقولُكَ : ما أَمقتَهُ وما أَبغضَهُ إليَّ إِنَّما تريدُ : أَنه مبغضٌ إليكَ وممقوتٌ كما تقولُ : ما أَقبحهُ إِنما تريدُ أنهُ قبيحٌ في عينكَ فكانَ هذا على ( فَعُلَ ) و ( فَعِلَ ) وإِنْ لم يستعملْ
بَابُ ما تقولُ العربُ ما أَفعلَهُ وليسَ فيهِ فِعْلٌ وإنما يحفظ حفظاً ولا يقاس عليه
قالوا : أحنكُ الشاتينِ يعني أَقواهما وأَحنكُ البعيرينِ علَى معنى : حَنِكَ وقالوا : آبلُ الناسِ كُلِّهم كأَنُّهم قَالوا : أَبِلَ وقالوا : رَجلٌ آبَلُ وقد قَالوا : فلانٌ آبَلُ منهِ
بَابُ ما يكسرُ فيهِ أَوائلُ الأفعالِ المضارعةِ
وذلكَ إِذَا كانَ الفعلُ الماضي على ( فَعِلَ ) مِنَ الصحيح والمعتلُّ مما اعتلتْ عينهُ أَو لامهُ
قالَ سيبويه : وذلِكَ في لغةِ العربِ إلاّ أَهلَ الحجازِ وذلك نحو : عَلِمَ وأَنا أَعلمُ وأَنْتَ تَعلمُ وشَقيتَ تَشْقَى وخِلْتَ تَخَالُ وَعَضَّتْ تَعِضُّ وأنتِ تَعِضينَ تكسرُ حرفَ المضارعةِ لكسرِ العينِ في ( فعِلَ ) وجميعُ هَذا إِذَا أَدخلتَ فيه الياءَ فقلت : يَفْعَلُ ( فتحتَ كرهوا الكسرة في الياء وفَتحوا تَضْرِبُ ) وما كانَ على وزنِه لفتح العين في ( ضَرَبَ ) وقالوا : أَبى فأَنتَ تِئبى كأنها مِنَ الحروفِ التي يستعمل ( يَفْعَلُ ) منها مفتوحاً فأشبه ما ماضيه ( فَعِلَ ) وقد قالوا : يِئبىَ فكسروا الياء وخالفوا بهِ بابَهُ حينَ فتحوهُ شبهوهُ ( بيِيِجَلُ )
وأَمَا يَسَعُ ويَطَأُ
فإِنَّما فتحوا لأَنهُ ( فَعِلَ يَفْعِلُ ) ففتَحوا للهمزةِ والعينِ كما قالوا : نَفْزَعُ ويَقرأُ فلمّا جاءت علَى مثالِ ما ( فَعَلَ ) منهُ مفتوحٌ لَم يكسروا
واعلَم : أَنَهُ لا يضمُّ حرفُ المضارعةِ لضم عينِ ( فَعُلَ ) فأَمَّا وَجِلَ يَوْجَلُ ونحوه فأَهلُ الحجازِ يقولونَ تَوْجَلُ وغيرُهم تِيْجَلُ وأَنا إِيْجَلُ ونِيْجَلُ وإذَا قلتَ ( يَفْعَلُ ) فبعضُ العَربِ يقولُ : يَبْجَلُ وبعضُ العَربِ : يَاجَل وبعضُ : يِيجَلُ وكُلُّ شَيءٍ كانتْ أَلفُه موصولةً في الفعلِ الماضي فإِنَّك تكسرُ أَوائلَ الأَفعالِ المضارعةِ نحو : استعفرَ فأَنْتَ تِسْتَغْفِرُ واحرنَجَمَ فأَنتَ تِحْرَنجِمُ واغْدَودَنَ فأَنْتَ تِغْدَودِنُ واقْعَنسَسَ فأنا اقْعَنسِسُ وكذلكَ كُلُّ شيءٍ مِنْ ( تَفَعَّلْتُ ) أَو ( تَفَاعلت ) يجري هذا المَجرى لأَنَّه كانَ في الأصلِ عندهم مما ينبغي أَن يكون أَولهُ أَلفاً موصولة لأَنَّ معناهُ معنى ( الإنفعالِ ) ومن ذلكَ قولُهم : تَقَى الله رَجُلٌ ثُمَّ قالوا : يَتَقِي الله أجروهُ علَى الأصلِ وإنْ كانوا لم يستعملوا الألفَ فحذفوا الحرفَ الذي بعدها من ( اتَّقَى )
بَابُ ما يُسكنُ استخفافاً في الإسمِ والفِعْلِ
وذلكَ قولُهم في فَخِذٍ : فَخْذٌ وفي كَبِدٍ : كَبْدٌ وعَضِدٍ : عَضْدٌ وكَرُمَ كَرْمَ وعَلِمَ عَلْمَ إِنَّما يفعلونَ هَذا بما كانَ مكسوراً أو مضموماً وهي لغةُ بكر بن وائلِ وأُناس من تميم وقالوا : في مَثَل : لم يُحرمْ مَنْ فُصْدَ لَهُ أَي : فُصدَ لَهُ بِعيرٌ يعني : فَصَدَ البَعير للضيفِ وقالوا في عُصِرَ عَصْرٌ وإِذَا تتابعتِ الضمتانِ أيضاً خَففُوا يقولونَ في الرُّسُلِ : رُسْلٌ وعُنُقٍ عُنْق وكذلكَ الكسرتان وقالوا في إبِلٍ : إبْلٌ ولا يسكنون ما توالت فيهِ الفتحتانِ نحو : جَمَلٍ وما أَشبَهُ الأولَ وليسَ علَى ثلاثةِ أَحرفٍ قولُهم : أَراكَ مُنْتَفْخاً يريدُ : مُنْتَفِخَاً وانْطَلْقَ يا هَذا بفتحِ القَافِ لئلا يلتقي ساكنانِ وأَنشد :
( أَلاَ رُبَّ مولودٍ ولَيسَ لَهُ أَبٌ ... وَذي وَلَدٍ لَمْ يَلْدَهُ أَبوانِ )
أَرادَ لَم يُلِدْهُ
فأسكنَ اللامَ فلمَّا أسكنَها التقى الساكنانِ ففتحَ الدالَ لإلتقاء
الساكنين وزعموا أنَّهم يقولونَ : وَرِدٌ وورْدٌ وكَتِفٌ وكَتْفٌ وهَذه لغةٌ ومِما أُسكنَ مِنْ هَذا البابِ قولُهم : شِهْدَ وَلِعْبَ في : شَهِدَ : ولَعِبَ ومثلُ ذلكَ : نِعْمَ وبِئْسَ إِنَّما هُما ( فَعِلَ ) ومثلُ ذلك فيها وَنِعْمَتْ وبعضُ العربِ يقولُ : نِعْمَ الرجلُ ومثلُ ذلكَ : غَزْيَ الرجلُ لا يحوّلُ الياءَ واواً لأَنَّها إِنَّما خُففتْ والأصلُ عندَهم التحريكُ
هَذا بابُ الإِمالةُ
معنى الإِمالةِ أَنْ تُميلَ الألفَ نحو الياءِ والفتحةَ نحو الكسرةِ والأسبابُ التي يُمالُ لها ستةٌ : أَن يكونَ قبلَ الحرفِ أو بعدَهُ ياءٌ أو كسرةٌ أَو يكونَ منقلباً أَو مشبهاً للمنقلبِ أو يكونَ الحرفُ الذي قبلَ الألفِ قد يكسرُ في حَالٍ أَو إمالةٍ لإِمالةٍ وهذِه الإِمالةُ تجوزُ ما لَمْ يمنعْ مِنْ ذلكَ الحروفُ المستعليةُ أَو الراءُ إِذا لم تكنْ مكسورةً
الأولُ : ما أُميلَ مِنْ أَجلِ الياءِ وذلكَ شَيبانُ وقَيس عَيْلانَ وَغَيْلانُ وكَيَّالُ وَبيَّاعٌ وأَهلَ الحجازِ لا يُميلونَ هَذا ويقولونَ : شَوْكُ السَّيالِ والضَّياح أُميلَ حرفُ متحركُ متحركٌ قِزْحاً قِزْحاً وعُذافر تنوين
الثاني : ما أُميلَ مِن أَجلِ كسرةِ قبلَهُ أَو بعدَهُ فأَما ما أُميلُ للكسرةِ
قَبْلُ
فإِذَا كانَ بينَ أولِ الحرفِ من الكلمةِ وبينَ الألفِ حرفٌ متحركٌ والأولُ مكسورٌ أَملتَ الأَلفَ وكذلكَ إِنْ كانَ بينهُ وبينَ الألفِ حرفانِ الأولُ ساكنٌ وذلكَ : سِرْبالٌ وشِمْلالٌ ودرهمَانِ ورأيتُ قِزْحاً وعِمَاداً وكِلاَباً وجميعُ هَذا لا يميلهُ أَهلُ الحجازِ ويقولونَ : لزيدٍ مَال يشبهونَ المنفصلَ بالمتصل فأَمَّا ما أُميلَ للكسرةِ بعدُ فنحو : عِابدٍ وعالم ومَسَاجدَ ومفاتيحَ وعُذافر فإذا كانَ ما بعدَ الألفِ مضموماً أو مفتوحاً لم تكنْ إِمالةً نحو : آجُرٍ وتَابَل وكذلك إِذَا كانَ الحرفُ الذي قبلَ الألِف مفتوحاً أو مضموماً نحو : رَبَابٍ وجمادٍ والبَلْبالِ والخُطَّاف
الثالث : ما انقلبَ مِنْ ياءٍ يُمالُ لأَنَّهُ مِنْ ياءٍ نحو : نَابٍ ورَجل مَالٍ وبَاعٍ وإِذَا جاوزتِ الأسماء أربعةَ أَحرفٍ أَو جاوزتْ من بناتِ الواوِ فالإِمالةُ مُستَتبةٌ لأَنَّها مواضعُ تصيرُ فيهِ ياءاتٍ وجميعُ هَذا لا يميلُه نَاسٌ كثيرٌ من بني تميم وكلُّ ألفٍ زائدةٍ للتأنيثِ أَو لغيرهِ فحكمُها حكمُ الألفِ إِذا كانت رابعةً فصاعداً لأَنَّها تُقْلَبُ ياءً في التثنيةِ وذلكَ نحو : حُبْلَى ومِعْزَى ونَاسٌ كثيرونَ لا يميلونَ
الرابعُ : ما شُبهَ بالمنقلبِ مِنَ الياءِ كُلُّ شيءٍ من بناتِ الواوِ والياءِ كانت عينُه مفتوحة تُمال ألفهُ أَما ما كانَ من بَناتِ الياءِ فتمال أَلفهُ لأَنَّها في موضع ( ياءٍ ) وبدلٌ مِنْها وأَما بناتُ الواوِ فشبهوها بالياءِ لغلبةِ الياءِ علَى هذه اللامِ إِذا جاوزت ثلاثةَ أَحرفٍ
وقد يتركونَ الإِمالة فيما كانَ على ثلاثةِ أَحرف من بنَاتِ الواوِ نحو : قَفَا وعَصَا والقَنَا والقَطَا والإِمالةُ في الفعل لا تنكسرُ نحو : غَزَا
الخامس : ما يُمالُ لأَنَّ الحرفَ الذي قبلَ الألفِ تكسرُ في حَالٍ أعني في ( فَعَلْتُ ) وذلكَ نحو : خِاف وطِابَ وهِاب وهيَ لغةٌ لبعضِ أَهلِ الحجازِ فأَمالوا : لأَنَّهم يقولونَ : خِفْتُ وطِبْتُ وهِبْتُ وأَما العامةُ فلا يميلونَ
قالَ سيبويه : وبلغَنا عن ابن أبي إسحاق أَنهُ سَمع كُثّير عزةَ يقول : صار بمكان كَذا وكذَا وقرأَ بعضُهم خِافَ ولا يميلونَ غيرَ
فِعْلٍ نحو : بَابٍ ودَارٍ لا يمالانِ وقَد قالوا : مِاتَ وهُم الذينَ يقولونَ : مِتُّ ومنهم مَنْ يقولُ : هَذا مِاشٍ في الوقفِ فيميلُ ومنهم مَنْ ينصبُ في الوقفِ
السادسُ : الإِمالةُ لإِمالة : يقولونَ : رأيتُ عِمادا فيملونَ الألفَ في النصبِ لإِمالةِ الألفِ الأولى وقالوا في مَهاري تميلُ الألِفَ وما قَبْلَها
واعلَمْ : أَنَّ ناساً مِنَ العربِ يلغونَ الهاءَ إِذا اعترضتْ بينَ الذي يميلُ الألفَ وبينَ الألفِ لخفائِها ولا يعتدونَ بِهَا وذلكَ قولُهم : يريدُ أَن يَضرِبَها ويَنْزِعَها كأَنَهُ قالَ : أُريدُ أَن يَضْرِبا ويَنْزِعَا : بَيني وبَينِهَا وليسَ شيءٌ من ذَا تُمالُ أَلفهُ في الرفعِ إذَا قالَ : هَوَ يِكيلُها وذلكَ أَنهُ وقعَ بينَ الألفِ وبينَ الكسرةِ الضَّمةُ فصارتْ حاجزاً وقالوا : فِينَا وَعلينا ورأيتُ يَدها والذينَ يقولونَ : رأَيتُ عِدّاً الألفُ أَلفُ نَصْبٍ ويريدُ أَن يَضْرِبَها يقولونَ : هَوَ مِنَّا وإِنا إِلى اللِه راجعونَ وَهم بنو تميمٍ ويقولُه أَيضاً قومٌ مِنْ قيسٍ وأَسدٍ قالَ هؤلاءِ : رأيتُ عِنَبَا فلم يميلوا لأنه وقع بين الكسرة والألف حاجزان قويان
ذِكرُ ما يمنعُ الألف مِنَ الإِمالةِ
الحروفُ المستعليةُ التي تَمنعُ الإِمالةَ سبعةُ أَحرفٍ : الصادُ والضادُ
والطاءُ والظاءُ والغينُ والقافُ والخاءُ إذا كانَ حرفٌ منها قبلَ الألفِ والألفُ تليهِ وذلكَ قولُكَ : قَاعدٌ وغَائبٌ وخَامدٌ وصَاعدٌ وطَائفٌ وضَامنٌ وظَالمٌ
قَالَ سيبويه : ولا نَعلمُ أَحداً يميلُ هذِه الأَلفُ إِلا مَنْ لا يؤخذُ بلغتهِ وكذلكَ إِذَا كانَ الحرفُ مِنْ هذِه الحروفِ بعدَ أَلفٍ تَليها وذلكَ قولُكَ : نَاقِدٌ وعَاطِشٌ وعاصِمٌ وعاضِدٌ وعاظلٌ باخلٌ وَوَاقِدٌ وكذلِكَ إِنْ كانتْ بعدَ الألفِ بحرفٍ وذلكَ قولُكَ : نَافخٌ ونَابغٌ ونَافقٌ وشَاحطٌ وعَالِطٌ وناهِضٌ ونَاشِطٌ وكذلكَ إِنْ كانَ شيءٌ منها بعدَ الألفِ بحرفينِ وذلكَ قولُكَ : مَنَاشيطُ ومَعَاليقُ ومَنَافيخُ ومَقَاريضُ ومَوَاعيظُ ومَبَاليغُ
وقالَ قومٌ : المَناشيطُ فَأَمالوا حينَ تَراختْ وهي قليلةٌ فإِذَا كانَ حرفٌ مِنْ هذِه الحروفِ قبلَ الألفِ بحرفٍ وكانَ مكسوراً فإنَّهُ لا يمنعُ الإِمالةَ لأَنَّ الإنحدارَ أَخفُّ عليهم وذلكَ قولُكَ : الضِّعَافُ والصِّعَابُ والطِّنَابُ والقِبَابُ والعِقافُ والخِبَاثُ والغِلاَبُ وكذلكَ ( الظّاءُ ) كالظِّرَابِ وإِذَا كانَ الحرفُ المستعلى مفتوحاً لَم يجز الإِمالةُ وإِذَا كانَ أَولُ الحرفِ مكسوراً وبينًَ الكسرةِ والألفِ حرفانِ أَحدهما ساكنٌ
والساكنُ أَحدُ هذهَ الحروفِ فإِنَّ الإِمالةَ تدخلُ الألفَ وذلكَ قولُكَ : نَاقةٌ مِقْلاتٌ والمِصْبَاحُ والمِطْعَانُ وكذلكَ سائرُ هذِه الحروفِ وبعضُ مَنْ يقولُ : قَفافٌ ويميلُ ينصبُ الألفَ في ( مِصْباحٍ ) ونحوهِ لأَنَّ المستعلى جاءَ ساكناً غيرَ مكسورٍ وبعدَهُ الفتحُ فجعلَهُ بمنزلتِه متحركاً مفتوحاً وتقولُ :
رأَيتُ قِزْحا وأَتيتُ ضِمْنا فتميلُ وهما بمنزلتِهما في ( صِفَافٍ ) وقِفَافٍ وتقولُ : رأَينُ عِرقا ورأَيتُ مِلْغَا فَلا تُميلُ لأنهما بمنزلتهِما في ( غَانم ) والقافُ بمنزلتِها في ( قَائمٍ ) وقالوا في المُنفصلِ كما قالوا في المُتصلِ أَرادَ : أَن يَضْرِبَها قَبْلُ فلم يملْ وكذلكَ أَخواتُها وقومٌ يفرقونَ بينَ المتصِل والمنفصلِ فأَمَّا ما كانَ مِنَ الألفِ منقلباً من ياءٍ فإِنَّ مَنْ يُميلَ يميلُ على كُلِّ حالٍ وإِنْ وليَها المستعلي نحو : سِقَاءٍ ومعْطاءٍ وكذلكَ ( خَافَ ) لأَنهُ يرومُ الكسرةَ التي في ( خِفْتُ ) وكذلكَ أَلفُ ( حُبْلَى ) لأَنَّها حكمُها حكمُ بَناتِ الياءِ وكذلكَ بابُ غَزَا لأَنَّ الأَلفَ هُنَا كأَنَّها مُبدلةٌ مِنْ ( ياءٍ ) يقولونَ : ضَغَا وصَغَا ومما لا تُمالُ أَلفهُ ( فَاعِل ) مِنَ المضاعفِ وَمُفَاعِلٌ وأَشبهاههما لأَنَّ الحرفَ قبلَ الألفِ مفتوحٌ والحرفُ الذي بعدَ الألفِ ساكنٌ لا كسرةَ فيهِ وذلكَ : جَادٌّ وَمادٌّ وجَوَادٌّ لا يميلُ لأَنهُ فُرَّ مما يحققُ فيهِ الكسرة وقد
أَمالَ قومٌ في الجرِّ وأَمالَ قومٌ آخرونَ على كُلِّ حَالٍ وقالوا : لم يَضْرِبْهما الذي تعلم فلم يميلوا لأَنَّ الألفَ قد ذهبتْ وقالوا : رأيتُ عِلْماً كثيراً فلم يميلوا لأَنَّها نونٌ
واعلمْ : أَنَّ بعضَ العرب مَنْ يقولُ : عَابدٌ فيميلُ يقولُ : مررتُ بمالِكَ فينصبُ لأَنَّ الكسرةَ غيرُ لازمةٍ ومما لا يمالُ أَلفهُ الحروفُ التي جاءتْ لمعنىً ( حَتَّى وأَمّا وإِلاّ ) فرّقُوا بينَها وبينَ الأسماءِ وأَمَالوا : أَنّى لأَنّها مثلُ ( أَينَ ) وهيَ اسمٌ وقالوا : ( أَلا ) فلم يميلوا فرقوا بينَها وبينَ ( ذَا ) ولم يُميلو ( مَا ) لإِنَّها لم تمكنْ تمكَّن ( ذَا ) ولا تَتمُّ اسماً إلا بصلةٍ فأشبهتِ الحروفَ وقالوا : يَا وتَا في حروفِ المعجمِ لأَنَّها أَسماءُ مَا يلفظُ بهِ
وقالوا : يَا زَيدُ ( فأَمالوا لمكانِ الياءِ ) ومَنْ قَالَ : هَذا مَالٌ ورأَيتُ بَابا فلا يقولُ علَى حالٍ : سِاقٌ ولا قِارٌ ولا غِابٌ وغَاب الأَجمةُ لأَنَّ المعتلَّ وسطاً أَقوى فلَم يبلغْ مِن أَمرِها هَا هُنا أَنْ تُمالَ معَ مستعلٍ كما أَنَّهم لم يقولوا : بِالَ مِنْ ( بُلْتُ ) حيثُ لم تكنْ الإِمالةُ قويةً في المَالِ ولاَ مستحسنةً عند العامة
بَابُ الراءِ
الراءُ فيها تكريرٌ في مخرجِها فإِذا قلتَ : رَاشدٌ وفِرَاشٌ لم تملْ لأَنَّهم كأَنهم تكلموا براءين مفتوحتينِ فَصارتْ بمنزلةِ القافِ وتقولُ : هَذا حِمَارٌ ورأَيتُ حِمَاراً فلا تُميلُ ولو كانَ غيرُ الراءِ لأَملتَ وأَما في الجرِّ فتميلُ الأَلفَ كان أَولُ الحرفِ مكسوراً أو مفتوحاً أَو مضموماً لأَنَّها كأَنَّها حرفانِ مكسورانِ فإِنّما تُشبه القافَ مفتوحةً وذلكَ قولُكَ : من حِمَارِكَ ومِنْ عَوَارِكَ ومِنَ المُعَارِ ومِنَ الدُّوَارِ وجميعُ المستعليةِ إِذَا كانتِ الراءُ مكسورةً بعدَ الألفِ غلبتِ الراءُ وذلك قولُكَ : قَارِبٌ وغَارِمٌ وهذَا طَارِدٌ قَوِيتَ علَى هذِه الألفِ إِذ كنتَ إِنّما تضعُ لِسانَكَ في موضعِ استعلاءٍ ثُمَّ تنحدرُ فإِنْ كانَ المستعلي بعدَ الراءِ لم تملْ تقولُ هذهِ نَاقةٌ فَارقٌ وأَينُقٌ مَفَاريقُ فتنصبُ كما فعلتَ ذلكَ حينَ قلتَ : نَاعِقٌ ومُنَافِقٌ ومَنَاشِيطٌ وقالوا : مِنْ قَرارِكَ فَغَلبتِ الراءُ المكسورةُ الراءَ المفتوحةَ كما غلبتِ الحرفَ المستعلي وقومٌ مِنَ العربِ يقولونَ : الكَافرونَ والكاَفِرُ والمَنابرُ لبعدِ الراءِ ولم تَقْو قوةَ المستعليةِ لأَنَّها من موضعِ اللامِ وهيَ
قريبةٌ مِنَ الياءِ أَلا تَرى أَنَّ الأَلثغُ يجعلُها ياءً وقوم آخرونَ نصبوا الألفَ في النَّصبِ والرفعِ وأَمالوا في الجرِّ ومَنْ قالَ : مررتُ بالحِمَارِ فلمْ يملْ قالَ : مررتُ بالكَافِر فنصبَ الألَفَ قالَ : وقد قال قومٌ ترضى عربيتُهم : مررتُ بِقَادرٍ قَبلُ سمعنَا مَنْ نثقُ بهِ مِنَ العربِ يقول وَهْوَ هُدبةُ ابن خِشرم :
( عَسَى الله يُغني عَنْ بلادِ ابنَ قَادرٍ ... بمنهمرٍ جَوْنِ الرَّبَابِ سَكُوبِ )
والأجودُ تركُ الإِمالةِ ومَنْ يقولُ : مررتُ بكافِرٍ أَكثرُ ممن يقولُ : بقَادر ومِنَ العربِ مَنْ يقولُ : مررتُ بِحِمار قَاسِمٍ فينصبونَ للقافِ
ومَنْ قالَ : بالحِمَارِ قبلُ قالَ : مررتُ بِفَارٍّ قَبْلُ وقالَ : ( كانت قوارير قَواريرَ مِنْ فِضَّةٍ ) ومَنْ قالَ : جَادٌّ لم يقلْ : هَذا فَارٌّ لقوةِ الراءِ هُنَا وتقولُ : هذه دَنَانيرُ كما قلتَ كَافِرٌ ودَنَانيرُ أَجدرُ لأَنَّ الراءَ أَبعدُ والذين يقولونَ : هَذا دَاع في الوَقفِ فلا يميلونَ لأَنَّهم لَم يلفظوا بالكسرةِ يقولونَ مررتُ بحِمَار لأَنَّ الراءَ كأَنها عندهم مضعفةٌ راءٌ مكسورةٌ قبلَ راءٍ ومَنْ قالَ : أَرادَ أَن يضَرِبَها قَاسِمٌ قالَ : أَرادَ أَن يَضْرِبَها رَاشدٌ والراءُ أَضعفُ ورأَيتُ عِفْراً مِثلُ عِلْقَاً وعِيَرا مثلُ : ضِيقَا وهَذا عمرانُ مثلُ حِمْقان وقومٌ يقولونَ : رأيتُ عِفْرَا يشبهونَها بألفِ ( حُبْلى ) وقالوا : رأيتُ : عَيْرا وقالوا : النِغْرانُ وَعِمرانُ ولم يقولوا : بِرْقان وقالوا : هَذا جَرابٌ وذَا فَراشٌ لما كانتِ الكسرةُ أَولاً والألفُ زائدةً شبهتْ بِنغْرَانٍ
واعلم : أَنَّهم يشبهونَ الهاءَ بالألفِ فيميلونَ يقولونَ : ضربتُ ضَرْبَهْ وأَخذتُ إِخْذِهْ
ذِكرُ الفتحةِ الممالةِ نحو الكسرةِ
يقولونَ مِنَ الضَّررِ ومِنَ البعرِ ومِنَ الكِبَرِ ومِنَ الصغر قياسُ هَذا
البابِ أَن تجعلَ مما يلي الفتحةَ بمنزلةِ ما يلي الألفَ وتقولُ : مِنْ عَمْرٍو فتميلُ فتحةَ العينِ لأَنَّ الميم ساكنةٌ وتقولُ : مِنَ المُحَاذِر فتميلُ فتحةَ الذالِ وتقولُ : رأَيتُ خَبَطَ الريفِ كما قالوا : مِنَ المَطرِ ورأيتُ خَبَط فِرِندٍ وحُكِيَ الإِشمامُ في الضمةِ هَذا خَبَطُ رياحٍ ومِنَ المُنْقُرِ وقالَ : مَرَرتُ بعيرٍ فَلَم يُشمَّ لأَنَّها تخفى مَع الياءِ ومررتُ بِبَعيرٍ لأَنَّ العينَ مكسورةٌ ويقولونَ : هَذا ابنُ ثَورٍ وَمنْ لَم يُملْ بِمَالِ قَاسمٍ لَمْ يُمل : خَبَطَ رياح
ومَنْ قالَ : مِنْ عَمْروٍ والنُّغرِ فأَمالَ لم يُملْ مِن الشَّرقِ لأَنَّ بعدَ الراءِ حرفاً مستعلياً وَيَحْسِبُ لا يكونُ فيهِ إلاّ الفتحُ في الياءِ والنونِ والهمزةِ
واعلم : أَنَّهم رُبَّما أَمالوا على غيرِ قياسٍ وإِنَّما هُوَ شَاذٌّ وذلكَ : الحجَّاجُ إِذَا كانَ اسماً وأكثرُ العربِ ينصبهُ والناسُ تُميلُه مَنْ لا يقولُ : هَذا مَالٌ وَهم أَكثرُ العَربِ وإِنَّ جميعَ ما يُمالُ تَرْكُ إِمالتِه جَائزٌ وليسَ كُلٌّ مِنْ أَمالَ شيئاً وافقَ الآخرَ فيهِ مِنَ العربِ فإِذَا رأيتَ عربيّاً قد أَمالَ شيئاً وامتنَع منهُ آخرُ فلا تُرينَّ أَنهُ غَلطٌ
ذِكرُ عدةِ ما يكونُ عليهِ الكلمُ : مَا جاءَ علَى حرفٍ قبلَ الشيءِ الذي جاءَ به
الواوُ للعطفِ وليسَ فيهِ دليلٌ أَنَّ أَحدهما قبلَ الآخِر والفاءُ كالواوِ غيْرَ أنها تجعلُ ذلكَ بعضَهُ في أثرِ بعضٍ وكافُ الجرِّ للتشبيهِ ولامُ الإِضافةِ ومعناه الملكُ واستحقاقُ الشيءِ باءُ الجر للإِلزاقِ والإختلاطِ وواو القسمِ كالباءِ والتاءُ في القسمِ بمنزلتِها والسينُ في ( سيفعلُ ) قال الخليلُ : إنَّها جوابُ ( لَنْ ) والألفُ للإستفهامِ ولامُ اليمينِ في ( لأَفعلنَّ ) واللامُ في الأَمرِ : ليقمْ زيدٌ ما جاءَ بعدُ عَلامةٌ للإِضمارِ وهيَ الكافُ والتاءُ والهاءُ وقد تكونُ الكافُ غيرَ اسمٍ للمخاطبةِ فقط نحو : ذاكَ والتاءُ تكونُ بمنزلتها للخطابِ فَقَط وهي التي في ( أَنْتَ )
ما جاءَ على حرفينِ
مِنَ الأَسماءِ : يَدٌ ودَمٌ ودَدٌ وسَهٌ ومِنَ الأفعالِ : خُذْ وكُلْ ومُرْ وبعضُهم يقولُ : أُوكُلْ كما أَنَّ بعضَهم يقولُ في ( غَدٍ ) : غَدْوٌ وما لحقتهُ الهاءُ مِنَ الأسماءِ نحو : ثَبةٍ ولِثَةٍ وشِيَةٍ ورِئَةٍ وَعِدَةٍ
ولا يكونُ شَيءٌ على حرفينِ صفةً مِن حيثُ قل في الإسمِ
ومِنَ الحروفِ : أَمْ وأَوْ وهَلْ للإستفهامِ ولم نَفْيُ فَعَلَ ولَنْ : نفي سيفَعلُ وإِنْ للجزاءِ وتكونُ لغواً في ( ما إِنْ تَفعلُ ) وتكونُ كافةً ( لِمَا ) في لغةِ أَهلِ الحجازِ كما تكفُ ( إِنَّ ) الثقيلةُ وتجعلها مِنْ حروفِ الإبتداءِ ومَا : نفيُ هو يَفْعلُ إِذا كانَ في الحالِ وتكونُ ( كليسَ ) وتوكيداً لغواً وقَد يغيرُ الحرفَ عن عملهِ نحو : إِنّما وكأَنَّما ولعلَّما جعلتهنّ بمنزلةِ حروفِ الإبتداءِ ومِنْ ذلكَ حيثما صارتْ بمجيئِها بمنزلةِ ( إِنْ ) فهيَ مغيرةٌ في الموضعينِ إِلاّ أَنَّها تكفُّ العاملَ عن عملهِ ويعملُ ما كانَ لا يعملُ قبلَ مجِيئها وتكونُ ( إِنْ ) كما في معنى لَيسَ ( ولاَ ) تكونُ كَما في التوكيدِ واللغوِ ( لِئَلاّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكِتابِ ) أَي : لأَنْ يعلَم ونفي لقولهِ : يَفعلُ ولم يقعِ الفعلُ
وقَد تُغيرُ الشيءَ عَنْ حالهِ كمَا تَفعلُ ( مَا ) وذلكَ قولُكَ : ( لَولا ) صارت لَو في معنىً آخرَ وهَلاّ صيّرتَها في معنىً آخرَ وتكون ضِدًّا لِنَعَمْ وبَلَى و ( أَن ) تكونُ بمنزلةِ لامِ القسمِ في قولِكَ : واللِه أَنْ لو فَعَلْتَ وتوكيداً في ( لَمَّا ) أَنْ فَعَلَ وقد تلغى ( إِنْ ) مَعَ ( مَا ) إِذا كانتْ اسماً وكانَت حيناً قالَ الشاعرُ :
( ورَجِّ الفَتى للخيرِ ما إِنْ رأَيتَهُ ... عَنِ السِّنِ خَيراً لا يزالُ يَزيدُ )
( كي ) جوابٌ لقولهِ : لِمَهْ ( بَل ) لتركِ شيءٍ مِنَ الكلامِ وأَخْذٍ في غيرهِ
( قَدْ ) جوابٌ لقولهِ : لمَّا يَفْعل
وزعمَ الخليلُ : أَنَّ هَذا لقومٍ ينتظرونَ الخَبرَ ومَا في ( لَمَّا ) مغيرةٌ عن حالِ ( لَم ) كما غيرت لَو إِذَا قلتَ ( لَوما ) أَلا تَرَى أَنَّكَ تقولُ : ( لمَّا ) ولا تتبعُها شيئاً ولا تقولُ ذلكَ في ( لَمْ ) وتكونُ ( قَدْ ) بمنزلةِ ( رُبما ) ( لَوْ ) لِمَا كانَ سيقعُ لوقوعِ غيرِه . ياءٌ تنبيه
مِنْ : لابتداءِ الغايةِ في الأماكنِ وكتبتُ مِنْ فلانٍ إلى فلانٍ فهذَا في الأسماءِ أَيضاً غيرِ الأماكنِ ويكونُ في التبعيضِ وتدخلُ للتوكيدِ بمنزلةِ ( مَا ) إِلاّ أنها تجرُّ وذلكَ ما أَتاني مِنْ رجلٍ وكذلكَ : ويحه مِنْ رجلٍ ( أَكدتهما ) بِمن لأَنَّهُ موضعُ تَبعيضٍ فأَرادَ أَنهُ لم يأتِه بعضُ الرجالِ والناس
وأَرادَ في ( وَيْحَهُ ) التعجبَ مِنْ بعضِ الرجالِ . هَذا لفظُ سيبويه
قالَ : وكذلكَ : لي ملؤهُ مِنْ عَسلٍ
وَهو أفضلُ مِنْ زيدٍ وإِنَّما أَرادَ أَن يفضلَهُ علَى بعضٍ وجعلَ ( زيداً ) الموضعَ الذي ارتفعَ منهُ أَو سفلَ وكذلكَ : أخزى اللُه الكاذبَ مني ومنكَ إِلاّ أَنَّ هَذا وأَفضلُ منكَ لا يستغني عن ( مِنْ )
فيهما لأنها توصلُ الأمرَ إلى ما بعدَها وقد تكون باءُ الإِضافةِ بمنزلتِها في التوكيدِ وذلكَ : ما زيدٌ بمنطلقٍ وكذلكَ : كفى بالشيبِ واعظاً ورأيتُه مِنْ ذلكَ الموضعِ جعلتَهُ غايةَ رؤيتِكَ كما جعلتَهُ غايةً حيثُ أَردتَ الإبتداءَ والمُنتهَى وأَلْ : تعرفُ الإسمَ : مُذْ : ابتداءُ غايةِ الأيامِ والأحيانِ ولا تدخلُ ( مُذْ ) على ما تدخلُ عليهِ مِنْ وكذلكَ مِنْ في مُذ . في : للوعاءِ عَنْ لما عَدا الشيءَ
ما جَاء علَى حرفينِ
مِنَ الأسماء غيرِ المتمكنةِ وهي تجيءُ أَكثرُ من المتمكنةِ ذَا وَذِهْ معناهُما أَنكَ بحضرتِهما أَنا علامةُ المضمرِ وَهُوَ وهيَ : كَمْ : وهيَ للمسألةِ عن العددِ : مَنْ : للمسألةِ عَنِ الأناسي ويكونُ بها الجزاءُ للأناسي
ويكونُ بمنزلةِ ( الذي ) للأُناسي : مَا مثلُ ( مَنْ ) إِلاّ أَنَّ ( مَا ) مبهمةٌ تقعُ علَى كُلّ شيءٍ وأَنْ بمنزلةِ ( الذي ) مَع صِلَتها فتصيرُ : تريدُ أَنْ تفعلَ بمنزلةِ الفِعْلِ قَطْ : معناها : الإكتفاءُ مَعَ : للصحبةِ مُذْ فيمن رفَع بها بمنزلةِ إِذَا وحيثُ ( عَنْ ) : اسمٌ إِذا قلتَ : مِنْ عَنْ يمينِكَ عَلَى : معناها :
الإِتيانُ مِنْ فوق إِذْ : لما مَضى مِنَ الدهرِ وهيَ ظرفٌ بمنزلةِ ( مَعَ ) وأَما مَا هو في موضعِ الفعلِ فقولُهم : مَهْ صَهْ حَلْ للناقةِ سَأْ للحِمَارِ
بَابُ ما جاءَ علَى ثلاثةَ أَحرفٍ
عَلَى : الإستعلاء للشيءِ ويكونُ أَن يطوَى مستعلياً كقولِكَ : أَمررتُ يدي عليهِ ومررتُ على فُلانٍ كالمثلِ علينَا أَميرٌ وعليهِ دَينٌ لأَنهُ شيءٌ اعتلاهُ ويكونُ مررتُ عليهِ مررتُ على مكانِه ويجيءُ كالمثلِ وهو اسمٌ ولا يكونُ إِلاّ ظرفاً ويَدلُّ علَى أَنَّهُ اسمٌ قولُ بعضِهم : ( غَدَتْ مِنْ عَلَيهِ ... )
هذا قول سيبويه
وقد ذكرتُ ما قالَ أَبو العباسِ فيما مضَى من الكتابِ
وأَما إلى فمنتهىً لإبتداءِ الغايةِ وكذلكَ ( حَتَّى ) وقد بُينَ أَمرهما في بابهما ولَها في الفعلِ نَحْوٌ ليسَ ( لإِلى ) ويقولُ الرجلُ للرجلِ : إنَّما أَنا إليك أَي : أَنْتَ غايتي ولا تكونُ ( حَتَّى ) هَا هُنا وهيَ أَعمّ في الكلام مِنْ ( حَتّى ) تقولُ : قمتُ إليهِ ( فجعلتَهُ منتهاك مِنْ مكانِكَ ) ولا تقولُ : حتاهُ . حَسْبُ : معناهُ معنى قَطْ
فأَمَّا : غيرُ وسِوَى : فبَدَلٌ وكُلُّ عَمٌّ وبَعضٌ اختصاصٌ
ومِثْلُ : تسويةٌ وَبَلْهَ زيدٍ دَعْ زيداً وبَلْهَ هُنَا بمنزلةِ المصدرِ كما تقولُ : ضَرْبُ زيدٍ . وعندَ : لحضورِ الشيءِ ودنوهِ منهُ وَقِبَلَ : لِمَا وليَ الشيءَ وذهبتُ قِبَلَ السوقِ أي : نحوَ السوقِ ولي قَبِلكَ مَالٌ أي : فيَما يليكَ ولكنهُ اتسعَ حتى أُجري مَجرى ( عَلَى ) إذا قلتَ : لي عليكَ نَوْلٌ : ( ينبغي لَكَ فِعْلُ كَذا وكَذا ) وأَصلهُ : مِنَ التنَاولِ كأَنَهُ يقولُ : تَناوُلك كذَا وكذا وإذا قاَلَ : لا نَوْلُكَ فكأَنهُ قالَ : أَقْصِرْ ولكنّهُ صارَ فيهِ معنى ينبغي لَكَ
إذَا : لِمَا يستقبلُ مِنَ الدهرِ وفيها مجازاةٌ وهيَ ظرفٌ وتكونُ للشيءِ تُوافقهُ في حَالٍ أَنتَ فيها وذلكَ قولُك : مررتُ فإذا زيدٌ
قائمٌ : وتكونُ ( إذْ ) مثلَها ولا يليها إلاَّ الفعلُ الواجبُ وذلكَ قولُكَ : بَينما أَنَا كذاكَ إذْ جاءَ زيدٌ وقصدتَ قصدَهُ إذْ انتفخَ عَليَّ فلانٌ فهذَا لِمَا توافقهُ وتهجمُ عليهِ مَع حالٍ أَنتَ فيها : لكنْ : خفيفةٌ وثقيلةٌ : توجبَ بهَا بعدَ نفيٍ سوفَ : تنفيسٌ فيما لَم يكنْ بَعدُ أَلا تَراهُ يقولُ : سوَّفْتهُ
قَبلُ : للأولِ . بَعْدُ : للآخرِ وهُما اسمانِ يكونانِ ظرفينِ
كَيفَ : علَى أَي حَالٍ أَيْنَ : أَيّ مكانٍ مَتَى : أيّ حين حَيْثُ : مكانٌ بمنزلةِ قولِكَ : هو في المكانِ الذي فيهِ زيدٌ . خَلْفُ : مؤخرُ الشيءِ أَمامُ : مقدمهُ قُدَّامُ : أَمام فَوقَ : أَعلى الشيءِ
ليسَ : نفيٌ أَي : مسألةٌ لِيبينَ لَكَ بَعْضٌ وهيَ تجري مجَرى ( مَا ) في كلِّ شيءٍ : مَنْ : مثلُ أَي إلاّ أَنهُ لِلنَّاسِ إنَّ : توكيدٌ لقولِه : ( زيدٌ منطلقٌ ) وإذَا خففتْ فهيَ كذلكَ غير أَنَّ لامَ التوكيدِ تلزمُها لِمَا ذهبَ منها لَيْتَ : تمنٍّ لعلَّ وعسى : طَمْعٌ وإشفاقٌ
لَدُنْ : الموضعُ الذي هُوَ أولُ الغايةِ وهو اسمٌ يكونُ ظرفاً وقَدْ يحذفُ بعضُ العربِ النَّونَ وَلَدَى : بمنزلةِ عندَ ودون : تقصيرٌ عَنِ الغايةِ ويكونُ ظرفاً
قُبَالة : مواجهةٌ وهو اسم يكونُ ظرفاً بَلَى : توجبُ ما يقول
وهوَ تركٌ للنفيِ نَعَم : عِدَةٌ وتصديقٌ وليسَ ( بَلَى ونَعم ) اسمينِ وإذَا استفهمتَ أَجبتَ ( بنَعَمْ ) فإذَا قلتَ : أَلستَ تَفعلُ قالَ : بَلَى . يجريانِ مجراهما قبلَ أَنْ يجيءَ الألفُ بَجَلْ : بمنزلةِ ( حَسْبُ ) إذَنْ : جوابٌ وجزاءٌ
لمَّا : هيَ للأمرِ الذي قَد وقعَ لوقوعِ غيرهِ وإنّما تجيءُ بمنزلةِ ( لَو ) ويكونُ ظرفاً يعني إذَا قلتَ : لمَّا جئتَ جئتُ جعلتَ لمّا ظرفاً وأَمَّا : فيها معنى الجزاءِ كأَنهُ يقولُ : عبدُ الله مَهما يكنْ مِنْ أَمرهِ فمنطلقٌ أَلا تَرى أَنَّ الفاءَ لازمةٌ له أَبداً
أَلا : تِنبيهُ تَقولُ : أَلا إنهُ ذَاهبٌ أَلا : بَلَى كَلاَّ : رَدعٌ وَزجرٌ أَنّى : كيفَ وأَين أَيانَ : مَتَى
الأبينةُ بأَقسامها
الأسماء في أبنيتِها تنقسمُ قسمين : اسم لا زيادةَ فيهِ واسم فيهِ زيادةٌ والأسماءُ التي لا زيادةَ فيها تنقسمُ ثلاثةَ أَقسامٍ : ثلاثي ورباعي وخماسي
فالثلاثي : ينقسم على عشَرةِ أبنية وقد ذكرنَاهما في الجمعِ
والرباعي : على خَمسة أبنيةٍ
والخماسي : أيضاً خَمسةُ أبنيةٍ
القسمُ الثاني :
وهيَ الأسماءُ ذواتُ الزيادةِ وهي علَى ضَربينِ : أَحدهما الزيادةُ فيهِ
تكريرُ حرفٍ مِنَ الأصلِ وَهوَ الأقلُّ فتؤخره
والآخرُ : زيادتُه ليستْ منهُ وهيَ مِنَ الحروفِ الزوائدِ وَهوَ الكثيرُ فنقدمهُ
والحروفُ الزوائدُ التي يبنى عليها الأسمُ سبعة أَحرفٍ : الهمزةُ والألفُ والياءُ والنونُ والتاءُ والميمُ والواوُ
فالأسماءُ الثلاثيةُ ذواتُ الزوائدِ تنقسمُ بعددِ هذهِ الحروفِ سبعةَ أَقسامٍ : الأولُ : ما زِيدتْ فيهِ الهمزةُ
الثاني : ما زِيدتْ فيهِ الألفُ الثالث : ما زِيدتْ فيهِ الياءُ والرابع : ما زِيدتْ فيه النونُ
الخامسُ : ما زِيدتْ فيهِ التاءُ والسَّادسُ : ما زِيدتْ فيهِ الميمُ
والسابعُ : ما زِيدتٍ فيهِ الواوُ
أَبنيةُ الثلاثي
أعلَمْ : أَنَّ أُقلَّ ما تكونُ عليهِ الأُصولُ مِنَ الأسماءِ والأفعالِ ثلاثة أَحرفٍ تقدرُ بفاءٍ وعينٍ ولامٍ فالفاءُ لا بُدّ مِنْ أَن تكونَ متحركةً لأَنهُ لا يبتدأُ بساكنٍ واللام : حرفُ إعرابٍ والعينُ لا بُدَّ مِنْ أَن تكونَ : إمّا ساكنة وإمَّا متحركةَ فإذا سكنتَ كانَ الثلاثي علَى ثلاثةِ أَبنيةِ بعددِ الحركات : فَعْلٌ وفِعْلٌ فُعْلٌ لأَنّ الحركاتِ ثلاثٌ فكلُّ واحدٍ مِنْ هذهِ الأبنيةِ الثلاثةِ تجيءُ منها ثلاثةُ أَبنيةٍ والعينُ متحركةٌ
فَعَلٌ فَعِلٌ فَعُلٌ فَتْحٌ وكَسرٌ وضَمٌّ وكذلكَ يكونُ مِنْ فِعْلٍ ( فِعِلٌ فِعُلٌ ) إلا أَنَّ فِعُلٌ مُطَّرَحٌ
لِثِقْلِ الضمةِ بعدَ الكسرةِ وكذلكَ ( فُعُلٌ يكونُ منهُ ) فُعَلٌ فُعُلٌ وفُعِلٌ ولا يكونُ ( فُعِلٌ ) إلاّ في الأفعالِ دونَ الأسماءِ لثقلِ الكسرةِ بعدَ الضمةِ فعددُ أَبنيةِ السواكنِ الوسطِ ثلاثةٌ وأَبنيةُ المتحركِ العينِ تسعةٌ فذلكَ اثنا عَشَر يسقطُ
منها ( فِعُلٌ ) في الأسماءِ والأَفعالِ ويسقطُ ( فُعِلٌ ) في الأسماءِ دونَ الأفعالِ فتكونُ جميعُ أَبنيةِ الأسماءِ الثلاثيةِ عَشَرة أَبنيةٍ : فَعْلٌ فِعْلٌ فُعْلٌ فَعَلٌ فِعِلٌ فَعُلٌ فُعَلٌ فُعُلٌ فِعَلٌ فِعِلٌ
واعلم : أَنَّ مِنَ الأبنيةِ في الثلاثيةِ وغيرِها منَها ما يكونُ في الأسماءِ والصفاتِ ومِنْها ما يكونُ في الأسماءِ دونَ الصفاتِ ومنها ما يكونُ في الصفاتِ دونَ الأسماءِ فَفَعْلٌ : صَقْرٌ والصفةُ : صَعْبٌ فِعْلٌ : جِذْعٌ والصفةُ نِقْضٌ فَعْلٌ : بُرْدٌ والصفةُ : حُلْوٌ فَعَلٌ : جَمَلٌ والصفةُ حَدَثٌ فَعِلٌ : كَتِفٌ والصفةُ : حَذِرٌ فَعُلٌ : رَجُلٌ
والصفةُ حَدُثٌ فُعَلٌ : صُرَدٌ والصفةُ حُطمٌ فُعُلٌ : طُنُبٌ والصفةُ جُنُبٌ فِعَلٌ : ضِلَعٌ وجَاءَ في المعتلِّ : عِدّىً نعتٌ
فِعِلٌ : إبِلٌ وهوَ قليلٌ وقالَوا في الصفةِ : امرأةٌ بِلِزٌ وهيَ العظيمةُ
أَبنيةُ الأسماءِ الرباعيةِ خمسةُ أَبنيةٍ
فَعْلَلٌ فِعْلِلٌ فِعْلَلٌ فُعْلُلٌ فِعَلُّ
الأول : فَعْلَلٌ : جَعْفَرٌ والصفةُ : سَلْهَبٌ وأُلْحِقَ بَها : حَوْقَلٌ وزَيْنَبُ وجَدْوَلٌ ومَهْدَدٌ وَعلْقى وَرَعْشَنٌ وَسَنْبَتَةٌ وعَنْسَلٌ
الثاني : فِعْلِلٌ :
البنيةُ اسماً : زِبْرِجٌ والصفةُ : عِنْفِصُ القليلةُ اللحمِ ويقالُ أَيضاً : هي الداعرةُ . قالَ الأعشى :
( لَيْسَتْ بسوداءَ ولاَ عِنْفِصٍ ... تَسارِقُ الطرفَ إلى داعِرِ )
وَحِرْمِلٌ وهي الحمقَاءُ
الثالثُ : فِعْلَلٌ :
دِرْهَمٌ والصفةُ : هِجْرَعٌ طويلٌ عَنِ الأَصمعي وقالَ غيرُهُ : الجَبَانُ وأُلحقَ بهِ : عِثْيَرٌ وَهوَ الغُبارُ
الرابعُ : فُعْلُلٌ :
تُرْتَمٌ بَقْيةُ الثريدِ والصفةُ : جُرْشُعٌ وأُلحقَ بهِ : دُخْلُلٌ : خَاصةُ الرجلِ الذينَ يُداخِلونَهُ
الخَامسُ : فِعَلٌّ :
فَطحْلٌ والصفةُ هِزَبْرٌ قالَ الجرمي : سأَلتُ أَبا عبيدةَ عن : الفِطَحْلِ فقالَ : الأعرابُ يقولونَ : زَمنُ كانتِ الحجارةُ رطبةً وأُلحقَ بهِ خِدَبّ
وأَمّا عُلَبطٌ فمحذوفٌ مِنْ : عُلاَبطٍ وعرتنٌ حذَفوا منهُ نونَ : عَرَنْتَنٌ وجَنَدلٌ حذفوا أَلفَ : جنادِلَ وليسَ في أُصولِ كلامِهم جَمعٌ بينَ أربعِ متحركاتِ في كلمةِ ورُبَّما حَملهم استثقال ذلكَ علَى ( أن ) لا يجمعوا بينَ أَربعِ متحركاتٍ من كلمتينِ وقالوا : عَرَقُصانُ فحَذفَوا الساكنَ مِنْ ( عَرَنْقُصَان ) وحكي : أَنها تقالُ بالياءِ والنونِ وهي : دَابةٌ
أَبنيةُ الأسماءِ الخماسيةِ أَربعةٌ
التي ذكرَ سيبويه وهي خَمسةٌ معَ بناءٍ لم يذكرْهُ سيبويه : فَعَلَّلٌ فَعْلَلِلٌ فُعَلْلِلٌ فِعْلَلٌّ فُعْلُلِلٌ
الأول : فَعَلَّلٌ :
فَرَزْدَقٌ اسمٌ شَمَرْدَلٌ صفةٌ وما لحقَ هذَا لم يذكره سيبويه
من بناتِ الثلاثةِ : عَثَوْثَلٌ وجَبَرْبَرٌ وَعَقَنْقَلٌ وأَلَنْدَدٌ ومِنْ بناتِ الأَربعةِ جَحَنْفَلٌ
الثاني : فَعْلَلِلٌ :
صفةٌ : جَحْمَرِشٌ ولحقهُ مَنِ الأَربعةِ : هَمّرِشٌ
الثالثُ : فُعَلِّلٌ :
قالَ سيبويه : يكونُ في الإسم والصفةِ نحو : قُذَعْمِلٍ وَخُبَعْثِنٍ قالَ : والإسمُ نحو : قُذَعْمِلَةٍ
قالَ : الخُبَعثنُ كُلُّ شيءٍ قَارِّ البدنِ رَيانِ المفَاصلِ
قالَ أَبو العباس : حدثني التوزي قالَ :
يقالُ ما في بطنهِ قُذَعمِلَةٌ أَي : شَيءٌ فهوَ ها هُنا اسمٌ : خُزَعْبِلَةٌ إِنَّما هي ( البَاطلُ ) وقالَ غيرهُ : القُذَعْمِلُ والقُذَعْمِلَةُ : الضَّخمُ مِنَ الإِبلِ
الرابعُ : فِعْلَلٌّ :
الإسم قَرْطَعب دابةٌ والصفةُ : جِرْدَحْلٌ وحِنْزَقْرٌ : قصيرٌ وما أُلحقِ بهِ مِنَ الثلاثةِ : إزمولٌ وإرْزَبٌّ وألحقَ بهِ من بناتِ الأربعةِ
فِردَوسٌ وقِرشَبٌّ وأَما هُنْدَلعٌ فلَم يذكرهُ سيبويه : وقالوا : هيَ بقلةٌ
القسمُ الأولُ : ما زيدتْ فيهِ الهمزةُ :
وهوَ ينقسمُ قسمينِ :
أَحدهما : زيدتِ الهمزةُ فيهِ وحدَها
والقسمُ الآخرُ : زيدتْ مع غيرها مِنَ الزوائدِ
أَمَّا ما زيدتْ فيهِ وحدها فهو أيضاً على ضربينِ : منهُ ما زيدتْ فيهِ أَولاً وهو الكثيرُ
والثاني : وهو ما زيدتْ فيهِ غيرَ أَولٍ وهوَ القليلُ الأوّلُ من ذلكَ : وهو ما زِيدَتِ الهمزةُ أولاً وحدها وهي ستة أبنية : أفْعَلُ أَفْكَلُ أَبيضُ صفةً إِفْعِلٌ : إثْمِدٌ إِفْعَلٌ : إِصْبَعٌ أُفْعُلٌ : أُبْلمٌ أَفْعُلٌ في الجَمعِ
الثاني منهُ : ما زيدتِ الهمزةُ فيهِ وحدَها غير أَولٍ ثلاثةُ أَبنيةٍ : فَعْلاء مقصورٌ وقد يُمدُّ ضَهْيَاءُ المرأةُ التي لا تحيضُ فَاعَلٌ : شَامَلٌ فَعْأَلٌ : شَمْألٌ
القسمُ الآخرُ الذي زيدتْ فيهِ الهمزةُ مع غيرِها وهي على ضربين : أَحدهما : وقعت فيهِ أَولاً . والآخرُ غَيْرَ أَولٍ
الأول : إفْعَالٌ : إسْلامٌ إعْصارٌ إسكَافٌ إسحَارٌ
إخريطٌ إصليتٌ أُسلوبٌ أُملودٌ أُجَارِد أُباتِر إدرون مِنَ الدرَنِ إسحوفٌ يقالُ : إنّها لإِسحوفُ الأَحاليلِ وهو : صَوتُ الدرةِ وأَفعالٌ وأَفاعلُ وأَفاعيلُ أَبنيةُ الجموعِ فَقَطْ
أَفَنْعَلٌ : أَلَنْجَجٌ عُودٌ أَلندَدٌ : أَلَدَّ إفعِيلى : إهْجِيري أَفْعَلَى : أَجْفَلى أُفْعُلَّةٌ : أُتْرُجَّةٌ أُسْكُفَّةٌ إفْعَلٌّ : إرزبٌّ غليط كز إزْفَنَّةٌ خفيفٌ يقالُ : أَخَذَتهُ إزْفَنَّةٌ وقرأتُ في كتابِ سيبويه ( إزْفَلّةٌ ) وهو اسمٌ وإرزبٌّ وهوَ صفةٌ
أَفْعَلى : أَجْفَلى وجَفَلَى قال الشاعر :
( نحنُ في المَشتاةِ ندعو الجَفَلَى ... لا ترى الآدِبَ فِينَا يَنتقِرْ )
يعني الجماعةَ
ويكون على إفْعلى مثل : إيجلى : اسمٌ أُفعلانٌ : أغرُدانٌ نَبتٌ أُسْحُلانٌ حَسَنٌ إفْعِلانٌ : الإِسْحِمانُ جَبَلٌ بعينِه والصفةُ ( ليلةٌ إضْحِيانةٌ )
أَفْعَلانٌ : أَنْبَجانٌ : عجينٌ . أَنْبَجَانٌ : صفةٌ رخو غَيرُ مُلتئمٍ
أَفْعِلاء : الأَرْبِعاءُ وبنوهُ أيضاً على : أَفْعَلاَءَ بفتحِ الباَء : أَرْبَعَاءُ وأَمَّا أَفْعِلاءُ مكسراً عليهِ الواحدُ للجمعِ فكثيرٌ نحو : أَنْصَباء
الضربُ الثاني :
ما زيدتِ الهمزةُ فيهِ غير أَولٍ مع غيرِها مِنَ الزوائدِ وذلكَ ضَهْيَاءُ ممدود اسمُ شجرٍ وحَطَائط صَغيرُ وجُرائِضٌ عظيم
الثاني : ما زيدتْ فيه الألفُ من الأسماء الثلاثية :
وهذَا أَيضاً ينقسمُ على ضربين : فضربٌ زيدتْ فيه الألفُ وحدَها وضربٌ زيدتْ فيهِ معَ غيرِها مِنَ الزائدِ الأولُ مِنْ ذلكَ ما زيدتْ فيهِ الألفُ وحدها وهي تزادُ ثانيةً وثالثةً ورابعةً أما ثانيةً فعلى بناءين كَاهِلٌ وضاربٌ وطَابقٌ وثَالثةً : عَلَى ثلاثةِ أبنيةٍ : قَذَالٌ وجَبَانٌ وَحِمَارٌ وكِنازٌ غُرَابٌ شُجَاعٌ ورابعةً : فَعْلى فِعْلَى فُعْلَى فَعَلَى عَلْقى ولا يكونُ صفةً إلاّ بهاءٍ : ناقةٌ حَلْباةٌ وتجيءُ رابعةً للتأنيثِ نحو : سَلْمَى والصفةُ : عَبْرَى فِعْلَى : ذِفرى وقالوا : امرأةٌ سِعلاة
ورَجلٌ عِزْهَاةٌ وتجيءُ الأَلفُ للتأنيثِ نحو : ذِكْرَى وذِفْرى منهم مَنْ يجعلُها أَلفَ تأنيثٍ ومنهم مَنْ يجعلُها ملحقةً فينونُ . فُعْلَى
ولا تكونُ أَلفُ ( فُعْلَى ) لغيرِ التأنيثِ وذلكَ نحو : البُهْمَى والصفةُ . حُبْلَى وأُنْثَى
وقالَ سيبويه : قالَ بعضُهم : بُهْماةٌ
قالَ أَبو العباس : ليسَ هذَا بمعروفٍ
فَعَلَى : قَلَهَى موضعٌ
والصفةُ : جَمَزَى . ألفُ تأنيثٍ . وبعضُ العَربِ يقولُ : قَلَهَى فيجعلُها ياءً . فُعَلاءُ : شُعَباء
الثاني : ما زيدتْ فيهِ الألفُ مع غيرِها وهوَ على ضربينِ :
الأول : ما كانتْ فيهِ ثانيةً ثَلاثةُ أَبنيةٍ : فَاعُولٌ فَاعَالٌ فَاعِلاءُ : عاقُولٌ حَاطومٌ سَابَاطٌ قَاصِعَاءُ عَاشُوراءُ
الثاني : ما كانتْ فيهِ
ثالثةً : أكثرُ ذلكَ في أَبنيةِ الجَمعِ وهيَ : مَفَاعِلُ ومَفَاعِيلُ وفَواعلُ وفَوَاعِيلُ فَعَاعِلُ
فَعَالَى فَعَالِيلُ فَعَالِلُ فَعَالِين فَعَالِن فَعَاوِلُ فَعَايَلُ فَعائِلُ فَيَاعِلُ فَيَاعِيْلُ تَفَاعَلُ تَفَاعِيلُ يَفَاعِيلُ تَفَاعيلُ مَفَاعِيلُ فَعَاويلُ فَعَايِيلُ فَعَالِيتُ فَعَاعل
مَفَاعِلُ مَسَاجِدُ الصفةُ : مَداعِسُ مَفَاعِيلُ : مَفَاتِيحُ مَكَاسيبُ صِفَةً
فَوَاعِلُ حَوَائِطُ اسمٌ وَحَواسِرُ صفةٌ . فَوَاعيلُ : خَوَاتيمُ
قال سيبويه : ولا نعلمهُ . جاء في الصفة كما لا يجيءُ واحدةُ في الصفةِ
قالَ أبو العباس : فَوَاعيلُ : لا يكونُ صفةً وهو جمع ( فَاعَالٍ ) ويكونُ صفةً وهوَ جمعُ ( فَاعُولٍ ) نحو : جَاسُوس وحَاطُومٍ تقولُ : حَوَاطيمُ وجَوَاسيسُ
فَعَاعِيلُ : سَلالِيمُ جَبَابِيرُ فَعَاعِلُ : سَلاَلِمُ ولا يستنكرُ أَنْ يكونَ هذا في الصفةِ لأَنَّ في الصفةِ مثل : زُرّقٍ
وحُوّلٍ
فَعَالى : مبدلةُ الياءِ نحو صَحَارى والصفةُ . كَسَالى . فَعَالٌ صَحَار عَذَار فَعَاليٌ : بَخَاتيٌ والصفةُ : دراريٌ فَعَالِيلٌ ظَنَابِيبُ والصفةُ : شَمَالِيلُ فَعَالِلُ : قرادِدُ والصفةُ : الرَّعَابِبُ فَعَالينُ سَرَاحِينُ قالَ سيبويه : ولا أَعرفهُ وصفاً فَعَالِنٌ : فَرَاسن والصفةُ : رَعَاشِن
فَعَاوِلٌ : جَدَاولُ والصفةُ : قَسِاوِرُ بِغَيرِ عَثَايرُ قَالَ : ولا نَعرفهُ جاءَ وصفاً
فَعَائِلُ بهمزٍ : رسائلُ والصفةُ : ظَرَائِفُ فَيَاعِلُ : غَيَاطِلُ والصفةُ : صَيَاقِلُ
فَيَاعِيلُ : دَيَامِيسُ صَيَارِيفُ
تَفَاعِيلُ : تَمَاثِيلُ ولم يجىءُ وصفاً تَفَاعِلُ : تَتَافِلُ ولم يجىء وصفاً يَفَاعيلُ : يَرَابيعُ والصفةُ : يَحَاميمُ يَفَاعِلُ : يَرَامعُ ولم يجىء وصفاً فَعَاوِيلُ وَصْفٌ جَلاَويحُ وهيَ العظام مِنَ الأَودويةِ فَعَاييلُ : كَرَاييسُ غيرُ مهموزٍ ولم يُعلم وصفاً
فَعَالِيتُ : وصفٌ عَفَاريتُ فَنَاعِلُ : جَنَادِبُ والصفةُ : عَنَابِسُ
وقد ذكرتُ ما جَاءَ من أَمثلةِ الجمعِ والهمزةُ في أَولهِ في بابِ الهمزِ وهوَ البابُ الذي قَبْلَ هَذَا
لِحاقُ الألفِ ثالثةً في غيرِ الجمعِ معَ غيرِها مِنَ الزوائِد :
مُفَاعلٌ فَعَالَى فُعَاعِيلُ فَعَالاءُ فَعَلانُ فَوَاعلُ فَعَالَّةٌ فُعَالِيَةُ فَعَالِيَةٌ
مُفَاعلٌ صفةٌ : مُجَاهِدٌ فَعَالَى : حُبَارَى ولا يكونُ وصفاً إِلا أَن يُكسَر للجمعِ نَحو : سُكارَى مُفَاعِيْلُ وَصفٌ : مَاءٌ سُخَاخين
قالَ : ولا نعلمُ في الكلام غَيْرَهُ فَعَالاَء : ثَلاَثاءُ والوصفَ : رَجُلٌ عَيَاياءُ طَبَاقاءُ
فَعَالاَنُ : سَلاَمَانُ ولم يجيء صفةً فَوَاعِلُ : عَوَارِضُ دَوَاسِرُ : صفةٌ أي : شَديدةٌ
فَعَالَّة : زَعارَّة . ولم يجيء صفة . فُعَالِيَةٌ : صُرَاحِيةٌ قُرَاسِيةٌ فَعَالِيةٌ : كَرَاهيةٌ عَبَاقِيةٌ
لحاقُها رابعة مَعَ غيرِها مِنَ الزوائدِ :
فِعْلالٌ فُعْلالٌ مِفْعَالٌ تِفْعَالٌ فَعْلاَلٌ تَفْعَالٌ فَعَّالٌ فُعَّالٌ فِعَّالٌ فَعْلاَءُ فُعْلاَءُ فُعَّالاءُ فُعَلاءُ فِعْلاءُ فَعَلاءُ فُوعَالٌ فَوْعَال فَعْلاَنُ فَعَلانُ فَعُلاَنٌ فِعُلاَنٌ فِعْلاَنُ فَعِلانُ فَعُلانٌ فِعْوَالُ فِعْيَالٌ فَيْعَالٌ فُعْوَالٌ فِيْعَالٌ فِنْعَالٌ فُعّالى فِعْلالٌ جِلْبابٌ شِمْلالٌ فُعْلاَلٌ
قُرطاطٌ ولاَ نعلمُ وصفاً
مِفْعَالٌ : مِنْقَارٌ مِصْلاحٌ تِفْعَالٌ : تِمْثَالٌ ولا نعلمُ وصفاً فَعْلالٌ مصدرٌ لا غَير تَفْعَالٌ : مصدرٌ لا غَير نحو : التَّردَادُ فَعَّالٌ : الجَبَّانُ والكَلاّءُ والصفةُ نحو : شَرَّابٌ : فُعَّالٌ : خُطَّافٌ والصفةُ : حُسَّانٌ
وكُرَّامٌ فِعَّالٌ : الكِذَّابُ ولا نَعْلَم وصفاً فِعْلاءُ : عِلبَاءُ ولا نعلمُ وصفاً
فُعَلاءُ : نحو : خُشَشَاءُ فُعْلاءُ : قُوباءُ اسمٌ . فَعْلاَءُ : طَرفَاءُ
وخَضْراءُ فَعَّالَى : خَضَارَى اسمٌ ولا نعلمُ وصفاً فُعَلاءُ : قُوبَاء والرُّحضاءُ والصفةُ : النُّفَساءُ وهوَ كثيرٌ إِذا كُسرَ عليهِ الواحدُ في الجمعِ نحو : الخُلَفاءِ فِعْلاَءٌ : عِلْبَاءُ اسمٌ ولا نَعلمُ وصفاً فَعَلاءُ قَالَ : سُليكُ بن السلكة :
( عَلَى قَرْماءَ عاليةٍ شَرَاهُ ... كأَنَّ بياضَ غُرتهِ خِمَارُ )
قُرَماءُ : اسمُ موضعٍ ولا نعرفُ وصفاً فِعَلاءُ : السِيَراءُ اسمٌ لا يعرفُ وصفاً
فُوعَالٌ : طُومَارٌ وسُولافٌ : اسمُ بلد ولا يعرفُ وصفاً . فَعْلاَنٌ : سَعْدانٌ والصفةُ : عَطْشَانُ فَعَلانٌ كَرَوانٌ اسمٌ زَفَيانٌ صَفةٌ يقالُ : زَفَتهُ الريحُ زَفَياناَ أي : طَردتهُ ويقالُ للظليمِ : زَفَيانٌ : فُعْلانٌ اسمٌ : عُثمانُ عُرْيانٌ : صفةٌ وهَوَ كثيرٌ في الجمع نحو : جُرْبَانٍ
فِعْلانٌ ضِبْعَانٌ وفي الجمعِ كثيرٌ نحو : غِلْمانٍ فَعِلانٌ : ظَرِبَانٌ ولا يعرفُ وصفاً فَعُلانٌ : سَبُعَانٌ ولا يعلمُ وصفاً
قال ابن مقبلٍ :
( أَلاَ يا دِيَارَ الحيِّ بالسبُّعانِ ... )
فُعُلاَنٌ سُلُطَانٌ اسمٌ فِعْوَالٌ : قِرْواشٌ : اسمٌ رجلٍ دِرْوَاسٌ صفَةٌ عظيمُ الرأسِ فِعْيَالٌ جِرْيالٌ : اسمٌ
فَيْعَالٌ : خَيْتَامٌ ودَيْماسٌ وشَيْطَانٌ والصفةُ : بيْطَارٌ . فَعْوَالٌ : عُصْوَادٌ اسمٌ . فِيْعَالٌ : دِيْمَاسٌ ودِيْوَانٌ ولا يعرفُ وصفاً : فَوْعَالٌ : تَوْرابٌ اسمٌ : فِنْعَالٌ : قِنْعَاسٌ صِفةٌ فَقَط فِعْنَالٌ : فِرْناسٌ صفةٌ مِنْ صفةِ الأسدِ يقالُ : هوَ غليظُ الرقبةِ
لحاقُها خامسةً مع غيرِها مِنَ الزوائدِ :
لحاقُها خامسة على ضربين : لغيرِ تأنيثٍ ولتأنيثٍ : فَعَنْلَى قَرْنْبَى والوصفُ : الحَبَنْطى فَعَلْنَى : عَفَرْنى فَعَلْنَى : عُلنْدَى وهَذا قليلٌ وقالوا : عُلاَدى مثل : حُبَارَى وهوَ قليلٌ
لحاقُها خامسةً وبعدَها حرفٌ ليسَ من حروفِ الزوائدِ :
فِعِلْعَالٌ الحِلِبْلاَبُ : نَبْتٌ والصفةُ : سِرِطراطٌ فِعِنْلاَلٌ : فِرِنْدَادٌ اسمٌ فَوْعَلاءُ : حَوْصَلاءُ اسمٌ
لَحاقُها خامسةً للتأنيث :
فِعِلَّى : زِمِكَّى والصفةُ : كِمِرّى وهو العظيمُ الكمرةِ
فِعَلْنَى : العِرَضْنَى اسمٌ وهيَ مشيةٌ فُعُلْنَى العُرُضْنَى اسمٌ وهيَ مشيةٌ وليسَ
في كتاب محمد بن يزيد في كتاب سيبويه ووجدتُه بخطِّ أحمد بن يحيى فُعُلَّى : عُرُضّى اسمٌ فِعَلّى : دِفَقّى اسمٌ
فُعُلَّى : الحُذَرّى والبذرّى الباطلُ وقيلَ : حُذَرَّى وَبُذُرَّى مِن هوَ يحذُر ويبذُر
فُعَنْلَى : جُلَنْدَى اسمُ ملكِ مِنَ العربِ . فَوْعَلى : حَوْزَلى فَيْعَلى : الخَيْزَلى مشيةٌ
فُعَلَّى : السُّمَهّى اسمٌ يقالُ : ذَهبَ في السُّمةِ أَي : ذهبَ في الباطلِ . فَعَنْلَى : بَلَنْصَى : اسمٌ طائرٍ
لحاقُها خامسةً . وبعدَها همزة للتأنيثِ :
فِعلياء : كِبْريَاء والصفةُ : جِربياء . مفعَلاء : مَنْدَبَاءُ صفة : رَجلٌ ندَبٌ في الحاجةِ
فَعُولاَءُ : دَبُوقَاءُ اسمٌ فَعُولَى : عَشُورَى اسمٌ فَعُولاءُ : عَشَورَاءُ اسمٌ . فِعِيلاء : عَجِسياءُ اسمٌ مشيةٍ بطيئةٍ فُنْعَلاءُ : عُنْصلاء اسمٌ . فُنعلاء : خُنْفَساءُ فَوْعَلاءُ : حَوْصَلاءُ اسمٌ
لحاقُها سادسةً للتأنيثِ مع غيرِها :
مِفْعَلّى : مِرْعَزّى فِعَّيلَى في المصادر نحو : هِجِّيرَى أَوقِتَّيتى وهي النميمةُ فُعَّيلى : لُفَّيزى اسمٌ يَفْعِيلّى يُهْيّرى وهوَ الباطلُ اسمٌ . فَعَلَيّا : المَرَحَيّا اسمٌ فَعَلُوتَى : رَغَبُوتَى ورَهَبُوتَى مَفْعَلَّى : مَكْوَرّى صفةٌ : عظيمُ الروثة مَفْعِلَّى : مَرْعِزّى اسمٌ
لحاقُها خامسةً وبعدَها نونٌ :
فَيْعُلاَنٌ : ضَيْمُرانٌ والصفةُ : كَيْذُبانٌ . فَيْعَلانٌ : قَيْقَبانٌ : خَشَبُ السرجِ والصفةُ : هَيْبَان ولا يعلمُ في الكلامِ : فِيْعَلانٌ في غير المعتلِ
فَعْلَيانٌ : الصِّلْيَانُ نَبتٌ العِنْظيانُ جاءَ في أولِّ الشِّبابِ وأَولِ كُلِّ شيءٍ فُعْلُوانٌ : العُنْظُوانُ اسمٌ . فُعَّلانٌ : الحُوَّمانُ آكام صغار والصفةُ : عُمَّدانٌ : طويلٌ
قالَ أبو بكر : هكذا هذَا الحرفُ في كتابي وأَحسبهُ : حُوِّمان عَلَى فُعِّلاَنٍ ووجدتُ في كتابِ ثعلبٍ على ما أحكيه : فُعُّلانٌ في الإسمِ والصفةِ فالإسم : الحُوُّمانُ وكنتُ أَراهُ نبتاً والحُلُّبانُ بقلةٌ والصفةُ نحو : العُمُّدانِ والُجلُّبانِ : صَاحبُ جَلبةٍ
فُعَّلاَنٌ : وجدتُ في النسخةِ المنسوخةِ مِنْ نسخة القاضي المقروءةِ على أَبي العباس : ويكونُ : فُعَّلانُ في الإسم والصفةِ نحو : التُّوَّمانِ والجُلَّبانِ والصفةُ نحو : الغُمَّدانِ فِعِّلاَنٌ فِرِّكانٌ اسمٌ . مَفْعَلانٌ : مَكْرَمانٌ ومَلأَمانٌ ومَلْكَعانٌ معارفٌ ولا يعلمُ وصفاً . فَوْعَلانٌ : حَوْتَنانٌ : بلدةٌ . تَفْعِلانٌ . تَئِفّانٌ اسمٌ
لحاقُها سادسةً وبعدَها همزةٌ للتأنيثِ :
مَفْعُولاء : مَعْيُوراءُ والصفةُ مَشْيُوخاءُ فَاعُولاءُ : عَاشُوراءُ وأَقصى ما تلحقُ لغيرِ التأنيثِ سادسةً في : مَعْيُوراءُ وأشْهيبابٍ والأشهيبابُ مذكورٌ في موضعهِ
الثالثُ ما زيدت فيه الياءُ مِنَ الأسماء الثلاثيّة :
لحاقُها أولاً : يَفْعَلُ : يَرْمَع اسمٌ ولا يعلمُ وصفاً . يَفْعُولٌ : يَرْبُوعٌ والصفةُ : اليَحمُومُ : الأسودُ فَأمَّا قولُهم في : اليَسْرُوعِ يُسْرُوعٌ فإِنَّما ضموا الياءَ لضمةِ الراءِ كما قيلَ : استُضعُفَ . يَفْعِيْلٌ يُقْطِينٌ ولا يعرفُ وصفاً . يَفْعُلُ : يَعْفُرُ وقالوا : يُعْفَرٌ كما قالوا : يُسْرُوعٌ يَفَنْعَلٌ : يَلَنْججٌ اسمٌ وَيَلَنْدَدٌ صَفةٌ
لحاقُها ثانيةً : فَيْعَلٌ : زَيْنَبُ الصفةُ : ضَيْغَمٌ . فَيْعُولٌ : قَيْصُومٌ
والصفةُ : عَيثومٌ : ضَخْمٌ . فِيعلٌ : حِيفسٌ صفةٌ ولا يعرفُ اسماً وهوَ الغليظُ القصيرُ
لحاقها ثالثةً : فَعِيلٌ : بَعِيرٌ والصفةُ : سَعِيدٌ فِعْيَلٌ : عِثْيَرٌ والصفةٌ : رَجلٌ طِرْيَمٌ أي : طويلٌ . فَعَيْللٌ خفينن : اسمُ أرضٍ والصفةُ : خَفَيْدَدٌ : فَعَيَّلٌ : هَبيَّخٌ وادٍ ضخمٍ صفةٌ ولا يعرفُ اسماً
فَعَيْعَلٌ : خَفَيْفَدٌ خفيفُ وهوَ صفةٌ . فِعْيَولٌ : ذِهْيَوْطٌ بَلَدٌ والصفةُ : عِذيَوطٌ فَعَيَلٌ : عُلْيَبٌ اسم وادٍ
لحاقُها رابعةً : فِعْلِيةٌ : حِذْرِيةٌ أرض غليظةٌ والصفةُ : عِفْرِيةٌ : داهيةٌ والهاءُ لازمةٌ لِفعْلِيةٍ . فِعِّيلٌ : بطِّيخٌ والصفة : شِرّيبٌ . فُعَيِّلٌ : مُرِّيقٌ وهوَ العصفرُ والصفةُ : كوكبٌ دُرِّي . فُعَّيلٌ : العُلَّيقُ : نَبْتٌ يتلعقُ بالشجرِ والصفةُ : زُمَّيلٌ : الضعيفُ اللئيمُ . مِفعِيلٌ : مِنْديلٌ والصفةُ : مِنْطِيقٌ . فِعْلِيلٌ : حِلْتِيتٌ الذي يطيبُ بهِ الملحُ والصفةُ : شِمْلِيلٌ . فِعْلِيتٌ :
عِزْويتٌ اسمٌ وهوَ القِصَرُ والصفةُ : عِفْرِيتُ . فِعْلِينٌ : غِسلِينٌ . اسمٌ تَفْعِيلٌ : اسمٌ : التَمْتينُ : تَفْعِيلةٌ : تَرْعِيبَةٌ : وهيَ القطعةُ مِنَ السَّنامِ
وقد كسر بعضُهم التاءَ اتباعاً وفي كِتابَي محمد وأحمد تِرْعيَّةٌ والجرمي قالَ : ترغيبةٌ وفَسرهُ بأَنهُ قطعةٌ مِنَ السِّنَامِ فَعَليلٌ : حَمَصيصٌ وهو نبتٌ والصفةُ : صَمَكيكٌ شَديدٌ
لحاقُها خامسةً : فُعَلنيةٌ : بُلَهْنيةٌ اسمٌ السعةُ والعزةُ . فُعَنْلِيةٌ : قُلَنْسِيةٌ اسمٌ والهاءُ لا تُفارقهُ فَعْفَعِيلٌ : مَرْمَريسٌ . فلعليل : صفةٌ : خَنْشَلِيلٌ
الرابع : ما زيدت فيه النونُ :
لحاقُها ثانيةً : فُنْعَلٌ : قُنْبَرٌ ولا يعرفُ صفةً . فُنْعُلٌ : سُنْبُلٌ اسمٌ . فِنْعَلٌ : جِنْدَبٌ اسمٌ جُنْدُبٌ وجِنْدَبٌ سواءٌ في المعنى . فَنْعَلٌ : عَنْبَسٌ صفةٌ . فِنْعَلو : كِنْدَأْوٌ : هُوَ الجملُ الغليظُ
لحاقُها ثالثةً : فَعَنْعَلٌ : عَقَنْقَلٌ اسمٌ رملٌ كثيرٌ متعقدٌ ولا يعرفُ
وصفاً . فَعَنْللٌ : ضَفَنْدَدٌ : عَظيمُ البطنِ . فُعُنلٌ : صفةٌ : عُرُندٌ شديدٌ وقَد حكي : تُرُنْجَةٌ اسمٌ . فَعَنْلَةٌ : جَرَنْبَةٌ اسمُ جَماعةٌ مِنَ الناسِ والحميرِ وقالوا : جَرَبَّةٌ أيضاً
لحاقُها رابعةً : فَعْلَنٌ : صفةٌ : رَعْشَنٌ مِنَ الرَّعْشَةِ . فِعَلْنَةٌ : عِرَضْنَةٌ : مشيةٌ وَبِلَغْنٌ اسمٌ والصفةُ رجلٌ خِلَفْنَةٌ فِعْلِنٌ : فِرْسِنٌ اسمٌ
الخامس : ما زيدتْ فيهِ التاءُ مِنَ الأسماءِ الثلاثيّةِ :
لحاقُها أَولاً : تفعُلُ تَنْضُبُ والتّضُرةُ اسمٌ تُفْعَلٌ : تُرْتَبٌ وتُتْفَلٌ وتُحْلَبةٌ صفةٌ وقالَ بعضُهم : أَثرٌ تُرْتَبٌ فجعلَهُ وصفاً . تُفْعُلٌ : تُتْفُلٌ والتُّقْدُمةُ اسمٌ والتُّحْلُبَةُ صفةٌ . تَفْعَلَةٌ : تَتْفَلَةٌ : اسمٌ . تَفْعَلُوتٌ : تَرْنَمُوتٌ اسمٌ تَرنمُ القوسِ . تِفْعِلٌ : تِحْلِىءٌ اسم القشرة التي يقشرها
الدباغ مما يلي اللحمَ . تَفْعِلَةٌ . تَدْوِرةٌ وقَالوا : تَدْوِرةٌ فجوةٌ بينَ الرملِ ولا يعرفُ بغيرِ الهاءِ . تَفْعُولٌ : تَعْضَوضٌ ولا يعرفُ وصفاً تُفْعُولٌ : تُؤثُورٌ اسمٌ حديدةٌ يوسمُ بِهَا في أَخفافِ الإِبلِ تِفْعِلَةٌ : صِفةٌ تِحْلِبَةٌ . وهيَ الغزيرةُ التي تحلبُ ولَم تَلدْ . تِفْعَلَةٌ : تِحْلَبَةٌ لغةٌ أُخرى . تِفِعِّلٌ : التِهِبّطُ اسمُ بلدةٍ . تُفُعّلٌ : تُبُشّرٌ ووجدت بخطِ ثعلب تُبَشّرٌ وهوَ اسمُ طَائرٍ . تُفُعَّلٌ : التَنُوُّطُ اسمُ طَائرٍ قالَ : والصحيح : الضمُّ لأَنَّ الكسرةَ تخصُّ الأَفعالَ وجدتهُ مضروباً عليهِ في كتابِ أبي علي الفاَرسي أَعزَّهُ الله
لحاقُها رابعةً : فَعْلَتَةٌ سَنْبَتَةٌ اسمٌ
لحاقُها خامسةً : فَعَلُوتٌ : رَغَبُوتٌ اسمٌ والصفةُ : رَجلُ خَلَبوتٌ ونَاقةٌ تَرَبوتٌ وهيَ الخيارُ الفَارهةُ كذَا في كتابِ سيبويه وقيلَ : إنَّها اللينةُ الذلولُ وهوَ عندي الصوابُ لأَنّهُ مشتق مِنَ الترابِ
السادسُ : الميمُ :
لحاقُها أَولاً : مَفْعُولٌ : مضروبٌ ولا يعرفُ اسماً . مَفْعَلٌ : المَحْلَبُ والمَعْتَلُ والصفةُ : المَشْتَى والمَوْلَى . مِفْعَلٌ : مِنْبَرٌ ومِرْفَقٌ والصفةُ :
مِدْعَسٌ . مَفْعِلٌ : مَجْلِسٌ والصفةُ : المَنْكِبُ وهوَ العريفُ من ولاةِ العَشيرةِ . مُفْعَلٌ : مُصْحَفٌ . والصفةُ نحو : مُكْرَمٍ وهوَ كثيرٌ . مُفْعُلُ : مُنْجُلٌ ولا يعرفُ وصفاً . مَفْعَلٌ بالهاءِ : مَزْرُعةٌ ومَشْرُقَةٌ ولا يعرفُ وصفاً وليسَ في الكلامِ : مَفْعَلٌ بغيرِ هاءٍ . مَفْعِلٌ : مِنْخِرٌ اسمٌ فأَمَّا : مِنْتِنٌ وَمغِيرةٌ فأَصلهُ : مُنْتِنٌ ومُغْيِرٌ لأَنَّهُ مِنْ : أَنْتنَ وأَغارَ ولكنْ كسروا إتباعاً كما قالوا : أَجُؤُكَ ولإِمِكَ مُفْعُولٌ : مُعلُوقٌ للمعلاقِ وهوَ غريبٌ مِفْعِلٌ : مِرْعِزٌ
لحاقُها رابعةً : فُعْلُمٌ : زُرْقُمٌ وسُتْهُمٌ : للأُزرقِ والأستهِ وهوَ صفةٌ . فِعْلِمٌ : دِلْقِمٌ ودِقعِمٌ للدَلقاءِ والدقعاءَ ودِرْدِمٌ للدرداءِ وهيَ صفاتٌ وأَمّا دِلاَمصٌ ففيهِ خِلافٌ يقولُ الخليل : إنهُ : فُعَاملٌ
ويحتج بأَنهُ مِنْ دَليصٍ وغيرهُ يقولُ : هُوَ بمنزلةِ اللاآلِ مِنَ اللُّؤلؤ شاركهُ في بعضِ الحروفِ وخالفَهُ في بعضٍ والمعنى متفقٌ
السابعُ : الوَاوُ :
لحاقُها ثانيةً : فَوْعَلٌ : كَوْكَبٌ والصفةُ : حَوْقَل إِذَا أَدبرَ عن النساءِ وهوَ زبٌّ البعيرِ المسنِ : فَوَعْلَلٌ : كَوَأْلَلٌ للصفةِ وهوَ القصيرُ الغليظُ
لحاقُها ثالثةً : فَعُولٌ : خَرُوفٌ اسمٌ والصفةُ : صَدُوقٌ . فَعْوَلٌ : جَدْوَلٌ والصفةُ جَهْوَرٌ فِعْوَلٌ : خِرْوَعٌ ولا يعرفُ وصفاً . فِعْوَلٌ : العِسْوَدٌّ العَظايةُ والصفة : عِثْوَلٌّ وهو الشيخُ الثقيلُ . وفَعَوَّلٌ : صفةٌ : عَطَوَّدٌ طويلٌ . فُعُولٌ : سُدُوسٌ وهوَ الطَيلسانُ وهوَ قليلُ في الكلامِ إِلاَّ أَنْ يكونَ مصدراً أَو يكسرَ عليهِ الواحدُ للجمعِ . فَعَوعَلٌ : صفةٌ : عَثَوثلٌ وقَطَوطَى مقاربةُ الخطوِ فَعَوْلَلٌ : حَبَوْنَنُ اسمُ وادٍ قريبٍ مِنَ اليمامةِ . فِعَوْلَلٌ جَعلَها بعضُهم : حِبَوْنَنٌ
لحاقُها رابعةً : فَعْلُوةٌ : عَرْقُوةٌ ولا يعرفُ وصفاً . فُعْلَوةٌ عُنْفَوةٌ
قطعةٌ مِنْ يبيسِ الحِلّي وهوَ اسمُ رجلٍ عَنْ ثَعلبٍ وحُنذوةٌ مثلُه . فِعْلِوةٌ : حِنْذِوةٌ اسم : كذَا في كتابي كتابِ سيبويه وبخطِّ ثَعلب . فِعْلُوةٌ : حِنْذُوةٌ وفسَرهُ أَنهُ شبعةٌ مِنَ الجبلِ والهاءُ لا تفارقهُ
قالَ أَبو بكر : وأَظنه خَطَأ مِنْ أَجلِ أَنهُ ليسَ في كلامِهم مضمومٌ بعدَ مكسورٍ والنونُ هَا هَنا ساكنةٌ فكأنَهُ قد التقى الضّمٌّ والكسرُ . فِعَّولٌ : سِنَوّرٌ والصفةُ : الخِنوَّصُ وهوَ الصغيرُ مِنَ الخنازيرِ . فَعُّولٌ : سَفّودٌ والصفة : سَبُّوحٌ وقُدُّوسٌ فُعُّولٌ : قالوا : سُبُّوحٌ وقُدُّوسٌ وهما صفةٌ . فُعْلُولٌ : طُخْرُورٌ اسمٌ يقالُ : ما عليهِ . طُخرور أَي : شيءٌ والصفةُ بُهْلُولٌ . فَعَلولٌ : بَلَصُوصٌ طَائرٌ والصفةُ : الحَلَكُوكُ : الأَسودُ . وتلحق الواوُ خامسةً فيكونُ الحرفُ على : فَعَنْلُوةٍ وقَد مضَى ذكرهُ في بابِ النونِ
بابُ الزيادةِ بتكريرِ حَرفٍ مِنَ الأصلِ في الثلاثي
إمَّا أَن تُضاعفَ العينُ وإمَّا أَن تُضاعفَ اللام وإمَّا أَن تُضاعفا جميعاً
الأولُ : ما ضُوعفْت فيهِ العينُ : فُعَّلٌ : سُلَّمٌ والصفةُ : زُمَّلٌ وهوَ الضعيفُ . فِعَّلٌ : قِنَّبٌ وهوَ الطينُ الذي يجيءُ في أَسفلِ القيعانِ والصفةُ : الدِّنَّبُ وهوَ القصيرُ ويقالُ : دِنَّبةٌ فِعِّلٌ : حِمِّصٌ وحِلّزٌ : شَجَر قِصَارٌ ولا يعرفُ وصفاً . فُعُّلٌ : تُبُّعٌ وهوَ قليلٌ يرادُ بهِ تُبُّعٌ وهوَ الظِّل
الثاني : ما ضوعفتْ لامهُ : فَعْلَلٌ مَهْدَدٌ اسمُ امرأةٍ ولا يعرفُ وصفاً . فُعْلُلٌ : سُرْدُدٌ اسمُ مَكانٍ وقُعْدُدٌ . قالَ الجرمي : وهو شيئانِ يقالُ : أَقعدُهم إليَّ جَدَّهُ والآخرُ يَكونُ الضعيفَ قَالَ الشاعرُ :
( دَعَانِي أَخِي وَالخَيْلُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ ... فَلَمَّا دَعَانِي لَمْ يَجِدْني بِقُعْدُدِ )
فُعْلَلٌ : عُنْبَبٌ اسمُ وادٍ والصفةُ : قُعْدَدٌ . فِعْلِلٌ : صفةٌ : رَمادٌ رِمْدِدٌ أَي : هَالِكٌ . فَعَلٌّ : شَرَبَّةٌ بَلذَّةٌ ومَعَدٌّ : وهو موضعُ مِركض رجلِ الفاَرِس مِنَ الدابةِ والصفةُ : الهَبَيُّ والهَبَيَّةُ الجاريةُ الصغيرةُ . فِعَلُّ : جِدَبٌّ اسمُ الجدبِ والصفةُ : خِدَبٌّ وهوَ الضخمُ الشديدُ . فُعُلٌّ : جُبُنٌّ وقُطُنُ والصفةُ : القُمُدُّ شديدٌ . فِعِلٌّ : الفِلِزُّ : رصاصٌ وقيلَ : خَبَثُّ الفَضةِ والصفةُ : الطِمِرُّ وَهوَ السريعُ . فَعِلٌّ : تَئِفّةُ
قَالَ الجرمي : زَعم سيبويه : أَنَّهم يقولونَ : تَئِفّةٌ ولمَ أَرَ ذلكَ معروفاً وقالَ : إنْ صحتْ فهيَ فَعلةٌ
قالَ أَبو بكر : وهذَا الحرفُ في بعضِ النسخِ قد ذكر في بابِ التاءِ وجُعلَ على مثال : تَفْعِلةٍ يقالُ : جَاءَ على : تَئِفَّةِ ذاكَ مثل : تُئِفَّةِ ذَاكَ كذَا أَخذتُه عن محمد بن يزيد رحمُهُ الله
فُعَلَّةُ : دُرَجَّةٌ وهوَ اسمٌ : فَعُلَّةٌ : تَلُنّةٌ وبخطِّ ثعلب : تُلُنّةٌ فُعُلَّةٌ : قالوا : لي قبلَهُ تُلُنَّةٌ أَي : حَاجةٌ
قالَ أَبو بكر : فيجوزُ أَن تكونَ الضمةُ إتباعاً والأَصلُ الفَتحُ يعني في تُلُنَّةٍ
الثالثُ : ما ضوعفتْ عينُه ولامُه :
فَعَلْعَلٌ : حَبَرْبرٌ اسمٌ يقالُ : ما أَصاب منهُ حَبَرْبَراً ولا تَبَرْبراً ولا حَوَرْوَراً أَي : ما أَصابَ منهُ شيئاً والصفةُ : صَمَحْمَحٌ
قالَ الجرمي : وهوَ الغليظُ القصيرُ وقال ثعلبٌ : رأَسٌ صَمَحْمَحٌ أَصلعُ غَليظٌ شديدٌ
فُعَلْعَلٌ : ذُرَحْرَحٌ دَابَّةٌ حَمْرَاءُ ولا يعرفُ وصفاً وضاعفوا الفاءَ والعينَ في حرفٍ واحدٍ قالوا : دَاهيةٌ مَرمَريسٌ أَي : شديدةٌ وهيَ مِنَ المراسةِ
قالَ أبو بكر : قد ذُكرَ ذواتُ الزوائدِ مِنَ الثلاثي ونحنُ نتبعهُ بذواتِ الزوائدِ مِنَ الرباعي
ما لحقتهُ الزوائدُ مِنْ بناتِ الأربعةِ
اعلم : أَنَّ ذواتِ الأربعةِ لا يلحقُهَا شيءٌ مِنَ الزوائدِ أَولاً إلاّ الأسماءَ مِنْ أَفعالهنَّ وكلُّ شيءٍ مِن بناتِ الأربعةِ لحقتهُ زيادةٌ فكانَ على مثالِ الخمسةِ فهوَ ملحقٌ بالخمسةِ كما تلحقُ ببناتِ الأربعةِ بناتُ الثلاثةِ إلاّ ما جاءَ إنْ جعلتَهُ فعلاً خالفَ مصدرَهُ مصدرَ بناتِ الأربعةِ نحو : فَاعَلٍ وفُعُّلٍ . فَفَاعَلٌ : نحو : طَابَقٍ . وفُعَّلٌ نحو : سُلّمٍ لو جعلتَ هذَا فعلاً ما كانَ إلا ثُلاثياً وما كانتْ مصادرُها إلاّ ثلاثيةً وكلُ شيءٍ جاءَ من بنَاتِ الأربعةِ على مثالِ : سَفَرْجلٍ فَهوَ ملحقٌ ببناتِ الخمسةِ لأَنكَ لو أكرهتَها حتى تكونَ فِعْلاً لاتفقَ الاسمُ والفعلُ لو قلتَ : فَعَلْتُ مِنْ : فَرَزْدَقٍ وسَفَرْجلٍ مستكرهاً ذلكَ لكانَ القياسُ أَنْ يكونَ فَرَزْدَقْتُ وسَفَرْجَلْتُ فيكونُ على وزنِ : تَكَلَّمتُ وتَفَاعلتُ في متحركاتِه وسواكنهِ وعَلَى وزنِ : تَدَحْرجتُ
وجاءتِ الزوائدُ في بَناتِ الأربعةِ أَقلَّ من بَناتِ الثلاثةِ بحرفٍ وهيَ الهمزةُ فأَمَّا ( التاءُ ) فجاءتْ سادسةً مع غيرِها مِنَ الزوائدِ في عَنْكبوتٍ فصار انقسامُ الرباعي ذي الزوائدِ علَى أَربعةِ أَقسامٍ : الواوُ والياءُ والألفُ والنونُ
الأولُ مِنْ ذلكَ لَحاقُ الواوِ ثالثةً زائدةً :
في ذواتِ الأربعةِ : فَعَوْلَلٌ : حَبَوْكَرٌ وهيَ الداهيةُ والصفةُ عَشَوْزَنٌ
وهوَ الصَّلبُ الغليظُ ونظيرُها مِنْ بناتِ الثلاثةِ : حَبَوْننٌ فَعَوْلُلانٌ عَبَوْثُرَانٌ وهوَ نباتُ في طريقِ مكةَ فَعَوْلَلَى : حَبَوْكَرى . اسمٌ
لحاقُها رابعةَ : فَعْلَوْلٌ : بَلَهْوَرٌ اسمُ ملكٍ مِنَ الأَعاجم والصفةُ : بَلَهْوَقٌ : وَهوَ الوضيءُ الحسنُ وكَنَهْورٌ : وهوَ العظيمُ مِنَ السحابِ . فَعْلَويلٌ : قُنْدَويلٌ صفةٌ : وهوَ العظيمُ الرأسِ . فُعْلُولٌ : عُصْفُورٌ والصفةُ : شُنْحُوطٌ طَويلٌ ونظيرهُ مِنْ بَناتِ الثلاثةِ : بُهْلولٌ فَعْلُولٌ : قَرَبُوسٌ وَزَرجُونٌ اسمُ الكَرْمِ
قالَ الجَرمي : وهوَ صبغٌ أَحمرُ قالَ : وزعمَ الأصمعي أَنَّ هذهِ فارسيةٌ أُعربت وأنَّ المعنى : زَرْبُونٌ أي لونُ الذَّهبِ فقلبتهُ العَربُ والصفةُ : قَرَقُوس الأَملسُ وحَلَكُوكٌ مِنْ بناتِ الثلاثةِ أَلحق ببناتِ الأربعةِ . فِعْلَولٌ : فِرْدَوسٌ اسمٌ روضةٌ دونَ اليمامةِ وهيِ إحدى الجنانِ التي ذكرهاَ الله عَز وجلَ . وبِرْذَونٌ والصفةُ : ناقةٌ عِلْطَوس : وهيَ الناقةُ الخيار الفارهةُ . وأُلحق بهِ من بَناتِ الثلاثةِ . عِذْيَوطٌ
لحاقُها خامسةً : فَعَلُّوةٌ : قَمَحْدُوة والهاءُ لازمةٌ لَهُ ونظيرهُ مِنْ بَناتِ
الثلاثة قَلَنْسُوةٌ فَيْعَلولٌ : خَيتَعُورٌ : اسمٌ للداهيةِ والصفةُ : عَيْسَجُورٌ وهيَ الشديدةُ مِنَ الإِبلِ . فَعْلَلُوتٌ : عَنْكَبوتٌ وتَخْرَبُوتٌ
قالَ الجرمي : سأَلتُ علماءنا فَلم يعرفوا : تَخْرَبوتاً وفي كتابِ ثعلب بخطِّه : تَخْرَبوتٌ ناقةٌ فَارهةٌ
فَعْلَلولٌ : مَنْجَنُونٌ اسمٌ والصفةُ : حَنْدَقُوقٌ وهوَ الطويلُ المضطربُ شبه المَنْجَنُونِ
الثاني : زيادةُ الياءِ في الرباعي :
تلحق ثالثةً : فَعَيْلَلٌ : صفةٌ عَمَيْثَلٌ : وهوَ الجلدُ النشيطُ وأُلحقَ بهِ من بَناتِ الثلاثةِ : خَفَيْددٌ وأَصلُهُ للظليمِ ثَمَّ هوَ بعدُ لكُلِّ سَريعٍ . فَعَيْلَلانٌ : عَرَيْقُصانٌ وهيَ دابةٌ ولا يعرفُ وصفاً
لحاقُها رابعةً : فعْلِيلٌ : قَنْدِيلٌ وبِرْطِيلٌ والصفةُ : شَنْظِيرٌ : السيءُ الخلقِ عن أبي زيدٍ وحِرْبيشُ الخَشِنَةُ . وأُلحقَ بهِ مِنْ بناتِ الثلاثة : زِحْليلٌ مِنْ : تَزَحَّلَ فُعْلَيلٌ : غُرْنَيقٌ صِفةٌ وهوَ السيدُ الرفيعُ
وليسَ يلحقُ الرباعي شيءٌ مِنَ الزوائِد في أولهِ سِوى الميمِ التي في الأسماءِ مِن أَفعالهنَّ وما لحقتُه الياءُ مَع الواوِ فقد تقدمَ ذكرهُ
لحاقُها خامسةً : فُعَلَّيةٌ : سُلَحْفيةٌ وهيَ دابةٌ ولا يعرفُ وصفاً وأُلحقَ بهِ مِنَ الثلاثي البُلْهْنيةُ وهيَ العيشُ الواسعُ لازمةٌ فَنْعَليلٌ . مَنْجيقٌ والصفةُ : عَنْتَريسٌ والدليلُ علَى زيادةِ النونِ الأولى قولُهم في جمعِه : مَجَانيقٌ وفي تصغيره مُجينِيقٌ والدليلُ على زيادةِ النون في عَنْتَريس أَنهُ مُشتقٌ مِنَ العترسَةِ وهيَ الأخذُ بالشدةِ ويوصفُ الأسدُ بذلكَ لشدتِه فُعَاليلُ : كُنَابيلُ : اسمُ أَرضٍ فَعْلَليل : عَفْشَليلٌ : أَعجمي والصفةُ قَمْطَريرٌ وذكَر سيبويه أَنه لا يعرفهُ إلا صفة
الثالثُ لَحاقُ الألفِ في ذواتِ الأربعة :
تَلحقُ ثالثةً : فُعَالِلُ جُخَادبُ دابةٌ : والصفةُ عُذَافِرُ وهوَ العظيمُ الشديدُ وما لحقهُ مِن ذواتِ الثلاثةِ دُوَاسِرُ وهوَ الغليظُ الجانبِ مِنْ دَسَرَ يَدْسُرُ فُعَالِلى خُجَادِبَى امٌ وقد مدَّهُ بعضُهم . فَعَالِلُ . قَرَاشِبُ . فَعَالِيلُ : قَنَادِيلُ
لحاقُها رابعةً لغيرِ التأنيثِ :
فِعْلاَلٌ : حِمْلاقٌ والصفةُ : سِرْدَاحٌ وهيَ الأَرضُ الواسعةُ
وأُلحقَ بهِ جِلْبَابٌ . فَعْلاَلٌ لا يعلمُ في الكلام إلاّ المضعفُ مِنْ بناتِ الأربعةِ الذي يكونُ الحرفانِ الآخرانِ منهُ بمنزلةِ الأولينِ وليسَ في حروفهِ زوائدُ كما أَنهُ لَيْسَ في مضاعفِ بنَاتِ الثلاثةِ نحو رَدَدْتُ زيادةٌ وذلكَ نحو : الزَلْزَالِ والجَرْجَارِ وهو نبتٌ والصفةُ : قَرُبَ القَسْعَاسُ وهوَ البعيدُ وفِعْلالُ في المصدرِ نحو الزِّلزالِ لا يعلمُ المضاعفُ جاءَ مكسورَ الأولِ إلاّ في المصدر فَعْلاَءُ : بَرْسَاءُ . وَهْوَ الناسُ فُعْلاَلُ : قُرطاسُ هَو القرطاسُ بعينِه وقُرْنَاسٌ وهوَ الشيءُ يشخصُ مِنَ الجبلِ ولا يعرفُ وصفاً
لحاقُها خامسةً لغيرِ التأنيثِ :
فَعَلَّى : حَبَركَى وهو القرادُ . وقالوا : رجلٌ حَبَرْكَاءُ يا فتى وهوَ القصيرُ الظهرِ الطويلُ الرجلِ وأُلحق بهِ مِنْ بناتِ الثلاثة : الحَبَنْطَى وغيرهُ
قالَ الجرمي وقَدْ جَعلَ بعضُهم الألفَ في حَبَركاءَ للتأنيثِ فَلَمْ يصرفْ . فِعِنْلالٌ : جِعِنْبارٌ صفةٌ : وهوَ الضَّخمُ مثلُ جِعِبْرَى ولحقُه مِنْ بناتِ الثلاثةِ : فِرِنْدادٌ وهيَ أَرضٌ فِعِلاَّلٌ : سِنِمَّارٌ : اسمُ رجلٍ وجِنِبَّارٌ : فَرخُ الحُبَارى والصفةُ : الطِّرْمّاحُ وهوَ الطويلُ وأُلحقَ بهِ مِنْ بناتِ الثلاثةِ
جِلِبّابُ . فَعْلَلاءُ : بَرْنَساءُ وعَقْرَبَاءُ ممدودٌ وغيرُ مصروفٍ ولا يعرفُ وصفاً فُعْلُلاءُ : القُرْفُصاءُ يمدُّ قومٌ ويقصرُ قومٌ . فِعْلِلاءُ : طِرْمِسَاءُ وهيَ الظلمةُ ممدودٌ صفةٌ وأُلحق بهِ مِنَ الثلاثةِ : جِرْبياءُ وهوَ الريحُ الشمالُ . فِعْلَلاءُ قالوا : هِنْدَبَاءُ للبقلِ يقصرُ بعضٌ ويمدُّ بعضٌ . فُعْلُلانٌ : عُقْرُبانٌ وهيَ دابةٌ والصفةُ : دُحْمُسانٌ وهوَ الأدمُ السمينُ . فِعْلِلانُ : الحِنْذِمَانُ حيٌّ يُقالُ لَهُ الحِنْذِمَانُ والصفة : حِذرجانٌ وهو القصيرُ . فَعْلَلانٌ : زَعْفَرانٌ والصفةُ : شَعْشَعانٌ الطويلُ الخلقِ مِنَ الفتيانِ
لحاقُها خامسةً للتأنيثِ :
فَعْلَلَى : فَرْتَنَى اسم امرأةٍ وقيلَ : قصرٌ بمرو الروذ ولا يعرفُ صفةً وأُلحقَ مِنَ الثلاثةِ الخَيْزَلى . فِعْلِلى : الهِندِبَى اسمٌ قال الجرمي : هِنْدِبَاءُ : وهوَ الخفيفُ في الحاجةِ فِعَلى : سِبطرى اسمٌ . فِعْلَلى الهِرْبَذى . وهوَ اسمُ مشيةِ
الرابعُ : لَحاقُ النونِ في الرباعي ثانيةً :
فُنْعَلَلٌ خُنْثَعَبةٌ اسمٌ وهوَ الغريزُ والصفةُ : كُنْتَألٌ وهوَ القصيرُ
فَنَعْلُلٌ : كَنَهْبُلٌ شَجَر عِظَامٌ . فِنْعَلُّ : قِنْفَخْرٌ أُلحقَ بجِرْدَحْلٍ
الثاني : لحوقُ النونِ ثالثةً :
فَعَنْلَلٌ حَزَنْبَلٌ القصيرُ وأُلحقَ بهِ عَفَنْجَحٌ الضخمُ
بَابُ ما الزيادةُ فيهِ تكريرٌ في الرباعي لحَاقها مِنْ موضع الثاني
فِعَّلٌ صفةٌ عِلَّكْدٌ : وهوَ الغليظُ الشديدُ . فُعَّلِلٌ : الهُمَّقعُ وهوَ ثمرُ التنضبِ والصفةُ : الزُّمَّلِقُ وهوَ الذي ينزلُ قبل أَن تجامعَ المرأةَ : فُعَّلُّ : شُمَّخرٌ المتعظمُ . فَعَّلِلٌ : هَمَرِّشُ هذَا الحرفُ ليسَ في كتابي المنسوخ من نسخةِ أَبي العباسِ . وَهْوَ فيما قريءَ في كتابِ القاضي عليهِ ولَم أَجدْهُ في نسخةِ ثعلب فأَحسبُ أَن أَصلَ هذَا الحرفِ : فَنَعْللٌ فأدغمَ
لحَاقُها مِن موضعِ الثالثِ :
فَعَلَّلٌ : هَمَرّجةٌ والصفةُ : سَفَنَّجٌ : خَفيفٌ مِنْ صفةِ الظليمِ . فَعُلُّلٌ زُمُرُّدٌ كذَا قالَ بالدالِ هذِه الحجارةُ مِنَ الجوهرِ . فُعُلِّلٌ : الصُّعُرِّرُ في كتابِ بعضِ أَصحابِنا وليسَ في أَصلِ أَبي العباسِ ولا أعرفهُ . وقرأتُ في كتابِ ثَعلب الصُّفُرّقُ نَبْتٌ
إلحاقُها مِنْ موضعِ الرَّابعِ :
فَعَلَّلٌ وصفٌ سَبَهْلَلٌ الرجلُ الفَارعُ . فِعْلَلُّ : عِرْبَدُّ : اسمُ حيةٍ والصفةُ : قِرْشَبٌّ وهوَ المسنُّ مِنَ الرجالِ
وأُلحقَ بهِ عِسْوَدٌّ : اسمُ دَابةٍ . فِعْلُلُّ : صِفَةٌ قُسْحُبٌّ ضَخَمٌ وطُرْطُبٌّ : ثَديٌ طويلٌ فِعْلَلٌ : قَهْقَرٌ : حَجَر يملأُ الكفَّ والذي يُقرقرُ في جوفِه قِهْقَرٌ بكسرِ القافِ الأوُلى
ما لحقتهُ الزيادةُ من بناتِ الخمسةِ وجاءتِ الزوائدُ في بناتِ الخمسةِ أَقلُّ بحرفٍ فزوائدُه ثلاثةٌ :
الأولُ : لحَاقُ الياءِ خامسةً :
فعْلَليلٌ خَنْدَريسٌ وعَنَدليبٌ طَائرٌ وسَلْسَبيلٌ والصفةُ دَرْدَبيسٌ وهيَ العجوزُ والداهيةُ أَيضاً . فُعَلّيلٌ : خُزَعبِيلٌ وهي الأباطيل عن الجرمي
الثاني : لحَاقُ الواوِ خامسةً :
فَعْلَلُولٌ : عَضْرَفُوطٌ وهيَ العظاءةُ الذكرُ . فِعْلَلُولٌ : صفةٌ قِرْطَبُوسٌ . وفي كتابِي موقع عن أبي العباس قَرْطَبُوسٌ : هَوَ المعروفُ
الثالثُ : لَحَاقُ الأَلفِ سادسةً لغيرِ التأنيثِ :
فَعَلَّلَى : قَبَعْثَرَى وهوَ العظيمُ الشديدُ
بَابُ أَبنيةِ ما أُعربَ مِنَ الأعجميةِ
الكلامُ الأعجمي يخالفُ العربي في اللفظِ كثيراً ومخالفتهُ على ضربينِ : أَحدهُما : مخالفةُ البناءِ والآخرُ : مخالفةُ الحروفِ فَأَمَّا ما خالفَ حروفهُ حروفَ العربِ فإنَّ العربَ تبدلهُ بحروفها ولا تنطقُ بسِواها وأَمَّا البناءُ فإنهُ يجيءُ علَى ضربينِ أَحدهما : قد بنتهُ العربُ بناءَ كلامِها وغيَّرتهُ كما غَيرتِ الحروفَ التي ليست من حروفها
ومنه ما تكلمت به بأبنية غير أبنيتها وربما غيروا الحرفَ العربي بحرفٍ غيرهِ لأَنَّ الأصلَ أَعجمي
الأولُ : ما بنتهُ مِنْ كلامِها :
وذلكَ قولهُم : درهمٌ ودينارٌ وإسحقُ ويعقوبُ وقالوا : آجُورٌ وشُبَارِق فألحقوهُ بعَذَافرَ ورُستاقٌ أَلحقُوه بقُرطاسَ
الثاني : ما بنتهُ على غيرِ أَبنيةِ كلامِها :
وذلكَ نحو : آجُرٍّ وإبريسَم وسَراويلَ وفَيروزَ . ورُبَّما تركوا الإسمَ على حاله إذَا كانتْ حروفهُ مِنْ حروفِهم كانَ على بنائِهم أو لم يكنْ نحو : خُراسانَ وخُرّم والكُركُم ورُبَّما غيروا الحرفَ الذي ليسَ من حروفِهم ولم يغيروهُ على بنائِه في الفارسيةِ نحو : فِرِند وَبَقَّمٍ
واعلم : أَنَّهم إذَا أَبدلوا حرفاً مِنْ حروفِ الفارسيةِ أَبدلوا منهُ ما يقربُ
مِنَ المخرجِ فيبدلونَ من الحرفِ الذي بين الكافِ والجيم الجيمَ وذلكَ نحو : الجُرْبُزِ والآجُرِّ والجَورَبِ ورُبَّما أبدلوا القافَ لأَنَّها قريبةٌ أَيضاً
قالَ بعضُهم : قُرْبُزٌ وقالوا : قُربَقٌ في قربكَ وإذَا كانتْ حروفٌ لا تثبتُ في كلامِ العجمِ وإنْ كانتْ مِنْ حروفِ العربِ أَبدلوا منهُ نحو : كُوسَهْ ومُوزهْ لأَنَّ هذهِ الحروفَ تحذفُ وتبدلُ في كلامِ الفرسِ همزةً مرةً وياءً أُخرى فأُبدلتْ مِنْ ذلكَ الجيمُ فقالوا : مُوْزَجٌ وجعلوا الجيمَ الأُولى لأَنَّها قد تبدلُ مِنَ الحرفِ الأعجمي الذي بينَ الكافِ والجيمِ ورُبّما أُدخلتِ القافُ عليها
قال بعضُهم : كَوْسَقٌ وَكُرْبَقٌ وقالوا : قُرْبَقٌ وكِيلَقةٌ ويبدلونَ مِنَ الحرفِ الذي بينَ الياءِ والفاءِ نحو : الفِرِنْدِ والفُندُقِ ورُبَّما أبدلوا الباءَ لقربِها قالَ بعضُهم : البِرِنْدُ والعربُ تخلطُ فيما ليسَ من كلامِها إذا احتاجتْ إلى النطقِ بهِ فإذَا حُكِي لكَ في الأعجمي خلافُ ما العامةُ عليه فلا تَرينهُ تخليطاً مِمَّنْ يَرويهِ
ما ذِكُر أَنَّهُ فاتَ سيبويه مِنَ الأَبينةِ
تِلقامَّةٌ وتِلْعَابّةٌ وفِرْناس وفُرَانسُ تَنُوفى تَرْجمُان
شَحْمٌ أَمْهَجُ رَقيقٌ : أَنشد أبو زيد :
( يطعمُها اللحم وشحماً أَمْهَجِا ... )
مُهْوأَنٌ عُيَاهمُ تُرامِز تُمَاضرٌ يَنَابعاتٌ دِحِندجٌ فِعِلّينٌ لَيْثٌ عِفِرينٌ زَعَمَ أَنهُ العنكبوتُ الذي يصيدُ الذبابَ تِرْعايةٌ الصَّنبرُ زَيتونٌ كَذْبَذبٌ هَزَنْبَرانٌ عَفَزَّرَانٌ اسمُ رجلٍ هَيْدَكرٌ ضَربٌ مِنَ المشي زيادةٌ في حفظِ أَبي علي : هَيْدَكرٌ وفي نسخةٍ في حفظِ أَبي علي : هَدَيْكرٌ
قالَ أبو علي : سألتُ ابنَ دريدٍ عنهُ فقَالَ : لا أَعرفهُ ولكنْ أَعرفُ الهَيْدَكورَ هُنْدِلعٌ : بقلةٌ دُرْدَاقِسٌ حُزْرانِقٌ
ذكر ما بنتِ العربُ مِنَ الأفعالِ
جميعُ ما بنتِ العربُ مِنَ الأفعالِ اثنان وثلاثونَ بناءً مِنْ بناتِ الثَّلاثةِ ومِنْ بَناتِ الأربعةِ وما أُلحقَ مِنْ بناتِ الثلاثةِ ببناتِ الأربعةِ وما زيدَ على الثلاثةِ والأربعةِ مما ليسَ بمحلقٍ ولا يبنى من بناتِ الخمسةِ فِعْلٌ ألبتَّةَ
الأولُ : ما لا زيادةَ فيهِ الثلاثي :
فَعَلَ : مضارعُهُ يَفْعِلُ أَو يَفْعُلُ ورُبَّما انفردَا والأصلُ اجتماعُهما
قالَ الجرمي : سمعتُ أبا عبيدة يروي عن أبي عمرو بن العلاء قالَ : سمعتُ الضمَّ والكسرَ في عامةِ هذَا البابِ : فَعُلَ : مضارعه يَفْعُلُ وشذَّ حرفٌ واحدٌ قَالوا : فَضُلَ يَفْضَلُ وأَمَّا المعتلُّ فَقَد شذتْ منهُ أَحرفٌ قالَوا : ورَمَ يرِمُ ووَمقَ يَمِقُ وقالوا في حرفينِ من بناتِ الواوِ فَعُلَ يَفْعُلُ قالوا : مِتَّ تَموتُ ودِمْتَ تَدوم والأَجودُ : مُتَّ تَموتَ ودَمْتَ تَدُومُ . فَعَلَ يَفْعَلُ ففيهِ ثلاثةُ أَبنيةٍ
الثاني : ما فيهِ زائدٌ وهوَ ينقسمُ ثلاثةُ أَقسامِ :
الأولُ : لا أَلفَ وصلٍ فيهِ
والثاني : فيه أَلفُ وصلٍ
والثالثُ : ملحقٌ بالرباعي أَفعلَ يَفْعَلُ . واسمُ الفاَعلِ : مُفْعِلٌ والمفعولُ : مُفْعَلٌ . وكانَ القياسُ أَنْ يقولوا : يُؤفعلُ فتثبتِ الهمزةُ في المضارعِ ولكنَّهم حذَفوها استثقالاً وقد حَذَفوها وهي فَاء الفعلِ في : كُلْ وخُذْ وكانَ القياسُ أُوكلْ أُوخذْ وقالَ أكثرهُم : أُومرْ . فَاعلَ يُفاعلُ
فِعَالاً ومُفَاعلةً وهي التي لا تنكسرُ . فأَمَّا الفِعَالُ فربَّما انكسرَ . وفوُعلٌ إِذَا أَردتَ ( فَعَلَ ) فتقلبُ الألِفُ واواً لإنضمام ما قبلَها وكذلكَ كُلُّ أَلفٍ ينضمُّ ما قبلَها
واسمُ الفَاعِل على : مُفُاعِلٍ والمفعول عَلى مُفاعَلٍ فَعّلَ يُفَعِّلُ تَفْعيلاً وَهْوَ مُفْعِّلٌ والمفعولُ مُفَعَّلٌ تَفَاعَلَ يتفَاعل تَفَاعلاً واسم الفاعل على : متفاعِل والمفعول متفاعَل تَفَعَّلَ يَتَفَعَّلُ تفعُّلاً واسم الفاعل على متَفَعِّلٍ والمفعول مُتَفَعَّلٍ . وليس تلحقُ الياء شيئاً من بناتِ الثلاثةِ ليسَ فيه زيادةٌ ولا تضمُ التاءُ في المضارع إذا قُلتَ : يَنفعلُ ولكنْ تفتحُها لأَنَّها شبهتْ بأَلف الوصلِ أَلا ترى أَنَّ العَرَبَ الذينَ يكسرونَ التاءَ والنونَ والهمزةَ في المُضَارعِ إذَا كانت فيما فيهِ أَلفُ وصلٍ يكسرونَها هَا هُنَا فيقولونَ : أَنْتَ تِتَعَهدُ وَتِتَفاعَلُ فيجرونَها مَجْرى تَنْطلقُ وأَنا أنطلُقُ وأَنْتَ تَنْطلقُ فيضمونَ ذلكَ في جميع ما كانتْ فيهِ أَلفُ الوصلِ وفي جميعِ ما كانتْ فيهِ التاءُ زائدةً في أولِه فلذلك خَمْسَةٌ أَبنيةٍ
ما فيه أَلفُ الوصلِ من بناتِ الثلاثةِ :
انْفعلَ يَنْفعلُ انْفِعالاً وفَعَلَ فيهِ انْفعَلَ يَنْفَعلُ والفاعلُ مُنْفَعِلٌ والمفعولُ مُنْفَعَلٌ ولا تلحقُ النونُ شيئاً مِنَ الفعلِ إلاّ انفعلَ وحدَهُ افتعَلَ يَفْتعلُ افْتعالاً وفَعَلَ منهُ افتعل يفتعلُ استفعلَ يَسْتَفْعِلُ استفعالاً وفَعُلَ منهُ اسْتُفْعِلَ استفعالاً واسمُ الفاعِل مُسْتَفعِلٌ والمفعولُ مُسْتفعَلٌ افعَاللتُ يَفعالُّ افعيلالاً وتجري مجرى استفعلتُ في جميعَ ما تصرفتْ فيهِ لأَنها في وزنِها وإِنّما أدغمتِ اللامُ في اللامِ فقيل : ادهامَّ لأنَّها ليستْ بملحقةٍ ولو كانتْ ملحقةً لما أَدغمتَها كما قالوا : جَلْبَب يجلببُ جَلَببةً وَفَعْلَلَ : افْعَوَّلَ ادهوّم أدهمياماً واشهيباباً افعلَلْتُ : احمررتُ احَمراراً وفَعَلَ منه : احمرَّ في هذا المكانِ وافرَّ فيهِ يصفرُّ اصفراراً
وافْعَوعلَ يَفعوعلُ افعيلالاً نحو : اغدودنَ النبتُ يغدودنُ اغديدَاناً إِذا نَعمَ افْعَوّلَ يَفْعَوِّلُ افعوّالاً نحو : اخروَّطَ السَّفَرُ يَخْرَوِّطُ اخْروَّاطاً إِذا طالَ السَّفَرُ وامتدَّ قالَ الأعشى :
( لاَ تأمنُ البَازِلَ الكرماءُ ضَربَتهُ ... بالمشرِفي إذا ما اخْروَّطَ السَّفرُ )
وَفَعَّلَ : اخروَّطَ واعلوَّطَ اعلواطاً
قال الجرمي : سألتُ : أَبا عبيدةَ عن اعلَّوطتُ المُهرَ قالَ : ركبتهُ عرياً قال : وسألتُ الأصمعي عن ذلكَ فقالَ : اعتنقته فذلكَ سبعة أَبنيةٍ فأمَّا هرقتُ الماءَ فأكثرُ العربِ يقولُ : أَرقتُ أُريقَ أراقَةً . وهوَ القياسُ
ويقولُ قومٌ مِنَ العربِ : هَرَاقَ الماءَ يُهريقُ هَرَاقةً فيجيءُ بهِ على الأصلِ ويبدل الهاءَِ من الهَمزةِ ودَمْعٌ مُهراقٌ قالَ زهيرُ :
( وَلَمْ يهريقوا بينَهم مِلءَ محجمِ ... )
وقال امرؤ القيس :
( وإن شفائي عَبْرَةٌ مُهْرَاقَةٌ ... فَهَلْ عند رَسْمٍ دَارِسٍ مِنْ مَعَوّلِ )
وأَما الذينَ قالوا : اهراقَ يهريقُ اهراقةً فَقَد زادوها لِسكون موضِع العينِ مِنَ الفِعلِ فأجروهُ مجرى الذينَ قالوا : اسطاعَ يسطيعُ اسطاعةً فزادوا السينَ لسكونِ موضعِ العينِ من الفِعْلِ
ما أُلحق بالرباعي
فَعللتُ أُفَعْلِلُ فَعْللَةً . جَلْبَبتُ الرجلَ أُجلببهُ جَلْبَبةً إِذا أَلبستهُ الجِلْبابَ وهيَ المُلحفةُ والفاعلُ مُجَلْبِبٌ فأَجروهُ مجرى : دَحْرَجْتُ . فَوَعلَ يفوعلُ فَوْعَلةً : حَوْقَلَ يُحَوْقِلُ حَوْقَلَةً وذلك إذا أَدْبَرَ عَنِ النِّسَاءٍ يستعملُ في كُلِّ مُدبرٍ . فَيْعَلَ يُفيعِلُ فَيْعَلةً : بَيْطَر يُبيطرُ بَيْطَرةً وفَعَّلَ : بَوْطَرَ فَعْوَلَ يُفَعْولُ فَعْوَلةً : هَرْوَلَ يُهرولُ هَرْولةً . فَعْليتُ أَفَعْلي فَعْلاَة : سَلْقَيتهُ أَسَلَقيهِ سَلْقُاةً كانَ الأصلُ سَلْقَيَةً مثلُ دَحْرَجَةٍ فقلبتِ الياءُ لإنفتاحِ ما قبلَها ومعنى سَلقاهُ : رَمى بهِ عَلى قَفاهُ افْعَنَلى فإذا أرادوا فَعَل الرجلُ بنفسهِ قَالوا : اسْلَنْقَى يَسْلَنقي اسْلنقاءً فَعْنَلتُه يقولُ بعضُهم : قلْسَنتهُ ويقولُ
بعضُهم : قَلْنَستهُ أُقلنسةُ قَلْنَسةً تَفَعلى وقالوا : قَلْسَتهُ فَتَقَلَسَ يَتَقَلَسُ تَقَلْسياً دَحْرَجتهُ فَتَدَحْرجَ تَدَحْرجاً وكانَ الأصلُ تَقَلْسواً ولكنَّ الواوَ إِذا كانتْ طرفاً في الإسم وقبلَها ضمةٌ قلبتْ ياءً فَيْعلْتهُ : شَيْطَنتهُ فَتَشَيطنَ تَشَيطناً تَفَعْولَ : سَهْوَكتهُ فَتَسهوكَ تَسْهُوكاً والمتسهوكُ : المدبرُ الهالكُ افْعَنْللَ قالوا : تَفَنْجَجَ يَتَفَنْجَجُ اتفِنْجَاجَاً ملحقٌ باحرنْجَم وهيَ تجري مجرى استفعلَ في جميعِ ما تصرفتْ فيهِ فهذَا جميعُ ما بنتِ العربُ مِنَ الأفعالِ مِنْ بناتِ الثلاثةِ تَمْفَعلَ وقد جاءَ حرفانِ شَاذانِ لا يقاسُ علَيهما قالوا : تَمَدْرَعَ من المدرعةِ يَتَمَدْرعُ تَمَدْرعاً وأكثرُهم : تَدَرعَ يتدرعُ تَدرُّعاً وهو القياسُ وهوَ أَكثرهما وأَجودهما وقالوا : تَمَسْكنَ يتمسكنُ تَمَسْكناً للمسكينِ وأكثرهُم يقولُ : تَسَكَّنَ يتسكنُ تِسكناً وهو أَجودهما وهوَ القياسُ وقالَ : تَمَنْدلَ بالمنديلِ يتمندلُ تَمَنْدلاً إِذا مسحَ يدَهُ بالمنديلِ وأكثرهم يقولُ : تَنَدَّلَ يَتَندلُ تَنَدُّلاً وهوَ أَجودهما فذلكَ اثنا عشرَ بناءً
بِناءُ الأفعالِ من بناتِ الأربعةِ بلا زيادةٍ :
فَعْلَلَ : دَحْرَجَ يُدحرجُ دَحْرَجةً وسَرْهَفَ يُسرهفُ سَرْهَفةً وقالوا : سِرْهَافاً قالَ العجاجُ :
( سَرْهَفْتُهُ ما شِئْتَ مِنْ سرهافِ ... )
والمُسرهفُ الحسنُ الغداءِ فعللَ مكررٌ فإِذَا كانَ من المكررِ قالوا : زَلْزَلتهُ زلِزلةً وزِلزالاً وبعضُ العربِ يفتحُ هذَا المكررَ فيقولُ زلزلتهُ زِلْزَالاً فإِذَا أَردتَ اسمَ الفَاعلِ قلتَ : هذَا مزلزِلٌ ومُدَحرِجٌ
ما فيهِ زيادةٌ مِنَ الرباعي وأَلفُ الوصلِ :
افْعنْللَ يَفْعَنللُ افْعِنلالاً : احْرَنجمَ يَحْرنجمُ احْرنْجاماً والمُحْرَنْجمُ المجتمعُ بعضهُ إلى بعضٍ افْعَلَلَّ : اقْشَعَرَّ يقشعرُّ اقشعراراً واطمأَنَّ يطمئنُّ اطمئنَاناً فيجري مجرى : استعدَّ يستعدُّ استعداداً وأما قولُهم : الطمأنينةُ والقشعريرةُ فهذا اسمٌ فليسَ بمصدرٍ على الفعلِ وليسَ في الأربعةِ ملحقٌ إِذْ لَم يكنْ للخمسةِ بناءٌ تلحقُ بهِ فذلكَ أَربعةُ أَبنيةٍ
ذِكرُ التصريفِ
هذَا الحدُّ إِنَّما سُميَ تصريفاً لتصريفِ الكلمةِ الواحدةِ بأبنيةٍ مختلفةٍ وخصوا بهِ ما عرضَ في أُصولِ الكلامِ وذواتِها من التغييرِ وهوَ ينقسمُ خمسةَ أَقسامٍ : زيادةٌ وإِبدالٌ وحَذْفٌ وتغييرٌ بالحركةِ والسكونِ وإدغامٌ ولَهُ حدٌّ يعرفُ بهِ
الأول : الزيادة
والزيادةُ تكونُ علَى ثلاثةِ أَضربٍ : زيادةٌ لمعنىً وزيادةٌ لإلحاقِ بناءٍ ببناءٍ وزيادةٌ فَقَطْ لا يرادُ بها شيءٌ مما تقدمَ فأَمَّا ما زيدَ لمعنىً فأَلفُ ( فَاعِلٍ ) إِذَا قلتَ : ضَارِبٌ وعَالِمٌ ونحوَ حروفِ المضارعةِ في الفِعْلِ نحو الأَلفِ في أَذهبُ والياءِ في يَذهبُ والتاءِ في تَذهبُ والنونِ في نَذهبُ وأَمَّا زيادةُ الإِلحاقِ فنحو : الواو في كَوثرٍ أَلحقتهُ ببناءِ جَعْفَرٍ وأَمَّا زيادةُ البناءِ فنحو : أَلفِ حِمَارٍ وواو عجوزٍ ويَاء صحيفةٍ
والحروفُ التي تُزادُ عَشرةٌ : الهمزةُ والألفُ والياءُ والواوُ والهاءُ والميمُ والنونُ والتاءُ والسينُ واللامُ يجمعُها في اللفظِ قولُكَ : اليوم تَنْسَاهُ
الأولُ : الهمزةُ :
أَمَّا الهمزةُ فتزادُ إِذا كانتْ أَولَ حرفٍ في الإسم فِي ذواتِ الثلاثةِ فصاعداً بالزوائدِ في الإسمِ والفعلِ نحو : أفكلٍ وأَذهب وفي الوصلِ في ابنٍ واضربْ والهمزةُ إِذا لحقتْ رابعةً مِنْ أَولِ الحرفِ فصاعداً فهي زائدةٌ وإِنْ لم يشتقَّ منهُ ما تذهبُ فيهِ الزيادةُ ولا تجعلْهُ مِنْ نفسِ الحرفِ إِلاّ بثبتٍ فإِنْ سميتَهُ فأفكَل وأَيدع لَمْ تصرفْهُ وأَنْتَ لا تشتقُّ منهُ ما تذهبُ فيهِ الألفُ وكذلكَ إِنْ جاءتِ الهمزةُ معَ غيرِها مِنَ الزوائدِ في الكلمةِ فاحكمْ عليها بالزيادةِ نحو : اصليتٍ وأَرْونان . ومَحالٌ أَنْ تلحقَ رباعيّاً أَو خماسيّاً لأنَّ الزيادةَ لا تلحقُ ذواتِ الأربعةِ مِنْ أَوائلِها وهيَ مِنَ الخمسةِ أَبعدُ فأما : أَولقُ فالألفُ مِنْ نفسِ الحرفِ يدلُّكَ على ذَلكَ قولُهم : أَلقَ وإِنَّما أَولقَ فَوْعَلَ ولولا هذا الثبتُ لحملَ علَى الأكثرِ وكذلكَ : الأَرْطى لأَنّكَ تقولُ : أَديمٌ مأروطٌ ولو كانتِ الألفُ زائدةً قلتَ : مَرطى . وكذلكَ : إِمِّرَةٌ أمعةٌ إِنَّما هُوَ فِعْلةٌ لأَنَّهُ لا يكونُ أَفعلُ وصفاً والهمزةُ المضمومةُ والمكسورةُ كالمفتوحةِ أَلا تَرى أَنَك تسوّي بينَ
أُبلم وإِثمد وإِصليتٍ وأَرْونَان وإِمخاض وإِنَّما هيَ مِنَ الصلتِ والرونِ والمخضِ وكذلكَ : أَلندد إِنَّما هُوَ مِن أَلددِ وأُسكوبٌ إِنَّما هُوَ مِن السَّكْبِ ولا تزادُ الهمزةُ غيرَ أَولٍ إِلاّ بثبتٍ فَمِنْ ذلكَ : ضَهياء هيَ زائدةٌ لأَنكَ تقولُ : جُرواضٌ وحُطَائطٌ لأَنَّ القصيرَ محطوطٌ ومِنْ ذلكَ شِمْلاَلٌ شَأملٌ لأَنك تقولُ : شَمْلَلتِ الريحُ
الثاني : الأَلفُ :
الألفُ لا تزادُ أَولاً وذلكَ مَحالٌ لأَنَّها لا تكونُ إِلا ساكنةً ولا يجوزُ الإبتداءُ بساكنٍ وتزادُ ثانيةً في ( فَاعلِ ) ونحوهِ وثالثةً في جمادٍ ونحوهِ ورابعةٍ في عَطْشَى ومِعْزَى وحُبْلَى ونحوهنَّ وخامسةً في حِلبلابٍ وجَحْجَبَى وحَبَنْطى ونحو ذلكَ ولا تلحقُ الألفُ رابعةً فصاعداً إِلاّ مزيدةً وهيَ بمنزلةِ الهمزةِ أولاً وثانيةً وثالثةً ورابعةً إِلاَّ أَنْ يجيءَ ثَبْتٌ وهيَ أَجدرُ بالزيادةِ مِنَ الهمزةِ لأَنَّها لا تكثر ككثرتِها فإِنَّهُ ليسَ في الكلامِ حَرْفٌ إِلاّ وبعضُها فيهِ أَو بعضُ الياءِ والواوِ فإن جَاءتِ الألفُ رابعةً وأَول
الحرفِ ونحو ذَلكَ ولا تلحقُ الهمزةُ أَو الميمُ . . . فهيَ أَصلٌ نحو : أَفْعَىً ومُوسَىً لأنَّ أَفْعَىً ( أَفعلُ ) ومُوسَىً ( مُفْعلٌ ) فإذَا لم يكنْ ثَبْتٌ فهيَ زائدةٌ أبداً وأمَّا ( قَطَوْطَى ) فهيَ فَعَوْعلٌ لأَّنه ليسَ في الكلامِ فَعَوْلَى وفيهِ ( فَعَوعلٌ ) مثلُ : عَثَوثلٍ وحَبَركى ولم يُجعلْ فَعَلْعَل لأنَّ فَعَوْعلاً أَولى بهِ من بَابِ صَمَحمحٍ ودَمكمكٍ زَعَمَ أَنَّ الواوَ لا يكونُ أصلاً في بناتِ الثلاثةِ فصاعداً فلذلكَ قالَ : قَطَوطَى فَعَوْعَلٌ فالألفُ إِذا لحقت رابعةً فهيَ زائدةٌ وإِنْ لم يشتقَّ مِنَ الحرفِ ما يذهبُ فيهِ كما وجَبَ في الهمزةِ إِذَا كانتْ أولاً رابعةً
الثالثُ : الياءُ :
وهيَ تكونُ زائدةً إِذَا كانتْ أولَ الحرفِ رابعةً فصاعداً كالهمزةِ في الإسمِ والفعلِ . نحو : يَرمعٍ ويَربوعٍ ويَضربَ وتكونَ زائدةً ثانيةً وثالثةً في مواضعِ الألفِ ورابعةً في نحو : حذريةٍ وهي قطعةٌ منَ الأَرضِ وقنديلٍ وخامسة نحو : سُلَحفيةٍ . وتلحقُ إِذا ثنيتَ قبلَ النونِ الياءُ أُختُ الألفِ فإِذاَ جاءتْ في كلمةٍ تذهبُ فيما اشتقتْ منهُ فهيَ زائدةٌ نحو : حذيمٍ إِنَّما هوَ من حذمتُ وعثيرٍ إِنَّما هوَ منْ عثرتُ وسلقيتهُ إِنَّما هوَ من سلقتهُ وقلسيتهُ وتَقلَّس لأنَّهم يقولونَ : تَقلنَس وتَقَلس ومِنْ ذلكَ قولُهم في عيضموزٍ عضاميزَ وفي عَيطموسٍ : عَطَاميسَ ومثلُ
ذلكَ ياء عِفْرِيةٍ وزِبْنِيَةٍ لأنكَ تقولُ : عِفْرٌ وعَفَرهُ وَزَبَنَهُ فمتىَ جاءتْ ملحقةً فحكمُها حكمُ الزيادةِ وإنْ جاءتْ الياءُ في حرف لا يجيءُ على مثالِ الأَربعةِ والخمسةِ فهي بمنزلةِ ما يشتق منهُ ما ليسَ فيهِ زيادةٌ لأَنكَ إِذَا قلتَ : حَمَاطةٌ ويَربُوعٌ كانَ بمنزلتهِ لو قلتَ : رَبعْتُ وحَمَطْتُ لأَنهُ ليسَ في الكلامِ مثلُ : سَبَطرٍ ولا مثلُ : دَمْلُوجٍ ويَهْيَرٌّ يَفْعَلٌّ لأَنهُ ليسَ في الكلامِ فَعْيَلٌّ ولو كانتْ يَهْيرُ مخففة الراءِ لكانتِ الياءُ هيَ الزائدةُ لأَنَّ الياءَ إِذا كانت أولاً بمنزلةِ الهمزةِ أَلاَ تَرَى أَن يَرْمَعَاً بمنزلةِ أَفَكَلٍ . قال : ولا في الكلامِ أيضاً ( يَفْعَلُّ ) اسماً ولكنّهم قد يقولونَ : يَهْيَرُ خفيفٌ وفي الكلامِ مثلهُ فلمَّا قالوهُ علمنا أَنَّهُ مشتقٌّ منهُ وأَما يأججُ فالياءُ فيهِ مِنْ نفسِ الحرفِ لولا ذلكَ لأَدغموا كماَ يدغمونَ في مُفْعَلٍ ويَفْعلُ وإِنّما الياءُ هَا هُنَا كميم مَهْددٍ . ويَستعورٌ الياءُ فيهِ أَصليةٌ بمنزلةِ عَينِ عَضْرَفُوطٍ لأَنَّ الحروفَ الزوائدَ لا تلحقُ ببناتِ الأربعةِ أَولاً إِلاّ الميمُ التي في الإسمِ الذي يكونُ علَى فِعْلِه
الرابعُ : الواوُ :
وهيَ تزادُ ثانيةً في : حَوْقَلٍ وصَوْمَعةٍ ونحوهما وثالثةً في : قُعودٍ وعَجُوزٍ وَقَسْوَرٍ ونحوها ورابعةً في بُهْلُولٍ وقرنُوةٍ وخامسةً في قَلَنْسوةٍ وقَمَحْدُوةٍ ونحوهما وفي : عَضْرَفُوطٍ كَما لحقتِ الياءُ خَنْدَريس وهيَ كالياءِ إِذَا أَلحقت بناتِ الثلاثةِ ببناتِ الأَربعةِ والأربعة ببناتِ الخمسةِ فهيَ زائدةٌ في الأسماءِ والأَفعالِ التي يشتقونَ منها فالذاهبُ فيهِ بمنزلةِ الهمزةِ أَولاً أَن يجيء ثَبْت وهوَ أَولى أَنْ تكونَ زائدةً مِنَ الهمزةِ قالوا : جَهْوَرْتُ وإِنَّما هيَ مِنَ الجَهارةِ وَقَسْوَرٌ مِنَ الإقتسارِ وعُنْفُوانٌ إِنَّما هُوَ مِنَ الإعتنافِ وقِرواحٌ إِنَّما هُوَ مِنَ القَراحِ وأَمّا : وَرَنْتَلٌ فالواوُ مِنْ نفسِ الحرفِ لأَنَّ الواوَ لا تزادُ أَولاً أبداً وقَرْنُوَةٌ : فَعْلَوةٌ لأَنَّهُ لَيسَ مثل قُحْطُبةٍ فهوَ بمنزلةِ ما أَذهبهُ الإشتقاقُ
الخَامسُ : الهاءُ :
وهي تُزادُ لِتَتَعّين بِهَا الحركةُ وقَد بينا ذلكَ وبعدَ أَلفِ المَدِّ الندبة والنداء : واغلاماهُ ويا غُلاماهُ
السادسُ : الميمُ :
وهيَ تُزادُ أولاً في : مَفعُولٍ ومَفعلٍ ومُفْعلٍ ومِفْعَالٍ والميمُ بمنزلةِ الألفِ يعني الهمزة فموضعُ زيادتِها كموضع زِياتِها وكثرتُها ككثرتِها إذا كانتْ أَولاً في الإسمِ والصفةِ فَمَنْبجٌ : مَفْعِلٌ لذلكَ فأَمَّا المِعزْى فالميمُ مِنْ نفسِ الحرفِ لقولِكَ : مَعْزٌ ومَعَدٌّ مثلهُ لقولِهم : تَمَعدَد لقلةِ ( تَمَفْعَلَ ) في الكلامِ وأَمَّا مسكينٌ فمن تَسكَّنُ وقالوا : تَمسكنَ مثلُ تَمدرعَ في المدرعةِ
وتَمَفعلَ شاذٌّ وأَمَّا منجنيقٌ فالميمُ فيهِ من نفسِ الحَرفِ صارَ الإسمُ رباعيّاً لأَنَّكَ جعلتَ النونَ مِنْ نفسِ الحرفِ والزياداتُ لا تلحقُ بناتِ الأربعةِ أَولاً إلا الأسماء الجاريةَ على أَفعالِها نحو : مَدَحرجٍ وإنْ جَعَلْتَ النونَ زائدةً لم يجزْ أَن تكونَ الميمُ زائدةً فيجتمعُ حرفانِ زائدانِ في أولِ الإسمِ وهذَا لا يكونُ في الأَسماءِ ولا الصفاتِ التي ليستْ علَى الأفعالِ المزيدةِ
والهمزةُ التي هيَ نظيرةُ الميمِ ولم يقعْ بعدَها أيضاً زائدٌ في الكلامِ فَمَنْجَنيقٌ بمنزلةِ عَنتْريسٍ فهيَ فَنْعَليلٌ والنونُ زائدةٌ ويقوي ذلكَ قولُهم : مَجانيقُ فَحذَفوا النونَ ومَنْجَنونٌ فَعْلَلُولٌ بمنزلةِ عَرْطليلٌ إلاّ أَنَّ موضَع الياءِ واوٌ ويجمع مَنَاجينُ
فالميمُ أَصليةٌ لِما أَخبرتُكَ وكذلكَ ميمُ مَأْججٍ ومَهْدَدٍ ولو كانتا زائدتينِ لأدغمتا كَمَردٍّ وَمَفرٍّ وإنّما مَهْدَدٌ ملحقٌ بجَعْفَرٍ ومِرْعِزاءُ ( مِفْعِلاءُ ) ولكنْ كسرتِ الميمُ إتباعاً للكسرةِ التي في العينِ كما قَالوا : مِنْخِرٌ يَدلُّ على ذَلك قولُهم : مرْعزَّى ومِكورَّى مثلهُ وهوَ العظيمُ الروثةِ مأخوذٌ مِنْ كَوَّرَهُ إذَا
جمعَهُ وقالوا : يَهيَرّي فليسَ شيءٌ مِنَ الأربعةِ على هذَا المثالِ لحقتهُ أَلفُ التأنيثِ لأَنَّ ( فَعْلَلّى ) لم يجيء . وقالوا : يَهْيرٌ فحذفوا كما قالَوا : مِرعِزٌ وقالَ بعضُهم : مِكْوَرٌّ . وقالَ سيبويه : مَراجِلُ ميمُها مِنْ نفسِ الحرفِ قالَ العَجاجُ : بشيةٍ كشيةِ المُمَرجَلِ
والمُمَرجَلُ : ضربٌ مِن ثيابِ الوشي والميمُ إذا جاءتْ في أَولِ الكلامِ فإنَّهُ يحكمُ بزيادتِها فإنْ جاءتْ غيرَ أَولٍ فإنَّها لا تزادُ إلا بَثبتٍ لقلِتها وهيَ غير أَولٍ زائدةٌ وقالوا : ستُهمٌ وزٌرقمٌ يريدونَ : الأسْتَةَ والأَزرقَ
السابعُ : النونُ :
وهيَ تزادُ في فَعْلاَنَ خامسةً : عَطْشانُ ونحوه . وسادسةً في زَعْفَرانٍ ونحوهِ ورابعةً في : رَعْشنٍ والعِرْضْنة ونحوهِما وفيما يصرفُ مِنَ الأسماءِ وفي الفعلِ الذي تدخلهُ النونُ الخفيفةُ والثقيلةُ
وفي تفعلينَ وفي فعلِ النساءِ إذْا جمعتَ نحو : فَعَلنَ ويَفْعلنَ وفي تثنيةِ الأسماءِ وجمعِها وفي ( نَفْعلُ ) تكونُ أَولاً وثانيةً في عَنْسَلٍ وثالثةً في قَلَنْسوةٍ
وتكثرُ في فِعْلانٍ وفُعلانٍ للجمعِ
وتكثر في فِعْلانٍ مصدراً وأَمَّا فَعْلاَنُ فَعْلَى فَقَال سيبويه : النونُ فيهِ بَدلٌ مِنْ همزةِ ( حمراءَ ) ولا يجعلُها زائدة فَيما خَلا ذا إلاّ بثَبْتٍ
ولَوْ سميتَ رجلاً : نَهْشَلاً أَو نَهْسراً لصرفتُهُ ولم تجعلْهُ زائداً كالياءِ والألفِ وكذلكَ نونُ عَنْترٍ لا تجعلها زائدةً فأَمَّا عَنْسَلٌ فالنونٌ زائدةٌ لأَنهم يريدونَ : العَسُولَ وكذلكَ العَنْبَسُ لأَنهُ مِشتقٌّ مِن العَبُوسِ ونونُ عَفَرْنَى زائدةٌ مِنَ العِفْرِ ونونُ بُلَهْنِيةٍ من قولِكَ : عيشٌ أَبْلَهُ ونونُ فرِسِنٍ لأَنَّها من فَرَسْتُ ونونُ خَنْفَقيقٍ لأَنَّ الخَنْفَقيقَ الخفيفةُ مِنَ النساءِ الجريئةُ
قالَ سيبويه : وإنّما جعلَها مِنْ خَفَقَ يَخفقُ كما تَخفقُ الريحُ يقالُ : دَاهيةٌ خَنْفَقِيقٌ . ومِنْ ذلكَ : البَلَنصَى تقولُ للواحدٍ : البَلَصُوصُ ومثلُ ذلكَ عَقَنْقلٌ وعَصَنْصَرٌ لأَنكَ تقولُ : عَقَاقيلُ وتقولُ : عَصَاصِيرُ وعُصَيصِيرٌ ولَو لم يوحدْ هَذانِ لكانتِ النونُ زائدةً لأَنَّ النونَ إذَا كانتْ ثالثةً ساكنةً في هذا المثال فهي زائدة ولا تُجعلُ النونُ فيها زائدةً إلاّ باشتقاق مِنَ الحروفِ ما ليسَ فيهِ نونٌ لأَنَّها تكثرُ في هذَا وتلحقُ البناءَ بالبناءِ
فيما كانَ علَى خمسةِ أَحرفٍ نحو : حَبَنْطَىً وجَحَنْفَلٍ ودَلَنْظَىً وقَلَنْسُوةٍ وهذِه النونُ في موضعِ الزوائدِ نحو أَلف عُذَافرٍ وواو فَدَوكَسٍ وياء سَمَيدعٍ
والنونُ والألفُ يتعاورانِ الاسمَ في معنىً واحدٍ نحو : شَرَنبثٍ وشُرابث وجَرَنْفسٍ وجُرَافس وقالوا : عَرَنْتُنٌ وعَرَتُنٌ فحذفوا كُعَلبْطٍ ومَا جاءَ من هذَا بغيرِ نونٍ نحو : عُوْطَطٍ وجُنْدبٍ وعُنْصَلٍ وَخُنْفَسٍ وعُنْظَبٍ النونُ زائدةٌ لأَنَّهُ لا يجيءُ علَى مثالِ : فُعْلَلٍ شيءٌ إلاّ وحرفُ الزيادة لازمٌ لَهُ وأُكثرُ ذلكُ النونُ ثانية فإنَّما جعلتْ نوناتِهنَّ زَوائدَ لأَنَّ هذَا المثالَ تلزمهُ حروفُ الزوائدِ كما جعلتِ النونات فيما كانَ علَى مِثالِ احْرَنْجَمَ زائدةً لأَنهُ لا يكونُ إلاّ بحرفِ الزيادةِ وما اشتقَّ مِنْ هذَا النحوِ مما ذهبتْ فيهِ النونُ قُنَبْرٌ لأنهم قالُوا قُبّرٌ لَو لم يشتق منهُ ولا من تُرْتَبٍ لكانَ علمُكَ بلزومِ حرفِ الزيادةِ هذَا المثالُ بمنزلةِ الإشتقاقِ وكذلكَ : سِنَدأوٌ وَحِنْطَأْوٌ للزومِ النونِ والواوِ هذَا المثالَ وأَمَّا نونا دِهقانٍ وشَيْطانٍ فلا تجعلْهما زائدتينِ لقولِهم : تَدهقنَ وتَشيطنَ
وإذا جَاء شيءٌ على فَعلانَ فلا تحتاج فيه إلى الإشتقاقِ لأَنَّهُ لم يجىء شيءٌ آخرهُ من نفسِ الحرفِ على
هذا المثالِ فإذا رأيتَ الشيءَ فيهِ من حروفِ الزوائدِ شيءٌ ولم يكنْ علَى مثالِ ما آخرهُ من نفسِ الحرفِ فاجْعَلْهُ بمنزلةِ المشتقِّ الذي تسقطُ معهُ حروفُ الزيادةِ وأَمَّا جُنْدبٌ فالنونُ فيهِ زائدةٌ لأَنَّكَ تقولُ جَدُبَ لولا ذلكَ لكانتْ أَصلاً ونونُ عُرنُدٍ زائدةٌ لقولِهم : عُرُدٌّ ولأَنَّهُ لَيْسَ في الأربعةِ علَى هذَا المثالِ وإذَا كانتْ ثانيةً ساكنةً فلا تزادُ إلاّ بثبتٍ وذلكَ نحو : حِنْزَقْرٍ وعَنْدَليبٍ وإذَا كانتْ ثانيةً متحركةً أَو ثالثةً فلا تزادُ إلاّ بثبتٍ وذلكَ جَنَعْدَلٌ وخَدَرْنَقٌ وأَما كَنَهْبُلٌ فالنونُ فيهِ زائدةٌ لأَنَهُ ليسَ في الكلامِ علَى مثالِ سَفَرْجلٍ وقَرَنْفُل مثلهُ وأَمَّا القَنْفَخْرُ فالنونُ زائدةٌ لأَنكَ تقولُ : قُفَاخِريٌّ في هذَا المعنى
وكِنْتَأْلٌ النونُ زائدةٌ لأَنَّهُ لَيْسَ مُثلُ جُرْدَحْلٍ يقالُ : خُنْثَعَبةٌ وخِنْثَعبةٌ بكسرِ الخاءِ وضمُها إذَا كانت غزيرةٌ
الثامنُ : التاءُ :
وهيَ تؤنثُ بهَا الجماعةُ نحو : منطلقاتٍ . ويؤنثُ بها الواحدُ نحو : هذِه طلحةُ وحمزةُ ورحمة وبنتٌ وأُختٌ وتلحقُ رابعةً نحو : سَنْبتةٍ وخامسةً نحو : عَفْريتٍ وسادسةً نحو : عَنْكبوتٍ ورابعةً أَولاً فصاعداً في
تَفعلُ أَنتَ وتَفْعَلُ وفي الإسمِ كتِجْفافٍ وتَنْضُبٍ وتُرْتَبٍ فالذي بينَ لكَ أَنَّ التاءَ زائدةٌ في تَنْضُبٍ أَنهُ لَيْسَ في الكلامِ مثلُ جَعْفرٍ وكذلكَ التتفلُ لأَنَّهم قد قَالوا : التَّتفُلُ فهذاَ بمنزلةِ ما اشتقَّ منه ما لا تَاءَ فيهِ وكذلكَ تُرْتَبٌ وتُدْرَأُ لأَنَّهما مِنْ رَتبَ ودَرَأَ وكذلكَ جَبَروتٌ ومَلكوتٌ لأَنَّهما مِنَ المُلْكِ والجَبَريةِ وكذلكَ عَفريتٌ لأَنَّهُ مِنَ العِفْرِ وكذلكَ عِزْويتٌ لأَنهُ ليس في الكلامِ فِعْويلٌ ولا يجوزُ أَنْ يكونَ : عِزويتٌ ( فِعْلِيلٌ ) لأَنَّ الواوَ لا تكونُ أَصلاً في بَناتِ الأربعةِ وكذلكَ : الرَّغَبُوتُ والرَّهبُوتُ لأَنَّهُ مِنَ الرغبةِ والرَّهبةِ وكذلكَ : التِّحلىءُ والتِّحلئةُ لأَنَّها مِنْ حلأتُ وحِلئتُ وكذلكَ السنبتةُ مِنَ الدهرِ لأَنهُ يقالُ : سنبةٌ مِنَ الدهرِ وكذلكَ التَّقدُّمِيَّةُ لأَنَّها ممن قَدِمَتْ وكذلكَ : التَّربُوتُ لأَنهُ مِنَ الذَّلولِ يُقالُ للذلولِ مُدَرَّبٌ والتاءُ الأُولى مكانُ الدَّالِ كَما قالوا : الدَّوْلَجُ في التَّوْلَجِ وكما قالوا : سِتَّةٌ فأبدلوا التاءَ مَكانَ الدالِ ومكانَ السينِ وكمَا قالوا : سَبَنْتَى وسَبَنداءُ واتَّغَر وادَّغَر والعنكبوتُ والتَّخربوتُ لأَنَّهم قالوا : عَنَاكبُ وقالوا : العَنكباءُ فاشْتَقوا منهُ ما ذهبتْ فيه التاءُ وكذلكَ : تاءُ أُختٍ وبِنْتٍ وثنتينِ وكِلتا لحقن للتأنيثِ وبنينَ بناءَ ما لا زيادةَ فيهِ مِنَ الثلاثةِ وكذلكَ تاءٌ هَنْتٍ ومَنْتٍ يريدُ : هَنَهْ ومَنَهْ وكذلكَ : التِّجفافُ والتِّمثالُ لأَنَّهما مِنْ جَفَّ ومثُل وكذلكَ : التنبيتُ والتَمتينُ لأَنَّهما من
المَتنِ والنَّباتِ ولَوْ لَمْ يجيء ما تذهبُ فيهِ التاءُ لعلمتَ أَنَّها زائدةٌ لأَنَّهُ لَيْسَ في الكلامِ مثلُ : قَنْديلٍ ومثلُ ذلكَ : التَّنوطُ لأَنَهُ ليسَ في الكلامِ مِثالُ ( فَعَلّلٍ ) وهوَ من نَاطَ يَنُوطُ ومثلهُ التّهبطُ وتَرْنَمُوتٌ مِنْ التَّرنمِ
واعلَم : أَنَّ التاءَ لم تجعلْ زائدةً فيما جاءتْ فيهِ إلاّ بثبتٍ لأَنَّها لم تكثرْ في الأسماءِ والصفاتِ ككثرةِ الأحرفِ الثلاثيةِ نعني : الألفَ والياءَ والواوَ والهمزةَ والميمَ وإِنَّما كثرتُها في الأسماءِ للتأنيثِ إِذَا جَمَعْتَ أَو الواحدة التي الهاءُ فيها بَدلٌ مِنَ التاءِ إذا وقَعَتْ ولا تكونُ في الفعلِ ملحقةً ببناتِ الأربعةِ فكثرتُها في هذَا في الأفعالِ في افتعلَ واسْتَفْعَلَ وتَفَاعلَ وتَفَوعلَ وتَفَعْوَلَ وَتَفَعَّلَ وكثرت في ( تَفَعَّلَ ) مصدراً وفي تَفْعَالٍ وفي التَفْعيلِ ولا تكونُ إلاّ مصدراً وحقُّها أَنْ لا تجعلَ زائدةً إلاّ بَثبتٍ
التاسعُ : السينُ :
تزادُ في استفعلَ
العَاشرُ : اللامُ :
وهيَ تزادُ في ذلكَ وفي عَبْدَل
فأَمَّا الزيادةُ من غيرِ حروفِ الزيادةِ فأَن يتكرَّر الحرفُ إذا جاوزتِ الثلاثةَ نحو : قَرْدَدٍ ومَهْدَدٍ وقُعْدَدٍ ورِمْدِدٍ وجُبُنٍّ وخِدَبٍّ وسُلَّمٍ وَدِنَّبٍ وكذلكَ جميعُ ما كانَ من هذَا النحوِ وكذلكَ : شِمْلالٌ وبُهْلُولٌ وعَدَبَّسٌ وصَمَحمحٌ وبَرَهْرَهةٌ هذَا ضوعفتْ فيهِ العينُ واللامُ والذي أَذهبُ إليهِ في جميعِ هذَا أَنَّ الزوائدَ : الثاني الذي قَد تكررَ
واعلَم : أَنَّ النحويينَ قد جعلوا الفاءَ والعينَ واللامَ أَمثلةً للحروفِ الصحاحِ فيقولونَ : جَمَلٌ وزنهُ : فَعَلٌ وجِمَالٌ : فِعَالٌ وجَميلٌ : فَعِيلٌ وعَجُوزٌ : فَعُولٌ وضَارِبٌ : فَاعِلٌ فيوازنون الأصول بالأصولِ مِنَ الفاءِ والعينِ واللامِ وينطقونَ بالزّوائدِ بأَلفاظِها فإذا قالوا : فاءٌ هذِا الحرفُ وواوٌ أَو ياءٌ فإنَّما يعنونَ أن أول حرفَ منه أصلي واوٌ أَو ياءٌ وكذلكَ إذا قالوا : عينهُ كذَا أَو لامهُ كذَا فإنّما يعنونَ الثاني الأَصلي الذي هُوَ عينٌ والثالثُ الأَصلي الذي هُوَ لامٌ فإذَا تكررَ الحرفُ الأَصلي بعدَ تمامِ الثلاثةِ كرروا اللامَ
الثاني : مِنَ القسمِ الأولِ :
وهوَ الإِبدالُ لغيرِ إدغامٍ وهوَ أَحدَ عَشَر حَرفاً ثمانيةٌ مِنها مِنْ حروفِ الزوائدِ وثلاثةٌ مِنْ غيرهنٌ : الهمزةُ والألفُ والياءُ والواوُ والتاءُ والدالُ والطاءُ والميمُ والجيمُ والهاءُ والنونُ
الأولُ : الهمزةُ :
وهيَ تبدلُ من ثلاثةِ أَشياءٍ : تبدلُ مِنَ الياءِ إِذَا كانتْ لاماً في نحو : قَضَاءٍ وسِقَاءٍ كانَ الأصلُ : قَضَاي وسِقَاي لأَنَّهُ من : قَضيتُ وسَقيتُ والملحقُ بمنزلةِ الأَصلِ وذلكَ : القَيْقَاءُ والزَّيزاء بمنزلةِ العَلْياءِ ملحقٌ بِسردَاحٍ ويدُلُّكَ على أَنَّها ملحقةٌ زائدةٌ أَنهُ لا يكونُ في الكلامِ علَى مثالهِ إلاّ مصدرٌ
ويدلُّكَ علَى أَنَّ الهمزةَ في : قَيْقَاءٍ وزِيزاءٍ مبدلةٌ مِنْ ياءٍ قولُهم : قَواقٍ فجعلوا الياءَ الأُولى مبدلةً مِنْ واوٍ مثلُ ( قِيلَ ) فِعِلْباءُ وقَيقَاءُ
مثلُ دِرحايةٍ وإنَّما هيَ فِعْلايةٌ
وتبدلُ مِنَ الواوِ إذَا كانتْ لاماً نحو : كِسَاءٍ . وعَزَاءٍ تبدلُ مِنَ الواوِ إذَا كانتِ الواوُ عيناً مضمومةً في أَدورٍ وأَنورٍ ولكَ أَنْ لا تهمزَ وكُلُّ واوٍ مضمومةٍ لكَ أَن تهمزَها إنْ شئتَ إلاّ واحدةً فإنَّهم اختلفوا فيها وهوَ قولهُ عَز وجَلَ : ( وَلاَ تَنْسَوُا الفَضْلَ بَيْنَكُم ) . وما أَشبهها مِنْ واوِ الجمعِ فأَجازَ بعضُ الناسِ الهمزةَ وهم قليلٌ والإختيارُ غير ما قَالوا وإذَا اجتمعتْ واوانِ في أَولِ الكلمةِ ولم تكنِ الثانيةُ مَدة فالهمزةُ لازمةٌ تقولُ في تصغيرِ واصلٍ : أُويصل
قالَ سيبوبه : سألتُ الخليلَ عن فُعْلٍ مِنْ وَأَيْتُ فقالَ : وُؤْيٌ فقلتُ فيمَن خفَّفَ فَقال أُوْيٌ فأبدلَ مِنَ الواوِ همزةً وقال : لا تلتقي واوانِ في أولِ الحَرفِ
قالَ المازني : الذي قالَ خَطَأٌ . لأَنَّ الواوَ الثانيةَ منقلبةٌ مِنْ همزةٍ
فإنْ كانتِ الواوُ أَولاً وكانتْ مضمومةً فأَنْتَ في همزِها بالخيارِ أَعد في وَعدَ وأُجوةٌ من وجوهٍ وإنْ كانتْ غيرَ مضمومةٍ فَقَد جاءَ الهمزُ في بعضِ ذلكَ نحو : إسادةٍ في وِسَادةٍ وإشاحٍ في وشاحٍ
وتبدلُ مِنَ الألفِ المنقلبةِ ومِنَ الألفِ الزائدةِ إذَا وقعتْ بعدَ أَلفٍ وذلكَ ( فَاعلٌ ) إذا اعتلَّ فَعَلَ منهُ نحو : قَامَ فهوَ قَائمٌ وبَاعَ فهوَ بائعٌ ومِنْ شأَنِهم إذا اعتلَّ الفعلُ أَنْ يُعل اسمُ الفاعلِ الجاري عليهِ وكانَ أَصلُ قَامَ : قَوُمَ وأَصلُ باعَ : بَيعَ فأبدلتِ الياءُ والواوُ أَلفينِ فلمَّا صرفَ منهُ فَاعل وقَعَتِ الألفُ بعدَ أَلفٍ فَلَم يمكنِ النطقُ بهما لأَنَّهما ساكنتانِ والألفُ لا تتحركُ فقلبتْ همزةً وقيلَ : إنَّها
هُمزتْ لأَنَّ أَصلَ الياءِ السكونُ في : يَقولُ ويِبيعُ فوقعتْ بعدَ ساكنٍ فَهمزتْ وكذلكَ الألفُ الزائدةُ إذَا وقَعَتْ بعدَ أَلفٍ نحو أَلفِ رِسَالةٍ إذَا جمعتَها قلتَ : رَسَائلُ لأَنَّ الألفَ وقعتْ بعدَ أَلفٍ فهُمزت وشبهت ياءَ صحيفةٍ وواوَ عَجُوزٍ بأَلفِ رسالةٍ فقالوا : صحائفُ ورَسائلُ وعَجائزُ فهمزوا وأَمَا قولُهم : الشَّقَاوةُ والنَّهَايةُ فإنَّ هذَا بُنيَ مِنَ الهاءِ في أولِ أحوالهِ
فلم تكنِ الياءُ والواوُ حرفَ إعرابٍ فيها ولَو بُنيَ علَى التذكير كانَ مهموزاً كقولِهم : عباءةٌ وصَلاءةٌ وعَظَاءة وهذَا أصلٌ قَبْلَ دخولِ الهاءِ وأَمَّا قولُهم : غَوْغَاء ففيها قولانِ : أَمَّا مَنْ قالَ : غَوغاءُ فَلَم يصرفْ فهيَ عندَهُ مثلُ : عَوْراءَ وأَمَّا مَنْ صَرَف وذكرَ فهيَ عندَهُ بمنزلةِ : القمقامِ والهمزةُ مبدلةٌ مِنْ واوٍ وأَبدلوا الهمزةَ مِنَ الهاءِ في موضعِ اللامِ من ماءٍ يَدلُّ علَى ذلكَ تصغيرُها مُوَيةٌ وفي الجمعِ مياهٌ وأَمواهٌ
وزعَم أَبو زيد : أَنَّ العربَ تقولُ : ماهتِ الركيةُ تموهُ موهاً إذَا ظهرَ ماؤها وأَماههَا صاحبُها يميهها إماهةً
الثاني : الأَلفُ :
الألفُ تبدلُ مِنَ الياءِ والواوِ والهمزةِ والنونِ الخفيفةِ
الضربُ الأولُ : إبدالُ الألفِ من الياءِ :
وهيَ تبدلُ مِنها في ثلاثةِ مَواضع :
الأولُ : تبدلُ وهيَ لامٌ وعينٌ وفاءٌ أَما اللامُ فنحو : بعتُ وقضيتُ إذَا وقعتِ الياءُ والواوُ موقعاً تتحركانِ فيهِ مثلُ ضَرَبَ قُلتَ : رَمَى وَغَزَا فقلبتِ الياءُ والواوُ أَلفاً لأَنَّهما في موضعِ حرفٍ متحركٍ وقبلَها فتحةٌ وكذَا حقُّ الياءِ والواوِ إذَا وقعتا بهذهِ الصيغةِ وكذلكَ : يَرمي ويَرى وإذَا كانَ الماضي مِنْ هَذا على ( فَعلَ ) فمضارعهُ على يَفْعِلُ يلزمُ العينَ الكسرة لتثبتِ الياءُ ولا يقعُ فيهِ ( يَفْعُلُ ) كيلا تنقلبَ الياءُ واواً وكذلكَ فَعُلَ فيهِ مِنَ الواوِ نحو : غَزَا يلزمهُ يَفْعُلُ فتقولُ : يَغْزُو وتدخلُ فعلتُ عليهما فتقولُ : خَشيتُ واللامُ ياءٌ لأَنهُ مِنْ خَشِيَهُ وتقولُ : غَبيتُ فالأصلُ واوٌ لأَنَهُ مِنَ الغباوةِ وأَمَّا فَعُلَ فلا يكونُ فيما لامه ياءٌ
ويكونُ لامهُ واوٌ نحو : سَرُوَ يَسروُ ولم يقعْ هذَا في الياءِ استثقالاً لَهُ لأَنَّهم قد يفرونَ من الواوِ إلى الياءِ
والياءُ إذا كانت ملحقة فحكمُها حكمُ الأَصلِ تُعلُّ كما تعلُّ نحو : سَلْقَيتُ وَجَعْبَيْتُ تقول : سَلْقَى وجَعْبَى
واعلَم : أَنَّ آخرَ المضاعفِ من بنات الياءِ يجري مَجْرى ما لَيسَ فيهِ تضعيفٌ فحكمُ : حييتُ حكمُ خَشيتُ فالموضعُ الذي تعلُّ فيهِ لامُ خَشِيتُ تعلُّ لامُ حَييتُ فتقولُ : حَيِيَ يَحيا كما تقولُ : خَشِيَ يَخْشَى فتنقلبُ الياءُ ألفاً ولا يجمعُ على الحرفِ أَنْ تعلَّ لامه وعينُهُ فيختلُّ وتقولُ : مَحْياً كما تقولُ : مخْشَىً ويَحيا مثلُ يَخْشَى وكذلكَ يعيى وقالوا مَحياً كما قالوا مَخْشَىً فإذَا وقعَ شيءٌ مِنَ التضعيفِ بالياءِ في موضعٍ تلزمُ ياء يَخْشَى فيهِ الحركةُ وياء يرمي وكانت حركةً غيرَ مفارقةٍ فإنَّ الإِدغام جائزٌ فيهِ وذلكَ قولُكَ : قَدْ حَيَّ في هَذا المكانِ وقَد عَيَّ بأَمْرهِ وإنْ شئتَ قلتَ : قد حَيِيَ والإِدغامُ أَكثرُ لأَنَّ لامَ رَمَى وخَشِيَ في هَذا الموضع بمنزلةِ الصحيح إذَا كانَا قَدْ لزمها الحركةُ ولم يُعلاّ ومثلُ ذلكَ : قد أُحي البلدُ كما تقولُ : أُرمَى يَا هَذا فَتَصحُّ فلمَّا ضَاعفتَ صارتْ
بمنزلةِ مُدَّ وأُمِدَّ وقالَ عَز وجَلَّ : ( ويحيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ) وكذلكَ قولُهم : حَياءٌ وأَحِيَّةٌ لأَنَّكَ لو قلتَ : أرميّه للزمَ الياءَ الحركةُ ورَجلٌ عَيِيٌّ وقومٌ أَعِياءُ لأَنَّ الحركَة لازمةٌ فإذَا قلتَ : فَعلُوا وأُفْعِلُوا قلتَ : حَيُوا كما تقولُ خَشُوا فتذهبُ الياءُ لأَنَّ حركتَها قَدْ زالتْ كما زَالتْ في : ( ضَربوا ) فتحذفَ لإلتقاءِ الساكنينِ ولا تحركُ بالضمِّ لثقلِ الضمةِ في الياءِ وأُحيُوا مثلُ أَخْشُوا . قالَ الشاَّعرُ :
( وكنّا حَسِبنَاهم فوارسَ كَهْمَسٍ ... حَيُوا بَعْدَما ماتوا مِنَ الدهرِ اَعصُرا )
وقَدْ قالَ بعضهُم : حَيُّوا وعَيَّوا لما رأَوها في الواحدِ والإثنينِ في المؤنثِ إذَا قالوا : حَيَّتِ المرأةُ بمنزلةِ المضاعفِ غيرِ المُعتلِّ قالَ الشَّاعر :
( عَيُّوا بأمرهِمِ كمَا ... عَيَّتْ ببيضتِها الحَمامهْ )
فهؤلاء عندي إنّما أدخلوا الياءَ بعدَ أَن قالوا في الواحدِ حَيٌّ فأَجروهُ عليهِ
وقَدْ قالَ ناسٌ مِنَ العربِ : حَيِيَ الرجلُ وحييتِ المرأةُ فَبَينَ وجرَى على القياسِ
قالَ سيبويه : وأَخبرنا بهذه اللغةِ يونس قالَ : وسمعْنا مِنَ العربِ من يقولُ : أعيِيَاءُ وأَحيِيةٌ فَيبينُ وأَحسنُ ذلك أَنْ يُخفيهَا وتكونُ بزنتِها متحركةً وإذَا لم تكنِ الحركةُ لازمةً لم تدغمْ كَما قالَ عَزَّ وَجَلَّ : ( أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِىَ المَوْتى )
وتقولُ : رَجلٌ معيبةٌ فتَبينُ لأَنَّ الهاءَ غيرُ لازمةٍ وكذلكَ محيِيانٌ ومُعْيِبانٍ وحَيَيانٌ إذَا ثنيتَ الحَيا الذي تريدُ بهِ الغيثَ وأَمَّا تَحيةٌ فهيَ تَفْعِلَةٌ والهاءُ لازمةٌ
قالَ سيبوبه في بابِ حيَّيتُ : ومِما جاءَ في الكلامِ علَى أَنَّ فِعلهِ مثلُ : بِعْتُ : آيٌ وغايةٌ وآيةٌ وهذَا ليسَ بمطردٍ وهوَ شَاذٌ وهو قولُ الخليلِ
وقَالَ غيره : إنّما هي أَيَّةٌ وأَيٌ فَعْلٌ ولكنَّهم قلبوا الياءَ وأَبدلوا مكانَها الألفَ لإجتماعهما كما تكرهُ الواوانِ وكما قالوا : ذَوائبُ فأَبدلوا الواو كراهيةَ الهمزةِ وأَمَّا الخليلُ فكانَ يقولُ : جاءَ علَى أَن فِعلَهُ معتلٌّ وإنْ كانَ لم يتكلمْ بهِ كمَا قالوا : قَوَدٌ فجَاءَ كأَنَّ فِعْلهِ علَى الأَصلِ
وجاء استحيتُ على حَايَ مثلُ بَاعَ
وقياسُ فاعلهِ أَن يكونَ حَاءً في مثلِ بائعٍ مهموزٌ وإنْ لم يستعملْ وكانَ أَصلُ استَحْيتُ استحيَيتُ مثلُ استَبْيعتُ فأَعلوا الياءَ الأولى وأَلقوا حركتَها على الحاءِ فقالوا : استَحَيْتُ كما قالوا : استبعتُ قالَ سيبويه : حذفتْ لإلتقاءِ الساكنين قالَ : وإنّما فعلوا ذلكَ حيث كَثُرَ في كلامِهم
قالَ المازني : لم تحذف لإلتقاءِ الساكنينِ ولو كانت حذفتْ لإلتقاءِ الساكنينِ لردَّها إذَا قالَ : ( هُوَ يفعلُ ) فَيقولُ : هُوَ يستحي . فاعلم
والذي عندي في ذلكَ : أَنَّها حذفتْ استثقالا لمَّا دخلتْ عليها الزوائدُ السينُ والتاءُ وقولُ المازني في هَذا عندي أَقربُ وقولُهم للإثنينِ استَحيا دليلٌ علَى أَنَّهُ لم تحذفْ لإلتقاءِ الساكنينِ ولو ردوا في يَسْتَحي فجعلوهُ مثلُ يستبيعُ علَى ما قاَل سيبويه لوجب أَن يقالُ : يَسْتَحيُّ والأفعالُ المضارعةُ إذَا كانَ آخرُها معتلا لم يدخلُوا الرفعَ في شيءٍ مِن الكلامِ وهَذا أَصلٌ مطردٌ فيها ولهذَا قيلَ : يُحيُ ولم تحذفِ الياءُ الأخيرةُ ولو وقعَ مثلُ هَذا في الأسماءِ لحذفتِ كما حذَفوا في تصغيرَ عَطَاءٍ وأَحْوَى فقالوا : عُطيٌّ وأُحيٌّ لأَنَّ الأَسماءَ قد تعربُ إذا أَعللتَ أَواخرَها فأَمَّا قولهم : يُحيى فإنَّما جازَ ذلكَ فيهِ مُحييٌّ وهوَ اسمٌ لأَنَّهُ اسمُ فَاعلٍ جَاءَ على فعلِه فحكمُهُ حكمُهُ لأَنَّ الأَسماءَ الجاريَة على أَفعالِها تعتلُّ باعتلالِها فَمُحيٌّ نظيرُ يُحيي فهذَا فَرْقٌ بينَهما وفيهِ لطْفٌ
واعلم : أَنَّ افعَاللْتُ مِنْ رميتُ بمنزلةِ أَحييتُ في الإِدغامِ والبيانِ والخَفاءِ وهيَ متحركةٌ تقولُ : ارماييتُ فيلزمُها ما يلزمُ ياءَ أحييتُ وكذلكَ
افعللَتُ وتقولُ : ارْمَويَّ في هَذا المكانِ كما قلتَ : حُيَّ وَأُحِيَّ فيهِ لأَنَّ الفتحة لازمةٌ ولا تقلبُ الواوُ ياءً لأَنَّها كواو سُوَيرً وهيَ زائدةٌ لا تلزمُ وتكونُ أَلفاً في سَائرٍ
ومَنْ قالَ : أُحِييَ فيها قَال : أَرمينيِ أَرْمُوبَي فيها
وافْعَلَلتُ مِنْ حَييتُ بمنزلتِها مِنْ رَمَيْتُ فافْعَلَلتُ بمنزلةِ ارمَيَيْتُ إلاَّ أَنهُ يدركُها مِنَ الإِدغامِ مثلُ ما يدركُ اقتَتَلتُ وتبينُ كما تَبينُ لأَنهما ياءانِ في وسطِ الكلمةِ كالتاءين في وَسطِها ولكَ أَن تخفيَ كَما تخفي في التاءين لا فَرْقَ بينهما في ذلك وإنّما منعهم أَنْ يجعلوا اقتتلوا مثلَ رددتُ فيلزمهُ الإِدغامُ أَنَّهُ في وسطِ الحرفِ وسنبينُ ذلكَ في الإِدغامِ إِنْ شاءَ الله
قالَ سيبويه : سألتُه يعني الخليلَ عن قولِهم : مَعَايَا فَقالَ : الوجهُ مَعاي وهوَ المطردُ وكذلكَ قَالَ يونس وإنَّما قالوا : مَعَايا كَما قالوا : مَدارَىً وكانتِ الكسرةُ معَ الياءِ أثقلُ
الثاني : العَيْنُ :
الألفُ تبدلُ مِنَ الياءِ والواوِ إذا كانَتا عينينِ وكانَتا متحركتينِ وقبلَهما فتحةٌ كاللامِ لا فَرقَ بينَهما وذلكَ نحو : قالَ وبَاعَ وخَافَ والأَسماءُ نحو : بَابٍ ودَارٍ ونَابٍ فالواوُ والياءُ تقلبُ في جميع ذلكَ لأَنَّهما متحركتانِ قبلهما فتحةٌ فهذاَ يعودُ مستقصىً في بابِ إبدالِ الألفِ مِنَ الواوِ وهيَ عينٌ وقالوا : العابُ يريدونَ : العيبَ فهؤلاءِ بنوهَا على فَعْلٍ وقالوا : أَحالَ البئرُ وحَوْلَها قالَ الجرمي : فأبدلوا الألفَ من الواوِ . وليسَ
الأَمرُ عندي كمَا قالَ ولكنَّهما لغتانِ لأَنَّ الواوَ في هَذا الموضعِ لا يجبُ أَن تقلبَ . وقالوا : مَاتَ فأَبدلوا الأَلفَ مِنَ الواوِ
الثالثُ : إبدالُها مِنَ الفاءِ :
منهم مَنْ يقولُ في يَئِسَ ويَبِسَ . ياتئِسُ وياتَبِسُ فأَبدلوا مِنَ الياءِ الفاءَ
الضربُ الثاني : إبدالُ الألفِ مِنَ الواوِ :
تبدلُ الواوُ لاماً وعيناً وفاءً
الأول : تبدلُ الواوُ لاماً نحو : غَزوتُ إذَا أَوقعتَها موقعاً تتحركُ فيهِ نحو : ضَرَبَ قلتَ : غَزَا فقلبتَ الواوَ ألفاً لأَنَّها في موضعِ حرفٍ متحركٍ وقبلها متحركٌ يَفعلُ فيهِ يلزمهُ يَفعُلُ لِتصحَّ الواوُ فتقولُ : يَغزُو وفعلتُ يدخلُ عليها نحو : شَقيتُ وهو من الشقوةِ وأَمَّا فَعُلَ فيكونُ في الواوِ نحو : سَرُوَ ويَسرُو والدَّوداةُ والشوشاةُ والأصلُ : دودةٌ فقلبتْ وهَذَا مضاعفٌ كالقَمقامِ والمَوْمَاة مثلهُ بمنزلةِ المَرْمَرِ ولا تجعل الميمَ زائدةً
قالِ سيبويه : لا تجعلْها بمنزلةِ تَمَسكنَ لأَنَّ ما جاءَ هكذَا والأولُ مِن نفسِ الحرفِ هوَ الكلامُ الكثيرُ ولا تكادُ تجد في هَذا الضَّرب الميمَ زائدةً وأَمّا قولُهم : الفَيفَاةُ فالأَلفُ زائدةٌ لأَنَّهم يقولونَ الفَيفُ في هَذا
المعنى وأَمَّا القِيقاءُ والزِّيزاءُ فهو ( فِعْلاَء ) ملحقٌ بِسرداحٍ لأَنهُ لا يكونُ في الكلامِ مثلُ القِلقالِ إلاّ مصدراً
إبدالُ الألفِ مِن الواوِ وهيَ عَيْنٌ :
الأولُ : ما الواو فيه والياءُ ثانية وَهما في موضعِ العينِ في الفِعْلِ : فَعُلَ وفَعِلَ وفُعُلَ تبدلُ في جميع هذا الإلِفُ مِنَ الياءِ والواوِ وذلكَ قولُهم : قالَ وهوَ فَعَلَ مِنَ القَولِ وخَافَ فَعِلَ مِنَ الخوفِ
وطَالَ فَعُلَ مِنَ الطولِ يدلُّكَ على ذلكَ طُلْتُ وطَويلٌ والياءُ في هَذا كالواوِ
الثاني : ما الواوُ فيهِ ثانيةٌ وهيَ في موضعِ العينِ في الإسمِ :
اعلَم : أَنَّهُ ما جاءَ مِنَ الأسماءِ وساقٍ وزنِ الفعلِ المعتلِّ أُعلَّ وما خالفَ منها بناءَ الفعلِ صَحَّ فالمعتلُّ نحو : بَابٍ ودَارٍ وساق لأَنَّ ذلكَ علَى مثالِ الأَفعالِ ورُبّما جَاءَ على الأَصلِ في الإسمِ نحو : القَوَدِ والحَوكَةِ والخَوَنةِ والجَوَرةِ وكذلك : ( فَعِلٌ ) وذلكَ خِفْتُ ورَجلٌ خَافٌ ومُلْتُ ورَجلٌ مالٌ ويومٌ راحٌ وقَد جاءَ على الأَصلِ قالوا : رَجُلٌ رَوِعٌ وحَوِلٌ وأَمَّا فَعُلٌ فَلَم يجيئوا بهِ علَى الأَصلِ كَراهيةً
للضمةِ في الواوِ ولِما يصيرونَ إليهِ مِنَ الإِسكانِ والهمزِ وفُعَلٌ في كلامِهم نَحو طَالَ ويدلَّكَ على أَنَّهُ فُعَلٌ قولُهم : طُلْتُ وطويلٌ وفُعَلٌ على الأَصلِ لأَنَّهُ لا يكونُ فعلاً معتلاًّ فيجري عَلى فِعْلهِ وما لَم يكنْ لَهُ مثالٌ في الفعلِ قَد أَعلَّ لم يعلَّ وذلكَ قولُهم : رَجُلٌ نُوَمٌ وسُوَلَةٌ وَلُوَمَةٌ وعُيَبةٌ وكذلكَ إنْ أَردتَ نحو : إبِلٍ قلتَ : قِوِلٌ ومِنَ البيعِ بِيعٌ فَأَمَّا ( فُعُلٌ ) فإنَّ الواوَ تسكنُ لإجتماعِ الضمتينِ والواوِ وذلكَ قولُهم : عَوَانٌ وعُوْنٌ ونَوَارٌ ونُوْرٌ وقَووُلٌ : قُوْلٌ وأَلزموا هَذَا الإِسكانَ إذْ كانوا يسكنونَ ( رُسْلٌ ) ولم يكن لأَدْؤُرٍ وقَؤُولٍ مثالٌ مِنْ غيرِ المعتلِّ يُسكنُ فيُشبه هَذَا بِهِ ويجوزُ تثقيلُ فَعُلٌ في الشعرِ وفُعُلٌ في بنَاتِ الياءِ بمنزلةِ غيرِ المعتلِ نحو : غَيُورٍ وغُيُرٍ ودَجَاجٍ بُيُضٍ ومَنْ قالَ : رُسْلٌ قالَ : بِيْضٌ
قالَ الأَخفشُ : أَقولُ في فُعلةٍ مِنَ البيعِ : بُوعةٌ ولا أُغيرُ إلاّ في الجمعِ وهوَ مذهبُ أَبي العباسِ
إبدالُ الهاءِ مِنَ الواوِ وهيَ فَاءٌ :
ذكرَ سيبويه في : وَجِلَ يَوْجَلُ أَربَع لغاتٍ فأَجودهنَّ وأكثرهنَّ يَوْجَلُ وهيَ الأَصلُ قالَ الله عزَ وجَلَ : ( لا تَوْجَلُ إنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ )
ويقولُ قَومٌ : أَنْتَ تَيجِلُ فيكسرونَ التاءَ ويقلبونَ الواوَ ياءً
لإنكسارِ ما قبلَها وهيَ لغةُ تميمٍ وعامةٍ قيسٍ ومِنَ العربِ مَنْ يكرهُ الياءَ معَ الواوِ فيقلبُ الواوَ فيقولُ : يَاجَلٌ وهيَ لغةٌ معروفةٌ وقومٌ مِنَ العرب يكسرونَ الياءَ فيقولونَ : هو يِيجَلُ فيكسرونَ الياءَ فتنقلبُ الواوُ ياءً وليسَ ذلكَ بالمعروفِ
الضربُ الثَّالثُ : إبدالُ الألفِ مِنَ النونِ :
الأَلفُ : تبدلُ مِنَ النونِ الخفيفةِ في ثلاثةِ مواضع : أَحدها : التنوينُ في الصرفِ في الإسمِ المنصوبِ تقولُ : رأيتُ زيدا إذا وقفتَ فإذَا وصلتَ جعلتَها نوناً وإذا وقفتَ جعلتَها أَلفاً
والثاني : النونُ الخفيفةُ في الفعلِ إذَا انفتَح ما قبلَها في قولِكَ : اضربَنْ زيداً بالنونِ الخفيفةِ فإذَا وقفتَ قلتَ اضربا
والثالث : قولُكَ : إذن آتيكَ فإذَا وقفتَ قلتَ : إذا . قالَ اللَّهُ عَزَ وَجلَّ . ( وإذَنْ لا يَلْبَثُونَ خَلْفَكَ إلاَّ قليلاً ) إذَا وقفتَ عليها قلتَ :
إبدالُ الياءِ مِنَ الواوِ :
إبدالُها مِنَ اللاماتِ في ( شقيتُ ) وهيَ متحركةٌ مفتوحةٌ وقبلَها كسرةٌ والواوُ إذا كانَ قبلهَا حرفٌ مضمومٌ في الإسمِ وكانتْ حرف الإِعرابِ
قلبت ياءً وكُسِرَ المضمومُ وذلكَ قولُهم : دَلْوٌ وأَدْلٍ وحَقْوٌ وأَحْقٍ كانَ الأَصلُ : أَدْلُوٌ وأَحْقُوٌ قلبتِ الواوُ ياءً فإنْ كانَ قبلَ الواوِ ضمةُ ولَم يكنْ حرف الإِعرابِ ثبتت وذلَكَ نحو : عُنْفوانٍ وقَمَحْدوةٍ وقالوا : قَلَنْسوةٍ فأَثبتوا ثُمَ قالوا : قَلَنْسٍ فأَبدلوا لما صارتْ طرفاً وقبلهَا ضمةٌ وإِذا كانَ قبلَ الياءِ والواوِ حرفٌ ساكنُ جرتا مجَرى غيرِ المعتلِ وذلكَ نحو : ظَبْيٍ ودَلْوٍ ومِنْ ثُمَ قَالوا : مَغْزوٌ وعُثوُّ لأَنَّ قبلَ الواوِ ساكناً وقالوا : عُتِيٌّ ومَغْزِيٌّ شبهوَها حينَ كانَ قبلهَا حرفٌ مضمومٌ ولم يكنْ بيَنهما إلاّ حَرفٌ ساكنُ بأدلٍ والوجهُ في هَذا النحو الواوُ والأُخرى عربيّةٌ كثيرةٌ فإنْ جَاءَ مثلُ هَذا الواوِ في جمعٍ فالوجهُ الياءُ وذلكَ قولُهم : في جمع ثَديٍ : ثُديٌّ وعُصِيٌّ وحِقيٌّ
وقالَ بعضُهم : إنَّكم لتنظرونَ في نحوٍ كثيرةٍ فشبهوهَا : بعُتوٍّ وهذَا قليلٌ وأَلزم الجمع الياءَ لأَنَّهم يقولُون في : صُوّمٍ : صُيَّمٌ وهوَ أَبعدُ مِنَ الطرفِ
فكانَ هَذا أَوجبُ . وقَد يكسرونَ أَولَ الحرفِ لِمَا بعدَهُ مِنَ الكسرِ والياءِ وهيَ لغةٌ جيدةٌ وذلكَ قولُهم : عِصِيٌّ وثِدِيٌّ وعِتِيٌّ وجِثِيٌّ وقَدْ أبدلتِ الياءَ مِنَ الواوِ استثقالاً من غيرِ شيءٍ مما تقدمَ فقَالَ الشاعرُ :
( وَقَدْ عَلَمْت عِرْس مُلَيكةُ أَنَّني ... أَنَا الليثُ معدياً عليهِ وعَاديا )
وقالوا : يسنُوها المطرُ وهيَ أَرضٌ مسنيةٌ وقالوا : مَرضِيٌّ وأَصلُه الواوُ وقالوا : مَرْضُوٌّ فجاءوا بهِ علَى الأصلِ والقياس
وهذهِ الواوُ إذَا كانتْ لاماً وقبلَها كسرةٌ قلبتْ ياءً وذلكَ نحو : غَازٍ وغُزِيَ
قالَ سيبويه : وسأَلتهُ يعني الخليلَ عن غُزِيَ وشِقَيَ إذَا خففَ في قولِ مَنْ قالَ : عُلْمَ ذاكَ وعُصْرَ في عُصِرَ فقالَ : إِذَا فعلتُ ذلكَ تركتَها ياءً على حالِها لأَني إنَّما خففتُ ما قدَ لزمتهُ الياءُ وإنَّما أَصلُها التحريكُ وقلبُ الواوِ أَلاَ تراهم قَالوا : لَقَضُوَ الرجلُ ولقضْوَ
قالَ : وسأَلتُهُ عَنْ قولِ بعضِ العربِ : رَضيُوا فقالَ : هيَ بمنزلةِ : غُزْيٍ لأَنَّهُ أسكنَ العينَ ولو كسرَها لحذفَ لأَنهُ لا يلتقي ساكنان حيثُ كانت لا تدخلُها الضمةُ وقبلَها الكسرةُ والواو كذلكَ تقولُ : سرْوُوا علَى الإِسكان وسَرُوا على إثبات الحركةِ وفُعْلَى مِنْ بناتِ الواوِ إذَا كانتْ اسماً فالياءُ مبدلةٌ مِنَ الواوِ وذلكَ قولُكَ : الدُّنيا والعُلْيا والقُصْيَا
وقَدْ قالوا : القُصْوَى فأَجروها على الأَصلِ لأَنَّها قد تكونُ صفةً بالألفِ واللامِ وهيَ مِنْ : دنوتُ وعلوتُ يقولونَ : قَضَا يَقْضُو وهوَ قَاضٍ ويجري ( فُعْلَى ) من بناتِ الياءِ على الأَصلِ اسماً وصفةً
وأَمَّا فِعْلَى منهما فَعَلى الأَصلِ صفةً واسماً يجريهما على القياسِ لأَنَّه أوثقُ ما لم تتبينُ تغيراً منهم
إبدالُ الياءِ مِنَ الواوِ :
تقلبُ الواوُ ياءً في شَقيتُ وغَبيتُ لإنكسارِ ما قبلهما فإذا قالوا : يَشْقَى ويَغْبَى قلبوها ألفاً لإنفتاح ما قبلَها وإذَا قالوا : يَشْقَيانِ ويَغْبَيانِ قلبوا الواوَ ياءً ليكونَ المضارعُ كالماضي وإذَا كانَ : فَعَلْتُ مع التاءِ علَى خمسةِ أحرفٍ فَصَاعداً وكانَ الفعلُ مِمّا لامهُ واوٌ قلبتْ ياءً وذلكَ قولُكَ : أَغزيتُ وغَازيتُ واسْتَرْشِيتُ وإنَّما فُعِلَ ذلكَ لأَنَّكَ إذَا قلتَ منهُ يَفْعَلُ انكسر ما قبلَ الواوِ فقلبتِ الواوُ ياءً لذلكَ ثمَّ اتبعَ الماضي المستقبلَ فإنْ قالَ قائلٌ : فَما بَالُ قولِهم : تَغازينَا ومستقبلُهُ يَتَغازى وما قبلَ اللامِ مفتوحٌ في الماضي والمستقبلِ قيلَ لَهُ : إنَّ الأَصلَ كانَ قبلَ دخولِ التاءِ في ( تَغازينَا ) غَازيناَ نَغازي ( فَاعِل ) غَازي مِنْ أَجلِ اعتلالِ ( يغُازي ) ثُم دخلتِ التاءُ بعدَ أَنْ وجبَ البدلُ ومِنْ ذلكَ قولُهم : ضَوضَيتُ وقَوْقَيتُ الياءُ مبدلةٌ مِنْ واوِ لأَنَّهُ بمنزلةِ : صَعْصَعتُ تكررتْ فيهِ الفاءُ والعينُ ولكنَّهم أَبدلوا الواوَ إِذْ كانتْ رابعةً ياءً والمضاعفُ من بنَاتِ الواوِ
مِمّا عينهُ ولامهُ واوانِ لا يثبتانِ في ( فِعْلٍ ) ويلزمانِ في الماضي اَنْ يُبنَيا على ( فَعِلٍ ) حتَى تنقلبَ الواوُ التي هي لامٌ ياءً وذلكَ قولُهم : مِنَ القوةِ : قويتُ ومِنَ الحوةِ : حويتُ وقَويَ وحَوِيَ ولم يقولوا : قَدْ قَوَّ كما قَالوا ( حَيَّ ) لأَنَّ العينَ في الأصلِ قالبةٌ الواوَ الآخرةَ إلى الياءِ وليسَ قَوِيَ مثلُ : حَيِيّ لأَنَّ العينَ واللام في ( قَوِيَ ) قد اختلفا وإنّما الإِدغامُ بإتفاقِهما ولم يقولوا : قووتَ تَقْوُو كما قالوا : غَزَوْتَ تَغَزوُ استثقالاً للواوينِ وقالوا : قُوَّةٌ لأَنَّ اللسانَ يرتفعُ رفعةً واحدةً فجازَ هَذا كما قالوا : سَأَلٌ : لمَّا كانَ اللسانُ يرتفعُ رفعةً واحدةً والهمزةُ أَثقلُ مِنَ الواوِ
وافْعَلَلتُ وافْعَالَلتُ مِنْ غَزوتُ اغزويتُ واغَزاويتُ لا يقعُ فيهما الإِدغامُ ولا الإِخفاءُ حتَى لا يلتقي حرفانِ من موضعٍ واحدٍ وإنَّما وقعَ الإِدغامُ والإِخفاءُ في بابِ : حَيِيتُ لأَنَّهما ياءانِ فاغزويتُ مثلُ : ارْعَويتُ وثبتتِ الواوُ الأولى ولَم تحولْ أَلفاً وإنْ كانتْ متحركة وقبلَها فتحةٌ من أَجلِ سكونِ ما بعدَها وأَنَّهُ إذا كانتِ العينُ واللامُ مِنْ حروفِ العلةِ أُعلتِ اللامُ وصحتِ العينُ وإنَّما الواوُ هُنا بمنزلة نَزَوانٍ وافْعَالَلتُ مِنَ الواوينِ بمنزلةِ غَزَوتُ وذَلكَ قَولُ العَربِ : قَدْ احواوتِ الشاةُ واحواويتُ والمصدرُ احويَّاء
وتقول : احْوويتُ فتثبتُ الواوانِ وسطاً
كالياءينِ ويجري احوويتُ علَى : اقتتلتُ في البيانِ والإِدغامِ والإِخفاءِ وَتقولُ في ( فُعْلٍ ) مِنْ شَويتُ : شِيءٌّ قلبتِ الواوُ ياءً حينَ كانتْ ساكنةً بعدَها ياءٌ وكسرتِ الشينُ كراهيةَ الضمةِ معَ الياءِ كما تكرهُ الواوُ الساكنةُ وبعدَها ياءٌ وكذلكَ فعْلٌ ( مِنْ ) ( حَيِيتُ ) حِيٌّ
وقَدْ ضَمَّ بعضُ العربِ الأولَ ولم يجعلْهَا كَبِيضٍ لأَنَّهُ حينَ أدغَم ذَهبَ المَدُّ أَلا تَرى أَنَّ ما لا يعربُ مِنَ الياءِ والواوِ إِذا كانتا لامينِ متَى وقَع فيهما إدغامٌ وجبَ الإِعرابُ لأَنَّ الحرفَ إِذَا شُدِّدَ قَوِيَ وَصار بمنزلةِ الصحيحِ وكانَ بمنزلةِ الياءِ والواوِ اللتينِ قَبْلَهما ساكنُ ولَو كانت : ( حُيٌّ ) في قافيةِ معَ ( عُمْيٍ ) لجازَ وقَالوا : قَرْنٌ أَلْوى وقُرونٌ لُيٌّ
قالَ سيبويه : ومثلُ ذلكَ قولُهم : رِيَّا وَرِيَّةٌ حيثُ قلبوا الواوَ المبدلةَ مِنَ الهمزةِ فجعلوها كواوِ ( شَويتُ ) يريدُ : رُوْيَاً وَرُوية وقَد قالَ بعضُهم : رُيَّا وَرِيَّةٌ كما قالوا : لُيٌّ ومَنْ قالَ : رُيَّةٌ قالَ في ( فُعْلٍ ) مِنْ ( وَأَيْتُ ) فِيمَنْ تركَ الهمزةَ : وُيٌّ : يَدعُ الواوَ الأُولى علَى حالِها لأَنهُ لم يلتقِ واوانِ إلاّ في قولِ مَنْ قَالَ : أُعِدَّ في وَعَدَ هذَا قولُ سيبويه
وقالَ أبو العباس : هذَا غَلطٌ لأَنَّ الذي يقولُ : وُيٌّ ينوي الهمزةَ فكيفَ يَفرٌّ مِنَ الهمزِ الذي هُوَ الأَصلُ ويأتي بغيرِ الأصلِ ومَنْ قالَ : رِيّاً
فكسَر الرَاءَ قالَ : وِيُّ فكسرَ الواَوَ وأَبدلوا الياءَ مِنَ الواوِ في قولِكَ : هَذا أَبوكَ وأَخوكَ ثُم قالوا : مررتُ بأَخيكَ وأَبيكَ وكذلكَ : مسلمونَ إذَا قلتَ : مررتُ بمسلمينَ
إبدالُ الياءِ مِنَ الألفِ :
حاحيتُ وعَاعيتُ وهاهيتُ قالَ سيبويه : أَبدلوا الألفَ لشبههِا بالياءِ ويدلُّكَ على أَنَّها لَيْسَت فَاعَلْتُ قولُهم : الحِيحاءُ والعِيعاءُ كَما قالوا : السِّرهَافُ والحَاحَاةُ والهَاهَاةُ فأُجرِي مَجرى : دَعْدعتُ إذْ كُنَّ للتصويتِ كمَا أَنْ دَهدَيْتُ هيَ فيما زَعم الخليلُ : دهْدَهتُ وتبدلُ الياءُ مِنَ الألفِ في قولِكَ : هذانِ رجلانِ ثُم تقولُ : رأيتُ رجلينِ ومررتُ برجلينِ وتبدلُ مِنَ الأَلفِ في ( قِرْطَاسٍ ) إذْا صغرتَ أَو جمعتَ ( قلتَ ) قَراطيسُ وقُرَيطيسٌ وتبدلُ في لغةِ بَعْضِ العربِ طِيىء وغيرِهم يَقولونَ : أَفْعَىً وحُبْلىً
إبدالُ الياءِ مِنَ الواوش وهيَ فاءٌ :
وذلكَ مِيزانٌ ومِيقاتُ وَهْوَ مِنَ الوقتِ والوزنِ ولكنَّهم قَلبوا الواوَ ياءً لإنكسارِ ما قبلَها
إبدالُ الياءِ مِنَ الواوِ وهيَ عينٌ :
تُبدلُ في ( فُعِلَ ) مِنَ القولِ والخَوفِ فيقولونَ : قَدْ خِيفَ وقَدْ قِيلَ
وقَدْ ذكرَ في موضعهِ وتبدلُ مدغمةً في : سَيِّدٍ ومَيِّتٍ والأَصِلُ : فَيْعِلٌ وَهْوَ مِنَ الموتِ والسُوددِ ولكن كلمَّا التقتْ واوٌ وياءٌ وسكنَ الأولُ مِنْهما قَلَبوا الواوَ ياءً وأدْغَموا الياءَ في الياءِ وأَكثرُ الكلامِ عَلَى هذَا إِلاّ أَحرفاً شاذةً
وقَالوا : لَوَيْتُ لَيَّةً وَليّاً وطويتُ طَيَّاً والأَصلُ : لَوَيْتُ لَوْيَةً ولَوْياً وطَويتُ طَوْياً ولكنْ لما سكنتِ الواوُ وبعدَها الياءُ قلبوها ياءً وأَدغموها في الياءِ وليسَ في الصحيحِ : ( فَيْعِلٌ ) ولكنْ قَد يخصونَ المعتلَّ ببناءٍ ليسَ في الصحيحِ كما قالوا : كَينونةٌ وقَيدُودةٌ وإنَّما هو مِنْ : قَادَ يَقودُ فأَصلُها : فَيْعَلولٌ وليسَ في غيرِ المعتلِّ : فَيْعلولٌ مَصدرٌ فَيْعَلُولةٌ . وقُضاةٌ لَيْسَ في جمعِ الصحيحِ مثلُه ولَو أَرادوا : ( فَيْعَلاً ) لقَالوا : سَيّدٌ كما قَالوا : تَيّحانٌ وهيَّبانٌ ومِما قَلبوا فيهِ الواوَ ياءً : دَيَّارٌ وقيَّامٌ وإنَّما كانَ الحدُّ : قَيْوَامٌ وقَالوا : قَيُّومٌ ودَيُّورٌ والأَصلُ : دَيْوُورٌ : وأَمَّا : زَيَّلتُ فَفَعَّلتُ مِنْ : زَايلتُ وزِلْتُ ولَو كانَتْ زَيَّلتُ فَيْعَلتُ : لقلتَ في المصدرِ : زَيَّلةٌ ولَمْ تقلْ : تَزييلاً وأَمَّا تحيزتُ فَتَفيْعَلْتُ مِنْ : حُزْتُ : والتحيُّزُ : التَّفَيعُلُ
إبدالهُما مِنَ الواوِ الزائدةِ :
وتبدلُ الياءُ مِنَ الواوِ في : بَهْلُولٍ وكُردوسٍ إذَا صغرتَهما أَو جمعتَهما تقولُ في التصغيرِ : بُهَيلِيلٌ وكُرِيدِيسٌ وفي الجمعِ : بَهاليلُ وكَرَاديسُ ومِنْ ذلكَ : مَقْصِيٌّ ومَرْمِيٌّ إنَّما هُوَ مَفْعولٌ وكانَ القياسُ أَنْ تقولَ : مَقْصَويٌّ ومَرْمويٌّ ولكنْ لما سكنتِ الواوُ بعدَها الياءُ قلبوها ياءً وأدغموها فِيها وكذلكَ إذَا قلتَ : هذهِ عشروكَ وعِشِريّ إنَّما قلبتَ الواوَ ياءً للياءِ التي بعدَها قَالَ : وسألتُ الخليلَ عِنْ : سُوَيرٍ وبُويَعِ ما مَنَعهم مِنْ أَن يقلبوا الواوَ ياءً فقالَ : لأَنَّها لَيْستْ بأَصلٍ وكذلكَ : تُفُوِعلَ نحو : تُبُويِعَ لأَنَّ الأَصلَ الألفُ ومثلُه : رُويةٌ وَرُوْيا غَيرُ مهموزٍ لَم يَقلبُوا لأَنَّ الأَصلَ الهمزُ وقالَ بعضُهم رُيَّا ورُوْيَا قَالَ : ولا يكونُ هذَا في : سُويرٍ وتُبُوِيعَ لأنَّ الواوَ بَدلٌ مِنَ الألفِ فأَرادوا أَن يمدوا نحو وَاوِ سُويرٍ واوَ ديوانٍ لأَنَّ الياء بدلٌ مِنَ الواوِ
إبدالُ الياءِ مِنَ المدغمِ عيناً :
وذلكَ قولُهم : ديِنَارٌ وقِيراطٌ والأَصلُ : دِنَّارٌ وقِرَّاطٌ يَدلُّ علَى ذلكَ جمعُهم إياهُ دَنانيرُ وقَرَاريطُ والتصغيرُ دُنَينيرٌ وقُريرِيطٌ فأَبدلوا
الأُولى ياءً . وكلهم يقولُ في ( دِيوانٍ ) دَوَاوينُ في الجمع ودُيَوينٌ في التصغيرِ فقلبتِ الواوُ ياءً للكسرةِ
إبدالُ الياءِ مِنَ الواوِ تشبيهاً بمَا يوجبُ القلبَ :
مِنْ ذلكَ قولهُم : حَالتْ حِيَالاً وقُمْتُ قِيامَاً
قالَ سيبويه : قلبوهَا لإعتلالِها في الفعلِ وإنَّ قبلَها كسرة وبعدَها حرفٌ يشبهُ الياءَ يعني الألفَ قالَ ومثلُ ذلكَ : سَوْطٌ وسِيَاطٌ لمّا كانتِ الواوُ ساكنةً فأَمَّا ما كانَ قَد قُلبَ في الواحدِ فإنَّه لا يثبتُ في الجمعِ إذَا كانَ قبلهُ الكسرُ وذلكَ قولهُ : دِيمةٌ ودِيَمٌ وحِيلَةٌ وحِيَلٌ وقَامةٌ وقِيَمٌ وَدَارٌ ودِيَارٌ وهذَا أَجدرُ إذَا كانتْ بعدَها الألفُ استثقلوا الواوَ بعدَ الكسرةِ
فجميعُ هذَا لم يعلَّ للكسرةِ التي قبلَهُ فَقَطْ لأَنَّ الكسرةَ إنَّما تقلبُ الواوَ ياءً إذَا كانتِ الواوُ ساكنةً ولكنَّ هذهِ الواوَ ضَارعتِ الواوَ الساكنةَ باعتلالها في الواحدِ فأَعلوها في الجميع فإنْ لم تعتلَّ في الواحِد لم تعلَّ في الجميعِ وذلكَ قولُهم : كُوزٌ وكِوَزةٌ وَعُودٌ وعِوَدةٌ وَثَورٌ وثِوَرةٌ وقَدْ قالوا : ثِيَرةٌ . قلبوها حيثُ كانَتْ بعدَ كسرةٍ وهَذا شاذٌّ والفرقُ بينَهُ وبينَ : سَوطٍ وسِيَاطٍ أَنَّ بعدَ الياءِ في ( سِيَاطٍ ) أَلفاً وهوَ حرفٌ يقربُ مِنَ الياءِ
وقالَ أبو العباس : هؤلاءِ إِنما قالوا : ثِيَرةٌ ليفرقوُا بينَ : ثَورِ الأقطِ
وثَورٍ مِنَ البقرِ وقالَ : بَنَوْهُ علَى فَعْلَةٍ ثُمَ حركوهُ فصارَ ثِيَرةً ومِمّا أُجري مَجرى ( حِيَالاً ) : اجتزتُ اجْتيازاً وانقدتُ انقياداً فأَمَّا قولُهم : جِوَارٌ فلصحتِه في الفعلِ قالوا : جَاورتُ وقَدْ قلبوا الواوَ ياءً في ( فُعَّلٍ ) وذلكَ : صُيَّمٌ في ( صُوَّمٍ ) وفي قُوَّلٍ : قُيَّلٌ : وفي قُيّمٌ قٌوّمٌ شبهوها بِعُتُوٍّ وعُتِيٍّ كما قالوا : جُثُوٌّ
وفُعُولٌ إذَا كانتْ جمعاً فحقُّها القلبُ نحو : عَاتٍ وعُتِيٍّ وإذَا كانَ مصدراً فحقهُ التصحيحُ لأَنَّ الجمعَ أَثقلُ عندَهم مِنَ الواحدِ أَلا تَراهم قالوا : في جمعِ أَبيضَ : بِيضٌ وكانَ القياسُ : بُوْضٌ لأَنَّهُ فُعْلٌ : يَدلُّكَ علَى ذلكَ قولُهم : أَحمرُ حُمْرٌ ولكنَّهم أَبدلوا الضمَة كَسرةً لتصحَّ الياءُ التي كانتْ في الأَصلِ ولئلا يخرجوا مِنَ الآخفِّ إلى الأَثقلِ في الجمعِ وهَوَ أَثْقَلُ مِنَ الواحدِ عندَهم فَيجتمعَ ثقلانِ وقالُوا أَيضاً : صِيَّمٌ ونِيَّمٌ كما قالوا : عِتيٌّ فكسَروا ليؤكدوا البدلَ
ولم يقلبوا في : زُوّارٍ وصُوَّامٍ لبعدِها مِنَ الطرفِ فأَمَّا طَويلٌ وطِوَالٌ فصحَّ في الجمعِ كما صحَّ في الواحِد . أَما فَعَلانٌ وفَعَلَى فنحو : جَوَلانٍ وحَيدانٍ وحَيَدى فأَخرجوهُ بهذهِ الزيادِة مِنْ مِثالِ الفِعْلِ الذي يعتلُّ فأشبهَ عنَدهم ما صححَ لأَنَّهُ جَاءَ على غيرِ مثالِ الفعِل المعتل نحو : الحِوَلِ والغِيَرِ وكذلكَ فِعَلاءُ نحو : السيَراءِ وَفُعَلاَءُ : نحو : القُوَباءِ والخُيَلاءِ وقَد وكذلكَ فِعَلاءُ نحو : السيَراءِ وَفُعَلاَءُ : نحو : القُوَباءِ والخُيَلاءِ وقَد أَعلَّ بعضُهم : فَعَلان وَفَعَلَى كمَا أْعلَّ ما لا زيادةَ فيهِ جَعلُوا الزيادةَ
بمنزلة الهاءِ وذلكَ قولُهم : دَارانٌ وهَامَانٌ وليسَ ذا بالمطردِ وأَمَّا فُعَلَى وفِعَلَى فلا تدخلُه العلةُ كما لا تدخُل : فُعَلاَءُ وفِعَلاءَ
إبدالُ الواوِ مِنَ الياءِ :
الواوُ تبدلُ مِنَ الياءِ إذَا سكنتْ وانضم ما قبلَها نحو : مُوقِنٍ ومُوسِرٍ كانَ الأَصلُ : مُيقنٌ ومُيسرٌ فأبدلتْ واواً مِنْ أَجلِ الضمةِ وَيَا زيدٌ وَإسْ وقالَ بعضُهم : يَا زيدٌ بْئَسْ شَبههُ بقُيلَ وقرأَ أَبو عمروٍ : ( يَا صَالِحُ يتِنا ) جعل الهمزةَ ياءً ثُمَّ لم يقلبْها واواً ولم يقولوا : هذَا في الحرفِ الذي ليسَ منفصلاً وهيَ لغةٌ ضعيفةٌ وتبدلُ مِنَ الياءِ في النسبِ إذا نسبتَ إلى ندَا ورَحَا : نَدَوِيٌّ ورَوحوِيُّ وإلى غَنيٍّ : غَنَويٌّ وهذهِ الياءُ إنما تقلبُ أَلفاً ثُمَ تقلبُ واواً فالأَصلُ ياءٌ والتقديرُ قلبُها مِنَ الألفِ وقد ذكرتُ ذَا في النسبِ وتبدلُ الواوُ مِنَ الياءِ في ( فَعْلَى ) إذَا كانتْ اسماً والياءُ موضعُ اللامِ يقولونَ : لكَ شَرْوَى هذَا الثَّوبِ وإنَّما هيَ مِنْ : شَريتُ وتَقْوَى وإنِّما هيَ مِن التَّقيَّةِ وإنْ كانتْ صفةً تركوهُا علَى أَصلِها قالوا : امرأةٌ خَزْيَا وَرَيَّا ولَو كانتْ : رَيَّا اسماً لكانتْ : روَّا لأَنكَ كنتَ تبدلُ واواً موضعَ اللامِ وتثبت الواوَ التي هيَ عينُ فَعْلَى مِنَ الواوِ علَى الأصلِ
وذلكَ : شَهْوَى صفةٌ ودَعْوَى اسمٌ وأَبدلوها وهيَ عينٌ في فُعْلَى وذلكَ قولُهم : هذهِ الكُوسَى والطُّوبَى وَهْوَ مِنَ الكَيسِ والطِيبِ وإنَّما أَبدلوها للضمةِ قبلَها فإنْ كانتْ صفةً ليستْ فيها أَلفٌ ولامٌ ردوها إلى أَصلِها قالَ : ( تِلْكَ إذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى )
وذكرَ سيبويه : أَنَّها فُعْلَى وأَنَهُ لَيسَ في الكلامِ : فِعْلَى ( صفة ) وفي الكلامِ فُعْلَى صفةٌ مثلُ : حُبْلَى و ( فُعْلَى ) إذَا كانتْ فيها أَلفٌ ولامٌ استعملَ استعمالَ الأَسماء وإنْ كانتْ مشتقةً أَلاَ تَرَى أَنَّكَ تَقولُ الصَّغْرَى والكُبْرَى فَلا تحتاجُ أَنْ تقولَ : المرأةُ الصُّغْرَى وأَمّا : ( فَعْلَى ) فَعَلَى الأَصلِ في الواوِ والياءِ وذلكَ قولُهم : فَوْضَى وَعَيْثَى وفُعْلَى منْ قُلتُ علَى الأَصلِ كما كانت فَعْلَى من غَزَوْتُ على الأصل
وكأَنَّهم عَوضوا الواوَ في هذَا البابِ مِنْ كثرةِ دخولِ الياءِ عليها في غيرهِ وذَا قولُ سيبويه
إبدالُ الواوِ مكانَ الهمزةِ :
قَد ذكرنَا في بَابِ الهمزةِ ابدالَ الواوِ مِنَ الألفِ بَعضُ العَربِ يقولُ : هذهِ افْعُو وَحُبْلُو في الوقفِ وتبدلُ الواوُ مِنَ الألفِ إذَا كانتْ
ثانيةً زَائدةً في الجمعِ والتصغيرِ فتقولُ في : ضَاربةٍ ضُوَيربَةٌ وفي جمعِها : ضَوَاربُ وتبدلُ الواوُ مِنَ همزةِ التأنيثِ في النَّسَبِ والتثنيةِ والجمعِ فتقولُ : نَاقتانِ عُشَراوانِ وامرأتَانِ نُفَساوانِ وأَينقٌ عُشَراواتٌ ونِسَاءٌ نُفَساواتٌ وإذَا نسبوَا إلى : وَرقاءَ قالوا : وَرقَاوِيٌّ وأَبدلوها في موضعينِ بدلاً شاذاً وقالوا : في فِتيانٍ : هؤلاءِ فُتُوَّ كما تَرَى وأَنشدوا :
( في فُتُوٍّ أَنَا رَابئُهُمْ ... مِنْ كَلالِ غَزْوَةٍ مَاتُوا )
وقَالوا في المصدرِ : فُتُوَّةٌ فَهذا مِنَ الشاذِّ وقالوا في النَّسبِ : كِسَاوِيٌّ والهمز أَجودُ وقالوا : هذانِ عِلْبَاوانِ في تثنيةِ عِلْبَاءَ وهذهِ كثيرةٌ لأَنَّ الياءَ زائدةٌ في ( عِلْباءَ ) وإذَا قلتَ : ( فُعِلَ ) مِنْ فَاعَلَ قلتَ : فُوْعِلَ : فأبدلتَ مِنَ الأَلفِ واواً وذلكَ نحو : سُوَيرٍ هُوَ مِنْ سَائرٍ وكذلكَ بَايعَ وَبُوَيعَ
إبدالُ التاءِ : أَبدلوها مِنَ الواوِ والياءِ :
تبدلُ في موضعينِ مِنَ الواوِ والياءِ ومِنْ أَشياءٍ تَشذُّ إبدَالاً مطرداً وتُبدلُ مِنَ السين إبدالها مِنَ الواوِ تقلبُ التاءُ مِنَ الواوِ إذا كانتِ الواوُ في موضعِ الفاءِ قلباً مطرداً إذا قلتَ : افتَعلَ يقولونَ : اتَّعدَ واتَّزَنَ
يَتّزِنُ ويَتَّعِدُ وَهُم مُتَّزِنونَ ومُتَّعِدُونَ وكذلكَ الياءُ تقولُ افتَعلَ مِنْ يَأَسَ اتَّأَسَ فتقلبُ
وناسٌ يقولونَ : ايتعَدَ وقالوا : ياتَعدُ ومُوتعدٌ . وتقلب قلباً غيرَ مطردٍ في قولِهم : أَتهَمَ وأَتلجَ وأَولجَ أَكثرُهم يقولهُ . وأَمَّا أَتهَمَ فهوَ مِنَ الوَهمِ والظَنِّ يُقالُ : قَد أتهَمَ الرجلُ إذَا صارَ تظنُّ بهِ الرِّيبةُ ومثلُه : التُّخْمة وإنّما هوَ مِنَ ( الوخَامةِ ) ومثلُها : تُجَاهٌ وهيَ مِنْ : وَاجهتُ وكذلكَ تُرَاثٌ هيَ مِنْ : وَرِثتُ ورُبَّما أَبدلوا التاءَ إذا التقتِ الواوانِ وليسَ بمطردٍ قالوا : تَوْلَج
وزعمَ الخليلُ : أَنَّها فَوْعَل ولَم يجعلْهما تَفْعَلاً لأَنكَ لا تكادُ تجدُ في الأسماءِ تَفْعَلاً وفَوْعَلٌ كثيرٌ ومنهم مَنْ يقولُ : دَوْلَجٌ في تَوْلَج
إبدالُ التاءِ مِنَ الياءِ :
قال سيبويه : إذا قلتَ افْتَعلَ مِنَ اليبسِ قلتَ اتَّبَسَ يَتَّبِسُ اتبَاساً وهوَ مُتَّبِسٌ
قالَ الجرمي : والعربُ تقولُ في أيسارِ الجَزُورِ الذي يقتسمونها قد أتَّسَروُها يَتَّسرونَها اتِّساراً وهَذا أَكثرُ على أَلسنتِهم وبعضُهم يقول : ائتَسروُها يأتسِرونَها ائتِساراً وَهُم مُؤْتسرونَ
الشذوذُ :
يُبدلونَ التاءَ مِنَ السينِ والدالِ في قولِهم : سِتٌّ وكانَ الأَصلُ : ( سُدسٌ ) والدليلُ علَى ذلكَ إذَا جمعتَ قلتَ أَسداسٌ وإذَا صغرتَ قلتَ : سُدَيسةٌ ويقولونَ : غلامٌ سُدَاسيٌّ فإذَا زالتْ عن الموضعِ الذي قلَبوها فيهِ ردَوها إلى أَصلِها وأَبدلوا التاءَ مِنَ الواوِ في قولِهم : أَسنتُوا إذَا أَصابَتْهم السَنَةُ والجدوبةُ وإنَّما كانَ أَصلُها : أَسنَوا ولكنَّهم إذَا أَرادوا أَن يقولوا : لَبِثْنا هَا هُنَا سَنةً قالوا : قد أَسنوا يسنُونَ اسْنَاءً فأرادوا الفَصْلَ بينَهما فقلبوا الواوَ في هَذا المعنى تاءً وهذَا كلهُ شَاذٌّ لا يقاسُ عليهِ وإذَا كانتِ الذالُ لاماً في ( فَعَلْتُ ) فمنهم مَنْ يجريها علَى الأصلِ فيقولُ : أَخَذْتُ فيظهرُ الذالَ والتاءَ وهي قليلةٌ وأَكثرهم يقلبُ الذالَ تاءً فيقولُ أَخَتُّ وهيَ أَكثرُ القراءةِ وقرأوا : ( وأَخْتم علَى ذلِكُمْ إصْرِي )
إبدالُ الدالِ في افتَعَل وفَعَلتُ :
تبدلُ مِنَ التاءِ في افْتَعلَ ( قلباً مطرداً إذا كانَ قبلَ التاءِ حرفٌ مجهورٌ زايٌ أو دَالٌ تقولُ في ( افْتَعلَ ) مِنَ الزينةِ : ازدَانَ ازدياَناً ومِنَ الزرعِ : ازدَرعَ ازدرَاعاً وذاكَ أَنَّ التاءَ كانت مهموسةً والزايُ مجهورةٌ فأَبدلوا مِنَ التاءِ حرفاً مِن موضعِها مجهوراً وهوَ الدالُ وكذلكَ : افْتَعلَ مِنَ
الذِّكرٍ وهوَ قولُكَ : ادَّكرَ يَدّكرُ ادّكاراً وهوَ مُدَّكرٌ وهذهِ أَكثرُ في كلام العربِ ويقولُ قومٌ : اذَّكرَ يَذَّكرُ وهوَ مذّكرٌ وكانَ الأَصلُ : مذدَكرٌ ثُمَّ أُدغِمت الذالُ في الدَّالِ لأَنَّ حقَّ الإِدغامِ أَنْ يُدغمَ الأَولُ في الثاني وهوَ أَكثرُ كلامِ العربِ ومِنَ العربِ مَنْ يكرهُ أَنْ يدغمَ الأَصلي فيما هُوَ بَدلٌ مِنَ الزائدِ فيقولُ : مُذَّكرٌ وهيَ قليلةٌ فهذا لا تعدُّ فيهِ الذالُ بدلاً لأَنهُ قَلْبٌ وبَدَلٌ لإِدغامٍ وكذلكَ قولُهم : اثَّردَ يريدونَ : اثْتَردَ ومنهم مَنْ يقولُ : اتّردَ فيدغُم الثَّاءَ في التاءِ وهوَ الكثيرُ والذينَ قالوا : اثُّرَدَ كرهوا أَنْ يُدغموا الأَصليَّ في الزائدِ
وبعضُ بني تميمٍ إذَا كانتِ الزايُ لاماً قلَبوا التاءَ في ( فَعَلتُ ) دالاً وقالوا فُزْدُ يُريدونَ فُزتُ ومنهم مَنْ يقولُ : وَوْلَجٌ في : تَوْلَجٍ
إبدالُ الطاءِ :
الطاءُ تبدلُ مِنَ التاءِ في ( افْتَعلَ ) إذَا كانَ قبلَها طَاءٌ أَو ضَادٌ وذلكَ قولُهم : اظطلَم يظطلمُ اظطلاماً واضطجعَ يضطجعُ اضطجاعاً وهوَ مضطجعٌ وفي ( افتَعلَ ) من ( ظَلَم ) ثلاثُ لغاتٍ مِنَ العربِ مَنْ يقلبُ التاءُ طاءً ثُمَّ يُظهر الطاءَ والظاءَ جميعاً كما ذكرتُ لكَ ومنهم مَنْ يريدُ الإِدغامَ فيدغمُ الظاءَ في الطاءِ وهي أَكثرُ اللغاتِ فيقول : اظَّلمَ يَظَّلمُ اظّلاماً وهوَ مُظَّلمٌ ومنهُم مَنْ يكرهُ أَن يدغَم الأَصليَ في الزائِد فيقولُ : اظَّلمَ يَظَّلمُ اظّلاماً ومُظَّلَمٌ وأما مضطجعٌ ففيهِ لغتانِ : مضطجعٌ ومضّجعٌ ولا يدغمونَ الضادَ في الطاءِ
وإذَا كانَ الأَولُ صاداً قالوا : اصطبَر يصطبرُ اصطباراً وَهوَ مصطبرٌ فإنْ أَرادوا الإِدْغامَ قالوا هُوَ مُصَبّرٌ وقد
اصبّر لأَنَّ الصادَ لا تدغمُ في الطاءِ فقلبوا الطاءَ ضاداً وأَدغموا الضادَ فيها فإنْ كانَ أَولُ ( افْتَعلَ ) طَاءً فكلهُم يقولُ : اطَّلَبَ يَطَّلبُ وهوَ مُطَّلبٌ وإذا كانَ أَولُه سيناً فمنهم مَنْ يظهرُ التاءَ ومنهم مَنْ يُدغمُ فيقولُ : اسَّمعَ وقد أَبدلوا التاءَ في ( فَعَلْتُ ) طاء إذا كانَ قبلَها الصادُ وسكنتِ الصادُ وتحركتِ التاءُ وهيَ لغةُ لناسٍ مِنْ بني تميمٍ يقولونَ : فَحصطُ برجلِي فيجعلونَ التاءَ طاءً كما فَعلوا ذلكَ في : اصطَبَر فقلبوا التاءَ طاءً وكذلكَ إذا كانتِ التاءُ قبلَها طاءٌ موضعَ اللامِ يقولونَ : خَبَطٌ بِيَدي وقالَ عَلقمةُ بن عبدة :
( وفي كُلِّ قَومِ قَد خَبَطَّ بنعمةٍ ... فَحُقَّ لِشَأسٍ مِنْ نَدَاكَ ذَنُوبُ )
إبدالُ الميمِ :
إذَا كانتِ النونُ ساكنةً وبعدَها الباءُ فالعربُ تقلبُ النونَ ميماً فيقولونَ : العنبر : الكتابةُ بالنون واللفظُ بالميمِ وشَنباءُ أَيضاً الكتابةُ بالنونِ واللفظُ بالميمِ فيقلبونَ النونَ ميماً إذَا كانتِ النونُ ساكنةً يقولونَ : أَخذته عَنْ بَكْرٍ الكتابةُ بالنونِ واللفظ بالميمِ فيقلبونَ النونَ إذا سُكنت فإذَا تحركتْ أَعادوها إلى أصلِها فجعلوهَا نوناً يقولونَ : الشّنَبُ وَرجلٌ أَشنبُ لمّا تحركتْ رجعتْ إلى أَصلِها وإذا صَغَّرتَ ( العَنبَر ) قلتَ : عُنَيبِرٌ تردُّ النونَ إلى أَصلِها لمّا تحركتْ
قالَ الجَرْمي : وسمعتُ الأَصمعي يقولُ : الشَّنَبُ : بَردُ الفَمِ والأَسنانِ فقلتُ لَهُ : إنَّ أَصحابَنا يقولونَ : إنَّهُ حدتُها حينَ تطلعُ فيرادُ بذلكَ حداثَتَها وطَراءتَها لأَنَّها إذَا أَتت عليها السنونَ احتكتْ فقالَ : ما هُوَ إلاَّ بردُها وقَد قلبوا قلباً شَاذاً لا يقاسُ عليهِ قالوا : في فيكَ وفوكَ إذَا أفردوه فَمٌ وأَصلهُ : فوهٌ والدليلُ على ذلكَ تصغيرهُ : فُوَيهٌ وجمعهُ : أَفواهُ فإذَا أَضافوهُ ففيهِ لغتانِ : يقولُ بعضهُم : هذَا فُوكَ ورأيتُ فاكَ وفي فيكَ فيجيئونَ بموضعِ العينِ ويحذفونَ اللامَ وهيَ لغةُ كثيرةٌ إذَا أَضافوا ومنهم مَنْ يقولُ : هَذا فمُكَ ورأيتُ فَمَكَ وفي فمِكَ ويجيءُ في الشعرِ لغةُ ضعيفةٌ علَى غيرِ هذَا قالوا : هذَانِ فموانِ ورأيتُ فموينِ وكذلكَ إذا أَضافوا قالوا : هذانِ فمواكما ورأيتُ فمويكما
إبدالُ الجيمِ : أُبدلت الجيم مكان الياء المشددة وليس ذلك بالمعروف وأَنشدوا :
( خالي عويف وأبو عَلجِّ ... المَطْعِمانِ الشَّحْمَ بالعَشِجِّ )
( وبالغداةِ فَلَقِ البَرْنِيجِّ ... )
وقَد أَبدلوهَا من المخففةِ وذلكَ ضعيفٌ قليلُ وأَنشدَ أَبو زيدٍ :
( يا ربِّ إنْ كنتَ قَبِلْتَ حَجَّتَجْ ... فَلا يَزَالَنْ شَاحِجٌ يأتيكَ بِجْ )
يريدون ( حجتي ) ويأتيكَ ( بي ) وأَنشدوا :
( حتَى إذَا ما أَمْسَجَتْ وأَمسِجا ... )
يريدُ : أَمسيتُ وأَمسيا فهذَا كلهُ قَبيحٌ وليسَ بالمعروفِ
قالَ أَبو عمر : ولو رده إنسانٌ كانَ مذهباً
إبدالُ اللامِ :
أبدلوا اللامَ في : ( أُصَيْلاَلٍ ) من النونِ وذلكَ أَنَّهم إذَا صغروا : الأَصيلَ قالوا : أُصيلٌ وهُوَ القياسُ وقالَ بعضهُم : أُصيلانٌ فزادَ الأَلفَ والنونَ وهيَ لغةٌ معروفةٌ وهَذا مِنَ الشَاذِّ فأَبدلَ بعضهُم هذهِ النونَ لاماً فقالَ : أُصيلالٌ والأَصيلُ بعدَ العصرِ إلى المغربِ قالَ النابغةُ :
( وقَفتُ فيها أَصيلاَلاً أُسائلُها ... أَعيَتْ جَواباً ومَا بِالرَّبعِ مِنْ أَحَدِ )
الهاءُ :
الهاءُ تبدلُ مِنَ التاءِ تاءِ التأنيثِ في الإسمِ في الوقفِ نحو : تَمْرَه وطَلَحه وقَائمِه ومِنَ الهمزةِ في : أَرحتُ : هَرَحْتُ
النونُ :
والنونُ تكونُ بدلاً مِنَ الهمزةِ في : ( فَعْلاَن ) فَعْلَى كمَا أَنَّ الهمزةَ بدلٌ مِنْ الألفِ في : حَمْراءَ هذَا مذهبُ الخليلِ وسيبويه
الحذفُ :
إذا كانتِ الواوُ أَولاً وكانتْ فَاءً نحو : وَعَدَ يَعِدُ حُذِفَت الواوُ لوقوعِها بينَ ياءٍ وكسرةٍ لأَنَّ مضارعَ فَعَلَ يَفْعِلُ فَوعَد فَعَلَ فإنْ كانَ الماضي مثلُ : وَجِلَ جاءَ المضارعُ علَى : يَفْعَلُ وتثبتِ الواوُ لأَنَّها لم تقع بينَ ياءٍ وكسرةٍ
وتَفْعِلةٌ مِنْ : وعدتُ وتَفْعِلُ : إذا كانا اسمينِ تَوعِدةٌ وَتَوْعِدٌ والدليلُ علَى أَنَّها تثبتُ قولُهم : تَوْسِعةٌ وتَودِيةٌ والمصدرُ مِنْ : وعدتُ : عِدَة فِعْلَةٌ والهاءُ لا بُدَّ منها وإذا لم تكنْ فلا حَذْفَ أَعلوا المصدرَ كفعلهِ
قالَ سيبويه : وقَد أَتموا فقالوا : وجِهَةٌ في جِهةٍ
قالَ أبو بكر : وهذا عندي أَعني وجهةٌ لم يجيء على الفعلِ والواوُ تُثبتُ في الأسماءِ قالوا : ولِدَةٌ وقالوا أَيضاً لِدَةٌ كعِدَةٍ فالإسمُ : وعِدَةٌ والمصدرُ : عِدَةٌ
وإن كانتِ الياءُ أولاً فاءً لم تحذفْ في الموضعِ الذي تحذفُ فيهِ الواوُ وذلكَ قولُهم : يَعرَ يَيْعَرُ وحكي عن بعضِهم في المضارعِ : يَئِسَ ويَيْئَسُ كما قَالوا : يَعِدُ ومِنْ ذلكَ قولهُم : هَيْنٌ ومَيْتٌ يريدونَ هَيِّنٌ ومَيِّتٌ فحذفوا العينَ وهيَ متحركةٌ ومِنْ ذلكَ : كينونةٌ وقَيدودٌ وإنَّما هُوَ مِنْ : قادَ يقودُ وأَصلها : فَيْعَلُولٌ قالَ سيبويه : سألتُ الخليلَ عن ( لَمْ أُبَلْ ) فَقالَ : هيَ مِنْ ( بَاليتُ ) ولكنَّهم لما أسكنوا اللامَ حذفوا الأَلفَ لأَنَّهُ لا يلتقي ساكنانِ وزعَم الخليلُ : أَنَّ ناساً يقولونَ : لم أُبَلِهِ لا يزيدونَ على حذفِ الأَلفِ ولَم يحذفوا لا أُبالي كما أَنَّهُم إذَا قالوا لم يكنِ الرجلُ فكانَتْ في موضعِ تَحركٍ لم تحذفْ وأُبالي إنَّما يحذفُ في موضعِ الجزمِ فَقَطْ وإذَا كانتِ اللامُ ياءً بعدَ ياءين مُدْغَمَيْنِ فاجتمعَ ثلاثُ ياَءاتٍ في اسمٍ غيرِ مبني علَى ( فَعَلٍ ) حُذِفَ اللامُ وذلكَ قولُكَ في تصغيرِ عَطاءٍ عُطَيٌّ وفي أَحوى : حُيَيٌّ فإنْ كانَ اسمٌ علَى فَعْلٍ تثبتُ نَحو قولِك : حَيُّا فهوَ مُحَييٌّ
التحويلُ والنقلُ
هَذا على ضربينِ : فِعْلٌ واسمٌ جَارٍ على : ( فِعْلٍ )
واعلَمْ : أَنَّ كُلَّ كلمةٍ فحقُّها أَن تتركَ على بنائِها الذي بنيتْ عليهِ ولا تُزالُ عنهُ حركاتُها التي بنيتْ عليها ولا يحولُ إِلاّ ( فَعَلْتُ ) مِما عينهُ واوٌ أَو
ياءٌ فَإِنهُ في الأَصلِ ( فَعَلَ ) نحو : قَامَ وباعَ فإذَا قلتَ : فَعَلْتُ نَقَلْتَ ما كانَ مِن بَناتِ الواوِ إِلى ( فَعُلْتُ ) وما كانَ مِنْ بَناتِ الياءِ إِلى ( فَعِلْتُ ) ثَمَّ حولتَ الضمةَ في ( فَعُلْتُ ) مِنْ : قُلْتُ إلى الفاءِ ومن : بعتُ إِلى الفاءِ وأَزلْتَ الحركةَ التي كانتْ لَها في الأَصلِ فقلتَ : قُمْتُ وبُعْتُ وكانَ التقديرُ : قُوَمتُ وبَيعتْ فلمَّا نقلتَ عن العينينِ حركتيهما إلى الفاءِ سكنتا وأُسكنتِ اللامُ مِنْ أَجلِ التاءِ في : ( فَعَلْتُ ) فحُذِفتِ العينُ لإلتقاءِ الساكنينِ فصارَ قُمْتُ وبِعْتُ فألزموا : فَعُلتُ بَناتِ الواوِ وألزموا ( فَعِلْتُ ) بَناتِ الياءِ شبهوا ما اعتلتْ عينهُ بمَا اعتلتْ لامهُ كما أَلزموا : يَغزُو وبابُه ( يَفْعُلُ ) وأَلزموا ( يَرْمي ) وبابهُ ( يَفْعِلُ ) وكلُّ ما كانَ ماضيهِ علَى ( فَعِلَ ) فَعَلَى هَذا يجري وقَدْ جعلوا ما قبلَ كُلِّ واحدةٍ منهما حركتَها منها فتقديرُ : قُلْتُ قُوْلَ وتقديرُ : بِعْتُ بِيْعَ ويدلُّكَ علَى أَنَّ أَصلَ : قُمتُ وما أَشبهه : ( فَعَلْتُ ) أَنَهُ ليسَ في الكلامِ ( فَعُلتهُ ) فأَمَّا ( طُلْتُ ) فإِنَّها ( فَعُلْتُ ) في الأصلِ لأَنَّكَ تقولُ : طويلٌ وطُوَالٌ ولا يجوزُ : طُلْتهُ وليسَ في بَناتِ الياءِ ( فَعُلتُ )
وَدَخَلْتُ ( فَعِلْتُ ) علَى بَناتِ الواوِ نحو : شَقِيتُ وغَبِيتُ ولمَ تدخلْ ( فَعُلْتُ ) على ذواتِ الياءِ لأَنَّها نُقلتْ مِنَ الأَثقلِ إِلى الأَخفِّ وإِذَا قلتَ : يَفْعَلُ مِنَ قُلتُ ونحوهِ أَلزمتَهُ ( يَفْعَلُ ) فقلتَ : يَقُولُ وكانَ الأَصلُ : يَقْوُلُ فَحَوَّلتَ الحركةَ كما فَعلتَ في ( فَعَلْتُ ) حينَ قلتَ : قُمتُ وقلتَ في بِعْتُ : أَبِيعُ وكان الأصل أَبْيعُ فنقلتَ الحركةَ كما قلتَ في ( فَعِلْتُ ) مِنْ ( بِعْتُ ) وأَمَّا ( خِفْتُ ) فالأصلُ : خَوِفْتُ مبنيٌّ على ( فَعِلْتُ ) والعينُ مكسورةٌ فهذَا لم يحولْ مِنْ بناءٍ إلى بناءٍ وَهوَ على أصلهِ ولكنَّكَ
نقلتَ حركةَ العينِ فأَلقيتَها على الفاءِ ويدلُّكَ علَى أَنَّ خَافَ ( فَعِلَ ) قولُهمِ : يَخَافُ ويَخافُ ( يَفْعَلُ ) كانَ الأَصلُ : يَخْوَفُ فنَقلتَ الحركةَ كما فعلتَ في المَاضي ومستقبلُ : ( فَعِلَ ) علَى : ( يَفْعَلُ ) نحو : حَذِرَ يَحْذَرُ وفَرِقَ يَفْرَقُ فَنقلُ الحركةِ مِنْ عينِ ( فَعُلْتُ ) وفَعِلْتُ كانتا مُحوَّلتينِ أَو أَصْليتينِ إِلى الفاءِ واجبٌ في ( فَعُلْتُ ) وأَمَّا التحويلُ مِنْ بناءٍ إلى بِنَاءٍ فليسَ إِلاّ في ( قُمتُ ) ونحوهِ وبِعْتُ ونحوهِ فافهَمْهُ وخُصَّ ( بِعْتُ ) وقُمْتُ بالتحويلِ دونَ غيرِهما لشبههما بَيغزَو ويَرْمِي ويَخَافُ لا يشبهُ ( يَغْزو ) لأَنَّ : يَخافُ ( يَفْعَلُ ) مفتوحُ العينِ وإِذَا كانَ الماضي فَعَل جَاءَ المضارعُ علَى يَفْعُلُ ويَفْعِلُ وليسَ ذلكَ في ( فَعِلَ ) فنقلنا مِنَ الفعلِ الماضي ما لَهُ ( يَفْعُلُ ) و ( يَفْعَلُ ) تشبيهاً بهِ وما ليسَ لَهُ ذاكَ لم ينقلْ فَتأَملْ هَذا فإِنَّهُ غيرُ مشروح في كتبِهم
وطُلْتُ أَصلهُ : طَوُلتُ ( فَعُلْتُ ) فنُقلتِ الحركةُ إِلى الفاءِ ولم يُحوِّلْهُ مِنْ شيءٍ إلى شيءٍ فمستقبلهُ مثلُ ( يَطُولُ ) وإِذَا كانَ ( فَعَلَ ) من بناتِ الواوِ ونُقلَ إِلى ( فَعُلَ ) كانَ ( فَعُلَ ) الذي أَصلهُ مِن بناتِ الواوِ حقيقاً بأن لا يُزالَ عن جهتهِ و ( فَعُلَ ) ليسَ في ذواتِ الياءِ وإذا قُلتَ ( فُعِلَ ) في هذهِ الأَشياءِ كسرتَ الفاءَ وحولتَ عليها حركةَ العينِ كَما فعلتَ ذلكَ في ( فَعْلْتُ ) لتُغَيرَ حركَة الأصلِ وذلكَ قولُكَ : خِيفَ وبِيعَ وهِيبَ وقِيلَ وبعضُ العربِ يشمُ الضمَ إرادةَ أَنْ يبينَ أَنَّها ( فُعِلَ ) وبعضُ مَنْ يضم يقولُ : بُوعَ
وقُولَ وخَوفَ يُتبعُ الياءَ ما قبلَها كما قَالَ : مُوقِنٌ وهذهِ اللغاتُ دَواخلُ علَى قِيلَ وخِيفَ وبِيعَ وهِيبَ والأَصلُ الكسرةُ
وإِذَا قلتَ ( فَعَلَ ) صارتِ العينُ تابعةً لِما قبلَها ولَو لم تجعلْها تابعةً لِمَا قبلها لألتبسَ ( فَعَلَ ) مِنْ ( باعَ وخَافَ ) ( بِفُعِلَ )
قَالَ سيبويه : وحدثنا أَبو الخطابِ : أَنَّ ناساً مِنَ العربِ يقولونَ : كِيدَ زيدٌ يَفْعلُ وما زِيلَ زيدٌ يَفْعلُ يريدونَ زالَ وكادَ فهؤلاءِ نَقلوا في ( فَعَلَ ) وحولوا كما فَعَلوا في ( فَعِلْتُ ) فإِذَا قلتَ : فُعِلْتَ أَوْ فُعِلنَ أَوْ فُعِلْنا مِنْ هذهِ الأشياءِ ففيها لغاتٌ أَمَّا مَنْ قالَ : بيِعَ وهِيبَ وخِيفَ فإِنّهُ يقولُ : خِفْنَا وبِعْنَا وخِفْنَ وبِعن وخِفْتُ وبِعْتُ وهِبْتُ تدَعُ الكسرةَ على حالِها وتحذفُ الياء لإلتقاءِ الساكنينِ وأَمَّا مَنْ ضَمَّ بإشمامٍ إِذَا
قالَ : فُعلَ فإنّهُ يقولُ : قَد بِعْنَا وقَد بِعْنَ يُميلُ الفاءَ ليعلمَ أَنَّ الياءَ قد حُذِفتْ والذينَ يقولونَ : بُوعَ وقُولَ وخُوفَ يقولونَ : بُعْنَا وخُفْنَا وَهُبْنَا وأَمّا مِتَّ تَموتُ فإِنَّما اعتلتْ مِنْ ( فَعِلَ يَفْعُلُ ) ونظيرُها مِنَ الصحيح : فَضِلَ يَفْضُلُ وهذهِ الأشياءُ تشذُّ كأَنَّها لغاتٌ تداخلتْ فاستعملَ مَنْ يقولُ : فَضِلَ في المضارع لغةَ الذي يقولُ : فَضَلَ وكذلكَ ( كُدْتُ ) تكادُ جاءت تكادُ علَى كِدتُ وكُدتُ علَى : تكودُ
قالَ سيبويه : وأَمَّا ليسَ فكأَنَّها مسكنةٌ مِنْ نحو قولهِ : صَيِدَ كما قالوا : عُلْمَ ذاكَ في ( عَلِمَ ذاكَ ) وإِنَّما فَعلوا ذلكَ بها حيثُ لم يكنْ لَها ( يَفْعَلُ ) شبهوها ( بَلَيْتَ ) أمَّا ( عَوِرَ يَعْوَرُ ) و ( حَوِلَ يَحْوَلُ ) و ( صَيِدَ يَصْيَدُ ) فَجاءوا بِهَا على الأَصلِ لأَنهُ في معنى ( اعوررتُ ) و ( احوللتُ ) وأَمَّا طَاحَ يَطِيحُ وتَاهَ يَتيهُ فزعمَ الخليلُ : أَنَّها ( فَعِلَ يَفْعِلُ ) بمنزلةِ : حَسِبَ يَحْسِبُ وهيَ مِنَ الواوِ يدلُّكَ على ذلكَ : طَوَّحتُ وتَوَّهتُ وهوَ أَطوحُ منهُ وأَتوهُ منهُ ومَنْ قالَ : طَيَّحتُ وتَيَّهتُ فَقَدْ جاءَ بها على ( بَاع يَبِيعُ )
واعلَمْ : أَنَّ جميعَ هذِه إِذَا دخلتْ علَيها الزوائدُ فهِيَ على علتِها لا فرقَ بينَها وبينها إِلاّ أَنَّكَ لا تنقلُ فيها مِنْ بناءٍ إلى بناءٍ أَلا تَرى أَنَّكَ تقولُ : قَامَ ثُمَّ تقولُ : أَقامَ فهوَ مثلُ ( قامَ ) كَما كَان فإِذَا قلتَ : ( فَعَلْتُ )
====================
ج6. كتاب : الأصول في النحو
المؤلف : أبي بكر محمد بن سهل بن السراج النحوي البغدادي
اختلفا فقلتَ : ( قٌمْتُ ) فإِنْ قلتَ : أَفْعَلتُ قلتَ : أَقمتُ فتركتَ القافَ مفتوحةً نقلتَ إِليها الفتحةَ مِنْ ( أَقومتُ ) ولم تحولْ مِنْ بناءٍ إِلى بناءٍ لأَنَّهُ قَد زَالَ هُنَا أَنْ يشبهَ المضارعَ مضارعَ ( يَغْزُو ويَرمِي ) لأَنَّ مضارعَ أَجادَ : يُجيدُ وأَقامَ : يُقيمُ فَقَد زالتْ تلكَ العلَّةُ التي كانتْ ( بقُمتُ وبِعتُ ) قبلَ دخولِ الزيادة ولو فعلوا هَذا بهِ أَيضاً لكانوا قد حوَّلوهُ إلى ما ليسَ مِنْ كلامِهم وهوَ ( أَفْعُلَ ) فلمَّا كانَ من كلامِهم ( فَعُلَ ) حوَّلوا إِليهِ ولمَّا امتنعَ منهُ ( أَفعل ) أَلقوهُ وقَد جاءتْ حروفٌ علَى الأَصلِ ولا يقاسُ علَيها وذلكَ نحو قولِهم : أَجودتُ وأطولتُ واستحوذَ واستروحَ وأَطيبَ وأَخْيَلَتْ وأَغُيَلَتْ وأَغيمتْ وجميعُ هَذا فيهِ اللغةُ المطردةُ
قالَ سيبويه : إِلاّ أَنّا لم نسمعهم قَالوا إِلاّ ( استروحَ إِليهِ وأغْيَلَتْ واسْتَحْوَذَ ) ومِنْ هَذا البابِ : اختارَ واعتادَ وانقاسَ فتارَ مِن ( اختارَ ) وتادَ مِن اعتادَ وقَاسَ من انْقَاسَ نظيرُ ( قَام ) لا فرقَ بينَهما في سواكنهِ ومتحركاتهِ وإِذَا قلتَ فَعَلْتُ قلتَ أخْتَرْتُ وانْقَدْتُ
وإِذَا قلتَ ( أُفْتُعِلَ ) ( وأُنْفُعِلَ ) قلت : أُخْتِيرَ وأُنْقِيدَ لمَّا كانَ ( تَارُ ) من ( اختارَ ) بمنزلةِ : قالَ صارَ تِيرَ مِنْ ( أُخْتِيرَ ) بمنزلةِ قِيلَ والأَسماءُ الجاريةُ على أَفعالِها تعتلُّ كاعتلالِ الأفعالِ فأَمَّا ( فَاعِلُ ) مِنْ قامَ وبَاعَ فتقولُ : قَائِمٌ وبائِعٌ
قالَ سيبويه : إِنَّ هذهِ الياءَ والواوَ جعلتا هُنا همزتينِ كَما فُعِلَ بهما
في : سِقَاء وقَضاءٍ ويعتلُّ مَفْعولٌ مِنها كما اعتلَ ( فَعِلَ ) فَتقولُ في : بِيعَ مَبيعٌ وفي هِيبَ : مَهِيبٌ وكانَ الأَصلُ : مبيوعٌ فنقلتِ الحركةُ مِنَ التاءِ إِلى الياءِ فسكنتِ الياءُ والتقى ساكنانِ الياءُ والواوُ
وقالَ الخليلُ : فحذفتْ ( واوُ مفعولٍ ) وكانتْ أَولى بالحذفِ لأنَّها زائدةٌ وكذلكَ : مقولٌ
وكانَ أَبو الحسن الأَخفش يَزعمُ : أَنَّ المحذوفةَ عينُ الفعلِ والباقيةَ واوُ مفعولٍ
قالَ المازني : فسألتهُ عَنْ ( مبيعٍ ) فقلتُ : أَلاَ تَرَى أَنَّ الياءَ في ( مَبيعٍ ) ياءٌ ولو كانتْ واوُ مفعولٍ كانتْ مَبوعٌ فقالَ : إِنهم لما أسكنوا ( ياءَ ) مبيوعٍ وأَلقوا حركتَها علَى الباءِ انضمتِ الباءُ وصارتْ بعدَها ياءٌ ساكنةٌ فأبدلتْ مكانَ الضمةِ كسرةٌ للياءِ التي بعدَها ثُمَّ حذفتِ الياءُ بعدَ أَن لزمتِ الباءُ الكسرةَ للياءِ التي حذفتَها فوافقتْ واوُ مفعولٍ الباءَ مكسورةً فانقلبتْ ياءً للكسرةِ التي قبلَها كما انقلبتْ واوُ ( ميزانٍ ) ياءً للكسرةِ
قالَ المازني : وكِلا القولينِ حَسَنٌ جَميلٌ قالَ وقولُ : أَبي الحسن أَقيسُ
وتقولُ في ( مَفْعُولٍ ) مِنَ القولِ ( مَقولٌ ) وكانَ الأَصلُ : مَقوولٌ فنقلتِ الحركةُ فاجتمعَ ساكنانِ فحُذِفَ أَحدهُما وبعضُ العربِ يخرجهُ
إِلى الأَصلِ فيقولُ : مَخيُوطٌ ومَبيوعٌ ولا يحذفُ ولا نعلمُ أَنَّهم أَتموا في الواواتِ لم يَقولوا في ( مَقُولٍ ) مَقوولٌ لثقلِ الواوِ ويجري ( مَفْعَلٌ ) مجرى ( يَفْعَلُ ) فيهما فيعتلُّ قالوا : مَخَافةٌ مثلُ : يَخافُ ومَقَامٌ ومقَالُ ومَثَابةٌ ومَنَارةٌ فَمَفعلٌ علَى وَزنِ ( يَفْعَلُ ) ليسَ بينهما إِلاّ أَنَّ الميم موضعُ الياءِ فمذهبُ سيبويه : أَنَّ كُلَّ ما كانَ من الأسماءِ التي في أَوائلها زوائدُ تفصلُ بينَها وبينَ الأَفعالِ وهيَ علَى وزنِ الأفعالِ فإِنّهُ يعلُّها كَما يعلُّ الفعلَ
ومَفْعِلٌ مثلُ : ( يَفْعِلُ ) وذلكَ قولُكَ المَبِيضُ والمَسِيرُ ومَفْعُلةٌ مثلُ يَفْعُلُ وذلكَ قولُكَ : المَشُورةُ والمَعُونةُ والمَثُوبةُ ويدلّكَ علَى أَنَّها ليستْ بمفعُولةٍ وأَنَّها مَفْعُلَةٌ أَنَّ المصدرَ لا يكونُ على ( مَفْعُولة ) وكانَ الأخفشُ يجيزُ أن يأتيَ بمَفْعُولةٍ مصدراً ويحتج بِخُذْ ميسُورةً ودَعْ مَعسُورةً
و ( مُفْعُلةٌ ) مِنْ بَناتِ الياءِ تجيءُ علَى مثالِ ( مَفْعِلةٍ ) لأَنكَ إِذَا سكنتَ الياءَ وهيَ العينُ جعلتَ الفاءَ تابعةً كما فعلتَ ذلكَ في ( مَفعولٍ ) فتقولُ ( مَعِيشةٌ ) إِذَا أَردتَ ( مَفعُلةً ) مِنَ العيشِ ولو أَردتَ أَيضاً ( مَفْعِلةً ) لكانَ على هَذا اللفظِ فَمِعيشةٌ علَى وزنِ : يَعِيشُ وَيَعِيشُ لو جازَ أَن تريدَ بهِ ( يَفْعُلُ ) ما كانَ بُدٌّ مِنْ إبدالِ الضمةِ كسرةً لِتَصحَّ الياءُ لقربِها
من الطرفِ وإِنَّما تبدلُ الضمةَ كسرةً إِذَا كانتْ بعدَها الياءُ ساكنةً وذلكَ نحو : أَبْيضَ وبِيضُ وكانًَ القياسُ بُوْضٌ لأَنَّها فُعْلٌ
ويدلُّكَ علَى ذلكَ قولُهم : أَحمرُ وحُمرٌ ولكنَّهم أبدلوا الضمةَ كسرةً لتصِحَّ الياءُ التي كانتْ في الأصلِ لئلا يخرجوا مِنَ الأَخف إِلى الأثقلِ في الجمعِ وهوَ أَثقلُ من الواحدِ عندَهم فيجتمعُ ثقلانِ ولذلكَ قالوا : عِتِيٌّ فكسروا ليؤكدوا البدلَ قالوا : صِيَّمٌ وقِيَّمٌ لقربِهما مِنَ الطرفِ ولأَنَها جَمعٌ ولَمْ يقولوا في دُوَّار وصُوَّام لبعدِها مِنَ الطرفِ
قالَ سيبويه : ولا تجعلْها بمنزلةِ ( فَعُلْتُ ) في الفعلِ يعني إِذَا قلتَ : قَضُوَ فأتبعتَ الياءَ الضمةَ لأَنَّ ذلكَ لا يفعلُ في ( فَعُلَ ) لو كانَ اسماً تقولُ في مثالِ مُسْعُطٍ مِنَ البيعِ : مُبِيعٌ كانَ الأَصلُ : مُبُيعٌ فنقلتَ الحركَة إِلى الباءِ ثم أَبدلتَها كسرةً لتصِحَّ الياءُ
وقالَ الأَخفش : فيما أَحسبهُ أَقولُ : مُبُوعٌ وهوَ خَلافُ قولِ سيبويهِ وإِنَّما أَعلَّ مثالَ مُسْعُطٍ لأَنَّهُ وزنُ ( أَقْتُلُ ) ومُفْعَل مِنَ الياءِ والواوِ على مثالِ : يُفْعَلُ وَقَدْ جاءتْ ( مَفْعَلةٌ ) على الأَصلِ قالوا : إِنَّ الفكاهةَ مَقْوَدَةٌ إِلى الأَذى قالَ سيبويه : مَكْوَزةٌ ومُزَيدٌ جاءَ علَى الأصلِ وإِنْ كانَ اسماً وليسَ بمطردٍ
قالَ أَبو العباس : مُزْيَدُ إِنْ كانَ اسماً لرجلٍ ولم تردْ بهِ الإجراءَ على الفعلِ كما يكونُ المصدرُ وما يشتقُّ منه اسماً للمكانِ أَو الزمانِ فحقهُ أَنْ لا
يُعل وأَنْ يصححَ لأَنَّهُ إِنَّما تعلهُ ما دَامَ يناسبُ الفعلَ بأَنَّهُ مصدرٌ للفعلِ أَو مكانٌ للفعلِ أَو زمانٌ لَهُ فإِذَا بَعُدَ مِنْ هذهِ الأمورِ لم يجزْ أَن يُعلَّ إِلا كما تعلُّ سائرُ الأسماءِ
قالَ سيبويه : وقالوا : مَحْبَبٌ حيثُ كانَ اسماً
أَلزموهُ الأَصلَ كَمورَقٍ ومتَى جاءَ اسمٌ علَى وزنِ الفعلِ وليسَ فيهِ ما يفرقُ بينَهُ وبينَ الفعلِ صُحِّح وذلكَ قولُهم : هَوَ أَقولَ الناسِ وأَبيعُ الناسِ وأَقولُ مِنْكَ وأَبيعُ مِنْكَ وإنّما أَتموا ليفصلوا بينَهُ وبينَ الفعلِ نحو : أَقالَ وأَقامَ ويتمُّ في قولِكَ : ما أَقولهُ وأَبيعهُ لأَنَّ معناهُ معنى ( أَفعلُ منكَ ) وأَنَّهُ لا يتصرفُ تصرفَ الأفعالِ فأَشبهَ الأَسماءَ وكذلكَ : أَفعلْ بهِ لأَنَّ معناهُ معنى : ما ما أفعله ويتمُّ في كُلِّ ما جاءَ على لفظِ الفعلِ بغيرِ فَرقٍ بينَهما ونحنُ نُتبعُ هَذا ما يتمُّ مِنَ الأسماءِ ولا يُعَلُّ إِنْ شَاء الله
ذِكْرُ ما يتم ويُصححُ ولا يُعَلُّ
مِنْ ذلكَ ما صُححَ لسكونِ ما قبلِهِ وما بعده وذلكَ نحو : حُوَّلٍ وعُوَّارٍ وَقَوَّالٍ ومِشوارٍ والتَّقوال والتقَوالِ وقَوول وبُيوعٍ وشُيُوخٍ وحُوُولٍ وَنَوارً
وهُيامٍ وطويلٍ وطُوالٍ وخِوَانٍ وخِيَارٍ وَعِيانٍ ومَقَاول ومَعَايش وبَناتُ الياءِ كبناتِ الواو في جميعِ هذَا في تركِ الهمزِ في : طَاوُوسٍ وسَايُور نحو ما ذكرنا ومِنْ ذلكَ : أَهوناءُ وأَبيناءُ وأَعيياءُ وقالوا : أَعيّاءُ وقالَ بعضُهم : أَبِينَاءُ كَسرِه الكسرةَ في الياءِ كما كرهوا الضمةَ في ( فُعُلٍ ) مِنَ الواوِ فأَسكنوا نحو : نُوْرٍ وقٌوْلٍ ولَيْسَ بالمطردِ فأَمَّا الإِقامةُ والإستقامةُ فاعتلتْ علَى أَفعالِهما وطَويلٌ لم يجيء على ( يَطُولُ ) ولاَ علَى الفِعْلِ أَلاَ تَرى أَنَّكَ لو أَردتَ الإسمَ لقلتَ : طَائلٌ وإِنَّما هُوَ ( كفعيلٍ ) يعني به ( مَفعولَ ) مِفْعَلٌ يتمُّ ولم يَجرِ مَجرى ( أَفعلُ ) لأَنَّ مَفعلاً إِنَّما هُوَ ( مِفْعَالٍ ) أَلاَ تَرى أَنَّهما في الصفةِ سَواءٌ تقولُ : مِطْعَنٌ ومِفْسَادٌ فتريدُ في ( المِفْسَادِ ) مِنَ المعنى ما تريدُ في ( المِطْعَنِ ) وتقولُ : المِخْصَفُ والمِفْتَاحُ فتريدُ في المِخْصُفِ مِنَ المعنى ما أَردتَ في ( المِفْتَاحِ ) وقَد يعتورانِ الشيءَ الواحدَ نحو : مِفْتاحٍ ومِفْتَحٍ ومِنْسَجٍ ومِنْسَاجٍ فمن ثُمَّ قالوا : مِقْولٌ ومِكْيلٌ فأَمَّا قولُهم : مَصائبُ وهَمزها فَغَلطٌ هيَ ( مُفْعِلَةٌ )
وتوهموها ( فَعِيلَةً ) وقَد قالوا : مَصاوب ويهمزونَ نحو : صَحَائف وَرَسائل وعَجَائز
( فَاعِلٌ ) مِنْ ( عَورتُ ) إذَا قالوا : ( فَاعِلٌ ) غَدَاً قالوا : عَاورٌ غَداً وكذلكَ : صَائدٌ غَدَاً مِنْ صَيِدَ لمّا صحتْ في الفعلِ ولو كانَ ( تَقُولُ ) اسماً لكسرتَهُ تُقَاول وتَبيعُ تُبَايع ولا يهمزُ ويتمُّ ( فَاعلٌ ) نحو : قَاولَ وبايعَ
وفَوَاعلُ مِنْ ( عَوِرْتُ ) وصَيِدتُ يُهمزُ لأَنَّك تقولُ في ( شَويتُ شَوَايا ) كما تُهمزُ نظيرُ مَطَايا مِنْ غَيرِ بناتِ الياءِ والواوِ نحو : صحائف لأَنَّ ( عورتُ ) نظيرُ ( شَويتُ ) وصَيِدتُ نظيرُ ( حَيِيتُ ) فهمزت لإلتقاءِ الواوينِ
وليسَ بينَهما حَاجزٌ حَصينٌ فَصار بمنزلةِ الواوينِ يلتقيانِ
هذا بَابُ ما يكسرُ عليهِ الواحدُ مِما ذَكرنَا
وطَويلٌ وطُوَالٌ صَحَّ في الجمعِ كما صَحَّ في الواحدِ وأَمَّا فَعَلانٌ وفَعْلَى نحو : جَوَلاَنٍ وحَيَدانٍ وحَيَدى فأَخرجوهُ بهذهِ الزيادةِ مِنْ مثالِ الفعلِ الذي يعتلُّ فأَشبهَ عندهم ما صُححَ لأَنَّهُ جَاءَ على غيرِ مثالِ الفَعْلِ المعتلِّ نَحو : الحَوِلِ والغَيِرِ وكذلكَ ( فَعَلاءُ ) نحو ( السِّيَراء ) وفُعَلاَءُ نحو : القُوَياءِ والخُيَلاءِ أَخرجتهُ الزيادةُ مِنْ مثالِ الفِعْلِ الذي يعتلُّ فأَشبهَ عندَهم مَا صَحَّ لأَنَّهُ جاءَ علَى غيرِ مثالِ الفِعْلِ وقَد أَعلَّ بعضُهم : فَعَلانَ وفَعَلَى كما أَعلَّ ما لا زيادةَ فيهِ جَعلوا الزيادةَ بمنزلةِ الهاءِ وذلكَ قولُهم : دَارَانٌ وهَامَانُ وليسَ بالمطردِ وأَمَّا فُعَلَى وفِعلَى فَلا تدخلُهُ العلةُ كَما لا تدخلُ ( فُعَلٌ وفِعَلٌ )
هَذَا بابُ ما يكسرُ عليهِ الواحدُ مما ذكرنا
إِذَا جمعتَ ( فَوْعَلَ ) همزتَ كما همزتَ ( فَواَعلَ ) مِنْ عَورتُ وصَيدتُ وسَيّدٌ يهمزُ وفَيْعَلٌ نحوَ عَيَّنٌ يهمزُ جميعُ هَذا لأنَّهُ اعتلَّ بعدَ ياءٍ زائدة في موضعِ أَلفِ ( فَاعلٍ ) ولو لم يعتلَّ لَمْ يهمز كما قالوا : ضَيونٌ وضَيَاونٌ ( فُعَّلٌ ) مِنْ قلتُ ( قَوَائلُ ) تهمزُ وكذلكَ ( فَعْوَلٌ ) لإلتقاءِ الواوينِ وأَنَّهُ لَيْسَ بينَهما حاجزٌ حصينٌ وقربُها مِنْ آخر الحرفِ وإِذَا التقتِ الواوانِ على هَذا المثالِ فلا تلتفتن إِلى الزائدِ وغيرِ الزائدِ أَلا تَرَاهم قالوا : أَوَائلُ في أَولَ وأَمَّا قَولُ الشاعرِ : عَوَاورُ فإِنَّما اضطر
إِليه فحذَف الياء من ( عَواوير ) ولم يكنْ تَركُ الياءِ في الكلامِ لازماً فيهمزُ :
فَوَاعل مِنْ قُلتُ . يُهمزُ لأنَّها أَمثلُ مِنْ فَوَاعلٍ مِنْ ( عَورتُ ) وأوائلُ
وبناتُ الياءِ كبناتِ الواوِ يهمزن كما همزت ( فَوَاعلُ ) مِنْ ( صَيِدتُ ) لأَنَّ الياءَ قَدْ تستثقلُ معَ الواوِ كاستثقالِ الواوينِ ويهمزُ ( فَعِيلٌ ) مِنْ قُلتُ وبِعْتُ قَوَائِلُ وبَيَائعُ
بَابُ ما يجري فيه بعضُ مَا ذكرناَ إِذا كُسرَ للجمعِ علَى الأصلِ
فمِنْ ذلكَ ( فَيْعَالٌ ) نحو : دَيَّارٍ وقَيَّامٍ وَدَيُّورٍ وَقَيُّومً تقولُ : دَياويرُ وقَيَاويمُ وعُوَّارٌ وعَواويرُ وكلَّما فصلتَ بينَهُ وبينَ آخر الحروفِ بحرفٍ جَرى علَى الأصلِ كما جَاء : طَاووسٌ ونَاووسٌ
بَابُ ( فُعِلَ ) مِنْ ( فَوعَلتُ ) مِنْ ( قَلْتُ ) وفَيعَلتُ مِنْ ( بِعْتُ )
وذلكَ قولُكَ قُوولَ وبُويعَ تمدُّ كما مددتُ في ( فَاعلتُ ) ألا ترى أنَّك تقولُ : بَيطرتُ فتقولُ : بُوطِرَ فتمدَّ وصَوْمعتُ فتقولُ : صُومِعَ فتجري مَجرى : باطرتُ وصَامعتُ وكذلكَ ( تفَيعلتُ ) إِذا قلتَ : قَدْ تَفَوعَل تقولُ : تُفُوهقَ مِنْ تَفَيهقْتُ وكذلكَ إِذا كانَ الحرفُ ( فَعْوَلتُ ) وفَعْيَلتُ : تقولُ : قَد بُووعَ وافْعَوْعَلتُ مِنْ سرتُ اسييرّتُ تقلبُ الواو ياءً لأَنَّها ساكنةٌ بعدَها ياءٌ فإِذَا قلتَ : فُعِلْت قلتَ : أُسْيُوِيرْتُ
قالَ سيبويه : وسألتهُ يعني الخليلَ عَنِ اليوم فقالَ : كأَنَّهُ مِنْ ( يُمْتُ ) وإِن لم يستعمل كراهيةَ أن يجمعوا بينَ هَذا المعتل ويَاءٍ تدخلها الضمةُ في ( يَفْعُلُ ) كراهيةَ أنْ يجتمعَ ياءانِ في إِحداهما ضمةٌ مع المعتل ومما جاءَ على ( فِعْلٍ ) لا يتكلمُ بهِ كراهيةٍ نحو ما ذكرها أولُ وَآأَةٌ وَوَيْسٌ وَوَيْجٌ كَأنَّهُ مِنْ وِلتُ وَوِحْتُ وَأُؤْتُ
أَفعلتُ في القياسِ مِنَ اليومِ عَلى مَنْ قَالَ : أَطوَلتُ وأَجودَتُ
قالَ الخليلُ : أَيَّمتُ تقلبُ . هنا كما قلبتْ في ( أيامٍ ) أُفعِلٌ ومُفْعَلٌ ويُفْعَلُ أُووِمْ بغيرِ هَمْزٍ ويُوْوَمٌ لأَنَّ الياءَ لا يلزمُها أَنْ يكونَ بعدَها ياءٌ كفَعَّلتُ وفَوعلتُ مِنْ بِعْتُ وقَدْ تقعُ وحدَها فكَما أُجريتْ ( فَيْعَلتُ وفَوعَلتُ ) مجرى ( بَيْطرتُ ) وصَوْمعتُ أَجريتْ هذهِ مجرَى ( أيقنتُ )
وأَبو العباس يقولُ : أَيّمٌ عَلَى ( أَفعِلٍ ) لأَنَّ الواوَ هُنَا فَاء فهيَ تَلزمُ العينَ وهيَ مدغمةٌ وإِذَا كانَ الحرفُ مدغماً لم يقلبْهُ ما قبلَهُ
أفعلُ : مِنَ اليَومِ أيَّمٌ والجمعُ أيائمُ تهمزُ لأَنَّها اعتلتْ كما اعتلتْ في ( سيدٍ ) فكما أَجريتَ سَيداً مَجرى ( فَوْعلَ ) مِنْ ( قَلْتُ ) كذلكَ تجري هَذا مجرى أَوَّلَ
افْعَوعَلتُ مِنْ ( قُلْتُ ) : ( اقْوَوَّلْتُ وافْعَالَلتُ ) مِنَ الياءِ والواوِ : اسوادَدْتُ وابَياضَضْتُ أَتموا لأَنَّهم لو أسكنوا لكانَ فيهِ حذفُ الألفِ
والواوِ لئلا يلتقي ساكنانِ
افْعَلَلَتُ ( ازْوَرَرْتُ ) وابْيَضَضْتُ فإِنْ أردتَ ( فُعِلَ ) قلتُ أُبْيُوضٌ في هَذا المكانِ واقْوُول جمعتَ بينَ ثلاثِ واواتٍ لأَنَّ الثانية كالمدةِ كما فعلتُ ذلكَ في ( قَوْوِلَ )
قال أبو الحسن : أَقُولُ : واقْوُيِلْتُ لئلا أَجمعَ بينَ ثلاثِ واواتٍ فُعْلَلٌ من كِلتُ : كُوْلَلٌ وفُعْلِلٌ إِذا أَردتَ الفِعلَ : كُوَلِلٌ ولم يجمعْ بمنزلةِ بِيضٍ
وبِيْعٍ لبعدِها مِنَ الطرفِ وصارتْ علَى أَربعةِ أَحرفٍ وكانَ الفعلُ ليسَ أَصله يائهِ التحريكُ
سمعنا مِنَ العربِ مَنْ يقولُ : تَعَيّطتِ الناقةُ ثُمَ قالوا : عُوطَطٌ فُعْلَلٌ
بَابُ مَا الهمزُ فيهِ في موضعِ اللامِ مِنْ بناتِ الياءِ والواوِ
نحو : سَاءَ يَسُوءُ وجَاءَ يَجيءُ وَشاءَ يَشَاءُ
اعلَم : أَنَّ الواوَ والياءَ لا تُعَلاَّنِ واللام ياءٌ أَو واوٌ لأَنَّهم إِذَا فعلوا ذلك يصيرونَ إلى ما يستثقلونَ وإِلى الإِلباس والإِجحافِ فهذهِ الحروفُ تجري مَجرى : قَالَ وبَاعَ إِلاّ أَنكَ تحولُ اللامَ يَاءً إِذا همزتَ العينَ وذلكَ نحو قولكَ : جَاءٍ همزتَ العينَ التي هُمِزَتْ في ( بَائعٍ ) واللام مهموزة فالتقت همزتانِ ولم تكنْ لتجعلَ اللامَ بينَ بينَ لأَنَّهما في كلمةٍ واحدةٍ وجميعُ ما ذكرتُ في ( فَاعلٍ ) بمنزلةِ جَاءٍ
واعلَم : أَنَّ ياءَ ( فَعَائل ) أَبداً مهموزةً لا تكونُ إِلا كذلكَ ولم تَردْ إِلاّ كذلكَ وشبهت ( بفَعَاعِل فَوَاعل ) مِنْ جِئتُ جَوَاءٍ وشَوَاءٍ لأَنَّها لم تعرضْ في جَمعٍ وأَمَّا ( فَعَائل ) مِنْ ( جِئتُ ) وَسُؤتَ فكخَطَايا تقولُ :
جَيَايا وسَوَايا وكانَ الخليلُ : يزعمُ : أَنَّ جاءٍ وشَاءٍ
اللامُ فيهما مقلوبةٌ واطردَ في هذَا القلب إِذ كانوا يقلبونَ كراهيةَ الهمزةِ الواحدةِ نحو ( لاثٍ وشَاكٍ ) فُعَائلُ من جئتُ جُيَاءٌ ومِنْ سَؤتُ سُوَاءٍ لأَنَّها لم تُعرضْ في جَمَعٍ :
( فَعْلَلٌ ) مِنْ جئتُ وقَرَأتُ : جَيْأى وقَرْأًى فُعْلُلٌ : وقُرْئىٍ وَجُوْئىٍ فِعْلِلٌ قِرْئِي وجِيْئِيٌ لإلتقاء الهمزتين ولزومهما وليسَ يكونُ هَا هُنا قَلْبُ كما في : جَاءٍ لأَنَّهُ لَيس هُنَا شيءٌ أَصلُه الواوُ ولاَ الياءُ فَإِذَا جعلَتهُ طرفاً جعلتَهُ كياءِ ( قَاضٍ ) وإِنَّما الأصلُ هُنَا الهمزُ فِإِذا جمعتَ قلتَ : قَرَاءٍ وجَيَاءٍ لأَنَّها لم تعرضْ في الجمعِ
فَعَاعلُ : مِنْ جِئتُ وسؤتُ سَوَايا وجَيَايَا لأَنَّ ( فَعَاعِلَ ) مِنْ قلتُ : وبِعْتُ مهموزتانِ فصارتْ همزةً عرضتْ في جَمعٍ ومَنْ جعلَها مقلوبةً فينبغي أن يقولَ : جياء وسَوَاءٍ لأَنَّهما همزتا الأصلِ التي تكونُ في الواحدِ
افْعَلَلتُ مِنْ : صَدِئتُ اصْدَأَيتُ تقلبُها ياءً كما تقلبُها في ( مُفْعَللٍ ) وذلك قولكَ مُصْدِىءٍ وَيَفْعَلِلُ يَصْدِئي فَيَاعلُ مِنْ جِئْتُ وَسُوْتُ بمنزلةِ فَعَاعل جَيَايا وسَيَايا لأَنَّها عرَضتْ في جَمعٍ
قالَ سيبويه : وسألتُ الخَليلَ عْن ( سُؤْتهُ سَوَائيةً فقالَ : هيَ : فَعَاليةٌ بمنزلةِ عَلاَنيةٍ والذينَ قالوا : سَوَايةٌ حذفُوا الهمزةَ وأَصلهُ الهمزةُ كما اجتمعَ أَكثرهُم علَى تركِ الهمزِ في ( مَلَكٍ ) قالَ : وسألتهُ : عَنْ مَسَائيةٍ فقالَ : هيَ مقلوبةٌ وكذلكَ : أَشياءُ وأَشاوي ونظيرهُ قِسِيٌّ وأَصلُ مسائيةٍ : مَسَاوِئةٌ فكرهوا الواوَ معَ الهمزةِ وأَصلُ أَشياءٍ : شَيئَاءٌ وأشاوي كأَنَّكَ ( جمعتَ ) إشاوةً وأَصلُ ( إِشَاوةٍ : شَيئَاءُ ) ولكنَّهم قَلبوا وأَبدلوا مكانَ الياءِ الواو كما قالوا : أَتَيْتَهُ أَتْوَةً وأَمَّا ( جَذَبْتُ ) وجَبَذْتُ ونحوهُ فليسَ بمقلوبٍ كُلُّ واحدٍ على حدتهِ لأَنَّ الفِعلَ يتصرفُ فيهما وأَمَّا كُلُّ وكِلا فَمِنْ لفظتينِ لأَنَّهُ ليسَ ها هُنا قُلبٌ ولا حرفٌ من حروفِ الزوائدِ
بَابُ ما يخرجُ على الأصلِ إِذَا لَمْ يكنْ حَرفَ إعرابٍ
وذلكَ : الشَّقَاوةُ والإِداةُ والنِّهاوَةُ ومِنْ ذلكَ : الأُبوةُ والأُخوةُ والأُخوةُ لا يغيرانِ ولا تحولهما فيمن قالَ : مَسْنِيٌّ وعُتِيٌّ للزوم الإِعرابِ غيرَهما وصلاءةٌ وعَظاءةٌ جاؤوا بهِ علَى قولِهم : صَلاَءٌ كَما قالوا : مَسْنيَّةٌ ومَرْضِيَّةٌ حيثُ جاءتا علَى مَرْضيٍّ ومَسْنيٍّ فلحقتِ الهاءُ حرفاً يُعَرَّى مِنْها ومَنْ قالَ : صَلاَيةٌ وَعَبَايةٌ فلم يجىء بالواحدِ على الصَّلاَءِ والعَباءِ كما أنّه إذا قال : خُصْيانِ لم يُثنهِ على الواحدِ ولو أرادَ ذلكَ لقال خُصْيتانِ قال وسألته عن الثَنايَينِ فقالَ : هُوَ بمنزلةِ : النِّهايةِ ومن ثُم قالوا : مِذْرَوانِ لأَنَّ ما بعدَهما مِنَ الزيادةِ لا يفارقانِهما وإِذَا كانَ
قبلَ الياءِ والواوِ حرفٌ مفتوحٌ كانتِ الهاءُ لازمةً ولم تكن إِلاَّ بمنزلتِها لو لم تكنْ هاءً نحو : العَلاَةِ وهَنَاةٍ وَمَناةٍ فَتقلبها ألفاً
وقَمَحدوةٌ مثلُ : ( سَرُوَ ) وإنْ كانَ ما قبلَ الياءِ والواوِ فتحةً في الفعلِ قلبتْ ألفاً وإنَّما قالوا : الغَثَيانُ لأَنَّ ما بعدَهُ ساكنٌ كَما قالوا رَمَيا وإِذا كانتِ الكسرةُ قبلَ الواوِ ثم كانَ بعدَها ما يقعُ عليهِ الإِعرابُ لازماً أو غيرَ لازمٍ فهيَ مبدلةٌ مكانَها الياءُ ( مَحْنِيةٌ ) وهيَ مِنْ ( حَنَوْتُ ) وهيَ الشيءُ المَحْنِيُّ مِنَ الأرضِ وَغَازِيةٌ وقالوا : قِنْيَةٌ للكسرةِ وبينهما حرفٌ والأصلُ ( قِنْوَةٌ )
بَابُ ما إِذَا التقتْ فيهِ الهمزةُ والياءُ قلبتِ الهمزةُ ياءً والياءُ ألفاً
وذلكَ : مَطَيّةٌ ومَطَايا ورَكيةٌ ورَكَايا وهَديَّةٌ وهَدَايا وإِنَّما هذهِ ( فَعَائِل ) كصحيفةٍ وصَحَائِفَ لأَنَّها همزةٌ بينَ أَلفينِ يدلُكَ على ذلكَ أنَّ الذينَ يقولونَ : سَلاءٌ كما تَرى فيحققونَ يقولونَ : رأيتُ سًلاً فَلا يحققونَ فأَبدلوا مِنْ مَطَايا مكانَ الهمزةِ ياءً لأَنَّها هيَ كانَتْ ثَابتةً في الواحدِ
وقالَ : قال : بعضهم : هَدَاوَى فأَبدلوا الواوَ لأَنَّ الواوَ قد تبدل مِنَ الهمزةِ وما كانت الواوُ فيه ثابتةً نحو ( هَراوةٍ ) وإِدَاوَةٍ فيقولونَ : هَرَاوى وأَداوى وأَلزموا الواوَ هُنا كَما أَلزموا الياءَ في ( مَطَايا ) وكما قالوا : حَبَالى ليكونَ آخرهُ كآخرِ واحدهِ وليستْ بأَلفِ التأنيثِ كَما أَنَّ الواوَ في ( أَدَاوَى ) غيرُ الواوِ في ( إِدَاوةٍ ) ولم يفعلوا هذا في ( جَاءٍ ) لئلا يلتبسَ بفَاعل وَفُعِلَ ذلكَ بما كانَ على مثالِ مَفَاعِلَ لأَنَّهُ ليسَ يلتبسُ لعلمِهم أَنَّهُ ليسَ في الكلامِ علَى مثالِ ( مَفَاعِل ) . و ( فَوَاعِل ) من ( شَوَيْتُ )
شَوَايا لأَنَّها همزةٌ تعرضُ في الجمع وبعدَها الياءُ همزتَها كما همزت ( فَوَاعِل ) من ( عَوِرْتُ ) وكذلك ( فَوَاعلُ ) مِنْ ( حَيِيْتُ ) وفَوَاعلُ منهما بمنزلةِ ( فَوَاعل ) في أَنَّكَ تهمزُ ولا تبدلُ مِنَ الهمزةِ ياءً تقولُ : شَوَاءٌ فُعَائِلُ مِنْ بناتِ الياءِ والواوِ مُطَاءٍ ورُمَاءٍ لأَنَّها همزةٌ لم تعرضْ في الجمعِ فهمزتُها بمنزلةِ همزةِ فَعَالٍ ( مِنْ ) حَيِيْتُ والجمعُ مَطَاءٍ لأَنَّها لم تعرضْ في الجمعِ فَيْاعِلُ مِنْ ( شَويتُ ) وَحَيِيْتُ حَيَايا وشَيَايا لأَنَّها همزةٌ تَعرضُ في الجمعِ بعدَها الياءُ ولا يخافونَ التباساً وقالوا : فَلُوَّةٌ وفَلاوى لأَنَّ الواحدَ فيهِ واوٌ فأَبدلوا في الجمعِ واواً
وأَمَّا فُعَائلُ وفُعَاعِلُ تقولُ : شَوَاءٍ وَحُيَاءٍ و ولا تقولُ : حَيَايا وشَوَايا لئلا يلتبسَ ( بحُبَارى )
ما بنيَ على : أَفعلاء وأَصلهُ ( فُعَلاءُ )
وذلكَ ( أَسرَياءُ وأَغنِياءُ وأَشقِياءُ صرفُوها عِنْ سُرَواءَ وغُنياءَ لأَنَّهم يكرهون تحريكَ الواوِ والياءِ وقبلهما الفتحةُ إلاّ أَنْ يخافوا التباساً في رَمَيا وَغَزَوَا
جملُ الأُصولِ التي لا بُدَّ مِنْ حفظِها لإستخراج المسائلِ بجميعِ أَقسامِها :
الياءُ لا تخلو مِنْ أَنْ تكونَ ساكنةً أَو متحركةً والساكنةُ لا تخلو مِنْ أَن تكونَ بعدَ حرفٍ مفتوحٍ أَو حرفٍ مكسورٍ أَو حرفٍ مضمومٍ فإنْ
كانتِ الياءُ بعدَ حرفٍ مفتوحٍ وهيَ ساكنةٌ لم تعل إلاّ في لغةِ مَنْ قالَ : في يَيْأَسُ يَيْئِسُ وفي ( يَوْجَلُ يَاجَلُ ) وإنْ كانتْ بعدَ حرفٍ مكسورٍ فهيَ علَى حالِها وإنْ كانتِ الياءُ الساكنةُ بعدَ حرفٍ مضمومٍ قلبتْ واواً وإنْ بعدت مِنَ الطرفِ وإنْ قربتْ أُبدلتِ الضمةُ كَسْرَةً وأُقرتِ الياءُ على حالِها نحو بِيضٍ وما أَشبههُ إلاّ في الإسمِ الذي علَى ( فُعْلَى ) نحو : طُوبى ) وَكُوسَى وهذهِ الياءُ لا تغيرُ لِمَا بعدَها إلاّ أنْ يليهَا تاءُ ( افْتَعلَ ) . وتقولُ : اتَّأسَ مِنَ التَأسِي
بَابُ الياءِ المتحركةِ
الياءُ المتحركةُ لا تخلو مِنْ أَن تكونَ أَولاً أَو بعدَ حرفٍ وإذَا كانتْ أَولاً فلا بُدَّ مِنْ أَن يكونَ بعدَها حرفٌ ساكنٌ أَوْ حرفٌ متحركٌ فإنْ كانَ بعدَها حرفٌ ساكنٌ أَوْ حرفٌ متحركٌ فهيَ علَى حالِها لا تقلبُ ولا تغيرُ حركتها إلاّ في قولِ مَنْ قالُ في ( يَوجَلُ يِيجلُ ) فيكسُر الياءَ ليثبتَ قلبَ الواوِ بعدَها وإنْ كانتِ الياءُ المتحركةُ بعدَ حرفٍ فلا تخلو مِنْ أَن تكون طرفاً أَو غيرَ طرفٍ فإنْ كانتْ طرفاً فلا تخلو من أَنْ يكونَ قبلَها ساكنٌ أَو متحركٌ فإنْ كانَ قبلها ساكنٌ وهيَ طرفٌ فهيَ علَى حالِها إلاّ أَنْ يكونَ الساكنُ الذي قبلَها ألفاً فإنَّها تبدلُ همزةً وذلكَ نحو : قَضَاءٍ وسِقَاءٍ أَو يكونَ لاماً في ( فَعْلَى ) نحو ( تَقْوَى ) فإنْ كانَ قبلَ الياءِ المتحركةِ التي هيَ طرفٌ حرفْ متحركٌ أبدلتِ الياءُ لحركةِ ما قبلَها إنْ كانتْ في ( فِعْلٍ ) وإنْ كانَ المتحركُ قبلَها مفتوحاً أبدلتْ أَلفاً نحو : قَضَى وَرَمى وإنْ كانَ مضموماً قلبتْ واواً نحو قَضُوَ الرجلُ ورَمُوَ وإنْ كانَ قبلَها مكسورٌ بقيتْ علَى حالِها فإِنْ كانتْ بهذهِ الصفةِ في اسمٍ وكانَ قبلَها مفتوحٌ قلبتْ أَلِفَاً نحو : رَحَى الألفُ منقلبةٌ مِنْ ( ياءٍ ) يدلُّكَ علَى هذَا قولُهم : رَحَيانِ وإنْ كانَ ما قبلَها
مكسوراً تُرِكَتْ على حالِها وإنْ كانَ ما قبلها مضموماً أُبدلتْ مِنَ الضمةِ كسرةً واتبعتِ الحركة ما بعدَها خلافُ ما عملتْ في الفعلِ وذلكَ نحو قولهم في جمعِ ( ظَبيٍ ) عَلَى ( أَفعُلٍ ) أَظَّبٍ كانَ الأَصلُ الضم في الباءِ فأبدلتْ منها كسرةٌ فإنْ كانتِ الياءُ المتحركةُ غير طرفٍ فليستْ تخلو مِنْ أَنْ تكونَ بينَ ساكنينِ أَو متحركينِ أَو بينَ متحركٍ وساكنٍ فإنْ كانتْ بينَ ساكنين فهيَ على حالِها إلا في قولِ مَنْ قالَ في ( ظَبيْ ظَبَويٌّ ) وقد ذكرتهُ في النَّسَبِ وإنْ كانتِ الياءُ المتحرَكةُ بينَ متحركينِ فهيَ على حالِها إلاّ أَنْ يكونَ قبلَها حرفٌ مفتوحٌ فإنَّها تقلبُ أَلفاً نحو : باعَ ونَاب وإنْ كانَ قبلَها حرفٌ مضمومٌ أَو مكسورٌ وهيَ مفتوحةٌ فهيَ علَى حالِها وذلكَ نحو : عُيبةٍ وصِيَرٍ وليسَ يجوزُ أَنْ يقعَ في الكلامِ مضمومٌ بعدَ مكسورٍ في حَشوِ كلمةٍ وبنائِها ليَسَ في الكلامِ مِثلُ ( فِعُلٍ ) ولا ( فُعِلٍ ) إلاّ في الفِعْلِ فإنْ أَردتَ ( فُعِلَ ) مِنَ البيعِ قلتَ : بِيَعَ ومِنَ العربِ مَنْ يقولُ ( بُوعَ ) فيبدلُ فهذَا مذكورٌ في موضعِه مبينُ وإنْ كانتِ الياءُ المتحركةُ بينَ متحركٍ وساكنٍ فإنْ كانَ ما قبلَها متحركاً وما بعدَها ساكناً لم يجزْ أَن تعلها لسكونِ ما بعدَها لئلا يجتمع ساكنانِ نحو ( دَيَامِيسَ ) وإنْ كانَ ما قبلَها ساكناً وما بعدَها متحركاً فهيَ على حالِها نحو : عِثْيَرٍ
الواو : والواوُ لا تخلو مِنَ أَن تكونَ ساكنةً أَو متحركةً والساكنةُ لا تخلو مِنْ أَنْ تكونَ بعدَ حرفٍ مفتوحٍ أَوْ مضمومٍ أَوْ مكسورٍ فإنْ كانتِ الواوُ الساكنةُ بعدَ حرفٍ مفتوحٍ فهيَ علَى حالِها إلاّ في لغةِ مَنْ قَالَ في
يَوْجَلُ : ( يَاجَلُ ) وإنْ كانَ قبلَها حرفٌ مضمومٌ فهيَ على حالِها إلاّ أَنْ يكونَ بعدَها واوٌ في نحو : ( صُوَّمٍ ) فإنَّ مِنهم مَنْ قالَ : ( صُيَّمٌ ) لقربها مِنَ الطرفِ شبهوها بُعتيٍ وقالوا أَيضاً : ( صِيَّمٌ ) إنَّما جَاءَ هذَا فيما قَرُبَ مِنَ الطرفِ وهو جَمعٌ فإنْ قالوا : صُوَّامٌ وزُوَّارٌ لم يقلبوا وإنْ كانَ قبلَها حرفٌ مكسورٌ قلبتْ ياءً نحو ( مِيزانٍ ) وأَصلُه : ( مِوزَانٌ ) لأَنَّهُ مِنَ الوزن إلا أَنْ تكونَ الواوُ علامةً لجمعٍ نحو : ( قاضونَ ويَقضُونَ فإنَّكَ تبدلُ من الكسرةِ ضمةً كي لا تزولَ العلامةُ وإنْ كانتِ الواوُ ساكنةً ولم يغيرها ما قبلَها فَلَن يغيرَها ما بعدَها إلاَ أَنْ يكونَ بعدَها ياءٌ ) فإنَّها تبدلُ ياءً وتدغمُ فيما بعدَها تقولُ في ( فَوْعَلٍ ) مِنْ ( بِعْتُ ) بَيَّعٌ فإنْ كانتِ الواوُ مدةً قبلَها ضمةٌ وهيَ منقلبةٌ مِنْ أَلفٍ زائدةٍ لم يجزْ إدغامُها نحو واوِ : ( سُوَيرٍ ) والواوُ منقلبةٌ مِنْ أَلفِ ( سَاير ) وكذلكَ ( تبُويعَ ) ومثلهُ رُويةٌ وَرُويَا وَنُويٌّ لم يقلبوا لأَنَّ الأَصلَ الهمزُ وقَالَ بعضُهم : رَيَّا وَرُيَّةٌ ولا يكونُ مثلُ هذَا في ( سُوَيرَ وتُبَويعَ ) لأَنَّ الواوَ بَدَلٌ مِنْ أَلفٍ فأَرادوا أَن يمدوا وأَنْ لا يكونَ بمنزلةِ ( فُعِّلَ ) و ( تُفُعِّلَ ) أَلا تَرَاهم قالوا : ( تُقُووِلَ ) وَقُووِلَ فهذهِ قصةُ الواوِ الساكنةِ إلاّ أَنْ يقعَ في ( يَفعَلُ ) وهَيَ في موضعِ الفاءِ بينَ ياءٍ وكسرةٍ
نحو : وعَدَ يَعِدُ وكَانَ الأصل ( يَوْعِدُ ) فوقعت الواو بين ياء وكسرة فحذفت وأجريت التاء والألف والنون مجرى أُختهن الياء لئلا يختلفَ الفعلُ
وقالَوا : عِدةٌ فأجروا المصدَر علَى الفعل في الحذفِ وإنْ كانَ بعدَ هذهِ الواوِ تَاءُ ( افْتَعلَ ) أبدلتْ تاءً نحو قولِهم : اتَّعدَ
الواوُ المتحركةُ : والواوُ المتحركةُ لا تخلو مِنْ أَن تكونَ أَولاً أَوْ بعدَ حرفٍ فإنْ كانتْ أولاً فلا تخلُو مِنْ أَن تكونَ مضمومةً أَو مكسورةً أو مفتوحةً فإنْ كانتْ مضمومةً فمِنَ العربِ مَنْ يبدلُها همزةً ومنهم مَنْ يدعُها على حالِها قالوا : في ( وجوهٍ ) أُجُوةٌ وإنْ كانتْ مكسورةً فكذلكَ إلاّ أَنَّ الهمزَ أَكثرُ ما يجيءُ في المضمومةِ وهوَ مطردٌ فيها وقالوا في ( وسادةٍ إسَادةٌ ) وفي ( وِشاحٍ أِشَاحٌ ) وهذَا أيضاً كثيرٌ فأمَّا المفتوحةُ فليسَ فيها إبدالٌ وقَد شَذَّ منهُ شَيءٌ قالوا : امرأة أَنَاةٌ وهيَ ونَاةٌ مِنَ الوَنَى وقالوا : أَحدٌ في ( وَحَدٍ ) وهَذا شَاذٌ وإنْ كانتِ الواوُ المتحركةُ أَولاً وبعدَها حرفٌ ساكنٌ أَو متحركٌ فهي عَلَى حالِها إلاّ أَنْ يكونَ بعدَها واوٌ فإنّه يلزمُها البدلُ وأَنْ تُجعلَ همزةً كقولِهم في ( فَوعل ) مِنَ الوعدِ : أَوعدَ فإنْ كانتِ الواوُ الثانيةُ مدةً كنتَ في همزةِ الأُولى بالخيارِ نحو : ( فَوعل ) مِنْ ( وعَدَ ) تقولُ : وَوعدَ ( وَوُورِيَ عنهما مِنْ سَوْآتِهمَا ) الواوُ الثانيةُ مدةٌ وليسَ الهمزُ لإجتماعِ الواوينِ ولكنْ لضمة الأُولى وإنْ كانتِ الواوُ المتحركةُ بعدَ حرفٍ فَلِنْ تخلو مِنْ أَن تكونَ طرفاً أَو غيرَ طرفٍ فإنْ كانتْ طرفاً فلا بُدَّ مِنْ أَنْ يكونَ قبلَها ساكنٌ أَوْ متحركٌ فإنْ كانَ ما قبلَها ساكناً وهيَ طرفٌ
فهيَ على حالِها في الإسمِ إلاّ أَنْ يكونَ قبلَها واوُ ( فُعُولٍ ) في الجَمعِ نحو : ( عُتيٍّ ) وعُصِيٍّ كانَ الأَصلُ ( عُتُوٌّ ) وعُصُوٌّ فقلبتْ في الجمعِ وتثبتُ في الوَاحدِ أَلاَ تَرى أَنَّكَ تقولُ في المصدرِ قَدْ بلغَ عُتُوّاً
وقَد حُكيَ عن بعضِ العَربِ : إنكم لتنظرونَ في نَحُوٍّ كثيرةٍ فصححَ الواو في الجمعِ وأَتى بهِ علَى الأَصلِ أَو يكونُ قبلَها أَلفٌ فإنَّها تقلبُ همزةً نحو : ( كِسَاءٍ ) وإنْ كانتْ قبلَها ياءٌ ساكنةٌ فَقَد قالوا : حَيْوَةٌ فكانَ حَقُّ هذَا ( حَيَّةٌ ) أَو تكون لاماً في الفعلِ نحو ( الدُّنيا ) كانَ الأصلُ ( الدُنْوَى ) أَو تكونُ مضمومةً فيجوزُ هَمزهُ نحو : أُدْؤرٍ ( وإنْ كانَ قبلَ الواوِ المتحركةِ وهيَ طَرفٌ حرفٌ متحركٌ فلا يخلو ما قبلَها أَنْ يكونَ مفتوحاً أَوْ مضموماً أَو مكسوراً فإنْ كانَ مفتوحاً قلبتْ أَلفاً نحو : غَزَا وقَضَى وإنْ كانَ مكسوراً قلبتْ ياءً نحو ( غُزِي ) وإنّ كانَ مضموماً في ( فِعْلٍ ) تُرِكَ على حالِه نحو : يَغزُو فإنْ كانَ في اسمٍ أبدلتْ ياءً وكسرَ ما قبلَها كما قالوا في جَمعِ دَلْوٍ : أَدْلٍ وكانَ الأصلُ أَدْلُواً فإنْ كانتْ بهذِه الصفةِ وبعدهَا هاءُ التأنيثِ صحتْ وذلكَ نحو : ( قَمَحدوةٍ ) فإنْ كانتَِ الواوُ غيرَ طرفٍ فَليستْ تخلو مِنْ أَنْ تكونَ بينَ ساكنينِ أَو متحركينِ أَو بينَ ساكنٍ ومتحركٍ فإنْ كانتْ بينَ ساكنينِ فهيَ على حالِها إلاَ أَنْ يكونَ الساكنُ الذي قبلَها ياءً فإنَّها تقلبُ ياءً ويدغمُ فيها ما قبلَها وذلكَ نحو : ( فَيْعُولٍ ) مِنْ يَقُومُ قَيومٍ وإنْ كانتْ متحركةً بينَ متحركينِ وكانَ الذي قبلَها مفتوحاً قلبتْ ألفاً وذلكَ نحو : ( قَالَ ) وبَابٍ ودَارٍ وخَافَ ولا تُبالِ ( إلى ) أَيّ حركةٍ كانتْ
مفتوحةً أَو مكسورةً أَو مضمومةً فإنَّها تقلبُ أَلفاً إلاّ مَا جَاء على ( فَعَلانٍ وفَعَلَى ) نحو ( جَوَلاَنٍ وحَيَدى ) جَعلوهُ بمنزلةِ ما لا زائدَ فيهِ فأَخرجوهُ بذلكَ مِنْ شبهِ الفِعْل فصارَ بمنزلةِ الحوِلِ والغِيَرِ الذي ليسَ على مثالِ الفِعلِ وقَد أَعلَ بعضُهم ( فَعَلاَنَ وفَعَلى ) جَعلوا الزيادةَ كالهاءِ وذلكَ قولُهم : دَارَانٌ وهَامَانٌ
قالَ سيبويه : وهذَا ليسَ بالمطردِ وإنْ كانَ ما قبلَها مضموماً وهيَ مفتوحةٌ فهيَ علَى حالِها نحو : رَجلٍ نُوَمٍ ولا تعتلُّ هذِه لأَنَّ هذَا الوزنَ لا يكونُ فِعْلاً وإنْ كانت مكسورةً وقبلها مضمومٌ فَهذا لا يكونُ إلا في ( فُعِلَ ) مثلُ قِيلَ كانَ الأصلُ قُوِلَ وهذَا مُبينٌ في موضعهِ ومنهم مَنْ يقولُ : قُوَلَ وإنْ كانَ ما قبلَها مسكوراً وهيَ مفتوحةٌ صحتْ لأَنَّها ليستْ علَى مثالِ الفعلِ نحو : حَوِلَ إلاّ أَنْ يكونَ جمعاً لواحدٍ قَدْ قُلبَ فإنهُ لا يثبتُ في الجمعِ إذا كانَ قبلهُ كسرةٌ وذلكَ نحو : ديمةٍ ودِيَمٌ وحِيلَةٍ وحِيَلٌ وقَامَةٍ وقِيَمٌ وإنْ كانتْ مضمومةً وقبلَها مضموم فإنْ كانَ الإسم علَى ( فُعُلٍ ) أسكنوا الواوَ لإجتماعِ الضمتينِ وذلكَ قولُهم : عَوَانٌ وعُونٌ ونَوَارٌ ونُورٌ ويجوزُ تثقيلُ فَعِلَ في الشعر ولا يجوزُ أَن تقعَ مضمومةً وقبلَها كسرةٌ لأَنها ليسَ في الكلامِ مثلُ ( فُعِلٍ ) وفِعِلٌ أَيضاً لَيسَ في الكلامِ إلاّ في ( إبِلٍ و إطِلٍ ) فإنْ وقعتْ بينَ ساكنٍ ومتحركٍ فحكمُها حكمُ التي تقعُ بينَ ساكنين لأَنَّها لا يغيرُها ما بعدَها فهيَ علَى
حالَها إلاّ أَنْ يكونَ الساكنُ الذيَ قبلَها ياء فإنَّها تقلبُ ياءً وتدغمُ فيها نحو : ( سَيّدٍ ومَيَّتٍ كانَ الأصلُ : سَيودٌ ومَيوِتٌ ) وإنْ وقعتْ بينَ متحركِ وسَاكنٍ فهيَ علَى حالِها إلاّ أَنْ تكونَ في مصدرٍ قَد اعتلَّ فعلُه وقبلَها كسرةٌ وبعدَها أَلفٌ نحو : قُمْتُ قِياماً وحَالتْ حِيَالاً أَو تكونُ كذلكَ في جمعٍ قد أُعلَّ واحدهُ نحو : دَارٍ ودِيَار وإذَا كانَ بعدَها الألفُ فهي أَجدرُ أَنْ تقلبَ أَو تكونَ كذلكَ أَيضاً في جمعِ الواوِ ساكنةً في واحدِه نحو : ثَوبٍ وثِيَابٍ وسَوطٍ وسِيَاطٍ لأَنَّ الكسرةَ قَدْ دخلتْ علَى ما أَصلهُ السكونُ فإنْ جئتَ بِفِعَالٍ غيرِ مُجرٍ لَهُ عَلى ( فِعْلٍ ) ولا جَمع لشيءٍ مِما ذكرَنا صححت فقلتَ : هَذا قِوامُ الأَمرِ فإنْ جاءَ الجمعُ في هذَا بغيرِ أَلفٍ نحو : عُودٍ وَعِوَدَةٍ وزَوجٍ وَزِوَجَةٍ لَم يُعَلَّ وقَد قالوا : ثَورٌ وَثِوَرَةٌ وَثِيَرَةٌ
قالَ سيبويه : قلبوها حيثُ كانتْ بعدَ كسرة قالَ : وليسَ هُوَ بمطردٍ
قالَ أَبو العباس : بنوهُ على ( فِعْلَةٍ ) ثُمَ حركوهُ فَصَار ثِيَرةً
قالَ أبو بكر : والأقيس عندي في ذَا أَنْ يكونوا أَرادوا ( فِعَالة )
وقَصروا لأَنَّ ( فِعَالةً ) مِنْ أَبينةِ الجمعِ ( وَفِعَلَةً ) لَيْسَ من أَبنيةِ الجمعِ التي تكثرُ فيهِ ولا يُقاسُ عَليهِ فإنْ لم يَقَعْ في هذَا البابِ قبلَ الواوِ كسرةٌ صحتِ الواوُ أَلاَ تَراهم جَمعوا : ( قَيْلٌ ) : إقْوال وأَجرى مجرى حِيَالٍ اخترتُ اختياراً : ( تِيارٌ ) مِنْ اختيار مثلُ ( حِيَالٍ ) وانقدتُ انْقياداً ( قِيَاداً ) ( مثلُ ) حِيَالٍ فأَمَّا جِوَارٌ فصح لصحتهِ في الفعلِ وذلكَ قولُهم : جاورتُ وإنْ وقعَ بعدَ الواوِ المتحركةِ واوٌ ساكنةٌ نحو : ( فُعُولٍ ) تركتْ علَى الأَصلِ ويهمزونَ إنْ شاءوا وكذلكَ ( فَعُولٌ ) نحو : قَوُول إنْ شاَءَ على الأَصلِ وإنْ شَاءَ همزَ المضمومةَ وأَمَّا طَويلٌ وَطِوالٌ فصحتْ في الجمعِ لصحتِها في الواحدِ وقَد تقدمَ مِنْ قولِنا : إنَّ حروفَ العلةِ أَربعةٌ : الواوُ والياءُ والهمزةُ والأَلفُ وقد ذكرتُ أُصولَ الياءِ والواوِ وهُما الحرفانِ المعتلانِ كثيراً
والهمزةُ قد مضى ذكرُها في بابِ الهمزِ والألفِ فلا تكونُ أَبداً إلا زائدةً أو منقلبةً مِنْ شيءٍ إلاّ أَنْ تبنى من صوتٍ أَو حرف معنى فِعْلٍ علَى مذهبِ الحكايةِ أو لمعنىً سِوى ذلكَ نحو : عَاعيتُ وحَاحيتُ إنَّما هُوَ صوتٌ بنيَ منهُ ( فِعْلٌ ) وكذلكَ لو اكثرتَ مِنْ قولِكَ ( لا ) لجازَ أَن تقولُ : لا ليتُ تُريدُ : قُلتُ لاَ
ذِكرُ تكررِ هذهِ الحروفِ المعتلةِ واجتماعِ بعضِها معَ بعضٍ
الياءُ مكررة : إذَا اجتمعتِ الياءانِ فلا تخلوانِ مِنْ أَن تكونا متحركتينِ
أَو إحداهما متحركةٌ والأُخرى ساكنةٌ فإن كانتا متحركتينِ وهُما عينٌ ولامٌ أُعلتِ اللامُ دونَ العينِ ولَم يجزْ أَن تُعلا جميعاً وهذَا مذكورٌ في بابِ ( حَيِيْتُ ) وما أَشبههُ يَلزمُ اللام ما يلزمُ ياءَ ( رَمَيْتُ ) وخَشِيْتُ ولا يجوزُ إعلالُ العينِ وتصحيحُ اللامِ إلاّ فيما جاءَ شَاذاً مِمَا لم يُستعملْ منهُ ( فِعلٌ ) وإنْ كانتا متحركتينِ كيفَ وقعَتا فليسَ يجوزُ أَنْ تعلا جميعاً فحكمُ الواحدةِ المعتلةِ منهما حكمُ المنفردةِ فإنْ اجتمعتْ ثلاثُ ياءاتٍ في الفعلِ أُعلتْ الآخرةُ نحو : حَيَا يَحْيَى وَهْوَ مُحَييٌّ ولا تكونُ هذِه الياءاتُ الثلاثُ إلاّ في اسمٍ مبنيٍّ علَى ( فِعْلٍ ) فإنْ جَاءَ في غيرِ ذلكَ حذفتِ الآخرةُ وذلكَ قولُهم في تصغيرِ عَطَاءٍ : عَطَيٌّ وتصغير أَحْوى : أُحِييٌّ وكان الأصلُ : أَحَيْييٌ وعُطَييٌ فإنْ كانتِ المتحركةُ قبلَ الياءِ المشددةِ في مثلِ النسبِ إلى ( عَمٍّ ) قلتَ : عَمَويٌّ نقلتْهُ مِنْ ( فَعِلَ ) إلى ( فَعَلَ ) كما قلتَ في ( النَّمِرِ : نَمريٌّ ) فلما انفتحَ ما قبلَ الياءِ قلبتْ أَلفاً فلمَّا جئتَ بياءِ النَّسَبِ بعدَها صارَ حكمُها حكمُ ( رَحَى ) فقلتَ : عَمَويٌ كما قلتَ : ( رَحَويٌّ ) ولا توجدُ هذهِ الياءاتُ مجتمعةً في أُصولِ كلامِهم إلاّ في هذَا النوعِ فإنْ اجتمعتْ أَربعُ ياءاتٍ فإنّما تجدُ ذلكَ في مثلِ النَّسَبِ إلى : أُمَيَّةَ في قَولِ مَنْ قالَ : أُمَيِّيٌّ هؤلاءِ جَعلوا المشددَ كالصحيحِ لأَنَّهُ قَدْ قَوِيَ ومنهم مَنْ يقولُ : أُمَوِيٌّ وَهم الأَكثرُ والأَفصحُ فتحذفُ الياءُ الساكنةُ ويصيرُ مثلَ عَمَويٌّ
الواوُ المكررةُ : فإنّ اجتمعتْ واوٌ مع واوٍ أولاً هُمِزَتْ الأولى إِلاَّ أَنْ
تكونَ الثانيةُ مدةً وإن كانتا آخرَ كلمةٍ والأولى ساكنةٌ مدغمةٌ في الثانيةِ صحتا إلا ما قد استثنياهُ فِيمَا تقدمَ وإِنْ كانتا في فِعْل بنيَ على ( فَعِلٍ ) حتى تنقلبَ اللامُ الآخرةُ ياءً نحو : قَوِيتُ مِنَ القوةِ وإِنْ كانتا متحركتينِ أُعلتْ إِحداهُما الإِعلالَ الذي قَدْ تَقَدَّمَ ذكرهُ
وسيأتي بعدُ أَيضاً ولا تجتمعُ واوانِ في إحداهما ضمةٌ
قالَ سيبويه : تقولُ في ( فَعُلاَنٍ ) من ( قَويتُ ) : فَوَّانٌ وغَلطَ في ذلكَ : وقالوا : ينبغي لَهُ إنْ لم يُدغم أَنْ يقولَ : قَوِيَانٌ : فيدغمُ الأُولى ويقلبُ الثانيةَ ياءً لأَنَّهُ لا يجتمعُ واوانِ في إِحداهما ضمةٌ والأُخرى متحركةٌ وهذاَ قولُ أَبي عُمَر
وأَمَّا اجتماعُ ثلاثِ واواتٍ فقالوا في مِثَالِ : اغْدَوْدَنَ مِنْ قلت : إِقْوِوَّلَ تكررُ عينَ الفعلِ وبينهما واوٌ زائدةٌ فتدغم الواوَ الزائدةَ في الواوِ التي بعدَها فإِذا بنيتَهُ بناءَ ما لم يسمَّ فاعلهُ قلتَ : افْوووِلَ ولا تدغمُ لأَنَّها قد صارتْ مدةً كما تقولُ : اغدودَنَ ( فتوافقُ هذهِ الواوُ الواوَ التي تكونُ بدلاً مِنَ الألفِ في ( سُوَيرٍ ) وهذَا قولُ الخليلِ
وكانَ أَبو الحسنِ الأَخفشِ يقولُ في ( اغْدَوْدَنَ ) مِنَ قلتُ اقْوَيَّلَ فيقلبُ الواوَ الآخرةَ ياءً ثُمَ يقلبُ التي يليها لأَنَّها ساكنةٌ وبعدَها ياءٌ متحركةٌ ويقولُ : أَكرهُ الجمعَ بينَ ثلاثِ واواتٍ ولا يجوزُ أَن تجتمعَ هذهِ الواواتُ وفي إِحداها ضمةٌ لأَنَّهُ إِذا لم يكنْ في الواوينِ فهوَ مِنَ الثلاثةِ أَبعدُ
وإِذا بنيتَ
مثالَ ( فَعْلُوةٍ ) مِنْ ( غَزَوْتُ ) قلتَ : غَزْوُيَةٌ وكانَ الأصلُ : ( غَزْوُوَةً ) فأَبدلتَ الثانيةَ لأَنَّها لامٌ وهيَ أَولى بالعلةِ وإِنَّما جَاءَ : اقْوُووِلَ لأنَّ الواوَ الساكنةَ مدةٌ فهيَ نَظيرةُ الياءِ والألفِ وكان أَبو الحسن الأخفش يقولُ في ( افْعَوعَلَ ) اقْوَيَّلَ فيبدلُ الواوَ الآخرة ياءً ثم يقلبُ لَها التي تَليها لأنَّها ساكنةٌ وبعدَها ياءٌ متحركةٌ ويقولُ : أَكرهُ الجمعَ بينَ ثلاثِ واواتٍ وإِذَا قالَ : ( فُعِلَ ) قالَ : اقْوُووِلَ فلا يقلبُ وصارتِ الوُسطى مدةً بمنزلةِ الأَلفِ فلا يلزمهُ تغييرٌ لذلكَ فَهذا يدلُّكَ علَى أَن ثلاثَ واواتٍ لَيْست مِنْ أُصولِ كلامِهمِ ولَو سُمِعَ منهم شيءٌ لاتبعوهُ أَو ذكروهُ
وأَمَّا الألِفُ فلا تكونُ أَصلاً إِلاّ زائدةً أو منقلبةً في حرفٍ جَاءَ لمعنىً ليسَ باسمٍ ولاَ فعلٍ أَو صوتٍ كالحرفِ فحكم هذا مَتَى احتيجَ إِلى تكريرهِ أن تُبدلَ همزةً لتشبهَ ما انقلبَ من ياءٍ أو واوٍ وأَمَّا الهمزةُ فقدَ ذكرنا حكمها إِذَا تكررتْ في كتابِ الهَمزِ وأَنَّهما لا يجتمعانِ محققتينِ في كلمةٍ إِلا أَن يكونَا عيناً مشددةً نحو : رأسٍ فإِذا اجتمعتا متحركتينِ أَولَ كلمةٍ وكانتِ الأُولى والثانيةُ مفتوحتينِ أبدلتِ الثانيةُ أَلفاً فإن احتجتَ إِلى تحريكِ الأَلفِ والألفُ لا تحركُ أَبدلتَها واواً وذلكَ قولُكَ في آدَمَ : أَوَادِمَ وفي آخرَ : أَواخرُ وكذلكَ في التصغير تقولُ : أُويدِمٌ فأَشبهتْ أَلفَ ( فاعِلٍ ) وفَاعَلٍ لأَنها وإنْ كانتْ مبدلةً مِنْ همزةٍ فَليست بأَصلٍ في الكلمةِ كأَلفِ فَاعِلٍ ليست بأَصلٍ وإنْ كانتِ الهمزتانِ متأخرتين لامينِ قلتُ في مثلِ ( قِمْطْرٍ ) مِنْ ( قَرأتُ ) : قِرَأَيٌ ومثلُ مَعَدٍّ ( قَرَايُ ) فتغيرُ الهمزةَ
قالَ المازني : وسألتُ الأخفش وهو الذي بدأ بهذهِ المقالةِ فقلتُ
مَا بالُ الهمزةِ الأُولى إذا كانَ أصلهُ السكونُ لا تكونُ مثلَ همزةِ ( سَأْلٍ ورَأسً ) فقالَ : مِنْ قِبَلِ أَنَّ العينَ لا تجيء أبداً إلاّ وبعدَها مثلُها واللامُ قد تجيءُ بعدَها لامٌ لَيْسَتْ من لفظِها أَلا تَرى أَنَّ قِمَطراً وَهِدَمْلَةً قد جاءتِ اللامانِ مختلفتينِ
قَالَ المازني : والقولُ عندي كَما قالَ
قالَ : وسألته عن : هَذا أَفعلُ مِن هَذا ( مِن ) أَمَمْتُ : أَي : قصدتُ فَقالَ : أقولُ هذَا أَوَّمُ منهُ فجعلَها واواً حينَ تحركتْ بالفتحةِ كَما فعلوا ذلكَ في ( أَويدم ) فقلتُ لهُ : كيفَ تصنعُ بقولِهم : ( أَيِمَّةٌ ) ألا تَراها أَفْعَلَةً والفاءُ فيها هَمزةٌ فقال : لمّا حركوها بالكسرةِ جعلوها ياءً
وقالَ الأخفشُ : لو بنيت مثلَ : أُبْلُمٍ مَنْ ( أَممْتُ ) لقلتَ : أُوَّمٌ أَجعلُها واواً
قالَ المازني : فسألتنهُ : كيفَ تصغرُ ( أَيِمَّةً ) فقال : أُوَيِمّةً لأنَّها قد تحركتْ بالفتحةِ
والمازني يرد هَذا ويقولُ : أُيَيْمَّةٌ والقياسُ عندَهُ أن يقولَ في هَذا أَفعلُ مِنْ هَذا مِنْ ( أَمَمْتُ ) وأَخواتِها هَذا أَيَمٌّ مِنْ هذَا ولا يُبدلُ الياءَ واواً لأنَّها قد ثبتت ياءً بدلاً منَ الهَمزةِ إلاّ هذهِ الهمزةَ إذا لم يلزمْها تحريكٌ فبنيتَ مثلَ ( الأُبْلُمِ ) مِنَ الأُدْمَةِ قلتَ : أُوْدُمٌ ومثلُ : إصْبَعٍ إيْدَمٌ ومثلُ ( أَفكلٍ ) أَأْدَمٌ وهذَا أصلُ تخفيفِ الهمزِ فإذَا احتجت إلى تحريكها في تكسيرٍ أو تصغيرٍ جعلتَ كُلَّ واحدةٍ منهن على لفظها الذي
بنيتْ عليهِ والأَخفش يَرى أَنَّها تحركتْ بفتحةٍ أَبدلها واواً كما ذكرت لكَ . هذا آخرُ التصريفِ
مسَائلُ التصريفِ
هذهِ المسائلُ التي تُسألُ عنها مِنْ هذَا الحدِّ على ضَربينِ : أَحدهما : ما تكلمتْ بهِ العربُ وكانَ مشكلاً فأحوجَ إِلى أَن يبحثَ عن أُصولهِ وتَقديراتِه
والضربُ الثاني : ما قِيسَ علَى كلامِهم
ذِكرُ النوعِ الأَولِ مِنْ ذلكَ
قالتِ العربُ : حَاحيتُ وهَاهيتُ وعَاعيتُ
وأَجمعَ أَصحابُنا علَى أَنَّ الأَلفَ بَدلٌ مِنْ ياءٍ وللسائلِ أَن يسألَ فيقول : ما الدليلُ على أَنَّها بَدلٌ مِنْ ياءٍ دونَ أَن يكونَ بدلاً مِنْ واوٍ وإِذا ثبتَ أَنَها بَدَلٌ مِنْ ياءٍ فَلهُ أنْ يسألَ فيقول : لِمَ قُلبتْ وهيَ ساكنةٌ ألفاً فالجوابُ في ذلكَ يقالُ لَهُ : وجدنَا كُلَّ ما جاءَ مِنَ الواوِ في هَذا البابِ قد ظهرتْ فيهِ الواوُ نحو : ( قوقيتُ وضوضيتُ وزَوزيتُ ) ولَمْ نَر منهُ شيئاً جَاءَ بالياءِ ظاهرةً واجتمعَ معَ
هذَا أنا وجدنَا الألِفَ قد أُبدلتْ في بَعض المواضعِ مِنُ الياءِ الساكنةِ ولم نجدها مبدلةً مِنَ الواوِ الساكنةِ وذلكَ قولُهم في ( طَيىءٍ طائي وإِنَّما هُوَ : طيِّئي ) فقلبوا الياءَ ألفاً
وقالَ الأخفش : إِنَّهم يقولونَ في ( الحِيرةِ ) حَارِي قالَ أَبو بكر : فلو قالوا : حَيْحَيتُ لاجتمعتِ الياءات ولا يكونُ ذلكَ في ذواتِ الواوِ لأَنَّهُ لا يجوزُ أَنْ تقول : ( قَوْقوتُ ) لأنَّ الواوَ إِذا صارتْ رابعةً انقلبتْ ياءً وإِذَا كانتِ الياءُ رابعةً لم تُقلبْ إِلى غيرِها في مثلِ هذا فقولُكَ : ( قَوْقَيْتُ ) لمْ يجتمعْ في الحرفِ واوانِ ولو قلتَ : حيحيت ( لاجتمعت ) ياءانِ
قال أبو بكرُ : وكانَ القياسُ عندي أَنْ تظهرَ الياءُ ولكنَّهم تنكبوا ذلكَ استثقالاً للياءينِ أن يتكررا معَ الحاءِ في ( حَاْحَيْتُ ) والعينُ في ( عَاعَيْتُ ) وخَفَّ ذلكَ في ذواتِ الواوِ لإختلافِ اللفظِ بما أَوجبتهُ العلةُ وَمَعَ ذلكَ فإِنَّ هذَا الفعلَ بنيَ مِنْ صوتٍ الألفُ فيهِ أَصلٌ ليستْ منقلبةً مِنْ شيءٍ أَلا تَرَى أَنَّ الحروفَ والأصواتَ كلها مبنيةٌ على أَصولها ووجدناهم قد قلبوا الألفات في بعضِ الحروفِ إِلى الياءِ نحو : عَليهِ وإِليهِ فلمَّا قلبتِ الألفُ إِلى الياءِ وجبَ أَنْ تقلبَ الياءُ إِلى الألفِ والدليلُ أيضاً على أَنَّ الأَلفات في
الحروفِ غيرُ منقلباتِ أنَّهُ لا تجوزُ أَمالُتها ولو كانتْ منقلبةً لوجبَ إِمالةُ ( حَتى ) لأنَّ الأَلفَ إِذَا كانتْ رابعةً في اسمٍ أَو فعلٍ فهيَ منقلبةٌ فلَيس لَكَ أَنْ تقولَ في أَلِف ( لاَ ) إِنَّها منقلبةٌ مِنْ شيءٍ ولاَ ألفِ ( ما ) ولاَ ( يا ) لأنَّ الحروفَ حكمُها حكمُ الأَصواتِ المحكيةِ ولذلكَ بُنَيْتْ
وقالَ الأخفش : لم يجيء مِنْ هذَا البابِ مما علَمنا إِلا هذهِ الثلاثةُ يعني : حَاحيتُ وهَاهيتُ وعَاعيتُ
وقالَ محمد بن يزيد : مِما يُسألُ عنهُ فيما جاءَ على أَصلهِ من بناتِ الواوِ التي علَى ( فَعَلَ ) نحو : الخَوَنةِ والحَوكَةِ والقَوَدِ هَلْ في الياءِ مثلُ هذا وقد استويا في : عَوِرَ وصَيِدَ البعيرُ قال : والجوابُ في ذلكَ : أَنَّ عَوِرَ وصَيِدَ فِعْلانِ جَاءا في معنى ما لا يعتل مِنَ الأفعالِ فَصحا ليدلا عليه نحو : اعْوَرَّ واصْيدَّ كما صحَّ : اجْتَوَرُوا واعتَونُوا إِذا أردتَ معنى : تَجاوروا وتُعاونوا فأمَّا : الخَوَنةُ والحَوَكَةُ ونحوهُما فإِنَّما كانَ ذلكَ في الواوِ لأنَّها تباعدتْ مِنَ الألفِ فَثبتَ كما ثَبُتَ ما رُدَّ إلى الأَصلِ ولَمْ تجيء الياءُ في : نَابٍ وغَارٍ وَبَاعَهُ ولا في شيء منه على الأَصل لشبهِ الياءِ بالألفِ لأنَّها إليها أَقربُ وبها أَحقُّ أَلا تَرى أنَّ ( بَابَ ) : قَوْقَيْتُ وَضَوْضَيْتُ يظهرُ فيهِ الواوُ لا يأتي ما كانَ من بنَاتِ الياءِ في هذَا البابِ إلاّ مقلوباً نحو : حَاحَيْتُ وَعَاْعَيْتُ وإنَّما هُوَ ( فَعْلَلْتُ )
قالَ أَبو بكر : ولمعترضٍ أَن يعترضَ بقولِهم : غَيَبٌ وصَيَدٌ فجوابهُ
أَنْ يقالَ لهُ : ( صَيَدٌ ) صَحَّ كَما صَحَّ فعلهُ وصَحَّ ( عَوَرَ ) أَيضاً مثلهُ ويجوزُ أَنْ يكونَ : ( غَيَبٌ ) شُبهَ بِصَيَدَ وإِنْ كانَ جمعُ ( غائب ) لأَنهُ يجوزُ أَنْ يكونَ ينوي بهِ المصدرَ
قالَ : قولُ سيبويه في بَابِ : علَى وإِلى ولدى لِمَ انقلبتِ الألفُ فيهنَّ مَعَ المضمرِ في قولِكَ : عليكَ وإِليكَ ولديكَ وكذلكَ : جَاءني كلام الرجلينِ ورأيتُ كِلا الرجلينِ ومررتُ بكلام الغلامينِ فإِذَا اتصلَ بذلكَ مضمرٌ في موضع جَرِّ أَو نَصْبٍ قلبتِ الألفُ ياء فقلت : رأيتُ كليهما ومررتُ بكليهما وفي الرفعِ تبقى على حالِها فتقولُ : جاءني أخواكَ كلاهما فزعمَ سيبويه : أنَّ ذلكَ لأَنَّ ( على وإلى وَلَدى ) ظروفٌ لا يَكُنَّ إلا نَصباً أو جراً كقولِكَ : غَدَتْ مِنْ عليهِ فشبهت ( كِلا ) معَ المضمرِ بهنَّ في الموضعِ الذي يقعنَ فيه منقلباتٍ ولَمْ تكنْ مما ترتفعُ فبقيتْ ( كِلاَ ) في الرفعِ على حالِها وشبهَ ( كِلا ) بهن لأَنَّها لا تفردُ كما لا يُفْردنَ
قالَ أَبو العباس : قِيلَ لسيبويه : أَنتَ تزعمُ أَنَّ الألفاتَ في ( على ) ونحوِها منقلباتُ مِنْ واوٍ ويستدلُ علَى ذلكَ بأنَّ الأَلفاتَ لا تكونُ فيها إمَالةٌ ولو سُميَ رجلٌ بشيءٍ منهنّ قالَ في تثنيتِه : عَلَوانِ وأَلَوانِ فَلمَ قلبتَها مع
المضمرِ ياءً هلاَّ تركتَها على حالِها فقلتَ : عَلاكَ وإِلاكَ كما يقولُ بعضُ العربِ . قال : فقالَ : مِنْ قِبَلِ أَنَّ هاتينِ يعني : علَى وَلَدى اسمانِ غيرُ متمكنينِ و ( إلى ) حرفٌ جاءَ لمعنىً
ففصلَ بينَ ذلكَ وبينَ الأَسماءِ المتمكنةِ فقيلَ لهُ : فهلاّ فصلتَ بينَها معَ الظاهرِ أيضاً فقالَ : لأَنَّ المضمرَ يتصلُ بهَا
قِيلَ : فَبَينَ وعِنْدَ ونحو ذلكَ غيرُ متمكنةٍ فِلَم لا فصلتَ أَيضاً بينَها وبينَ المتمكنةِ قَالَ : لأَنَّ الواوَ والياءَ والألفَ مِنَ الحَظِّ في إبدالِ بعضهن مِنْ بعضٍ ما ليسَ لِسَائرِ الحروفِ قِيلَ لَهُ : فَما بالُ قولِكَ : فيكم وفينا وفيَّ بمنزلةِ : مسلميكَ ونحوها وما علمتُ بينَ هذينِ فصلاً مقنعاً قال : والقولُ عندي في هذا أَنَّ هذهِ الحروفِ لمَّا كانتْ لا تخلو مِنَ الإِضافةِ كما لا يخلو مِنَ الفاعلِ بَنَوْها علَى المُضمرِ علَى إسكانِ موضعِ اللامِ مِنْها كَما فُعِلَ ذلكَ الفِعْلُ بالفعلِ مَعَ الفاعلِ والحجةُ واحدةٌ وأَمَّا ( كِلا ) فإنَّما أُشبهتهنَّ في الجرِّ والنصبِ علَى ما قالَ سيبويه . قالَ : وهذَا القولُ مذهبُ الفراءِ وأَصحابهِ
قالَ أبو العباس : في هذَا البابِ نظرٌ أكثرُ مِن هذَا وقَد صَدَقَ
وقالَ : زعمَ أَصحابُ الفراءِ عنهُ أنهُ كانَ يقولُ في بناتِ الحرفين من الأَسماءِ نحو : أُختٍ وبنتٍ وقُلةٍ وثَبَةٍ وجميعُ هذَا المحذوفِ أَنَّ كُلُّ شيءٍ حذفتْ منهُ الياءُ فأولهُ مكسورٌ ليدلَّ عليها وكُلُّ ما حذفتْ منهُ الواوُ فأولهُ مضمومٌ يدلُّ عليها فأُختٌ مِنْ قولِكَ : أَخواتٌ وبنتٌ كُسِرَ أَولُها لأَنَّ المحذوفَ ( ياءٌ ) وقُلِةٌ المحذوفُ ( واو ) فيقالُ لَهُ أَمَّا ( قُلَةٌ ) فَمَا تنكرُ أن تكونَ مِنْ ( قَلَوْتُ ) إذا
طَردت وقولُكَ في ( بنتٍ ) دَعوى ويُبطلُ ما تقولهُ ( عِضَة ) لأَنَّ أَولَها مكسورٌ وهيَ مِنَ الواوِ يقالُ في جمعِها ( عِضَوَاتٌ ) . قالَ الشاعرُ :
( هَذَا طَرِيقٌ يآزِمُ المآزِمَا ... وَعِضَوَاتٌ تَقْطَعُ اللَّهازِمَا )
وكانَ يلزمهُ أَنْ يضمَّ أَولَ ( سَنَةٍ ) فيمَنْ قَالَ ( سَنَواتٌ ) لأَنَّها مِنَ الواوِ وكذلكَ : هَنَةٌ هَنَواتٌ ينشدون فيها :
( أَرَى ابنَ نِزارٍ قَدْ جَفَاني وَمَلنَّى ... عَلَى هَنَواتٍ شَأنُها مُتَتَابِعُ )
قالَ أَبو العباس : الذاهبُ مِنْ ( ابن ) واوٌ كمَا ذهبَ مِنْ ( أَبٍ وأَخٍ )
فإنْ قيلَ : فَما الدليلُ عليهِ وليسَ براجعٍ في تثنيةٍ ولاَ جمعٍ ما يدلُّ علَى أَحدهما دونَ الآخِر قُلنا : نَستدلُّ بالنظائرِ أَمَّا ( ابن ) فإنَّكَ تقولُ في مؤنثهِ : ( ابنةٌ ) وتقولُ : ( بنتٍ ) مِنْ حيثُ قلتَ : ( أُختٌ ) ومِنْ حيثُ قلتَ : ( هَنْتٌ ) ولمَ نَر هذهِ التاءَ تلحقُ مؤنثاً إلاّ ومذكرهُ محذوفُ الواوِ يدلك علَى ذلكَ ( أَخوانِ ) ومَنْ رَدَّ في هَنٍ قَالَ : هَنَوانِ
قالَ : وأَمَّا ( اسمٌ ) فَقَد اختُلفَ فيهِ
فَقال بعضُهم هَوَ ( فِعْلٌ ) وقالُ بعضُهم : ( فُعْلٌ ) وأَسماءٌ تكونُ جمعاً لهذَا الوزنِ وهذَا الوزنُ تقولُ في جِذْعٍ : أَجْذَاعٌ كمَا تقولُ في ( قُفْلٍ ) : أَقفَالٌ وهَذا لا تُدركَ صيغتُه إلا بالسمعِ وأكثرهم أنشد :
( في كُلِّ سُورَةٍ سُمُه ... )
فَضمهُ وجاءَ به عَلَى ( فُعُلٍ ) وأَنشدَ بعضُهم : ( سِمُهْ ) فكسرَ السينَ وَهُو أقل وأَنشدَ أَبو زيد فذكرَ الوجهينِ :
( فَدَعْ عنكَ ذِكْرَ اللهوِ واعمدْ لِمدحَةٍ ... لغيرِ مَعَدٍّ كُلُّها حيثُما انتُمى )
( لأَعْظَمِهَا قَدْرَاً وأكرمِهَا أَباً ... وأَحْسَنِهَا وَجْهَاً وَأَعْلَنِهَا سُمَا )
فأَمَّا ( ابنٌ ) فتقديرهُ ( فَعَلٌ ) متحركٌ وذلكَ أَنَّكَ تقولُ في جمعهِ ( أَبَناءُ ) كَمَا تقولُ : جَمَلٌ وأَجْمَالٌ وجَبَلٌ وأَجبَالٌ فإنْ قالَ قائلٌ : فلعلهُ ( فِعْلٌ ) أَو ( فُعْلٌ ) فإنَّ جمعَها علَى ( أَفَعالٍ ) قيلَ لَهُ : الدليلُ عَلى ذلكَ أَنَّكَ تقولُ : بَنُونَ في الجمعِ فتحركُ بالفتحِ فإنْ قَالَ : ما أَنكرتَ مِنْ أَنْ يكونَ علَى ( فَعْلٍ ) ساكن العين قِيلَ لأَن البابَ في جَمعِ ( فَعْلٍ ) علَى ( أَفْعُلٍ ) نحو : كَلْبٍ وأَكْلُبٍ وكَعْبٍ وأَكْعُبٍ فأَما دَمٌ فهوَ فَعْلٌ لأَنَّكَ تقولُ : دَمِيَ يَدمى فهوَ دَمٍ فَهذَا مثلُ : فَرِقَ يُفْرَقُ فَرَقاً فهو فَرِقٌ ( فَدَمٌ ) مَصدرٌ مثلُ بَطَرَ وحَذِرَ هَذا قولُ أَبي العباس
قالَ أَبو بكر : وليسَ عندي في قولهم : دَمِيَ يَدْمَة دَماً حجةٌ لِمَنْ ادَّعى أَنَّ ( دَمَاً ) فَعَلٌ لأَنَّ قولُهم : دَميَ يَدْمى دَمَاً إنَّما هُوَ ( فِعْلٌ ) ومَصدرٌ اشتقا مِنَ الدمِ كمَا : اشتقَّ تَرِبَ مِنَ ( التُّرابِ ) وشَعرُ الجبينِ مِنَ الشَعَرِ فقولُهم ( دَمَاً ) اسمٌ للحدثِ والدمُ اسمٌ للشيءِ الذي هُوَ جسمٌ وقد بينتُ هذَا الضربَ في كتابِ الإشتقاقِ ولكنَّ قولَهم : دَميانِ دَلَّ علَى أَنَّهُ ( فَعَلٌ ) قالَ الشاعرُ لمَّا اضطر :
( فَلَو أَنَّا عَلى حَجَرٍ ذُبِحْنَا ... جَرَى الدَّمَيانِ بالخَبرِ اليَقِينِ )
وأَمَّا يَدٌ فتقديرُها ( فَعلٌ ) ساكنةُ العينِ لأَنكَ تقولُ : أَيدٍ في الجَمْعِ فَهَذَا جَمْعُ ( فَعْلٍ ) ولو جَاءَ شَيءٌ لا يعلمُ ما أَصلُه مِنْ هذهِ المتقوصاتِ لكانَ الحكمُ فيهِ أنْ يكونَ فِعْلاً ساكنَ العينِ لأَنَّ الحركةَ زيادةٌ والزيادةُ لا تثبتُ إلاّ بدليلٍ وأَمَّا أستٌ ( فَفَعَلٌ ) متحركةُ العينِ يدلُّك على ذلكَ ( أَسْتَاهٌ ) فإنْ قيلَ فلعلها فَفَعَلٌ أَو فُعْلٌ فإنَّ الدليلَ على ما قُلنا قولكَ : سَهٌ فتردَّ الهاءَ التي هيَ لامٌ وتحذفُ العينَ وتفتحُ السينَ فأَمَّا حِرُ المرأةِ فتقديرهُ ( فِعْلٌ ) لقولِهم : أَفعالٌ في جمعهِ بمنزلةِ : جِذْعٍ وأَجَذاعٌ ودليلهُ بَينٌ لأَنَّ أَولَهُ مكسورٌ
قالَ محمد بن يزيد : ما كانَ على حرفينِ ولا يُدرى
ما أَصلهُ الذي حُذِفَ مِنهُ فإِنَّ حكمَهُ في التصغيرِ والجمعِ أَنْ تثبتَ فيهِ الياءُ لأَنَّ أَكثرَ ما يحذفُ مِنْ هَذا : الواوُ والياءُ فالياءُ أَغلبُ علَى الواوِ مِنْ الواوِ علَيها فإنَّما القياسُ علَى الأكثرِ فلو سَمينا رجلاً بإنْ التي للجزاءِ ثُمَ صغرنَا فقلنا . أُنَيٌّ وكذلكَ : أن التي تنصبُ الأفعالَ فإنْ سميناَ ( بِإِنْ ) الخفيفةِ مِنَ الثقيلةِ قُلنا : أُنيَنٌ
فاعلم . لأَنا قد علَمنا أَنَّ أَصلَها ( نونٌ ) أُخرى حذفتْ منها وكذلكَ لو سميناهُ ( بِرُبَ ) الخفيفةِ ( مِنَ ) رُبَّ الثقيلةِ لقلنَا : رُبَيبٌ لأَنا قد علمنا ما حذفَ منهُ وكذلكَ ( بَخٍ ) المخففةِ تردُّ فيهما الخَاءُ المحذوفَةُ لأَنَّ الأَصلَ التثقيلُ كما قالَ :
( في حَسَبٍ بَخٍّ وعَزٍّ أقْعَسَا ... )
ولو سميت رَجُلاً : ذُوَ لقَلنا : ذَوَاً قَد جاءَ لأَنَّهُ لا يكوونُ اسمٌ علَى حرفينِ أَحدهما : حرفُ لينٍ لأَنَّ التنوينَ يذهبُ بهِ فيبقى علَى حرفٍ فإِنَّما رددتُ ما ذَهَبَ وأَصلُه فَعَلٌ يدلُّكَ علَى ذلكَ : ( ذَواتا أفنانٍ ) و ( ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ )
وإنَّما قلتَ : هذَا ذُو مالٍ فجئتَ بهِ على حرفينِ لأَنَّ الإِضافةَ لازمةٌ لَهُ ومانعةٌ مِنَ التنوينِ كمَا تقولُ : هذَا فو زيدٍ ورأيتُ فا زيدٍ فإذَا أَفردتَ قلتَ : هذا فَمٌ فاعلم لأن الإسم قد يكونُ علَى حرفين إذَا لم يكنْ أَحدُهما حرفَ لينٍ كما تقدمَ مِنْ نحو : يَدٍ ودمٍ وما أَشبههُ
قال : فإذَا سميتَ رَجُلاً ( بُهوَ ) فإنَّ الصوابَ أن تقولَ : هذَا هُوٌّ كَما تَرَى فتثقلُ وإن سميتَهُ ( بِفي ) مِنْ قولِكَ : في الدارِ زيدٌ زدتَ علَى الياءِ ياءً فقلت : هذا فيٌّ فاعلم
وإن سميته ( بلا ) زدتَ علَى الأَلفِ أَلفاً ثُمَ همزتَ لأَنكَ تحركُ الثانيةَ والأَلفُ إذا حُرِّكتْ كانتْ همزةً فتقول : هذا لاَءٌ فاعلم
وإنَّما كَانَ القياسُ أَنْ تزيدَ علَى كُلِّ حرفٍ مِنْ حروفِ اللينِ ما هَوَ مثلهُ لأَنَّ هذهِ حروف لا دليلَ علَى توالِيها لأَنَّها لم
تكنْ أَسماءً فيعلمُ ما سقطَ مِنْها وَهوَ وهيَ اسمانِ مضمرانِ مجراهما مجرى الحروفِ في جميعِ محالِهما وكذلكَ قالتِ العربُ : في ( لَوِّ ) حَيثُ جعلْتُه اسماً . قالَ الشاعرُ :
( ليتَ شِعْري وَأَينَ مِني لَيْتٌ ... إنَّ لَيتاً وإنَّ لَوَّاً عَنَاءُ )
فزادَ علَى الواوِ واواً ليلحقَ الأسماءَ وإنْ سميتَ رجلاً ( كَيْ ) قلت : هَذا كَيٌّ فاعلَم
وكذلكَ كُلٌّ ما كانَ علَى حرفينِ ثانيةِ ياءٌ أَوْ وَاوٌ أَو أَلفٌ
وقالَ أَبو الحسن الأخفش : ما كانَ علَى حرفينِ فَلم تدرِ مِنَ الواوِ هَوَ أَمْ مِنَ الياءِ فالذي تحملهُ عليهِ الواو لأَنَّ الواوَ أكثرُ فيما عرفنا أَصلَهُ مِنَ الحرفينِ فيما يُعلم أَنَّهُ مِنَ الواو ( أَبٌ ) لأَنكَ تقولُ : أَبوانِ وأَخٌ لأَنَكَ تقولُ : أَخوانِ وهَنٌ لأَنكَ تقولُ : هنوانِ وَغدٌ لأَنَّهم قَد قالَوا : وغَدْوَاً بَلاقعُ
قالَ : وأما ( ذو ) ففي القياس أن يكون الذاهب اللام وأنْ يكونَ
ياءً لأَنَّ ما عينهُ واوٌ ولامُه ياءٌ أَكثرُ مما عينهُ ولامهُ واوانِ
وأَمَّا ( دَمٌ ) فَقَد استبانَ أَنهُ مِنَ الياءِ لقولِ بعضِ العربِ إذا ثنّاهُ : دَمَيانِ وقال بعضُهم : دَموانِ فَما علمتَ أَنَهُ مِنَ الواوِ أَكثرُ لأَنَّهم قد قالوا : هَنَوانِ وأَخوانِ وأَبوانِ فقد عرفتَ أَنَّ أَصلَ دمِ : فَعَلٌ وَغَدٌ قَدْ استبانَ لكَ أَنَّهُ ( فَعْلٌ ) بقولِهم : وَغَدْوَاً بلاقع
وإنما يحملُ البابُ علَى الأَكثرِ
وذكَر الأخفش ( سنينَ وَمِئينَ ) فَقَالَ : فِيهَا قولين : أَختارُ أَحدَهما وهو الصحيحُ عندنا فَقالَ : وأَمَّا سنينُ وَمِئينُ في قولِ مَنْ رفعَ النونَ فهوَ فَعيلٌ ولكنْ كسرَ الفاءَ لكسرةِ ما بعدها وأَجمعوا كلُّهم على كسرِها وصارتِ النون في آخرِ ( سنين ) بدلاً مِنَ الواوِ لأَنَّ أَصلَها مِنَ الواوِ وفي ( مِئينَ ) النونُ بدلٌ مِنَ الياءِ لأَنَّ أَصلَها من الياءِ كأَنَّها كانتْ ( مئي ) مثلُ مَعي وقَدْ قالوها في بعضِ الشعرِ ساكنةً ولا أَراهم أَرادوا إلاّ التثقيلَ ثُمَّ اضطروا فخففوا لأَنَّهم لو أَرادوا غيرَ التخفيفَ لصارَ الإسمُ علَى ( فَعِلٍ ) وهذَا بِنَاءٌ قليلٌ
قالَ الشاعرُ :
( حَيْدَةُ خالي ولَقيطٌ وعَلي ... وحَاتمُ الطائيُّ وَهَّابُ المِئيِ )
مثلُ ( المِعِي ) وأَمَّا قولُهم : ثلاثُ مِئي فاعلم . فإنَهُ أَرادَ ( بِمئي ) جَماعةَ المائةِ كَتَمْرٍ وتَمْرَةٍ وتقولُ فيهِ : رأيتُ مِئياً مثلُ : مِعيَاً وقولهم : رَأيتُ مِئِاً مثلُ : مِعَىً خطأٌ لأَنَّ المِئي إنَّما جاءتْ في الشعرِ فتقولُ : ليسَ لكَ أَنْ تدعي أَنَّ هذهِ الياءَ للإِطلاقِ وأنتَ لا تجدُ ما هُوَ علَى حرفينِ يكونُ جماعةً ويكونُ واحدهُ بالهاءِ نحو : تَمْرَةٍ وتَمْرٍ
قالَ أبو الحسن : وَهوَ مذهبُ وَهوَ قولُ يونس يعني ( الياءَ ) قاَلَ والقياسُ الجيدُ عندنا أَنْ يكونَ سنينَ فِعلينَ مثلُ غِسْلينَ محذوفةٌ ويكونُ قولُ الشاعرِ : سني والمئي مرخماً
فإن قلتَ : فإنَّ ( فِعْلينَ ) لم يجيء في الجمعِ وقدَ جاءَ ( فَعيلٌ ) نحو : كَليبٍ وعَبيدٍ وقَدْ جَاءَ فيهِ ما لزمهُ ( فَعيلٌ ) مكسور الفَاءِ نحو : ( مِئينٍ ) فإنَّ مِنَ الجمعِ أَشياءً لم يجىءُ مثلُها إلاّ بغير اطرادٍ نحو ( سَفْرٍ ) وقد جَاءَ منهُ ما ليسَ لَهُ نظيرٌ نحو : ( عِدى ) وأَنتَ إذا جعلتَ ( سنينَ ) فَعِيلاً جَعلتَ النونَ بدلاً والبدلُ لا يقاس ولا يطردُ
ومخالفةُ الجمعِ للواحدِ قد كثَر فإنْ تحملهُ علَى ما لا بدلَ فيهِ أَولى وليسَ يجوزُ أَنْ تقولَ : إِنَّ الياءَ في سنينَ : أَصليةٌ وقَد وجدتها زائدةً في هَذا البناءِ بعينهِ لمّا قلتَ : ( فِعْلينَ ) وفِعلونَ : يعني أَنكَ تقولُ : سِنينَ يَا هَذا وسنونَ وقالَ : اعلم : أَنَّ قولَ العرب : ( آوَّه ) لا يجوزُ أن تكونَ فاعلةً والدليلُ عَلَى أنَّ الهاءَ للتأنيث قولُ العرب : ( أَوتاهُ ) وإنَّما هَذا شاذٌّ لأَنَّهُ حرفٌ بنيَ هكذَا لم يسمعْ فيهِ ( فِعْلٌ ) قَط العينُ واللامُ مِنَ الواوِ فلمَّا بنوهُ كأَنَّهُ لم يكن لَهُ ( فَعْلٌ ) بنوهُ علَى الأصلِ كمَا قالوا : مِذْرَوَانِ فبنوهُ علَى الأصلِ إذ لم يكنْ لَهُ واحدٌ يقلبُ فيهِ الواوُ إلى الياءِ وكَما قالوا : ثِنايانِ فلم يهمزوا إذَا لم يكنْ لهذَا واحدٌ تكونُ الياءُ آخرَهُ قَالَ : وأما قولُ الشاعرِ :
( فَأَوِّ لِذكْرَاها إذَا مَا ذَكَرْتُها ... ومِنْ بُعْدِ أَرْضٍ دونَها وسَمَاءٌ )
فإنهُ مِنْ قولِهم : أَوتاهُ ولكنْ جعلَهُ مثلَ : سَبحَ وهَلَّلَ وقولُه : أَو يريدُ : افعَلْ ورأيتُ بخط بعضِ أَصحابنا مِما قُرِيءَ علَى بعضِ مَشَايخِنا مِنْ كلامِ الأَخفش
اعلَمْ : أَنَّ قولَ العربِ ( أَوَّه ) لا يجوزُ أَنْ يكونَ إلاّ ( فَاعلةً ) ورأَيتُ إلا ملحقةً في الكتابِ
قالَ أبو بكر : جميعُ الأصواتِ التي تُحكى محالفةٌ للأسماءِ والأَفعالِ في تقديرِها فليسَ لَنَا أَن نقولَ في ( قَد ) أن أَصلَها ( فَعْلُ ) كما تقولُ في ( يَدٍ ) ولا ندَعي أَنهُ حذفَ مِنْ ( قَدْ ) شيءٌ كَما حذفَ في ( يَدٍ ) ولاَ لنَا أنْ نقولَ : إنَّ الأَلفَ في ( مَا ولاَ ) منقلبةٌ مِنْ شيءٍ وكذلك صَهْ ومَهْ وأَلفُ ( غَاقٍ ) لا تَقولُ : إنَّها منقلبةٌ وإنَّما تقدرُ الأسماءَ والأفعالَ بالفاءِ والعينِ واللامِ لتبينَ الزوائدُ مِنْ غيرِها والحروفُ والأصواتُ أُصولٌ لا تكادُ تجدُ فيها زَائداً ولا تحتاجُ إلى تقديرِها بالفاءِ والعينِ واللامِ لأَنَّها لا تتصرفُ تصرفَ الأَسماءِ ولا تصرفَ الأَفعالِ لأَنَّها لا تصغرُ ولا تُثَنى ولا تجمعُ ولا يُبنى منها فِعل ماضٍ ولاَ مستقبلٍ وأنَّما جعلتِ الفاءُ والعينُ واللامُ في التمثيل ليعتبرَ بهنَّ الزائدُ مِنَ الأصلِ والأَبينةُ المختلفةُ
فَما لا تدخلهُ الزيادةُ ولا تختلفُ أَبنيتهُ فلا حاجَةَ إلى تمثيلهِ وتقديرهِ فأَمَّا قولهُم ( تَأَوّهَ ) فإنَّما هو مشتقٌّ مِنْ قولهم : آوَّهَ يرادُ بهِ أَنهُ قَالَ : أَواهُ كمَا قالوا : سَبَّح إذَا قالَ سبحانَ اللهِ وهلّلَ إذَا قَالَ : لا إلهَ إلاّ الله فهَللَ فَعَّلَ أخذتِ الهاءُ واللامُ مِنْ بعضِ الكلامِ الذي تكلم بهِ وجازَ تقديمُ الهاءِ لأَنَّهُ غيرُ مشتقٍ مِنْ مصدرٍ وإنَّما يصيرُ للكلمةِ تقديرٌ إذَا كانتْ اسماً أَو فعلاً فمَا عَدا ذلكَ فَلا تقديرَ لَهُ وقولُ الشاعِر :
( مِنْ أَعقابِ السُّمِي ... )
فالسُّمِي مخففٌ مِنْ السّمِيٌّ ويدلكَ علَى ذلكَ أَنَّ ( فُعِلَ ) ليسَ مِنْ بناءِ الأسماءِ : وإنَّما أَرادَ : السُّمِيَ فخففَ وهيَ ( فُعُولٌ ) مُثل عُصِيَ فلمَّا خَفَف صارَ : سُميٌ
قال الأخفشُ : ولو سُمَى بهِ لأنصرفَ لأَنهُ ( فُعُولٌ ) محذوسف وهوَ ينصرفُ إذا كانَ اسمَ رجلٍ أَلا تَرى أَنَّ ( عُنُوقَ جَماعةُ العَنَاقِ ) لو كانْت اسمَ رَجلٍ فرخمتهُ فيمنْ قالَ : يَاحَارِ لقلتَ : بَاعُني تحذفُ القافَ وتقلبُ الوا ظو
قَالَ : ولَو سميتَ بهِ لصرفتَهُ لأَنَّهُ ليسَ ( بَفُعِلُ ) ونظيرُ التخفيفِ في سُمِى قولُ الشَاعرِ :
( حَيدةُ خَالي ولَقيطٌ وعَلي ... وحَاتمُ الطائيُّ وَهَّابُ المِئِي )
فخففَ الياءَ مِنْ ( عَليّ ) وقالَ في بيتٍ آخرَ :
( يأكلُ أَزمانَ الهُزَّالِ والسِني ... )
فهذَا إمَّا أَنْ يكونَ رخمَ ( سنينَ ) ومِئينَ وإما أن يكون بَنى : سنةً ومائةً على : سِني ومِئي وكانَ أَصلهما : سُنْوٌ ومِئْوٌ فلمَّا حذفَ النونَ ورخم بقيَ الإسمُ آخرهُ واوٌ قبلها ضمةٌ فلما أَراد أَن يجعلَهُ اسماً كالأَسماءِ التي لم يحذفْ منها شيءٌ قلبَ الواوَ ياءً وكسرَ ما قبلها لأَنَّهُ
ليسَ في الأَسماءِ اسمٌ آخرهُ واوُ قبلَها ضمةٌ فمَتى وقعَ شيءٌ مِنْ هذا قلبتِ الواوُ فيهِ ياءً وقَدْ بُيّنَ هذا فيما تقدمَ
قاَلَ أبو بكر : ويجوزُ عندي أَنْ يكونَ تقديرُ قولِ الشاعر : ( سُمِي ) أَنَّهُ ( فُعُلٌ ) قصرهُ مِنْ ( فَعُولٍ ) فلمَّا وقعتِ الواوُ بعدَ ضمةٍ وهيَ طرفٌ قَلبها يَاءً وهذا التأويلُ عِندي أَحسنُ مِنْ حذفِ اللامِ لأَنَّ حذفَ الزائدِ في الضرورةِ أَوجبُ مِنْ حَذفِ الأَصلِ وسَماءٌ مثلُ ( عَناقٍ ) في البناءِ والتأنيثِ وكذلكَ جمعهما سَواءٌ تَقُولُ ( سُمِيٌّ ) وعُنُوقٌ فَسُمِيٌّ ( فُعُولٌ ) وعُنُوقٌ ( فُعُولٌ ) وقَد حكوا : ثَلاثَ أَسميةٍ بنوها علَى ( أَفْعِلَةٍ ) وهيَ مؤنثةٌ وإنَّما هذَا البناءُ للمذكرِ وإنَّما فعلوا ذلكَ لأَنَّهُ تأنيثٌ غيرُ حقيقيٍّ وليسَ كعَناقٍ لأَنَّ ( عناقاً ) تأنيثُها حقيقيٌّ
واعلم : أَنّ قولَهم ( يُهَرِيقُ ) الهاءُ مفتوحةٌ في مكانِ الهمزةِ وكانَ الأَصلُ : يُؤَرِيقُ لأَنَّ أَصلَهُ ( أَفْعَلَ ) مثلُ ( أَكْرَمَ ) فأَكرَم مثلُ ( دحرجَ ) ملحقٌ بهِ وكانَ القياسُ أَن يقولَ في مضارعِ أَكرمَ يُؤكرمُ مثلُ ( يُدحرجُ ) فاستثقلوا ذلكَ لأَنَّهُ كانَ يلزَمُ منهُ أَنْ يقولَ : أَنا أُكْرِمُ مثلُ أُدَحْرِجُ أُأَكرِمْ فحذفوا الهمزةَ استثقالاً لإجتماعِ الهمزتينِ ثُمَّ أتبعوا باقي حروفِ
المضارعةِ الهمزةَ وكذلك يفعلونَ أَلاَ تَراهم حَذفوا الواوَ من ( يَعدُ ) استثقالاً لوقوعها بين يَاءٍ وكسرةٍ ثُمَّ أَسقطوها مَع التاءِ والألفِ والنونِ فقالوا : أَعِد ونَعِد وتَعِد فتبعتِ الياءُ أَخواتِها التي تَأتي للمضارعةِ فالذي أبدلَ الهاءَ مِنَ الهمزةِ فَعَلَ ذلكَ استثقالاً لئلا يلزمَهُ أَن يجمعَ بينَ همزتينِ في أَنا أَفعلُ وأَبدلَ فَلَم يحذف شيئاً فإنْ قَالَ قَائلٌ : فمَا تقديرهُ مِنَ الفعلِ قلتَ : يُهَفْعِلُ لأَنَّ الهاءَ زائدةٌ وحَقُّ كُلِّ زائدٍ أَنْ ننطقَ بهِ بعينهِ وكذلكَ لَو قالَ الشاعرُ : ( يؤكرم ) كمَا قالوا : يُؤَثْفِيَنْ لكانَ تقديرهُ ووزنهُ مِنَ الفعلِ ( يُؤفعلُ ) وتقولُ في قَولِ مَنْ قالَ ( يُهْرِيقُ ) فأسكنَ الهاءَ وجعلَها عوضاً مِنْ ذَهابِ الحركةِ إنْ قيلَ : ما تقديرهُ مِنَ الفعلِ لم يجزْ أَنْ تنطقَ بهِ عَلى الأَصلِ لأَنَّكَ إذَا قيلَ لكَ : ما وَزنُ : يُريقُ قلتَ : يُفْعِلُ وكذا عادةُ النحويينَ والفاءُ ساكنةٌ والهاءُ ساكنةٌ فلا يجوزُ أَن تنطقَ بهما إذَا كانَ تقديرُ ( يُريقُ ) يُفْعِلُ
وأَنا أَبينُ لكَ ذلكَ بياناً أكشفهُ بهِ فإنَّ الحاجةَ إلى ذلكَ في هذهِ الصناعةِ شديدةً فأَقولُ إني قَد بينتُ ما دَعا النحويينَ إلى أَن يزنوا بالفاءِ والعينِ واللامِ
وأنهم قَصدوا أَنْ يفصلوا بينَ الزائدِ والأصلِ فالقياسُ في كُلِّ لفظٍ مقدرٍ إذا كانَ فيهِ زائدٌ أَن تحكيَ الزائدَ بعينهِ فتقولُ في ( أَكرَم ) إنَهُ ( أَفعلُ ) وفي ( كَرامةٍ ) أَنها ( فَعَالَةٌ ) وفي كَريمٍ أَنَّهُ ( فَعيلٌ )
ومُكرَمٌ مُفْعَلٌ لأن ذلكَ كُلَّهُ مِنَ الكَرمِ فالأَصلُ الذي هُوَ الكافُ والراءُ والميمُ موجودٌ في جميعِها فالكافُ فاءٌ والراءُ عَيْنٌ والجيمُ لامٌ فَعَلى هَذا يجري جميعُ الكلامِ في كُلِّ أَصلي وزَائدٍ فإذا جئنا إلى الأصول التي تعتلُّ وتحذفُ فإنَّ النحويينَ يقولونَ إذا سئلوا : ما وزنُ ( قَامَ ) قَالوا : ( فَعَلَ )
فيذكرونَ الأَصلَ لأنه عندَهم مثلُ ( ضَرَبَ ) وإنَّما كانَ الأَصلُ ( قَوِمَ ) ثُمَّ قلبتِ الواوُ ألفاً ساكنةً وإذَا قيلَ لَهم : ما وزنُ يَقولُ : قالوا : ( يَفْعُلُ ) لأَنَّ الأَصلَ ( كانَ يَقْوُلُ ) فحولتِ الحركةُ التي كانت في الواوِ إلى القافِ وإذَا قيلَ لَهم : ما وزنُ مَقولٍ قالوا : مفولٍ لإِنَّ الأَصلَ : مقوولٌ فحولتِ الضمةُ إلى القافِ فاجتمعَ ساكنانِ فَحذفَ أَحدهُما فهذَا الذي قالوهُ صحيحٌ وإنِّما يريدونَ بذلكَ المحافظةَ على الأُصولِ لتُعلمَ وأَنَّ ما يغيرُ مِنَ اللفظِ فَلعلةٍ إلاّ أَنهُ يجبُ أَنْ تمثلَ الكلمةُ المعتلةُ بما هيَ عليهِ مِنَ اللفظِ كمَا يمثلُ الأصل فيقولُ : مِثَالها المسموعُ كَذا : والأَصلُ كَذا كمَا قالوا في ( رُسْلٍ ) فيمَن خففَ إنَّ الأَصلَ ( فُعُلٌ ) وإنَّ الذينَ خَففوا قَالوا : ( فُعْلٌ ) فيجبُ علَى مَنْ أَرادَ أَن يمثلَ الكلمةَ مِنَ الفعلِ بمَا هيَ عليِه ولم يقصد الأَصلَ إِذا قيلَ لَهُ : ما وزنُ ( قَالَ ) بَعدَ العلةِ قالَ ( فَعْلَ ) وإنْ قيلَ لَهُ : ما وزنُ قُلْتُ قالَ : فلتُ : فإنْ قيلَ : ما الأَصلُ قَالَ : فَعُلْتُ قيلَ لَهُ : ما وَزنُ قِيلَ قالَ : فِعْلَ فإنْ أَريدَ الأَصلَ قالَ : فُعِلَ فإنْ قيلَ لَهُ : ما وَزنُ مَقولٍ فإنْ كانَ ممن يقدرُ حذفَ واوِ مفعولٍ وذاكَ مذهبهُ قَالَ ( مَفُعْلٌ )
وإنْ كانَ ممن يذهبُ إلى أَنَّ العينَ الذاهبةَ قالَ : مَفولٌ فإنْ سُئلَ عَنِ الأصلِ قالَ : مَفعولٌ وكذلكَ إذا سُئلَ عَنْ ( يَدٍ ) قَالَ ( فَعٍ ) فإنْ سُئِلَ عَنِ الأصلِ قالَ ( فَعْلٌ ) كمَا بينا فيمَا تقدم وإنْ سُئلَ عَنْ ( مُذْ ) قالَ : ( فَلْ ) فإنْ سُئِلَ عَنِ الأصلِ قالَ : فُعْلٌ لأَنَّ أصلَ ( مُذْ ) : مُنْذُ فالعينُ هيَ الساقطةُ وكذلكَ : ( سَهْ ) إنْ قالَ : ما وزنُها في النطقِ ( قلت ) ( فَلْ ) فإنْ
قالَ : ما الأَصلُ قلتَ ( فَعْلُ ) كمَا ذكرنَا ويلزمُ عندي مِنْ مثلِ قَالَ : يَفْعَلُ ومقولٌ : بِمَفْعُولٌ أَن يمثلَ يُكْرِمَ بيؤفعلُ فيذكرُ الأَصلَ فأمَّا ( أُمهاتٌ ) فوزنُها ( فُعْلَهاتٌ ) يدلُّكَ عَلَى ذلكَ أَنَّهم يقولونَ : أُمٌّ وأُمهاتُ فيجيئون في الجمعِ بمَا لم يكنْ في الواحدِ
وقد حكى الأخفشُ علَى جهةِ الشذوذِ أَنَّ مِنَ العربِ مَنْ يقولُ : ( أُمَّهَةٌ ) فإنْ كانَ هذَا صحيحاً فإنَّهُ جعلَها فُعَّلَةً وأَلحقَها بِجُخْدَبٍ ومَنْ لم يعترف بِجُخْدَبٍ ولَم يثبتْ عندَهُ أَنَّ في كلامِ العربِ ( فُعْلَلاً ) وَجَبَ عليهِ أَنْ يقولَ ( أُمَّهَةٌ ) فُعْلَهَةٌ كمَا قالَ : إنَّ جُنْدَباً فُنْعَلٌ ولَم يَقلْ : فُعْلُلٌ وإذَا قيلَ لكَ ما وَزنُ ( يَغْفُر ) فإن قالَ السائلُ ما أَصلهُ فقلْ : يَفْعَلُ ولكنْ أتبعُوا الضمَّ الضمَّ وإنْ كانَ سُئِلَ عَنِ اللفظِ فَقُلْ ( يُفْعُلُ ) وكذَلكَ ( مِنْتِنٌ ) إنْ قَالَ ما وزنهُ قَلتَ : الأَصلُ ( مُفْعِلٌ ) ولكنْ أتبعوا الكسرَ الكسرَ واللفظُ ( مِفُعِلٌ ) وتقولُ في ( عِصِي ) إنَّها ( فُعولٌ ) في الأَصلِ وفَعيلٌ في اللفظِ والتمثيلُ باللفظِ غيرُ مَأْلوفٍ فَلا تلتفتْ إلى مَنْ يستوحشُ منهُ ممن يطلبُ العربيةَ فإنَّ مَنْ عرفَ أَلفَ ومَنْ جَهلَ استوحشَ وهذَا مذهبُ أَبي الحسن الأخفش وتقولُ في ( قِسِيٍّ ) أَصلهُ : فُعُولٌ وكانَ حقهُ ( قُووُسٌ ) ولكنْ قدَموا اللامَ علَى العينِ وصيروهُ ( فُلُوعٌ ) وكانَ حقهُ أَنْ يكونَ ( قِسُوٌ ) فصنَعوا بهِ ما صنَعوا بعِصِيٍّ قلبوا الواوَ ياءً وكسروا القافَ كما كسروا عينَ ( عِصيٍّ ) فالمسموعُ مِنْ ( قِسيٍّ ) ( فِليعٌ )
وأَصلُ ( فِليعٌ ) فُلُوعٌ وفُلُوعٌ مقلوبٌ مِنْ فُعُولٍ
وقَالوا في ( أَيْنُقٍ ) إنَّ أَصلَها ( أَنْوَقٌ ) فاستثقلوا الضمةَ في الواوِ فحذفتِ الواوُ وعوضتِ الياء فيقولونَ إذا سئلوا عَنْ وزنِها أَنَّها ( أَفْعُلٌ ) واللفظ على هذا التأويلِ هو ( أَيْفُلٌ ) ولقائلٍ أَنْ يقولَ : إنَّهم قلَبوا فَصارَ ( أَونقاً ) ثُمَّ أَبدلوا مِنَ الواوِ ياءً والياءُ قَدْ تبدلُ مِنَ الواوِ لغيرِ علةٍ استخفافاً فَعَلى هَذا القول يكونُ وزنُ ( أَينُقٍ ) ( أَعفُل ) كما قالَ الخليلُ في أَشياءٍ : إنَّها ( لَفْعَاء ) لأَنَّ الواحدَ شَيءٌ فاللامُ همزةٌ فلمَّا وجدَها مقدمةً قالَ هيَ : لَفْعاء وقَد قالَ غيرهُ : إنَّها ( فَعْلاَءُ ) كانَ الأصلُ عندَهُ شَيئَاءُ فحذفتِ الهمزةُ
قَالَ المازني : قالَ الخليلُ : أَشياءُ ( فَعْلاَءُ ) مقلوبةٌ وكانَ أصلُها شَيئاءَ مثل : حمراءَ فقلبَ فجعلتِ الهمزةُ التي هي لامٌ أَولاً فَقَالَ : أَشياءُ كأَنَّها لَفْعَاءُ ثُمَّ جَمعَ فَقالَ : أَشاوى مثلَ : صَحَارى وأَبدلَ الياءَ واواً كمَا قالَ : جَبَيْتُ الخراجَ جِبَاوَةً وهَذا شَاذٌّ وإنَّما احتلنا لأَشاوى حيثُ جاءتْ هكذَا لتعلمَ أَنَّها مقلوبةٌ عن وجهِها
قالَ : وأخبرني الأصمعي : قَالَ : سمعتُ رَجلاً مِنْ أَفصحِ العربِ يقولُ لخلفٍ الأحمر : إنَّ عندكَ لأَشَاوِي قالَ : ولو جاءتِ الهمزةُ في ( أَشياءَ ) في موضِعها مؤخرَةً بعدَ الياءِ كنتَ تقولُ : شَيئاءُ
قالَ : وكانَ أَبو الحسن الأَخفش يقولُ : أَشْيئَاءُ أَفْعِلاَءُ وجُمعَ شيَءٌ عليهِ كما جَمعوا شَاعراً على شعراءَ ولكنَّهم حذفوا الهمزةَ التي هيَ لام استخفافاً وكانَ الأصلُ : أُشْيئاءُ أُشْيِعَاعٌ فثقل ذلك فحذفوا فسألتهُ عَن تصغيرِها فقالَ : العربُ تقول أَشَيَّاءٌ فاعلَم فيدعونَها على لفظِها فقلتُ : لِمَ لاَ رُدتْ إلى واحدِها كما رُدتْ ( شعراءُ ) إلى واحِدها فَلَم يأتِ بمقنعٍ
وقالَ : قَالَ الخليلُ : أَشَياءُ مقلوبةٌ كما قلبَوا ( قِسيٌّ ) وكانَ أَصلُها ( قُوُوسٌ ) لأَنَّ ثانيَ ( قَوْسٍ ) واوٌ فَقُدّمَ السينُ في الجمعِ وهم مما يغيرونَ الأَكثرَ في كلامِهم قَالَ الشَاعرُ :
( مَروانُ مَروانُ أَخوُ اليومِ اليَمِي . ... . )
يريدُ ( اليومَ ) فأخَّر الواوَ وقدمَ الميمَ ثمَ قَلَب الواوَ حيثُ صارتْ طرفاً كما قالَ : ( أَدلٍ ) في جَمعِ ( دَلْوٍ ) ومما أُلزمَ حذفُ الهمزةِ لكثرةِ استعمالِهم ( مَلكٌ ) إنَّما هُوَ ( مَلأَكٌ ) فلمَّا جَمعوهُ وردوهُ إلى أَصلهِ قالوا : ملائكةٌ وملائكُ وقَد قالَ الشاعرُ فَ ظَردَّ الواحدَ إلى أصله حين احتاج :
( فلَسْتُ لإِنْسِيٍّ ولكنْ لَمَلأَكِ ... تَنَزَّلُ مِنَ جَوِّ السَّماءِ يَصُوبُ )
قالَ : ومِنَ القلبِ : طأَمنَ واطمأنَ قال : وأَمَّا : جَذَبَ وجَبَذَ فلَيسَ واحدٌ منهما مقلوباً عَنْ صاحبهِ لأَنُّهما يتصرفانِ وأما ( طَأَمَن ) فليسَ أَحدٌ يقولُ فيهِ ( طمأَنَ ) ومما يُسأْلُ عنهُ ( أَوَّلُ ) إنْ قالَ قائلٌ : هذهِ همزةٌ أُبدلَ منها واوٌ واحتجَّ بأَنَّهُ لم يرَ الفاءَ والعينَ مِنَ جنسٍ واحدٍ قيلَ لَهُ : قَد قالوا :
الدَّدَنُ وكَوْكَبٌ ويقالُ لِمَن اعترضَ بهذَا أَي : الواوين مِنْ أَوَّلِ تجعلَها بدلاً مِنَ الهمزةِ فإن قالَ : الأوَلى قيلَ لَهُ : لو كانتْ همزة لوجبَ أَنْ تبدلَ الفاءَ كمَا قالوا : آمِنٌ وإنْ قالَ : الثانيةُ قيلَ لَهُ : لو كانتِ الثانيةُ همزةً لوجبَ حذفُها في التخفيفِ وكنتَ تقولُ : أَوَّلُ فَعَّلُ كمَا تقولُ في تخفيفِ ( مَؤَلةٍ ) مَوَلَةٌّ فإنْ قالَ : وَلَم قالوا : أَوائلُ ولم يقولوا : أَواولُ قيلَ : هذَا كانَ الأصلُ ولكنَّهم تجنبوا اجتماع الواوينِ وبينَهما ألف الجمعِ ومِما يغيّرُ في الجمعِ الهمزتانِ إذَا اكتنفتا الأَلفَ نحو : ذُؤابة إذا جمعتها قلتَ : ذَوَائِبٌ وكان الأصل : ( ذأآئبٌ ) لأن الألف التي في ( ذُؤَابةٍ ) كالألفِ التي في ( رِسَالةٍ ) حقُّها أَنْ تبدلَ منها همزةً في الجمعِ ولكنَّهم استثقلوا أَنْ تقعَ ألَفُ الجمعِ بينَ همزتينِ كَما استثقلوا أَنْ تقعَ بينَ واوينِ فأَبدلوا الأُولى التي هيَ أَصلٌ وتنكبوا إِبدالَ الثانيةَ التي هيَ بَدلٌ مِنْ حرفٍ زائِدٍ الزوائدُ أصلُها السكونُ وإنَّما أبدلتْ لمّا أرادوا حركتها واضطرهم إلى ذلك الفرارُ مِنَ الجمع بين ساكنينِ وكان ملازمةُ الهمزةِ تدلُّ علَى أنَّ المبدلَ زائدٌ فأمَّا خَطَايا وأَدَاوَى فإنَّهم جعلوا موضعَ الهمزةِ ياءً وواواً وأزالوا البناءَ عَنْ وزنِ ( فَعَائلٍ ) إلى ( فَعَالٍ ) ثم نقلوها إلى ( فَعَائِلَ ) وعَاولَ فجاءوا ببناءٍ أخرَ وَلمْ ينطقوا بالهمزةِ معَ هذا البناءِ وإنَّما هو شيءٌ يقدرهُ النحويون أَلا تَرَى أَنَّ الشاعرَ إذَا اضطَرَّ فقالَ :
( سَماءُ الإِلهِ فوقَ سَبعِ سَمَائِيَا ... )
لمَّا رَدَّ البناءَ إلى ( فَعَائلَ ) وكسرَ رَدَّ الهمزةَ فحروفُ المَدِّ إذَا أبدلتْ للضرورةِ قَبُحَ أَنْ تبدلَ بدلاً بعدَ بدَلٍ فتشبهُ الأُصولَ أَلاَ ترى أَنَّ أَلفَ ( سَائرٍ ) لما أُبدلتْ في ( سُوَيرٍ ) واواً لم تُدغم فتقديرُ خَطيئةٍ : فَعَيلةٌ وتقديرُ إدَاوةٍ : فِعَالةٌ وخَطيئةٌ مثلُ : صَحيفةٍ كانَ القِياسُ عَلَى ذلك أَنْ يقالَ فيها : خَطائيٌ خَطَاعيٌ مثل صَحَائف فكانَ يجتمعُ همزتانِ فتنكبوا ( فَعَائِلَ ) إلى ( فَعَائَلَ ) كما قَالوا في مَدَارِي : مَدَارَى وكانَ مَدَارِي : مَفَاعِلُ فجعلوه ( مَفَاعَلَ )
والنحويونَ يقولونَ : إنَّهُ لما نقلَ وقعتِ الهمزةُ بينَ أَلفينِ فأُبدلتْ يَاءً : قالوا : وإنَّما ( فُعِلَ ) ذلكَ بها لأَنَّكَ جمعتَ بينَ ثلاثةِ أَلفاتٍ وهذَا المعنى إنَّما يقعُ إذَا كانتِ الهمزةُ عارضةً في الجمعِ وهَذا تقديرٌ قدروهُ لا أَنَّ هَذا الأَصلَ سُمعَ مِنَ العربِ كما قد تأتي بعضُ الأشياءِ على الأصولِ مثل : حَوكةٍ واستحوذَ فَخَطايا وبابُها لم يُسمع فيه إلاّ الياءُ وأَما ( إداوةٌ ) فهي ( فِعَالةٌ ) مثلُ ( رِسَالةٍ ) وكانَ القياسُ فيها ( أَدَائيء ) مثلُ ( رَسَائل ) تثبتُ الهمزةُ التي هيَ
بَدلٌ مِنْ أَلفِ ( إداوةٍ ) كما تثبتُ الهمزةُ التي هيَ بَدلٌ مِنْ أَلفِ ( رِسَالةٍ ) فتنكبوا ( أَدَاي ) كما تنكبوا ( خَطاي ) فجعلوا فَعَائِلَ : فَعَائَلَ وأَبدلوا منها الواوَ ليدلوا علَى أَنَّهُ قد كانتْ في الواحدِ واوٌ ظاهرةٌ فقَالوا : أَدَاويٌ فهذهِ الواوُ بَدلٌ مِنَ الألفِ الزائدةِ في ( إدَاوةٍ ) والأَلفُ التي هي لامٌ بَدلٌ مِنَ الواوِ التي هيَ لامٌ في ( إدَاوةٍ )
ومِمَا يُسأَلُ عَنهُ ( سُرِيَّةٌ ) ما تقديرُها مِنَ الفعلِ وهَلْ هيَ ( فُعَليَّةٌ ) أَو ( فُعِيلَةٌ ) وممَّ هيَ مشتقةٌ والذي عندي فيها أَنَّها فُعْليَّةٌ مشتقةٌ مِنَ ( السرِّ ) لأَنَّ الإِنسان كثيراَ ما يُسِرُّها ويسترُ أَمْرَها عن حُرَّتِهِ
وكانَ الأخفشُ يقولُ : إنَّها ( فُعِيلَةٌ ) مشتقةُ مِنَ ( السرورِ ) لأَنَّها يُسَرُّ بها وإنَّما حكمنا بأَنَّها ( فَعْلِيَّةٌ ) ولم نَقلْ : إنَّها ( فُعِيلةٌ ) لضربينِ : لأَنَّ مثالَ ( فَعْليَّةٌ ) كثيّر نحو : قُمْريةٍ وفُعِيلةٌ قليلٌ نحو : مُرِيقَةٍ
والضربُ الآخرُ : الإشتقاقُ ومَا يدلُّ عليهِ المعنى لأَنَّ الذي يقولُ إنَّها ( فُعِيلةٌ ) يُقالُ لَهُ : مِمَّ اشتققتَ ذلكَ فإِنْ قالَ : أَردتُ : ركبتُ سراتَها وسراةُ كُلِّ شيءٍ أَعلاهُ فقدَ ردَّ هذَا أبو الحسن الأخفش فقالَ : ذَا لا يشبهُ لأَنَّ الموضعَ الذي تؤتى المرأةُ منهُ ليسَ هُوَ سراتُها وإنَّما سَرَاةُ الشيء ظهرهُ أَوْ مقدمهُ لأَنَّ أَولَ النهارِ سَرَاتُه وظهرُ الدابةِ : سَرَاتها فهذَا عندي بعيدٌ كمَا قالَ أبو الحسن فإنْ قيلَ : إنَّهُ من ( سَرَيْتُ ) فهوَ أَقربُ مِنْ أَن يكونَ من ( السَّرَاةِ ) والصوابُ عندي ما بدأتُ بهِ وأَمَّا ( عُلِيّةٌ ) فهيَ ( فُعِيّلةٌ ) ولو كانتْ ( فُعْليّةً ) لقلتَ ( عُلْويّةٌ ) وهيَ من ( عَلَوتُ ) لأنَّ هذِه الواوَ إذا سكنَ ما قبلَها صحتْ كما تنسبُ إلى ( دَلوٍ ) دَلَوِيٌّ ولكنَّها قلبتْ في ( عُلِيّةٍ ) لمَّا كانتْ
( فُعِيَّلَةٌ ) مثلُ ( مُرِيَّقةٍ ) وكانَ الأصلُ ( عُلْيُوَة ) فأبدلتِ الواوُ ياءً وأُدغمتِ الياءُ فِيَها وكذلكَ كُلٌّ ياءٍ ساكنةٍ بعدَها واوٌ تقلبُ لَها ياءٌ وتدغمُ فيها وقَد مضَى ذِكرُ هذَا في الكتابِ
ومِنَ ذلكَ قولهُم : لا أَدرِ ولَم يكُ ولَم أبلِ وجميعُ هذهِ إنّما حذفتْ لكثرةِ استعمالِهم إيّاها في كلامِهم وإنّما كثر استعمالُهم لهذهِ الأَحرفِ للحاجةِ إلى معانِيها كثيراً لأَنَّ : لا أَدري أَصلٌ في الجهالاتِ ويكونُ عبارةٌ عن الزمانِ ولَم أَبلِ مستعملةٌ فيما لا يكترثُ بهِ وهذهِ أَحوالٌ تكثُر فيجبُ أن تكثَر الألفاظ التي يعبرُ بهنَّ عنْها وليسَ كُلُّ ما كثر استعمالهُ حُذِفُ فأَصلُ لا أَدرِ : لا أَدري وكانَ حَقُّ هذهِ الياءِ أَنْ لا تُحذفَ إلاّ لجزمٍ فحذفتْ لكثرةِ الإستعمالِ وحَقُّ لم يكُ : لم يكنْ وكانَ أَصلُ الكلمةِ قبلَ الجزمِ ( يكونُ ) فلمَّا دخلتْ عليها ( لَم ) فجزمتَها سكنتِ النونُ فالتقى ساكنانِ لأَنَّ الواوَ ساكنةٌ فحذفتِ الواوِ لإلتقاءِ الساكنينِ فوجبَ أَنْ تقولُ : لم يكنْ فلمَّا كثرَ استعمالُها وكانتِ النونُ قد تكونُ زائدةً وإعراباً في بعض المواضع شبهت هذه بها وحذفت هنا كما تحذف في غير هذا الموضع وأَمَّا : لَم أَبل فحقهُ أَنْ تقولَ : لم أُبالِ كَما تقولُ لَم أِرامِ يَا هذَا فحُذفتِ الأَلفُ لغيرِ شيءٍ أَوجبَ ذلكَ إلاَّ ما يؤثرونَهُ مِنَ الحذفِ في بعضِ ما يكثُر استعمالُه وليسَ هذَا مما يُقاسُ عليهِ
وزَعَم الخليلُ : أَنَّ نَاساً مِنَ العربَ يقولونَ : لَم أُبَلِهِ لا يزيدونَ على حذفِ الألفِ كما حذفوا : عُلَّبِطٍ وكذلكَ يفعلونَ في المصدرِ فيقولونَ :
بَالَةٌ : ( بَالِيةٌ ) كمَا قيلَ في عَافَى : عِافيةٌ
ولم يقولوا : لا أُبَلْ لأَنَّ هَذا موضعُ رفعِ كمَا لم يحذفوا حينَ قالوا : لم يكنِ الرجلُ لأَنَّ هذَا موضعٌ تُحَركُ فيهِ النونُ ومما يشكلُ قولُهم : مِتَّ تَموتُ وكانَ القياسُ أَن يقولَ مَنْ قَالَ : مِتَّ : تَماتُ مثلُ : خَفْتُ تَخافُ ومَنْ قالَ : تَمُوتُ وجبَ أَنْ يقولَ : مُتَّ كَما قلتَ : قُمتَ تَقُومُ فهذَا إنّما جاءَ شاذّاً كَمَا قالوا في الصحيح : فَضِلَ يَفْضُل
قالَ المازني : وأَخبرني الأَصمعي قالَ سمعتُ عيسى بن عمر يُنشدُ لأبي الأسود :
( ذكرتُ ابنَ عباسٍ ببابِ ابن عَامرٍ ... وما مَرَّ مِنْ عيشي ذكرتُ وَما فَضِلْ )
قالَ : ومثلُ ( مِتَّ تَموتَ ) : دِمْتَ تَدومُ وهَذا مِنَ الشاذِّ ومثلُه في الشذوذِ : كُدتُ أَكادُ
وزَعِم الأصمعي : أَنَّهُ سمعَ مِنَ العربِ مَنْ يقولُ : لا أَفعلُ ذاكَ ولاَ كَوْداً فجعلَها مِنَ الواوِ
وقالَ أصحابنا : إنَّ ( لَيْسَ ) أَصلُها لَيِسَ نحو : صَيِدَ البعيرُ ولَم يقلبوا الياءَ ألفاً لأَنَّهم لم يريدوا أَنْ يصرفوها فيستعملوا مِنْها ( يَفْعَلُ ) ولا فَاعِلُ ولا شيئاً مِنْ أَمثلةِ الفِعْل فأسكنوا الياءَ وتركوها على حالِها بمنزلةِ ( لَيْتَ ) ومِنْ ذلكَ ( هَمّرِشٌ )
قالَ الأخفش : الميمُ الأُولى عندَنا نونٌ لتكونَ من بناتِ الخمسةِ حتَّى تصيرَ في مثالِ ( جَحْمَرِشٍ ) لأَنَّهُ لم يجىء شيءٌ من بناتِ الأربعةِ علَى هذا النباءِ وأَمَّا ( هُمَّقِعٌ ) فَهما ميمانِ لأنَّا لم نجدْ هذَا البناءَ في بناتِ الخمسةِ وكذلكَ ( شُمّخرٌ ) ندعهُ على حالِه ونجعلهُ من بناتِ الأَربعةِ لأَنَّ الأربعةَ قد جاءتْ علَى هذَا البناءِ نحو ( دُبَّخْسٍ ) وكذلك ( غُطَمّشٌ ) مثلُ : عَدَبّسٍ وهوَ مِنْ بناتِ الأَربعةِ
قالَ : ولو كانتْ منْ بناتِ الخمسةِ وكانتِ الأُولى نوناً لأظهرتَ النونَ لئلا تلتبسَ بمثلَ ( عَدَبَّسٍ )
وقال : إنْ صَغَّرْتَ ( هَمَّرِشٌ ) فالقياسُ أنْ تقولَ : هُنَيمِرٌ لأنّ الأولى كانت نوناً وإن شئت قلتَ : هُمَّيرِشٌ وقلتَ مثلَ هذَا يجوزُ أَنْ يكونَ جمعهُ ( هَمَارشَ ) لأَنَّ النونَ والميمَ مِنَ الحروفِ الزوائدِ وإنْ لم تكنْ في هذا المكانِ زائدةً فإنّها تشبهُ ما هُوَ زائدٌ فَتُلقَى هَا هَنَا
قَالَ : فإنْ قلتَ : ما لكَ لم تبينْ النونَ في ( هَمَّرِشٍ ) فلأَنَّهُ لَيسَ لَها مثالٌ تلتبسُ بهِ فتَفصلُ بينَهما
وقالَ الأخفشُ : كلَمونُ مثلُ : زَرَجُونَ وَهوَ العنبُ تقولُ : هذهِ كلمونُكَ لأَنَّ هذهِ النونَ مِنَ الأصلِ وهذَا مِنْ بناتِ الأربعةِ مثلُ : ( قَرَبُوسٍ ) ولَمْ تزدْ فيهِ هذهِ الواوَ والنونُ كزيادةِ نونِ الجميعِ
وحكي عن الفَراءِ في قولِهم : ضَرَبَ علَيهم سَايةً أَنَّ معناهُ طريقٌ قالَ : وهيَ فَعْلَةٌ مِنْ ( سَوُّيتُ ) قلبوا الياءَ أَلفاً استثقالاً لسِيَّةٍ فقلبوا الياءَ لأَنَّ قبلَها فتحةً كمَا قالوا : دَويَّةٌ ودَاويةٌ وهذاَ الذي قالهُ الفراءُ يجوزُ أَنْ يكونَ كما قالَ والقياسُ أَنْ يكونَ وزنُ ( سايةٍ ) فَعْلَةً لأَنَّ الأَلفَ لا تُبدلُ إبدالاً مطرداً إلاّ مِنْ حرفٍ متحركٍ وقدَ مضَى ذِكرُ هذَا في الكتابِ
وقالَ محمد بن يزيد : قولُ سيبويه في ( ضَيْوَنٍ ) إذَا جمعهُ قالَ : ضَياونُ فيصححهُ في الجمعِ كما جاءَ في الواحدِ علَى أصلِه
وزعمَ أَنَّهُ لو جَمع ( أَلبَبَ ) في قولِه : قَدْ عَلِمتْ ذاكَ بناتُ أَلَببه لقالَ ( الأَلبَّب ) فَاعِلّةٌ قالَ : فيقالُ لَهُ : هَلا صححتُه في الجمعِ كما صَحَّ في الواحدِ أَو أعللتَ ( ضَيْوَنَ ) في الجمع كما أعللتهُ وقلت : صححتهُ في الواحدِ شذوذاً فأَردهُ في الجمع إلى القياسِ كما فَعَلْتَ ( بألببٍ ) ولِمَ فرقتَ بينَهما وقد استويَا في مجيءِ الواحدِ علَى الأَصلِ
وزعمَ أَنَّهُ إِذَا صغَرَّ أَلْبِب وحَيْوَةً وضَيْوَنَ أَعلَّهُنَ وسَوًى بينهَن في التصغيرِ فقالَ ( أُلَيّبٌ وضُييَنٌ وحُييَّةٌ )
فيقالُ لَهُ : لِمَ استوينَ في التصغيرِ وخالفتَ بينَ ( أَلبَب ) وبينَهما في الجمعِ ولِمَ خالفَ بينَ جمعِ ( حَيوةٍ ) وبينَ تصغيرِها فصححتَ ( ضَيْوَنَ ) في الجمعِ وأَعللتَها في التصغيرِ وزعَم أَنَّ الواوَ لا تصحُّ بعدَ ياءٍ ساكنةٍ وقد صحَتا في الواحِد في ( حَيوُةٍ وضَيْوَن ) على الأَصلِ شَاذتينِ فهَلاّ أتبعتهما التصغيرَ أَو رددتَ إلى القياسِ في الجمعِ كما فعلتَ في التصغيرِ كما سويتَ بينَ جمعَ ( أَلبَبٍ ) وتصغيرهِ في الردِ إلى القياسِ
قالَ : والجوابُ عندي في ذلكَ أَنَّ البابَ مختلفٌ فأَمَّا ( ضَيْوَنٌ ) فَقَد جُعلَ في الواحدِ بمنزلةِ غيرِ المعتلِّ فالوجهُ أَن يجريَ علَى ذلكَ في الجمعِ فيصيرُ : ( ضَيَاونُ ) بمنزلةِ جَدَاولٍ وأَسَاودٍ وتقولُ في التصغيرِ : ضُيَيِّنٌ علَى ما قالَهُ سيبويه لأَنَّ ياءَ التصغيرِ قبلَ الواوِ فيصيرُ بمنزلةِ ( أُسَيّدٍ ) ولا يكونُ أَمثل منهُ حالاً مَع ما فيهِ قبلَ التصغيرِ ويكونُ جمعهُ بمنزلةِ ( أَسَاوِدٍ ) ومَنْ قالَ في التحقيرِ : ( أُسَيودٌ ) فلاَ أَرى بأساً بأَنْ يقولَ : ( ضُيَيْونٌ ) لأَنَها عينٌ مثلُها ولا يكونُ إِلاّ ذلكَ لصحتِها
وأَمَّا ( أَلبَبُ ) فيجبُ أَنْ يكونَ في الجمعِ والتحقيرِ مُبيّناً جارياً على الأَصلِ فتقولُ : ( أَلاَبِبُ وأُلَيَبَبٌ ) فتُجري جمعَهُ علَى واحدِه كما فعلتَ ( بضَيْوَنٍ ) لا فرقَ بينَهما وكذلكَ تصغيرهُ لأَنَّ ياءَ التصغيرِ ليسَ لها فيه عَملٌ كَما كانَ لَها في تصغيرِ ( ضَيْوَنٍ ) فكذلكَ خالفهُ وكانَ تصغيرهُ كجمعِه وأَمَّا ( حَيْوَةٌ ) فَمِنْ بنات الثلاثةِ والواوُ في موضعِ اللامِ فلا سبيلَ إلى تصحيحِها لأَنَّ أَقصى حالاتِها أَنْ تجعلَ ( كَغَزْوةٍ ) في التصغيرِ فتقولُ : ( حُيَيّةٌ ) وجمعُها كجمعِ ( فَرْوَةٍ ) حَياءٌ تقولُ : ( فِرَاءٌ )
وأَمَّا ( مَعِيشَةٌ ) فكانَ الخليلُ يقولُ : يصلحُ أَنْ تكونَ ( مَفْعَلةً ) ويصلحُ أَن يكونَ ( مَفْعِلةً )
وكانَ أبو الحسن الأَخفش يخالفهُ ويقولُ في ( مَفْعُلَةٍ ) مِنَ العيشِ ( مَعُوشةٌ ) وفي ( فُعْلٍ ) مِنَ البيعِ والعيشِ ( بُوعٌ وعُوشٌ ) ويقولُ في ( أَبيضَ وبِيضٍ ) : هُوَ ( فِعْلٌ ) ولكنَّهُ جَمعٌ والواحدُ ليسَ علَى مذهبِ الجمعِ
قالَ أبو عثمان المازني : قولُ الأخفش في ( مَعيشةٍ ) ( مَعُوشةٌ ) تَركٌ لقولِه في ( مَبيعٍ ومَكيلٍ ) وقياسهُ علَى ( مَكيلٍ ومَبيعٍ ) ( مَعِيشةٌ ) لأَنَّهُ زعمَ أَنَّهُ حينَ أَلقى حركةَ عِينِ ( مَفْعولٍ ) علَى الفاءِ انضمتِ الفاءُ ثُمَّ أُبدلتْ مكانَ الضمةِ كسرةٌ لأَنَّ بعدَها ياءً ساكنةً وكذلكَ يلزمهُ في ( مَعْيشةٍ ) وإِلاّ رجعَ إِلى قولِ الخليلِ في ( مَبيعٍ ) وذكرَ لي عَن الفراءِ أَنَّهُ كانَ يقولُ : ( مَؤونةٌ مِنَ الأَينِ ) وَهوَ التعبُ والشدة فكانَ المعنى : أَنَّهُ عظيمُ التعبِ في الإِنفاقِ علَى مَنْ يَعُولُ
قَال أَبو بكر : وهَذا على مذهبِ الخليلِ لا يجوزُ أَن يكونَ : ( مَوْؤنةً مِنَ الأينِ ) لأَنَّها ( مَفْعُلَةٌ ) ولو بنى ( مَفْعُلَة ) مِنِ الأينِ لقالَ : ( مَئِينُةٌ ) كَما قالَ : ( مَعِيشةٌ ) وعلَى مذهبِ الأخفشِ يجوزُ أَنْ تكونَ ( مؤونةٌ ) مِنَ الأينِ إِلاّ أَنَّ أبا عثمان قَد أَلزمهُ المناقضةَ في هَذا المذهبِ وَمَوْؤُنَةٌ عندي وَهْوَ القياسُ ( مَفْعُلَةٌ ) مأْخوذٌ مِنَ ( الأَونِ ) يقالُ ( للأتانِ ) إِذا أقربتْ وعظمَ بَطنُها : قد ( أَوَّنَتْ ) وإِذَا أَكلَ الإِنسانُ وشَربَ وامتلأَ بطنهُ وانتفختْ خاصرتاهُ يقالُ : قَد ( أَوَّنَ ) تأْويناً . قالَ رؤبةُ :
( سِرْاً وَقدْ أَوَّنْ تَأْوينَ العُقُقْ ... )
وقالَ أَيضاً : ( الأَوْنَانِ ) جَانبا الخرجِ فينبغي أَنْ يكونَ ( مَوؤُنَةٌ ) مأخوذةً مِنَ ( الأونِ ) لأَنّها ثقلٌ علَى الإِنسانِ فتككونُ ( مَوؤُنةً ) مَفْعُلَةً فإنْ قَالَ قائلٌ : إنَّ مَوؤُنةً مَفْعُولةٌ قيلَ لَهُ : فَقُلْ في مَعِيَشةٍ إنَّها مَفْعُولةُ مثلُ : ( مَبِيَعةٍ ) ومَفعولٌ ومَفعولةٌ لا يكادُ يجيءُ إِلاّ علَى ما كانَ مبنياً علَى ( فَعْلٍ ) تقولُ : ( بِيعَ ) فهوَ مَبِيعٌ وبِعتُ فهِيَ مَبِيعَةٌ وقِيلَتْ فهيَ مَقُولةٌ وليسَ حَقُّ المصادر أَنْ تجيء على ( مَفْعُولةٍ ) وقَد اختلفَ أَصحابُنا في ( مَعقولٍ ) فقالَ بعضُهم : هَوَ مصدرٌ وقالَ بعضُهم : صفةٌ ولَو كانَ ( معقولٌ ) مصدراً لا خلافَ فيهِ ما وجَبَ أَن يردَّ إليهِ شيءٌ ولا يقاسُ عليهِ إِذَا وجدَ عنهُ مذهبٌ لقلتِه . ومِنْ هَذا البابِ ( أُسطُوانةٌ )
قالَ الأخفش : تَقولُ في ( أُسطُوانةٍ ) إِنَّهُ فُعْلُوانةٌ لأَنكَ تقولُ : أَسَاطينُ فأَساطينُ فَعَالين كانتْ ( أُفْعُلاَنةً ) لم يجزْ : أَسَاطينُ لأَنَّهُ لا يكونُ في الكلامِ ( أَفاعينُ )
وقَد قالَ بعضُ العربِ في ترخيمِ ( أُسطُوانةٍ ) : سُطَينةٌ فَهَذا قولُ مَنْ لغتهُ حَذْفُ بعضِ الهمزِ كَما قالوا : ويلمهِ يريدونَ : وَيْلٌ لأمُهِ
وقَد قالَ قومٌ علَى قولِ مَنْ قاَلَ : سُطَينةٌ أَنها ( أُفْعُلاَنةٌ ) وَغُيِّرَ الجَمعُ فَجُعِلَ النونُ كأَنَّها مِنَ الأصلِ كما قالوا : مَسيلٌ وَمُسْلان وهَذا مذهبٌ وَهوَ قليلٌ والقياسُ في نحو هذا أَنْ تكونَ الهمزةُ هيَ الزيادةَ
وقَد قَالَ بعضُ العربِ ( مُتَسَطٍّ ) فهذَا يدل على أَنَّ ( أُسطُوانَة ) أُفْعُوالةٌ وأَشباهها نحو : ( أُرجُواَنةٍ وأُقحُوانةٍ ) الهمزةُ فيها زائدةٌ لأَنَّ الألفَ والنونَ كأَنَّهما زيدا علَى ( أَفْعَلٍ ) ولا يجيء في الكلامِ ( فُعْلُوٌ ) ومَع ذَا إِنَّ الواوَ لو جعلَها زائدةً لكانتْ إِلى جنبِ زائدتينِ وهَذا لا يكادُ يكونُ
قالَ : وأَمّا مُوسَى فالميمُ هيَ الزائدةُ لأَنَّ ( مُفْعَل ) أَكثر مِنْ ( فُعْلَى ) مُفْعَلٌ يُبنى مِنْ كُلٍّ ( أَفْعَلتُ ) ويدلُّكَ علَى أَنَّهُ ( مُفْعَلٌ ) أَنَّهُ يصرفُ في النكرةِ . و ( فُعْلَى ) لا تنصرفُ علَى حالٍ
الضربُ الثاني ما قِيسَ على كلامِ العربِ وليسَ من كلامِهم :
هَذا النوعُ ينقسم قسمينِ : أَحدهما : ما بُنيَ مِنْ حروفِ الصحةِ وأُلحقَ بما هُوَ غيرُ مضاعفٍ والقسمُ الآخرُ : ما بُنيَ من المعتلَ بناءَ الصحيحِ ولَم يجىء في كلامِهم مثالُهُ إِلاّ مِنَ الصحيحِ
النوعُ الأولُ : وهوَ الملحقُ إِذَا سُئلتَ كيفَ تبني مثلَ ( جَعْفرٍ ) مِنْ ضَرَبَ قلتَ : ضَرْبَبٌ ومِنْ ( عَلِمَ ) قلتُ : عَلْمَمٌ . ومِنْ ظَرُفَ قلتُ : ( ظَرْفَفٌ ) وإِنْ كانَ فعلاً فكذلكَ تُجريهِ مَجرى : دَحْرَج في جميعِ أَحوالهِ
وقالَ أبو عثمان المازني : المطردُ الذي لا ينكسرُ أَنْ يكونَ موضعُ
اللام مِنَ الثلاثةِ مكرراً للإِلحاقِ مثلُ : ( مَهْددٍ وقَرْدَدٍ ) قالَ : وأَمَّا مثالُ : حَوْقَلَ الرجلُ حَوْقَلةً وَبَيْطَرَ الدابةَ بيطرةً وَسَلْقَيْتُهُ وَجَعْبَيتُهُ فليسَ بمطردٍ إِلاّ أَنْ يُسْمَعَ
قالَ : ولكنَّكَ إِنْ سئلتَ عن مثالِه جعلتَ في جوابِكَ زائداً بإزاءِ الزائدِ وجعلتَ البناءَ كالبناءِ الذي سُئلتَ عنهُ فإِذَا قيلَ لكَ : ابنِ مِنْ ضَرَبَ مثلُ ( جَدْوَلٍ ) قلتَ : ضَرْوَبٌ ومثلُ ( كَوْثَرٍ ) قلتَ : ضَوْرَبُ ومثلُ جَيْأَلٍ قلتَ : ضَيْرَبٌ وإِنْ كانَ فعلاً فكذلكَ
وقَد يبلغُ ببناتِ الأربعةِ الخمسةَ مِنَ الأَسماءِ كما بلغَ بالثلاثةِ الأَربعةَ فما أُلحقَ مِنَ الأَربعةِ بالخمسةِ قَفَعْدَدٌ ملحقٌ ( بسَفَرْجَلٍ ) وهَمَرْجَلٍ وقَد يلحق الثلاثةَ بالخمسةِ نحو ( عَفَنْجَجٍ ) هُوَ مِنَ الثلاثةِ فالنونُ وإِحدى الجيمينِ زائدتانِ ومثلُ ذلكَ : حَبَنْطَى
ودَلَنْطَى وسَرندَى النونُ والألفُ زائدتانِ لأنكَ تقولُ : حَبِطَ ودَلَظَهُ بيدهِ وسَرَدهُ فهذا مِنَ الثلاثةِ وقالَ جميعُ أَصحابنا إِذَا بنيتَ مِنْ ( ضَرَبَ ) نَحو : دَحْرَجَ قلت : ضَرْبَبَ حتى يَصِيرَ الحرف أربعة ولا يدغم الباءَ في الباءِ لأنكَ إنما أردت أن تلحقه بوزن دَحْرَجَ ولو أدغمتَ لحركتَ ما كان ساكناً وسكنت ما كان متحركاً وزَال دليلُ الإِلحاقِ وإِنْ بنيت مِنْ ( دَحْرَجَ ) مثلُ : سَفَرجلٍ اسماً زدتَ حرفاً حتى يكونَ خمسةً تقولُ : دَحَرْجَجٌ ولا تكونُ الألفُ ملحقةً أَبداً إِلاّ أَنْ تكونَ آخراً نحو : ( عَلقَى ) وتعرفُ أَنَّها ملحقةٌ إِذا رأَيتها منونةً في كلامِ العَربِ لأَنَّها إِنّما تكونُ للتأنيثِ في نحو : عَطْشَى وَبُشرى فإِذَا لم تكنْ للتأنيثِ كانتْ ملحقةً وكانتْ منونةً نحو ( عَلْقًى وَمِعْزَىً ) لأَنَّها منونةٌ ومِنَ العربِ مَنْ ينونُ دِفْلَى وذِفْرى فيجعلهما ملحقتينِ
واعلَمْ : أَنَّ الواوَ إِذَا انضمَّ ما قبلَها والياءُ إِذا انكسَر ما قبلَها لا يكونانِ ملحقينِ نحو : عَجُوزٍ وعَمُودٍ وسَعيدٍ وقَضِيبٍ وإِذَا كانَ ما قبلَها مفتوحاً نحو : حَوْقَلَ وبَيْطَرَ فهما ملحقتانِ وكذلكَ إِذا سُكِّنَ ما قبلَهما فحكمُها حكمُ الصحيحِ نحو ( جَهْوَرٍ ) وحِذْيَمٍ وأَمَّا المِيمُ والهمزةُ فلا تكادانِ تكونانِ ملحقتينِ إلاَّ قليلاً في نحو : زُرْقُمٍ وسُتْهُمٍ وشَأملٍ
وشَمْأَلٍ وَدُلاَمِص وأَمَّا التاءُ فتكونُ ملحقةً في نحو : ( سَنْبَتَةٍ ) وعَنْكبوتٍ وجَبَروتٍ وبِنْتٍ وأًختٍ إِلاَّ أَنَّها في ( بنتٍ ) وأُختٍ قامتْ مَقامَ حَرفٍ مِنَ الأَصلِ ولا تكونُ السينُ ملحقةً وكذلكَ الهاءُ ولا تكونُ اللامُ ملحقةً إِلاّ في ( عَبْدلٍ ) وحدَهُ والنونُ تكونُ ملحقةً في ( رَعْشَنٍ ) و ( سِرحانٍ ) وأَمَّا حروفُ الأَصلِ فتكونُ كلها ملحقةً نحو : مَهْددٍ وقَعْدَدٍ وَجِلبابٍ وكَوَأْلَلٍ واسْحَنْكَك فإِذَا وجدتَ شيئاً ملحقاً قد ضعفَ واجتمعَ فيه حرفانِ مثلانِ فلا تدغمهُ فإنَّهُ إِنّما ضعفَ ليبلغَ زِنَةَ ما أُلحقَ بهِ فمثلُ : اسْحَنْكَكَ واقْعَنْسَسَ لا يدغمُ لأَنَّهُ أُلحقَ باحْرنجَمَ وأَمَّا ( احمرَّ واصفرَّ ) فهوَ مدغمُ لَيْسَ لَهُ شيءٌ مثلُه لَيْسَ فيهِ حَرفانِ مثلانِ فيلحقُ بهِ وكذلكَ اطمأنَّ مدغمٌ لأَنَّهُ لَيسَ لَهُ شيءٌ مثلهُ لَيْسَ فيهِ حَرفانِ مثلانِ فيلحقُ بهِ وأَمَّا : مَعَدُّ وصُمَلٌّ وطِمِرٌّ فإِنَّ هذهِ إِنّما أُدغمتْ لأَنَّ
الأولَ منها ساكنٌ وبعدَهُ حرفٌ مثلهُ فإِذَا التقى حرفانِ مثلانِ والأَولُ منهما ساكنٌ لم يكنْ فيهما إِلاّ الإِدغامَ
واعلَمْ : أَنَّ النونَ الساكنةَ إِذَا كانتْ في كلمةٍ واحدةٍ معَ الميمِ والواوِ والياءِ والراءِ واللامِ فإنَّهم يبنونَها في نحوِ : أُنْمُلةٍ ومُنْيَةٍ وأَنْوَكَ لأَنَّهم لو أَدغموها لالتبستْ فَتُوهم السامعَ أَنَّها مِنَ المضَاعفِ وإِنّما قالوا : امّحَى فأَدغموا النونَ لأَنَّ هَذا بناءٌ لا يكونُ إِلا ( انْفَعَلَ ) ولا يكونُ في الكلامِ ( افَّعلَ ) فيخافُ أَن يلتبسَ بهذَا وكذلكَ ( انفعل ) مِنْ وَجِلْتُ اوَّجَلَ ومِنْ رأيتُ ارَّأَى ومِنْ لَحَنَ الحَّنَ لا تبينُ النون لأَنَّ هَذا موضعٌ لا يخافُ أَنْ يلتبسَ بغيرهِ وتقولُ في مثل : قُنْفَخْرٍ مِنْ : عَمِلَ عُنْمَلٌّ ومثلُ : عَنْسَلٍ مِنْ : بِعْتُ وقُلْتُ : بَنْيَعٌ وقَنْوَلٌ ومثالُ : قِنْفَخْرٍ بِنْيَّعٌ وَقِنوَّلٌ فتبينُ النونَ لئلا يلبسَ ما كانَ مِنْ قِنْفَخْرٍ بِعِلِكِدٍ وتقولُ في مِثْلِ : جَحْنْفَلٍ مِنْ عَلِمتُ عَلَنْمَمٌ فتبينُ النونَ لئلا يلبسَ بِغَطمّشٍ
قالَ الأخفش : ولا تقولهُ مِنْ كَسَرتُ ولا جَعَلْتُ لأَنَّ النونَ تقعُ قبلَ لامٍ أَوْرَاءٍ فإِنْ بنيتَها ثَقُلَ الكلامُ لقربِ اللامِ والراءِ منها وإِنْ أدغمتَ خشيتَ الإلتباسَ ولا تقولُ أَيضاً مثلُ ( عَنْسَلٍ ) مِنْ شَرَيتُ ولاَ مِنْ عَلِمتُ لأَنَّ النونَ مِنْ مخرجِ الراءِ واللامِ فإِنْ أدغمتَ التبسَ وإِنْ بنيتَ ثَقُلَ وتقولُ في مِثْلِ ( عَنْسَلٍ ) مِنْ قلتُ وعَمِلتُ : عَنْمَلٌ وقَنْوَلٌ ومِنْ ( بِعْتُ ) بَنْيَعٌ ولَم يجزِ الإِدغامُ فيلتبسُ قَالَ : وتقولُ في مِثْلِ ( كُنْتَأْلٍ مِنْ قَويِتُ ) قُنْوَيٌّ تبين النونَ لأَنَّكَ لو أدغمتَها التبستْ ( بِفُعّلٍ ) مِنْ قَوِيْتُ إِذَا ثقلتَ العينَ واللامَ وكذلكَ مثلُ ( كُنْتَألٍ ) مِنْ نَمَيْتُ نُنْمَيٌّ ومَنْ قالَ : نَمَوْتُ قالَ : نَنْمَوُّ ومِنْ حَيِيتُ حُيْيَيٌّ وتقولُ فيماَ كانَ مِنَ المضاعفِ على مثالِ ( فَعَلٍ ) بغير الإِدغامِ وذلكَ نحو قَصَصٍ مِنْ قَصَّ يَقُصُّ ومثلُه : مَشَشٌ وعَسَسٌ وتقولُ عَلَى مثالِ ذلكَ مِنْ ( رَدَدْتُ رَدَد ) فإِنْ كانَ المضاعفُ علَى مثالِ : فَعُلٍ وفَعِلٍ لَمْ يقعْ إِلاّ مدغماً وذلكَ رجلُ صَنفُّ الحالِ هُوَ ( فَعِلٌ ) والدليلُ على ذلكَ قولُهم : الضَّفَفُ في المصدرِ فهذَا نظيرهُ من غيرِ المضاعفِ الحَذَرُ والرجلُ حَذِرٌ وقَدْ جَاءَ حرفٌ منهُ علَى أَصلهِ قالوا : قَومٌ ضَفِفُو الحالِ فَشذّ هذَا كَما شَذَّ ( الحَوكةَ ) وإِنْ كانَ المضاعفُ ( فُعَلٌ ) أَو ( فِعَلٌ ) أَو ( فُعُلٌ ) مِما لا
يكونُ مثالُه فعلاً فهوَ علَى الأَصلِ نحو : خُزَرٍ وَمِرَرٍ وحُضَضٍ وحُضُضٍ وأَمَّا قولهُم قَصَصٌ وقَصٌّ وهم يعنون المصدرَ فهما اسمانِ : أَحدهما محركُ العينِ
والآخرُ ساكنُ العينِ في لغتينِ
وأَمَّا قولُ الشِاعرِ :
( هَاجَكَ مِنْ أَرْوَى كُمُنْهَاض الفَكَك . . ... . )
فإِنَّهُ احتاجَ فحركَ فجعلَ الفَكَّ الفكَكَ
قاَل المازني : فإِذَا أَلحقتَ هذهِ الأشياءُ الأَلفَ والنونَ في آخرِها
تركتَ الصدرَ على ما كانَ عليهِ قبلَ أَن تُلحقَ وذلكَ نحو : رَدَدَانَ وإِنْ أَردتَ ( فَعُلاَنَ ) أَو ( فَعِلانَ ) أدغمتَ فقلتَ : رَدَّانَ فيهما وهوَ أَوثقُ مِنْ أَن تُظهرَ
قالَ : وكانَ أَبو الحسن الأخفش يُظهر فيقولُ : رَدُدَانُ وَرَدِدَانُ ويقولُ : هُوَ ملحقٌ بالألفِ والنونِ ولذلكَ يظهرُ ليسلَم البناء
قَالَ المازني : والقولُ عندي علَى خلافِ ذلكَ لأَنَّ الألفَ والنونَ يجيئانِ كالشيءِ المنفصلِ أَلاَ تَرَى أَنَّ التصغيرَ لا يُحتسبُ بهما فيهِ كَما لا يحتسبُ بياءي الإِضافةِ ولاَ بأَلفي التأنيثِ فيحقرونَ ( زَعْفَرَانَ ) : زُعَيفِرَانٌ وَخُنْفَساءَ : خُيَنفَساءُ فَلَو احتسبوا بهما لحذفوهما كما يحذفونَ ما جاوزَ الأربعةَ . قَالَ : وهذَا قولُ الخليلِ وسيبويه وَهوُ الصوابُ
الضربُ الثاني مِما قيسَ مِنَ المعتلِّ علَى الصحيحِ :
هذَا الضربُ يَنْقسمُ بعددِ الحروفِ المعتلةِ ثلاثةِ أَقسامِ وهيَ : الياءُ والواوُ والهمزةُ ثُمَّ يمتزجُ بعضُها معَ بعض فتحدثُ أَربعةُ أَقسامٍ : ياءٌ وواوٌ ويَاءٌ معَ همزةٍ وَواوٌ معَ همزةٍ واجتماعُ ياءٍ وَواوٍ وهمزةٍ فذلكَ سبعةُ أَقسامٍ
القِسمُ الأولُ : المسائلُ المبنيةُ مِنَ الياءِ :
تقولُ : في مثالِ حَمَصِيصَةٍ مِنْ رَمَيْتُ رَمَوِيَّةٌ وكانتْ قبلَ أَن تغيرَها رَمَييَّةٌ فاجتمعَ فيها مِنَ الياءاتِ ما كانَ يجتمعُ في رَحَيِيَّةٍ إذا نسبتَ إلى رَحَى فغيرتَ كما غَيرتَ ( رَحَى ) في النسبِ فقَلبتَ اللامَ الأولى أَلفاً ثم أَبدلتَها واواً لأَنَّ بعدَها ياءً ثقيلةً كياءِ النسبِ فإنْ قلتَ : إنَّ ياءَ النسبِ منفصلةٌ فَلِمَ شَبَّهْتَ هَذَا بهَا فإِنَّهم إذا كرهوا اجتماعَ الياءاتِ في المنفصلِ فهم لغيرِ المنفصلِ أَكرهُ أَلا تَرى أَنَّ الهمزتينِ إذا التقتَا منفصلتينِ خلافهما إذا اجتمعتا في كلمةٍ واحدةٍ لأَنَّ الجميعَ مِنْ أَهلِ التحقيقِ والتخفيفِ يجمعونَ على إبْدَالِها إذَا كانتْ في كلمةٍ واحدةٍ ومَنْ قاَلَ في ( حَيَّةٍ ) في النسَبِ ( حُيَّيٌّ ) وفي أُمَيّةٍ : أُمَيِّيٌّ فجمعَ بينَ أَربعِ ياءاتٍ لم يَقلْ ذلكَ في ( مثلِ ) ( حَمَصِيصَةٍ ) مِنْ ( رَمَيتُ ) ولَمْ يكنْ فيها إلاّ التغيرُ وهَذا أَقيسُ
وكانَ الخليلُ وسيبويه وأَبو الحسن الأخفش يَرَوْنَهُ وَهوَ قولُ المازني وتقولُ في ( فَيْعِلٍ ) مِنْ حَيِيْتُ حَيٌّ وكانَ الأَصلُ : حَيِيٌّ فاجتمعتْ ثَلاثُ ياءاتٍ الأُولى الياءُ الزائدةُ في ( فَيْعِلٍ ) والثانيةُ عينٌ والثالثةُ لامٌ فحذفتِ الأخيرةُ كمَا فعلَوا في تصغيرِ أَحوى حينَ
قالوا : أُحَيٌّ فحذفوا استثقالاً للجمعِ بينَ هذهِ الياءاتِ الثلاثِ التي آخرُها لامٌ قبلَها كسرةٌ وتقولُ في فَعُلانٍ من حَيِيتُ : حَيُوانٌ فتقلبُ الياءَ التي هيَ لامٌ واواً لإنضمامِ ما قبلَها ومَنْ أسكنَ قالَ : حَيْوَان ( كما يقولُ إذَا أسكنَ ) ( لَقَضْو الرجلُ ) لا يغيرُ لأَنَّ الإِسكانَ لَيْسَ بأَصلٍ فإنْ قيلَ لِمَ لَمْ تُقلبِ الياءُ مِنْ حَيوانٍ أَلفاً وهيَ عينٌ متحركةٌ قبلَها فتحةٌ قيلَ : إذا أُعْلتِ اللامُ لَمْ تُعل العينُ والواجب إعلالُ اللامِ دونَ العينِ لأَنَّ اللامات متى لم تدخلْ عليها الزوائدُ كانتْ أَطرافاً يقعُ علَيها الإِعرابُ ويلحقُها التغيرُ أَيضاً إذا دخلتْ علَيها الزوائدُ
وقالَ الخليلُ : أَقولُ في مثلَ ( فَعَلانَ ) مِنْ حَيِيتُ : حَيَّانُ وتسكنُ وتدغمُ إنْ شئتَ ويقولُ في مِثَالِ ( مَفْعُلةٍ ) مِنْ ( رَمَيتُ ) : مَرْمُوةٌ إذا بنيتَها علَى التأنيثِ ومَرْمِيةٌ إذَا بنيتَها علَى التذكيرِ ومعنى قولي : بنيتَها علَى التأنيثِ أَي : لا يقدرُ فيها التذكيرُ قبلَ الهاءِ ثُمَ تدخلُ الهاءُ إنّما تجعلها في أَولِ أَحوالِها وَقَعتْ وصَيغِتْ مَع الهاءِ فإنْ قَدرتَ أنَّ التذكيرَ سبقَ ثُمَ أدخلتَ الهاءَ للتأنيثِ فلا بُدُّ مِنَ الإِعلالِ لأَنَّهُ لا يجوزُ أَنْ يكونَ اسمٌ آخرهُ واوٌ قبلَها ضمةٌ والدليلُ عَلى أَنَّ الذي يُبنى علَى التأنيثِ لا
يقلبُ فيها الواوُ قراءةُ الناسِ : خُطُواتِ لأَنَّهُ إنما عَرَض التثقيلُ في الجمعِ ولم تكنِ الواحدةُ مثقلةً ومَنْ ثقلَ ( خُطُواتٍ ) لزمهُ أَنْ يقولَ : في كُلْيةٍ كُلُواتٌ لأَنَّ الياءَ انضمَّ ما قبلَها وَهوَ موضعٌ تثبتُ فيهِ الواوُ لأَنَّها غيرُ طَرفٍ ولكنَّ العربَ لا تقولهُ لأَنَّ لَهُ نظيراً مِن غيرِ المعتلِّ لا يحولُ في أَكثرِ كلامِ العربِ نحو ( ظُلْماتٍ ) والرُّسْلِ فألزمَ هذَا الإِسكانَ إذْ كانَ غيرُ المعتلِّ يسكنُ ولكنْ مَنْ قالَ ( مِدْيةٌ ) في ( مُديةٍ ) فَلا بأَسَ بأَنْ يقولَ : مِدِيَاتٌ لأَنَّهُ لا يلزمهُ قَلْبُ شيءٍ إلى شَيءٍ والإِسكانُ أَكثرُ في الياءِ والواوِ لإستثقالِهمِ الحركةَ فِيهما ومَنْ قَالَ : رِشْوَةٌ ثُمَ جَمعَ بالتاءِ فحركَ فقياسهُ رِشِيَاتٌ كما يلزمهُ أَنْ يقلبَ الياءَ في كُلْيةٍ واواً إذَا انضمَّ ما قبلَها كذا يلزمهُ أَنْ يقلبَ الواوَ ياءً إذا انكسرَ ما قبلَها للجمعِ في ( رِشْوَةٍ ) كمَا كانَ قَائلاً في ( كُليةٍ ) كُلُواتٌ ولكنَّ هذَا متنكبٌ كمَا كانُ تثقيلُ كُليةٍ متنكباً
وقالَ الأخفشُ : تقولُ في ( مَفْعُلةٍ ) مِنْ ( رَميتُ ) مَرموةٌ إذَا بنيتَها علَى التأنيثِ ومَرْمِيةٌ إذا بنيتَها علَى التذكيرِ كمَا تقدمَ مِنْ قولِنا مثلُ ( عَرْقُوةٍ ) وفُعْلُلَةٌ مِنْ ( رَميتُ ) رُمْيُوَةٌ وَفُعْلَةٌ مِنْ ( قَضَيْتُ وَرَمَيْتُ ) إذَا لم تبنهِ علَى تذكير ( قُضُوَةٌ وَرُمُوَةٌ إنْ بنيتَهُ على تذكيرٍ قَلتَ : رُمْيَةٌ . وفَعَلانٌ مِنْ ( رَمَيْتُ ) رَمَيَانُ كمَا قلتَ : رَمَياَ . وتقولُ في فِعْلاَلةٍ مِنْ رَميتُ : رِمْيَايةٌ ومِنْ ( حَيِيْتُ ) حِيايَّةٌ وإذَا كانتْ علَى تذكيرٍ همزتَ وتقولُ في ( فِعْلِلَةٍ ) مِنْ
( رَميتُ ) رِميِيةٌ قالَ : وتقولُ في ( فَعَلانٍ ) مِنْ حَيِيتُ حَيَيانٌ لا تدغمُ وإنَّما قالتِ العربُ : الحَيَوانُ فصيروا الآخرةَ واواً لأَنَّهم استثقلوا الياءين وكانَ هذَا البابُ مِما لا يدغمُ فَحولوا الآخرةَ واواً لئلا يختلفَ الحرفانِ
قالَ : وتقولُ في ( فَعُلانٍ ) مِنْ حَيِيتْ : حَيُوانٌ فتبدلُ الآخرةَ واواً لمَا انضمَّ ما قبلَها
قالَ : وتقولُ في ( فُعُلانِ وَفُعَلانَ ) : حُيُيَانٌ وحُيَيَانٌ ولا تقلبُ الأُولى واواً وإنْ كانَ ما قبلَها مضموماً لأَنَّها في موضعِ العينِ
قالَ أبو بكر : إنْ كانَ ما حُكيَ عن الأخفشِ مِنْ قولِه في ( فُعُلانٍ ) مِنْ ( حَيِيتُ ) : حُيُيانٌ صحيحاً عَنْهُ فهو غَلَطٌ لأَنُّهُ قَد تركَ قولَهُ في ( فَعُلانٍ ) حَيُوَانٌ فإنْ احتجَّ عنهُ محتج أَنَهُ كانَ يلزمُ أَنْ يقولَ ( حُوُوَانٌ ) فتقلبُ الياءين للضمتينِ ثم تقلبُ الواو الأَخيرةَ ياءً وتكسرُ ما قبلَها فلمَّا فَعَلَ ذلكَ وأَعلَّ اللاَّم لَمْ يجزْ أَنْ يعلَّ العينَ رَدَّ الياءَ قيلَ لَهُ : إذَا وجبَ إعلالُ اللامِ دونَ العينِ لَمْ يتسعْ لنَا هذَا التقديرُ لأَنَّ العينَ كالحرفِ الصحيحِ إذَا كانتِ اللامُ معتلةً وكانَ بعضُ أَصحابِنا مِنَ الحذاقِ بالتصريفِ لا يجيزُ في شيءٍ مِنَ الأبنيةِ أَنْ يجتمعَ واوانِ بينَهما ضمةٌ
وقالَ : أجري هذهِ الأَشياءَ على ما تلفظُ بهِ العربُ فأَنقلُ ( فَعُلَ ) إلى ( فَعَلَ ) في ( حَيُوانٍ وقَوُوَانٍ ) فأَقولُ : قَوِيَانٌ وحَيِيَانٌ فأَمَّا ( فُعُلانُ ) فأستقبح أَن أبنيَ مثلَهُ لأَنَهُ يخرجُ إلى ما ليسَ في الأسماءِ نحو : فُعِلَ وفُعِلاَنَ فإنْ قالَ قائلٌ : فَلِمَ لا تُدغم قيلَ : لا يجوزُ الإِدغامُ في ( فُعُلٍ ) و ( فُعُلانٍ ) لخروجهِ
عَنْ مثالِ الفعلِ فالوجهُ أَنْ لا أَبني مثلَ هَذَا كما أَنهُ لو قيلَ لي : كيفَ تبني علَى مثالِ ( كَابُلٍ ) مِنْ ( ضَرَبْتُ ) لم يجزْ أَن أَبني
وقالَ الأخفشُ : ( أَفْعُلَّةٌ ) مِنْ رَمَيْتُ ( أَرْمُوَّةٌ ) وتقولُ في مثالَ ( دُرَجَةٍ ) مِنْ ( رَمَيْتُ ) : رُمَيةٌ وجميعُ ما ذكرتُ لكَ من هذَا المثقلِ بُنيَ مثقلاً علَى أَنَّ الحرفَ الأولَ منهُ سَاكنٌ وتقولُ في مثلِ ( عُرَضْنَةٍ مِنْ ) رَمَيْتُ : رُمَيْنَةٌ وتقولُ في مثلِ ( صَمَحْمَحٍ ) مِنْ ( رَمَيْتُ ) : رَمَيْمَاً وتقولُ في مثلِ ( حِلِبْلاَب ) من ( رَميتُ ) : رِمِيْمَاءٌ ولو قالَ قَائلٌ : ابن لي مثلَ بكرٍ مِنْ يَدٍ قلتَ لَهُ : إنَّ العربَ لما أَرادتْ هذَا البناءَ جاءتْ بهِ منقوصاً وإذَا أَتمَمتَهُ فلَيس مِنْ كلامِهم فإنْ أَحبَّ أَنْ تتكلفَ لَهُ ذلكَ لتريهِ كيفَ يكونُ لو تكلموا بهِ قلتَ : يَدْيٌ أثبت الياءَ وأَعربتَ لأَنَّهُ مثلُ ( ظَبيٍ ) فإنْ قالَ لكَ قَائلٌ : ابنِ لي مِنْ ياءٍ مثلُ ( بكرٍ ) قلتَ : ليسَ في أَسماءِ العربِ اسمٌ فاؤهُ وعنيهُ ولامهُ من موضعٍ واحدٍ فإن تكلفتَ ذلكَ علَى قياسِ كلامِهم قلتَ : يَيْيٌ يَا هَذا جمعتَ بينَ ثلاثِ ياءاتٍ كمَا فعلتَ ذلكَ في تصغيرِ ( حَيَّةٍ ) حينَ قلتَ : حُيَيَّةٌ وهيَ في هذَا أَقوى منها في ( حُيَييّةٍ ) لأَنَّ الياءَ الأُولى في موضعِ الفاءِ وهيَ في تصغير ( حَيَّةٍ ) في موضعِ العينِ وموضعُ العينِ أَضعفُ مِنْ موضعِ الفاءِ فإنْ قَالَ قائلٌ ابنِ من ياءٍ مثال ( جَعْفرٍ ) قلتَ : ( يَيْئَاً ) ولَو بنيتَ مثالَ : قُعْدُدٍ لقلتِ : يُيْئُيٌ تحذفُ
الرابعةَ وتدعُ ثلاثَ ياءاتٍ ولَو أَردتُ مثلَ ( سَفَرجلٍ ) أَو مثلَ ( صَمَحْمَحٍ ) لقلتَ فيهما جَميعاً ( يَوَيَّاً ) تبدلُ الواوَ
قالَ الأخفش : لأَنكَ إذَا أبدلتَ الرابعة أبدلت معها الثالثة وينضم إلى مَا قالَ مِمَّا احتجَّ بهِ أَنّهُ لا أَصلَ يرجعُ إليهِ في اجتماعِ الياءاتِ إلاّ ما جاءَ في النَّسبِ ونحو هذَا إذا وقَعَ في النَّسَبِ قلبوا الياءَ ألفاً ثُمَ قلبوها واواً فإنْ بنيتَ نحو ( جحمرِشٍ ) مِنَ الياءِ
قالَ الأخفش : تقولُ : يَيَّوِيٌ ثلاثُ ياءاتٍ ثُمَّ واوٌ ثُمَّ ياءٌ بعدَها واجتمعتِ الياءاتُ الأُول لأَنَّهنَّ لسنَ بأَثقلَ مِنْ بابِ تصغيرِ ( حَيَّةٍ ) إذا قلتَ ( حُيَيَّةٌ )
قالَ : ومثالُ ( جَحمرِشٍ ) مِنْ حَيِيتُ : ( حَيَوَيٌ ) تقلبُ إحدى الياءاتِ واواً لئلا تجتمعَ أَربعُ ياءاتٍ ولم تقلبِ الأُولى والثانيةَ من ( حَيِيتُ ) لأَنكَ لو قلبتَها كنتَ قد قلبتَ حرفينِ فكانَ قلبُ الحرفِ الرابعِ أَولى لأَنَّكَ إنَّما تَقلبُ حرفاً واحداً
قالَ : وتقولُ في مثالِ ( قُذَعْمِيلةٍ من ( قَضيتُ ) قُضَوِيَّةٌ لأَنَّها تصيرُ في مثلِ النَّسَبِ إلى ( أُمَيّةٍ ) فيجتمعُ فيها أَربعُ ياءاتٍ فتحذفُ منهنَّ واحدةً ثُمَ تبدل الأُولى واواً كمَا قلتَ في أُميَّةٍ : أُمَويٌّ وتقولُ في مثلِ ( قُذَعْمِلَةٍ ) وهيَ القصيرةُ مِنْ ( قَضيتُ قُضَيَّةٌ فتحذفُ ياءً وكانَ الأَصلُ ( قُضَيِّيةٌ ) فتكونُ ثلاثُ ياءاتٍ أَولُها ساكنٌ فحذفوا الآخرةَ كما أَنَّ أَصلَ ( مُعَيَّةٍ ) إذا صغرتَ : مُعَوِية مُعَيِّيةٌ فحذفوا الآخرةَ وإذَا بنيتَ ( فَعُلاً ) مِنْ
قَضَيْتُ اسماً قلتَ : قَضٍ وإنْ بنيْتُه ( فَعْلاً ) قلتَ : قَضْوَاً وإنَّما قلبتْ الواوَ ياءً في الإسم لأَنَّ الأسمَ لا يكونُ آخرهُ كذا وكذلكَ إنْ بنيتَ اسماً علَى ( فَعِلٍ ) مِنْ ( قَضَيْتَ ) يستوي لفظُ ( فَعِلٍ وفَعُلٍ ) فإنْ قالَ قَائلٌ : فكيفَ لا تخافُ في هذَا اللبسَ وكيفَ لا تتركُ بناءَ هذَا أصلاً إذا كانَ يلتبسُ كما تركتُ بناءَ ( فَنْعَلٍ ) مِنْ ( ضَرَبْتُ ) إذ كانَ يلتبسُ بِفَعَّلَ قيلَ : إنَّ بينَ هذينِ فرقاً لأَنَّ ( فَنْعَلَ ) مِنْ ( ضَرَبْتُ ) لا يظهرُ بناؤهُ واضحاً أَبداً وأَمَّا ( فَعُلَ ) مِنْ بناتِ الياءِ والواوِ فَقَدْ يصحُّ إذَا قلتَ ( فَعُلَةٌ ) ولم تبنهِ على تذكيرهِ نحو : رَمُوَةٍ وغَزُوَةٍ وتقولُ هو أَيضاً في الفعلِ فيصحُّ تقولُ : لرَمُوَ الرجلُ ولغَزُوَ الرجلُ وأَنتَ لا تصححُ فَنْعَلَ مِنْ ضَرَبْتُ في وجهٍ مِنَ الوجوه
واعلَم : أَنَّ أَربعَ ياءاتٍ لا يجتمعنَ إلاّ في لغةٍ رَديئةٍ هذَا عَدِيييُّ وأُمَيَّيٌّ في النَسَبِ إلى ( عِدَيِّ ) وأُمَيَّةَ وهذَا لا يقاسُ علَيةِ ولا يقولُه إلاّ قليلٌ مِنَ العربِ
واجتماعٌ ثلاثِ ياءاتٍ مرفوضٌ أَيضاً إذا سكنتِ الأُولى
فأَمَّا إذا سكنَ ما قبلَ الياءِ الأُولى وهنَّ ثلاثُ ياءاتٍ فإنَّ ذلكَ في الكلامِ كثيرٌ
نحو : ( ظَبِييُّ ) ومكان مَحْييٌّ فيهِ وإذَا كانتْ ثلاثُ ياءاتٍ فكانتِ الأُولى منهنَّ مكسورة وما قبلَ الأُولى متحركٌ . فإنَّ ذلكَ أَيضاً مرفوضٌ تقلبُ الأُولى منهنَ واواً نحو : ( شَجَوىٍّ ورَحَويٍّ ) فإنْ كانتِ الوسطى متحركةٍ والأُولى متحركةٍ وما قبلَها سَاكنٌ فإنَّ ذلكَ متروكٌ في
كلامِهم فإنْ بنيتَ مثلَ ( جَحمرِشٍ ) مِن ( رَمَيْتُ ) فالأَصلُ فيهِ أَن تقولَ : رَمْيَيٌّ فتجتمعُ ثَلاثُ ياءاتٍ والميمُ قبلَ الياءِ الأولى ساكنةٌ وهذَا لا مِثْلَ لَهُ
قَالَ الأخفش : مَنْ جمعَ هذِه الياءات فإنْ أَرادَ أَنْ يدغمَ في قولِ مَنْ قالَ : قَتَّلوا فإنَّهُ يقولُ : رَمَيٌّ ياءانِ ويحذفُ الآخرةَ لأَنَّ الأُولى قد سكنتْ قالَ : وما أَرى إذا كانتِ الياء الأُولى والثانيةُ متحركتينِ إلاّ أَنْ تُلقَى ياء إذا كُنَّ فيهِ ثلاثُ ياءات متحركاتٍ لأَنَّ ياءً متحركةً أثقلُ مِنْ ياءٍ ساكنةٍ
القسمُ الثاني : المسائلُ المبنيةُ مِنَ الواوِ :
تقولُ في مثلِ : أَغْدَوْدَنَ مِنْ قلتُ : أقْوَوَّلَ تكررُ العينَ وهيَ واوٌ وتجعلُ واوَ افعَوعلَ الزائدةَ بينهما وهيَ ساكنةٌ فتدغمُها في الواوِ التي بعدَها وكانَ أَبو الحسن الأخفش يقولُ : أقوَيَّلَ فيقلبُ الواوَ الآخرةَ ياءً ثُمَ يَقلبُ لهَا الواوَ التي تَليها لأَنَّها ساكنةٌ وبعدَها ياءٌ متحركةٌ ويقولُ : أَكرهُ الجمعَ بينَ ثلاثِ واوات وإذَا قلتَ ( فُعِلَ ) منْ هذَا قلتَ : ( أُبْيُويعٌ وأُقْووُلَ ) فلم تدغم لأن الواو مدة فهي بمنزلة الألف ويقول أبو الحسن : اقْوُوِولَ فلا يقلبُ ويقول : صارتِ الوسطى مدةً بمنزلةِ
الأَلفِ فلا يلزمهُ تغييرٌ لذلكَ ويشبهُ ذلكَ ( بفُوعِلٍ ) مِنْ وَعَدَ إذَا قالَ فيها ( وَوُعِدَ ) فلاَ يلزمهُ الهمزُ كمَا يلزمهُ الهمزُ إذَا اجتمعت واوانِ في أولِ كلمةٍ لأَنَّ الثانيةَ مدةٌ ومثلُه قولُ الله جَلَّ ثناؤهُ : ( مَا وَرِي عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا ) وجميعُ ذا عن المازني وتقولُ في مثل ( هِدْمْلَةٍ ) مِنْ قُلْتُ : قِوَلَّةٌ وتقولُ في مثلِ عَنْكَبُوتٍ مِنْ ( بِعْتُ ) وقُلْتُ : قَوْلَلُوتٌ وَبَيْعَعُوتٌ فإذا جمعتَ قلتَ : بياعِعٌ وقَوَاللٌ وإن عوضتَ قلتَ : بَيَاعيعُ وقَوَاليلُ ولَمْ تدغم قبلَ العوضِ لأَنَهُ ملحق ببناتِ الأربعةِ ولَم يعرضْ فيهِ ما يهمز مِنْ أَجلهِ فذهبَ الإِدغامُ لذلكَ وتقولُ في مثالِ : اطمَأَنَنْتُ مِنْ ( غَزَوْتُ ) : اعزَوّا ومِنْ ( رَمَيْتُ ) ارْمِيَّا فتبدلُ الطَّرف ويقولُ النحويونَ فيها مِنَ القولِ والبيعِ : اقْوَلَّلٌ وابْيَعَّعٌ وإنّما فعلتَ هَذَا بالواوِ والياءِ لأَنَّ هذَا موضعٌ لا تعتلانِ فيهِ ويجريانِ مَجرى غيرهِما ويقولونَ فيها مِنَ الضربِ ( اضْرَبَّبٌ ) يحولونَ الحركةَ علَى اللاّم الأُولى كمَا فَعلوا في ( اطمأَنَّ ) والذي يذهبُ إليهِ أبو عثمان وهوَ الصوابُ عندي أَن يقولُ : اضْرَبَّبَ فيدعُ الكلامَ علَى أَصلِه إذْ كنتَ تَخرجُ مِنْ إدغامٍ إلى
إدغامٍ وإنّما تفعلُ هذَا إذا اختلفتِ اللاماتُ أَلاَ تَرى أَنَّ ( اطمأنَّ ) لامهُ الأُولى همزةٌ والأُخريانِ مِنْ جنسٍ واحدٍ فلَم يوصلْ إلى الإِدغامِ حتَى أَلقى حركةَ الأُولى علَى الهمزةِ وليسَ ذلكَ في بابِ ( ضَرَبَ ) لأَنَّ اللامات من جنسٍ واحدٍ فإذَا أَنْتَ غيرتَ لم يخرجك ذلكَ مِنْ أَن يكونَ الإستثقالُ على حالِه كما قالَ سيبويه في ( فَعَّلَ ) مِنْ ( رَدَدْتُ ) لا أَغيرهُ لأَني لو فعلتُ ذلكَ لصرتُ مِنْ كثرة الدالاتِ إلى مثلِ ما فررتُ منهُ فأقررتُ البناءَ على أصلهِ فكذلكَ هذَا إذا بنيتَهُ علَى مثالِ ( اطمأنَّ ) تركتَهُ علَى أَصلهِ وحَقُّ هذَا في التقديرِ أَن لا تجعلَ اللامَ الأُولى أَصلاً فتكون قَد جمعتَ بينَ لامينِ زائدتينِ فتجمعُ ما لا يجمعُ مثلهُ وكذلكَ أَيضاً إنْ جعلتَ الآخرةَ أصلاً ولكنْ تجعلُ الأُولى زائدةً ملحقةً والثانيَة أًصلاً والآخرةَ زائدةً وإذَا قلتَ ( يَفْعَلُ ) مِنْ ارْمياَّ واغْزوَّا قلتَ : يَرْمييُّ ولَمْ يَرْمييُّ فاعلَمْ ولَنْ يَرْمِييَّ يا فتى وكذلكَ : يَغْزَوِّي ولَن يَغْزَوِّيَ فاعلَمْ ولَمْ يَغْزَوِّ يا هَذَا فَأَمَّا مثالُ : ( اغْدَوْدَنَ ) مِن ( رَدَدتُ ) فإنَّكَ تقولُ : ارْدَوَدَّ تدغمُ لأَنَّ اغدودنَ قد تكررتْ فيهِ الدالُ وهوَ ثلاثي وليسَ بملحقٍ بالأربعةِ لأَنهُ ليسَ في الأربعةِ مثلُ : احْرَوْجَمَ فيكونُ : اغْدَوْدَنَ ملحقاً بهِ وتقولُ فيهِ مِنْ وَدِدْتُ ايْدَوَدَّ تقلبُ الواوَ ياءً لانكسارِ ما قبلَها وهيَ ساكنةٌ وتقولُ في ( فُعْلُولٍ ) مِنْ ( غَزوتُ ) غُزْوِيٌّ تبدلُ الواوَ الآخرةَ ياءً فيصيرُ غُزْوِوْيٌ فتبدلُ الواوَ
الساكنةَ ياءً مِنْ أَجلِ الياءِ التي تليها ثُمَ تدغُمها فيها فتصيرُ بمنزلةِ ياءِ النَّسَبِ إلى عَدْوٍ وغَزْوٍ وتقولُ في مَفعُولٍ مِنَ القُوَّةٍ مَقْوِيٌّ وكانَ الأَصلُ : مَقْووٌّ فغيرتَ لإجتماعِ الواواتِ
قالَ سيبويه : تقولُ في ( فُعْلُولٍ ) مِنْ غَزَوتُ : غُزْوِيٌّ وأَصلُها : ( غُزْوُوٌّ ) فلمَّا كانوا يستثقلون الواوينِ في ( عُيِيٍّ ) ومَعْدِيٍّ أُلزمَ هذَا بدل الياءِ حيثُ اجتمعت ثلاثُ واواتٍ مَع الضمتينِ في ( فُعْلُولٍ ) فأُلْزِمَ هذَا التغييرُ كَما أُلزم ( مَحْنِيةِ ) البدَلُ إِذْ غيرتْ في ثِيَرةٍ وسِيَاطٍ ونحوهما وتقولُ في ( فُعْلُولٍ ) من ( قَوِيْتُ ) : قُوِيٌّ تغيرُ منهما ما غيرتَ مِنْ ( فُعْلُولٍ ) مِنْ ( غَزَوْتُ ) وتقولُ في ( أُفْعُولةٍ ) مِنْ ( غَزَوْتُ ) : أُغْزُوَّةٌ وقَد جاءَ في الكلامِ ( أُدْعُوَّةٌ ) وقَد تكونُ أُدْعِيَّةٌ علَى أَرضٍ مَسِنيةٍ هَذا قولُ سيبويه
وتقولُ في ( أُفعُولٍ ) في ( قَوِيْتُ ) أُقْوِيٌّ لأَنَّ فيها ما في مَفعُولٍ مِنَ الواواتِ
وقالَ سيبويه تقولُ في فَعلاَنٍ مِنْ ( قَوِيْتُ ) : قَوَوانٌ وكذلكَ ( حَيِيْتُ ) فالواوُ الأولى كواوِ ( عَوِرَ ) وقَوَيتْ الواوُ الأخيرةُ كقوتِها في ( نَزَوَانٍ )
وصارتْ بمنزلةِ غيرِ المعتلِّ ولم يستثقلوهما مفتوحتين كما قالوا لَوَوِيٌّ وَأَحْوَوِيٌّ ولا تدغمُ لأَنَّ هَذا الضربَ لا يدغمُ في ( رَدَدْتُ )
وقالَ المازني : تصحُّ اللامُ في ( فَعَلانٍ ) فتقولُ : ( قَوَوانٌ ) كَما صحتْ في ( نَزَوانٍ ) وتصحُّ العينُ كما صحتْ في ( جَوَلانٍ )
وقال سيبويه : تقولُ في ( فَعَلانٍ ) مِنْ ( قَوِيْتُ ) قَوَّانٌ وكذلكَ ( فَعُلانٌ ) مِنْ حَيِيْتُ حَيَّانٌ تدغمُ لأَنَّكَ تُدغمُ ( فَعُلاَنَ ) مِنْ ( رَدَدتُ ) وقَد قويتِ الواوُ الأخيرةُ كقوتِها في ( نَزَوانٍ ) فصارت بمنزلةِ غَيرِ المعتلِّ
قالَ : ومَنْ قَالَ : حَييَّ عَن بَينّةٍ قالَ : ( قَوُوانٌ )
قال أبو العباس : قَوُوانٌ غَلط يَنبغي إِن لم تُدغمْ أَن تقولَ : ( قَوِيَانٌ ) فتكسرُ الأولى وتقلبُ الثانيةُ ياءً لأَنَّهُ لا يجتمعُ واوانِ في أَحدِهما ضمةٌ والأُخرى متحركة
قالَ : وهَذا قولُ أَبي عُمَرَ وجميعِ أهلِ العلمِ قالَ سيبويه : تقولُ في ( فَيْعِلاَنٍ ) مِنْ حَيِيْتُ وقَوِيْتُ وَشَوَيْتُ : قَيَّانٌ وحَيَّانٌ وشَيَّانٌ لأَنَّك تحذفُ ياءً هَا هُنا كَما حذفتها في ( فَيْعِلٍ ) يَعني أَنَّكَ لو قلتَ : ( فَيْعِلٌ ) مِنَ القوةِ لقلت ( قَيٌّ ) كي لا يجتمعَ ثلاثُ ياءاتٍ قبلَ الأخيرةِ التي هيَ لامٌ ياءٌ
مشددةٌ مكسورةٌ قالَ : فهم يكرهونَ هَا هُنا مَا يكرهونَ في تصغيرِ ( شَاويةٍ ) في قولهم : رأَيتُ شُوَيّةً
قالَ أبو بكر : فجعلَ الألفَ والنونَ نظيرتي الهاءِ لأَنَّهما زائدتانِ كزيادتِها وأَنَّ ما قبلَ الألفِ مفتوحٌ كَما أنَّ ما قبلَ الهاءِ مفتوحٌ وتقولُ في ( فُعُلَةٍ ) مِنْ : غَزَوْتُ ورَمَيْتُ : غُزُوَةٌ ورُمُوَةٌ فإنْ بنيتَها على ( فُعُلٍ ) علَى التذكيرِ قلتَ : غُزَيةٌ وَرُمِيَةٌ لأَنَّ مذكرهما : رُمٍ وغُزٍ
قاَل أَبو بكر : وهوَ عندي قبيحٌ لأَنَّهُ يخرجُ إلى مثالٍ لا يكونُ إلا للفعلِ فأَمَّا ( خُطُواتٌ ) فلَم يقلبوا الواوَ لأَنَّهم لم يجمعوا ( فُعُلَ ) ولاَ فُعُلةً جاءت علَى ( فُعُلٍ ) وإِنّما عَرَضَتْ هذه الحركةُ في الجمع أَلاَ تَرى أَنَّ الواحدة خُطْوَةٌ فَخُطوةٌ نظيرُ فُعْلَةٍ التي لا مذكَّر لَها ومَنْ قَالَ : خُطُواتٌ بالتثقيلِ فإِنَّ قياسَ ذلكَ أَن تقولَ في ( كُلْيةٍ ) : كُلُواتٍ ولكنَّهم لم يتكلموا إلاّ بكُلَياتٍ مخففةً فراراً مِنْ أَنْ يصيروا إلى ما يستثقلونَ ولكنَّهُ لا بأسَ بأَنْ تقولَ في مِدْيَةٍ : مدِياتٌ كَما قلتَ في خُطْوةٍ : خُطُواتٌ لأَنَّ الياءَ مَع الكسرةِ والواوَ مع الضمةِ ومَنْ ثقلَ في ( مِدِيَاتٍ ) فإِنَّ قياسَهُ أَنْ يقولَ : جِرْوَةٌ جِرِيَاتٌ لأَنَّ قبلَها كسرةً وهيَ لامٌ ولكنَهم لا يتكلمونَ بذلكَ إلاّ مخففاً فِراراً مِنَ الإستثقال والتغييرِ
فإِذَا كانتِ الياءُ مَع الكسرةِ والواوُ مَع الضمةِ فكأَنَّكَ رفعتَ لسانَكَ بحرفين مِنْ موضعٍ واحدٍ رفعتَهُ لأَنَّ العملَ مِنْ موضعٍ واحدٍ فإِنْ خالفتَ الحركةَ فكأَنَّهما حرفانِ مِنْ موضعينِ متقاربين الأولُ ساكنٌ نحو : ( وَتْدٍ ) هَذا قولُ سيبويه : يريدُ أَنَّ الضمة في ( خُطْوةٍ ) مَع الواوِ مِنْ مخرجٍ واحدٍ وكذلكَ الكسرةُ مِنْ ( مِدْيَةٍ ) مَع الياء مِنْ موضعٍ واحدٍ مِنَ الفمِ ولَيْسَت كذلكَ في ( جِرْوَةٍ ) ومِدْيَةٍ فشبَّه الضمةَ معَ الواوِ والكسرةَ معَ الياءِ بِدَالٍ سَاكنةٍ لقيتْ دَالاً متحركةً فأُدغِمتْ فيها ضرورةً لا بُدَ مِنْ ذلكَ وشبَّه الكسرةَ معَ الواوِ والضمةَ معَ الياءِ بحرفينِ متقاربينِ من مخرجٍ واحدٍ التقيا والأولُ ساكنُ فالنطقُ بهِ ممكنٌ لا ضرورة أحوجتْ إلى إدغامهِ لأَنَّ الإِدغامَ إِنّما هَوَ حرفٌ ساكنٌ لقيَهُ حرفٌ مثلُهُ فمتى لَمْ يقفِ المتكلمُ وقَعَ الإِدغام ضرورة
وقالَ سيبويه : تقولُ في ( فَوْعَلَّةٍ ) مِنْ غَزَوْتُ : غَوْزَوَّةٌ وأُفْعُلَّةٍ : أُغْزَوَّةٌ وفي ( فُعُلٍّ ) : غُزُوٌّ وفَوْعُلٍّ : غَوَزَوٌّ
وأُفْعُلَّةٌ مِنْ رَميتٌ : أُرميَّةٌ تكسرُ العينَ كما تكسرُها في ( فُعُولٍ ) إِذَا قلتَ : ثُدِيٌّ ومَنْ قَالَ في عُتُوٍّ عُتيٌِّ قَالَ في ( أُفْعُلَّةٍ ) مِنْ غَزَوْتُ . أُغُزِيَّةٌ
وتقولُ في ( فِعْلاَلةٍ ) مِنْ غَزَوْتُ : غِزْواوَةٌ إِذا لَم تكنْ علَى ( فِعْلاَلٍ ) وتقولُ في مِثْلِ : كوَأْلَلٍ مِنْ غَزَوْتُ : غَوَزْوَاً ومِنْ قَوِيْتُ : قَوَوَّاً ومِنْ حَيِيتُ : حَوَيّاً وتقولُ في ( فِعْوَلٍ ) مِنْ غَزَوْتُ : غِزْووٌّ لا تجعلَها ياءً والتي قبلَها مفتوحةٌ أَلا تَرى أَنَّهم لم يقولوا
في ( فَعَلٍّ ) : غَزَيٌّ للفتحةِ كما قَالوا : عُتِيٌّ
وتقولُ في مِثال ( عِثْوَلٍّ ) مِنَ القوةِ : قِيَّوٌّ وكانَ الأصلُ : قِيْوَوٌّ ولكنَّكَ قلبتَ الواوَ ياءً كما قلبتَها في ( سَيّدٍ )
وتقول . في مثلِ : حِلِبْلابٍ مِنْ ( غَزَوْتُ ) ورَمَيْتُ : غِزِيزاءُ وَرِميَماءُ كسرتَ الزايَ والواوَ ساكنةٌ وقلبتَها ياءً
وتقولُ في ( فَوْعَلَّةٍ ) من أَعْطَيْتُ : عَوْطَوَّةٌ علَى الأصلِ لأَنَّها مِنْ ( عَطَوْتُ ) وتقولُ في ( فَعِلٍ ) مِنْ غَزَوْتُ : غَزٍ تلزمُها البدلَ إِذَا كانْتُ تُبدلُ وقبلَها الضمَّة فَهي هَا هُنَا بمنزلةِ مَحِنيَةٍ
وتقولُ في ( فَعْلُوَةٍ ) مِنْ غَزَوْتُ : غَزْوِيَةٌ وكانَ الأصلُ : ( غَزْوُوَةٌ ) فقَلبتَ الأخيرةَ وكسرتَ ما قبلَها لأَنَّهُ لا يجتمعُ واوانِ الأُولى مَضمومةٌ ولكن إِذَا كانتْ واوٌ واحدةٌ قبلَها ضمةٌ قَد ثبتتْ إِذَا لم تَكنْ طَرفَ اسمٍ نحو : عَرْقُوةٍ جعلت الواو في ( سَرُوَ وَلَغْزُوُ ) أَلا تَرى أَنَّ ( فَعَلْتُ ) في المضاعفِ مِنَ الواوِ لم يستعملْ لَم يقولوا : قَوَوْتُ مِنَ القوةِ وأَلزموهُ ( فَعِلْتُ ) لتنقلبَ الواوُ ياءً وأَمَّا ( غِزَوٌّ ) فلمَّا انفتحتِ الزايُ صارتِ الواوُ الأولى بمنزلةِ غَيرِ المعتلِّ وصارت بمنزلةِ واوِ ( قَوٍّ ) هَذا لَفظُ سيبويه
وتقولُ في ( فَيْعَلى ) من غَزَوْتُ غَيْزَوَى لأَنَّكَ لَمْ تلحقِ الألفَ ( فَيْعَلاً ) ولكنَّكَ بنيتَ الاسمَ عَلَى هَذا أَلا تَراهم قَالوا : مِذْروانِ إِذْ كانوا لا يفردونَ الواحد فهوَ في ( فَيْعَلَى ) : أَجدرُ لأَنَّ هذهِ الألفَ لا تلحقُ اسماً بُنيَ على التذكيرِ
وقالَ الأخفش : إِذا اشتققتَ مِنْ ( وعَدتُ ) اسماً علَى ( أَفْعَلَ ) مثلَ ( يزيدٍ ) في العلةِ قلتَ : هَذا عِدٌ وإِن أَردتَ اسماً علَى حَدِّ ( أَبْيَنَ ) قلتَ : أَيْعَدٌ وكذلكَ ( يَفْعِلُ ) : يَوْعِدُ
قالَ أبو بكر : قولهُ : اشتققتَ اسماً على ( أَفْعَلَ ) إِنْ لم يردْ بهِ أَنَّه سَمى بالفعلِ بعدَ أَنْ أَعلَّ كما سَمى ( بيزيدَ ) وإِلاّ فالكلامُ خَطأٌ لأَنَّ هَذا البناءَ لا يكونُ إِلاّ للفعلِ أَعني : عِدْ ولَو سميتَ ( بقُمْ ) لقلتَ : هَذا قُوْمٌ لأَنَّ الواوَ إِنَّما كانت تسقطُ لإلتقاءِ الساكنينِ فلمَّا وجبَ الإِعرابُ وتحركتِ الميمُ ردتِ الواوُ فإِنْ سميتَ بالمصدرِ مِنْ وَعَدْتُ قلتَ : عِدَةٌ ومن ( وَزَنْتُ ) زِنّةٌ فإِنْ أَردتَ أَنْ تبنيَ ( فِعْلَةً ) ولا تَنوي مصدراً قلتَ : وِعدَةٌ وَوزنَةٌ وأَما ( وجْهَةٌ ) فإِنَّهُ جاءَ علَى الأصلِ ولم يَبنِ علَى ( فِعْلٍ )
قالَ الأخفشُ : وأَمَّا قولُهم : الدَّعَةُ والضَّعَةُ وفي الوَقَاحِ : هَذا بَيِّنُ القَحةِ فكل شَاذ فالذينَ قَالوا : الضِّعَةُ والقِحَةُ أخرجوهُ علَى فِعْلَةٍ ونقصوهُ لعلةِ الواوِ وإِنَما يقولونُ في الوضيعِ : قَدْ وَضَعَ يَوضُعُ ولكنَّ المصدرَ لا يجيءُ على القياسِ وتقولُ في ( فَوْعَلٍ ) مِنْ وَدَدْتُ : أَوْدَدَ وكانَ الأصلُ : وَوْدَدَ فأُبدلتِ الأُولى همزةً لإجتماعِ الواوينِ في أول
الكلمةِ وتقولُ في المَفعُولِ : مُوَودَدٌ ولا تدغمُ لأَنَّهُ ملحقٌ ولا تهمزُ كَما تهمزُ ( فَوْعَلَ ) لأَنَّ الواوَ ليستْ أَولَ الكلمةِ أَلاَ تَرَى أَنَّ مَنْ يقولُ : أَعِدُ يَقولُ : مَوْعودٌ ولا يبنيهِ عَلَى ( أُعِد ) لأن تلكَ العلةَ قد زَالتْ وهيَ أَنَّ الواوَ مضمومةٌ
قالَ : الأخفشُ : وليسَ كُلُّ مَا غُيِّرَ ( فُعِلٌ ) منهُ غُيّرَ المفعُولُ منهُ ألا تَرَى أنَّهم يقولونَ : غُزِيٌ ودُعِيٌ ثُم يَقولونَ : مَغْزوٌّ ومَدعُوٌّ وتقولُ في ( فَيْعُولٍ ) مِنْ غَزَوْتُ : غَيْزُوٌّ مِثْلُ : مَفْعُولٍ منهُ إِذا قلتَ : مَغْزُوّ وفَيْعُولٌ مِنْ قَوْيتُ : قَيُّوٌّ تقلبُ الواوَ التي في موضعِ العينِ ياءً لأَنَّ قبلَها ياءً ساكنةً وتقولُ في ( مَفْعُلَةٍ ) مِنْ قَوِيْتُ : مَقْوِيَةٌ تقلبُ الأخيرةَ ياءً لأَنَّهُ لا يجتمعُ وَاوانِ إِحداهما مضمومةٌ وتقولُ في مِثَالِ : عَرْقُوةٍ مِنْ غَزَوْتُ : غَزْوِيَةٌ لئلا يجتمعَ واوانِ إِحداهما مضمومةٌ وتقولُ في ( فُعْلَةٍ ) مِن غَزَوْتُ : غُزْيَةٌ إِنْ بنيتَها على تذكير فإِنْ لم تبنِها على تذكيرٍ قلتَ : غُزُوَةٌ لأَنَّهُ غيرُ منكرٍ أَنْ يكونَ في حَشوِ الكلمةِ واوٌ قبلَها ضَمةٌ وإِنَّما يتنكبُ ذلكَ إِذَا كانتْ طَرفَ اسمٍ وتقولُ في مثلِ : مَلَكوتٍ مِنْ غَزَوْتُ وَقَضَيْتُ : غَزَوتٌ وقَضَوْتٌ وكانَ الأصلُ : غَزَوُوتٌ فقلبتَ الواوَ التي هيَ لامٌ أَلفاً لأَنَّها ( فَعَلُوتٌ ) فالتقى ساكنانِ فحذفتِ الألفُ لإلتقاءِ الساكنينِ وكذلكَ عَمِلْتُ في ( قَضَوُتٍ ) وتقولُ في ( فَعْلاَلةٍ ) مِن غَزَوْتُ وقَوِيْتُ : غِزْوَاوَةٌ وَقِوَّاوَةٌ إِذَا لَم يكنْ علَى تذكيرٍ فإِنْ كانتْ على تذكيرٍ همزَتها فقلتَ : قَوَّاءةٌ
وغِزَوّاءةٌ وتقولُ في مثالِ : كَوَأَلَلٍ مِنْ غَزَوْتُ : غَوَزْوَاً ومن ( قَوِيْتُ ) علَى مذهبِ الأخفشِ : قويَّاً وعلَى مذهبِ غيرِه : قَوَوّاً تجمعُ بينَ ثلاثَ واواتٍ كما فعلَ ذلكَ في ( افْعَوعَلَ ) مِنْ : قُلْتُ فقالَ اقْوَوَّلَ والأخفشُ يقولُ : اقْوَيَّلَ
قَال أبو بكر : والذي أَذهبُ إِليهِ : القلبُ والإِبدالُ كَما فَعلَ الأخفشُ لأَنّي وجدتُهم يقلبونَ إِذا اجتمعتْ واوانِ وضَمةٌ فإِذَا اجتمعت ثَلاثُ واواتٍ فهيَ أثقلُ لأَنَّ الضمةَ بعضُ واوٍ والكلُّ أُثقلُ مِنَ البعضِ وتقولُ في ( فِعْليَّةٍ ) مِنْ غَزَوْتُ : غِزْوِيّةٌ ومِنْ قَوِيْتُ : قَوِيَّةٌ
وقالَ الأخفش : تقولُ في ( فِعْلٍ ) مِنْ غَزَوْتُ : غِزْيٌ لا تكونُ فيه إلاّ الياءُ لإنكسارِ ما قبلَها
وقال بعضُ أصحابِنا : لا أَقولَ إلاَّ غِزْوٌ فأَمَّا مذهبُ الأخفشِ فإِنَّهُ أَبدلَ الواوَ الأُولى الساكنةَ لكسرهِ ما قبلَها ثُمَ أَدغَمها في الأُخرى فقلبَها ياءً أَو يكونُ أَبدلَها لأَنَّها طَرفٌ قبلَها كسرةٌ وحجةُ مَنْ لم يبدلْ أَنْ يقولَ : المدغمُ كالصحيح ولا يكونُ قَلبُ الأُولى ياءً لأَنَّها غيرُ
منفصلةٍ مِمّا بعدَها وإِنَما وقعتاَ معاً مشددةً وإِذَا كانتْ مشددةً فهيَ كالحرفِ الصحيحِ
القسمُ الثالث : المسائلُ المبنيةُ مِنَ الهمزةِ :
تقولُ فيما فاؤُهُ همزةٌ إِذا ألحقتها همزةً قبلَها نحو : أَخَذَ وأَكَلَ وأَبقَ لَو قلتَ : هَذا أَفعلُ مِنْ ذَا قَلتَ : هَذا آكلُ مِن ذَا تبدلُ الهمزةَ التي هيَ فَاءٌ أَلفاً ساكنةً كأَلفِ ( خَالدٍ ) فإِذَا أَردتَ تكسيرَهُ أَو تصغيرَهُ جعلتَها واواً فتقولُ في تصغيرِ آدمٍ : أُويدِمٍ وفي تصغيرِ آخرَ : أُوَيخرٍ
وزعَم الخليلُ : أَنَّهم حينَ جَعلوا الهمزةَ أَلِفاً جعلوها كالألفِ الزائدةِ التي في ( خالدٍ وحَاتِمٍ ) فحينَ احتاجوا إلى تحريكِها فعلَوا بها ما فَعلوا بأَلفِ ( خَالدٍ وحَاتِمٍ ) حينَ قالوا : خَوَالدُ وحَوَاتمُ قالَ الشاعِرُ :
( أَخالد قَدْ هَويتُكَ بعدَ هِنْدٍ ... فَشيبني الخَوَالدُ والهنودُ )
فكذلكَ فعلَوا بألفِ ( آدمٍ ) حينَ قالوا : أَوادمُ
قَال المازني : سألتُ أَبا الحسن الأخفش عن : هَذا أَفعلُ مِنْ هَذا
مِنْ ( أَمِّمْتُ ) أَي : قصدتُ فقالَ : أَقولُ : هَذا أَوَّمُ مِنْ هَذا فجعلَها واواً حينَ تحركتْ بالفتحةِ كما فعلَوا ذلكَ في أُويدمٍ
قالَ : فقلتُ لَهُ : فكيفَ تصنعُ بقولِهم : أيَّمَةٌ أَلاَ تَراها : أَفْعِلَةٌ والفاءُ منها همزةٌ فقالَ : لمَّا حركوها بالكسرةِ جعلوها ياء وقالَ : لو بنيتَ مثلَ ( أُبْلُمٍ ) مِنْ ( أَممتُ ) لقلتَ : أُوَّمٌ أَجعلُها واواً فسألتهُ : كيفَ تصغرُ أَيِّمةً فقالَ : أُوَيِّمَةٌ لأَنَّها قَدْ تحركتْ بالفتحةِ
قالَ المازني : وليسَ القولُ عندي علَى ما قَالَ : لأَنَّها حينَ أُبدلتْ في آدمٍ وأَخواتِه ألفاً ثبتتْ في اللفظِ أَلفاً كالألفِ التي لا أصلَ لَها في الفاءِ ولاَ في الواوِ فحينَ احتاجوا إلى حركتِها فعلوا بهَا ما فعلوا بالألفِ وأَمَّا ما كانً مضاعفاً فإِنَّهُ تُلْقَى حركتُهُ علَى الفاءِ ولا تُبدلُ همزتُهُ أَلفاً ولو أُبدلتْ أَلفاً لمّا حركوا الأَلفِ لأَنَّ الألف قد يقعُ بعدَها المدغمُ ولا تغيرُ فتغييرهم أيِّمةً يدلُ على أَنَّها لا تجري مَجرى أَيَّمُ ما تُبدلُ منهُ الألفُ
قَالَ : والقياسُ عندي أَنْ أَقولَ في : هَذا أَفعلُ مِنْ ذَا مِنْ ( أَمَمْتُ وأَخواتِها ) : هَذا أَيَّمُ مِنْ ذَا وأُصَغِر أَيمةً : أُيَيِمةٌ ولا أُبدلُ الياءَ واواً لأَنَّها قد ثبتتْ ياءً بدلاً مِنَ الهمزةِ إِلاّ أَنَّ هذهِ الهمزةَ إِذا لم يلزمها تحريكٌ فبنيتَ مثلَ ( الأُبلُمِ ) مِنَ الأُدْمَةِ قلتَ : أُوْدُمٌ ومثل ( إِصْبَعٍ ) :
إيدَمٌ ومثلُ أَفْكَلٍ فاجعلُها أَلفاً إذا انفتحَ ما قبلَها وياءً ساكنةً إِذا انكسرَ ما قبلَها وواواً ساكنةً إِذا انضمَّ ما قبلَها فإِذَا احتَجْتَ إِلى تحريكها في تصغيرٍ أَو تكسيرٍ جَعَلْتَ كُلَّ واحدةٍ منهنَ على لفظها الذي قَدْ بُنيتْ عليهِ فاترك الياءَ ياءً والواوَ واواً واقلب الألفَ واواً كما فعلتْ ذلكَ العربُ في تصغيرِ آدمٍ وتكسيرِهِ
قالَ أبو بكر : هَذا مذهبُ المازني والقياسُ عندَهُ وأَبو الحسن الأخفش يَرى : أَنَّها إِذا تحركتْ بالفتحةِ أَبدلَها واواً
قالَ أبو بكر : والذي أَذهبُ إِليهِ قولُ الأخفش فأَمَّا الذي قالَهُ المازني في : ( هَذا أَفعلُ مِنْ ذَا ) ( مِنْ ) أَقَمْتُ انَّهُ يقولُ : أَيّمٌ مِنْ ذَا وأَنَّهُ يصغرُ أَيَّمةً : أُيَيِمةٌ ففيهِ نظرٌ وقولُ الأخفش عندي أقيسُ لأَنَّها أُبدلتْ ياءً في ( أَيّمةٍ ) مِنْ أَجل الكسرةِ فإذَا زالتِ العلةُ بَطلَ المعمولُ وقولُه : إني أُصغرُ فأَقولُ : أُييِّمةٌ لأَنَّها قَدْ ثبتت في ( أَيمةٍ ) غير واجبٍ ولَو وجَبَ هذَا لوجب أَن يقولَ في مِيزانٍ : مَيَازين في الجَمعِ ويصغرُ فيقولُ : مُيَيزِينٌ لأَنَّ الياءَ قد ثبتتْ في الواحدِ وليسَ الأمرُ كَذا أَلا تَرى أَنَّهم يقولونَ :
مِيزَانٌ ومَوَازينُ ومُوَيزينٌ لأَنَّهم إِنَّما أَبدلوا الواوَ ياءً في الواحدِ مِنْ أَجلِ الكسرةِ فَقالوا : مِيزَانٌ والأَصلُ مُوَازنٌ لأَنَّهُ مِنْ الوزنِ فلمَّا انفتحتِ الميمُ رجعتِ الواوُ فقالوا : مَوَازينُ لأَنَّ ذلكَ السببَ قَد زالَ والهمزتانِ إِذَا اجتَمعا في كلمةٍ فحقُّ الثانية أَنْ تُبدَل فتقولُ في : أَنا أَفعلُ مِنْ ( أَمَمْتُ ) : أَنا أؤمُّ الناسَ وتقولُ فيها مِنْ أطَ : أَيِطٌّ وكانَ الأصلُ : أُأْمُمٌ وآطِطٌ فأُدغمتْ وأُلقيتِ الحركةُ علَى الهمزةِ وأُبدلت منها الحرفُ الذي فيهِ حركتُها وكذلكَ ( أَيَّمةٌ ) كانَ أَصلهُ : أَأَمِمَةٌ
فإِنْ قَالَ قائلٌ : فَلِمَ لَمْ تبدلْ مِنَ الهمزةِ أَلفاً كما فعلتَ في ( آدم ) وهيَ ساكنةٌ مثلُها قبلَها فَتحةٌ كمَا أَنَّ قبلَها فتحةٌ فهلا قَلتَ : أَنا أُأُمٌّ إِذا أَردتَ : أَوَمُّ وآمُّهُ في أيِمّةٍ وهذَا موضعٌ يقعُ فيهِ المدغمُ كَما قالوا : آمَّةُ وهم يريدونَ ( فَاعِلةً ) قِيلَ لَهُ : الفرقُ بينَ : آمَةٍ وأَيمةٍ أَنَّ الأَلفَ في ( فَاعِلةٍ ) لا يجوزُ أَنْ تتحركَ لأَنَّها زائدةٌ غير منقلبةٍ مِنْ شيءٍ وإِذا قدرتَ في ( أَيِمَّةٍ ) القلبَ فصارتْ آمِمَةً فأردتَ الإِدغامَ ساغَ لكَ أَن تُلقِي الحركةَ على ما قبلَ الميمِ لأَنَّ الأَلفِ بدَلٌ مِنْ همزةٍ والهمزةُ يجوزُ أَنْ تتحركْ وأَنْ تثبتَ إِذَا لم يكنْ قبلَها همزةٌ وليستْ أَلفُ ( فاعِلةٍ ) كذلكَ ولاَ أَعلمُ للمازني في ذلكَ حجةً إلاّ أن يقولَ : إِنَّهُ أبدلتِ الهمزةُ لغير الكسرةِ ويحتجّ بأَنَّها قد تبدلُ ياءً في بعضَ المواضعِ لغير كسرٍ يقولُ في مثلِ ( اطْمَأْنَتَتُ ) مِنْ قَرَأْتُ : اقْرَأْيَأَتُ
فيبدلُ مِنَ الهمزةِ الوسطى ياءً لئلا تجتمعَ همزتانِ ويدعُ باقي الهمزِ علَى حالهِ فإِذَا قلتَ : هُوَ يَفعلُ قلتَ : هُوَ يَقْرَئْيِ يا فتى مثلُ : يَقْرَعِيْنَ فَلم يغيرْهُ ولَمْ يُلقِ حركة الياءِ علَى الهمزةِ لأَنَّ هذَا ليس موضعَ تغييرٍ وقَد فَارقَ حُكم ( اطمأنَ ) لأَنَّ الحروفَ قد اختلفتْ ووجبَ ذلكَ فيها والهمزة أختُ الحروفِ المعتلاتِ فإِذَا كانتْ لاماً مكررةً أُبدلتِ الثانيةُ ياءً وجَرى عليهَا ما يجري علَى ياء ( رَميْتُ ) ولَو بنيتَ مثلَ ( دحْرَجتُ ) مِنْ ( قَرأتُ ) قلتَ : قَرْأَيْتُ ومثلُه مِنْ كلامِ العرَبِ جِاءٍ وتقولُ في مِثَالِ ( قِمَطْرٍ ) مِنْ ( قَرأتُ ) : قِرَأْيٌ ومثلُ ( مَعَدٍّ ) : قَرَأْيُ فتغيرُ الهمزةَ
قالَ المازني : سأَلتُ أبا الحسن الأخفش وهوَ الذي بدأَ بهذهِ المَقالةِ فقلتُ : ما بالُ الهمزةِ الأُولى إِذَا كان أصلُها السكونَ لا تكونُ كهمزةِ : سأآلٍ وَرَأآسٍ فقالَ : مِنْ قبلِ أَن العينَ لا تجيءُ أبداً إِلاّ وبعدَها مثلُها واللامُ قد يجيءُ بعدَها لامٌ لَيْستْ مِنْ لفظِها أَلا تَرَى أَنَّ قِمَطراً و ( هِدَمْلَةً ) و ( سِبْطْرْاً ) قَد جاءتِ اللامانِ مختلفتين وكذلكَ
جميعُ الأربعةِ والخمسةِ والعينانِ لا تنونانِ كذلك فلذلكَ فرقتُ بينهما
قال المازني : والقولُ عندي كَما قَال
قالَ الأخفش : وقَد ذكروا في ( جائي وشائي ) أنَّهما يهمزانِ جميعاً فيرفعونه ويجرونه وينصبونَ ويهمزونَ همزتينِ
قالَ : وقَد سمعناَ مِنَ العرب مِنَ يجمعُ بينَ همزتين فيقولُ : غَفر الله لَهُ خَطَائئه وخَطَائيٌ
قالَ : وهوَ قليلٌ لا يكادُ يعرفُ قال : وإِنَّما أبدلوا في ( جَاءٍ وشَاءٍ ) ولم يفتحوا كما فتحوا في ( خَطَائي ) لأَنَّ خَطَائي قَد وجدوا لَها نظيراً من الجمعِ يقولونَ في مَدارٍ : مَدَارَى وفي إبلٍ مَعَاي مَعَايا ولم يجدوا في ( فَاعلٍ ) بناءً قد ذهبَ بهِ إليهِ غيرُ فاعل فيذهبوا بهِ إليهِ
وقالَ بعضُهم : إِنَّ همزةَ جِائي هيَ اللامُ وقلبَ العينَ وجعلَها بعدَ اللام كمَا قالوا : لاثٍ وشَاكٍ يريدونَ : شَائِكَاً ولائِثَاً وأَمَّا الذينَ قالوا : شَاكُ السلاحِ فإنَّهم حذفوا الهمزة ولم يقلبُوها
باَبُ اجتماعِ الحروفِ المعتلةِ في كلمةٍ
هَذا البابُ ينقسمُ أَربعةَ أَقسامٍ : اجتماعُ ياءٍ وواوء وَيَاءٍ معَ همزةٍ وواوٍ مَع همزةٍ واجتماعُ الثلاثةِ
الأولُ : اجتماعُ الياءِ والواوِ في كلمةٍ . تقولُ في مثلِ ( كَوَأللٍ ) مِنْ رَمَيْتُ : رَوَمْيَاً ومِنْ حِيِيتُ : حَوَيَّاً ومِنْ شَوَيْتُ : شَوَيَّاً وحدَها شَوَوْياً ولكنَّكَ قلبتَ الواوَ إِذ كانت ساكنةً
وتقولُ في مثالِ ( عَثْوَلٍ ) مِنْ شَوَيْتُ : شِيَيٌّ والأَصلُ ( شِيْوَيٌّ ) ولكن قَلَبتَ الواوَ ياءً وأَدغمتَ
وتقولُ في مُثلِ ( اغْدَوْدَنَ ) مِنْ رَمَيْتُ : ارْمَومَا فكررتَ العينَ ثُمَّ قلبتَ الياءَ أَلفاً لأَنَّها لامُ الفعلِ قبلَها فتحةٌ
وقالَ المازني : تقولُ في مِثَالِ ( قَوْصَرَّةٍ ) مِنْ ( بِعتُ : بَيَّعَّةٌ ) وكانَ أَصلُها ( بَوْيَعَّةً ) فالواوُ ساكنةُ وبعدَها ياءٌ متحركةٌ فلذلكَ قلبتَ كما قلتَ : لويتُ يدُه ليَّةً ولو جمعتَها كما تجمعُ ( قَوَاصرَ ) لقلتَ ( بَوَائعَ ) فهمزتَ
كما تهمزُ ( أَوَائلَ ) لإجتماعِ الواوِ والياءِ
ليسَ بينَهما إِلاّ الألفُ كما همزتَ ( فَوَاعلَ ) مِنْ ( سِرْتُ ) وتقولُ في مِثَالِ ( عَنْكَبوتٍ ) مِنْ رَمَيْتُ : رَمْيَوُتٌ فتكررُ اللامَ فتنقلبُ الثانيةُ أَلفاً لإنفتاحِ ما قبلَها ولأَنَّ أَصلَها الحركةُ
وتقولُ مِنْ ( بِعْتُ ) : بَيْعَعُوتٌ فإِذَا جمعتَ قلتَ : بَيَاععُ وإِنْ عوضتَ قلتَ : بَيَاعيعُ ولَمْ تدغمْ قبلَ العوضِ لأَنَّهُ ملحقٌ ببناتِ الأربعةِ فذهبَ الإِدغامُ لذلكَ
وتقولُ في مثالِ ( حَمَصِيْصَةٍ ) مِن غزوتُ : غَزَوِيَّةٌ وكانَ الأَصلُ ( غَزَوِيْوَةً ) فأَدغمتَ الياءَ في الواوِ فصارتْ ياءً مشددةَ وقُلبت الواوُ الأُولى أَلفاً لأَنَّها لامٌ متحركةٌ قبلَها فتحةٌ ثُمَّ أَبدلتَها واواً كما فعلتَ في النَّسَبِ إِلى ( رَحَى ) حينَ قلتَ : رَحَويٌّ وتقولُ في ( فُعْلُول ) مِنْ ( رَمَيْتُ ) رُمِييٌّ لا تغيرُ لأَنَّ الحرفَ الذي قبلَ الياءِ الأُولى ساكنٌ فصارَ بمنزلةِ النَّسبِ إلى ( ظَبْيٍ )
وتقولُ في ( فُعْلُولٍ ) مِنْ ( شَوَيْتُ ) وَ ( طَوَيْتُ ) شُوَوِيٌّ وَطُوَوِيٌّ وكانَ الأَصلُ : شُوَيْوُيٌ وطَوَيوُيٌ فقلبتِ الواوُ الأُولى ياءً لأَنَّ بعدَها ياءً متحركةً وقلبتِ الواوُ الأُخرى ياءً للياءِ التي بعدَها أَيضاً فاجتمعتْ أَربعُ ياءاتٍ وصارتْ بمنزلةِ ( أُمَيِّيٍّ ) فكأَنَّها ( طُيَيْيٌّ ) ( وَشُيَيْيٌّ ) ففعلتَ بها ما فعلتَ بأُمَيَّةَ حينَ نَسبتَ إِليها فقلتَ : أُمَوِيٌّ وتقولُ في ( فَيْعُولٍ ) من غَزَوْتُ : غَيْزُوٌّ فتصيرُ بمنزلةِ ( مَغْزُوٍّ ) وتقولُ فيها مِنْ قَوَيْتُ : قَيُّوٌّ فتقلبُ العينَ التي هيَ واوٌ ياءً لأَنَّ قبلَها ياءً ساكنةً وتدغمُ الياءَ الأُولى فيها وتدعُ واوي الطرفِ
علَى حالِهما لأَنَّ هَذا ليسَ موضعَ تغيرٍ وتقولُ في ( فَيْعَلٍ ) مِنْ ( حَوَيتُ ) وَ ( قَوِيْتُ ) : حَيَّاً وقَيَّاً فتقلبُ العينَ ياءً لأَنَّ قبلَها ياء ساكنة وتقلبُ اللامَ أَلفاً لأَنَّ أَصلها التحريكُ وقبلَها فتحةٌ وتقولُ في ( فَيْعَلٍ ) مِنْ ( حَوَيْتُ ) و ( قَوِيْتُ ) : حَيٌّ وقَيٌّ وكانَ الأَصلُ ( حَيْوِوٌ وَقَيْوِوٌ ) لأَنَّهُ مِن الحُوَّةِ والقُوَّةِ فقلبت الواو الأُولى ياءً مِنْ أَجلِ الياءِ التي قبلَها وسكونِها وأَدغمتَها فيها ثُمَّ قلبت الواوُ التي هيَ لام ياءٍ لإنكسارِ ما قبلَها لأَنَّها لامٌ فصارَ ( حَيِيٌّ ) فاجتمعتْ ثلاثُ ياءاتٍ فحذفتْ كما تحذفُ مِنْ تصغيرِ ( أَحْوَى ) حينَ قلتَ : أُحَيٌّ كما تَرى
قالَ أبو عثمان : تقولُ في ( فَيْعَلانٍ ) مِنْ قَوِيْتُ وحَوَيْتُ وشَوَيْتُ : قَيَّانٌ وحَيَّانٌ وشَيَّانٌ تحذفُ الياءَ التي هيَ آخرُ الياءاتِ ولَمْ تعدْ هذهِ الألفُ أَنْ تكونَ كهاءِ التأنيثِ وأَلفِ النصبِ فهكَذا أجرِ هَذا
قالَ : وأَمَّا قولُهم : حَيَوانٌ فجاءَ علَى ما لا يستعملُ ليسَ في الكلامِ فِعْلٌ يستعملُ موضعَ عينهِ يَاءٌ ولامهُ واوٌ فلذلكَ لم يشتقوا منهُ فِعْلاً وعلَى ذلكَ جاءَ ( حَيْوةٌ ) فافهمهُ
وكانَ الخليلُ يقولُ : ( حَيَوانٌ ) قلبوا فيهِ الياءَ واواً لئلا تجتمعَ ياءانِ استثقالاً للحرفينِ مِنْ جنسٍ واحدٍ يلتِقيانِ
قالَ أَبو عثمان : ولا أَرى هَذا شيئاً ولكنَّ هَذا كقولِهم : فاظَ الميتُ يَفيظُ فَيظاً وفَوْظاً ولا يشتقونَ مِنْ فَوِظَ ( فَعلاً ) وكذلكَ : وَيلٌ وَوَيسٌ ووَيحٌ هذهِ مصادر وليسَ لهن فِعلٌ كراهةَ أَنْ يكثرَ في كلامِهم ما يستثقلونَ ولإستغنائِهم بالشيءِ عَنِ الشيءِ حتَى يكونَ المُستغنى عَنهُ مسقطاً وتقولُ في مثلِ ( قَمَحْدُوَةٍ ) مِنْ رَمَيْتُ : رَمَيْوَّةٌ وتقولُ في مثالِ ( تَرْقُوَةٍ ) مِنْ رَمَيْتُ : رَمْيُوةٌ وعَلَى التذكيرِ : رَمِيْيةٌ لأَنَّكَ تقلبُ الطرفَ ياءً كما فعلتَ ( بأدَلٍ وَعَرقٍ ) لأَنَّكَ جئتَ بالهاءِ بعدَ ما لزم الواو القلبُ والدليلُ على أَنَّ الذي يُبنى علَى التأنيثِ لا تقلبُ فيهِ الواوُ قراءةُ الناسِ ( خُطُواتٍ ) لأَنَّهُ إِنّما عَرضَ التثقيلُ في الجمعِ
وتقولُ في مثلِ ( أُحْدُوثةٍ ) مِنْ قَضَيْتُ : أُقْضِيَّةٌ وفي مثلِ ( فَعْلَولٍ ) مِنْ ( طَوَيْتُ وشَوَيْتُ ) : طَوَوِيٌّ وَشَوَوِيٌّ كمَا قالوا في حَيَّةٍ : حَيَوِيٌّ
وتقولُ في ( فَيْعُولٍ ) مِنْ غَزوتُ : غَيْزُوٌّ مثلُ ( مَفْعولٍ ) مِنْ ( غزوتُ )
وتقولُ في ( فَيْعُولٍ ) مِنْ قَويتُ : قَيُّوٌّ تقلِبُ الواوَ التي في موضعِ العينِ ياءً لأَنَّ قبلَها ياءً ساكنةً وتقولُ في ( فَيْعُولٍ ) من ( حَيِيتُ وعَيِيتُ ) : حَيَوِيٌّ وعَيَوِيٌّ لأَنَّهُ اجتمعَ أربعُ
ياءاتِ
وتقولُ في ( فَيْعَلٍ ) مِنْ ( قَويتُ وطَويتُ ) : طَيَّاً وقَيَّاً هَذا قولُ الأخفش
قالَ : وإن شِئْتَ بنيتَها علَى ( فَيْعِلٍ ) فهوَ وجهُ الكلامِ لأَنَّ ( فَيْعِلاً ) فيما عينهُ واوٌ أَكثرُ فإِنْ بنيْتُه علَى ( فَيْعِلٍ ) قلتَ : طَيٌّ وقَيٌّ لأَنك أَنقصتَ ياءً لأَنَّهُ لا تجتمعُ ثلاثُ ياءاتٍ
قالَ : وتقولُ في ( فَيْعِلانٍ ) مِنْ ( شَوَيْتُ وطَوَيْتُ ) : طَيَّانٌ وشَيَّانٌ تحذفُ إِحدى الياءاتِ لأَنَّهنَ اجتمعنَ وكذلكَ إِنْ أَردتَ ( فَيْعَلانَ ) قلتَ : طَيَّانٌ وشَيَّانٌ لأَنَّهُ قد اجتمعَ ثلاثُ ياءاتٍ لا يجتمعُ مثلهنُ
قالَ : وهَذا في قولِ مَنْ قالَ في شَاوي : شُوَيٌّ وفي مَعاويةَ : مُعَيَّة ومَنْ قاَلَ في شَاوٍ : شُوَييٌ وفي أَحوى : أُحَيٌّ قالَ فيهِ : شَيَّيَانٌ وطَيَّيَانٌ وتقولُ في ( فَعْلَيةٍ ) مِنْ غَزَوْتُ : غِزْوِيَةٌ ومِنْ قَوِيْتُ : قَويَّةٌ ومِنَ شَوَيْتُ : شِيْيَّةٌ وتقولُ في ( فَوْعَلَةٍ ) مِنْ رَوَيْتُ : رَويَّةٌ وتقولُ في ( فَوْعَلَةٍ ) مِنْ حَيِيتُ في لغةِ مَنْ قالَ : ( أُمَييٌّ ) : حُيَيَّةٌ ومَنْ قَالَ : أُمَويٌّ قال : حَيَوِيةٌ
الثاني : اجتماعُ الياءِ والهَمزةِ :
تقولُ في مِثالِ ( اغْدَوْدَنَ ) مِنْ رأَيتُ : ارْأَوأَيتُ وَأَرْأَوَأَ زَيدٌ تكررُ الهمزةَ لأَنَّها عينُ الفعلِ كما كررتَ الدالَ في ( اغْدَوْدَنَ ) فإِنْ خفَّفتَ الهمزةَ الثانيةَ قلتَ : أرْأَويتُ وارْأَوَى زيدٌ حذفتَ الهمزةَ وأَلقيتَ حركتَها على الواوِ فإنْ خفَّفتَ الأُولى قلتَ : رَوْأَا وارْوآيتُ مثلُ رَوْعيتُ
حذفتَ الهمزةَ وأَلقيتَ حركتَها علَى الراءِ فلمْا تحركتِ الفاءُ سقطتْ أَلفُ الوصلِ فإِنْ خفَّفتَ الهمزتينِ جميعاً صارَ : ( رَوَيتُ ) حذفتَ الهمزةَ الأُولى وأَلقيتَ حركتَها علَى الواوِ وسقطتْ أَلفُ الوصلِ ثُمَّ حذَفتَ الثانيةَ وأَلقيتَ حركتَها على الواوِ وتقولُ في مثالِ ( عِرَضْنَةٍ ) مِنْ رأَيتُ : رَأَينةٌ وتقولُ في مثلِ ( صَمَحمحٍ ) مِنْ رأَيتُ : رَأَيْاأٌ وتقولُ في مثلِ ( جَعْفرٍ ) مِنْ جئتُ : جَيَّأٌ فإِنَّ خفَّفتَ قلتَ : جَياً
الثالثُ : اجتماعُ الواوِ والهمزةِ :
تقولُ في مثالِ ( قَوصَرّةٍ ) مِنْ آبَ يَؤوبُ : أَوَّبةً أَدغَمتَ واوَ فَوْعَلَّةٍ الزائدةَ في العينِ فإِنْ جمعتَهُ قلتَ : أَوَائبٌ فأَبدَلتَ مِنَ الواوِ همزةً لإجتماعِ الواوينِ مَعَ الألفِ كما فعلتَ في ( أَوائلَ ) وحذفتَ إِحدى الياءينِ كما حذفتَ إِحدى الراءينِ مِنْ قَوَاصرَ ومَسَائلَ : هَذا البابُ والبابُ الذي قبلهُ يدلُّ عليها ما يأتي في البابِ الذي تجتمعُ فيها الهمزةُ والواوُ والياءُ ويُغني عنهما لأَنَّهُ يعمُّهما ويزيدُ علَيهما
الرابعُ : اجتماعُ الثلاثةِ :
تقولُ في مثالِ ( اطمأنَّ ) مِن وأَيتُ : ايايا وكانَ الأَصلُ : أَوْايا لأَنَّ ( اطْمَأَنَّ ) أَصلُه ( اطمأنَنَ ) فاللامُ الأُولى ساكنةٌ والثانيةُ مفتوحةٌ والآخرةُ
حرفُ الإِعرابِ ولكنَّهُ لمّا أَدغمَ النونَ في النونِ أَلقى الحركةَ علَى الهمزةِ فلذلكَ قلتَ في هذهِ ( أَيُّ ) أُيايا فأَبدَلتَ الواوَ التي هيَ أَلفٌ يَاءً لإنكسارِ ما قبلَها فصارتْ الياءُ الأُولى نظيرةَ الطاءِ والهمزةُ نظيرةَ الميمِ والياءُ الأولى نظيرةَ الهمزة مِنْ ( اطمَأنَّ ) إِلاّ أَنَّ هذهِ الياءَ ساكنةٌ على أَصلِها لم تُلقَ علَيها حركةُ ما بَعْدَها لأَنَّ ما بعدَها مثلُها ولامُ الإِعرابِ قَد انقلبتْ أَلِفاً
وتقولُ في مثالِ ( إِصْبَعٍ ) مِنْ وَأَيتُ : إِيأَيٌ
كانَ الأصلُ ( أِوْأَيٌ ) فقلبتِ الواوُ ياءً لسكونِها وإنكسارِ ما قبلَها وقُلِبتِ الياءُ التي هيَ اللامُ أَلفاً وتقولُها من أَويتُ : أيَّاً وكانَ الأصلُ : إِوْأَيٌ فقلبتِ الياءُ التي هيَ اللامُ أَلفاً لإنْفِتاحِ ما قبلَها ولكنَّكَ لو قلتَ في مثلِ ( إِصْبَعٍ ) من وَدَدْتُ لكانَ : إِوَدٌّ وكانَ الأًصلُ : إِوْدَدٌ فلزمكَ أَن تُبدلَ الواوَ ياءً لكسرهِ ما قبلَها ووَجبَ أَنْ تدغمَ الدالَ في الدالِ فلمَّا أَدغَمتَ احتجتَ إِلى أَن تُلقِيَ حركةَ الدالِ علَى ما قبلَها فلمّا تحركتْ رددتَها إِلى الأَصلِ وهوَ الواوُ فقلتَ : إِوَدٌّ والَذي كانَ أَوجبَ قَلبَ الواوِ ياءً أَنَّها ساكنةٌ وقبلَها كسرةٌ فلمَّا تحركتْ زالتِ العلةُ
قَالَ المازني : ومِثْلُ ذلكَ : إِوَزَّةٌ
وتقولُ في مِثْلِ ( أُبْلَمٍ ) مِنْ وَأَيتُ : أَوْءٍ وكانَ ينبغي أَنْ يكون : أَوْأُيٌ ولكنْ لا يجوزُ أَنْ تكونَ الواوُ لاماً وقبلَها ضمةٌ ومتَى وقعتْ كذاكَ قُلِبْتْ ياءً كما قالوا : أَدْلٍ وعَرْقٍ وأَصلهُ : أَدْلُوٌ وعَرْقُوٌ وتقولُ فيها من أَويتُ : أَوٍّ وكانَ الأَصلُ : أَوْوُيٌّ فأُبدِلَتِ الهمزةُ الثانيةُ واواً لأَّنَّها ساكنةٌ وقبلَها همزةٌ مضمومةٌ ثُمَ تدغمُها في الواوِ التي بعدَها وهيَ عينُ ( أَويتُ ) وتبدلُ مِنَ الضمةِ كسرةً لتَثبُتَ الياءُ وهوَ موضعٌ لا تكونُ فيهِ واوٌ قبلَها ضمةٌ إِلاّ قُلبَتْ كَما قد بُيِّنَ في مواضعَ
وتقولُ في مثالِ ( أَجردٍ ) مِنْ وَأَيْتُ : إِياءٍ وكانَ الأصلُ : إِوْإيٌ فقلبتِ الواوُ ياءً لإنكسارِ ما قبلَها وتقولُ فيها مِنْ أَويتُ : إيٌّ وكانَ الأصلُ إئويٌ فأَدغمتُ الواوَ في الياءِ فصارتْ ( إِيَّيٌ ) فاجتمعَ ثَلاثُ ياءاتٍ كمَا اجتمعَ في تصغيرِ ( أَحْوَى ) فحُذِفَتْ منها الياءُ التي هيَ طَرفٌ فإِن خفَّفتَ مثالَ ( أَجردٍ ) مِنْ وأَيْتُ قلتَ : إِوٍ فُتُرَدُّ الواوَ إِلى الأصلِ وتُلقي عليهَا حركةَ الهمزةِ وتَحذِفُ الهمزةَ كما تفعلُ ذلكَ إِذا خفَّفت الهمزةَ وقبلَها ساكنٌ مِمَّا تُلقى عليهِ الحركةُ
وتقول في مثلِ ( أِوَزَّةٍ ) مِنْ وَأَيْتُ : إيأأةٌ ومثلها مِنْ أَوَيْتُ : إيَّاةٌ لأَنَّ
( إِوَزَّةً ) : إِفَعْلَةٌ والدليلُ علَى ذلكَ قولُهم : وَزّةٌ ولو بنيتَ مِثالَ ( هِرَمْلَةٍ ) . مِنْ وأَيتُ قلتَ : وَأيَّةٌ ومِنْ أَويتُ : إوَيَّةٌ
وتقولُ في مثالِ ( قَوْصَرَّةٍ ) مِنْ أويتُ : أَوَيَّةٌ لأَنَّ العينَ واوٌ فلو جمعتَها كما تجمعُ ( قَواصرَ ) لقلتَ : أَوَايا وكانَ الأَصلُ : أَوَاوٍ فصارتْ كأَوَائلٍ ثُمَّ غُيِرَّتْ لأَنَّها عرضتْ في جَمعٍ ولأنها معتلةٌ وقَد مضَى تفسيرُ هذا ولو عوضتَ قلتَ ( أَوَاويٌّ ) فَلَم تهمز ولم تُغيرْ كمَا لم تهمز طَوَاويسَ ومَا أَشبهَها ولو بنيتَها مِنْ وأَيتُ لقلتَ : أَوْأَيَّةٌ لأنَّهُ اجتمعَ في أولِه واوانِ وكانَ الأصلُ ( وَوْأَيَّةٌ ) فهمزتَ الأُولى فإنْ جمعتهُ قلتَ : أوَاوٍ لأَنَّ الهمزةَ لم تعرضْ في جمعٍ ولوَ عوضتَ قلتَ أَوَائي
وتقولُ في مِثَالِ ( عنكَبوتٍ ) من أَوَيْتُ : أَيَّوْتٌ وكانَ الأصلُ أَوْيَيُوتٌ فأَبدلتَ الواوَ الأُولى للياءِ التي بعدَها وحذفتَ الياءَ التي أبدلتَها أَلفاً لإلتقاءِ الساكنينِ يعني : الياءَ الأَخيرةَ لأَنَّها متحركةٌ قبلَها فتحةٌ فقُلِبتْ أَلفاً والواوُ التي بعدَها ساكنةٌ فسقطتْ لإلتقاء الساكنينِ وتقولُ فيها مِنْ وَأَيتُ : وَأَيُوْتٌ والعلةُ في الحذفِ واحدةٌ
ولو جَمعتَهُ من وأَيتُ لقلتَ : وَأَايٌ ولا تهمزُ لأَنَّهُ ملحقٌ ولم يَعرضْ لَهُ ما يهمزُ مِنْ أَجلِهِ
ولو جمعَتُه من أَويتُ لقلتَ : أَوَايا وكانَ الأَصلُ ( أَواوِيٌ ) فوجبَ الهمزُ من حيثُ وجبَ في ( أَوَائلَ )
فصارتْ ( أَوايٌّ ) فعرضتِ الهمزةُ في جَمعٍ فقلتَ : أَوَاياَ ولو عوضتَ لقلتَ أَوَاييُّ كَما قلتَ : طَوَاويسُ وَعَواويرُ فلم تَهمزْ
وتقولُ في مثالِ ( اغْدَوْدَنَ ) مِنْ وَأَيتُ : أيْأَوْأَي كمَا تقولُ فيها من وَعَيْتُ : ايُعوعي فتكررُ الهمزةَ لأَنَّها عينُ الفعلِ كما كررتَ الدالَ في ( اغدودنَ ) فإِنْ خفَّفتَ الهمزةَ الثانيةَ قلتَ : إيأَوَيٌ أَلقيتَ حركتَها على الواوِ فحركتَ الواوَ وحذفتَ الهمزة وإِنْ خفَّفت الأُولى وتركتَ الثانيةَ قلتَ : أَوأَيٌ وكانَ الأَصلُ ( وَوْأَيٌ ) لأَنَّكَ أَلقيتَ حركةَ الهمزةِ التي هيَ عينُ الفعلِ الأُولى علَى الفاءِ وكانتْ واواً في الأَصلِ فانقلبتْ ياءً لكسرةِ أَلفِ الوصلِ فحَذفتَ أَلفَ الوصلِ لتحريكِ ما بعدَها فرجعت واواً وبعدَها الواوُ الزائدةٌ فهمزتَ موضعَ الفَاءِ لئِلا تجتمعَ واوانِ في أَولِ كلمةٍ فإِنْ خففتَهما جميعاً قلتَ : أَوَيٌ والعلةُ واحدةٌ وتقولُ فيها مِنْ أَويتُ : إِيْوَوّي لأَنَّ ( أَويتُ ) عينَها واوٌ فتكررُ الواوَ وتكونُ الواوُ الزائدةُ بينَ الواوينِ اللتينِ هُما عينانِ فتُدغِمُ الزائدةَ في الواوِ التي بعدَها فتصيرُ فيها ثَلاثُ واواتٍ كَما كانَ ذَلكَ في ( اقْوَوَّلَ ) وَمنْ رأَى التغيرَ في ( اقْوَّولِ ) رآهُ هَا هُنا . وتقولُ في مِثَالِ ( صَمَحْمَح ) مِنْ وأَيتُ : وَأَيْأَا ومِنْ أَويتُ : أُويَّا
بَابُ ما ذكَرهُ الأخفشُ مِنَ المسائلِ علَى مِثالِ مَرمَريسَ
قالَ أَبو بكر : وإنَّما أَفردتُ هذَا البابَ لأَنَّهُ مخالف لِمَا مضَى مِنَ المسائلِ لا شكلَ لهُ وجميعُ ما مضَى مِمَّا فيهِ تكريرٌ فإنَّما هوَ تكريرُ عين نحو : ( افْعَوعَلَ ) أَو تكريرُ لامٍ نحو : ( فَعْلَلَ ) أو تكريرُ عينٍ ولامٍ نحو : ( فَعَلْعَلَ )
ومَرْمَرِيسُ وَزنُها ( فَعْفَعِيْلٌ ) فقد كرَّرتَ الفاءَ والعينَ وإنما استدلوا على ذلكَ بأنَّها مشتقةٌ مِنَ المَراسةِ
قالَ : إذا بنيتَ مثالَ مَرْمَرِيْسٍ مِنْ واوٍ قلتَ : أَوَّيِيٌّ واوانِ وثلاثُ ياءاتٍ وكانَ الأَصلُ أَنْ يكونَ الأَولُ ثلاثَ واواتٍ فهمزتَ الأُولى لأَنَّهُ إِذَا اجتمعَ في أولِ الكلمةِ واوانِ هُمزَتِ الأُولى
وقالَ : تقولُ في مثالَ ( مَرْمَرِيسٍ ) مِنَ ( الويلِ والوَيحِ ) . وَيْيَّيْلٌ وَوَيْيَّيْحٌ أَربعُ ياءاتٍ بينَ الواوِ واللامِ وبينَ الواوِ والحاءِ فَمَنْ كانَ مِنْ قولِه جمعٌ بينَ ثلاثِ يَاءاتِ في هذهِ الصفةِ جمعَ بينَ هذهِ الأربع ياءاتٍ لأَنَّ الياءَ الرابعةَ لا يحتسبُ بها لأنَّها مثلُ ياء ( مُهَيْيمٍّ ) وإذَا كانتْ
مدةً هكذا لم يحتسبْ بها أَلا تَرى أَنَّكَ لو قلتَ في قَوَّامٍ ( قُوييمٌ ) لَمْ يكنْ تثقيلٌ كما تثقلُ في ( أُحيٍّ ) ومَنْ حذف حذف واحدةً لئلا يجتمعَ ثلاثُ ياءاتٍ يكنَّ مثلَ ياءاتِ ( شُوَييٍّ ) تصغيرُ ( الشَّاوي ) فإذَا قلتَ : مَرْمريسٌ مِنْ يَومٍ قلتَ : يَيَوّيمٌ وكانَ الأَصلُ : يَوْيَوِيمٌ فقلبتُ الواوُ للياءِ التي بعدَها واجتمعتْ ثلاثُ ياءاتٍ لأنَّهنَ مثلُ النَّسبِ إلى ( طَيءٍ ) إذا قلتَ : طَيِيٌّ ولَو أَردتَ مِثلَ ( مَرْمَريسٍ ) مِنْ أَتيتُ قلتَ : أَتْأَتيٌّ فإنْ خفَّفتَ الهمزةَ قلتَ : أَتَتِيٌّ ومِنْ أُبتُ : أَوْاوِيبٌ فإنْ خفَّفتَ قلتَ : أَوَويِبٌ وتقولُ مثالُ مَرْمَرِيسٍ ( منْ ) إنْ أَوْأَويِيٌ ومِنْ أَاْأَةٍ ) أَوْأَوِيٌ
وحُكيَ عَنِ الخليلِ أَنّهُ كانَ يصغر ( أَأْأةً ) . أُوئَةٌ قالَ : وتأسيسُ بنائِها مِنْ تألفِ واوٍ بينَ همزتينِ فلو قلتَ : أَلا أوٍ كما تقولُ مِنَ النومِ مَنَاْمَةٌ علَى تقديرِ ( مَفْعَلَةٍ ) لقلتَ : أَرضُ مَأآةٌ ولو اشتق منهُ ( مَفْعُولٌ ) لقلتَ : مَوُوءٌ مثلُ ( مَعُوعٍ )
وتقولُ في مِثَالِ : ( مَرْمَريسٍ ) مِنْ أَولٍ : أَوَييلٌ فتقلبُ الواوَ الآخرةَ ياءً أقربهنَّ إلى العلةِ وتهمزُ الأُولى لإجتماعِ واوينِ في أَولِ كلمةٍ وكانَ أَصلُها ( وَوَّوِيلٌ ) أَربعُ واواتٍ الثانيةُ منهنَّ مدغمةٌ في الثالثةِ وَمَن أَجازَ جمعَ ثلاثِ واواتٍ فقالَ في ( افْعَوعَلٍ ) مِنْ قلتُ : اقْوَوَّلَ قالَ في هذَا : أَوَّويِلٌ
قالَ الأخفشُ : وهذَا عندي ضَعيف
وقالَ : وتقول في مثلِ ( قَصْعَةٍ ) مِنَ الواوِ وَيَّةٌ لأَنَّهُ لا تجتمعُ ثلاثُ واواتٍ وكانَ أَصلُها ( وَوَّةٌ ) وإنْ شئتَ قلتَ : أَوَّةٌ فجعلتَ الأُولى همزةً وكُلٌّ مذهبٌ
قالَ : إلاّ أَنَّ الأُولى أقواهما لأنَّ موضعَ العينِ إنْ كانَ ياءً فَلاَ بُدَّ مِنْ ( وَيَّةٍ ) إلا أَنَّ النحويين لا يجعلونَ الأَلفَ التي في ( واوٍ ) إلاَّ واواً
قالَ : وما أَعلمهُ إلاّ أَبعدَ الوجهينِ وهُم يصغرونَ ( واواً ) أَويَّةً
قالَ : وإِنَّما جازَ أَنْ أَبنيَ مِنْ واوٍ اسماً لأنَّ الواوَ اسمٌ ولا يجوزُ أن أبني مِنها فِعْلاً وذكرَ بعدَ هذَا كيفَ يُبنى مِنَ التامِّ مثلُ المنقوصِ المحذوفِ
قالَ أَبو بكر : وهذَا لا يجوزُ عندي ولا دُربةَ فيهِ لأَنَّ الحذفَ ليسَ بعملٍ ولكني أَذكرُ ما قالَ
قالَ : ويُبنى من رَأَيتُ مثلُ ( شَاةٍ ) رَاةٌ قالَ : ومثلُها مِنَ القولِ : قَاةٌ ومِنَ البيعَ : بَاةٌ وضعَّفهُ مع ذلكَ
بَابٌ : مِنْ مسائلِ الجَمعِ
تقولُ في ( فَيْعُول ) مِنْ بِعتُ : بَيُّوعٌ فإذا جمعتهُ قلتَ : بَيَاييعُ فلا تهمزُ لأَنَّها لمَّا بعدتْ مِنَ الطرفِ قويتْ فَلَم تهمزْ وإذَا جمعت ( فَوْعَلاً ) مِنْ ( قُلْتُ ) هَمزَتَ فقلتَ : قَوَائِلٌ وتهمزُ فَوَاعلَ مِنْ ( عَوْرتُ وَصَيْدتُ ) وكذلكَ إذا جمعت ( سَيْدَاً وَعيَّلاً ) وذلكَ قولَكَ : سَيَائدُ وعَيَائلُ وميائتُ جِمعُ ( مَيِّتٍ ) علَى التكسيرِ شبهوهُ ( بأوائِلَ )
قالَ المازني : وسألتُ الأَصمعي عن عَيّلٍ : كيفَ تكسرهُ العربُ فَقَالَ : عَيَائلُ يهمزونَ كما يهمزونَ في الواوينِ يَعني في أَوَّلٍ
وأَمَّا ( ضَيْوَنٌ
وضَيَاون ) فلم يهمزوا لأنَّها صحتْ في الواحدِ فجاءتْ على الأَصلِ وقولُ الشَّاعرِ :
( وكَحَلِ العَيْنَينِ بَالعَوَاوِرِ ... )
إِنَّما تركَ الهمزَ لأنَّهُ أَرادَ : العَوَايرَ ولكنَّهُ احتاجَ فحذفَ الياءَ وتركَ الواوَ على حالِها
قالَ الأخفشُ : فإذَا جمعت ( فَعَلٌّ ) نحو : هَبَيٍّ وَرَمَيٍّ وأَنْتَ تريدُ مثلَ : مَعَدٍّ قلتَ : هَبَايٌّ وَرَمايٌّ تجريهِ مجرى ما ليسَ من بناتِ الياءِ نحو : طِمِرٍ ومَعَدٍّ تقولُ : طِمارٌّ ومَعَاد تدعهُ على إدغامِه ولا تظهرُ التضعيفَ وقَد كانَ الأصلُ التضعيفُ لأنَّهُ ملحقٌ ولكنَّ العربَ لما وجدتِ الواحدَ مدغماً أَجرتْ الجمعَ على ذلكَ
قالَ : وليسَ هُوَ بالقياسِ وكذلكَ ( فَعَلُّ ) نحو : غَزَوٍّ تقولُ : غَزَاوٌ إذا جمعتَها
قالَ : وإذا جمعت ( فَعْلَلُ ) من غَزَوْتُ وَرَمْيتُ وهو غَزْوَاً وَرَمْيَاً قلت : غَزَاوٍ وَرَمَايٍ ولم تَهمزْ لأَنَّها مِنَ الأصلِ
قالَ : فإن أردت فعاليلَ قلتَ : رَمَائِيُّ فهمزتَ لمَّا اجتمعَ ثلاثُ ياءاتٍ قبلَهُنَّ أَلفٌ والألفُ شبهُ الياءاتِ فشبّهوا ذلكَ بالنَسبِ إلى ( رايةٍ )
تقولُ : رَائِيٌّ وقالَ بعضُهم : رَاويٌّ فأبدلَها واواً فلهذَا يقولُ في ( فَعَاليلَ ) مِنْ رمَيتُ : رَمَاوِيُّ ومَنْ قَالَ : أُمَييٌّ قالَ : رَمَاييٌّ فلم يُغيرْ وتركهنَ ياءاتٍ وكذلكَ ( فَعَاليلُ ) مِنْ ( حَيِيتُ ) ومَفَاعيلُ تحذفُ أَو تبدلُ واواً لأَنَّهم قَدْ كرهوا جمعَ ياءينِ في نحوِ ( أَثافٍ ) حتى خففوهَا وخفَفَ بعضُهم : أَغاني وأَضاحِي ومِعْطَاء وَمَعَاطِي
قالَ : ولو قالَ قائلٌ : أَحذفُ هذَا في الجمعِ إذا رأَيتُهم قَد حذفوَا إِحدى الياءين في ( مَعَاطٍ ) و ( أَثافٍ ) ذهَب مذهباُ وما غُيِّرَ مِنَ الجَمعِ كثيرٌ نحو : مَعَاياَ وَمَكُّوكٍ وَمَكَاكيُ
قالَ : ( وفَعَاليلُ ) مِنْ غزوتُ : غَزَاوِي لا تغيِّرهُ لأنَّهُ لم يجتمعْ فيهنَ ثلاثُ ياءاتٍ
بسم الله الرحمن الرحيم بَابُ الإِدغامِ
قالَ أَبو بكر : أَصلُ حروفِ العربيةِ تسعةٌ وعشرونَ حرفاً الهمزةُ الألفُ الهاءُ العينُ الحاءُ الغينُ الخاءُ القافُ الكافُ الضادُ الجيمُ الشينُ الياءُ اللامُ الراءُ النونُ الطاءُ الدالُ التاءُ الصادُ الزايُ السينُ الظاءُ الذالُ الثاءُ الفاءُ الباءُ الميمُ الواوُ
وتكونُ خمسةً وثلاثينَ . حرفاً مستحسنةً النونُ الخفيفةُ وهمزةٌ بينَ بينَ والأَلفُ الممالةُ والشينُ كالجيمِ والصادُ كالزاي وأَلفُ التفخيمِ ويكونُ اثنين وأربعينَ حرفاً بحروفٍ غير مستحسنةٍ
مخارجُ الحروفِ ستةَ عَشَرَ
فللحقِ ثلاثةٌ فأَقصاها مخرجاً : الهمزةُ والهاءُ والألفُ
والأوسطُ : العينُ والحاءُ . والأَدنى مِنَ الفم : الغينُ والخاءُ
الرابع : أَقصى اللسانِ وما فوقَهُ مِنَ الحَنَكِ : القافُ
الخامس : أسفل مِنْ موضعِ القافِ مِنَ اللسانِ قليلاً ومما يليهِ من الحَنَكِ : الكافُ
السادس : وسطُ اللسانِ بينَهُ وبينَ وسطِ الحَنَكِ : الجيمُ والشينُ والياءُ
السابع : مِنْ بين أَولِ حافةِ اللسان وما يليها مِنَ الأضراسِ : الضادُ
الثامن : مِنْ بينِ أَولِ حافةِ اللسانِ مِنْ أَدناها إلى منتهى طرفِ اللسانِ ما بينهما وبينَ ما يليها من الحنكِ الأعلى مما فُويق الضاحكِ والنابِ والرباعيةِ والثنيةِ : مخرجُ اللامِ
التاسعُ : النونُ وهيَ من طرفِ اللسانِ بينهُ وبينَ ما فُويقِ الثنايا
العاشر : وَمِنْ مخرج النونِ غير أنَّهُ أَدخلَ في ظهر اللسانِ قليلاً لإنحرافه إلى اللامِ : مخرجُ الراءِ
الحادي عشَرَ : ومما بينَ طرفِ اللسانِ وأصول الثنايا : مخرجُ الطاءِ والدالِ والتاءِ
الثاني عَشَر : مِمَّا بينَ اللسانِ وفُويق الثنايا السُّفلى : مخرج الزاي
والسينِ والصادِ
الثالث عشَرَ : مِمَّا بينَ طرفِ اللسانِ وأَطرافِ الثنايا : مخرجُ الظاءِ والثاءِ والذالِ
الرابع عشَرَ : ومِنْ باطنِ الشَّفةِ السفلى وأَطرافِ الثنايا العليا : مخرجُ الفاءِ
الخامس عَشَر : ومما بينَ الشفتينِ : الباءُ والميمُ والواوُ
السادس عشَر : ومِنَ الخَياشيم مخرجُ النونِ الخفيفةِ
أَصنافُ هذهِ الحروفِ أَحدَ عَشَر صنفاً
المجهورةُ والمهموسةُ والشديدةُ والرخوةُ والمنحرفُ والشديدُ الذي يخرجُ معهُ الصوتُ والمكررةُ واللينةُ والهاوي والمطبقةُ والمنفتحةُ
الأول : المجهورةُ :
وهيَ تسعةَ عَشَرَ حرفاً : الهمزةُ والألفُ والعينُ والغينُ والقافُ والجيمُ والياءُ والضادُ واللامُ والزايُ والراءُ والطاءُ والدالُ والنونُ والظاءُ والذالُ والباءُ والميمُ والواوُ
فالمجهورةُ كُلُّ حرفٍ أَشبِعَ الإعتمادُ في موضعهِ ومُنِعَ النفسُ أَنْ يجريَ معهُ حتّى ينقضي الإعتمادُ يجري الصوتُ إِلاّ أَنَّ النونَ والميمَ قد يعتمدُ لهما في الفمِ والخَياشيمِ فتصيرُ فيهما غُنَّةٌ والدليلُ على ذلكَ أَنَّكَ لو أمسكتَ بأَنفِكَ ثُمَّ تكلمتَ بهما رَأَيْتَ ذلكَ قد أَخلَّ بهما
الثاني : المهموسةُ :
وهيَ عشَرةُ أحرفٍ : الهاءُ والحاءُ والخاءُ والكافُ والسينُ والشينُ والتاءُ والصادُ والثاءُ والفاءُ
وهوَ حرفٌ أَضعفُ الإعتمادِ في موضعهِ حتَى جَرى معهُ النفسُ وأَنتَ تعرفُ ذلكَ إِذا اعتبرتَ فرردتَ الحرفَ مع جَري النفسِ وَلَو أَردتَ ذلكَ في المجهورةِ لم تقدرْ عليهِ
الثالثُ : الشديدُ مِنَ الحروفِ :
هُوَ الذي يمنعُ الصوتَ أَنْ يجريَ فيهِ وهيَ ثمانيةُ أَحرفٍ : الهمزةُ والقافُ والكافُ والجيمُ والطاءُ والتاءُ والباءُ والدالُ فلو أَردتَ مَدَّ صوتِكَ بالحرفِ الشديدِ لَمْ يَجْرِ لكَ وذلكَ أَنَّكَ لو قلتَ : أُلحَجَ لَمْ يَجْرِ لكَ مَد الصوتِ بالجيمِ
الرابعُ : الحروفُ الرَّخوةُ :
الهاءُ والحاءُ والغينُ والخاءُ والشينُ والصادُ والضادُ والزايُ والسينُ والظاءُ والثاءُ والذالُ والفاءُ وذلكَ أَنَّكَ إذا قلتَ : الطَّسْ وانْقَض وأَشباهُ ذلكَ أَجريتَ فيهِ الصوتَ إِنْ شئتَ أَما ( العينُ ) فبينَ الرَّخْوةِ والشديدةِ تصلُ إِلى الترديدِ فيها لشبهِها بالحاءِ
الخامسُ : الحرفُ المنحرفُ :
وَهوَ حرفٌ شديدٌ جرى فيهِ الصوتُ لإنحرافِ اللسانِ مع الصوتِ ولَمْ يعترضْ على الصوتِ كإعتراضِ الشديدةِ وهوَ اللامُ وإنْ شئتَ مددتَ فيهِ الصوتَ وليسَ كالرَّخوةِ لأنَّ طرفَ اللسانِ لا يتجافى عَنْ موضعهِ وليسَ يخرجُ الصوتُ مِن موضعِ اللامِ ولكنْ مِنَ ناحيتي مُستدقِّ اللِّسانِ فُويقَ ذلكَ
السادسُ : الشديدُ الذي يخرجُ معهُ الصوتُ :
لأنَّ ذلكَ الصوتَ غنَّةٌ مِنَ الأَنفِ فإنَّما تخرجهُ مِنْ أَنفِكَ واللسانُ لازمٌ لموضعِ الحرفِ لأنَّكَ لو أمسكتَ بأَنفِكَ لم يجرِ معهُ صوتٌ وهوَ النونُ والميمُ
السابعُ : المكررُ :
وهوَ حرفٌ شديدٌ جرى فيهِ الصوتُ لتكريرهِ وإنحرافهِ إِلى اللامِ فَتَجافى للصوتِ كالرِّخوةِ ولَوْ لَمْ يكررْ لَمْ يجرِ الصوتُ فيهِ وهو الراءُ
الثامنُ : اللينةُ :
الواوُ والياءُ لأَنَّ مخرجَهما يتسعُ لهواءِ الصوتِ أَشدُّ مِنَ اتساعِ غيرهِما
التاسعُ : الهاوي :
حرفٌ اتسعَ لهواءِ الصوتِ مخرجُهُ أشدُّ مِن اتساعِ مخرجِ الياءِ والواوِ لأَنّكَ قَدْ تضمُّ شفَتيكَ في الواوِ وترفعُ لِسَانَكَ في الياءِ قِبَلَ الحَنَكِ وهيَ الألفُ وهذِه الثلاثةُ أَخفى الحروفِ لإتساعِ مخرجِها وأَخفاهُنَّ وأَوسعهنَّ مخرجاً الألفُ ثُمَّ الياءُ ثُمَّ الواوُ
العاشرُ : المطبقةُ :
هيَ أَربعةٌ : الصادُ والضادُ والطاءُ والظاءُ
الحادي عَشَر : المُنفتحةُ :
وهَوَ كُلُّ ما سِوى المطبقةِ مِنَ الحروفِ لأَنَّكَ لا تُطبقُ لشيءْ منهنَّ لسانَكَ ترفعهُ إلى الحَنَكِ وهذهِ الأَربعةُ الأحرفُ إذَا وضعتَ لِسَانَكَ في مواضعهن انطبق لسانُكَ من مواضعهِنَّ إلى ما حَاذى الحَنَكَ الأَعلى مِنَ اللسانِ ترفعهُ إلى الحَنَكِ فإذَا وضعتَ لِسَانَكَ فالصوتُ محصورٌ فيما بينَ اللسانِ والحَنَكِ إلى موضعِ الحروفِ
وأَمَّا الدالُ والزايُ ونحوهما فإنَّما ينحصرُ الصوتُ إذا وضعتَ لِسَانَكَ في مواضعهِن ولولا الإِطباقُ لصارتِ الطاءُ دالاً والصادُ سيناً والظاءُ ذالاً ولخرجتِ الضادُ مِنَ الكلامِ لأَنهُ ليس شيءٌ من موضعِها وغيرُها
ذِكرُ الإِدغامِ
وَهَو وصلُكَ حرفاً ساكناً بحرفٍ مثلهِ مِنْ موضعهِ مِنْ غيرِ حركةٍ تفصلُ بينَهما ولا وقف فيصيرانِ بتداخلِهما كحرفٍ واحدٍ ترفعُ اللسانَ عَنهما رفعةً واحدةً ويشتدُّ الحرفُ أَلاَ ترى أَنَّ كُلَّ حرفٍ شديدٍ يقومُ في العَروضِ والوزنِ مُقامَ حرفينِ الأَولُ مِنْهُما ساكنٌ
والإِدغامُ في الكلامِ يجيءُ علَى نوعينِ : أَحدهما : إدغامُ حرفٍ في حرفٍ يتكررُ والآخرُ : إدغامُ حرفٍ في حرفٍ يقاربُه
النوع الأولُ :
إدغامُ الحرفينِ اللذينِ تضعُ لسانَكَ لهَما موضعاً واحداً لا يزولُ عنهُ وذلكَ يجيءُ على ضربينِ : أَحدهما : أَنْ يجتمعَ الحرفانِ في كلمةٍ واحدةٍ والآخرُ : أَنْ يكونا من كلمتينِ
فأَمَّا ما كانَ من ذلكَ في الفعلِ الثلاثي الذي لا زيادةَ فيهِ فجميعهُ مدغمٌ متَى التقى حرفانِ مِنْ موضعٍ واحدٍ متحركينِ حذفتِ الحركةُ وأُدغمَ أحدُهما في الآخرِ وذلكَ نحو : فَرَّ وسُرَّ والأَصلُ : فَررَ وَسُرِرَ
فَفَرٌّ . نظيرُ ( قَامَ ) أُعلَّتِ العينُ في ذَا كما أُعلَّتْ في ذا وَسُرَّ : نظيرُ ( قِيلَ ) في أَصلِها أَلاَ ترى أَنَّ بعضَهم يقولُ : قُوْلَ
وبُوعَ كمَا أنَّ منهم مَنْ يقولُ : رِدَّ مثلُ ( قِيلَ ) وأَمَّا مُدُّ وفِرَّ في الأمرِ فَقَد ذكرناهُ في حَدِّ الوقف والإبتداءِ وكذلكَ ما جاءَ من الأسماءِ علَى وزنِ الأَفعال المدغمةِ أُعِلَّ وأُدغِمَ لأَنَّ الإِدغامَ اعلالٌ إلاَّ ( فَعَلٌ ) مثلُ ( طَلَلٍ وشَرَرٍ ) فإنْ كانَ المضاعفُ علَى مِثَالِ ( فَعُلٍ ) و ( فَعِلٍ ) لَمْ يقعْ إلاّ مدغماً وذلكَ رَجلُ ضَفُّ الحَالِ هُوَ ( فَعِلٌ ) والدليلُ علَى ذلكَ قولُهم الضفَفُ في المصدرِ فهذا نظيرُهُ من غيرِ المُضَاعفِ
الحَذَرُ وَرَجلُ حَذِرٌ وقَد جاءَ حرفٌ منهُ علَى أَصلهِ كما قَالوا ( الخَوَنةُ والحَوَكَةُ ) علَى أُصولِهما قالوا : قَوْمٌ ضَفَفُو الحاَلِ فَشَذَّ هَذا كما شَذَّ غيرهُ
( وفَعُلٌ ) لَمْ يسمعْ منهُ شيءٌ جاءَ على أَصلِه وإنْ كانَ المضاعفُ ( فُعْلاً ) أو ( فِعَلاً ) أو فُعُلاً مِمّا لا يكونُ مثالُه فِعْلاً فهوَ على الأَصلِ نحو : ( خُزَوٌ ومَرِرٌ ) وحُضُضٍ وضُضً فَأَمَّا قولهُم : قَصَصٌ وقَصٌّ وَهُم يعنونَ المصدَرَ فإنّما هُما اسمانِ : أَحدهما مُحَرَّكُ العينِ والآخرُ ساكنُ العينِ
فجاءا علَى أُصولِهما ومثلُه مِنْ غيرِ المضاعفِ : مَعَزٌ ومَعْزٌ وشَمَعٌ وشَمْعٌ وشَعَرٌ وشَعْرٌ وهَذا كثيرٌ ولَيْسَ أَنَّ ( قَصّاً ) مسكّنٌ مِنْ ( قَصَصٍ ) ولكن كُل واحدْ منهما أَصلٌ وأَما قَولُ الشاعرِ :
( هَاجَكَ مِنْ أَرْوَى كمنَهاضِ الفَلَكْ . . ... . )
فإنّما احتاجَ إلى تحريكهِ فبناهُ على ( فَعَلٍ ) كَما قالَ :
( ولَمْ يُضِعْها بينَ فِرْكٍ وعَشَق ... )
وإنَّما هُوَ عِشْقُ فاحتاجَ فبناهُ على ( فَعَلٍ )
قالَ المازني : وزعمَ الأصمعي قَالَ : سألتُ أَعرابياً ونحن بالموضعِ الذي ذكرَهُ وزهيرُ حيثُ يقولُ :
( ثم استَمرّوا وقَالوا : إنَّ مشرَبكم ... مَاءٌ بشرقيّ سَلْمَى فَيْدُ أَوْ رَكَكُ )
هل تعرفُ ( رَكَكاً ) فقالَ : قَدْ كانَ هَا هُنَا ماءٌ يُسَمَّى ركّاً
فهذَا مثلُ فَكَكٍ فإذا أَلحقتَ هذه الأشياءَ التي ذكرتَ الأَلِفَ والنونَ في آخرها فإنّ الخَليلَ وسيبويهِ والمازنيَّ يدعونَ الصدرَ علَى ما كانَ عليهِ قبلَ أَنْ يلحقَ وذلكَ نحو : ردَدَانِ وإنْ أَردتَ ( فَعُلانٌ ) أَو ( فَعِلانٌ ) أَدغمتَ فقلتَ : ( رَدَّانٌ ) فيهما وكانَ أَبو الحسن الأخفش يظهرُ فيقولُ : رَدُدَانٌ وَرَدِدَانٌ ويقولُ : هُوَ ملحقٌ بالألفِ والنونِ فلذلكَ يظهرُ لِيَسْلَمًَ البناء
قال المازني : والقول عندي على خلاف ذلك لأَن الألفَ والنونَ يجبُ أَنْ يكونا كالشيءِ الواحدِ المنفصلِ أَلاَ تَرى أَنَّ التصغيرَ لا يحتسبُ بهما فيهِ كمَا لا يحتسبُ بياءي الإِضافةِ ولا بألِفَي التأنيثِ ويحقرونَ ( زَعْفَراناً ) فيقولونَ : زُعَيفَرانٌ وخُنْفُساءُ . خُنَيفِسَاءُ فَلَو احتسبوا بهما لحذفوهما كمَا يحذفونَ ما جاوزَ الأربعةَ فيقولونَ في ( سَفَرْجَلٍ ) . سُفَيرِجٌ فأَمَّا ما جاءَ مِنَ التضعيفِ فيما جاوزَ عدتهُ ثلاثةَ أَحرفٍ فإنّهُ يكونُ علَى ضربينِ . ملحقٍ وغيرِ ملحقٍ فالمُلحقُ يظهرُ فيهِ التضعيفُ نحو : مَهْدَدٍ وجَلْبَبَةٍ . فَمَهْدَدٌ ملحقٌ بجَعْفَرٍ وجَلْبَبَةٌ ملحقٌ بدَحْرَجَةٍ
وإنْ كانَ غيرَ ملحقٍ أُدغمَ وذلكَ نحو : احمّارَ واحمر ولو كانَ لَهُ في الرباعي مِثالٌ لَمَا جازَ تضعيفهُ كَما لم يجزْ إدغامُ ( اقْعَنْسَسَ ) لمَّا كانَ ملحقاً ( باحْرَنْجَمَ ) وقَد مَضَى ذِكرُ ذَا وأَشباهه وأَمَّا ( اقْتَتَلوُا ) فَليسَ بمحلقٍ والعربُ تختلفُ في الإِدغامِ وتركهِ فمنهم مَنْ يجريهِ مَجرى المنفصلينِ فلاَ يدغمُ كَما لا يُدغمُ اسمُ ( مُوسَى ) وإنَّما فُعِلَ بهِ ذلكَ لأَنَّ التاءَ الأُولى دخلتْ لمعنى فَمَنْ أَبَى الإِدغامَ كرِهَ أَنْ يُزيلَ البناءَ الذي دخلتْ لَهُ التاءُ فيزولُ المعنى وذَهب إلى أَنَّ التاءَ غيرُ لازمةٍ وأَنَّها لَيْست
مثلَ راءِ ( احْمَرَرْتُ ) اللازمةِ لأَنَّهُ يجوزُ أَنْ يقعَ بعدَ تاءِ ( افتَعلُوا ) كُلُّ حرفٍ مِنْ حروفِ المعجمِ
ومنهم مَنْ أَدغمَ لمَّا كانَ الحرفانِ في كلمةٍ ومضَى علَى القياسِ فقالَ : يَقتِّلُونَ وَقَدْ قِتِّلوا كسروا القافَ لإلتقاءِ الساكنينِ وشبهتْ بقولهم : ( رُدٌّ )
وقالَ آخرونَ : قَتَّلوا أَلقوا حركةَ المتحركِ علَى الساكنِ وتصديقُ ذلكَ قراءةُ الحَسَنِ . ( إِلاَّ مَنْ خَطَّفَ الخَطْفَةَ ) ومَنْ قَالَ : يَقَتِّلُ قَالَ : مُقَتِّلٌ ومَنْ قالَ : يَقتِّلُ قَالَ : مُقَتِّلٌ
قالَ سيبويه : حدثني الخليلُ وهارون : أَنَّ ناساً يقولونَ : مُرُدِّفِينَ يريدونَ : مُرْتَدِفِينَ أَتْبعوا الضمةَ الضمة ومَنْ قالَ هَذا قالَ : مُقُتِّلِينَ وهَذا أَقلُّ اللغاتِ
وكُلُّ مَا يجوزُ أَن تدغمَهُ ولا تدغمهُ فلكَ فيهِ الإِخفاءُ إلاّ أَنْ يكونَ قبلَهُ ساكنٌ وبعدَهُ ساَكنٌ كنحوِ ( أُرْدُدْ )
الضربُ الثاني :
أَنْ يكونَ الحرفانِ من كلمتينِ منفصلتينِ وهوَ ينقسمُ قسمينِ
أَحدهما : ما يجوزُ إدغامُهُ
والآخرُ : لا يجوزُ إدغامُهُ
وأَحسنُ ما يكونُ الإِدغامُ في الحرفينِ المتحركينِ اللذينِ هُمَا سواءٌ إذَا كانا منفصلينِ أَن تتوالى خمسةُ أَحرفٍ متحركةٍ بهما فَصَاعداً لأَنَهُ ليسَ في أَصلِ بناءِ كلامهم بناءٌ لكلمةٍ علَى خمسةِ أَحرفٍ متحركةٍ
وقَد تتوالى الأربعةُ متحركةً في مثلِ ( عُلَبِطٍ ) وهو محذوفٌ مِنْ عَلاَبط ولا يكونُ ذلكَ في غيرِ المحذوفِ وليسَ في الشعرِ خَمسةُ أَحرفٍ متحركةً متواليةً وذلكَ نحو : جَعَلَ لَكَ وفَعَلَ لَبِيدُ لَكَ . أَن تُدغَم ولكَ أَنْ تُبينَ والبيانُ عربي حجازي لأَنَّ المنفصلَ ليسَ بمنزلةِ ما هُوَ في كلمةٍ واحدةٍ لا ينفصلُ نحو : مَدَّ واحْمَرَّ ولكَ الإِدغامُ في كُلِّ حرفينِ منفصلينِ إلاّ أَنْ يكونَ قبلَ الأولِ حرفٌ ساكنٌ فحينئذٍ لا يجوزُ الإِدغامُ لأَنَّهُ لا يلتقي ساكنانِ إلاّ أَنْ يكونَ الساكنُ الذي قبلَ الأَوّلِ حرفُ مَدٍّ فإنَّ الإِدغام يجوزُ في ذلكَ كما كانَ في غيرِ الإنفصالِ كما قالوا : رَادَّ وتُمُودَّ الثوبُ
فأَمَّا المنفصلَ فنحو قولِكَ : المالُ لَكَ وهم يُظْلِمُونيِّ والبيانُ هَا هُنَا
يزدادُ حسناً لسكونِ ما قبلَهُ فإنْ كانَ قبلَهُ ساكنٌ لَيْسَ بحرفِ مَدٍّ لَم يجزِ الإِدغامُ وذلكَ قولُكَ : ابنُ نُوحٍ واسمُ مُوسى لا تُدغِم ولكنَّكَ إنْ شئتَ أَخفيتَ وتكونُ بزنةِ المتحركِ ولا يجوزُ إذَا كانَ قبلَ الحرفِ الأَولِ حرفٌ ساكنٌ أَنْ يُدغمَ
ويُحركُ ما قبلَهُ لإلتقاءِ الساكنينِ فأَمَّا قولُ بعضِهم : ( نِعِمَّا ) مُحَرَّكَ العينِ فَلَيْسَ علَى لُغةِ مَنْ قالَ ( نِعْمَ ) فأَسكنَ ولكنْ علَى لُغةِ مَنْ قالَ : ( نِعِمَ ) فحرّكَ العينَ هَذَا قولُ سيبويه
قال : وحدّثَنا أَبو الخطابِ : أَنَّها لغةُ هُذيَلٍ وكسروا كمَا كسروا ( لِعِبٌ ) وأَمَّا قولهُ ( فلا تتناجوا ) فإنْ شَئْتَ أَسكنتَ وأَدغمتَ لأَنَّ قبلَهُ حرفُ مَدٍّ وهوَ الألفُ وأَمَّا ( ثَوبُ بَكْرٍ ) فالبيانُ هَا هُنَا أَحسنُ منهُ في الأَلفِ لأَنَّ الواوَ في ( ثَوْبٍ ) لا تشبهُ الأَلفَ لأَنَّ حركةَ ما قبلَها لَيْسَ مِنها وكذلكَ ( جَيْبُ بَكْرٍ ) والإِدغامُ في هَذا جَائزٌ وإنْ لِم يكونا بمنزلةِ الأَلِفِ وإنَّما يكونانِ بمنزلةِ الأَلفِ إذَا كانَ قبلَ الواوِ ضَمَّةٌ قبلَ الياءِ كسَرةٌ فالإِدغامُ في ( ثَوْبِ بَكْرٍ ) في المنفصلِ مثلُ ( أُصَيْمٌ ) في المتصل وإنَّما فُعِلَ ذَلكَ بياءِ التصغيرِ لأَنَّها لا تحركُ وأَنَّها نظيرُ الألفِ في ( مَفَاعِلَ ومَفَاعيلَ )
القسمُ الثاني : الذي لا يجوزُ إدغامُهُ :
وإذا قلتَ : مررتُ بوليِّ يزيدَ وعَدوِّ وليدٍ فإن شِئْتَ أخفيتَ وإنْ شِئتَ بنيتَ ولا يجوزُ الإِدغامُ لأَنكَ حيثُ أَدغمتَ الواوَ في ( عَدوٍّ ) والياءَ في ( وَليٍّ ) فرفعتَ لِسَانَكَ رفعةً واحدةً ذهبَ المدُّ وصارتا بمنزلةِ ما يدغمُ مِنْ غيرِ المعتل فالواوُ الأُولى في ( عَدوٍّ ) بمنزلةِ اللامِ في ( دَلْوٍ ) والياءُ الأُولى في ( وَليٍّ ) بمنزلةِ الباءِ في ( ظَبيٍ ) والدليلُ علَى ذلكَ أَنَهُ يجوزُ في القوافي ( ليَّا ) معَ قولِكَ : ظَبْياً و ( دوّا ) معَ قولِكَ : غَزْواً وإذَا كانتْ الواوُ قبلَها ضَمّةٌ والياءُ قبلهَا كسرةٌ فإنَّ واحدةً منهما لا تدغمُ إذَا كانَ مثلُها بعدَها وذلكَ قولُكَ : ظَلَمُوا واقِداً واظْلِمِي يَاسراً ويغزوُ واقِدٌ وهَذَا قاضي يَاسرٍ لا تدغمُ وإنّما تركوا المَدَّ علَى حالهِ في الإنفصالِ كمَا قالوا : قَد قُوْوِلَ حيثُ لم تَلزمِ الواوُ وأرادوا أَنْ تكونَ علَى زنةِ ( قَاوَلَ ) فكذلك هذهِ إذا لم تكُنْ الواوُ لازمةً فأَمَّا الواوُ إذَا كانتْ لازمةً بعدَها واوٌ في كلمةٍ واحدةٍ فهيَ مدغمةٌ وذلكَ نحو : مَعْزِوٍّ وَزَنهُ مَفْعُولٌ فالواوُ لازمةٌ لهذَا البناءِ ولَيْسَتْ بمنزلةِ قُوْوِلَ الذي إذا بنيتَه للفاعلِ صَارَ : قَاولَ وإذَا قلتَ وأَنتَ تأمرُ : اخْشَي يَّاسِراً واخْشَوا وَاقِداً أدغمتَ لأَنَّهما لَيسا بحرفَي مَدٍّ كالألفِ لأَنَّهُ انفتحَ ما قبلَ الهاءِ والواوِ
والهمزتانِ لَيْسَ فيهما إدغامٌ في مثلِ قولِكَ : قَرَأَ أَبُوكَ وأَقْرِىءْ أَبَاكَ وقَدْ ذُكرَ في بابِ الهمزِ ما يجوزُ في ذَاْ وما لا يجوزُ
النوعُ الثاني مِنَ الإِدغامِ وهُوَ مَا أُدغَم للتقاربِ :
اعلَمْ : أَنَّ المتقاربةَ تنقسمُ قسمينِ : أَحدهما : أَنْ يُدغمَ الحرف في الحرفِ المقاربِ لَهُ والقسمُ الآخرُ لا يدغمُ الحرفُ في مقاربِه
فأَمَّا الذي يُدغمُ في مقاربهِ فهوَ علَى ضربينِ
أَحدهما : يدغم كُلُّ واحدٍ مِنَ الحرفينِ في صاحبه والآخرُ : لَيْسَ كذلكَ بَلْ لا يدغمُ أَحد الحرفينِ فِي الآخرِ ولا يدغمُ الآخرُ فيهِ
ذِكرُ ما يدغمُ في مقاربهِ
اعلَمْ : أَنَّ أَحسنَ الإِدغامِ أَنْ يكونَ في حروفِ الفَمِ وأَبعدُ ما يكونُ في حروفِ الحَلقِ فكلَّما قَرُبَ مِنَ الفمِ فالإِدغامُ فيهِ أَحسنُ مِنَ الإِدغامٍ فِيمَا لا يقربُ والبيانُ في حروفِ الحلقِ
وما قَرُبَ مِنها أَحسنُ وما قَرُبَ مِنَ الفمِ لا يُدغمُ في الذي قبلَهُ
واعلَمْ : أَنَّ هذهِ المُدغمةَ تنقسمُ ثلاثةَ أَقسامٍ مِنْها ما يبدلُ الأولُ بلفظِ الثاني ثُمَّ يُدغمُ فيهِ وهذَا أَحقُّ الإِدغامِ ومِنْها ما يبدلُ الثاني بلفظِ
الأولِ ثُمَ يدغمُ الأَولُ في الثَاني ومِنْها ما يبدلُ الحرفانِ جميعاً بما يقاربهما ثُمَّ يُدغمُ أَحدُهما في الآخرِ وقَد كتبنَا جميعَ ذلكَ في مواضعهِ وقَد قلنا : إنَّ المخارجَ ستةَ عَشَرَ مَخرجاً ونحنُ نذكرُ جميعَ ذلكَ وما يجوزُ ومَا لا يجوزُ وما يحسنُ وما لاَ يحسنُ
الأولُ : ما يدغمُ مِن حروفِ الحَلقِ :
ولهَا ثلاثةُ مَخَارج كمَا ذكرنا الهاءُ معَ الحاءِ تَدغمُ كقولِكَ : اجْبَهْ حَمَلاً البيانُ أَحسنُ ولا يدغمُ الحاءُ في الهاءِ العينُ معَ الهاءِ : أَقْطَعْ هِلاَلاً البيانُ أَحسنُ فإن أَدغمتَ لقربِ المخرجينِ حَوّلتَ الهاءَ حَاءً والعينَ حاءً ثُمَّ أَدغمت الحاءَ في الحاءِ لأَنَّ الأَقربَ إلى الفمِ لا يدغمُ في الذي قبلَهُ وكانَ التقاءُ الحاءينِ أَخفَّ في الكلامِ مِنَ التقاءِ العينينِ وبنو تميمٍ يقولونَ : مَحّمْ يريدونَ : مَعَهم وَمحّاؤُلاءِ يريدونَ : مَعَ هَؤلاءِ
العينُ مَعَ الهاءِ :
اقْطَع حّمَلاً الإِدغامُ حَسَنٌ والبيانُ حَسَنٌ لأَنَّهما مِنْ مَخْرَجٍ واحدٍ ولا تُدغمُ الحاءُ في العينِ لأَنَّ الحاءَ يفرُونَ إليها إذا وقعتِ الهاءُ مَعَ العينِ
الحاءُ معَ العينِ :
قالَ سيبويه : ولكنَّكَ لو قلبتَ العينَ حاءً فقلتَ في ( امْدَحْ عَرَفَةَ ) : امْدَحَّرَفَةَ جازَ
الغينُ معَ الخاءِ :
البيانُ أَحسنُ والإِدغامُ حَسَنٌ وذلكَ قولُكَ : أَدْمَغْ خَلَفاً
الخاءُ معَ الغيَنِ :
البيانُ أَحسنُ ويحوزُ الإِدغام لأَنَّهُ المخرجُ الثالثُ وَهوَ أَدنى مخَارج الحلقِ إلى اللسانِ أَلا تَرَى أَنَّ بَعْضَ العربِ يقولُ : مُنْخُلٌ ومُنْغُلٌ فيُخفي النونَ كما يخفيها معَ حروفِ اللسانِ وذلكَ قولُكَ في اسْلَخْ غَنَمَكَ : اسْلَغَّنَمكَ ويدلُّكَ علَى حُسنِ البيانِ عِزتُها في بَاب ( رَددتُ ) لأَنَّهم لا يكادونَ يُضعِفُونَ ما يستثقلونَ
القَافُ مع الكَافِ :
الْحَقْ كَلَدَةَ الإِدغام حَسَنٌ والبَيانُ حَسَنٌ
الكافُ معَ القاَفِ :
انْهَكْ قَطَنَاً البيانُ أَحسنُ والإِدغام حَسَنٌ وإنّما كانَ البيانُ أَحسنُ لأَنَّ القافَ أَقربُ إلى حروفِ الحلقِ مِنَ الكافِ فإدغامُ الكافِ فيها أَحسنُ مِنْ إدغامِها هيَ في الكافِ
السادسُ الجيمُ معَ الشينِ :
ابْعَجْ شَبَثَاً الإِدغامُ والبيانُ حَسنانِ
السابعُ اللامُ معَ الراءِ :
اشْغَل رَّجَبَةَ يُدغم وَهو أَحسنُ
النونُ معَ الراءِ واللامِ والميمِ :
مِنْ رَّاشدٍ يُدغمُ بِغُنَّةٍ وبِلاَ غُنَّةٍ وتُدغمُ في اللامِ ( مَن لَّكَ ) إنْ شِئْتَ كانَ إدْغاماً بِلا غُنَّةٍ وإنْ شِئْتَ بغُنّةٍ وتُدْغَمُ النونُ معَ الميمِ
النونُ معَ الباءِ :
تُقلبُ النونُ معَ الباءِ ميماً ولَمْ يجعلوا النونَ باءً لبعدِها في المخرجِ
وأَنّها ليستْ فيها غُنَّةٌ وذلكَ قولُهم : مَمْبِكَ يريدون : مَنْ بِكَ وشَمبَاءُ وعَمبرٌ يُريدونَ : شَنبَاءَ وعَنَبراً
النونُ معَ الواوِ :
وتُدغمُ النونُ معَ الواوِ بُغنّةٍ وبِلا غُنَّةٍ لأَنَّها من مخرجِ ما أُدغمتْ فيهِ النونُ وإنَّما منعَها أَنْ تُقلبَ معَ الواوِ ميماً أَنَّ الواوَ حرفُ لِينٍ تَتَجافى عنهُ الشَّفتانِ والميمُ كالباءِ في الشدةِ وإلزامِ الشَّفَتينِ
النونُ معَ الياءِ :
تُدغمُ بغُنَّةٍ وبِلا غُنَّةٍ لأَنَّ الياءَ أُختُ الواوِ وقد تُدغمُ فيها الواوُ فكأَنَّهما من مخرجٍ واحدٍ لأَنَّهُ ليسَ مَخرجٌ مِنْ طرفِ اللسانِ أَقربُ إلى مخرجِ الراءِ منهُ الياءُ أَلاَ تَرى أَنَّ الألثغَ بالراءِ يجعلُها يَاءً وكذلكَ الأَلثغُ باللامِ وتكونُ النونُ مَعَ سَائرٍ حروفِ الفَمِ حَرفاً خفياً مخرجهُ مِنَ الخَياشيمِ وذلكَ أَنَّها مِنْ حروفِ الفمِ وأَصلُ الإِدغامِ لحروفِ الفمِ لأَنَّها أكثرُ الحروفِ فلمَّا وصلوا إلى أَنْ يكونَ لها مخرجٌ مِنْ غيرِ الفمِ كانَ أَخفَّ عليهم أَنْ لا يستعملوا أَلسنتَهم إلا مرةً واحدةً وذلكَ قولُكَ : مَنْ كانَ ومَنْ قالَ ومَنْ جَاءَ وهيَ مَعَ الراءِ واللامِ والياءِ والواوِ إذا أُدغمتَ بغُنَّةٍ ليسَ مخرجُها مِنَ الخياشيمِ ولكنَّ صوتَ الفمِ أُشربَ غُنَّةً ولَو
كانَ مخرجُها مِنَ الخِياشمِ لَما جازَ أَنْ تدغمها في الواوِ والياءِ والراءِ واللامِ حتَى تصيرَ مثلهن في كُلِّ شيءٍ وهيَ معَ حروفِ الحلقِ بنيةٌ موضعُها مِنَ الفم
قالَ سيبويه : وذلكَ أَنَّ هذهِ الستّةَ تباعدتْ عَنْ مخرجِ النونِ فَلَمْ تُخْفَ هَا هُنَا كمَا لا تُدغمُ في هذَا الموضعِ وكمَا أَنَّ حروفَ اللسانِ لا تُدغمُ في حروفِ الحلقِ وإنَّما أخفيتَ النونَ في حروفِ الفمِ كما أدغمتَ في اللام وأخواتِها تقولُ : مِنْ أَجلِ ذَنْبٍ وَمِنْ خَلْفِ زيدٍ ومِنْ حَاتِم ومَنْ عَلَيكَ ومَنْ غَلبَكَ ومُنْخُلٌ فَتبينُ وَهوَ الأجودُ والأَكثرُ وبعضُ العربِ يُجري الغينَ والخاءَ مَجرى القافِ وإذَا كانتِ النونُ متحركةً لم تكنْ إلا مِنَ الفمِ ولَمْ يجز إلاّ إبانتَها وتكونُ النونُ ساكنةً مَعَ الميمِ إذا كانتْ مِنْ نَفسِ الحرفِ بَينَةٌ وكذَلكَ هيَ معَ الواوِ والياءِ بمنزلتِها معَ حروفِ الحلقِ وذلكَ قولُه : شَاةٌ زَنَماءُ وغَنَمٌ
زُنْمٌ وَقنْواءُ وقِنِيةٌ وكُنْيةٌ
وإنَّما حَمَلهم علَى البيانِ كراهيةُ الإِلباسِ فيصيرُ كأَنَّهُ مِنَ المضاعفِ لأنَّ هذَا المثالَ قد يكونُ في كلامِهم مضعَّفاً أَلاَ تَراهم قَالوا : امّحَى حيثُ لم يخافوا الإِلباسَ لأَنَّ هذَا المثالَ لا تضاعفُ فيهِ الميمُ
قَالَ سيبويه : وسمعتُ الخليلَ يقولُ في انْفَعَلَ مِنْ ( وَجِلْتُ ) : اوَّجَلَ كمَا قالوا : امَّحَى لأَنَّها نونٌ زِيدتْ في مثالٍ لا تضاعفُ فيهِ الواوُ فصارَ هَذا بمنزلةِ المنفصلِ في قولِكَ : مَنْ مِثْلكَ وكذلكَ إنْ بنيتَ ( انْفَعَلَ ) مِن ( يَئِسَ ) قلتَ : إيَّاسَ وإذا كانتْ مَع الباءِ لم تَتَبينْ وذلكَ قولُكَ : شَمْباءُ لأَنَّكَ لا تُدغِمُ النونَ وإنما تُحوِّلُها ميماً والميمُ لا تقعُ ساكنةً قبلَ الباءِ في كلمةٍ فَلَيْسَ في هذَا لَبْسٌ ولا تعلمُ النونُ وقعتْ في الكلامِ ساكنةً قبلَ راءٍ ولاَ لامٍ لَيْسَ في الكلامِ مثلُ : قِنْرٍ وَلا . عِنْلٍ وإنَّما احتملَ ذلكَ في الواوِ والياءِ لبعدِ المخارجِ ولَيْسَ حرفٌ مِنَ الحروفِ التي تكونُ النونُ معَها مِنَ الخَياشيمِ تُدغمُ في النونِ لم تُدغمْ فيهنَّ فأَمَّا اللامُ فَقَدْ تُدغمُ في النونِ وذلكَ قولُكَ : هَنَّرَى
فتدغمُ في النونِ والبيانُ أَحسنُ لأَنَّهُ قَد امتنع أَنْ يُدغمَ في النونِ ما أَدْغَمْتَ فيهِ سِوَى اللامِ فكأَنَّهم يستوحشونَ مِنَ الإِدغامِ فيها ولَم يُدغموا الميمَ في النونِ لأَنَّها لا تُدغمُ في الياءِ التي هيَ مِنْ مخرجِها فلمَّا لم تُدغَمْ فيما هُوَ مِنْ مخرجِها كانتْ مِنْ غيرِه أَبعدُ ولامُ المعرفةِ تُدغمُ في ثلاثةَ عَشَرَ حَرفاً ولا يجوزُ فيها معهن إلاّ الإِدغامُ لكثرةِ لامِ المعرفةِ في الكلامِ وكثرةِ موافقتِها لهذهِ الحروفِ واللامُ مِنْ طرفِ اللسانِ وهذهِ الحروفُ أَحدَ عَشَر حرفاً منها مِنْ طرفِ اللسانِ وحرفانِ بخالطانِ طرفَ اللسان فلمَّا اجتمَع فيها هذَا وكثرتُها في الكلامِ لم يجز إلا الإِدغامُ والأَحدَ عَشَر حَرفاً : النونُ والواوُ والدالُ والتاءُ والصادُ والطاءُ والزايُ والسينُ والظاءُ والثاءُ والذالُ
وَقَدْ خالطتها الضادُ والشينُ لأَنَّ الضادَ استطالتْ لرخاوتِها حتَى اتصلتْ بمخرجِ الطاءِ وذلكَ قولُكَ : النعمانُ والرجلُ فكذلكَ سائرُ هذِه الحروفِ فإذَا كانتْ غيرَ لامِ المعرفةِ نحو لامِ ( هَلْ وبَلْ ) فإنَّ الإدغامَ في بعضِها أَحسنُ وذلكَ قولُكَ : هَرَّأيتَ لأَنَّ الراءَ أَقربُ الحروفِ إلى اللامِ وإنْ لَمْ تدغمْ فهيَ لغةٌ لأهلِ الحجاز وهيَ عربيةٌ جائزةٌ وهيَ معَ الطاءِ والدالِ والتاءِ والصادِ والزاي والسينِ جائزةٌ وليسَ ككثرتِها معَ الراءِ وإنَّما جازَ
الإِدغامُ لأنَّ آخرَ مخرجِ اللامِ قريبٌ مِنْ مخرجِها وهيَ حروف طرفِ اللسانِ وهيَ معَ الظاءِ والثاءِ والذالِ جائزةٌ وليسَ كحُسنِهِ معَ هؤلاءِ وإنَّما جازَ الإِدغامُ لأَنَّهنَّ مع الثنايا وهُنَّ مِنْ حروف طرف اللسان كما أنهن منه واللام مع الضاد والشين أضعف لأنَّ الضاد مخرجُها من أَولِ حافةِ اللسانِ والشين مِنْ وسطهِ
قال طريف بن تَميم العنبري :
( تَقولُ إذَا اسْتَهْلَكْتُ مَالاً للذَّةٍ ... فُكَيهَةُ هَشَّيءٌ بِكَفيكَ لاَئْقِ )
يُريدُ : ( هَلْ شَيءٌ ) فأَدغمَ اللامَ في الشين
وقرأَ أَبو عمرو : هَثُّوِبَ الكُفَّارُ فأَدغمَ اللامَ في الثاءِ وقُرِىءَ : ( بَتؤَّثِرُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا ) فأَدغمَ اللامَ في التاءِ
قَالَ سيبويه : وإدغامُ اللامِ في النونِ أَقبحُ مِنْ جميعِ هذهِ
الحروفِ لأَنَّها تُدغمُ في اللاّمِ كما تدغمُ في الياءِ والواوِ والراَّءِ والميمِ فَلَم يجسروا أَنْ يخرجوها مِنْ هذِه الحروفِ التي شَاركتَها في إدغامِ النّونِ وصارتْ كأَحدِها في ذلك
الإِدغامُ في حروف طرف اللسانِ والثنايا
الدالُ معَ الطاءِ :
اضْبِطُّلامَه يريدُ : اضْبِطْ دُلامَه تُدغِمُ وتدعُ الإِطباقَ علَى حالِه فلا تُذهبْهُ لأَنَّ الدَّالَ ليسَ فيها إطباقٌ وبعضُ العرب يُذهبُ الإِطباقَ حتَى يجعلَها كالدَّالِ سواءً والدالُ في الظاءِ وذلكَ قولكَ : أفْقُدْ ظَالِماً
الطاءُ مع التاءِ :
تُدغِمُ وتدعُ الإِطباقَ بحالِه وذهابُ الإِطباقُ معَ الدالِ أَمثلُ لأَنَّ الدالَ
مجهورةٌ والتاء مهموسةٌ وكُلٌّ عربيٌّ وذلكَ : أُنْقُتَّوْأَماً تُدغمُ وكذلكَ التاءُ في الطاءِ وذلكَ قولُكَ : انْعَطَّالِبَاً وهذَا لا يُجحفُ فيهِ بالإِطباقِ
التاءُ معَ الدَّالِ :
كُلُّ واحِدةٍ منهما تُدغمُ في صاحبتِها إلاَّ أَنَّ إدغامَ التاءِ في الدالِ أَحسنُ لأَنَّ الدّالَ مجهورةٌ والأَحسنُ إدغامُ الناقِص في الزائِد وذلكَ قولُكَ : انْعَدُّلاماً وانقُتِّلْكَ فتُدغِمُ ولو بينتَ فقلتَ : اضْبِطْ دُلاَماً واضْبِطْ تِلْكَ وانْعَتْ دُلاَماً لجازَ وهوَ يثقلُ الكلامُ بهِ
بَابُ الصادِ والزاي والسينِ
الصادُ مَعَ السينِ :
( افْحَسَّالِماً ) تدغمُ فتصيرُ سيناً وتدعُ الإِطباقَ لأَنَّها مهموسَةٌ مثلُها وإنْ شِئتَ أَذهبتَهُ وإذهابُ الإِطباقِ معَ السينِ أَمثلُ مِنْ إذهابِ الإِطباقِ إذَا أدغمتَ الطاءَ وتُدغمُ السينَ في الصادِ وذلكَ احْبِصَّابِراً
الزاي معَ الصادِ :
وتدغمُ الزاي في الصادِ وذلكَ : أَوْجِصَّابراً
الزاي والسينُ :
احْبِزَّرَدَةَ تدغمُ وكذلكَ الزاي في السينِ وَرُسَّلَمةَ تدغمُ
بَابُ الظاءِ والذالِ والثاءِ
الظاءُ مَع الذالِ :
احْفَذّلِكَ تُدغمُ وتدعُ الإِطباقَ وإن شِئْتَ أَذهبته لأَنَّها مجهورةٌ مثلُها وتُدْغمُ الذّالَ في الظاءِ نحو : خُظَّالِماً
الثاءُ معَ الظاءِ :
ابْعَظَّالماً تُدْغِمُ
الذّالُ معَ الثاءِ :
تُدْغَمُ كُلُّ واحدةٍ منهما في صاحبتِها وذلكَ : خُثَّابِتاً وابْعَذّلِكَ والبيانُ فيهنَّ أَمثلُ منهُ في الصادِ والسينِ والزاي
إدغامُ مخرجٍ في مخرجٍ يقاربهُ
الطاءُ والدالُ والتاءُ يُدغمنَ كلهنَّ في الصادِ والزاي والسِّينٍ لقربِ المخرجينِ وذلكَ : ذَهَبسَّلْمَى وَقَسَّمِعَتْ فتُدغِمُ واضْبِزَّرَدَةَ فَتُدغم
وَانْعَصَّابِراً وقرأَ بعضهمُ : ( لاَ يَسَّمَّعُونَ ) . يريدُ : لا يَتَسمَّعونَ والبيانُ عربيٌّ حَسنٌ
وكذلكَ : الظاءُ والذالُ والثاءُ تُدغمُ في الصادِ وأختيها وذَلكَ قولُكَ : ابْعَسَّلَمةَ واحفسَّلَمَةَ وخُصَّابِراً واحفَزَّرَدَةَ سمعناهم يقولونَ : مُزَّمان فيدغمونَ الذّال في الزاي ومُسَّاعة فيُدغمونها في السينِ والبيانُ فيها أَمثلُ منهُ في الظاءِ وأُختيها
والظاءُ والثاءُ والذالُ أخواتُ
الطاءُ والتاءُ والدالُ لا يمتنعُ بعضهُنَّ مِن بعضٍ في الإِدغام وذلكَ أهْبِظَّالِماً وابْعِذَّلِكَ وانْعَثَّابِتاً واحْفَطَّالِباً وَخُدَّاوُدَ وابْعَتَّلِكَ وحجتهُ قولهم : ثلاثُ دراهم تُدغمُ الثاءُ في التاءِ التي هيِ بَدَلٌ مِنَ الهاءِ التي في الدارهمِ وقالوا : حَدَّتّهُم فجعلوهَا تاءً والبيانُ فيهِ جيدٌ فأَمَّا الصادُ والسينُ والزايُ فلا تدغمهنَ في هذه الحروفِ لأنَّهنَ حروفُ الصفير وهُنَّ أَندى في السمعِ فامتنعتْ كما امتنعتِ الراءُ أَنْ تدغَم في اللامِ وتدغمُ الطاءُ والدالُ والتاءُ في الضادِ وذلكَ اضْبِضَّرَمَةَ وانقضَّرَمَةَ وانْعِضَّرَمَةَ
قالَ سيبويه : وسَمعنا مَنْ يوثقُ بعربيتهِ قالَ : ثَارَ فَضَجَّضَّجَّةً رَكائِبهْ فأَدغَم التاءَ في الضادِ
والظاءُ والثاءُ والذالُ يدغمنَ في الضادِ وذلكَ : احْفَضّرَمَةَ
وخُضَّرَمَةَ وابْعَضَّرَمَةَ ولا تُدغمُ الضادُ في الصادِ والسينِ والزايِ لإستطالةِ الضّادِ كما امتنعتِ الشينُ وهيَ قريبةٌ مِنها ولا تُدغمُ الصادُ وأُختاها في الضادِ فالضادُ لا تُدغمُ فيما تدغمُ فيها والبيانُ عربيٌّ جَيّدٌ وتدغُم الطاءُ والتاءُ والدالُ في الشينِ لإستطالتِها حينَ اتصلتْ بمخرجِها وذلكَ : اضْبشَّبَثاً وَانْقُشَّبَتاً والإِدغامُ في الضادِ أَقوى وتُدغمُ الظاءُ والذالُ والثاءُ في الشينِ لأَنَّهم أنزلوها منزلَة الضادِ وذلكَ قولُكَ : احْفَشَّنباءً وابْعَشَّنْباءَ وخُشَّنباءَ والبيانُ عربيٌّ جيّدٌ وهو أَجودُ منهُ في الضادِ
واعلَم : أَنَّ جَميعَ ما أَدغمتَهُ وهُوَ ساكنٌ يجوزُ لكَ فيهِ الإِدغامُ إذَا كانَ متحركاً كما تفعلُ ذلكَ في المثلينِ وحالهُ فيمَا يحسنُ فيهِ ويقبحُ الإِدغامُ ومَا يكونُ فيهِ حَسَنٌ وما كانَ خَفياً وهو بزنتهِ متحركاً قَبلَ أَنْ يخفى كحالِ المثلينِ وإذَا كانتْ هذهِ الحروفُ المتقاربةُ في حرفٍ واحدٍ ولَم يكنِ الحرفانِ منفصلين ازدَاد ثُقلاً واعتلالاً كمَا كانَ المثلان إذَا لم يكونا منفصلين أَثقل لأَنَّ الحرفَ لا يفارقهُ ما يستثقلونَ فَمِنْ ذلكَ قولُهم في ( مُثْتَرِدٍ ) : مُثَّرِدٍ وقَدْ ذُكِرَ بابُ ( افْتَعَلَّ ) في التصريفِ وما يُدغمُ منهُ وما يُبدلُ ولا يُدغمُ
ذِكرُ ما امتنَع مِنَ الحروفِ المتقاربةِ :
وهيَ تجيءُ علَى ضربينِ : منها ما يُدغمُ في مقاربهِ ولا يُدغمُ مقاربهُ فيهِ ومنها ما لا يدغمُ في مقاربهِ ويدغمُ مقاربهُ فيهِ
فالحروفُ التي تُدغمُ فيما قاربَها ولا يُدغمُ فيها مقاربُها : الهمزةُ والألفُ والواوُ لا تدغمُ وإنْ كانَ قبلَها فتحةٌ في شيءٍ من المقاربةِ وكذلكَ الواوُ لو كانتْ معَ هذهِ الياءِ التي ما قبلهَا مفتوحٌ مَا هُوَ مثلُها سواءٌ لأدغمتَها ولم تستطعْ إلاّ ذلكَ وإذَا كانتِ الواوُ قبلَها ضمةٌ والياءُ قبلَها كسرةٌ فهوَ أَبعدُ للإِدغامِ
الحروفُ التي لا تُدغمُ في المقاربة فيها : الميمُ والراءُ والفاءُ والشينُ
فالميمُ لا تُدغمُ في الباءِ لأَنَّهم يقلبونَ النونَ ميماً في قولهِم : العنبَرُ ومَنْ بِكَ وأَمَّا إدغامُ الباءِ في الميمِ فنحو : اصحَمَّطَراً تريدُ : اصْحَبْ مَطراً
والفاءُ لا تُدغمُ في الباءِ والباءُ تدغمُ فيها وذلكَ : اذْهَفَّي ذَلكَ
والرّاءُ لا تُدغمُ في اللامِ ولا في النونِ لأَنَّها مكررةٌ وتُدغمُ اللامُ والنونُ في الراءِ
والشِّينُ لا تُدغمُ في الجيمِ وتُدغمُ الجيمُ فيها
وجملةُ هَذا أنَّ حَقَّ الناقصِ أَنْ يُدغمَ في الزَّائدِ وحَقُّ الزائدِ أَنْ لا يُدغم َ في الناقصِ وأَصلُ الإِدغامِ في حروفِ الفمِ واللسانِ وحروفِ الحلقِ وحروفُ الشَّفةِ أَبعدُ مِنَ الإِدغامِ فَما أُدغمَ من الجميعِ فلمقاربةِ حروفِ الفَمِ واللسانِ
هَذا بابُ
الحرفِ الذي يُضارعُ بهِ حرفٌ من موضعهِ والحرف الذي يُضارعُ بهِ ذلكَ الحرفُ وليس مِنْ موضعهِ فأَمَّا الذي يُضارعُ بهِ الحرفُ الذي مِنْ مخرجهِ فالصادُ الساكنةُ إذا كانَ بعدَها الدالُ نحو : مَصْدَرٍ وأَصدَر والتقديرُ فما لم يمكن أَنْ يُعَلَّ ضارعوا بها أَشبهَ الحروفِ بالدالِ مِنْ مَوضعهِ وهيَ الزايُ
قالَ سيبويه : وسمعْنا الفصحاءَ يجعلونَها زاياً خالصةً وذلكَ قولُكَ في التَّصدير : التَّزديرُ وفي الفَصدِ : الفَزْدُ وفي أَصدرتُ : أَزدرتُ ولم يجسروا علَى إبدالِ الدالِ لأَنَّها ليستْ بزائدةٍ كالتاءِ في ( افتعلَ ) فإنْ تحركتِ الصادُ لم تُبْدل لأَنَّهُ قَدْ وقعَ بينَهما شيءٌ ولكنَّهم قَدْ يضارعونَ بهَا نحو صَادِ ( صدَقتُ ) والبَيانُ أَحْسَنُ فرُبّما ضارعوا بها وهيَ بعيدةٌ نحو : مَصادر والصِّرَاط لأَنَّ الطَاء كالدال والمضارعةُ هُنَا وإنْ بعدتْ كما قالوا : صَوِيقٌ ومَصَاليق فأَبدلوا السينَ صَاداً
والبيانُ هُنا أَحسنُ
فإنْ كَانَ موضعُ الصادِ سيناً ساكنةً أُبدلَت فقلتَ في التَّسدير : : التَّزديرُ وفي يُسدلُ ثَوبَهُ : يُزدلُ ثَوْبَهُ لأَنَّهُ ليسَ فِيها إطباقٌ يذهبُ والبيانُ فيها أَحسنُ وأَمّا الحرفُ الذي ليسَ من موضعهِ فالشينُ وذلكَ أَشْدَقُ فتضارعُ بهَا الزايَ والبيانُ أكثرُ وهذا عربيٌّ كثيرٌ والجيمُ أَيضاً يقولونَ في ( الأَجدر ) أَشدرُ ولا يجوزُ أَن يجعلَها زاياً خالصةً ولا الشينُ لأَنَّهما ليستا من مخرجِهما وقد قَالوا : اجدمعوا في اجتمعوا واجدَرَؤوا يريدونَ : اجتَرؤوا
هذاَ بَابُ ما يقلبُ فيهِ السينُ صاداً في بعضِ اللغَاتِ
تقلبُها القافُ إذا كانتْ بعدهَا في كلمةٍ واحدةٍ نحو صُقْتُ وَصَبَقْتُ والصَّمْلَقُ ولم يبالوا ما بينَ السينِ والقافِ مِنَ الحواجزِ وكذلكَ الغينُ والخاءُ يقولونَ ( صَالغُ ) في ( سَالغٍ ) وصَلَخ في ( سَلَخ ) فإنْ قلتَ : زَقَا وَزَلَقَ لم تغيرها لأَنَّها حرفُ مجهورٌ وإنَّما يقول : هذَا مِنَ العربِ بنو العنبرِ وقَالوا : صَاطعٌ في ( سَاطعٍ ) ولا يجوزُ في ذُقْتُها أن تجعلَ الذالَ ظاءً وأَمَّا الثاءُ والتاءُ فليسَ يكونُ في موضعهما هذا
هَذا بَابُ ما كانَ شَاذاً : مِمّا خَفَّفُوا على أَلسنِتِهم ولَيس بمطردٍ
فَمِنْ ذلكَ ( ستٌّ ) وأَصلُها ( سِدْسٌ ) أُبدلَ مِنَ السينِ تَاءً ثُمَّ أُدغمَ ومِنْ ذلكَ قولُهم : وَدٌّ إنما أَصلُهُ : وَتِدٌ وهيَ الحجازيةُ الجيدةُ ولكنَّ بني تميمٍ أسكَنُوا التاءَ فأَدغموا ولم يكنْ مطرداً لِمَا ذكرتُ مِنَ الإلتباسِ حتَّى تَجشموا : وَطْداً وَوَتْداً وكانَ الأَجودُ عندَهم : تِدَةٌ وطِدَةٌ وممّا بينُوا فيهِ ( عِتْدَانٌ ) وقَد قالوا : ( عِدّانٌ ) شبهوهُ ( بَوَدٍّ ) وقلما تقعُ التاءُ في كلامِهم ساكنةً في كلمةٍ قبلَ الدالِ
ومِنَ الشاذِّ : أَحَسْتُ وَمَسْتُ وَظَلْتُ فحذفُوا كمَا حذفوا التاءَ مِنْ قولِهم : يستطيعُ استثقلوا التاءَ مع الطاءِ وكرهوا أَنْ يدغموا التاءَ في الطاءِ فتُحركُ السينُ وهيَ لا تحركُ أَبداً ومَنْ قالَ : يسطيعُ فإنَّما زَادَ السينَ عَلَى ( أَطاعَ يُطِيعُ )
ومِنَ الشاذِّ : قولُهم : تَقَيْتُ يَتَقى ويَتسَعُ حذفُوا الفاءَ
لأَنَّ التاءَ تبقى متحركةً ومَنْ قالَ تَتقى يقدرُ أنَّهُ مخففٌ من اتّقَى ومَنْ قَالَ : تقى مثلُ تَرى يبدلُ التاءَ مِنَ الواوِ وقَالَ بعضُ العربِ : اسْتَخَذَ فلانُ أرضاً يريدُ : اتَّخذَ أَبدلوا السينَ مكانَ التاءِ كما أُبدلتِ التاءُ مكانَها في ( سِتٍّ ) ومثلُ ذلك قولُ بعض العربِ : اطَّجَعَ في اضْطَجَعَ كراهيةَ التقاءِ المُطبقينِ فأَبدلَ مكانَها أقربَ الحروفِ مِنها وفي ( اسْتَتْخَذَ ) قولٌ آخرُ أَنْ يكونَ ( استفعلَ ) فحذفَ التاءَ للتضعيفِ مِن ( اسْتَتْخَذَ ) كما حَذَفُوا ( لاَم ) ظَلْتُ
وقَالَ بعضهم : ( يَستيعُ ) في يستطيعُ فإنْ شِئْتَ قلتَ : حَذَفَ الطاءَ كمَا حذفَ لامَ ( ظَلْتُ ) وتركوا الزيادةَ كما تركوا في ( تُقَيتُ ) وإنْ شِئْتَ قلتَ : أبدلوا التاءَ مكانَ الطاءِ ليكونَ ما بعدَ السين مهموساً مِثْلَها كمَا قالوا : ازْدانَ ليكونَ ما بعدَهُ مجهوراً فأَبدلوا مِنْ موضِعها أشبهَ الحروفِ بالسينِ فأبدلوها مكانَها كما تبدلُ هيَ مكانَها في الإِطباق
ومِنَ الشاذِّ قولُهم في بني العنبر وبني الحارث : بلحرثُ وبِلعنبرُ فحذفتِ النونُ وكذلكَ يفعلونَ بكُلِّ قبيلةٍ تظهرُ فيها لاَم المعرفةِ فإذَا لم تظهرِ اللامُ فَلا يكونُ ذلكَ لأَنَّها لمّا كانتْ مِمّا كَثُرَ في كلامِهم وكانتِ اللامُ والنونُ قريبتي المَخارجِ حذفوها وشبهوها ( بِمَسْتُ ) لأنَّهما حرفانِ متقاربانِ ولم يَصِلُوا إلى الإِدغامِ كَما لم يصلوا في ( مَسِسْتُ ) لسكونِ اللامِ وهذَا أَبعدُ لأَنَّهُ اجتمعَ فيهِ أَنَّهُ منفصلٌ
وأَنَّهُ ساكنٌ لا يتصرفُ تَصرفَ الفعلِ حينَ تدركهُ الحركةُ ومثلُ هَذا قولُ بعضِهم : عَلْمَاءِ بنو فلانٍ فحذفوا اللامَ وَهُوَ يريدُ : عَلَى الماءِ بنو فلانٍ وهيَ عربيةٌ
بَابُ ضرورةِ الشَّاعرِ
ضرورةُ الشاعرِ أَن يُضطرَّ الوزنُ إلى حذفٍ أَو زيادةٍ أَو تقديمٍ أَوْ تَأْخيرٍ في غير موضعهِ وأبدالِ حرفٍ أَو تغييرِ إعرابٍ عَنْ وجههِ علَى التأويلِ أَو تأنيثِ مُذكرٍ علَى التأويلِ وليسَ للشاعِر أَنْ يحذفَ ما اتفقَ لَهُ ولا أَنْ يزيدَ ما شَاءَ بَلْ لذلكَ أُصولٌ يعملُ عليها فمنها ما يحسنُ أَنْ يستعملَ ويُقاس عَليهِ ومنها ما جاءَ كالشاذِّ ولكنَّ الشاعرَ إذَا فَعَلَ ذلكَ فلا بُدَّ مِنْ أَن يكونَ قَدْ ضارعَ شيئاً بِشيءٍ ولكنَّ التشبيهَ يخلتفُ فمنهُ قَريبٌ ومنهُ بَعيدٌ
ذِكرُ الذي يحسنُ مِنْ ذلكَ ويقاسُ عَليهِ
اعلَمْ : أَنَّ أَحسنَ ذلكَ ما رُدَّ فيهِ الكلامُ إلى أَصلِه وهوَ في جميعِ ذلك لا يخلُو مِنْ زيادةٍ أَو حذفٍ فالزيادةُ صَرفُ ما لا ينصرفُ وإظهارُ التضعيفِ وتصحيحُ المعتلِّ ويتبعهُ في الحُسنِ تحريكُ الساكنِ في القافيةِ بحركةِ ما قَبلهُ فإنْ كانَ في حشوِ البيتِ فهو عندي أَبعدُ وقطعُ أَلفِ الوصلِ في أنصافِ البُيوتِ
وأَمَّا الحذفُ : فَقَصْرُ الممدودِ وتخفيفِ المشدد
في القوافي فَأَمَّا ما لا يجوزُ للشاعرِ في ضرورتِهِ فَلا يجوزُ لَهُ أَنْ يلحنَ لتسويةِ قافيةٍ ولاَ لإِقامةِ وزنٍ بأَنْ يُحركَ مجزوماً أَوْ يسكنَ معرباً وليسَ لَهُ أَنْ يُخرجَ شيئاً عَنْ لفظِه إلاَّ أَنْ يكونَ يخرجهُ إلى أَصلٍ قَد كانَ لَهُ فيردهُ إليهِ لأَنَّهُ كانَ حقيقُتُه وإنَّما أَخرجَهُ عن قياسٍ لزمَهُ أَو اطرادٍ استمرَّ بهِ أَو استخفافٍ لِعلّةٍ واقعةٍ
الأَولُ مِنَ الضربِ : الأول
وهوَ صرفُ ما لا ينصرفُ للشاعرِ أَنْ يصرفَ في الشِّعرِ جميعَ ما لا ينصرفُ وذلكَ أَنَّ أَصلَ الأسماءِ كلِّها الصرفُ وذلكَ قولُهم في الشعرِ : مَررتُ بأَحمرٍ ورأيتُ أَحمراً ومررتُ بمساجدٍ يا فَتى كما قَالَ النابغة :
( فَلْتَاْتِيَنْكَ قَصائدٌ وَلْيَرْكَبنْ ... جَيْشٌ إليكَ قوادمَ الأَكوَارِ )
فقالَ قومٌ : كُلُّ شَيءٍ مما لا ينصرفُ مصروفٌ في الشعرِ إلاَّ أَفعلَ ( الذي معهُ مِنْ كذَا نحو : هَذا أَفعلُ مِنكَ ورأيتُ أَكرمَ مِنْكَ وذهبوا إلى أَنَّ ( مِنْكَ ) يقومُ مقامَ المضافِ إليهِ وهذَا مِنْهم خَطأٌ وإنَّما مُنعَ الصرفُ لأَنَّهُ ( أَفعلُ ) وتَمَّ ( بِمنْكَ ) نعتاً فَصارَ كأَحمَر أَلاَ ترىَ أَنَّكَ تقولُ : مررتُ بخير منكَ وشرٍّ مِنْكَ فمنكَ على حالِها وصرفتَ خيراً وشراً ) لأَنَّه قد نَقصَ عَنْ وزنِ ( أَفعلَ ) وقال قومٌ : يجوزُ في الشعرِ تركُ صرفِ ما ينصرفُ
قالَ محمد بن يزيد : وهذَا خَطأٌ عظيمٌ لأَنَّهُ ليسَ بأَصلٍ للأسماءِ أن لا تنصرفَ فتردٌّ ذلكَ إلى أَصلهِ قالَ : ومِمّا يحتجونَ بهِ قولُ العباسِ بن مرداس :
( أَتجْعَلُ نهبي ونَهبَ العُبيدِ بَيْنَ عُيَينَةَ والأَقرعِ ... )
( وما كانَ حِصْنٌ ولاَ حَابسٌ ... يًفُوقانِ مِرْدَاسَ في مَجْمَعِ )
وإنَّما الروايةُ الصحيحةُ ( يفوقانِ شيخيَ في مَجْمَعِ ) ومِنْ ذلكَ روايتهُم في هذَا البيت لذي الأصبعِ العدواني :
( ومَمِنْ وَلَدوا عَامرُ ذو الطُّولِ وذو العَرْضِ ... )
وإنَّمَا عامرُ اسمُ قبيلةٍ فيحتجونَ بقولِهِ ( وذو الطولِ ) ولم يقلْ ( ذَاتِ ) فإنَّما ردَّهُ للضرورةِ إلى ( الحَيِّ ) كَما قَالَ :
( قَامتْ تُبَكيّهِ عَلَى قَبْرِهِ ... مَنْ لِي مِنْ بَعدِكَ يَا عَامرُ )
( تَرَكْتَنِي في الدَّارِ ذَا غُربَةٍ ... قَدْ ذَلَّ مَنْ لَيْسَ لَهُ ناصرُ )
فإنَّما أرادَ للضرورة إنساناً ذا غربةٍ فهذَا نظيرُ ذلكَ وهذَا الذي ذكرَ أبو العباس كمَا قالَ : إنَّهُ القياسُ أَنْ يُردَّ للضرورةِ الشيءُ إلى أَصلِه ولكنْ لو صحتِ الرواية في تَركِ صرفِ ما ينصرفُ في الشعر لما كانَ حذفُ التنوينِ بأَبعدَ من حذفِ الواوِ في قوله : فَبنَياهُ يَشْرِي رَحلَهُ . . لأَنَّ التنوينَ زَائدٌ ولأَنَّه قد يحذفُ في الوقفِ والواوُ في ( هُوَ ) غيرُ زائدةٍ فلا يجوزُ حذفُها في الوقفِ كلاهُما رَديءٌ حذفُهما في القياسِ
قالَ أَبو العباس : فأَمَّا قَولُ ابن الرقياتِ :
( ومَصْعَبُ حينَ جَدَّ الأمرُ أَكثرُها وأَطَيبُها ... )
فزعَم الأصمعي : أَنَّ ابنَ الرقياتِ ليس بحجةٍ وأنَّ الحضريةَ أَفسدتْ عَلَيْه لغتَهُ قالَ : ومَنْ روى هذَا الشعرَ مِمَّنْ يفهمُ الإِعرابَ ويتبعُ الصوابَ ينشدُ :
( وأَنتمُ حينَ جَدَّ الأمرُ أكثرُها وأطيبُها ... )
قالَ : ومِنَ الشعراءِ الموثوقِ بهم في لغاتِهم كثيرٌ مِمَّنْ قد أَخطأَ لأَنَّهُ وإنْ كانَ فصيحاً فَقَدْ يجوزْ عليهِ الوهلُ والزللُ مِنْ ذلكَ قولُ ذي الرّمةِ :
( وقَفْنَا فقلنا إيهِ عَنْ أُم سَالمٍ ... ومَا بالُ تكليمِ الدّيارِ البلاقعِ )
وهذَا لا يعرفُ إلاّ منوناً في شيءٍ من اللُغاتِ وقَولُه :
( حَتَى إذَا دَوَمتْ في الأرضِ رَاجَعهُ ... كِبْرٌ وَلَو شَاءَ نَجّى نَفْسَهُ الهَرَبُ )
إنَّما يقالُ : دَوّى في الأرضِ ودَوّمَ في السَّماءِ كمَا قالَ :
( والشَّمْسُ حَيْرَى لَها في الجَوِّ تدويمُ ... )
فأمَّا ما يضطرُ إليه الشاعرُ ممنْ ينونُ الإسمَ المفردَ في النداءِ فَقد ذكرناهُ في النداءِ
الثاني مِنَ الضربِ الأَولِ :
وَهوَ إظهارُ التضعيفِ وَهوَ زيادةُ حركةٍ إلاَّ أَنَّها حركةٌ مقدرةٌ في الأصلِ يجوزُ في الشعرِ ولا يجوزُ في غيرِه تضعيفُ المدغمِ فيقولُ في ( رَدَّ ) : رَدَدَ لأَنَّهُ الأَصلُ ويقولُ في ( رَادٍّ ) : هذَا رَادِدٌ وفي ( أَصمّ ) أَصمم فاعلم
قالَ مَعْنَبُ بن أُم صَاحبٍ :
( مَهْلاً أَعَاذِلَ قَدْ جَرَّبْتِ مِن خُلُقي ... أَني أَجُودُ لأَقْوَامٍ وإنْ ضَنِنُوا )
يريدُ : ضنّوا وقال : آخرُ :
( الحَمْدُ للهِ العَليِّ الأَجْلَلِ ... )
يريدُ : الأَجَلِّ
وقالَ أبو العباس في قولِهم :
( قَدْ عَلمتْ ذاكَ بناتُ أَلْبُبِهْ ... )
يريدُ : بناتِ أَعقلِ هذَا الحي
وقال : ولا أُجيزُ هَذَا إلاَّ في الشعر كقولِكَ : ( ضَنِنُوا )
فأَمَّا في الكلامِ فلاَ يجوزُ إلاّ بَناتُ أَلبَّهْ
الثالثُ مِنَ الضربِ الأول :
وهوَ تصحيحُ المعتلِّ يجوزُ في الشعرِ وَلا يصلحُ في الكلامِ تحريكُ الياءاتِ المعتلةِ في الرفعِ والجرِّ للضرورة نحو قولِكَ في الشِّعر : هَذا قاضيٌ ومررتُ بقَاضيٍ لأَنَّهُ الأصلُ مِنْ ذلكَ قولُ ابن الرقياتِ :
( لاَ بَاركَ اللَّهُ في الغَوَانيِ هَلْ ... يُصْبِحْنَ إِلاّ لَهُنَّ مُطَّلَبُ )
وقال جرير :
( فَيِوماً يُجَازينَ الهَوى غَيْرَ مَاضِيٍ ... ويَوماً ترَى مِنْهنَّ غُوْلاً تَغَوَّلُ )
فهذِه الياءُ حكمُها على هَذا الشَرطِ أَن تفتحَ في موضعِ الجَرِّ إِذَا وقعتْ في اسم لا يَنصرفُ كما ترفعُ في موضِع الرفعِ فإِنْ اضطرَّ شَاعِرٌ إلى صَرفِ ما لا ينصرفُ حرّكها في موضعِ الجَر بالكسرِ ونَوَّنَها كما يَفعلُ في غيرِ المعتلِّ فأَجراها في جميعِ الأشياءِ مَجرى غير المعتلِّ وكذلكَ حكمُها في الأَفعالِ أَنْ ترفعَ في الياءِ والواوِ فتقولُ : زيدٌ يرميُكَ ويغزُوكَ كَما قالَ :
( أَلَمْ يَأْتِيْكَ والأَنباءُ تَنمِي ... بَمَا لاقَتْ لَبُونُ بني زِيَادِ )
هَذا جَزَمهُ مِنْ قولِه : ( هُوَ يَأَتيُكَ ) وأَمَّا الأَسماءُ فقولُه :
( قَدْ عَجِبَتْ مِني ومِنْ يُعَيْلِيَا ... لمَّا رأَتنْي خَلَقَاً مُقْلَوْلِياَ )
ففتحَ ( يُعيلى ) لأَنَّهُ لا ينصرفُ ولم يلحقهُ التنوينَ لأَنَّهُ جعلَهُ بمنزلةِ غيرِ المعتلِّ ومثلُ ذلكَ قولُه :
( أَبِيتُ عَلَى مَعَارِيَ فَاخِرَاتٍ ... بِهنَّ ملُوَّبٌ كَدَمِ العِبَاطِ )
فَهذَا لو أسكنَ فَقالَ : مَعَارٍ فَاخراتٍ لَمْ ينكسرِ الشعرُ ولكنْ فَرَّ مِنَ الزحافِ ومثلُ ذلكَ :
( فَلَو كانَ عبدُ اللهِ مَوْلىً هَجَوتُهُ ... ولكنَّ عبدَ اللهِ مَوْلَى مَوَاليا )
وأمَّا قولُ القائلِ :
( سَمَاءُ الإِلهِ فَوقَ سَبعٍ سَمَائِيَاَ . . ... . )
ففيهِ ثلاثةُ أشياءٍ
مِنْها أَنَّهُ جمَع ( سَماءً ) علَى ( فَعَائل ) كَما تجمعُ سحابةٌ علَى سَحائب وكانَ حَقُّ ذلكَ أَنْ يقولَ : سَمَايا فَبَلَغَ بِهِ الأَصل فقالَ : سَمَاءٌ ثم فَتَحَ فَجَعَلَهُ بمنزلةِ الصحيحِ
فقالَ سَمَايَ يا فَتى في موضعِ الجرِّ كما تقولُ سمعتُ برسَائلَ يا فَتى فردَّ ( سَمَايَا ) إلى الأصلِ مِنْ جهات رَدِّ الألفِ التي هيِ طرفٌ ( سَمَايَا ) إلى الياءِ فصارتْ ( سَمَايَ ) ثُمَّ رَدَّ الياءَ الأولى التي تلي الألفَ إلى الهمزةِ فصارتْ ( سَمَايَ ) ثُمَّ أَعربَ الياءَ إعرابَ الصحيحِ فلَمْ يصرفْ والياءُ في مثلِ هَذا الجمع يلحقُها التنوينُ فيقولُ : هؤلاءِ جَوارٍ فاعلَمْ ومررتُ بجوارٍ فاعلَم
ورأيتُ جَواريَ يا هَذا
الرابعُ : مِنَ الضربِ الأَولِ :
مِنَ الزيادةِ وهوَ قطعُ أَلفِ الوصلِ في أنصافِ البيوتِ يجوزُ ابتداءُ
الأَنصافِ بأَلفِ الوصلِ لأّنَّ التقديرَ الوقفُ علَى الأنصافِ التي هيَ الصدور ثُمَّ تستأنفُ ما بعدَها فَمِنْ ذلكَ قولُ لَبيدٍ :
( ولاَ يبادرُ في الشِّتَاءِ ولِيدُنا ... أَلقْدَرَ يُنزلُها بِغَيْرِ جِعَالِ )
وقالَ :
( أَو مُذْهَبٌ جُدَدٌ علَى أَلْوَاحِهِ ... أَلنَّاطِقُ المَزْبُورُ والمَخْتُومُ )
وقالَ :
( لا نَسَبَ اليومَ وَلاَ خُلَّةً ... إتَّسَعَ الخَرْقُ علَى الراقِعِ )
ويقبحُ أَنْ يُقَطعَ أَلفُ الوصلِ في حشوِ البيتِ ورُبّما جَاء في الشعرِ وهوَ رَديءٌ
الضربُ الثاني : مِمّا يستحسنُ للشاعرِ إِذَا اضطر أَنْ يحذفَهُ :
الحذفُ نوعان :
الأولُ : قَصْرُ الممدودِ لأَنَّ المدَّ زيادةٌ فإذا اضطر الشاعرُ فقصرَ فَقَدْ رُدَّ الكلامَ إلى أصله وليسَ له أَن يمدَّ المقصورَ كما لم يكنْ لَهُ أَن لا يصرفَ ما ينصرفُ لأَنَّهُ لو فعلَ ذلكَ لأَخرجَ الأَصلَ إلى الفرعِ والأُصولُ ينبغي أَن تكونَ أَغلبَ مِنَ الفروعِ وهوَ في الشعرِ كثيرٌ ولكنْ لا يجوزُ أَن يمُدَّ المقصور
الثاني : تخفيفُ المشددِ في القوافي :
يجوزُ تخفيفُ كُل مشددٍ في قافيةٍ لأَنَّ الذي بقيَ يدلُّ علَى أَنَّهُ قد حُذِفَ منهُ مثلُه لأَنَّ المشدد حرفانِ وإِنّما اقتطعتْهُ القافيةُ لأَنَّ الوزنَ قد تَمَّ فَمنْ ذلكَ قولُه :
( أَصَحَوْتُ اليومَ أَمْ شاقَتْكَ هِرْ ... )
ومثله :
( حتَّى إذَا ما لم أَجدْ غَيرَ الشَّرِي ... كُنْتُ امرأً مِنْ مَالِك بِن جَعْفَرِ )
لا بُدَّ مِنْ تخفيفِ ياءِ الشرى ومثلُ هَذا :
( قَتَلْتُ عِلباءً وهندَ الجَمَلي ... وابناً لصُوحانَ علَى دِيْنِ عَلَي )
وقَدْ ذكَرنا في القوافي ما يجوزُ تحريكُ الساكنِ فيه للقافيةِ فَما يجوزُ في الشعرِ ولا يكونُ في غيرهِ فمنه أَنْ يكونَ الإسمُ على ثلاثةِ أَحرفٍ مسكنِ الأَوسطِ فتحركهُ بالحركةِ التي للحرفِ الأَولِ وذلكَ أَنْ يكونَ علَى ( فِعْلٍ ) أَو ( فَعْلٍ ) أو ( فُعْلٍ ) فتحركُ للضرورة
قالَ زهير :
( ثُمَّ اسْتَمرُّوا وقالوا : إنَّ مشرَبكم ... مَاءٌ بشَرقيّ سَلْمَى فَيْدُ أو رَكَكُ )
وإنّما اسمُ الموضعِ ( رَكَّ ) ومثلُ ذلك قول رؤبة :
( هاجَكَ مِنْ أرْوَى كمنهاضِ الفَكَكْ ... )
وإنّما هوَ ( الفَكُّ ) يقالُ : فَكَّهُ يفكهُ فكّاً وقالَ آخَرُ :
( يَلْعَجُ الجِلَدَا . . ... . )
يريد الجِلْدَ فحركَ اللامَ لإِتباعِ ما قبلَها وقَد فَعَل رؤبةُ ما هو أَشدٌّ مِنْ هَذا قالَ :
( وَلَمْ يضِعْهَا بينَ فِرْكٍ وعَشَقْ ... )
يريدُ : عِشْقٌ فكانَ حكمُ هَذا في الضرورةِ أَنْ يقولَ : عِشْقٌ ولكنَّهُ كَره الجمعَ بينَ كسرتينِ لأَنَّ هذَا عَزيزٌ في الأَسماءِ
فلو قالَ : ( الجلَدُ ) كما قالَ رؤبة لكانَ حسناً كما يفعلونَ بالجمعِ بالتاءِ في غيرِ الضرورةِ فيقولون في المضموم والمكسورِ : ظُلْمةٌ وظُلُماتٌ كِسْرَةٌ وكِسِراتٌ وإنْ شَاءوا فَتحوا لتوالي الكَسراتِ والضَّماتِ
ذِكرُ ما جاءَ كالشاذِّ الذي لا يقاسُ عليهِ :
وهوَ سبعةُ أنواعٍ : زيادةٍ وحذفٍ ووضعِ الكلامِ غيرِ موضعهِ وإبدالِ حرفٍ مكان حرفٍ وتغييرِ وجهِ الإعراب للقافية تشبيهاً بمَا يجوزُ وتأنيثِ المذكرِ على التأويلِ وهوَ زيادةٌ إِلاّ أنّا أفردناها لِمَعناها
الأولُ : الزيادةُ : فَمِنْ ذلكَ أَنْ ينقصَ الوزنُ فيحتاجُ الشاعرُ إِلى تَمامهِ فيشبعُ الحركةَ حتى يصيرَ حرفاً وذلكَ نحو قولِه :
( نَفْيَ الدَراهيمِ تَنْقَادُ الصَّيَاريْفُ ... )
وقالَ محمد بن يزيد : إِنّما نظر إلى هذه الياءاتِ التي تقعُ في هَذا المكانِ في الجمعِ فإِذَا هيَ تقعُ لعللٍ
إمّا أَنْ تكونَ كانتْ في الواحدِ فرجعتْ في الجمع نحو : مِصْباحٍ ومَصَابيحٍ وقِنديلٍ وقَنَاديلٍ وجُرموقٍ وجَرَاميق وإِمَّا وقعتْ لشيءٍ حذفتهُ مِنُ الإسمِ فجعلتَها عوضاً وذلكَ قولُكَ في ( مُنطلقٍ ) : مَطَالقُ حُذفتِ النونُ لزيادتِها شئتَ قلتَ ( مَطَاليقُ ) فجئتَ بالياءِ عوضاً وذلكَ أنَّ الكسرةَ تلزمُ هذَا الموضعَ فوضعتَ العوضَ مِنْ جنسِ الحركةِ اللازمةِ فلمَّا اضطرَّ أَدخلَ هذِه الياءَ تابعةً للحركةِ وإِنْ لم تكنْ للواحدِ وجعلَ الصورةَ بمنزلةِ ما عُوضَ للكسرةِ منهُ وقَد كانَ يستعملُ هَذا في الكلامِ تشبيعاً للكسرةِ في غيرِ موضعِ العوضِ ولا الضرورةِ وذلكَ قولُكَ : دَانقٌ ثُمَّ تقولُ : دَوانيقُ وتقولُ في جمعِ ( خَاتمٍ ) : خَواتيمُ
الثاني : إجراؤهم الوصلَ كالوقفِ :
مِنْ ذلكَ قولُهم في الشعرِ للضرورةِ في نَصبِ ( سَبْسَبٍ وكَلْكَلٍ ) : رأَيتُ سبسبّاً وكَلْكلاً ولا يجوزُ مثلُ هَذا في الكلامِ إِلاّ أن يقولَ : رأيتُ سَبْسَبَّاً وكَلْكَلاً وإِنَّما جازَ هَذا في الضرورةِ لأَنَّك كنتَ تقولُ في الوقفِ في الرفعِ والجرِّ : هَذا سَبْسَبٌّ ومررتُ بسَبْسَبٍّ فتثقلُ لتدلَّ علَى أَنَّهُ متحركُ الآخرِ في الوصلِ لأَنَّكَ إِذا ثقّلتَ لم يحزْ أَنْ يكونَ الحرفُ الآخرُ
إلاّ متحركاً لأَنَّهُ لا يلتقي ساكنانِ قلَّما اضطرَ إِليه في الوصلِ أَجراهُ على حالهِ في الوقفِ وكذلكَ فُعلَ بهِ في القوافي المجرورةِ والمرفوعةِ في الوصلِ فَمِنْ ذلكَ قولُه :
( إنْ تَنْجَلِي يَا جُمْلُ أَو تَعْتَلِّي ... أَو تُصْبِحي في الظّاعِنِ المُولَى )
ثُمَّ قالَ :
( ببَازلٍ وِجْنَاءَ أَو عَيْهَلِّ ... )
فثَّقل وقَالَ :
( كأنَّ مَهواهَا على الكَلْكَلِّ ... مَوضعُ كَفَّيِّ رَاهبٍ يُصَلّي )
وقالَ في النصبِ :
( ضَخْمٌ يُحبُّ الخُلُقَ الأَضْخَمَّا . . ... . )
فهذَا أَجراهُ في الوصلِ علَى حدهِ في الوقفِ
الثالث منها : ومِنْ ذلكَ إدخالُ النونِ الخفيفةِ والثقيلةِ في الواجبِ نحو قولهِ :
( رُبَّمَا أَوفيتُ في عَلَمِ ... تَرْفَعَنْ ثَوبي شَمَالاَتُ )
وهذا قديمٌ يقولهُ جذيمةُ الأبرش
الرابعُ منها : ومِنْ ذلكَ إثباتُ الأَلفِ في ( أَنا ) في الوصلِ وإنَّما يثبتُ في الوقفِ روَى الأعشى :
( فكيفَ أَنا وانْتِحَالي القَوافي ... بَعْدَ المشيبِ كَفَى ذَاكَ عَارا )
فأثبتَ الألفَ ووصلَ واحتجَّ النحويونَ بأَنَّ الألفَ منقلبةٌ مِنْ ياءٍ أَوْ وَاوٍ فَردوا ما ذهبَ مِنَ الإسمِ
قالَ أبو العباس : هذَا لا يصلحُ لأَنَّهُ لَو كانَ كما يقولونَ لم تقلبِ الياءُ والواوُ أَلفاً لأَنَّهما لا يكونانِ إلاّ ساكنينِ لأَنَّ هذَا اسمٌ مضمرٌ مبنيُّ فلاَ سبيلَ إلى القلبِ فمنْ هَا هُنا فَسدَ ولِهَذا كانتِ الألفُ في جميعِ الحروفِ التي جاءتْ لمعنىً أَصلاً لأَنَّها غيرُ منقلبةٍ لأَنَّ الحروفَ لا حَقَّ لهَا في الحركةِ وإنَّما هيَ مسكَنةٌ فلا تكونُ أَلِفاتُها منقلبةً وذلكَ : حَتى وأَمّا وإلاَ ومَا أَشبهها هذهِ أَلفاتُها مِنَ الأصلِ غيرُ منقلبةٍ والإسمُ والفعلُ الألفُ فيهما لا تكونُ أصلاً
قالَ أبو العباس : وروايةُ البيتِ :
( فكيفَ يكون انتحالي القوافي بعد المشيب . . ... . )
الثاني : الحذفُ :
الأول : منهُ حذفُ التنوينِ لإلتقاءِ الساكنينِ نحو قولِه :
( فأَلْفَيْتُهُ غَيْرَ مُسْتَعْتِبٍ ولاَ ذَاكر الله إلاّ قَلِيلاً ... )
وأَقبحُ منهُ حذفُ النونِ . قالَ الشاعرُ :
( فَسْتُ بآتيهِ ولا أَسْتَطيعُهُ ... وَلاَكِ اسقِني إنْ كانَ مَاؤُكَ ذَا فَضْلِ )
الثاني منه :
أَنْ تحذفَ للإِضافةِ والألفِ واللامِ ما كنتَ تحذفهُ للتنوينِ لأَنَّ هذه الأَشياءَ تتعاقبُ . قالَ الشاعر :
( كَنَواحِ رِيْشِ حَمَامَةٍ نَجْدِيَّةٍ ... وَمَسَحْتِ باللَّثَتَينِ عَصْفَ الإِثمِدِ )
فحذفَ الياءَ من ( نواحِي ) لمَّا أَضافها إلى ( ريشٍ ) كمَا كانَ يحذفُها معَ التنوينِ وأَما حذفُها مَع الأَلفِ فنحو قولِهِ :
( وأَخُو الغَوَانِ مَتَى يَشأ يَصْرِمْنَهُ ... ويَصِرنَ أَعداءً بُعَيدَ وِدِادِ )
الثالثُ منه : ما رُخّمَ في غَيرِ نداءٍ :
قالَ زهير :
( خُذوا حظَّكُم يَا آلَ عِكْرِمَ واذْكُرُوا ... أَوَاصرَكمْ والرَّحْمُ بالغَيْبِ تُذْكَرُ )
يريدُ : عِكْرمةَ وقَالَ :
( إنَّ ابنَ حَارثَ إنْ أشتَقْ لرُؤيتهِ ... أَو أَمتَدِحْهُ فإنَّ الناسَ قَد عَلِمُوا )
يريدُ : ابنَ حَارثةَ وهذَا كثيرٌ . وقالَ في قولِه :
( قَواطِنَاً مَكَّةَ مِنْ وُرْقِ الحَمِي . . ... . )
إنهُ حذفَ الميمَ التي هيَ لامُ الفعلِ وقلبَ ألفَ الحمامِ ياءً وأَحَسنُ مَا قِيلَ فيهَ إنَّ الشاعرَ لمَّا اضطرَّ حذفَ الأَلفَ مِنَ الحمامِ لأَنَّها مَدةٌ كمَا تحذفُها مِنْ سَائرِ المدودِ فصارَ الحَمِمُ فلزمهُ التضعيفُ فأَبدلَ مِنْ إحدى الميمينِ ياءً كمَا فَعلوُا في ( تَظَنيْتُ )
الرابعُ منهُ أَن تحذفَ مِنَ المكني في الوَصلِ :
كَمَا كنتَ تحذفُه في الوقفِ إلاّ أَنهُ تبقى الحركةُ دَالةً على المحذوفِ فَمِنْ ذلكَ قولُه :
( فإِنْ يَكُ غَثَّاً أَوْ سَميناً فإنني ... سأَجْعَلُ عِينيهِ لِنَفْسِهِ مَقْنَعَا )
وقالَ :
( ومَا لَهُ مِنْ مَجدٍ تَليدٍ وَلاَ لَهُ ... مِنَ الريحِ فَضْلٌ لاَ الجُنوبِ ولا الصّبَا )
فالواوُ والياءُ في هذا زوائدُ في الوصلِ فحذفها لمّا احتاجَ وأَبعدُ من هذَا قولهُ :
( فبيناهُ يَشْري رَحلَهُ قالَ قَائلٌ ... لِمَنْ جَمَلٌ رَخو الملاطِ نَجيبُ )
فإنَّ هذَا حذفَ الواوَ مِنْ هُوَ والمنفصلُ كالظاهرِ تقفُ علَى الواوِ ولا يجوزُ حذفُها فيبقى الإسمُ علَى حرفٍ وَهوَ اسمٌ يجوزُ الإبتداءُ بهِ ولا كلامَ قَبلَهُ ومثلهُ :
( دَارٌ لِسُعْدَى اذهِ مِنْ هَوَاكا . . ... . )
وقَد جَاءَ في الشعرِ حذفُ الياءِ والواوِ الزائدةِ في الوصلِ معَ الحركةِ كمَا هيَ في الوقفِ سَواءٌ قالَ رجَلٌ مِنْ أَزد السراةِ :
( فَظِلتُ لدى البيتِ العَتيقِ أُخليهُ ... ومَطْوايَ مَشتاقانِ لَهُ أَرِقَانِ )
الخامسُ : منهُ حذفُ الفاءِ مِنْ جَوابِ الجزاءِ
وذلكَ قولُ ذي الرمة :
( وإنيّ مَتَى أُشْرِفْ عَلَى الجَانبِ الذي ... بهِ أَنْتِ مِنْ بَينْ الجَوانبِ ناظِرُ )
هُوَ عندَ سيبويه على تقديم الخبرِ نَاظرٌ متى أَشرفُ
وأَجاز أَيضاً أَنْ يكونَ على إضمارِ الفاءِ والذي عندَ أَبي العباس وعندي فيه وفي مثالِه أَنَّهُ على إضمارِ الفاءِ لا غير لأَنَّ الجوابَ في مَوْضِعِهِ فَلا يجوزُ أَنْ تنوي بهِ غيرَ موضعِه إذَ وُجدَ لَهُ تأَويلٌ ومثلُه :
( يا أَقْرَعُ بن حَابسٍ يا أَقْرَعُ ... إنَّكَ إنْ يُصْرَعْ أَخوكَ تُصْرَعُ )
فهذاَ على ما ذكرتُ لكَ وكذلكَ قولهُ :
( فَقلتُ تَحَمَّلْ فوقَ طَوقِكَ إنَّها ... مُطَبَّعةٌ مَنْ يأتِها لا يَضيرُها )
أَرادَ : لا يضيرها مَنْ يأتِها وإنَّك تصرعُ إنْ يصرعْ أَخوكَ عندَ سيبويه وَهْوَ عندنا على إضمارِ الفاءِ
فأَمَّا قولهُ :
( مَنْ يَفعلِ الحَسَناتِ اللُه يشكُرُها ... والشرُّ بالشَّرِّ عند اللِه مِثْلانِ )
فإنّهُ عَلَى إضمارِ الفاءِ في كُلِّ قَولٍ
السادسُ : منهُ ما حُذفَ مِنهُ المنعوتُ وذُكرَ النعتُ :
اعلَم : أَنَّ إقامةَ النعتِ مقامَ المنعوتِ في الكلامِ قبيحُ إلاّ أَنْ يكونَ
نعتاً خاصاً يخصُّ نوعاً مِنَ الأَنواعِ كالعاقِل الذي لا يكونُ إلا في الناسِ والكاتبِ ومَا أَشبهَ ذلكَ مِمّا تقعُ بهِ الفائدةُ ويزولُ اللبسُ فإذَا اضطرَ الشاعرُ فلَهُ أَن يقيمَ الصفةَ مقامَ الموصوفِ و ( الذي ) وضعتْ ليوصفَ بِها معَ صلتِها فَمِن قبيحِ ما جاءَ في ضرورةِ الشّاعر قولُه :
( مِنْ أَجلكِ يالتي تَيُّمْتِ قَلبي ... وأنْتِ بَخيلةٌ بالوُدِّ عَني )
فأَدخلَ ( يا ) علَى ( التي ) وحرفُ النداءِ لا يدخلُ علَى ما فيهِ الأَلفُ واللامُ إلا في اسمِ اللهِ عز و جلَّ وقَدْ مضى ذِكرُ ذَا فشبهَ الشاعرُ الألفَ واللامَ في ( التي ) باللامِ التي في قولِكَ ( الله عز وجَلَّ ) إذ كانتا غيرَ مفارقتينِ للإسمينِ
الثالثُ : مما جاءَ كالشاذِّ وهوَ وضعُ الكلام فِي غيرِ مَوضعهِ وتغيير نضده :
أَحسنُ ذلكَ قلبُ الكلامِ إذَا لَمْ يُشكلْ فِمِنْ ذلكَ قولُه :
( تَرى الثَوْرَ فيها مُدخلَ الظِّلَّ رأَسَهُ ... وسَائرهُ بَادٍ إلى الشَمْسِ أَجْمَعُ )
فالمعنى : مُدْخِلُ رأسهِ الظلّ ولكنْ جعلَ الظلَّ مفعولاً على السعةِ وأَضافَ إليهِ والنحويونَ يجيزونَ مثلَ هذَا في غيرِ ضرورةٍ فيقولونَ :
( يَا سارِقَ الليلةِ أَهلَ الدارِ ... )
فَأمَّا الذي يبعدُ فنحو قولِهِ :
( مِثلُ القَنَافذِ هَدّاجونَ قَدْ بَلَغَتْ ... نَجْرانَ أَو بَلَغتْ سَوآتِهم هَجَرُ )
فجعلَ ( هَجَر ) في اللفظِ هِيَ التي تبلغُ السوآتِ لأَنَّ هذَا لا يشكلُ ولا يحيلُ والفرقُ بينَ هَذا وبينَ البيتَ الذي قَبْلَه أَنَّ ذاكَ قُدِّمَ فيهِ المفعولُ الثاني على المفعولِ الأولِ وَهْوَ غيرُ مُلْبسِ فَحَسُنَ لأَنَّهُ يجوزُ أنْ تضيفَ ( مدخلَ ) إلى ( رأسِه ) ولا تذكرُ ( الظلّ ) وتضيفهُ إلى ( الظلّ ) ولا تذكرُ ( رأَسَهُ ) وهذَا خِلافُ ذلكَ لأَنكَ جعلتَ الفاعلَ فيهِ مفعولاً والمفعولَ فاعلاً وينشدونَ في مثلهِ :
( وتَشْقَى الرِّماحُ بالضَّياطِرةِ الحُمْرِ . . ... . )
وإنّما يشقى الرجالُ وقَدْ يحتملُ المعنى غيرَ ما قالوا ( قد شقى الخزُّ بفلانٍ ) إذْ لم تجعلْهُ أَهلاً لَهُ فهذَا على السعةِ والتمثيلِ يكونُ المعنى : قَدْ شَقيَ الرمحُ بأبدانِ هؤلاءِ وكقولِهم : أتعبتُ سيفي في رقابِ القومِ إني فعلتُ بهِ ما إذا فَعَل بِمَنْ يجوزُ عليهِ التَّعَبُ تَعِبَ
فأَمَّا قَولُ الله عزَ وجَلّ :
( مَا إنَّ مَفَاتِحَهُ لتَنُوءُ بِالعُصْبَةِ ) فَقَدْ احتملَهُ قومٌ علَى مثلِ هَذا وقالوا : إنَّما العصبةُ تنوءُ بالمفاتيحِ وتحملُها في ثِقْلٍ
قالَ أبو العباس : وليسَ هكذا التقديرُ إنَّما التقديرُ : لتنوء بالعصبةِ : أَي : تجعلُ العصبةَ مثقلةَ كقولِكَ : انْزلْ بِنَا أَي : اجعلنَا ننزل معكَ وكقولِكَ : ارْحَلْ بِنَا يا فلانُ أَي : اجعلْنَا نرحلُ مَعك ومثلهُ قولُ ابن الخطيمِ :
( دِيارُ التي كَادتْ ونَحنُ علَى مِنَىً ... تَحلُّ بِنَا لَوْلاَ نَجَاءُ الرَّكَائِبِ )
أي : تجعلنا نحلُّ لا أَنَّها هيَ تنتقل إلينا ومِنْ هَذا البابِ قَولُ الشَاعرِ :
( صَدَدْتِ فأطْوَلْتِ الصُّدودَ وقَلّما ... وصالٌ علَى طُولٍ الصُّدودِ يَدُومُ )
والكلامُ : قَلَّ ما يدومُ وِصالٌ ولَيْسَ يجوزُ أَن يرفع ( وصالٌ ) بيدومُ وقَد أَخَّرهُ ولكنْ يجوزُ هَذا عندي على إضمارِ ( يكونُ ) كأنهُ قالَ : قُلَّ ما يكونُ وصالٌ يدومُ على طولِ الصدودِ وحَقّ ( مَا ) إذا دخلتْ كافةً في مثلِ هذا الموضعِ فإنَّما تدخلُ ليقعَ الفعلُ بعدَها وكذلكَ يكونُ معَ الحرفِ نحو : (
رُبَّمَا يَوَدُّ الذِينَ كَفَرُوا ) وإنّما يقومُ زيدٌ وما أَشبهَ ذلكَ مِما لا
يجوزُ أَن يليَهُ الفعلُ فإذَا كُفَّ ( بِمَا ) وبُنيَ معهَا وَلِيَهُ الفِعْلُ ومِنْ هَذا البابِ قولُ الفرزدق :
( وَمَا مِثْلُه في النَّاسِ إلا مُمَلكاً ... أَبو أُمهِ حَيٌّ أَبوهُ يُقَاربُه )
يريدُ : مَا مثلُه في الناسِ حَيٌّ يقاربهُ إلاّ مُملكٌ أَبو أُمِ ذلكَ المملكِ أَبوهُ ولكنْ نصبَ مملكاً حيثُ قَدَّمَ الإستثناءَ ومِنْ هذَا فصلُهم بالظرفِ بينَ المضافِ والمضافِ إليهِ نَحو قولِه :
( كَمَا خَطَّ الكتابُ بكفِّ يَوماً ... يهوديٍّ يقارِبُ أَو يُزِيلُ )
وكقول الآخر : للهِ دَرُّ اليومَ مَنْ لامها
الرابعُ : هو إبدالُ حرفِ اللينِ مِنْ حرفٍ صحيحٍ :
اعلَمْ : أَنَّ الشاعرَ يضطر فيبدلُ حروفَ اللينِ مِنْ غيرِها كَما قَالَ :
( لهَا أَشاريرُ مِنْ لَحْمٍ تُتمِّرُهُ ... مِنَ الثَّعِالي وَوَخْزٌ مِنْ أرانِيها )
يريدُ ( الثعالبَ وأرانبَها ) فكانَ الشعرُ ينكسر لو ذكرَ ( الباءَ ) في الثعالبِ وتفسدُ القافيةُ لأَنَّ رويَهُ الياءُ فابدلَ الباءَ لأَنَّ الحركةَ لا تدخلُها فينكسرُ الوزنُ فكذلكَ أَبدلَ ياءً في ( الحَمِي ) وهو يُريدُ ( الحَمامَ ) ومِنْ قبيحِ ما جَاءَ في الضرورةِ عندَ النحويينَ
قالَ أبو بكر : وهو عندي لا يجوز ألبتَة بوجه من الوجوه شعر ينشدونه يجعلون فيه الألف التي هي بدل من التنوين بمنزلة هاء التأنيث فيظهرون الياء قبلها كما يقولون : شقاية وشقاوة وذلك قوله :
( إذَا ما المرءُ صُمَّ فَلَم يُكَلَّمْ ... وأَعيَا سَمْعُهُ إلا نَدَايا )
( ولاعَبَ بالعَشي بني بنيهِ ... كفعلِ الهرِّ يَلْتَمِسُ العظَايَا )
( يلاعبُهم ووَدوا لو سَقوهُ ... مِنَ الذِّيفانِ مُترَعةً إنَايَا )
( فأَبعدهُ الإِلهُ ولا يُؤتَى ... ولا يُعَطّى مِنَ المَرضِ الشِّفَايَا )
قالَ أبو العباس : فَمَنْ أَجازَ هذا فلا ضرورةَ لَهُ في إجازتهِ إلاّ الروايةُ وَهوَ أَحقُّ كلاَمٍ بِالرفعِ وأَولى قَولٍ بالردِّ وإنَّما حقٌّ هَذا الشعرِ أَنْ يكونَ مهموزاً فيقولُ : ولا يُعَطّى مِنَ المرض الشِّفَاءَ وكذلكَ العَظَاءَ وَأَعْيَا سمعهُ إلا النداءَ ومِنْ ذلكَ إبدالُ الهمزةِ في الموضعِ الذي لا يقومُ فيهِ الشعرُ بتحقيقهِ ولا تخفيفهِ فإنْ كانَ مفتوحاَ جُعِلَ ألفاً وإنْ كانَ مكسوراً جُعِلَ ياءً وإنْ كانَ مضموماً جُعِلَ واواً نحو قول الفرزدقِ :
( رَاحَتْ بِمَسْلَمَةَ البغالُ عَشِيَّةً ... فأرْعَى فَزَارةُ لاَ هَنَاك المَرْتَعُ )
وقالَ حسانُ بن ثابت :
( سَاْلَتْ هُذَينٌ رسولَ اللَّهِ فَاحِشَةً ... ضَلَّتْ هُذيلُ بمَا قَالتْ ولَم تُصِبِ )
وقالَ زيدٌ بن عمرو بن نُفيلٍ :
( سَاْلَتاني الطَّلاقَ إنْ رأتاني ... قَلَّ مالي قَدْ جِئْتُمَاني بِنُكْرٍ )
فهذانِ لَيْسَ من لغتِهما ( سِلْتُ أسأْلُ وسِلْتُ أسْالُ ) لغة مِنْ
غيرِ هَذا الأَصلِ ( كخِفْتُ أَخاف ) في التقديرِ والوزنُ ليسَ مِنْ أَصلِ الهمزةِ ويقولُ : هُمْ يتساولانِ كقولِكَ : يَتقاولانِ ومِنَ الهمزةِ المبدلةِ للضرورةِ :
( لاَ يرهبُ ابنُ العمِّ مَتَى صَوْلَتي ... ولا أَخْتَتِي مِن صَوْلةِ المُتَهَدّدِ )
وإنَّما يقالُ ( اخْتَتأتُ إذا استترتُ مِنْ خضوعٍ وفَرَقٍ )
الخامسُ : تغيرُ وجهُ الإِعرابِ للقافيةِ :
مِنْ ذلكَ إدخالُ الفاءِ في جوابِ الواجبِ ونصبُ ما بعدَها وهذَا لا يجوزُ في الكلامِ وإنَّما ينصبُ ما بعدَها إذا كانَ مخالفاً لما قبلهَا وذلكَ إذا كانتْ جواباً لأمرٍ أَو نهيٍ أَو تَمنٍّ أَو استفهام أَو نفيٍ قالَ الشاعرُ :
( سأَتركُ مَنْزِلي لبَني تَمْيمٍ ... فألحقُ بالحِجَازِ فاسترِيحَا )
وقالَ طرفةُ :
( لَنا هضْبَةٌ لاَ يَدْخلُ الذَّلُّ وسطَها ... ويأوي إليها المُستِجيزُ فَيُعصَما )
وإنّما كانَ النصبُ فيما خالفَ الأَولَ على إضمار ( أَنْ ) إذا قالَ : ما تأتني فتُكرِمَنِي كأَنَّه قالَ : ما يكونُ مِنكَ إتيانٌ فأَنْ تكرِمَني فإذَا قالَ : أَنتْ تأتيني فتكرُمني فهوَ كقولِكَ : أَنتَ تأتيني وأَنْتَ تكرِمُني فإذَا نَصَبَ للضرورةِ كانَ التقديرُ : أَنْتَ يكونُ مِنكَ إتيانٌ فأَنْ تكرمَني ومِنَ الضروراتِ وهوَ مِنْ أَحسنِها في هَذا البابِ
وقاَلَ أبو العباس : لو تَكلمَ بها في غيرِ شعرٍ لجازَ ذلكَ قولهَ :
( قَد سَالمَ الحياتِ منهُ القَدَمَا ... الأُفعُوانَ والشُّجاعَ الشَّجْعَمَا )
( وذاتَ قَرنينِ ضَمُوزاً ضِرْزَمَا ... )
لأَنهُ حينَ قالَ : ساَلمَ الحياتِ منهُ القَدَما عُلِمَ أَنَّ القدمَ مُسَالِمةٌ كَما أَنَّها مُسَالَمَةٌ فنصبَ الأُفعوانَ بأَنَّ القدمَ سَالمتْها لأَنكَ إذا قُلتَ : سَالمتُ زيداً وضَاربتُ عمراً فَقَدْ كانَ مِنكَ مِثلُ ما كانَ إليكَ فإنَّما صَلُحَ هَذَا لإستغناءِ الكلامِ الأولِ فحملت ما بعدَهُ بعدَ اكتفاءِ الكلامِ علَى ما لا ينقضُ معناهُ وقَدْ قرأَ بعُضُ القراءِ : ( وَكَذلِكَ زُيِّنَ لكَثِيرٍ مِنَ المُشْرِكِينَ قَتْلُ أوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهم ) لمّا استغنى الكلامُ بقولِه : قَتْلُ أولادِهم حملَ الثاني على المعنى أَي : ( زَينهُ شركاؤُهم ) فَعَلى هذا تقولُ : ضُرِبَ زيدٌ عبدُ الله لأَنكَ لمّا قلتَ : ضُرِبَ زيدٌ عُلِمَ أَنَّ لَهُ ضارباً فكأَنكَ قلتَ : ضَربهُ عبدُ الله . وعلَى هذَا ينشد :
( لِيُبكَ يَزيدٌ ضَارعٌ لِخُصومَةٍ ... )
ومِنْ هَذا البابِ قولُ القطامي :
( فكرتْ تَبتغيهِ فَوَافَقَتْهُ ... علَى دَمِه وَمَصْرَعِهِ السِّبَاعَا )
لأَنهُ لمَّا قَالَ : وافقتهُ عُلم أَنَّها قَد صَادفتِ السباعَ معهُ فكأَنَّهُ قالَ : صادفتِ السباعَ علَى دمهِ ومصرعِه ومثلُ ذلكَ :
وَجَدْنَا الصالحينَ لَهُم جَزاءٌ ... وَجَنَّاتٍ وعَيْناً سَلْسَبيلاَ )
أَي : وجدنا لَهم عيناً فلهذَا بابٌ في الضروراتِ غيرِ ضَيقٍ ومِمّا يَقْربُ مِنْ هذا الباب قوله :
( أَقامتْ علَى رَبْعَيهما جَارَتا صَفاً ... كُميتَا الأَعالِي جَوْنَتا مُصطَلاهُما )
وإنَّما الكلامُ : ( جُوْنَا المُصطَليَينِ ) فردهُ إلى الأَصلِ في المعنى لأَنَّكَ إذَا قلتَ مررتُ برجلٍ حَسنِ الوجهِ فمعناهُ : حَسُنَ وجهُهُ فإذَا ثنيتَ قلتَ : برجلينِ حَسَن الوجوهِ فإنْ رددتهُ إلى أصلِه قلتَ : برجلينِ حَسَن وجوههُما فإذا قلتَ : وجوُههُما لم يكن في ( حَسَنٍ ) ذكرُ ما قبلَهُ وإذا أَتيتَ بالألفِ واللامِ وأضفتَ الصفةَ إليها كانَ في الصفةِ ذكر
الموصوفِ فكانَ حَقٌّ هذا الشاعر لما قالَ : مُصْطَلاهُما أَنْ يُوَحدَ الصفةَ فيقولُ : جَونٌ مُصْطَلاهُما
السابع : تأَنيثُ المذكرِ علَى التأويلِ :
مِنْ ذلكَ قولُ الشاعر :
( فكانَ مِجَنّى دونَ مَنْ كنتُ أتقَّي ... ثَلاثُ شُخوصٍ كاعبانِ ومُعْصِرُ )
فإنَّما أَنَّثَ الشخوصَ لقصدهِ النساءَ فحملهُ على المعنى ثُمَّ أبانَ عَنْ إرادتِهِ وكشفَ عَنْ معناهُ بقولِه : كاعبانِ ومُعصرُ ونظيرُ ذلكَ قوله :
( وإنَّ كِلاباً هذهِ عَشْرُ أَبْطُنٍ ... وأَنتَ بَرِيءٌ مِنْ قبائِلها العَشْرِ )
فقالَ : عَشْرُ أَبطنٍ يريدُ : قَبَائلُ وأَبانَ في عجزِ البيتِ ما أرادَ فأَمَّا في النعوتِ فإنَّ ذلك جَيدٌ بَالغٌ تقولُ : عندي ثلاثةُ نَسَّاباتٍ وعَلاّماتٍ لأنَّكَ إِنَّما أَردتَ عندي ثلاثةُ رجالٍ ثُمَ جئتَ بنَسَّاباتٍ نعتاً لهم فهذَا الكلامُ الصحيحُ وقد قرأتِ القراءُ : ( مَنْ جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ) لأَنَّ العددَ وَقعَ على حَسَناتٍ أَمثالَها
قالَ محمد بن يزيد : ومن الشيءِ الذي في الشعرِ فيكونُ جميلاً ومجازهُ مجازُ الضروراتِ عندَ النحويينَ وليس عندَه كذلكَ قولُهم في الكلامِ : ذهبتْ بعضُ أَصابعهِ لأَنَّ بعضَ الأصابعِ إصْبعٌ فحملهُ على المعنى قالَ جريرُ :
( لَمَّا أَتىَ خَبَرُ الزُّبَيْرِ تَوَاضَعَتْ ... سَورُ المَدِينةِ والجبالُ الخَشَّعَ )
لأَنَّ السورَ من المدينة وقَالَ أَيضاً :
( رأتْ مَرَّ السِّنينَ أَخّذْنَ مِنّي ... كما أَخذَ السِّرارُ مِنَ الهِلاَلِ )
فَقالَ : أَخذنَ فردهُ إلى السنينِ ولم يردهُ إلى مرِّ لأَنَّهُ لا معنَى للسنين إلاَ مَرها ومثلُه قولُ الأعشى :
( وتَشرقُ بالقولِ الذي قَدْ أَذْعْتَهُ ... كَما شَرَقتْ صَدْرُ القَنَاةِ مِنَ الدَّمِ )
لأَنَّ صدَر القناةِ من القناةِ
قالَ محمد بن يزيد : يردُّ عَلَى مَن ادّعى أَنَّ هذَا مجراهُ مجرى الضرورةِ القرآن أفصحُ اللغاتِ وسيدُها وما لا تعلقُ بهِ ضَرورةٌ ولا
يلحقهُ تجوزٌ
قالَ الله عز و جلَ : ( إنْ نَشَأْ نُنَزِّلُ عَلَيْهِم مِنَ السَّمَاءِ آيةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لهَا خَاضِعِينَ )
فَخبَّرَ عَنْهم وتركَ الأَعناق . وقَالَ : قال أَبو زيدٍ : وقَد قالَ غيرهُ :
الأعناقُ : الجماعاتُ مِنْ ذلكَ قولُكَ : جَاءني عُنُقٌ مِنَ الناسِ أي : جماعةٌ كمَا قالَ القائلُ لعلي بن أبي طالبٍ رضي الله عنهُ :
( أَبلغْ أَميرَ المؤمنينَ أَخَا العراقِ إذا أَتيْتَا ... )
( أنَّ العِرَاقَ وأهلَه عُنُقٌ إليكَ فَهَيْتَ هَيْتَا ... )
قالَ : فهذاَ قولٌ والأولُ هو الذي يعملُ عليهِ
قالَ أَبو بكر : والذي عندي في ذلكَ أَنَّ الآية ليستْ نظيرةَ الأَبياتِ التي ذكرتْ لأَنَّ تلك بُنيَ فيها اسمٌ مؤنثٌ على فِعْلٍ مؤنثٍ والآية قد جَاءتْ باسمٍ مذكرٍ بعدَ
مؤنثٍ في اللفظِ فردَ ( خاضعينَ ) إلى أَصحابِ الأَعناقِ ومِنْ ذلكَ قَولُ ذي الرمةِ :
( مَشَينَ كَمَا اهْتزَّت رِماحٌ تَسَفَّهتْ ... أَعاليهَا مَرُّ الرياحِ النَّواسِمِ )
ومِنْ ذَلك قَولُ الراجز :
( مُرُّ الليالي أَسَرَعتْ في نَقْضِي ... أَخَذْنَ بَعْضِي وَتَرْكنَ بَعْضِي )
فَقَد ذكرتُ في كُل حَدٍّ مِنَ الحدودِ ما أَجازتهُ الضرورُ
هذَا آخرُ الأصول بحمدِ الله ومنتِه
والحمدُ لله الواحد العدلِ ذي الجلالِ والمنةِ والفضلِ والصلواتُ على رسولِه محمدٍ وآلهِ
فُرغَ من انتساخِه ثالثَ عَشَر شَهْر رمضانَ سنة إحدى وخمسينَ وستِّ مئةٍ شاكراً على نعمهِ وأَفضالهِ ومصلِّياً علَى النبي وآلهِ
قوبلَ بنسخةٍ مقروءةٍ علَى الشيخِ أبي الحسنِ علي بن عيسى النحوي رحمهُ الله كتبهُ محمود بن أبي المفاخر محمود غفر الله ذنوبه وستر عيوبهُ والحمدُ لله رَبِّ العالمينَ وصلَّى الله علَى سيدِنا محمدٍ وآلهِ الطاهرينَ
/قلت المدون اللهم تقبل مني واستجب لدعائي واشفني وعافني واعف عني وارحمني وتول كل أمري وارضي عني في الدارين ولوالدي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق