عيون الأخبار عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت 276هـ )
قسم المؤلف الكتاب الى عشرة كتب صغيرة الأول: كتاب السلطان، ويتناول: السلطان وسيرته وسياسته، واختيار العمال، وصحبة السلطان وآدابها، والمشاورة والرأي، والسر وكتمانه واعلانه، والكتابة والكتاب والأحكام والتلطف.
وهذا الكتاب الجامع لشتى العلوم، أملته طبيعتان: طبيعة العصر وطبيعة المؤلف، فلقد كان العصر جامعا لعلوم مختلفة وثقافات متعددة، فاذا بذلك معترك يشارك فيه الكثير من مختلف الطبقات والثقافات والأجناس.
ويعد «ابن قتيبة» في كتابه «عيون الاخبار» الاول من نوعه الذي التزم اسلوبا جديدا من حيث الاختيار، ثم التبويب ثم الترتيب، وكان صاحب رسالة في تأليفه هذا الكتاب، فلقد كان حريصا على ان يجمع للمتعلم المتأدب، هذا العلم وذاك الادب.
والكتاب ثمرة جهد طويل، وحين اجتمعت له تلك الحصيلة الكبيرة من اخبار واشعار، اخذ في تقسيمها وتصنيفها، ليكون في اختياراته وتبويبه ثم بفهرسته، مبتدعا قريبا فيما ابتدع من اصحاب المدرسة الحديثة وبذلك يكون كتاب «عيون الاخبار» جامعا لقاح العقول، ونتاج افكار الحكماء ونبذة الاشياء وحيلة الادب.
ثم هو قد اودعه كما يقول: طرقا من محاسن كلام الزهاد في الدنيا، كما انه لم يخل من نادرة طريفة، وفطنة لطيفة حتي لا يشعر القارئ بالتعب ويعرض عن الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب السلطان
محل السلطان وسيرته وسياسته
للنبي صلى الله عليه وسلم في الإمارة
حدّثنا
محمد بن خالد بن خداش قال: حدّثنا سلابن قتيبة عن ابن أبي ذئب عن المقبريّ عن أبي
هريرة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "ستحرصون على الإمارة ثم تكون
حسرةً وندامةً يوم القيامة فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة".
حدّثني محمد بن زياد الزيادي قال:حدّثنا عبد العزيز الدّاروردي قال: حدّثنا شريك
عن عطاء بن يسار أن رجلاً قال عند النبي: بئس الشيء الإمارة. فقال النبي:
"نعم الشيء الإمارة لمن أخذها بحقّها وحلها ".
حدّثني زيد بن أخزم الطائي قال: حدّثنا ابن قتيبة قال: حدّثنا أبو المنهال عن عبد
العزيز ابن أبي بكرة عن أبيه قال: لما مات كسرى قيل ذلك للنبيّ فقال: "من
استخلفوا?" فقالوا: ابنته بوران، قال: "لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى
امرأة".
لابن عباس رضي اللّه عنهما
حدّثني زيد بن أخزم قال: حدّثنا وهب بن جرير قال: حدّثنا أبي قال: سمعت أيّوب يحدّث عن عكرمة عن ابن عباس أنه قدم المدينة زمن الحرّة فقال: من استعمل القوم? قالوا: على قريش عبد اللّه بن مطيع، وعلى الأنصار عبد اللّه بن حنظلة بن الراهب. فقال: أميران! هلك واللّه القوم.
للحسن عليه السلام
حدّثنا محمد بن عبيد قال: حدّثنا معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن هشام بن حسّان قال: كان الحسن يقول: "أربعة من الإسلام إلى السلطان الحكم والفيء والجمعة والجهاد".
لكعب الأحبار
وحدّثني محمد قال: حدّثنا أبو سلمة عن حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة قال: قال كعب: "مثل الإسلام والسلطان والناس مثل الفسطاط والعمود والأطناب والأوتاد، فالفسطاط الإسلام، والعمود السلطان، والأطناب والأوتاد الناس، لا يصلح بعضه إلا ببعض".
كلمة لأبي حازم في السلطان
حدّثني سهل بن محمد قال: حدّثني الأصمعيّ قال: قال أبو حازم لسليمان بن عبد الملك: "السلطان سوقٌ فما نفق عنده أتي به".
لابن المقفع
وقرأت في كتاب لابن المقفّع: "الناس على دين السلطان إلا القليل فليكن للبرّ والمروءة عنده نفاقٌ فسيكسد بذلك الفجور والدناءة في آفاق الأرض قرأت فيه أيضاً: "الملك ثلاثة ملك دين وملك حزم وملك هوى، فأما ملك الدين فإنه إذا أقام لأهله دينهم فكان دينهم هو الذي يعطيهم ما لهم ويلحق بهم ما عليهم، أرضاهم ذلك وأنزل الساخط منهم منزلة الراضي في الإقرار والتسليم. وأما ملك الحزم فإنه تقوم به الأمور ولا يسلم من الطعن والتسخّط ولن يضرّه طعن الضعيف مع حزم القوي. وأما ملك الهوى فلعب ساعة ودمار دهر".
للرسول
حدّثني
يزيد بن عمرو عن عصمة بن صقير الباهلي قال: حدّثنا إسحاق بن نجيح عن ثور بن يزيد
عن خالد بن معدان قال: قال رسول اللّه: "إن اللّه حرّاساً فحرّاسه في السماء
الملائكة وحراسه في الأرض الذين يأخذون الدّيوان".
حدّثني أحمد بن الخليل قال: حدّثني سعيد بن سلم الباهلي قال: أخبرني شعبة عن
شرقيٍّ عن عكرمة في قول الله عز وجل: "له معقباتٌ من بين يديه ومن خلفه
يحفظونه من أمر اللّه" قال:"الجلاوزة يحفظون الأمراء".
"وقال الشاعر:
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلةً |
|
خليًّا من اسم اللّه والبركات |
يعني
باسم اللّه، وفيه قول اللّه: "يحفظونه من أمر اللّه" أي بأمر اللّه.
وقرأت في كتاب من كتب الهند: "شرّ المال لا ينفق منه، وشر الأخوان الخاذل، وشر
السلطان من خافه البرىء، وشر البلاد ما ليس فيه خصب ولا أمن".
وقرأت فيه: "خير السلطان من أشبه النّسر حول الجيف لا من أشبه الجيفة حولها
النسور".
وهذا معنى لطيف وأشبه الأشياء به قول بعضهم: "سلطان تخافه الرعية خير للرعية
من سلطان يخافها ".
كلمة في عدل الإمام وجوره
حدّثني شيخ لنا عن أبي الأحوص عن ابن عمّ لأبي وائل عن أبي وائل قال: قال عبد اللّه بن مسعود: "إذا كان الإمام عادلاً فله الأجر وعليك الشكر، وإذا كان جائراً فعليه الوزر وعليك الصبر".
قول عمر بن الخطاب في الفواقر
وأخبرني أيضاً عن أبي قدامة عن عليّ بن زيد قال: قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: "ثلاثٌ من الفواقر: جار مقامةٍ إن رأى حسنة سترهم وإن رأى سيئة أذاعهم، وامرأة إن دخلت عليهم لسنتك وإن غبت عنها لم تأمنها، وسلطان إن أحسنت لم يحمدك وإن أسأت قتلك".
من اليتيمة في منافع السلطان ومضارّه
وقرأت
في اليتيمة "مثل قليل مضارٌ السلطان في جنب منافعه مثل الغيث الذي هو سقيا
اللّه وبركات السماء وحياة الأرض ومن عليها، وقد يتأذى به السّفر ويتداعى له
البنيان وتكون فيه الصواعق وتدرّ سيوله فيهلك الناس والدواب وتموج له البحار
فتشتدّ البليّة منه على أهله فلا يمنع الناس، إذا نظروا إلى آثار رحمة اللّه في
الأرض التي أحيا والنبات الذي أخرج والرزق الذي بسط والرحمة التي نشر، أن يعظموا
نعمة ربهم ويشكروها وبلغوا ذكر خواصّ البلايا التي دخلت على خواصّ الخلق. ومثل
الرياح التي يرسلهم اللّه نشرا بين يديّ رحمته فيسوق بهم السحاب ويجعلهم لقاحاً
للثمرات و أرواحاً للعباد يتنسمون منها ويتقلبون فيهم، وتجري بهم مياههم، وتقد بها
نيرانهم وتسير بهم أفلاكهم. وقد تضرّ بكثير من الناس في برّهم وبحرهم ويخلص ذلك
إلى أنفسهم وأموالهم فيشكوها منهم الشاكون ويتأذّى بها المتأذّون ولا يزيلها ذلك
عن منزلتها التي جعلها اللّه بهم وأمرها الذي سخرها له من قوام عباده وتمام نعمته.
ومثل الشتاء والصيف اللذين جعل اللّه حرّهما وبردهما صلاحاً للحرث والنسل ونتاجاً
للحب والثمر، يجمعهم البرد بإذن الّله ويحملها ويخرجها الحرّ باذن اللّه وينضجها
مع سائر ما يعرف من منافعها، وقد يكون الأذى والضرّ في حرّهما وبردهما وسمائمهما
وزمهريرهما وهما مع ذلك لا ينسبان إلا إلى الخير والصلاح. ومن ذلك الليل الذي جعله
اللّه سكناً ولباساً وقد يستوحش له أخو القفر، وينازع فيه ذو البليّة والرّيبة
وتعدو فيه السّباع وتنساب فيه الهوامّ ويغتنمه أهل الّسرق والسّلّة، ولا يزري صغير
ضرره بكثير نفعه، ولا يلحق به ذمّا ولا يضع عن الناس الحقّ في الشكر اللّه على ما
منّ به عليهم منه. ومثل النهار الذي جعله اللّه ضياء ونشوراً وقد يكون على الناس
أذى الحرّ في قيظهم وتصبّحهم فيه الحروب والغارات ويكون فيه النّصب والشّخوص وكثير
مما يشكوه الناس ويستريحون فيه إلى الليل وسكونه. ولو أن الدنيا كان شيءٌ من
سرّائهم يعم عامة أهلهم بغير ضرر على بعضهم وكانت نعماؤهم بغير كدر وميسورها من
غير معسور كانت الدنيا إذاً هي الجنة التي لا يشوب مسرتها مكروه ولا فرحها ترحٌ
والتي ليس فيهم نصب ولا لغوب، فكل جسيم من أمر الدنيا يكون ضرّه خاصةً فهو نعمةٌ
عامة، وكل شيء منه يكون نفعه خاصاً فهو بلاءٌ عام".
وكان يقال: "السلطان والدين أخوان لا يقوم أحدهما إلا بالآخر".
لبعض الملوك
وقرأت
في التاج لبعض الملوك: "هموم الناس صغار وهموم الملوك كبار وألباب الملوك
مشغولة بكل شيء يجلّ وألباب السّوق مشغولة بأيسرالشيء، فالجاهل منهم يعذر نفسه
بدعة ما هو عليه من الرّسلة ولا يعذر سلطانه مع شدّة ما هو فيه من المؤونة، ومن
هناك يعزّر اللّه سلطانه ويرشده وينصره".
سمع زياد رجلاً يسب الزمان فقال: "لو كان يدري ما الزمان لعاقبته، إنما
الزمان هو السلطان كانت الحكماء تقول: "عدل السلطان أنفع للرعية من خصب
الزمان"
وروىالهيثم عن ابن عيّاش عن الشّعبي قال: "أقبل معاوية ذات يوم على بني هاشم
فقال: يا بني هاشم، ألاتحدّثوني عن ادعائكم الخلافة دون قريش بم تكون لكم أبالرضا
بكم أم بالإجتماع عليكم دون القرابة أم بالقرابة دون الجماعة أم بهما جميعاً? فإن
كان هذا الأمر بالرضا والجماعة دون القرابة فلا أرى القرابة أثبتت حقاً ولا أسّست
ملكاً، وإن كان بالقرابة دون الجماعة والرضا فما منع العباس عمّ النبي ووارثه
وساقي الحجيج وضامن الأيتام أن يطلبها وقد ضمن له أبو سفيان بني عبد مناف، وإن
كانت الخلافة بالرضا والجماعة والقرابة جميعاً فإن القرابة خصلة من خصال الإمامة
لا تكون الإمامة بها وحدها وأنتم تدّعونها بهم وحدها، ولكنا نقول: أحق قريش بهم من
بسط الناس أيديهم إليه بالبيعة عليهم ونقلوا أقدامهم إليه الرغبة وطارت إليه
أهواؤهم للثقة وقاتل عنها بحقها فأدركها من وجههم. إن أمركم لأمرٌ تضيق به الصدور،
إذا سئلتم عمّن اجتمع عليه من غيركم قلتم حقٌّ. فإن كانوا اجتمعوا على حقّ فقد
أخرجكم الحقّ من دعواكم. انظروا: فإن كان القوم أخذوا حقكم فاطلبوهم، وإن كانوا
أخذوا حقّهم فسّلموا إليهم فإنه لا ينفعكم أن تروا لأنفسكم ما لا يراه الناس لكم.
فقال ابن عباس: ندّعي هذا الأمر بحقّ من لولا حقّه لم تقعد مقعدك هذا، ونقول كان
ترك الناس أن يرضوا بنا ويجتمعوا عليّنا حقًّا ضيعوه وحظًّا حرموه، وقد اجتمعوا
على ذي فضل لم يخطىء الورد والصّدر، ولا ينقص فضل ذي فضلٍ فضل غيره عليه. قال
اللّه عز وجل: "ويؤت كلّ ذي فضلٍ فضله"، فأما الذي منعنا من طلب هذا
الأمر بعد رسول الله فعهدٌ منه إلينا قبلنا فيه قوله ودنّا بتأويله، ولو أمرنا أن
نأخذه على الوجه الذي نهم نا عنه لأخذناه أو أعذرنا فيه، ولا يعاب أحد على ترك حقه
إنما المعيب من يطلب ما ليس له، وكل صواب نافع وليس كل خطأ ضارّاً، انتهت القضية
إلى داود وسليمان فلم يفهّمهم داود وفهّمهم سليمان ولم يضرّ داود. فأما القرابة
فقد نفعت المشرك وهي للمؤمن أنفع، قال رسول اللّه: "أنت عمّي وصنو أبي ومن
أبغض العباس فقد أبغضني، وهجرتك آخر الهجرة كما أن نبوّتي آخر النبوّة وقال لأبي
طالب عند موته: "يا عم قل لا إله إلا اللّه أشفع لك بهم غداً وليس ذاك لأحد
من الناس. قال اللّه تعالى: "وليست التّوبة للّذين يعملون السّيّئات حتى إذا
حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن ولا الّذين يموتون وهم كفّارٌ أولئك أعتدنا لهم
عذاباً أليماً".
لكسرى
حدّثنا
الرياشيّ عن أحمد بن سلاّم مولى ذفيف عن مولى يزيد بن حاتم عن شيخ له قال: قال
كسرى: "لا تنزل ببلد ليس فيه خمسة أشياء: سلطان قاهر، وقاض عادل، وسوق قائمة،
وطبيب عالم، ونهرٌ جارٍ".
وحدّثنا الرياشيّ قال: حدّثنا مسلم ابن ابراهيم قال: حدّثنا القاسم بن الفضل قال:
حدّثنا ابن اخت العجاج عن العجاج قال: "قال لي أبو هريرة: ممن أنت? قال: قلت
من أهل العراق. قال: يوشك أن يأتيك بقعان الشأم فيأخذوا صدقتك فإذا أتوك فتلقّهم
بهم فإذا دخلوهم فكن في أقاصيهم وخلّ عنهم وعنهم. وإيّاك أن تسبّهم فإنك إن سببتهم
ذهب أجرك وأخذوا صدقتك وإن صبرت جاءتك في ميزانك يوم القيامة"، وفي رواية
أخرى أنه قال: "إذا أتاك المصدّق فقل: خذ الحق ودع الباطل، فإن أبى فلا تمنعه
إذا أقبل فلا تلعنه إذا أدبر فتكون عاصياً خفّف عن ظالم".
وكان يقال: "طاعة السلطان على أربعة أوجه: على الرغبة، والرهبة، والمحبة،
والديانة".
كتاب من أردشير إلى جميع الطوائف من رعيته
وقرأت في بعض كتب العجم كتباً لأردشير بن بابك إلى الرعية، نسخته: "من أردشير الموبذ ذي البهاء ملك الملوك ووارث العظماء، إلى الفقهاء الذين هم حملة الدين، والأساورة الذين هم حفظة البيضة، والكتاب الذين هم زينة المملكة، وذوي الحرث الذين هم عمرة البلاد. السلام عليكم، فإنا بحمد اللّه صالحون وقد وضعنا على رعيتنا بفضل رأفتنا إتاوتها الموظّفة عليهم. ونحن مع ذلك كاتبون إليكم بوصية: لا تستشعروا الحقد فيدهمكم العدوّ، ولا تحتكروا فيشملكم القحط، وتزوّجوا في القرابين فإنه أمسّ للرحم وأثبت للنسب، ولا تعدّوا هذه الدنيا شيئاً فإنها لا تبقى على أحد ولا ترفضوها مع ذلك فإن الآخرة لا تنال إلا بها".
نصيحة أرسطاطاليس إلى الاسكندر
وقرأت كتاباً من أرسطاطاليس إلى الاسكندر وفيه: "املك الرعية بالإحسان إليها
تظفر بالمحبة منها، فإن طلبك ذلك منهم باحسانك هو أدوم بقاءً منه باعتسافك، واعلم
أنك إنما تملك الأبدان فتخطّهم إلى القلوب بالمعروف، واعلم أن الرعية إذا قدرت على
أن تقول، قدرت على أن تفعل، فاجهد ألا تقول تسلم من أن تفعل".
كلمة لملك العجم
وقرأت
في كتاب الآيين أن بعض ملوك العجم قال في خطبة له: "إني إنما أملك الأجساد لا
النيات وأحكم بالعدل لا بالرضا وأفحص عن الاعمال لا عن السرائر".
ونحوه قول العجم: "أسوس الملوك من قاد أبدان الرعية إلى طاعته بقلوبها".
وقالوا: " لا ينبغي للوالي أن يرغب في الكرامة التي ينالهم من العامة كرهاً
ولكن في التي يستحقهم بحسن الأثر وصواب الرأي والتدبير".
حدّثنا الرياشيّ عن أحمد بن سلام عن شيخه له قال: "كان أنوشروان إذا ولّى
رجلاً أمر الكاتب أن يدع في العهد موضع أربعة أسطر ليوقّع فيه بخطه فإذا أتي
بالعهد وقّع فيه: سس خيار الناس بالمحبة وامزج للعامة الرغبة بالرهبة وسس سفلة
الناس بالإخافة".
قال المدائني: "قدم قادم على معاوية بن أبي سفيان فقال له معاوية: هل من
مغرّبة خبر? قال: نعم، نزلت بماء من مياه الأعراب فبينا أنا عليه إذ أورد أعرابي
إبله فلما شربت ضرب على جنوبهم وقال عليك زياداً. فقلت له: ما أردت بهذا? قال: هي
سدًى، ما قام لي بهم راعٍ مذ ولي زياد. فسرّ ذلك معاوية وكتب به إلى زياد".
كلمة لعبد الملك بن مروان
قال عبد الملك بن مروان: "أنصفونا يا معشر الرعية، تريدون منا سيرة أبي بكر وعمر! ولا تسيرون فينا ولا في أنفسكم بسيرة رعية أبي بكر وعمر! نسأل اللّه أن يعين كلاً على كل".
لعمر بن الخطاب ولابن عبد العزيز
قال
عمر بن الخطاب: "إن هذا الأمر لا يصلح له إلا اللّين في غير ضعف والقويّ في
غير عنف".
وقال عمر بن عبد العزيز: "إني لأجمع أن أخرج للمسلمين أمراً من العدل فأخاف
أن لا تحتمله قلوبهم فأخرج معه طمعاً من طمع الدنيا، فإن فرت القلوب من هذا سكنت
إلى هذا".
لمعاوية في سياسة الرغبة
قال معاوية: "لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرةً ما انقطعت. قيل: وكيف ذاك? قال: كنت إذا مدّوها خلّيتها وإذا خلّوها مددتهم".
للشعبي وعمر في معاوية
ونحو
هذا قول الشّعبي فيه: "كان معاوية كالجمل الطّبّ، إذا سكت عنه تقدّم وإذا ردّ
تأخروقول عمر فيه: "احذروا آدم قريش وابن كريمهم ، من لا ينام إلا على الرضا
ويضحك في الغضب ويأخذ ما فوقه من تحته".
وأغلظ له رجل فحلم عنه فقيل له: أتحلم عن هذا? فقال: "إني لا أحول بين الناس
وبين ألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين سلطاننا".
كان يقال: "لا سلطان إلا برجال ولا رجال إلا بمال ولا مال إلا بعمارة ولا
عمارة إلا بعدل وحسن سياسة".
قال زياد: "أحسنوا إلى المزارعين فإنكم لا تزالون سماناً ما سمنوا".
كتاب الحجاج إلى الوليد بن عبد الملك يشرح له سيرته
وكتب
الوليد إلى الحجاج يأمره أن يكتب إليه بسيرته فكتب إليه: "إني أيقظت رأيي
وأنمت هواي، فأدنيت السيد المطاع في قومه، ووليت الحرب الحازم في أمره، وقلّدت
الخراج الموفرّ لأمانته، وقسمت لكل خصم من نفسي قسماً يعطيه حظّاً من نظري ولطيف
عنايتي، وصرفت السيف إلى النّطف المسيء، والثواب إلى المحسن البريء فخاف المريب
صولة العقاب، وتمسك المحسن بحظه من الثواب".
وكان يقول لأهل الشام: "إنما أنا لكم كالظّليم الرائح عن فرخه: ينفي عنها
القذر ويباعد عنها الحجر ويكنّها من المطر ويحميها من الضّباب ويحرسها من الذئاب.
يا أهل الشأم أنتم الجنّة والرداء وأنتم العدّة والحذاء".
رد معاوية على سليم مولى زياد
فخر سليم مولى زياد بزياد عند معاوية فقال معاوية: "اسكت ما أدرك صاحبك شيئاً قطّ بسيفه إلا وقد أدركت أكثر منه بلساني".
تعريف عبد الملك للسياسة
وقال
الوليد لعبد الملك: يا أبت ما السياسة? قال: "هيبة الخاصّة مع صدق مودّتها
واقتياد قلوب العامة بالإنصاف لها واحتمال هفوات الصّنائع".
وفي كتب العجم: "قلوب الرعية خزائن ملوكهم فما أودعتهم من شيء فلتعلم أنه
فيها".
ووصف بعض الملوك سياسته فقال: "لم أهزل في وعد ولا وعيد ولا أمر ولا نهي ولا
عاقبت للغضب واستكفيت على الجزاء وأثبت على العناء لا الهوى، وأودعت القول هيبة لم
يشبهم مقت وودّا لم تشبه جرأة وعمّمت بالقوت ومنعت الفضول".
وصية أبرويز لابنه شيرويه
وقرأت
في كتاب التاج: قال أبرويز لابنه شيرويه وهو في حبسه: "لا توسعنّ على جندك
فيستغنوا عنك ولا تضيقنّ عليهم فيضجّوا منك، أعطهم عطاء قصداً وامنعهم منعاً
جميلاً ووسّع عليهم في الرجاء ولا توسّع عليهم في العطاء".
ونحوه قول المنصور في مجلسه لقوّاده: صدق الأعرابي حيث يقول: أجع كلبك يتبعك. فقام
أبو العباس الطّوسي فقال: يا أمير المؤمنين أخشى أن يلوّح له غيرك برغيف فيتبعه
ويدعك.
وصية عمر للأشعري
وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعريّ: "أما بعد، فإن للناس نفرة عن سلطانهم فأعوذ باللّه أن تدركني وإياك عمياء مجهولة وضغائن محمولة، أقم الحدود ولو ساعة من نهار، وإذا عرض لك أمران: أحدهما اللّه، والآخر للدينا فآثر نصيبك من اللّه فإن الدنيا تنفد والآخرة تبقى، وأخيفوا الفسّاق وأجعلوهم يداً يداً ورجلاً رجلاً، وعد مرضى المسلمين واشهد جنائزهم وافتح لهم بابك وباشر أمورهم بنفسك فإنما أنت رجل منهم غير أن اللّه جعلك أثقلهم حملاً، وقد بلغني أنه قد فشا لك ولأهل بيتك هيئة في لباسك ومطعمك ومركبك ليس للمسلمين مثلهم ، فإياك يا عبد اللّه أن تكون بمنزلة البهيمة مرّت بوادٍ خصيب فلم يكن لهم همٌّ إلا السّمن وإنما حتفهم في السمن، واعلم أن العامل إذا زاغ زاغت رعيّته، وأشقى الناس من شقي الناس به، والسلام".
لعبد اللّه بن زبير في معاوية
هشام بن عروة قال: "صلى يوماً عبد اللّه بن الزبير فوجم بعد الصلاة ساعة فقال الناس: لقد حدّث نفسه. ثم التفت إلينا فقال: لا يبعدنّ ابن هند! إن كانت فيه لمخارج لا نجدهم في أحد بعده أبدا. واللّه إن كنا لنفرّقه وما الليث الحرب على براثنه بأجرأ منه فيتفارق لنا. وإن كنا لنخدعه وما ابن ليلةٍ من أهل الأرض بأدهى منه فيتخادع لنا، واللّه لوددت أنّا متّعنا به ما دام في هذا حجر - وأشار إلى قبيس - لا يتخوّن له عقل ولا تنتقص له قوّة. قلنا: أوحش واللّه الرجل. قال: وكان يصل بهذا الحديث: وكان واللّه كما كان العذري:
ركوب المنابر وثّابهـم |
|
معنٌّ بخطبته مجهـر |
نريع إليه هوادي الكلام |
|
إذا خطل النثر المهمر |
حدّثني أبو حاتم قال: حدّثنا الأصمعيّ
قال: حدّثنا جد سران، وسران عمّ الأصمعيّ قال: "كلم الناس عبد الرحمن بن عوف
أن يكلم عمر بن الخطاب في أن يلين لهم فإنه قد أخافهم حتى إنه قد أخاف الأبكار في
خدورهنّ. فقال عمر: إني لا أجد لهم إلا ذلك، إنهم لو يعلمون ما لهم عندي لأخذوا
ثوبي من عاتقي".
قال: وتقدمت إليه امرأة فقالت: "يا أبا عقر حفص، اللّه لك. فقال: ما لك
أعقرت? أي دهشت، فقالت: صلعت فرقتك.
قال أشجع السلميّ في إبراهيم بن عثمان:
لا يصلح السـلـطـان إلا شـدّةٌ |
|
تغشى البريء بفضل ذنب المجرم |
ومن الولاة مـقـحّـمٌ لا يتّـقـى |
|
والسيف تقطر شفرتاه من الـدم |
منعت مهم بتكن النفوس حديثهـم |
|
بالأمر تكرهه وإن لـم تـعـلـم |
كان
يقال: "شر الأمراء أبعدهم من القرّاء، وشر القرّاء أقربهم من الأمراء".
كتب عامل لعمر بن عبد العزيز على حمص إلى عمر: "إن مدينة حمص قد تهدّم حصنهم
، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في إصلاحهفكتب إليه عمر: "أمّا بعد،
فحصّنهم بالعدل، والسلام".
لأعرابي في أميرٍ عادل
ذكر أعرابي أميراً فقال: "كان إذا ولي لم يطابق بين جفونه وأرسل العيون على عيونه، فهو غائب عنهم شاهد معهم، فالمحسن راج والمسيء خائف".
كلمة لجعفر بن يحيى
كان جعفر بن يحيى يقول: "الخراج عمود الملك وما استغزر بمثل العدل ولا استنزر بمثل الظلم".
وصية أردشير لابنه
وفي كتاب من كتب العجم أن أردشير قال لابنه: "يا بني، إن الملك والدين أخوان
لا غنى بأحدهما عن الآخر، فالدين أسٌّ والملك حارس، وما لم يكن له أسّ فمهدوم وما
لم يكن له حارس فضائع. يا بني، اجعل حديثك مع أهل المراتب وعطيتك لأهل الجهاد
وبشرك لأهل الدين وسرّك لمن عناه ما عناك من أرباب العقول".
وكان يقال: "مهما كان في الملك فلا ينبغي أن تكون فيه خصال خمس: لا ينبغي أن
يكون كذاباً فإنه إذا كان كذاباً فوعد خيراً لم يرج أو أوعد بشرٍّ لم يخف، ولا
ينبغي أن يكون بخيلاً فإنه إن كان بخيلاً لم يناصحه أحد ولا تصلح الولاية إلا
بالمناصحة، ولا ينبغي أن يكون حديداً فإنه إذا كان حديداً مع القدرة هلكت الرعية،
ولا ينبغي أن يكون حسوداً فإنه إذا كان حسوداً لم يشرّف أحداً ولا يصلح الناس إلا
على أشرافهم، ولا ينبغي أن يكون جباناً فإنه إذا كان جباناً ضاعت ثغوره واجترأ
عليه عدوه".
كلمة معاوية لابنة عثمان
وقدم معاوية المدينة فدخل دار عثمان فقالت عائشة بنت عثمان: واأبتاه، وبكت. فقال معاوية: "يا ابنة أخي إنّ الناس أعطونا طاعة وأعطيناهم أماناً، وأظهرنا لهم حلماً تحته غضب وأظهروا لنا طاعة تحتهم حقد ومع كل إنسان سيفه وهو يرى مكان أنصاره، فإن نكثنا بهم نكثوا بنا ولا ندري أعليّنا تكون أم لنا،ولأن تكوني بنت عمّ أمير المؤمنين خيرٌ من أن تكوني آمرأة من عرض المسلمين
من عبد اللّه بن عباس إلى الحسن بن عليّ
كتب
عبد اللّه بن عباس إلى الحسن بن عليّ:" إنّ المسلمين ولّوك أمرهم بعد عليّ
فشمّر للحرب وجاهد عدوك ودار أصحابك وآشتر من الظّنين دينه بما لا يثلم دينك، وولّ
أهل البيوتات والشرف تستصلح بهم عشائرهم حتى تكون الجماعة، فإن بعض ما يكره الناس،
ما لم يتعدّ الحق وكانت عواقبه تؤدي إلى ظهور العدل وعز الدين، خيرٌ من كثير مما
يحبون إذا كانت عواقبه تدعو إلى ظهور الجور ووهن الدين".
حدّثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن الأعمش عن إبراهيم
قال:"كان عمر إذا قدم عليه الوفد سألهم عن حالهم وأسعارهم وعمن يعرف من أهل
البلاد وعن أميرهم هل يدخل عليه الضعيف? وهل يعود المريض? فإن قالوا نعم، حمد
اللّه تعالى، وإن قالوا لا، كتب إليه أقبل".
اختيار العمال
وصية أبو بكر الصديق عند وفاته
روي أن بكر الصديق رضي اللّه عنه لمّا حضرته الوفاة كتب عهداً فيه: "بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر خليفة رسول الّله عند آخر عهده بالدنيا وأوّل عهده بالآخرة، في الحال التي يؤمن فيهم الكافر ويتّقي فيهم الفاجر: إني استعملت عمر بن الخطاب فإن برّ وعدل فذلك علمي به، وإن جار وبدّل فلا علم لي بالغيب، والخير أردت، ولكل امرىء ما اكتسب "وسيعلم الّذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون".
من وصايا أبرويز إلى ابنه شيرويه
وفي التاج أن أبرويز كتب إلى ابنه شيرويه من الحبس: "ليكن من تختاره لولايتك آمرأ كان في ضعة فرفعته، أوذا شرف وجدته مهتضماً فأصطنعته، ولاتجعله آمرأ أصبته بعقوبة فآتّضع عنهم ولا أطاعك بعد ما اذللته ولا أحداً ممن يقع في خلدك أن إزالة سلطانك أحبّ له من ثبوته،وإياك أن تستعمله ضرعاً غمراً كثر إعجابه بنفسه وقلت تجاربه في غيره، ولا كبيراً مدبراً قد أخذ الدهر من عقله كما اخذت السنّ من جسمه
شعر للقيط
وقال لقيط في هذا المعنى:
فقّـلـدوا أمـركـم الـلّـه درّكـم |
|
رحب الذراع بامر الحرب مضطلعاً |
لا مترفا إن رخاء العيش سـاعـده |
|
ولا إذا عضّ مكروهٌ به خـشـعـا |
ما زال يحلب درّالدهـر أشـطـره |
|
يكون متّبعـاً يومـاً ومـتّـبـعـا |
حتى آستمرّت على شزرٍ مريريتـه |
|
مستحكم السنّ لا فخماً ولا ضرعـاً |
من الأمثال في الرجل المجرّب
و يقال في مثل: "رأي الشيخ خير من مشهد الغلام ومن أمثال العرب أيضاًفي المجرّب: "العوان لا تعلّم الخمرة
لبعض الخلفاء في الربيع بن زياد
قال بعض الخلفاء: دلوني على رجل أستعمله على أمر قد أهمّني. قالوا: كيف تريده? قال: "إذا كان في القوم وليس أميرهم كان كأنه أميرهم وإذا كان أميرهم كان كأنه رجل منهم قالوا: لا نعلمه إلا الربيع بن زياد الحارثي. قال: صدقتكم، هو لها. عبد الرحمن بن عبيد التميمي صاحب شرطة الحجاج
و روى الهيثم عن مجالد عن الشّعبي قال: قال الحجاج: دلوني على رجل للشّرط. فقيل: أيّ الرجال تريد? فقال: "أريده دائم العبوس طويل الجلوس سمين الأمانة أعجف الخيانة لا يخفق في الحق على جرّةٍ يهون عليه سبال الإشراف في الشفاعة فقيل له: عليك بعبد الرحمن بن عبيد التميمي. فأرسل إليه يستعمله، فقال له: لست أقبلهم إلا أن تكنفيني عيالك وولدك وحاشيتك. قال: يا غلام، ناد في الناس: من طلب إليه منهم حاجة فقد برئت منه الذمة. قال الشعبي: فواللّه ما رأيت صاحب شرطة قطّ مثله، كان لا يحبس إلا في دين، وكان إذا أتي برجل قد نقب على قوم وضع منقبته في بطنه حتى تخرج من ظهره، وإذا أتي بنبّاش حفر له قبراً فدفنه فيه، وإذا أتي برجل قاتل بحديدة اوشهر سلاحاً قطع يده، وإذا اتي برجل قدأحرق على قوم منزلهم أحرقه، وإذا أتي برجل يشكّ فيه وقد قيل إنه لص ولم يكن منه شيء ضربه ثلاثمائة سوط. قال: فكان ربما أقام أربعين ليلة لا يؤتى بأحد فضم إليه الحجاج شرطة البصرة مع شرطة الكوفة.
نصيحة أبرويز إلى ابنه شيرويه
وقرأت في كتاب أبرويز إلى ابنه شيرويه: "انتخب لخراجك أحد ثلاثة: إما رجلاً يظهر زهداً في المال ويدّعي ورعاً في الدين فإنّ من كان كذلك عدل على الضعيف وأنصف من الشريف ووفّر الخراج وأجتهد في العمارة، فإن هو لم يرع ولم يعفّ إبقاء على دينه ونظراً لأمانته كان حريّاً أن يخون قليلاً ويوفّر كثيراً آستسراراً بالرياء واكتتاماً بالخيانة، فإن ظهرت على ذلك منه عاقبته على ماخان ولم تحمده على ما وفّر، وإن هو جلّح في الخيانة وبارز بالرياء نكّلت به في العذاب واستنظفت ماله مع الحبس. أو رجلاً عالماً بالخراج غنياً في المال مأموناً في العقل فيدعوه علمه بالخراج إلى الاقتصاد في الحلب والعمارة للأرضين والرفق بالرعية، ويدعوه غناه إلى العفة ويدعوه عقله إلى الرغبة فيما ينفعه والرهبة مما يضره. أو رجلاً عالماً بالخراج مأموناً بالأمانة مقتراً من المال فتوسّع عليه في الرزق فيغتنم لحاجته الرزق ويستكنثر لفاقته اليسير، ويزجي بعلمه الخراج، ويعفّ بأمانته عن الخيانة".
عمر بن عبد العزيز وأهل العذر
استشار عمر بن عبد العزيز في قوم يستعملهم، فقال له بعض أصحابه: عليك بأهل العذر. قال: ومن هم? قال: الذين إن عدلوا فهو ما رجوت منهم، وإن قصّروا قال الناس: قد اجتهد عمر.
حديث عدي بن ارطأة مع إياس بن معاوية
فيمن يصلح للولاية من القراء
قال عدي بت أرطاة لإياس بن معاوية: دلّني على قوم من القراء أولّهم. فقال له: القرّاء ضربان: فضرب يعملون للآخرة ولا يعملون لك، وضرب يعملون للدّنيا فما ظنّك بهم إذا أنت ولّيتهم فمكّنتهم منهم ? قال: فما أصنع? قال: عليك بأهل البيوتات الذين يستحيون لأحسابهم فولّهم.
بين الرشيد ورجل أراد توليته القضاء
أحضر الرشيد رجلاً ليولّيه القضاء فقال له: إني لا أحسن القضاء ولا أنا فقيه.قال الرشيد: فيك ثلاث خلال: لك شرف والشرف يمنع صاحبه من الدناءة. ولك حلم يمنعك من العجلة، ومن لم يعجل قلّ خطؤه. وأنت رجل تشاور في أمرك ومن شاور كثر صوابه، وأما الفقه فسينضم إليك من تتفقّه به. فولي ماوجدوا فيه مطعناً.
حديث عمر بن هبيرة مع إياس بن معاوية
حين أراد ابن هبيرة توليته
حدّثني سهل بن محمد قال:حدّثنا الأصمعيّ قال: حدّثني صالح بن رستم أبو عامر الخزّار قال: قال لي إياس بن معاوية المزنيّ: أرسل إليّ عمر بن هبيرة فأتيته فساكتني فسكتّ، فلما أطلت قال: إيهٍ. قلت: سل عما بدا لك. قال: أتقرأ القرآن? قلت نعم. قال: هل تفرض الفرائض? قلت نعم. قال:فهل تعرف من أيام العرب شيئاً? قلت نعم. قال: فهل تعرف من أيام العجم شيئاً? قلت: أنا بهم أعلم. قال: إني أريد أن أستعين بك. قلت: إن فيّ ثلاثاً لا أصلح معهن للعمل. قال: ماهن? قلت: أنا دميم كما ترى، وأنا حديد، وأنا عيٌّ. قال: أما الدمامة فإني لا اريد أن أحاسن بك الناس، وأمّا العيّ فإني أراك تعبر عن نفسك، وأمّا سوء الخلق فيقوّمك السوط. قم، قد وليتك. قال: فولاني وأعطاني ألفي درهم فهما أول مال تموّلته.
من كتاب للهند في السلطان الحازم
قرأت في كتاب للهند: "السلطان الحازم ربما أحب الرجل فأقصاه وآطّرحه مخافة
ضره، فعل الذي تلسع الحية إصبعه فيقطعهم لئلا ينتشر سمّها في جسده، وربما أبغض
الرجل فأكره نفسه على توليته وتقريبه لغناء يجده عنده كنكاره المرء على الدواء
البشع لنفعه".
كلمة للمأمون في مدح الرجال
حدّثني المعلّى بن أيوب قال: سمعت المأمون يقول: "من مدح لنا رجلاً فقد تضمّن عيبه".
باب صحبة السلطان وآدابهم وتغير السلطان وتلوّنه
وصية العباس لابنه عبد اللّه
حدّثني
محمد بن عبيد قال: حدّثنا أبو أسامة عن مجالد الشّعبي عن عبد اللّه بن عباس قال:
قال لي أبي: "يا بنيّ إني أرى أمير المؤمنين يستخليك ويستشيرك ويقدّمك على
الأكابر من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وإني أوصيك بخلال أربع: لا
تفشينّ له سرّاً، ولا يجرّبنّ عليك كذباً، ولا تغتابن عنده أحداً، ولا تطو عنه
نصيحةقال الشّعبي: قلت لابن عباس: كل واحد خير من الف. إي واللّه ومن عشرة آلاف.
كان يقال: "إذا جعلك السلطان أخا فاجعله أبا، وإن زادك فزده".
نصيحة زياد لابنه
قال زياد لابنه: "إذا دخلت على أمير المؤمنين فادع له ثم اصفح صفحاً جميلاً، ولا يرينّ منك تهلكاً عليه ولا انقباضاً عنه".
كلمة لمسلم بن عمرو في خدمة السلطان
قال مسلم بن عمرو: "ينبغي لمن خدم السلطان ألا يغترّ بهم إذا رضوا عنه ولا يتغير لهم إذا سخطوا عليه ولا يستثقل ما حمّلوه ولا يلحف في مسالتّهم".
من كتاب للهند في صحبة السلطان ولزوم بابه
وقرأت
في كتاب للهند: "صحبة السلطان على ما فيهم من العز والثروة عظيمة الخطار، وإنما
تشبّه بالجبل الوعر فيه الثمار الطيبة والسباع العادية، فالارتقاء إليه شديد
والمقام فيه أشدّ، وليس يتكافأ خير السلطان وشره لأنّ خير السلطان لا يعدو مزيد
الحال، وشر السلطان قد يزيل الحال ويتلف النفوس التي لها طلب المزيد، ولا خير في
الشيء الذي سلامته مال وجاه وفي نكبته الجائحة والتلف".
وقرأت فيه: "من لزم باب السلطان بصبر جميل وكظم للغيظ واطّرح للأنفة، وصل إلى
حاجته".
وقرأت فيه: "السلطان لا يتوخى بكرامته الأفضل فالأفضل ولكن الأدنى فالأدنى
كالكرم لا يتعلق بأكرم الشجر ولكن بأدناهم منه".
كلام العرب
وكانت العرب تقول: "إذا لم تكن من قربان الأمير فكن من بعدانه".
لابن المقفع في صحبة السلطان
وقرأت
في آداب ابن المقفع: "لا تكوننّ صحبتك للسلطان إلا بعد رياضة منك لنفسك عن
طاعتهم في المكروه عندك وموافقتهم فيما خالفك وتقدير الأمور على أهوائهم دون هواك،
فإن كنت حافظاً إذا ولّوك، حذراً إذا قرّبوك، أميناً إذا ائتمنوك، تعلمهم وكأنك
تتعلم منهم، وتؤدبهم وكأنك تتأدب بهم، وتشكر لهم ولا تكلفهم الشكر، ذليلاً إن
صرموك، راضياً إن أسخطوك، وإلا فالبعد منهم كلّ البعد والحذر منهم كلّ الحذر. وإن
وجدت عن السلطان وصحبته غنًى فاستغن به فإنه من يخدم السلطان بحقّه يحل بينه وبين
لذة الدنيا وعمل الآخرة، ومن يخدمه بغير حقه يحتمل الفضيحة في الدنيا والوزر في
الآخرة".
وقال: "إذا صبحت السلطان فعليك بطول الملازمة في غير طول المعاتبة، وإذا نزلت
منه منزلة الثقة فاعزل عنه كلام الملق ولا تكنثرن له في الدعاء إلا أن تكنلمه على
رؤوس الناس ولا يكوننّ طلبك ما عنده بالمسألة ولا تستبطئنّه إن أبطأ. اطلبه
بالاستحقاق ولا تخبرنه أن لك عليه حقاً وأنك تعتدّ عليه ببلاء. وإن استطعت ألا
ينسى حقّك وبلاءك بتجديد النصح والاجتهم فافعل. ولا تعطينه المجهود كله في أوّل
صحبتك له فلا تجد موضعاً للمزيد ولكن دع للمزيد موضعاً. وإذا سأل غيرك فلا تكن
المجيب. واعلم أن استلابك للكلام خفةٌ بك واستخفاف منك بالسائل والمسؤول، فما أنت
قائل إن قال لك السائل: ما إياك سألت، وقال لك المسؤول: اجب أيهم المعجب بنفسه
المستخفّ بسلطانه? وقال: "مثل صاحب السلطان مثل راكب الأسد يهم به الناس وهو
لمركبه أهيب".
نصيحة عبد الملك بن صالح المؤدب ولده
وقال عبد الملك بن صالح لمؤدّب ولده بعد أن اختصه لمجالسته وحادثته: "كن على
التماس الحظ بالسكوت أحرص منك على التماسه بالكلام فإنهم قالوا: إذا أعجبك الكلام
فاصمت وإذا اعجبك الصمت فتكنلم. يا عبد الرحمن لا تساعدني على ما يقبح بي ولا
تردّنّ عليّ الخطأ في مجلسي، ولا تكلّفني جواب التشميت والتّهنئة ولا جواب السؤال
والتعزية، ودع عنك كيف أصبح الأمير وأمسى. وكلّمني بقدر ما استنطقتك واجعل بدل
التقريظ لي حسن الاستماع مني، واعلم أن صواب الاستماع أقل من صواب القول، وإذا
سمعتني أتحدّث فأرني فهمك في طرفك وتوقّفك ولا تجهد نفسك في تطرية صوابي، ولا
تستدع الزيادة من كلامي بما تظهر من استحسان ما يكون مني، فمن أسوأ حالاً ممن
يستكدّ الملوك بالباطل فيدلّ على تهاونه، وما ظنك بالملك وقد أحلّك محلّ المعجب
بما تسمع منه وقد أحللته محل من لا يسمع منه? وأقل من هذا يحبط إحسانك ويسقط حقّ
حرمةٍ إن كانت لك. إني جعلتك مؤدّباً بعد أن كنت معلّماً وجعلتك جليساً مقرّباً
بعد أن كنت مع الصبيان مباعداً ومتى لم تعرف نقصان ما خرجت منه لم تعرف رجحان ما
دخلت فيه، ومن لم يعرف سوء ما يولّى لم يعرف حسن ما يبلى".
بين أبي مسلم الخراساني والسفاح
دخل أبو مسلم على أبي العباس وعنده أبو جعفر فسلّم على أبي العباس فقال له: يا أبا مسلم، هذا أبو جعفر! فقال: يا أمير المؤمنين، هذا موضع لا يقضى فيه إلا حقك.
للفضل بن الربيع في مسألة الملوك
قال الفضل بن الربيع: "مسألة الملوك عن أحوالهم من تحيات النّوكى، فإذا أردت أن تقول: كيف أصبح الأمير، فقل: صبّح اللّه الأمير بالكرامة. وإذا أردت أن تقول: كيف يجد الأمير نفسه، فقل: أنزل اللّه على الأمير الشفاء والرحمة، فإن المسألة توجب الجواب، فإن لم يجبك اشتدّ عليك وإن اجابك اشتدّ عليه".
لابن المقفع في ما يجب سلوكه مع السلطان
وقرأت في آداب ابن المقفع: "جانب المسخوط عليه والظّنين عند السلطان ولا يجمعنك وإياه مجلس ولا منزل ولا تظهران له عذراً ولا تثن عليه عند أحد، فإذا رأيته قد بلغ في الانتقام ما ترجو أن يلين بعده فاعمل في رضاه عنك برفق وتلطّف، ولا تسارّ في مجلس السلطان أحداً، ولا تومىء إليه بجفنك وعينك فإن السّرار يخيّل إلى كل من رآه من ذي سلطان وغيره أنه المراد به، وإذا كلّمك فاصغ إلى كلامه ولا تشغل طرفك عنه بنظر ولا قلبك بحديث نفس".
من كتاب الهند في آداب الوزير مع السلطان
وقرأت في كتاب للهند أنه أهدي لملك الهند ثياب وحلي، فدعا بامرأتين له وخيّر أحظاهما عنده بين اللباس والحلية، وكان وزيره حاضراً، فنظرت المرأة إليه كالمستشيرة له فغمزها باللباس تغضيناً بعينه، ولحظه الملك، فاختارت الحلية لئلا يفطن للغمزة، ومكث الوزير أربعين سنة كاسراً عينه لئلا تقرّ تلك في نفس الملك وليظنّ أنه عادة أو خلقة، وصار اللباس للأخرى فلما حضرت الملك الوفاة قال لولده: توصّ بالوزير خيراً فإنه اعتذر من شيء يسير أربعين سنة.
لشبيب بن شيبة فيمن يخدم السلطان
قال شبيب بن شيبة: "ينبغي لمن ساير خليفة أن يكون بالموضع الذي إذا أراد الخليفة أن يسأله عن شيء لم يحتج إلى أن يلتفت، ويكون من ناحية إن التفت لم تستقبله الشمس. وإن سار بين يديه أن يحيد عن سنن الريح التي تؤدّي الغبار إلى وجهه".
نصيحة ناسك لآخر
قال رجل من النساك لآخر: "إن ابتليت بأن تدخل إلى السلطان مع الناس فأخذوا في الثناء فعليك بالدعاء".
بين المأمون ويحيى بن أكثم
قال
ثمامة: كان يحيى بن أكثم يماشي المأمون يوماً في بستان موسى والشمس عن يسار يحيى
والمأمون في الظل وقد وضع يده على عاتق يحيى وهما يتحادثان حتى بلغ حيث أراد ثم
كرّ راجعاً في الطريق التي بدأ فيهم فقال ليحيى: كانت الشمس عليك لأنك كنت على
يساري وقد نالت منك فكن الآن حيث كنت وأتحوّل أنا حيث كنت. فقال يحيى: واللّه يا
أمير المؤمنين لو أمكنني أن أقيك هول المطلع بنفسي لفعلت. فقال المأمون: لا واللّه
لابدٌّ من أن تأخذ الشمس مني مثل ما أخذت منك. فتحوّل يحيى وأخذ من الظل مثل الذي
أخذ منه المأمون.
وقال المأمون: "أوّل العدل أن يعدل الرجل على بطانته ثم على الذين يلونهم حتى
يبلغ العدل الطبقة السفلى".للأحنف في الانقباض على السلطان
المدئني قال: قال الأحنف: "لا تنقبضوا عن السلطان ولا تهالكوا عليه فإنه من أشرف للسلطان أذراه، ومن تضرّع له أحظاه".
????????????????????لحذيفة بن اليمان في التعرض لسلطان اللّه في الأرض
حدّثني يزيد بن عمرو وقال: حدّثني محمد بن عمرو الرومي قال: حدّثنا زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع، قال: قال حذيفة بن اليمان: "ما مشى قوم قطّ إلى سلطان اللّه في الأرض ليذلّوه إلا أذلّهم اللّه قبل أن يموتوا".
لهشام بن عبد الملك في صحبة السلطان
???وفي أخبار خالد بن صفوان أنه قال: دخلت على هشام بن عبد الملك فاستدناني حتى كنت أقرب الناس منه فتنفّس ثم قال: يا خالد، لربّ خالدٍ قعد مقعدك هذا أشهى إليّ حديثاً منك. فعلمت أنه يعني خالد بن عبد اللّه. فقلت: يا أمير المؤمنين، أفلا تعيده? فقال: إن خالداً أدلّ فأملّ وأوجف فأعجف ولم يدع لراجع مرجعاً، على أنه ما سألني حاجة. فقلت: يا أمير المؤمنين، ذاك أحرى. فقال: هيهات.
إذا لنصرفت نفسي عن الشيء لم تكن |
|
إليه بوجهٍ آخر الـدهـر تـقـبـل |
بين منكة الهندي ويحيى بن خالد البرمكي
حدّثنا
الفضل بن محمد بن منصور بمعنى هذا الحديث، وببعضه نهيك: اعتل يحيى بن خالد فبعث
إلى منكة الهندي فقال له: ما ترى في هذه العلة? فقال منكة: داؤك كبير ودواؤه يسير
وأيسر منه الشكر. وكان متفنناً. فقال له يحيى: ربما ثقل على السمع خطرة الحقّ به،
فإذا كان ذلك كانت الهجرة له ألزم من المفاوضة فيه. قال منكة: صدقت ولكني أرى في
الطوالع أثراً والأمد فيه قريب وأنت قسيم في المعرفة وقد نبهت، وربما تكون صورة
الحركة للكوكب عقيمة ليست بذات نتاج ولكن الأخذ بالحزم أوفر حظ الطالبين. قال
يحيى: للأمور منصرف إلى العواقب وما حتم لا بد من أن يقع، والمنعة بمسالمة الأيام
نهزة فاقصد لما دعوتك له من هذا الأثر الموجود بالمزاج. قال منكة: هي الصفراء
مازجتهم مائيةٌ من البلغم فحدّث لهم بذلك ما يحدّث اللّهب عند مماسّته رطوبة المادة
من الاشتعال فخذ ماء رمّانتين فدقّهما بإهليلجة سوداء تنهضك مجلساً أو مجلسين
وتسكّن ذلك التوقد الذي تجد إن شاء اللّه.
فلما كان من حديثهم الذي كان، تلّطف منكة حتى دخل على يحيى في الحبس فوجده جالساً
على لبد ووجد الفضل بين يديه يمهن أي يخدم، فاستعبر منكة وقال: قد كنت ناديت لو
أعرت الإجابة. قال له يحيى: أتراك علمت من ذلك شيئاً جهلته? كلا ولكنه كان الرجاء
للسلامة بالبراءة من الذنب أغلب من الشّفق وكان مزايلة القدر الخطير عبئاً قلّما
تنهض به الهمة. وبعد فقد كانت نعمٌ أرجو أن يكون أوّلهم شكراً وآخرهم أجراً. فما تقول
في هذا الداء? قال له منكة: ما أرى له دواء أنجع من الصبر، ولو كان يفدي بمال أو
مفارقة عضو كان ذلك مما يجب لك. قال يحيى: قد شكرت لك ما ذكرت فإن أمكنك تعهدنا
فافعل. قال منكة: لو أمكنني تخليف الروح عندك ما بخلت بذلك، فإنما كانت الأيام
تحسن لي بسلامتك. قال الفضل كان يحيى يقول: دخلنا في الدنيا دخولاً أخرجنا منهم .
من كتاب الهند في قلة وفاء السلطان لأصحابه
وقرأت في كتاب للهند: "إنما مثل السلطان في قلة وفائه للأصحاب وسخاء نفسه عمن فقد منهم مثل البغيّ والمكتّب، كلما ذهب واحد جاء بآخر".
للعرب في وصف السلطان
والعرب تقول: "السلطان ذو عدوانٍ وذو بدوانٍ وذو تدرٍأ"، يريدون أنه سريع الإنصراف كثير البدوات هجومٌ على الأمور".
لأبي مسلم الخرساني في أن المعرفة لا تقدر
على دفع المقدّر المحتوم
قال معاذ بن مسلم: رأيت أبا جعفر وأبا مسلم دخلا الكعبة فنزع أبو جعفر نعله فلما
أراد الخروج قال: يا عبد الرحمن، هم ت نعليّ. فجاء بهم ، فقال: يا معاذ ضعهم في
رجلي. فألبسته إياهم فحقد ذلك أبو مسلم. ووجّه أبو جعفر يقطين بن موسى إلى أبي
مسلم لإحصاء الأموال فقال أبو مسلم: أفعلهم ابن سلامة الفاعلة? لا يكّني. فقال
يقطين: عجّلت أيهم الأمير، قال: وكيف? قال: أمرني أن أحصي الأموال ثم أسلّمهم إليك
لتعمل فيهم برأيك. ثم قدم يقطين على المنصور فأخبره. فلما قدم أبو مسلم المدائن في
اليوم الذي قتل فيه جعل يضرب بالسوط معرفة برذونه ويقول بالفارسية كلاماً معناه:
ما تغني المعرفة إذا لم يقدر على دفع المحتوم. ثم قال: جارّة ذيلهم. تدعو يا ويلهم
، بدجلة أو حولهم ، كأنا بعد ساعة،قد صرنا في دجلة.
من كلام أبي جعفر المنصور
قال المنصور: "ثلاث كنّ في صدري شفى الله منهم: كتاب أبي مسلم إليّ وأنا خليفة: عافانا اللّه وإياك من السوء. ودخول رسوله عليّنا وقوله: أيكم ابن الحارثيّة? وضرب سليمان بن حبيب ظهري بالسياط".
بين المنصور وسلم بن قتيبة في قتل أبي مسلم الخراساني
قال المنصور لسلم بن قتيبة: ما ترى في قتل أبي مسلم? فقال سلم: "لو كان فيهما آلهة إلا اللّه لفسدتافقال: حسبك يابا أميّة.
شعر لأبي دلامة
قال أبو دلامة:
أبا مجرم ماغيّر اللّه نـعـمة |
|
على عبد ه حتى يغيّرهم العبد |
أفي دولة المهديّ حاولت غدرة |
|
ألا إن أهل الغدر آباؤك الكرد |
أبا مجرم خوفتني القتل فانتحى |
|
عليك بما خوفتني الأسد الورد |
بين مروان بن محمد و عبد الحميد الكاتب
قال مروان بن محمد لعبد الحميد حين أيقن بزوال ملكه: "قد احتجت إلى أن تصير مع عدوّي وتظهر الغدر بي، فإن إعجابهم بأدبك وحاجتهم إلى كتابك تدعوهم إلى حسن الظن بك، فإن استطعت أن تنفعني في حياتي وإلا لم تعجز عن حفظ حرمتي بعد وفاتيفقال عبد الحميد: إن الذي أمرتني به أنفع الأمرين لك وأقبحهما بي وما عندي إلا الصبر معك حتى يفتح الله لك أو أقتل معك. وقال:
أسرّ وفـاء ثـم اظـهـر غـدرة |
|
فمن لي بعذرٍ يوسع الناس ظاهره |
المشاورة والرأي
عن الحسن في مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم النساء
حدّثنا الزّياديّ قال: حدّثنا حماد بن زيد عن هشان عن الحسن قال: "كان النبيّ يستشير حتى المرأة فتشير عليه بالشيء فيأخذ به
من كتاب التاج في استشارة الملك
وقرأت في التاج أن بعض ملوك العجم استشار وزراءه، فقال أحدهم: "لا ينبغي للملك أن يستشير منا أحداً إلا خالياً به، فإن أموت للسر وأحزم للرأي وأجدر بالسلامة وأعفى لبعضنا من غائلة بعض. فإن إفشاء السر إلى رجل واحد أوثق من إفشائه إلى اثنين، وإفشاءه إلى ثلاث كإفشائه إلى العامّة لأن الواحد رهن بما أفشي إليه، والثاني يطلق عنه ذلك الرهن والثالث علاوة فيه، وإذا كان سر الرجل عند واحد كان أحرى ألا يظهره رهبةً منه ورغبة إليه، وإذا كان عند اثنين دخلت على الملك الشبهة واتسعت على الرجلين المعاريض، فإن عاقبهما عاقب اثنين بذنب واحد، وإن آتهمهما اتهم بريئاً بجناية مجرم، وإن عفا عنهما كان العفو عن أحدهما ولا ذنب له وعن الآخر ولا حجة معه
أيضاً من كتاب الهند في الاستشارة
وقرأت في كتاب للهند أن ملكاً استشار وزراء له، فقال أحدهم: "الملك الحازم يزداد برأي الوزراء الحزمة كما يزداد البحر بموادّه من الأنهم ر، وينال بالحزم والرأي مالايناله بالقوّة و الجنود، وللأسرار منازل: منهم ما يدخل الرهط فيه، ومنهم ما يستعان فيه بقوم، ومنهم ما يستغنى فيه بواحد. وفي تحصين السر الظّفر بالحاجة والسلامة من الخلل. والمستشير وإن كان أفضل رأياً من المشير، فإنه يزداد برأيه رأياً كما تزداد النار بالسّليط ضوءاً. وإذا كان الملك محصّناً لسره بعيداً من أن يعرف ما في نفسه متخيّراً للوزراء مهيباً في أنفس العامة كافياً بحسن البلاء لا يخافه البريء ولا يأمنه المريب مقدّراً لما يفيد وينفق، كان خليقاً لبقاء ملكه. ولا يصلح لسرّنا هذا إلا لسانان وأربع آذان. ثم خلا به
من كتاب إلى بعض السلاطين
قال أبو محمد: كتبن إلى بعض السلاطين كتاباً وفي فصل منه: "لم يزل حزمة
الرجال يستحلون مرارة قول النصحاء ويستشهدون العيوب ويستثيرون صواب الرأي من كلٍّ
حتى الأمة الوكعاء، ومن احتاج إلى إقامة دليل على ما يدّعيه من مودّته ونقاء
طويّته فقد أغناني اللّه عن ذلك بما أوجبه الاضطرار إذ كنت أرجو بدوام نعمتكن
وارتفاع درجتكن وانبساط جاهك ويدك زيادة الحال ?????????وفي فصل آخر: "وقد
تحملت في هذا الكتاب بعض العتب وخالفت ما أعلم إذ عرضت بالرأي ولم أستشر وأحللت
نفسي محل الخواصّ ولم أحل ونزعت بي النفس، حين جاشت وضاقت بما تسمع، عن طريق
الصواب لهم إلى طريق الصواب لك، وحين رأيت لسان عدوّك منبسطاً بما يدّعيه عليك
وسهامه نافذة، ورأيت وليّك معكوماً عن الاحتجاج إذ لا يجد العذر ورأيت عوامّ الناس
يخوضون بضروب الأقاويل في أمرك، ولا شيء أضرّ على السلطان في حال ولا أنفع في حال
منهم. وبما يجريه اللّه على ألسنتهم تسير الركبان وتبقى الأخبار ويخلد الذكر على
الدهر وتشرف الأعقاب، وظاهر الخبر عندهم أعدل من شهم دة العدول الثقات وفي فصل
منه: "وسائس الناس ومدبر أمورهم يحتاج إلى سعة الصدر واستشعار الصبر واحتمال
سوء أدب العامّة وإفهام الجاهل وإرضاء المحكوم عليه والممنوع مما يسأل بتعريفه من
أين منع، والناس لا يجمعون على الرضا إذا جمع لهم كل أسباب الرضا فكيف إذا منعوا
بعضهم ، ولايعذرون بالعذر الواضح فكيف بالعذر الملتبس، وأخوك من صدقك وآرتمض لك،
لا من تابعك على هواك ثم غاب عنك بغير ما أحضرك
لزياد يشاور رجلاً
قال زياد لرجل يشاوره: "لكل مستشير ثقة ولكل سر مستودع، وإن الناس قد ابدعت بهم خصلتان: إضاعة السر، وإحراج النصيحة. وليس موضع السر إلا أحد رجلين: رجل آخرة يرجو ثواب اللّه، أو رجل دنيا له شرف في نفسه وعقل يصون به حسبه، وقد عجمتهما لك".
لبعض الكتّاب في النّصح والغشّ
وكتب
بعض الكتّاب: "اعلم أن الناصح لك المشفق عليك من طالع لك وراء العواقب برؤيته
ونظره، ومثّل لك الأحوال المخوفة عليك، وخلط لك الوعر بالسهل من كلامه ومشورته
ليكون خوفك كفئاً لرجائك وشكرك إزاء النعمة عليك. وأن الغاشّ لك الحاطب عليك من
مدّ لك في الاغترار ووطّأ لك مهاد الظلم وجرى معك في عنانك منقاداً لهواك".
وفي فصل: "إني وإن كنت ظنيناً عندك في هذا الحال ففي تدبرك صفحات هذه المشورة
ما دلك على أن مخرجهم عن صدق وإخلاص".
لعبيد اللّه بن عمر في المشورة، ثم لنصر بن مالك
إبراهيم
بن المنذر قال: استشار زياد بن عبيد اللّه الحارثي عبيد اللّه بن عمر في أخيه أبي
بكر أن يوليه القضاء، فأشار عليه به، فبعث إلى أبي بكر فامتنع عليه، فبعث زياد إلى
عبيد اللّه يستعين به على أبي بكر، فقال أبو بكر لعبيد اللّه: أنشدك باللّه أترى
لي أن آلي القضاء? قال: اللهم لا. قال زياد: سبحان اللّه! استشرتك فأشرت عليّ به
ثم أسمعك تنهاه! قال: أيها الأمير استشرتني فاجتهدت لك رأيي ونصحتك، واستشارني
فاجتهدت له رأيي ونصحته.
كان نصر بن مالك على شرط أبي مسلم، فلما جاءه إذن أبي جعفر في القدوم عليه استشاره
فنهاه عن ذلك وقال: لا آمنه عليك. قال له أبو جعفر لما صار إليه: استشارك أبو مسلم
في القدوم عليّ فنهيته? قال: نعم. قال: وكيف ذلك? قال: سمعت أخاك ابراهيم الإمام
يحدّث عن أبيه محمد بن عليّ قال: "لايزال الرجل يزاد في رأيه ما نصح لمن
استشاره" وكنت له كذلك وأنا اليوم لك كم كنت له.
لمعاوية في الحلم
قال معاوية: "لقد كنت ألقى الرجل من العرب أعلم أن في قلبه عليّ ضغنا فأستشيره، فيثير إليّ منه بقدر ما يجده في نفسه فلا يزال يوسعني شتماً وأوسعه حلماً حتى يرجع صديقاً أستعين به فيعينني وأستنجده فينجدني
نصيحة ابرويز لابنه في المشورة
وقرأت في كتاب أبرويز إلى ابنه شيرويه وهو في حبسه: "عليك بالمشورة فإنك واحد
في الرجال من ينضج لك الكيّ ويحسم عنك الداء ويخرج لك المستكن ولا يدع لك في عدوّك
فرصة إلا انتهزهم ولا لعدوّك فيك فرصة إلا حصّنها، ولا يمنعك شدّة رأيك في ظنك ولا
علوّ مكانك في نفسك من أن تجمع إلى رأيك رأي غيرك فإن أحمدت اجتنيت وإن ذممت نفيت،
فإن في ذلك خصالاً: منهم أنه إن وافق رأيك ازداد رأسك شدّة عندك، وإن خالف رأيك
عرضته على نظرك، فإن رأيته معتلياً لما رأيت قبلت، وإن رأيته متّضعاً عنه استغنيت،
ومنهم أنه يجدّد لك النصيحة ممن شاورت وإن أخطأ ويمحض لك مودّته وإن قصّر".
من كتاب الهند في المشورة
وفي كتاب للهند: "من التمس من الأخوان الرخصة عند المشورة ومن الأطباء عند المرض ومن الفقهاء عند الشبهة، أخطأ الرأي وازداد مرضاً وحمل الوزر".
من كلام ابن المقفع
وفي آداب ابن المقفع: "لا يقذفن في روعك أنك إن استشرت الرجال ظهر للناس منك الحاجة إلى رأي غيرك، فيقطعك ذاك عن المشاورة، فإنك لا تريد الرأي للفخر به ولكن للانتفاع به. ولو أنك أردت الذكرى كان أحسن الذكر عند الألبّاء أن يقال: لا ينفرد برأيه دون ذوي الرأي من إخوانه.
قول لعمر بن الخطاب في الرأي
قال عمر بن الخطاب: "الرأي الفرد كالخيط السّحيل، والرأيان كالخيطان المبرمين، والثلاثة مرار لا يكاد ينتقض" وقال أشجع:
رأيٌ سرى وعيون الناس هاجعةٌ |
|
ما أخر الحزم رأيٌ قدّم الحذرا |
قول المهلب للحجاج في الرأي
كتب الحجاج إلى المهلّب يستعجله في حرب الأزارقة، فكتب إليه المهلب: "إن من البلاء أن يكون الرأي لمن يملكه دون من يبصره".
من كلام عبد اللّه بن وهب يوم عقدت له الخوارج
وقيل لعبد اللّه بن وهب الراسبيّ يوم عقدت له الخوارج: تكلم. فقال: ما أنا والرأي الفطير والكلام القضيب. وقال أيضاً: خمير الرأي خير من فطيره، ورب شيء غابّه خير من طريّه، وتأخيره خير من تقديمه. وقيل لآخر: تكلّم. فقال: ما أشتهي الخبز إلا بائتاً.
لابن هبيرة في الصحبة
كان
ابن هبيرة يقول: "اللهم إني أعوذ بك من صحبة من غايته خاصة نفسه والإنحطاط في
هوى مستشيره، وممن لا يلتمس خالص مودّتك إلا بالتأتّي لموافقة شهوتكن، ومن يساعدك
على سرور ساعتك ولا يفكر في حوادث غدك".
وكان يقال: "من أعطي أربعاً لم يمنع أربعاً:من أعطي الشكر لم يمنع المزيد،
ومن أعطي التوبة لم يمنع القبول، ومن أعطي المشورة لم يمنع الصواب، ومن أعطي
الاستخارة لم يمنع الخيرة".
فيمن يستشار من أصناف الناس
وكان
يقال: لا تستشر معلّماًولا راعي الغنم ولا كثير القعود مع النساء.
وكان يقال: لاتشاور صاحب حاجة يريد قضاءها ولا جائعاً ولا حاقن بول. وقالوا:
"لا رأي لحاقن ولا لحازق" وهو الذي ضغطه الخف "ولا لحاقب" وهو
الذي يجد رزّا في بطنه.
وقالوا أيضاً: لا تشاور من لا دقيق عنده.
لبعض ملوك العجم في خطأ الرأي
وكان
بعض ملوك العجم إذا شاور مرازبته فقصّروا في الرأي دعا الموكّلين لأرزاقهم
فعاقبهم، فيقولون: تخطىء مرازبتك وتعاقبنا! فيقول: نعم، إنهم لم يخطئوا إلا لتعلّق
قلوبهم بأرزاقهم وإذا اهتموا أخطأوا.
وكان يقال: إنّ النفس إذا أحرزت "قوتهم " ورزقهم اطمأنت.
لكعب فيمن يستشار
وقال كعب: لا تستشيروا الحاكة فإن اللّه سلبهم عقولهم ونزع البركة من كسبهم.
شعر في المشاورة
قال الشاعر:
وأنفع من شاروت من كان ناصحـاً |
|
شفيقاً فأبصر بعدهم من تـشـاور |
وليس بشافـيك الـشـفـيق ورأيه |
|
عزيب ولا ذو الرأي والصدر واغر |
ويقال: علامة الرشد أن تكون النفس مشتاقة وقال آخر:
إذا بلغ الرأي النصيحة فاستـعـن |
|
برأي نصيح أو نصـيحة حـازم |
ولا تحسب الشّورى عليك غضاضة |
|
فإن الخوافي رافـدات الـقـوادم |
وخلّ الهوينا للضعيف ولا تـكـن |
|
نؤوماً فإن الحـزم لـيس بـنـائم |
وأدن من القربى المقرّب نفـسـه |
|
ولا تشهد الشورى أمرأ غير كاتم |
وما خير كفّ أمسك الغلّ أختـهـا |
|
وما خير سيفٍ لـم يؤيّد بـقـائم |
فإنك لم تصطرد الهمّ بالمنى |
|
ولن تبلغ العليّا بغير المكارم |
???????????????????لأعرابي في المشاورة
قال أعرابي: ما غبنت قط حتى يغبن قومي. قيل: وكيف ذلك? قال: لا أفعل شيئاً حتى أشاورهم.
قول لعبسيّ في الحزم والطاعة
قيل لرجل من بني عبس: ما أكثر صوابكم! فقال: نحن ألف رجل وفينا حازم واحد ونحن نطيعه، فكأنا ألف حازم. ويقال: "ليس بين الملك وبين أن يملك رعيته أو تملكه إلا حزم أو توانٍ".
شعر للقطامي، ثم للرياشي، في معصية الناصح
وقال القطامي في معصية الناصح:
ومعصية الشفيق عليك ممـا |
|
يزيدك مرّة منه استمـاعـاً |
وخير الأمر ما استقبلت منـه |
|
وليس بأن تتبّعه اتّـبـاعـاً |
كذلك وما رأيت الـنـاس إلا |
|
إلى ما جرّ غاويهم سراعـاً |
تراهم يغمزون من استركّـوا |
|
ويجتنبون من صدق المصاعا |
وقال آخر: أنشدنيه الرياشيّ:
ومولًى عصاني واستبدّ بـرأيه |
|
كما لم يطع بالبقّتين قـصـير |
فلمّا رأى أن غبّ أمري وأمره |
|
وولّت بأعجاز الأمور صدور |
تمنّى بئيساً أن يكون أطاعنـي |
|
وقد حدّثت بعد الأمور أمـور |
كلام سبيع لأهل اليمامة
وقال سبيع لأهل اليمامة: "يا بني حنيفة بعدا كما بعدت عاد وثمود، أما واللّه لقد أنبأتكم بالأمر قبل وقوعه كأني أسمع جرسه وأبصر غيبه ولكنّكم أبيتم النصيحة فاجتنيتم الندم، وأصبحتم وفي أيديكم من تكذيبي التصديق ومن تهمتي الندامة، وأصبح في يدي من هلاككم البكاء ومن ذلّكم الجزع، وأصبح ما فات غير مردود وما بقي غير مأمون. وإني لمّا رأيتكم تتّهمون النصيحة وتسفّهون الحليم استشعرت منكم اليأس وخفت عليكم البلاء. واللّه ما منعكم اللّه التوبة ولا أخذكم على غرّة ولقد أمهلكم حتى ملّ الواعظ وهن الموعوظ وكنتم كأنما يعنى بما أنتم فيه غيركم".
قول صديق لآخر نصحه
وأشار رجل على صديق له برأي، فقال له: "قد قلت ما يقول الناصح الشفيق الذي يخلط حلو كلامه بمرّه وحزنه بسهله ويحرّك الاشفاق منه ما هو ساكن من غيره، وقد وعيت النصح فيه وقبلته إذ كان مصدره من عند من لا يشكّ في مودته وصافي غيبه، وما زلت بحمد اللّه إلى كل خير طريقاً منهجاً ومهيعاً واضحاً".
كتاب الخليفة عثمان حين أحيط به إلى عليّ رضي اللّه عنهما
وكتب عثمان إلى عليّ حين أحيط به: "أما بعد فإنه قد جاوز الماء الزّبى وبلغ الحزام الطّبيين وقد تجاوز الأمر بي قدره.
فإن كنت مأكولاً فكن خير آكل |
|
وإلا فأدركني ولمّـا أمـزق" |
شعر لأوس بن حجر في المشورة
وقال أوس بن حجر:
وقد أعتب ابن العم إن كنت ظالماً |
|
وأغفرعنه الجهل إن كان أجهلا |
وإن قال لي ماذا ترى? يستشيرني |
|
يجدني ابن عمّ مخلط الأمر مزيلا |
أقيم بدار الحزم ما دام حزمـهـم |
|
وأحر إذا حالت بـأن أتـحـوّلا |
وأستبدل الأمر القـويّ بـغـيره |
|
إذا عقد مأفون الرجال تحـلّـلا |
قول في الأناة
وكان
يقال: "أناة في عواقبهم درك، خير من معاجلة في عواقبهم فوت".
وأنشدني الرياشيّ:
وعاجز الرأي مضياع لفرصته |
|
حتى إذا فات أمرٌ عاتب القدر |
وكان يقال: "روّ بحزم فإذا استوضحت فاعزم".
الإصابة بالظن والرأي
لابن الزبير في الاستدلال بالرأي
كان ابن الزبير يقول: "لا عاش بخير من لم ير برأيه ما لم ير بعينه".
لبعض الحكماء في العقل
وسئل
بعض الحكماء: ما العقل? فقال: "الإصابة بالظن ومعرفة ما لم يكن بما كان وكان
يقال: "كفى مخبراً عما مضى ما بقي، وكفى عبراً لأولي الألباب ما
جرّبوا".
وكان يقال: "كل شيء محتاج إلى العقل، والعقل محتاج إلى التجارب".
ويقال: "ما لم ينفعك ظنه لم ينفعك يقينه".
لأوس بن حجر، وغيره
وقال أوس بن حجر:
الألمعي الذي يظن بـك ال |
|
ظن كأن قد رأى وقد سمعا |
وقال آخر:
وأبغي صواب الظنّ أعـلـم أنـه |
|
إذا طاش ظنّ المرء طاشت مقادره |
للإمام عليّ بن أبي طالب في عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما
وقال عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه في عبد اللّه بن عباس: "إنه لينظر
إلى الغيب من ستر رقيق".
قول في الظن
ويقال:
"ظن الرجل قطعةٌ من عقلهويقال: "الظنون مفاتيح اليقين".
وقال بعض الكتاب:
أصونك أن أظنّ عليك ظناً |
|
لأن الظن مفتاح اليقـين |
شعر للكميت ولغيره في التدبّر
وقال الكميت:
مثل التدبر في الأمر ائتنـافـكـه |
|
والمرء يعجز في الأقوام لا الحيل |
وقال آخر:
وكنت متى تهزز لخطب تـغـشـه |
|
ضرائب أمضى من رقاق المضارب |
تجلّلتـه بـالـرأي حـتـى أريتـه |
|
به ملء عينيه مكـان الـعـواقـب |
ولآخر يصف عاقلاً
وقال آخر يصف عاقلاً:
بصير بأعقاب الأمور كـأنـمـا |
|
يرى بصواب الرأي ما هو واقع |
وقال آخر في مثله:
عليّم بأعقـاب الأمـور بـرأيه |
|
كأنّ له في اليوم عيناً على الغد |
وقال آخر يصف عاقلاً:
عليّم بأعقاب الأمور كأنّمـا |
|
يخاطبه من كل أمر عواقبه |
لجثامة بن قيس يهجو قوماً
وقال جثامة بن قيس يهجو قوماً:
أنتم أناس عظام لا قلوب لكـم |
|
لا تعلمون أجاء الرشد أم غاب |
وتبصرون رؤوس الأمورمقبلةً |
|
ولا ترون وقد ولّين أذنـابـا |
وقلّما يفجأ المكروه صاحـبـه |
|
إذا رأى لوجوه الشر أسبابـاً |
وقال آخر:
فلا يحذرون الشرّ حتى يصيبهم |
|
ولا يعرفون الأمر إلا تدبّـرا |
ويقال: "ظن العاقل كهانة".
من كتاب الهند في طبائع الناس
وفي كتاب للهند: "الناس حازمان وعاجز، فأحد الحازمين الذي إذا نزل به البلاء لم يبطر وتلقّاه بحيلته و رأيه حتى يخرج منه، وأحزم منه العارف بالأمر إذا أقبل فيدفعه قبل وقوعه، والعاجز في تردّد وتثنٍّ حائرٌ بائرٌ لا يأتمر رشداً ولا يطيع مرشداً".
لشاعر في الظن الجميل
وقال الشاعر:
وإني لأرجو اللّه حتى كأنّـنـي |
|
أرى بجميل الظن ما اللّه صانع |
وقال آخر:
وغرّة مرّةٍ من فعـل غـرّ |
|
وغرّة مرّتين فعـال مـوق |
فلا تفرح بأمر قـد تـدنّـى |
|
ولا تأيس من الأمر السّحيق |
فإن القرب يبعد بعد قـرب |
|
ويدنو البعد بالقدر المسـوق |
ومن لم يتق الضّحضاح زلّت |
|
به قدماه في البحر العمـيق |
وما اكتسب المحامد طالبوهم |
|
بمثل البشر والوجه الطّليق |
بين مروان بن الحكم وحبيش بن دلجة
وقال
مروان بن الحكم لحبيش بن دلجة: أظنك أحمق. قال: "أحمق ما يكون الشيخ إذا عمل
بظنّه".
ونقش رجل على خاتمه: "الخاتم خير من الظن ومثله: "طينةٌ خير من
ظنّة".
اتباع الهوى
لعامر بن الظّرب في غلبة الرأي الهوى
كان
يقال: الهوى شريك العمى.
و قال عامر بن الظّرب: الرأي نائم والهوى يقظان، ولذلك يغلب الرأي الهوى.
وقال ابن عباس: "الهوى إله معبود" وقرأ "أفرأيت من اتّخذ إلهه
هواه".
شعر لهشام بن عبد الملك
وقال هشام بن عبد الملك، ولم يقل غيره:
إذا أنت لم تعص الهوى قادك الهوى |
|
إلى بعض ما فيه علـيك مـقـال |
لبزرجمهر في النهي عن اتباع الهوى
وقال بزرجمهر: "إذا اشتبه عليك أمران فلم تدر في أيهما الصواب، فانظر أقربهما إلى هواك فاجتنبه".
ولعمرو بن العاص
كان عمرو بن العاص صاحب عمارة بن الوليد إلى بلاد الحبشة ومع عمرو امرأته فوقعت في نفس عمارة فدفع عمراً في البحر فتعلق بالسفينة وخرج، فلما ورد بلاد الحبشة سعى عمرو بعمارة إلى النّجاشيّ وأخبره أنه يخالف إلى بعض نسائه فدعا النّجاشي بالسواحر فنفخن في إحليله فهام مع الوحش، وقال عمرو في ذلك:
تعلّم عمارا أن من شـرّ شـيمة |
|
لمثلك أن يدعى ابن عم له ابنما |
وإن كنت ذا بردين أحوى مرجّلا |
|
فلست براءٍ لابن عمك محرمـا |
إذا المرء لم يترك طعاماً يحبّـه |
|
ولم يعص قلباً غاوياً حيث يمّمـا |
قضى وطراً منه يسيراً وأصبحت |
|
إذا ذكرت أمثاله تملأ الـفـمـا |
?ومثله لحاتم طيّء ولآخر وقال حاتم طيّء في مثله:
وإنك إن أعطيت بطنك سؤلـه |
|
وفرجك نالا منتهى الذمّ أجمعا |
وقال آخر:
جار الجنيد عليّ محتـكـمـاً |
|
جهلا ولست بموضع الظلـم |
أكل الهوى حججي وربّ هوى |
|
مما سيأكل حجّة الـخـصـم |
?لأعرابي في الهوى قال أعرابي: "الهوى هوان، ولكن غلظ باسمه".
?للزبير بن عبد المطلب وللبريق الهذلي
وقال الزبير بن عبد المطّلب:
وأجتنب المقاذع حيث كانت |
|
وأترك ما هويت لما خشيت |
وقال البريق الهذلي:
ابن لي ما ترى والمرء تأبى |
|
عزيمته ويغلـبـه هـواه |
فيعمى ما يرى فيه عـلـيه |
|
ويحسب مـا يراه لا يراه |
?قول في الأخوة
وكان يقال: "أخوك من صدقك وأتاك من جهة عقلك لا من جهة هواك?
?السر وكتمانه وإعلانه
للرسول صلى الله عليه وسلم في الكتمان
حدّثني
أحمد بن الخليل قال: حدّثنا محمد بن الحصيب قال: حدّثني أوس بن عبد اللّه بن بريدة
عن أخيه سهل عن بريدة قال: قال رسول اللّه: "استعينوا على الحرائج بالكتمان
فإنّ كلّ ذي نعمة محسود"..
للحكماء والعرب في السرّ وكانت الحكماء تقول: "سرّك من دمك والعرب تقول:
"من ارتاد لسره موضعاً فقد أذاعه".
بين ابن أبي محجن ومعاوية
حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه بن قريب عن عمه الأصمعيّ قال: أخبرني بعض أصحابنا قال: دخل ابن أبي محجن الثقفي على معاوية، فقال له معاوية: أبوك الذي يقول:
إذا متّ فادفنّي إلى أصل كـرمة |
|
تروّي عظامي بعد موتي عروقهم |
ولا تدفننّي في الفـلاة فـإنّـنـي |
|
أخاف وراء الموت أن لاأذوقهـم |
فقال ابن أبي محجن: لو شئت ذكرت أحسن من هذا من شعره. فقال معاوية: وما ذاك? قال قوله:
لا تسألي القوم ما مالي وما حسبي |
|
وسائلي القوم ما حزمي وما خلقي |
القوم أعلم أني مـن سـراتـهـم |
|
إذا تطيش يد الرّعديدة الـفـرق |
أعطي السّنان غداة الرّوع حصّتـه |
|
وعامل الرّمح أرويه من العلـق |
قد أركب الهول مسدولاً عساكـره |
|
وأكتم السر فيه ضربة العـنـق |
??شعر للصّلتان العبدي
وأنشدني للصّلتان العبدي:
وسرّك ما كان عند امرىء |
|
وسرّ الثلاثة غير الخفي ? |
الإمام عليّ رضي اللّه عنه وافشاء السر
وكان عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه يتمثّل بهذين البيتين:
ولا تفش سـرّك إلّا إلـيك |
|
فإن لكلّ نصيح نصـيحـا |
فإني رأيت غواة الـرجـا |
|
ل لا يتركون أديما صحيحا |
شعر في كتمان الهوى
وقال الشاعر:
ومراقبين تكاتما بهواهـمـا |
|
جعلا القلوب لما تجنّ قبورا |
يتلاحظان تلاحظا فكأنّـمـا |
|
يتناسخان من الجفون سطورا |
وقال مسكين الدّارمي:
أواخي رجلا لست أطلع بعضهـم |
|
على سر بعض غير أني جماعهم |
يظلّون شتّى في البلاد وسـرّهـم |
|
إلى صخرة أعيا الرّجال انصداعهم |
مما قيل في كتمان السر
وقال:
ولو قدرت على نسيان ما اشتملـت |
|
مني الضّلوع من الأسرار والخبـر |
لكنت أوّل مـن ينـسـى سـرائره |
|
إذ كنت من نشرهم يوماً على خطر |
أسرّ رجلٌ إلى صديق له حديثاً فلما
استقصاه قال له: أفهمت? قال: لا، بل نسيت.
قيل لأعرابي: كيف كتمانك للسر? قال: "ما قلبي له إلا قبر".
وقيل لمزبد: أيّ شيء تحت حضنك? فقال: يا أحمق لم خبّأته. وقال الشاعر:
إذا ما ضاق صدرك عن حديث |
|
فأفشته الرجال فمـن تـلـوم |
إذا عاتبت من أفشى حـديثـي |
|
وسرّي عنده فأنا الـظّـلـوم |
وإني حين أسأم حمـل سـرّي |
|
وقد ضمّنته صـدري سـؤوم |
قيل لرجل: كيف كتمانك للسر? قال:
"أجحد المخبر وأحلف للمستخبر".
وكان يقال: "من وهي الأمر إعلانه قبل إحكامهوقال الشاعر:
إذا أنت حمّلت الخؤون أمانة |
|
فإنك قد أسندتهم شرّ مسند |
لعمرو بن العاص
وقال عمرو بن العاص: "ما استودعت رجلاً سرّاً فأفشاه فلمته، لأني كنت أضيق صدراً حين أستودعته وقال:
إذا أنت لم تحفظ لنفسك سرّهـم |
|
فسرّك عند الناس أفشى وأضيع |
وكان يقال: "من ضاق قلبه اتسع لسانه".
بين الوليد بن عتبة وأبيه
وقال الوليد بن عتبة لأبيه: إن أمير المؤمنين أسرّ إلي حديثاً ولا أراه يطوي عنك ما يبسطه لغيرك، أفلا أحدّثك به? قال: لا يا بني "إنه من كتم سره كان الخيار له، ومن أفشاه كان الخيار عليه، فلا تكون مملوكاً بعد أن كنت مالكاً قال: قلت: وإن هذا ليجري بين الرجل وأبيه? قال: لا، ولكني أكره أن تذلل لسانك بأحاديث السر. فحدّثت به معاوية فقال: يا وليد? أعتقك أخي من رقّ الخطأ.
?لبعض ملوك فارس
وفي
كتب العجم أن بعض ملوك فارس قال: "صونوا أسراركم فإنه لا سر لكم إلا في ثلاثة
مواضع: مكيدة تحاول أو منزلة تزاول أو سريرة مدخولة تكتم، ولا حاجة لأحد منكم في
ظهور شيء منهم عنه".
وكان يقال: "ما كنت كاتمه من عدوك فلا تظهر عليه صديقك".
لجميل بن معمر ثم لابن أبي ربيعة
وقال جميل بن أبي معمر:
أموت و ألقى اللّه يا بثن لم أبح |
|
بسرّك والمستخبرون كثيرون |
وقال عمر بن أبي ربيعة المخزومي:
ولما تلاقينا عرفت الـذي بـهـم |
|
كمثل الذي بي حذوك النعل بالنعل |
فقالت وأرخت جانب السّتر إنمـا |
|
معي فتكلّم غير ذي رقبة أهلـي |
فقلت لهم ما بي لهم من تـرقّـب |
|
ولكنّ سرّي ليس يحمله مثـلـي |
يريد أنه ليس يحمله أحد مثلي في صيانته وستره، أي فلا أبديه لأحد.
لزهير بن أبي سلمى
وقال زهير:
السّتر دون الفاحشات ولا |
|
يلقاك دون الخير من ستر |
وقال آخر:
فسرّي كإعلاني وتلك خليقتـي |
|
وظلمة ليلي مثل ضوء نهم ريا |
وقال
آخر لأخٍ له وحدّثه بحديث: اجعل هذا في وعاء غير سرب. والسّرب السائل.
وكان يقال: "للقائل على السامع جمع البال والكتمان وبسط العذر".
وكان يقال: "الرّعاية خير من الاسترعاء".
بين عبيد اللّه بن زياد وابن همام السلولي
أتى رجل عبيد اللّه بن زياد فأخبره: أن عبد اللّه بن همّام السلّولي سبّه. فأرسل إليه فأتاه فقال: يا بن همام إن هذا يزعم أنك قلت: كذا وكذا. فقال ابن همّام:
فأنت امرؤ إمّا ائتمنتك خالـياً |
|
فخنت، وإمّا قلت قولاً بلا علم |
وإنك في الأمر الذي قد أتيتـه |
|
لفي منزل بين الخيانة والإثـم |
وقال آخر:
اخفض الصّوت إن نطقت بليل |
|
والتفت بالنهار قبل الـكـلام |
لبعض الأعراب في كتم السر، ولأبي الشيص
وقال بعض الأعراب:
ولا أكتم الأسرار لكن أنـمّـهـا |
|
ولا أدع الأسرار تغلي على قلبي |
وإن قليل العقل من بات لـيلـه |
|
تقلّبه الأسرار جنباً إلى جـنـب |
وقال أبو الشيص:
لا تأمنن على سـرّي وسـرّكـم |
|
غيري وغيرك أو طيّ القراطيس |
أو طائرٍ سأحـلّـيه وأنـعـتـه |
|
ما زال صاحب تنقير وتأسـيس |
سودٌ بـراثـنـه مـيلٌ ذوائبــه |
|
صفرٌ حمالقه في الحسن مغموس |
قد كان همّ سليمـان لـيذبـحـه |
|
لولا سعايته يومـاً بـبـلـقـيس |
وقال أيضاً:
أفضى إليك بسرّه قـلـمٌ |
|
لو كان يعرفه بكى قلمه |
لمسلم بن الوليد
وقال مسلم بن الوليد: في الكتاب يأتيك فيه السر.
الحزم تخريقه إن كنت ذا حـذر |
|
وإنما الحزم سوء الظنّ بالناس |
إذا أتاك وقـد أدّى أمـانـتـه |
|
فاجعل صيانته في بطن أرماس |
وقال آخر:
سأكتمه سرّي وأحفظ سرّه |
|
ولا غرّني أني عليه كريم |
حليمٌ فينسى أو جهولٌ يشيعه |
|
ومن الناس إلا جاهل وحليم |
الكّتاب والكتابة
للرسول عليه الصلاة والسلام
حدّثنا
إسحاق بن راهويه عن وهب بن جرير عن أبيه عن يونس بن عبيد عن الحسن عن عمرو بن ثعلب
عن النبيّ قال: "من أشراط الساعة أن يفيض المال ويظهر القلم وتفشو التجارقال
عمرو: إن كنا لنلتمس في الحواء العظيم الكاتب، ويبيع الرجل البيع فيقول: حتى
استأمن تاجر بني فلان.
حدّثنا أحمد بن الخليل عن اسماعيل بن آبان عن عنبسة بن عبد الرحمن القرشيّ عن محمد
بن زاذان عن أمّ سعد عن زيد بن ثابت قال: دخلت على رسول اللّه وهو يملي في بعض
حوائجه فقال: "ضع القلم على أذنك فإنه أذكر للمملى به".
عن وهب قال ادريس عليه السلام أول من خط بالقلم
وحدّثني عبد الرحمن بن عبد المنعم عن أبيه عن وهب قال: "كان إدريس النبيّ عليه السلام أوّل من خطّ بالقلم وأوّل من خاط الثياب ولبسهم وكان من قبله يلبسون الجلود".
بين عمر بن الخطاب وأبي موسى الأشعريّ
حدّثنا
إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا جرير عن يزيد بن أبي زياد عن عياض بن أبي موسى أن عمر
بن الخطّاب قال لأبي موسى: ادع لي كاتبك ليقرأ لنا صحفاً جاءت من الشأم.
فقال أبو موسى: إنه لا يدخل المسجد. قال عمر: أبه جنابة? قال: لا، ولكنّه نصراني.
قال: فرفع يده فضرب فخذه حتى كاد يكسرهم ثم قال: ما لك! قاتلّك اللّه! أما سمعت
قول اللّه عز وجل "ياأيّها الّذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنّصارى
أولياء"! ألا اتخذت رجلاً حنيفياً! فقال أبو موسى: له دينه ولي كتابته. فقال
عمر: "لا أكرمهم إذ أهانهم اللّه ولا أعزّهم إذ أذلّهم اللّه ولا أدنيهم إذ
أقصاهم اللّه".
لعمر بن الخطاب في عدم اتخاذ بطانة من دون المؤمنين
حدّثنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا عيسى بين يونس قال: حدّثنا أبو حيّان التّيمي عن أبي زنباع عن أبي الدّهقانة قال: ذكر لعمر بن الخطّاب غلام كاتب حافظ من أهل الحيرة وكان نصرانياً، فقيل له: لو اتخذته كاتباً. فقال "لقد اتخذت إذاً بطانةً من دون المؤمنين".
أول من وضع كتابة العربية
حدّثني أبو حاتم قال: مرامر بن مروة من أهل الأنبار وهو الذي وضع كتابة العربيّة، ومن الأنبار انتشرت في الناس.
بين الرسول صلى الله عليه وسلم والزبير بن العوام
حدّثني أبو سهل عن الطّنفاسي عن المنكدر بن محمد عن أبيه محمد بن المنكدر قال: جاء الزّبير بن العوّام إلى النبيّ فقال: كيف أصبحت? جعلني اللّه فداك! قال: "ما تركت أعرابيّتك بعد".
وصية عبد الملك بن مروان لأخيه عبد العزيز
قال عبد الملك بن مروان لأخيه عبد العزيز حين وجّهه إلى مصر: "تفقّد كاتبك وحاجبك وجليسك، فإن الغائب يخبّره عنك كاتبك، والمتوسّم يعرفك بحاجبك، والداخل عليك يعرفك بجليسك".
بين عمر بن عبد العزيز وعبد الحميد بن الخطاب
ابن أبي الزّناد عن أبيه قال: كنت كاتباً لعمر بن عبد العزيز فكان يكتب إلى عبد الحميد ابن عبد الرحمن بن زيد بن الخطّاب في المظالم فيراجعه، فكتب إليه: "إنه ليخيّل إلي أني لو كتبت إليك أن تعطي رجلاً شاة لكتبت إليّ: أضأن أم ماعز، ولو كتبت إليك بأحدهما لكتبت: أذكر أم أنثى، ولو كتبت إليك بأحدهما لكتبت: أصغير أم كبير. فإذا أتاك كتابي هذا فلا تراجعني في مظلمة".
بين أبي جعفر المنصور
وسلم بن قتيبة في صفات الكاتب
وكتب أبو جعفر إلى سلم بن قتيبة يأمره بهدم دور من خرج مع إبراهيم وعقر نخلهم. فكتب إليه: بأي ذلك نبدأ بالنخل أم بالدّور? فكتب إليه أبو جعفر: "أما بعد، فإني لو أمرتك بإفساد ثمرهم لكتبت إليّ تستأذن في أيّه تبدأ أبالبرنيّ أم بالشّهريز?" وعزله، وولى محمد بن سليمان. وكان يقول: "للكاتب على الملك ثلاثة، رفع الحجاب عنه، واتّهم م الوشاة عليه، وإفشاء السرّ إليه".
للعجم في صفات الكاتب
كانت العجم تقول:"من لم يكن عالماً بإجراء المياه وبحفر فرض الماء والمسارب وردم المهاوي ومجاري الأيام في الزيادة والنقصان واستهلال القمر وأفعاله ووزن الموازين وذرع المثلّث والمربّع والمختلف الزّوايا ونصب القناطر والجسور والدّوالي والنواعير على المياه وحال أدوات الصنّاع ودقائق الحساب كان ناقصاً في حال كتابته".
لميمون بن ميمون
قال ميمون بن ميمون: "إذا كانت لك إلى كاتب حاجةٌ فليكن رسولك إليه الطمع وقال: "إذا آخيت الوزير فلا تخش الأمير".
من كتاب الهند في الوزير
وفي كتاب للهند: "إذا كان الوزير يساوي الملك في المال والهيبة والطاعة من الناس فليصرعه الملك، وإن لم يفعل فليعلم أنه هو المصروع".
بين عبيد اللّه بن زياد وكاتب أبيه
المدائني قال: خلا زياد يوماً في أمر ينظر فيه وعنده كاتب له يكتب وابنه عبيد
اللّه، فنعس زياد فقال لعبيد اللّه: تعهّد هذا لا يكتب شيئاً. ونام، فوجد عبيد
اللّه مسّا من البول فكره أن يوقظ أباه وكره أن يخلّي الكاتب فشدّ إبهاميه بخيط
وختمه وقام لحاجته.
قال أبو عبّاد الكاتب: ما جلس أحد قط بين يدي إلا تخيّل إليّ أني جالس بين يديه.
نصيحة أبرويز لكاتبه
وقرأت في التاج أن أبرويز قال لكاتبه: "أكتم السرّ واصدق الحديث واجتهد في النصيحة واحترس بالحذر، فإن لك عليّ أن ألا أعجل بك حتى أستأني لك ولا أقبل عليك قولاً حتى أستقين ولا أطمع فيك أحداً فيغتالك. واعلم أنك بمنجاة رفعة فلا تحطّنهم وفي ظل مملكة فلا تستزيلنه، وقارب الناس مجاملة عن نفسك وباعد الناس مشايحةً من عدوّك واقصد إلى الجميل ادّراعاً لغدك وتحصّن بالعفاف صوناً لمروءتك وتحسّن عندي بما قدرت عليه من حسن ولا تشرعنّ الألسنة فيك ولا تقبّحنّ الأحدوثة عنك. وصن نفسك صون الدّرّة الصافية وأخلصهم إخلاص الفضّة البيضاء وعاتبهم معاتبة الحذر المشفق وحصّنهم تحصين المدينة المنيعة. لا تدعنّ أن ترفع إليّ الصغير، فإنه يدل على الكبير، ولا تكتمنّ الكبير فإنه ليس شاغلي عن الصغير. هذّب أمورك ثم القني بهم وأحكم لسانك ثم راجعني به ولا تجترئنّ عليّ فأمتعض ولا تنقبض مني فأتّهم ولا تمرّضنّ ما تلقاني به ولا تخدجنّه. وإذا فكرت فلا تعجل وإذا كتبت فلا تعذر، ولا تستعينن بالفضول فإنهم علاوة على الكفاية ولا تقصرن عن التحقيق فإنهم هجنة بالمقالة ولا تلبسنّ كلاماً بكلام ولا تباعدنّ معنى عن معنى. أكرم كتابك عن ثلاث: خضوع يستخفّه، وانتشار يثبّجه، ومعانٍ تقعد به، واجمع الكثير مما تريد في القليل مما تقول، وليكن بسطة كتابك على السّوقة كبسطة ملك الملوك على الملوك، ولا يكن ما تملك عظيماً وما تقول صغيراً فإنما كلام الكاتب على مقدار الملك فاجعله عالياً كعلوّه وفائقاً كفوقه. واعلم أن جمّاع الكلام كله خصال أربع: سؤالك الشيء، وسؤالك عن الشيء، وأمرك بالشيء، وخبرك عن الشيء. فهذه الخلال دعائم المقالات إن التمس لهم خماس لم يوجد وإن نقص منهم رابع لم تتم، فإذا أمرت فأحكم وإذا سألت فأوضح وإذا طلبت فأسجح وإذا أخبرت فحقّق فإنك إذا فعلت ذلك أخذت بحزامير القول كله فلم يشتبه عليك وارده ولم يعجزك منه صادره. أثبت في دواوينك ما أدخلت وأحص فيهم ما أخرجت وتيقّظ لما تأخذ وتجرّد لما تعطي، لا يغلبنك النسيان عن الإحصاء ولا الأناة عن التقدّم ولا تخرجنّ وزن قيراط في غير حقّ، ولا تعظّمن إخراج الكثير في الحق، وليكن ذلك كله عن مؤامرتي".
لرجل في زيّ الكتّاب
قال رجل لبنيه: "يا بني تزيّوا بزي الكتاب فإن فيهم أدب الملوك وتواضع السّوقة".
بين أعرابي والكسائي
قال الكسائي: "لقيت أعرابياً فجعلت أسأله عن الحرف بعد الحرف وعن الشيء بعد الشيء أقرنه بغيره فقال: يا اللّه! ما رأيت رجلاً أقدر، على كلمة إلى جنب كلمة أشبه شيء بهم وأبعد شيء منهم ، منك!".
لابن الأعرابي
وقال ابن الأعرابي: "رآني أعرابي وأنا أكتب الكلمة بعد الكلمة من ألفاظه فقال إنك لحتف الكلمة الشرود".
ولرجل من أهل المدينة في بغداديين
وقال رجل من أهل المدينة: "جلست إلى قوم ببغداد فما رأيت أوزن من أحلامهم ولا أطيش من أقلامهم".
من كاتب إلى صديق له
وكتب
بعض الكتاب إلى صديق له: "وصل إليّ كتابك فما رأيت كتاباً أسهل فنوناً ولا
أملس متوناً ولا أكثر عيوناً ولا أحسن مقاطع ومطالع ولا أشّد على كل مفصل حزًّا
منه. أنجزت فيه عدة الرأي وبشرى الفراسة وعاد الظن بك يقيناً والأمل فيك
مبلوغاً".
ويقال: "عقول الرجال في أطراف أقلامهم ".
ويقال: "القلم أحد اللسانين وخفة العيال أحد اليسارين وتعجيل اليأس أحد
الظّفرين وإملاك العجين أحد الريّعين وحسن التقدير أحد الكاسبين واللّبن أحد
اللحمين وقد يقال: المرق أحد اللحمين.
في الكتابة، وفي وصف الكتّاب
قيل
لبعضهم: إن فلاناً لا يكتب، فقال: تلك الزّمانة الخفية.
وقرأت في بعض كتب العجم أن موبذان موبذ وصف الكتّاب فقال: "كتّاب الملوك
عيبتهم المصونة عندهم وآذانهم الواعية وألسنتهم الشاهدة، لأنه ليس أحد أعظم سعادة
من وزراء الملوك إذا سعدت الملوك، ولا أقرب هلكة من وزراء الملوك إذا هلكت الملوك،
فترفع التّهمة عن الوزراء إذا صارت نصائحهم للملوك نصائحهم لأنفسهم، وتعظم الثقة
بهم حين صار اجتهادهم لأنفسهم فلا يتّهم روح على جسده ويتهم جسد على روحه لأن زوال
ألفتهما زوال نعمتهما، وأن التئام ألفتهما صلاح خاصّتهما".
وقال:
لئن ذهبت إلى الحجّاج يقتلنـي |
|
إني لأحمق من تخدي به العير |
مستحقباً صحفاً تدمى طوابعهم |
|
وفي الصحائف حيّات مناكير |
لبعض الشعراء في القلم
وقال بعض الشعراء في القلم:
عجبت لذي سنّين في الماء نبته |
|
له أثر في كل مصرٍ ومعمر |
وقال بعض المحدّثين في القلم:
ضئيل الرّواء كثـير الـغـنـاء |
|
من البحر في المنصب الأخضر |
كمثل أخي العشق في شخصـه |
|
وفي لونه من بني الأصـفـر |
يمر كـهـيئة مـرّ الـشـجـا |
|
ع في دعص محنـيةٍ أعـفـر |
إذا رأسه صحّ لـم ينـبـعـث |
|
وجاز السبـيل ولـم يبـصـر |
وإن مـديةٌ صـدعـت رأسـه |
|
جرى جري لا هم ئب مقصـر |
يقـضّـي مـآربـه مـقـبـلاً |
|
ويحسمهـم هـيئة الـمـدبـر |
تجود بـكـفّ فـتـى كـفّـه |
|
تسوق الثّراء إلى المـعـسـر |
لأبي تمام يصف القلم
وقال حبيب الطائي يصف القلم:
لك القلم الأعلى الـذي بـشـبـاتـه |
|
يصاب من الأمر الكلى والمفـاصـل |
لعاب الأفاعي القـاتـلات لـعـابـه |
|
وأري الجنى اشتارتـه أيدٍ عـواسـل |
له ريقه طـلٌّ ولـكـنّ وقـعـهـم |
|
بآثاره في الشرق والـغـرب وابـل |
فصيح إذا استنطقتـه وهـو راكـبٌ |
|
وأعجم إن خاطبـتـه وهـو راجـل |
إذا ما امتطى الخمس اللطاف وأفرغت |
|
عليه شعاب الفكر وهـي حـوافـل |
أطاعته أطراف القنـا وتـقـوّضـت |
|
لنجواه تقويض الخيام الـجـحـافـل |
تراه جليلاً شـأنـه وهـو مـرهـفٌ |
|
ضنًى وسمينا خطبه وهـو نـاحـل |
أيضاً لمحمد عبد الملك في وصف القلم
وقال محمد عبد الملك بن صالح الهاشمي يصف القلم:
وأسمر طاوي الكشح أخرس ناطقٍ |
|
له ذملانٌ في بطون المـهـارق |
إذا استعجلته الكفّ أمطر خـالـه |
|
بلا صوت إرعادٍ ولا ضوء بارق |
كأنّ اللآلي والزبرجد نـطـفـه |
|
ونور الخزامى في بطون الحدائق |
في مدح كاتب
وقال بعض المحدّثين يمدح كاتباً:
وإذا تألق في النديّ كلامـه ال |
|
منظوم خلت لسانه من عضبه |
وإذا دجت أقلامه ثم انتـجـت |
|
برقت مصابيح الدّجى في كتبه |
باللفظ يقرب فهمه في بـعـده |
|
منا ويبعد نيلـه فـي قـربـه |
حكم فسائحهم خلال بـنـانـه |
|
متدفق وقليبهم فـي قـلـبـه |
كالروض مؤتلف بحمرة نوره |
|
وبياض زهرته وخضرة عشبه |
لسعيد بن حميد يصف العود، وللطائي في دواة
وقال سعيد بن حميد يصف العود:
وناطق بلسان لا ضـمـير لـه |
|
كأنه فخذ نيطـت إلـى قـدم |
يبدي ضمير سواه في الكلام كما |
|
يبدي ضمير سواه منطق القلـم |
بعث الطائي إلى الحسن بن وهب بدواة ابنوس وكتب إليه:
قد بعثـنـا إلـيك أمّ الـمـنـايا |
|
والعطايا زنـجـيّة الأحـسـاب |
في حشاهم من غير حرب حرابٌ |
|
هي أمضى من مرهفات الحراب |
في وصف الدواة والقلم
وقال ابن أبي كريمة يصف الدواة والقلم:
ومسودّة الأرجاء قد خضت ماءهـم |
|
وروّيت من قعر لهم غير منـبـط |
خميص الحشا يروى على كل مشرب |
|
أميناً على سر الأمير الـمـسـلّـط |
في تسمية الديوان
وقال بعض أهل الأدب: إنما قيل "ديوان" لموضع الكتبة والحسّاب لأنه يقال: للكتّاب بالفارسية "ديوان" أي شياطين، لحذقهم بالأمور ولطفهم، فسمّي موضعهم باسمهم. في معنى الوزير
وقال آخر: إنما قيل لمدير الأمور عن الملك "وزير" من الوزر وهو الحمل، يراد أن يحمل عنه من الأمور مثل الأوزار وهي الأحمال، قال اللّه عز وجل: "ولكنّا حمّلنا أوزاراً من زينة القوم" أي أحمالاً من حليهم، ولهذا قيل للأثم: وزر، شبّه بالحمل على الظهر، قال اللّه تبارك وتعالى: "ووضعنا عنك وزرك الذّي أنقض ظهرك".
شعر لأبي نواس وغيره في كاتب
وكان الناس يستحسنون لأبي النواس قوله:
يا كاتباً كتب الغداة يسـبـنّـي |
|
من ذا يطيق براعة الكـتّـاب |
لم ترض بالاعجام حين سببتني |
|
حتى شكلت عليه بالإعـراب |
وأردت إفهامي فقد أفهمتنـي |
|
وصدقت فيما قلت غير محابي |
وقال آخر:
يا كاتباً تـنـثـر أقـلامـه |
|
من كفّه درجاً على الأسطر |
وقال عديّ بن الرّقاع:
صلى الاله على امرىء ودعته |
|
وأتم نعمته عـلـيه وزادهـم |
ومنه أخذ الكتّاب: وأتم نعمته عليك وزاد فيهم عندك.
للطائيّ، ثم لجرير
وقال حاتم طيء في معنى قولهم متّ قبلك:
إذا ما أتى يوم يفرّق بينـنـا |
|
بموت فكنت أنت الذي تتأخر |
وقال جرير في معناه:
ردّي فؤادي وكوني لي بمنزلتي |
|
يا قبل نفسك لاقى نفسي التف |
لبعض الكتاب إلى ملكٍ رداً على كتابه
كتب بعض الملوك إلى بعض الكتّاب كتاباً دعا له فيه بأمتع اللّه بك، فكتب إليه ذلك الكاتب:
أحلت عما عهدت مـن أدبـك |
|
أم نلت ملكاً فتهت في كتبـك |
أم هل ترى أن في التواضع لل |
|
أخوان نقصاً عليك في حسبك |
أم كان ما كان منك عن غضب |
|
فأيّ شيء أدناك من غضبـك |
إنّ جفـاء كـتـاب ذي مـقة |
|
يكتب في صدره: وأمتع بـك |
للأصمعي في البرامكة
وقال الأصمعيّ في البرامكة:
إذا ذكر الشرك في مجلس |
|
أنارت وجوه بني برمـك |
وإن تليت عـنـدهـم آية |
|
لأتوا بالأحاديث عن مروك |
وقال آخر:
إن الفراغ دعـانـي |
|
إلى ابتناء المساجـد |
وإن رأيي فـيهــم |
|
كرأي يحيى بن خالد |
لابن المقفع في بيت النار
مرّ عبد اللّه بن المقفع ببيت النار، فقال:
يا بيت عاتكة الذي أتعـزّل |
|
حذر العدا وبه الفؤاد موكّل |
لدعبل في أبي عبّاد
وقال دعبل في أبي عبّاد:
أولى الأمور بضيعة وفساد |
|
أمر يدبّره أبـو عـبّـاد |
حنق على جلسائه بدواتـه |
|
فمرمّل ومضمّخ بـمـداد |
وكأنه من دير هرقل مفلتٌ |
|
حردٌ يجرّ سلاسل الأقـياد |
خيانات العمال
لعمربن الخطاب في النهي عن الهدايا
حدّثنا إسحاق بن راهويه قال: ذكر لنا أن امرأة من قريش كان بينها وبين رجل خصومة فأراد أن يخاصمها إلى عمر فأهدت المرأة إلى عمر فخذ جزور ثم خاصمته إليه فوجّه القضاء عليهم ، فقالت: ياأمير المؤمنين، افصل القضاء بيننا كما يفصل فخذ الجزور. فقضى عليهم عمر وقال: إياكم والهدايا. وذكر القصة.
للمغيرة بن عبد اللّه الثقفي
قال إسحاق: كان الحجاج استعمل المغيرة بن عبد اللّه الثقفي على الكوفة فكان يقضي بين الناس، فأهدى إليه رجل سراجاً من شبهٍ،وبلغ ذلك خصمه فبعث إليه ببغلة. فلما اجتمعا عند المغيرة جعل يحمل على صاحب السراج وجعل صاحب السراج يقول: إن أمري أضوأ من السراج. فلما أكثر عليه قال: ويحك إن البغلة رمحت السراج فكسرته.
بين الربيع بن زياد الحارثي وعمر
حدّثنا إسحاق قال: حدّثنا روح بن عبادة قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة عن الجريري عن أبي بصرة عن الربيع بن زياد الحارثي أنه وفد إلى عمر فأعجبته هيئته ونحوه، فشكا عمر طعاماً غليظاً يأكله. فقال الربيع: يا أمير المؤمنين، إن أحق الناس بمطعم طيّب وملبس ليّن ومركب وطيء لأنت. فضرب رأسه بجريدة وقال: واللّه ما أردت بهذا إلا مقاربتي، وإن كنت لأحسب أن فيك خيراً. ألا أخبرك بمثلي ومثل هؤلاء، إنما مثلنا كمثل قوم سافروا فدفعوا نفقاتهم إلى رجل منهم وقالوا أنفقهم عليّنا. فهل له يستأثر عليهم بِشيء? قال الربيع:لا.
لأمير المؤمنين عمر في الأمانة
حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح قال: لما أتي عمر
بتاج كسرى وسواريه جعل يقلبه بعود في يده ويقول: واللّه إن الذي أدى إلينا هذا
لأمين. فقال رجل: يا أمير المؤمنين أنت أمين اللّه يؤدّون إليك ماأدّيت إلى اللّه
فإذا رتعت رتعوا. قال: صدقت.
لعليّ رضي اللّه عنه في القناعة
حدّثني أبو حاتم قال: حدّثنا الأصمعيّ قال: لما أتي عليّ عليه السلام بالمال أقعد بين يديه الوزّان والنّقاد فكوّم كومةً من ذهب وكومة من فضة وقال: يا حمراء ويا بيضاء احمرّي وابيضّي وغرّي غيري. وأنشد:
هذا جناي وخياره فـيه |
|
إذ كل جانٍ يده إلى فيه |
لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه
حدّثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن إسماعيل بن أبي خالد عن عاصم قال: كان عمر بن الخطاب إذا بعث عاملاً يشترط عليه أربعاً: ألّا يركب البراذين، ولا يلبس الرقيق، ولا يأكل النقي، ولا يتخذ بوّاباً. ومر ببناء يبني بحجارة وجصٍّ فقال: لمن هذا? فذكروا عاملاً له على البحرين فقال: "أبت الدراهم إلا أن تخرج أعناقهم " وشاطره ماله. وكان يقول: "لي على كل خائن أمينان الماء والطين
?كتاب عمر بن عبد العزيز إلى واليه
حدّثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال: حدّثنا قريش بن أنس عن سعيد عن قتادة قال: جاء كتاب عمر بن عبد العزيز إلى واليه: أن دع لأهل الخراج من أهل الفرات ما يتختمون به الذهب ويلبسون الطيالسة ويركبون البراذين وخذ الفضل??.
????????????بين عمر وأبي هريرة في الأمانة
حدّثنا محمد بن عبيد عن هوذة عن عوف عن ابن سيرين وإسحاق عن النضر بن شميل عن ابن عون عن ابن سيرين بمعناه قال: لما قدم أبو هريرة من البحرين قال له عمر: يا عدوّ اللّه وعدوّ كتابه، أسرقت مال اللّه? قال أبو هريرة: لست بعدوّ اللّه ولاعدوّ كتابه ولكني عدوّ من عاداهما ولم أسرق مال اللّه. قال: فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف درهم? قال: خيلي تناسلت وعطائي تلاحق وسهامي تتابعت فقبضتها منه. قال أبو هريرة: فلما صليت الصبح استغفرت لأمير المؤمنين ثم قال لي عمر بعد ذلك: ألا تعمل? فقلت: لا. قال: قد عمل من هو خير منك يوسف. فقلت: يوسف نبيّ ابن نبيّ وأنا ابن أميمة أخشى ثلاثاً واثنتين. قال: فهلا قلت خمساً? قلت: أخشى أن أقول بغير علم، وأحكم بغير حلم، وأخشى أن يضرب ظهري، ويشتم عرضي، وينزع مالي.
?قول مالك بن دينار لبلال بن أبي بردة
حدّثنا محمد بن داود عن نصر بن قديد عن إبراهيم بن المبارك عن مالك بن دينار أنه دخل على بلال بن أبي بردة وهو أمير البصرة فقال: أيها الأمير، إني قرأت في بعض الكتب: "من أحمق من السلطان ومن أجهل ممن عصاني ومن أعزّ ممن أعزّني. أيا راعي السوء دفعت إليك غنماً سماناً سحاحاً فأكلت اللحم وشربت اللبن وائتدمت بالسمن ولبست الصوف وتركتها عظاماً تتقعقع
موعظة لعمر بن الخطاب
حدّثني محمد بن شبابة عن القاسم بن الحكم العرني القاضي قال: حدّثني إسماعيل بن عيّاش عن أبي محمد القرشي عن رجاء بن حيوة عن ابن مخرمة قال: إني لتحت منبر عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه بالجابية حين قام في الناس فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال: "أيهم الناس، اقرأوا القرآن تعرفوا به واعملوا به تكونوا من أهله. إنه لن يبلغ ذو حق في حقه أن يطاع في معصية اللّه. ألا إنه لن يبعّد من رزق اللّه ولن يقرّب من أجلٍ أن يقول المرء حقاً وأن يذكّر بعظيم. ألا وإني ما وجدت صلاح ما ولاني اللّه إلا بثلاث: أداء الأمانة، والأخذ بالقوة، والحكم بما أنزل اللّه. ألا وإني ما وجدت صلاح هذا المال إلا بثلاث: أن يؤخذ من حق، ويعطى في حق، ويمنع من باطل. ألا وإنما أنا في مالكم هذا كوالي اليتيم إن استغنيت استعففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف، تقرّم البهمة".
لزياد في الولاية
بلغني عن محمد بن صالح عن بكر بن خنيس عن عبد اللّه بن عبيد عن أبيه قال:
"كان زياد إذا ولى رجلاً قال له: خذ عهدك وسر إلى عملك واعلم أنك مصروفٌ رأس
سنتك وأنك تصير إلى أربع خلال فاختر لنفسك: إنا إن وجدناك أميناً ضعيفاً استبدلنا
بك لضعفك وسلّمتك من معرّتنا أمانتك، وإن وجدناك خائناً قوياً استهنّا بقوّتك
وأحسنّا على خيانتك أدبك فأوجعنا ظهرك وأثقلنا غرمك، وإن جمعت عليّنا الجرمين
جمعنا عليك المضرّتين، وإن وجدناك أميناً قوياً زدناك في عملك ورفعنا لك ذكرك
وكثرنا مالك وأوطأنا عقبك".
أيضاً لعمر في الأمانة
قال العتبي: بعث إلى عمر بحلل فقسمها فأصاب كل رجل ثوب فصعد المنبر وعليه حلة، والحلة ثوبان، فقال: أيهم الناس ألا تسمعون. فقال سليمان: لا نسمع. قال: ولم يا أبا عبد اللّه? قال: لأنك قسمت عليّنا ثوباً ثوباً وعليك حلة. قال: لا تعجل يا أباعبد اللّه. ثم نادى: يا عبد اللّه. فلم يجبه أحد، فقال: يا عبد اللّه بن عمر. قال: لبيك يا أمير المؤمنين. قال: نشدتكن باللّه، الثوب الذي اتّزرت به هو ثوبك? قال: اللهم نعم. فقال سليمان رضي اللّه عنه: أما الآن فقل نسمع.
نصيحة شداد بن عمرو بن أوس لمعاوية
بلغني عن حفص بن عمران الرازي عن الحسن بن عمارة عن المنهال بن عمرو قال: قال معاوية لشداد بن عمرو بن أوس: قم فاذكر عليّاً فتنقّصه. فقام شدّاد فقال: "الحمد اللّه الذي افترض طاعته على عباده وجعل رضاه عند أهل التقوى أثر من رضا غيره. على ذلك مضى أوّلهم وعليه يمضي آخرهم. أيهم الناس إن الآخرة وعد صادق يحكم فيهم ملك قادر، وإن الدنيا عرض حاضر يأكل منهم البرّ والفاجر، وإن السامع المطيع لا حجة عليه وإن السامع العاصي لا حجة له. وإن اللّه جل وعز إذا أراد بالناس صلاحاً عمّل عليهم صلحاءهم وقضّى بينهم فقهاءهم وجعل المال في سمحائهم، وإذا أراد بالعباد شراً عمّل عليهم سفهاءهم وقضّى بينهم جهلاءهم وجعل المال عند بخلائهم. وإن من صلاح الولاة أن يصلح قرناؤهم. نصحك يا معاوية من أسخطك بالحق وغشّك من أرضاك بالباطل فقال له معاوية: اجلس. وأمر له بمال، وقال: ألست من السمحاء? فقال: إن كان مالك دون مال المسلمين تعمّدت جمعه مخافة تبعته فأصبته حلالاً وأنفقته إفضالاً، فنعم. وإن مما شاركك فيه المسلمون فاحتجنته دونهم، أصبته اقترافاً وأنفقته إسرافاً، فإن اللّه عز وجل يقول: "إنّ المبذّرين كانوا إخوان الشّياطين وكان الشّيطان لرّبه كفوراً
?لعمرو بن عبيد في سارق
مرّ عمرو بن عبيد بجماعة عكوفٍ، فقال: ما هذا? قالوا: سارق يقطع. فقال: لا إله إلا اللّه، سارق السر يقطعه سارق العلانية.
لابن شبرمة في الاتصال السلطان
ومر طارقٌ صاحب شرطةٌ خالد القسري بابن شبرمة، وطارق في موكبه فقال ابن شبرمة:
أراهم وإن كانت تحبّ كأنهـم |
|
سحابة صيف عن قريب تقشّع |
اللهم لي ديني ولهم دنياهم. فاستعمل ابن شبرمة بعد ذلك على القضاء، فقال له ابنه: أتذكر يوم مرّ بك طارق في موكبه وقلت ما قلت? فقال: يا بني، إنهم يجدون مثل أبيك ولا يجد مثلهم أبوك. إن أباك أكل من حلوائهم وحط في أهوائهم.
ولعبد الرحمن بن قيس
ولي عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس المدينة سنتين فأحسن السيرة وعفّ عن أموال الناس ثم عزل فاجتمعوا إليه فأنشد لدرّاج الضّبابي:
فلا السجن أبكاني ولا القيد شفّني |
|
ولا أنني من خشية الموت أجزع |
?ولكن أقواماً أخاف عليهم=إذا متّ أن يعطوا الذي كنت أمنع ثم قال: واللّه ما أسفت على هذه الولاية ولكني أخشى أن يلي هذه الوجوه من لا يرعى لهم حقهم .
من كتاب لعليّ بن أبي طالب إلى ابن عباس
ووجدت في كتاب لعليّ بن أبي طالب كرم اللّه وجهه إلى ابن عباس حين أخذ من مال البصرة ما أخذ: "إني أشركتك في أمانتي ولم يكن رجل من أهلي أوثق منك في نفسي، فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب، والعدوّ قد حرب قلبت لابن عمك ظهر المجنّ بفراقه مع المفارقين وخذلانه مع الخاذلين واختطفت ما قدرت عليه من أموال الأمة اختطاف الذئب الأزل دامية المعزىوفي الكتاب: "ضحّ رويداً فكأن قد بلغت المدى وعرضت عليك أعمالك بالمحل الذي به ينادي المغترّ بالحسرة ويتمنى المضيّع التوبة والظالم الرجعة".من كتاب عمر بن عبد العزيز لعديّ بن أرطأة
وفي كتاب لعمر بن عبد العزيز إلى عديّ بن أرطأة: "غرّني منك مجالستك القرّاء وعمامتك السوداء فلما بلوناك وجدناك على خلاف ما أمّلناك، قاتلكم اللّه! أما تمشون بين القبور".
لابن أحمد يذكر عمال الصدقة
قال ابن أحمد يذكر عمال الصدقة:
إن العياب التي يخفون مـشـرجة |
|
فيهم البيان ويلوي عندك الخـبـر |
فابعث اليهم فحاسبهم مـحـاسـبة |
|
لا تخف عين على عين ولا أثـر |
هل في الثماني من السبعين مظلمة |
|
وربّهم بكتاب الله مـصـطـبـر |
وقال عبد اللّه بن همّام السلّولي:
أقلّي عليّ الـلـوم يا أم مـالـك |
|
وذمّي زماناً ساد فيه الفـلاقـس |
وساعٍ مع السلطان ليس بنـاصـح |
|
و" محترس من مثله وهو حارس" |
قدم بعض عمال السلطان من عمل فدعا قوماً فأطعمهم وجعل يحدّثهم بالكذب، فقال بعضهم: نحن كما قال اللّه عزو جل: "سمّاعون للكذب أكّالون للسّحت" قال بعض الشعراء:
ما ظنّكم بأناس خير كسـبـهـم |
|
مصرّح السحت سمّوه الإصابات |
لأبي نواس في إسماعيل بن صبيح
وقال أبو نواس في إسماعيل بن صبيح:
بنيت بما خـنـت الإمـام سـقـاية |
|
فلا شربوا إلا أمرّ من الـصـبـر |
فما كنت إلا مثل بـائعة اسـتـهـم |
|
تعود على المرضى به طلب الأجر |
وله أيضاً
وقال فيه أيضاً لمحمد الأمين:
ألست أمين اللّه سيفك نـقـمة |
|
إذا ماق يوماً في خلافك مائق |
فكيف بإسماعيل يسلم مثـلـه |
|
عليك ولم يسلم عليك منافـق |
أعيذك بالرحمن من شرّ كاتب |
|
له قلم زان وآخـر سـارق |
وقال فبه أيضاً:
ألا قل لإسماعيل إنـك شـارب |
|
بكأس بني ما هم ن ضربة لازم |
أتسمن أولاد الطريد ورهـطـه |
|
بإهزال آل اللّه من نسل هاشـم |
وتخبر من لاقيت أنـك صـائم |
|
وتغدو بفرج مفطر غير صائم |
فإن يسر إسماعيل في فجراتـه |
|
فليس أمير المؤمنـين بـنـائم |
لأنس الدؤلي في حارثة بن بدر
ولي حارثة بن بدر "سرّق " فكتب إليه أنس الدؤلي:
أحار بن بدر قـد ولـيت ولاية |
|
فكن جرذاً فيهم تخون وتسـرق |
وبار تميماً بالغنى إن للـغـنـى |
|
لساناً به المرء الهيوبة ينـطـق |
فإن جميع الناس إمـا مـكـذّب |
|
يقول بما يهوى وإما مـصـدّق |
يقولون أقوالاً ولا يعلمـونـهـم |
|
وإن قيل هم توا حقّقوا لم يحقّقوا |
ولا تحقرن يا حار شيئاً أصبتـه |
|
فحظّك من ملك العراقين سرّق |
فلما بلغت حارثة قال: لا يعمى عليك الرشد.
في الأمانة والخيانة
حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن جويرية بن أسماء قال: قال فلان: "إن الرجل ليكون أميناً فإذا رأى الضّياع خان".
نصيحة أبرويز لابنه
قرأت في كتاب أبرويز إلى ابنه شيرويه: "اجعل عقوبتك على اليسير من الخيانة كعقوبتك على الكثير منهم، فإذا لم يطمع منك في الصغير لم يجترأ عليك في الكبير. وأبرد البريد في الدرهم ينقص من الخراج، ولا تعاقبن على شيء كعقوبتك على كسره ولا ترزقنّ على شيء كرزقك على إزجائه، واجعل أعظم رزقك فيه وأحسن ثوابك عليه حقن دم المزجي وتوفير ماله من غير أن يعلم أنك أحمدت أمره حين عفّ واعتصم من أن يهلك".
قول ابرويز لصاحب بيت المال
وقرأت
في "التاج" أن أبرويز قال لصاحب بيت المال: "إني لا أحتملك على
خيانة درهم ولا أحمدك على حفظ ألف ألف درهم، لأنك إنما تحقن بذلك دمك وتعمر به
أمانتك فإنك إن خنت قليلاً خنت كثيراً. واحترس من خصلتين: النقصان فيما تأخذ،
والزيادة فيما تعطي. واعلم أني لم أجعل أحداً على ذخائر الملك وعمارة المملكة
والعدّة على العدوّ إلا وأنت آمن عندي من موضعه الذي هو فيه وخواتيمه التي هي
عليها، فحقّق ظني في اختياري إيّاك أحقق ظنك في رجائك لي، ولا تتعوّض بخير شراً
ولا برفعة ضعة ولا بسلامة ولا بأمانة خيانة".
وكان يقال: "كفى بالمرء خيانة أن يكون أميناً للخونة".
قول معاذ بن جبل لأبي بكر
قدم معاذ من اليمن بعد وفاة رسول اللّه على أبي بكر رضي اللّه عنه فقال له: ارفع
حسابك. فقال: أحسابان، حساب من اللّه وحساب منكم? لاو اللّه لا ألي لكم عملاً
أبداً.
قول أعرابي في الخونة
ذكر أعرابي رجلاً خائناً فقال: إن الناس يأكلون أماناتهم لقما، وإن فلاناً يحسوها حسواً.
نصيحة سلطان لعامل له
قال بعض السلاطين لعامل له: "كل قليلاً تعمل طويلاً والزم العفاف يلزمك العمل، وإياك والرّشا يشتد ظهرك عند الخصام
القضاء
صفات القاضي
حدّثنا
إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا بشر المفضّل بن لاحق قال: حدّثنا المغيرة بن محمد عن
عمر بن عبد العزيز قال: "لا ينبغي للرجل أن يكون قاضياً حتى تكون فيه خمس
خصال: يكون عالماً قيل أن يستعمل، مستشيراً لأهل العلم، ملقياً للرّثع، منصفاً
للخصم، محتملاً للائمة".
حدّثني عليّ بن محمد قال: حدّثنا إسماعيل بن إسحاق الأنصاري عن عبد اللّه بن لهيعة
عن عبد اللّه بن هبيرة عن عليّ عليه السلام أنه قال: "ذمتي رهينة وأنا به
زعيم لمن صرحت له العبر ألّا يهلك على التقوى زرع قوم ولا يظمأ على التقوى سنخ
أصل. ألا وإن أبغض خلق اللّه إلى اللّه رجل قمش جهلاً، غارًّا بأغباش الفتنة،
عمياً بما في عقد الهدنة، سمّاه أشباهه من الناس عالماً ولم يغن في العلم يوماً
سالماً. بكّر فاستكثر، ما قلّ منه فهو خير مما كثر حتى إذا ما ارتوى من آجن واكتنز
من غير طائل قعد بين الناس قاضياً لتخليص ما التبس على غيره، إن نزلت به إحدى
المبهمات هيأ حشوا رثّاً من رأيه، فهو من قطع الشبهات في مثل غزل العنكبوت. لا
يعلم إذا أخطأ، لأنه لا يعلم أأخطأ أم أصاب. خبّاط عشوات ركّاب جهم لات، لا يعتذر
مما لا يعلم فيسلم ولا يعضّ في العلم بضرس قاطع. يذرو الرواية ذرو الريح الهشيم،
تبكي منه الدماء وتصرخ منه المواريث ويستحلّ بقضائه الفرج الحرام. لا ملىءٌ واللّه
بإصدار ما ورد عليه ولا أهلٌ لما قرّظ به".
لابن شبرمة في القضاء
قال ابن شبرمة:
ما في القضاء شفعة لمخاصم |
|
عند اللبيب ولا الفقيه الحاكم |
أهون عليّ إذا قضيت بسـنة |
|
أو بالكتاب برغم أنف الراغم |
وقضيت فيما لم أجد أثراً بـه |
|
بنظائر معروفة ومعـالـم |
بين شريح والحجاج في توليه القضاء
الهيثم عن ابن عيّاش عن الشّعبي قال: كان أوّل قاضي قضى لعمر بن الخطاب بالعراق سلمان بن ربيعة الباهلي، ثم شهد القادسية وكان قاضياً بهم ، ثم قضى بالمدائن، ثم عزله عمر واستقضى شرحبيل على المدائن، ثم عزله واستقضى أبا قرّة الكندي، وهو اسمه، فاختط الناس الكوفة وقاضيهم أبو قرّة. ثم استقضى شريح بن الحارث الكندي فقضى خمساً وسبعين سنة إلا أن زياداً أخرجه مرة إلى البصرة واستقضى مكانه مسروق بن الأجدع سنة حتى قدم شريح فأعاده ولم يزل قاضياً حتى أدرك الفتنة في زمن ابن الزبير فقعد ولم يقض في الفتنة. فاستقضى عبد اللّه ابن الزبير رجلاً مكانه ثلاث سنين فلما قتل ابن الزبير أعيد شريح على القضاء فلقي رجل شريحاً في الطريق فقال: يا أبا أميةقضيت واللّه بجور. قال: وكيف ذاك? ويحك! قال: كبرت سنّك واختلط عقلك وارتشى ابنك. فقال شريح: لاجرم لا يقولهم أحد بعدك. فأتى الحجاج فقال: واللّه لا أقضي بين اثنين. قال: واللّه لا أعفيك أو تبغيني رجلاً.فقال شريح: عليك بالعفيف الشريف أبي بردة بن أبي موسى. فاستقضاه الحجاج وألزمه سعيد بن جبير كاتباً و وزيراً.
بين علقمة بن مرثد ومحارب بن دثار
وروى الثوري عن علقمة بن مرثد أنه لقي محارب بن دثار وكان على القضاء فقال له: يا محارب، إلى كم تردّد الخصوم? فقال له: إني والخصوم كما قال الأعشى:
أرقت وما هذا السّهاد الـمـؤرّق |
|
وما بي من سقم وما بي معشـق |
ولكن أرانـي لا أزل بـحـادث |
|
أغادي بما لم يمس عندي وأطرق |
رد إياس بن معاوية على رجل سأله عن مسألة فطوّل فيهم
حدّثني إسحق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد عن قريش بن أنس عن حبيب ابن الشهيد قال:
كنت جالساً عند إياس بن معاوية فأتاه رجل فسأله عن مسألة فطوّل فيهم ، فقال إياس:
إن كنت تريد الفتيا فعليك بالحسن معلمي ومعلم أبي، وإن كنت تريد القضاء فعليك بعبد
الملك ابن يعلى - وكان على قضاء البصرة يومئذ - وإن كنت تريد الصلح فعليك بحميد
الطويل، وتدري ما يقول لك? يقول لك: حطّ شيئاً، ويقول لصاحبك: زده شيئاً حتى نصلح
بينكما.، وإن كنت تريد الشغب فغليك بصالح السّدوسي، وتدري ما يقول لك? يقول لك:
اجحد ما عليك. ويقول لصاحبك: ادّع ما ليس لك وادع بيّنةً غيّباً.
من صفات الحاكم وخصائص القضاء الحق
قرأت في الآيين: "ينبغي للحاكم أن يعرف القضاء الحقّ العدل والقضاء العدل غير الحق والقضاء الحق غير العدل ويقايس بتثبّت وروية ويتحفّظ من الشبهةوالقضاء الحق العدل عندهم قتل النفس بالنفس، والقضاء العدل غير الحق قتل الحرب بالعبد ، والقضاء الحق غير العدل الدية على العاقلة.
قول أعرابي في الحق
حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه بن أخي الأصمعيّ قال: قال أعرابي لقوم يتنازعون: هل لكم في الحق أو فيما هو خير من الحق? فقيل: وما يكون خيراً من الحق? قال: التحاطّ والهضم فإن أخذ الحق كله مرٌّ.
حكم الهوى
حدّثني
أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: اختلف رجلان في شيء فحكّما رجلاً له في المخطىء همى،
فقال للمخطىء: من يقول بقولك أكثر.
الهيثم بن عدي قال: تقدّمت كلثم بنت سريع مولى عمرو بن حريث وأخوها الوليد إلى عبد
الملك بن عمير وهو قاضي الكوفة، وكان ابنه عمرو بن عبد الملك يرمى بهما فقضى لهم ،
فقال هذيل الأشجعي:
أتاه رفيق بـالـشـهـود يسـوقـهـم |
|
على ما ادّعت من صامت المال والخول |
فأدلـى ولـيدٌ عـنـد ذاك بـحـقــه |
|
وكـان ولـيد ذا مـراء وذا جـــدل |
ففتّنت القبطيّ حتى قـضـى لـهـمـا |
|
بغير قضاء اللّه في السّـور الـطّـول |
فلو كان من في القصر يعلم عـلـمـه |
|
لما استعمل القبطيّ فينا علـى عـمـل |
له حين يقضي للـنـسـاء تـخـاوصٌ |
|
وكان ما منه التـخـاوص والـحـول |
إذا ذات دلٍّ كـلـمـتـه لـحـــاجة |
|
فهمّ بأن يقضي تنـحـنـح أو سـعـل |
وبـرّق عـينـيه ولاك لـسـانـــه |
|
يرى كل شيء ما خلا شخصهم جلـل" |
فكان عبد الملك بن عمير يقول: واللّه لربما جاءتني السعلة أو التنحنح وأنافي المتوضّأ فأكفّ عن ذلك.
?لابن مناذر في خالد بن طلق القاضي
وقال ابن مناذر قي خالد بن طليق وكان قد ولي قضاء البصرة:
قل لأمير المؤمنـين الـذي |
|
من هاشم في سرّها واللباب |
إن كنت للسّخطة عاقبتـنـا |
|
بخالد فهو أشدّ الـعـقـاب |
كان قضاة الناس فيما مضى |
|
من رحمة اللّه وهذا عذاب |
يا عجباً من خالـد كـيف لا |
|
يخطىء فتيا مرةً بالصواب |
وقال فيه:
جعل الحاكم يا لـلـنّ |
|
اس من آل طـلـيق |
ضحكةٌ يحكم في النـا |
|
س برأي الجاثـلـيق |
أي قاض أنت في النق |
|
ص وتعطيل الحقوق |
يا أبا الهـيثـم مـا أن |
|
ت لهـذا بـخـلـيق |
لا ولا أنت لمـا حـمّ |
|
لت منه بـمـطـيق |
?رد بكر بن عبد اللّه المزني
على عدي ابن أرطاة لما أراد توليته القضاء
أراد عديّ بن أرطاة بكر بن عبد اللّه المزني على القضاء فقال له بكر: واللّه ما أحسن القضاء، فإن كنت كاذباً أو صادقاً فما يحلّ لك أن توليني.
?????من قضاء ابن شبرمة
وروى عبد الرزاق عن معمر قال: لما عزل ابن شبرمة عن القضاء قال له والي اليمن:
اختر لنا رجلاً نوليه القضاء. فقال له ابن شبرمة: ما أعرفه. فذكر له رجل من أهل
صنعاء فأرسل إليه فجاء، فقال له ابن شبرمة: هل تدري لم دعيت? قال: لا. قال: إنك قد
دعيت لأمر عظيم، للقضاء. قال: ما أيسر القضاء! فقال له ابن شبرمة: فنسئلك عن شيء
يسير منه. قال: سل. قال له ابن شبرمة: ما تقول في رجل ضرب بطن شاة حامل فألقت ما
في بطنهم? فسكت الرجل، فقال له ابن شبرمة: أنا بلونك فما وجدنا عندك شيئاً. فقيل
له ما القضاء فيهم? قال ابن شبرمة: تقوّم حاملاً وتقوّم حائلاً ويغرم قدر ما
بينها.
امتحان يحيى بن أكثم لمن يريد القضاء
حدّثني عبد اللّه بن محمد? الخلنجي قال: كان يحيى بن أكثم يمتحن من يريدهم للقضاء، فقال الرجل: ما تقول في رجلين زوّج كل واحد منهما الآخر أمّه فولد لكل واحد من امرأته ولد، ما قرابة ما بين الولدين? فلم يعرفهم ، فقال له يحيى: كل واحد من الولدين عمّ الآخر لأمه.
بين عبد الملك بن مروان وحميد بن بحدل
ودخل رجل من أهل الشأم على عبد الملك بن مروان فقال: إني تزوجت امرأة وزوجت ابني أمّهم ولا غنى بنا عن رفدك. فقال له عبد الملك: إن أخبرتني ما قرابة ما بين أولادكما إذا أولدتما، فعلت. قال: يا أمير المؤمنين، هذا حميد بن بحدل قد قلدته سيفك ووليته ما وراء بابك فسله عنهم ، فإن أصاب لزمني الحرمان، وإن أخطأ اتسع لي العذر. فدعا بالبحدلي فسأله، فقال: يا أمير المؤمنين، إنك ما قدمتني على العلم بالأنساب ولكن على الطعن بالرّماح، أحدهما عمّ الآخر والآخر خاله.
رفض ابن أبي حذيفة تولي القضاء
قال ابن سيرين: كنا عند أبي عبيد ة بن أبي حذيفة في قبّة له وبين يديه كانون له فيه نار فجاءه رجل فجلس معه على فراشه فسارّه بشيء لا ندري ما هو، فقال له أبو عبيد ة: ضع لي إصبعك في هذه النار. فقال له الرجلك سبحان اللّه! تأمرني أن أضع لك أصبعي في هذه النار! فقال له أبو عبيد ة: أتبخل عليّ بأصبع من أصابعك في نار الدنيا وتسألني أن أضع لك جسدي كله في نار جهنم! قال: فظننا أنه دعاه إلى القضاء.
صفات القاضي الكامل وغير الكامل
كان
يقال: "ثلاث إذا كنّ في القاضي فليس بكامل: إذا كره اللوائم، وأحبّ المحامد،
وكره العزل. وثلاث إذا لم تكن فيه غليس بكامل: يشاور وإن كان عالماً، ولا يسمع
شكيّة من أحد حتى يكون معه خصمه، ويقضي إذا علم".
قالوا: "ويحتاج القاضي إلى العدل في لحظه ولفظه وقعود الخصوم بين يديه وألا
يقضي وهو غضبان ولا يرفع صوته على أحد الخصمين ما لا يرفعه على الآخر".
بين الشعبي وشريح في ترك الأخذ بالظواهر
قال الشعبي: حضرت شريحاً ذات يوم وجاءته امرأة تخاصم زوجهم فأرسلت عينيهم فبكت فقلت: يا أبا أمية ما أظنهم إلا مظلومة. فقال: يا شعبي، إن أخوة يوسف جاءوا أباهم عشاء يبكون.
كتاب عمر بن الخطاب
إلى أبي موسى الأشعريّ في القضاء
بلغني عن كثير بن هشام عن جعفر بن برقان قال: كتب عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه إلى
أبي موسى الأشعريّ كتاباً فيه: "بسم اللّه الرحمن الرحيم، من عبد اللّه عمر
أمير المؤمنين إلى عبد اللّه بن قيس. سلام عليك، أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة
وسنة متبعة، فأفهم إذا أدلي إليك، فإنه لا ينفع تكنلّم بحق لا نفاذ له. آس بين
الناس في مجلسك ووجهك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك. البيّنة
على من ادّعى واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين الناس إلا صلحاً أحلّ حراماً
أو حرّم حلالاً، ولا يمنعنّك قضاء قضيته بالأمس فراجعت فيه نفسك وهديت لرشدك أن
ترجع إلى الحق فإن الحق لا يبطله شيء. واعلم أن مراجعة الحق خير من التمادي في
الباطل. الفهم الفهم فيما يتلجلج في صدرك مما ليس فيه قرآن ولا سنة، واعرف الأشباه
والأمثال ثم قس الأمور عند ذلك ثم اعمد لأحبّهم إلى اللّه وأشبههم بالحق فيما ترى.
اجعل لمن ادّعى حقاً غائباً أمداً ينتهي إليه فإن أحضر بينة أخذ بحقه وإلا استحللت
عليه القضاء. والمسلمون عدول في الشهم دة إلامجلوداً في حدّ أو مجرّباً عيه شهم دة
زور أو ظنينا في ولاء أو قرابة. إن اللّه عزّ وجل تولّى منكم السرائر ودرأ عنكم
بالبينات والإيمان. وإياك والقلق والضجر والتإذي بالخصوم في مواطن الحق التي يوجب
اللّه بهم الأجر ويحسن الذخر، فإنه من صلحت سريرته فيما بينه وبين اللّه أصلح
اللّه ما بينه وبين الناس، ومن تزيّن للدنيا بغير ما يعلم اللّه منه شانه اللّه،
والسلام".
لشعر لسلمة بن الخرشب بشأن الرهن التي وضعت
على يدي سبيع التغلبي في قتلى عبس وذبيان
وقال سلمة بن الخرشب لسبيع التغلبي في شأن الرّهن التي وضعت على يديه في قتلى عبس وذبيان:
أبلغ سـبـيعـا وأنـت سـيدنـا |
|
قدما وأوفى رجالـنـا ذمـمـا |
أن بـغـيضـاً وأن أخـوتـهـم |
|
ذبيان قد ضرّموا الذي اضطرما |
نبّئت أن حـكّـمـوك بـينـهـم |
|
فلا تقولـنّ بـئس مـا حـمـك |
إن كنت ذا عـرفة بـشـأنـهـم |
|
تعرف ذا حقّهم ومن ظـلـمـا |
وتنزل الأمـر فـي مـنـازلـه |
|
حكما وعلما وتحضر الفـهـمـا |
فاحكم فأنت الحـكـيم بـينـهـم |
|
لن يعدموا الحقّ بارداً صمـتـا |
واصدع أديم الـسـواء بـينـهـم |
|
على رضى من رضا ومن رغما |
إن كان مالا فـمـثـل عـدّتـه |
|
مالٌ بـمـال وإن دمـاً فـدمـا |
هذا وإن لم تطق حكـومـتـهـم |
|
فانبذ إليهم أمـورهـم سـلـمـا |
إعجاب عمر بن الخطاب من علم زهير بن أبي سلمى
وأنشد عمر بن الخطاب شعر زهير بن أبي سلمى، فلما بلغ قوله:
فإن الحق مقطعه ثلاث |
|
يمينٌ أو نفارٌ أو جلاء |
جعل عمر يتعجب من علمه بالحقوق وتفصيله بينهم ويقول كلا يخرج الحق من إحدى ثلاث إما يمين أو محاكمةٌ أو حجةٌ.
شعر لابن أبي ليلى الفقيه في القاضي ابن شبرمة
وقال ابن أبي ليلى الفقيه في عبد اللّه بن شبرمة:
وكيف ترجّى لفصل القضاء |
|
ولم تصب الحكم في نفسكا |
وتزعم أنك لابن الـجـلاح |
|
وهيهم ت دعواك من أصلكا |
شعر العلاء بن المنهم ل في شريك القاضي
عبد اللّه بن صالح العجلي قال: خرج شريك وهو على القضاء يتلقى الخيزران وقد أقبلت تريد الحج، فأتى، "شاهي"، فأقام بهم ثلاثاً ولك تواف فخفّ زاده وما كان معه من الخبز فجعل يبلّه بالماء وي أكله بالملح، فقال العلاء بن المنهم ل الغنوي:
فإن كان الذي قد قلت حـقـاً |
|
بأن قد أكرهوك على القضاء |
فما لك موضعاً في كـل يوم |
|
تلقّى من يحجّ من النـسـاء |
مقيماً في قرى شاهي ثلاثـا |
|
بلا زاد سوى كسـرٍ ومـاء |
يزيد النـاس خـيراً كـلّ يوم |
|
فترجع يا شريك إلـى وراء |
وقال فيه أيضاً:
فليت أبا شريك كـان حـيا |
|
فيقصر حين يبصره شريك |
ويترك من تدرّيه علـيّنـا |
|
إذا قلنا لـه هـذا أبـوك |
شعر في بعض الحكام غير العدول
وأنشد لبعض الشعراء في بعض الحكام:
أبكي وأندب بهجة الإسـلام |
|
إذ صرت تقعد مقعد الحكّام |
إن الحوادث ما علمت كثيرة |
|
وأراك بعض حوادث الأيام |
حدّثني يزيد بن عمرو قال: حدّثني القاسم بن الفضل قال: حدّثني رجل من بني جرير أن رجلاً منهم خاصم رجلاً إلى سوّار بن عبد اللّه فقضى على الجريري، فمر سوّار ببني جرير فقام إليه الجريري فصرعه وخنقه وجعل يقول:
رأيت أحلاماً فعبّرتـهـم |
|
وكنت للأحلام عـبّـارا |
رأيتني أخنق ضبًّا علـى |
|
حجر وكان الضبّ سوّارا |
في الشهم دات
أقوال في الشهم دة
حدّثني
أبو حاتم قال: حدّثنا الأصمعيّ قال لي أيوب: إن من أصحابي من أرجو دعوته ولا أجيز
شهم دته. قال: وقال سوّار: ما أعلم أحداً أفضل من عطاء السّلمي، ولو شهد عندي على
فلسين لم أجز شهم دته. يذهب إلى أنه ضعيف الرأي ليس بالحازم، لا أنه يطعن عليه في
دينه وأمانته.
قال: وشهد أبو عمرو بن العلاء عند سوّار على نسب فقال سوار: وما يدريك أنه ابنه?
قال: كما أعلم أنك سوّار بن عبد اللّه بن عنزة بن نقب.
قال: وشهد رجل عند سوار في دار قد ادّعاهم رجل قال: أشهد أنهم من الماء إلى
السماء.
وشهد آخر فقال للكاتب: اكتب شهم دتهما. فقال: أيّ شي ء أكتب? فقال: كلّ شيء يخرج
الدار من يد هذا ويجعلهم في ملك هذا فاكتبه.
قال أبو حاتم: بلغني أنه إنما قيل شهم دة عربية وما أشبهه.
قال: وشهد رجل عند سوار، فقال له: ما صناعتكن? قال: أنا مؤدّب. قال: فإنّا لا نجيز
شهم دتكن. قال: ولم? قال: لأنك تأخذ على تعليّم القرآن أجراً. قال: وأنت تأخذ على
القضاء بين المسلمين أجراً. قال إني أكرهت على القضاء. قال: يا هذا، القضاء أكرهت
عليه فهل أكرهت على أخذ الرزق? قال: هلمّ شهم دتكن. فأجازهم .
قال:وشهد الفرزدق عند بعض القضاة فقال: قد أجزنا شهم دة أبي فراس، وزيدونا. فقيل
له حين انصرف: إنه واللّه ما أجاز شهم دتكن. قال: وما يمنعه من ذلكوقد قذفت ألف
محصنة.
شعر لأبي دلامة في شهم دته عند ابن أبي ليلى
وجاء أبو دلامة ليشهد عند ابن أبي ليلى فقال في مجلسه ذلك:
إن القوم غطّوني تغطيت دونهم |
|
وإن بحثوا عني ففيهم مباحـث |
وإن حفروا بئري حفرت بئارهم |
|
ليعلم ما تخفيه تلك النّـبـائت |
فأجاز شهم دته وحبس المشهود عليه عنده وأعطاه قيمة الشيء.
من قضاء ابن شبرمة
أتى رجل ابن شبرمة بقوم يشهدون له على قراح فيه نخل، فشهدوا وكانوا عدولاً فسألهم: كم في القراح من نخلة? قالوا: لا نعلم. فردّ شهم دتهم. فقال له رجل منهم: أنت تقضي في هذا المسجد منذ ثلاثين سنة، فأعلمنا: كم فيه من أسطوانة? فأجازهم.
شعر في خصومة القاضي
وقال بعض الشعراء:
والخصم لا يرتجى النجاة لـه |
|
يوماً إذا كان خصمه القاضي |
قول لزياد في الحقوق إلى ذوي الخاصّة منه
قدم رجلاً خصماً له إلى زياد في حق له عليه، فقال: إن هذا الرجل يدلّ بخاصّة ذكر أنهم له منك. قال: نعم. وسأخبرك بما ينفعه عندي من خاصّته: إن يكن الحقّ له عليك آخذك أخذاً عنيفاً، وإن يكن الحق لك عليه أقضىلا عليه ثم أقض عنه.
في الحكم إلى الأخوان
وقال أبو اليقظان: كان عبيد اللّه بن أبي بكرة قاضياً وكان يميل في الحكم إلى إخوانه. فقيل له في ذلك. فقال: وما خير رجل لا يقطع من دينه لإخوانه?
قول عمرو بن العاص لطلحة بن عبيد اللّه والزبير
قال المدائني: كان بين طلحة بن عبيد اللّه والزبير مدارأة في واد بالمدينة. قال: فقالا: نجعل بيننا عمرو بن العاص، فأتياه فقال لهما: أنتما في فضلكما وقديم سوابقكما ونعمة اللّه عليكما تختلفان! وقد سمعتما من رسول اللّه مثل ما سمعت وحضرتما من قوله مثل الذي حضرت فيمن اقتطع شبرا من أرض أخيه بغير حق أنه يطوّقه من سبع أرضين! والحكم أحوج إلى العدل من المحكوم عليه وذلك أن الحكم إذا جار رزيء دينه والمحكوم عليه إذا جير عليه رزيء عرض الدنيا "إن شئتما فأدليا بحجتكنما" وإن شئتما فأصلحا ذات بينكما. فاصطلحا وأعطى كل واحد منهما بصاحبه بالرضا.
فيمن كان السندي لا يقبل شهم دتهم
وكان السّنديّ بن شاهك لا يستحلف المكاري ولا الحائك ولا الملّاح ويجعل القول قول المدّعي مع يمينه، ويقول: اللهم إني أستخيرك في الجمّال ومعلّم الصبيان. فيمن لاتقبل شهم دته في البادية
وقال أبو البيداء: سمعت شيخاً من الأعراب يقول: نحن بالبادية لا نقبل شهم دة العبد ولا شهم دة العذيوط ولا المغذّى ببوله. قال أبو البيداء: فضحكت واللّه حتى كدت أبول في ثوبي.
لعبيد اللّه بن الحسن في عدم إجازة شهم دة الأحمق
وقيل لعبيد اللّه بن الحسن العنبري: أتجيز شهم دة رجل عفيف تقيّ أحمق? قال: لا، وسأريكم. ادعوا لي أبا مودود حاجبي. فلما جاء قال له: اخرج حتى تنظر ما الريح? فخرج ثم رجع فقال: شمال يشوبهم شيء من الجنوب. فقال: أتروني كنت مجيزاً شهم دة مثل هذا?
بين الأعمش ومحارب بن دثار
في ولاية القضاء والعزل عنه
قال الأعمش: قال لي محارب بن دثار: وليت القضاء فبكى أهلي وعزلت عنه فبكوا، فما أدري مم ذاك? فقلت له: وليت القضاء فكرهته وجزعت منه فبكى أهلك، وعزلت عنه فكرهت العزل وجزعت منه فبكى أهلك. فقاتل: إنه لكما قلت.
بين إياس بن معاوية وقاضٍ لعبد اللّه بن مروان
قدم إياس بن معاوية الشأم وهو غلام فقدّم خصما له إلى قاض لعبد الملك بن مروان وكان خصمه شيخاً كبيراً. فقال له القاضي: أتقدّم شيخاً كبيراً? فقال له إياس الحق أكبر منه. قال: اسكت. قال: فمن ينطق بحجتي? قال: ما أظنك تقول حقاً حتى تقوم. قال: أشهد أن لا إله إلا اللّه. فقام القاضي فدخل على عبد الملك فأخبره بالخبر فقال: اقض حاجته وأخرجه من الشأم لا يفسد عليّ الناس.
قول أعرابي لخصمٍ له
قال أعرابي لخصم له: "واللّه لئن هملجت إلى الباطل إنك عن الحق لقطوف".
باب الأحكام
قضاء رسول الله في الطرق أنهم سبع أذرع
حدّثني عبد ة بن عبد الله قال: حدّثنا وهب بن جرير قال: حدّثني أبي قال: سمعت الزبير بن الحارث يحدّث عن عكرمة عن أبي هريرة قال: "قضى رسول اللّه إذا اختلف الناس في الطرق أنهم سبع أذرع".
كفالة النبي رجلاً في تهمة
حدّثني يزيد بن عمرو عن محمد بن موسى عن أبراهيم بن حنتم عن غزال بن مالك الغفاري عن أبيه عن جدّه قال: "كفل النبي عليه السلام رجلاً في تهمة".
من أحكام النبيّ
قال:
وحدّثني أيضاً عن إبراهيم بن حنتم عن غزال بن مالك عن أبيه عن جدّه قال: قال أبو
هريرة: "حبس النبي في اللّهمة حبساً يسيراً حتى استبرأ حدّثني يزيد قال:
حدّثني الوليد عن جرير بن حازم عن الحسن: "أنّ رسول اللّه صلب رجلاً على جبل
يقال له: رباب" وقال لي رجل بالمدينة: هو ذو رباب.
حدّثني أحمد بن خليل عن سليمان بن حرب عن جرير عن يعلى بن حكيم عن أبيه عن ابن
عباس قال: "أتى ماعز بن مالك النبي فقال: إني زنيت يا رسول اللّه. فقال: لعلك
مسست أو لمست أو غمزت. فقال: لا. بل زنيت. فأعادهم عليه ثلاثاً، فلما كان في
الرابعة رجمه".
من أحكام أبي الدرداء
حدّثني شبابة عن القاسم بن الحكم عن الثوري عن عليّ بن الأقمر عن يزيد بن أبي كبشة أن أبا الدرداء أتي بامرأة سرقت، فقال: أسرقت? قولي: لا.
بين زياد والأحنف
حدّثني سهل بن محمد قال: حدّثني الأصمعيّ قال: جاءوا زياداً بلصّ وعنده جماعة فيهم، الأحنف فانتهروه وقالوا: اصدق الأمير. فقال الأحنف: إن الصدق أحياناً معجزة. فأعجب ذلك زياداً وقال: جزاك اللّه خيراً.
لابن عباس في جزّ الرأس واللحية
حدّثني شبابة عن القاسم بن الحكم عن إسماعيل بن عيّاش عمن حدّثه عن ابن عباس قال: "جزّ الرأس واللّحية لا يصلح في العقوبة لاأن اللّه عز وجل جعل حلق الرأس نسكاً لمرضاته".
لعمر بن عبد العزيز في المثلة في العقوبة
حدّثني شبابة عن القاسم عن الأوزاعي أن عمر بن عبد العزيز قال: "إياكم والمثلة في العقوبة جزّ الرأس واللحية".
من أحكام مروان بن الحكم
حدّثني مجمد بن خالد بن خداش قال: حدّثنا سلابن قتيبة قال: حدّثنا يونس عن أبي بكر ابن حفص بن عمر قال: كان مروان بن الحكم أمير المدينة فقضى في رجل فزّع رجلاً فضرط بأربعين درهماً.
لابن مسعود
حدّثني
محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عم أبي إسحاق عن جوبير عن الضحاك عن ابن مسعود
قال: "لا يحل في هذه الأمة غلٌّ ولا صفدٌ ولا تجريد ولامدٌّ
حدّثني عبد الرحمن عن الأصمعيّ قال: كان عامر بن الظّرب العدواني حكم العرب، فنزل
به قوم يستفتونه في خنثى وله جارية يقال لهم خصيلة. وربما لامهم في الإبطاء في
الرعي وفي الشيء يجده عليهم. فقال: يا خصيلة لقد حبست هؤلاء القوم وريّثتهم حتى
أسرعت في غنمي.
قالت: وما يكن عليك من ذلك? أتبعه مباله. فقال لهم: "مسّي خصيل بعدهم أو
روّحي".
????????حكم جابر بن زيد في تحديد صفة إنسان
قال: وأتي ابن زياد بإنسان له قبل وذكر ولا يدري كيف يورّث. فقال: من لهذا? فقالوا: أرسل إلى جابر بن زيد. فأرسل إليه، فجاء يرسف في قيوده فقال: ما تقول: في هذا? فقال: ألزقه بالجدار فإن بال عليه فهو ذكر، وغن بال في رجليه فهو أنثى.
رفض شريح بالقضاء في الطنبور
حدّثني محمد بن خالد بن خداش قال: حدّثنا سلابن قتيبة قال: حدّثنا قيس بن الربيع عن أبي حصين أن لرجلاً كسر طنبوراً لرجل فخاصمه إلى شريح، فقال شريح: لا أقضي في الطنبور بشيء.
بين أبي العجاج وأبي الأصمعيّ
حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن أبيه قال: قال لي أبو العجاج: يا بن أصمع واللّه لئن أقررت لألزمنّك. أي لاتقر.
?حكم إياس بن معاوية في رد جارية حمقاء
حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن أبيه عن معمر قال: ردّ رجل على رجل جارية اشتراهم منه، فخاصمه إلى إياس بن معاوية، فقال له: بم تردّهم ? قال له: بالحمق. فقال لهم إياس: أيّ رجليك أطول? فقالت: هذه. فقال: أتذكرين ليلة ولدت? قالت: نعم. فقال إياس: ردّ ردّ.
قضاء الشعبي وهو على جلد أسد
حدّثني أبو الخطاب قال: حدّثنا أبو داود عن قيس عن أبي حصين قال: رأيت الشّعبيّ يقضي على جلد أسد.
الظلم
كلام المظلوم ووجه الظالأ
حدّثني
عبد الرحمن بن عبد اللّه بن قريب قال: حدّثني الأصمعيّ قال: أخبرنا بعض أشياخ
البصرة أن رجلاً وامرآته اختصما إلى أمير من أمراء العراق وكانت المرأة حسنة
المتنقّب قبيحة المسفر، وكان لهم لسان فكأن العامل مال معهم فقال: يعمد أحدكم إلى
المرأة الكريمة فيتزوّجهم ثم يسيء إليهم !???? فأهوى زوجهم إلى النّقاب فألقاه عن
وجههم فقال العامل: عليك اللعنة? كلام مظلومٍ ووجه ظالمٍ.
وأنشد الرياشيّ في نحو هذا:
رأيت أبا الحجناء في الناس جائراً |
|
ولون أبي الحجناء لون البهـم ئم |
تراه على ما لاحه مـن سـواده |
|
وإن كان مظلوماً له وجه ظـالأ |
في الظالأ المعتدي أبو حاتم عن الأصمعيّ عن أبي عمرو بن العلاء قال: كان رجل من العرب في الجاهلية إذا رأى رجلاً يظلم ويعتدي يقول: فلان لا يموت سويًّا. فيرون ذلك حتى مات رجل ممن قال ذلك فيه فقيل له: مات فلان سوياً. فلم يقبل حتى تتابعت الأخبار. فقال: إن كنتم صادقين إن لكم دارا سوى هذه تجاوزن فيهم.
رسالة كاتب إلى السلطان
كتب رجل من الكتّاب إلى سلطان: "أعيذك باللّه من أن تكون لاهياً عن الشكر محجوباً بالنعم صارفاً فضل ما أوتيت من السلطان إلى ما تقلّ عائدته وتعظم تبعته من الظلم والعدوان، وأن يستزلّك الشيطان بخدعه وغروره وتسويله فيزيل عاجل الغبطة وينسيك مذموم العاقبة، فإن الحازم من يذكر في يومه المخوف من عواقب غده ولم يغرّه طول الأمل وتراخي الغاية ولم يضرب في غمرة من الباطل ولا يدري ما تتجلّى به مغبّتهم. هذا إلى ما يتبع الظالأمن سوء المنقلب وقبيح الذكر الذي لا يفنيه كرّ الجديدين واختلاف العصرين حدّثني يزيد بن عمرو قال: حدّثنا معاوية بن عمرو قال: حدّثنا أبو إبراهيم السقّاء عن ليث عن مجاهد قال: "يؤتى بمعلم الصبيان يوم القيامة فإن كان عدل بين الغلمان وإلا أقيم مع الظلمة".
?لمعاوية في الظلم
وكان
معاوية يقول: "إني لأستحي أن أظلم "من لا يجد عليّ ناصراً إلا
اللّه".
وقال بلال: "إني لأستحي أن أظلم" وأحرج أن أظلموكان يقال: إذا أراد
اللّه أن يتحف عبد اً قيّض له من يظلمه.
كتب رجل إلى سلطان: "أحق الناس بالإحسان من أحسن اللّه إليه وأولاهم بالإنصاف
من بسطت بالقدرة يداه".
في أن الظّلم يخرب الديار
ذكر الظالأفي مجلس ابن عباس فقال كعب: إني لا أجد في كتاب اللّه المنزّل أن الظلم
يخرب الديار. فقال ابن عباس أنا أوجدكه في القرآن، قال اللّه عز وجل "فتلك
بيوتهم خاويةٌ بما ظلموا".
القوة في الحق
حدّثني
سهل بن محمد عن الأصمعيّ قال:كان فرعان وهو من بني تميم لا يزال يغير على إبل
الناس فيأخذ منهم ثم يقاتلهم عليهم إلى أن أغار على رجل فأصاب له جملاً، فجاء
الرجل فأخذ بشعره فجذبه فبرك، فقال الناس: كبرت واللّه يا فرعان. فقال: لاواللّه
ولكن جذبني جذبة محقٍّ.
وكان سديف بن ميمون مولى اللّهبين يقول: اللهم قد صار فيئنا دولة بعد القسمة
وإمارتنا غلبة بعد المشورة وعهدنا ميراثاً بعد الاختيار للأمة. واشتريت الملاهي
والمعازف بسهم اليتيم والأرملة وحكّم في أبشار المسلمين أهل الذمة وتولى القيام
بأمورهم فاسق كلّ محلّة. اللهم وقد استحصد زرع الباطل وبلغ نهم يته واجتمع طريده.
اللهم فأتح له يداً من الحق حاصدة تبدّد شمله وتفرّق أمره ليظهر الحق في أحسن صوره
وأتم نوره.
بين أعرابي واليهود في ديّة المسيح
ولي أعرابي بعض النواحي فجمع اليهود في عمله وسألهم عن المسيح فقالوا: قتلناه وصلبناه. فقال: فهل أديتم ديته? قالوا:لا. قال: فواللّه لا تخرجون أو تؤدّوهم. فلم يبرحوا حتى أدّوهم .
بين أبي العاج ونصراني
كان أبو العاج على جوالي البصرة فأتي برجل من النصارى، فقال: ما اسمك? فقال: بنداذ شهر بنداذ. فقال: اسم ثلاثةٍ وجزية واحدٍ! لا واللّه العظيم. قال: فأخذ منه ثلاث جزًى.
حكم أعرابي
ولي أعرابي "تبالة" فصعد المنبر فما حمد اللّه ولا أثنى عليه حتى قال: إن الأمير أعزنا اللّه وإياه ولّاني بلادكم هذه، وإني واللّه ما أعرف من الحق موضع سوطي، ولن أوتى بظالأولا مظلوم إلا أوجعتهما ضرباً. فكانوا يتعاملون بالحق بينهم ولا يرتفعون إليه.
شعر في الظلم
قال بعض الشعراء:
بني عمّنا لا تذكروا الشعر بعد مـا |
|
دفنتم بصحراء الغمير الـقـوافـيا |
فلسنا كمن كنتم تـصـيبـون سـلّة |
|
فنقبل ضيما أو نحـكّـم قـاضـيا |
ولكن حكم السيف فيكم مـسـلّـط |
|
فنرضى إذا ما أصبح السيف راضياً |
فإن قلتم إنا ظلمنـا فـلـم نـكـن |
|
ظلمنا ولكنّا أسأنـا الـتـقـاضـيا |
"وقال آخر:
تفرح أن تغلبني ظالمـاً |
|
والغالب المظلوم لو تعلم" |
دعاء في الوقاية من ظلم السلطان
وكانوا يتوقّون ظلم السلطان إذا دخلوا عليه بأن يقولوا: "بسم اللّه إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً" "آخسئوا فيهم ولا تكنلّمونأخذت سمعك وبصرك بسمع اللّه وبصره. أخذت قوّتكن بقوّة اللّه. بيني وبينك ستر النبوّة الذي كانت الأنبياء تستتر به من سطوات الفراعنة. جبريل عن يمينك وميكائيل عن يسارك ومحمد أمامك واللّه مطلع عليك ويحجزك عني ويمنعني منك".
في ظلم الأمراء وأولي الأمر
وقال بعض الشعراء:
ونستعدي الأمير إذا ظلمنا |
|
فمن يعدي إذا ظلم الأمير |
" وقال آخر:
إذا كان الأمير عليك خصما |
|
فلا تكنثر فقد غلب الأمير" |
وكتب رجل إلى صديق له: قد كنت أستعديك ظالماً على غيرك فتحكم لي وقد استعديتكن عليك مظلوماً فضاق عني عدلك، وذكّرني قول القائل:
كنت من كربتي أفرّ إليهم |
|
فهم كربتي فأين الفرار |
"ونحوه:
والخصم لا يرتجى النجاح له |
|
يوماً إذا خصمه القاضـي" |
للأصمعي في إباء العدل
حدّثني سهل بن محمد عن الأصمعيّ قال:كان يقال: ما أعطي أحد قط النّصف فأباه إلا أخذ شراً منه. قال: وقال الأحنف: ما عرضت النّصفة قطّ على أحد فقبلهم إلا دخلتني له هيبةٌ ولا ردّهم إلا اختبأتهم في عقله.
شعر للبعيث
وقال البعيث:
وإني لأعطي النّصف من لو ظلمته |
|
أقرّ وطابت نفسه لي بالـظّـلـم |
للطائيّ ثم للعباس بن عبد المطلب
وقال الطائي:
يرى العلقم المأدوم بالعـزّ أريةً |
|
يمانيةً والأري بالضيم علقـمـا |
إذا فرشوه النّصف نامت شذاتـه |
|
وإن رتعوا في ظلمه كان أظلما |
وقال العباس بن عبد المطلب:
أبى قومنا أنى ينصفونا فأنصفت |
|
قواطع في أيماننا تقطر الدمـا |
تركناهم لا يستجلّون بـعـدهـم |
|
لذي رحمٍ يوماً من الدهر محرما |
كتاب عمر بن عبد العزيز
إلى بعض عماله يحثه على العدل وترك الظلم
بلغنا عن ضمرة عن ثور بن يزيد قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عمّاله: أما بعد إذا دعتكن قدرتكن على الناس إلى ظلمهم فاذكر قدرة اللّه عليك وفناء ما تؤتي إليهم وبقاء ما يؤتون إليك، والسلام.
بين ابن سيرين وآخر يدعو على من ظلمه
سمع ابن سيرين رجلاً يدعو على من ظلمه، فقال: أقصر يا هذا، لايربح عليك ظالمك.
قولهم في الحبس
شكاية يوسف عليه السلام إلى اللّه تعالى طول الحبس
"في الحديث المرفوع: "شكا يوسف عليه السلام إلى اللّه عزّ وجلّ طول الحبس فأوحى اللّه إليه: من حبسك يا يوسف، أنت حبست نفسك حيث قلت "ربّ السّجن أحبّ إليّ ممّا يدعونني إليه" ولو قلت: العافية أحبّ عليّ لعوفيت".
دعاء يوسف عليه السلام لأهل السجن
حدّثني عبد الرحمن بن عبد المنعم عن أبيه عن وهب قال: "إن يوسف عليه السلام دعا لأهل السجن دعوةً لم تزل تعرف لهم إلى اليوم، قال: اللهم اعطف عليهم قلوب الأخيار ولا تعم عليهم الأخبار" فيقال: أنهم أعلم الناس بكل خبر في كل بلد.
ما كتب على باب سجين
وكتب على باب السجن: "هذه منازل البلوى وقبور الأحياء وتجربة الصديق وشماتة الأعداء".
شعر للرياشي في السجن
أنشدني الرياشيّ:
ما يدخل السجن إنسانٌ فتسأله |
|
ما بال سجنك إلا قال مظلوم |
ولأعرابي، ثم لأحد المساجين
وقال أعرابي:
ولمّا دخلت السجن كبّر أهـلـه |
|
وقالوا أبو ليلى الغـداة حـزين |
وفي الباب مكتوبٌ على صفحاته |
|
بأنك تنزو ثـمّ سـوف تـلـين |
ويقال: إنّ قولهم "تنزو وتلين"
زؤي مكتوباً على باب حبس فضربه الناس مثلا.
وقال بعض المسجونين:
وبتّ بأحصنـهـم مـنـزلاً |
|
ثقيلاً على عنق السـالـك |
ولست بضيف ولا في كـرا |
|
ولا مستعـير ولا مـالـك |
وليس بغصبٍ ولا كالرّهون |
|
ولا يشبه الوقف عن هم لك |
ولي مسمعان فأدنـاهـمـا |
|
يغنّي ويسمع في الحالـك |
وأقصاهما ناظرٌ في السمـا |
|
ء عمداً وأوسخ من عارك |
المسمع الأوّل قيده والثاني صاحب الحرس. ونحوه قول الآخر:
ولي مسمعان وزمّـارة |
|
وظلٌّ مديد وحصن أمق |
الزمّارة الغلّ، وأصل الزمّارة السّاجور.
بين بلال بن أبي بردة وخالد بن صفوان
قال أبو عبيد ة: اختصم خالد بن صفوان مع رجل إلى بلال بن أبي بردة، فقضى للرجل على خالد، فقام خالد وهو يقول: سحابة صيف عن قليل تقشّع فقال بلال: أما إنهم لا تقشّع حتى يصيبك منهم شؤبوب برد. وأمر به إلى الحبس، فقال خالد: علام تحبسني? فواللّه ما جنيت جناية ولا خنت خيانة. فقال بلال: يخبرك عن ذلك بابٌ مصمت وأقيادٌ ثقال وقيّمٌ يقال له حفص.
بين الحجاج والغضبان بن القبعثري
قال الحجاج للغضبان بن القبعثري ورآه سميناً: ما أسمنك? قال: القيد والرّتعة، ومن كان في ضيافة الأمير سمن.
خروج الكميت الشاعر متنكرا من السجن وشعر له
كان خالد بن عبد اللّه حبس الكميت الشاعر فزاراته امرأته في السجن فلبس ثيابهم وخرج ولم يعرف فقال:
ولما أحلّوني بصلـعـاء صـيلـمٍ |
|
بإحدى زبى ذي اللّبدتين أبي الشّبل |
خرجت خروج القدح قدح ابن مقبلٍ |
|
على رغم آناف النوابح والمشلـي |
عليّ ثياب الغانـيات وتـحـتـهـم |
|
عزيمة مرءٍ أشبهت سلّة النصـل |
شعر للفرزدق
وكان خالد بن عبد اللّه حبس الفرزدق فقال:
وأني لأرجو خالداً أن يفكّنـي |
|
ويطلق عني مقفلات الحدائد |
فإن يك قيدي ردّ همّي فربمـا |
|
تناولت أطراف الهموم الأباعد |
وما من بلاء غير كلّ عشـية |
|
وكل صباح زائرٍ غير عـائد |
يقول لي الحداد هل أنت قـائم |
|
وما أنا إلا مثل آخر قـاعـد |
لبعضهم في خالد بن عبد اللّه القسري حين حبس
وقال بعض الشعراء في خالد بن عبد اللّه القسري حين حبس:
لعمري لقد أعمرتم السجن خالـداً |
|
وأوطأتموه وطأة المـتـثـاقـل |
إن تحبسوا القسريّ لا تحبسوا اسمه |
|
ولا تستجنوا معروفه في القبـائل |
وقال بعض المسجّنين:
أسجنٌ وقيد واغتراب وعسرة |
|
وفقد حبيب! إن ذا لعظـيم |
وإن آمرأ تبقى مواثيق عهده |
|
على كل هذا، إنه لـكـريم |
وقال آخر مثله:
إلى اللّه أشكو إنه موضع الشكوى |
|
وفي يده كشف المصيبة والبلـوى |
خرجنا من الدنيا ونحن من آهلهـم |
|
فلسنا من الأحياء فيهم ولا الموتى |
إذا جاءنا السجّان يومـاً لـحـاجة |
|
عجبنا وقلنا جاء هذا من الـدنـيا |
وتعجبنا الرؤيا فـجـلّ حـديثـنـا |
|
إذا نحن أصبحنا الحديث عن الرؤيا |
فإن حسنت لم تأت عجلي وأبطأت |
|
وإن قبحت لم تحتبس وأتت عجلى |
وقال يزيد بن المهلّب وهو في الحبس: يا لهفي على طلبة بمائة ألف وفرحٍ في جبهة أسد.
بين الفرزدق والمهلب وهو محبوس
ودخل الفرزدق على المهلب وهو محبوس فقال:
أصبح في قيدك السماحة وال |
|
جود وحملٌ لمضلع الأثقال |
فقال له: أتمدحني على هذه الحال? فقال: أصبتكن رخيصاً فاشتريتكن.
بين أبي العتاهية والرشيد وقد كتب إليه من الحبس شعراً
وحبس الرشيد أبا العتاهية فكتب إليه من الحبس بأبيات منهم :
تفديك نفسي من كل ما كرهت |
|
نفسك إن كنت مذنباً فاغفـر |
يا ليت قلبي مصوّر لـك مـا |
|
فيه لتستقين الـذي أضـمـر |
فوقّع الرشيد في رقعته: لا بأس عليك. فأعاد عليه رقعة أخرى فيهم :
كأنّ الخلق ركّب فـيه روح |
|
له جسد وأنت علـيه رأس |
أمين اللّه إن الحبـس بـأسٌ |
|
وقد وقّعت "ليس عليك بأس" |
فأمر بإطلاقه.
الحجاب
بين عبد العزيز بن زرارة
ومعاوية، وقد حجبه عنه يوماً، وشعر له في ذلك
أبو حاتم عن العتبي عن أبيه أن عبد العزيز بن زرارة الكلابي وقف على باب معاوية فقال: من يستأذن لي اليوم فأدخله غداً? وهو في شملتين، فلما دخل على معاوية قال: هززت ذوائب الرحال إليك إذ لم أجد معوّلاً إلا عليك. أمتطي الليل بعد النهم ر وأسم المجاهل بالآثار. يقودني نحوك رجاء وتسوقني إليك بلوى، والنفس مستبطئة والاجتهم د عاذر. فأكرمه وقرّبه. فقال في ذلك:
دخلت على معاوية بن حرب |
|
وذلك إذ يئست من الدخـول |
وما نلت الدخول عليه حتّـى |
|
حللت محلّة الرجل الذلـيل |
وأغضبت الجفون على قذاهم |
|
ولم أسمع إلى قـالٍ وقـيل |
فأدركت الذي أمّلـت فـيه |
|
بمكثٍ والخطا زاد العجول |
وقال غير العتبي: لما دخل عبد العزيز بن زرارة على معاوية قال له: "إني رحلت إليك بالأمل واحتملت جفوتكن بالصبر، ورأيت ببابك أقواماً قدّمهم الحظّ، وآخرين باعدهم الحرمان. وليس ينبغي للمتقدم أن يأمن ولا للمتأخر أن ييأس. وأول المعرفة الاختبار فابل وآختبر".
شعر لعبد العزيز بن
زرارة في حجاب معاوية إياه
وفي حجاب معاوية إياه يقول شاعر مضرّ:
من يأذن اليوم لعبد العزيز |
|
يأذن له عبد عزيزٍ غـداً |
قال أبو اليقظان: كان عبد العزيز بن زرارة فتى العرب.
رد أبي سفيان على حجب عثمان إياه
أستأذن أبو سفيان على عثمان فحجبه. فقيل له: حجبك أمير المؤمنين? فقال: لاعدمت من قومي من إذا شاء حجبني.
قول أبي الدرداء في حجب معاوية له
وحجب معاوية أبا الدرداء فقال أبو الدرداء: من يغش سدد السلطان يقم ويقعد، ومن صادف باباً عنه مغلقاً وجد إلى جانبه باباً فتحا، إن دعا أجيب وإذا سأل أعطي.
وظيفة الحاجب ودوره
قال رجل لحاجبه: إنك عين أنظر بهم وجنّة أستنيم إليهم ، وقد ولّيتكن بابي، فما
تراك صانعاً برعيتي? قال: أنظر إليهم بعينك وأحملهم على قدر منازلهم عندك وأضعهم
في إبطائهم عن زيارتكن ولزومهم خدمتكن مواضع استحقاقهم وأرتّبهم حيث وضعهم ترتيبك
وأحسن إبلاغك عنهم وإبلاغهم عنك. قال: قد وفّيت ما لك وما عليك إن صدّقته بفعل. و
كان يقال: حاجب الرجل حارس عرضه.
قول أبرويز لحاجبه يحدد دوره
وقرأت في التاج أن أبرويز قال لحاجبه: "لا تقدّمن مستغيثاً ولا تضعنّ ذا شرف بصعوبة حجاب ولا ترفعنّ ذا ضعة بسهولته. وضع الرجال مواضع أخطارهم، فمن كان مقدّماً له الشرف ممن آزدرعه ولم يهدمه من بعد بنائه فقدّمه على شرفه الأوّل وحسن رأيه الآخر، ومن كان له شرف مقدّم فلم يصن ذلك إبلاغاً به ولم يزدرعه تثميراً له فألحق بآبائه مهلة سبقهم في خواصهم، وألحق به في خاصته ما ألحق بنفسه. لا تأذن له إلا دبرا ولا تأذن له إلا سراراً. وإذا ورد عليك كتاب عامل من عمّالي فلا تحبسه عني طرفة عين إلا أن أكون على حال لا تستطيع الوصول إليّ فيهم ، وإن أتاك مدّع لنصيحة فاستكنتبهم سرّاً ثم أدخله بعد أن تستأذن له. حتى إذا كان مني بحيث أراه فادفع إليّ كتابه، فإن أحمدت قبلت وإن كرهت رفضت، ولا ترفعنّ إليّ طلبة طالب إن منعته بخّلني وإن أعطيته آزدراني، إلا بمؤامرة مني من غير أن تعلمه أنك قد أعلمتني وإن أتاك عالأيستأذن عليّ لعلم يزعم أنه عنده فاسأله: ما علمه ذلك? ثم أستأذن له فإن العلم كاسمه، ولا تحجبن سخطةً ولا تأذنن رضاً، اخصص بذلك الملك ولا تخصّ به نفسك".
قول خالد بن عبد اللّه لحاجبه
الهيثم قال: قال خالد بن عبد اللّه لحاجبه: "لا تحجبني عنّي أحداً إذا أخذت مجلسي، فإن الوالي لا يحجب إلا عن ثلاث: عيٍّ يكره أن يطّلع عليه منه، أو ريبة، أو بخل فيكره أن يدخل عليه من يسأله".
شعر لمحمود الورّاق في احتجاب الوالي
ومنه أخذ ذلك محمود الورّاق فقال:
إذا آعتصم الوالي باغلاق بـابـه |
|
وردّ ذوي الحاجات دون حجابـه |
ظننت بهم حدى ثـلاث وربّـمـا |
|
نزعت بظنٍّ واقعٍ بـصـوابـه |
فقلت به مسٌّ من العيّ ظـاهـرٌ |
|
ففي إذنه للناس إظهم ر ما بـه |
فإن لم يكن عيّ اللسان فغـالـبٌ |
|
من البخل يحمي ما له عن طلابه |
فإن لم يكـن هـذا ولاذا فـريبةٌ |
|
يصرّ عليهم عند إغـلاق بـابـه |
لبعض الشعراء في أن عرض الملك حاجبه
وقال بعض الشعراء:
أعلمن إن كنت تعلمـه |
|
أن عرض الملك حاجبه |
فبه تبدو مـحـاسـنـه |
|
وبه تبـدو مـعـايبـه |
شعر في الحاجب
وقال أخر:
كم من فتى تحمد أخلاقه |
|
وتسكن الأحرار في ذمّته |
قد كثّر الحاجب أعـداءه |
|
وسلّط الذمّ على نعمتـه |
قول جماعة على باب عمر بن الخطاب
حضر باب عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه جماعةٌ منهم سهيل بن عمرو وعيينة بن حصن والأقرع بن حابس فخرج الآذن فقال: أين صهيب? أين عمّار? أين سلمان? فتمع0ّرت وجوه القوم. فقال واحد منهم: لم تتمعّر وجوهكم? دعوا ودعينا فأسرعوا وأبطأنا، ولئن حسدتموهم على باب عمر لما أعدّ اللّه لهم في الجنة أكثر.
شعر في حاجب
وقال بعض الشعراء:
سأترك هذا الباب ما دام إذنـه |
|
على ما أرى حتى يخفّ قليلا |
إذا لم نجد للاذن عندك موضعا |
|
وجدنا إلى ترك المجيء سبيلا |
وقال آخر لحاجب:
سأترك باباً أنـت تـمـلـك إذنـه |
|
وإن كنت أعمى عن جميع المسالك |
فلو كنت بوّاب الجنان تركـتـهـم |
|
وحوّلت رحلي مسرعا نحو مالـك |
وكتب أبو العتاهية إلى أحمد بن يوسف:
لئن عدت بعد اليوم إنـي لـظـالـم |
|
سأصرف وجهي حيث تبغى المكارم |
متى ينجح الغـادي إلـيك بـحـاجة |
|
ونصفك محجوب ونصفـك نـائم? |
وقال آخر:
ولست بمتّخذ صاحـبـا |
|
يقيم على بابه حاجبـا |
|
||
إذا جئت قال له حـاجةٌ |
|
وإن عدت ألفيته غائبا |
|
||
ويلزم إخوانـه حـقـه |
|
وليس يرى حقّهم واجبا |
|
||
فلست بلاقيه حتى الممات |
|
إذ أنا لم ألقـه راكـبـا |
|||
وقال عبد اللّه بن سعيد في حاجب الحجاج وكان يحجبه دائماً:
ألا ربّ نصح يغلق الباب دونه |
|
وغشٍّ إلى جنب السرير يقرّب |
وقال آخر:
ما ضاقت الأرض على راغب |
|
يطّلب الـرزق ولا هـم رب |
بل ضاقت الأرض على طالب |
|
أصبح يشكو جفوة الحاجـب |
كتاب رجل حجب عن باب السلطان
وحجب رجل عن باب السلطان فكتب إليه: "نحن نعوذ باللّه من المطامع الدنيّة والهمم القصيرة وابتذال الحرّية، فإن نفسي والحمد اللّه أبيّة ما سقطت وراء همة ولا خذلهم صبر عند نازلة ولا استرقّهم طمع ولا طبعت على طبع وقد رأيتكن ولّيت عرضك من لا يصونه و وصلت ببابك من يشينه وجعلت ترجمان عقلك من يكثر من أعدائك وينقص من أوليائك "ويسيء العبارة عنك ويوجه وفد الذم إليك" ويضغن قلوب إخوانك عليك إذ كان لايعرف لشريف قدراً ولا لصديق منزلة، ويزيل المراتب عن جهل بهم وبدرجاتهم فيحطّ العليّ إلى مرتبة الوضيع ويرفع الدنيّ إلى مرتبة الرفيع، ويحتقر الضعيف لضعفه وتنبو عينه عن ذي البذاذة، ويميل إلى ذي اللباس والزينة ويقدّم على الهوى ويقبل الرّشا".
شعر لبشار
وقال بشار، وقيل هو لغيره:
تأبى خلائق خالد وفـعـالـه |
|
إلا تجنّب كـلّ أمـر عـائب |
فإذا أتيت الباب وقـت غـدائه |
|
أذن الغداء برغم أنف الحاجب |
اشعار في الحاجب والحجاب
وهذا ضد قول الآخر:
إذا تغـدّى فـر بـوابـه |
|
وآرتدّ من غير يدٍ بـابـه |
ومات من شهوة ما يحتسي |
|
عياله طرًّا وأصحـابـه |
وقال آخر:
يا أميرا على جريب من الأر |
|
ض له تسعة من الحجّـاب |
قاعداً في الخراب يحجب عنه |
|
ما سمعنا بحاجب في خراب! |
وقال آخر:
على أي باب أطلب الاذن بعد ما |
|
حجبت عن الباب الذي أنا حاجبه |
وقال الطائي:
يا أيهم الملك النـائي بـرؤيتـه |
|
وجوده لمراعي جـوده كـثـب |
ليس الحجاب مقصٍ عنك لي أملا |
|
إن السماء ترجّى حين تحتجـب |
وقال أيضاً:
ومحجّبٍ حاولتـه فـوجـدتـه |
|
نجماً عن الركب العفاة شسوعا |
أعدمته لما عـدمـت نـوالـه |
|
شكري فرحنا معدمين جميعـا |
وقال آخر:
قد أطلنا بالباب أمس القعـودا |
|
وجفينا بـه جـفـاء شـديدا |
وذممنا العبيد حتـى إذا نـح |
|
ن بلونا المولى عذرنا العبيد ا |
وحجب رجل فكتب:
أبا جعفر إن الولاية إن تـكـن |
|
منبّلة قوماً فأنت لـهـم نـبـل |
فلا ترفع عنا لشـيء ولـيتـه |
|
كما لم يصغّر عندنا شأنك العزل |
كتاب رجل إلى صديق له حجب نفسه
وكتب رجل من الكتاب في هذا المعنى إلى صديق له: "إن كان ذهولك عنا لدينا أخضلت عليك سماؤهم وأرتبت بك ديمهم إن أكثر ما يجري في الظن بك بل في اليقين منك أنك أملك ما تكون لعنانك أن يجمح بك ولنفسك أن تستعليّ عليك إذا لانت لك أكنافهم "وآنقاد في كفّك زمامهم لأنك لم تنل ما نلت خلساً ولا خطفا، ولا عن مقدار جرف إليك غير حقك وأمال نحوك سوى نصيبك. فإن ذهبت إلى أن حقك قد يحتمل في قوّته وسعته أن تضمّ إليه الجفوة والنّبوة فيتضائل في جنبه ويصغر عن كبيره فغير مدفوع عن ذلك. وآيم اللّه لولا ما بليت به النفس من الضّنّ بك وأنّ مكانك منهم لايسدّه غيرك نسخت عنك وذهلت عن إقبالك وإدبارك ولكان في جفائك ما يردّ من غرتهم ويبرد من غرّتهم ، ولكنه لما تكناملت النعمة لك تكناملت الرغبة فيك".
بين معاوية وحضين بن المنذر
أبو حاتم عن العتبيّ قال: قال معاوية لحضين بن المنذر وكان يدخل عليه في أخريات الناس: يا أبا ساسان كأنه لا يحسن إذنك. فانشأ يقول:
كل خفيف الشأن يسعى مشمّرا |
|
إذا فتح البوّاب بابك إصبـعـا |
ونحن الجلوس الماكثون رزانةً |
|
وحلماً إلى أن يفتح الباب أجمعا |
شعر في بشر بن مروان
وقال بعض الشعراء في بشر بن مروان:
بعيد مردّ العين ما ردّ طـرفـه |
|
حذار الغواشي باب دار ولا ستر |
|
||
ولو شاء بشر كان من دون بابـه |
|
طماطم سودٌ أو صقالبةٌ حمـر |
|||
ولكن بشرا يسّر الباب لـلـتـي |
|
يكون له في غبّهم الحمد والأجر |
|||
وقال بشر:
فلا تبخلا بخل ابن قرعة إنـه |
|
مخافة أن يرجى نداه حـزين |
إذا جئته في العرف اغلق بابـه |
|
فلم تلقـه إلا وأنـت كـمـين |
فقل لأبي يحيى متى تدرك العلا |
|
وفي كل معروف عليك يمـين |
مدح لابن هرمة
وقال ابن هرمة يمدح:
هشٌّ إذا نزل الوفود ببابـه |
|
سهل الحجاب مؤدّب الخدّام |
وإذا رأيت شقيقه وصديقـه |
|
لم تدر أيّهما أخو الأرحـام |
وكتب رجل إلى بعض الملوك:
إذا كان الجواد له حـجـاب |
|
فما فضل الجواد على البخيل |
فكتب إليه الآخر:
إذا كان الجواد قليل مال |
|
ولم يعذر تعلّل بالحجاب |
وقال عبيد اللّه بن عكراش":
وإني لأرثي للكـريم إذا غـدا |
|
على طمع عند اللئيم يطالـبـه |
وأرثي له من مجلس عند بابـه |
|
كمرثيتي للطّرف والعلج راكبه |
وكتب عبد اللّه بن أبي عيينة إلى صديق له:
أتيتكن زائراً لقضـاء حـق |
|
فحال السّتر دونك والحجاب |
ولست بصساقطٍ في قدر قوم |
|
وإن كرهوا كما يقع الذّباب |
شعر لأعرابي على باب الفضل بن الربيع
أبو حاتم عن عبد اللّه بن مصعب الزبيري قال: كنا بباب الفضل بن الربيع وهم يأذنون لذوي الهيئات والشارات وأعرابي يدنو فكلما دنا طرح. فقام ناحية وأنشأ يقول:
رأيت آذننـا يعـتـام بـزّتـنـا |
|
وليس للحسب الزاكي بمعـتـام |
ولو دعينا على الأحساب قدّمنـي |
|
مجدٌ تليد وجدّ راجـح نـامـي |
متى رأيا الصقور الجدل يقدمهم |
|
خلطان من رخمٍ قرع ومن هم م |
بين معاوية وشريك الحارثي
دخل شريك الحارثي على معاوية فقال له معاوية: من أنت? فقال له: يا أمير المؤمنين ما رأيت لك هفوة قبل هذه. مثلك ينكر مثلي من رعيته! فقال له معاوية: إن معرفتكن متفرقة، أعرف وجهك إذا حضرت في الوجوه، وأعرف آسمك في الأسماء إذا ذكرت، ولا أعلم أن ذلك الاسم هو هذا الوجه، فاذكر لي اسمك تجتمع معرفتكن.
في آداب الدخول على الملوك
استأذن رجلان على معاوية فأذن لأحدهما وكان أشرف منزلة من الآخر، ثم أذن للأخر فدخل عليه فجلس فوق صاحبه. فقال معاوية: إن اللّه قد ألزمنا تأديبكم كما ألزمنا رعايتكنم، وإنا لم نأذن له قبلك ونحن نريد أن يكون مجلسه دونك. فقم لا أقام اللّه لك وزناً.
دخول أبي مجلز على عمر بن عبد العزيز
دخل أبو مجلز على عمر بن عبد العزيز حين أقدمه من خراسان، فلم يقبل عليه. فلما خرج قال له بعض من حضر المجلس: هذا أبو مجلز. فردّه واعتذر إليه وقال: إني لم أعرفك. قال: يا أمير المؤمنين فهلا أنكرتني.
أشجع السلمي يذكر باب المنصور بن زياد
قال أشجع السلمي يذكر باب المنصور بن زياد:
على باب ابن منصورٍ |
|
علاماتٌ من البـذل |
جماعاتٌ وحسب البـا |
|
ب فضلاً كثرة الأهل |
وكانت العرب تتعوّذ باللّه من قرع الفناء
ومن قرع المراح.
وقال بعض الشعراء:
ما لي أرى أبوابهم مهجـورة |
|
وكأنّ بابك مجمـع الأسـواق |
ألجوك أم خافوك أم شاموا الحيا |
|
بحراك فانتجعوا من الآفـاق |
وقال آخر:
يزدحم الناس علـى بـابـه |
|
والمشرع العذب كثير الزحام |
وقال آخر: إن النّدى حيث ترى الضّغاطا يعني الزحام.
شعر لبشار
وقال بشار:
ليس يعطيك للرجاء ولا الخو |
|
ف ولكن يلذّ طعم العطـاء |
يسقط الطير حيث ينتثر الح |
|
بّ وتغشى منازل الكرماء |
بين عمر بن عبد العزيز وطارق مجهول
دقّ رجل على عمر بن عبد العزيز الباب فقال عمر: من هذا? قال: أنا. قال عمر: ما نعرف أحداً من إخواننا يسمّى أنا.
قول شبيب بن شيبة عند خروجه من دار الخلافة
خرج شبيب بن شيبة من دار الخلافة يوماً فقال له قائل: كيف رأيت الناس? فقال: رأيت الداخل راجياً ورأيت الخارج راضياً. شعر لأبي العتاهية، وغيره
قال أبو العتاهية:
إذا آشتدّ دوني حجاب آمرىء |
|
كفيت المؤونة حـجّـابـه |
حجب أعرابيّ على باب السلطان فقال:
أهين لهم نفسي لأكرمهم بهم |
|
ولا يكرم النفس الذي لايهينهم |
وقال جرير:
قوم إذا حضر الملوك وفودهم |
|
نتفت شواربهم على الأبواب |
وقال آخر:
فلما وردت الباب أيقنت أننـا |
|
على اللّه والسلطان غير كرام |
وقال أبو القمقام الأسدي:
أبلغ أبا مالك عني مغـلـغـلة |
|
وفي العتاب حياةٌ بـين أقـوام |
أدخلت قبلي قوماٌ لم يكن لـهـم |
|
من قبل أن يلجوا الأبواب قدّامي |
لو عدّ بيتٌ وبيتٌ كنت أكرمهـم |
|
بيتاً وأبعدهم من منـزل الـذام |
فقد جعلت إذا ما حاجتي نزلـت |
|
بباب دارك أدلوهـم بـأقـوام |
التلطف في مخاطبة السلطان
و إلقاء النصيحة إليه
بين الوليد وعمرو بن عتبة في النصيحة
العتبي قال: قال عمرو بن عتبة للوليد حين تنكّر له الناس: يا أمير المؤمنين إنك تنطقني بالأنس بك وأنا أكفت ذلك بالهيبة لك. وأراك تأمن أشياء أخافهم عليك، أ فأسكت مطيعاً? أم أقول مشفقاً? فقال: كلٌّ مقبول منك، واللّه فينا علم غيب نحن صائرون إليه. ونعود فنقول: فقتل بعد أيام.
من كتاب للهند في نصيحة السلطان
وفي إلقاء النصيحة إليه: قرأت في كتاب للهند أن رجلاً دخل على بعض ملوكهم فقال له: أيهم الملك نصيحتكن واجبة في الحقير الصغير بله الجليل الخطير ولولا الثقة بفضيلة رأيك واحتمالك ما يسوء موقعه من الأسماع والقلوب في جنب صلاح العاقبة وتلافي الحادث قبل تفاقمه لكان خرقاً مني أن أقول، وإن كنا إذا رجعنا إلى أن بقاءنا "موصول" ببقائك وأنفسنا معلقة بنفسك لم أجد بدّاً من أداء الحق إليك وإن أنت لم تسألني "أو خفت ألّا تقبل مني" فإنه يقال: من كتم السلطان نصحه والأطباء مرضه والإخوان بثّه فقد خان نفسه.
الخفوت في طاعته
بين جرير بن يزيد وأحد الخلفاء
قال
بعض الخلفاء لجرير بن يزيد: إني قد أعددتكن لأمر. قال: يا أمير المؤمنين، إن اللّه
قد أعدّ لك منّي قلباً معقوداً بنصيحتكن ويداً مبسوطة بطاعتكن وسيفاً مشحوذاً على
عدوّك فإذا شئت فقل.
وفي مثله: قال إسحاق بن إبراهيم: قال لي جعفر بن يحيى: آغد عليّ غدا لكذا. فقلت:
أنا والصبح كفرسي رهم ن.
وفي مثله: أمر بعض الأمراء رجلاً بأمر فقال له: أنا أطوع لك من اليد وأذل لك من
النّعل.
وقال آخر: أنا أطوع لك من الرّداء وأذلّ لك من الحذاء.
التلطّف في مدحه
خالد القسريّ يمدح عمر بن عبد العزيز
قال خالد بن عبد اللّه القسري لعمر بن عبد العزيز: من كانت الخلافة زانته، فإنك قد زنتهم ، ومن كانت شرفته فإنك قد شرفتهم ، فأنت كما قال القائل:
وإذا الدّرّ زان حسن وجوه |
|
كان للدّر وجهـك زينـا |
فقال عمر: أعطي صاحبكم مقولا ولم يعط معقولا.
نصيحة أديب لوزير
وكتب بعض الأدباء إلى بعض الوزراء: "إن أمير المؤمنين منذ استخلصك لنفسه فنظر بعينك وسمع بأذنك ونطق بلسانك وأخذ وأعطى بيدك وأورد وأصدر عن رأيك، وكان تفويضه إليك بعد امتحانك وتسليطه الرأي على الهوى فيك بعد أن ميّل بينك وبين الذين سموا لرتبتكن وجروا إلى غايتكن فأسقطهم مضمارك وخفّوا في ميزانك ولم يزدك رفعةً إلا آزددت اللّه تواضعاً، ولا بسطا وإيناساً إلا ازددت له من العامة قربا. ولا يخرجك فرط النصح للسلطان عن النظر لرعيته، ولا إيثار حقّه عن الأخذ لهم بحقّهم عنده، ولا القيام بما هو له عن تضمّن ما عليه، ولا تشغلك جلائل الأمور عن التفقّد لصغارهم ، ولا الجذل بصلاحهم واستقامتهم عن استشعار الحذر وإمعان النظر في عواقبهم
بين الرشيد والعماني الراجز
وفي مدحه: دخل العماني الراجز على الرشيد لينشده وعليه قلنسوة طويلة وخفّ ساذج،
فقال له الرشيد: يا عماني، إياك أن تنشدني إلا وعليك عمامة عظيمة الكور وخفّان
دلقمان فبكّر إليه من الغد وقد تزيّا بزيّ الأعراب ثم أنشده وقبّل يده وقال: يا
أمير المؤمنين قد واللّه أنشدت مروان ورأيت وجهه وقبّلت يده وأخذت جائزته ثم يزيد
بن الوليد وإبراهيم بن الوليد ثم السّفاح ثم المنصور ثم المهدي. كلّ هؤلاء رأيت
وجوههم وقبّلت أيديهم وأخذت جوائزهم، إلى كثير من أشباه الخلفاء وكبار الأمراء
والسادة والرؤساء، واللّه مارأيت فيهم أبهى منظراً ولا أحسن وجهم ولا أنعم كفّاً
وأندى راحةً منك يا أمير المؤمنين. فأعظم له الجائزة على شعره وأضعف له على كلامه
وأقبل عليه فبسطه حتى تمنى جميع من حضر أنه قام ذلك المقام.
كتاب الفضل بن سهل إلى أخيه الحسن ينصحه
وفي المديح: كتب الفضل بن سهل إلى أخيه الحسن بن سهل فقال: "إن اللّه قد جعل جدّك عالياً وجعلك في كل خير مقدماً وإلى غاية كل فضل سابقاً وصيّرك، وإن نأت بك الدار، من أمير المؤمنين وكرامته قريباً، وقد جدّد لك من البرّ كيت وكيت. وكذا يحوز اللّه لك من الدين والدنيا والعز والشرف أكثره وأشرغه إن شاء اللّه".
بين الرشيد وبعض الشعراء
وفي مدحه: قال الرشيد يوماً لبعض الشعراء: هل أحدّثت فينا شيئاً? فقال: يا أمير المؤمنين المديح فيك دون قدرك والشعر فيك فوق قدري، ولكنّي أستحسن قول العتّابيّ:
ماذا يرى قائلٌ يثني عليك وقـد |
|
ناداك في الوحي تقديسٌ وتطهير |
فتّ المدائح إلا أن ألـسـنـنـا |
|
مستنطقات بما تخفي الضمائير |
" في عترة لم تقم إلا بطاعتهـم |
|
من الكتاب ولك تقض المشاعير |
هذي يمينك في قربـاك صـائلة |
|
وصارمٌ من سيوف الهند مأثور" |
رسالة إلى أمير
وفي مدحه: كتب بعض الكتاب إلى بعض الأمراء: "إن من النعمة على المثني عليك أنه لا يخاف الإفراط ولا يأمن التقصير ولا يحذر أن تلحقه نقيصة الكذب ولا ينتهي به المدح إلى غاية إلا وجد في فضلك عوناً على تجاوزهم. ومن سعادة جدّك أن الداعي لك لا يعدم كثرة المشايعين ومساعدة النيّة على ظاهر القول".
وإلى وزير
وفي مثله كتب بعض الأدباء إلى الوزير: "مما يعين على شكرك كثرة المنصتين له، ومما يبسط لسان مادحك أمنه من تحمّل الإثم فيه وتكنذيب السامعين له".
لعمرو بن يزيد يمدح يزيد بن معاوية
وفي مثل ذلك: لمّا عقد معاوية البيعة ليزيد قام الناس يخطبون فقال لعمرو بن سعيد: قم يا أبا أمية. فقام فحمد اللّه وأثنى عليه، ثم قال: "أما بعد فإن يزيد بن معاوية أملٌ تأملونه وأجل تأمنونه، إن آستضفتم إلى حلمه وسعكم، وإن آحتجتم إلى رأيه أرشدكم، وإن افتقرتم إلى ذات يده أغناكم، جذعٌ قارحٌ سوبق فسبق وموجد فمجد وقورع فخرج فهو خلف أمير المؤمنين ولا خلف منهفقال معاوية: أوسعت يا أبا أمية فاجلس.
في مدح الحسن بن سهل
وفي مثل ذلك: قال رجل للحسن بن سهل: "يا أيهم الأمير، أسكتني عن وصفك تساوي أفعالك في السوود وحيّرني فيهم كثرة عددهم فليس إلى ذكر جميعهم سبيل، وإن أردت ذكر واحدة اعترضت أختهم إذ لم تكن الأولى أحق بالذكر منهم ، فلست أصفهم إلا بإظهم ر العجز عن صفتهم ".
في مدح محمد بن عبد الملك
وفي مثل ذلك: كتب آخر إلى محمد بن عبد الملك: "إن مما يطعمني في بقاء النعمة عليك، ويزيدني بصيرة في العلم بدوامهم لديك أنك أخذتهم بحقهم واستوجبتهم بما فيك من أسبابهم ، ومن شأن الأجناس أن تتواصل وشأن الأشكال أن تتقاوم، والشيء يتغلغل في معدنه ويحنّ إلى عنصره، فإذا صادف منبته ولزّ في مغرسه ضرب بعرقه وسمق بفرعه وتمكّن تمكّن الإقامة وثبت ثبات الطبيعة".
في مدح وزير
وفي مثل ذلك: كتب آخر إلى بعض الوزراء: "رأيتني فيما أتعاطى من مدحك كالمخبر عن ضوء النهم ر الباهر والقمر الزاهر الذي لايخفى على ناظر، وأيقنت أني حيث انتهى بي القول منسوبٌ إلى العجز مقصرٌ عن الغاية فانصرفت عن الثناء عليك إلى الدعاء لك، ووكلت الإخبار عنك إلى علم الناس بك".
العتّابي يمدح خالد بن يزيد
وفي مثله كتب العتابي إلى خالد بن يزيد: "أنت أيهم الأمير وارث سلفك وبقية
أعلام أهل بيتكن، المسدود بك ثلمهم والمجدّد بك قديم شرفهم والمنبّه بك أيام صيتهم
والمنبسط بك "آمالنا والصائر بك أكالنا والمأخوذ بك" حظوظنا، فإنه لم
يخمل من كنت وارثه، ولا درست آثار من كنت سالك سبيله ولا آمّحت معاهد من خلفته في
مرتبته".
في شكر الملك وحمده
قرأت في التاج قال بعض الكتاب للملك: "الحمد اللّه الذي أعلقني سبباً من أسباب الملك ورفع خسيستي بمخاطبته وعزّز ركني من الذّلة به وأظهر بسطتي في العامّة وزيّن مقاومتي في المشاهدة وفقأ عني عيون الحسدة وذلّل لي رقاب الجبابرة وأعظم لي رغبات الرعيّة وجعل لي به عقبا يوطأ يعظّم ومزية تحسن، والذي حقّق فيّ رجاء من كان يأملني وظاهر به قوة من كان ينصرني وبسط به رغبة من كان يسترفدني، والذي أدخلني من ظلال الملك في جناح سترني، وجعلني من أكنافه في كنف آتسع عليّ".
في شكر أردشير وتعداد نعمه
وفي شكره وتعداد نعمه: قرأت في سير العجم أن أردشير لما استوسق له أمره جمع الناس وخطبهم خطبة بليغة حضهم فيهم على الألفة والطاعة وحذرهم المعصية وصنّف الناس أربعة أصناف، فخرّ القوم سجّدا وتكنلّم متكنلّمهم مجيباً فقال: "لا زلت أيهم الملك محبّوا من اللّه بعزّة النصر ودرك الأمل ودوام العافية وحسن المزيد، ولا زلت تتابع لديك النعم وتسبغ عندك الكرامات والفضل حتى تبلغ الغاية التي يؤمن زوالهم ولا تنقطع زهرتهم في دار القرار التي أعدّهم اللّه لنظرائك من أهل الزّلفى عنده والحظوة لديه، ولا زال ملكك وسلطانك باقيين بقاءالشمس والقمر زائدين زيادة البحور والأنهم ر حتى تستوي أقطار الأرض كلهم في علوّك عليهم ونفاذ أمرك فيهم ، فقد أشرق عليّنا من ضياء نورك ما عمّنا عموم ضياء الشمس ووصل إلينا من عظيم رأفتكن ما اتصل بأنفسنا اتصال النسيم، فجمعت الأيدي بعد افتراقهم والكلمة بعد اختلافهم وألّفت بين القلوب بعد تباغضهم وأذهبت الإحن والحسائك بعد آستعار نيرانهم ، وأصبح فضلك لا يدرك بوصف ولا يحدّ بتعداد، ثم لم ترض بما عمّمتنا به من هذه النّعم وظاهرت من هذه الأيادي حتى أحببت توطيدهم والاستيثاق منهم وعملت لنا في دوامهم كعملك في إقامتهم وكفلت من ذلك ما نرجو نفعه في الخلوف والأعقاب، وبلغت همّتكن لنا فيه حيث لا تبلغ همم الآباء للأولاد، فجزاك اللّه الذي رضاه تحرّيت وفي موافقته سعيت أفضل ما التمست ونويت".
قول خالد بن صفوان لوا لٍ دخل عليه
وفي مثله: قال خالد بن صفوان لوا لٍ دخل عليه: "قدمت فأعطيت كلاً بقسطه من نظرك ومجلسك وصلاتكن وعدلك حتى كأنك متن كل أحد أو كأنك لست من أحد".
شكر وزير
كتب بعض الكتاب إلى الوزير يشكر له: "من شكر لك عن درجة رفعته إليهم أو ثروة أفدته إياهم فإن شكري إياك على مهجة أحييتهم وحشاشة تبقيتهم ورمقٍ أمسكت به وقمت بين التلف وبينه".
مثله في الشكر
قرأت في كتاب: "ولكل نعمة من نعم الدنيا حدّ تنتهي إليه ومدًى توقف عنده وغاية في الشكر يسمو إليهم الطّرف خلا هذه النعمة التي فاتت الوصف وطالت الشكر وتجاوزت كل قدر وأتت من وراء كل غاية وجمعت من أمير المؤمنين مننا جمّة أبقت للماضين منّا وللباقين فخر الأبد وردّت عنا كيد العدوّ وأرغمت عنا أنف الحسود وبسطت لنا عزّاً نتداوله ثم نخلفه للأعقاب فنحن نلجأ من أمير المؤمنين إلى ظلّ ظليل وكنف كريم وقلب عطوف ونظر رؤوف، فكيف يشكر الشاكر منا وأين يبلغ اجتهم د مجتهدنا ومتى نؤدّي ما يلزمنا ونقضي المفترض عليّنا وهذا كتاب أمير المؤمنين الذي لو لم تكن له ولآبائه الراشدين عند من مضى منا ومن غيرنا إلا ما ورد من صنوف كرامته وأياديه ولطيف ألفاظه ومخاطبته، لكان في ذلك ما يحسّن الشكر ويستفرغ المجهود".
التلطف في مسألة العفو
يوشت المغني يسأل كسرى العفو
قال كسرى ليوشت المغنيّ وقد قتل فهلوذ حين فاقه وكان تلميذه: "كنت أستريح منه إليك ومنك إليه فأذهب شطر تمتّعي حسدك ونغل صدركثم أمر أن يلقى تحت أرجل الفيلة فقال: أيهم الملك إذا قتلت أنا شطر طربك وأبطلته وقتلت أنت شطره الآخر وأبطلته، أليس تكون جنايتكن على طربك كجنايتي عليه? قال كسرى: دعوه، ما دلّه على هذا الكلام إلا ما جعل له من طول المدّة. وفي العفو أيضاً
قال رجل للمنصور: "الانتقام عدل والتجاوز فضل ونحن نعيذ أمير المؤمنين باللّه من أن يرضى لنفسه بأوكس النصيبين دون أن يبلغ أرفع الدرجتين".
وفي العفو
جلس الحجاج يقتل أصحاب عبد الرحمن، فقام إليه رجل منهم فقال: أيهم الأمير إن لي عليك حقاً. قال: وماحقك عليّ? قال: سبّك عبد الرحمن يوماً فرددت عنك. قال: ومن يعلم ذاك? فقال الرجل: أنشد اللّه رجلاً سمع ذاك إلا شهد به. فقام رجل من الأسرى فقال: قد كان ذاك أيهم الأمير. فقال: خلّوا عنه. ثم قال للشاهد: فما منعك أن تنكر كما أنكر? قال: لقديم بغضي إياك. قال: ويخلّى هذا لصدقه.
وفي العفو
أسر معاوية يوم صفّين رجلاً من أصحاب عليّ صلوات اللّه عليه، فلما أقيم بين يديه قال: الحمد اللّه الذي أمكن منك. قال: لا تقل ذاك فإنهم مصيبة. قال: وأيّة نعمة أعظم من أن يكون اللّه أظفرني برجل قتل في ساعة واحدة جماعة من أصحابي. اضربا عنقه. فقال: اللهم اشهد أن معاوية لم يقتلني فيك ولا لأنك ترضى قتلي، ولكن قتلني في الغلبة على حطام هذه الدنيا، فإن فعل فافعل به ما هو أهله، وإن لم يفعل فافعل به ما أنت أهله. فقال: قاتلك اللّه! لقد سببت فأوجعت في السب ودعوت فأبلغت في الدعاء. خلّيا سبيله.
وفي مثله
أخذ عبد الملك بن مروان سارقاً فأمر بقطع يده فقال:
يدي يا أمير المؤمنين أعيذهـم |
|
بعفوك أن تلقى نكالا يشينهـم |
فلا خير في الدنيا وكانت حبيبةً |
|
إذا ما شمالي فارقتهم يمينهـم |
فأبى إلاّ قطعه، فدخلت عليه أمه فقالت: يا أمير المؤمنين، واحدي وكاسبي. فقال: بئس الكاسب! هذا حدّ من حدود اللّه. فقالت: اجعله من الذنوب التي تستغفر اللّه منهم. فعفا عنه.
وفي مثله
أخذ عبد اللّه بن عليّ أسيراً من أصحاب مروان فأمر بضرب عنقه فلما رفع السيف ليضرب به ضرط الشأمي فوقع العمود بين يدي الغلام ونقرت دابة عبد اللّه فضحك وقال: اذهب فأنت عتيق آستكن. فالتفت إليه وقال: أصلح اللّه الأمير! رأيت ضرطة قطّ أنجت من الموت غير هذه? قال: لا، "قال": هذا واللّه الإدبار. قال: وكيف ذاك? قال: ما ظنك بنا وكنا ندفع الموت بأسنّتنا فصرنا ندفعه اليوم بأستاهنا.
وفي مثله
خرج النعمان بن المنذر في غبٍّ سماء فمرّ برجل من بني يشكر جالساً على غدير ماء، فقال له: أتعرف النعمان? قال اليشكري? أليس ابن سلمى? قال: نعم. قال: واللّه لربما أمررت يدي على فرجهم. قال له: ويحك، النعمان بن المنذر! قال: قد خبرتكن. فما انقضى كلامه حتى لحقته الخيل وحيّوه بتحية الملك. فقال له: كيف قلت? قال: أبيت اللعن، إنك واللّه ما رأيت شيخاً أكذب ولا ألأم ولا أوضع ولاأعضّ ببظر أمه من شيخ بين يديك. فقال النعمان: دعوه، فأنشأ يقول:
تعفو الملوك عن العظي |
|
م من الذنوب لفضلهـم |
ولقد تعاقب في اليسـي |
|
ر وليس ذاك لجهلهـم |
إلا ليعرف فضـلـهـم |
|
ويخاف شدّة نكلـهـم |
إبراهيم بن المهدي يستعطف المأمون ليعفو عنه
لمّا أخذ المأمون إبراهيم بن المهدي استشار أبا إسحاق والعباس في قتله فأشارا به، فقالله المأمون: قد أشارا بقتلك. فقال إبراهيم: أما أن يكونا قد نصحا لك في عظم الخلافة وما جرت به عادة السياسة فقد فعلا، ولكنك تأبى أن تستجلب النصر إلا من حيث عودّك اللّه. وكان في اعتذاره إليه أن قال: إنه وإن بلغ جرمي استحلال دمي فحلم أمير المؤمنين وفضله يبلغانني عفوه، ولي بعدهما شفعة الإقرار بالذنب وحقّ الأبوة بعد الأب. فقال المأمون: لو لم يكن في حق سببك حقّ الصفح عن جرمك لبلّغك ما أمّلت حسن تنصّلك ولطف توصّلك. وكان إبراهيم يقول بعد ذلك: واللّه ماعفا عني المأمون صلةً لرحمي ولا محبة لاستحيائي ولا قضاءً لحق عمومتي، ولكن قامت له سوقٌ في العفو فكره أن يفسدهم بي.
شعر في طلب العفو
ومن أحسن ما قيل في مثله قول العتّابي:
رحل الرجاء إليك مغتـربـا |
|
حشدت عليه نوائب الدهـر |
ردّت إليك ندامتـي أمـلـي |
|
وثنى إليك عنانه شـكـري |
وجعلت عتبك عتب موعظة |
|
ورجاء عفوك منتهى عذري |
وقول عليّ بن الجهم للمتوكل:
عفا اللّه عنـك ألا حـرمة |
|
تعوذ بعفـوك أن أبـعـدا |
لئن جلّ ذنب ولم أعتـمـده |
|
لأنت أجـلّ وأعـلـى يدا |
ألم تر عبد اً عـدا طـوره |
|
ومولّىً عفا ورشيدا هـدى |
ومفسد أمـر تـلافـيتـه |
|
فعاد فأصلح مـا أفـسـدا |
أقلني أقالك مـن لـم يزل |
|
يقيك ويصرف عنك الردى |
وجد بعض الأمراء على رجل فجفاه وآطّرحه حيناً ثم دعا به ليسأله عن شيء فرآه ناحلاً شاحباً. فقال: متى اعتللت? فقال:
ما مسّني سقمٌ ولـكـنـنـي |
|
جفوت نفسي إذ جفاني الأمير |
فعاد له وقال آخر:
ألا إن خير العفو عفوٌ معجّـل |
|
وشر العقاب ما يجاز به القدر |
وكان
يقال: بحسب العقوبة أن تكون على مقدار الذنب.
وفي العفو: قال بعضهم: إن عاقبت جازيت وإن عفوت أحسنت والعفو أقرب للتقوى.
ونحوه: قال رجل لبعض الأمراء: أسألك بالذي أنت بين يديه أذلّ مني بين يديك، وهو
على عقابك أقدر منك على عقابي إلاّ نظرت في أمري نظر من برئي أحبّ إليه من سقمي
وبراءتي أحبّ إليه من جرمي.
ونحوه قول آخر: قديم الحرمة وحديث التوبة يمحقان ما بينهما من الإساءة.
وفي مثله: أتى الأحنف ابن قيس مصعب بن الزبير فكلّمه في قوم حبسهم، فقال: أصلح
اللّه الأمير، إن كانوا حبسوا في باطل فالحق يخرجهم، وإن كانوا حبسوا في حق فالعفو
يسعهم. فخلاّهم.
وفي مثله: أمر معاوية بعقوبة روح بن زنباع فقال له روح: أنشدك اللّه يا أمير
المؤمنين أن تضع مني خسيسة أنت رفعتهم أو تنقض مني مرّة أنت أبرمتهم أو تشمت بي
عدواً أنت وقمته وإلاّ أتى حلمك وعفوك على جهلي وإساءتي. فقال معاوية: خلّيا عنه.
ثم أنشد: إذا اللّه سنّى عقد أمرٍ تيسرا وفي مثله: أمر عمر بن عبد العزيز بعقوبة
رجل قد كان نذر إن أمكنه اللّه منه ليفعلنّ به وليفعلن. فقال له رجاء بن حيوة: قد
فعل اللّه ما تحب من الظفر فافعل ما يحب اللّه من العفو.
وفي مثله: قال ابن القرّيّة للحجاج في كلام له: أقلني عثرتي وأسغني ريقي فإنه لا
بد للجواد من كبوة ولا بد للسيف من نبوة ولا بد للحليم من هفوة. فقال الحجاج: كلاّ،
واللّه حتى أوردك جهنم. ألست القائل برستقباذ: تغدّوا الجدي قبل أن يتعشّاكم.
وفي مثله: أمر عبد الملك بن مروان بقتل رجل فقال: يا أمير المؤمنين، إنك أعزّ ما
تكون أحوج ما تكون إلى اللّه، فاعف له فإنك به تعان وإليه تعود. فخلّى سبيله.
وفي مثله: قال خالد بن عبد اللّه لسليمان بعد أن عذبه "بما عذّبه به":
إن القدرة تذهب الحفيظة وقد جلّ قدرك عن العتاب ونحن مقرّون بالذنب، فإن تعف فأهل
العفو وإن تعاقب فبما كان منا. فقال: "أولى لك" أمّا حتّى تأتي الشأم
راجلاً فلا عفو.
وفي مثله: ضرب الحجاج أعناق أسارى أتي بهم، فقال رجل منهم: واللّه لئن كنا أسأنا
في الذنب فما أحسنت في المكافأة. فقال الحجاج: أفٍّ لهذه الجيف! أما كان فيهم أحد
يحسن مثل هذا! وكفّ عن القتل.
وفي مثله بين مصعب بن الزبير ورجل من أصحاب المختار الثقفي
أخذ مصعب بن الزبير رجلاً من أصحاب المختار فأمر بضرب عنقه. فقال: أيهم الأمير ما أقبح بك أن أقوم يوم القيامة إلى صورتكن هذه الحسنة ووجهك هذا الذي يستضاء به فأتعلق بأطرافك وأقول أي ربّ سل مصعباً فيم قتلني. قال: أطلقوه. قال: اجعل ما وهبت لي من حياتي في خفض. قال: أعطوه مائة ألف. قال: بأبي أنت وأمي، أشهد اللّه أن لابن قيس الرّقيات منهم خمسين ألفاً. قال: ولم? قال: لقوله فيك:
إنما مصعبٌ شهم ب من الل |
|
ه تجلّت عن وجهه الظلماء |
ملكه ملك رحمة ليس فـيه |
|
جبروتٌ يخشى ولا كبـرياء |
يتقي اللّه في الأمور وقد أف |
|
لح من كان همّه الاتـقـاء |
فضحك مصعب، وقال: أرى فيك موضعاً للصنيعة. وأمرو بلزومه وأحسن إليه فلم يزل معه حتى قتل.
وفي مثله بين عبد الملك بن مروان وعبد الملك بن الحجاج
قال
عبد الملك بن الحجاج التغلبي لعبد الملك بن مروان: هربت إليك من العراق.
قال: كذبت، ليس إلينا هربت، ولكنك هربت من دم الحسين وخفت على دمك فلجأت إلينا.
ثم جاء يوماً آخر فقال:
أدنو لترحمني وترتق خلّتي |
|
وأراك تدفعني فأين المدفع |
ونحوه قول الآخر:
كنت من كربتي أفرّ إليهم |
|
فهم كربتي فأين الفرار |
وفي مثله: قنّع الحجاج رجلاً في مجلسه ثلاثين سوطاً وهو في ذلك يقول:
وليس بتعزيز الأمير خـزايةٌ |
|
عليّ إذا ما كنت غير مريب |
ونحوه:
وإن أمير المؤمنين وفـعـلـه |
|
لكالدهر، لا عارٌ بما فعل الدهر |
وفي مثله للحسن البصري
مر
الحسن البصري برجل يقاد منه. فقال للوليّ: يا عبد اللّه، إنك لا تدري لعل هذا قتل
وليّك وهو لا يريد قتله، وأنت تقتله متعمداً، فانظر لنفسك. قال: قد تركته للّذه.
وفي مثله: حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن عيسى بن عمر قال: رمي الحجاج فقال:
انظروا من هذا? فأوما رجل بيده ليرمي. فأخذ فأدخل عليه وقد ذهبت روحه. قال عيسى
بصوت ضعيف يحكي الحجاج: أنت الرّامينا منذ الليلة? قال: نعم أيهم الأمير. قال: ما
حملك على ذلك? قال: العيّ واللّه واللؤم. قال: خلّوا عنه. وكان إذا صدق انكسر.
وفي مثله بين الحجاج وعثمان الشحام
حدّثني
أبو حاتم عن الأصمعيّ عن عثمان الشحام قال: أتي الحجاج بالشّعبي فقال له: أخرجت
عليّنا يا شعبي? قال: أجدب بنا الجناب وأحزن بنا المنزل واستحلسنا الخوف واكتحلنا
السهر وأصابتنا خزية لم نكن فيهم بررةً أتقياءولا فجرة أقوياء. فقال الحجاج: اللّه
أبوك. ثم أرسله.
وفي مثله: أتي موسى بن المهدي برجل كان قد حبسه فجعل يقرّعه بذنوبه، فقال الرجل:
يا أمير المؤمنين، اعتذاري مما تقرّعني به ردٌ عليك وإقراري بما تعتدّه عليّ
يلزمني ذنباً لم أجنه، ولكني أقول:
فإن كنت ترجو بالعـقـوبةً راحةً |
|
فلا تزهدن عند المعافاة في الأجر |
وفي مثله: قال الحسن بن سهل لنعيم بن حازم وقد اعتذر إليه من ذنب عظّمه: على رسلك أيهم الرجل، تقدّمت لك طاعةٌ وتأخرت لك توبة، وليس لذنب بينهما مكان، وما ذنبك في الذنوب بأعظم من عفو أمير المؤمنين في العفو.
في الدعاء للسلطان
قال رجل لبعض الأمراء: "إني لو كنت أعرف كلاماً يجوز أن ألقى به الأمير غير ما جرى على ألسن الناس، لأحببت أن أبلغ ذلك فيما أدعو به له وأعظّم من أمره، غير أني أسأل اللّه الذي لا يخفى عليه ما تحتجب به الغيوب من نيات القلوب أن يجعل ما يطلّع عليه مما تبلغهنيته في إرادته للأمير أدنى ما يؤتيه إياه من عطاياه ومواهبه وفي الدعاء له: قرأت في كتاب رجل من الكتاب: "لا زالت أيامك ممدودة بين أمل لك تبلغه وأملٍ فيك تحقّقه حتى تتملّى من الأعمار أطولهم وترقى من الدرجات أفضلهم ".
وفي الدعاء أيضاً
دخل محمد بن عبد الملك بن صالح على المأمون حين قبضت ضياعه فقال: السلام عليك أمير المؤمنين. محمد بن عبد الملك سليل نعمتكن وابن دولتكن وغصن من أغصان دوحتكن، أتأذن له في الكلام? قال: نعم. فتكنلّم بعد حمد اللّه والثناء عليه. فقال: "نستمتع اللّه لحياطة ديننا ودنيانا ورعاي أدنانا وأقصانا ببقائك يا أمير المؤمنين ونسأله أن يزيد في عمرك من أعمارنا وفي أثرك من آثارنا ويقيك الأذى بأسماعنا وأبصارنا. هذا مقام العائذ بظلّك الهم رب إلى كنفك وفضلك الفقير إلى رحمتكن وعدلك" ثم تكنلّم في حاجته.
وفي شكر السلطان وفي حمده
قدم رجل على سليمان بن عبد الملك في خلافته فقال له: ما أقدمك عليّ? فقال: يا أمير المؤمنين ما أقدمني عليك رغبة ولا رهبة. قال: وكيف ذاك? قال: أما الرغبة فقد وصلت إلينا وفاضت في رحالنا وتناولهم الأقصى والأدنى منّا، وأما الرّهبة فقد أمنّا بعدلك يا أمير المؤمنين عليّنا وحسن سيرتكن فينا من الظلم، فنحن وفد الشكر.
وفي حمده
كتب بعض الكتاب إلى وزير: "كلّ مدى يبلغه القائل بفضلك والواصف لأيامك والشاكر للنعمة الشاملة بك قصدٌ أممٌ عند الفضائل الموفورة لك والمواهب المقسومة للرعية بك، فواجبٌ على من عرف قدر النعمة بك أن يشكرهم وعلى من أظله عزّ أيامك أن يستديمه وعلى من حاطته دولتكن أن يدعو اللّه ببقائهم ونمائهم ، فقد جمع اللّه بك الشّتات وأصلح بهم الفساد وقبض الأيدي الجائرة وعطف القلوب النافرة، فأمّنت سرب البرىء وخفضت جأشه وأخفت سبل الجاني وأخذت عليه مذاهبه ومطالعه ووقفت بالخاصّة والعامة على قصد من السيرة أمنوا بهم من العثار والكبوة".
وفي حضّه على شكر اللّه عز وجل
قال شبيب بن شيبة للمهدي: إن اللّه عز وجل لم يرض أن يجعلك دون أحد من خلقه، فلا
ترض بأن يكون أحد أشكر له منك، والسلام.
تم كتاب السلطان، ويتلوه في الجزء الثاني كتاب الحرب
كتاب الحرب
آداب الحرب ومكائدهم
للرسول في عدم تمني لقاء العدو قال أبو محمد عبد اللّه بن مسلابن قتيبة: حدّثني محمد بن عبيد ة قال: حدّثنا معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن هشام والأوزاعيّ عن يحيى بن أبي كثير قال: قال رسول اللّه: "لا تمنّوا لقاء العدوّ فعسى أن تبتلوا بهم ولكن قولوا اللهم اكفنا وكفّ عنا بأسهم، وإذا جاءوكم يعزفون ويزحفون ويصيحون فعليكم الأرض جلوساً، ثم قولوا: اللهم أنت ربنّا وربّهم، ونواصينا ونواصيهم بيدك، فإذا غشوكم فثوروا في وجوههم".
لأبي الدرداء في القتال بالأعمال
حدّثني محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن سعيد بن عبد العزيز عمن حدّثه أنّ أبا الدرداء قال: أيهم الناس، عملٌ صالح قبل الغزو فانما تقاتلون بأعمالكم.
لعمر بن الخطاب عند عقده الألوية لأمراء الجيوش
حدّثنا القاسم بن الحسن عن الحسن بن الربيع عن ابن مبارك عن حيوة بن شريح قال: كان عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه إذا بعث أمراء الجيوش أوصاهم بتقوى اللّه العظيم، ثم قال عند عقد الألوية: بسم اللّه وعلى عون اللّه وامضوا بتأييد اللّه بالنصر وبلزوم الحق والصبر، فقاتلوا في سبيل اللّه من كفر باللّه ولا تعتدوا إن اللّه لا يحب المعتدين. لا تجنبوا عند اللقاء ولا تمثّلوا عند القدرة ولا تسرفوا عند الظهور ولا تقتلوا هرماً ولا امرأة ولا وليداً. وتوقّوا قتلهم إذا التقى الزّحفان وعند حمّة النّهضات وفي شنّ الغارات. ولا تغلّوا عند الغنائم ونزّهوا الجهم د عن عرض الدنيا وأبشروا بالرّباح في البيع الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم.
وصية أكثم بن صيفي لقوم استشاروه في حرب
استشار
قوم أكثم بن صيفيّ في حرب قوم أرادوهم وسألوه أن يوصيهم فقال: أقلّوا الخلاف على
أمرائكم، واعلموا أن كثرة الصّياح من الفشل والمرء يعجز لا محالة. تثبّتوا فإن
أحزم الفريقين الرّكين، وربّت عجلةٍ تعقب ريثا، وآتزروا للحرب وادّرعوا الليل فإنه
أخفى للويل، ولا جماعة لمن اختلف عليه.
وقال بعض الحكماء: قد جمع اللّه لنا أدب الحرب في قوله تعالى: "يأيّهم الّذين
آمنوا إذا لقيتم فئةً فاثبتوا وآذكروا اللّه كثيراً لعلّكم تفلحون وأطيعوا اللّه
ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم و آصبروا إنّ اللّه مع الصّابرين".
قول عتبة بن ربيعة لأصحابه يوم بدر
حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن الأوزاعيّ قال: قال عتبة بن ربيعة يوم بدر لأصحابه: ألا ترونهم - يعني أصحاب النبي - جثيًّا على الرًكب كأنهمخرسٌ يتلمًظون تلمًظ الحيًات. قال: وسمعتهم عائشة يكّبرون يوم الجمل فقالت: لا تكنثروا الصياح فإن كثرة التكنبير عند اللقاء من الفشل.
وصية أبو بكر ليزيد بن أبي سفيان
وذكر أبو حاتم عن العتبيّ عن أبي إبراهيم قال: أوصى أبو بكر رضي اللّه عنه يزيد بن أبي سفيلن حين وجّهه إلى الشام فقال: يا يزيد سر على بركة اللّه. إذا دخلت بلاد العدوّ فكن بعيداً من الحملة فإنة لا آمن عليك الجولة. وآستظهر بالزاد وسر بالأدلاّء ولا تقاتل بمجروح فإنّ بعضه ليس منه، وآحترس من البيات فإنّ في العرب غرّة، وأقلل من الكلام فإنما لك ما وعي عنك. وإذا أتاك كتابي فأنفذه فإنما أعمل على حسب إنفاذه. وإذا قدمت عليك وفود العجم فأنزلهم معظم عسكرك وأسبغ عليهم النفقة و امنع الناس عن محادثتهم ليخرجوا جاهلين كما دخلوا جاهلين. ولا تلحّن في عقوبة "فإن أدناهم وجع" ولا تسرعنّ إليهم وأنت تكنتفي بغيرهم. واقبل من التاس علانيتهم وكلهم إلى اللّه في سرائرهم. ولا تجسّس عسكرك فتفضحه ولا تهمله فتفسده. وأستودعك اللّه الذي لا تضيع ودائعه.
وصية أبو بكر لعكرمة حين وجهه إلى عمان
"قال بو بكر لعكرمة حين وجهه إلى عمان: يا عكرمة سر على بركة اللّه ولا تنزل
على مستأمن ولا تؤمّنن على حق مسلم وأهدر الكفر بعضه ببعض. وقدّم النّذر بين يديك.
ومهما قلت إني فاعل فافعله ولا تجعل قولك لغواً في عقوبة ولا عفو. ولا ترج إذا
أمّنت زلا تخافنّ إذا خوّفت ولكن انظر متى تقول وما تقول. ولا تعدنّ معصية بأكثر
من عقوبتنا فإن فعلت أثمت وإن تركت كذبت. ولاتؤمّنن شريفاً دون أن يكفل بأهله ولا
تكنفلنّ ضعيفاً أكثر من نفسه. واتق اللّه فإذا لقيت فاصبر".
وصية عبد الملك بن صالح إلى أمير سرية إلى بلاد الروم
وأوصى عبد الملك بن صالح أمير سريّة إلى بلاد الروم فقال: أنت تاجر اللّه لعباده فكن كالمضارب الكيّس الذي إن وجد ربحاً تجر، وإلا احتفظ برأس المال. ولا تطلب الغنيمة حتى تحوز السلامة. وكن من احتيالك على عدوّك أشدّ حذراً من احتيال عدوّك عليك.
وصية رسول اللّه إلى عمرو بن العاص أو زيد بن حارثة
وحدّثني محمد بن عبيد عن ابن عيينة قال: أخبرني رجل من أهل المدينة أنّ رسول اللّه قال ليزيد بن حارثة أو لعمرو بن العاص: "إذا بعثتكن في سرية فلا تتنقّهم واقتطعهم فإن اللّه ينصر القوم بأضعفهم".
فيمن لا يخرج إلى الغزو
حدّثني محمد بن عبيد "عن ابن عيينة" عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير قال: غزا نبي من الأنبياء أو غير نبي فقال: "لا يغزونّ معي رجل بنى بناء لم يكمله، ولا رجل تزوّج امرأة لم يبن بهم ، ولا رجل زرع زرعاً ثم لم يحصده".
كلام عليّ رضي اللّه عنه لأصحابه يوم صفين
"وذكر ابن عباس عليّاً فقال: ما رأيت رئيساً يوزن به. لرأيته يوم صفّين وكأنّ عينيه سراجا سليط وهو يحمّس أصحابه إلى أن انتهى إليّ وأنا في كثفٍ فقال: معشر المسلمين، استشعروا الخشية وعنّوا الأصوات وتجلببوا السكينة وأكملوا اللّؤم وأخفوا الخون وقلقلوا السيوف في أغمادهم قبل السّلّة والحظوا الشّزر واطعنوا النّبر ونافحوا بالظّبا و صلوا السيوف بالخطا والرماح بالنّبل وامشوا إلى الموت مشياً سجحا. وعليكم بهذا السواد الأعظم والرّواق المطنّب فاضربوا ثبجه فإن الشيطان راكد في كسره نافج خصييه مفترش ذراعيه قد قدّم للوثبة يداً وأخّر للنّكوص رجلاً".
بين يزيد بن معاوية وسلابن زياد
ولما ولّى يزيد بن معاوية سلابن زياد خراسان قال هل: إن أباك كفى أخاه عظيماً، وقد استكنفيتكن صغيراً فلا تتكنلنّ على عذر مني فقد اتكنلت على كفاية منك. وإياك منّي أن أقول إياي منك، فإنّ الظن إذا أخلف فيك أخلف منك. وأنت في أدنى حظك فاطلب أقصاه، وقد أتعبك أبوك فلا تريحنّ نفسك، وكن لنفسك تكن لك، واذكر في يومك أحاديث غدك ترشد إن شاء اللّه.
لأم جبغويه ملك طخارستان فيما ينبغي للأمير
قال الأصمعيّ: قالت أم جبغويه ملك طخارستان لنصر بن سيّار الليثي: ينبغي للأمير أن تكون له ستة أشياء: وزير يثق به ويفشي إليه سرّه، وحصن يلجأ إليه إذا فزع فينجيه - يعني فرساً - وسيف إذا نازل به الأقران لم يخف خونه، وذخيرة خفيفة المحمل إذا نابته نائبة أخذهم ، وامرأة إذا دخل عليهم أذهبت همّه، وطباخ إذا لم يشته الطعام صنع لم ما يشتهيه.
للرسول عليه الصلاة والسلام
وبلغني عن عبّاد بن كثير عن عقيل "بن خالد" عن الزّهري عن عبيد اللّه بن عبد اللّه عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه: "خير الأصحاب أربعة وخير السرايا أربعمائة وخير الجيوش أربعة الاف وما غلب قوم قطّ يبلغون اثني عشر ألفاً إذا اجتمعت كلمتهم"وقال رجل يوم حنين: لن نغلب اليوم عن قلّة. وكانوا اثني عشر ألفاً فهزم المسلمون يومئذ وأنزل اللّه عزو جل "ويوم حنينٍ إذ أعجبتكنم كثرتكنم" الآية"
ثلاث من كنّ فيه كنّ عليه
وقالوا كان يقال: ثلاث من كنّ فيه كنّ عليه: البغي، قال اللّه تعالى: "يأيّهم النّاس إنما بغيكم على أنفسكم"، والمكر، قال اللّه تعالى: " ولا يحيق المكر السّيّء إلا بأهله " والنّكث، قال عز وجل: "فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه".
من كتاب للهند
وقرأت في كتاب للهند: لاظفر مع بغي، ولا صحّة مع نهم، ولا ثناء مع كبر، ولا صداقة
مع خبّ، ولا شرف مع سوء أدب، ولا برّ مع شحٍّ، ولا اجتناب محرّم مع حرص، ولا محبة
مع زهو، ولا ولاية حكم مع عدم فقه، ولا عذر مع إصرار، ولا سلامة مع ريبة، ولا راحة
قلب مع حسد، ولا سؤدد مع انتقام، ولا رئاسة مع غرارة وعجب، ولا صواب مع ترك
المشاورة، ولا ثبات ملك مع تهم ون وجهم لة وزراء.
لقتيبة بن مسلم في صفة المحارب
خرجت خارجة بخراسان على قتيبة بن مسلم فأهمّه ذلك فقيل له: ما يهمّك منهم? وجّه إليهم وكيع بن أبي سود فإنه يكفيكهم. فقال:لا، إنّ وكيعاً رجل به كبر يحتقر أعداءه، ومن كان هكذا قلّت مبالاته بعدوّه فلم يحترس منه فيجد عدوّه منه غرّة.
لأحد ملوك العجم في المكيدة بالحرب
وقرأت
في بعض كتب العجم أنّ ملكاً من ملوكهم سئل: أيّ مكائد الحرب أحزم? فقال: إذكاء
العيون واستطلاع الأخبار وإفشاء الغلبة وإظهم ر السرور وإماتة الفرق والاحتراس من
البطانة من غير إقصاء لمن يستنصح ولا استنصاح لمن يستغشّ ولا تحويل شيء عن شيء إلا
بسدّ ناحية من المراتب وحسن مجاملة الظنون وإشغال الناس عما هم فيه من الحرب
بغيره.
وسئل عن وثائق الحزم في القتال فقال: مخاتلة العدوّ عن الرّيف وإعداد العيون على
الرّصد وإعطاء المبلّغين على الصدق ومعاقبة المتوصّلين بالكذب وألا تحرج هم رباً
إلى قتال ولا تضيّق أماناً على مستأمن ولا تشبّ عن أصحابك للبغية و لا تشدهنّك
الغنيمة عن المحاذرة.
من كتاب للهند
وقرأت في كتاب للهند: الحازم يحذر عدوّه على كل حال. يحذر المواثبة إن قرب، والغارة إن بعد، والكمين إن انكشف، والاستطراد إن ولّى، والمكر إن رآه وحيداً، ويكره القتال ما وجد بدّاً لأن النفقة فيه من الأنفس والنفقة في غيره من المال.
من كتاب الآيين في فن المحاربة
و قرأت في الآيين: قد جرت السنة في المحاربة أن يوضع من مكان من الجند أعسر في
الميسرة ليكون لقاؤه يسراً ورميه شزراً وأن يكون اللقاء من الفرسان قدماً وترك ذلك
على حال ممايلة أو مجانبة وأن يرتاد للقلب مكاناً مشرفاً ويلتمس وضعه فيه فإن
أصحاب الميمنة والميسرة لا يقهرون ولا يغلبون وإن زالتا بعض الزوال ما ثبت
المادّتان فإن زالت المادّتان لم ينتفع بثبات الميمنة والميسرة. "وإذا عيّ
الجند فليناوش أهل الميمنة والمادّتان فأما الميسرة" فلا يشذنّ منهم أحد إلاّ
أن يبادر إليهم من العدوّ من يخاف بائقته فيردّون عاديتهم مع أنّ أصحاب الميمنة
والمادّتين لا يقدرون على لقاء من يناوشهم والرجوع إلى أصحابهم عاطفين، وأصحاب
الميسرة لا يقدرون على مناوشة إلا مائلين ويعجزهم الرجوع عاطفين. ولا يألونّ صاحب
الجيش على حال من الحال أن يستدبر جنده عين الشمس والريح، ولا يحاربنّ جنداً إلا
على أشدّ الضرورة وعلى حال لا يوجد معهم من المحاربة بدٌّ، فإذا كان كذلك فليجهد
صاحب الجيش أن يدفع بالحرب إلى أخر النهم ر. وينبغي على كل حال أن يخلّى بين
المنهزمين وبين الذهم ب ولا يحبسوا. وإن كان الجند قد نزلوا على ماء وأراد العدوّ
أن ينالوا من الماء فليس من الرأي أن يحال بينهم وبينه لئلا يحرجوا إلى الجدّ في
محاربتهم. وإن كان العدو قد نزلوا بماء وأراد الجند غلبتهم عليه فإن وقت طلب ذلك
عند ريّ العدوّ من الماء وسقيهم دوابّهم منه وعند حاجة الجند إليه، فإن أسلس ما
يكون الإنسان عن الشيء عند استغنائه عنه وأشدّ ما يكون طلباً للشيء عند حاجنه
إليه. ولتسر الطلائع في قرار من الأرض ويقفوا على التّلاع ولا يجوزوا أرضاً لم
يستقصوا خبرهم. وليكمن الكمين في الخمر والأماكم الخفية. وليطرح الحسك في المواضع
التي يتخوّف فيهم البيات. وليحترس صاحب الجيش من انتشار الخبر عنه فأن في انتشاره
فساد العسكر وانتقاضه.وإذا كان أكثر من في الجند من المقاتلة مجرّبين ذوي حنكة
وبأس فبدار العدوّ الجند إلى الوقعة خير للجند.وإذا كان أكثرهم أغماراً ولم يكن من
القتال بدّ فبدار الجند إلى مقاتلة العدوّ أفضل للجند. وليس ينبغي للجند أن
يقاتلوا عدوّاً إلا أن تكون عدّتهم أربعة أضعاف عدّة العدوّ أو ثلاثة أضعافهم، فإن
غزاهم عدوّهم لزمهم أن يقاتلوهم بعد أن يزيدوا على عدّة العدو مثل نصف عدّتهم. وأن
توسط العدوّ بلادهم لزمهم أن يقاتلوهم وإن كانوا أقل منهم، وينبغي أن ينتخب للكمين
من الجند أهل جرأة وشجاعة وتيقّظ وصرامة وليس بهم أنين ولا سعال ولا عطاس ويختار
لهم من الدواب ما لايصهل ولا يغنث، ويختار لكمونهم مواضع لا تغشى ولا تؤتى، قريبة
من الماء حتى ينالوا منه إن طال مكثهم، وأن يكون إقدامهم بعد الرويّة والتشاور
والثقة بإصابة الفرصة، ولا يخيفوا سباعاً ولا طيراً ولا وحشاً. وأن يكون إيقاعهم
كضريم الحريق، وليجتنبوا الغنائم ولينهضوا من المكمن متفرقين إذا ترك العدوّ
الحراسة وإقامة الرّمايا، وإذا أونس من طلائعهم توانٍ وتفريطٌ وإذا أمرجوا دوابّهم
في الرعي، وأشدّ ما يكون البرد في الشتاء وأشدّ ما يكون الحر في الصيف. وأن
يرفضّوا ويفترقوا إذا ثاروا من مكمنهم بعد أن يستخير بعضهم بعضاً وأن يسرعوا
الإيقاع بعدوّهم ويتركوا التلبّث والتلفّت. وينبغي للمبيّتين أن يفترصوا البيات
إذا هبّت ريح أو أونس من نهر قريب منهم خريرٌ فإنه أجدر ألا يسمع لهم حسّ. وأن
يتوخّى بالوقعة نصف الليل أو أشدّ ما يكون إظلاماً. وأن يصير جماعة من الجند وسط
عسكر العدوّ وبقيتهم حوله، ويبدأ بالوقعة من يصير منهم في الوسط ليسمع بالضجّة
والضوضاء من ذلك الموضع لا من حوله، وأن يشرّد قبل الوقعة الأفره فالأفره من
دوابّهم ويقطّع أرسانهم وتهمز بالرماح في أعجازهم حتى تتحيرّ وتعير ويسمع لهم
ضوضاء، وأن يهتف هم تف ويقول: يا معشر أهل العسكر النّجاء النجاء فقد قتل قائدكم
فلان وقتل خلق وهرب خلق. ويقول قائل: أيهم الرجل أستحيني اللّه. ويقول آخر: العفو
العفو. وآخر: أوّه أوّه، ونحو هذا من الكلام. وليعلم أنه إنما يحتاج في البيات إلى
تحيير العدوّ وإخافته وليجتنبوا التقاط الأمتعة واستياق الدوابّ وأخذ الغنائم.
ما ينبغي في محاصرة الحصون
قال: وينبغي في محاصرة الحصون أن يستمال من يقدر على استماللّه من أهل الحصن
والمدينة ليظفر منهم بخصلتين: إحداهما استنباط أسرارهم، والأخرى إخافتهم وإفزاعهم
بهم، وأن يدسّ منهم من يصغر شأنهم ويؤيسهم من المدد ويخبرهم أن سرّهم منتشر في
مكيدتهم،وأن يفاض حول الحصن ويشار إليه بالأيدي كأن فيه مواضع حصينة وأخر ذليلة
وموضع ينصب المجانيق عليهم ومواضع تهيّأ العرّادات لهم ومواضع تنقب نقباً ومواضع
توضع السّلالأعليهم ومواضع يتسوّر منهم ومواضع يضرم النار فيهم ليلأهم ذلك رعباً،
ويكتب على نشّابة: إياكم أهل الحصن والاغترا وإغفال الحراسة، عليكم بحفظ الأبواب
فإن الزمان خبيث وأهله أهل غدر فقد خدع أكثر أهل الحصن واستميلوا، ويرمى بتلك
النّشابة في الحصن ثم يدسّ لمخاطبتهم المنطيق المصيب الدّهيّ الموارب المخاتل فير
المهذار ولا المغفّل. وتؤخّر الحرب ما أمكن ذلك فإن في المحاربة جرأة منهم على من
حاربهم ودليلاً على الحيلة والمكيدة، فإن كان لابد من المحاربة فليحاربوا بأخفّ
العدّة وأيسر الآلة. وينبغي أن يغلب العدوّ على الأرض ذات الخمر والشجر والأنهم ر
للمعسكر ومصافّ الجنود ويخلّى بين العدوّ وبين بساط الأرض ودكادكهم .
من أشد الأمور تدريباً للجنود
وفي بعض كتب العجم أن بعض الحكماء سئل عن أشدّ الأمور تدريباً للجنود وشحذاً لهم ، فقال: استعادة القتال وكثرة الظّفر، وأن تكون لهم موادّ من ورائهم وغنيمة فيما أمامهم ، ثم الإكرام للجيش بعد الظّفر والإبلاغ بالمجتهدين بعد المناصبة، والتشريف للشجاع على رؤوس الناس.
صفات القائد
قال
المدائني: "قال نصر بن سيّار": كان عظماء الترك يقولون: القائد العظيم
ينبغي أن تكون فيه خصال من أخلاق الحيوان: شجاعة الديك، وتحنّن الدجاجة، وقلب
الأسد، وحملة الخنزير، "وروغان الثعلب، وختل الذئب. وكان يقال في صفة الرجل
الجامع: له وثبة الأسد، وروغان الثعلب، وختل الذئب" وجمع الذّرّة، وبكور
الغراب.
وكان يقال: أصلح الرجال للحرب المجرّب الشجاع الناصح.
لعمرو بن معاوية في ضبطه الطوائف
حدّثني
أبو حاتم عن الأصمعيّ عن أبي الأصمّ قال: قيل لعمرو بن معاوية العقيلي وكان صاحب
صوائف: بم ضبطت الصوائف? أي الثغور، قال: بسمانة الظهر وكثرة الكعك والقديد. وفي
كتاب الآيين: ليكن أوّل ما تحمله معك خبزاً ثم خبزاً ثم خبزاً. وإياك والمفارش
والثياب.
أبو اليقظان قال: قال شبيب الحارجي: الليل يكفيك الجبان ونصف الشجاع. وكان إذا
أمسى قال لأصحابه: أتاكم المدد، يعني الليل. وقيل لبعض الملوك: بيّت عدوّك. قال:
أكره أن أجعل غلبتي سرقة.
حكمة ملك الروم
المدائني قال: لما اشتغل عبد الملك بمحاربة مصعب بن الزبير اجتمع وجوه الروم إلى ملكهم فقالوا: قد أمكنتكن الفرصة من العرب بتشاغل بعضهم ببعض، فالرأي أن تغزوهم في بلادهم. فنهم هم عن ذلك وخطّأ رأيهم، ودعا بكلبين فأرّش بينهما فاقتتلا قتالاً شديداً، ثم دعا بثعلب فخلاّه بينهما، فلما رأى الكلبان الثعلب تركا ما كانا فيه وأقبلا على الثعلب حتى قتلاه، فقال لهم ملك الروم: هذا مثلنا ومثلهم. فعرفوا صدقه وحسن رأيه ورجعوا عن رأيهم.
وصية حكيم لملك
وأوصى بعض الحكماء ملكاً فقال: لا يكن العدوّ الذي قد كشف لك عن عدواته بأخوف عندك من الظّنين الذي يستتر لك بمخاتلته، فإنه ربما تخوّف الرجل السّمّ الذي هو أقتل الأشياء وقتله الماء الذي يحيي الأشياء، وربما تخوّف أن يقتله الملوك التي تملكه ثم قتلته العبيد التي يملكهم. فلا تكن للعدوّ الذي تناصب بأحذر منك للطعام الذي تأكل. وأنا لكل أمر أخذت منه نذيرك وإن عظم آمن منّي من كل أمر عرّيته من نذيرك وإن صغر. واعلم أن مدينتكن حرز من عدوّك، ولا مدينة تحرّز فيهم من طعامك وشرابك ولباسك وطيبك، وليست من هذه الأربع واحدة إلا وقد تقتل بهم الملوك.
حنكة خالد بن برمك وفراسته
وذكر عبد الملك بن صالح الهم شمي أن خالد بن برمك، حين فصل مع قحطبة من خراسان،
بينما هو على سطح بيت في قرية قد نزلاهم وهم يتغدّون نظر إلى الصحراء فرأى أقاطيع
ظباء قد أقبلت من جهة الصحارى حتى كادت تخالط العسكر، فقال لقحطبة: أيهم الأمير
ناد في الناس: يا خيل اللّه اركبي، فإن العدوّ قد نهد إليك وحثّ، وغاية أصحابك أن
يسرجوا ويلجموا قبل أن يروا سرعان الخيل. فقام قحطبة مذعوراً فلم ير شيئاً يروعه
ولم يعاين غبارا، فقال لخالد: ما هذا الرأي? فقال خالد: أيهم الأمير لا تتشاغل بي
وناد في الناس. أما ترى أقاطيع الوحش قد أقبلت وفارقت مواضعهم حتى خالطت الناس! إن
وراءهم لجمعا كثيفاً. قال: فواللّه ما أسرجوا ولا ألجموا حتى رأوا ساطع الغبار
فسلموا، ولولا ذلك لكان الجيش قد اصطلم.
نصيحة حكيم لبعض الملوك
وقال بعض الحكماء لبعض الملوك: آمركم بالتقدّم والأمر ممكن، وبالإعداد لغد من قبل دخولك في غد كما تعدّ السلاح لمن تخاف أن يقاتلك وعسى ألا يقاتلك، وكما تأخذ عتاد البناء من قبل أن تصيبه السماء وأنت لاتدري لعلهم لا تصيبه، بل كما تعدّ الطعام لعدد الأيام وأنت لا تدري لعلك لا تا:له. وكان يقال: كل شيء طلبته في وقته فقد مضى وقته.
بين ملك الهياطلة وفيروز بن يزدجرد ملك فارس
وقرأت في كتاب سير العجم أن فيروز بن يزدجرد بن بهرام لمّا ملك سار بجنوده نحو
خراسان لغزو أخشنوار ملك الهياطلة ببلخ، فلما انتهى إلى بلاده اشتدّ رعب أخشنوار
منه وحذره له، فناظر أصحابه ووزراءه في أمره، فقال له رجل منهم: أعطني موثقاً
وعهداً تطمئن إليه نفسي أن تكنفيني أهلي وولدي وتحسن إليهم وتخلفني فيهم، ثم اقطع
يديّ ورجليّ وألقني على طريق فيروز حتى يمرّ بي هو وأصحابه فأكفيك مؤونتهم وشوكتهم
وأورّطهم مورّطاً تكون فيه هلكتهم. فقال له أخشنوار: وما الذي تنتفع به من سلامتنا
وصلاح حالنا إذا أنت قد هلكت ولم تشركنا في ذلك? قال: إني قد بلغت ما كنت أحب أن
أبلغه من الدنيا وأنا موقن بأن الموت لا بد منه وإن تأخر أياماً قلائلا، فأحب أن
أختم عمري بأفضل ما تختم به الأعمار من النصيحة لأخواني والنكاية في عدوّي فيشرف
بذلك عقبي وأصيب سعادة وحظوة فيما أمامي. ففعل به ذلك وأمر به فألقي حيث وصف له.
فلما مرّ به فيروز سأله عن أمره فأخبره أن أخسنوار فعل ذلك به وأنه احتال حتى حمل
إلى ذلك الموضع ليدلّه على عورته وغرّته وقال: إني أدلك على طريق هو أقرب من هذا
الذي تريدون سلوكه وأخفى، فلا يشعر أخشنوار حتى تهجموا عليه فينتقم اللّه لي منه
بكم، وليس في هذا الطريق من المكروه ألا تفويز يومين ثم تفضون إلى كل ما تحبون.
فقبل فيروز قوله بعد أن أشار عليه وزراؤه بالاتهم م له والحذر منه وبغير ذلك،
فخالفهم وسلك الطريق حتى انتهى بهم إلى موضع من الفازة لا صدر عنه، ثم بيّن لهم
أمره فتفرقوا في المفازة يميناً وشمالاً يلتمسون الماء فقتل العطش أكثرهم ولم يخلص
مع فيروز منهم إلا عدّة يسيرة فإنهم انطلقوا معه حتى أشرفوا على أعدائهم وهم
مستعدّون لهم فواقعهم على تلك الحالة وعلى ما بهم من الضر والجهد فاستمكنوا منهم
وأعظموا النكاية فيهم، ثم رغب فيروز إلى أخشنوار وسأله أن يمنّ عليه وعلى من بقي
من أصحابه على أن يجعل لهم عهد اللّه وميثاقه ألا يغزوه أبداً فيما يستقبل من عمره
وعلى أنه يحدّ فيما بينه وبين مملكته حدّاً لا تجاوزه جنوده، فرضي أخشنوار بذلك
وخلّى سبيله وانصرف إلى مملكته، فمكث فيروز برهة من دهره كئيباً ثم حمله الأنف على
أن يعود لغزوه ودعا أصحابه إلى ذلك فردّوه عنه وقالوا: إنك قد عاهدته ونحن نتخوّف
عليك عاقبة البغي والغدر مع ما في ذلك من العار وسوء المقالة. فقال لهم: إني إنما
شرطت له ألاّ أجوز الحجر الذي جعلته بيني وبينه فأنا آمر بالحجر ليحمل على عجلة
أمامنا. فقالوا له: أيهم الملك، إنّ العهود والمواثيق التي يتعاطاهم الناس بينهم
لا تحمل على ما يسرّ المعطي لهم ولكن على ما يعلن المعطي، وإنك إنما جعلت له عهد
اللّه وميثاقه على الأمر الذي عرفه لا على أمر لم يخطر بباله. فأبى فيروز ومضى في
غزاته حتى انتهى إلى الهياطلة وتصافّ الفريقان للقتال فأرسل أخشنوار إلى فيروز
يسأله أن يبرز فيما بين صفّيهم ليكلمه، فخرج إليه فقال له أخشنوار: قد ظننت أنه لم
يدعك إلى غزونا إلا الأنف مما أصابك. ولعمري لئن كنّا احتلنا لك بما رأيت، لقد كنت
التمست منّا أعظم منه، وما ابتدأناك ببغي ولا ظلم ولا أردنا إلا دفعك عن أنفسنا
وعن حريمنا، ولقد كنت جديراً أن تكون، من سوء مكافأتنا بمنّنا عليك وعلى من معك من
نقض العهد والميثاق الذي وكّدت على نفسك، أعظم أنفاً وأشدّ امتعاضاً مما نالك
منّا، فإنّا أطلقناكم وأنتم أسرى ومننّا عليكم وأنتم مشرفون على الهلكة وحقنّا
دماءكم و بنا قدرة على سفكهم ، وإنا لم نجبرك على ما شرطت لنا بل كنت أنت الراغب
إلينا فيه والمريد لنا عليه ففكّر في ذلك وميّل بين هذين الأمرين فانظر أيّهما
أشدّ عاراً وأقبح سماعاً، إن طلب رجل أمراً فلم يتح له وسلك سبيلاً فلم يظفر فيهم
ببغيته واستمكن منه عدوّه على حال جهد وضيعة منه وممن معه، فمّن عليهم وأطلقهم على
شرط شرطوه وأمر اصطلحوا عليه فاضطّر لمكروه القضاء واستحيا من النّكث والغدر أن
يقال امرؤ نكث العهدوختر الميثاق. مع أني قد ظننت أنه يزيدك نجاحاً ما تثق به من
كثرة جنودك وما ترى من حسن عدّتهم وطاعتهم لك، وما أجدني أشكّ أنهم أو أكثرهم
كارهون لما كان من شخوصك بهم عارفون بأنك قد حملتهم على غير الحق ودعوتهم إلى
مايسخط اللّه، فهم في حربنا غير مستبصرين ونيّاتهم في مناصحتكن اليوم
مدخولة، فانظر ما قدر غناء من يقاتل على مثل هذه الحال، وما عسى أن تبلغ نكايته في
عدوّه إذا كان عارفاً بأنه إن ظفر فمع عار وإن قتل فإلى النار، فأنا أذكّرك اللّه
الذي جعلته على نفسك كفيلاً ونعمتي عليك وعلى من معك بعد يأسكم من الحياة وإشفائكم
على الممات، وأدعوك إلى ما فيه حظّك ورشدك من الوفاء بالعهد والاقتداء بآبائك
الذين مضوا على ذلك في كل ما أحبوه أو كرهوه، فأحمدوا عواقبه وحسن عليهم أثره، ومه
ذلك إنك لست على ثقة من الظّفر بنا والبلوغ لنهمتكن فبنا وإنما تلتمس منا أمراً
نلتمس منك مثله وتناوىء عدوّاً لعله يمنح النصر عليك فقد بالغت في الاحتجاج عليك
وتقدّمت في الإعذار إليك ونحن نستظهر باللّه الذي اعتززنا به ووثقنا بما جعلته لنا
من عهده إذا استظهرت بكثرة جنودك وازدهتكن عدّة أصحابك، فدونك هذه النصيحة
فواللّه. ما كان أحد من نصحائك ببالغ لك أكثر منهم ولا زائد لك عليهم ، ولا
يحرمنّك منفعتهم مخرجهم مني فإنّه لا يزري بالمنافع عند ذوي الرأي أن كانت من قبل
الأعداء كما لا يحبّب المضارّ إليهم أن تكون على أيدي الأولياء. واعلم أنه ليس
يدعوني إلى ما تسمع من مقالتي ضعف أحسّه من نفسي ولا قلةٌ من جنودي، ولكني أحببت
أن أزداد بذلك حجّة واستظهم راً، وأزداد به من اللّه للنصر والمعونة استيجاباً ولا
أوثر على العافية والسلامة شيئاً ما وجدت إليهما سبيلاً. فأبى فيروز إلا تعلّقاً
بحجّته في الحجر الذي جعله حدّاُ بينه وبينه وقال: لست ممن يردعه عن الأمر يهمّ به
وعيدٌ ولا يقتاده اللّهدّد والترهيب، "ولو كنت أرى ما أطلبك غدراً مني ما كان
أحد أنظر ولا أشدّ اتقاءً مّني على نفسي فلا يغرّنك منا الحال التي صادفتنا عليهم
في المرّة الأولى من القلّة والجهد والضعف". فانظر ما قدر غناء من يقاتل على
مثل هذه الحال، وما عسى أن تبلغ نكايته في عدوّه إذا كان عارفاً بأنه إن ظفر فمع
عار وإن قتل فإلى النار، فأنا أذكّرك اللّه الذي جعلته على نفسك كفيلاً ونعمتي
عليك وعلى من معك بعد يأسكم من الحياة وإشفائكم على الممات، وأدعوك إلى ما فيه
حظّك ورشدك من الوفاء بالعهد والاقتداء بآبائك الذين مضوا على ذلك في كل ما أحبوه
أو كرهوه، فأحمدوا عواقبه وحسن عليهم أثره، ومه ذلك إنك لست على ثقة من الظّفر بنا
والبلوغ لنهمتكن فبنا وإنما تلتمس منا أمراً نلتمس منك مثله وتناوىء عدوّاً لعله
يمنح النصر عليك فقد بالغت في الاحتجاج عليك وتقدّمت في الإعذار إليك ونحن نستظهر
باللّه الذي اعتززنا به ووثقنا بما جعلته لنا من عهده إذا استظهرت بكثرة جنودك
وازدهتكن عدّة أصحابك، فدونك هذه النصيحة فواللّه. ما كان أحد من نصحائك ببالغ لك
أكثر منهم ولا زائد لك عليهم ، ولا يحرمنّك منفعتهم مخرجهم مني فإنّه لا يزري
بالمنافع عند ذوي الرأي أن كانت من قبل الأعداء كما لا يحبّب المضارّ إليهم أن
تكون على أيدي الأولياء. واعلم أنه ليس يدعوني إلى ما تسمع من مقالتي ضعف أحسّه من
نفسي ولا قلةٌ من جنودي، ولكني أحببت أن أزداد بذلك حجّة واستظهم راً، وأزداد به
من اللّه للنصر والمعونة استيجاباً ولا أوثر على العافية والسلامة شيئاً ما وجدت
إليهما سبيلاً. فأبى فيروز إلا تعلّقاً بحجّته في الحجر الذي جعله حدّاُ بينه
وبينه وقال: لست ممن يردعه عن الأمر يهمّ به وعيدٌ ولا يقتاده اللّهدّد والترهيب،
"ولو كنت أرى ما أطلبك غدراً مني ما كان أحد أنظر ولا أشدّ اتقاءً مّني على
نفسي فلا يغرّنك منا الحال التي صادفتنا عليهم في المرّة الأولى من القلّة والجهد
والضعف".
قال أخشنوار: لا يغرّنك ما تخدع به نفسك من حملك الحجر أمامك، فإنّ الناس لو كانوا
يعطون العهود على ما تصف من إسرار أمرٍ وإعلان آخر، إذاً ما كان ينبغي لأحد أن
يغترّ بأمانٍ ولا يثق بعهدٍ، وإذاً لما قبل الناس شيئاً مما يعطونه من ذلك، ولكنّه
وضع على العلانية وعلى نية من تعقد العهود والشروط له. فانصرفا يومهما ذلك فقال
فيروز لأصحابه: لقد كان أخشنوار حسن المحاورة، وما رأيت للفرس الذي كان تحته
نظيراً في الدواب فإنه لم يزل قوائمه ولم يرفع حوافره عن موضعهم ولا صهل ولا أحدّث
شيئاً يقطع به المحاورة في طول ما تواقفنا. وقال أخشنوار لأصحابه: لقد واقفت فيروز
كما علمتم وعليه السلاح كلّه فلم يحرّك رأسه ولم ينزع رجله من ركابه ولا حنا ظهره
ولا التفت يميناً ولا شمالاً، ولقد تورّكت أنا مراراً وتمطيت على فرسي وتلفّتّ إلى
من خلفي ومددت بصري في أمامي وهو منتصبٌ ساكن على حاله، ولولا محاورته إياي لظننت
أنه لا يبصرني. وإنما أرادا بما وصفا من ذلك أن ينتشر هذان الحديثان في أهل
عسكريهما فيشغلوا بالإفاضة فيهما عن النظر فيما تذاكراه. فلما كان في اليوم الثاني
أخرج أخشنوار الصحيفة التي كتبهم لهم فيروز، فرفعهم على رمح لينظر إليهم أهل عسكر
فبروز فيعرفوا غدره وبغيه ويخرجوا من متابعته، فانتقض عسكر فيروز واختلفوا وما
لبثوا إلا يسيراً حتى انهزموا وقتل منهم خلقٌ كثير وهلك فيروز، فقال أخشنوار: لقد
صدق الذي قال: لا رادّ لما قدّر، ولا أشدّ إحالةً لمنافع الرأي من الهوى واللّجاج،
ولا أضيع من نصيحة يمنحهم من لا يوطّن نفسه على قبولهم والصبر على مكروههم ، ولا
أسرع عقوبة ولا أسوأ عاقبة من البغي والغدر، ولا أجلب لعظيم العار والفضوح من
إفراط الفخر والأنفة.
بين شبيب الخارجي والحجاج
وقال أبو اليقظان: لما خرج شبيب بن يزيد نعيم الخارجيّ بالموصل بعث إليه الحجّاج قائداً فقتله كذلك حتى أتى على خمسة قوّاد قتلهم وهزم جيوشهم وكان أحد القوّاد موسى بن طلحة بن عبيد اللّه، ثم خرج شبيب من الموصل يريد الكوفة وخرج الحجّاج من البصرة يريد الكوفة فطمع شبيب أن يلقى الحجاج قبل أن يصل إلى الكوفة فأقحم الحجاج خيله فدخل الكوفة قبله، ومرّ شبيب بعتّاب بن ورقاء فقتله ومرّ بعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فهرب منه، وقدم شبيبٌ الكوفة آلى ألاّ يبرح عنهم أو يلقى الحجاج فيقتله أو يقتل دونه، فخرج الحجاج إليه في خيله، فلما قرب منه عمد إلى سلاحه فألبسه أبا الورد مولاه وحمله على الدّابة التي كان عليهم ، فلما تواقفا قال شبيب: أروني الحجاج، فأومأوا له إلى أبي الورد فحمل عليه فقتله، ثم خرج من الكوفة يريد الأهواز فغرق في دجيل وهو يقول: "ذلك تقدير العزيز العليّم".
الأوقات التي تختار للسفر والحرب
للزهريّ عن الرسول
قال:
حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا يزيد بن هم رون عن محمد بن إسحاق عن عبد اللّه بن
أبي بكر عن الزهريّ قال: كان أحبّ الأيام إلى رسول اللّه أن يعقد فيه رايته يوم
الخميس، وكان أحبّ إلى رسول اللّه أن يسافر فيه يوم الخميس.
وقالت العجم: أخّر الحرب ما استطعت فإن لم تجد بدّاً فاجعل ذلك آخر النهم ر.
وحدّثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن ابن عون عن محمد بن سيرين
أنّ النعمان بن مقرّن قال لأصحابه: إني لقيت مع رسول اللّه فكان من أحبّ ما يلقى
فيه إذا لم يلق في أوّل النهم ر إذا زالت الشمس و حلّت الصلاة وهبّت الرياح ودعا
المسلمون.
ويروي قوم عن عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه أنه كان يكره الحجامة والابتداء بعمل
في محاق القمر وفي حلوله في برج العقرب. "وقال بعضهم: كنت مع عمر بن عبد
العزيز فوق سطح وهو يريد الركوب، فنظرت فإذا القمر بالدّبران فقلت: انظر إلى القمر
ما أحسن استواءه! فرفع رأسه ثم نظر فرأى منزلته فضحك، وقال: إنما أردت أن ننظر إلى
منزلته، وإنّا لا نقيم لشمس ولا لقمر ولكنا نسير باللّه الواحد القهم ر".
ما كان يقال عن أيام الأسبوع
وكان يقال: يوم السبت يوم مكر وخديعة، ويوم الأحد يوم غرس وبناء، ويوم الأثنين يوم سفر وابتغاء رزق، ويوم الثلاثاء يوم حربٍ ودمٍ، ويوم الأربعاء يوم الأخذ و الإعطاء، ويوم الخميس يوم دخول على الأمراء وطلب الحوائج، ويوم الجمعة يوم خطب ونكاح. الدعاء عند اللقاء
للنبي عند الضيقة
حدّثني
محمد بن عبيد قال: حدّثنا معاوية عن أبي إسحاق عن أبي رجاء قال: كان النبيّ يقول
إذا اشتدّت حلقة البلاء وكانت الضّيقة: "تضيّقي تفرّجي" ثم يرفع يديه
فيقول: بسم اللّه الرحمن الرحيم لا حول ولا قوّة إلا باللّه العليّ العظيم اللهم
إياك نعبد وإياك نستعين اللهم كفّ عنا بأس الذين كفروا إنك أشدّ بأساً وأشدّ
تنكيلاً" فما يخفض يديه المباركتين حتى ينزل اللّه النصر.
وحدّثني محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن موسى بن عقبة عن سالأأبي النضر
مولى عمر بن عبيد اللّه وكان كاتباً له، قال: كتب عبد اللّه بن أبي أوفى حين خرج
إلى الحرورية أنّ النبي في بعض أيامه التي لقي فيهم العدوّ انتظر حتى مالت الشمس
ثم قام في الناس فقال: "لا تتمنّوا لقاء العدوّ واسألوا اللّه العافية، فإذا
لقيتموهم فاثبتوا واصبروا واعلموا أنّ الجنّة تحت ظلال السيوف" ثم قال:
اللهمّ منزل الكتاب ومجري السحاب وهم زم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهموقال أبو
النضر: وبلغنا أ،ه دعا في مثل ذلك فقال: "اللهمّ أنت ربّنا وربّهم وهم عبيد ك
ونحن عبيد ك ونواصينا ونواصيهم بيدك فاهزمهم وانصرنا عليهم".
بين قتيبة بن مسلم ومحمد بن واسع
حدّثني محمد بن عبيد قال: لما صافّ قتيبة بن مسلم التّرك وهم له أمرهم سأل عن محمد ابن واسع ما يصنع? قالوا: هو في أقصى الميمنة جانح على سية قوسه ينضنض بأصبعه نحو السماء. فقال قتيبة: تلك الإصبع الفاردة أحبّ إليّ من مائة ألف سيف شهير وسنان طرير. فلما فتح اللّه عليهم قال لمحمد: ما كنت تصنع? قال: كنت آخذ لك بمجامع الطرق.
الصبر وحضّ الناس يوم اللّقاء عليه
بين الفرزدق وعاصم بن الحدّثان
حدّثني سهل بن محمد قال: حدّثنا الأصمعيّ قال: كان عاصم بن الحدّثان رجلاً من العرب عالماً قديماٌ وكان رأس الخوارج بالبصرة، وربما جاءه الرسول منهم من الجزيرة يسأله عن بعض الأمر يختصمون فيه، فمرّ به الفرزدق فقال لابنه: أنشد أبا فراس فأنشده:
وهم إذا كسروا الجفون أكارمٌ |
|
صبر وحين تحلّـل الأزرار |
يغشون حومات المنون وإنهم |
|
في اللّه عند نفوسهم لصغار |
يمشون في الخطّي لا يثنيهـم |
|
والقوم إذ ركبوا الرماح تجار |
فقال له الفرزدق: ويحك! اكتم هذا لا يسمعه النسّاجون فيخرجوا عليّنا بحفوفهم. فقال عاصم: يا فرزدق، هذا شاعر المؤمنين وأنت شاعر الكافرين.
في وصف بني يربوع
حدّثنا
سهل قال: حدّثنا الأصمعيّ قال: قال سليط بن سعد: قال بسطام بن قيس لقومه: تردون
على قوم آثارهم آثار نساء وأصواتهم أصوات صردان ولكنهم صبر على الشرّ. يعني بني
يربوع. وفي هؤلاء يقول معاوية: لو أنّ النجوم تناثرت لسقط قمرهم في حجور بني
يربوع. قال الأصمعيّ قلت لسليط: أكان عتيبة بن الحارث ضخماً? قال: لاولا من قوم
ضحام.
يعني بني يربوع.
بين عمر بن الخطاب وبني عبس
"وقال عمر بن الخطاب لبني عبس: كم كنتم يوم الهباءة? فقال: كنا مائةً كالذهب، لم نكثر فنتواكل ولم نقلّ فنذلّ. قال: فكيف كنتم تقهرون من ناوأكم ولستم بأكثر منهم عدداً ولا مالاً? قال: كنا نبصر بعد اللقاء هنيهة. قال: فلذلك إذاً.
لعنترة بن شداد يصف بني عبس يوم الفروق
قيل
لعنترة العبسيّ: كم كنتم يوم الفروق? قال: كنا مائة لم نكثر فنفشل ولم نقلّ
فنذلّ".
وكان يقال: النصر مع الصبر.
شعر لنهشل بن حريّ بن ضمرة ولغيره في الصبر
ومن أحين ما قيل في الصبر، قول نهشل بن حرّيّ بن ضمرة:
ويومٍ كأن المصطلـين بـحـرّه |
|
وإن لم تكن نارٌ قيامً على الجمر |
صبرنا له حتى يبـوخ وإنـمـا |
|
تفرّج أيام الكريهة بالصـبـر |
ومثله قول الآخر:
بكى صاحبي لما رأى الموت فوقنا |
|
مطلاًّ كإطلال السحاب إذا اكفهر |
|
||
فقلت له لاتبـك عـينـك إنـمـا |
|
يكون غداً حسن الثناء لمن صبـر |
|
||
فما أخرّ الإحجام يوماً مـعـجّـلا |
|
ولا عجّل الإقدام ما أخّر القـدر |
|
||
فآسى على حالٍ يقلّ بهم الأسـى |
|
وقاتل حتى استبهم الورد والصّدر |
|
||
وكرّ حفاظاً خشية الـعـار بـعـد مـا |
|
رأى الموت معروضاً على منهج المكرّ |
|||
قول أبو بكر الصديق إلى خالد بن الوليد
وقال أبو بكر الصدّيق رضي اللّه عنه لخالد بن الوليد حين وجّهه: احرص على الموت توهب لك الحياة.
قول العرب في الشجاعة
وتقول
العرب: الشجاع موقًّى.
وقالت الخنساء:
نهين النفوس وهون النفو |
|
س يوم الكريهة أوقى لهم |
وقال يزيد بن المهلب:
تأخّرت أستبقي الحياة فلم أجد |
|
لنفسي حياةً مثل أن أتقدّمـا |
وقال قطريّ بن الفجاءة:
وقولي كلّما جشأت وجـاشـت |
|
من الأبطال ويحك لا تراعـي |
فإنّك لـو سـألـت حـياة يوم |
|
سوى الأجل الذي لك لم تطاعي |
لمعاوية بن أبي سفيان متمثلاً
"وقال معاوية بن أبي سفيان: شجّعني على عليّ بن أبي طالب قول عمرو بن الإطنابة:
أبت لي عفتـي وأبـى بـلائي |
|
وأخذي الحمد بالثمن الـرّبـيح |
وإقدامي على المكروه نفسـي |
|
وضربي هم مة البطل المشيح |
وقولي كلّما جشأت نـفـسـي |
|
مكانك تحمدي أو تستـريحـي |
لأدفع عن مآثر صـالـحـاتٍ |
|
وأحمي بعد عن عرض صحيح |
أبت لي أن أقضّي في فعالـي |
|
وأن أغضي على أمر قـبـيح |
وقال ربيعة بن مقروم:
ودعوا نزال فكنت أوّل نازل |
|
وعلام أركبه إذا لم أنـزل" |
لخالد بن الوليد
وكان
خالد بن الوليد يسير في الصفوف يذمّر الناس ويقول: يا أهل الإسلام، إنّ الصبر عزّ
وإنّ الفشل عجز وإنّ النصر مع الصبر.
وقال بعض أبطال العرب:
إن الشّواء والنّشيل والرّغـف |
|
والقينة الحسناء والكأس الأنف |
للضاربين الخيل والخيل قطف
ولأعرابي في الشجاعة
وقال
أعرابي: اللّه يخلف ما أتلف الناس، والدهر يتلف ما جمعوا، وكم من ميتة علّتهم طلب
الحياة، وحياة سببهم التعرّض للموت.
ومثله قول أبي بكر الصديق لخالد: احرص على الومت توهب لك الحياة.
بين هرقل ورجاله
"قدمت منهزمة الروم على هرقل وهو بأنطاكية، فدعا رجالاً من عظمائهم فقال: ويحكم! أخبروني ما هؤلاء الذين تقاتلوهم? أليسوا بشراً مثلكم? قالوا: بلى. يعني العرب. قال: فأنتم أكثر أم هم? قالوا: بل نحن أكثر منهم أضعافاً في كلّ موطن. قال: ويلكم! فما بالكم تنهزمون كلّما لقيتموهم? فسكتوا، فقال شيخ منهم: أنا أخبرك أيهم الملك من أين تؤتون. قال: أخبرني. قال: إذا حملنا عليهم صبروا وإذا حملوا عليّنا صدقوا، ونحمل عليهم فنكذب ويحملون عليّنا فلا نصبر. قال: ويلكم فما بالكم كما تصفون وهم كما تزعمون? قال الشيخ: ما كنت أراك إلا وقد علمت من أين هذا? قال له: من أين هو? قال: لأنّ القوم يصومون بالنهم ر ويقومون بالليل ويوفون بالعهد ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولا يظلمون أحداً ويتناصفون بينهم، ومن أجل أنّا نشرب الخمر ونزني ونركب الحرام وننقض الهد ونغضب ونظلم ونأمر بما يسخط اللّه وننهى عما يرضي اللّه ونفسد في الأرض. قال: صدقتني، واللّه لأخرجنّ من هذه القرية فما لي في صحبتكنم خير وأنتم هكذا. قالوا: نشهدك اللّه أيهم الملك. تدع سورية وهي جنة الدنيا وحولك من الروم عدد الحصى والتراب ونجوم السماء ولم يؤت عليهم".
ذكر الحرب
شعر للكميت في ذكر الموت
قالت
العرب: الحرب غشوم، لأنهم تنال غير الجاني.
وقال الكميت:
الناس في الحرب شتّى وهي مقبلةٌ |
|
ويستوون إذا ما أدبـر الـقـبـل |
كلٌّ بأمسـيّهـم طـبٌّ مـولّـيةً |
|
والعالمون بذي غدويّهـم قـلـل |
بين عمر بن الخطاب وعمرو بن معد يكرب
وقال عمر بن الخطاب رحمه اللّه لعمرو بن معد يكرب: أخبرني عن الحرب. قال: مرّة المذاق إذا قلصت عن ساق، من صبر فيهم عرف ومن ضعف عنهم تلف. وهي كما قال الشاعر:
الحرب أوّل ما تكـون فـتـيةٌ |
|
تسعى بزينتهم لكـلّ جـهـول |
حتى إذا استعرت وشبّ ضرامهم |
|
عادت عجوزاً غير ذات خلـيل |
شمطاء جزّت رأسهم وتنكّـرت |
|
مكروهةً للّثـم والـتـقـبـيل |
شعر لنصر بن سيار
كان يزيد بن عمر بن هبيرة يحب أن يضع من نصر بن سيار فكان لا يمدّه بالرجال ويرفع
ما يرد عليه من أخبار خراسان، فلما كثر ذلك على نصر قال:
أرى خلل الرماد وميض جمرٍ |
|
ويوشك أن يكون له ضـرام |
فإنّ النار بالعـودين تـذكـى |
|
وإنّ الحرب أوّلهم الـكـلام |
فإن لم يطفهم عقـلاء قـوم |
|
يكون وقودهم جثثٌ وهـم م |
فقلت من التعجب ليت شعري |
|
أأيقـاظٌ أمـيّة أم نـــيام |
ونحو قوله: "الحرب أوّلهم الكلام" قول حذيفة: إن الفتنة تلقح بالنجوى وتنتج بالشكوى.
قول عليّ بن أبي طالب لابنه الحسن
العتبيّ عن أبيه قال: قال عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه لابنه الحسن: يا بني لا تدعونّ أحداً إلى البراز، ولا يدعونّك أحد إليه إلا أجبته فإنه بغى.
في العدّة والسلاح
حدّثني
محمد بن عبيد قال: حدّثنا سفيان بن عيينة عن يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد -
فيما حفظت إن شاء اللّه - أن النبي كان عليه درعان يوم أحد.
قيل لعبّاد بن الحصين وكان أشدّ رجال أهل البصرة: في أيّ عدّة تحبّ أن تلقى عدوك?
قال: في أجلٍ مستأخر.
حدّثني زياد بن يحيى قال: حدّثنا بشر بن المفضّل قال: حدّثنا داود بن أبي هند عن
عكرمة قال: لما كانت ليلة الأحزاب قالت الجنوب للشّمال: انطلقي بنا نمدّ رسول
اللّه.
فقالت الشمال: إنّ الحرّة لا تسري بالليل. فكانت الريح التي أرسلت عليهم الصّبا.
حدّثني سهل بن محمد قال: حدّثنا الأصمعيّ قال: حدّثنا ابن أبي الزّناد قال: ضرب
الزبير بن العوّام يوم الخندق عثمان بن عبد اللّه بن المغيرة فقطّه إلى القربوس
فقالوا: ما أجود سيفك! فغضب، يريد أنّ العمل ليده لا لسيفه.
للبحتري يصف السيف
وقال الوليد بن عبيد البحتريّ يصف سيفاً:
ماضٍ وإن لم تمضه يد فارس |
|
بطلٍ ومصقولٌ وإن لم يصقل |
متوقٍّد يفري بـأوّل ضـربة |
|
ما أدركت ولو أنهم في يذبل |
وقال آخر:
وما السـيف إلا بـزّ غـادٍ لـزينة |
|
إذا لم يكن أمضى من السيف حامله |
للجرّاح بن عبد اللّه في المظاهرة بين درعين
رؤي الجرّاح بن عبد اللّه في بعض الحروب وقد ظاهر بين درعين، فقيل له في ذلك. فقال: إني لست أقي بدني وإنما أقي صبري.
ليزيد بن حاتم في أدرع اشتراهم
واشترى يزيد بن حاتم أدرعا وقال: إني لم اشتر أدراعا إنما اشتريت أعمارا.
لحبيب بن المهلّب وفضيلة السلاح
وقال حبيب بن المهلّب: ما رأيت رجلاً في الحرب مستلئما إلا كان عندي رجلين، ولا رأيت حاسرين إلا كانا عندي واحداً. فسمع هذا الحديث بعض أهل المعرفة فقال: صدق، إنّ للسلاح فضيلة. أما تراهم ينادون عند الصّريخ: السلاح السلاح ولا ينادون: الرجال الرجال.
وللمهلب يوصي بنيه
"قال المهلب لبنيه: يا بنيّ لا يقعدنّ أحد منكم في السوق، فإن كنتم لا بدّ فاعليّن فإلى زراد أو سرّاج أو ورّاق".
بين عمر بن الخطاب وابن معد يكرب في وصف السلاح
وقال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه لعمرو بن معد يكرب: أخبرني عن السلاح. قال: سل عما شئت منه. قال: الرمح? قال: أخوك وربما خانك. قال: النّبل? قال: منايا تخطىء وتصيب. قال: التّرس? قال: ذاك المجنّ وعليه تدور الدّوائر. قال: الدرّع? قال: مثقلة للراجل متعبة للفارس، وإنّهم لحصن حصين. قال: السيف? قال: ثمّ، قارعتكن أمّك عن الثّكل. قال عمر: بل أمّك. قال "الحمّى أضرعتني لك".
للطائي ودعبل وصف الرماح
وقال الطائي يصف الرّماح:
مثقّفات سلبن الروم زرقـتـهـم |
|
والعرب سمرتهم والعاشق القضفا |
وقال دعبل يصف الرّمح:
وأسمرٍ في رأسه أزرقٌ |
|
مثل لسان الحيّة الصادي |
ولآخر في السيف
وقال الشاعر:
تلمّظ السيف من شوق إلى أنسٍ |
|
فالموت يلحظ والأقدار تنتظـر |
أظلّه منك حتف قد تجـلّـلـه |
|
حتى يؤامر فيه رأيك الـقـدر |
أمضى من السيف إلا عند قدرته |
|
وليس للسيف عفو حين يقتـدر |
وقال آخر:
متى تلقني يعدو ببزّي مقلّصٌ |
|
كميتٌ بهيمٌ أو أغرّ محجّـل |
|
||
تلاقي امرأ إن تلقه فبسيفه |
|
تعلّمك الأيام ما كنت تجهل |
|||
لعليّ بن أبي طالب في السيف
وقال
عليّ رضي اللّه عنه: السيف أنمى عدداً وأكثر ولدا.
وفي الحديث: "بقيّة السيف مباركة" يعني أنّ من نجا من ضربة السيف ينمو
عدده ويكثر ولده.
??وللمهلب
وقال
المهلّب: ليس شيء أنمى من سيف.
ويقال: لا مجد أسرع من مجد سيف.
????????????درع عليّ رضي اللّه عنه
وكانت درع عليّ رضي اللّه عنه صدراً لا ظهر لهم فقيل له في ذلك فقال: إذا استمكن عدوّي من ظهري لا يبق.
?لأبي الشيص في رثاء بعض الشجعان
وقال أبو الشّيص: ?ختلته المنون بعد اختيال=بين صفّين من قناً ونصال
في رداء من الصفيح صقيل |
|
وقميص من الحديد مـذال |
?وصية أبي الأغرّ لابنه فيما يقاتل به من أنواع السلاح بلغ أبا الأغرّ أن أصحابه بالبادية قد وقع بينهم شرّ فبعث ابنه الأغرّ وقال: يا بني كن يداً لأصحابك على من قاتلهم، وإيّاك والسيف فإنه ظلّ الموت، وآتق الرمح فإنه رشاء المنيّة، ولا تقرب السّهم م فإنهم رسل لا تؤامر مرسلهم. قال: فبماذا أقاتل? قال: بما قال الشاعر:
جلاميد يملأن الأكفّ كـأنّـهـم |
|
رؤوس رجال حلّقت في المواسم |
?ّشعر للخزيمي وقال الخزيمي في بغداد أيام الفتنة:
يا بؤس بغداد دار مـمـلـكة |
|
دارت على أهلهم دوائرهـم |
أمهلهم اللّه ثـم عـاقـبـهـم |
|
لما أحاطت بهم كـبـائرهـم |
رقّ بهم الدّين واستخفّ بذي ال |
|
فضل وعزّ الرجال فاجرهـم |
وصار ربّ الجيران فاسقهـم |
|
وآبتزّ أمن الدروب شاطرهـم |
يحرق هـذا وذا يهـدّمـهـم |
|
ويشتفي بالنّهم ب داعـرهـم |
والكرخ أسواقهم مـعـطّـلة |
|
يستنّ شذّابـهـم وعـائرهـم |
?أخرجت الحرب من أساقطهم=آساد غيلٍ غلبا تساورهم
من البواري تراسهم ومـن ال |
|
خوص إذا استلأمت مغافرهم |
لا الرزق تبغي ولا العطاء ولا |
|
يحشرهم بالعناء حاشـرهـم |
?شعر لعليّ بن أمية في حرب
ونحوه قول عليّ بن أمية:
دهتنـا أمـور تـشـيب الـولـيد |
|
ويخذل فيهم الصّديق الـصـدّيق |
فنـاء مـبـيد وذعـر عـتــيد |
|
وجوع شـديد وخـوف وضـيق |
وداعي الصّباح بطول الصياح السّ |
|
لاح السلاح فمـا نـسـتـفـيق |
فباللّه نـبـلـغ مـا نـرتـجـي |
|
وباللّه نـدفـع مـا لا نـطـيق |
?لرجل من أهل البادية يحث قومه على القتال
جنى قوم من أهل اليمامة جناية فأرسل إليهم السلطان جنداً من بخاريّة ابن زياد، فقال رجل من أهل البادية يذمّر قومه: يا معشر العرب ويا بني المحصنات، قاتلوا عن أحسابكم ونسائكم، واللّه لئن ظهر هؤلاء عليكم لا يدعون بهم لبنة حمراء ولا نخلة خضراء إلا وضعوهم بالأرض ولاعتراكم من نشّاب معهم في جعاب كأنهم أيور الفيلة ينزعون في قسيٍّ كأنهم العتل فتئطّ أحداهنّ أطيط الزّرنوق يمغط أحدهم فيهم حتى يتفرق شعر إبطيه ثم يرسل نشّابة كأنهم رشاء منقطع فما بين أحدكم وبين أن تنفضح عينه أو ينصدع قلبه منزلة. فخلع قلوب القوم فطاروا رعباً.
أداب الفروسة
من نصائح عمر رضي اللّه عنه في الرمي وغيره
حدّثني
محمد بن عبيد قال: حدّثنا معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن عاصم بن سليمان عن أبي
عثمان قال: كتب عمر رضي اللّه عنه: ائتزروا وارتدوا وانتعلوا وألقوا الخفاف وارموا
الأغراض وألقوا الرّكب وآنزوا نزوا على الخيل وعليكم بالمعدّيّة، أو قال العربية،
ودعوا التنعّم وزيّ العجم ولا تلبسوا الحرير فإن رسول اللّه نهى عنه إلا هكذا،
ورفع أصبعيه. وقال أيضاً: لن تخور قوىً ما كان صاحبهم ينزع وينزو. يعني ينزع في
القوس وينزو على الخيل من غير استعانة بالرّكب.
وقال العمري: كان عمر بن الخطاب يأخذ بيده اليمنى أذنه " اليمنى وبيده اليسرى
أذن فرسه اليسرى" ثم يجمع جراميزه ويثب فكأنما خلق على ظهر فرسه.
نصيحة عليّ رضي اللّه عنه لأصحابه يوم صفين
وقال عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه يوم صفّين: عضّوا على النّواجذ من الأضراس
فإنه أنبى للسيوف عن الهم م.
وأقاموا رجلاً بين العقابين فقال له أبوه: طد رجلك وأصرّ إصرار الفرس واذكر أحاديث
غد وإياك وذكر اللّه في هذا الموضع فإنه من الفشل. "وقال غيره: طد رجليك إذا
اعتصيت بالسيف والعصا وأنت محيّر في رفعه ساعة المسالمة والموادعة".
في إجادة الرمي بالنشاب
وقرأت في الآيين أن من إجادة الرمي بالنّشّاب في حال التعلّم إمساك المتعلم القوس بيده اليسرى بقوّة عضده الأيسر والنّشّابة بيده اليمنى وقوّة عضده الأيمن وكفّه أصدريه وإلقاؤه ببصره إلى معلم الرمي وإجادته نصب القوس بعد أن يطأطىء من سيتهم بعض الطّأطأة وضبطه إيّاهم بثلاث أصابع وإحناؤه السبّابة على الوتر، وإمساكه بثلاثة وعشرين كأنهم ثلاثة وستون وضمه الثلاثة ضماً وتحويله ذقنه إلى منكبه "الأيسر" وإشرافه رأسه وإرخاؤه عنقه وميله مع القوس وإقامته ظهره وإدارته عضده ومغطه القوس مترافعاً ونزعه الوتر إلى أذنه ورفعه بياض عينيه من غير تصريف لأسنانه وتحويلٍ لعينه وارتعاشٍ من جسده واستبانته موضع زججة النّشاب.
وفي إجادة الضرب بالصولجان
وقرأت في الآيين: من إجادة الضرب بالصّولجان أن يضرب الكرة قدما ضرب خلسةٍ يدير فيه يده إلى أذنه ويميل صولجانه إلى أسفل من صدره ويكون ضربه متشازراً مترفّقاً مترسّلاً ولا يغفل الضرب ويرسل السّنان خاصة وهو الحامية لمجاز الكرة إلى غاية الغرض ثم الجرّ للكرة من موقعهم ، والتوخيّ للضرب لهم تحت محزم الدابة ومن قبل لبتهم في رفق، وشدّة المزاولة والمجاحشة على تلك الحال والترك للاستعانة في ضرب الكرة بسوط والتأثير في الأرض بصولجان والكسر له جهلاً باستعماله أو عقر قوائم الدابة، والاحتراس من إيذاء من جرى معه في ميدانه، وحسن الكف للدّابة في شدّة جريه، والتوقّي من الصّرعة والصّدمة على تلك الحال، والمجانبة للغضب والسّبّ، والاحتمال والملاهم ة، والتحفّظ من إلقاء كرة على ظهر بيت وإن كان ستّ كرين بدرهم، وترك طرد النّظّارة والجلوس على حيطان الميدان فإن عرض الميدان إنما جعل ستين ذراعاً لئلا يحال ولا يصارّ من جلس على حائطه.
قول أبو مسلم الخراساني لرجاله في الشجاعة
وقال أبو مسلم صاحب الدّعوة لرجاله: أشعروا قلوبكم الجرأة عليهم فإنهم سبب الظّفر، واذكروا الضغائن فإنهم تبعث على الإدام، والزموا الطاعة فإنهم حصن المحارب.
المسير في الغزو والسفر
للنبي
حدّثنا
شبابة عن القاسم بن الحكم عن إسماعيل بن عيّاش عن معدان بن حدير الحضرمي عن عبد
الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال: قال رسول الله: "مثل الذين يغزون من
أمتي ويأخذون الجعل يتقوّون به على عدوهم كمثل أمّ موسى ترضع ولدهم وتأخذ أجرهم
".
حدّثني محمد بن عبيد عن ابن عيينة عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيّب قال:
لما نزل النبي المعرّس أمر منادياً فنادى: لا تطرقوا النساء. فتعجّل رجلان فكلاهما
وجد مع امرأته رجلاً.
وكانت العرب تقول: السفر ميزان القوم. وتأمر بالمحلاّت وهي الدلو والفأس والسّفرة
والقدر والقدّاحة، وإنما قيل لهم محلاّت لأن المسافر بهم يحلّ حيث شاء ولا يبالي
ألاّ يكون بقربه أحد.
من وصايا لقمان لابنه في السفر
حدّثني عبد الرحمن بن الحسين عن عبد المنعم عن أبيه بن منبّه قال: قال لقمان
لابنه: "يا بنيّ إذا سافرت فلا تنم على دابتكن فإن كثرة النوم سريع في دبرهم
، فإذا نزلت أرضا مكلئة فأعطهم حظّهم من الكلأ وابدأ بعلفهم وسقيهم قبل نفسك وإذا
بعدت عليك المنازل "فعليك بالدّلج فإن الأرض تطوى بالليل. وإذا أردت النزول"
فلا تنزل على قارعة الطرق فإنهم مأوى الحيّات و السباع ولكن عليك من بقاع الأرض
بأحسنهم لوناً وألينهم تربة وأكثرهم كلأ فانزلهم ، وإذا نزلت فصلّ ركعتين قبل أن
تجلس وقل "ربّ أنزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلينوإذا أردت قضاء حاجة
فأبعد المذهب في الأرض وعليك بالسّترة، وإذا ارتحلت من منزل فصلّ ركعتين وودّع
الأرض التي ارتحلت عنهم وسام عليهم وعلى أهلهم فإن لكل بقعة من الأرض أهلا من
اللائكة. وإذا مررت ببقعة من الأرض أو واد أو جبل فأكثر من ذكر اللّه فإن الجبال
والبقاع ينادي بعضهم بعضاً: هل مرّ بكنّ اليوم ذاكرٌ اللّه? وإن استطعت ألا تطعم
طعاماً حتى تتصدّق منه فافعل. وعليك بذكر اللّه جلّ وعزّ ما دمت راكباً،
وبالتّسبيح ما دمت صائماً، وبالدعاء ما دمت خالياً. وإيّاك والسّير في أوّل الليل
وعليك بالتّعريس والّدلجة من نصف الليل إلى آخره. وإياك ورفع الصوت في سيرك إلا
بذكر اللّه، وسافر بسيفك وقوسك وجميع سلاحك وخفّك وعمامتكن وإبرتكن وخيوطك، وتزوّد
معك الأدوية تنتفع بهم وتنفع من صحبك من المرضى والزمنى. وكن لأصحابك موافقاً في
كل شيء يقرّبك إلى اللّه ويباعدك من معصيته. وأكثر التبسّم في وجوههم وكن كريماً
على زادك بينهم وإذا دعوك فأجبهم، وإذا استعانوك فأعنهم وإذا استشهدوك على الحق
فاشهد لهم وآجهد رأيك. وإذا رأيتهم يمشون فامش معهم، أو يعملون فاعمل معهم.
"وإن تصدّقوا أو أعطوا فأعطواسمع لمن هو أكبر منك. وإن تحيرّتم في طريق
فانزلوا، وإن شككتم في القصد فتثبّتوا وتآمروا، وإن رأيتم خيالاً واحداً فلا
تسألوه عن طريقكم فإن الشخص الواحد في الفلاة هو الذي حيرّكم واحذروا الشخصين
أيضاً إلا إن تروا ما لا أرى فإن الشاهد يرى ما لا يرى الغائب وإن العاقل إذا أبصر
شيئاً بعينيه عرف الحق بقلبه".
نصيحة أعرابي لبنيه في السفر
علّم أعرابي بنيه إتيان الغائط في السفر فقال لهم: اتّبعوا الخلاء وجانبوا الكلاء وآعلوا الضّراء وأفحجوا إفحاج النعامة وامسحوا بأشملكم.
بين عمرو بن العاص والحسن بن عليّ بن أبي طالب
"وقال عمرو بن العاص للحسن بن عليّ بن أبي طالب رحمهما اللّه: يا أبا محمد، هل تنعت الخراءة? فقال: نعم، تبعد المشي في الأرض الضّحضح حتى تتوارى من القوم، ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرهم ولا تستنج بالرّوثة ولا العظم ولا تبل في الماء الراكد".
بين ثابت والحسن البصري في المصاحبة في السفر
أراد الحسن البصريّ الحج، فقال له ثابت: بلغني أنك تريد الحج فأحببت أن نصطحب. فقال: ويحك! دعنا نتعايش بستر اللّه، إني أخاف أن نصطحب فيرى بعضنا من بعض ما نتماقت عليه.
للنبي في المرافقة في السفر
وفي الحديث المرفوع عن بقيّة عن الوضين بن عطاء عن محفوظ عن علقمة قال: قال رسول الله لرجل من أصحابه: "أما إنّك إن ترافق غير قومك يكن أحسن لخلقك و أحقّ أن يقتفى بك".
وصية هشام أخي ذي الرّمة لرجل سأله
أتى رجل هشاماً أخا ذي الرّمّة الشاعر فقال له: إني أريد السفر فأوصني. قال: صلّ الصلاة لوقتهم فإنك مصلّيهم لا محالة فصلهم وهي تنفعك، وإياك وأن تكون كلب رفقتكن فإن لكل رفقة كلباً ينبح دونهم، فإن كان خيراً شركوه فيه وإن كان عاراً تقلّده دونهم.
دعاء في طلب ضالّة
حدّثني
محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن عثمان بن عطاء عن أبيه قال: "إذا
ضلّت لأحدكم ضالّةٌ فليقل: اللهم ربّ الضالّة تهدي الضالّة وتردّ الضالّة اردد
عليّ ضالتي، اللهم لا تبلنا بهلاكهم ولا تتعبنا بطلبهم ، ما شاء اللّه لا حول ولا
قوة إلا باللّه. يا عباد اللّه الصالحين ردّوا عليّنا ضالتنا.
وإذا أردت أن تحمل الحمل الثقيل فقل: يا عباد اللّه أعينونا.
"وقال أبو عمرو: إذا ضلّت لأحدكم ضالة فليتوضأ فيحسن الوضوء ثم يصلّي ركعتين
ثم يشهد ويقول: بسم اللّه، اللهم يا هم دي الضّال ورادّ الضّال اردد عليّ ضالتي
بعزّتكن وسلطانك فإنهم من فضلك وعطائك".
وللنبي
حدّثني محمد بن عبيد عن حمزة بن وعلة عن رجل من مراد يقال له أبو جعفر عن محمد بن عليّ عن عليّ رضي اللّه عنه قال: قال النبي: "يا عليّ، أمانٌ لأمّتي من الغرق إذا ركبوا الفلك أن يقولوا بسم اللّه الملك الرحمن "وما قدروا اللّه حقّ قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسّماوات مطويّاتٌ بيمينه سبحانه وتعالى عمّا يشركون"، "بسم اللّه مجريهم ومرساهم إن ربّي لغفورٌ رحيمٌ".
كتاب عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب عندما أراد الغزو بالبحر
حدّثني محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن محمد بن عجلان عن عمرو بن شعيب قال: أراد عمر أن يغزي البحر جيشاً، فكتب إليه عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين، البحر خلق عظيم يركبه خلق ضعيف دودٌ على عود بين غرق وبرق. قال عمر: لا يسألني اللّه عن أحد حملته فيه.
قول ابن عمر في السفر
وحدّثني أيضاً عن معاوية عن أبي إسحاق عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد قال: كان ابن عمر يقول في السفر إذا أسحر: سمع سامعٌ بحمد اللّه ونعمته وحسن بلائه عليّنا. ويقول: اللهم صاحبنا فأفضل عليّنا ثلاثاً، اللهم عائذٌ بك من النار ثلاثاً، لا حول ولا قوّة إلا باللّه.
قول النبي في سفره حين هم جر
وعن
الأوزاعي عن حسّان بن عطيّة أن رسول اللّه قال في سفره حين هم جر: "الحمد
اللّه الذي خلقني ولم أك شيئاً مذكوراً، اللهم أعنّي على أهم ويل الدنيا وبوائق
الدهر ومصيبات الليالي والأيام وآكفني شرّ ما يعمل الظالمون في الأرض، اللهم في
سفري فآصحبني، وفي أهلي فاخلفني، وفيما رزقتني فبارك لي، ولك في نفسي فذلّلني، وفي
أعين الصالحين فعظّمني، وفي خلقي فقوّمني، وإليك ربّ فحبّبني، إلى من تكنلني ربّ
المستضعفين وأنت ربّي".
وحدّثني أيضاً عن معاوية عن أبي إسحاق عن عاصم عن عبد اللّه بن سرجس قال كان النبي
إذا سافر يقول: "اللهم إنب أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب والحور بعد
الكور ودعوة الكظلوم وسوء المنظر في الأهل".
وزاد غيره: اللهم آطو لنا الأرض وهوّن عليّنا السفر".
قول مطرّف بن عبد اللّه لابنه
وقال
مطّرف بن عبد اللّه لابنه: الحسنة بين السيّئتين، وخير الأمور أوساطهم. وشرّ السير
الحقحقة.
وفي الحديث " لا تحقحق فتنقطع ولا تباطأ فتسبق ولكن آقصد تبلغوالحقحقة أشدّ
السير.
وفي حديث آخر "إن المنبتّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى".
وقال المرّار:
تقطّع بالنزول الأرض عنـا |
|
وبعد الأرض يقطعه النزول |
للأصمعي عن رجل أسرع في سيره
الأصمعيّ قال: قيل لرجل أسرع في سيره: كيف كان مسيرك? قال:كنت آكل الوجبة وأعرّس إذا أسحرت وأرتحل إذا أسفرت وأسير الوضّع وأجتنب الملع فجئتكنم لمسي سبع.
مسير ذكوان مولى آل عمر بن الخطاب
قال أبو اليقظان: من السير المذكور مسير ذكوان مولى أل عمر بن الخطاب، سار من مكة إلى المدينة في يوم وليلة، فقدم على أبي هريرة وهو خليفة مروان على المدينة فصلّى العتمة، فقال له أبو هريرة: حاجٌّ غير مقبول منه. قال له: ولم? قال: لأنك نفرت قبل الزوال. فأخرج كتاب مروان بعد الزوال وقال:
ألم ترني كلّفتـهـم سـير لـيلة |
|
من آل منًى نصًّا إلى آل يثـرب |
فأقسمت لا تنفكّ ما عشت سيرتي |
|
حديثاً لمن وافى بجمع المحصّب |
شعر لقيس بن الخطيم في مسير حذيفة بن بدر
ومن السير المذكور مسير حذيفة بن بدر، وكان أغار على هجائن "النعمان بن" المنذر بن ماء السماء وسار في ليلة مسيرة ثمان، فقال قيس بن الخطيم:
هممنا بالإقامة ثم سـرنـا |
|
كسير حذيفة الخير بن بدر |
الشرقي بن القطامي وفتى من أهل الجزيرة صحبه في سفره
قال الشرقي بن القطامي: خرجت من الموصل أريد الرّقّة فصحبني فتى من أهل الجزيرة
وذكر أنه ولد عمرو بن كلثوم ومعه مزود وزكوة وعصا، ورأيته لا يفارقهم مشاة كنّا أو
ركبانا، وهو يقول: إن اللّه جعل جماع أمر موسى وأعاجيبه وبراهينه ومآربه في عصاه.
ويكثر من هذا وأنا أضحك متهم وناً بما يقول، فتخلّف المكاري فكان حمار الفتى إذا
وقف أكرهه بالعصا ويقف حماري ولا سيء في يدي فيسبقني إلى المنزل فيستريح ويريح ولا
أقدر على البراح حتى يوافيني المكاري، فقلت: هذه واحدة. ثم خرجنا من غد مشاة فكان
إذا أعيا توكّأ على العصا وربما أحضر ووضع طرفاً على الأرض فاعتمد عليهم ومرّ كأنه
سهم زالجٌ حتى انتهينا وقد تفسّخت من الكلال وإذا فيه فضل كثير، فقلت: وهذه أخرى.
فلما كان في اليوم الثالث هجمنا على حيّة منكرة فسارت إلينا فأسلمته إليهم وهربت
عنهم فضربهم بالعصا حتى قتلهم ، فقلت: هذه ثالثة، وهي أعظمهنّ"، وخرجنا في
اليوم الرابع وبنا قرمٌ إلى اللحم فاعترضتنا أرنب فحذفهم بالعصا وأدركنا ذكاتهم
فقلت: هذه رابعة. فأقبلت عليه فقلت: لو أن عندنا ناراً ما أخّرت أكلهم إلى المنزل.
فأخرج عويداً من مزوده ثم حكّه بالعصا فأورت إيراء المرخ والعفار، ثم جمع ما قدر
عليه من الغثاء والحشيش وأوقد ناراً وألقى الأرنب في جوفهم فأخرجناهم وقد لزق بهم
من الرماد والتراب ما بغّضهم إليّ، فعلّقهم بيده اليسرى ثم ضرب جنوبهم بالعصا
وأعراضهم ضرباً رقيقاً حتى انتثر كل شيء عليهم فأكلناهم وسكن القرم وطابت النفس.
فقلت: هذه خامسة. ثم نزلنا بعض الخانات وإذا البيوت ملآنة روثا وتراباً فلم نجد
موضعاً نظلّ فيه فنظر إلى حديدة مطروحة في الدار فأخذهم فجعل العصا نصاباً لهم ثم
قام فجرف جميع ذلك الروث والتراب وجرد الأرض حتى أظهر بياضهم وطابت ريحهم فقلت:
وهذه سادسة. ثم نزع العصا من الحديدة فأوتدهم في الحائط وعلّق عليهم ثيابه وثيابي
فقلت: هذه سابعة. فلما صرنا إلى مفرق الطريقين وأردت مفارقته قال لي: لو عدلت معي
فبتّ عندي! فعدلت معه فأدخلني منزلاً يتصل ببيعة فما زال يحدّثني ويطرفني الليل
كله فلما كان السحر أخذ العصا بعينهم وأخذ خشبة أخرى فقرع بهم العصا فإذا ناقوس
ليس في الدنيا مثله وإذا هو أحذق الناس به فقلت له: ويحك! أما أنت بمسلم? قال:
بلى. قلت: فلم ضربت بالناقوس? قال: لأن أبي نصراني وهو شيخ كبير ضعيف فإذا شهدت
بررته بالكفاية. وإذا شيطان مارد وأظرف الناس وأكثرهم أدباً، فخبرّته بالذي أحصيت
من خصال العصا، فقال: واللّه لو حدّثتكن عن مناقب العصا ليلة إلى الصباح ما
استنفدتهم .
للنبي
وروى يزيد عن هشام عن الحسن عن جابر قال: قال رسول اللّه: : إذا كنتم في الخصب فأمكنوا الرّكاب أسنّتهم ولا تغدو المنازل، وإذا كنتم في الجدب فاستنجوا. وعليكم بالدّلجة فإن الأرض تطوى بالليل. وإذا تغولت لكم الغيلان فنادوا بالأذان، ولا تصلّوا على جوادّ الطرق ولا تنزلوا عليهم فإنهم مأوى السّباع والحيات ولا تقضوا عليهم الحوائج فإنهم الملاعن".
بين أعرابي أراد السفر وزوجته
وأراد أعرابي سفراً فقال لامرأته:
عدّي السنين لغيبتي وتصبّري |
|
وذري الشّهور فإنهنّ قصار |
فأجابته:
اذكر صبابتنا إليك وشوقنا |
|
وآرحم بناتكن إنهنّ صغار |
فأقام وترك السفر.
شعر لإسحاق الموصلي
وقال إسحاق بن إبراهيم الموصلي:
طربت إلى الأصيبية الصّغار |
|
وهم جك منهم قرب المزار |
وكلّ مسافر يزداد شـوقـاً |
|
إذا دنت الديار مـن الـديار |
للنبي
وفي الحديث المرفوع قال ابن مسعود: كنّا يوم بدر ثلاثةٌ على بعير فكان عليّ وأبو لبابة زميلي رسول الله فكا إذا دارت عقبتهما قالا: يا رسول اللّه اركب ونمشي عنك. فيقول: "ما أنتما بأقوى منّي وما أنا بأغنى عن الأجر منكما".
من خطب قتيبة بن مسلم على منبر خراسان
خطب قتيبة بن مسلم على منبر خراسان فقال في خطبته: إذا غزوتم فأطيلوا الأظفار وقصروا الأشعار.
لعائشة رضي اللّه عنهم ، ولبعض الشعراء
وقالت
عائشة رضي اللّه عنهم: "لا سهر إلا لثلاثة: مصلٍّ أو عروس أو مسافر".
وقال بعض الشعراء:
سررت بجعفرٍ والقرب منه |
|
كما سرّ المسافر بـالإياب |
|
||
وكنت بقربه إذ حلّ أرضي |
|
أميراً بالسّكينة والصّواب |
|||
كممطورٍ ببلدته فأضحـى |
|
غنيّاً عن مطالبة السحاب |
|||
وقال آخر في معناه:
وكنتم فيهم كممطور ببـلـدتـه |
|
فسرّ أن جمع الأوطان والمطرا |
وقال آخر:
إذا نحن ابنا سالمـين بـأنـفـس |
|
كرام رجت أمراً فخاب رجاؤهم |
فأنفسنا خير الغـنـيمة إنـهـم |
|
تؤوب وفيهم ماؤهم وحـياؤهـم |
وقال آخر:
رجعنا سالمين كما بدأنـا |
|
وما خابت غنيمة سالمينا |
"وما تدرين أيّ الأمر خير |
|
أما تهوين أم ما تكنرهينا |
وقال بعض المحدّثين:
قبّح الـلّـه آل بـرمـك إنـي |
|
صرت من أجلهم أخا أسفـار |
إن يكن ذو القرنين قد مسح الأر |
|
ض فإني موكّـل بـالـعـيار |
التفويز
مسير خالد بن الوليد من العراق إلى الشام
حدّثني أبي، أحسبه عن الهيثم بن عديّ قال: لما كتب أبو بكر رضي اللّه عنه إلى خالد ابن الوليد يأمره بالمسير إلى الشأم والياً مكان أبي عبيد ة بن الجراح، أخذ على السّماوة حتى انتهى إلى قراقر، وبين رقراقر وسوى خمس ليال في مفازة، فلم يعرف الطريق، فدلّ على رافع ابن عميرة الطائي وكان دليلاً خرّيتاً فقال لخالد: خلّف الأثقال وآسلك هذه المفازة إن كنت فاعلاً، فكره خالد أن يخلّف أحداً وقال: لا بد من أن نكون جميعاً. فقال له رافع: واللّه إن الراكب النفرد ليخافهم على نفسه وما يسلكهم إلا مغرر مخاطر بنفسه، فكيف أنت بمن معك? فقال: لا بد من ذلك. فقال الطائي لخالد: ابغني عشرين جزوراً مسانّ عظاماً. ففعل، فظمّأهن ثم سقاهن حتى روين ثم قطع مشافرهنّ وكعمهنّ لئلا تجترّ، ثم قال لخالد: سر بالخيول والأثقال فكاما نزلت منزلاً نحرت من تلك الجزر أربعاً ثم أخذت ما في بطونهم من الماء فسقيته الخيل وشرب الناس مما تزوّدوا، ففعل. فلما صار إلى آخر المفازة انقطع ذلك وجهد الناس وعطشت دوابّهم، فقال لهم خالد: ويحك، ما عندك? قال: أدركت الريّ إن شاء اللّه، أنظروا هل تجدون شجرة عوسج على ظهر الطريق? فنظروا فوجدوهم فقال: احفروا في أصلهم فحفروا فوجدوا عيناً فشربوا منهم وتزوّدوا، فقال رافع: واللّه ما وردت هذه الماء قطّ إلا مرة واحدة مع أبي وأنا غلام. فقال راجز المسلمين في ذلك:
اللّه درّ رافع أنّـى اهـتـدى |
|
فوّز من قرار إلـى سـوى |
أرضاً إذا سار بهم الجيش بكى |
|
ما سارهم قبلك من إنس أرى |
قال: ولما مرّ خالد بموضع يقال له البشر طلع على قوم يشربون وبين أيديهم جفنة وأحدهم يتغنّى:
ألا علّلاني قبل جيش أبـي بـكـر |
|
لعلّ منايانـا قـريب ومـا نـدري |
ألا علّلاني بـالـزّجـاج وكـررا |
|
عليّ كميت اللون صافيةً تـجـري |
أظن خيول المسلـمـين وخـالـداً |
|
سيطرقك قبل الصباح من البشـر |
فهل لكم في السير قبل قتـالـهـم |
|
وقبل خروج المعصرات من الخدر |
فما هو إلا أن فرغ من قوله شدّ عليه رجل من المسلمين بالسيف فضرب عنقه. فإذا رأسه في الجفنة، ثم أقبل على أهل البشر فقتل منهم وأصاب من أموالهم.
للنبي في امرىء القيس
ابن الكلبي قال: أقبل قوم من أهل اليمن يريدون النبي فأضلّوا الطريق ووقعوا على غير ماء فمكثوا ثلاثاً لا يقدرون على الماء فجعل الرجل منهم يستذري بفيء السّمر والطلح يأساً من الحياة، فبينا هم كذلك أقبل راكب على بعير فأنشد بعض القوم بيتين من شعر امرىء القيس:
لمّا رأت أن الشّـريعة هـمّـهـم |
|
وأن البياض من فرائضهم دامـي |
تيممت العين التي عـنـد ضـارج |
|
يفيء عليهم الظلّ عرمضهم طامي |
فقال الراكب: من يقول هذا? قالوا: امرؤ القيس. قال: واللّه ما كذب، هذا ضارج عندكم. وأشار إليه، فجثوا على الرّكب فإذا ماء غدق وإذا عليه العرمض والظلّ يفيء عليه فشربوا منه ريّهم وسقوا وحملوا حتى بلغوا الماء، فأتوا النبي فأخبروه وقالوا: يا رسول اللّه أحيانا بيتان من شعر امرىء القيس. قال: "ذاك رجل مذكور في الدنيا شريف فيهم منسيّ في الآخرة خامل فيهم ، يجيء يوم القيامة معه لواء الشعراء يقودهم إلى النار.
للأصمعي عن رجل من بني سليم
حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه بن قريب عن عمه الأصمعيّ عن رجل من بني سليم أن
رفقة ماتت من العطش بالشّجي، فقال الحجاج: إني أظنهم قد دعوا اللّه حين بلغهم
الجهد فاحفروا في مكانهم الذي ماتوا فيه لعل اللّه يسقي الناس. فقال رجل من
جلسائه: إيهم الأمير قد قال الشاعر:
تراءت لي بين اللّـوى وعـنـيزةٍ |
|
وبين الشّجي مما أحال على الوادي |
واللّه
ما تراءت له إلا وهي على ماء. فأمر الحجاج عضيدة السلمي أن يحفر بالشجي بئراً فحفر
فأنبط، ويقال: إنه لم يمت قوم قطّ عطشا إلا وهم على ماء.
قالت العرب "أن ترد الماء بماء أكيس".
ويقال في مثل: "برد غداة غرّ عبد اً من ظمأ".
في الطيرة والفأل
شعر في القدر
حدّثني أبو الحاتم عن الأصمعيّ قال: هرب بعض البصريين من الطاعون فركب حماراً له ومضى بأهله نحو سفوان فسمع حادياً يحدو خلفه وهو يقول:
لن يسبق اللّه على حمـار |
|
ولا على ذي ميعةٍ مطّار |
أو يأتي الحتف على مقدار |
|
قد يصبح اللّه أمام السّاري |
في إنكار الطيرة وتعييبهم
حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: حدّثني سعيد بن سلابن قتيبة عن أبيه أنه كان يعجب ممن يصدّق بالطّيرة ويعيبهم أشدّ العيب وقال: فرقت لنا ناقة وأنا بالطّف فركبت في أثرهم فلقيني هم نىء بن عتبة من بني وائل يركض وهو يقول: والشرّ يلقي مطالع الأكم ثم لقيني رجل آخر من الحي فقال، وهو للبيد:
ولئن بعثت لهم بغا |
|
ةً ما البغاة بواجدينا |
ثم
دفعت إلى غلام قد وضع في صغره في نار فأحرقته فقبح وجهه وفسد، فقلت له: هل ذكرت من
ناقةٍ فارق? قال: ههنا أهل بيت من الأعراب فانظر. فوجدناهم قد نتجت ومعهم ولدهم .
ويقال: ناقة فارق: قد ضربهم الطّلق، وسحابة فارق: قد دنا هراقة مائهم .
شعر للمرقش في إنكار الطيرة
وقال المرقّش:
ولقد غدوت وكنـت لا |
|
أغدوا على واقٍ وحاتم |
إذا الأشـائم كــالأيا |
|
من والأيامن كالأشائم |
وكذلـك لا خـير ولا |
|
شرّ على أحـد بـدائم |
ولآخر في انكار الطيرة
وقال آخر:
وليس بهيّاب إذا شـدّ رحـلـه |
|
يقول عدانياليوم واقٍ وحـاتـم |
ولكنه يمضي على ذلك مقدمـا |
|
إذا صدّ عن تلك الهنات الخثارم |
وقال آخر:
تعـلـم أنـه لا طــير إلا |
|
على متطيرّ وهو الثّـبـور |
بلى شيءٌ يوافق بعض شيء |
|
أحايينا وباطـلـه كـثـير |
لابن عون في الفأل
حدّثني
الرياشيّ عن الأصمعيّ قال: سألت ابن عون عن الفأل فقال: هو أن تكون مريضاً فتسمع:
يا سالم، أو باغياً فتسمع: يا واجد.
وفي الحديث المرفوع: "أصدق الطّيرة الفألوفيه "الطّير تجري بقدر".
في حسن الظن بالفأل
أراد أبو العالية أن يخرج من البصرة لعلّة كانت به فسمع منادياٌ ينادي: يا متوكل، فحطّ رحله وأقام.
لابن عباس رضي اللّه عنهما في الطيرة والفأل
وقال
عكرمة: كنا جلوساً عند ابن عمر وابن عباس رضي اللّه عنهما فمر طائر يصيح، فقال رجل
من القوم: خير خير. فقال ابن عباس: لاخير ولا شر.
قال كعب لابن عباس: ما تقول في الطّيرة? قال: وما عسيت أن أقول فيه? لا طير إلا
طير اللّه ولا خير إلا خير اللّه ولا إله إلا اللّه ولا حول ولا قوّة إلا باللّه.
قال كعب: إن هذه الكلمات في كتاب اللّه المنزل. يعني التوراة".
للنبي
حدّثني
محمد بن يحيى القطعيّ قال: حدّثني عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن أبي حسان الأعرج
أن رجلين دخلا على عائشة رضي اللّه عنهم فقالا: إن أبا هريرة يحدّث أن رسول اله
قال: إنّما الطّيرة في المرأة والدار والدابة. فطارت شفقاً ثم قالت: كذب، والذي
أنزل الفرقان على أبي قاسم، من حدّث بهذا عن رسول اللّه ، إنما قال رسول اللّه:
"كان أهل الجاهلية يقولون أن الطّيرة في الدابة والدار والمرأة" ثم
قرأت: "ما أصاب من مصيبةٍ في الأرض ولا في أنفسكم إلاّ في كتابٍ من قبل أن
نبرأهم ".
كان عبد اللّه بن زياد صوّر في دهليزه كلباً وأسداً وكبشاً وقال: كلب نابح وكبش
ناطح وأسد كالح.
للأصمعي في المقدور
وأنشدني أبو حام عن الأصمعيّ:
يأيّهم المضمر همًّا لا تهـمّ |
|
إنك إن تقدر لك الحمّى تحمّ |
ولو علوت شاهقاً من العلـم |
|
كيف توقّيك وقد جفّ القلم |
بين معاوية وحجر بن عديّ
ولما أمر معاوية بقتل حجر بن عديّ الكنديّ في ثلاثة عشر رجلاً معه قال حجر: دعوني أصلّ ركعتين. فتوضأ وأحسن الوضوء، ثم صلى وطوّل فقيل: أجزعت? فقال: ما توضأت قطّ إلا صليت، ولا صليت قط صلاة أخفّ منهم. وإن أجزع فقد رأيت سيفاً مشهوراً وكفناً منشوراً وقبراً محفوراً. فقيل له: مدّ عنقك. فقال: إن ذلك لدمٌ ما كنت لأعين عليه. فقدّم فضربت عنقه. وكان معاوية بعث رجلاً يقال له هدبة لقتلهم، وكان أعور، فنظر إليه رجل من خثعم فقال: إن صدقت الطّيرة قتل نصفنا. فلما قتل سبعة بعث معاوية رسولاً آخر بعافيتهم فلم يقتل الباقون.
بين أعرابي وكثير عزة في الطيرة
خرج كثير عزّة إلى مصر يريد عزة، فلقيه أعرابيّ من نهد فقال: يا أبا صخر، أين تريد? فقال: أريد عزة بمصر. قال: فهل رأيت في وجهك شيئاً? قال: لا إلا أني رأيت غراباً ساقطاً فوق بانة ينتف ريشه. فقال له: توافي مصر وقد ماتت عزة. فانتهره كثير ثم مضى فوافى مصر والناس ينصرفون عن جنازة عزة، فقال:
فما أعيف النّهـديّ لا درّ درّه |
|
وأزجره للطير لا عزّ ناصره |
رأيت غراباً ساقطاً فوق بـانة |
|
ينتّف أعلى ريشه ويطـايره |
فأما غراب فاغتراب ووحشة |
|
وبانٌ فبين من حبيب تعاشره |
ولكثير عزة أيضاً
وهوى بعد عزّة امرأة من قومه يقال لهم: أمّ الحويرث. فخطبهم فأبت وقالت: لا مال لك، ولكن اخرج فاطلب فإني حابسة نفسي عليك. فخرج يريد بعض بني مخزوم، فبينا هو يسير عنّ له ظبي فكره ذلك ومضى فإذا هو بغراب يبحث التراب على وجهه فكره وتطيّر منه، فانتهى إلى بطن من الأزد يقال لهم بنو لهب، فقال: أفيكم زاجر? قالوا: نعم، فأرشدوه إلى شيخ منهم فأتاه فقصّ عليه القصة، فقال: قد ماتت أو خلف عليهم رجل من بني عمهم. فلما انصرف وجدهم قد تزوّجت، فقال:
تيممت لهباً أطلب العلم عندهـم |
|
وقد ردّ علم العائفين إلى لهـب |
فقال جرى الطير السّنيح ببينهـم |
|
فدونك فاهمل جدّ منهمر سكب |
فإلاّ تكن ماتت فقد حال دونهـم |
|
سواك خليل باطن من بني كعب |
للنبي
حدّثثي أبو سفيان الغنويّ قال: حدّثني خالد بن يزيد الصّفّار قال: حدّثنا همّام بن يحيى عن قتادة عن حضرميّ بن لاحق أو عن أبي سلمة أن النبي كتب إلى أمرائه: "إذا أبردتم إليّ بريداً فاجعلوه حسن الوجه حسن الاسم".
بين عمر بن الخطاب ورجل من جهينة
خرج عمر إلى حرّة واقم فلقي رجلاً من جهينة فقال له: ما اسمك? قال: شهم ب. قال: ابن من? قال: ابن جمرة. قال: وممن أنت? قال: من الحرقة. ثم قال: ممن? قال: من بيني ضارم. فقال له عمر: أدرك اهلك وما أراك تدركهم إلا وقد احترقوا. فأتاهم وقد أحاطت النار بهم".
بين بشر بن حسان وابن عامر
خرج
ابن عامر إلى المدينة فإذا هو في طريقه بنعامات خمس، فقال لأصحابه: قولوا في هذه.
فقال بشر بن حسان: بلغني أن رسول الله قال: "لا عدوى ولا طيرة" ومن علم
شيئاً فليقله، ولكني أقول: فتنة خمس سنين.
قرأت في كتب العجم أن كسرى بعث وهرز إلى اليمن لقتال الحبشة فلما اصطّفوا قال وهرز
لغلام له: أخرج إليّ من الجبعة نشّابه. وكان الأسوار يكتب على كل نشّابة في جعبته،
فمنهم ما يكتب عليه اسم الملك، ومنهم ما يكتب عليه اسم نفسه، ومنهم ما يكتب عليه
اسم ابنه، ومنهم ما يكتب عليه اسم امرأته. فأدخل العبد يده فأخرج له نشابة عليهم
اسم امرأته فتطيّر وقال: أنت المرأة وعليك طائر السوء. ردّهم وهم ت غيرهم. فردّهم
وضرب بيده فأخرج تلك النشابة بعينهم ففكر وهرز في طائره ثم انتبه فقال: زنان.
وزنان بالفارسية: النساء. ثم قال: زن آن، فإذا ترجمتهم اضرب ذلك قال: نعم الطائر
هذا. ثم وضعهم في كبد قوسه ثم قال: صفوا لي ملكهم، فوصفوه بياقوتة بين عينيه ثم
إنه مغظ في قوسه حتى إذا مّلأهم سرّحهم فأقبلت كأنهم رشاء منقطع حتى فضّت الياقوتة
فطار فضاضهم ثم فلقت هم مته وهزم القزم.
شعر للمعلوط
وقال المعلوط:
تنادى الطائران ببين سـلـمـى |
|
على غصنين من غرب وبـان |
فكان البان أن بانت سـلـيمـى |
|
وفي الغرب اغتراب غير داني |
مثله لأبي الشّيص، وللطائي
أخذ معناهم أبو الشّيص فقال:
أشاقك والليل ملقى الجـران |
|
غراب ينوح على غصن بان |
أحصّ الجناح شديد الصـياح |
|
يبكّي بعينين مـا تـذرفـان |
وفي نعبات الغرب اغتـراب |
|
وفي البان بينٌ بعيد التدانـي |
وقال الطائيّ:
أتضعضعت عبرات عينك أن دعت |
|
ورقاء حين تضعضـع الإظـلام |
لا تنشجنّ لهـم فـإن بـكـاءهـم |
|
ضحك وإن بكاءك اسـتـغـرام |
هنّ الحمام فإن كـسـرت عـيافةً |
|
من حائهـنّ فـانـهـنّ حـمـام |
للنبي
حدّثني أحمد بن الخليل قال: حدّثني موسى بن مسعود عن عكرمة بن عمّار عن إسحاق بن عبد اللّه بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: جاء رجل منا إلى النبي فقال: يا رسول اللّه إنا نزلنا دارا فكثر فيهم عددنا وكثرت فيهم أموالنا ثم تحوّلنا منهم إلى أخرى فقلّت فيهم أموالنا وقلّ فيهم عددنا. فقال رسول اللّه: "ذروهم وهي ذميمة".
لأعرابي أضاع ذوداً له
بلغني عن ابن كناسة عن مبارك بن سعيد أخي سفيان الثّوريّ قال: بلغنا أن أعرابياً أضاع ذوداً له فخرج في الطلب حتى أدركه العطش، فمرّ بأعرابي يحتلب ناقة فنشده ضاللّه فقال له: متى خرجت في الطلب? أدن مني حتى أسقيك لبناً وأرشدك. قال: قبل طلوع الفجر. قال: فما سمعت? قال: عواطيس حولي: ثغاء الشّاء ورغاء البعير ونباح الكلب وصياح الصبيّ. قال: عواطيس تنهم ك عن الغدوّ. قال: فلما طلع الفجر عرض لي ذئبٌ. قال: كسوبٌ ذو ظفر. قال: فلما طلعت الشمس لقيت نعامةً. قال: ذات ريش واسمهم حسن، هل تركت في أهلك مريضاً? قال: نعم. قال: ارجع فإنك ستجد ضالتكن في منزلك.
سليمان النبي وشجرة الخروب
حدّثني عبد الرحمن عن حفص بن عمر الخبطيّ قال: حدّثنا أبو زرعة يحيى بن أبي عمرو السّيباني عن يثيع عن كعب قال: كانت الشجرة تنبت في محراب سليمان النبي وتكنلمه بلسانٍ ذلق فتقول: أنا شجرة كذا وفيّ دواء كذا. فيأمر بهم سليمان فيكتب اسمهم ومنفعتهم وصورتهم وتقطع وترفع في الخزائن حتى كان آخر ما جاء منهم الخرّوبة فقالت: أنا الخرّوبة. فقال سليمان: الآن نعيت إليّ نفسي وأذن في خراب بيت المقدس.
لأبي تمام الطائي يصف عمورية
قال الطائيّ يصف عمّوريّة:
بكرٌ فما اعترفتـهـم كـفّ حـادثة |
|
ولا ترقتّ إليهـم هـمّة الـنّـوب |
جرى لهم الفأل برحـا يوم أنـقـرة |
|
إذ غودرت وحشة الساحات والرّحب |
لمّا رأت أختهم بالأمس قد خـربـت |
|
كان الخراب لهم أعدى من الجرب |
مذاهب العجم في العيافة والاستدلال بهم
للعجم في العيافة
قرأت في الآيين: كانت العجم تقول: إذا تحوّلت السّباع والطير الجبلية عن أماكنهم
ومواضعهم دلّت بذلك على أن المشتى سيشتدّ ويتفاقم. وإذا نقلت الجرذان برّاً و
شعيراً أو طعاماً إلى رب بيت رزق الزيادة في ماله وولده، و إن هي قرضت ثيابه دلّت
بذلك على نقص ماله وولده، فينبغي أن ذلك القرض ويصلح. وإذا شبّت النار شبوباً كالصّخب
دلت على فرح شديد، وإذا شبت شبوباً كالبكاء دلت على حزن، وأما النار التي تشتعل في
أسفل القدور فإنهم تدل على أمطار تكنثر أو ضيف يحضر. وإذا فشا الموت في البقر وقع
الموتان في البشر، وإذا فشا الموت في الخنازير عمّ الناس السلامة و العافية، وإذا
فشا الموت في السباع والوحوش أصاب الناس ضيقة، وإذا فشا الموت في الجرذان أخصب
الناس. وإذا أكثرت الضفادع النّقيق دلت على موتان يكون. وإذا أنّ ديك في دار فشا
فيهم مرض الرجال، وإذا أنّت دجاجة فشا فيهم مرض النساء، وإذا صرخت ديوك صراخاً
كالبكاء فشا الموت في النساء، وإذا صرخ الدجاج مثل ذلك الصراخ فشا الموت في
الرجال. وإذا نعب غراب أسود فجاوبته دجاجة دل ذلك على خراب يعمر. وإذا قوّقت دجاجة
وجاوبهم غراب دل ذلك على عمران يخرب. وإذا غطّ الرجل الحسيب في نومه بلغ سناً
ورفعة، ومن نفخ في نومه أفسد ماله، ومن صرت أسنانه في نومه دلّ ذلك منه على نميمة،
وينبغي أن يضرب على فيه بخفٍّ متخرّق. ومن سقطت قدّامه حية من جحر أصابته معرّة
ومضرة. وإذا رئي في الهواء دخنة وظلمة من غير علة تخوّف على الناس الوباء والمرض.
وإذا رئي في آفاق السماء في ليلة مصحية كاختلاف النيران غشي البلاد التي رئي ذلك
فيهم عدوّ، فإن رئي ذلك وفي البلاد عدوّ انكشف عنهم. وإذا نبح كلب بعد هدأةٍ نبحة
بغتة دل على أن السّرّاق قد اجتمعوا بالغارة على بعض ما في تلك الدار أو ما
جاورهم. وإذا صفّق ديك بجناحيه ولم يصرخ دل على أن الخير محتبس عن صاحبه. وإذا
أكثر البوم الصراخ في دار برىء مريض إن كان فيهم. وإذا سمع لبيت تنقّض شخص من فيه
عنه، وإذا عوت ذئاب من جبال وجاوبتهم كلاب من قرى تفاقم الأمر في التحارب وسفك
الدماء. وإذا عوت كلاب وجاوبتهم ذئاب كان وباء وموتان جارف، وإذا أكثرت الكلاب في
اليغتات الهرير دلت بذلك على إتيان العدوّ البلاد التي هي فيهم ، وإذا صرخ ديك في
دار قبل وقت صراخ الديوك كان ذلك محاولة لدفع بليّة قد شارفت تلك الدار، وإذا صرخت
دجاجة في دار كصراخ ديك كان ذلك تحذيراً لمن فيهم من آفة قد أشرفوا عليهم. وإذا
أكثر ديك النّزوان على تكنأة رب الدار نال شرفاً ونباهة، وإن فعلت ذلك دجاجة ناله
خمول وضعة. وإذا ذرق ديك على فراشه نال مالاً رغيباً وخيراً كثيراً وذلك إذا كان
من غير تضييع من حشمة لفراشه، فإن ذرقت دجاجة على فراشه نالت زوجته منه خيراً
كثيراً، وكانوا يقولون: إن الموت من المريض الشبيه للصحيح قريب وإن الصحيح الشبيه
بالمريض مستشعر للشر وينبغي مباعدته. وينبغي أن يعرف كنه من كان منطقياً لعلّه لا
يجيد العمل، وحال من كان سكّيتاً متزمّتاً لعله بعيد الغور.
وكانوا يكرهون استقبال المولود ساعة يوضع إلا أن يكون ناقص الخلق فإن بليته وآفته
قد صارتا على نفسه، ويكرهون استقبال الزّمن والكريه الاسم والجارية البكر والغلام
الذاهب إلى المكتب، وكانوا يكرهون الثيران المقرونة بقران والحيوان الموثق
والدابّة المقودة وحاملة الشراب والحطب والكلب، ويستحبّون الصحيح البدن الرضيّ
الاسم والمرأة الوسيمة الثيّب والغلام المنصرف من المكتب والدواب التي عليهم حمولة
من طعام أو تبن أو زبل.
وكانوا لا ينحّون عن سمع الملك ألحان المغنيات ونقيض الصواري وصهيل الخيل
والبراذين ويتخذون في مبيته ديكاً ودجاجة. وإذا أهديت له خيل سنح بهم عليه من
يساره إلى يمينه وكذلك الغنم والبقر، وأما الرقيق والسباع وما أشبههم فكان يبرح من
يمينه إلى يساره.
باب في الخيل
للنبي في فضل الخيل
حدّثني محمد بن عيينة عن شبيب بن غرقدة "عن عروة" البارقي قال: سمعت النبي يقول: "الخيل معقود في نواصيهم الخير إلى يوم القيامة".
بين النبي ورجل أراد شراء فرس
حدّثني يزيد بن عمرو قال: حدّثني أسهل بن حاتم قال: حدّثني موسى بن عليّ بن رباح
اللّخمي عن أبيه قال: جاء رجل إلى النبي فقال: إني أريد أن أعدّ فرساً. قال رسول
اللّه: "فاشتره إذاً أدهم أو كميتاً أقرح أرثم أو محجلا مطلق اليمين".
وفي حديث آخر "فإنهم ميامن الخيل ثم آغز تسلم وتغنم إن شاء اللّه".
للنبي في فضل الخيل، وما كان يستحبه ويكرهه منهم
حدّثني
سهل بن محمد قال: أخبرني أبو عبيد ة أن النبي قال: "عليكم بإناث الخيل فإن
ظهورهم حرز وبطونهم كنز".
قال: وكان النبي يستحب من الدواب الشّقر ويقول: "لو جمعت خيل العرب كلهم في
صعيد واحد ما سبقهم إلا أشقر".
وسأل رجل رسول اللّه: أيّ المال خير? قال: "سكة مأبورة" يعني النخل
" ومهرة مأمورة " يريد كثيرة النتاج.
قال: وكان يكره الشّكال في الخيل.
قول لأبي ذر
"قال أبو ذرّ: ما من ليلة إلا والفرس يدعو فيهم ربه ويقول: اللهم سخرتني لابن آدم وجعلت رزقي بيده فاجعلني أحبّ إليه من أهله وماله، اللهم ارزقه وارزقني على يديه".
لمطر بن دراج وقد سأله المهدي عن أفضل الخيل
سأل المهدي مطر بن درّاج: أيّ الخيل أفضل? قال: الذي إذا استقبلته قلت نافر، وإذا استعرضته قلت زافر، وإذا استدبرته قلت زاجر. قال: فأيّ البراذين شر? قال: الغليظ الرقبة الكثير الجلبة الذي إذا أرسلته قال أمسكني وإذا أمسكته قال أرسلني. قال: فأيّ البراذين خير? قال: ما طرفه إمامه وسوطه عنانه.
لرجل يصف برذوناً
"وصف رجل برذوناً فقال: إن تركته نعس وإن حركته طار".
لابن أقيصر في أفضل الخيل
وقال ابن أقيصر: خير الخيل الذي إذا استقبلته أقعى وإذا استدبرته جبىّ وإذا استعرضته استوى وإذا مشى ردى وإذا عدا دحا.
بين مسلابن عمرو وابن عم له أرسله ليشتري له خيلاً
محمد بن سلاّم قال: أرسل مسلابن عمرو ابن عمّ له إلى الشأم ومصر يشتري له خيلاً فقال: لاعلم لي بالخيل. قال: ألست صاحب قنص? قال: بلى. قال": فانظر، كلّ شيء تستحسنه في الكلب فاطلبه في الفرس. فقدم بخيل لم يك في العرب مثلهم. وقالوا: سمّيت خيلاً لاختيالهم .
لأعرابي يصف فرساً
وذكر أعرابي فرساً وسرعته فقال: لما خرجت الخيل جارى بشيطان في أشطان فلما أرسلت لمع لمعة سحاب فكان أقربهم إليه الذي تقع عينه عليه.
لرجل من بني أسد في الكريم والمقرف من الخيل
وسئل
رجل من بني أسد: أتعرف الفرس الكريم? قال: أعرف الجواد المبرّ من المبطيء المقرف.
أما الجواد المبر فالذي لهز لهز العير وأنّف تأنيف السّير، الذي إذا عدا آسلهبّ
وإذا قيّد آجعلب وإذا انتصب آتلاب. وأما المبطيء المقرف فالمدلوك الحجبة الضخم
الأرنبة الغليظ الرقبة "الكثير الجلبة الذي إن أرسلته قال: أمسكني وإن أمسكته
قال: أرسلني.
وأنشد الرياشيّ:
كمهر سوء إذا سكّنت شرته |
|
رام الجماح فإن رفّعته سكنا |
بين عمر بن الخطاب
وسلمان بن ربيعة الباهلي في معرفة عراب الخيل
حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه قال: حدّثني الأصمعيّ عن أبي عمرو بن العلاء أن عمر ابن الخطاب شك في العتاق والهجن، فدعا سلمان بن ربيعة الباهلي فأخبره، فأمر سلمان بطست فيه ماء فوضع في الأرض ثم قدّمت الخيل إليه فرساً فرساً فما ثنى منهم سنبكه فشرب هجّنه، وما شرب ولم يثن سنبكه عرّبه. وذلك لأن في أعناق الهجن قصراً فهي لا تنال الماء على تلك الحال حتى تثني سنلبكهم ، وأعناق العتاق طوال.
لكسرى في أفراسه
وحدّثني أبو حاتم قال: حدّثنا الأصمعيّ قال: ذكروا أن كسرى كان إذا أتاه سائسه فقال: الفرس يشتكني حافره، قال: المطبخ. وإذا قال: يشتكني ظهره، قال: البيطار.
شعر النضر بن سلمة يصف الفرس
وأنشدني أبو حاتم لأبي ميمون العجليّ وهو النضر بن سلمة في شعر طويل له يصف الفرس، وقال: قرأته على أبي عبيد ة وعلى الأصمعيّ:
الخيل منّي أهل ما أن يدنـين |
|
وأن يقرّبن وأن لا يقـصـين |
|
||
وأن يبـأبـأن وأن يفـــدّين |
|
وأن يكون المحض مما يسقين |
|
||
وأهل أن يعلـيّن أو يغـالـين |
|
بالطّرف والتّلد وأن لا يجفين |
|
||
وأهل ما صحبننا أن يقـفـين |
|
وأهل ما أعقبننا أن يجـزين |
|
||
أليس عزّ الناس فـيمـا أبـلـين |
|
والحسب الزاكي إذا ما يقـنـين |
|||
والأجر والـزّين إذا ريم الـزّين |
|
كم من كريم جدّه قـد أعـلـيّن |
|||
وكم طريدٍ خائفٍ قـد أنـجـين |
|
ومن فقير عـائل قـد أغـنـين |
|||
وكم برأس في لـبـان أجـرين |
|
وجسدٍ لـلـعـافـيات أعـرين |
|||
وأهل حصنٍ ذي امتـنـاع أرذين |
|
وكم لهم في الغنم من ذي سهمين |
|||
يكون فيما اقتسموا كالرّجـلـين |
|
وكم وكم أنكحن من ذي طمرين |
|||
بغير مـهـر عـاجـل ولا دين |
|
والخيل والخيرات في قـرينـين |
|||
لاتشتكنين عـمـلاً مـا أنـقـين |
|
ما دام مخٌّ في سلامى أو عـين |
|||
ما بلّل الصوفة ماء البحرين
شعر في وصف الفرس
وأنشدني أبو حاتم عن أبي عبيد ة، قال: وقال لي أبو عبيد ة: لا أعرف قائل هذا الشعر وعروضه لا يخرّج. قال أبو حاتم: أحسبه لعبد الغفار الخزاعي:
ذاك وقد أذعـر الـوحـوشـا |
|
بصلت الخدّ رحبٍ لبانه مجفـر |
طويل خمسٍ قـصـير أربـعة |
|
عريض ست مقلّصٌ حـشـور |
حدّت له تسـعةٌ وقـد عـريت |
|
تسع ففيه لمن رأى مـنـظـر |
ثم له تـسـعة كـسـين وقـد |
|
أرحب منه اللّبان والمـنـخـر |
بعيد عشر وقـد قـربـن لـه |
|
عشر وخمس طالت ولم تقصر |
نقفيه بالمحض دون ولـدتـنـا |
|
وعـضّـه فـي آريّه ينـثـر |
نصبحه تـلـرة ونـغـبـقـه |
|
ألـبـان كـومٍ روائم أظـؤر |
حتى شـتـا بـادنـاً يقـال ألا |
|
يطوون من بدنه وقد أضـمـر |
موثّق الخلق جـرشـعٌ عـتـد |
|
منضرج الحضر حين يستحضر |
حاظي الحماتين لـحـمـه زيمٌ |
|
نهدٌ شديد الصّفـاق والأبـهـر |
رقيق خمـس غـلـيظ أربـعة |
|
نائي المعدّين لـيّن الأشـعـر |
وقد فسرت هذا الشعر في كتابي المؤلف في أبيات المعاني في خلق الفرس.
لبعض الضبيين في وصف فرس
أنشدنا أبو سعيد لبعض الضّبّيين في وصف فرس:
متقاذف عبل الشّوى شنج النّسا |
|
سبّاق أندية الجياد عمـيثـل |
وإذا تعلّل بالسّياط جـيادهـم |
|
أعطاك نائله ولم يتـعـلّـل |
شعر لعمرو بن العاص بعد انتهم ء وقعة صفين
قيل لما وضعت حرب صفّين أوزارهم قال عمرو بن العاص:
شبّت الحرب فأعددت لهـم |
|
مفرع الحارك مرويّ الثّبج |
جرشعاً أعظمه جفـرتـه |
|
فإذا ابتلّ من الماء حـرج |
يصل الشّـد بـشـدٍّ فـإذا |
|
ونت الخيل من الشدّ معج |
من كتاب للروم في علامات فراهة المهر
ووجدت في كتاب من كتب الروم أن من علامة فراهة المهر الحولي صغر رأسه وشدّة سواد عينيه، وأن يكون محدّد الأذنين أجرد باطنهم كثيف العرف، في عرفه ميل من قبل يمين راكبه. عريض الصدر مرتفع الهم دي معتدل العضدين مكتنز الجنبين طويل الذنب عريض الكفل مستدير الحوافر صحيح باطنهم. ومن علامة فراهة المهر ألا يكون نفوراً "ولا يقف عند دابة إلا مع أمّه" وإذا دفع إلى عين أو نهر ماء لم يقف لتجاوزه دابة فيسير بسيرهم ولكنه يقطع ذلك النهر والعين.
مما يسلّم اللّه به الخيل من العين
قالوا: ومما يسلم اللّه به الخيل من العين وأشباه ذلك أن يجعل في أعناقهم خرزة من قرون الأيايل.
ومثله في رقية الفرس من العين
حدّثني محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن سفيان عن حصين بن عبد الرحمن عن هلال بن إساف وعن سحيم بن نوفل قالا: كنا جلوساً عند عبد اللّه بن مسعود ونحن نعرض المصاحف، فجاءت جارية إلى سيّدهم فقالت: ما يجلسك? قم فابتغ لنا راقياً فإن فلاناُ لقع مهرك بعينه فتركته يدور كأنه فلك. فقال عبد اللّه: لا تبتغ راقياً ولكن أذهب فآنفث في منخره الأيمن أربعاً وفي الأيسر ثلاثاً، ثم قل: بسم اللّه لا باس لاباس أذهب الباس رب النّاس وآشف أنت الشافي لا يكشف الضراء إلا أنت. قال: فما قمنا حتى جاء الرجل فقال: قد فعلت الذي أمرتني به فبال وراث وأكل.
في مداواة الفرس من بعض العلل
حدّثني أبو حاتم عن أبي عبيد ة أنه قال: إذا كان الفرس صلودا لا يعرق سقيته ماء قد
دفت فيه خميرة أو علفته ضغثا من هندباء فإن ذلك يكثر عرقه، فإن حمر أدخلته الحمّام
وأشمه عذرةً. فقلت لأبي عبيد ة: ما يدريك أن هذا كذا? فقال: خبرني به جلّ الهنديّ
وكان بصيراً. قال: فإن أصابته مغلةٌ وهي وجع البطن من أكل التراب أخذ له شيء من
بورقٍ فدقّ ونخل فجعل في ربع دورق من خمر فحقن به وبلّ تراب طيّب ببول أتان حتى
يصير طيناً ثم لطخ به بطن الدابة.
قال: ومما يذهب العرن دماغ الأرنب.
للهيثم بن مطهّر على باب الخيزران
وقف الهيثم بن مطهّر على باب الخيزران على ظهر دابته، فبعث إليه الكاتب في دارهم: آنزل عن ظهر دابتكن فقد جاء في الأثر: لا تجعلوا ظهور دوابّكم مجالس. فبعث إليه: إني رجل أعرج وإن خرج صاحبي خفت ألاّ أدركه. فبعث إليه: إن لم تنزل أنزلناك. قال: هو حبيس إن أنزلتني عنه إن أقضمته شهراً فانظر أيّما خير له، راحةٌ ساعة أو جوع شهر? فقال: هذا شيطان، آتركوه.
باب البغال والحمير
لمسلمة في البغال
قال
مسلمة: ما ركب الناس مثل بغلة قصيرة العذار طويلة العنان.
وكتب رجل إلى وكيله: آبغني بغلة حصّاء الذنب طويلة العنق سوطهم عنانهم وهواهم
أمامهم .
بين الفضل بن الربيع وبعض بني هم شم في ركوب البغلة
عاتب
الفضل بن الربيع بعض بني هم شم في ركوبه بغلة، فقال له: هذا مركب تطأطأ عن خيلاء
الخيل ولآرتفع عن ذلّة الحمار وخير الأمور أوساطهم .
حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: أخبرنا أبو عمرو بن العلاء، قال: دفع أبو سيّارة
بأهل المزدلفة أربعين سنة على حمار لايعتلّ، فقال العرب: " أصح من عير أبي
سيّارة".
إيثار الفضل الرقاشي ركوب الحمير على سواهم
قال رجل للفضل الرّقاشي وهو جدّ معتمر لأمّه: إنك لتؤثر الحمير على جميع المركوب، فلم ذلك? قال: لأنهم أكثرهم مرفقا. قال: وما ذاك? قال: لاتستبدل بالمكان على قدر اختلاف الزمان، ثم هي أقلهم داء وأيسرهم دواء وأسلم صريعا وأسهل تصريفاً وأخفض مهوىً وأقل جماحاً وأشهر فارهم وأقل نصيرا ويزهى راكبه وقد تواضع بركوبه، ويكون مقتصداً وقد أسرف في ثمنه.
لخالد بن صفوان في وصف حمار
وقال خالد بن صفوان في وصف حمار: قد أركبه عيرا من بنات الكداد أصحر السّربال محملج القوائم يحمل الرّجلة ويبلغ العقبة ويمنعني أن أكون جبّاراً عنيداً.
لرجل يطلب حماراً
وقال رجل لنخّاسٍ: اطلب لي حماراً ليس بالكبير المشتهر ولا القصير المحتقر ولا يقدم تقحّماً ولا يحجم تبلّداً، يتجنب بي الزحام والرّجام والإكام. خفيف اللجام إذا ركبته هم م وإذا ركبه غيري قام، إن علفته شكر، وإن أجعته صبر. فقال له النخاس: إن مسخ اللّه القاضي زياداً حماراً رجوت أن أصيب لك حاجتكن إن شاء اللّه.
لرجل يوصي رجلاً
وقال
رجل لآخر يوصيه: خذ من الحمار شكره وصبره ومن الكلب نصحه لأهله ومن الغراب كتمانه
للسّفاد.
جرير بن عبد اللّه عن أبيه قال: لا تركب حماراً فإنه إن كان فارهم أتعب يديك وإن
كان بليداً أتعب رجليك.
باب في الإبل
الهيثم قال: قال ابن عياش: لا تشتر خمسة من خمسة: لاتشتر فرساً من أسديّ ولا جملاً من نهديّ ولا عيراً من تميمي ولا عبد اً من بجلي. ونسى الهيثم الخامس، يريد أن أهل هذه القبائل عظام الجدود في هذه الأشياء.
لبني عبس في الإبل
قيل لبني عبس: أيّ الإبل أصبر عليكم في محاربتكنم? قال: الرّمك الجعاد. قيل: فأيّ الخيل وجدتم أصبر? قالوا: الكمت الحوّ. قيل: فأيّ النساء وجدتم أصبر? قالوا: بنات العم.
بين شبّة بن عقال ورجل من أهل اليمن
المدائني قال: قال شبّة بن عقال: أقبلت من اليمن أريد مكة وخفت أن يفوتني الحج،
ومعي ثلاث أجمال فمررت برجل من أهل اليمن على ناقة له فطويته فلما جزته قام بي
بعير لي ثم آخر ثم قام الآخر فظننت أن الحج يفوتني فمرّ بي اليماني فقال: مررت بنا
ولم تسلّم ولم تعرّض. فقلت: أجل يرحمك اللّه. قال: أتطيب نفساً عما أرى? قلت: نعم.
فنزل فأرخى أنساع رحله ثم قدّمه فكاد يضعه على عنقهم ثم شدّه وقال لي: لولا أنك لا
تضبط رأسهم لقدّمتكن. ثم قال لي: خذ حرّ متاعك إن لم تطب نفساً به. ففعلت، ثم
ارتدفت، فجعلت تعوم عوماً ثم انسلّت كأنهم ثعبان يسيل سيلاً كالماء فما شعرت حتر
أراني الأعلام وقال: أتسمع? فسمعت أصوات الناس لإإذا نحن بجمع، فقضيت حجّتي، وكان
قال لي: حاجتي إليك ألاّ تذكر هذا فإن هذه عندي أثر من ولاية العروض، يعني مكة
والمدينة، أدرك عليهم الثأر وهي ثمال العيال وأصيد عليهم الوحش وأوافي عليهم
الموسم في كل عام من صنعاء في أقل من غبّ الحمار. فساللّه: من أين هي? قال:
بجاويّة من هوامي نتاج "بدو" بجبيلة الأولى وهي من المهم رى التي يذكر
الناس.
في جمل سامه عامل سليمان بن عبد الملك
" وكتب سليمان بن عبد الملك إلى عامله: أصب لي نجائب كراماً. فقدم رجل على جمل سباعيٍّ عظيم الهم مة له خلق لم يروا مثله قطّ فساموا، فقال: لاأبيعه. قالوا: لا ندعك ولا نغصبك ولكنا نكتب إلى أمير المؤمنين بسببه. قال: فهلا خيرا من هذا? قالوا: ما هو? قال: معكم نجائب كرام وخيل سابقة، فدعوني أركب جملي وأبعثه واتبعوني فإن لحقتموني فهو لكم بغير ثمن. قالوا: نعم. فدنا منه فصاح في أذنه ثم أثاره فوثب وثبة شديدة فكبا ثم انبعث واتبعوه فلم يدروا كيف أخذ، ولم يروا له أثراً فجعل أهل اليمن علما على وثبته يقال له: الكفلان".
أخبار الجبناء
بين عبيد اللّه بن زياد ورجل أرسله
لحرب الخوارج ففرّ منهم، وشعر لخارجيّ حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه عن عمه الأصمعيّ قال: أرسل عبيد اللّه بن زياد رجلاً في ألفين إلى مرداس بن أديّة وهو في أربعين فهزمه مرداس فعنّفه ابن زياد وأغلظ له فقال: يشتمني الأمير وأنا حي أحبّ إليّ من أن يدعو لي وأنا ميت. فقال شاعر الخوارج:
أألفا مؤمن منكم زعمـتـم |
|
ويهزمهم بآسك أربعـونـا |
كذبتم ليس ذلكـم كـذاكـم |
|
ولكن الخوارج مؤمنونـا |
هم الفئة القليلة قد علمتـم |
|
على الفئة الكثيرة ينصرونا |
للنبي
حدّثني محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن عون عن الحسن قال: قال النبي: "ما التقت فئتان قطّ إلاّ وكفّ اللّه بينهما فإذا أراد أن يهزم إحدى الطائفتين أمال كفّه عليهم ".
لمعاوية
" ورفع معاوية ثندوته وقال: لقد علم الناس أن الخيل لا تجري بمثلي، فكيف قال النجاشي:
ونجّى ابن حرب سابقٌ ذو علالة |
|
أجشّ هزيمٌ والرماح دوانـي " |
بين عمرو بن العاص ومعاوية
ابن دأب قال: قال عمرو بن العاص لمعاوية: لقد أعياني أن أعلم أجبان أنت أم شجاع? فقال:
شجاع إذا ما أمكنتني فرصة |
|
وإلاّ تكن لي فرصة فجبان |
شعر لأبي دلامة في حب الموت
شهد أبو دلامة حرباً مع روح بن حاتم فقال له: تقدّم فقاتل. فقال:
إني أعوذ بروح أن يقدّمـنـي |
|
إلى القتال فتخزى بي بنو أسد |
إن المهلب حبّ الموت ورّثكـم |
|
ولم أورّث حبّ الموت عن أحد |
لعليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه في ذم ابن النابغة
أبو المنذر قال: حدّثنا زيد بن وهب قال: قال لي عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه: عجباً لابن النابغة! يزعم أني تلعابة أعافس وأمارس! أما وشرّ القول أكذبه، إنهخ يسأل فيلحف ويسأل فيبخل، فإذا كان عند البأس فإنه آمرؤ زاجر ما لم تأخذ السيوف مأخذهم من هم م القوم، فإذا كان كذلك كان أكبر همّه أن يبرقط ويمنح الناس آسته. قبحه اللّه وترحه.
شعر للفرّار السّلمي وغيره في ذمّ الشجاعة وتحسين الفرار
وقال الفرّار السّلمي:
وكتيبة لبّسـتـهـم بـكـتـيبة |
|
حتى إذا التبست نفضت بهم يدي |
|
||
وتركتهم تقص الرماح ظهورهم |
|
من بين منجدل وآخر مسـنـد |
|
||
ما كان ينفعني مقال نسائهم |
|
وقتلت دون رجالهم: لاتبعد |
|||
وقال آخر:
أضحت تشجعني هند وقد علـمـت |
|
أن الشجاعة مقرون بهم العـطـب |
لا والذي حجت الأنصار كعـبـتـه |
|
ما يشتهي الموت عندي من له أرب |
للحرب قوم أضل اللّـه سـعـيهـم |
|
إذا دعتهم إلى حوبـائهـم وثـبـوا |
ولست منهم ولا أبغي فـعـالـهـم |
|
لا القتل يعجبني منهم ولا السّـلـب |
وقال أيمن بن خريم:
إن للفتنة مـيطـا بـينـا |
|
فرويد الميط منهم يعتدل |
فإذا كان عطاء فـأتـهـم |
|
وإذا كان قتال فاعتـزل |
إنما يسعرهم جهم لـهـم |
|
حطب النار فدعهم تشتعل |
وقال آخر:
كملقي الأعنة من كفّه |
|
وقاد الجياد بأذنابهـم |
لجران العود في الدهش
وقال جران العود في الدهش:
يوم ارتحلت برحلي قبل تودعتـي |
|
والقلب مستوهلٌ بالبين مشغـول |
ثم اعتضضت على نضوي لأدفعه |
|
إثر الحمول الغوادى وهو معقول |
مثله لخالد بن عبد اللّه
كان خالد بن عبد اللّه من الجبناء خرج عليه المغيرة بن سعيد صاحب المغيريّة " من الرافضة " وهو من بجيلة فقال من الدهش: أطعموني ماء. فذكّره بعضهم فقال:
عاد الظلوم ظليما حين جـدّ بـه |
|
واستطعم الماء لما جدّ في الهرب |
لعبيد اللّه بن زياد في الدهش
وقال عبيد اللّه بن زياد إما للكنة فيه أو لجبن أو دهشة: افتحوا سيوفكم.
شعر لابن مفرّغ الحميري
وقال ابن مفرّغ الحميري:
ويوم فتحت سيفك من بعـيد |
|
أضعت وكلّ أمرك للضياع |
شعر كان يتمثل به معاوية
وكان معاوية يتمثل بهذين البيتين كثيراً:
أكان الجـبـان يرى أنـه |
|
سيقتل قبل انقضاء الأجل |
فقد تدرك الحادثات الجبان |
|
ويسلم منهم الشجاع البطل |
لخالد بن الوليد في ذم الجبن
وقال خالد بن الوليد: لقد لقيت كذا وكذا زحفاً وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه طعنة أو ضربة أو رمية ثم هم أنا أموت على فراشي حتف أنفي، فلا نامت أعين الجبناء.
لأعرابي في كراهية الغزو
" قيل لأعرابي: ألا تغزو فإن اللّه قد أنذرك. قال: واللّه إني لأبغض الموت على فراشي فكيف أمضي إليه ركضاً " وقال قرواش بن حوط وذكر رجلين:
ضبعا مجاهرة وليثاً هدنة |
|
وثعيلبا خمر إذا ما أظلما |
شعر لعبد الملك بن مروان في جبن عبد اللّه بن خالد
وقال عبد الملك بن مروان في أمية بن عبد اللّه بن خالد:
إذا صوّت العصفور طار فؤاده |
|
وليثٌ حديد الناب عند الثـرائد |
ونحوه قول الآخر:
ولو أنهم عصفورة لحسبتهم |
|
مسوّمة تدعو عبيد اً وأزنما |
لبعض الشطار في الجبان
وقال
اللّه عز وجل " يحسبون كلّ صيحةٍ عليهم ".
ومن أشعار الشّطّار في الجبان:
رأى في النوم إنسانا |
|
فوارى نفسه أشهر |
لابن المقفع في الجبن
قال ابن المقفع: الجبن مقتلة والحرص محرمة فانظر " فيما رأيت وسمعت": من قتل في الحرب مقبلاً أكثر أم من قتل مدبراً? وانظر من يطلب إليك بالإجمال والتكنرم أحقّ أن تسخو نفسك له بالعطية أم من يطلب إليك بالشره والحرص?
شعر لحنش بن عمرو
وقال حنش بن عمرو:
وأنتم سماء يعجب الـنـاس رزّهـم |
|
لهـم زجـلٌ بـاق شـديدٌ وئيدهـم |
تقطّع أطناب البـيوت بـحـاصـبٍ |
|
وأكذب شيء برقهـم ورعـودهـم |
فويلمّهم خيلاً تهـم وى شـرارهـم |
|
إذا لاقت الأعداء لولا صـدودهـم |
للفرزدق أو البعيث في هجاء سليط |
|
|
وقال الفرزدق أو البعيث:
سائل سليطاً إذا ما الحرب أفزعهم |
|
ما بال خيلكم قعسـاً هـواديهـم |
لا يرفعون إلى داعٍ أعـنّـتـهـم |
|
وفي جواشنهم داء يجـافـيهـم |
قصة أبو الأغرّ النهشلي مع الكلب
كان بالبصرة شيخ من بني نهشل يقال له عروة بن مرثد ويكنى أبا الأغرّ ينزل ببني أخت
له في سكة بني مازن، وبنو أخته من قريش، فخرج رجالهم إلى ضياعهم في شهر رمضان وخرج
النساء يصلين في مسجدهم فلم يبق في الدار إلا الإماء فدخل كلب يعتسّ فرأى بيتاً
فدخله وانصفق الباب فسمع الحركة بعض الإماء فظنوا أن لصاً دخل الدار فذهبت إحداهنّ
إلى أبي الأغر فأخبرته، فقال أبو الأغر: ما يبتغي اللص? ثم أخذ عصاه وجاء. فوقف
على باب البيت وقال: إيه يا ملأمان، أما واللّه إنك بي لعارف فهل أنت إلا من لصوص
بني مازن شربت حامضاً خبيثاً حتى إذا دارت القروح في رأسك منّتكن نفسك الأماني
وقلت: أطرق ديار بني عمرو والرجال خلوف والنساء يصلين في مسجدهم فأسرقهم. سوءةً
لك، واللّه ما يفعل هذا ولد الأحرار، وآيم اللّه لتخرجن أو لأهتفنّ هتفة مشؤومة
يلتقي فيهم الحيّان عمرو وحنظلة وتجيء سعدٌ بعدد الحصى ويسيل عليك الرجال من هم
هنا ومن هم هنا ولئن فعلت لتكوننّ أشأم مولود. فلما رأى أنه لا يجيبه أحد أخذ
باللين فقال: اخرج بأبي وأمي، أنت مستور، إني واللّه ما أراك تعرفني ولو عرفتني
لقنعت بقولي واطمأننت إليّ. أنا - فديتكن - أبو الأغر النّهشلي، وأنا خال القوم
وجلّدة بين أعينهم لا يعصونني، ولن تضارّ الليلة فآخرج فأنت في ذمتي وعندي
قوصرّتان أهداهما إليّ ابن أختي البارّ الوصول فخذ إحداهما فانتبذهم حلالاً من
اللّه ورسوله. وكان الكلب إذا سمع الكلام أطرق وإذا سكت وثب يريغ المخرج، فتهم فت
أبو الأغرّ ثم تضاحك وقال: يا ألأم الناس وأوضعهم، لا أرى إلا أني لك الليلة في
واد وأنت لي في واد، أقلّب السوداء والبيضاء فتصيخ وتطرق، وإذا سكتّ عنك وثبت تريغ
المخرج، واللّه لتخرجنّ أو لألجنّ عليك البيت. فلما طال وقوفه جاءت إحدى الإماء
فقالت: أعرابي مجنون، واللّه ما أرى في البيت شيئاً. فدفعت الباب فخرج الكلب شدّاً
وحاد عنه أبو الأغر ساقطاً على قفاه، ثم قال: يا اللّه ما رأيت كالليلة! واللّه ما
أراه إلا كلباً، أما واللّه لو علمت بحاله لولجت عليه.
ومثله قصة أبي حية النميري
وشبيه بهذا حديث لأبي حية النّميري، وكان له سيف ليس بينه وبين الخشبة فرق، وكان يسميه لعاب المنية. قال جار له: أشرفت عليه ليلة وقد آنتضاه وشمّر وهو يقول: أيهم المغترّ بنا والمجترىء عليّنا، بئس واللّه ما اخترت لنفسك، خير قليل وسيف صقيل، لعاب المنية الذي سمعت به، مشهور ضربته لا تخاف نبوته. آخرج بالعفو عنك وإلا دخلت بالعقوبة عليك، إني واللّه إن أدع قيساً تملأ الأرض خيلاً ورجلا. يا سبحان اللّه، ما أكثرهم وأطيبهم ! ثم فتح الباب فإذا كلب قد خرج، فقال: الحمد اللّه الذي مسخك كلبا وكفاني حربا.
من كتاب كليلة ودمنة
وقرأت في كتاب كليلة ودمنة: يخاف غير المخوف طائر يرفع رجليه خشية السماء أن تسقط، وطائر يقوم على إحدى رجليه حذار الخسف إن قام عليهما، ودودة تأكل التراب فلا تشبع خوفاً أن يفنى إن شبعت فتجوع، والخفافيش تستتر بالنهم ر حذار أن تصطاد لحسنهم .
بين عبيد اللّه بن زياد وعبد اللّه بن خازم
السّلمي في خوفه من جرذ
بينا عبد اللّه بن خازم السّلمي عند عبيد اللّه بن زياد إذ دخل عليه بجرذ أبيض فعجب منه وقال: يا أبا صالح، هل رأيت أعجب من هذا? وإذا عبد اللّه قد تضاءل حتى صار كأنّه فرخ وآصفرّ حتى كأنه جرادةٌ ذكر. فقال عبيد اللّه: أبو صالح يعصى الرحمن ويتهم ون بالشيطان ويقبض على الثعبان ويمشي إلى الأسد الورد ويلقى الرماح بوجهه قد اعتراه من هذا الجرذ ما ترون! إن اللّه على كل شيء قدير!
لحسان بن ثابت يعيّر الحارث بن هشام بفراره يوم بدر
كان الحارث بن هشام أخو أبي جهل بن هشام شهد بدراً مع المشركين وانهزم، فقال فيه حسان:
إن كنت كاذبة الذي حدّثـتـنـي |
|
فنجوت منجى الحارث بن هشام |
ترك الأحبّة لم يقاتـل دونـهـم |
|
ونجا برأس طمـرّةٍ ولـجـام |
وللحارث يعتذر عن فراره
فاعتذر الحارث من فراره وقال:
اللّه يعلم ما تركت قتـالـهـم |
|
حتى علوا فرسي بأشقر مزبد |
وعلمت أني إن أقاتـل واحـداً |
|
أقتل ولا يضرر عدوي مشهدي |
فصددت عنهم والأحبة فـيهـم |
|
طمعاً لهم بعقاب يوم مفـسـد |
وأسلم يوم فتح مكة وحسن إسلامه، وخرج في زمن عمر من مكة إلى الشام بأهله وماله،
فاتبعه أهل مكة يبكون، فرقّ وبكى ثم قال: أما إنا لو كنا نستبدل داراً بدارنا
وجاراً بجارنا ما أردنا بكم بدلاً، ولكنهم النّقلة إلى اللّه. فلم يزل هنالك
مجاهداً حتى مات.
بين معاوية وعمرو بن العاص
المدائني قال: رأى عمرو بن العاص معاوية يوماً يضحك فقال له: مم تضحك يا أمير المؤمنين أضحك اللّه سنّك? قال: أضحك من حضور ذهنك عند إبدائك سوءتكن يوم ابن أبي طالب، أما واللّه لقد وافقته منّاناً كريماً، ولو شاء أن يقتلك لقتلك. قال عمرو: يا أمير المؤمنين أما واللّه إني لعن يمينك حين دعاك إلى البراز فاحولّت عيناك وربا سحرك وبدا منك ما أكره ذكره لك فمن نفسك فاضحك أو دع.
بين الوليد بن عبد الملك وأم البنين بنت
عبد العزيز بن مروان، وبينهم وبين الحجاج
وقدم الحجاج على الوليد بن عبد الملك فدخل وعليه درع وعمامة سوداء وقوس عربية وكنانة، فبعثت إليه أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان فقالت: من هذا الأعرابي المستلئم في السلاح عندك وأنت في غلالة? فبعث إليهم أنه الحجاج، فأعادت الرسول إليه، فقال: تقول لك: واللّه لأن يخلو بك ملك الموت أحياناً أحبّ إليّ من أن يخلو بك الحجاج. فأخبره بذلك الوليد وهو يمازحه، فقال: يا أمير المؤمنين، دع عنك مفاكهة النساء بزخرف القول فإنما المرأة ريحانة وليست قهرمانةً فلا تطلعهم على سرك ومكايدة عدوّك. فلما دخل الوليد أخبرهم بمقالة الحجاج فقالت: يا أمير المؤمنين حاجتي أن تأمره غداً بأن يأتيني مستلئماً، ففعل ذلك وأتاهم الحجاج فحجبته فلم يزل قائماً، ثم قالت: "إيه يا حجاج، أنت الممتنّ على أمير المؤمنين بقتال ابن الزبير وابن الأشعث، أما واللّه لولا أن اللّه علم أنك شر خلقه ما ابتلاك برمي الكعبة الحرام ولا بقتل ابن ذات النّطاقين أول مولود ولد في الإسلام، وأما نهيك أمير المؤمنين عن مفاكهة النساء وبلوغ لذّاته وأوطاره فإن كنّ ينفرجن عن مثله فغير قابل لقولك، أما واللّه لقد نفض نساء أمير المؤمنين الطّيب من غدائرهن فبعنه في أعطية أهم الشأم حين كنت في أضيق من القرن قد أظلتكن رماحهم وأثخنك كفاحهم وحين كان أمير المؤمنين أحب إليهم من أبائهم وابنائهم فأنجاك اللّه من عدوّ أمير المؤمنين بحبهم إياه، قاتل اللّه القائل حين نظر إليك وسنان غزالة بين كتفيك:
أسد عليّ وفي الحروب نـعـامة |
|
فتخاء تنفر من صفيرالصـافـر |
هلا كررت على غزالة في الوغى |
|
بل كان قلبك في جوانـح طـائر |
وغزالة امرأة شبيب الخارجي. ثم قالت: آخرج، فخرج.
إقدام ليثيّ بعد جبنه
وكان في بني ليث رجل جبان بخيل فخرج رهطه غازين وبلغ ذلك ناساً من بني سليم وكانوا أعداء لهم فلم يشعر الرجل إلا بخيل قد أحاطت بهم فذهب يفرّ فلم يجد مفرّاً، ووجدهم قد أخذوا عليه كل وجه فلما رأى ذلك جلس ثم نثل كنانته وأخذ قوسه وقال:
ما علّتي وأنا جلد نـابـل |
|
والقوس من نبع لهم بلابل |
يرزّ فيهم وترٌ عـنـابـل |
|
إن لم أقاتلكم فأمّي هم بل |
أكلّ يوم أنا عنكم نـاكـل |
|
لا أطعم القوم ولا أقاتـل |
الموت حقٌ والحياة باطل ثم جعل يرميهم حتى ردّهم، وجاءهم الصريخ وقد منع الحيّ، فصار بعد ذلك شجاعاً سمحاً معروفاً.
احتيال أهل الكوفة في إخراج روح بن زنباع عنهم لبخله
ولما قتل عبد الملك مصعب بن الزبير وجّه أخاه بشر بن مروان على الكوفة ووجّه معه روح بن زنباع الجذامي كالوزير، وكان روح رجلاً علماً داهية غير أنه كان من أجبن الناس وأبخلهم، فلما رأى أهل الكوفة من بخله ما رأوا تخوّفوا أن يفسد عليهم أمرهم وكانوا قد عرفوا جبنه فاحتالوا في إخراجه عنهم فكتبوا ليلاً على بابه:
إنّ ابن مروان قد حانت منيّتـه |
|
فاحتل لنفسك يا روح بن زنباع |
فلما أصبح ورألى ذلك لم يشكّ أنه مقتول فدخل على بشر فاستأذنه في الشخوص فأذن له وخرج حتى قدم على عبد الملك فقال له: ما أقدمك? قال: يا أمير المؤمنين تركت أخاك مقتولاً أو مخلوعاً. قال: كيف عرفت ذلك? فأخبره الخبر فضحك عبد الملك حتى فحص برجليه، ثم قال: احتال لك أهل الكوفة حتى أخرجوك عنهم. خيل لأمية بن عبد اللّه جيء بهم إلى الحجاج
كان أميّة بن عبد اللّه بن خالد بن أسيد وجّه إلى أبي فديك فانهزم وأتي الحجاج بدوابّ من دوابّ أمية قد وسم على أفخاذهم " عدّة " فأمر الحجاج فكتب تحت ذلك: "للفرار".
لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه في الشجاعة والجبن
"
وقال عمر رضي اللّه عنه: إن الشجاعة والجبن غرائز في الرجال، تجد الرجل يقاتل كمن
لا يبالي ألا يؤوب إلى أهله، وتجد الرجل يفرّ عن أبيه وأمه، وتجد الرجل يقاتل
ابتغاء وجه اللّه فذلك هو الشهيد".
وقال الشاعر:
يفرّ الجبـان عـن أبـيه وأمّـه |
|
ويحمي شجاع القوم من لا يناسبه |
باب من أخبار الشجعاء والفرسان وأشعارهم
للحرسي في الشجاعة والجبن
حدّثني أبو حاتم قال: حدّثني الأصمعيّ قال: سمعت الحرسيّ يقول: رأيت من الجبن والشجاعة عجباً. استثرنا من مزرعة في بلاد الشأم رجلين يذريان حنطة، أحدهما أصيفر أحيمس، والآخر مثل الجمل عظما، فقاتلنا الأصيفر بالمذرى لا تدنو منه دابة إلاّ نخس أنفهم وضربهم حتى شقّ عليّنا فقتل، ولم نصل إلى الآخر حتى مات فرقا فأمرت بهما فبقرت بطونهما فإذا فؤاد الضخم يابس مثل الحشفة، وإذا فؤاد الأصيفر مثل فؤاد الجمل يتخضخض في مثل كوز من ماء.
حديث صاحب النقب
وحدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: حدّثنا أبو عمرو الصّفّار قال: حاصر مسلمة حصنا فندب الناس إلى نقب منه، فما دخله أحد. فجاء رجل من عرض الجيش فدخله ففتحه اللّه عليهم، فنادى مسلمة: أين صاحب النقب? فما جاءه أحد، فنادى: إني قد أمرت الآذن بإدخاله ساعة يأتي، فعزمت عليه إلاّ جاء. فجاء رجل فقال: استأذن لي على الأمير. فقال له: أنت صاحب النقب? قال: أ،ا أخبركم عنه. فأتنى مسلمة فأخبره عنه، فأذن له فقال له: إن صاحب النقب يأخذ عليكم ثلاثاً: ألاّ تسوّدوا اسمه في صحيفة " إلى الخليفة " ولا تأمروا له بشيء، ولا تسألوه ممن هو. قال: فذاك له. قال: أنا هو. فكان مسلمة لا يصلي بعدهم صلاة إلا قال: اللهم اجعلني مع صاحب النقب.
كتاب كسرى أنوشروان إلى مرازبته
حدّثني محمد بن عمرو الجرجاني قال: كتب أنوشروان إلى مرازبته: عليكم بأهل الشجاعة والسخاء فإنهم أهل حسن الظن باللّه تعالى.
وصف أعرابي لقوم تحاربوا
وذكر
أعرابي قوماً تحاربوا فقال: أقبلت الفحول تمشي مشي الوعول، فلما تصافحوا بالسيوف
فغرت المنايا أفواههم .
وذكر آخر قوماً اتبعوا قوماً أغاروا عليهم فقال: آحتثّوا كلّ جمالية عيرانةٍ فما
زالوا يخصفون أخفاف المطيّ بحوافر الخيل حتى أدركوهم بعد ثالثة فجعلوا المرّان
أرشية الموت وآستقوا بهم أرواحهم.
بين رجل من العرب وقطري بن الفجاءة
حدّثني عبد الحمن عن عمه عن رجل من العرب قال: انهزمنا من قطريّ وأصحابه فأدركني رجل على فرس فسمعت حسّاً منكراً خلفي، فالتفتّ فإذا أنا بقطري فيئست من الحياة فلما عرفني قال: آشددعنانهم وأوجع خاصرتهم قطع اللّه يديك. قال: ففعلت فنجوت منه.
في شجاعة شبيب
وحدّثني عبد الرحمن عن عمه قال: لما غرق شبيب " قالت آمرأة: الغرق يا أمير المؤمنين، قال: "ذلك تقدير العزيز العليّمقال: فأخرج فشقّ بطنه وأخرج فؤاده فإذا مثل الكوز، فجعلوا يضربون به الأرض فينزو.
وعلة الجرمي وأبو عمرو بن العلاء في يوم الكلاب
حدّثنا الرياشيّ قال: حدّثنا الأصمعيّ قال: أخبرنا صاحب لنا عن أبي عمرو بن العلاء قال: لما كان يوم الكلاب خرج رجل من بني تميم، أحسبه قال: سعديٌّ، فقال: لو طلبت رجلاً له فداءٌ! قال: فخرجت أطلبه، فإذا رجل عليه مقطّعة يمانية على فرس ذنوب، فقلت له: على يمينك. قال: على يساري أقصد لي. قلت: أيهم ت منك اليمن. قال: العراق مني أبعد. قلت: وتاللّه لا ترى أهلك العام. قال: لاو اللّه ولا أهلك لا أراهم. قال: فتركته ولما كان بعد أيام ونعتّ نعته بعد ذلك فقيل لي: هو وعلة الجرمي.
من شجاعة الأحنف بن قيس
حدّثنا محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن هشام عن محمد بن سيرين
قال: بعث عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه الأحنف بن قيس على جيش قبل خراسان فبيّتهم
العدوّ ليلاً وفرّقوا جيوشهم أربع فرق وأقبلوا معهم الطبل ففزع الناس وكان أوّل من
ركب الأحنف فأخذ سيفه وتقلّده ثم مضى نحو الصوت وهو يقول:
إن على كل رئيس حـقّـا |
|
أن يخضب الصّعدة أو تندقّا |
ثم حمل على صاحب الطبل فقتله، فلما فقد أصحاب الطبل الصوت انهزموا. ثم حمل على الكردوس الآخر ففعل مثل ذلك وهو وحده، ثم جاء الناس وقد انهزم العدوّ فاتبعوهم يقتلونهم، ثم مضوا حتى فتحوا مدينة يقال لهم مرو الرّوذ.
ومن شجاعة عبد اللّه بن خازم وقت قتله
سأل ابن هبيرة عن مقتل عبد اللّه بن خازم، فقال رجل ممن حضر: سألنا وكيع ابن الدّورقية: كيف قتلته? قال: غلبته بفضل فتاء كان لي عليه فصرعته وجلست على صدره وقلت له: يا لثارات دويلة. يعني أخاه من أبيه. فقال من تحتي: قتلك اللّه! تقتل كبش مضر بأخيك وهو لا يساوي كفّ نوى! ثم تنخّم فملأ وجهي نخامة. فقال ابن هبيرة: هذه واللّه البسالة! استدلّ عليهم بكثرة الريق في ذلك الوقت.
من بسالة مسلمة
قال هشام لمسلمة: يا أبا سعيد هل دخلك ذعر قطّ لحرب " أو عدوّ "? قال: ما سلمت في ذلك من ذعر ينبّه على حيلة ولم يغشني فيهم ذعر سلبني رأيي. قال هشام: هذه البسالة.
رهم بن حزم الهلالي وجماعة من بني تغلب
خرج رهم بن حزم الهلاليّ ومعه أهله وماله يريد النّقلة من بلد إلى بلد فلقيه ثلاثون رجلاً من بني تغلب فعرفهم، فقال: يا بني تغلب، شأنكم بالمال وخلّوا الظعينة. فقالوا: رضينا إن ألقيت الرمح. قال: وإن رمحي لمعي!! وحمل عليهم فقتل منهم رجلاً وصرع آخر وقال:
ردّا على آخرهم الأتاليا |
|
إن لهم بالمشرفيّ حاديا |
ذكّرتني الطعن وكنت ناسيا
للزبيري في شجاعة عبد اللّه بن خازم السلمي
وقطري بن فجاءة
قال الزّبيري: ما آستحيا شجاع أن يفرّ من عبد اللّه بن خازم السّلمي وقطريّ بن فجاءة.
شعر لحبيب بن عوف العبد ي
أبو اليقظان قال: كان حبيب بن عوف العبد ي فاتكنا، فلقي رجلاً من أهل الشأم قد بعثه زياد ومعه ستون ألفاً يتّجر بهم فسايره، فلما وجد غفلة قتله وأخذ المال فقال يوماً وهو يشرب "على لذته":
يا صاحبي أقلاّ اللوم والـعـذلا |
|
ولا تقولا لشيء فات ما فعـلا |
ردّا عليّ كميت اللون صـافـية |
|
إني لقيت بأرض خاليا رجـلا |
ضخم الفرائص لو أبصرت قمّته |
|
وسط الرجال إذن شبهته جملا |
ضاحكته ساعة طوراً وقلت لـه |
|
أنفقت بيعك إن ريثا وإن عجلا |
سايرته ساعة ما بي مخافـتـه |
|
ألا التلفّت حولي هل أرى دغلا |
غادرته بين آجـامٍ ومـسـبـعة |
|
ولم يدر غيري بعد ما فـعـلا |
يدعو زياداً وقد حانت مـنـيّتـه |
|
ولا زياد لمن قد وافق الأجـلا |
فصل في شجاعة سليك بن سلكة
المفضّل الضّبّي: كان سليك بن سلكة التميمي من أشدّ فرسان العرب وأذكرهم وأدلّ
الناس بالأرض وأجودهم عدوا على رجليه لا تعلق به الخيل وكانت أمّه سوداء وكان
يقول: اللهم إنك تهيء ما شئت لما شئت إذا شئت، اللهم إني لو كنت ضعيفاً كنت عبد اً
ولو كنت امرأة كنت أمة، اللهم إني أعوذ بك من الخيبة، فأما الهيبة فلا هيبة. وأملق
حتى لم يبق له شيء، فخرج على رجليه رجاء أن يصيب غرّة من بعض من يمرّ عليه فيذهب
بإبله، حتى إذا أمسى في ليلة باردة مقمرة واشتمل الصّمّاء ونام إذا هو برجل قد جثم
على صدره وقال: آستأسر. فرفع سليك رأسه وقال: "إن الليل طويل وأنت مقمر"
فجرى مثلاً، وجعل الرجل يلهزه ويقول: آستأسر يا خبيث. فلما آذاه ضمّه إليه ضمّةً
ضرط منهم وهو رفوقه، فقال له سليك: "أضرطاً وأنت الأعلى" فجرى مثلاً، ثم
قال له: ما أنت? قال: أنا رجل افتقرت، فقلت: لأخرجنّ ولا أرجع حتى أستغني. قال: فانطلق
معي. فمضيا فوجدا رجلاً قصته مثل قصتهما، فأتوا جوف مراد وهو واد باليمن فإذا فيه
نعم كثيرة، فقال لهما سليك: كونا قريباً حتى آتي الرّعاء وأعلم لكما علم الحي
أقريب هو أم بعيد، فإن كانوا قريباً رجعت اليكما، وإن كانوا بعيداً قلت لكما قولاً
أحي به لكما فأغيرا. فانطلق حتى أتى الرعاء، فجعل يستنطقهم حتى أخبروه بمكان الحي
فإذا هم بعيد، فقال لهم سليك: ألا أغنّيكم? قالوا: بلى. فتغنّى بأعلى صوته ليسمع
صاحبيه:
يا صاحبيّ ألا لا حيّ بالوادي |
|
إلا عـبـيد وآمٌ بـين أذواد |
أتنظران قليلاً ريث غفلتهـم |
|
أم تعدوان فإن الربح للعادي |
فلما سمعا ذلك أتيا السليك فأطردوا الإبل وذهبوا بهم .
شدة عدو سليك حتى في كبره
حدّثني سهل بن محمد عن الأصمعيّ قال: كان سليك يحضر فتقع السهم م من كنانته فترتنّ في الأرض من شدّة إحضاره. وقال له بنو كنانة حين كبر: أرأيت أن ترينا بعض ما بقي من إحضارك? قال: نعم، اجمعوا لي أربعين شاباً وآبغوني درعاً ثقيلة. فأخذهم فلبسهم وخرج بالشباب حتى إذا كان على رأس ميل أقبل يحضر فلاث العدو لوثاً واهتبصوا في جنبتيه فلم يصحبوه إلا قليلاً فجاء يحضر منبترا من حيث لا يرونه وجاءت الدّرع تخفق في عنقه كأنهم خرقة.
بين أعرابيين أحدهما من اللصوص والآخر من الرماة
قال سهل: وحدّثني العتبي قال: حدّثني رجل من بني تميم عن بعض أشياخه من قومه قال:
كنتعند المهم جر بن عبد اللّه والي اليمامة فأتي بأعرابي قد كان معروفاً بالسّرق
فقال له: أخبرني عن بعض عجائبك، قال: إنهم لكثيرة، ومن أعجبهم أنه كان لي بعير لا
يسبق وكانت لي خيل لا تلحق، فكنت لا أخرج فأرجع خائباً فخرجت يوماً فاحترشت ضبّاً
فعلّقته على قتبي، ثم مررت بخباء سريّ ليس فيه إلاّ عجوز، فقلت: أخلق بهذا الخباء
أن يكون له رائحة من غنم وإبل، فلما أمسيت إذا بإبل مائة فيهم شيخ عظيم البطن
مثدّن اللحم ومعه عبد أسود وغد، فلما رآني رحّب بي ثم قام إلى ناقة فاحتلبهم
وناولني العلبة فشربت ما يشرب الرجل فتناول الباقي فضرب به جبهته ثم احتلب تسع
أينق فشرب ألبانهن ثم نحر حواراً فطبخه ثم ألقى عظامه بيضاً وحثا كوماً من بطحاء
وتوسّدهم وغطّ غطيط البكر، فقلت: هذه واللّه الغنيمة. ثم قمت إلى فحل إبله فخطمته
ثم قرنته إلى بعيري وصحت به فآتبعني الفحل وآتبعته الإبل إرباباً به، فصارت خلفي
كأنهم حبل ممدود، فمضيت أبادر ثنيّةً بيني وبينهم مسيرة ليلة للمسرع، فلم أزل أضرب
بعيري بيدي مرّة وأقرعه برجلي أخرى حتى طلع الفجر، فأبصرت الثنيّة فإذا عليهم سواد
فلما دنوت إذا أنا بالشيخ قاعداً وقوسه في حجره فقال: أضيفنا? قلت: نعم. قال:
أتسخو نفسك عن هذه الإبل? قلت: لا. فأخرج سهما كأن نصله لسان كلب ثم قال: أبصر بين
أذني الضب. ثم رماه فصدع عظمه عن دماغه، ثم قال: ما تقول? قلت: أنا على رأيي الأوّل.
قال: انظر هذا السهم الثاني في فقرة ظهره الوسطى. ثم رمى به كأنما قدّره بيده ثم
وضعه بأصبعه، ثم قال: أرأيت? قلت: إني أحب أن أستثبت. قال: انظر هذا السهم الثالث
في عكوة ذنبه والرابع واللّه في بطنك. ثم رماه فلم يخطىء العكوة، فقلت: أنزل
آمناً? قال: نعم. فنزلت فدفعت إليه خطام فحله وقلت: هذه إبلك لم يذهب منهم وبرة.
وأنا أنتظر متى يرميني بسهم ينتظم به قلبي، فلما تنحّيت قال لي: أقبل. فأقبلت
واللّه خوفاً من شرّه لا طمعاً في خيره، فقال: أي هذا، ما أحسبك جشمت الليلة ما
جمشت إلا من حاجة. قلت: أجل. قال: فاقرن من هذه الإبل بعيرين وآمض لطيّتكن. قلت:
أما واللّه حتى أخبرك عن نفسك قبلاً. ثم قلت: واللّه ما رأيت أعرابياً قط أشدّ
ضرساً ولا أعدى رجلاً ولا أرمى يداً ولا أكرم عفواً ولا أسخى نفساً منك.
رمي بهرام جور
وقرأت في كتاب سير العجم أن بهرام جور خرج ذات يوم إلى الصيد ومعه جارية له فعرضت له ظباء، فقال للجارية: في أيّ موضع تريدين أضع السهم من الوحش? فقالت: أريد أن تشبّه ذكرانهم بالإناث وإناثهم بالذكران، فرمى تيساً من الظباء بنشّابة ذات شعبتين فاقتلع قرنيه ورمى عنزا منهم بنشّابتين فآثبتهما في موضع القرنين. ثم ساللّه أن يجمع أذن الظبي وظلفه بنشّابة واحدة فرمى أصل أذن الظبي ببندقة فلما أهوى بيده إلى أذنه ليحتكن رماه بنشّابة فوصل ظلفه بأذنه ثم أهوى إلى القينة فضرب بهم الأرض وقال: شدّ ما اشتططت عليّ وأردت إظهم ر عجزي!
حديث المروزان في كتب العجم
وقرأت في كتبهم أن كسرى استعمل قرابة له على اليمن يقال له المروزان، فأقام بهم
حيناً ثم خالفه أهل المصانع - والمصانع جبل باليمن ممتنع طويل ووراءه جبل آخر
بينهما فصل إلا أنه متقارب ما بينهما - فسار إليهم المروزان فنظر إلى جبل لا يطمع
أحد أن يدخله إلا من باب واحد يمنع ذلك الباب رجل واحد. فلما رأى أن لا سبيل إليهم
صعد الجبل الذي هو وراء المصانع من حيث يحادي حصنهم فنظر إلى أضيق مكان فيه وتحته
هواء لا يقدر قدره، فلم يرى شيئاً أقرب إلى افتتاح ذلك الحصن من ذلك الجبل، فأمر
أصحابه أن يقوموا به صفّين ثم يصيحوا به صيحة واحدة ثم ضرب فرسه حتى إذا استجمع حضرا
رمى به أمام الحصن وصاح به أصحابه فوثب الفرس الوادي فإذا هو على رأس الحصن، فلما
نظرت إليه حمير قالوا: هذا أيم. والأيم بالحميرية شيطان، فانتهرهم بالفارسية
وأمرهم أن يربط بعضهم بعضاً ففعلوا واستنزلهم من حصنهم فقتل طائفة وسبى طائفة وكتب
بما كان منه إلى كسرى، فتعجّب كسرى و أمره بالاستخلاف على عمله والقدوم إليه وأراد
أن يسامي به أساورته، فاستخلف الروزان ابنه ثم توجّه نحوه فلما صار ببعض بلاد
العرب هلك فوضعوه فب تابوت ثم حملوه حتى قدموا به على كسرى فأمر كسرى بذلك التابوت
فوّضع في خزانته فكان يخرج في كل عام إليه وإلى من عنده من أساورته فيقول: هذا
الذي فعل كذا وكذا.
بين العباس بن ربيعة وعرار بن أدهم في صفّين
وروى أبو سوقة التميمي عن أبيه عن جدّه عن أبي الأغرّ التميمي قال: بينا أنا واقف بصفّين مر بي العباس بن ربيعة مكفّراً بالسلاح وعيناه تبصّان من تحت المغفر كأنهما عينا أرقم وبيده صفيحة له وهو على فرس له صعب يمنعه ويليّن من عريكته إذ هتف به هم تف من أهل الشأم يقال له عرار بن أدهم: يا عباس هلمّ إلى البراز. قال العباس: فالنزول إذاً فإنه إياسٌ من القفول. فنزل الشأمي وهو يقول:
إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا |
|
أو تنزلون فإنّا معشـر نـزل |
وثنى العباس وركه فنزل وهو يقول:
وتصدّ عنك مخيلة الرجل ال |
|
عرّيض موضحةٌ عن العظم |
بحسام سيفك أو لسانـك وال |
|
كلم الأصيل كأرغب الكلـم |
ثم غضن فضلات درعه في حجزته ودفع قوسه إلى غلام له أسود يقال له: أسلم، كأني أنظر إلى فلائل شعره، ثم دلف كلّ واحد منهما إلى صاحبه فذكرت بهما قول أبي ذؤيب:
فتنازلا وتواقفت خيلاهمـا |
|
وكلاهما بطل اللقاء مخدّع |
وكف الناس أعنّة خيولهم ينتظرون ما يكون من الرجلين فتكنافحا بينهما مليّاً من نهم
رهما لا يصل واحد منهما إلى صاحبه لكمال لأمته إلى أن لحظ العباس وهياً في درع
الشأميّ فأهوى إليه بيده فهتكنه إلى ثندوته ثم عاد لمجاولته وقد أصحر له مفتّق
الدرع فضربه العباس ضربة انتظم بهم جوانح صدره وخرّ الشامي لوجهه وكبّر الناس
تكنبيرة ارتجت لهم الأرض من تحتهم وآنشام العباس في الناس "وآنساع أمره"
وإذا قائل يقول من ورائي " قاتلوهم يعذّبهم اللّه بأيديكم ويخزهم وينصركم
عليهم ويشف صدور قومٍ مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب اللّه على من يشاء واللّه
عليّمٌ حكيمٌ" فالتفتّ وإذا أمير المؤمنين رضي اللّه عنه عليّ بن أبي طالب،
فقال: يا أبا الأغر، من المنازل لعدوّنا? فقلت: هذا ابن أخيكم، هذا العباس بن ربيعة.
فقال: إنه لهو، يا عباس الأأنهك وابن عباس أن تخلاّ بمركزكما أو تباشرا حرباً?
قال: إن ذلك. يعني نعم. قال: فما عدا مما بدا? قال: فأدعى إلى البراز فلا أجيب?
قال: نعم، طاعة إمامك أولى بك من إجابة عدوّك. ثم تغيظ وآستشاط حتى قلت: الساعة
الساعة.ى ثم تطأمن وسكن ورفع يديه مبتهلاً فقال: اللهم اشكر للعباس مقامه واغفر له
ذنبه، اللهم إني قد غفرت له فاغفر له. قال: وتأسّف معاوية على عرار وقال: متى ينطف
فحلٌ بمثله! أيطلّ دمه! لا هم اللّه ذا. ألا اللّه رجل يشري نفسه يطلب بدم عرار?
فآنتدب له رجلان من لخم. فقال: اذهبا فأيّكما قتل العباس برازاً فله كذا. فأتياه
ودعواه إلى البراز فقال: إن لي سيداً أريد أن أؤامره. فأتى عليّاً فأخبره الخبر،
فقال عليّ: واللّه لودّ معاوية أنه ما بقي من هم شم نافخ ضرمةٍ إلا طعن في نيطه
إطفاءً لنور اللّه ويأبى اللّه إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون، أما واللّه
ليملكنهم منا رجال، ورجال يسومونهم الخسف حتى يحفروا الآبار ويتكنفّفوا الناس. ثم
قال: يا عباس ناقلني سلاحك بسلاحي، فناقله ووثب على فرس العباس وقصد اللخميين. فلم
يشكّا أنه العباس فقالا له: أذن لك صاحبك? فحرج أن يقول نعم، فقال: "أذن للّذين
يقاتلون بأنهم ظلموا وإنّ اللّه على نصرهم لقديرٌ " فبرز له أحدهما فضربه
ضربة فكأنما أخطأه، ثم برز له الآخر فألحقه بالأوّل، ثم أقبل وهو يقول:
"الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه
بمثل ما اعتدى عليكم" ثم قال: يا عباس خذ سلاحك وهم ت سلاحي، فإن عاد لك أحد
فعد إليّ. ونمي الخبر إلى معاوية فقال: قبح اللّه اللّجاج إنه لقعود ما ركبته قط
إلا خذلت. فقال عمرو بن العاص: المخذول واللّه اللخميان لا أنت. قال معاوية: اسكت
أيهم الرجل فليس هذه من ساعتكن. قال: وإن لم تكن، رحم اللّه اللخميين وما أراه
يفعل. قال: ذاك واللّه أخسر لصفقتكن وأضيق لحجرك. قال: قد علمت ذلك ولولا مصر
لركبت المنجاة منهم. قال: هي أعمتكن ولولا هي لألفيت بصيرا.
شعر لعمرو بن العاص يتوجه به إلى معاوية
وقال عمرو بن العاص لمعاوية:
معاوي لا أعطيك ديني ولم أنـل |
|
به منك دنيا فانظرن كيف تصنع |
فإ، تعطني مصراً فأربح بصفقة |
|
أخذت بهم شيخاً يضر وينـفـع |
بين الأخينس الجهني والحصين العمريّ
خرج الأخينس الجهنيّ فلقي الحصين العمريّ، وكانا جميعاً فاتكنين، فسارا حتى لقيا رجلاً من كندة في تجارة أصابهم من مسك وثياب وغيرذلك، فنزل تحت شجرة يأكل، فلما انتهيا إليه سلّما. قال الكنديّ: ألا تضحّيان? فنزلا. فبينما هم يأكلون مرّ ظليم فنظر إليه الكنديّ وأيّده بصره فبدت له لبتّه، فاغترّه الحصين فضرب بطنه بالسيف فقتله، واقتسما ماله وركبا، فقال الأخينس: يا حصين ما صعلةٌ وصعل? قال: يوم شرب وأكل. قال: فآنعت لي هذه العقاب. فرفع رأسه لينظر إليهم فوجأ بطنه بالسيف فقتله مثل قتله الأوّل. ثم إن أختا للحصين يقال لهم صخرة لما أبطأ عليهم خرجت تسأل عنه في جيران لهم من مراح وجرم. فلما بلغ ذلك الأخينس قال:
وكم من فارس لا تـزدريه |
|
إذا شخصت لموقفه العيون |
|
||
يذلّ له العزيز وكـل لـيث |
|
شديد الهصر مسكنه العرين |
|
||
علوت بياض مفرقه بعضب |
|
ينوء لوقعه الهم م السّكون |
|
||
فأمست عرسه ولهم علـيه |
|
هدوء بعد لـيلـتـه أنـين |
|
||
كصخرة اذ تسائل في مراح |
|
وفي جرم، وعلمهما ظنون |
|||
تسائل عن حصين كل ركب |
|
وعند جهينة الخبر اليقـين |
|||
فذهبت مثلاً.
????????بين المهدي وعليّ بن سليمان وشعر لأبي دلامة
" خرج المهديّ وعليّ بن سليمان إلى الصيد ومعهما أبو دلامة الشاعر. فسنحت لهم ظباء فرمى المهديّ ظبياً فأصابه، ورمى عليّ بن سليمان كلباً فعقره، فضحك المهدي وقال لأبي دلامة: قل في هذا فقال:
ورمى المهديّ ظبياً |
|
شكّ بالسهم فـؤاده |
وعليّ بن سلـيمـا |
|
ن رمى كلباً فصاده |
فهنيئاً لهـمـا كـل |
|
امرىء يأكل زاده " |
?فرار أبي دلامة
قال أبة دلامة: كنت في عسكر مروان أيام زحف إلى شبيب الخارجيّ، فلما التقى الزّحفان خرج منهم فارس ينادي: من يبارز? فجعل لا يخرج إليه إنسان إلا أعجله ولم ينهنهه، فغاظ ذلك مروان، فجعل يندب الناس على خمسمائة، فقتل أصحاب خمس المائة، وزاد مروان على ندبته فبلغ بهم ألفا، فما زال ذلك فعله حتى بلغ بالندبة خمسة آلاف درهم، وتحتي فرس لا أخاف خونه، فلما سمعت بخمسة الآلاف نزّقته واقتحمت الصفّ. فلما نظر إلي " الخارجيّ " علم أني خرجت للطمع، فأقبل يتهيأ لي وإذا عليه فروله قد أصابه فارمعلّ ثم أصابته الشمس فاقفعلّ وعيناه تذرّان كأنهما في وقبين، فدنا منّي وقال:
وخارج أخرجه حب الطـمـع |
|
فرّ من الموت وفي الموت وقع |
من كان ينوي أهله فلا رجع فلما وقرت في أذني انصرفت عنه هم رباً، وجعل مروان يقول: من هذا الفاضح? آئتوني به. ودخلت في غمار الناس فنجوت.
?بين خالد بن جعفر والحارث بن ظالأفي حضرة النعمان
وكان خالد بن جعفر نديماً للنعمان، فبينما هو ذات يوم عنده وقد دعا النعمان بتمر وزبد فهما يأكلان منه إذ دخل عليهما الحارث بن ظالم. فقال النعمان: آدن يا حارث فكل. فدنا. فقال خالد: من ذا أبيت اللعن? قال: هذا سيد قومه وفارسهم الحارث بن ظالم. قال خالد: أما إن لي عنده يداً. قال الحارث: وما تلك اليد? قال: قتلت سيد قومك فتركتكن سيدهم بعده. يعني زهير بن جذيمة، قال الحارث: أما إني سأجزيك بتلك اليد. ثم أخذه الزّمع وأرعدت يده، فأخذ يعبث بالتمر فقال له خالد: أيّتهنّ تريد فأناولكهم ? قال الحارث: أيّتهم تهمّك فأدعهم ? ثم نهض مغضبا، فقال النعمان لخالد: ما أردت بهذا وقد عرفت فتكنه وسفهه? فقال: أبيت اللعن، وما تتخوّف عليّ منه? فواللّه لو كنت نائماً ما أيقظني. فانصرف خالد فدخل قبّة له من أدمٍ بعد هدأة من الليل وقام على بابهم أخ له يحرسه. فلما نام الناس خرج الحارث حتى أتى القبّة من مؤخّرهم فشقّهم ثم دخل فقتله، فقال عمرو بن الإطنابة:
علّلاني وعلّلا صـاحـبـيّا |
|
وآسقياني من المروّق ريّا |
إن فينا القيان يعزفن بالضر |
|
ب لفتياننا وعيشـا رخـيّا |
يتناهين في النعيم ويضرب |
|
ن خلال القرون مسكا ذكيا |
أبلغا الحارث بن ظالأالرّع |
|
ديد والناذر النّذور عـلـيّا |
إنما تقتل الـنّـيام ولا تـق |
|
تل يقظان ذا سلاحٍ كمـيّا |
وكان عمرو قد آلى ألا يدعوه رجل بليل إلا أجابه ولم يسأله عن آسمه. فأتاه الحارث ليلاً فهتف به، فخرج إليه، فقال: ما تريد? قال: أعنّي على أبل لبني فلان وهي منك غير بعيد فإنهم غنيمة باردة. فدعا عمرة بفرسه وأراد أن يركب حاسراً. فقال له: البس عليك سلاحك فإني لا آمن من امتناع القوم. فاستلأو وخرج معه، حتى إذا برزا قال له الحارث: أنا أبو ليلى فخذ حذرك يا عمرو. فقال له: آمنن عليّ. فجزّ ناصيته. وقال الحارث:
علّلاني بلذّتـي قـينـتـيّا |
|
قبل أن تبكي العيون عليّا |
|
||
قبل أن تذكر العواذل إنـي |
|
كنت قدما لأمرهنّ عصيّا |
|
||
ما أبالي إذا أصطحبت ثلاثا |
|
أرشيداً دعوتني أم غـويّا |
|
||
غير ألاّ أسر اللّـه إثـمـا |
|
في حياتي ولا أخون صفيّا |
|
||
بلغتني مقالة المرء عمرو |
|
بلغتني وكـان ذاك بـديّا |
|
||
فخرجنا لموعد فالتقـينـا |
|
فوجدناه ذا سلاح كـمـيّا |
|
||
غير ما نائم يروّع باللي |
|
ل معدّاً بكفّه مشرفـيّا |
|||
فرجعنا بالمنّ منّا عليه |
|
بعد ما كان منه منّا بديا |
|||
?بين بكر بن وائل وتميم بن مرّ
و وفد تميم بن مرّ وبكر بن وائل على بعض الملوك، وكانا ينادمانه فجرى بينهما تفاخر فقالا: أيهم الملك أعطنا سيفين، فأمر الملك بسيفين من عودين فنحتا وموّهم بالفضة وأعطاهما إياهما، فجعلا يضطربان بهما مليّا من نهم رهما، فقال بكر: لو كان سيفانا حديدا قطعا وقال تميم: أو نحتا من جندل تصدّعا ففرّق الملك بينهما، فقال بكر لتميم: أساجلك العدواة ما بقينا وقال تميم: و إن متنا نورّثهم بنينا فأورثاهم بنيهما إلى اليوم.
?مثلٌ في شدة الصوت، وشعر في ذلك
حدّثني
أبو حاتم عن الأصمعيّ عن خلف الأحمر قال: كان أبو عروة السباع يصيح بالسبع وقد
آحتمل الشاة فيسقط فيموت فيشقّ بطنه فيوجد فؤاده قد آنخلع. وهو مثل في شدّة الصوت.
قال الشاعر في ذلك:
زجر أبي عروة السباع إذا |
|
أشفق أن يلتبسن بالغنـم |
?ومثله في شدة الصوت لأبي عطية عفيف النصري
قال: وأبو عطية عفيف النصريّ نادى في الحرب التي كانت بين ثقيف وبين بني نصر لما رأى الخيل بعقوته: يا سوء صباحاه، أتيتم يا بني يربوع فألقت الحبالى أولادهم ، فقيل في ذلك:
وأسقط أحبال النساء بصوتـه |
|
عفيفٌ لدن نادى بنصرٍ فطرّبا |
?أيضاً بين يهوذا ويوسف
في أخبار وهب بن منبه أن يهوذا قال ليوسف: لتكنفنّ أو لأصيحنّ صيحة لا تبقى حامل بمصر الا ألقت ما في بطنهم .
?في شدة صوت العباس بن عبد المطلب
محمد بن الضحاك عن أبيه قال: كان العباس بن عبد المطلب يقف على سلع فينادي غلمانه وهم بالغابة فيسمعهم وذلك من آخر الليل. وبين الغابة وبين سلع ثمانية أميال، وسلع جبل وسط المدينة.
?مثله لشبيب بن ربعي
وكان
شبيب بن ربعي يتنحنح في داره فيسمع تنحنحه بالكناسة، ويصيح براعيه فيسمع نداؤه على
فرسخ وكان هذا مؤذن سجاح التي تنّبأت. " ذكر هذا خالد بن صفوان، وسمعه أبو
المجيب النهديّ فقال: ما سمع له بصوت أبعد من صوته بأذانه فإنه كان مؤذنهم ، يعني
سجاح ".
ذم رجل الأشتر فقال له قائد: اسكت فإن حياته هزمت أهل الشام وإن موته هزم أهل
العراق.
المدائني قال: أتى عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه رجل يستحمله، فقال له: خذ بعيراً
من إبل الصدقة. فتناول ذنب بعير صعب فجذبه فاقتلعه، فعجب عهمر وقال له: هل رأيت
أشدّ منك? قال: نعم، خرجت بامرأة من أهلي أريد بهم زوجهم فنزلنا منزلاً أهله خلوف
فقربت من الحوض فبينما أنا كذلك إذ أقبل رجل ومعه ذود والمرأة ناحيةً فسرّب ذوده
إلى الحوض ومضى إلى المرأة فساورهم ونادتني، فما انتهيت إليهم حتى خالطهم ، فجئت
لأدفعه عنهم فأخذ برأسي فوضعه بين عضده وجنبه فما استطعت أن أتحرك حتى قضى ما أراد
ثم استلقى. فقالت المرأة: أي فحل هذا??! لو كانت لنا منه سخلة! وأمهلته حتى امتلأ
نوماً فقمت إليه بالسيف فضربت ساقه فابنتهم ، فانتبه وتناول رجله فعدا فغلبه الدم
فرماني برجله وأخطأني وأصاب عنق بعيري فقتله. فقال عمر: ما فعلت المرأة? قال: هذا حديث
الرجل. فكرر عليه مراراً لا يزيده على هذا، فظنّ أنه قد قتلهم .
حديث أبو محجن وسعد
حدّثني يزيد بن عمرو قال: حدّثنا أشهل بن حاتم قال: حدّثنا ابن عون عن عمير بن إسحاق قال: كان سعد على ظهر بيت وهو شاكٍ والمشركون يفعلون بالمؤمنين ويفعلون. وأبو محجن في الوثاق عند أم ولد لسعد فأنشأ يقول:
كفى حزنا أن تلتقي الخيل بالقنا |
|
وأترك مشدوداً عليّ وثـاقـيا |
إذا شئت غنّاني الحديد وغلّقت |
|
مغاليق من دوني تصمّ المناديا |
فقالت له أم ولد سعد: أتجعل لي إن أنا أطلقتكن أن ترجع إليّ حتى أعيدك في الوثاق? قال: نعم. فأطلقته فركب فرساً بلقاء لسعد وحمل على المشركين، فجعل سعد يقول: لولا أن أبا محجن في الوثاق لظننت أنه أبو محجن وأنهم فرسي. فانكشف المشركون وجاء أبو محجن فأعادته في الوثاق وأتت سعدا فأخبرته، فأرسل إلى أبي محجن فأطلقه وقال: واللّه لا حبستكن فيهم أبدا. يعني الخمر، فقال أبو محجن: وأنا واللّه لا أشربهم بعد اليوم أبداً. وقال الشاعر:
سأغسل عني العار بالسيف جالبا |
|
عليّ قضاء اللّه ما كان جالـبـا |
وأذهل عن داري وأجعل هدمهم |
|
لعرضي من باقي المذمّة حاجبا |
ويصغر في عيني تلادي اذا آنثنت |
|
يميني بإدراك الذي كنت طالبـاً |
فيا لرزامٍ رشّحوا بي مـقـدّمـا |
|
إلى الموت خوّاضا إليه الكرائبا |
إذا همّ لم يردع كـريمة هـمـه |
|
ولم يأت ما يأتي من الأمر هم ئبا |
أخا غمراتٍ لا يريد على الـذي |
|
يهمّ به من مفظع الأمر صاحبـا |
?إذا همّ ألقى بين عينيه عزمه=ونكّب عن ذكر العواقب جانبا
ولم يستشر في رأيه غير نفسـه |
|
ولم يرض إلا قائم السيف صاحبا |
عليكم بداري فاهدموهم فإنـهـم |
|
تراث كريم لا يخاف العواقـبـا |
?شعر لرجل من بني العنبر يمدح
بني مازن ويهجو قومه، يعيرّهم بجبنهم
وقال رجل من بني العنبر:
لو كـنـت مـن مـازن لـم تـسـتــبـــح إبـــلـــي |
|
بنـو الـلّـقـيطة مـن ذهــل بـــن شـــيبـــانـــا |
إذن لـقـام بـنـصـري مــعـــشـــر خـــشـــنٌ |
|
عنـــد الـــكـــريهة إن ذو لــــوثةٍ لانـــــــا |
قوم إذا الــشـــرّ أبـــدى نـــاجـــذيه لـــهـــم |
|
طاروا إلـــيه زرافـــاتٍ ووحــــــدانـــــــا |
لكـــنّ قـــومـــي وإن كـــانـــوا ذوي عــــدد |
|
ليسـوا مـن الـشـرّ فـي شــيء وإنـــا هـــم نـــا |
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرةًججومن إساءة أهل السوء إحسانا |
|
|
كأنّ ربّك لم يخلق لخشيته |
|
سواهـم مـن جـمـيع الـــنـــاس إنـــســـانـــا |
فلـيت لـي بـــهـــم قـــومـــاً إذا ركـــبـــوا |
|
شنّـوا الإغـارة فــرســـانـــا وركـــبـــانـــا |
لا يسـألـون أخـــاهـــم حـــين ينـــدبـــهـــم |
|
في الـنـائبـات عـلـى مـا قــال بـــرهـــم نـــا |
لكـــن يطـــيرون أشـــتـــات إذا فـــزعــــوا |
|
وينـفـــرون إلـــى الـــغـــارات وحـــدانـــا |
ولآخر
وقال آخر:
ولئن عمـرت لأشـفـينّ |
|
النفس من تلك المساعي |
ولأعلمـنّ الـبـطـن أن |
|
الزاد ليس بمسـتـطـاع |
أمّا النهـم ر فـرأى أص |
|
حابي بمـرقـبةٍ يفـاع |
أثر الشجاع بهم كـسـر |
|
د الخرز في سير الصّناع |
ترد السباع مـعـي فـأل |
|
فى كالمدلّ من السبـاع |
وقال آخر:
إنا محيوك يا سلمى فحـييّنـا |
|
وإن سقيت كرام الناس فاسقينا |
إنا لنرخص يوم الرّوع أنفسنـا |
|
ولو نسام بهم في الأمن أغلينا |
بيضٌ مفارقنا تغليب مراجلنـا |
|
نأسوا بأموالنـا آثـار أيدينـا |
وقال المعلوط:
ألم ترني خلقت أخا حروب |
|
إذا لم أجن كنت مجنّ جاني |
وقال آخر:
لعمري لقـد نـادى بـأرفـع صـوتـه |
|
نعـيّ سـويد أن فـارسـكـم هــوى |
أجل صادقاً والقـائل الـفـاعـل الـذي |
|
إذا قال قولا أنبط المـاء فـي الـثـرى |
فتىً قبلٌ لم تعـنـس الـسـنّ وجـهـه |
|
سوى خلسة في الرأس كالبرق في الدّجى |
أشارت له الحرب العـوان فـجـاءهـم |
|
يقعـقـع بـالأقـراب أوّل مـن أتـى |
ولم يجنـهـم لـكـن جـنـاهـم ولـيّه |
|
فآسى فـآداه فـكـان كـمـن جـنـى |
شعر لبشامة
وقال بشامة:
إنا بني نهشـلٍ لا نـدّعـي لأب |
|
عنه ولا هو بالابنـاء يشـرينـا |
إن تبتدر غايةٌ يوماً لـمـكـرمة |
|
تلق السوابق منا والمصـلّـينـا |
وإنا لمن معشر أفنى أوائلـهـم |
|
قيل الكماة ألا أين المحامـونـا |
لو كان في الألف منا واحد فدعوا |
|
من فارس? خالهم إيّاه يعنـونـا |
وقال زهير:
يطعنهم ما آرتموا حتى إذا آطّعنوا |
|
ضارب حتى إذا ما ضاربوا آعتنقا |
ولامرأة من كندة
وقالت امرأة من كندة:
أبوا أن يفرّوا وآلقنا في نحـورهـم |
|
ولم يرتقوا من خشية الموت سلّمـا |
ولو أنهم فـرّوا لـكـانـوا أعـزّة |
|
ولكن رأوا صبرا على الموت أكرما |
وقال آخر:
بني عمّنا ردّوا فضـول دمـائنـا |
|
ينم ليلكم، أو لا تلمنـا الـلّـوائم |
فإنا وإياكم وإن طـال تـركـكـم |
|
كذي الدّين ينأى ما نأى وهو غارم |
ولأبي سعيد المخزومي
وقال أبو سعيد المخزومي وكان شجاعاً:
وما يريد بنو الأعيار من رجل |
|
بالجمر مكتحلٍ بالنّبل مشتمل |
لا يشرب الماء إلا من قليب دم |
|
ولا يبيت له جارٌ على وجـل |
وقال عبد القدّوس بن عبد الواحد من ولد النعمان بن بشير:
ندًى تحكم الآمال فيه ونـجـدةٌ |
|
تحكّم في الأعداء بالأسر والقتل |
وقال آخر:
ضربناكم حتى إذا قام ميلـكـم |
|
ضربنا العدا عنكم بأبيض صارم |
شعر تمثل به زيد بن عليّ يوم قتل
تمثّل زيد بن عليّ يوم قتل بقول القائل:
أذلّ الحياة وعـزّ الـمـمـات |
|
وكلاًّ أراه طـعـامـاً وبـيلا |
فإن كـان لا بـدّ مـن واحـد |
|
فسيروا إلى الموت سيراً جميلا |
شعر لقيس بن الخطيم، وآخر
وقال قيس بن الخطيم:
أبلج لا يهـمّ بـالـفـرار |
|
قد طاب نفساً بدخول النار |
وقال آخر:
ومن تكن الحضارة أعجبتـه |
|
فأيّ رجـال بـاديةٍ تـرانـا |
ومن ربط الجحاش فإن فينـا |
|
قناً سلبا وأفراساً حـسـانـا |
وكن إذا أغرن على قـبـيل |
|
فأعوزهن كونٌ حيث كـانـا |
أغرن من الضّباب على حلالٍ |
|
وضبّة إنه من حان حـانـا |
وأحيانا نكرّ عـلـى أخـينـا |
|
إذا ما لم نـجـد إلا أخـانـا |
شعر للخنساء
وقالت الخنساء:
تعرّقني الدهر نهسـاً وحـزّا |
|
وأوجعني الدهر قرعا وغمزا |
وأفنى رجالي فبـادوا مـعـا |
|
فأصبح قلبي بهم مستـفـزّا |
ومن ظن ممن يلاقي الحروب |
|
بأن لا يصاب فقد ظنّ عجزا |
وفيهم تقول:
ونلبس للحرب أثـوابـهـم |
|
ونلبس في الأمن خزّا وقزّا |
وهذا كقولهم: البس لكل حالة لبوسهم .
لعبد اللّه بن سبرة الحرشي حيث قطعت يده
وقال عبد اللّه بن سبرة الحرشي حين فطعت يده:
ويلمّ جارٍ غداة الجسر فـارقـنـي |
|
أعزز عليّ به إذ بان فانـصـدعـا |
يمنى يديّ غدت مـنّـي مـفـارقة |
|
لم أستطع يوم خلطاس لهم تبـعـا |
وما ضننت عليهم أنو أصاحـبـهـم |
|
لقد حرصت على أن نستريح معـاً |
وقائل غاب عـن شـأنـي وقـائلة |
|
ألا اجتنبت عدوّ اللّـه إذ صـرعـا |
وكيف أتركه يمشي بمـنـصـلـه |
|
نحوي وأجبن عنه بعد مـا وقـعـا |
ما كان ذلك يوم الرّوع من خلـقـي |
|
وإن تقارب مني الموت واكتنـعـا |
ويلمّه فارسـاً ولّـت كـتـيبـتـه |
|
حامى وقد ضيّعوا الأحساب فآرتجعا |
يمشي إلى مستميتٍ مثلـه بـطـلٍ |
|
حتى إذا مكّنا سيفيهما آمتـصـعـا |
كلٌّ ينوء بماضي الحدّ ذي شـطـبٍ |
|
جلّى الصّياقل عن درّيّه الطّبـعـا |
حاشيته الموت حتى آشتـفّ آخـره |
|
فما استكنان لما لاقى وما جـزعـا |
كأنّ لـمّـتـه هـدّاب مـخـمـلةٍ |
|
أحمر أزرق لم يشمط وقد صلعـا |
فإن يكن أطربون الروم قطّـعـهـم |
|
فقد تركت بهم أوصاله قـطـعـا |
وإن يكن أطربون الروم قطّعـهـم |
|
فإن فيهم بحمد اللّه مـنـتـفـعـا |
بنانتـان وجـذمـور أقـيم بـهـم |
|
صدر القناة إذا ما آنسـوا فـزعـا |
وقال بعض الشعراء:
إن لنا مـن قـومـنـا نـاصـرةً |
|
بيض الظّباء سمر القنا شهب اللّمم |
يستنفرون الموت من مجـثـمـه |
|
ويبعثون الحرب من عقد السّـلـم |
أولاك قيسٌ قومنـا أكـرم بـهـم |
|
قيس النّدى قيس العلا قيس الكرم |
لجعفر بن علبة الحارثي
وقال جعفر بن علبة الحارثي:
ليهن عقيلا أنّني قد تركـتـهـم |
|
ينوء بقتلاهم الذئاب الهـوامـل |
لهم صدر سيفي يوم برقة سحبلٍ |
|
ولي منه ما ضمّت عليه الأنامل |
إذا القوم سدّوا مأزقا فرّجت لنـا |
|
بأيماننا بيضٌ جلتهم الصّـياقـل |
لعمرو بن معد يكرب
وقال عمرو بن معد يكرب:
أعاذل شكّتي بزّي ورمحي |
|
وكل مقلّص سلس القـياد |
|
||
أعاذل إنما أفـنـى شـبـابـي |
|
ركوبٌ في الصّريخ إلى المنادى |
|||
ولأبي دلف
قال أبو دلف:
لقــد عـــلـــمـــت وائل أنـــنـــا |
|
نخـوض الـحـتـوف غـداة الـحــتـــوف |
ولا نـتـقـيهـم بــزحـــف الـــفـــرار |
|
إذا مـا الـصـفـوف آنـبـرت لـلـصـفـوف |
ويوم أفــاءت لـــنـــا خـــيلـــنـــا |
|
لدى جـبـل الـدّيلـمـيّ الـــمـــنـــيف |
طوال الـفـتـى بـطــوال الـــقـــنـــا |
|
وبـيض الـوجـوه بـبــيض الـــســـيوف |
وكـلّ حـصـان بـــكـــل حـــصـــان |
|
أمـينٍ شـظـاه ســلـــيم الـــوظـــيف |
ألا نـعّـمـانـي فـمـا نـعـــمـــتـــي |
|
برادعـتـي عـن ركـوب الـمـــخـــوف |
لي الـصـبـر عـنـد حـلــول الـــبـــلا |
|
إذا نـزلـت بـي إحـــدى الـــصّـــروف |
وإن تـسـألـي تـخــبـــري أنـــنـــي |
|
أقـي حـسـبـي بـــألـــوف الألـــوف |
وأحلم حتى يقولوا ضعيفوما أنا قد علموا بالضعيف |
|
|
خفيف على فرسي ما ركبت |
|
ولـسـت عـلـى ظـالـمـي بـالـخـفــيف |
باب الحيل في الحروب وغيرهم
للنبي حين خرج إلى بدر
قال ابن إسحاق: لما خرج رسول اللّه إلى بدر، مرّ حتى وقف على شيخ من العرب فسأله عن محمد وقريش وما بلغه من خبر الفريقين. فقال الشيخ: لا أخبركم حتى تخبروني ممن أنتم. فقال رسول اللّه: "إذا أخبرتنا أخبرناكفقال الشيخ: خبّرت أن قريشاً خرجت من مكة وقت كذا، فإن كان الذي خبّرني صدق فهي اليوم بمكان كذا، للموضع الذي به قريش. وخبرت أن محمداً خرج من المدينة وقت كذا، فإن كان الذي خبّرني صدق فهو اليوم بمكان كذا، للموضع الذي به رسول الله. ثم قال: من أنتم? فقال رسول اللّه: "نحن من ماء"، ثم انصرف. فجعل الشيخ يقول: نحن من ماء! من ماء العراق أو ماء كذا أو ماء كذا!
في احتيال رجل من بني العنبر في نجاة أهله
حدّثني سهل بن محمد قال: حدّثني الأصمعيّ قال: حدّثني شيخ من بني العنبر قال: أسرت بنو شيبان رجلاً من بني العنبر فقال لهم: أرسل إلى أهلي ليفتدوني. قالوا: ولا تكنلّم الرسول إلا بين أيدينا. فجاءوه برسول فقال له: آئت قومي فقل لهم: إن الشجر قد أورق وإن النساء قد آشتكنت. ثم قال له: أتعقل ما أقول لك? قال: نعم أعقل. قال: فما هذا? وأشار بيده. قال: هذا الليل. قال: أراك تعقل. انطلق لأهلي فقل لهم: عرّوا جملي الأصهب وآركبوا ناقتي الحمراء وسلوا حارثاً عن أمري. فأتاهم الرسول فأخبرهم، فأرسلوا إلى حارث فقصّ عليه القصة، فلما خلامعهم قال لهم: أما قوله: "إن الشجر قد أورق" فإنه يريد أن القوم قد تسلّحوا. وقوله "إن النساء قد اشتكت" فإنه يريد أنهم قد اتخذت الشّكاء للغزو، وهي أسقية، ويقال للسقاء الصغير شكوة. وقوله: "هذا الليل " يريد أنهم يأتونكم مثل الليل أو في الليل. وقوله: " عرّوا جملي الأصهب " يريد ارتحلوا عن الصّمّان. وقوله: " اركبوا ناقتي الحمراء " يريد اركبوا الدّهناء. قال: فلما قال لهم ذلك تحوّلوا من مكانهم، فأتاهم القوم فلم يجدوا منهم أحدا.
بين عليّ بن أبي طالب و الزبير
أرسل عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه عبد اللّه بن عباس لما قدم البصرة فقال: ائت الزبير ولا تأت طلحة فإن الزبير ألأين وأنت تجد طلحة كالثور عاقصاً قرنه، يركب الصعوبة ويقول هي أسهل، فأقرئه السلام وقل له يقول لك ابن خالك: عرفتني بالحجاز وأنكرتني بالعراق، فما عدا ممّا بدا? قال ابن عباس: فأتيته فأبلغته. فقال قل له: بيننا وبينك عهد خليفة ودم خليفة، واجتماع ثلاثة وانفراد واحد، وأمٌّ مبرورة، ومشاورة العشرة، ونشر المصاحف، نحلّ ما أحللت ونحرّم ما حرمت.
بين شبيب الخارجي وغلام
الهيثم بن عدي قال: مرّ شبيب الخارجي على غلام في الفرات يستنقع في الماء، فقال له شبيب: أخرج إليّ أسائلك. قال: فأنا آمن حتى ألبس ثوبي? قال: نعم. قال: فواللّه لا ألبسه.
بين عمر بن الخطاب والهرمزان
قال الهيثم: أراد عمر رحمه اللّه قتل الهرمزان. فاستسقى فأتي بماء فأمسكه بيده واضطرب، فقال له عمر: لا بأس عليك، إني غير قاتلك حتى تشريه. فألقى القدح من يده وأمر عمر بقتله، فقال: أو لم تؤمنّي? قال: كيف آمنتك? قال: قلت: لا بأس عليك حتى تشربه، ولا بأس أمان، وأنا لم أشربه. فقال عمر: قاتله اللّه! أخذ أماناً ولن نشعر به. قال أصحاب رسول اللّه: صدق. بين عبيد اللّه بن عضاه وابن الزبير في بيعة يزيد بن معاوية
العتبي: بعث يزيد بن معاوية عبيد اللّه بن عضاه الأشعريّ إلى ابن الزبير فقال له: إن أوّل أمرك كان حسناً فلا تفسده بآخره. فقال له ابن الزبير: إنه ليست في عنقي بيعة ليزيد. فقال عبيد اللّه: يا معشر قريش، قد سمعتم ما قال وقد بايعتم وهو يأمركم بالرجوع عن البيعة.
بين واصل بن عطاء وفرقة من الخوارج
المدائني قال: أقبل واصل بن عطاء في رفقة فلقيهم ناس من الخوارج، فقالوا لهم: من أنتم? قال لهم واصل: مستجيرون حتّى نسمع كلام اللّه، فاعرضوا عليّنا. فعرضوا عليهم فقال واصل: قد قبلنا. قالوا: فآمضوا راشدين. قال واصل: ما ذلك لكم حتى تبلغونا مأمننا. قال اللّه تعالى: " وإن أحدٌ من المشركين آستجارك فأجره حتى يسمع كلام اللّه ثم أبلغه مأمنه " فأبلغونا مأمننا. فجاءوا معهم حتى بلغوا مأمنهم.
قول لمعاوية وردّ الحسن بن عليّ
وقال معاوية: لا ينبغي أن يكون الهم شمي غير جواد ولا الأموي غير حليم ولا الزّبيري غير شجاع ولا المخزومي غير تيّاه. فبلغ ذلك الحسن بن عليّ فقال: قاتله اللّه! أراد أن يجود بنو هم شم فينفد ما بأيديهم، ويحلم بنو أمية فيتحبّبوا إلى الناس، ويتشجّع آل الزبير فيفنوا، ويتيه بنو مخزوم فيبغضهم الناس.
بين ابن عرباض اليهودي والخوارج
حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن عيسى بن عمر قال: استقبل الخوارج ابن عرباض اليهودي وهم بحرورى فقال: هل خرج اليكم في اليهود شيء? قالوا: لا. قال: فآمضوا راشدين.
بين قتيبة بن مسلم وسليمان بن عبد الملك
عندما عزم على عزله عن خراسان
المدائني قال: لما بلغ قتيبة بن مسلم أن سليمان يريد عزله عن خراسان واستعمال يزيد بن المهلّب كتب إليه ثلاث صحائف، وقال للرسول: ادفع إليه هذه، فإن دفعهم لإلى يزيد فادفع إليه هذه، فإن شتمني عند قراءتهم فادفع إليه الثالثة. فلما صار إليه الرسول دفع إليه الكتاب الأوّل وفيه: يا أمير المؤمنين، إن من بلائي في طاعة أبيك وطاعتكن وطاعة أخيك كيت وكيت. فدفع كتابه إلى يزيد فأعطاه الرسول الكتاب الثاني وفيه: يا أمير المؤمنين، تأمن ابن دحمة على أسرارك ولم يكن أبوه يأمنه على أمهم ت أولاده! فشتم قتيبة، فدفع إليه الرسول الكتاب الثالث وفيه: من قتيبة بن مسلم إلى سليمان بن عبد الملك، سلام على من اتبع الهدى أما بعد فواللّه لأوثقنّ لك آخيّة لا ينزعهم المهر الأرن. قال سليمان: عجّلنا على قتيبة. يا غلام، جدّد له عهده على خراسان.
تهديد أبو الهندام لأهل مزة
لما صرف أهل مزّة الماء عن أهل دمشق ووجهوه إلى الصحارى كتب إليهم أبو الهندام: إلى بني آستهم أهل مزة، ليمسّيني الماء أو لتصبّحنكم الخيل. فوافاهم الماء قبل أن يعتموا فقال أبو الهندام: " الصدق ينبي عنك لا الوعيد ".
رسالة يزيد بن الوليد إلى مروان بشأن البيعة
ولما بايع الناس يزيد بن الوليد أتاه الخبر عن مروان ببعض التلكؤ والتربص، فكتب إليه يزيد: أما بعد فإني " أراك تقدّم رجلاً وتؤخر أخرى " فإذا أتاك كتابي هذا فاعتمد على أيتهما شئت، والسلام.
عبد الله بن الأهتم يعزي
أمية بن عبد اللّه بن خالد بن أسيد بعد هزيمته
ولما هزم أمية بن عبد اللّه بن خالد بن أسيد لم يدر الناس كيف يعزّونه، فدخل عليه عبد اللّه بن الأهتم فقال: " مرحبا بالصابر المخذول " الحمد اللّه الذي نظر لنا عليك ولم ينظر لك عليّنا، فقد تعرّضت للشهم دة بجهدك إلا أن اللّه علم حاجة الإسلام إليك فأبقاك له بخذلان من كان معك لك. فصدر الناس عن كلامه.
رسالة الحارث بن خالد المخزومي إلى
مسلابن عقبة المري والرد عليهم
وكتب الحارث بن خالد المخزومي - وكان عامل يزيد بن معاوية على مكة - إلى مسلابن عقبة المرّيّ، فأتاه الكتاب وهو بآخر رمق، وفي الكتاب: أصلح اللّه الأمير، إن ابن الزبير أتاني بما لا قبل لي به فآنحزت. فقال: يا غلام اكتب إليه: أمّا بعد فقد أتاني كتابك تذكر أن ابن الزبير أتاك بما لا قبل لك به فانحزت. وآيم اللّه ما أبالي على أيّ جنبيك سقطت إلا أن شرهما لك أحبّهما إليّ، وباللّه لئن بقيت لك لأنزلنّك حيث أنزلت نفسك والسلام.
بين معاوية وملك الروم
أبو حاتم قال: حدّثنا العتبي قال: حدّثنا إبراهيم قال: لما أسنّ معاوية اعتراه أرق
فكان إذا هوّم أيقظته نواقيس الروم، فلما أصبح يوماً ودخل عليه الناس قال: يا معشر
العرب، هل فيكم فتى يفعل ما آمره وأعطيه ثلاث ديات أعجّلهم وديتين إذا رجع? فقام
فتى من غسّان فقال: أنا يا أمير المؤمنين. قال: تذهب بكتبي إلى ملك الروم، فإذا
صرت على بساطه أذّنت. قال: ثم ماذا? قال: فقط. فقال: لقد كلّفت صغيراً وآتيت
كبيراً. فكتب له وخرج، فلما صار على بساط قيصر أذّن، فتناجزت البطارقة وآخترطوا
سيوفهم فسبق إليه ملك الروم فجثا عليه وجعل يسألهم بحق عيسى وبحقهم عليه لمّا
كفّوا، ثم ذهب به حتى صعد على سريره ثم جعله بين رجليه، ثم قال: يا معشر البطارقة،
إن معاوية رجل قد أسنّ وقد أرق وقد آذته النواقيس، فأراد أن نقتل هذا على الأذان
فيقتل من قبله منّا ببلاده على النواقيس، و اللّه ليرجعنّ إليه بخلاف ما ظنّ.
فكساه وحمله فلما رجع إلى معاوية قال: أو قد جئتني سالماً? قال: نعم، أمّا من قبلك
فلا.وكان يقال: ما ولي المسلمين أحد إلا ملك الروم مثله إن حازماً وإن عاجزاً.
وكان الذي ملكهم على عهد عمر هو الذي دوّن لهم الدواوين ودوّخ لهم العدوّ، وكان
ملكهم على عهد معاوية يشبه معاوية في حزمه وحلمه. وبهذا الإسناد قال: كانت
القراطيس تدخل بلاد الروم من أرض العرب وتأتي من قبلهم الدنانير، وكان عبد الملك
أوّل من كتب "قل هو اللّه أحدٌ" وذكر النبي في الطّوامير، فكتب إليه ملك
الروم: إنكم قد أحدّثتم في طواميركم شيئاً من ذكرنبيكم نكرهه فانه عنه وإلا أتاكم
في دنانيرنا من ذكره ما تكنرهون. فكئر ذلك في صدر عبد الملك وكره أن يدع شيئاّ من
ذكر اللّه قد كان أمر به أو يأتيه في الدنانير من ذكرالرسول ما يكره، فأرسل إلى
خالد بن يزيد بن معاوية فقال: يا أبا هم شم إحدى بنات طبق، وأخبره الخبر. فقال::
ليفرخ روعك، حرّم دنانيرهم وآضرب للناس سككا ولا تعفهم مما يكرهون. فقال عبد الملك:
فرّجتهم عنّي فرّج اللّه عنك. حدّثنا الرياشيّ قال: لما هدم الوليد بن عبد الملك
كنيسة دمشق كتب إليه ملك الروم: إنكقد هدمت الكنيسة التي رأى أبوك تركهم فإن كان
حقاً فقد أخطا أبوك، وإن كان باطلاّ فقد خالفته. فكتب إليه الوليد: "وداود
وسليمان إذ يحكمان في الحرث " إلى آخر القصة.
وبين قيصر ومعاوية
وقد أرسل يسأله فاستعان لجوابه بابن عباس
حدّثنا
الزياديّ محمد بن زياد قال: حدّثنا عبد الوارث بن سعيد قال: حدّثنا عليّ بن زيد عن
يوسف بن مهران عن ابن عباس قال: كتب قيصر إلى معاوية: سلام عليك، أمّا بعد فأنبئني
بأحبّ كلمة إلى اللّه وثانية وثالثة ورابعة وخامسة، ومن أكرم عباده إليه وأكرم
إمائه، وعن أربعة أشياء فيهنّ الروح لم يرتكنضن في رحم، وعن قبر يسير بصاحبه ومكان
في الأرض لم تصبه الشمس إلا مرة واحدة، والمجرّة ما موضعهم من السماء، وقوس قزح
وما بدء أمره? فلما قرأ كتابه قال: اللّهم ألعنه ! ما أدري ما هذا!. فأرسل إليّ
يسألني فقلت: أمّا أحب كلمة إلى اللّه فلا إله إلا اللّه لا يقبل عملاّإلا وهي
المنجية بهم ، والثانية سبحان اللّه وهي صلاة الخلق، والثالثة الحمد اللّه كلمة
الشكر، والرابعة اللّه أكبر فواتح الصلوات والركوع والسجود، والخامسة لا حول ولا
قوّة إلا باللّه. وأمّا أكرم عباد اللّه إليه فآدم خلقه بيده وعلّمه الأسماء كلهم
، وأكرم إمائه عليه مريم التي أحصنت فرجهم. والأربعة التي فيهنّ روح ولم يتركضن في
رحم فآدم وحوّاء وعصا موسى والكبش.
والموضع الذي لا تصبه الشمس إلا مرة واحدة فالبحر حين انفلق لموسى وبني إسرائيل.
والقبر الذي سار بصاحبه فبطن الحوت الذي كان فيه يونس.
بين عمرو بن العاص ومعاوية في مجلس عمر بن الخطاب أبو حاتم عن العتبيّ عن أبيه
قال: قدم معاوية من الشام وعمرو بن العاص من مصر على
عمر فأقعدهما بين يديه وجعل يسألهما عن أعمالهما إلى أن اعترض عمرو في حديث
معاوية، فقال له معاوية: أعليّ! تعيب وإليّ تقصد? هلمّ حتى أخبر أمير المؤمنين عن
عملك وتخبره عن عملي. قال عمرو: فعلمت أنه بعملي أبصر مني بعمله وأنّ عمر لا يدع
أول هذا الحديث حتى يأتي على آخره، فأردت أن أفعل شيئاّ أقطع به ذلك فرفعت يدي
فلطمت معاوية، فقال عمر: تاللّه ما رأيت رجلًا أسفه منك، يا معاوية ألطمه. فقال
معاوية: إن لي أميراً لا أقضي الأمور دونه. فأرسل عمر إلى أبي سفيان فلما رآه ألقى
له وسادة ثم قال معتذراً: قال رسول اللّه "إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه "
ثم قص عليه ما جرى بين عمرو ومعاوية فقال: ألهذا بعث إقي ?أخوه وابن عمه وقد أتى
غير كبير، قد وهبت له ذلك.
حكم معاوية بين بشر بن أرطأة وزيد بن عمر
أبو
حاتم عن الأصمعيّ عن نافع قال: ذكر بشر بن أرطاة عليّاً فنال منه فضرب زيد بن عمر
- وأمه ابنة عليّ بن أبي طالب - على رأسه بعصا فشجّه فبلغ ذلك معاوية فبعث إلى زيد
بن عمر: أ تدري ما صنعت ? وثبت على بشر بن أرطأة وهو شيخ أهل الشام فضربت رأسه
بعصا، لقد أتيت عظماء. ثم بعث إلى بشر فقال: أتدري ما صنعت ? وثبت على ابن الفاروق
وابن عليّ بن أبي طالب تسبّه وسط الناس وتزدريه، ولقد أتيت عظيماً. ثم بعث إلى هذا
بشيء و إلى هذا بشيء.
المدائني قال: كان ابن المقفع محبوساً قي خراج كان عليه وكان يعذًب، فلما طال ذلك
وخشى على نفسه تعيّن من صاحب العذاب مائة ألف درهم فكان بعد ذلك يرفق به إبقاء على
ماله.
حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: قال المختار: ادعو إلى المهديّ محمد بن الحنفية،
فلما خشي أن يجيء قال: أما إنّ فيه علامة لا تخفى، يضربه رجل بالسيف ضربة لا تعمل
فيه. قال الأصمعيّ: عرّضه لأن تجرّب به.
حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن عوانة بن الحكم الكلي قال: ولىّ عليّ رضي اللّه
عنه الأشترمصر فلما بلغ العريش أتى بطرا مصر فقال له مولى لعثمان وكان يقول: أنا
مولى لآل عمر: هل لك في شربة من سويق أجدحهم لك ? قال: نعم. فجدح له بعسل وجعل
فيهم سمّاً قاضيًا فلما شربهم يبس، فقال معاوية لما بلغه الخبر: يا بردهم على
الكبد! "إنّ اللّه جنوداّ منهم العسل وقال عليّ: "لليدين وللفم
بين عليّ بن أي طالب وأولاد عثمان
حدّثنا أبو حاتم عن الأصمعيّ عن ابن أبي الزّناد قال: نظر عليّ إلى ولد عثمان كأنهم مستوحشون فسألهم فقالوا: نرمى بالليل. فقال: من أين يأتيكم الرمي ? قالوا: من ههنا. فصعد عليّ ولفّ رأسه ثم جعل يرمي وقال: إذا عاد فافعلوا مثل هذا. فانقطع الرمي.
سليمان النبي عليه السلام في كشف سارق الإوزة
قال محمد بن كعب القرظيّ: جاء رجل إلى سليمان النبي عليه السلام فقال: يا نبيّ اللّه: إنّ لي جيراناً سرقوا إوزّتي. فنادى: الصلاة جامعةّ. ثم خطبهم فقال في خطبته: وأحدكم يسرق إوزة جاره ثم يدخل المسجد والريش على رأسه! فمسح رجل على رأسه، فقال سليمان. خذوه فهو صاحبكم.
بين الحكم بن أيوب الثقفي وإياس بن معاوية
أخذ الحكم بن أيوب الثّقفي عامل الحجاج إياس بن معاوية في ظنّة الخوارج، فقال له الحكم: إنك خارجي منافق وشتمه، ثم قال: آئتني بمن يكفل بك. قال: ما أجد أحداً أعرف بي منك. قال: وما علمي بك وأنا من أهل الشام وأنت من أهل العراق. قال إياس. ففيم هذه الشهم دة منذ اليوم. فضحك وخلّى سبيله.
في حسن جواب رجل مخزومي على عبد الملك بن مروان
دخل رجل من بني مخزوم على عبد الملك بن مروان وكان زبيريا، فقال له عبد الملك: أليس قد ردك اللّه على عقبيك ? قال: ومن ردّ عليك فقد ردّ على عقبيه ? فسكت عبد الملك وعلم أنه قد أخطأ.
بين الضحاك بن مزاحم ونصراني
وكان رجل من النصارى يختلف إلى الضّحّاك بن مزاحم فقال له يوماً: لو أسلمت! قال: يمنعني من ذلك حبّي للخمر. قال: فاسلم واشربهم. فاسلم، فقال له الضحاك: إنك قد أسلمت فإن شربت الخمر حددناك وإن رجعت عن الإسلام قتلناك. فحسن إسلامه.
بين أم أفعى العبد ية وعائشة رضي اللّه عنهم
دخلت
أم أفعى العبد ية على عائشة رضي اللّه عنهم فقالت: يا أم المؤمنين ما تقولين في
امرأة
قتلت ابناً لهم صغيراً? قالت: وجبت لهم النار. قالت: فما تقولين في امرأة قتلت من
أولادهم الأكابر عشرين ألفا? قالت: خذوا بيد عدوة اللّه.
كتاب يزيد بن معاوية إلى أهل المدينة، وشعر تمثّل به
العتبيّ قال: كتب يزيد بن معاوية إلى أهل المدينة: أما بعد فإنّ اللّه لا يغير ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم وإذا أراد اللّه بقوم سوءاّ فلا مردّ له وما لهم من دونه من وال. إني واللّه قد لبستكنم فاخلقتكنم ورقعت بكم فآخترقتكنم ثم وضعتكنم على رأسي ثم على عيني ثم على فمي ثم على بطني. وآيم اللّه لئن وضعتكنم تحت قدمي لأطاّنكم وطأة أقلّ بهم عددكم واذلّ غابركم وأترككم أحاديث تنسخ بهم أخباركم مع أخبار عاد وثمود. ثم تمثّل:
لعل الحلم دل عليّ قومـي |
|
وقد يستضعف الرجل الحليم |
ومارست الرجال ومارسوني |
|
فمعوجٌّ عليّ ومسـتـقـيم |
بين سراقة بن مرداس والمختار
أبو حاتم قال: حدّثنا أبو عبيد ة قال: أخذ شراقة بن مرداس البارقيّ أسيراً يوم جبانة السّبيع، فقدّم في الأسرى فقال:
امنن عليّ اليوم يا خير معـدّ |
|
وخير من حلّ بصحراء الجند |
وخير من لبّى وصلّى وسجد فعفا عنه المختار. ثم خرج مع إسحاق بن الأشعث عليه فجيء بسراقة أسيراً فقال له المختار: الأأعف عنك ? أما واللّه لأقتلنّك. قال: إنّ أبي أخبرني أن الشام ستفتح لك حتى تهدم مدينة دمشق حجراً حجراً وأنا معك فواللّه لا تقتلني. ثم أنشده:
ألا أبلغ أبا إسـحـاق أنـا |
|
نزونا نزوة كانت علـيّنـا |
خرجنا لا نرى الضعفاء شيئا |
|
وكان خروجنا بطرا وحينا |
نراهم في مصفّهم قـلـيل |
|
وهم مثل الدّبا لما آلتقـينـا |
فأسجح إن قدرت فلو قدرنا |
|
لجرنا في الحكومة وآعتدينا |
تقبّل توبة مـنـي فـإنـي |
|
سأشكر إن جعلت النّقد ديناً |
فخلّى سبيله. ثم خرج إسحاق عليه ومعه سراقة فأخذ أسيراً فقال: الحمد اللّه الذي أمكنني منك يا عدو اللّه. فقال سراقة: ما هؤلاء الذين أخذوني! فأين هم? لا أراهم! إنا لما التقينا رأينا قوماً عليهم ثياب بيض على خيل بلق تطير بين السماء والأرض. فقال المختار: خلّوا سبيله ليخبر الناس. "ثم عاد لقتاله وقال:
ألا من مخبر المختار عني |
|
بأن البلق بيض مصمتات |
أري عينيّ ما لـم تـرأياه |
|
كلانا عالأبالتّـرّهـم ت |
كفرت بدينكم وجعلت نذرا |
|
عليّ قتالكم حتى الممات" |
المنير بن شعبة مع عليّ رضي اللّه عنه
خرج المغيرة بن شعبة مع النبيّ في بعض غزواته وكانت له عنزة يتوكأ عليهم فربما أثقلتهفيرمي بهم قارعة الطريق فيمرّ بهم المارّ فيأخذهم ، فإذا صار إلى المنزل عرفهم فأخذهم المغيرة ففطن له عليّ رضي اللّه عنه فقال: لأخبرن النبي ، فقال: لئن أخبرته لا تردّ بعدهم ضالةٌ أبداً. فأمسك عليّ.
باب من أخبار الدولة والمنصور والطالبيين
حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا أبو أسامة عن زائدة عن سماك عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه كان إذا سمعهم يقولون: يكون في هذه الأمة اثنا عشر خليفة، قال: ما أحمقكم! إنّ بعد الاثني عشر ثلاثة منا: السفاح والمنصور والمهدي يسلمهم إلى الدجّال. قال أبو أسامة: تأويل هذا عندنا أن ولد المهديّ يكونون بعده إلى خروج الدجال.
محمد بن عليّ العباسي عندما أرسل دعاته إلى خراسان
وقال محمد بن عليّ بن عبد اللّه بن عباس لرجال الدعوة حين اختارهم للدعوة وأراد
توجيههم: أما الكوفة وسوادهم فهناك شيعة عليّ بن أبي طالب. وأما البصرة فعثمانية
تدين بالكفّ وتقول كن عبد اللّه المقتول ولا تكن عبد الله القاتل. وأما الجزيرة
فحرورية مارقة وأعراب كأعلاج ومسلمون في أخلاق النصارى. وأما أهل الشام فليس
يعرفون إلا آل أبي سفيان وطاعة بني مروان، عداوة لنا راسخة وجهلًا متراكماً. وأما
أهل مكة والمدينة فقد غلب عليهما أبو بكر وعمر، ولكن عليكم بخراسان فإن هناك العدد
الكثير والجلد الظاهر وصدوراً سليمة وقلوبًا فارغة لم تتقسمهم الأهواء ولم
تتوزّعهم النّحل ولم تشغلهم ديانة ولم يتقدّم فيهم فساد وليست لهم اليوم همم العرب
ولا فيهم كتحازب الأتباع بالسادات وكتحالف القبائل وعصبيّة العشائر، ولم يزالوا
يذلون ويمتهنون ويظلمون ويكظمون ويتمنّون الفرج ويؤمّلون "الدول" وهم
جند لهم أجسام وأبدان ومناكب وكواهل وهم مات ولحىً وشوارب وأصوات هم ئلة ولغات
فخمة تخرج من أفواه منكرة، وبعد فكأني أتفأّل إلى المشرق وإلى مطلع سراج الدنيا
ومصباح الخلق.
بين مروان بن محمد وسعيد بن عمرو المخزومي
وقال
سعيد بن عمرو بن جعدة المخزومي: كنت مع مروان بن محمد بالزّاب فقال لي: يا سعيد من
هذا الذي يقابلني ? قلت: عبد الله بن عليّ بن عبد الله بن عباس. قال: أعرفه? قلت:
نعم، أما تعرف رجلًا دخل عليك حسن الوجه مصفراً رقيق الذراعين حسن اللسان فوقع في
عبد الله بن معاوية? فقال: بلى قد عرفته واللّه، يا بن جعدة ليتً عليّ بن أبي طالب
"في الخيل "يقابلني. إن عليّاً وأولاده لا حظ لهم في هذا الأمر، وهذا
رجل من بني العباس ومعه ريح خراسان ونصر الشام، يا بن جعدة أتدري لم عقدت لعبد
اللّه ولعبيد اللّه وتركت عبد الملك وهو أكبر منهما? قلت. لا أدري. قال: لأني وجدت
الذي يلي هذا الأمر بعدي عبد الله أو عبيد اللّه، فكان عبيد اللّه أقرب إلى عبد
الله من عبد الملكتاب مروان إلى عبد الله بن عليّ العباسي وكتب مروان إلى عبد الله
بن عليّ: إني لا أظن هذا الأمر إلا صائرا إليكم، فإن لك فاعلم أن حرمنا جرمكم.
فكتب إليه عبد اللّه. إن الحق لنا في دمك وإن الحق عليّنا في حرمك. لصالح بن عليّ بن
عبد اللّه بن عباس والمنصور بذكر سيرة خلفاء بني أمية سمر المنصور ذات ليلة فذي ت
طفاء بني أمية وسيرهم وم نهم لم يزالوا على استقامة حتى
أفضى أمرهم إلى أبنائهم المترفين فكانت هممهم من عظيم شان الملك وجلالة قدره قصد
الشهوات الإيثار اللذان والدخول في معاصي اللّه ومساخطه جهلا منهم باستدراج اللّه
وأمنا لمكره، فسلبهم اللّه العز ونقل عنهم النعمة. فقال له صالح بن عليّ. يا أمير
المؤمنين إن عبد اللّه ( بن مروان لما دخل أرض النوبة هم ربأ فيمن معه سال ملك
النوبة عنهم فأخبر فركب إلى عبد اللّه فكلمه بكلام عجيب في هذا النحو لا أحفظه
وأزعجه عن بلده، فإن رأى أمير المؤمنين أن يدعو به من الحبس بحضرتنا في هذه الليلة
ولمجماله عن ذلك. فأمر المنصور بإحضاره وسأله عن القصة فقال: يا أمير المؤمنين
قدمت أرض النوبة بأثاث سلم لي فافترشته بهم وأقمت ثلاثأ، فأتاني ملك النوبة وقد
خبر أمرنا، فدخل عليّ رجل طوال أقنى حسن الوجه فقعد على الأرض ولم يقرب الثياب،
فقلت: ما يمنعك أن تقعد على ثيابنا? قال: لأني ملك، وحق على كل ملك أن يتواضع
لعظمة اللّه إذ رفعه. ثم قال لي: لم تشربون الخمر وهي محرمة عليكم ? قلت: آجترأ
على ذلك عبيد نا وأتباعنا لأن الملك زال عنا. قال: فلم تطاون الزروع بدوابكم
والفساد محرم عليكم ? قلت. يفعل ذلك جهم لنا. قال: فلم تلبسون الديباج والحرير
وتستعملون الذهب والفضة وذلك محرم عليكم ? قلت: ذهب الملك منا وقل أنصارنا
فانتصرنا بقوم من العبم دخلوا في ديننا فلبسوا ذلك على الكره منا. قال: فاطرق مليا
وجعل يقلب يديه وينكت الأرض أو يقول لأ: عبيد نا وأتباعنا دخلوا في ديننا وزال
الملك عنا! يردده مرارأم ثم قال: ليس ذلك كما ذكرت بل أنتم قوم استحللتم ما حرم
عليكم وركبتم ما عنه نهيتم، وظلمتم فيما ملكتم فسلبكم اللّه العز وألبسكم الذل
بذنوبكم، واللّه فيكم نقمة لم تبلغ غايتهم وأخاف أن يحل بكم العذاب وأنتم ببلدي
فيصيبني معكم، وإنما الضيافة ثلاثة أيام فتزودوا ما آحتجتم إليه وارتحلوا عن بلدي.
ففعلت ذلك.
عبد اللّه بن عليّ والإجهم ز على بقية أهل آل مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية
ولما افتتح المنصور الشام وقتل مروان قال لأبي ( عون ومن معه من أهل خراسان: إن لي
في بقية آل مروان تدبيرا فتأهبوا يوم كذا وكذا في أكمل عذة، ثم بعث إلى آل مروان
في ذلك اليوم فجمعوا وأعلمهم أنه يفرض لهم في العطاء، فحضر منهم ثمانون رجلا
فصاروا إلى بابه ومعهم رجل من كلب قد وئدهم ثم أذن لهم فدخلوا، فقال الآذن للكلبي:
ممن أنت ? قال: من كلب وقد وندتهم. قال: فانصرف ودع القوم. فأبى أن يفعل وقال: إني
خالهم ومنهم. فلما استقر بهم المجلس خرج رسول المنصور وقال بأعلى صوته: أين حمزة
بن عبد المطلب ? ليدخل، فأيقن القوم بالهلكة، ثم خرج الثانية فنادى: أين الحسن بن
عليّ ? ليدخل، ثم خرج الثالثة فنادى: أين زيد بن عليّ بن الحسين ? ثم خرج الرابعة
فقال: أين يحمص بن زيد? ثم قيل: ائذنوا لهم. فدخلوا وفيهم الغمر بن يزيد وكان له
صديقا فاومأ إليه: أن ارتفع. فاجلسه معه على طنفسته وقال للباقين: اجلسوا. وأهل
خراسان قيام بأيديهم العمد فقال: أين العبد قي الشاعر? فقام وأخذ في قصيدته التي
يقول فيهم. (.
أما الدعاة إلى الجنان فهم شم وبنو أمبة من دعاة النار فلما أنشد أبياتا منهم قال
الغمر: يا بن الزانية. فانقطع العبد ي وأطرق عبد اللّه ساعة ثم قال: امض في نشيدك.
فلما فرغ رمى إليه بصرة فيهم ثلاثمائة دينار، ثم تمثل بقول القائل . (. ولقد ساءني
وساء سواي قربهم من منابر وكراسي أنزلوهم بحيث أنزلهم الد ط بدار الهوان والإتعاس
ألا تقيلن عبد شمس عثارا واقطعوا كل نخلة وغراس ، اذكروا مصرع الحسين وزيد وقتيلا
بجانب اسهراس ( ثم قال لأهل خراسان: دهيدا. فشدخوا بالعمد حتى سالت أدمغتهم، وقام
الكلبي فقال: أيهم الأمير: أنا رجل من كلب لست منهم. فقال. (: ومدخل رأسه لم يدنه
أحد بين القرينين حتى لزه القرن
ثم قال: دهيد. فشدخ الكلبي معهم ثم التفت إلى الغمر فقال: لا خير لك في الحياة
بعدهم. قال: أجالى. فقتل ! ثم دعا ببراذع فألقاهم عليهم وبسط عليهم الأنطاع ودعا
بغدائه فأكل فوقهم وإن أنين بعضهم لم يهدأ، حتى فرغ ثم قال: ما تهنات بطعام منذ
عقلت مقتل الحسين إلا يومي هذا. وقام فأمر بهم فجروا بأرجلهم وأغنم أهل خراسان
أموالهم ثم صلبوا في بستانه. وكان يأكل يوما فأمر بفتح باب من الرواق إلى البستان
فإذا رائحة الجيف تملأ الأنوف، فقيل له: لإل أيرلبئ أيهم الأمير برد هذا الباب !
فقال: واللّه لرائحتهم أحعبئ إلي وأطيب من رائحة المسك. ثم حسبت أمية أن سترضى هم
شم عنهم ويذهب زيدهم وحسينهم كلا ورب محمد وإفهه حتى تباح سهولهم وحزونهم وتذنث زل
حليلة لحليلهم بالمشرفي وتسترد ديونهم بين المهدي ورجل من بني أمية وأتي المهدي
برجل من بني أمية كان يطلبه فتمثل بقول سديف شاعرهم(جرد السيف وارفع السوط حتى لا
ترى فوق ظهرهم أمويا لايغرنك ما ترى اليوم منهم إن تحت الضلوع داء دويا فقال
الأموي: لكن شاعرنا يقول : شمس العداوة حتى يستقاد لهم وأعظم الناس أحلاما إذا
قدروا فقال المهدي: قال شاعركم ما يشبهكم وقال شاعرنا ما يشبهنا. ثم أمر به فقتل.
وقال رجل: كنا جلوسا مع عمرو بن عبيد في المسجد، فاتاه رجل بكتاب المنصور على لسان
محمد بن عبد اللّه بن الحسن يدعوه إلى نفسه، فقرأه ثم وضعه فقال الرسول. الجواب.
فقال: ليس له جواب، قل لصاحبك: دعنا نجلس في هذا الظل ونشرب من هذا الماء البارد
حتى ناتينا اجالنا قي عافية.
عمرو بن عبيد والمنصور، وشعر للمنصور فيه وكان عمرو بن عبيد إذا رأى المحنصور يطوف
حولي الكعبة في قرطين يقول: إن يرد اللّه بامة محمد خيرا يول أمرهم هذا الشاب من
بني هم شم. وكان له صديقا ظما دخل عليه بعد الخلافة وكلمه وأراد الانصراف، قال: يا
أبا عثمان سل حاجتكن. قال: حاجتي ألا تبعث إلي حتى آتيك ولا تعطيني حتى أسألك. ثم
نهض فقال المنصور. (: سكم ماشي رويد سثكم خاتل صيد غير عمرو بن عبيد فلما مات عمرو
رثاه المنصور فقال : صئى الافه عليك من متبرسد شبرا مررت به على مران قبرأتضقن
مؤمنا متحنفا صدق (7 ت ودان بالقرآن وإذا الرجال تنازعوا في سنة فصل الحديث بحكمة
ولمجان لو أن هذا الدهر أبقى صاسا أبقى لمحنا حيا أبا عثمان حديث وضاخ بن حبيب مع
المنصور قال الوضاح بن حبيب: كنا إذا خرجنا - يعني أصحابه - من عند المنصور صرنا
إلى المهدقي وهو يومئذ ولي عهده ففعلنا ذلك يوما فابرز إلي يده، ولم يكن ذلك من
عادته، فاكببت عليهم فقئلتهم وضرب بيدي إلى يده، ثم علمت أنه لم يفعل ذلك إلا لشيء
في يده، فوضع في يدي كتابا صغيرا تستره الكف، فلما خرجت فتحته فإذا فيه: يا
وضهماح، إذا قرأت كتابي فاستأذن إلى ضياعك بالري. فرجعت فقلت للربيع (: استأذن لي.
فدخل فاستأذن، فاه ذن لي، فدخلت فقلت: يا أمير المؤمنين، ضياعي بالرئ قدا اختئت
وبي حاجة إلى مطالعتهم. فقال: لا، ولا كرامة. فخرجت ح ثم عدت إليه اليوم الثاني
والقوم معي فدخلنا فاستأذنته، فرذ إلي مثل الجواب الأول. فقلت: يا أمير المؤمنين
ما أريد إصلاحهم إلا لأقوى بهم على خدمتكن. فسري عنه، ثم قال: إذا شئت فودع. فقلت
!! أمير المؤفين ولي حاجة أذكرهم. قال: قل. قلت: أحتاج إلى خلوة. فنهض القوم وبقي
الربيع قلت: أخلني. قال: ومن الربيع وبينكما ما بينكما! قلت: نعم. فتنحى الربيع،
فقال: قد خلوت فقل إن جدت لي بمالك ودمك. فقلت: يا أمير المؤمنين، وهل أنا ومالي
إلا من نعمتكن، حقنت دمي ودم أبي ورددت عليّ مالي وآثرتني بصحبتكن. قال: إنه يهجر في
نفسي أن جهورا"ا( على خلع وبيس له غيرك لما أعرفه بينكما، فاظهر إذا صرت ليه
الوقيعة في والتنقص لي حتى تعرف ما عنده، لان رأيته يهم بخلع فاكتب !لي، ولا
تكنتبن على يد بريد ولا مع رسول ولا يفوتني خبرك في كل يوم فقد نصبت لك فأناً
القطان في دار القطن فهو يوصل كتبك في كل يوم إلي. قال: فمضيت حتى أتيت الري فدخلت
على جهور فقال: أفلت ? فقلت: نعم والحمد اللّه. ثم أقبلت أؤانسه بالوتيعة فيه حتى
أظهر ما ظن به المنصور فكتبت إليه بذلك.
دخول عبد اللّه بن الحسن الطالبي إلى المنصور وإعجاب إسحاق بن مسلم بكلامه، ثم
كشفه
دخل عبد اللّه بن الحسن الطالبي على المنصور وعنده إسحاق بن مسلم العقيلي وعبد
الملك بن حميد الشامي الكاتب، فتكنلم عبد اللّه بكلام أعجب إسحاق فغم ذلك المنصور،
فلما خرج عبد اللّه لال: يا غلام رده. فلما رجع قال: يا أبا محمد إن إسحاق بن مسلم
حدّثني أن رجلا هلك بدمشق وترك ناضا" كثيرا وأرضا ورقيقا وزعم أنه مولاكم
وأشهد على ذلك. قال: نعم يا أمير المؤمنين، ذلك مولاف ا قد كنت أعرفه وأكاتبه.
فقال المنصور: يا إسحاق، أعجبك كلامه فأحببت أن تعرفه.
شعر تمثل به عبد اللّه بن الحسن بحضرة أبو العباس لما بنى المدينة بالأنبار أبو
الحسين المدائني قال: لما بنى أبو العباس المدينة بالأنبار قال لعبد اللّه بن
الحسن. يا أبا محمد كيف ترى? فتمثل عبد اللّه فقال : ألم ترحوشبا أمسى!ي
قصورأنفعهم لبني بقيله يؤمل أن يعمر عمر نوح وأمر اللّه يحدّث كل ليله ثم انتبه
فقال: أقلني رأقالك اللّه أ. قال: لا أقالني اللّه إن بت في عسكري. لأخرجه إلى
المدينة لأبي ذر وحديث للنبي يخف!قه أحنش بن المغيرة قال: جئت وأبو ذر آخذ بحلقة
باب اسعبة وهو يقول: أنا أبو ذر الغفاري، من لم يعرفني فأنا جندب صاحب رسول اللّه
مجسنظ، سمعت رسول اللّه سججيشه يقول: "مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبهم
نجا"أ.
خروج ابن عمر إلى الحسين يناشده عدم الخروج إلى العراق ويرده حد!ا خالد بن محمد
الأزدي قال: حدّثنا شبابة بن سؤار عن يحص بن إسماعيل بن سالم عن الشعبي قال: قيل
لابن عمر: إن الحسين قد توجه إلى العراق، فلحقه على ثلاث ليال من المدينة وكان عند
خروج الحسين غائبا في مال له فقال: أين تريد? قال: العراق. وأخرج إليه كتبا
وطوامير قال: هذه كتبهم وبيعتم. فناشده اللّه أن يرجع فأبى فقال: أما إني ساحدّثك
حديثا: إن جبريل عليه السلام أتى النبي !نه خيره بين الدنيا والآخرة فاختار
الآخرة، وإنكم بضعة من النبي لمجف!فه، واللّه لا ظيهم أنت ولا أحد من أهل بيتكن
وما صرفهم اللّه عنكم إلا لما هو خير لكم فارجع. فأبى فاعتنقه وبكى وقال: أستودعك
اللّه من قتيل.
رد الأحنف على كتاب الحسين بن عليّ رضي اللّه عنهما يدعوه إلى نفسه حدّثني القاسم
بن اسسن عن عليّ بن محمد عن مسلمة بن محارب عن السكن قال: كتب اسسين بن عليّ رضي
اللّه ضهما إلى الأحنف يدعوه إلى نفسه فلم يرد الجواب وقال: قد جربنا آل أبي اسسن
فلم نجد عندهم إيالة للملك ولا جمعاً للمال ولا مكيدة في الحرب.
وقال الشعبي. ما لقينا من ال أبي طالط ? إن أحشاهم قتلونا، لان ألغضناهم أدخلونا النار...
..
لسكينة بنت الحسين في أهل الكوفة ولما قتل مصعب بن الزبير خرجت شكينة بنت الحسين
تريد المدينة فاطاف بهم أهل الكوفة فقالوا: أحسن اللّه صحابتكن يا بنت رسول اللّه.
فقالت: واللّه لقد قتلتم جدي وأبي وعقي وزوجي مصعبا، أيتمتموني صغيرة وأرملتموني
لمجيرة فلا عأماكم اللّه من أهل للد ولا أحسن طيكم الخلافة..
لبعض الشعراء في رثاء الحسين وأهل بيته وقال بعض الشعراء. (: إبك حسينا لمجوم
مصرعه بالطف بين الكتائب الخرأضحت بنات النبي إذ قتلوا في مأتم والشاع في عرس روى
سنان ( بن حكيم عن أبيه قال: انتهب الناس ورسا في عسكر الحسين بن عليّ يوم قتل فما
تطيبت منه امرأة إلا برصت.
رثاء بنت عقيل بن أبي طالب للحسن . ولما قتل حسين قالت بنت لعقيل بن أبي طالب (:
ماذا تقولون إن قال النبي لكم ماذا فعلتم وم نتم أفضل الأمم بعترتي وبأهلي بعد
منطلقي منهم أسارى وقتلى ضرجوا بدم أما كان هذا جزائيأن نصحت سأأن تخلفوني بقتل في
ذوي رحمياً ( فما سمعهم أحد إلا بكى.
ودخل زيد بن عليّ على هشام فقال: ما فعل أخوك البقرة? لمال زيل: سي اللّه لمجيط
باقرا وتسمب بقرة! لقد اختلفتمام.
للنبي !ير أخبرنا جابر بن عبد اللّه أن النبي جي!ز قال: "يا جابر إنك ستعئر
بعدي حتى يولد لي مولود
اسمه كاسمي يبقر العلم بقرا فإذا لقيته فاقرئه مني السلامأفكان جابر يتردد في سكك
المدينة بعد ذهم ب بصره وهو ينادي: يا باقر، حتى قال الناس: قد جن جابر. فبينا هو
ذات يوم بالبلاط !ذ بصر بجارية يتوركهم صبي فقال لهم: يا جايى ية، من هذا الصبي ?
قالت: هذا محمد بن عليّ ابن الحسين بن عليّ بن أبي طالب. فقال: أدنيه مني. فأدنته
منه فقبل بين عينيه وقال: يا حبيبي، رسول اللّه يقرئك السلام. ثم قال: نعيت إلي
نفسي ورئي الكعبئ. ثم انصرف إلى منزله وم وصى فمات من ليلته.
حديث هشام وزيد بن عليّ أقال هشام(. بلغني أنك ترئص نفسك للخلافة وتطح فيهم وم نت
ابنأمة. قال له زيل: مهلا يا هشام فلو أن اللّه علم في أولاد السراري تقصيرا عن
بلوغ غاية ما أعطى إسماعيل ما أعطاه، ثم خرج زيد وبعث إليه بهذه الأبيات(.
مهلا بني عمنا عن نحت أثلتنا سيروا رويدا كما كنتم تسيرونا لا تجمعوا أن تهينونا
ونكرمكم وأن نكف الأذى عنكم وتؤذونا فاللّه يعلم أنا لا نحبكم ولا نلومكم ألا
تحبونا أثم إن زيدا أعطى اللّه عهدا ألا يلقى هشاما إلا في كتيبة بيضاء أو حمراء
فدخل الكوفة فطبع بهم السيوف وكان من أمره ما كان حتى قتل رحمه اللّه أ.
ذكر الأمصار قالت الحكماء: المدائن لا تبنى إلا على ثلاثة أشياء: على الماء والكلأ
والمحتطب. قال ابن شهم ب. من قدم أرضا فاخذ من ترابهم فجعله في مائهم ثم شربه عوفي
من وبائهم. لمعاوية بن أبي سفيان وقال معاوية لقوم قدموا عليه. كلوا من فحا أرضنا
فقلما أكل قوم من فحا أرض فضرهم ماؤهم.
حدّثني ارياشض قا،ل. حدّثني الأصمعيّ قال: قال معاوية: أغبط الناس عندي سعد مولاي،
وكان يلي أمواله بالحجاز، يترتجع جذة ويتقيظ الطائف وبتشتى مكة.
حدّثنا الرياشيّ قال: حدّثنا الأصمعيّ قال: أربعة أشياء قد ملأت الدنيا لا تكون
إلا باليمن: ا لخطر وا لكندز 113 وا لعصب وا لورس.
حدّثنا أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: اليهود لا تأكل من بقل سورى،( وتقول: هي مغيض ا
لطوفان.
لمعمر عن المحفوظات والملعونات من المدن والقرى قال: وقال الأصمعيّ عن معمر قال:
سبع محفوظات وسبع ملعونات، فمن المحفوظات نجران أ ومن الملعونات اثافت أوبرذعةأ.
وأثافست باليمن. وقفت باليمن على قرية فقلت لامرأة: ما تسمى هذه القرية? فقالت:
ويحك ! أما سمعت قول الشاعر: أحب أثافت عند القطاف وعند عصارة أعنابهم تقسيج
أعكمال البلدان وسوادهم قال الأصمعيّ: سواد البصرة الأهواز ودستميسان وفارس، وسواد
الكوفة كسكر إلى التراب إلى عمل حلوان إلى القادسية، وعمل العراق هيت إلى الصين
والسند والهند ثم كذلك إلى الري وخراسان إلى الديلم والجبال كلهم ، وأصبهم ن صرة
العراق افتتحهم أبو موسى الأشعريّ، والجزيرة ما بين دجلة والفرات، والموصل من
الجزيرة، ومكة من المدينة ومصر لا تدخل في عمل العراق !.
أول قرية بنيت بعد الطوفان حدّثني عبد الرحمن بن عبد المنعم عن أبيه عن وهب بن
منبه قال: أول قرية بنيت بعد الطوفان قرية ببردى تسمى سوق ثمانين، كان نوح لما خرج
من السفينة ابتناهم وجعل فيهم لكل زجل آمن معه بيتا وكانوا ثمانين فهي اليوم تسمى
سوق ثمانين. قال: وحران سميت بهم ران بن آزر أخي إبراهيم النبي جمجيهنه وهو أبو
لوط.
للنبي غشيه يخاطب بريدة أقال النبي جسجز لبريدة: "يا بريدة إنه سيبعث بعدي
بعوث فإذا بعثت فكن في أهل بعث المشرق ثم في بعث خراسان ثم في بعث أرض يقال لهم:
مروا، فإذا أتيتهم فانزل مدينتهم فإنه بناهم ذو القرنين وصلى فيهم ، غزيرة أنهم
رهم تجري بالبركة، في كل نقب منهم ملك شاهر سيفه يدفع عنهم السوء إلى يوم
القيامة" فقدمهم بريدة( فمات بهم.
لأبي جلدة في صفة الدنيا حدّثني أحمد بن ابخليل قال: حدّثني الأصمعيّ قال: أخبرني
النمر بن هلال الحبطي عن قتادة عن أبي جلدة قال: الدنيا كلهم أربعة وعشرون ألف
فرسخ فملك السودان اثنا عشر ألف فرسخ وملك الروم ثمانية آلاف فرسخ وملك فارس ثلاثة
آلاف فرسخ وأرض العرب ألف فرسخ. أ13 وقال أبو صالح: كنا عند ابن عباس فأقبل رجل
فجلس، فقال له. ممن أنت ? قال: من
أهل خراسان، قال: من أي خراسان ? قال: من هراة،(. قال: من أي هراة? قال: من بوشنج
(. ثم قال: ما فعل مسجدهم ? قال: عامر يصلى فيه. قال ابن عباس. كان لإبراهيم
مسجدان. المسجد الحرام ومسجد بوشنج. ثم قال: ما فعلت الشجرة التي عند المسجد? قال:
بحالهم. قال أخبرني العباس أنه قال في ظلهم أ.
خطبة عليّ رضي اللّه عنه في أهل البصرة
حدّثني
محمد بن عبد العزيز قال: حدّثنا يزيد بن خالد بن عبد اللّه بن ميمون الحراني عن
عوف بن أبي جميلة عن الحسن البصري قال: لما قدم عليّ رضي اللّه عنه البصرة ارتقى
على منبرهم فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال: يا أهل البصرة، يا بقايا ثمود ويا جند
المرأة ويا أتباع البهيمة، رغا فاتبعتم وعقر فانهزمتم. أما إني لا أقبرل رغبة فيكم
ولا رهبة منكم، غير أني سمعت رسول اللّه ب كصيقول: "تفتح أرض!ق يقال لهم
البصرة اقوم الأرضين قبلة، قارئهم أقرأ الناس، وعابدهم وقال أبو رائل: اختط الناس
البصرة سنة سبع عشرةأ(.
لخالد بن صفوان في قوم من بني الحارث فخر ناس من بني الحارث بن كعب عند أبي
العباس، فقال أبو العباس لخالد بن صفوان: ألا تكنتم يا خالد? قال: أخرال أمير
المؤمنين وأهله. قال: فانتم أعمام أمير المؤمنين وعصبته. قال خالد: ما عسى أن أقول
لقوم بين ناسج برد ودابغ جلد وسائر قرد، دذ عليهم هدهد وغرقتهم فارة وملكتهم
امرأة.
وله في الكوفة أسئل 12 خالد عن الكوفة فقال: نحن أبعد منكم سرئة وأعظم منكم بحرية
وأغذى منكم برية. وقال أبو بكر الهذلن: نحن أكثر منكم ساجا وعاجا وديباجا وخراجا
ونهرا عخاجاأ. شعر الخليل في ظهر البصرة وقال الخليل في ظهر البصرة مما يلي قصر
أوس من البصرة. (: زر وادي القصر نعم القصر والوادي لا بد من زورة عن غير ميعاد
ترفا به السفن والظلمان واقفة والضعمث والنون والملآخ والحادي ومثله لابن أى عيينة
وقال ابن أبي عيينة في مثل ذلك 60(: يا جنة فاتت ( الجنان فما تبلغهم نهيهممة ولا
ثمن ألفتهم فاتخذتهم وطنا إن فؤاد،9 لهحبهم وطن زؤج حيتانهم الضباب بهم فهذه كن!ة
رذا ختن فانظر وفتهر فيما تطيف به اق الأريب المفنهر الفطن من لسفنن كالنعام مقلة
ومن نعام كان!!هم سفن شعر لابن كناسة في ظهر الكوفة أنشد محمد بن عمر عن ابن كناسة
في ظهر الكوفة،(: وإن بهم لو تعلمين أصائلا وليلا رقيقا مثل حاشية البرد لإبراهيم
التيمي في أرض الكوفة بلغني عن إبراهيم بن مهدي عن إسرائيل عن إبراهيم بن مهم جر
عن إبراهيم التيمي قال: لما أمرت الأرض أن تغيض غاضت إلا أرض الكوفة فلعنت، فجميع
الأرض تكنرب على ثورين وأرض الكوفة تكنرب على أربعة ثيران.
في كمال الرجل وكان يقال: إذا كان علم الرجل حجازيا وسخاؤه كوفيا وطاعته شامية فقد
كمل.
أأ(لما اجتوى المسلمون المدائن بعدما نزلوا وآذاهم الغبار والذباب، كتب عمر إلى.
سعد غ ل! بعثة رواد يرتادون منزلا بريا فإن العرب لا يصلحهم إلا ما يصلح الإبل
الشاه. فسال من قبله عن هذه الصفة فيما يليهم، فأشار عليه من رأى العراق من وجوه
العرب باللسان. وظهر الكوفة يقاك له اللسان، وهو فيما بين النهرين إلى عين بني
الحداء، وكانت العرب تقول: أدلبر البر لسانه في الريف، فما كان يلي الفرات منه فهو
الملطاط، وما كان يلي الظهز منه فهو النجاف، فكتب إلى سعد يأمره به أ.
شعر للنابغة الجعدي يمدح الشأم وقال النابغة الجعدي يمدح الشأم .(: جاعليّن الشام
حما14 لهم ولئن هئوا لنعم المنتقل موته أجر ومحياه غنى وإليه عن أذاه معتزل وقال
أيضا: ولكن قومي أصبحوا مثل خيبر بهم داؤهم ولا تضر الأعاديا قال الأصمعيّ: لم
يولد بغدير ختم مولود فعاش إلى أن يحتلم إلا أن يتحول عنهم. قال: وحوة ليلى ربما
مر بهم الطائر فيسقط ريشه.
للجاحظ فيمن دخل أرض تبت والأهواز والموصل قال عمرو بن بحر: يزعمون أن من دخل أرض
تبت لم يزل ضاحكا مسرورا من غير عجب حتى يخرج منهم ، ومن أقام بالموصل عاما ثم
تفقد قوته وجد فيهم فضلا، ومن أقام بالأهواز حولا فتفقد عقله وجد النقصان فيه
بينا.
والناس يقولون: حفى خيبر وطحال البحرين ودماميل الجزيرة وطواعين الشام.
في طبيعة الأهواز قالوا: من أطال الصوم بالمصيصة في الصيف خيف عليه الجنون. وأما
قصبة الأهواز فتقلب
كل من ينزلهم من الأشراف إلى طبائع أهلهم ، ووباؤهم وحماهم يكون في وقت انكسار
الوباء ونزوع الحمى عن جميع البلدان، وكل محموم فإن حماه إذا أقلعت عنه فقد أخذ
عند نفسه منهم البراءة إلى أن يعود إلى التخليط وإلى أن يجتمع في جوفه الفساد إلا
محموم الأهواز فإنهم تعاود من فارقته لغير علة حدّثت، ولذلك جمعت سوق الأهواز
الأماعي في جبلهم المطل عليهم والجرارات في بيوتهم ومن ورائهم سباخ ومناقع مياه
غليظة وفيهم أنهم ر تشقهم مسايل كنفهم ومياه أمطارهم فإذا طلعت الشمس وطال مقامهم
واستمرت مقابلتهم لذلك الجبل قبل الصخرية التي فيهم الجرارات، فإذا امتلأت يبسا
وحرا وعادت جمرة واحدة قذفت ما قبلت من ذلك عليهم وقد بخرت تلك السباخ ت تلك
الأنهم ر، فإذا التقى عليهم ما بخرت به السباخ وما قذفه ذلك الجبل فسد الهواء وفسد
بفساد الهواء كل ما يشتمل عليه الهواء.
لإبراهيم بن العباس عن أطفال الأهواز وقال إبراهيم بن العباس الكاتب: حدّثني مشايخ
أهل الأهواز عن القوابل أنهن ربما قبلن الطفل فيجدنه في تلك الساعة محموما أيعرفن
ذلك ويتحدّثن به،.
قال: ومن قدم من شق العراق إلى بلد الزنج لم يزل حزينا ما أقام بهم فإن أكثر من
شرب نبيذهم وأكل النارجيل طمس الخمار على عقله حتى لا يكون بينه وبين المعتوه إلا
شيء يسير.
قنافذ شستان قال: وفي عهد سعجستان على العرب حين افتتحوهم: ألأ يقيوا قنفذا ولا
لمجيدوه. لأنهم بلاد م فاع والقنافذ تاكلهم ولولا ذلك ما كان لهم بهم قرار.
الفرق بين الكوفة والبصرة .وقال ابن عياش لأبي بكر الهذلي يوم فاخره عند أبي
العباس: إنما مثل الكوفة مثل اللهم ة من البدن يأتيهم الماء ببرده وعذوبته،
والبصرة بمش لة المثانة يأتيهم الماء بعد تنيره وفساده.
في وصف هواء الكوفة وقال محمد بن عمير بن عطارد: إن الكوفة قد سفلت عن الشام
ووباثهم وارتفعت عن البصرة وعمقهم فهي مريئة مريعة عذبة ثرية، إذا أتتنا الشمال
ذهبت مسيبرة شهر على مثل رضراض الكافور، لإذا هبت الجش ب جاءتنا بريح السوادده
وياسميأ واترخه، وماؤنا عدب ولمجشنا خصبط.
الحجاج يصف الكوفة والبصرة وقال الحجاج: الكوفة بكر حسناء والبصرة عجوز بخراء
أوتيت من كل حلى وزينة.
أيضا في الفرق بين الكوفة والبمرة اجتمع أهل العراق ليلة في سمر يزيد بن عمر بن
هبيرة، فقال يزيد: أفي البلدين أطيب ثمرة: الكوفةأم البصرة? فقال خالد بن صفوان.
بل ثمرتناأيهم الأمير منهم الأزاذ والمعقلف وكذا وكذا. فقال عبد الرحمن بن بشير
العجلي: لستأشكأيهم الأميرم نكم قد اخترتم لأمير المؤمنين ما تبعثون به إليه. قال:
أجل، قال: قد رضينا باختيارك لنا وعليّنا. قال: فائ الرطب تحملون إليه ? قال:
الكلئشان. قال: ليس بالبصرة منه واحدة. ثمأئة? قال: السابري. قال: ولا بالبصرة منه
واحدة. قال خالد بن صفوان: بلى عندنا بالبصرة منه شيء يسير. قال: فائ التئرتحملون
إليه ? قال: الثرسيان. قال: ولا بالبصرة منه واحدة. قال: ثمأية? قال: الهيرون
أزاذ. قال: ولا بالبصرة منه واحدة. قال: فاقي القسب تححملون إليه ? قال: قسب
العنبر. قال: ولا بالبصرة منه واحدة. قال ابن هبيرة لخالد. اذعى عليك خمسا.فشاركته
في واحدة رستمت لهم ربعا، ما أراه الا تد غلبك. ملايضض يصف البصرة دخل فتى من أهل
المدينة البصرة ثم انمرف، فقال لهم صحابه. كيف رأيت البصرة? قال: يخريا لرهمح يهع.
خير بلاد اللّه للجائع والعزب والمفلس: أما الجائع فيأكل خبز الأرز والصحناء لا
ينفق في الشهر درهمين، وأما العزب فيتزوج بشق درهم، وأما المحتاج فلا عيلة عليه ما
بقيت، عليه آسته يخرأ وببيع.
بين معاوية وخالد بن الوليد بن المغيرة أبو الحسن المدائني قال: قال عبد الرحمن بن
خالد بن الوليد بن المغيرة لمعاوية: أما واللّه لو كنا بمكة على السواء لعملت. قال
معاوية: إذا كنت أكون ابن أبي سفيان منزلي الأبطح ينثق عنه سيله، وكنت ابن خالد
منزلك أجياد أعلاه مدرة وأسفله عذرة.
بين قرشي وآخر من بني تغلب
رأئ رجل من قريش رجلا له هيئة رثة، فسال عنه فقالوا: من بني تغلب. فوقف له وهو
يطوف بالبيت، فقال له: أرى رجلين قئما وطتما البطحاء. قال له التغلب!: البطحاوات
ثلاث. بطحاء الجزيرة وهي لي دونك، وبطحاء ذي قاروأنا أحق بهم منك البطحاء، وسواء
العاكف فيه والبادي.
وقال بعض الأعراب: اللّهم لا تنزلني ماء سوء فاكون آمرأ سوء.
خالد بن صفوان يصف الأبلة قال خالد بن صفوان: ما رأينا أرضا مثل الأبتة أقرب مسافة
ولا أعذب نطفة ولا أوطا مطية ولا أربح لتاجر ولا أخفى لعابد.
شعر لابن أء!ما عيينة يذكر قصر أنى بالبصرة وقال ابن أبي عيينة يذكر قصر أنس
بالبصرة. (: فيا حسن ذاك القصر قصرا ونزهة بأفيح سهل غير وعر ولا ضنك بغرس كابكار
الجواري وتربة كان ثر ورد على مسك كان قصور الأرض ينظرن حوله إلى ملك مخوف على
منبر الملك يدذ عليهم مستطيلابحسنه ويضحك منهم وهي مطرقة تبكي قال جعفر بن سليمان:
العراق عين الدنيا، والبصرة عين العراق، والمربد عين البصرة، ّوأت الأمور منازلهم المدائني
قال: قال الحجاج: لما تبوّأت الأمور منازلهم قالت الطاعة. أنزل الشأأ، قال
الطاعون: وأنا معك. وقال النفاق: أنزل العراق، قالت النعمة: وأنا معك. وقالت
الصحة: أنزل البادية، قالت الشّقوة: و أنا معك.
تأكتاب الحرب ويتلوه كتاب السؤدد
كتاب السؤدد
مخايل السؤدد وأسبابه ومخايل السوء
للزبرقان في أبغض صبيانهم إليه وأحبّهم قال أبو محمد عبد اللّه بن مسلابن قتيبة رحمه اللّه: حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه بن قريب عن عمه الأصمعيّ قال: أخبرنا جميع بن أبي غاضرة وكان شيخاً مسنّاً من أهل البادية وكان من ولد الزّبرقان بن بدر من قبل النساء، قال: كان الزبرقان يقول: أبغض صبياننا إليّ الأقيعس الذكر الذي كأنما يطّلع في حجره، وإن ساله القوم أين أبوك، هرّ في وجوههم وقال: ما تريدون من أبي. وأحبّ صبياننا إلي الطويل الغرلة السّبط الغرّة العريض الورك الأبله العقول الذي يطيع عمّه ويعصى أمه، وإن سأله القوم أين أبوك، قال: معكم.
لمعاوية في السؤدد
قال: وقال الأصمعيّ قال معاوية: ثلاث من السودد: الصلع، واندحاق البطن، وترك الإفراط في الغيرة.
لم عرابي في خصال السودد
قال:
وقيل لم عرابي: بم تعرفون سودد الغلم فيكم? فقال: إذا كان سائل الغرّة طويل الغرلة
ملتاث الأزرة، وكانت فيه لوثة فلسنا نشكّ في سودده.
وقيل لآخر: أي الغلمان أسود? قال: إذا رأيته أعنق أشدق أحمق فأقرب به من السودد.
وكان يقال: إذا رأيت الغلام الغلام غائر العينين ضيق الجبهة حديد الأرنبة كأنما
جبينه صلم ية فلاترجه، آلا أن يريد اللّه أمرا فيبلغه.
للأصمعي عن مدح قريش بالصلع
حدّثنا الرياشيّ عن الأصمعيّ قال: قريش تمدح بالصلع. وأنشد:
أن سعيداً وسعـيد فـرع |
|
أصلع تنميه رجال صلع |
لهند في ابنهم معاوية
ونظر رجل إلى معاوية وهو غلام صغير فقال: إني أظن هذا الغلام سيسود قومه. فقالت هند: ثكلته إن كان لايسود الأ قومه.
قول شبيب بن شيبة لبعض فرسان بني منقر
قال شبيب بن شيبة لبعض فرسان بني منقر: ما مطلت مطل الفرسان ولافتقت فتق السادة.
قول رجل لسنان بن سلمة
وقال آخر لسنان بن سلمة الهذليّ: ما أنت بأرسح فتكون فارساً ولابعظيم الرأس فتكون سيداً.
ولبعض الشعراء
وقال بعض الشعراء:
فقبّلت رأساً لم يكن رأس سـيّد |
|
وكفّا ككفّ الضّبّ أوهي أحقر |
وقال آخر:
دعا ابن مطيع للبياع فجـئتـه |
|
إلى بيعة قلبي لهم غير آلـف |
فناولني خشناء لمّا لمسـتـهـم |
|
بكفّي ليست من أكفّ الخلم ئف |
من كتاب الهند في الفراسة والتوسّم
وقرأت في كتاب للهند أنه قد قيل في الفراسة والتّوسّم: إنه من صغرت عينه "و" دام اختلم جهم وتتابع طرفهم ومال أنفه إلى أيمن شقّيه وبعد ما بين حاجبيه وكانت منابت شعره ثلاثم ثلاثم وطال إكبابه إذا مشى، وتلفّت تارة بعد أخرى، غلبت عليه أخلم ق السوء.
أربع خصال للسودد
كان يقال: أربع يسوّدن العبد: الأدب، والصّدق، والعفّة، والأمانة.
شعر لبعض الشعراء في النبي
وقال بعض الشعراء في النبي :
لو لم تكن فيه آيات مبيّنة |
|
كانت بداهته تنبيك بالخبر |
لمعاوية في السيد
وقال معاوية: إني لم كره البكارة في السيد وأحب أن يكون عاقلامتغافلم.
ولشاعر في هذا المعنى
وقال الشاعر في هذا المعنى:
ليس الغبي بسيّد في قومه |
|
لكنّ سيّد قومه المتغابي |
ويقال في مثل: "ليس أمير القوم بالحبّ الخدع".
مثله شعر للفرزدق
وقال الفرزدق:
لم خير في خبّ من ترجى فواضله |
|
فاستمطروا من قريش كل منخدع |
كأن فيه إذا حـاولـتـه بـلـهـم |
|
عن ماله وهو وافي العقل والورع |
ولإياس بن معاوية، وابن شهم ب في الكريم
وقال
إياس بن معاوية: لست بخبّ والخبّ لايخدعني.
وقال مالك بن أنس عن ابن شهم ب: الكريم لمّا تحكمه التجارب.
قال بعض الشعراء:
غير أني أراك من أهل بـيت |
|
ما على المرء أن يسودوه عار |
لعمر بن الخطاب وعدي بن حاتم في صفات السيد
وقال
عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: السيد الجواد حين يسأل، الحليم حين يستجهل، البارّ
بمن يعاشر.
قال عديّ بن حاتم: السيد الذليل في نفسه، الأحمق في ماله، المطّرح لحقده، المعني
بأمر عامّته.
سئل خالد بن صفوان عن الأحنف بم ساد، فقال: بفضل سلطانه على نفسه.
لقيس بن عاصم
وقيل لقيس بن عاصم: بم سدت قومك? فقال: ببذل القرى وترك المرا ونصرة المولى.
لعليّ بن عبد اللّه بن عباس في الدنيا والآخرة
وقال عليّ بن عبد اللّه بن عباس: سادة الناس في الدنيا الأسخياء وفى الآخرة الأتقياء.
سلابن قتيبة لولده
وقال
سلابن قتيبة لولده: إنكم لن تسودوا حتى تصبروا على سرار الشيوخ البخر.
وقال: الدنيا هي العافية، والصحّة هي الشباب، والمروءة الصبر على الرجال.
قال عمرو بن هدّاب: كنا نعرف سودد سلابن قتيبة بأنه كان يركب وحده ويرجع في خمسين.
للم حنف بن قيس في تسويد قومه له
وقال رجل للم حنف وأراد عيبه: بم سدت قومك? قال: بتركي من أمرك ما لايعنيني كما عناك من أمري ما لايعنيك.
لابن مطاع العنزي يجيب
عبد الملك بن مروان عن مالك بن مسمع
وقال عبد الملك بن مروان لابن مطاع العنزيّ: أخبرني عن مالك بن مسمع. فقال له: لو غضب مالك لغضب معه مائة ألف لايسألونه في أي شيء غضب. فقال عبد الملك: هذا وأبيك السّودد. ولم يل شيئاً قط. وكذلك أسماء بن خارجة لم يل شيئاً قط.
لعرابة في تسود قومه له
قيل لعرابة الأوسيّ: بم سدت قومك? فقال بأربع: أنخدع لهم عن مالي، وأذلّ لهم في عرضي، ولاأحقر صغيرهم، ولاأحسد رفيعهم.
ومثله شعر للمقنّع الكندي
وقال المقنّع الكنديّ وهو محمد بن عميرة:
ولاأحمل الحقد الـقـديأعـلـيهـم |
|
وليس رئيس القوم من يحمل اسقدم |
وليسوا إلى نصري سراعاً وإن هم |
|
دعوني إلى نصر أتيتـهـم شـدّا |
إذا أكلوا لحمى وفرت لحومـهـم |
|
وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا |
يعيرني بالدّين قـومـي وإنـمـا |
|
ديوني في أشياء تكنسبهم حـمـدا |
وقال آخر:
هينون لـينـون أيسـار ذوويسـر |
|
سوّاس مكـرمة أبـنـاء أيسـاره |
لاينطقون على الفحشاء إن نطقـوا |
|
ولايمارون إن ماروا بـإكـثـم ر |
من تلق منهم تقل لم قيت سـيّدهـم |
|
مثل النجوم التي يسري بهم الساري |
وقال آخر:
وإن ســـــيادة الأقـــــــوام فـــــــاعـــــــلـــــــم |
|
لهـــم صـــعـــداء مـــطـــلـــعـــهـــم طــــــويل |
وقال رجل من العرب: نحن لانسوّد إلا من يوطّئنا رحله ويفرّشنا عرضه ويمكننا ماله. |
|
|
للنبي في السيد وفي الحديث المرفوع: "من بذل معروفه وكفّ أذاه فذلك السيد".
أقوال أخر في السيد
ويقال:
لاسودد مع انتقام.
والعرب تقول "سيد معمّم" يريدون أنّ كل جناية يجنيهم أحد من عشيرته
معصوبة برأسه.
ويقال: بل السيد منهم كان يعتمّ بعمامة صفراء لايعتم بهم غيره. وإنما سمّي
الزّبرقان بصفرة عمامته. يقال: زبرقت الشيء إذا صفّرته، وكان اسمه حصينا.
لابن هبيرة في سيّد الناس في وقته
قيل لابن هبيرة: من سيد الناس اليوم? قال: الفرزدق، هجاني ملكاً ومدحني سوقةً. شعر لعامر بن الطفيل في سودد الرجل بنفسه
وقال عامر بن الطّفيل:
إني وإن كنت ابن سـيد عـامـر |
|
وفارسهم المشهور في كل موكب |
فما سوّدتني عـامـر عـن وراثة |
|
أبى اللّه أن أسـمـو بـأمّ ولاأب |
ولكنّني أحمي حماهـم وأتّـقـي |
|
أذاهم وأرمي من رماهم بمنكـب |
هذا نحو قول الأخر:
نفس عصام سوّدت عصاما |
|
وعلّمته الكرّ والأقدم مـا |
وصيّرته ملكا هماما وعصام عبد كان للنعمان بن المنذر. وله يقول النابغة:
فإنّي لاألوم علـى دخـول |
|
ولكن ما وراءك يا عصام? |
الكمال والتناهي في السّودد
للم حنف بن قيس عن الرجل الكامل
حدّثني أبو حمزة الأنصاريّ عن العتبيّ قال: قال الأحنف: الكامل من عدت هفواته.
زياد بن أبيه يكتب إلى معاوية في الأحنف
وكتب معاوية إلى زياد: أنظر رجل يصلح لثغر الهند فولّه، فكتب إليه: إن قبلي رجلين يصلحان لذلك: الأحنف بن قيس، وسنان بن سلمة الهذلي. فكتب إليه معاوية: بأيّ يومي الأحنف نكافيه: أبخذلم نه أمّ المؤمنين، أم بسعيه عليّنا يوم صفّين? فوجّه سنانا. فكتب إليه زياد: إن الأحنف قد بلغ من الشرف والحلم والسودد ما لاتنفعه الولاية ولايضره العزل.
لأبي نواس في مدح رجل
وقال أبو نواس يمدح رجلاً:
أوحده اللّه فما مـثـلـه |
|
لطالب ذاك ولانـاشـد |
وليس لله بمسـتـنـكـر |
|
أن يجمع العالا في واحد |
مثله لأبي نواس أيضاً في مدح محمد الأمين ابن الرشيد
وقال أيضا في نحو هذا:
يا ناق لاتسأمي أو تبلغـي رجـلاً |
|
تقبيل راحتـه والـرّكـن سـيّان |
متى تحطّي إليه الرّحل سـالـمة |
|
تستجمعي الخلق في تمثم ل إنسان |
محمد خير من يمشي علـى قـدم |
|
ممن برا اللّه من إنس ومن جان |
ننازع الأحمدان الشّبه فاشتبـهـم |
|
خلقا وخلقا كما قدّ الـشّـراكـان |
سيّان لافرق في المعقول بينهمـا |
|
معناهما واحد والـعـدّة اثـنـان |
شعر للطائي
وقال الطائي:
لو أنّ إجماعنا في فضـل سـودده |
|
في الدين، لم يختلف في الملة اثنان |
وقال أيضاً:
فلو صورت نفسك لم تزدهم |
|
على مافيك من كرم الطباع |
لخالد بن صفوان في الأحنف
وقال خالد بن صفوان: كان الأخنف يفرّ من الشرف والشرت يتبعه.
المنذر بن الجارود والأحنف بن قيس
حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: وفد الأحنف والمنذر بن الجارود على معاوية، فتهيأ المنذر وخرج الأحنف على قعود وعليه بتّ، فكلما مرّ المنذر قال الناس هذا الأحنف، فقال المنذر: أراني تزيّنت لهذا الشيخ.
بين الأحنف وبني تميم
وقالت بنو تميم للم حنف: ما أعظم منّتنا عليك! فضّلناك وسوّدناك. فقال: هذا شبل بن معبد ، من سوّده ولير بالحضرة بجليّ غيره? أو قال بالبصرة.
عبد اللّه بن عبد الأعلى يرد على عبد الملك
عن أكرم العرب وخير الناس
قال عبد الملك بن مروان لعبد اللّه بن عبد الأعلى الشاعر الشّيباني: من أكرم العرب أو من خير الناس? قال: من يحبّ الناس أن يكونوا منه، ولايحب أن يكون من أحد، يعني بني هم شم. قال: من الأم الناس? قال: من يحب أن يكون من غيره، ولايحب غيره أن يكونوا منه.
قول لرجل من أشراف العجم لشريف عربي
قال
رجل من أشراف العجم لرجل من أشراف العرب: إن الشرف نسب مفرد، فالشريف من كل قوم
نسيب.
وكان يقال: أكرم الصّفايا أشدّهم ولهم إلى أولم دهم ، وأكرم الإبل أحنّهم إلى
أوطانهم ، وأكرم الأفلم ء أشدّهم ملازمة لإمهم تهم ، وخير الناس آلف الناس للناس.
السّيادة والكمال في الحداثة
لم لأحنف بن قيس في السودد
قال الأحنف: السّودد مع السواد. يريد أنه يكون سيداً من أتته السيادة في حداثته وسواد رأسه ولحيته، وقد يذهب بمعناه إلى سواد الناس وعامّتهم، يراد أن السّودد يكون بتسويد العامّة.
شعر في سؤدد محمد بن القاسم الثقفي
وقال أبو اليقظان: ولّى الحجاج محمد بن القاسم بن محمد بن الحكم الثقفي قتال
الأكراد بفارس فأباد منهم، ثم ولم ه السّند فافتح السند والهند وقاد الجيوش وهو
ابن سبع عشرة سنة، فقال فيه الشاعر:
إن السماحة والمرؤة والنّـدى |
|
لمحمد بن القاسم بن محمـد |
قاد الجيوش لسبع عشرة حجّة |
|
يا قرب ذلك سودداً من مولد! |
ويروى:
يا قرب ذلك سورة من مولد السّورة: المنزلة الرفيعة.
قال أبو اليقظان: وهو جعل شيراز معسكراً ومنزلاً لولاة فارس.
شعر لحمزة بن بيض لمخلّد بن يزيد بن المهلّب
وقال حمزة بن بيض لمخلّد بن يزيد بن المهلّب:
بلغت لعشر مضت من سني |
|
ك ما يبلغ السيّد الأشـيب |
فهمّك فيهم جسام الأمـور |
|
وهمّ لداتكن أن يلـعـبـوا |
سؤال الحطيئة عن ابن عبّاس ورد ابن مسعود
نظر الحطيئة إلى ابن عباس يتكنلم في مجلس عمر، فقال: من هذا الذي نزل عن الناس في سنه وعلم هم في قوله! وقال ابن مسعود: لو بلغ أسناننا ما عشره منّا رجل.
قول رجل في أبي دلف
ونظر رجل إلى أبي دلف في مجلس المأمون فقال: إن همته ترمي به وراء سنه.
في ولاية عبيد اللّه بن زياد خراسان
وولي عبيد اللّه بن زياد خراسان وهو ابن ثلاث وعشرين سنة، وليهم لمعاوية. وقيل لزياد عند موته: استخلف عبيد اللّه، فقال: إن يكن فيه خير فسيولّيه عمّه. فلما مات زياد شخص عبيد اللّه إلى عمه معاوية فقال له: ما منع أباك أن يوليّك? أما إنه لو فعل فعلت. فقال عبيد اللّه: يا أمير المؤمنين، لايقولنّهم أحد بعدك: ما منع أباه وعمه أن يكونا استعملاه. فرغب فيه فاستعمله على خراسان.
فيمن ولي أمراً وهو شاب لم يكتهل
وولي
معاذ اليمن وهو ابن أقل من ثلاثين سنة.
وحمل أبو مسلم أمر الدبى لة والدعوة وهو ابن إحدى وعشرين سنة.
وحمل الناس عن إبراهيم النّخعي وهو ابن ثماني عشرة سنة.
وولى رسول اللّه عتاب بن سيد مكة وهو ابن خمس وعشرين سنة.
وسوّدت قريش أبا جهل ولم يطّر شاربه فأدخلته مع الكهول دار النّدوة.
قال الكميت:
رفعت إليك وما ثـغـر |
|
ت عيون مستمع وناظر |
ورأوا عليك ومنك في ال |
|
مهد النّهى ذات البصائر |
بين عمر بن عبد العزيز وفتى في وفد قدم عليه من العراق
قال: قدم وفد على عمر بن عبد العزيز من العراق، فنظر إلى شاب منهم يتحوّز يريد الكلم م، فقال عمر: كبّروا كبّروا. فقال الفتى: يا أمير المؤمنين إن الأمر ليس بالسن، ولو كان كذلك كان في المسلمين من هو أسنّ منك. قال: صدقت فتكنلّم.
لشاعر في أن الأمر يجب أن يكون لكهل
قال الشاعر في خلاف هذا المعنى:
إنما الهلك أن يساسوا بغرّ |
|
لم تعره الأيام رأيا وثيقا |
ولآخر مثله
وقال آخر:
آلا قالت الحسنـاء يوم لـقـيتـهـم |
|
كبرت، ولم تجزع من الشيب مجزعا |
رأت ذا عصاً يمشي عليهـم وشـيبة |
|
تقنّع منهم رأسـه مـاتـقـنّـعـا |
فقلت لهم: لم تهزئي بي فـقـلّـمـا |
|
يسود الفتى حتى يشيب ويصـلـعـا |
وللقارح اليعـبـوب خـير عـلاية |
|
من الجذع المجرى وأبعد منـزعـاً |
شعر لبكير بن الأخنس في المهلّب
رأى بكير بن الأخنس المهلّب وهو غلام فقال:
خذوني به إن لم يسد سرواتهم |
|
ويبرع حتى لم يكون له مثل |
الهمّة والخطار بالنفس
لدكين وقد أتى عمر بن عبد العزيز يستنجزه وعداً
قال: أخبرنا خالد بن جويرية عن محمد بن ذؤيب الفقيميّ وهو العمانيّ الراجز عن دكين
الراجز قال: أتيت عمر بن عبد العزيز بعد ما استخلف أستنجز منه وعدا كان وعدنيه وهو
وإلى المدينة، فقال لي: يا دكين ان لي نفساً توّاقة، لم تزل تتوق إلى الأمارة،
فلما نلتهم تاقت إلى الخلافة، فلما نلتهم تاقت إلى الجنة. وما رزأت من أموال
المسلمين شيئاً، وما عندي إلا ألفا درهم، فاختر أيّهما شئت. وهو يضحك. فقلت: يا
أمير المؤمنين، قليلك خير من كثير غيرك، ويقال قليلك خير من كبير غيرك، فاختر لي
أنت. فدفع إليّ ألفا وقال: خذهم بارك اللّه لك فيهم. فابتعت بهم إبلاً وسقتهم إلى
البادية، فرمى اللّه في أذنابهم بالبركة بدعوته حتى رزقني اللّه ما ترون.
لمعاوية في طلب أمرٍ عظيم
قال
معاوية لعمرو بن العاص حين نظر معسكر عليّ عليه السلم م: من طلب عظيماً خاطر
بعظيمته.
وكان عمرو يقول: عليكم بكل أمر مزلقةٍ مهلكةٍ. أي عليكم بجسام الأمور.
شعر لكعب بن زهير في بعد الهمة والمخاطرة بالنفس
وقال كعب بن زهير:
وليس لمن لم يركب الهول بغـيةُ |
|
وليس لرحل حطّه اللّه حـامـل |
إذا أنت لم تقصر عن الجهل والخنا |
|
أصبت حليما أو أصابك جـاهـل |
من كتاب الهند في أشياء لاتنال إلا ببعد الهمّة
وفي
كتاب للهند: ثلاثة أشياء لاتنال إلا بارتفاع همّة وعظيم خطر: عمل السلطان، وتجارة
البحر، ومناحرة العدوّ.
وفيه أيضاً: لاينبغي أن يكون الفاضل من الرجال إلا مع الملوك مكرّماً أو مع
النّسّاك متبتلاً، كالفيل لايحسن أن يرى إلا في موضعين: في البريّة وحشيّاً أو
للملوك مركبا.
وفيه أيضاً: ذو الهمة ان حطّ فنفسه تأبى إلا علوّاً كالشّعلة من النار يصوّبهم
صاحبهم وتأبى إلا ارتفاعاً.
وقال عبد اللّه بن أبي الشّيص:
أظنّ الدهر قد آلـى فـبـرّا |
|
بأن لايكسب الأموال حـرّا |
لقد قعد الزمان بكـل حـرّ |
|
ونقّض من قواه المستمـرّا |
كأن صفائح الأحـرار أردت |
|
أباه فحارب الأحرارا طـرّا |
فأصبح كلّ ذي شرف ركوبا |
|
لم عناق الدجى برّا وبحـرا |
فهتكن جيب درع الليل عنـه |
|
إذا ما جيب درع الليل زرّا |
يراقب للغنى وجهم ضحوكا |
|
ووجهم للمنيّة مكـفـهـرّا |
ومن جعل الظلم م له قعـودا |
|
أصاب به الدجى خيرا وشرّا |
وكان يقال: من سرّه أن يعيش مسروراً فليقنع، ومن أراد الذكر فليجهد.
للعتابي في رجل بعيد الهمة
قيل للعتّابيّ: فلم ن بعيد الهمة. قال: إذن لايكون له غاية دون الجنة.
لبعض الحكماء في أسوأ الناس حالاً
وقيل
لبعض الحكماء. من أسوأ الناس حالاً? قال: من اتّسعت معرفته وضاقت مقدرته وبعدت
همّته.
وقال عديّ بن الرّقاع:
والمرء يورث جوده ابـنـاءه |
|
ويموت آخر وهو في الأحياء |
للحجاج عندما ولي البالة فرجع عنهم
أبو اليقظان قال: كان أوّل عمل وليه الحجّاج تبالة، فسار إليهم فلما قرب منهم قال للدليل: أين هي وعلى أيّ سمت هي? قال: تسترهم عنك هذه الأكمة. قال: لاأراني أميراً إلا على موضع تستر منه أكمة! أهون بهم ولاية! وكرّ راجعاً. فقيل في المثل: "أهون من البالة على الحجاج ".
شعر للطائي، وغيره، في ضرورة التغرّب
وقال الطائيّ:
وطول مقام المرء في الحيّ مخلقُ |
|
لديباجتيه فاغـتـرب تـتـجـدّد |
فإني رأيت الشمس زيدت محـبّة |
|
إلى الناس أن ليست عليهم بسرمد |
وقال رجل لآخر: أبوك الذي جهل قدره وتعدّى
طوره فشقّ العصا وفرّق الجماعة، لاجرم لقد هزم ثم أسر ثم قتل ثم صلب. قال الأخر:
دعني من ذكر هزيمة أبي ومن صلبه، أبوك ما حدّث نفسه بشيء من هذا قطّ.
قال حاتم طيء:
لحى اللّه صعلوكاً مـنـاه وهـمّـه |
|
من العيش أن يلقى لبوسا ومطعمـا |
|
||
يرى الخمص تعذيبا وإن يلق شبـعة |
|
يبت قلبه من قلّة الهمّ مـبـهـمـا |
|
||
واللّه صعـلـوكٌ يسـاور هـمّـه |
|
ويمضي على الأهوال والدهر مقدما |
|
||
يرى قوسه أو رمحـه ومـجـنّـه |
|
وذا شطبٍ لدن المهزّة مـخـذمـا |
|
||
وأحناء سرج قاتر ولـجـامـه |
|
معدّا لدي الهيجا وطرفا مسوّما |
|||
فذلك إن يهلك فحـيٌّ ثـنـاؤه |
|
وإن يحي لم يقعد لئيما مذمّمـا |
|||
وقال آخر:
لم يمنعنّك خفض العيش تطلبه |
|
نزاع شوق إلى أهل وأوطان |
تلقى بكلّ بلم د إن حللت بهـم |
|
أهلاً بأهل وجيرانا بجـيران |
ويقال: ليس بينك وبين البلدان نسبٌ فخير البلاد ما حملك.
شعر لعروة بن الورد
وقال عروة بن الورد:
لحى اللّه صعلوكاً إذا جنّ ليلـه |
|
مصافي المشاش آلفا كلّ مجزر |
يعدّ الغنى من دهره كـلّ لـيلة |
|
أصاب قراهم من صديق ميسّر |
ينام عشاء ثم يصـبـح قـاعـدا |
|
يحتّ الحصامن جنبه المتعفّـر |
يعين نساء الحيّ لم يستـعـنّـه |
|
ويمسي طليحا كالبعيرالمحسّـر |
واللّه صعلوكٌ صفيحةٌ وجـهـه |
|
كضوء شهم ب القابس المتنوّر |
مطلّ على أعدائه يزجـرونـه |
|
بساحتهم زجر المنيح المشهّـر |
وقال آخر:
تقول سليمى: لو أقمت بأرضنا! |
|
ولم تدر أني للمقـام أطـوف |
وقال الطائي في نحوه:
آلفة النّحيب كم افـتـراقٍ |
|
الأفكان داعية اجتـمـاع |
وما إن فرحة الأوبـات الأ |
|
لموقوفٍ على ترح الوداع |
لروح بن حاتم على باب المنصور
نظر رجل إلى روح بن حاتم واقفاً في الشمس على باب المنصور فقال له. قد طال وقوفك في الشمس. فقال روح: ليطول مقامي في الظل.
شعر لخداج بن زهير
وقال خداش بن زهير:
ولن أكون كمن ألقى رحـالـلّـه |
|
على الحمار وخلّى صهوة الفرس |
وقال آخر:
لاأنت قصّرت عن مجدٍ ولاأنـا، إذ |
|
أسمو إليك بنفسي، قصّرت هممي |
قول لعمر بن الخطاب
قال
عمر بن الخطاب: أشنعوا بالكنى فإنهم منبّهة.
دخل عبيد اللّه بن زياد بن ظبيان التيميّ على أبيه وهو يجود بنفسه فقال له: ألا
أوصي بك الأمير? فقال عبيد اللّه: إذا لم يكن للحيّ إلاّ وصيّة الميت فالحيّ هو
الميت.
وقال الشاعر في نحوه:
إذا ما الحي عاش بعظم ميتٍ |
|
فذاك العظم حيٌّ وهو ميت |
بين عمرو بن سعيد ومعاوية
وقال
معاوية لعمرو بن سعيد وهو صبيّ: إلى من أوصى بك أبوك? قال: أوصى إليّ ولم يوص بي.
نظر أبو الحارث حمير إلى برذونٍ يستقى عليه، فقال: المرء حيث يجعل نفسه، لو هملج
هذا لم يبل بما ترون. قال الطائيّ:
وقلقل نابي من خراسان جاشـهـم |
|
فقل أطمئني أنضر الرّوض عازبه |
وركب كأطراف الأسنّة عـرّسـوا |
|
على مثلهم ، والليل تسطو غياهبه |
لأمرٍ عليهـم أن تـتـمّ صـدوره، |
|
وليس عليهم أن تتـمّ عـواقـبـه |
وقال آخر:
وعش ملكاً أومت كريماً، وإن تمت |
|
وسيفك مشهور بكفـك تـعـذر |
شعر لامريء القيس في السعي للمجد
والمشهور في هذا قول امرىء القيس:
فلو أن ما أسعى لأدنى معـيشةٍ |
|
كفاني ولم أطلب قليلٌ من المال |
ولكنّما أسعى لمـجـد مـؤثّـلٍ |
|
وقد يدرك المجد المؤثّل أمثالي |
وقوله:
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه |
|
وأيقن أنّا لاحقـان بـقـيصـرا |
فقلت له: لا تبك عينـك، إنـمـا |
|
نحاول ملكا أو نموت فنـعـذرا |
لأبي نواس في طلب الغنى
وقال أبو نواس:
أبغي الغنى إمّا جليس خليفةٍ |
|
نقوم سواءً، أو مخيف سبيل |
في ارتفاع همة يزيد بن المهلّب
وقيل ليزيد بن المهلّب: ألاّ تبني دارأ? فقال: منزلي دار الإمارة أو الحبس.
للحطيئة في التخاذل وسقوط الهمة
والمشهور في سقوط الهمة قول الحطيئة:
دع المكارم لا ترحل لبغيتـهـم |
|
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي |
شعر لمالك بن الرّيب
وقال مالك بن الّريب:
فإن تنصفونا آل مروان نقـتـرب |
|
إليكـم وإلا فـأذنـوا بـتـعـادي |
|
||
فإنّ لنا عنكم مراحـأ ومـرحـلا |
|
بعيسٍ إلى ريح الفـلاة صـوادي |
|
||
وفي الأرض عن دار المذلّة مذهبٌ |
|
وكلّ بلاد أوطـنـت كـبـلادي |
|
||
فماذا عسى الحجاج يبلغ جـهـده |
|
إذا نحن جاوزنـا حـفـير زياد |
|||
فبآست أبي الحجاج وآست عجوزه |
|
عتّيّد بهـم يرتـعـي بـوهـم د |
|||
فلولا بنو مروان كان ابن يوسـف |
|
كما كان عبد اً مـن عـبـيد إياد |
|||
زمان هو المقري المقـرّ بـذلّةٍ |
|
يراوح غلمان القـرى ويغـادي |
|||
بين ينحاب وابن عائشة المحدّث
بعث ينحاب خليفتهم إلى ابن عائشة المحدّث وهو عبيد اللّه بن محمد بن حفص التّيمي، فأتاه في حلقته في المسجد فقال له: أبو من? قال: هلاّ عرفت هذا قبل مجيئك! قال: أريد أن تخليني. قال: في حاجة لك أم في حاجة لي? قال: في حاجة لي. قال: فالقني في المنزل. قال: فإن الحاجة لك. قال: ما دون إخواني سرّ.
شعر لمالك بن حريم وكان لصاً
وقال بعض لصوص همدان، وهو مالك بن حريمٍ:
كذبتم وبيت اللّه لاتأخـذونـهـم |
|
مراغمةً ما دام للسّـيف قـائم |
متى تجمع القلب الذكيّ وصارماً |
|
وأنفاً حميًّا تجتنبك المـظـالـم |
ومن يطلب المال الممنّع بالقنـا |
|
يعش مثرياً أو تخترمه المخارم |
وكنت إذا قومٌ غزوني غزوتهـم |
|
فهل أنا في ذا يال همدان ظالم |
شعر لأبي النشناش، وكان لصاً أيضاً
وقال أبو النّشناش، من اللصوص:
إذا المرء لم يسرح سواماً ولم يرح |
|
سواماً ولم تعطف عليه أقـاربـه |
فللموت خيرٌ للفتى مـن حـياتـه |
|
فقيراً ومن مولًى تدبّ عقـاربـه |
وسائلةٍ بالغـيب عـنّـي وسـائلٍ |
|
ومن يسأل الصّعلوك أين مذاهبه? |
وطامسة الأعلام ماثلة الـصّـوى |
|
سرت بأبي النشناش فيهم ركائبـه |
فلم أر مثل الفقر ضاجعه الفتـى |
|
ولا كسواد الليل أخفق صاحـبـه |
وشعر للص آخر
وقال آخر من اللصوص:
وأنّي لأستحي مـن الـلّـه أن أرى |
|
أطوف بأرض ليس فـيه بـعـير |
وأن أسأل المرء الـلـئيم بـعـيره |
|
وبعران ربّي في البـلاد كـثـير |
فللّيل إن واراني الـلـيل حـكـمةٌ |
|
وللشمس إن غابت عـلـيّ تـدور |
عوى الذّئب فاستأنست للذئب إذ عوى |
|
وصوّت إنسـانٌ فـكـدت أطـير |
رأى اللّه إنّي للأنـيس لـشـانـيءٌ |
|
وتبغضهم لي مـقـلةٌ وضـمـير |
شعر للنمّر بن تولب في المخاطرة بالنفس
وقال النمّر بن تولب:
خاطر بنفسك كي تصيب غنيمةً |
|
إنّ الجلوس مع العيال قبـيح |
فالمال فيه تجـلّةٌ ومـهـم بةٌ |
|
والفقر فيه مـذلّة وقـبـوح |
مثله لآخر
وقال آخر:
تقول ابنتي: إن انطلاقك واحدا |
|
إلى الرّوع يوماً تاركي لا اباليا |
ذريني من الإشفاق إن قّمي لنا |
|
من الحدّثان والمـنـيّة واقـيا |
ستتلف نفسي أو سأجمع هجمةً |
|
ترى ساقييهم يألمان التّراقـيا |
لمثله أيضاً لأوس بن حجر
وقال أوس بن حجر:
ومن يكن مثلي ذا عيالٍ ومقـتـراً |
|
من المال يطرح نفسه كلّ مطرح |
ليبلي عذراً أو لـيبـلـغ حـاجةً |
|
ومبلغ نفسٍ عذرهم مثل منـجـح |
وقال آخر:
رمى الفقر بالأقوام حتى كأنّهم |
|
بأطرار آفاق البلاد نـجـوم |
لكسرى في صولة الكريم واللئيم
قال
كسرى: احذروا صولة الكريم إذا جاع، واللئيم إذا شبع.
وقال الشاعر:
خلقان لم أرضى اختلافهمـا |
|
تيه الغنى، ومذلّة الفـقـر |
فإذا غنيت فلا تكن بـطـراً |
|
وإذا افتقرت فته على الدّهر |
واصبر، فلست بواجدٍ خلقـاً |
|
أدنى إلى فرجٍ من الصّبـر |
شعر لأعرابي كان أبوه يمنعه من التصرّف خوفاً عليه
كان إعرابيّ يمنع ابنه من التصرف إشفاقاّ عليه، فقال شعراّ فيه:
إذا ما الفتى لم يبغ إلا لباسـه |
|
ومطعمه، فالخير منه بعـيد |
|
||
يذكّرني خوف المنايا، ولم أكن |
|
لأهرب ممّا ليس منه محـيد |
|
||
فلو كنت ذا مال لقرّب مجلسي |
|
وقيل إذا أخطأت: أنت رشيد |
|
||
رأيت الغنى قد صار في الناس سودداً |
|
وكان الفتى بالمـكـرمـات يسـود |
|||
وإن قلت لم يسمع مقالـي وإنّـنـي |
|
لمبدىء حـقٍّ بـينـهـم ومـعـيد |
|||
فذرني أجوّل في الـبـلاد لـعـلّـه |
|
يسـرّ صـديقٌ أو يسـاء حـسـود |
|||
ألا ربّما كان الـشّـفـيق مـضـرّةً |
|
عليك مـن الإشـفـاق وهـو ودود |
|||
شعر لباهلي في طلب الغنى
وقال أعرابي من باهلة:
سأعـمـل نـصّ الـعـيس حـتـى يكـفّـــنـــي |
|
غنـى الـمـال يومـاّ أو غـنـى الـحـــدّثـــان |
فلـلـمـوت خـيرٌ مـن حـــياة يرى لـــهـــم |
|
علـى الـحـرّ بــالإقـــلال وســـم هـــوان |
متـى يتـكـنـلّـم يلـغ حـســـن كـــلامـــه |
|
وإن لـم يقــل قـــالـــوا: عـــديم بـــيان |
كأنّ الغني عن أهله بورك الغنى بغير لسانٍ ناطقٌ بلسان |
|
|
الشرف والسّودد بالمال وذم الفقر والحض على الكسب
شعر لابن الأعرابي في ذم الفقر وقلة المال
أنشد ابن الأعرابي:
ومن يفتقر في قومه يحمد الغنى |
|
وإن كان فيهم ماجد العمّ مخـولا |
يمنّون إن أعطوا يبخل بعضهـم |
|
ويحسب عجزاً سكته إن تجمّـلا |
ويزري بعقل المرء قلّة مـالـه |
|
وإن كان أقوى من رجال وأحولا |
من كتاب الهند في ما يمدح به الغني ويذم الفقير
وقرأت في كتاب للهند: ليس من خلّة يمدح بهم الغنيّ إلا ذمّ بهم الفقير، فإن كان شجاعاً قيل أهوج، وإن كان وقوراً قيل بليد، وإن كان لسنا قيل مهذارٌ، وإن كان زمّيتاً قيل عيّي.
شعر في ذم الفقر
وقال آخر:
الفقر يزري بأقوام ذوي حسبٍ |
|
وقد يسوّد غير السيّد المـال |
مثله لابن الأعرابي في الحض على الكسب
وأنشد ابن الأعرابي:
رزقت لبّا ولم أرزق مروءته |
|
وما المروءة إلاّ كثرة المال |
إذا أردت مساماةً يقعّـدنـي |
|
عما ينوّه باسمي رقّة الحال |
ولآخر في مدح الغنى
وقال آخر:
يغطّي عيوب المرء كثرة ماله |
|
يصدّق فيما قال وهو كذوب |
ويزري بعقل المرء قلّة ماله |
|
يحمّقه الأقوام وهو لـبـيب |
وقال آخر:
كم من لئيم الجدود سوّده ال |
|
مال أبوه وأمّـه الـورق |
وكم كريم الجدود ليس لـه |
|
عيبٌ سوى أنّ ثوبه خلق |
أدّبه سـادةٌ كـرام فـمـا |
|
ثوباه إلا العفاف والخلـق |
مثله للرياشي
وأنشد الرياشيّ:
غضبان يعلم أنّ المال ساق لـه |
|
ما لم يسقه له دينٌ ولا خـلـق |
لولا ثلاثون ألفا سقتهم بـطـراً |
|
إلى ثلاثين ألفا ضاقت الطّرق |
فمن يكن عن كرام الناس يسألني |
|
فأكرم الناس من كانت له ورق |
لأحيحة بن الجلاح في المعنى نفسه
وقال أحيحة بن الجلاح:
استغن أو مت ولا يغررك ذو نـشـب |
|
من ابـن عـمّ ولا عـم ولا خــال |
يلوون ما عندهم من حق أقـربـهـم |
|
وعن صديقهم والمـال بـالـوالـي |
ولا أزال على الزّوراء أعـمـرهـا |
|
إن الكريم على الأخوان ذو الـمـال |
كلّ الـنـداء إذا نـاديت يخـذلـنـي |
|
إلا ندائي إذا ناديت يا ماليوقال حسّان : |
ربّ حلـمٍ أضـاعـه عـدم الـمـا |
|
ل وجهل غظى عـلـيه الـنـعـيم |
وقال الهذليّ:
رأيت معاشرا يثنى عليهـم |
|
إذا شبعوا وأوجههم قبـاح |
يظلّ المصرمون لهم سجودا |
|
ولولم يسق عندهم ضـياح |
ويروى يلف.
???لبعضهم في كسب المال
?وقال
بعضهم: وددت أنّ لي مثل أحد ذهبا لا أنتفع منه بشيء. قيل له: فما تصنع به? قال:
لكثرة من يخدمني عليه.
قال الصّلتان:
إذا قلت يوماً لمن قد تـرى: |
|
أروني السّريّ، أروك الغني |
وسرّك ما كان عند امـرىءٍ |
|
وسرّ الثلاثة غير الخـفـي |
وقال آخر:
لا تسألي النّاس: ما مجدي وما شرفي |
|
الشأن في فضّتي والشأن في ذهبي |
لولم يكن لي مـال لـم يطـر أحـد |
|
بابي ولم يعرفوا مجدي ومجد أبـي |
وقال آخر:
أجلّك قوم حين صرت إلى الغنى |
|
وكلّ غنيّ في العيون جـلـيل |
ولو كنت ذا عقل ولم تؤت ثروة |
|
ذللت لديهم والـفـقـير ذلـيل |
إذا مالت الدنيا على المرء رغّبت |
|
إليه ومال الناس حـيث يمـيل |
وليس الغنى إلا غنى زيّن الفتى |
|
عشيّة يقـري أو غـداة ينـيل |
وقال آخر:
وكلّ مقلٍّ حـين يغـدو لـحـاجةٍ |
|
إلى كنلّ من يعدو ومن الناس مذنب |
وكان بنو عمي يقولون مـرحـبـا |
|
فلما رأوني معدماً مات مـرحـب |
وقال آخر:
أبا مصلح أصلح ولا تك مفسـداً |
|
فإنّ صلاح المال خيرٌ من الفقر |
ألم تر أنّ المـرىء يزداد عـزّة |
|
على قومه إن يعلموا أنه مثري |
شعر لعروة بن الورد، وغيره
وقال عروة بن الورد:
ذريني للغنى أسعى فإنـي |
|
رأيت النّاس شرّهم الفقير |
وأبعدهم وأهونهم علـيهـم |
|
وإن أمسى له حسب وخير |
ويقصيه النّـديّ وتـزدريه |
|
حليلته وينهره الصـغـير |
وتلفي ذا الغنى وله جـلالٌ |
|
يكاد فؤاد صاحبه يطـير |
قليلٌ ذنبه والـذنـب جـمٌّ |
|
ولكن للغني ربٌّ غفـور |
وقال زيد بن عمرو بن نفيل:
ويكأن من يكن لـه نـشـبٌ يح |
|
بب، ومن يفتقر يعش عيش ضرّ |
وقال آخر:
ألم تر بيت الفقر يهجر أهله |
|
وبيت الغنى يهدى له ويزار |
وقال آخر:
إذا ما قلّ مالك كنت فردا |
|
وأيّ الناس زوّار المقلّ? |
لعبد العزيز بن زرارة والطائي وغيرهم
وقال عبد العزيز بن زرارة:
وما لبّ اللبيب بـغـيرحـظّ |
|
بأغنى في المعيشت من فتيل |
رأيت الحظّ يستر عيب قـوم |
|
وهيهات الحظوظ من العقول |
وقال الطائيّ:
الصبر كاسٍ وبطن الكف عاريةٌ |
|
والعقل عارٍ إذا لم يكس بالنّشب |
ما أضيع العقل إن لم يرع ضيعته |
|
وفرٌ، وأي رحاً دارت بلا قطب |
وقال آخر:
عش بجدٍّ ولا يضّرك نوكٌ |
|
إنماعيش من ترى بالجدود |
عش بجدّ وكن هبنّقة القي |
|
سيّ نوكا أوخالدبـن يزيد |
وقال الطائي:
ينال الفتى من عيشه وهو جـاهـلٌ |
|
ويكدي الفتى في دهره وهو عالـم |
ولو كانت الأرزاق تجري على الحجا |
|
هلكن إذاً من جهلهـنّ الـبـهـائم |
وقال المرّار:
إذا لم ترافد في الرّفاد ولم تسق |
|
عدوّاً ولم تستغن فالموت أروح |
وقال ابن الدمينة الثقفي:
أطعت العرس في الشهوات حتى |
|
أعادتني عسيفاً عـبـد عـبـد |
إذ ما جئتها قد بـعـت عـذقـا |
|
تعانق أو تـقـبّـل أو تـفـدّي |
وقال الأسعر الجعفيّ:
وخصاصة الجعفي مـا داينـتـه |
|
لا ينقضي أبداً وإن قيل انقضـى |
إخوان صدقٍ ما رأوك بـغـبـطة |
|
فإن افتقرت فقد هوى بك ما هوى |
وقال آخر:
إذا المرء لم يكسب معاشا لنفسـه |
|
شكا الفقر أو لاقى الصدّيق فأكثرا |
وصار على الأدنين كلاّ وأوشكـت |
|
صلات ذوي القربى له أن تنكّـرا |
فسر في بلم د اللّه والتمس الغنـى |
|
تعش ذا يسار أو تموت فتـعـذرا |
وما طالب الحاجات من حيث تبتغى |
|
من الناس الأ من أجدّ وشـمّـرا |
فلا ترض من عيشٍ بدونٍ ولا تنـم |
|
وكيف ينام الليل من كان معسـرا |
وقال آخر:
من يجمع المال ولا يثب به |
|
ويترك العام لعام جـدبـه |
يهن على الناس هوان كلبه |
|
|
?لأبي اليقظان في عتبة بن ربيعة
قال أبو اليقظان: ما ساد مملق قط الا عتبة بن ربيعة.
لعبد اللّه بن عمرو في عمل الدين والدنيا
حدّثني أبوحاتم قال: حدّثنا الأصمعيّ عن حمّاد بن سلمة عن عبيد اللّه بن العيزار عن عبد اللّه بن عمرو أنه قال: أحرث لدنياك كأنّك تعيش أبدا وأحرث لآخرتك كأنك تموت غداً.
لأبي قلابة الرقاشي في الغنى
قال:
حدّثني أبو حاتم قال: حدّثنا الأصمعيّ قال: حدّثني أصحاب أيوب عن أيّوب قال:
كان أبو قلابة يحثّني على الاحتراف ويقول: إن الغنى من العافية.
لأعري في الرجل الكامل
قال: وقال الأصمعيّ: سأل أعرابي عن رجل فقالوا: أحمق مرزوقٌ. فقال: ذاك واللّه الرجل الكامل.
في العمل وحفظ المال
وكان
يقال: من حفظ ماله فقد حفظ الأكرمين: الدّين والعرض.
ويقال في بعض كتب اللّه: أطعني فيما آمرك ولاتعلمني بما ينفعك وآمدد يدك لباب من
العمل أفتح لك باباً من الرزق.
وكان يقال: من غلى دماغه في الصيف غلت قدره في الشتاء.
ويقال: حفظ المال أشدّ من جمعه.
وللحسن
وقال
الحسن: إذا أردتم أن تعلموا من أين أصاب المال فانظروا فيما ينفقه فإنّ الخبيث
ينفق سرفاً.
ونحوه قولهم: من أصاب مالأ من نهاوش أذهبه اللّه في نهابر.
ويقال في مثل "الكدّ قبل المدّ"، يراد الطلب قبل العجاجة والعجز.
وللقيط في الغزو
وقال لقيط: "الغزو أدّر للّقاح وأحدّ للسلاح ".
شعر لأبي المعافى
وقال أبو المعافى:
وإن التواني أنكح العجز بنتـه |
|
وساق إليها حين زوّجها مهرا |
فراشاً وطيئاً ثم قال لها اتّكـي |
|
قصاراهما لابدّ أن يلدا الفقرا |
لزيد بن جبلة في الفقير
وقال زيد بن جبلة: لا فقير أفقر من غني أمن الفقر.
لعليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه في الغنى
وروي
عن عليّ بن أبي طالب كرم اللّه وجهه أنه قال: ما دون أربعة آلاف درهم نفقةٌ، وما
فوقها كنز.
ويقال : القبرولا الفبر.
ويقال : ما سبق عيال مالا قظ إلا. كان صاحئه فقيرا .
لرجل من البصريين صاحب عيال وقيل لرجل من البصريين : ما لك لا ينمي مالك ? قال :
لأني اتخذت العيال قبل المال واتخذ الناس المال قبل العيال .
ويقال : العيال سوس المال .
وقيل لمديني : كيف حالك ? قال . كيف يكرن حال من ذهب ماله وبقيت عادته .
ويقال : الغنى في الغربة وطن والفقر في الوطن غربة.
حدثني محمد بن يحعص باسناد ذكره قال : شكا نبب من الأنبياء إلى الشذة الفقر فاوحى
الثه إليه : هكذا جرى أمرك عندي أفتريد من أجلك أن اعيد الدنيا .
ليونى بن حبيب قال . أبو حاتم قال : حذثنا العتي قال : سمعت يونس بن حبيب يقول :
ما أجدب أهل البادية قظ حتى تسؤيهم السنة ثم جاءهم الخصب إلا عاد الننى إلى أهل
الننى .
بين الأصمعي وأعرابية قال الأصمعف : رأيت أعرابية ذات جمال رائع تسال بمنى فقلت :
يا أمة (لتسالين ولك هذا الجمال ! قال : قذر الكه فما اصنع ? قلت . فمن أين معاشكم
? قالت : هذا الحاخ نتقفمهم ونغسل ثيابهم . فقلت : فاذا ذهب الحاج فمن أين ? فنظرت
إلن وقالت : يا صلب الجبين ! لو كنا انما نعيش من حيث نعلم لما عشنا.
لشاعر في الإقلال وقال الشاعر". ( أتراني أرى من الدهريوسا لي فيه مطية غيبر
رجلي لاذاكنت في جميع فقالوا قزبوا للرحيل قدمت نعلي حيثمانهنت لا أخلف رحلا من
رآني .فقدرآني ورحلي لمديني ولأخرين في قلة ذات اليد قيل لمديني : ما عندك من آلة
الحج ? قال . التلبية .
وقيل لآخر: ما عندك من الة العصيدة? قال: الماء.
وقيل لآخر: ما عندك من آلة القريس? قال: الشتاء.
ذم الغنى ومدح الفقر
قال شريح: الجدة كنية البهل.
لأكثم بن صيفي في مدح الفقر
وقال أكثم بن صيفيّ: ما يسرّني أني مكفيُّ كلّ أمر الدنيا. قيل: وإن أسمنت وألبنت? قال: نعم، أكره عادة العجز.
عيب الغنى
وكان يقال: عيب الغنى أنه يورث البله، وفضيلة الفقر أنه يورث الفكرة.
شعر لمحمد بن حازم في ذم الغنى
وقال محمد بن حازم الباهليّ:
ما الفقرعارٌ ولا الغنى شرف |
|
وسخاء في طـاعةٍ سـرف |
ما لك إلا شـيءٌ تـقـدّمـه |
|
وكلٌّ شيء أخرتـه تـلـف |
تركك مالاً لـوارثٍ يتـهـنّ |
|
اه وتصلى بـحـرّه أسـف |
?مثله لابن مناذر
وقال ابن مناذر:
رضينا قسمة الرحمن فينا |
|
لنا علمٌ وللثّقفـيّ مـالٌ |
وما الثّقفيّ إن جادت كساه |
|
وراعك شخصه إلا خيال |
لمروان بن الحكم
وقال أنس بن مالك: لمّا خرج مرران من المدينة مرّ بماله بذي خشب فلما نظر إليه قال: ليس المال إلا ما أشرجت عليه المناطق. للمسيح عليه السلام في المال
وروي عن المسيح أنه قال: في المال ثلاث خصال، قالوا. وما هي يا روح اللّه? قال: لا يكسبه من حلّه. قالوا: فإن فعل? قال: يمنعه من حقّه. قالوا: فإن لم يفعل? قال: يشغله إصلاحه عن عبادة ربه.
ولابن عمر
قيل لابن عمر: توفّي زيد بن حارثة وترك مائة ألف درهم ، قال: لكنهم لاتتركه.
شعر للمعلوط في أن السؤدد للكريم
وقال المعلوط:
ولا سود المال الـدّنـيّ ولا دنـا |
|
لذاك ولـكـنّ الـكـريم يسـود |
متى ما ير الناس الغنـيّ وجـاره |
|
فقيراً يقولوا عـاجـزٌ وجـلـيد |
وليس الغنى والفقر من حيلة الفتى |
|
ولكن أحاظٍ قسّـمـت وجـدود |
فكم قد رأينا من غنـيّ مـذمّـمٍ |
|
وصعلوك قومٍ مات وهوحـمـيد |
إذا المرء أعيته المروءة نـاشـئاً |
|
فمطلبها كهـلاً عـلـيه شـديد |
وقال آخر:
ولا تهين الفقـيرعـلّـك أن |
|
تركع يوماً والدهر قد رفعه |
الأخفش قال: قال المبرّد: أريد النون
الخفيفة في ولا تهين فاسقط التنوين لسكونه وسكون اللام.
وقال آخر:
ولست بنظّارٍ إلى جانب الغـنـى |
|
إذا كانت العلياء في جانب الفقر |
وإني لصبّارٌعلى ما ينـوبـنـي |
|
لأنيّ رأيت اللّه أثنى على الصبر |
لأعرابي يمدح قوماً
وقال أعرابي يمدح قوماً:
إذا افتقروا عضّوا على الصبر حسبةً |
|
وإن أيسروا عادوا سراعاً إلى الفقر |
يقول: يعطون ما عندهم حتى يفتقروا.
للحسن عن اليهود وتعييرهم عيسى عليه السلام بالفقر
قال الحسن: عيّرت اليهود عيسى بن مريم بالفقر فقال: من الغنى أتيتم.
وللحسن أيضأ في شرف الفقر
وقال: حسبك من شرف الفقر أنك لا ترى أحدا يعصي ليفتقر.
شعر لابن الأعرابي في ذم المال
أنشد ابن الأّعرابي:
المال يغشى رجالأ لا طباخ بهـم |
|
كالسّيل يغشى أصول الدّندن البالي |
وقال الطائي:
لا تنكري عطل الكريم من الغنى |
|
فالسيل حرب للمكان العـالـي |
لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه فيمن دخل على الأغنياء
قال
عمر بن الخطاب: من دخل على الأغنياء خرج وهو ساخط على اللّه.
لأعرابي في الغنيّ والفقير وقال أعرابيّ: الغنيّ من كثرت حسناته، والفقير من قلّ
نصيبه منها .
شعر لذي الأصبع
وقال ذو الأصبع:
لي ابن عمّ على ماكان من خلقٍ |
|
مخالفٌ لي أقليه ويقـلـينـي |
أزرى بنا أننا شالت نعامتـنـا |
|
فخالني دونه بل خلتـه دونـي |
وقال آخر:
إنّ الحرم غزيرةٌ حلـبـاتـه |
|
ووجدت حالبة الحلال مصورا |
قيل لأعرابي: إن فلاناً أفاد مالاً عظيماً. قال: فهل أفاد معه أياماً ينفقه فيها?
من كتاب الهند في صاحب المروءة
وفي كتاب للهند: ذو المروءة يكرم معدماً كالأسد يهاب وإن كان رابضاً، ومن لا مروءة له يهان وإن كان موسراً كالكلب وإن طوّق وحلّي.
شعر لخداش بن زهير
وقال خداش بن زهير:
أعاذل إن المـال أعـلـم أنّـه |
|
وجامعه للغائلات الـغـوائل |
متى تجعليني فوق نعشك تعلمي |
|
أيغني مكاني أبكري وأفائلـي |
وقال آخر:
إذا المرء أثرى ثمّ قال لقومـه |
|
أنا السيّد المقضي إليه المعظّم |
ولم يعطهم خيراً أبوا أن يسودهم |
|
وهان عليهم رغمه وهوأظلـم |
لزبان بن سيّار
وقال زبان بن سيّار:
ولسنا كقوم محدثـين سـيادةً |
|
يرى مالهم ولا يحسّ فعالها |
مساعيهم مقصورةٌ في بيوتهم |
|
ومسعاتنا ذبيان طرًّا عيالهـا |
لأبي عبيد اللّه الكاتب في ذلة الفقر وعز الغنى
وقال
أبو عبيد اللّه الكاتب: الصبر على حقوق المرؤة أشدّ من الصبر على ألم الحاجة،
وذلّة الفقر مانعةٌ من عزّ الصبر كما أن عزّ الغنى مانع من كرم الإنصاف.
وقال بعض المتكلمين في ذمّ الغنى: ألم تر ذا الغنى ما أدوم نصبه، وأقلّ راحته،
وأخسّ من ماله حظّه، وأشدّ من الأيام حذره، وأغرى الدّهر بثلمه ونقضه، ثم هو بين
سلطان يرعاه، وحقوق تسترثيه، وأكفاء يتنافسونه، وولد يوذون فراقه، قد بعث عليه
الغنى من سلطانه العناء، ومن أكفائه الحسد، ومن أعدائه البغي، ومن ذوي الحقوق
الذتمّ، ومن الولد الملامة، لاكذي البلغة قنع فدام له السرور، ورفض الدنيا فسلم له
الجسد، ورضي بالكفاف فتنكّبته الحقوق.
شعر لأعرابي فقير كثير العيال
ضجر أعرابيٌّ بكثرة العيال والولد مع الفقر وبلغه أن الوباء بخيبر شديد فخرج إليهم بعياله يعرضهم للموت، وأنشأ يقول:
قلت لحمّى خيبر استعـدّي |
|
هاك عيالي واجهدي وجدّي |
وباكري بـصـالـبٍ وورد |
|
أعانك اللّه على ذا الجنـد |
فأخذته الحمى فمات هو وبقي عياله.
عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه يوصي ابنه عبد اللّه
وكتب عمر بن الخطاب إلى ابنه عبد اللّه: يا بني، اتق اللّه، فإنه من اتقى اللّه وقاه، ومن توكل عليه كفاه، ومن شكره زاده، فلتكن التقوى عماد عينيك وجلم ء قلبك، وآعلم أنه لاعمل لمن لا نية له ولا أجر لمن لا حسبة له، ولا مال لمن لا رفق له، ولا جديد لمن لا خلق له.
شعر لمحمود الورّاق في مدح الفقر
وقال محمود الورّاق:
يا عائب الفـقـرالأ تـزدجـر |
|
عيب الغنى أكثر لو تعتـبـر |
من شرف الفقر ومن فضـلـه |
|
على الغنى إن صحّ منك النظر |
أنك تعصي اللّه تبغي الغـنـى |
|
ولست تعصي اللّه كي تفتقـر |
وقال آخر:
ليس لي مالٌ سوى كرمي |
|
فيه لي أمن من الـعـدم |
لا أقول: اللّه أعدمـنـي |
|
كيف أشكو غير متّـهـم |
قنعت نفسي بما رزقـت |
|
وتمطّت بالعلى هممـي |
وجعلت الصبر سـابـغةً |
|
فهي من قرني إلى قدمي |
فإذا ما الدّهر عاتـبـنـي |
|
لم يجدني كافراً نعـمـي |
التجارة والبيع والشراء
للنبي )
قال:
حدّثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن ابن إسحق عمن حدّثه يرفعه قال: قال رسول
اللّه ): "بعثت مرغمةً ومرحمةً ولم ابعث تاجراً ولا زرّاعاً وإن شر هذه الأمة
التًجار والزراعون إلاّ من شحّ عن دينه ".
وفي حديث آخر رواه أبو معاوية عن الأعمش عن وائل بن داود عن سعيد بن جبير. سئل
النبي ) أيّ الكسب أطيب? قال: "عمل الرجل بيده وكلّ بيع مبرورٍ".
لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه في التجارة
حدّثني
يزيد بن عمرو قال: حدّثنا عون بن عمارة عن هشام بن حسان عن الحسن أن عمر بن الخطاب
رضي اللّه عنه قال: من تجر في شيء ثلاث مرات فلم يصب فيه فليتحول منه إلى غيره.
وقال: فرّقوا بين المنايا، واجعلوا الرأس رأسين ولا تلثّوا بدار معجزةٍ.
وقال: إذا اشتريت بعيراً فاشتره عظيم الخلق فإن أخطأك خيرٌ لم يخطئك سوقٌ.
وقال: بع الحيوم ن أحسن ما يكون في عينك.
وللحسن في الأسواق
وقال الحسن: الأسواق موائد اللّه في الأرض فمن أتاهم أصاب منهم .
للنبي )
ابن
المبارك عن معمر عن الزبيري قال: مر رسول اللّه )برجل يبيع شيئاً، فقال:
"عليك بالسّوم أول السوق فإن الرّباح مع السماح ".
وفي بعض الحديث المرفوع: "أمر رسول اللّه ) الأغنياء باتخاذ الغنم والفقراء
باتخاذ الدّجاج".
وقيل للزّبير: بم أبلغت ما بلغت من اليسار? قال: لم أردّ ربحاً ولم أستر عيباً.
ولمعاوية في التجارة
دخل ناسٌ على معاوية فسألهم عن صنائعهم، فقالوا: بيع الرقيق. قال: بئس التجارة ضمان نفس ومؤونة ضرس.
بين رجل باع ضيعة ومشتريها
باع
رجل ضيعة فقال للمشتري: أما واللّه لقد أخذتها ثقيلة المؤونة قليلة المنفعة. فقال:
وأنت واللّه لقد أخذتهم بطيئة الاجتماع سريعة التفرّق.
واشترى رجل من رجل داراً فقال له المشتري: لو صبرت لم شتريت منك الذراع بعشرة.
فقال: وأنت لو صبرت بعتك الذراع بدرهم .
لعمر بن أبي زائدة في أبي سفيان بن العلاء يصفه بالحمق
حدّثنا أبو حاتم عن الأصمعيّ أن أبا سفيان بين العلاء باع غلاماً ما له بثلاثين
ألفاً فقال عمر بن أبي زائدة: هذا أحمق، قالوا: كيف? قال: لأنّه لم يبلغ ثلاثين
ألفاً حتى اعطي قبل ذلك عشرون ألفاً فكيف انتظر ولم يغتنمها?
عبد اللّه بن جعفر وقد رؤي يماكس
ورئي عبد اللّه بن جعفر يماكس في درهم فقيل له: أتماكس في درهم وأنت تجود من المال بما تجود به? قال: ذلك مالي جدت به وهذا عقلي بخلته .
ولابن عمر
ابتاع
ابن عمر شيئا فحثا له البائع على المكيال، فقال له ابن عمر: أرسل يدك ولا تمسك على
رأسه فإنما لي ما يحمله المكيال.
كان جرير بن عبد اللّه إذا اشترى شيئاً قال لصاحبه: إن الذي أخذنا منك خيرٌ ممّا
أعطيناك اذ أظنّ أنه كذلك فأنت بالخيار.
عمرو بن عبيد وقد اشترى إزاراً للحسن
اشترى عمرو بن عبيد إزاراً للحسن بستة دراهم ونصف فاعطاه سبعة دراهم فقال الرجل: إنما بعته بستة دراهم ونصف. فقال عمرو: إني اشتريته لرجل لايقاسم أخاه درهماً.
لأبي الزناد
قال:
حدّثنا أبو حاتم عن الأصمعيّ عن أبي الزناد قال: إذا عزب المال قلّت فواضله، لا
بلحة ولا بسرة ولا رطية ولا كرنافة.
ونحوه قول بعض الحجازيّين:
سأبـغـيك مـالاً بـالـمـدينة إنّـنــي |
|
أرى عازب الأموال قلـت فـواضـلـه |
بين سهل بن حنيف وعمر بن عبد الرحمن |
|
|
قال
عمر بن عبد الرحمن بن عوف. قسم سهل بن حنيف بيننا أموالنا وقال لي: يا بن أختي إني
أؤثرك بالقرابة، اعلم أنه لامال لأخرق ولاعيلة على مصلح، وخير المال ما أطعمك لاما
أطعمته، وإن الرقيق جمال وليس بمال.
قال زياد: ليس لذي ضعف مثل أرض عشر، وليس لذي جاه مثل خراج، وليس لتاجرٍ مثل
صامتٍ.
بين رجل وتاجر
قال
رجل لآخر: بكم تبيع الشاة? تال. أخذتها بستة وهي خير من سبعة وقد أعطيت بها ثمانية
فإن كانت من حاجتك بتسعة فزن عشرةً.
كان يقال: خير المال عين خرّارة، في أرض خوّارة، تفجّرها الفارة، تسهر إذا نمت،
وتشهد إذا غبت، وتكون عقباً إذا متّ.
عبد الرزاق عن معمر عن الزهريّ عن سعيد بن المسيب قال: إن اللّه إذا أبغض عبداً
جعل رزقه في الصّياح.
وقال الفضيل مثل ذلك، وقال: أما سمعت إلى أهل دار البطيخ والملاحين ودوّيهم .
ابن عمر والمماكسة
قال: حدّثنا أحمد بن الخليل قال: حدّثنا أحمد بن الحارث الهجيميّ قال: حدّثنا المبارك بن سعيد عن برد بن سنان عن نافع عن ابن عمر أنّه كان ل ايرى بالمكايسة والمماكسة في الشراء والبيع بأساً.
بين عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه وغلام له
قال: حدّثنى محمد قال: حدّثني الأصبهانيّ عن يحيى بن أبي زائدة عن مجالد عن أبي بردة، قال: أتى عمر غلام ما له يبيع الحلل، فقال له: إذا كان الثوب عاجزاً فانشره وأنت جالسٌ وإذا كان وساعا فانشره وأنت قائم. قال: فقلت له: اللّه اللّه يا عمر. قال: إنما هي السوق.
لعبد اللّه بن الحسين في الغلات
قال عبد اللّه بن الحسين: غلّة الدور مسكةٌ وغلّة النخل كقافٌ وغلّة الحب الغنى. قال أعرابيّ:
زيادة شيءٍ تلحق النفس بالمنـى |
|
وبعض الغلاء في التجارة أربح |
كتاب عتبة بن غزوان
ولما
بلغ عتبة بن غزوان أن أهل البصرة قد اتخذوا الضّياع وعمروا الأرضين كتب إليهم: لا
تنهكوا وجه الأرض فإن شحمتها في وجهها.
قال أعرابيّ:
وفي السّوق حاجاتٌ وفي النّقد قـلّةٌ |
|
وليس بمقضي الحاجة غير الدّراهم |
لميمون بن ميمون في الشراء بنعت أهل البضاعة
قال ميمون بن ميمون: من اشترى الأشياء بنعت أهلها غبن.
بين شكر الحرشي والحسن
حدّثني
سهل بن محمد عن الأصمعيّ، قال: حدّثني شكر الحرشي قال: جاء الحسن بشاةٍ فقال لي:
بعها وابرأ من أنّها تقلب المعلف وتنزع الوتد من قبل البيع لئلا يقولوا ندم.
قال الشاعر:
إذا ما تاجرٌ لم يوف كيلً |
|
فصبّ على أنامله الجذام |
شعر لابن الزيات في الطائي
ابن الزيات في الطائي:
رأيتك سهل البيع سمحاً وإنمـا |
|
يغالي إذا ما ظنّ بالشيء بائعه |
هو الماء إن أحميته طاب شربه |
|
ويكدر يوماً أن تباح مشارعـه |
حدّثت عن شيبان بن فروخ عن أبي الأشهب عن الحسن قال: كان رجل يتّجر في البحر ويحمل
الخمر يأتي بهم قوماً، فعمد إليهم فمزجها نصفين وأتاهم بهم فباعهم بحساب الصّرف
واشترى قرداً فحمله معه في السفينة، فلما لجّج في البحر لم يشعر إلا وقد أخذ القرد
الكيس وعلاعلى الصّاري وجعل يلقي ديناراً في البحر وديناراً في السفينة حتى قسمه
قسمين.
قال رجلٌ من الحاجّ: أتانا رجل من الأعراب بالرمل في طريق مكّة بغرارة فيهم كمأة،
فقلنا له: بكم الغرارة? فقال: بدرهمين. فقلنا: لك ذلك. فاخذناها ودفعنا إليه
الثمن، فلما نهض قال له رجل منا: في است المغبون عود. فقال: بل عودان، وضرب الأرض
برجله فإذا نحن على الكمأة قيامٌ.
قيل لأعرابيّ: ألا تشتري لابنك بطّيخةً. فقال: لا، أو يبلغ من كساده أن يكون إذا
تناول من بين يدي البقال وأخذه وعدا رماه بأخرى ولم يعد خلفه.
لأعرابيّ وقد اشترى غلام ما بعيب فيه
اشترى
أعرابيّ غلاماً فقال للبائع: هل فيه من عيب? فقال: لا، غير أنه يبول في الفراش.
فقال: ليس هذا بعيب، إن وجد فراشا فليبل فيه.
الدّين
لثابت بن عقلة في الدّين
قال ثابت قطنة: الدّين عقلة الشريف.
شعر دليم
وقال دليم:
اللّه لـقّـى مـن عـرابة بـبـيعةً |
|
على حين كاد النّقد يعسرعاجـلـه |
ولوّى بنان الكـف يسـب ربـحـه |
|
ولم يحسب المطل الذي أنا ماطلـه |
سيرضى من الرّبح الذي كان يرتجي |
|
برأس الذي أعطى وهل هو قابلـه |
بين عمر وابن جريج وقد تقنّع تستراً من دائنيه
عبد الرزاق عن ابن جريج قال: رآني عمر وأنا متقنّع، فقال: يا أبا خالد، إن لقمان كان يقول: القناع بالليل ريبة وبالنهار مذلّة. فقلت. إن لقمان لم يكن عليه دينٌ.
محمد بن النضر الحارثي لبعض العباد
كتب يعقوب بن داود إلى بعض العباد يسأله القدوم عليه، فأتى محمد بن النضر الحارثي فاستشاره وقال: لعل اللّه يقضي ديني. فقال محمد بن النضر: لأن تلقى اللّه وعليك دين ولك دين خير من أن تلقاه وقد قضيت دينك وذهب دينك.
لعياض بن عبد اللّه في مضار الذين
قال عياض بن عبد اللّه: الذين راية اللّه في أرضه فإذا أراد أن يذل عبداً جعلها طوقاً في عنقه.
خالد القسري يعرّض بعتبة بن عمرو ورد عتبة عليه
دخل عتبة بن عمرو على خالد القسري. فقال خالد يعرض به: إنّ ههنا رجالاً يدّانون في أموالهم فإذا فنيت ادّانوا في أعراضهم. فقال عتبة: إن رجالاً تكون مروءاتهم أكثر من أموالهم فيدانون على سعة ما عند اللّه. فخجل خالد وقال: إنّك منهم ما علمت.
شعر لأعرابيّ يذكر غرماء له
وقال أعرابيّ يذكر غرماء لها:
جاءوا إليّ غضاباً يلغطون مـعـا |
|
يشفي أذاتهم أن غاب أنـصـاري |
لما أبوا جهـرةً إلا مـلازمـتـي |
|
أجمعت مكرم بهم في غير إنكار |
وقلت إني سيأتيني غداً جـلـبـي |
|
وإنّ موعدكم دار ابـن هـبّـار |
وما أواعـدهـم إلا لأربـثـهـم |
|
عني فيحرجني نقضي وإمراري |
وماجلبت الـيهـم غـير راحـلةٍ |
|
تخدي برحلي وسيفٍ جفنه عاري |
إن القضاء سيأتـي دونـه زمـنٌ |
|
فاطو الصحيفة واحفظها من الفار |
مثله لآخر
وقال آخر لغرمائه:
ولو علّقتمـونـي كـلّ يوم |
|
برجلي أو يدي في المنجنيق |
لما أعطيتـكـم إلا تـرابـا |
|
يطيّر في الخيااشم والحلوق |
وقال آخر:
إذا جئت الأمير فقـل سـلامٌ |
|
عليك وركة اللّـه الـرحـيم |
وأما بعد ذلك فـلـي عـريمٌ |
|
من الأعراب قبّح من غـريم |
له ألفٌ عليّ ونصـف ألـفٍ |
|
ونصف النصف في صكٍ قديم |
دراهم ما انتفعت بها ولـكـن |
|
وصلت بها شيوخ بني تمـيم |
بين الحارث بن عبد اللّه ورجل من بني مخزوم
حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ، قال: جاء رجل من بني مخزوم إلى الحارث بن عبد اللّه ابن نوفل وهو يقضي عن أخيه دينا فقال: إن لي على أخيك حقاً. قال: ثبّت حقّك تعطه. قال: أفمن ملاءة أخيك ووفائه ندّعي عليه ما ليس لنا? فقال: أمن صدقك وبرّك نقبل قولك بغير بينةٍ? لأعرابيّ يوصي سهل بن هارون بالتواري عن غرمائه
لزم سهل بن هارون دين كثير، فقال أعرابيّ يوصيه بالتّواري عن غرمائه:
انزل أبا عمرو على حـدّ قـريةٍ |
|
تربّع إلى سهل كثير الـسّـلائق |
وخذ نفق اليربوع فآسلك طريقـه |
|
ودع عنك إنّي ناطقٌ وابن ناطق |
وكن كأبي قطب على كـلّ رائع |
|
له باب دار ضيق العرض سامق |
وأبو قطبة خناق كان بالكوفة مولى لكندة.
في الأنظار وإرجاء دفع الدّين
حدّثني محمد بن عبيد، قال: حدّثني سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير أن رجلاً كان يبايع الناس ويداينهم ، وكان له كاتب ومتجرٌ، فيأتيه المعسر والمستنظر فيقول لكاتبه: أكليء وآستنظر وتجاوز ليوم يتجاوز اللّه عنا فيه. فمات لايعمل عملاً غيره فغفر اللّه له.
شعر للقضاعي
قال شقران القضاعي:
لوكنت مولى قيس عيلان لم تجد |
|
عليّ لإنسان من الناس درهما |
ولكنني مولى قضاعة كلـهـا |
|
فلست أبالي أن أدين وتغرمـا |
بين عبد الرحمن بن عوف
وعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه وقد أرسل يستلف منه
بلغنى عن يحيى بن أيّوب عن الأعمش عن إبراهيم، قال: أرسل عمر إلى عبد الرحمن بن عوف يستسلفه أربعمائة درهم، فقال عبد الرحمن: أتستسلفني وعندك بيت المال، الا تأخذ منه ثم تردّه? فقال عمر: إني أتخوف أن يصيبني قدري، فتقول أنت وأصحابك: اتركوا هذا لأمير المؤمنين. حتى يؤخذ من ميزاني يوم القيامة، ولكني أتسلّفها منك لما أعلم من شحّك فإذا مت جئت فاستوفيتها من ميراثي.
بين أبي عبّاد المهلبي وصديق له اعتذر عن تسليفه
كتب أبو عبّاد المهلّبي إلى صديق له مكثرٍ يستسلفه مالاً، فاعتلّ عليه بالتعذر وضيق الحال، فكتب إليه ابن عبّاد: إن كنت كاذباً فجعلك اللّه صادقاً وإن كنت ملوماً فجعلك اللّه معذوراً.
لأبي اليقظان في الفضل بن العباس
أبو اليقظان قال: كان الفضل بن العبّاس بن عتبة بن أبي لهب الشاعر يعين الناس فإذا حلت دراهمه ركب حماراً له يقال له شارب الريح فيقف على غرمائه ويقول:
بني عمّنا ردوا الدراهم إنمـا |
|
يفرّق بين الناس حبّ الدراهم |
وكان رجل من بني الدّيل عسر القضاء فإذا تعلق به غرماؤه فرّ منهم وقال:
فلوكنت الحديد لكسّروني |
|
ولكني أشدّ من الحط يد |
فعيّنه الفضل، فلما كان قبل المحلّ جاء فبنى معلفاً على باب داره، وكان يقال للرجل عقرب، فلقي كل واحد من صاحبه شّدةً، فهجاه الفضل فقال:
قد تجرت في دارنا عقربٌ |
|
لامرحباً بالعقرب التاجره |
إن عادت العقرب عدنا لهم |
|
وكانت النّعل لهم حاضره |
كل عدوّ يتّقـى مـقـبـلاً |
|
وعقربٌ تخشى من الدّابره |
إن
عدوا كيده في آسته لغيرذي كيد ولا نائره قال بعضم : ثلاثة من عازهم عادت عزته ذلة
: السلطان ، والوالد ، والغريم .
للنبي لنهض وفي الحديث الفرفوع : "لصاحب الحق اليد واللسان( .
لبعفرخلفاء بني أمية وقد رأى غريما له المدائني قال . ساير بعض خلفاء بني أمية
رجلا وهو يحادثه ثم قطع حديثه وآصفر لونه ، فقال له الرجل : ما هذا الذي رأيت منك
? قال . رأيت غريما لي .
قال الشاعر: إذا ما أخذت الدين بالذين لم يكن قضاء ولكن كان غرما على غرم وقال آخر
أخذت الدين أدفع عن تلادي واخذ الدين أهلك للتلاد شعر لباهلي مديون ليحصبي كان
لرجل من يحصب على رجل من باهلة دين ، فلما حل دينه هرب الباهل! وأنشا يقول !ذا حل
دين اليحصبي فقل له : تزود بزاد وآستعن بدليل سيصبح فوقي أقتم الرأس واقعا بقالي
قلاأو من وراء دبيل قال المحذث بهذا : فحذثني من رآه بقالي قلا أو بدبيل وهو مصلوب
وقد وقعت عليه عقاب .
أبو فرعون الأعرابي وقوم استقرضهم فابوا وقف أبو فرعون الأعرابي على باب قوم
يسالهم ، فحلفوا له : ما عندهم شيء يعطونه ، فقال: استقرضوا لنا شيئاً. فقالوا: ما
يقرضنا أحد شيئاً. فقال أبو فرعون: ذلك لأنكم تأخذون ولاتعطون، أو قال ولاتقضون.
في الأعتذار من التسليف
أتى قومٌ عباديّاً فقالوا: نحبّ أن تسلف فلاناً ألف درهم وتؤخره بها سنة. قال:
هاتان حاجتان وسأقضي لكن إحداهما، وإذا أنا فعلت فقد أنصفت، أنا أؤخرّه ما شاء.
كتاب عمر بن عبد العزيز إلى رجل له عليه دين
كتب عمر بن عبد العزيز إلى رجل له عليه دينُ: قد آن للحقّ الذي عندك أن يرجع إلى أهله، وتستغفر اللّه تعالى من حبسه.
اختلاف الهمم والشهوات والأماني
اجتمع عبد اللّه بن عمر وعروة بن الزبير ومصعب بن الزبير وعبد الملك بن مروان بفناء الكعبة، فقال لهم مصعب: تمنوا. فقالوا: ابدأ أنت. فقال: ولاية العراق وتزوج سكينة ابنة الحسين وعائشة بنت طلحة بن عبيد اللّه. فنال ذلك وأصدق كل واحدة خمسمائة ألف درهم وجهزّها بمثلهم. وتمنى عروة بن الزبير الفقه وأن يحمل عنه الحديث فنال ذلك. وتمنى عبد الملك الخلافة فنالها. وتمنى عبد اللّه بن عمر الجنة.
وصف السرور
قال
قتيبة بن مسلم لحصين بن المنذر: ما السّرور? قال: امرأةٌ حسناء، ودارٌ قوراءا،
وفرسٌ مرتبطٌ بالفناء.
وقيل لضرار بن الحسين. ما السّرور? قال: لواءٌ منشور، وجلوسٌ على السرير، والسلام
عليك أيها الأمير.
أيضا لعبد الملك بن صالح
وقيل لعبد الملك بن صالح: ما السرور? فقال:
كلّ الكرامة نلتها |
|
إلّا التحية بالسلام |
يريد أنه لم يسلّم عليه بالخلافة.
وأخذه من قول الأخر:
من كل ما نال الفتى |
|
قد نلته إلا التحـيه |
يريدالملك.
قيل لعبد الملك بن الأهتم: ما السّرور? فقال: رفع الأولياء، وحطٌ الأعداء، وطول
البقاء، مع القدرة والنماء.
وقال آخر:
أطيب الطّيبات قتل الأعادي |
|
واختيالٌ على متون الجـياد |
وأيادٍ حبوتـهـنّ كـريمـاً |
|
إن عند الكريم تزكو الأيادي |
قيل للفضل بن سهل: ما السرور? فقال: توقيع جائز وأمرٌ نافذ.
ليزيد بن أسد في أسرّ شيء للقلوب
وقال
يزيد بن أسد يوماً. أفي شيء أسر للقلوب? فقالوا: رجل هوي زمانا ثم قدر، فقال: إن
هذا السّرور.
وقال آخر: رجل طلب الولد زماناً فلم يولد له ثم بشر بغلام، فقال يزيد: أسرّ من هذا
كلّه قفلةٌ على غفلة.
أماني لبعض الحكماء
قيل
لبعض الحكماء: تمنّ. فقال: محادثة الأخوان، وكفاف من عيش يسدّ خلّتي ويستر عورتي،
والانتقال من ظلّ إلى ظل.
قيل لآخر. ما بقي من ملاذك? قال: مناقلة الأخوان الحديث على التّلاع العفر في
الليالي القمر.
لامريء القيس في أطيب عيش الدنيا
قيل لامرىء القيس. ما أطيب عيش الدنيا? فقال: بيضاء رعبوبة، بالطّيب مشوبة، الشحم مكروبة.
مثله لطرفة بن العبد ، والأعشى
وقيل
لطرفة مثل ذلك فقال: مطعنمُ شهيّ وملبسُ دفيّ، ومركبٌ وطيّ.
وقيل للأعشى مثل ذلك، فقال: صهباء صافية، تمزجها ساقية، من صوب غادية.
شعر لطرفة بن العبد
وقال طرفة:
ولولا ثلاث هنّ من عيشة الفتـى |
|
وجدّك لم أحفل متى قام عـودي |
فمنهن سبقي العاذلات بـشـربة |
|
كميتٍ متى ما تعل بالماء تزبـد |
وتقصير يوم الدّجن والدجن معجبٌ |
|
ببهكنةٍ تحت الطّراف المعـمّـد |
وكرّي إذا نادى المضاف محنبـاً |
|
كسيد الغضا نبهته الـمـتـورد |
مثله لأبي نواس في طيب العيش
وقال أبو نواس:
قلت بالقفص ليحيي |
|
ونـدامـاي نـيام |
يارضيعي ثـدي أمٍّ |
|
ليس لي عنه فطام |
إنما العيش سمـاعٌ |
|
ومـداتـم ونـدام |
فإذا فـاتـك هـذا |
|
فعلى العيش السلام |
ولسحيم
وقال سحيم:
تقول حدراء: ليس فيك سوى ال |
|
خمر معـابٌ يعـيبـه أحـد |
فقلت: أخطأت، بل معاقرتي ال |
|
خمر وبذلي فيهم الـذي أجـد |
هو السّناء الذي سمـعـت بـه |
|
لاسبـدٌ مـحـتـدي ولالـبـد |
ويحك لولا الخمورلم أحفـل ال |
|
عيش ولا أن يضمنـي لـحـد |
هي الحيا والحياة واللّـهـو لا |
|
أنـت ولاثـروة ولا ولـــد |
شعر لأبي الهندي في ترك الخمور
وقال أبو الهندي:
تركت الخمور لأربابـهـم |
|
وأصبحت أشرب ماء قراحا |
وقد كنت حينا بهم معـجـبـا |
|
كحبّ الغلام أالفتاة الرّداحـا |
وما كان تركي لهـم أنـنـي |
|
يخاف نديمي عليّ افتضاحـا |
ولكن قولـي لـه مـرحـبـاً |
|
وأهلاً مع السّهل وآنعم صباحا |
ولآخر في شرب الخمر
وقال آخر:
اسقني بالكبير إنـي كـبـير |
|
إنما يشرب الصغير الصغير |
لايغرنك يا غبيد خشـوعـي |
|
تحت هذا الخشوع فسق كثير |
شعر لابن عائشة
كان ابن عائشة ينشد:
لما رأيت الحظ حظ الجاهل |
|
ولم أر المغبون غير العاقل |
رحلت عنسا من كروم بابـل |
|
فبنت من عقلي على مراحل |
وقال آخر:
شربنا من الداذي حتى كانـنـا |
|
ملوك لهم بر العراقين والبحر |
فلما آنجلت شمس النهار رأيتنا |
|
تولى آلغنى عنا وعاودنا الفقر |
?لبعضهم في العيش
قال
بعضهم: العيش كله في كثرة المال وصحة البدن وخمول الذكر.
وكان يقال: ليس السرور للنفس بالجدة، إنما سروز النفس بالأمل.
ليزيد بن معاوية في ما يخلق العقل
قال
يزيد بن معاوية: ثلاث تخلق العقل وفيهم دليل على الضعف: سرعة الجواب، وطول التمني،
والأستغراب في الضحك.
وكان يقال: المنى والخلم أخوان.
وسئل ابن أبي بكرة: أي شيء أدوم إمتاعا? فقال: المنى.
شعر في التمني
وقال الشاعر:
إذا تمنيت بت الليل مغتبـطـاً |
|
إن المنى رأس أموال المفاليس |
وقال آخر:
ما فاتني منك فإن المنى |
|
تدنيه مني فكأنا معـا |
وقال آخر:
وإن لوّا ليس شيئاً سوى |
|
تسلية اللّوماء بالباطل |
شعر لبعض الأعراب
وقال بعض الأعراب:
منى إن تكن حقا تكن أحسن المنى |
|
والأ فقد عشنا بهم زمنـا رغـدا |
أماني من سعدى عذابا كـانـمـا |
|
سقتكن بهم سعدى على ظمأ بردا |
لبشار والمجنون
وقال بشار:
كررنا أحاديث الزمان الذي مضى |
|
فلذ لنا محمودهـم وذمـيمـهـم |
وقال المجنون:
أيا حرجات الحي حيث تحملـوا |
|
بذي سلـم لاجـادكـن ربـيع |
وخيماتكن اللم تي بمنعرج اللوى |
|
بلين بئى لم تبـلـهـن ربـوع |
فقدتكن من نفس شعاع فطالمـا |
|
نهيتكن عن هذا وأنت جـمـيع |
فقربت لي غير القريب وأشرفت |
|
إليك ثغايخا ما لهـن طـلـوع |
شعر لابن أبي الدمنية
وقل ابن أبي الدمينة:
يا اليتنا فردا وحش نـدور مـعـا |
|
نرعى المتان ونخفى في نواحيها |
أو ليت كدر القطا حلقن بي وبهـا |
|
ذون السماء فعشنا في خوافيهـا |
أكثرت من ليتنا لو كان ينفعـنـي |
|
ومن منى النفس لو تعطى أمانيهم |
لكثير عزة
وقال كثير:
فياليتنـا يا عـز مـن غـير ريبة |
|
بعيران نرعـى فـي الـفـلـم ة |
ونعزب نكون لذي مال كثير يضيغنا |
|
فلاهو يرعانا ولانحن نـطـلـب |
مثله لجران العؤد ومالك بن أسماء
وقال جران العود :
الأ ليتنا طارت عغلام س! لنا معا |
|
لهم سبب عند المجرة أو وكـر |
وقال مالك بن أسماء:
ولما نزلنا منزلاطله الندى |
|
أنيقا وبستانا من النور حاليا |
أجذ لنا طيب المكان وحسنه |
|
منى فتمنينا فكنت الأمانـيا |
وأنشدنا الرياشيّ:
نهم ري نهم ر الناس حتى إذا دجا |
|
لي الليل متتني هناك المضاجـع |
أقضي نهم ري بالحديث وبالمنى |
|
ويجمعي والهتأباللـيل جـامـع |
وأنشد أبو زيد:
كأني إذ أسعى لم ظفر طـائر |
|
مع النجم في جو السماء يطير |
فتى متلهى بالمنى في خـلائه |
|
وهن وإن حسنتهـن غـرور |
لشيخ من بني القحيف
أبو حاثم عن الأصمعيّ قال: زعأشيخ من بني القحيف قال: تمنيت دارا فمكثت أربعة أشهر مغتما للذرجة أين أضهم .
بين الوليد بن عبد الملك وبديح المغني
قال الوليد بن عبد الملك لبأيغ ألمغني: خذ بنا في التمن فواللّه لم غلبنك. قال:
واللّه لاتغلبني أبدا. قال: بلى. قال بديح. فإني أتمنى كفلين من العذاب، وأن
يلعنني اللّه لعنا كثيرا فخذ ضعفي ذلك. قال: غلبتني لعنك اللّه.
لمزبد في التمني
قيل لمزبد: أيسرك أن هذه الجنة لك? قال: وأضرب عشرين سوطا. قالوا: وبأتقول هذا? قال: لم نه لايكون شيء الأ بشيء.
لرجل كان يطلبه الحجاج
الأصمعيّ عن مبشر بن بشير أن رجلاً كان يطلبه الحجاج فمر بساباط فيه كلب بين خئيني يقطر عليه ماؤهم. فقال: يا ليتني مثل هذا الكلب. فما لبث ساعة أن مر بالكلب في عنقه حبل، فسأل عنه، فقالوا: جاء كتاب الحجاج يأمر فيه بقتل الكلم.
بين مديني وكوفي في مبلغ حب كل منهما للنبي ج!ز
قال مديني لكوفي: ما بلغ من حبك لرسول اللّه سعس!ظ? فقال: وددت أني وقيته ولم يكن وصل إليه يوم أحد ولاغيره شيء من المكروه الأ كان بي دونه. قال المديني: وددت أن أبا طالب كان أسلم فسر به رسول اللّه جم!نه وأني كافر.
ابن أبي عتيق وجارته
تمنى ابن أبي عتيق أن يهدى له مسلوخ يتخذ منه طعامأ، فسمعته جارة له فظنت أنه قد أمر أن يشترى له، فانتظرت إلى وقت الطعاأثم جاءت تدق الباب، وقالت: شممت ريح قدورى فجئت لتطعموني. فقال ابن أبي عتيق: جيراني يشمون ريح الأماني.
من كتاب الهند الناسك وجزة العسل
وفي كتاب للهند أن ناسكا كان له عسل وسمن في جرة، ففئهريوما فقال: أبيع الجرة بعشرة دراهم ، وأشتري خمسة أعنبر فأويدهن في كل سنتن مرتين، ويبلغ النتاخأفي سنين مائتين، وأبتاع بكل أربع في، وأصيب بذرا فأزرع، وينمي المال في يدي، فآثخذ المساكن والعبيد والأماء والأهل ويولد لي ابن فاسميه كذا وآخذه بالأدب، فإن هو عصاني ضربت بعصاي رأسه، وكانت في يده عصا فرفعهم حاكيا للفرب، فاصاب الجرة فانكسرت، وانصب العسل والسمن على رأسه.
شعر كان ابن عمر بن الخطاب يتمثل به في حال سروره
ابن الكلبي قال: كان رجل من ولد عمر بن الخطاب مسرورا قال:
ليت أيامنا ببرقة خاخ |
|
لياليك يا طويل تعود |
له إذا كان مغتما
لي إذا كان مغتما قال .:
تر الشيء مما تتقي فتخافه |
|
ا لاترى مما يقي اللّه أكثر |
زياد بن أبيه في أنعم لناس
الأصمعيّ عن أبيه قال: قال زياد: أي الناس أنعم? قالوا: معاوية. قال: فأييئ ما يلقى من لناس ! قالوا: فأنت. قال: فاين ما ألقى من الثغور والخراج ! قالوا. فمن? قال: شاب له سداد من عيش، وامرأة قد رضيهم ورضيته، لايعرفنا ولانعرفه، فإن عرفنا وعرفناه أفسدنا عليه دينه ودنياه.
التواضع
تواضع عمر بن عبد العزيز
قال: حدّثني محمد بن خالد بن خداش قال: حدّثنا مسلابن قتيبة عن شيخ من أهل المدينة قال: أقال أ" رجاء بن حيوة: قاأعمر بن عبد العزيز ذات ليلة فاصلح من السراج فقلت: يا أمير المؤمنين لم لاأمرتني بذلك، أو دعوت له من يصلحه? فقال: قمت وأنا عمر وعدت وأنا عمر.
من تواضع محمد بن كعب
قال: حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: كتب محمد بن كعب فانتسب وقال: القرظي، فقيل له: أو الأنصاريّ. فقال: أكره أن أمن على اللّه بما لم أفعل.
عمر بن الخطاب في سفره وشعر له
قال: حدّثني أحمد بن الخليل قال: حدّثنا عبد اللّه بن مسلمة عن يعقوب بن حقاب المدنن عن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه قال: كان عمر بن الخطاب إذا سافر لايقوم في الظل، وكان يراحلنا رحالنا ويرخل رحله وحده. وقال ذات يوم :
لايأخذ الليل عليك بالـهـم |
|
وألبس له الهقميص واعتتأ |
وكن شريك نافع وأسـلـم |
|
ثم آخدأالأقواأحتى تخـدم |
للنبي) وروى وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازأقال: جاء رجل إلى النبي) ه، فأصابته رعدة، فقال النبي) : "هؤن عليك فإنما أنا ابن امرأة من قريثر كانت تاكل ا لقديد".
للأحنف
قال:
حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: جلس الأحنف على باب دار، فمرت به ساقية فوضعت
قربتهم وقالت. يا شيخ، احفظ قربتي حتى أعود. ومضت، فاتاه الأذن وقال: انهض. فقال:
إن معي وديعة. وأقاأحتى جاءت.
حدّثني أبوحاتم عن الأصمعيّ عن جرير بن حازأعن الزبير بن الحارث عن أبي لبيد، قال:
مر بنا زياد وهو أمير البصرة ومعه رجل أو رجلاً ن وهو على بغلة قد طوق الحبل في
عنقهم تحت ا للجاأ.
ليحيى بن خالد في الشريف والوضيع
الأصمعيّ قال: قال يحمى بن خالد: الشريف إذا نقر تواضع، والوضيع اذا نقر تكنتر. الأصمعيّ قال: لاأراه أخذه الأ من كيس غيره.ا
لعروة بن الزبير
حدّثنا حسين بن حسن المروزقي قال: حدّثنا عبد اللّه بن المبارك عن يحعى بن أيوب عن عمارة بن غزتة عن عبد اللّه بن عروة بن الزبير قال: إلى اللّه أشكو حمدي ما لاآتي، وذتن ما لاأترك.
لأنس، وغيره، في تواضع النبي )
قال:
حدّثني أحمد بن الخليل عن أبي نعيأعن مندل حميد عن أنس قال: مرالنبي )تن وأنا في
غالماني فسلم عليّنا.
وحدّثني أحمد بن الخليل عن عمر بن عامر عن شعبة عن جابر عن طارق التيم! عن جرير
ابن عبد اللّه البجلي قال: مر رسول اللّه جج! بنسوة فستأعليهم .
تواضع عطاء السلمي
قال: حدّثنا أبوحاتم عن الأصمعي قال: أخبرني معمر قال: قلت لجار لعطاء السلمي: من كان يخدأعطاء? قال: مخنثون كانوا في الدار يستقون له وضؤه. فقلت: أيوضئه خنثون ! فقال: هو كان يظنهم خيرأ منه.
محمد بن راسع لم بنه وقد آذى رجلاً
الأصمعيّ عن رجل عن البتي قال: آذى ابن لمحمد بن واسع رجلاً، فقال له محمد: أتؤذيه وأنا أبوك وإنما اشتريت أمك بمائة درهم .
عامر بن الظرب يخاطب قومه
قال عامر بن الظرب العدواني: يا معشر عذوان، إن الخير ألوف عروف عزوف، وإنه لن يفارق صاحبه حتى يفارقه، وإني لم أكن حكيما حتى صحبت الحكماء، ولم أكن سيدكأحتى تعتدت لكأ.
عروة بن الزبير يصف التواضع
قال
عروة بن الزبير: التواضع أحد مصايد الشرف.
كان يقا اء: اسمان متضاذان بمعنى واحد: التواضع والمثمرف.
ولبزرجمهر
وقال
بزرجمهر: ثمرة القناعة الراحة، وثمرة التواضع المحبة.
وقال الوليد: خدمة الرجل أخاه شرف.
شعر في التواضع
للمسيح عليه السلام
قال المسيح عليه السلام لأصحابه: إذا اتخذكأالناس رؤوسا فكونوا أذنابا.
هشام بن عبد الملك والأبرش
اعتم هشام بن عبد الملك فقاأالأبرش ليسؤي عمامته، فقال هشاأ: مه إنا لانتخذ الأخوان خولا.
لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه
كان عمر بن الخطاب يلقط النوى وياخذ النكث من الطريق، فاذا مر بدار رمى بهم فيهم انتفعوا بهذا.
ليوسف بن أسباط في الورع والتواضع
قال يوسف بن أسباط: يجزي قليل الورع من كثير العلم، ويجزي قليل التواضع من كثير الاجتهاد.
ولبكر بن عبد اللّه
وقال بكر بن عبد اللّه: إذا رأيت أكبر منك فقل: سبقني بالأسلم أوالعمل لصالح فهو خير مني، وإذا رأيت أصغر منك فقل: سبقته بالذنوب والمعاصي فهو خير مني، لم ذا رأيت اخوانك يكرمونك فقل: نعمة أحدّثوهم ، وإذا رأيت منهم تقصيرا فقل. بذنب أحدّثته.
لعبد الملك بن مروان في أفضل الرجال
قال عبد الملك بن مروان. أفضل الرجال من تواضع عن رفعة، وزهد عن قدرفي، وأنصف عن قوة.
قول ابن السماك لعيسى بن موسى
قال ابن السماك لعيسى بن موسى: تواضعك في شرفك خير لك من شرفك.
لعبد الملك بن مروان، والنخعي
وقال
عبد الملك بن مروان: ثلاثة من أحسن شيء: جود لغير ثواب، ونصعت لغير دنيا، وتواضع
لغير ذل.
وقال إبراهيم النخعي: كان رسول اللّه غي!ز يجيب دعوة العبد ويركب الحمار ردفا.
لأنس، وغيره، عن تواضع النبي )
الأعمش عن أنس: كان رسول اللّه ) ) يدعى إلى خبز الشعير والأهم لة السنخة فيجيب. قال غيره. وكان لايأكل متكنئا ويأكل بالحضيض، وهو الأرض، ويقول. إنما أنا عبذ آكل كما يأكل العبذ.
أوس بن الحدّثم ن عن أبي هبيرة
قال أوس بن الحدّثان: رأيت أبا هبيرة وهو أمير المدينة راكبا على حمار عري يقول. الطريق الطريق، قد جاء الأمير.
تواضع الأعمش
قال حفص بن غياث: رأيت الأعمش خارجا إلى العيد على حمار مقطوع الذنب قد سدل رجليه من جانب.
لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه
المدائني قال: بينا عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه على المنبر إذ أحق من نفسه بريح
خرجت منه، فقال: أيهم الناس إني قد مئلت بين أن أخافكأفي اللّه وبينن أن أخاف
اللّه فيكأ، فكان أن أخاف اللّه فيكأأحب إلف، الأ لم ني قد فسوت، وهم نذا انزل لم
عيد الوضوء.
الأستحياء من الحلال
كان
يقال: من لم يستحي من الحلم ل تلظ كبرياؤه وخفت موازينه.
قال معاوية: ما منا أحد الأ فتش ر( عن جائفة أو منقلة خلاعمر بن الخطاب. المنقلة
الشجة التي لخرج منهم العظاأ، والجائفة التي تبلغ جوف الدماغ.
يحيى بن آدأعن محمد بن طلحة عن أبي حمزة قال: رقال أ2اإبراهيأ: لقد تكنلمت ولو
وجدت بدا ما تكنلمت، وإن زمانا تكنلمت فيه لزمان سؤ.
شعر للخثعمي
كان رجل من خثعم ردي فقال في نفسه:
لو كنت أصعد في التكّرم والعلا |
|
كتحّري أصبحت سيّد خثـعـم |
فباد أهل بيته حتى ساد فقال:
خلت الدّيار فسدت غير مسوّد |
|
ومن الشقاء تفرّدي بالسّودد |
أنشدني أبو حاتم عن الأصمعّ في مثله:
إن بقوم سوّدوك لحـاجةً |
|
إلى سيّدٍ لو يظفرون بسيد |
ليحيى بن خالد فيمن ولي إمارة، ومثله لابن بسّام
قال يحى بن خالد: لست ترى أحدأ تكبّر في إمارته إلاّ وهو يعلم أن الذي نال فوق قدره، ولست ترى أحداً يضع نفسه في إمارة إلاّ وهو في نفسه أكثر مما نال في سلطانه. ومثله، قيل لعبيد اللّه بن بسام: فلان غيّرته الأمارة، فقال: إذا ولي الرجل ولايةً فرآها أكثر منه تغير، وإذا ولي ولايةً يرى أنه أكثر منهم لم يتغير.
التواضع مع السخافة والبخل
ويقال: التواضع مع السخافة والبخل أحمد من السخاء والأدب مع الكبر، فأعظم بنعمةٍ عفت من صاحبهم بسيّئتين، وأقبح بسيئةٍ حرمت صاحبهم حسنتين.
من كتاب للعجم في علامات الأحرار
وفى بعض كتب العجم: علامة الأحرار، أن يلقوا بما يحبون ويحرموا أحبّ إليهم من أن يلقوا بما يكرهون ويعطوا? فانظر إلى خلّة أفسدت مثل الجود فاجتنبهم ، وآنظر إلى ختة عفت مثل البخل فالزمهم .
الشرف والعز والغنى
كان يقال: الشرف في التواضع، والعزّ في التّقوى، والغنى في القناعة.
بين عمرو بن العاص وسلمان
أبو الحسن قال: خطب سلمان إلى عمر فاجمع على تزويجه، فشقّ ذلك على عبد اللّه بن عمر وشكاه إلى عمرو بن العاص فقال: أنا أردّه عنك. فقال: إن رددته بما يكره أغضبت أمير المؤمنين. قال: عليّ أن أردّه عنك راضياً. فأتى سلمان فضرب بين كتفيه بيده، ثم قال: هنيئاً لك أبا عبد اللّه، هذا أمير المؤمنين يتواضع بتزويجك. فالتفت إليه مغضباً وقال: أبي يتواضع! واللّه لاأتزوّجها أبداً.
شعر للمرار بن منقذ
وقال المرار بن منقذ العدوق:
يا حبّذا حين تمسي الريح باردةً |
|
وادي أشيٍّ، وفتيان به هضم |
يخدّمون كرامٌ في مجالسهـم، |
|
وفي الرحال إذا لاقيتهم خدم |
وما أصاحب قوماً ثم أذكرهم |
|
إلاّ يزيدهم حبـاً إلـيّ هـم |
بين عبد اللّه بن عباس وزيد بن ثابت
ابن المبارك عن ذرّ عن الشعبيّ قال: ركب زيد بن ثابت، فدنا عبد اللّه بن عباس لياخذ بركابه، فقل: لاتفعل يا بن عمّ رسول اللّه، فقال: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا. فقال زيد: أرني يدك. فأخرج يده فقبّلها زيد، ثم قال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا عليه السلام
لعبد اللّه بن مسعود في رأس التواضع
قال عبد اللّه بن مسعود: رأس التواضع أن تبدأ من لقيت بالسلام، وأن ترضى بالدّون من المجلس.
تواضع عمر وعثمان رضي اللّه عنهما للعباس بن عبد الطلب
ابن
أبي الزّناد عن أبيه أن العباس بن عبد المطلب لم يمرّ قط بعمر ولابعثمان وهما
راكبان الأ ترجلاً حتى يجوزهما إجلالاً له أن يمرّ وهما راكبان وهو يمشي.
كان سلمان يتعوّذ باللّه من الشيطان والسلطان والعلج إذا استعرب.
المدائني قال: سلّم رجل على حسان بن أبي سنان فدعا له، فقيل: أتدعو لمثل هذا!
فقال:إن مما يفضلني به أن يرى أنّي خير منه.
لعبد اللّه بن شداد في أربع خصال تنفي الكبر
قال عبد اللّه بن شداد: أربعٌ من كنّ فيه فقد برىء من الكبر: من اعتقل العنز، وركب
الحمار، ولبس الصوف، وأجاب دعوة الرجل الدّون.
باب الكبر والعجب
الحجاج ومقاتل ؤابن ظبيان ومعبد وأبو السماك
حدّثني إبراهيم بن مسلم قال: حدّثنا أبو السكين قال: حدّثني عمّ أبي زحر بن حصن قال: قال رجل للحجاج. أصلح اللّه الأمير، كيف وجدت منزلك بالعراق? قال: خير منزل لو كان اللّه بلغني أربعة فتقربت بدمائهم إليه. قال: ومن هم ? قال: مقاتل بن مسمع، ولي سجستان فأتاه الناس فأعطاهم الأموال، فلمّا عزل دخل مسجد البصرة فبسط الناس له أرديتهم فمشى عليهم ، وقال لرجل يماشيه: "لمثل هذا فليعمل العاملون" . وعبيد اللّه بن زياد بن ظبيان التميمى، حزب أهل البصرة أمر فخطب خطبةً أوجز فيهم ، فنادى الناسق من أعراض المسجد: أكثر اللّه فينا أمثالك. فقال: لقد كلفتم اللّه شططا. ومعبد بن زرارة، كان ذات يوم جالساً في طريق، فمرّت به امرأة فقالت: يا عبد اللّه كيف الطريق إلى موضع كذا، فقال: لهدّ عبد اللّه! أنا لهد? أراد كفى بك أنا، يريد الفخر. وأبو سماك الأسديّ، أضلّ راحلته فألتمسهما الناس فلم يجدوهم ، فقال: واللّه لئن لم يردد عليّ راحلتي لا صلّيت له أبداً. فآلتمسهم الناس حتى وجدوهم ، فقالوا: قد رد اللّه عليك راحلتك فصل. فقال: إن يميني كانت صريا.
لبعض المتكّبرين
قال
أبو حاتم عن الأصمعيّ عن كردين المسمعيّ: قيل لرجل متكبّر: هل مرّت بك أحمرة? فقال
للسائل: تلك دوابّ لايراهم عمّك.
قال: وقال كرذين: رآني ابن ميادة الشاعر فأعجبته لما رأى من جلدي وبياني، فقال:
ممن أنت? قلت: من بكر بن وائل. فقال: وفي أي الأرض يكون بكر بن وائل.
قال أبو اليقظان. جلس رافع بن جبير بن مطعأفي حلقة العلاء بن عبد الرحمن الخرقيّ
وهويقريء الناس. فلما فرغ قال: أتدرون لم جلست إليكم? قالوا: لتسمع. قال: لا، ولكن
أردت التواضع للّه بالجلوس إليكم.
قال: ومرّ محمد بن المنذر بن الزبير بن العواأفي حاجة له، فانقطع قبال نعله، فنزع
الأخرى بقدمه ومضى وتركهما ولم يعرّج عليهما.
قال بعض الشعراء:
وأعرض عن ذي المال حتى يقال لي |
|
قد آحدّث هذا نـخـوةً ولـخـمـا |
وما بي كـبـرعـن صـديقٍ ولاأخٍ |
|
ولكنه فعليّ إذا كنـت مـعـدمـا |
لبعضهم في صفة الكبر
قيل لبعضهم: ما الكبر. قال: حمقٌ لم يدر صاحبه أين يضعه.
بين معاوية بن أبي سفيان وعلقمة بن وائل الحضرمي
قال معاوية بن أبي سفيان: قدم علقمة بن وائل الحضرمي على رسول اللّه ))فأمرني رسول اللّه أن أنطلق به إلى منزل رجل من الأنصار أنزله عليه، وكان منزله في أقصى المدينة، فآنطلقت معه وهو على ناقة له وأنا أمشي في ساعة حارة وليس عليّ حذاء، فقلت: احملني يا عأمن هذا الحر فإنه ليس عليّ حذاء. فقال: لست من أرداف الملوك. قلت: إني ابن أبي ئمفيان. قال: قد سمعت رسول اللّه عليه السلم أيذكر ذلك. قال: قلت: فألق إلي نبلك. قال:? تقبلهم قدماك ولكن امش في ظل ناقتي فكفاك بذلك شرفا، وإن الظل لك لكثير. قال معاوية: لما مرّ بي مثل ذلك اليوم قط، ثم أدرك سلطاني فلم أؤاخذه بل أجلسته.معي على سريري هذا.
شعر لابن يسار في الزهو والكبر
قال ابن يسار:
ولو لحظ الأرض لي والـدٌ |
|
تطأطأت الأرض من لحظته |
مثله لآخر
وقال آخر:
أتيه على جنّ الـبـلاد وإنـسـهـا |
|
ولولم أجد خلقا لتهت على نفـسـي |
أتيه فما أدري من التـيه مـن أنـا |
|
سوى ما يقول الناس فيّ وفي جنسي |
فإن زعموا أني من الأنس مثلـهـم |
|
فما لي عيبٌ غيرأني مـن الأنـس |
للرستمي وقد حضرت الصلاة
وكان
عند الرستمي قوم من التّجار فحضرت الصلاة فنهض ليصلي فنهضوا فقال: ما لكم ولهذا
وما أنتم منه! الصلاة ركوع وسجود وخضوع، وإنما فرض الله هذا يريد به المتكبّرين
والمتجبّرين والملوك والأعاظم مثلي ومثل فرعون ذي الأوتاد ونمروذ وأنوشروان.
وكان يقال: من رضي عن نفسه كثر الساخطون عليه.
قال الحسن. ليس بين العبد وبين ألاّ يكون فيه خير الأ أن يرى أن فيه خيراً.
رأى رجل رجلاً يختال في مشيته ويتلفت في أعطافه، فقال: جعلني الل مثلك في نفسك ولا
جعلني مثلك في نفسي.
لعبد اللّه بن المبارك
قيل لعبد اللّه بن المبارك: رجلٌ قتل رجلاً فقلت إني خيرٌ منه، فقال: ذنبك أشدّ من ذنبه.
للأحنف في التعجب من المتكبّر
قال الأحنف: عجبت لمن جرى في مجرى البول مرتين كيف يتكبّر.
لمطرّف في ذم التكبّر
ابن
غليّة عن صالح بن رستم عن رجل عن مطرّف، قال: لأن أبيت نائمأ وأصبح نادماً أحبّ
إليّ من أن أبيت قائماً وأصبح منجباً.
و قال هشام بن حسان. سيئة تسؤك خير من حسنة تعجبك.
قال أبوحازم: إن الرجل ليعمل السيئة ما عمل حسنة قظ أنفع له منهم وإنه ليعمل
الحسنة ما عمل سيئة قط أضرعليه منهم .
شعر في متكبّر
قال الشاعر:
أما ابن فروة يونـس فـكـأنـه |
|
من كبره أير الحمـار الـقـائم |
ما آلناس عندك غير نفسك وحدها |
|
والناس عندك ما خلاك بـهـائم |
شعر للمسعودي
قال المسعودي:
مسّا تراب الأرض منهم خلقتمـا |
|
وفيها المعاد والمصير إلى الحشر |
ولا تعجبا أن ترجعا فتـسـلّـمـا |
|
فما خشي الأقوام شرّاً من الكبر |
ولوشئت أدلى فيكما غـير واحـد |
|
علانيةً أو قال عندي في سـتـر |
فإن أنا لم آمرولم أنه عنـكـمـا |
|
ضحكت له حتى يلحٌ ويستشـري |
الأصمعيّ قال: قال رجل: ما رأيت ذا كبر قط الأ تحؤل داوّه في. يريد أني أتكبّر عليه. وقال آخر: ما تاه أحد قط عليّ مرتين. يريد إذا تاه مرة لم أعاوده.
أيضاً شعر في متكبّر
قال الشاعر:
يا مظهر الكبر إعجاباً بصـورتـه |
|
انظر خلاءك إن النّتن تـثـريب |
لوفكرالناس فيما في بطـونـهـم |
|
ما آستشعر الكبرشبّانٌ ولم شـيب |
هل فى ابن آدم غير الرأس مكرمة |
|
وهو بخمسٍ من الأقذار مضروب |
أنفٌ يسيل وأذنٌ ريحهـا سـهـكٌ |
|
والعين مرمصةٌ والثغر ملعـوب |
يا بن التراب وماكول التراب غـدأ |
|
أقصر فإنك مأكول ومـشـروب |
لأردشير في ضبط النفس، ومثله للسندي
دفع
أردشير الملك إلى رجل كان يقوم على رأسه كتاباً، وقال له: إذا رأيتني قد اشتدّ
غضبي فادفعه إليّ، وفي الكتاب: أمسك فلست بإله إنما أنت جسد يوشك أين يأكل بعضه
بعضا ويصير عن قريب للدود والتراب.
كان للسنديّ والي الجسر غلامٌ صغير قد أمره بأن يقوم إليه إذا ضرب الناس بالسياط
فيقول له: ويلك يا سنديّ، اذكر القصاص.
كتاب إبراهيم بن العباس إلى محمد بن عبد الملك شعراً
كتب إبراهيم بن العباس إلى محمد بن عبد الملك :
أباجعفرعرّج على خـلـطـائكـا |
|
وأقصرقليلاً عن مدى غلـوائكـا |
فإن كنت قد أعطيت في اليوم رفعةً |
|
فإن رجائي في غد كـرجـائكـا |
قال لي بعض أصحابنا وأحسبه محمد بن عمر: سمعت رجلاً ينشد:
ألا رب ذي أجل قد حضر |
|
طويل التمني قليل الفكر |
إذاهزفي المشي أعطافـه |
|
تبينت في منكبيه البطـر |
عاقبة الكبر
المدائني قال: رأيت فلاناً مولى باهلة يطوف بين الصفا والمروة على بغلة ثم رأيته بعد ذلك راجلًافي سفر، فقلت له: أراجلٌ في هذا الموضع? قال: نعم، إني ركبت حيث يمشي الناس فكان حقا على اللّه أن يرجلني حيث يركب الناس.
لأبي نواس يهجو جعفر البرمكي
وقال أبو نواس في جعفر بن يحيى البرمكي:
وأعظم زهواً من ذباب على خرء |
|
وأبخل من كلب عقورعلى عرق |
ولوجاءغيرالبخل من عندجعفـر |
|
لماوضعوه النّاس إلا على حمق |
وقال آخر:
ألجّ لجاجاً من الخـنـفـسـاء |
|
وأزهى إذا ما مشى من غراب |
من كبر رجل من بني عبد الدار
قيل لرجل من بني عبد الدار: الأ تأتي الخليفة? قال: أخشى ألاّ يحمل الجسر شرفي. وقيل له: البس شيئا فإن البرد شديد. فقال: حسبي يدفئني.
شعر في جيش بيبي
قال أبو اليقظان: كان الحجاج آستعمل بلالاالضبي على جيش وأغزاه قلاع فارس، وكان
يقال لذلك الجيش: بيبي، سمّي بذلك لأنه فرض فرضا من أهل البصرة فكان أهلوهم وأمهم
تهم يأتونهم يقولون. بيبي. وفي جيشه قال الشاعر?
إلى اللّه أشكوأنني بت حـارسـاً |
|
فقام بلاليٌّ فبال على رجـلـي |
فقلت لأصحابي آقـطـعـوهـا |
|
فإنني كريمٌ وإني لن أبلغها رحلي |
فخر أعرابي نجفسه
مد أعرابي يده في الموقف وقال: اللهم إن كنت ترى يدا أكرم منهم فاقطعهم .
للحجاج بن أرطأة في الفخر والزهو
قال نوح: سمعت الحجاج بن أرطاة يقول: قتلني حب الشرف. وقيل له: ما لك لاتحضر الجماعة? قال: أكره أن يزحمني البقالون.
أيضأ لجذيمة الأبرش
كان جذيمة الأبرش - وهو الوضّاح سمّي بذلك لبرص كان به - لاينادم أحدأ ذهابا بنفسه، وقال: أنا أعظم من أن أنادم إلا الفرقدين ، فكان يشرب كأساً ويصبّ لكلّ واحد منهما في الأرض كأساً، فلما أتاه مالك وعقيل بابن أخته الذي استهوته الشياطين قال لهما: احتكنما. فقالأ له. منادمتكن. فنادماه أربعين سنة يحادثم نه فيهم ما أعادا عليه حديثاً.
شعر لمتمم بن نويرة، خ للهذلي، في مالك وعقيل نديما جذيمة
وفيهما يقول متفابن نويرة:
وكناكندماني جـذيمة حـقـبةً |
|
من الدهر حتى قيل لن نتصدّعا |
وقال الهذليّ:
الم تعلمي أن قد تفرق قبلنا |
|
خليلا صفاءٍ مالك وعقيل |
لإياس بن معاوية في عجبه بنفسه
قيل
لإياس بن معاوية: ما فيك عيب إلا أنك معجب. قال: أفأعجبكم? قالوا: نعم.
قال: فأنا أحق أن أعجب بما يكون مني.
ويقال: للعادة سلطانٌ على كل شيء، وما آستنبط الصواب بمثل المشاورة، ولاحصنت النعم
بمثل المواساة، ولااكتسبت البغضة بمثل الكبر.
باب مدح الرجل نفسه وغيره
قال اللّه عز وجل حكاية عن يوسف: "إجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليّأ".
للنبي )
وقال
رسول اللّه ): أنا سيد ولد آدم ولافخر.
وقال للأنصار: "واللّه ما علمتكنم إلاّ تقلّون عند الطمع وتكنثرون عند الفزع
".
لأعرابي يمدح نفسه وقومه
وذكر أعرابي قوماً فقال: واللّه ما نالوا بأطراف أناملهم شيئاً الأ وقد وطئناه بأخامص أقدامنا، وإن أقصى مناهم لأدنى فعالنا.
أبي سلمة يمدح نفسه
ابن إدريس عن إسماعيل بن أبي خالد، قال: كنت أمشي مع الشعبي وأبي سلمة، فسال الشعبي أبا سلمة: من أعلم أهل المدينة? فقال: الذي يمشي بيتكنما، يعني نفسه.
أيضاً للشعبي في ذلك المعنى
وقال الشعبي: ما رأيت مثلي، وما أشاء أن ألقى رجلاً أعلم مني بشيء الأ لقيته.
بين معاوية ورجل
قال معاوية لرجل: من سيد قومك? قال: أنا. قال: لوكنت كذلك لم تقل .
للحسن في ذم الرجل نفسه علانية
الوليد
بن مسلم عن خليد عن الحسن قال: ذم الرجل نغسه في العلانية مدح لها في السر.
كان يقال: من أظهر عيب نفسه فقد زكّاها.
الأعمش عن إبراهيم عن عبد اللّه قال: إذا أثنيت على الرجل بما فيه في وجهه لم
تزكه.
لعمر بن الخطاب وعليّ بن الحسن في المدح
قال
عمر بن الخطاب: المدح ذبح.
ويقال: المدح وافد الكبر.
وقال عليّ بن الحسين: لايقول رجل في رجل من الخير ما لايعلم الأ أوشك أن يقول فيه
من الشر ما لايعلم، ولايصطحب آثنان على غير طاعة اللّه الأ أوشكا أن يفترقا على
غير طاعة اللّه.
لوهب بن منبه في الرجل يمدحك بما ليس فيك
قال
وهب بن منبه: إذا سمعت الرجل يقول فيك من الخير ما ليس فيك فلاتأمن أن يقول فيك من
الشرما ليس فيك.
ويقال في بعض كتب اللّه عزوجل: عجبا لمن قيل فيه الخيروليس فيه كيف يفرح ! ولمن
قيل فيه الشر وليس فيه كيف يغضب ! وأعجب من ذلك من أحمت نفسه على اليقين وأبغض
الناس على الظنون ! وكان يقال: لاينلبن جهل غيرك بك علمك بنفسك.
لأعرابي يصف مادحاً مرائياً وقال أعرابي: كفى جهلاأن يمدح المادح بخلاف ما يعرف
الممدوح من نفسه، وإني واللّه ما رأيت أعشق للمعروف منه.
وصية لابن المقفع
قال ابن المقفع: إيّاك إذا كنت والياً أن يكون من شأنك حبّ المدح والتزكية وأن يعرفشعر للأعشى، وغيره، في مدح الرجل نفسه
ومن أحسن ما قيل في مدح الرجل نفسه قول أعشى بني ربيعة:
ما أنافي أهلي ولافي عشـيرتـي |
|
بمتـهـضـم حـقـي ولاقـارع |
ولا مسلم فؤاداً بين جنبـي عـالـمٌ |
|
بما أبصرت عيني وما سمعت أذني |
وفضلني في الشعرواللّـب أنّـنـي |
|
أقول على علم وأعلم ما أعـنـي |
فأصبحت إن فضّلت مروان وابنـه |
|
على الناس قد فضلت خيرأب وابن |
وقال آخر:
إذا المرء لم يمدحه حسن فعاله |
|
فمادحه يهذي وإن كان مفصحا |
وقال آخر:
لعمرأبيك الخيرإنـي لـخـادم |
|
لصحبي وإني إن ركبت لفارس |
وقال آخر:
ونحن ضياء الأرض ما لمنسربهـا |
|
غضاباً، وإن نغضب فنحن ظلامها |
للحسن البصري في مدح رجل وهجاء قبيلته
وأنشد الحسن البصري قول الشاعر:
لولاجريرهلكت بجيلـه |
|
نعم الفتى وبئست القبيله |
قال الحسن: ما مدح رجلٌ هجي قومه.
ولأبي الهندام يمدح نفسه
تخرّالأرض إن نوديت باسمي |
|
وتنهد الجبـال إذا كـنـيت |
ومدّح النفس في الشعر كثير، وهو فيه أسهل منه في الكلام المنثور.
باب الحياء
للنبي ) في معنى هذا العنوان
حدّثنا
أبو مسعود الدارمي، قال: حدّثني جدي خراش عن أنس أن رسول اللّه )قال: "الحياء
شعبة من الإيمان" .
وروى ابن نمير عن الأحوص بن حكيم، قال: حدّثني أبو عون المدني قال: سمعت سعيد بن
المسيب يقول: قال رسول اللّه ): "قنة الحياء كفرا.
لابن عمر في الحياء والإيمان
وروى
جرير بن حازم عن يعلى بن حكيم عن رجل عن ابن عمر، قال: الحياء والإيمان مقرونان
جميعأ فإذا رفع أحدهما آرتفع الأخر.
وكان يقال: أحيوا الحياء بمجالسة من يستحيا منه.
لبعض الأعراب في وصف حيي
ذكر أعرابيٌّ رجلا فقال: لا تراه الدهر إلا وكانه لا غنى به عنك لان كنت إليه أحوج، فإن أذنبت غفر وكانه المذنب، لان أسات إليه أحسن وكانه المسيء.
شعر لليلى الأخيلية في مثله
وقالت ليلى الأخيلية:
ومقدرعنه القميص تـخـالـه |
|
وسط البيوت من الحياءسقيمـا |
حتى إذا رفع الـلـواء رأيتـه |
|
تحت اللواءعلى الخميس زعيما |
ونحوه قول الاخر إلا أنه في التواضع:
يبدو فيبدوضعيفامن تواضعه |
|
ويكفهرّفيلفى الأسود اللّحما |
شعر لأبي دهبل الجمحي
وقال أبو دهبل الحجمحي:
إن البيوت معادنٌ فنجاره |
|
ذهبٌ وكل جدوده ضخم |
متهلل بنعم للاء مجانـب |
|
سيان منه الوفر والعـدم |
نزرالكلام من الحياءتخاله |
|
ضمنا وليس بجسمه سقم |
عقم النساءفل ايلدن شبيهه |
|
إن النسطء بمثله عقـم |
لابن مسعود عن أخر ما حفظ من كلام النبوة
حدّثنا
أبو الخطاب قال: حدّثنا المعتمر، قال. سمعت ليث بن أبي سليم يحدّث عن واصل بن حتان
عن أبي وائل عن ابن مسعود، قال: كان آخر ما حفظ من كلام النبوة "إذا لم تستح
فاصنع ماشئت.
لبعض الشعراء قال الشاعر:
تخالهم للحلم صما عن الـخـنـا |
|
وخرساً عن الفحشاء عند التهاجر |
ومرضى إذا لوقوا حياء وعـفة |
|
وعند الحفاظ كالليوث الخـوادر |
وقال آخر:
عليه من التقوى رداء سكينةٍ |
|
وللحق نور بين عينيه ساطع |
للشعبي فيما يتعايش به الناس وقال الشعبي: تعايش الناس زماناً بالدين والتقوى، ثم رفع ذلك فتعايشوا بالحياء والتذمم، ثم رفع ذلك فما يتعايش الناس إلا بالرغبة والرهبة، وأظنه سيجيء ما هو أشد من هذا.
باب العقل
للنبي
صلى الله عليه وسلم في العقل حدّثني إسحاق بن إبراهيم الشهيدي، قال: حدّثنا الحارث
بن النعمان، قال: حدّثنا خليد ابن دعلج عن معاوية بن قرة يرفعه، قال: إن الناس
يعملون الخير وإنما يعطون أجورهم يوم القيامة على قدر عقولهم.
ولمطرف في المعنى نفسه مهدي بن غيلان بن جرير قال: سمعت مطرفا يقول: عقول الناس
على قدر زمانهم.
حكمة داود في ما ينبني للعاقل حدّثني عبد الرحمن عن عبد المنعم عن أبيه وهب بن
منبه قال: وجدت في حكمة داود:
ينبغي للعاقل أن لا يشغل نفسه عن أربع ساعاتٍ: ساعةٍ يناجي فيها ربه، وساعةٍ يحاسب
فيها نفسه، وساعةٍ يخلو فيها هو وإخوانه والذين ينصحون له في دينه ويصدقونه عن
عيوبه، وساعةٍ يخلي بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويحمد فإن هذه الساعة عون لهذه
الساعات وفضل بلغةٍ واستجمامٌ للقلوب. وينبغي للعاقل أن لا يرى إلا في إحدى ثلاث
خصا لٍ: تزودٍ لمعادٍ، أو مرمةٍ لمعاشٍ، أو لذةٍ، في غير محرم. وينبغي للعقل أن
يكون عارفاً بزمانه، حافظاً للسانه، مقبلاً على شأنه عمرو بن العاص يصف العاقل
قال: حدّثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدّثنا هلال بن حق قال: قال عمرو بن العاص:
ليس العاقل الذي يعرف الخير من الشر ولكنه الذي يعرف خير الشرين، والشر الواصل
الذي يصل من يصله ولكنه الذي يصل من قطعه.
ولزياد في هذا المعنى وقال زياد: ليس العاقل الذي يحتال للأمر إذا وقع ولكنه الذي
يحتال للأمر ألا يقع فيه.
بين معاوية وعمرو بن العاص قال معاوية لعمرو: ما بلغ من دهائك يا عمرو? قال عمرو:
لم أدخل في أمرٍ قط فكرهته إلا خرجت منه. قال معاوية: لكني لم أدخل في أمرٍ قط
فأردت الخروج منه.
من كتاب الهند وقرأت في كتابٍ للهند: الناس حازمان وعاجزٌ، فأحد الحازمين الذي إذا
نزل به البلاء لم ينظر به وتلقاه بحيلته ورأيه حتى يخرج منه، وأحزم منه العارف
بالأمر إذا أقبل فيدفعه قبل وقوعه، والعاجز في ترددٍ وتثنٍ حائرٌ بائرٌ لا يأتمر
رشداً ولا يطيع مرشداً.
لأعرابي وقال أعرابيٌ: لو صور العقل لأظلمت معه الشمس، ولو صور الحمق لأضاء معه
الليل.
لبعض الحكماء في فضل العقل ما عبد الله بشيءٍ أحب إليه من العقل وما عصي اللّه
بشيٍ أحب إليه من الستر.
أبو روقٍ عن الضحاك في قول اللّه عز وجل "لينذر من كان حياً" قال: من
كان عاقلاً.
للمغير بن شعبة في عمر بن الخطاب ذكر المغيرة بن شعبة عمر بن الخطاب فقال: كان
أفضل من أن يخدع وأعقل من أن يخدع.
لإياس في مثله حدّثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد عن قريش بن أنس عن حبيب
ابن الشهيد قال: قال إياس: لست بخب والخب لا يخدعني ولا يخدع ابن سيرين ويخدع أبي
ويخدع الحسن.
قال غيره: وكان كثيراً ما ينشد:
أبى لي البلاء وإني امرؤ |
|
إذا ما تثبت لـم أرتـب |
من كتاب كليلة ودمنة في قيمة العقل وفي
كتاب كليلة ودمنة: الأدب يذهب عن العاقل السكر ويزيد الأحمق سكراً، كما أن النهار
يزيد كل ذي بصرٍ بصراً ويزيد الخفافيش سوء بصرٍ.
وفيه: ذو العقل لا تبطره المنزلة والعز كالجبل لا يتزعزع وإن اشتدت عليه الريح،
والسخيف يبطره أدنى منزلةٍ كالحشيش يحركه أضعف ريحٍ.
شعر لتأبط شراً في هذا المعنى وقال تأبط شرا في هذا المعنى :
ولست بمفراحٍ إذا الدهر سـرنـي |
|
ولا جازع من صرفه المتقـلـب |
ولا أتمنى الشر والشـر تـاركـي |
|
ولكن متى أحمل على الشر أركب |
أيضاً من كتاب كليلة ودمنة . وفي كتاب
كليلة: رأس العقل التمييز بين الكائن والممتنع، وحسن العزاء عما لا يستطاع. وفيه:
العاقل يقل الكلام ويبالغ في العمل ويعترف بزلة عقله ويستقليها كالرجل يعثر بالأرض
وبها ينتعش.
ويقال: كل شيءٍ محتاج إلى العقل، والعقل محتاج إلى التجارب.
ليحيى بن خالد قال يحيى بن خالد: ثلاثة أشياء تدل على عقول الرجال: الكتاب،
والرسول، والهدية.
وكان يقال: دل على عقل الرجل اختياره، وما تم دين أحدٍ حتى يتم عقله، وأفضل الجهاد
جهاد الهوى.
لأنوشروان سئل أنوشروان: ما الذي لا تعلم له، وما الذي لا تغير له، وما الذي لا
مدفع له، وما الذي لا حيلة له? فقال: تعلم العقل، وتغير العنصر، ودفع القدر، وحيلة
الموت.
وكان يقال: كتابك عقلك تضع عليه خاتمك.
وقالوا: كتاب الرجل موضع عقله، ورسوله موضع رأيه.
كان الحسن إذا أخبر عن رجلٍ بصلاح قال: كيف عقله.
حديث بين جبريل وآدم عليهما السلام وفي الحديث "أن جبريل عليه السلام أتى آدم
عليه السلام فقال له: إني أتيتك بثلاثٍ فاختر واحدةً. قال: وما هي يا جبريل? قال:
العقل والحياء والدين. قال. قد اخترت العقل. فخرج جبريل إلى الحياء والدين فقال:
ارجعا فقد اختار العقل عليكما. فقالا: أمرنا أن نكون مع العقل حيث كان.
كان يقال: العقل يظهر بالمعاملة وشيم الرجال تظهر بالولاية. ويقال: العاقل يقي ما
له بسلطانه، ونفسه بماله، ودينه بنفسه.
للحسن البصري قال الحسن: لو كان للناس جميعاً عقول لخربت الدنيا.
خير رجل فأبى أن يختار وقال : أنا بحظي أوثق مني بعقلي فأقرعوا بيننا ص ص325 بين
الأحنف ورجل شتمه فسكت عنه حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن عبد اللّه بن دينار عن
عبد اللّه بن بكر المزني قال: جاء رجل فشتم الأحنف فسكت عنه، وأعاد فسكت، فقال:
والهفاه؛ ما يمنعه من أن يرد عليّ إلا هواني عليه.
عبد الله بن صالح الحارثي وآخر تغلبي حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: أخبرنا عبد
الله بن صالح من آل حارثة بن لأمٍ، قال: نزلت برجلٍ من بني تغلب فأتاني بقرًى
فانفلت مني فقال :
والتغلبي إذا تنحنح للقرى |
|
حك آسته وتمثل الأمثالا |
فانقبضت فقال: كل أيها الرجل فإنما قلت
كلمةً مقولة.
للشعبي حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ، قال: أسمع رجلٌ الشعبي كلاماً فقال له
الشعبي: إن كنت صادقاً فغفر الله لي وإن كنت كاذبا فغفر اللّه لك.
ومر بقوم ينتقصونه فقال :
هنيئاً مريئاً غير داءٍ مخـامـرٍ |
|
لعزة من أعراضنا ما استحلت |
لأي معاوية الأسود واستطال رجلٌ على أبي
معاوية الأسود فقال: أستغفر اللّه من الذنب الذي سلطت به عليّ.
ولمعاوية بن أبي سفيان قال معاوية: إني لأرفع نفسي أن يكون ذنبٌ أوزن من حلمي.
معاوية وأبي جهم وشعر لأبي جهم فيه وقال معاوية لأبي جهم العدوي: أنا أكبر أم أنت
يا أبا جهم? قال: لقد أكلت في عرس أمك هندٍ. قال: عند أي أزواجها? قال: عند حفص بن
المغيرة. قال: يا أبا جهم، إياك والسلطان فإنه يغضب غضب الصبي ويعاقب عقوبة الأسد،
وإن قليله يغلب كثير الناس. وأبو الجهم هذا هو القائل في معاوية:
نميل على جوانبه كأنـا |
|
إذا ملنا نميل على أبينا |
نقلبه لنخبر حـالـتـيه |
|
فنخبر منهما كرماً ولينا |
سمع الأحنف رجلاً ينازع رجلاً في أمرٍ
فقال له الأحنف: حسبك إلا ضعيفاً فيما تحاول. فقال الرجل: ما على ظنك خرجت من عند
أهلي. فقال الأحنف: لأمرٍ ما قيل: احذروا الجواب.
بين عمرو بن العاص ورجل سأله عن أمه جعل رجلٌ جعلاً لرجل على أن يقوم إلى عمرو بن
العاص يسأله عن أمه، فقام إليه وهو يخطب على منبر تنيس، فقال له: أيها الرجل
أخبرنا من أمك? فقال: كانت امرأ ةً من عنزة أصيبت بأطراف الرماح فوقعت في سهم
الفاكه بن المغيرة فاشتراها أبي فوقع عليهم، انطلق وخذ ما جعل لك على هذا.
قال الشاعر
قل ما بدا لك من زورٍ ومن كذبٍ |
|
حلمي أصم وأذني غير صمـاء |
بين معاوية وابنه يزيد نظر معاوية إلى
ابنه يزيد وهو يضرب غلاماً له، فقال له: أتفسد أدبك بأدبه? فلم ير ضارباً غلاماً
له بعد ذلك.
ليحيى بن خالد قيل ليحيى بن خالد: إنك لا تؤدب غلمانك ولا تضربهم. قال: هم أمناؤنا
على أنفسنا فإذا نحن أخفناهم فكيف نأمنهم.
وكان يقال: الحليم مطية الجهول أعرابي يصف رجلاً وذكر أعرابي رجلاً فقال: كان أحلم
من فرخ طائر.
وفي الإنجيل: كونوا حلماء كالحيات وبلهاء كالحمام.
لبعض الشعراء قال بعض الشعراء. ا:
إني لأعرض عن أشياء أسمعها |
|
حتى يقول رجال إن بي حمقا |
أخشى جواب سفيهٍ لا حياء له |
|
فسلٍ، وظن أنا سٍ أنه صدقـا |
للأحنف في الحلم قال الأحنف: من لم يصبر
على كلمةٍ سمع كلما تٍ ورب غيظٍ قد تجرعته مخافة ما هو أشد منه.
قال أكثم بن صيفي: العز والغلبة للحلم.
لعليّ عليه السلام وقال عليّ بن أبي طالب عليه السلام: أول عوض الحليم من حلمه أن
الناس أنصاره على الجهول.
وللمنصور وقال المنصور: عقوبة الحلماء التعريض، وعقوبة السفهاء التصريح.
قال: حدّثني سهيل قال: حدّثنا الأصمعيّ قال: بلغني أن رجلاً قال لآخر: والله لئن
قلت واحدةً لتسمعن عشراً، فقال له الآخر: لكنك إن قلت عشراً لم تسمع واحدةً.
بين عمر بن ذر ورجل شتمه وبلغني أن رجلاً شتم عمر بن ذر فقال له: يا هذا لا تغرق
في شتمنا ودع للصلح موضعاً،
فإني أمت مشاتمة الرجال صغيراً ولن أحييها كبيراً، وإني لا أكافئ من عصى اللّه في
بأكثر من أن أطيع الله فيه.
لبعض المحدّثين وقال بعض المحدّثين:
وإن الله ذو حلـم ولـكـن |
|
بقدر الحلم ينتقم الـحـلـيم |
لقد ولت بدولتك الـلـيالـي |
|
وأنت معلق فـيهـا ذمـيم |
وزلت لم يعش فيهـا كـريم |
|
ولا استغنى بثروتها عـديم |
فبعداً لا انقضاء له وسحقـاً |
|
فغير مصابك الحدّث العظيم |
المدائني قال: كان شبيب بن شيبة يقول: من سمع كلمة يكرهها فسكت عنهم انقطع عنه ما يكره، فإن أجاب عنهم سمع أكثر مما يكره. وكان يتمثل بهذا البيت:
وتجزع نفس المرء من وقع شتمةٍ |
|
ويشتئم ألفاً بعدها ثـم يصـبـر |
للأحنف قاتل الأحنف في بعض المواطن قتالاً
شديداً، فقال له رجل: يا أبا بحر، أين الحلم ?قال: عند الحبى.
شعر لمسلم بن الوليد وقال مسلم بن الوليد:
حبًى لا يطير الجهل في جنباتها |
|
إذا هي حلت لم يفت حلهم ذحل |
الأحنف وزيد بن جبلة أغضب زيد بن جبلة
الأحنف، فوثب إليه فأخذ بعمامته وتناصبا، فقيل للأحنف: أين الحلم اليوم؛ فقال: لو
كان مثلي أو دوني لم أفعل هذا به.
كان يقال: آفة الحلم الضعف.
للجعدي وغيره في هذا المعنى وقال الجعدي :
ولا خير في حلم إذا لم تكن له |
|
بوادر تحمي صفوه أن يكدرا |
وقال إياس بن قتادة:
تعاقب أيدينا ويحلم رأينا |
|
ونشتم بالأفعال لا بالتكلم |
وأنشد الرياشي:
إني امرؤ يذب عن حريمي |
|
حلمي وتركي اللوم للـئيم |
والعلم أحمى من يد الظلوم للأحنف بن قيس
وقال الأحنف: أصبت الحلم أنصر لي من الرجال.
حلم المتشمس بن معاوية قال أبو اليقظان: كان المتشمس بن معاوية عم الأحنف يفضل في
حلمه على الأحنف قبل، فأمره أبو موسى أن يقسم خيلاً في بني تميم فقسمها، فقال رجل
من بني سعد: ما منعك أن تعطيني فرساً? ووثب عليه فمرش وجهه، فقام إليه قوم
ليأخذوه، فقال. دعوني وإياه، إني لا أعان على واحد، ثم انطلق به إلى أبي موسى،
فلما رآه أبو موسى سأله عما بوجهه فقال: دع هذا ولكن ابن عمي ساخط فاحمله على فرسٍ
ففعل للأحنف في قيس بن عاصم المنقري قيل للأحنف: ما أحلمك؛ قال: تعلمت الحلم من
قيس بن عاصم المنقري، بينا هو قاعد بفنائه محتبٍ بكسائه، أتته جماعةٌ فيهم مقتولٌ
ومكتوفٌ وقيل له: هذا ابنك قتله ابن أخيك. فوالله ما حل حبوته حتى فرغ من كلامه،
ثم التفت إلى ابن له في المجلس، فقال له: قم فأطلق عن ابن عمك ووار أخاك واحمل إلى
أمه مائةً من الإبل فإنها غريبة، ثم أنشأ يقول:
إني أمرؤٌ لا شائن حسـبـي |
|
دنـس يغـيره ولا أفــن |
من منقرٍ في بيت مكـرمة |
|
والغصن ينبت حوله الغصن |
خطباء حين يقول قائلـهـم |
|
بيض الوجوه، أعفة لسـن |
لا يفطنون لعيب جـارهـم |
|
وهم لحفظ جواره فـطـن |
ثم أقبل على القاتل فقال: قتلت قرابتك،
وقطعت رحمك، وأقللت عددك، لا يبعد اللّه غيرك.
شعر عبد ة بن الطيب يمدح قيس بن عاصم وفي قيس بن عاصم يقول عبد ة بن الطبيب،
إسلامي :
عليك سلام الله قيس بن عاصمٍ |
|
ورحمته ما شاء أن يترحمـا |
تحية من ألبسته منك نـعـمةً |
|
إذا زارعن شحطٍ بلادك سلما |
وما كان قيس هلكه هلك واحدٍ |
|
ولكنه بنيان قـومٍ تـهـدمـا |
الأحنف يمدح قيساً وقال الأحنف: لقد
اختلفنا إلى قيس بن عاصم في الحلم كما نختلف إلى الفقهاء في الفقه بين الأحنف ورجل
شتمه شتم رجلٌ الأحنف يتبعه حتى بلغ حيه، فقال الأحنف: يا هذا إن كان بقي في نفسك
شيء فهاته وانصرف لا يسمعك بعض سفهائنا فتلقى ما تكره.
مثله بين الحسن ورجل شتم رجلٌ الحسن وأربى عليه، فقال له: أما أنت فما أبقيت
شيئاً، وما يعلم اللّه أكثر. قال بعض الشعراء:
لن يدرك المجد أقوامٌ وإن كرمواحتى يذلوا وإن عزوا لأقوام |
|
|
ويشتموا فترى الألوان مشرقةً |
|
لا صـفـح ذل ولــكـــن صـــفـــح أحـــلام |
للأصمعي
قال: حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: لا يكاد يجتمع عشرةً إلا وفيهم مقاتل
وأكثر، ويجتمع ألف ليس فيهم حليمٌ.
بين عليّ بن عبد الله وعروة بن الزبير ابن عيينة قال: كان عروة بن الزبير إذا أسرع
إليه رجل بشتمٍ أو قولٍ سيءٍ لم يجبه وقال: إني أتركك رفعاً لنفسي عنك. فجرى بينه
وبين عليّ بن عبد الله كلامٌ، فأسرع إليه، فقال له عليّ: خفض عليك أيها الرجل فإني
أتركك اليوم لما كنت تترك له الناس.
للأصمعي عن رجل خاصم رجلاً قال: حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: قال رجل: لمثل
هذا اليوم كنت أدع الفحش على الرجال فقال له خصمه: فإني أدع الفحش عليك اليوم لما
تركته أنت له قبل اليوم.
لسيد وقد أغاظه عبد له وأغلظ عبدٌ لسيده، فقال: إني أصبر لهذا الغلام على ما ترون
لأروض نفسي بذلك، فإذا صبرت للمملوك على المكروه كانت لغير المملوك أصبر.
بين عمر بن عبد العزيز وعقيل بن علفة كلم عمر بن عبد العزيز رجلاً من بني أمية وقد
ولدته نساء بني مرة فعاب عليه جفاءً رآه منه، فقال: قبح الله شبهاً غلب عليك من
بني مرة. وبلغ ذلك عقيل بن علفة المري وهو بجنفاء من المدينة على أميال في بلد بني
مرة، فركب حتى قدم على عمر وهو بدير سمعان، فقال: هيه يا أمير المؤمنين؛ بلغني أنك
غضبت على فتى من بني أبيك، فقلت: قبح الله شبهاً غلب عليك من بني مرة، وإني أقول:
قبح الله ألأم طرفيه. فقال عمر: دع ويحك هذا وهات حاجتك. فقال. والله ما لي حاجة
غير حاجته. وولى راجعاً من حيث جاء، فقال عمر: يا سبحان الله؛ من رأى مثل هذا
الشيخ? جاء من جنفاء ليس إلآ يشتمنا ثم انصرف؛ فقال له رجل من بني مرة. إنه واللّه
يا أمير المؤمنين ما شتمك وما شتم إلا نفسه، نحن واللّه ألأم طرفيه.
بين أمية بن عبد الله المدائني قال: لما عزل الحجاج أمية بن عبد الله عن خراسان
أمر رجلاً من بني تميم فعابه بخراسان وشنع عليه، فلما قفل لقيه التميمي فقال: أصلح
الله الأمير لا تلمني فإني كنت مأموراً. فقال: إن لنفسك عندك قدرا! كان يقال:
طيروا دماء الشباب في وجوههم.
ويقال: الغضب غول الحلم.
ويقال: القدرة تذهب الحفيظة.
كتاب كسرى ابرويز يوصي ابنه شيرويه وكتب كسرى أبرويز إلى ابنه شيرويه من الحبس. إن
كلمة منك تسفك دماً، وإن كلمة أخرى منك تحقن دماً، وإن سخطك سيوفك مسلولةً على من
سخطت عليه، وإن رضاك بركة مستفيضة على من رضيت عنه، وإن نفاذ أمرك مع ظهور كلامك،
فاحترس في غضبك من قولك أن يخطئ، ومن لونك أن يتغير ومن جسدك أن يخف، وإن الملوك
تعاقب قدرةً وحزما، وتعفو تفضلا وحلما، ولا ينبغي للقادر أن يستخف ولا للحليم أن
يزهو، وإذا رضيت فأبلغ بمن رضيت عنه يحرص من سواه على رضاك، وإذا سخطت فضع من سخطت
عليه يهرب من سواه من سخطك، وإذا عاقبت فانهك لئلا يتعرض لعقوبتك، واعلم أنك تجل
عن الغضب وأن غضبك يصغر عن ملكك، فقدر لسخطك من العقاب كما تقدر لرضاك من الثواب.
شعر لمحمد بن وهيب قال محمد بن وهيب :
لئن كنت محتاجاً إلى الحلـم إنـنـي |
|
إلى الجهل في بعض الأحايين أحوج |
ولى فرس للحلم بالحلـم مـلـجـم |
|
ولي فرس للجهل بالجهل مسـرج |
?فمن رام تقويمي فإني مقوم=ومن رام تعويجي فإني معوج
وما كنت أرضى الجهل خدنا وصاحبا |
|
ولكنني أرضى بـه حـين أحـرج |
ألا ربما ضاق الفضـاء بـأهـلـه |
|
وأمكن من بين الأسـنة مـخـرج |
وإن قال بعض الناس فيه سـمـاجة |
|
فقد صدقوا، والذل بالحر أسـمـج |
لابن المقفع فيما لا ينبغي للملك وقال ابن
المقفع: لا ينبغي للملك أن يغضب لأن القدرة من وراء حاجته، ولا يكذب لأنه لا يقدر
أحد على استكراهه على غير ما يريد، ولا يبخل لأنه لا يخاف الفقر، ولا يحقد لأن
خطره قد جل عن المجازاة.
قال سويد بن الصامت:
إني إذا ما الأمر بـين شـكـه |
|
وبدت بصائره لمـن يتـأمـل |
أدع التي هي أرفق الحالات بي |
|
عند الحفيظة للتي هي أجمـل |
بين عمر بن عبد العزيز ورجل كان واجداً
عليه أتى عمر بن عبد العزيز رجل كان واجداً عليه، فقال: لولا أني غضبان لعاقبتك.
وكان إذا
أراد أن يعاقب رجلاً حبسه ثلاثة أيام، فإذا أراد بعد ذلك أن يعاقبه عاقبه، كراهة
أن يعجل عليه في أول غضبه.
وأسمعه رجل كلاماً فقال له. أردت أن يتسفزني الشيطان يعز السلطان فأنال منك اليوم
ما تناله مني غداً، انصرف رحمك الله.
للقمان في ثلاث يكمل بها الإيمان قال لقمان لحكيم: ثلاث من كن فيه فقد استكمل
الإيمان: من إذا رضي لم يخرجه رضاه إلى الباطل، وإذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق،
وإذا قدر لم يتناول ما ليس له.
وقال لابنه: إن أردت أن تؤاخي رجلاً فأغضبه، فإن أنصفك في غضبه وإلا فدعه.
لمعاوية في إطفاء الغضب خطب معاوية يوماً فقال له رجل: كذبت. فنزل مغضباً فدخل
منزله، ثم خرج عليهم تقطر لحيته ماءً، فصعد المنبر فقال: أيها الناس إن الغضب من
الشيطان، وإن الشيطان من النار، فإذا غضب أحدكم فليطفئه بالماء، ثم أخذ في الموضع
الذي بلغه من خطبته.
للنبي صلى الله عليه وسلم وفي الحديث المرفوع: "إذا غضب أحدكم فإن كان قائماً
فليقعد وإن كان قاعداً فليضطجع وقال الشاعر:
احذر مغايظ أقـوامٍ ذوي أنـفٍ |
|
إن المغيظ جهول السيف مجنون |
لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وقال عمر
بن عبد العزيز: متى أشفي غيظي? أحين أقدر فيقال لي: لو عفوت، أو حين أعجز فيقال
لي: لو صبرت? والعرب تقول: "إن الرثيئة مما يفثأ الغضب والرثيئة اللبن الحامض
يصب عليه الحليب، وهو أطيب اللبن.
بين المنصور وابن عياش كان المنصور ولى سلم بن قتيبة البصرة ولى مولى له كور
البصرة والأبلة، فورد كتاب مولاه أن سلما ضربه بالسياط، فاستشاط المنصور وقال:
عليّ تجرأ سلم؛ لأجعلنه نكالاً. فقال ابن عباس - وكان جريئاً عليه - : يا أمير
المؤمنين، إن سلماً لم يضرب مولاك بقوته ولا قوة أبيه، ولكنك قلدته سيفك وأصعدته
منبرك، فأراد مولاك أن يطأطىء منه ما رفعت ويفسد ما صنعت، فلم يحتمل ذلك، يا أمير
المؤمنين إن غضب العربي في رأسه فإذا غضب لم يهدأ حتى يخرجه بلسان أو يد، وإن غضب
النبطي في آسته فإذا غضب وخريء ذهب غضبه. فضحك أبو جعفر وقال: فعل اللّه بك يا
منتوف وفعل. فكف عن سلمٍ كان يقال: إياك وعزة الغضب فإنها مصيرتك إلى ذل الاعتذار.
لبعض الشعراء قال بعض الشعراء:
الناس بعدك قد خفت حلومهم |
|
كأنما نفخت فيها الأعاصير |
أبو بكر بن عياش عن الأعمش قال: كنت مع رجل فوقع في إبراهيم، فأتيت إبراهيم فأخبرته وقلت. والله لهممت به. فقال: لعل الذي غضبت له لو سمعه لم يقل شيئاً.
باب العز والذل والهيبة
بين
سليمان بن عبد الملك ويزيد بن المهلب أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدّثنا عمر بن
السكن قال: قال سليمان بن عبد الملك ليزيد ابن المهلب: فيمن العز بالبصرة? فقال:
فينا وفي حلفائنا من ربيعة. فقال عمر بن عبد العزيز: ينبغي أن يكون العز فيمن
تحولف عليه يا أمير المؤمنين.
لقريبة قالت قريبة: إذا كنت في غير قومك فلا تنس نصيبك من الذلة.
بين شيخ من قريش ورجل طلب إليه أن يعلمه الحلم قال رجل من قريش لشيخ منهم: علمني
الحلم، قال: هويا بن أخي الذل، أفتصبر عليه ?.
للأحنف وقال الأحنف: ما يسرني بنصيبي من الذل حمر النعم، فقال له رجل: أنت أعز
العرب، فقال: إن الناس يرون الحلم ذلاً، فقلت ما قلت على ما يعلمون.
من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند أن الريح العاصف تحطم دوح الشجر ومشيد البنيان
ويسلم عليها ضعيف النبت للينه وتثنيه.
ويقال في المثل: تطأطأ لهم تخطئك .
لزيد بن عليّ بن الحسين حين خرج من عند هشام وشعر تمثل به وقال زيد بن عليّ بن
الحسين حين خرج من عند هشام مغضبا: ما أحب أحد قط الحياة إلا ذل ؛ وتمثل :
شرده الخـوف وأزرى بـه |
|
كذاك من يكره حر الجـلاد |
منخرق الخفين يشكو الوجى |
|
تنكبه أطراف مـروٍ حـداد |
قد كان في الموت لـه راحة |
|
والموت حتم في رقاب العباد |
شعر للمتلمس وقال المتلمس:
إن الهوان، حمار البيت يعرفه |
|
والمرء ينكره والجسرة الأجد |
ولا يقيم بدار الذل يعـرفـهـا |
|
إلا الحمار حمار الأهل و الوتد |
وللزبير بن عبد المطلب وقال الزبير بن عبد المطلب :
ولا أقـيم بـدار لا أشـد بـهـــا |
|
صوتي إذا ما اعترتني سورة الغضب |
وقال آخر:
إذا كنت في قومٍ عداً لست منهم |
|
فكل ما علفت من خبيثٍ وطيب |
للعباس بن مرداس، وغيره وقال العباس بن مرداسٍ:
أبلغ أبا سلم رسـولاً نـصـيحة |
|
فإن معشر جادوا بعرضك فابخل |
وإن بوءوك منزلا غـير طـائل |
|
غليظا فلا تنزل بـه وتـحـول |
ولا تطعمن ما يعلفونـك إنـهـم |
|
أتوك على قربانهم بالمـثـمـل |
أراك إذن قد صرت للقوم ناضحا |
|
يقال له بالغرب أدبـر وأقـبـل |
وقال آخر:
فأبلغ لديك بني مـالـكٍ |
|
على نأيها وسراة الرباب |
بأن امرأ أنتـم حـولـه |
|
تحفون قبته بالقـبـاب |
يهين سراتكـم عـامـدا |
|
ويقتلكم مثل قتل الكلاب |
فلو كنتم إبلا أملـحـت |
|
لقد نزعت للمياه العذاب |
ولكنكم غنم تصطـفـى |
|
ويترك سائرهم للـذئاب |
وقال آخر:
تالله لولا انكسار الرمح قد علموا |
|
ما وجدوني ذليلا كالـذي أجـد |
قد يحطم الفحل قسراً بعد عزته |
|
وقد يرد على مكروهه الأسـد |
وقال بعض العبديين:
ألا أبلغا خـلـتـي راشـداً |
|
وصنوي قديماً إذا ما اتصل |
بأن الدقيق يهيج الـجـلـيل |
|
وأن العـزيز إذا شـاء ذل |
وأن الحزامة أن تصـرفـوا |
|
لحي سوانا صدور الأسـل |
فإن كنت سيدنـا سـدتـنـا |
|
وإن كنت للخال فاذهب فخل |
للبعيث وقال البعيث:
ولو ترمى بلؤم بني كـلـيب |
|
نجوم الليل ما وضحت لساري |
ولو لبس النهار بنـو كـلـيب |
|
لدنس لؤمهم وضح النـهـار |
وما يغدو عزيز بني كـلـيب |
|
ليطلـب حـاجة إلا بـجـار |
لابن سيابة وقوم أزعجوه، وقد جاورهم جاور
ابن سيابة مولى بني أسد قوماً فازعجوه، فقال لهم: لم تزعجوني من جواركم ? فقالوا:
أنت مريب. فقال: فمن أذل من مريب ولا أحسن جواراً.
لعوانة أبو عبيدة عن عوانة قال: إذا كنت من مضر ففاخر بكنانة وكاثر بتميم والق
بقيس، وإذا كنت من قحطان فكاثر بقضاعة وفاخر بمذحج والق بكلب، وإذا كنت من ربيعة
ففاخر بشيبان وألق بشيبان وكاثر بشيبان.
كان يقال: من أراد عزا بلا عشيرة وهيبةً بلا سلطان فليخرج من ذل معصية الله إلى عز
طاعة الله.
لرجل من العرب في السيد وقيل لرجل من العرب: من السيد عندكم? قال: الذي إذا أقبل
هبناه لاذا أدبر اغتبناه.
شعر لمسلم في معناه ونحوه قول مسلم:
وكم من معدٍ في الضمير لي الأذى |
|
رآني فألقى الرعب ما كان أضمرا |
وقال أيضاً:
يا أيها الشاتمي عرضي مسارقةً |
|
أعلن به، أنت إن أعلنته الرجل |
شعر في الهيبة ومن أحسن ما قيل في الهيبة:
في كفه خيزران ريحها عبـقٌ |
|
من كف أروع في عرنينه شمم |
يغضي حياءً ويغضى من مهابته |
|
فما يكلم إلا حـين يبـتـسـم |
لابن هرمة يمدح المنصور وقال ابن هرمة في المنصور:
له لحظاتٌ عن حفافـي سـريره |
|
إذا كرها فيها عـقـاب ونـائل |
فأم الذي آمـنـت آمـنة الـردى |
|
وأم الذي أوعدت بالثكل ثـاكـل |
كريم له وجهان وجه لدى الرضـا |
|
أسيلٌ، ووجه في الكريهة باسـل |
وليس بمعطي العفو عن غير قدرة |
|
ويعفو إذا ما أمكنته المـقـاتـل |
لأخر في العفو عند المقدرة وقال آخر في العفو بعد القدرة:
أسدٌ علـى أعـدائه |
|
ما إن يلين ولا يهون |
فإذا تمكن مـنـهـم |
|
فهناك أحلم ما يكون |
لأخر يمدح مالك بن أنس وقال آخر في مالك بن أنس :
يأبى الجواب فما يراجع هيبةً |
|
والسائلون نواكـس الأذقـان |
هدي التقي وعز سلطان التقى |
|
فهو المطاع وليس ذا سلطان |
وقال آخر:
وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهـم |
|
خضع الرقاب نواكس الأبصار |
لأبي نواس وقال أبو نواس:
أضمر في القلب عتاباً له |
|
فإن بدا أنسيت من هيبته |
وصية
ابن شبرمة لابنه
المدائني قال: قال ابن شبرمة القاضي لابنه: يا بني لا تمكن الناس من نفسك، فإن
أجرأ الناس على السباع أكثرهم لهم معاينةً.
لأعرابي .قيل لأعرابي: كيف تقول: استخذأت أو استخذيت? قال: لا أقوله. قيل: ولم?
قال: لأن العرب لا تستخذي .
وكان يقال: اصفح أو اذبح.
باب المروءة
للنبي
صلى الله عليه وسلم في الحديث المرفوع: قام رجل من مجاشع إلى النبي صلى الله عليه
وسلم فقال: يا رسول الله، ألست أفضل قومي? فقال: "إن كان لك عقل فلك فضل، وإن
كان لك خلق فلك مروءة، وإن كان لك مال فلك حسب، وإن كان لك تقًى فلك دين ".
وفيه أيضاً: "إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها لعبد الملك بن عمير في
المروءة روى كثير بن هشام عن الحكم بن هشام الثقفي قال: سمعت عبد الملك بن عمير
يقول: إن من مروءة الرجل جلوسه ببابه.
للحسن قال الحسن. لا دين إلا بمروءة .
لابن هبيرة وغيره في المروءة قيل لابن هبيرة: ما المروءة? قال: إصلاح المال،
والرزانة في المجلس، والغداء والعشاء بالفناء.
قال إبراهيم: ليس من المروءة كثرة الالتفات في الطريق ولا سرعة المشي. ويقال: سرعة
المشي تذهب بهاء المؤمن.
قال معاوية: المروءة ترك اللذة.
بين معاوية وعمرو بن العاص للنبي وقال لعمرو: ما ألذ الأشياء? فقال عمرو: مر أحداث
قريش أن يقوموا. فلما قاموا قال: إسقاط المروءة.
للنبي صلى الله عليه وسلم قال جعفر بن محمد عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : "وروا لذوي المروءات عن عثراتهم، فوالذي نفسي بيده إن أحدهم
ليعثر وإن يده لفي يد اللّه " لعروة بن الزبير، وللأحنف كان عروة بن الزبير
يقول لولده. يا بني العبوا، فإن المروءة لا لكون إلا بعد اللعب.
قيل للأحنف: ما المروءة? فقال: العفة والحرفة لمحمد بن عمران التيمي قال محمد بن
عمران التيمي. ما شيءٌ أشد حملا عليّ من المروءة قيل: وأي شيءٍ المرؤة? قال: لا
تعمل شيئاً في السر تستحي منه في العلانية.
شعر لزهير وقال زهير في نحو هذا:
الستر دون الفاحشات، ولا |
|
يلقاك دون الخير من ستر |
وقال آخر:
فسري كإعلاني، وتلك خليقتي |
|
وظلمة ليلي مثل ضوء نهاريا |
لعمر بن الخطاب رضي الله عنه قال عمر بن
الخطاب: تعلمو العربية فإنها تزيد في المروءة، وتعلموا النسب فرب رحمٍ مجهولة قد
وصلت بنسبها .
للأصمعي، ولابن ميمون قال الأصمعي: ثلاثة تحكم لهم بالمروءة حتى يعرفوا: رجل رأيته
راكباً، أو سمعته يعرب، أو شممت منه رائحةً طيبة. وثلاثة تحكم عليهم بالدناءة حتى
يعرفوا: رجل شممت منه رائحة نبيذ في محفل، أو سمعته يتكلم في مصرٍ عربي بالفارسية،
أو رأيته على ظهر الطريق ينازع في القدر.
قال ميمون ابن ميمون: أول المروءة طلاقة الوجه، والثاني التودد، والثالث قضاء
الحوائج. وقال: من فاته حسب نفسه لم ينفعه حسب أبيه.
لمسلمة بن عبد الملك، ولعمر بن الخطاب قال مسلمة بن عبد الملك: مروءتان ظاهرتان:
الرياسة والفصاحة.
وقال عمر بن الخطاب: المروءة الظاهرة الثياب الطاهرة. قالوا: كان الرجل إذا أراد
يشين جاره طلب الحاجة إلى غيره.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
نوم الغداة وشرٌ العشـيات |
|
موكلان بتهديم المروءات |
باب اللباس لابن عباس حدّثني محمد بن عبيد
قال: حدّثنا ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس، قال: كل ما شئت
والبس ما شئت إذا ما أخطأك شيئان: سرفٌ أو مخيلةٌ.
قال: حدّثني يزيد بن عمرو قال: حدّثنا المنهال بن حماد عن خارجة بن مصعب عن عبد
الله بن أبي بكر بن حزم عن أبيه، قل: كانت ملحفة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم
التي يلبس في أهله مورسة حتى إنها لتردع على جلده.
لعليّ ولابن عباس في لباس عمر بن الخطاب حدّثني أبو الخطاب، قال: حدّثنا أبو عتاب
قال: حدّثنا المختار بن نافعٍ عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن عليّ، قال: رأيت لعمر
بن الخطاب رضي الله عنهما إزاراً فيه إحدى وعشرون رقعة من أدم ورقعةٌ من ثيابنا.
حدّثنا الزيادي قال: حدّثنا عبد الوارث بن سعيد عن الجريري عن ابن عباس، قال: رأيت
عمر بن الخطاب يطوف بالبيت وإزاره مرقوع بأدمٍ.
بين معاوية والنخار العذري
نظر معاوية إلى النخار العذري الناسب في عباءة فازدراه في عباءة، فقال: يا أمير
المؤمنين إن العباءة لا تكلمك وإنما يكلمك من فيها .
شعر لسحيم، وغيره قال سحيم بن وثيل:
ألا ليس زين الرحل قطعاً يمزق |
|
ولكن زين الرحل يا مي راكبه |
وقال آخر:
إياك أن تزدري الرجال فمـا |
|
يدريك ماذا يكنه الـصـدف |
نفس الجواد العتـق بـاقـيةٌ |
|
يوماً وإن مس جسمه العجف |
والحر حر وإن ألم به الـض |
|
ر وفيه العفـاف والأنـف |
وقال آخر من المحدّثين:
تعجبت در من شيبي فقلـت لـهـا |
|
لا تعجبي قد يلوح الفجر في السدف |
وزادها عجباً أن رحت في سـمـلٍ |
|
وما درت در أن الدر في الصـدف |
ابن عون ومعاذة العدوية وابن سيرين في
برنس لابن عون حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ أن ابن عون اشترى برنساً من عمر بن أنس
بن سيرين فمر على معاذة العدوية، فقالت: أمثلك يلبس هذا! قال: فذكرت ذلك لابن
سيرين فقال: ألا أخبرتها أن تميماً الداري اشترى صلة بألفٍ يصلي فيها.
بعض ما كان يلبس الرسول صلى الله عليه وسلم حدّثني أحمد بن الخليل قال: حدّثنا
مصعب بن عبد الله من ولد عبد الله بن الزبير عن أبيه، قال: أخبرني إسماعيل بن عبد
الله بن جعفر عن أبيه، قال: رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عليه ثوبان
مصبوغان بالزعفران: رداءٌ وعمامةٌ.
مثل من ترف ابن الحنفية حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا عليّ بن عاصم قال: أخبرنا
أبو إسحاق الشيباني قال: رأيت محمد ابن الحنفية واقفاً بعرفات على برذونٍ عليه
مطرف خزٍ أصفر.
لحفص بن الفرافصة عن لباس وجوه أهل البصرة حدّثنا الرياشيّ عن الأصمعي عن حفص بن
الفرافصة قال: أدركت وجوه أهل البصرة، شقيق بن ثور فمن دونه وآنيتهم في بيوتهم
الجفان والعسسة فإذا قعدوا بأفنيتهم لبسوا الأكسية وإذا أتوا السلطان ركبوا ولبسوا
المطارف.
كلام حماد بن أبي سليمان لفرقد السبخي في ثوب صوف لفرقد قدم حماد بن أبي سليمان
البصرة فجاءه فرقدٌ السبخي وعليه ثياب صوف فقال حماد: ضع نصرانيتك هذه عنك، فلقد
رأيتنا ننتظر إبراهيم فيخرج عليّنا وعليه معصفرة ونحن نرى أن الميتة قد حلت له.
من ترف ابن عباص وروى زيد بن الحباب عن الثوري عن ابن جريج عن عثمان بن أبي سليمان
أن ابن عباس كان يرتدي رداءً بألفٍ.
بين معمر وأيوب السختياني في قميص لأيوب قال معمر: رأيت قميص أيوب يكاد يمس الأرض،
فكلمته في ذلك فقال: إن الشهرة فيما مضى كانت في تذييل القميص وإنها اليوم في
تشميره.
بين سيار ومالك بن دينار حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال أخبرني بعض أصحابنا قال:
جاء سيار أبو الحكم إلى مالك بن دينار في ثياب اشتراها مالكٌ، فقال له مالك: ما
هذه الشهرة? فقال له سيار: أتضعني عندك أم ترفعني? قال: بل تضعك. قال: أراك تنهاني
عن التواضع. فنزل مالك فقعد بين يديه.
بين جعفر بن يحيى والأصمعيّ وشعر لنصيب قال أبو يعقوب الخريمي: أراد جعفر بن يحيى
يوماً حاجة كان طريقه إليهم على باب الأصمعي فدفع إلى خادم كيساً فيه ألف دينارٍ
وقال: إني سأنزل في رجعتي إلى الأصمعي وسيحدّثني ويضحكني فإذا ضحكت فضع الكيس بين
يديه. فلما رجع ودخل عليه رأى حبًا مكسور الرأس وجرة مكسورة العنق وقصعة مشغبة
وجفنةً أعشاراً، ورآه على مصلى بالٍ وعليه بركان أجرد، فغمز غلامه ألا يضع الكيس
بين يديه ولم يدع الأصمعيّ شيئاً مما يضحك الثكلان إلا أورده عليه فما تبسم وخرج،
فقال لرجل كان يسايره: من استرعى الذئب ظلم، ومن زرع سبخةً حصد الفقر، فإني واللّه
لو علمت أن هذا يكتم المعروف بالفعل لما حفلت نشره له باللسان، وأين يقع مدح
اللسان من مدح آثار الغنى، لأن اللسان قد يكذب والحال لا تكذب. ولله در نصيبٍ حيث
يقول:
فعاجوا فأثئوا بالذي أنت أهله |
|
لو سكتوا أثنت عليك الحقائب |
ثم قال له: أعلمت أن ناووس أبرويز أمدح
لأبروبز من شعر زهير لآل سنان.
لربيعة بن أبي عبد الرحس في بضع مشايخ المدينة قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن: رأيت
مشيخةً بالمدينة في زي الفتيان لهم الغدائر وعليهم المورد والمعصفر وفي أيديهم
المخاصر وبهم أثر الحناء، ودين أحدهم أبعد من الثريا إذا أريد دينه.
ابن التوأم يذم رجلاً ذم ابن التوأم رجلاً فقال: رأيته مشحم النعل درن الجورب مغضن
الخف دقيق الخزامة.
شعر لابن الأعرابي أنشد ابن الأعرابي :
فإن كنت قد أعطيت خزا تجره |
|
تبدلته مـن فـروةٍ وإهـاب |
فلا تأيسن أن تملك النسا إتنـي |
|
أرى أمةً قد أدبرت لذهـاب |
نقص صفحة 346 للنبي صلى الله عليه وسلم
وفي الحديث المرفوع: "إن الله إذا أنعم على عبدٍ نعمةً أحب أن يرى أثرها
عليه" لحبيب بن أبي ثابت قال حبيب بن أبي ثابت: أن تعز في خصفةٍ خيرٌ لك من
أن تذل في مطرفٍ، وما اقترضت من أحد خير من أن أقترض من نفسي.
شعر لعمرو بن معد يكرب، ولابن هرمة قال عمرو بن معد يكرب:
ليس الجمال بمـئزرٍ |
|
فاعلم وإن رديت بردا |
إن الجمال مـعـادن |
|
وموارث أورثن مجدا |
وقال ابن هرمة:
لو كان حولي بنـو أمـية لـم |
|
ينطق رجال إذا هم نطـقـوا |
إن جلسوا لم تضق مجالسهـم |
|
أو ركبوا ضاق عنهم الأفـق |
كم فيهـم مـن أخ وذي ثـقةٍ |
|
عن منكبيه القميص منخـرق |
تجهـم عـوذ الـنـسـاء إذا |
|
ما احمر تحت القوانس الحدق |
فريحهم عند ذاك أندى من آل |
|
مسك وفيهم لخـابـطٍ ورق |
بين أحمد بن إسماعيل وأبي سعد المخزرمي
قال: حدّثني أحمد بن إسماعيل قال: رأيت على أبي سعد المخزومي الشاعر كردوانياً
مصبوغاً بسواد، فقلت له: يا أبا سعد، هذا خز? فقال: لا، ولكنه رعي على دعي.
شعر لأي البرق في أبي سعد وكان أبو سعد دعياً في بني مخزوم، وفيه يقول أبو البرق:
لما تاه على النـاس |
|
شريفٌ يا أبا سعـد |
فته ما شئت إذ كنت |
|
بلا أصـلٍ ولا جـد |
وإذ حظك في النسب |
|
ة بين الحر والعبـد |
إذا قاذفك الـمـفـح |
|
ش في أمنٍ من الحد |
بين عمر بن عبد العزيز ومؤدبه قال عمر بن
عبد العزيز لمؤدبه: كيف كانت طاعتي إياك وأنت تؤدبني? قال: أحسن طاعةٍ. قال:
فأطعني الآن كما كنت أطيعك، خذ من شاربك حتى تبدو شفتاك، ومن ثوبك حتى يبدو عقباك
لوكيع عن الأعمش وكيع قال: راح الأعمش إلى الجمعة وقد قلب فروةً جلدها على جلده
وصوفها إلى خارج، وعلى كتفيه منديل الخوان مكان الرداء.
لأبي حصين عن الشعبي قال: حدّثني أبو الخطاب عن أبي داود عن قيس عن أبي حصين قال:
رأيت الشعبي يقضي على جلدٍ.
للأحنف قال الأحنف: استجيدوا النعال فإنها خلاخيل الرجال.
بين قتيبة بن مسلم ومحمد بن واسع أبو الحسن المداثني قال: دخل محمد بن واسع على
قتيبة بن مسلم في مدرعة صوف، فقال له قتيبة: ما يدعوك إلى لبس هذه? فسكت، فقال له
قتيبة: أكلمك فلا تجيبني؛ قال: أكره أن أقول زهداً فأزكي نفسي، أو أقول فقراً
فأشكو ربي.
لابن السماك في لابس الصوف قال ابن السماك لأصحاب الصوف: والله إن كان لباسكم هذا
موافقاً لسرائركم لقد أحببتم أن يطلع الناس عليهم ،وإن كان مخالفاً لهم فقد هلكتم.
شعر لبعض المحدّثين وقال بعض المحدّثين يعتذر من أطمارٍ عليه:
فما أنا إلا السيف يأكل جفنـه |
|
له حليةٌ من نفسه وهو عاطل |
التختم تختم النبي صلى الله عليه وسلم
قال. حدّثني أبو الخطاب زياد بن يحيى الحساني قال: حدّثنا عبد الله بن ميمون قال:
حدّثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم
تختم في يمينه.
قال: حدّثني أبو الخطاب قال: حدّثنا سهل بن حماد قال: حدّثنا أبو خلدة خالد بن
دينار قال: سألت أبا العالية ما كان نقش خاتم النبي صلى الله عليه وسلم? قال:
"صدق اللّه ".
قال: فألحق الخلفاء بعد صدق الله "محمد رسول اللّه.
لابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو الخطاب: حدّثنا عتاب قال: حدّثنا
سالم بن عبد الأعلى عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد
أن يذكر الشيء أوثق في خاتمه خيطاً.
نقش خاتم عليّ كرم الله وجهه حدّثني أبو الخطاب قال: حدّثنا عبد اللّه بن ميمون
قال: حدّثنا جعفر بن محمد عن أبيه أن خاتم عليّ كان من ورق نقشه نعم القادر اللّه
نقش خاتم عليّ بن الحسين بن عليّ
كان على خاتم علي بن الحسين بن عليّ علمت فأعمل .
وخاتم صالح بن عبيد الله بن عليّ كان نقش ختم صالح بن عبيد اللّه بن عليّ تبارك من
فخري باني له عبد ".
نقش خاتم شريح ونقش خاتم شريح الخاتم خير من الظن .
وطاهر ونقش خاتم طاهر وضع الخد للحق عز.
أبو النواس وخاتميه وكان لأبي نواس خاتمان: أحدهما عقيق مربع وعليه:
تعاظمني ذنبي فلما عـدلـتـه |
|
بعفوك ربي كان عفوك أعظما |
والآخر حديد صيني مكتوب عليه: الحسن يشهد أن لا إله إلا الله مخلصاً فأوصى عند موته أن يقلع الفص ويغسل ويجعل في فمه.
باب الطيب
للنبي
صلى الله عليه وسلم في أفضل الطيب للرجال والنساء قال: حدّثنا محمد بن عبيد قال:
حدّثنا سفيان بن عيينة عن عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي قال: قال رسول اللّه صلى
الله عليه وسلم : "خير طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه، وخير طيب النساء ما
ظهر لونه وخفي ريحه ".
لابن نافع عن استجمار ابن عمر حدّثنا القطعي قال: حدّثنا بشر عن ابن لهيعة قال:
حدّثني بكير عن نافع: أن ابن عمر كان يستجمر بعودٍ غير مطرى ويجعل معه الكافور
ويقول: هكذا كان رسول الله يستجمر.
طيب رائحة ابن مسعود قال: حدّثنا زياد بن يحيى قال: حدّثنا زياد بن الربيع عن
يونس، قال: قال أبو قلابة: كان ابن مسعود إذا خرج إلى المسجد عرف جيرانه ذاك بطيب
ريحه.
ابن الزبير والمسك حدّثني القومسي قال: حدّثنا أبو نعيم عن شقيق عن الأعمش قال:
قال أبو الضحى: رأيت على رأس ابن الزبير من المسك ما لو كان لي كان رأس مال.
من ترف ابن عباس قال: حدّثني أبو الخطاب قال: حدّثنا أبو قتيبة وأبو داود عن الحسن
بن زيد الهاشمي عن أبيه قال: رأيت ابن عباس حين أحرم والغالية على صلعته كأنها
الرب.
لمحمد بن حبان في عبد الله بن زيد قال :حدثني أحمد بن الخليل عن عمرو بن عون عن
خالد عن عمرو بن يحيى عن محمد بن يحيى بن حبان قال: كان عبد الله بن زيد يتخلق
بالخلوق ثم يجلس في المجلس.
عندما بنى عمر بن عبد العزيز بفاطمة بنت عبد الملك زوجته وحدّثني أيضاً عن سويد بن
سعيد عن ضمام بن إسماعيل عن عمارة بن غزية قال: لما أولم عمر بن عبد العزيز بفاطمة
بنت عبد الملك أسرج في مسارجه تلك الليلة الغالية.
للنبي صلى الله عليه وسلم قال: وحدّثني عن أبي عبد الرحمن المقرئ عن سعيد بن أبي
أيوب عن عبيد اللّه ابن أبي جعفر عن الأعرج، قال: قال أبو هريرة: قال النبي صلى
الله عليه وسلم : "لا تردوا الطيب فإنه طيب الريح خفيف المحمل ".
لعائشة رشي الله عنها في طيب النبي صلى الله عليه وسلم قال: حدّثني زيد بن أخزم
قال: حدّثنا أبو داود قال: حدّثنا أنس بن مالك قال: حدّثنا عبد الرحمن بن الأسود
عن أبيه عن عائشة قالت: كأني أنظر إلى وبيض الطيب في مفارق رسول اللّه صلى الله
عليه وسلم وهو محرم.
لعكرمة في طيب ابن عباس إبراهيم بن الحكم عن أبيه قال: قال عكرمة: كان ابن عباس
يطلي جسده بالمسك فإذا مر بالطريق قال ابن عباس: أمر ابن عباس أم مر المسك ?
المسيب بن علس يمدح بني شيبان شعراً قال المسيب بن علس يمدح بني شيبان:
تبيت الملوك على عتبهـا |
|
وشيبان إن غضبت تعتب |
وكالشهد بالراح أحلامهم |
|
وأحلامهم منهما أعـذب |
وكالمسك ترب مقاماتهم |
|
وترب قبورهم أطـيب |
للعباس بن الأحنف أخذه العباس بن الأحنف فقال :
وأنت إذا ما وطئت التـرا |
|
ب صار ترابك للناس طيبا |
شعر لكعب بن زهير يمدح قوماً وقال كعب بن زهير يمدح قوماً:
المطعمون إذا ما أزمة أزمت |
|
والطيبون ثياباً كلما عرقـوا |
لابن الأعرابي وأنشد ابن الأعرابي:
خود يكون بهم القليل تمـسـه |
|
من طيبها عبقاً يطيب ويكثر |
شكر الكرامة جلدهم فصفا لها |
|
إن القبيحة جلدها لا يشكـر |
لأيوب في الذين يتقشفون حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: ذكر لأيوب هؤلاء الذين يتقشفون فقال: ما علمت أن القذر من الدين.
باب المجالس والجلساء والمحادثة
للنبي
صلى الله عليه وسلم في المجالس
قال: حدّثني أحمد بن الخليل عن حبان بن موسى قال: حدّثنا ابن المبارك عن معمر عن
سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : "الرجل
أحق بمجلسه إذا قام لحاجةٍ ثم رجع ".
وحدّثني أيضاً عن سعيد بن سليمان عن إسحاق بن يحيى عن المسيب بن رافع عن عبد الله
بن يزيد الخطمي عن عبد اللّه بن الغسيل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"المرء أحق بصدر بيته وصدر دابته وصدر فراشه، وأحق أن يؤم في بيته ".
لعليّ بن أبي طالب فيمن يأبى الكرامة قال: حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا ابن
عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر محمد بن عليّ قال: ألقي لعلي وسادةٌ فجلس عليها
وقال: إنه لا يأبى الكرامة إلا حمارٌ.
للنبي صلى الله عليه وسلم في الجليس الصالح والجليس السوء وفي الحديث المرفوع عن
أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "مثل الجليس الصالح مثل
الداري إن لم يحدك من طيبه علقك من ريحه، ومثل الجليس السوء مثل الكير إن لم يحرقك
بشرار ناره علقك من نتنه ".
قال أبو إدريس الخولاني: المساجد مجالس الكرام.
للأحنف في أطيب المجالس وشعر لعليّ بن الجهم في معناه قال الأحنف: أطيب المجالس ما
سافر فيه البصر واتدع فيه البدن.
فأخذه عليّ بن الجهم فقال :
صحون تسافر فيها العيون |
|
وتحسر عن بعد أقطارها |
للمهلب، وللأوسية، في خير المجالس وقال
المهلب: خير المجالس ما بعد فيه مدى الطرف وكثرت فيه فائدة الجليس.
قيل للأوسية: أي منظرٍ أحسن? فقالت: قصورٌ بيضٌ في حدائق خضرٍ.
شعر لعدي بن زيد ونحوه قول عدي بن زيد:
كدمى العاج في المحاريب أو كال |
|
بيض في الروض زهره مستنير |
للأصمعي عن الأحنف وغيره حدّثنا سهل بن
محمد قال: حدّثنا الأصمعي قال: كان الأحنف إذا أتاه إنسان أوسع له، فإن لم يجد
موضعاً تحرك ليريه أنه يوسع له. وكان آخر لا يوسع لأحد ويقول: "ثهلان ذو
الهضبات ما يتحلحل .
لابن عباس في حق جليسه عليه قال ابن عباس: لجليسي علي ثلاثٌ: أن أرميه بطرفي إذا
أقبل، وأن أوسع له إذا جلس، وأصغي إليه إذا تحدّث.
وللأحنف وقال الأحنف: ما جلست مجلساً فخفت أن أقام عنه لغيري.
وكان يقول: لأن أدعى من بعيد فأجيب أحب إلي من أن أقصى من قريب.
سلوك القعقاع بن شور مع جليسه كان القعقاع بن شور إذا جالسه رجل فعرفه بالقصد إليه
جعل له نصيباً في ماله، وأعانه على عدوه، وشفع له في حاجته، وغدا إليه بعد
المجالسة شاكراً.
وقسم معاوية يوماً آنية فضةٍ ودفع إلى القعقاع حظه منها، فآثر به القعقاع أقرب
القوم إليه، فقال :
وكنت جليس قعقاع بن شور |
|
ولا يشقى بقعقاع جـلـيس |
ضحوك السن إن نطقوا بخير |
|
وعند الشر مطراقٌ عبوس |
كان يقال: إياك وصدر المجلس فإنه مجلس
قلعة.
لمحمد بن واسع، ولعمرو بن العاص قيل لمحمد بن واسع: ألا تجلس متكئاً? فقال: تلك
جلسة الآمنين.
قال عمرو بن العاص: ثلاثة لا أملهم: جليسي ما فهم عني، وثوبي ما سترني، ودابتي ما
حملت رجلي .
وزاد آخر: وامرأتي ما أحسنت عشرتي.
لرجل عن عبد الملك بن مروان ذكر رجل عبد الملك بن مروان فقال: إنه لأخذ بأربع،
تاركٌ لأربع: آخذٌ بأحسن الحديث إذا حدّث، وبأحسن الاستماع إذا حدّث، وبأحسن البشر
إذا لقي، وبأيسر المؤونة إذا خولف. وكان تاركاً لمحادثة اللئيم، ومنازعة اللجوج،
ومماراة السفيه، ومصاحبة المأبون. لرجل من الأشراف وقد أتاه رجل عند الانصراف كان
رجل من الأشراف إذا أتاه رجل عند انقضاء مجلسه قال: إنك جلست إلينا على حين قيامٍ
منا أفتأذن? بين الفضيل بن عياض وسفيان الثوري قال الفضيل بن عياض للثوري: دلني
على من أجلس إليه. قال: تلك حالةٌ لا توجد.
لمطرف قال مطرف: لا تطعم طعامك من لا يشتهيه، يريد: لا تقبل بحديثك على من لا يقبل
عليك بوجهه.
لسعيد بن سلم في أدب المحادثة، ومثله لابن مسعود وقال سعيد بن سلم: إذا لم تكن
المحدّث أو المحدّث فانهض.
ونحوه قول ابن مسعود: حدّث القوم ما حدثوك بأبصارهم.
عمر بن عبد العزيز وزياد مولى عياش بن أي ربيعة قال زياد مولى عياش بن أبي ربيعة:
دخلت على عمر بن عبد العزيز، فلما رآني زحل عن
مجلسه وقال: إذا دخل عليك رجل لا ترى لك عليه فضلاً فلا تأخذ عليه شرف المجلس.
لابن عباس في الجليس وقال ابن عباس: ما أحدٌ أكرم عليّ من جليسي، إن الذباب يقع
عليه فيشق علي.
الشعبي يذكر قوماً ذكر الشعبي قوماً فقال: ما رأيت مثلهم أشد تناوباً في مجلس ولا
أحسن فهماً عن محدّث.
لسليمان بن عبد الملك قال سليمان بن عبد الملك: قد ركبنا الفاره ووطئنا الحسناء
ولبسنا اللين وأكلنا الطيب حتى أجدنا، ما أنا اليوم إلى شيء أحوج مني إلى جليس أضع
عني مؤونة التحفظ فيما بيني وبينه.
لعمر بن الخطاب رضي الله عنه روى ابن أبي ليلى عن حبيب بن أبي ثابت عن يحيى بن
جعدة قال: قال عمر بن الخطاب: لولا أن أسير في سبيل اللّه أو أضع جبهتي في التراب
لله أو أجالس قوماً يلتقطون طيب القول كما يلتقط طيب الثمر لأحببت أن أكون قد لحقت
باللّه.
لعامر بن عبد قيس يتذكر العراق قال عامر بن عبد قيس: ما آسى على شيء من العراق إلا
على ظمأ الهواجر، وتجاوب المؤذنين، وإخوان لي منهم الأسود بن كلثوم.
ومثله لأخر يذكر البصرة وقال أخر: ما آسى من البصرة إلا على ثلاث: قصب السكر، وليل
الخرير، وحديث ابن أبي بكرة.
لابراهيم النخعي في صيرفي وخارجي وقال المغيرة: كان يجالس إبراهيم صيرفي ورجل
متهمٌ برأي الخوارج، فكان يقول لنا: لا تذكروا الربا إذا حضر هذا، ولا الأهواء إذا
حضر هذا.
إمام المسجد الحرام واللهبيين وكان إمام مسجد الحرام لا يقول" تبت يدا أبي
لهب" إلا عند ختم القرآن في شهر رمضان من أجل اللّهبيين.
كان يقال: محادثة الرجال تلقح ألبابها.
لبعض الملوك في المحادثة كان بعض الملوك في مسير له ليلاً فقال لمن حوله: إنه لا
يقطع سرى الليل بمثل الحديث فيه فلينفض كل رجل منكم بنا جوشاً منه.
بين معاوية وعمرو بن العاص قال معاوية لعمرو بن العاص: ما بقي من لذة الدنيا تلذه?
قال: محادثة أهل العلم، وخبرٌ صالح يأتيني من ضيعتي.
لأبي مسهر قال أبو مسهر: ما حدّثت رجلاً قط إلا حدّثني إصغاؤه: أفهم أم ضيع.
باب الثقلاء قال إبراهيم: إذا علم الثقيل أنه ثقيلٌ فليس بثقيل.
كان يقال: من خاف أن يثقل لم يثقل.
لأيوب وسئل لم لم يكتب عن طاوس قيل لأيوب: ما لك لا تكتب عن طاوس? فقال: أتيته
فوجدته بين ثقيلين: ليث بن أبي سليم، وعبد الكريم بن أبي أمية.
للحسن قال الحسن: قد ذكر اللّه الثقل في كتابه قال: " فإذا طعمتم
فانتشروا".
لأبي هريرة كان أبو هريرة إذا استثقل رجلاً قال: اللهم اغفر له وأرحنا منه.
وكتب رجل على خاتمه: أبرمت فقم، فكان إذا جلس إليه ثقيلٌ ناوله إياه .
نصيحة بختيشوع الطبيب للمأمون قال بختيشوع للمأمون: لا تجالس الثقلاء فإنا نجد في
الطب: مجالسة الثقيل حمى الروح.
لبعض الشعراء قال بعض الشعراء:
إني أجالس معـشـراً |
|
نوكى أخفهم ثـقـيل |
قومٌ إذا جالسـتـهـم |
|
صدئت بقربهم العقول |
لا يفهموني قولـهـم |
|
ويدق عنهم ما أقـول |
فهم كثـيرٌ بـي وأع |
|
لم أنني بهـم قـلـيل |
لصدقة بن خالد في مجلس أي حنيفة أخبرنا النوشجاني عن عمر بن سعيد القرشي قال: حدّثني صدقة بن خالد قال: أتيت الكوفة فجلست إلى أبي حنيفة، فقام رجل من جلسائه فقال :
فما الفيل تحمله مـيتـاً |
|
بأثقل من بعض جلاسنا |
فما حملت عنه شيئاً.
شعر في ثقيل مر رجل بصديق له ومعه رجل ثقيل، فقال له: كيف حالك? فقال :
وقائلٍ كيف أنت قلت لـه |
|
هذا جليسي فما ترى حالي |
لبشار في أبي سفيان وقال بشار:
ربما يثقل الجليس وإن كـا |
|
ن خفيفاً في كفة المـيزان |
ولقد قلت حين وتد في الأر |
|
ض ثقيلٌ أربى على ثهلان |
كيف لم تحمل الأمانة أرضٌ |
|
حملت فوقهم أبا سفـيان ! |
لأخر في ثقيل وقال آخر:
هل غربة الدار منك منجيتي |
|
إذا اغتدت بي قلائصٌ ذمل |
وما أظن الفلاة تنـجـينـي |
|
منك ولا الفلك أيها الرجل |
ولو ركبت البراق أدركنـي |
|
منك على نأي دارك الثقل |
هل لك فيما ملكت نـافـلةٌ |
|
تأخذه جملةً وتـرتـحـل |
لأعرابي وقال أعرابي :
كأني عند حمزة في مقامي |
|
ألا حييت عنا يا مـدينـا |
بلينا عنده حـتـى كـأنـا |
|
ألا هبي بصحنك فاصبحينا |
لآخر في ثقيل وقال آخر
ثقيلٌ يطالعـنـا مـن أمـم |
|
إذا سره رغم أنفـي ألـم |
لطلعته وخزةٌ في الحـشـا |
|
كوخزالمشارط في المحتجم |
أقول له إذ بـدا طـالـعـاً |
|
ولا حملتـه إلـينـا قـدم |
فقدت خيالك لا من عمـى |
|
وأذني كلامك لا من صمم |
لسهيل بن عبد العزيز قال سهيل بن عبد
العزيز: من ثقل عليك بنفسه وغمك في سؤاله فألزمه أذناً صماء وعيناً عمياء.
لبعض الكتاب وكتب بعض الكتاب في فصل من كتابه: ما آمن نزغ مستميحٍ حرمته، وطالب
حاجةٍ رددته، ومثابرٍ ثقيلٍ حجبته، أو منبسط نابٍ قبضته، ومقبلٍ بعنانه عليّ لويت
عنه، فقد فعلت هذا بمستحقين وبتعذر الحال، فتثبت رحمك الله، ولا تطع كل حلاف مهين.
لبعض المحدّثين في زياد أبو صعصعة وقال بعض المحدّثين للخليل :
خرجنا نريد غزاةً لـنـا |
|
وفينا زيادٌ أبو صعصعه |
فستة رهطٍ به خمـسةٌ |
|
وخمسةٌ رهطٍ به أربعه |
باب البناء والمنازل رجل من العجم ينصح
السائب بن الأقرع بمكان لا يخرب ليبني فيه الهيثم بن عدي عن مجالدٍ عن الشعبي قال:
قال السائب لن الأقرع لرجل من العجم: أخبرني عن مكان من القرية لا يخرب حتى أستقطع
ذلك الموضع. فقال له: ما بين الماء إلى دار الإمارة، فاختط لثقيفٍ ذلك الموضع. قال
الهيثم بن عدي: فبت عندهم فإذا ليلهم بمنزلة ا لنهار.
وقال قائل في الدار: ليكن أول ما تبتاع وآخر ما تبيع.
يحيى بن خالد وابنه جعفر حين اختط داره ليبنيها وقال يحيى بن خالد لأبنه جعفر حين اختط
داره ليبنيها: هي قميصك فإن شئت فوسعه، وإن شئت فضيقه.
وأتاه وهو يبني داره التي ببغداد بقرب الدور، وإذا هم يبيضون حيطانها فقال: اعلم
أنك تغطي الذهب بالفضة. فقال جعفر: ليس في كل مكانٍ يكون الذهب أنفع من الفضة،
ولكن هل ترى عيباً? قال: نعم، مخالطتها دور السوقة.
ابن التوأم لبعض البصريين دخل ابن التوأم على بعض البصريين وهو يبني داراً كثيرة
الذرع، واسعة الصحن، رفيعة السمك، عظيمة الأبواب، فقال: اعلم أنك قد ألزمت نفسك
مؤونة لا تطاق، وعيالاً لا يحتمل مثلهم، ولا بد لك من الخدم والستور والفرش على
حسب ما آبتليت به نفسك، وإن لم تفعل هجنت رأيك.
من كتاب الآيين وقرأت في كتاب الآيين أنه كان يستقبل بفراش الملك ومجلسه المشرق،
أو يستقبل به مهب الصبا، وذلك أن ناحية المشرق وناحية الصبا يوصفان بالعلو
والارتفاع، وناحية الدبور وناحية المغرب يوصفان بالفضيلة والانخفاض، وكان يستقبل بصدور
إيوانات الملك المشرق أو مهب الدبور، ويستقبل بصدور الخلاء وما فيه من المقاعد مهب
الصبا، لأنه يقال: إن استقبال الصبا في موضع الخلاء آمن من سحر السحرة ومن ريح
الجنة.
لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان عمر يقول: على كل خائنٍ أمينان: الماء والطين.
ومر ببناء يبنى بآجر وجص فقال: لمن هذا? قالوا: لفلان، عاملٍ له، فقال: تأبى
الدراهم إلا أن تخرج أعناقها. وشاطره ماله.
عمر بن الخطاب لسعد وأصحابه أبو الحسن قال: لما بلغ عمر أن سعداً وأصحابه قد بنوا
بالمدر قال: قد كنت أكره لكم البنيان بالمدر، فاتا إذ قد فعلتم فعرضوا الحيطان،
وأطيلوا السمك، وقاربوا بين الخشب.
ليزيد بن المهلب في عدم بناءه داراً البصرة وقيل ليزيد بن المهلب: لم لا تبني
بالبصرة داراً? فقال: لأني لا أدخلها إلا أميراً أو أسيراً، فإن كنت أسيراً فالسجن
داري، وإن كنت أميراً فدار الإمارة داري.
وقال: الصواب أن تتخذ الدور بين الماء والسوق، وأن تكون الدور شرقية والبساتين
غربية.
لبعض الشعراء قال بعض الشعراء:
بنو عميرٍ مجدهم دارهم |
|
وكل قومٍ لهم مـجـد |
وقال آخر لأبي محمد اليزيدي:
قومي خيارٌ غير ما أنهـم |
|
صولتهم منهم على جارهم |
ليس لهم مجدٌ سوى مسجدٍ |
|
به تعدوا فوق أطوارهـم |
لو هدم المسجد لم يعرفـوا |
|
يوماً ولم يسمع بأخبارهـم |
وقال رجل من خزاعة:
فخص المسيب بالمناره |
|
ومناره برحا عمـاره |
فإذا تفاخرت الـقـبـا |
|
ئل من تميم أو فـزاره |
حفلت عليك شيوخ ضب |
|
ة بالمسيب والمـنـاره |
لخارجي وقد مر بدار تبنى مر رجل من
الخوارج بدار تبنى فقال: من هذا الذي يقيم كفيلاً? وقالوا: كل مال لا يخرج بخروجك
ولا يرجع برجوعك ولا ينتقل في الوجوه بانتقالك فهو كفيلٌ.
لحكماء من الروم وقالت الحكماء من الروم: أصلح موضع البنيان أن يكون على تل أو
كبسٍ وثيقٍ ليكون مطلا، وأحق ما جعلت إليه أبواب المنازل وأفنيتها وكواؤها المشرق
واستقبال الصبا، فإن ذلك أصلح للأبدان لسرعة طلوع الشمس وضوئها عليهم.
شعر لعليّ بن الجهم في البناء ومن حسن التشبيه في البناء قول علي بن الجهم:
صحون تسافر فـيهـا الـعـيون |
|
وتحسر عن بعـد أقـطـارهـا |
وقـبة مـلـكٍ كـأن الـنـجـو |
|
م تصغي إليهـا بـأسـرارهـا |
وفوارةٌ ثأرهـا فـي الـسـمـاء |
|
فليست تقصـر عـن ثـارهـا |
!ذا أوقدت نارهـا بـالـعـراق |
|
أضاء الحجـاز سـنـا نـارهـا |
ترد على المـزن مـا أنـزلـت |
|
على الأرض من صوب أقطارها |
لها شـرفـا تٌ كـأن الـربـيع |
|
كساها الـرياض بـأنـوارهـا |
فهن كمصطحـبـاتٍ خـرجـن |
|
لفصح النصارى وإفـطـارهـا |
فمن بين عـاقـصةٍ شـعـرهـا |
|
ومصلـحةٍ عـقـط زنـارهـا |
للوليد بن كعب وقال الوليد بن كعب :
بكت دار بشرٍ شجوها أن تبـدلـت |
|
هلال بن عياد ببشر بن غـالـب |
وما هي إلا مثل عرسٍ تنـقـلـت |
|
على رغمها من هاشم في محارب |
وقال آخر:
ألم تر حوشباً أمسى يبني |
|
قصوراً نفعها لبني بقيله |
يؤمل أن يعمر عمر نوح |
|
وأمر الله يحدث كل ليله |
شعر مالك بن أسماء في جارية يهواها كان مالك بن أسماء يهوى جاريةً من بني أسد وكانت تنزل خصا وكانت دار مالك مبنيةً بآجر فقال :
يا ليت لي خصا يجاورها |
|
بدلًا بداري في بني أسد |
الخص فيه تقر أعنـينـا |
|
خيرٌ من الآجر والكمـد |
سليمان
بن داود عليه السلام لابنه حدّثني محمد بن خالد بن خداش عن أبيه قال: حدّثنا إسحاق
بن الفرات قاضي مصر عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قال: قال سليمان بن داود
لابنه: يا بني إن من ضيق العيش شراء الخبز من السوق، والنقلة من منزلٍ إلى منزلٍ.
بين المأمون وأحد الزهاد بلغني أن رجلاً من الزهاد مر في زورق، فلما نظر إلى بناء
المأمون وأبوابه صاح: واعمراه؛ فسمعه المأمون فدعا به فقال: ما قلت? قال: رأيت
بناء الأكاسرة فقلت ما سمعت. قال المأمون: أرأيت لو تحولت من هذه المدينة إلى إيوان
كسرى بالمدائن هل كان لك أن تعيب نزولي هناك? قال: لا. قال: فأراك إنما عبت إسرافي
في النفقة. قال: نعم. قال: فلو وهبت قيمة هذا البناء لرجل أكنت تعيب ذلك? قال: لا.
قال: فلو بنى هذا الرجل بما كنت أهب له بناء أكنت تصيح به كما صحت بي? قال: لا.
قال: فأراك إنما قصدتني لخاصتي في نفسي لا لعلة هي في غيري، ثم قال له: هذا البناء
ضربٌ من مكايدنا نبنيه ونتخذ الجيوش ونعد السلاح والكراع وما بنا إلى أكثره حاجةٌ،
فلا تعودن إلي فتمسك عقوبتي، فإن الحفيظة ربما صرفت ذا الرأي إلى هواه، فاستعمله.
?????????????????????????? باب المزاح والرخص فيه
لعائشعة
رضي الله عنها قال: حدّثنا محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن هشام بن عروة
عن أبي سلمة قال: أخبرتني عائشة أنها سابقت رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر
فسبقته، وسابقته في سفر آخر فسبقها وقال: "هذه بتلك "، لأبي رافع عن أبي
هريرة حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي رافع قال: كان أبو هريرة على المدينة خليفةً
لمروان، فربما ركب حماراً قد شد عليه برذعةً وفي رأسه حليةٌ فيلقى الرجل فيقول:
الطريق، قد جاء الأمير. وربما دعاني إلى عشائه بالليل فيقول: دع العراق للأمير،
فأنظر فإذا هو ثريدٌ بزيت. مزاح الشعبي مع خياط مر به قال: حدّثني محمد بن محمد بن
مرزوق عن زاجر بن الصلت الطاحي عن سعيد بن عثمان قال: قال الشعبي لخياط مر به:
عندنا حبٌ مكسور تخيطه? فقال الخياط: إن كان عندك خيوطٌ من ريح.
أيضاً للشعبي
وحدّثني بهذا الإسناد قال: دخل رجل على الشعبي ومعه في البيت امرأة فقال: أيكم
الشعبي? قال الشعبي: هذه.
وسئل الشعبي عن لحم الشيطان فقال: نحن نرضى منه بالكفاف. قال: فما تقول في الذبان?
قال: إن اشتهيته فكله.
بين خالد بن صفوان والفرزدق قال خالد بن صفوان للفرزدق وكان يمازحه: ما أنت يا أبا
فراس بالذي لما رأينه أكبرنه و قطعن أيديهن. قال: ولا أنت يا أبا صفوان بالذي قالت
فيه الفتاة لأبيها: يا أبت أستأجره إن خير من أستأجرت القوي الأمين ".
بين ابن سيرين وغالب وقد سأله عن هشام بن حسان حماد بن زيد عن غالب أنه سأل ابن
سيرين عن هشام بن حسان قال: توفي البارحة، أما شعرت? فجزع واسترجع، فلما رأى ابن
سيرين جزعه قرأ الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها.
بين الشعبي وحمال سأله عن اسم امرأة إبليس مر بالشعبي حمالٌ على ظهره دن خل، فلما
رآه وضع الدن وقال: ما كان اسم امرأة ابليس? فقال الشعبي: ذاك نكاحٌ ما شهدناه.
لإبراهيم وهو يعود الأعمش حدّثني محمد بن عبد العزيز عن الأصبهاني عن يحيى بن أبي
زائدة عن الأعمش قال: عادني إبراهيم فنظر إلى منزلي فقال: أما أنت فتعرف في منزلك
أنك لست من أهل القريتين عظيم.
بين نعيمان وسويبط بن حرملة وقد خرجا في تجارة مع أبي بكر رضي الله عنه و روى وكيع
عن ربيعة عن الزهري عن وهب بن عبد بن زمعة قال: قالت أم سلمة: خرج أبو بكر في
تجارة ومعه نعيمان وسويبط بن حرملة، وكانا شهدا بدراً، وكان نعيمان على الزاد فقال
له سويبط وكان مزاحاً: أطعمني. فقال: حتى يجيء أبو بكر. فقال: أما والله لأغيظنك.
فمروا بقوم فقال لهم سويبط: أتشترون مني عبداً لي? قالوا: نعم. قال: إنه عبدٌ له
كلام وهو قائل لكم: إني حر، فإن كنتم إذا قال لكم هذه المقالة تركتموه فلا تفسدوا
عليّ عبدي. فقالوا: بل نشتريه فك بعشر قلائص. ثم جاءوا فوضعوا في عنقه حبلاً
وعمامة واشتروه، فقال نعيمان: إن هذا يستهزئ بكم وإني حر. قالوا: قد أخبرنا بخبرك.
وانطلقوا به، وجاء أبو بكر فأخبروه فاتبعهم فرد عليهم القلائص وأخذه، فلما قدموا
على النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه فضحك هو وأصحابه منهما حولاً.
بين عدي بن أرطأة وشريح القاضي حدّثني محمد بن عبد العزيز قال: حدّثنا عبد اللّه
بن عبد الوهاب الحجبي عن أبي عوانة عن قتادة أن عدي بن أرطاة تزوج امرأة بالكوفة
وشرط لهم دارها فأراد أن ينقلها فخاصمته إلى شريح، فقال: أين أنت أصلحك الله? قال:
بينك وبين الحائط. قال: إني رجل من أهل الشام. قال: بعيد سحيق. قال: إني تزوجت
امرأة. قال: بالرفاء والبنين. قال: وولدت غلاماً. قال: ليهنئك الفارس. قال: وشرطت
لهم دارها. قال: الشرط أملك. قال: اقض بيننا. قال: قد قضيت. قال: بمه? قال شريح:
حدّث امرأة حديثين فإن أبت فأربع .
قال لي المحدّث: فأربعة، وإنما هو فأربع أي كف وأمسك.
قضاء شريح على رجل وقد أقر على نفسه وهو لا يعلم وتقدم رجلان إلى شريح في خصومة
فأقر أحدهما بما يدعي الآخر عليه وهو لا يعلم، فقضى عليه شريح، فقال الرجل: أتقضي
عليّ بغير بينة? فقال: قد شهد عندي ثقة. قال: ومن هو? قال: ابن أخت خالتك.
لابن سيرين كان ابن سيرين ينشد:
نبئت أن فتاة كـنـت أخـطـبـهـا |
|
عرقوبها مثل شهر الصوم في الطول |
وقال أيضاً:
لقد أصبحت عرس الفرزدق ناشزا |
|
ولو رضيت رمح استه لاستقرت |
وكان ابن سيرين يضحك حتى يسيل لعابه.
بين معاوية وعمرو بن العاص المدائني قال: قال عمرو بن العاص لمعاوية: إني رأيت
البارحة في المنام كأن القيامة قد قامت ووضعت الموازين وأحضر الناس للحساب، فنظرت
إليك وأنت واقف قد ألجمك العرق، وبين يديك صحف كأمثال الجبال. فقال معاوية: فهل
رأيت شيئاً من دنانير مصر! بين معن بن زائدة وابن عياش المنتوف كان معن بن زائدة
ظنينا في دينه، فبعث إلى ابن عياش المنتوف بألف دينار، وكتب إليه: قد بعثت إليك
بألف دينار اشتريت بهم دينك، فاقبض المال وأكتب إلي بالتسليم، فكتب إليه: قد قبضت
الدنانير وبعتك بها ديني خلا التوحيد لما عرفت من زهدك فيه.
بين الرشيد ويزيد بن مزيد قال الرشيد ليزيد بن مزيد: ما أكثر الخلفاء من ربيعة!
فقال يزيد: أجل، ولكن منابرهم آ لجذوع.
بين بلال بن أبي بردة وابن أبي علقمة قال بلال بن أبي بردة لابن أبي علقمة: إنما
دعوتك لأسخر منك. فقال له ابن أبي علقمة: لئن قلت ذاك لقد حكم المسلمون رجلين سخر
أحدهما من الآخر.
كان يقال: السباب مزاح النوكى.
وقال الشاعر:
أخو آلجد إن جاددت أرضاك جده |
|
وذو باطل إن شئت ألهاك باطله |
شعر مسعر بن كدام لابنه ينصحه بالبعد عن المزاح وقال مسعر بن كدام لابنه:
ولقد حبوتك يا كدام نصحيتـي |
|
فاسمع لقول أ بٍ عليك شفيق |
أما المزاحة والمراء فدعهمـا |
|
خلقان لا أرضاهما لصـديق |
ولقد بلوتهما فلم أحمدهـمـا |
|
لمحاور جـارٍ ولا لـرفـيق |
شعر للكميت، ولغيره وقال الكميت:
وفي الناس أقداعٌ ملاهيج بالخنا |
|
متى يبلغ الجهد الحفيظة يلعبوا |
ومما يقارب هذا قول بعض المحدّثين 30:
أراني سأبدي عـنـد أول سـكـرة |
|
هواي لفضل في خفاءٍ وفي سـتـر |
فإن رضيت كان الرضا سبب الهوى |
|
وإن غضبت حملت ذنبي على السكر |
وقال الراعي - في نحو هذا يصف نساء:
يناجيننا بالطرف دون جديثنـا |
|
ويقضين حاجاتٍ وهن موازح |
بين أمير ورجل مزح عنده عرض بعض الأمراء
على رجل عملين ليختار أحدهما فيوليه، فقال: كلاهما وتمراً، فقال: أعندي تمزح؛ لا
وليت لي عملا.
لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فيمن كثر ضحكه وقال عمر بن الخطاب: من كثر ضحكه قلت
هيبته.
مثله لعليّ كرم الله وجهه، ولأكثم وقال عليّ: إذا ضحك العالم ضحكةً مج من العلم
مجةً.
وقال أكثم: المزاحة تذهب المهابة الأخطل يعرض برجل كان يحسده في مجلس عبد الملك بن
مروان الهيثم عن عوانة الكلبي قال: دخل الأخطل على عبد الملك بن مروان وهو مغمرم
وعنده رجل كان يحسده الأخطل ويقارضه، فقال الأخطل: يا أمير المؤمنين عهدي بأبي هذا
الفتى وهو سيدنا معشر بني جشم، وشيخنا الذي نصدر عن رأيه. فاهتز لها الفتى وقال:
يا أمير المؤمنين، هو أعلم بنا قديماً وحديثاً. قال الأخطل: إن أباه أمرنا ذات يوم
وقد نورت الرياض أن نخرج إلى روضة في ظهر بيوت الحي فنتحدّث فيها، فخرجنا وابتسطنا
لعباً، وخرج الرجل منا بالبكرة الكوماء وبالخروف والجدي، وقام الفتيان فاجتزروا
واشتووا ودارت السقاة عليّنا، فبينما نحن كذلك رعف أبوه فما تركنا في الحي روثة
حمار إلا نشقناه إياهم فلم يرقأ دمه، فقال لنا شيخ: شدوا خصيي الشيخ عصباً. ففعلنا
ذلك فرقأ الدم، فوالله ما دارت الكأس إلا دورة حتى أتانا الصريخ عن أمه أنها قد
رعفت، فبادرنا إليها، فوالله ما درينا ما نعصب منها حتى خرجت نفسها. وعبد الملك
يفحص برجليه ضحكاً، والفتى يقول: كذب واللّه. فقال عبد الملك: ألم تزعم أنه أعلم
الناس بقديمكم وحديثكم ! بين رجل من الفقهاء وجمال حدّثني أحمد بن عمرو قال: كان
رجل من الفقهاء في طريق مكة، فرأى وهو محرم يربوعاً فرماه بعصا كانت في يده فقتله،
فقال الجمال: ألست محرماً? قال: بلى وما كانت بي إلى رميه حاجة إلا أن تعلم أن
إحرامي لا يمنعني من ضربك.
للأعمش في تمام الحج قال: وكان الأعمش يقول: من تمام الحج ضرب الجمال.
نعيمان المزاح ومخرمة بن نوفل المدائني قال: كان نعيمان رجلاً من الأنصار وشهد
بدراً وجلده النبي عليه السلام في الخمر م ربع مرات، فمر نعيمان بمخرمة بن نوفل
وقد كف بصره فقال: ألا رجل يقودني حتى أبول? فأخذ بيده نعيمان، فلما بلغ مؤخر
المسجد قال: ها هنا فبل. فبال فصيح به، فقال: من قادني? قيل: نعيمان. قال: لله
عليّ أن أضربه بعصاي هذه، فبلغ نعيمان فأتاه فقال له: هل لك في نعيمان? فقال: نعم.
فقال: قم. فقام معه فأتى به عثمان بن عفان وهو يصلي، فقال: دونك الرجل. فجمع يديه
في العصا ثم ضربه، فقال الناس: أمير المؤمنين. فقال: من قادني? قالوا: نعيمان.
قال: لا أعود إلى نعيمان أبداً.
لخارجة بن زيد حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن ابن أبي الزناد عن أبيه قال: قلت
لخارجة بن زيد: هل كان الغناء يكون في العرسات? قال: قد كان ذاك، ولا يحضر بما
يحضر اليوم من السفه، دعانا أخوالنا بنو نبيط في مدعاةٍ لهم فشهد المدعاة حسان بن
ثابت وابنه عبد الرحمن وأنا، وجاريتان تغنيان.
أنظر خليلي بباب جلق هل |
|
تؤنس دون البلقاء من أحد |
فبكى حسان وقد كف بصره، وجعل عبد الرحمن
يومئ إليهما أن زيداً، فلا أدري ماذا يعجبه من أن تبكيا أباه، ثم جيء بالطعام،
فقال حسان: أطعام يدٍ أم طعام يدين? فقالوا: طعام يد، يريدون الثريد فأكل، ثم أتي
بطعام آخر فقال: أطعام يد أم طعام يدين? قالوا: طعام يدين، يعنون الشواء، فكف.
للنعمان بن بشير وقد سمع شعرا لطويس يذكر فيه أمه حدّثنا أبو حاتم عن الأصمعيّ
قال: كان طويسٌ يتغنى في عرس، فدخل النعمان ابن بشير العرس وطويسٌ يقول:
أجد بعمرة غنيانهـا |
|
فتهجر أم شأننا شانها |
وعمرة أم النعمان، فقيل له: اسكت اسكت. فقال النعمان: إنه لم يقل بأساً وإنما قال:
وعمرة من سروات النسا |
|
ء تنفح بالمسك أردانهـا |
لابن عباس وهو محرم حدّثني يزيد بن عمرو قال: حدّثنا الحجاج بن نصير قال: حدّثنا شعبة عن قتادة عن أبي العالية أنه كان مع ابن عباس وهو محرم، فقال ابن عباس :
وهن يمشين بنا همـيسـا |
|
إن تصدق الطير ننل لميسا |
فقالوا: تقول الرفث وأنت محرم يا بن عباس؛
فقال: إنما الرفث عند النساء.
بين جابر الجعفي والشعبي قال جابر الجعفي: رأيت الشعبي خارجاً من الكوفة فقلت له:
أين? قال: أنظر إلى الفيل.
لعكرمة عندما ختن ابن عباس بينه حدّثني أبو الخطاب قال: حدّثنا سلم بن قتيبة قال:
حدّثنا شريك عن جابر الجعفي عن عكرمة قال: ختن ابن عباس بنيه فأرسلني فدعوت
اللعابين فلعبوا فأعطاهم أربعمائة درهم. للأوقص المخزومي وقد مر به سكران حدّثني
شيخ لنا من أهل المدينة قال: ولي الأوقص المخزومي قضاء مكة فما رئي مثله في العفاف
والنبل، فبينا هو نائم ذات ليلة في جناحٍ له مر به سكران يتغنى، فأشرف عليه فقال
له: يا هذا، شربت حراماً، وأيقظت نواما، وغنيت خطأ، خذ عني. فأصلحه له.
نصيحة أم الأوقص له وقال الأوقص: قالت لي أمي: يا بني إنك خلقت خلقةً لا تصلح معها
لمجامعة الفتيان في بيوت القيان، إنك لا تكون مع أحد ألا تخطتك إليه العيون، فعليك
بالدين فإنه يرفع الخسيسة ويتم النقيصة، فنفعني الله بكلامها فبلغت القضاء.
لعبد الله بن جعفر قال عبد الله بن جعفر لرجل: لو غنتك فلانة جاريتي صوت كذا ما
أدركت دكانك.
لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حدّثني شيخ لنا عن سلم قتيبة عن عبد الرحمن بن عبد
الله بن دينار عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: مر بي عمر، وأنا وعاصم بن عمر نتغنى
غناء النصب، فقال: أعيدا، فأعدنا، فقال: مثلكما مثل حماري العبادي، قيل له: أي
حماريك أشر? قال: هذا ثم هذا.
لعطاء عن القراءة على ألحان الغناء والحداء وحدّثني أيضاً عن ابن عاصم عن ابن جريج
قال: سألت عطاء عن القراءة على ألحان الغناء والحداء فقال: وما بأس، لقد حدّثني
عبيد بن عمير الليثي قال: كانت لداود نبي الله معزفةٌ يضرب بها إذا قرأ الزبور،
فكان إذا قرأ اجتمع إليه الإنس والجن والطير فبكى وأبكى من حوله. وقال لي غيره.
ولهذا قيل: مزامير داود، كأنه أغاني داود.
شعر لأي معاوية الضرير خرج أبو معاوية الضرير يوماً على أصحابه فقال:
وإذا المعدة جاشت |
|
فارمها بالمنجنيق |
بثلاثٍ من نـبـيذٍ |
|
ليس بالحلو الرقيق |
للأسود وقد شرب النوشجاني قال: حدّثني
محمد بن سابق قال: حدّثنا مالك بن مغول عن أبي حصين قال: شرب الأسود فقال: لو
سقيتموني آخر لغنيت.
لعم الشعي في ابن مسعود حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا أبو أسامة عن المجالد عن
الشعبي عن عمه قال: صحبت ابن مسعود حولا من رمضان إلى رمضان لم يصم يوماً واحداً،
فأهمني ذلك وسألت عنه، ولم أره صلى الضحى حتى خرج من بين أظهرنا.
مثله عن مهدي بن ميمون في أي صادق قال: حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا مسلم بن
إبراهيم عن مهدي بن ميمون قال: كان أبو صادق لا يتطوع من السنة بصوم يوم، ولا يصلي
رجعةً سوى الفريضة قبلها ولا بعدها، وكان به من الورع شيء عجيب.
لأيوب حدّثني الزيادي قال: قال حماد بن زيد عن أيوب قال: دخلت على رجل من الفقهاء
وهو يلعب بالشطرنج.
لابن سيرين ولأي المعتمر في اللعب بالشطرنج
وحدّثني الزيادي قال: حدّثنا حماد بن زيد عن هشام بن حسان قال: سئل ابن سيرين عن
اللعب بالشطرنج فقال: لا بأس به هو رفقٌ.
حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن معتمر قال: قال أبي: ترون أن الشطرنج وضعت على أمر
عظيم ?.
قال: وحدّثنا الأصمعي عن ابن أبي زائدة عن إسماعيل بن أبي خالد قال: كان قيس بن
أبي حازم في مدعاةٍ فقال لصاحب المنزل: طير.
حدّثني شبابة قال: حدّثني القاسم بن الحكم العرني قال: حدّثني سليمٌ مولى الشعبي
أن الشعبي كان إذا اختضب فغرض لاعب ابنته بالنرد حتى يعلق الخضاب.
لسعيد بن المسيب في اللعب بالنرد حدّثنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا النضر بن
شميلٍ قال: حدّثنا شعبة عن عبد ربه قال: سمعت سعيد بن المسيب وسئل عن اللعب بالنرد
فقال: إذا لم يكن قماراً فلا بأس.
مثله في اللعب بالنرد حدّثنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا الفضل بن موسى عن رشدين
بن كريب قال: رأيت عكرمة أقيم قائماً على اللعب بالنرد.
قال إسحاق: إن كان لعبه على غير معنى القمار يريد به التعليّم والمكايدة فهو
مكروه، ولا يبلغ ذلك إسقاط شهادته.
وروى عبد الملك بن عمير عن إبراهيم بن محمد قال: أخبرني أبي قال: رأيت أبا هريرة
يلعب مع أبي بأربعة عشر على ظهر المسجد.
بين عبد الله بن مسعود ورجل يسأله حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثني علي بن عاصم عن
أبي إسحاق الشيباني عن خوات التميمي عن الحارث بن سويد قال: أتى عبد اللّه بن
مسعود رجلٌ فقال: يا أبا عبد الرحمن إن لي جاراً يربي وما يتورع من شيء أصابه،
وإني أعسر فأستسلفه، ويدعوني فأجيبه. فقال: كل فلك مهنؤه وعليه وزره.
لأي فضالة كان أبو فضالة أسن وشقت عليه الصلاة، فكان يقول: مشقيةٌ منصبة، مقيمةٌ
مقعدة، لا تزال بصاحبها حتى يضع أكرمه ويرفع أفحشه.
شعر لعبد الله بن القعقاع، ولغيره، في الشرب قال عبد اللّه بن القعقاع الأسدي :
أتانا بها صفراء يزعم أنهـا |
|
زبيبٌ، فصدقناه وهو كذوب |
فهل هي إلا ليلةٌ غاب نحسها |
|
أصلي لربي بعدها وأتـوب |
قال آخر:
من ذا يحرم ماء المزن خالطه |
|
في جوف آنيةٍ ماء العناقـيد |
إني لأكره تشديد الرواة لـنـا |
|
فيها ويعجبني قول ابن مسعود |
للمؤلف
في متخير الشعر في الشراب وعيون الأخبار ومتخير الشعر في الشراب يقع في كتابي
المؤلف في الأشربة، ولذلك تركت ذكرها.
من كتاب كاتب إلى صديق له وكتب بعض الكتاب إلى صديق له في فصل: ونحن نحمد اللّه
إليك فإن عقدة الإسلام في قلوبنا صحيحةٌ، وأواخيه ثابتةٌ، ولقد اجتهد قومٌ أن
يدخلوا قلوبنا من مرض قلوبهم، وأن يلبسوا يقيننا بشكهم، فمنعتنا عصمة الله منهم،
وحال توفيقه دونهم، ولنا بعد مذهبٌ في الدعابة جميلٌ، لا يشوبه أذًى ولا قذًى،
يخرج إلى الأنس من العبوس، وإلى الاسترسال من القطوب، ويلحقنا بأحرار الناس
وأشرافهم الذين ارتفعوا عن لبسة الرياء والتصنع.
نقص صفحة 375 ولعليّ بن أبي طالب في التوسط في الأمور وقال عليّ أيضاً: خير هذه
الأمة النمط الأوسط، يرجع إليهم الغالي ويلحق بهم التالي.
لحذيفة في خيار الناس وروى وكيع عن محمد بن قيس عن عمرو بن مرة قال: قال حذيفة:
خياركم الذي يأخذون من دنياهم لآخرتهم، ومن آخرتهم لدنياهم.
وكان يقال: دين الله بين المقصر والغالي.
لمطرف يعظ ابنه بالتوسط في أمر الدين وقال المطرف لابنه: يا بني، الحسنة بين
السيئتين، يعني بين الإفراط والتقصير، وخير الأمور أوساطها، وشر السير الحقحقة.
للنبي صلى الله عليه وسلم وفي بعض الحديث المرفوع: "ليس خيركم من ترك الدنيا
للآخرة ولا الآخرة للدنيا ولكن خيركم من أخذ من هذه وهذه ".
وقال: "إن الله بعثني بالحنيفية السهلة، ولم يبعثني بالرهبانية المبتدعة،
سنتي الصلاة والنوم، والإفطار والصوم، فمن رغب عن سنتي فليس مني ".
وفي الحديث: "إن هذا الدين متينٌ فأوغل فيه برفقٍ، فإن المنبت لا أرضاً قطع
ولا ظهراً أبقى".
في طلب العلم وعامل البر وكان يقال: طالب العلم وعامل البر كآكل الطعام إن أخذ منه
قوتاً عصمه، وإن أسرف في الأخذ منه بشمه، وبما كانت فيه منيته، وكآخذ الأدوية التي
قصدها شفاءٌ، ومجاوز القدر فيها السم المميت.
ما كان يقوله ابن أبي نعم في تلبيته حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا سفيان بن
عيينة عن سالم بن أبي حفصة أن ابن أبي نعمٍ كان يهل. من السنة إلى السنة ويقول في
تلبيته: لبيك، لو كان رياء لاضمحل.
لعمر بن ميمون في ابن أبي نعم حدّثني أحمد بن الخليل قال: حدّثنا موسى بن مسعود عن
سفيان عن أبي إسحاق قال: قال عمر بن ميمون: لو أدرك أصحابنا محمد بن أبي نعمٍ
لرجموه، كان يواصل كذا وكذا يوماً ويهل بالحج إذا رجع الناس من الحج.
لسلمان الفارسي في القصد والدوام وقال سلمان: القصد والدوام وأنت السابق الجواد.
بين عيسى بن مريم ورجل متعبد وفي بعض الحديث أن عيسى بن مريم لقي رجلاً فقال: ما
تصنع? قال: أتعبد. قال: من يعود عليك? قال: أخي. قال: أخوك أعبد منك.
للحجاج بن الأسود روح بن عبادة عن الحجاج بن الأسود قال: من يدلني على رجل بكاءٍ
بالليل بسامٍ بالنهار? لمطرف يوصي وروى أبو أسامة عن حماد بن زيد عن إسحاق بن سويد
قال: قال مطرفٌ: انظروا قوماً إذا ذكروا ذكروا بالقراءة فلا تكونوا منهم، وانظروا
قوماً إذا ذكروا ذكروا بالفجور فلا تكونوا منهم، كونوا بين هؤلاء وهؤلاء.
باب التوسط في المداراة والحلم
من
كتاب الهند في معنى هذا العنوان قرأت في كتاب للهند: بعض المقاربة حزمٌ، وكل
المقاربة عجزٌ، كالخشبة المنصوبة في الشمس تمال فيزيد ظلها، ويفرط في الإمالة
فينقص الظل.
وفي أمثال العرب ومن أمثال العرب في هذا: لا تكن حلواً فتسترط ولا مراً فتلفظ.
وأبو زيد يقول: ولا مراً فتعقى. يقال: أعقى الشيء إذا اشتدت مرارته.
وقال الشاعر:
وإني لصعب الرأس غير جموح |
وقال آخر في صفة قوس:
في كفه معطيةٌ منوع |
وقال آخر:
شريانةٌ تمنع بعد اللين |
وصية أبرويز لابنه وقال أبرويز لابنه: اجعل
لاقتصادك السلطان على إفراطك، فإنك إذا قدرت الأمور على ذلك وزنتها بميزان الحكمة
وقومتها تقويم الثقاف، ولم تجعل للندامة سلطاناً على الحلم.
شعر للنابغة الجعدي وقال النابغة الجعدي:
ولا خير في حلمٍ إذا لم تكن له |
|
بوادر تحمي صفوه أن يكدرا |
وقال آخر:
ولا خير في عرض امرء لا يصونه |
|
ولا خير في حلم امرءٍ ذل جانبـه |
لأكثم بن صيفي وقال أكثم بن صيفي: الانقباض من الناس مكسبةٌ للعداوة، وإفراط الأنس مكسبةٌ لقرناء السوء.
باب التوسط في العقل والرأي
بين
معاوية وعمر بن الخطاب روي في الحديث أن زياد بن أبي سفيان كان كاتباً لأبي موسى
الأشعريّ فعزله عمر عن ذلك، فقال له زياد: أعن عجرٍ عزلتني يا أمير المؤمنين أم عن
خيانة? فقال: لا عن ذاك ولا عن هذا، ولكني كرهت أن أحمل على العامة فضل عقلك.
ويقال: إفراط العقل مضرٌ بالجد.
بين العقل والجد ومن الأمثال المبتذلة: استأذن العقل على الجد فقال: اذهب لا حاجة
بي إليك.
وقال الشاعر:
فعش في جد أنوك حالفته |
|
مقاديرٌ يساعدها الصواب |
وقال آخر:
إن المقادير إذا ساعدت |
|
ألحقت العاجز بالحازم |
وقال آخر:
أرى زمناً نوكاه أسعد أهله |
|
ولكنه يشقى به كل عاقل |
للحسن
في زياد والحجاج وقال الحسن: تشبه زيادٌ بعمر وأفرط، وتشبه الحجاج بزيادٍ فأهلك
الناس.
للحكماء في فضل الأدب وفضل الرأي وقالت الحكماء: فضل الأدب في غير دين مهلكةٌ،
وفضل الرأي إذا لم يستعمل في رضوان الله ومنفعة الناس قائدٌ إلى الذنوب، والحفظ
الزاكي الواعي لغير العلم النافع مضرٌ بالعلم الصالح، والعقل غير المورع عن الذنوب
خازن الشيطان.
بين المأمون وسوقي ضربه سلطاني تنازع اثنان: أحدهما سلطاني والآخر سوقي، فضربه
السلطاني فصاح واعمراه؛ ورفع خبره إلى المأمون فأمر بإدخاله عليه، قال: من أين
أنت? قال: من أهل فامية. قال: إن عمر ابن الخطاب كان يقول: من كان جاره نبطيا واحتاج
إلى ثمنه فليبعه، فإن كنت تطلب سيرة عمر فهذا حكمه فيكم. وأمر له بألف درهم.
باب ذم فضل الأدب والقول
لبعض
الحكماء قيل لبعض الحكماء: متى يكون الأدب شرًا من عدمه? قال: إذا كبر الأدب ونقص
العقل.
وكانوا يكرهون أن يزيد منطق الرجل على عقله.
ويقال: من لم يكن عقله أغلب خصال الخير عليه كان حتفه في أغلب خصال الخير عليه.
وقال الشاعر:
رأيت اللسان على أهـلـه |
|
إذا ساسه الجهل ليثاً مغيرا |
لسليمان
بن عبد الملك وقال سليمان بن عبد الملك: زيادة منطقٍ على عقلٍ خدعةٌ، وزيادة عقلٍ
على منطقٍ هجنةٌ، وأحسن من ذاك ما زين بعضه بعضاً.
ضرار بن عمرو ويوصي ابنته حين زوجها قال ضرار بن عمرو لابنته حين زوجها: أمسكي
عليك الفضلين: فضل الغلمة وفضل الكلام.
لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال عمر بن الخطاب رحمه الله. رحم الله أمرءاً أمسك
فضل القول وقدم فضل العمل.
المنذر بن المنذر ورجل نزل المنذر بن المنذر في كتيبةٍ موضعاً، فقال له رجل: أبيت
اللعن إن ذبح رجلٌ ها هنا، إلى أي موضع يبلغ دمه من هذه الرابية? فقال المنذر:
المذبوح والله أنت، ولأنظرن أين يبلغ دمك. فقال رجل ممن حضر: رب كلمةٍ تقول
لصاحبها، دعني لزياد وهو على المنبر قال زياد على المنبر: إن الرجل ليتكلم بالكلمة
لا يقطع بها ذنب عنز مصورٍ ولو بلغت إمامه سفكت دمه.
لأكثم بن صيفي في مقتل الرجل، ومثله للأحنف وقال أكثم بن صيفي: مقتل الرجل بين
فكيه.
وقال الأحنف: حتف الرجل مخبوءٌ تحت لسانه.
باب التوسط ني الجدة دعاء للرسول صلى الله عليه وسلم كان دعاء رسول الله صلى الله
عليه وسلم : "اللهم إني أعوذ بك من غنًى مبطرٍ ومن فقرٍ ملبٍ أو مربٍ"،
وكذلك "اللهم لا غنًى يطغي ولا فقراً ينسي ".
لأبي المعتمر السلمي في أصناف الناس وقال أبو المعتمر السلمي: الناس ثلاثة أصناف:
أغنياء وفقراء وأوساط، فالفقراء موتى إلا من أغناه الله بعز القناعة، والأغنياء
سكارى إلا من عصمه بتوقع الغير، وأكثر الخير مع أكثر الأوساط وأكثر الشر مع
الفقراء والأغنياء لسخف الفقر وبطر الغنى.
ومن أمثال العرب في هذا: بين الممخة والعجفاء.
باب الاقتصاد في الإنفاق والإعطاء
قال
اللّه عز وجل:" ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط "،
وقال عز وجل: "والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً
".
للنبي صلى الله عليه وسلم حدّثني أحمد بن الخليل عن مسلم بن إبراهيم عن سكين بن
عبد العزيز بن مسلم عن أبي الأحوص عن عبد الله قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:
"ما عال مقتصدٌ".
لأبي الدرداء في حسن التقدير في المعيشة وحدّثني أيضا عن مسلم قال: حدّثنا أبو
قدامة الحارث بن عبيد قال: حدّثنا برد بن سنان عن الزهري قال: قال أبو الدرداء:
حسن التقدير في المعيشة أفضل من نصف الكسب، ولقط حبا منثوراً وقال: إن فقه الرجل
رفقه في معيشته.
أبو الأسود ينصح ولده قال أبو الأسود لولده: لا تجاودوا الله فإنه أجود وأمجد،
وإنه لو شاء أن يوسع على الناس كلهم حتى لا يكون محتاجٌ لفعل، فلا تجهدوا أنفسكم
في التوسعة فتهلكوا هزلاً.
لمحمد بن عمران وقد نسبوه إلى البخل قيل لمحمد بن عمران قاضي المدينة - وهو من ولد
طلحة بن عبيد الله - : إنك تنسب إلى البخل. فقال: والله إني لا أجمد في الحق ولا
أذوب في الباطل.
وكان يقال: لا تصن كثيراً عن حقٍ ولا تنفق قليلاً في باطل.
ومن أمثال العرب في ذلك: لا وكس ولا شطط وإذا جد السؤال جد المنع.
وقال الشاعر:
إلا أكن كل الجـواد فـإنـنـي |
|
على الزاد في الظلماء غير لئيم |
وإلا أكن كل الشجاع فـإنـنـي |
|
أرد سنان الرمح غير سـلـيم |
وقد علمت عليّا هوازن أنـنـي |
|
فتاها وسفلى عامـرٍ وتـمـيم |
لمعاوية بن أبي سفيان قال معاوية: ما رأيت
شرفاً قط إلا وإلى جانبه حق مضيعٌ.
أفعال من أفعال السادة والأشراف لأبي عمران قاضي المدينة عن طلحة حدّثني الرياشي
قال: حدّثنا ألأصمعي قال: حدّثنا ابن عمران قاضي المدينة أن طلحة كان يقال له:
طلحة الخير، وطلحة الفياض، وطلحة الطلحات وأنه فدى عشرة من أسارى بدر وجاء يمشي
بينهم، وأنه سئل برحمٍ فقال: ما سئلت بهذه الرحم قبل اليوم، وقد بعت حائطاً لي
بتسعمائة ألف درهم وأنا فيه بالخيار، فإن شئت ارتجعته وأعطيتكه، وإن شئت أعطيتك
ثمنه.
من أفعال ضرار بن القعقاع بن معبد بن زرارة
حدّثني سهل بن محمد عن الأصمعيّ قال: أخبرني شيخ من مشيختنا، - وربما قال: هارون
الأعور - أن قتيبة بن مسلم قال: أرسلني أبي إلى ضراب بن القعقاع بن معبد بن زرارة
فقال: قل له قد كان في قومك دماء وجراح، وقد أحبوا أن تحضر المسجد فيمن يحضر. قال:
فأتيته فأبلغته فقال: يا جارية. غديني فجاءت بأرغفة خشنٍ فشردتهن في مريس ثم
برقتهن فأكل، قال قتيبة: فجعل شأنه يصغر في عيني ونفسي، ثم مسح يده وقال: الحمد
لله، حنطة الأهواز وتمر الفرات وزيت الشأم. ثم أخذ نعليه وارتدى، ثم انطلق معي
وأتى المسجد الجامع فصلى ركعتين ثم احتبى، فما رأته حلقة إلا تقوضت إليه، فاجتمع
الطالبون والمطلوبون فأكثروا الكلام، فقال: إلى ماذا صار أمرهم? قالوا: إلى كذا
وكذا من إبل. قال: هي عليّ. ثم قام.
لمعد يكرب بن أبرهة وعبد العزيز بن مروان الهيثم عن ابن عباس قال: كان معد يكرب بن
أبرهة جالساً مع عبد العزيز بن مروان على سريره فأتي بفتيانٍ قد شربوا الخمر،
فقال: يا أعداء الله، أتشربون الخمر! فقال معديكرب: أنشدك الله أن تفضح هؤلاء.
فقال: إن ألحق في هؤلاء وفي غيرهم واحد. فقال معد يكرب: يا غلام صب من شرابهم في
القدح. فصب له فشربه وقال: واللّه ما شرابنا في منازلنا إلا هذا. فقال عبد العزيز:
خلوا عنهم. فقيل له حين انصرفوا: شربت الخمر! فقال: أما والله إن اللّه ليعلم أني
لم أشربها قط في سر ولا علانية، ولكني كرهت أن يفضح مثل هؤلاء بمحضري . الحسن بن
سهل وشاع مدحه وحكمه في الصلة وحدّثني شيخ لنا قال: مدح شاعر الحسن بن سهل، فقال
له: احتكم، وظن أن همته قصيرةٌ، فقال: ألف ناقة، فوجم الحسن ولم يمكنه، وكره أن
يفتضح وقال: يا هذا إن بلادنا ليست بلاد إبل، ولكن ما قال امرؤ القيس :
إذا ما لم يكن إبلٌ فمعزى |
|
كأن قرون جلتها العصي |
قد أمرت لك بألف شاة، فالق يحيى بن خاقان.
فأعطاه بكل شاة ديناراً.
لأبي دلف قال: وقدم زائر على أبي دلفٍ فأمر له بألف دينار وكسوةٍ ثم قال: - ويقال
إن الشعر لعبد اللّه بن طاهر - :
أعجلتنا فأتاك عاجل بـرنـا |
|
قلاً ولو أمهلتنا لم يقـلـل |
فخذ القليل وكن كأنك لم تقل |
|
شيئاً، ونحن كأننا لم نفعـل |
لبعض الشعراء في الجود وقال بعض الشعراء:
ليس جود الفتيان من فضل مالٍ |
|
إنما الجود للمقل المـواسـي |
وقال دعبل في نحوه:
لئن كنت لا تـولـي يداً دون إمـرة |
|
فلست بمولٍ نـائلاً آخـر الـدهـر |
فأي إناءٍ لم يفـض عـنـد مـلـئه! |
|
وأي بخيلٍ لم ينل سـاعة الـوفـر! |
وليس الفتى المعطي على اليسر وحده |
|
ولكنه المعطي على العسر واليسـر |
بين عبد الله وعبيد الله ابنا العباس
وسخاء عبيد الله ابن الكلبي قال: أخبرني غير واحد من قريش قالوا: أراد عبد اللّه
وعبيد اللّه ابنا العباس أن يقتسما ميراثهما من أبيهما بمكة، فدعي القاسم ليقسم،
فلما مد الحبل قال له عبد الله: أقم المطمر، يعني الحبل الذي يمد. فقال له عبيد
الله: يا أخي، الدار دارك لا يمد واللّه فيها اليوم مطمرٌ.
وكان يقال: من أراد العلم والسخاء والجمال فليأت دار العباس، كان عبد الله أعلم
الناس، وعبيد الله أسخى الناس، والفضل أجمل الناس.
لعبد الله بن عتبة باع عبد الله بن عتبة أرضا بثمانين ألفاً، فقيل له: لو اتخذت
لولدك من هذا المال ذخراً! فقال: أنا أجعل هذا المال ذخراً لي عند الله، وأجعل
الله ذخراً لولدي. وقسم المال.
في أول سؤدد خالد بن عبد الله القسري ويقال: إن أول ما عرف به سؤدد خالد بن عبد
اللّه القسري أنه مر في بعض طرق دمشق وهو غلام فأوطأ فرسه صبياً فوقف عليه، فلما
رآه لا يتحرك أمر غلامه فحمله، ثم انتهى به إلى أول مجلس مر به فقال: إن حدّث بهذا
الغلام حدّث الموت فأنا صاحبه، أوطأته فرسي ولم أعلم.
بين عدي بن حاتم وابن له قال عدي بن حاتم لابنٍ له حدّثٍ: قم بالباب فامنع من لا
تعرف وأذن لمن تعرف. فقال: لا واللّه، لا يكون أول شيءٍ وليته من أمر الدنيا منع
قومٍ من الطعام.
لبني زياد العبسيين وضيف لهم
حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: ضاف بني زيا دٍ العبسيين ضيفٌ، فلم يشعروا إلا
وقد احتضن أمهم من خلفها، فرفع ذلك إلى ربيع بن زياد الكامل فقال: لا يضار الليلة
عائذ أمي، إنه عاذ بحقويها .
بين عمر بن الخطاب وجرير بن عبد الله المدائني قال: أحدّث رجلٌ في الصلاة خلف عمر
بن الخطاب، فلما سلم عمر قال: أعزم على صاحب الضرطة إلا قام فتوضأ وصلى فلم يقم
أحدٌ، فقال جرير بن عبد الله: يا أمير المؤمنين اعزم على نفسك وعليّنا أن نتوضأ ثم
نعيد الصلاة، فأما نحن فتصير لنا نافلةً، وأما صاحبنا فيقضي صلاته. فقال عمر: رحمك
اللّه، إن كنت لشريفاً في الجاهلية فقيهاً في الإسلام.
عبد الله بن جدعان التيمي حين كبر، وشعر لقيس الرقيات فيه كان عبد اللّه بن جدعان
التيمي حين كبر أخذ بنو تيم عليه ومنعوه أن يعطي شيئاً من ماله، فكان الرجل إذا
أتاه يطلب منه قال: ادن مني. فإذا دنا منه لطمه ثم قال: اذهب فاطلب بلطمتك أو
ترضى، فترضيه بنو تيم من ماله.
وفيه يقول ابن قيس الرقيات - حين فخر بسادة قريش - :
والذي إن أشار نحوك لطماً |
|
تبع اللطم نائلٌ وعـطـاء |
شعر لابن جدعان وابن جدعان هو القائل:
إني وإن لم ينل مالي مدى خلقي |
|
وهاب ما ملكت كفي من المال |
لا أحبس المال إلا ريث أتلفـه |
|
ولا تغيرني حالٌ عن الـحـال |
لمشايخ طيء عن عنبة بنت عفيف، وشعر لهم الهيثم عن حماد الراوية عن مشايخ طيء قالوا: كانت عنبة بنت عفيفٍ أم حاتم لا تليق شيئاً سخاءً وجوداً، فمنعها إخوتها من ذلك فأبت، وكانت موسرةً فحبسوها في بيتٍ سنةً يطعمونها قوتها رجاء أن تكف، ثم أخرجوها بعد سنةٍ وظنوا أنها قد أقصرت ودفعوا إليها صرمةً، فأتتها امرأة من هوازن فسألتها فأعطتها الصرمة وقالت: واللّه لقد مسني من الجوع ما آليت معه ألا أمنع سائلاً شيئاً، وقالت :
لعمري لقدماً عضني الجوع عضةً |
|
فأليت آلا أمنع الدهـر جـائعـا |
فقولا لهذا اللائمي الآن أعفـنـي |
|
فإن أنت لم تفعل فعض الأصابعا |
فماذا عساكم أن تقولوا لأخـتـكـم |
|
سوى عذلكم أو عذل من كان مانعا |
ولا ما ترون الدهـر إلا طـبـيعةً |
|
فكيف بتركي يا بن أم الطبـائعـا |
لرجالات طيء في حاتم ابن الكلبي عن أبيه
عن رجالات طيء قالوا: كان حاتم جواداً شاعراً، وكان حيثما نزل عرف منزله، وكان
ظفراً إذا قاتل غلب، وإذا غنم أنهب، وإذا سئل وهب، وإذا ضرب بالقداح سبق، وإذا أسر
أطلق، وكان أقسم بالله: لا يقتل واحد أمه.
لعبيد الله بن زياد أبو اليقظان قال: أخذ عبيد اللّه بن زياد عروة بن أذينة أخا
أبي بلال فقطع يديه ورجليه وصلبه على باب داره، فقال لأهله: انظروا هؤلاء الموكلين
بي فأحسنوا إليهم فإنهم أضيافكم.
لسعيد بن العاص سفيان بن عيينة قال: كان سعيد بن العاص إذا أتاه سائلٌ فلم يك عنده
ما سأل قال: اكتب عليّ بمسألتك سجلاً إلى أيام يسري.
بين مالك بن أسماء وأعرابي باعه ناقة له باع أعرابي ناقةً له من مالك بن أسماء،
فلما صار الثمن في يده نظر إليهم فذرفت عيناه، ثم قال :
وقد تنزع الحاجات يا أم معمرٍ |
|
كرائم من ربٍ بهن ضنـين |
فقال له مالك: خذ ناقتك وقد سوغتك الثمن.
جود عبيد الله بن أبي بكرة اشترى عبيد اللّه بن أبي بكرة جاريةً نفيسةً فطلبت
دابةٌ تحمل عليها فلم توجد، فجاء رجل بدابةٍ فحملها، فقال له عبيد اللّه: اذهب
بالجارية إلى منزلك.
باع ثابت بن عبيد اللّه بن أبي بكرة دار الصفاق من مقاتل بن مسمع نسيئةً ثم اقتضاه
فلزمه في دار أبيه، فرآه عبيد الله فقال: ما لك? قال: حبسني ابنك. قال. بم? قال:
بثمن دار الصفاق. قال: يا ثابت أما وجدت لغرمائك محبساً إلا داري، إدفع إليه صكه
وأعوضك.
في سكن الأطراف قيل لرجل: ما لك تنزل في الأطراف? فقال: منازلٌ الأشراف في الأطراف
يتناولون ما يريدون بالقدرة ويتناولهم من يريدهم بالحاجة.
لعدي بن حاتم لما شاخ وكبر ثم بينه وبين ابن دارة الشاعر لما كبر عدي بن حاتم آذاه
برد الأرض وكان رجلاً لحيماً فنهشت الأرض فخذيه فجمع
قومه فقال: يا بني ثعل، إني لست بخيركم إلا أن تروا ذلك فقد كان أبي بمكانٍ لم يكن
به أحدٌ من قومه، بنى لكم الشرف ونفى عنكم العار فأصبح الطائي إذا فعل خيراً قال
العرب: من حي لا يحمدون على الجود ولا يعذرون على البخل، وقد بلغت من السن ما ترون
وآذاني برد الأرض فأذنوا لي في وطاءٍ فوالله ما أريده فخراً عليكم ولا احتقاراً
لكم، وسأخبركم: ما على من وضع طنفسةً وقعد حوله إلا أن الحق عليه أن يذل في عرضه
وينخدع في ماله ولا يحسد شريفاً ولا يحقر وضيعاً. فقال القوم: دعنا اليوم. ثم غدوا
عليه فقالوا. يا أبا طريف ضع الطنفسة والبس التاج. فبلغ ابن دارة الشاعر فأتاه
وقال: قد مدحتك. فقال: أمسك عليك حتى أنبئك بمالي فتمدحني على حسبه، لي ألف ضائنةٍ
وألفا درهم وثلاثة أعبدٍ، وفرسي حبيسٌ في سبيل الله، هات الآن فقال:
تحن قلوصي في معـدٍ وإنـمـا |
|
تلاقي الربيع في ديار بني ثعـل |
وأبقى الليالي من عدي بن حاتـم |
|
حساماً كلون الملح سل من الخلل |
أبوك جوادٌ مـا يشـق غـبـاره |
|
وأن تفعلوا خيراً فمثلكم فـعـل |
فقال: أمسك عليك، لا يبلغ مالي أكثر من
هذا. وشاطره ماله.
من كرم معن وجوده جاء رجل إلى معنٍ فاستحمله عيراً فقال معنٌ: يا غلام أعطه عيراً
وبغلاً وبرذوناً وفرساً وبعيراً وجاريةً، ولو عرفت مركوباً غير هذا لأعطيتكه.
وكان يقال: حدّث عن البحر ولا حرج وعن بني إسرائيل ولا حرج وعن معنٍ ولا حرج.
الحكم بن عوانة ورجل من كلب قال رجلٍ من كلب للحكم بن عوانة وهو على السند: إنما
أنت عبدٌ. فقال الحكم: والله لأعطينك عطيةً لا يعطيها العبد. فأعطاه مائة رأس من
السبي.
لكسرى ورجل من أصحابه سرق جاماً ذهبية له وقرأت في بعض كتب العجم أن جامات كسرى.
التي كان يأكل فيها كانت من ذهب، فسرق رجلٌ من أصحابه جاماً وكسرى ينظر إليه، فلما
رفعت الموائد افتقد الطباخ الجام فرجع يطلبها، فقال له كسرى: لا تتعن فقد أخذها من
لا يردها ورآه من لا يفشي عليه. ثم دخل عليه الرجل بعد ذلك وقد حلى سيفه ومنطقته
ذهباً، فقال له كسرى بالفارسية: يا فلان هذا، يعني السيف، من ذاك? قال: نعم وهذا،
وأشار إلى منطقته.
جود خالد بن برمك لأخوته قالوا: لم يكن لخالد بن برمك أخٌ إلا بنى له داراً على
قدر كفايته ووقف على أولاد الإخوان ما يعيشهم أبدا ولم يكن لإخوانه ولدٌ إلا من جاريةٍ
هو وهبها له.
لابن المقفع وجار له ركبه دين فأراد بيع داره بلغ ابن المقفع أن جاراً له يبيع
داراً له لدينٍ ركبه وكان يجلس في ظل داره، فقال: ما قمت إذاً بحرمة ظل داره إن
باعها معدماً وبت واجداً، فحمل إليه ثمن الدار وقال: لا تبع. لنهيك بن مالك بن
معاوية قال أبو اليقظان: باع نهيك بن مالك بن معاوية إبله وانطلق بثمنها إلى منًى
فجعل ينهبه، والناس يقولون: مجنونٌ. فقال: لست بمجنونٍ ولكني سمحٌ أنهبكم مالي إذا
عز الفتح.
بين عبد الله بن جعفر وقهرمانه قال: وأتى عبد اللّه بن جعفر قهرمانه بحسابه فكان
في أوله حبلٌ بخمسين درهماً، فقال عبد اللّه. لقد غلت الحبال. فقال القهرمان: إنه
أبرق. فقال عبد الله: إن كان أبرق فأنا أجيزه. فهو الآن مثل مضروب بالمدينة.
ما كان يقوله أبو سفيان لجار إذا نزل به كان أبو سفيان إذا نزل به جار قال له: يا
هذا، إنك قد اخترتني جاراً فجناية يدك عليّ دونك، وإن جنت عليك يدٌ فاحتكم علي حكم
الصبي على أهله.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء - يثني على قوم بحسن الجوار - :
هم خلطوني بالنفوس ودافعـوا |
|
ورائي بركن ذي مناكب مدفع |
وقالوا تعلم أن مالك إن يصب |
|
يعدك وإن تحبس يدك ويشفع |
حديث الكرام الحارث بن هشام وعكرمة بن أي
جمل وعياش بن أبي ربيعة وروى عبد اللّه بن بكر السهمي عن حاتم بن أبي صغيرة عن
حبيب بن أبي ثابت أن الحارث بن هشام وعكرمة بن أبي جهل وعياش بن أبي ربيعة خرجوا
يوم اليرموك حتى آنبتوا، فدعا الحارث بن هشام بماء ليشربه، فنظر إليه عكرمة فقال:
ادفعه إلى عكرمة، فنظر إليه عياشٌ فقال عكرمة: ادفعه إلى عياش. فما وصل إلى عيا شٍ
حتى مات ولا عاد إليهم حتى ماتوا، فسمي هذا حديث الكرام.
تعليّق المؤلف على الحديث
وهذا الحديث عندي موضوع لأن أهل السيرة يذكرون أن عكرمة قتل بوم أجنادين وعياشٌ
مات بمكة، والحارث مات بالشأم في طاعون عمواس لرجل أعطى امرأ ةً سألته مالاً
كثيراً أعطى رجلٌ امرأةً سألته مالاً عظيماً، فلاموه وقالوا: إنها لا تعرفك وإنما
كان يرضيها اليسير. فقال: إن كانت ترضى باليسير فإني لا أرضى إلا بالكثير وإن كانت
لا تعرفني فأنا أعرف نفسي.
قال بعض الشعراء:
وما خير مالٍ لا يقي الذم ربـه |
|
ونفس امرءٍ في حقها لا يهينها |
لعبد الله بن معاوية في كرم النفس وقال عبد الله بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر:
أرى نفسي تتوق إلى أمورٍ |
|
ويقصر دون مبلغهن حالي |
فنفسي لا تطاوعني ببخـلٍ |
|
ومالي لا يبلغني فعـالـي |
وقال أيضاً:
ولا أقول نعم يوماً فأتبـعـهـا |
|
منعاً ولو ذهبت بالمال والولـد |
ولا اؤتمنت على سرٍ فبحت بـه |
|
ولا مددت إلى غير الجميل يدي |
لكعب بن سعد الغنوي، ولزهير وقال كعب بن سعد الغنوي:
وذي ند بٍ دامي الأظل قسمته |
|
محافظةً بيني وبين زمـيلـي |
وزادٍ رفعت الكف عنه تجملاً |
|
لاؤثر في زادي علي أكيلـي |
وما أنا للشيء الذي ليس نافعي |
|
ويغضب منه صاحبي بقـول |
وقال زهير:
وأبـيض فـياضٍ يداه غـمـامةٌ |
|
على معتفيه ما تغب نـوافـلـه |
غدوت عليه غـدوةً فـوجـدتـه |
|
قعوداً لديه بالصـريم عـواذلـه |
فأعرضن منه عن كـريم مـرزأ |
|
جموعٍ على الأمر الذي هو فاعله |
أخي ثقةٍ لا تذهب الخمر مـالـه |
|
ولكنه قد يذهب المـال نـائلـه |
تراه إذا ما جئتـه مـتـهـلـلاً |
|
كأنك تعطيه الذي أنت سـائلـه |
بين فيروز بن حصين وصاحب السوط المدائني
قال: أضل فيروز بن حصين سوطه يوماً، فأعطاه رجلٌ سوطاً فأمر له بألف درهم، ثم أتاه
بعد حول فقال: من أنت? قال: صاحب السوط. فأمر له بألف دهم، ثم أتاه بعد حول فقال:
من أنت? قال: صاحب السوط. قال: أعطوه ألف درهم ومائة سوطٍ. فانقطع عنه.
لشاعر يمدح نبي شيبان قال الشاعر:
!ني حمدت بني شيبان إذ خمدت |
|
نيران قومي فشبت فيهم النار |
ومن تكرمهم في المحل أنهـم |
|
لا يحسب الجار فيهم أنه جار |
ولآخر في أل المهلب وقال آخر.
نزلت على آل المهلب شـاتـياً |
|
بعيداً قصي الدار في زمنٍ محل |
فما زال بي إلطافهم وافتقادهـم |
|
وإكرامهم حتى حسبتهم أهلـي |
وقال آخر:
!ذا كان لي شيئان يا أم مالكٍ |
|
فإن لجاري منهما ما تخيرا |
شعر لعمرو بن الأهتم وقال عمرو بن الأهتم:
ذريني فإن الـشـح يا أم هـيثـمٍ |
|
لصالح أخلاق الرجـال سـروق |
ذريني وحطي في هواي فإنـنـي |
|
على الحسب العالي الرفيع شفيق |
ومستمنحٍ بعد الهـدوء دعـوتـه |
|
وقد كان من ساري الشتاء طروق |
فقلت له أهلاً وسهلاً ومرحـبـاً |
|
فهذا مبـيتٌ صـالـحٌ وصـديق |
أضفت فلم أفحش عليه ولم أقـل |
|
لأحرمه إن الفـنـاء مـضـيق |
لعمرك ما ضاقت بلادٌ بأهلـهـا |
|
ولكن أخلاق الرجـال تـضـيق |
كان يقال: للعباس بن عبد المطلب ثوبٌ
لعاري بني هاشم، وجفنةٌ لجاره، ومقطرةٌ لجاهلهم.
شعر لبكر بن النطاح في مدح جواد قال بكر بن النطاح:
ولو خذلت أمواله جـود كـفـه |
|
لقاسم من يرجوه بعض حياتـه |
ولو لم يجد في العمر قسماً لزائرٍ |
|
لجاد له بالشط رمن حسنـاتـه |
الفرزدق يمدح المهالبة وقال الفرزدق:
إن المهالبة الكرام تحـمـلـوا |
|
دفع المكاره عن ذوي المكروه |
زانوا قديمهم بحسن حديثـهـم |
|
وكريم أخلاقٍ بحسـن وجـوه |
كان يقال: الشرف في السرف.
ولعامر بن الطفيل قال عامر بن الظفيل:
إذا نزلت بالناس يوماً ملمةٌ |
|
تسوق من الأيام داهيةً إدا |
|
||
دلفنا لها حتى نقوم ميلـهـا |
|
ولم نهد عنها بالأسنة أوتهدا |
|
||
وكم مظهـرٍ بـغـضـاءنـا ود أنـه |
|
إذا ما التقينا كان أخفى الـذي أبـدى |
|||
مطاعيم في اللأواء مطاعين في الوغى |
|
شمائلنا تنكـي وأيمـانـنـا تـنـدى |
|||
شعر لحاتم الطائي، ومثله لجابر بن حيان وقال حاتم طيء:
أكف يدي من أن تنال أكفـهـم |
|
إذا ما مددناها وحاجتنـا مـعـا |
وإني لأستحيي رفيقـي أن يرى |
|
مكان يدي من جانب الزاد أقرعا |
وقال جابر بن حبان:
فإن يقتسم مالي بني ونـسـوتـي |
|
فلن يقسموا خلقي الكريم ولا فعليّ |
وما وجد الأضياف فيما ينوبـهـم |
|
لهم عند علات النفوس أباً مثلـي |
أهين لهم مالي وأعـلـم أنـنـي |
|
سأورثه الأحياء سيرة من قبـلـي |
بين سعيد بن عمرو ويزيد بن المهلب في سجنه، وشعر لعدي بن الرقاع يمدح يزيداً كان سعيد بن عمرو مؤاخياً ليزيد بن المهلب، فلما حبس عمر بن عبد العزيز يزيد ومنع من الدخول عليه، أتاه سعيدٌ فقال: يا أمير المؤمنين، لي على يزيد خمسون ألف درهم وقد حلت بيني وبينه، فإن رأيت أن تأذن لي فأقتضيه؛ فأذن له فدخل عليه فسر به يزيد، وقال: كيف وصلت إلي? فأخبره، فقال يزيد: والله لا تخرج إلا وهي معك. فامتنع سعيدٌ فحلف يزيد ليقبضنها، فقال عدي بن الرقاع:
لم أر محبوساً من الناس واحداً |
|
حبا زائراً في السجن غير يزد |
سعيد بن عمرو إذ أتاه أجـازه |
|
بخمسين ألفا عجلت لسـعـيد |
وقال بعض الشعراء:
وإني لحلالٌ بي الحق، أتقي |
|
إذا نزل الأضياف أن أتجهما |
إذا لم تذد ألبانها عن لحومها |
|
حلبنا لهم منهم بأسيافنا دمـا |
شعر في عدوى الجود دخل شاعر على المهدي فامتدحه، فأمر له بمال فلما قبضه فرقه على من حضر وقال:
لمست بكفي كفه أبتغي الغـنـى |
|
وماخلت أن الجود من كفه يعدي |
فلا أنا منه ما أفاد ذوو الغـنـى |
|
أفدت وأعداني فبددت ما عنـدي |
لأبي العيناء عن صديق لهم يهودي بالبصرة أخبرني أبو الحسن عليّ بن هارون الهاشمي قال: أخبرني وكيع قال: حدّثني أبو العيناء قال: كان بالبصرة لنا صديقٌ يهودي وكان ذا مالٍ وقد تأدب وقال الشعر وعرف شيئاً من العلوم وكان له ولدٌ ذكورٌ، فلما حضرته الوفاة جمع ماله وفرقه على أهل العلم والأدب ولم يترك لولده ميراثاً، فعوتب على ذلك فقال:
أريت مالي أبر من ولـدي |
|
فاليوم لا نحلةٌ ولا صدقـه |
من كان منهم لها فأبعده الل |
|
ه ومن كان صالحاً رزقه |
وحدّثني
الأخفش بهذا الخبر عن المبرد عن الرياشي، والله أعلم.
تم الجزء الثالث، وبه ينتهي المجلد الأول ويتلوه في أول المجد الثاني الجزء الرابع
وبه كتاب الطبائع
كتاب الطبائع والأخلاق المذمومة
تشابه الناس في الطبائع وذمهم
لعمر
بن الخطاب رضي الله عنه في تشابه الناس بآبائهم حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا
يحيى بن هاشم الغساني عن إسماعيل بن أبي خالد عن مصعب بن سعد قال: قال عمر بن
الخطاب رضي اللّه عنه: الناس بأزمانهم أشبه منهم بآبائهم.
ولأبي الدرداء قال: وحدّثني حسين بن الحسن المروزي قال: حدّثنا عبد اللّه بن
المبارك عن سفيان قال: قال أبو الدرداء: وجدت الناس أخبر تقله.
عمر بن الخطاب وقد مر بقوم يتبعون رجلاً متهماً قال: حدّثني محمد بن عبيد قال:
حدّثنا شريح بن النعمان عن المعافى بن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بقوم
يتبعون رجلاً قد أخذ في ريبةٍ فقال: لا مرحباً بهذه الوجوه التي لا ترى إلا في
الشر.
للنبي صلى الله عليه وسلم في طبائع الناس وأخلاقهم قال: وحدّثني محمد بن داود قال:
حدّثنا الصلت بن مسعود قال: حدّثنا عصام بن عليّ عن الأعمش عن أبى إسحاق عن عبيد ة
أن الوليد السوائي قال: لغط قومٌ عند رسول صلى الله عليه وسلم، فقيل: يا رسول الله
لو نهيتهم! فقال: "لو نهيتهم أن يأتوا الحجون لأتاه بعضهم ولو لم تكن له
حاجةٌ".
لمطرف وغيره في اختلاف الناس قال: وحدّثنا عن عفان عن مهدي بن ميمون عن غيلان بن
جرير قال: قال مطرف: هم الناس وهم النسناس وناسٌ غمسوا في ماء الناس.
قال يونس بن عبيد: لو أمرنا بالجزع لصبرنا.
وكان يقال: لو نهي الناس عن فت البعر لفتوه، وقالوا: ما نهينا عنه إلا وفيه شيءٌ.
لشاعر في بني جوين وقال الشاعر:
ولما أن أتيت بنـي جـوينٍ |
|
جلوساً ليس بينهم جلـيس |
يئست من التي أقبلت أبغي |
|
لديهم، أنني رجـلٌ يؤوس |
إذا مـا قـلـت أيهـم لأي |
|
تشابهت المناكب والرؤوس |
ويقال: لا يزال الناس بخير ما تباينوا
فإذا تساووا هلكوا.
لبعض شعراء في اختلاف الناس وقال آخر:
الناس أسواءٌ وشتى في الشيم |
|
وكلهم يجمعهم بـيت الأدم |
وقال آخر - يذكر قوماً - :
سواءٌ كأسنان الحمـار ولا تـرى |
|
لذي شيبةٍ منهم على ناشيءٍ فضلاً |
وقال آخر:
سواسيةٌ كأسنان الحمار |
وكان يقال: المرء تواقٌ إلى ما لم ينل
والعجم تقول: كل عزٍ دخل تحت القدرة فهو ذليل.
وقالوا: كل مقدورٍ عليه مملولٌ محقورٌ.
وقال الشاعر:
وزاده كلفاً بالحب أن منـعـت |
|
أحب شيءٍ إلى الإنسان ما منعا |
وقال آخر:
ترى الناس أسواء إذا جلسوا مـعـاً |
|
وفي الناس زيف مثل زيفٌ الدراهم |
ويقال: الناس سيلٌ وأسراب طيرٍ يتبع بعضهم
بعضاً.
لطرفة بن العبد وغيره وقال طرفة:
كل خليلٍ كنت خاللتـه |
|
لا ترك اللّه له واضحه |
كلهم أروغ من ثعلـبٍ |
|
ما أشبه الليلة بالبارحه |
وقال آخر:
فإنك لا يضرك بعد حـولٍ |
|
أظبيٌ كان أمك أم حمـار |
فقد لحق الأسافل بالأعالـي |
|
وماج اللؤم واختلط النجار |
وعاد العبد مثل أبي قبـيسٍ |
|
وسيق مع المعلهجة العشار |
يقول: سيقت الإبل الحوامل في مهر اللئيمة.
للحسن قال أبو محمد: بلغني عن إسماعيل بن محمد بن جحادة عن أبيه، قال: كنت عند
الحسن فقال: أسمع حسيساً ولا أرى أنيساً، صبيانٌ حيارى ما لهم تفاقدوا عقولهم
وفراش نار وذبان طمع.
للأصمعي، وابن الجهم وقال أبو حاتم عن الأصمعيّ: لو قسمت في الناس مائة ألف درهم
كان أكثر للائمتي من لو أخذتها منهم.
ونحوه قول محمد بن الجهم: منع الجميع أرضى للجميع.
شعر لابن بشير، وغيره وقال ابن بشير:
سوءةً للناس كـلـهـم |
|
أنا في هذا من أولهم |
لست تدري حين تنسبهم |
|
أين أدناهم من أفضلهم |
وقال نهار بن توسعة:
عتبت على سلم فلما فقـدتـه |
|
وجربت أقواماً بكيت على سلم |
وهذا مثل قولهم: ما بكيت من زمان إلا بكيت
عليه.
وقال الأحنف بن قيس :
وما مر يومٌ أرتجي فيه راحةً |
|
فأخبره إلا بكيت على أمس |
وقال آخر: وفسره بأنه قطعة من الجبل
طولاً، وقيل الجبل العظيم. وأبو قبيس جبل بمكة، والمراد به الرجل الشريف كما يراد
بالفند الرجل الوضيع.
المعلهجة: المرأة اللئيمة الأصل الفاسدة النسب. ورواه سيبويه في كتابه عن خداش بن
زهير وصار مع المعلهجة العشار.
ونعتب أحياناً عليه ولو مضـى |
|
لكنا على الباقي من الناس أعتبا |
وقال آخر:
سبكناه ونحسبـه لـجـينـاً |
|
فأبدى الكبر عن خبث الحديد |
لأبي الزناد قال: وحدّثني أبو حاتم، قال: حدّثني الأصمعيّ عن ابن أبي الزناد عن أبيه قال: لا يزال في الناس بقيةٌ ما تعجب من العجب.
رجوع المتخلق إلى طبعه
لأعرابي ربى جرو ذئب ورجع إلى طبعه بلغني أن أعرابياً ربى جرو ذئب حتى شب وظن أنه يكون أغنى عنه من الكلب وأقوى على الذب عن الماشية فلما قوي وثب على شاةٍ فقتلها وأكل منها فقال الأعرابي:
أكلت شويهتي وربيت فينا |
|
فما أدراك أن أباك ذيب |
ويروى: ولدت بقفرةٍ ونشأت عندي
إذا كان الطباع طباع سوءٍ |
|
فليس بنافعٍ أدب الأديب |
للخريمي في غلبة الطبع وقال الخريمي:
يلام أبو الفضل في جـوده |
|
وهل يملك البحر ألا يفيضا |
مثله لأبي الأسد، ولكثير وقال أبو الأسد:
ولائمةٍ لامتك يا فيض فـي الـنـدى |
|
فقلت لها هل يقدح اللوم في البحـر |
|||
أرادت لتثني الفيض عن عادة النـدى |
|
ومن ذا الذي يثني السحاب عن القطر |
|||
موقع جود الفيض في كل بلـدةٍ |
|
مواقع ماء المزن في البلد القفر |
|
||
وقال كثير:
ومن يبتدع ما ليس من سوس نفسه |
|
يدعه ويغلبه على النفس خيمهـا |
لزهير بن أبي سلمى، وغيره وقال زهير:
ومهما تكن عند امرءٍ من خلـيقةٍ |
|
وإن خالها تخفى على الناس تعلم |
وأنشدني ابن الأعرابي لذي الإصبع العدواني:
كل امرء راجعٌ يوماً لشيمته |
|
وإن تخلق أخلاقاً إلى حين |
وقال آخر:
ارجع إلى خلقك المعروف ديدنه |
|
إن التخلق يأبى دونه الخـلـق |
لكثير في التطبع وترك الأهواء وقال كثير في خلاف هذا:
وفي الحلم والإسلام للمرء وازعٌ |
|
وفي ترك أهواء الفؤاد المتـيم |
بصائر رشدٍ للفتى مسـتـبـينةٌ |
|
وأخلاق صد قٍ علمها بالتعلـم |
مثله للمتلمس، وللطائي ونحوه للمتلمس:
تجاوز عن الأدنين واستبق ودهم |
|
ولن تستطيع الحلم حتى تحلما |
وقال الطائي:
لبس الشجاعة إنها كانت لـه |
|
قدماً نشوعاً في الصبا ولدودا |
بأسا قبيلـيًا وبـأس تـكـرمٍ |
|
فينا وبأس قريحةٍ مـولـودا |
أبو جعفر الشطرنجي يصف جارية سوداء وقال أبو جعفر الشطرنجي مولى المهدي في سوداء:
أشبهك المسك وأشبهته |
|
قائمةً في لونه قاعده |
لا شك إذ لونكما واحدٌ |
|
أنكما من طينةٍ واحده |
لأبي نواس، وللرياشي وقال أبو نواس:
تلقى الندى في غير عرضاً |
|
وتراه فيه طبيعةً أصـلا |
وإذا قرنت بعاقـلٍ أمـلاً |
|
كانت نتيجة قوله فـعـل |
وأنشدنا الرياشي:
لا تصحبن امرءًا على حسب |
|
إني رأيت الأحساب قد دخلت |
مالك مـن أن يقـال إن لـه |
|
أباً كريماً في أمةٍ سلـفـت |
بل اصحبنه على طـبـائعـه |
|
فكل نفسٍ تجري كماطبعـت |
للعباس بن مرداس في غلبة الطبع وقال العباس بن مرداس:
إنك لم تك كابن الـشـريد |
|
ولكن أبوك أبـو سـالـم |
حملت المئين وأثقـالـهـا |
|
على أذني قـنـقـذٍ رازم |
وأشبهت جدك شر الجـدو |
|
د والعرق يسري إلى النائم |
مثله لبعض العبديين وقال بعض العبديين:
وما يستوي المرءان هذا ابن حرةٍ |
|
وهذا ابن أخرى ظهرها مشترك |
وأدركه خالاتـه فـخـذلـنـه |
|
ألا إن عرق السوء لا بـد يدرك |
باب الشيء يفرط فينتقل إلى غير طبعه
من
كتاب الهند في معنى العنوان قرأت في كتاب للهند: لا ينبغي اللجاج في إسقاط ذي الهمة
والرأي وإذالته فإنه إما شرس الطبع كالحية إن وطئت فلم تلسع لم يغتر بها فيعاد
لوطئها، وإما سجح الطبع كالصندل البارد إن أفرط في حكه عاد حاراً مؤذياً.
وقال أبو نواس:
قل لزهـير إذا حـدا وشـدا |
|
أقلل وأكثر فأنـت مـهـذار |
سخنت من شدة الـبـرودة ح |
|
تى صرت عندي كأنك النار |
لا يعجب السامعون من صفتي |
|
كذلك الثـلـج بـاردٌ حـار |
ويقال: إنما ملح القرد عند الناس لإفراط
قبحه.
وللطائي قال الطائي:
أخرجتموه بكرهٍ من سـجـيتـه |
|
والنار قد تنتضى من ناضر السلم |
أمن عمًى نزل الناس الربى فنجوا |
|
وأنتم نصب سيل الفتنة الـعـرم |
أم ذاك من هممٍ جاشت فكم ضعةٍ |
|
حدا إليها غلو القوم في الهـمـم |
وكان يقال: من التوقي ترك الإفراط في التوقي.
باب الحسد
للنبي
صلى الله عليه وسلم قال: حدّثنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا عبد الرزاق عن معمر
عن إسماعيل بن أمية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثةٌ لا يسلم
منهن أحدٌ الطيرة والظن والحسد" قيل: فما المخرج منهن يا رسول اللّه? قال:
"إذا تطيرت فلا ترجع، وإذا ظننت فلا تحقق، وإذا حسدت فلا تبغ ".
لبكر بن عبد الله وقال بكر بن عبد الله: حصتك من الباغي حسن المكاشرة، وذنبك إلى
الحاسد دوام النعم من اللّه عليك.
ولروح بن زنباعٍ وقال روح بن زنباعٍ الجذامي: كنت أرى قوماً دوني في المنزلة عند
السلطان يدخلون مداخل لا أدخلها فلما أذهبت عني الحسد دخلت حيث دخلوا.
شعر لابن حمام وقال ابن حمام:
تمنى لي الموت المعجل خـالـدٌ |
|
ولا خير فيمن ليس يعرف حاسده |
وللطائي وقال الطائي:
وإذا أراد اللـه نـشـر فـضـيلةٍ |
|
طويت أتاح لها لسـان حـسـود |
لولا اشتعال النارفيمـا جـاورت |
|
ما كان يعرف طيب عرف العودا |
لولا التخوف للعواقب لـم تـزل |
|
للحاسدالنعمى على المـحـسـود |
الحجاج يصف عيوبه بين يدي عبد الملك وقال
عبد الملك للحجاج: إنه ليس من أحد إلا وهو يعرف عيب نفسه فعب نفسك قال: أعفني يا
أمير المؤمنين. قال: لتفعلن. قال: أنا لجوجٌ حقودٌ حسود. قال عبد الملك: ما في
الشيطان شرٌ مما ذكرت.
لبعض الحكماء في الحسد قال بعض الحكماء: الحسد من تعادي الطبائع واختلاف التركيب
وفساد مزاج البنية وضعف عقد العقل والحاسد طويل الحسرات.
لابن المقفع في الحسد والحاسد قال ابن المقفع: أقل ما لتارك الحسد في تركه أن يصرف
عن نفسه عذاباً ليس بمدركٍ به حظًا ولا غائظ به عدوًا، فإنا لم نر ظالماً أشبه
بظلومٍ من الحاسد، طول اسفٍ ومحالفة كآبةٍ وشدة تحرقٍ، ولا يبرح زارياً على نعمة
الله ولا يجد لها مزالاً ويكدر على نفسه ما به من النعمة فلا يجد لها طعماً ولا
يزال ساخطا على من لا يترضاه ومتسخطاً لما لن ينال فوقه، فهو منغص المعيشة دائم
السخطة محروم الطلبة، لا بما قسم له يقنع ولا على ما لم يقسم له يغلب، والمحسود
يتقلب في فضل الله مباشراً للسرور منتفعاً به ممهلاً فيه إلى مدة ولا يقدر الناس
لها على قطعٍ وانتقاصٍ للحسن البصري في حسد المؤمن أخاه قيل للحسن البصري: أيحسد
المؤمن أخاه? قال: لا أبا لك، أنسيت إخوة يوسف. وكان يقال: إذا أردت أن تسلم من
الحاسد فعم عليه أمورك.
ويقال: إذا أراد الله أن يسلط على عبد ه عدواً لا يرحمه سلط عليه حاسدا.
العتبي يرثي أولاده وقال العتبي: - وذكر ولده الذين ماتوا -
وحتى بكى لي حسـادهـم |
|
وقد أقرحوا بالدموع العيونا |
وحسبك من حاد ثٍ بامـرءٍ |
|
يرى حاسديه له راحمينـا |
لسفيان بن معاوية، ولغيره قيل لسفيان بن معاوية: ما أسرع حسد الناس إلى قومك؛ فقال:
إن العرانين تلقاها محسدةً |
|
ولا ترى للئام الناس حسادا |
وقال آخر:
وترى اللبيب محسداً لم يجترم |
|
شتم الرجال وعرضه مشتوم |
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه |
|
فالقوم أعداءٌ له وخـصـوم |
كضرائر الحسناء قلن لوجهها |
|
حسداً وظلماً إنـه لـذمـيم |
ليحيى بن خالد في الحاسد وقال يحيى بن
خالد: الحاسد عدو مهينٌ لا يدرك وتره إلا بالتمني.
قيل لبعضهم: أي الأعداء لا تحب أن يعود لك صديقاً? قال: من سبب عداؤته النعمة.
للأحنف وقال الأحنف: لا صديق لملولٍ ولا وفاء لكذوبٍ ولا راحة لحسودٍ ولا مروءة
لبخيلٍ ولا سؤدد لسييء الخلق.
ولمعاوية في استحالة إرضاء الحاسد وقال معاوية: كل الناس استطيع أن أرضيه إلا حاسد
نعمةٍ فإنه لا يرضيه إلا زوالها.
لشاعر في مثل ذلك المعنى وقال الشاعر:
كل العداوة قد ترجى إماتتهـا |
|
إلا عداوة من عاداك من حسد |
وفي بعض الكتب يقول الله: الحاسد عدوٌ
لنعمتي متسخط لقضائي غير راضٍ بين عبادي.
وكان يقال: قد طلبك من لا يقصر دون الظفر وحسدك من لا ينام دون الشفاء.
للحجاج يتمثل بقول سويد بن أبي كاهل في خطبة له وخطب الحجاج يوماً برستقباذ بقول
سويد بن أبي كاهل:
كيف يرجون سقاطي بعـدمـا |
|
جلل الرأس بياضٌ وصـلـع |
رب من أنضجت غيظا صدره |
|
قد تمنى لي موتـاً لـم يطـع |
ويراني كالشجا في حـلـقـه |
|
عسراً مخرجه مـا ينـتـزع |
مزبداً يخطر مـا لـم يرنـي |
|
فإذا أسمعته صوتي إنقـمـع |
لم يضرني غير أن يحسـدنـي |
|
فهو يزقو مثل ما يزقو الضوع |
ويحـيينـي إذا لاقــيتـــه |
|
وإذا يخلو له لحـمـي رتـع |
قد كفاني الله ما في نـفـسـه |
|
وإذا ما تلكف شـيئاً لا يضـع |
لشاعر في حسد أهل الفضل وقال آخر:
إن تحسدوني فـإنـي لا ألـومـكـم |
|
قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا |
فدام لي ولكم مـا بـي ومـا بـكـم |
|
ومات أكثرنا غـيظـاً بـمـا يجـد |
أنا الذي تجدوني فـي حـلـوقـكـم |
|
لا أرتقي صـعـداً فـيهـا ولا أرد |
لبعضم في الحسد وقال بعضهم: الحسد أول
ذنبٍ عصي اللّه به في السماء، يعني حسد إبليس آدم، وأول ذنب عصي اللّه به في
الأرض، يعني حسد ابن آدم أخاه حتى قتله.
شعر لأبي زيد الأعرابي وأنشدني شيخٌ لنا عن أبي زيد الأعرابي:
لا تقبل الرشد ولا ترعوي |
|
ثاني رأس كابـن عـواء |
حسدتني حين أفدت الغنـى |
|
ما كنت إلا كابـن حـواء |
وأنت تقليني ولا ذنب لـي |
|
لكنني حـمـال أعـبـاء |
من يأخذ النار بأطـرافـه |
|
ينضح على النار من الماء |
بين قيس بن زهير والربيع بين زياد في بلاد
غطفان مر قيس بن زهير ببلاد غطفان فرأى ثروةً وجماعاتٍ وعدداً فكره ذلك، فقال له
الربيع بن زياد: إنه يسوءك ما يسر الناس؛ فقال له: يا أخي إنك لا تدري، إن مع
الثروة والنعمة التحاسد والتخاذل، وإن مع القلة التحاشد والتناضر.
بين الأصمعيّ وأعرابي معمر قال الأصمعي: رأيت أعرابياً قد أتت له مائةٌ وعشرون
سنةً، فقلت له: ما أطول الله عمرك ! فقال: تركت الحسد فبقيت.
لزيد بن الحكم الثقفي وقال زيد! بن الحكم الثقفي
تملأت من غيظٍ علي فـلـم يزل |
|
بك الغيظ حتى كدت بالغيظ تنشوي |
نقص ص409، 410،411 لحماد بن سلمة في
الغيبة وقال حماد بن سلمة: ما كنت تقوله للرجل وهو حاضرٌ فقلته من خلفه فليس
بغيبةٍ.
لبعض الأشراف يرد على رجل اغتاب رجلاً عاب رجلٌ رجلاٌ عند بعض الأشراف فقال له: قد
استدللت على كثرة عيوبك بما تكثر من عيب الناس، لأن الطالب للعيوب إنما يطلبها
بقدر ما فيه منها .
قال بعض الشعراء:
وأجرأ من رأيت بظهر غـيبٍ |
|
على عيب الرجل ذوو العيوب |
لابن الأعرابي في النهي عن الغيبة وأنشد ابن الأعرابي:
اسكت ولا تنطق فأنت خياب |
|
كلك ذو عيب وأنت عـياب |
وأنشدني أيضاً:
رب غريبٍ ناصح الجيب |
|
وابن أب متهم الـغـيب |
وكل عيا بٍ له منـظـرٌ |
|
مشتمل الثوب على العيب |
عتبة بن عبد الرحمن وحبه للغيبة وكان عتبة
بن عبد الرحمن يغتاب الناس ولا يصبر، ثم ترك ذلك، فقيل له: أتركتها? قال: نعم، على
أني واللّه أحب أن أسمعها.
بين عمرو بن مرثد وأحد جلسائه أتى رجلٌ عمرو بن مرثدٍ فسأله أن يكلم له أمير
المؤمنين، فوعده أن يفعل، فلما قام قال بعض من حضر: إنه ليس مستحقًا لما وعدته. فقال
عمرو: إن كنت صدقت في وصفك إياه فقد كذبت في ادعائك مودتنا، لأنه إن كان مستحقاً
كانت اليد موضعها، وإن لم يكن مستحقًا فما زدت على أن أعلمتنا أن لنا بمغيبنا عنك
مثل الذي حضرت به من غاب من إخواننا.
للنبي صلى الله عليه وسلم وفي الحديث: "إن الغيبة أشد من الزنا" قيل:
كيف ذلك? قال: لأن الرجل يزني فيتوب، فيتوب الله عليه، وصاحب الغيبة لا يغفر حتى
يغفر له صاحبها.
بين الحسن ورجل قال رجل للحسن: يا أبا سعيد إني اغتبت رجلاً وأريد أن أستحله. فقال
له: لم يكفك أن اغتبته حتى أرعدت أن تبهته.
بين قتيبة بن مسلم ورجل يغتاب عنده آخر اغتاب رجلٌ رجلاً عند قتيبة بن مسلم فقال
له قتيبة: أمسك أيها الرجل، فواللّه لقد تلمظت بمضغةٍ طالما لفظها الكرام.
مر رجلٌ بجارين له ومعه ريبةٌ، فقال أحدهما لصاحبه: أفهمت ما معه من الريبة? فقال
الآخر: غلامي حر لوجه اللّه شكراً له إذا لم يعرفني من الشر ما عرفك.
بين سعد بن أبي وقاص ورجل وقع عنده في خالد بن الوليد شعبة عن يحيى بن الحصين عن
طارق قال: دار بين سعد بن أبي وقاصٍ وبين خالد بن الوليد كلامٌ، فذهب رجلٌ ليقع في
خالدٍ عند سعدٍ، فقال سعدٌ: مه إن ما بيننا لم يبلغ ديننا. أي عداوةٌ وشرٌ وقال
الشاعر:
ولست بذي نيربٍ في الكرام |
|
ومناع خيرٍ وسـبـابـهـا |
ولا من إذا كان في جانـب |
|
أضاع العشيرة وآغتابـهـا |
ولكن أطـاوع سـاداتـهـا |
|
ولا أتعـلـم ألـقـابـهـا |
وقال آخر:
لا يأمل الجار خيراً من جوارهم |
|
ولا محالة من هزءٍ وألـقـاب |
للفرزدق وقال الفرزدق:
تصرم مني ود بكر بن وائلٍ |
|
وما خلت عني ودهم يتصرم |
قوارص تأتيني ويحتقرونهـا |
|
وقد يملأ القطر الإناء فيفعم |
لبعض الضبيين أنشد أبو سعيد الضرير لبعض الضبيين
ألا رب من يغتابنـي ود أنـنـي |
|
أبوه الذي يدعى إليه وينـسـب |
على رشدةٍ من أمـه أو لـغـيةٍ |
|
فيغلبها فحلٌ على النسل منجـب |
فبالخير لا بالشر فاطلب مودتـي |
|
وأي امرئٍ ب يغتال منه الترهب |
وقال آخر في نحوه:
ولما عصيت العاذلين ولـم أبـل |
|
ملامتهم ألقوا على غاربي حبلي |
وهازئةٍ مني تود لـوابـنـهـا |
|
على شيمتي أو أن قيمها مثلـي |
لبزرجمهر فيمن ليس فيه عيب قيل لبزرجمهر:
هل من أحدٍ ليس فيه عيبٌ? قال: لا، إن الذي لا عيب فيه لا ينبغي أن يموت.
مثله لموسى شهوات وقال في مثل هذا موسى شهوات:
ليس فيما بدا لنا منك عـيبٌ |
|
عابه الناس غير أنك فإنـي |
أنت خير المتاع لو كنت تبقى |
|
غير أن لا بقاء للإنـسـان |
لأبي الأسود الدؤلي وقال أبو الأسود الدؤلي:
وترى الشقي إذا تكامل عيبه |
|
يرمى ويقرف بالذي لم يفعل |
بكر بن عبد الله ينصح أخاً له لقي بكر بن عبد اللّه أخاً له فقال: إذا أردت أن تلقى من النعمة عليك أعظم منها عليه وهو أشكر للنعمة لقيته، وإذا شئت أن تلقى من أنت أعظم منه جرماً وهو أخوف لله منك لقيته. أرأيت لو صحبك رجلان: أحدهما مهتوكٌ لك ستره ولا يذنب ذنباً إلا رأيته ولا يقول هجراً إلا سمعته فأنت تحبه على ذلك وتوافقه وتكره أن تفارقه، والآخر مستور عنك أمره غير أنك تظن به السوء فأنت تبغضه، أعدلت بينهما? قال: لا؛ قال: فهل مثلي ومثلك ومثل من أنت راءٍ من الناس إلا كذلك? إنا نعرف الحق في الغيب من أنفسنا فنحبها على ذلك، وتظن الظنون على غيرنا فنبغضهم على ذلك. ثم قال: أنزل الناس منك ثلاث منازل، فاجعل من هو أكبر منك سنًا بمنزلة أبيك، ومن هو تربك بمنزلة أخيك، ومن هو دونك بمنزلة ولدك، ثم أنظر أي هؤلاء تحب أن تهتك له ستراً وتبدي له عورةً! النبي صلى الله عليه وسلم والعلاء بن الحضرمي وشعر للعلاء بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم في التحبب إلى ذوي الأضغان سعيد بن واقد المزني قال: حدّثنا صالح بن الصقر عن عبد الله بن زهير قال: وفد العلاء ابن الحضرمي على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أتقرأ من القرآن شيئاً"? فقرأ عبس وزاد فيها من عنده: وهو الذي أخرج من الحبلى، نسمةً تسعى، من بين شرا سيف وحشًى؛ فصاح به النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: "كف فإن السورة كافيةٌ". ثم قال: "هل تروي من الشعر شيئاً"? فأنشده:
حي ذوي الأضغان تسب قلوبهـم |
|
تحيتك القربى فقد ترفع النعـل |
وإن دحسوا بالكره فاعف تكرمـاً |
|
وإن خنسوا عنك الحديث فلا تسل |
فإن الذي يؤذيك منه سـمـاعـه |
|
وإن الذي قالوا وراءك لم يقـل |
فقال النبي عليه السلام: "إن من
الشعر حكما وإن من البيان سحراً".
وحدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: قال رجل لبكر بن محمد بن علقمة: بلغني أنك تقع
في؛ قال: أنت إذاً أكرم عليّ من نفسي! لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
لا تلتمس من مساوي الناس ما ستروا |
|
فيكشف اللّه ستراً عن مسـاويكـا |
واذكر محاسن ما فيهـم إذا ذكـروا |
|
ولا تعب أحداً منهم بـمـا فـيكـا |
لأبي الدراء وقال أبو الدرداء: لا يحرز
الإنسان من شرار الناس إلا قبره.
عمر بن عبد العزيز لمزاحم مولاه قال عمر بن عبد العزيز لمزاحمٍ مولاه: إن الولاة
جعلوا العيون على العوام وأنا أجعلك عيني على نفسي، فإن سمعت مني كلمةً تربأ بي
عنها أو فعالاً لا تحبه فعظني عنده وأنهني عنه.
بين عامر بن عبد الله بن الزبير وابن له تنقص علياً كرم الله وجهه العتبي قال:
تنقص ابن لعامر بن عبد اللّه بن الزبير علي بن أبي طالب عليه السلام؛ فقال
له أبوه: لا تتنقصه يا بني، فإن بني مروان ما زالوا يشتموه ستين سنةً فلم يزده
الله إلا رفعةً، وإن الدين لم يبن شيئاً فهدمته الدنيا، وإن الدنيا لم تبن شيئاً
إلا عادت على ما بنت فهدمته.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
ابدأ بنفسك فانهها عن غـيهـا |
|
فإذا انتهت عنه فأنت حكـيم |
فهناك تعذر إن وعظت ويقتدى |
|
بالقول منك ويقبل التعـلـيم |
لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثـلـه |
|
عارٌ عليك إذا فعلت عظـيم |
وقال آخر:
ويأخذ عيب الناس من عيب نفسه |
|
مرادٌ لعمري مـا أراد قـريب |
وقال آخر:
لك الخير، لم نفساً عليك ذنوبـهـا |
|
ودع لوم نفسٍ ما عـلـيك تـلـيم |
وكيف ترى في عين صاحبك القذى |
|
ويخفى قذى عينك وهو عـظـيم |
كان رجلٌ من المتزمتين لا يزال يعيب النبيذ وشرابه فإذا وجده سرًا شربه؛ فقال فيه بعض جيرانه:
وعيابةٍ للشرب لو أن أمه |
|
تبول نبيذاً لم يزل يستبيلها |
وقال رجل لعمرو بن عبيد: إني لأرحمك مما
تقول الناس فيك. قال: أفتسمعني أقول فيهم شيئاً? قال: لا. قال: إياهم فارحم.
قال أعرابي لامرأته:
وإما هلكت فلا تنكحـي |
|
ظلوم العشيرة حسادهـا |
يرى مجده ثلب أعراضها |
|
لديه ويبغض من سمادها |
باب السعاية
بين
عطاء بن السائب والشعبي روى وكيع عن أبيه عن عطاء بن السائب قال: قدمت من مكة
فلقيني الشعبي فقال: يا أبا زيدٍ أطرفنا مما سمعت؛ قلت: سمعت عبد الرحمن بن عبد
اللّه بن سابط يقول: لا يسكن مكة سافك دمٍ، ولا آكل رباً، ولا مشاءٌ بنميم؛ فعجبت
منه حين عدل النميمة بسفك الدماء وأكل الربا؛ فقال الشعبي: وما يعجبك من هذا! وهل
تسفك الدماء وتركب العظائم إلا بالنميمة! بين مصعب بن الزبير والأحنف بن قيس عاتب
مصعب بن الزبير الأحنف بن قيس على شيءٍ بلغه عنه، فاعتذر إليه الأحنف من ذلك
ودفعه؛ فقال مصعبٌ: أخبرني بذلك الثقة؛ فقال الأحنف: كلا أيها الأمير، إن الثقة لا
يبلغ.
شعر للأعشى في إطاعة الواشين قال الأعشى:
ومن يطع الواشين لا يتركوا له |
|
صديقاً وإن كان الحبيب المقربا |
لرجل في السعاة وذكر السعاة عند المأمون
فقال رجلٌ ممن حضر: يا أمير المؤمنين، لو لم يكن من عيبهم إلا أنهم أصدق ما يكونون
أبغض ما يكونون إلى اللّه لكفاهم.
بين بلال بن أبي بردة وساعٍ، وحديث للنبي صلى الله عليه وسلم سعى رجلٌ إلى بلال بن
أبي بردة برجل؛ فقال له: انصرف حتى أسأل عما ذكرت، وبعث في المسألة عن الساعي فإذا
هو لغير أبيه الذي يدعى له، فقال بلالٌ: أخبرنا أبو عمرو قال: حدّثني أبي قال: قال
رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : "الساعي بالناس لغير رشدة".
لبعض الشعراء وقال الشاعر:
إذا الواشي نعى يوماً صديقـاً |
|
فلا تدع الصديق لقول واشي |
بين الوليد بن عبد الملك وساعٍ بجاره أتى
رجلٌ الوليد بن عبد الملك وهو على دمشق لأبيه، فقال: للأمير عندي نصيحةٌ؛ فقال: إن
كانت لنا فأظهرها، وإن كانت لغيرنا فلا حاجة لنا فيها؛ فقال: جارٌ لي عصى وفر من
بعثه، قال: أما أنت فتخبر أنك جار سوء، فإن شئت أرسلنا معك، فإن كنت صادقاً
أقصيناك، وإن كنت كاذباً عاقبناك، وإن شئت تاركناك. قال: بل تاركني.
شعر لعبد ة بن الطبيب في الوشاة والنمامين وقال عبد ة بن الطبيب :
وأعـصـوا الــذي يســـدي |
|
متنصحاً وهو السمام المـنـقـع |
يزجي عقاربه ليبعـث بـينـكـم |
|
حرباً كما بعث العـروق الأخـدع |
حران لا يشفـي غـلـيل فـؤاده |
|
عسلٌ بماءٍ في الإناء مشـعـشـع |
لا تأمنوا قوماً يشـب صـبـيهـم |
|
بين القبائل بـالـعـداوة ينـسـع |
إن الذين تـرونـهـم خـلانـكـم |
|
يشفي صداع رؤوسهم أن تصرعوا |
فضلت عداوتهم على أحـلامـهـم |
|
وأبت ضباب صدورهم لا تنـزع |
قومٌ إذا دمس الظـلام عـلـيهـم |
|
حدجوا قنافذ بالنـمـيمة تـمـرغ |
لأبي دهبل الجمحي في الوشاة وقال أبو دهبلٍ الجمحي:
وقد قطع الواشون ما كان بينـنـا |
|
ونحن إلى أن يوصل الحبل أحوج |
رأوا عورةً فاستقبلوها بألبـهـم |
|
فراحوا على ما لا نحب وأدلجوا |
وكانوا أناساً كنت آمن غيبـهـم |
|
فلم ينههم حلمٌ ولم يتحـرجـوا |
مثله لبشار وقال بشار:
تشتهي قربك الرباب وتخشى |
|
عين واشٍ وتتقي أسمـاعـه |
أنت من قلبها محـل شـرابٍ |
|
تشتهي شربه وتخشى صداعه |
ولأبي نواس في هذا المعنى وقال أبو نواس:
كنت من الحب في ذرى نـيق |
|
أرود منـه مـراد مـومـوق |
حتى ثناني عنـه تـخـلـق وا |
|
شٍ كذبةً لـفـهـا بـتـزويق |
جبت قفا ما نمتـه مـعـتـذراً |
|
منه وقد فزت بعد تـخـريق |
كقول كسرى فيما تـمـثـلـه |
|
من فرص اللص ضجة السوق |
من كتاب الهند في أن نار الحقد لا تخبو
وقرأت في كتاب للهند: قلما يمنع القلب من القول إذا تردد عليه، فإن الماء ألين من
القول والحجر أصلب من القلب، وإذا انحدر عليه وطال ذلك أثر فيه، وقد تقطع الشجرة
بالفؤوس فتنبت ويقطع اللحم بالسيوف فيندمل واللسان لا يندمل جرحه، والنصول تغيب في
الجوف فتنزع والقول إذا وصل إلى القلب لم ينزع، ولكل حريقٍ مطفئٌ: للنار الماء،
وللسم الدواء، وللحزن الصبر، وللعشق الفرقة، ونار آلحقد لا تخبو.
لطرفة بن العبد في ضرر النميمة وقال طرفة بن العبد:
وتصد عنك مخيلة الرجل ال |
|
عريض موضحةٌ عن العظم |
بحسام سيفك أو لسانـك وال |
|
كلم الأصيل كأوسع الكلـم |
وله في نفاذ القول ونحوه قوله: والقول
ينفذ ما لا تنفذ الإبر مثله لامرئ القيس وقال امرؤ القيس: وجرح آللسان كجرح اليد
بين عبد الملك بن مروان ورجل أراد الخلوة به سأل رجلٌ عبد الملك بن مروان آلخلوة؛
فقال لأصحابه: إذا شئتم تنحوا؛ فلما تهيأ الرجل للكلام قال له: إياك وأن تمدحني
فإني أعرف بنفسي منك، أو تكذبني فإنه لا رأي لكذوبٍ، أو تسعى بأحدٍ إلي، وإن شئت
أن أقيلك أقلتك؛ قال: أقلني.
لذي الرياستين في قبول النميمة وقال ذو الرياستين: قبول السعاية شرٌ من السعاية،
لأن السعاية دلالةٌ والقبول إجازةٌ، وليس من دل على شيءٍ كمن قبل وأجاز، فامقت
الساعي على سعايته وإن كان صادقاً للؤمه في هتك العورة وإضاعة الحرمة، وعاقبه إن
كان كاذباً لجمعه بين هتك العورة وإضاعة الحرمة مبارزةً لله بقول البهتان والزور.
لبعض الشعراء وقال بعض المحدّثين لعبد الصمد بن المعذل:
لعمرك ما سب الأمير عدوه |
|
ولكنما سب الأمير المبلـغ |
بين الوليد بن عبد الملك ورجل وقال رجلٌ
للوليد بن عبد الملك: إن فلاناً شتمك. فأكب ثم قال: أراه شتمك.
وأتى رجلٌ ابن عمر فقال له: إن فلاناً شتمك؛ فقال له: إني وأخي عاصماً لا نساب
أحداً.
بين النعمان وحاتم طيء وأوس بن حارثة عوانة قال: كان بين حاتم طيء وبين أوس بن
حارثة ألطف ما يكون بين اثنين؛ فقال النعمان بن المنذر لجلسائه: واللّه لأفسدن ما
بينهما. قالوا: لا تقدر على ذلك.
قال: بلى فقلما جرت الرجال في شيء إلا بلغته. فدخل عليه أوسٌ، فقال: يا أوس ما
الذي يقول حاتمٌ? قال: وما يقول? قال: يقول إنه أفضل منك وأشرف؛ قال: أبيت اللعن،
صدق؛ واللّه لو كنت أنا وأهلي وولدي لحاتم لأنهبنا في مجلسٍ واحدٍ، ثم خرج وهو
يقول:
يقول لي النعمان لا من نصيحةٍ |
|
أرى حاتماً في قوله متطـاولا |
له فوقنا باعٌ كما قـال حـاتـمٌ |
|
وما النصح فيما بيننا كان حاولا |
ثم دخل عليه حاتم فقال له مثل مقالته لأوسٍ؛ قال: صدق، أين عسى أن أقع من أوس! له عشرة ذكورٍ أخسهم أفضل مني. ثم خرج وهو قول:
يسائلني النعمان كي يستزلـنـي |
|
وهيهات لي أن أستضام فأصرعا |
كفاني نقصاً أن أضيم عشيرتـي |
|
بقولٍ أرى في غيره متوسـعـا |
فقال
النعمان: ما سمعت بأكرم من هذين الرجلين.
يعقوب بن داود أيام كان مع المهدي ذكر يعقوب بن داود أيام كان مع المهدي أنه وافاه
في يوم واحدٍ ثمانون رقعةً كلها سعايةٌ، منهم ستون لأهل البصرة، وعشرون لسائر
البلاد.
بين الاسكندر وبعض الوشاة وشى واشٍ إلى آلإسكندر؛ فقال له: أتحب أن أقبل منك ما
قلت فيه على أن نقبل منه ما قال فيك? قال: لا. قال: فكف عن الشر يكف عنك الشر.
كتاب رجل سعي به إلى عاملٍ كتب بعض إخواننا من الكتاب إلى عاملٍ وكان سعي به إليه:
لست أنفك فيما بيني وبينك من إحدى أربع: إما كنت محسناً وإنك لكذلك فاربب، أو
مسيئاً ولست به فأبق، أو أكون ذا ذنبٍ ولم أتعمد فتغمد، أو مقروفاً وقد تلحق به
حيل الأشرار فتثبت "ولا تطع كل حلافٍ مهينٍ همازٍ مشاء بنميم ".
?باب الكذب والقحة
للنبي
صلى الله عليه وسلم في المواضع التي يصلح فيها الكذب حدّثني أحمد بن الخليل قال:
حدّثنا سليمان بن داود عن مسلمة بن علقمة عن داود بن أبي هندٍ عن شهر بن حوشب عن
الزبرقان عن النواس بن سمعان قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : "لا
يصلح الكذب إلا في ثلاثة مواضع الحرب فإنها خدعةٌ، والرجل يصلح بين اثنين، والرجل
يرضي امرأته".
حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا بربر بن هارون قال: أخبرنا سفيان بن حسين عن
الزهري عن حميد لن عبد الرحمن عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:
"لم يكذب من قال خيراً وأصلح بين اثنين".
لأبي الأسود الدؤلي قال: حدّثني عبدة بن عبد الله قال: حدّثنا أبو داود عن عمران
عن قتادة قال: قال أبو الأسود الدؤلي: إذا سرك أن تكذب صاحبك فلقنه.
للنبي صلى الله عليه وسلم في أن المؤمن لا يكون كذاباً حدّثني محمد بن داود عن
سويد بن سعيد عن مالك عن صفوان بن سليم قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: أيكون
المؤمن جباناً? قال: "نعم". قال: أفيكون بخيلاً? قال: "نعم".
قال: أفيكون كذاباً? قال: " لا".
بين رجل عاتب رجلا على الكذب قال: حدّثني سهل بن محمد عن الأصمعي قال: عاتب إنسا
نٌ كذاباً علبر الكذب؛ فقال: يا بن أخي لو تغرغرت به ما صبرت عنه. قال: وقيل
لكذوب: أصدقت قط? قال: أكره أن أقول لا فأصدق.
لابن عباس وقال ابن عباس: الحدّث حدّثان: حدّثٌ من فيك وحدّ ثٌ من فرجك.
لمديني وقال مديني: من ثقل على صديقه خف على عدوه، ومن أسرع إلى الناس بما يكرهون
قالوا فيه ما لا يعلمون.
لبعض الشعراء ومثله قول الشاعر:
ومن دعا الناس إلى ذمه |
|
ذموه بالحق وبالباطـل |
مقالة السوء إلى أهلهـا |
|
أسرع من منحدر سائل |
لمجاهد بلغني عن وكيع عن أبيه عن منصور
قال: قال مجاهد: كل ما أصاب الصائم شوًى ما خلا الغيبة والكذب.
وقال سليمان بن سعد: لو صحبني رجل فقال: اشترط خصلةً واحدة لا يزيد عليها، لقلت لا
تكذبني.
لابن عباس في الكذب والنميمة كان ابن عباس يقول: الكذب فجور، والنميمة سحرٌ، فمن
كذب فقد فجر، ومن نم فقد سحر.
وكان يقال: أسرع الاستماع وأبطئ التحقيق.
قال الأحنف: ما خان شريفٌ ولا كذب عاقلٌ ولا اغتاب مؤمنٌ. وكانوا يحلفون فيحنثون
ويقولون فلا يكذبون.
لرجل يذم آخر ذم رجل رجلاً فقال: اجتمع فيه ثلاثة: طبيعة العقعق، يعني السرق،
وروغان الثعلب، يعني الخب، ولمعان البرق، يعني الكذب.
أصناف الأذلاء ويقال: الأذلاء أربعة: النمام والكذاب والمدين والفقير.
قال ابن المقفع: لا تهاونن بإرسال الكذبة في الهزل فإنها تسرع في إبطال الحق.
للأحنف في أن الكذب والمروءة لا يجتمعان وقال الأحنف: اثنان لا يجتمعان أبداً:
الكذب والمروءة.
وقالوا: من شرف الصدق أن صاحبه يصدق على عدوه.
للأحنف يوصي ابنه وقال: الأحنف لابنه: يا بني اتخذ الكذب كنزاً؛ أي لا تخرجه.
وقيل لأعرابي كان يسهب في حديثه: أما لحديثك هذا آخرٌ? فقال: إذا انقطع وصلته.
لابن عمر وقال ابن عمر: زعموا زاملة الكذب.
كان يقال: علة الكذوب أقبح علة، وزلة المتوقي أشد زلة.
اشتهار المهلب بالكذب كان المهلب كذاباً وكان يقال له: راح يكذب. وفيه يقول
الشاعر:
تبدلت المنابر من قـريش |
|
مزونيًا بفقحته الصلـيب |
فأصبح قافلاً كرمٌ وجـودٌ |
|
وأصبح قادماً كذبٌ وحوب |
بين
أبي حنيفة ورجل قال رجل لأبي حنيفة: ما كذبت كذبةً قط؛ قال: أما هذه فواحدةٌ يشهد
بها عليك.
لميمون بن ميمون وقال ميمون بن ميمون: من عرف بالصدق جاز كذبه، ومن عرف بالكذب لم
يجز صدقه.
لأبي حية النميري وكان كذاباً قال أبو حية النميري - وكان كذاباً - : عن لي ظبيٌ
فرميته فراغ عن سهمي فعارضه والله السهم، فراغ فراوغه السهم حتى صرعه ببعض
الخبارات.
وقال أيضاً: رميت ظبيةً فلما نفذ السهم ذكرت بالطبية حبيبةً لي فشددت وراء السهم
حتى قبضت على قذذه.
لأعرابي يذكر مبلغ حبه لامرأة وصف أعرابي امرأة فقيل: ما بلغ من شدة حتك لها? قال:
إني لأذكرها وبيني وبينها عقبة الطائف فأجد من ذكرها ريح المسك.
بين الفرزدق وسليمان بن عبد الملك في كذب الشعراء أنشد الفرزدق سليمان بن عبد
الملك:
ثلاثٌ واثنتان فهـن خـمـسٌ |
|
وسادسةٌ تميل إلـى شـمـام |
فبتن بجانبي مـصـرعـا تٍ |
|
وبت أفض أغلاق الخـتـام |
كأن مفالـق الـرمـان فـيه |
|
وجمر غضاً قعدن عليه حامي |
فقال له سليمان: ويحك يا فرزدق، أحللت
بنفسك العقوبة، أقررت عندي بالزنا وأنا إمامٌ ولا بد لي من أحدك. فقال الفرزدق:
بأي شيء أوجبت على ذلك? قال: بكتاب اللّه. قال: فإن كتاب الله هو الذي يدرأ عني
الحد. قال: وأين? قال: في قوله: والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل وادٍ
يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون فأنا قلت يا أمير المؤمنين ما لم أفعل.
لبعض الشعراء في ذلك المعنى وقول الشاعر:
وإنما الشاعر مجنونٌ كـلـب |
|
أكثر ما يأتي على فيه الكذب |
وقال الشاعر:
حسب الكذوب من البـل |
|
ية بعض ما يحكى عليه |
مهما سمعـت بـكـذبةٍ |
|
من غيره نسبـت إلـيه |
وقال بشار:
ورضيت من طول العناء بيأسه |
|
واليأس أيسر من عدات الكاذب |
من أقوال العرب في الكذب والعرب تقول:
أكذب من سالئةٍ وهي تكذب مخافة العين على سمنها. وأكذب من مجرب لأنه يخاف أن يطلب
من هنائه .
وأكذب من يلمعٍ وهو السراب.
لابن سيرين منصور ابن سلمة الخزاعي قال: حدّثنا شبيب بن شيبة أبو معمر الخطيب قال:
سمعت ابن سيرين يقول: الكلام أوسع من أن يكذب ظريفٌ.
وقال في قول اللّه عز وجل: " لا تؤاخذني بما نسيت " لم ينس ولكنهما من
معاريض الكلام.
للقيني في الصدق وقال القيي: أصدق في صغار ما يضرني لأصدق في كبار ما ينفغني.
وكان يقول: أنا رجل لا أبالي ما استقبلت به الأحرار.
لجرمي في قلة الحياء نافر رجل من جرم رجلاً من الأنصار إلى رجل من قريش، فقال
للجرمي: أبا الجاهلية تفاخره أم بالإسلام? فقال: بالإسلام؛ فقال: كيف تفاخره وهم
آووا رسول الله ونصروه حتى أظهر اللّه الإسلام? قال الجرمي: فكيف تكون قلة الحياء.
وقال آخر: إنما قويت على خصومي بأني لم أستتر قط بشيء من القبيح.
لأعرابي يذكر رجلاً وذكر أعرابي رجلاً فقال: لو دق وجهه بالحجارة لرضها، ولو خلا
بأستار الكعبة لسرقها .
لأسدي في غلبته للناس قيل لرجل من بني أسد: بأي شيء غلبت الناس? قال: أبهت الأحياء
وأستشهد الموتى.
شعر لطريح الثقفي يذم قوماً وقال طريحٌ الثقفي يذم قوماً:
إن يعلموا الخير يخفوه وإن علموا |
|
شراً أذيع وإن لم يعلموا كذبـوا |
اثنان لا يتفقان واثنان لا يفترقان وكان
يقال: اثنان لا يتفقان أبداً: القناعة والحسد، واثنان لا يفترقان أبداً: الحرص
والقحة.
وقال الشاعر:
إن يبخلوا أو يغدروا |
|
أو يفخروا لا يحفلوا |
يغدوا عليك مرجلي |
|
ن كأنهم لم يفعلـوا |
كأبي براقش كل لو |
|
نٍ لونـه يتـخـيل |
بين أبي الهول الحميري والفضل بن يحيى هجا
أبو الهول الحميري الفضل بن يحيى ثم أتاه راغباً إليه؛ فقال له الفضل: ويلك بأي
وجه تلقاني! قال: بالوجه الذي ألقى به ربي وذنوبي إليه أكثر؛ فضحك ووصله.
من أمثال العربي في الوقاح ومن أمثال العرب في الوقاح: رمتني بدائها وانسلت.
لبعض الشعراء وقال الشاعر:
أكولٌ لأرزاق العباد إذا شتـا |
|
صبورٌ على سوء الثناء وقاح |
الغيبة
توجب الوضوء قال رجلٌ لقوم يغتابون ويكذبون: توضؤوا فإن ما تقولون شرٌ من الحدّث.
وبلغني عن حماد بن زيد عن هشام عن محمد قال: قلت لعبيدة: ما يوجب الوضوء? قال:
الحدّث وأذى المسلم.
لعمر بن الخطاب روى الصلت بن دينار عن عقبة عن أنس بن مالك قال: بعثني أبو موسى
الأشعريّ من البصرة إلى عمر؛ فسألني عن أحوال الناس ثم قال: كيف يصلح أهل بلدٍ جل
أهله هذان الحيان: بكر بن وائل وبنو تميم، كذب بكرٌ وبخل تميمٌ.
لبعض الحكماء ذكر بعض الحكماء أعاجيب البحر وتزيد البحريين فقال: البحر كثير
العجائب، وأهله أصحاب تزيدٍ، فأفسدوا بقليل الكذب كثير الصدق، وأدخلوا ما يكون
فيما يكاد لا يكون، وجعلوا تصديق الناس لهم في غريب الأحاديث سلماً إلى ادعاء
المحال.
للأصمعي حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: كان يقال: الصدق أحياناً محرمٌ.
لعبد الله بن مسعود في أيام النبي صلى الله عليه وسلم حدّثني شيخٌ لنا عن أبي
معاوية قال: حدّثنا أبو حنيفة عن معن بن عبد الرحمن عن أبيه قال: قال عبد الله بن
مسعود: ما كذبت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا كذبةً واحدةً، كنت أرحل
لرسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجلٌ من الطائف فقلت: هذا يغلبني على الرحال؛
فقال: أي الرحال أحب إلى رسول اللّه? فقلت: الطائفية المكية. فرحل بها؛ فقال رسول اللّه
صلى الله عليه وسلم: "من رحل لنا هذا? فقالوا: الطائفي. فقال: "مروا عبد
اللّه فليرحل لنا". فعدت إلى الرحال.
باب سوء الخلق وسوء الجوار والسباب والشر
للنبي
صلى الله عليه وسلم في سوء الخلق والبخل حدّثني زياد بن يحيى قال: حدّثنا أبو داود
عن صدقة بن موسى عن مالك بن دينار عن عبد الله بن غالب عن أبي سعيد الخدري قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خصلتان لا تجتمعان في مؤمنٍ سوء الخلق والبخل
".
قال: وحدّثني أحمد بن الخليل عن أزهر بن جميل عن إسماعيل بن حكيم عن الفضل بن عيسى
عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: قيل: يا رسول الله ما الشؤم? قال: "سوء
الخلق ".
قال: وحدّثني أبو الخطاب قال: حدّثنا بشر بن المفضل قال: حدّثنا يونس عن الحسن
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المستبان ما قالا فعلى البادئ منهما
ما لم يعتد المظلوم ".
لأيوب قال: وحدّثني سهل بن محمد عن الأصمعيّ قال: حدّثني شيخ بمنًى قال: صحب أيوب
رجلٌ في طريق مكة فآذاه الرجل بسوء خلقه؛ فقال أيوب: إني لأرحمه لسوء خلقه.
لأبي الأسود، وله أيضاً يوصي بنيه قال: وحدّثني عبد الرحمن عن الأصمعي قال: قال
أبو الأسود: لو أطعنا المساكين في أموالنا كنا أسوأ حالاً منهم. وأوصى بنيه فقال:
لا تجاودوا اللّه فإنه أمجد وأجود، ولو شاء أن يوسع على الناس كلهم حتى لا يكون
محتاجٌ لفعل، فلا تجهدوا أنفسكم في التوسع فتهلكوا هزلاً.
قال: وسمع رجلاً يقول: من يعشي الجائع? فقال: عليّ به. فعشاه ثم ذهب ليخرج، فقال:
أين تريد? قال: أريد أهلي؛ قال: هيهات، عليّ ألا تؤذي المسلمين الليلة، ووضع في
رجله الأدهم حتى أصبح.
بين أعرابي وأبي الأسود قال: وأكل أعرابي معه تمراً فسقطت من يد الأعرابي تمرةٌ
فأخذها وقال: لا أدعها للشيطان؛ فقال أبو الأسود: لا والله ولا لجبريل.
ابن الزبير لرجل نظر ابن الزبير يوماً إلى رجل وقد دق في صدور أهل الشأم ثلاثة
أرماحٍ فقال: اعتزل حربنا فإن بيت المال لا يقوم لهذا.
ولابن الزبير أيضاً وذكر أبو عبيد ة أنه كان يأكل في كل سبعة أيام أكلةً ويقول في
خطبته: إنما بطني شبرٌ في شبر وما عسى أن يكفيني.
شعر لأبي وجزة يمدح ابن الزبير وقال أبو وجزة مولى آل الزبير:
لو كان بطنك شبراً قد شبعت وقد |
|
أفضلت فضلاً كثيراً للمساكـين |
فإن تصبـك مـن الأيام جـائحةٌ |
|
لا نبك منك على دنـيا ولا دين |
وفيها يقول:
ما زلت في سورة الأعراف تدرسها |
|
حتى فؤادك مثل الخز في الـلـين |
وفيها يقول:
إن امرأً كنت مولاه فضيعنـي |
|
يرجو الفلاح لعندي حق مغبون |
ولأخر في ابن الزبير وفيه يقول آخر :
أيت أبا بكر وربك غالبٌعلى أمره يبغي الخلافة بالتمر |
هذا حين قال: أكلتم تمري وعصيتم أمري.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
من دون سيبك لون ليلٍ مظلـمٍ |
|
وحفيف نافجةٍ وكلب مـوسـد |
وأخوك محتملٌ عليك ضـغـينةً |
|
ومسيف قومك لائمٌ لا يحـمـد |
والضعيف عندك مثل أسود سالخٍ |
|
لا بل أحبهمـا إلـيك الأسـود |
لأعرابي مدح سعيد بن سلم ثم هجاه ومدح أعرابي سعيد بن سلم فقال:
أيا سارياً بالليل لا تخش ضلةً |
|
سعيدبن سلمٍ ضوء كل بلاد |
لنا سيدٌ أربى على كل سـيدٍ |
|
جوادٌ حثا في وجه كل جواد |
فلم يعطه شيئاً، فقال يهجوه:
لكل أخي مدحٍ ثـوابٌ يعـده |
|
وليس لمدح الباهلي ثـواب |
مدحت ابن سلمٍ والمديح مهزةٌ |
|
فكان كصفوانٍ عليه تـراب |
الممزق الحضرمي يهجو الباهليين وقال فيهم الممزق الحضرمي :
إذا ولدت حليلة باهـلـيٍ |
|
غلاماً زيد في عدد اللـئام |
وعرض الباهلي وإن توقى |
|
عليه مثل منديل الطعـام |
ولو كان الخليفة باهـلـيًا |
|
لقصر عن مساماة الكرام |
بين قدامة بن جعدة وقتيبة بن مسلم ودخل
قدامة بن جعدة على قتيبة بن مسلم فقال: أصلح الله الأمير، بالباب ألأم العرب؛ قال:
ومن ذاك? قال: سلولي رسول محاربي إلى باهلي، فضحك قتيبة.
وقال آخر :
قومٌ إذا أكلوا أخفوا كـلامـهـم |
|
وأستوثقوا من رتاج الباب والدار |
لا يقبس الجار منهم فضل نارهم |
|
ولا تكف يدٌ عن حرمة الجـار |
لعمر بن عبد العزيز الطائي الحمصي وقال عمر بن عبد العزيز الطائي من أهل حمص:
سمت المديح رجالاً دون قدرهم |
|
صد قبيحٌ ولفظٌ ليس بالحسـن |
فلم أفز منهم إلا بما حمـلـت |
|
رجل البعوضة من فخارة اللبن |
وقال آخر:
ألام وأعطي والبخيل مجـاوري |
|
إلى جنب بيتي لا يلام ولا يعطي |
ونحو هذا قولهم: منع الجميع أرض للجميع.
وقال بشار:
أعطى البخيل فما انتفعت به |
|
وكذاك من يعطيك من كدره |
قيل لخالد بن صفوان: ما لك لا تنفق فإن
مالك عريضٌ? قال: الدهر أعرض منه؛ قيل له: كأنك تأمل أن تعيش الدهر كله؛ قال: ولا
أخاف أن أموت في أوله .
بين الجاحظ والحزامي في البخل والسخاء قال الجاحظ: قلت مرةً للحزامي: قد رضيت بقول
الناس: عبد الله بخيل? قال: لا أعدمني الله هذا الاسم. قلت: كيف? قال: لأنه لا
يقال فلانٌ بخيلٌ إلا وهو ذو مال، فسلم لي المال وأدعني بأي اسم شئت؛ قلت: ولا
يقال سخي إلا وهو ذو مال، فقد جمع هذا الاسم المال والحمد وجمع هذا الاسم المال
والذم؛ قال: بينهما فرقٌ، قلت: هاته؛ قال: في قولهم بخيلٌ تثبيتٌ لإقامة المال في
ملكه، وفي قولهم سخي إخبارٌ عن خروج المال عن ملكه، واسم البخل اسم فيه حزم وذم،
واسم السخاء اسم فيه تضييعٌ وحمد، والمال راهن نافع ومكرمٌ لأهله معزٌ، والحمد
ريحٌ وسخريةٌ واستماعه ضعفٌ وفسولةٌ، وما أقل والله غناء الحمد عنه إذا جاع بطنه
وعري جلده وضاع عياله وشمت عدوه! لمحمد بن الجهم وكان محمد بن الجهم يقول: من شأن
من استغنى عنك ألا يقيم عليك، ومن احتاج إليك ألا يذهب عنك، فمن ضن بصديقه وأحب
الاستكثار منه وأحب التمتع به احتال في دوام رغبته بأن يقيم له ما يقوته ويمنعه ما
يغنيه عنه، فإن من الزهد فيه أن تغنيه عنك ومن الرغبة فيه أن تحوجه إليك؛ وإبقاؤك
مع الضن به أمر من إغنائك له مع الزهد فيه؛ وقيل في مثلٍ: أجع كلبك يتبعك. فمن
أغنى صديقه فقد أعانه على الغدر وقطع أسبابه من الشكر؛ والمعين على الغدر شريك
الغادر، كما أن مزين الفجور شريك الفاجر.
وله يوصي قال: وأوصى عند موته، وقال في وصيته: يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: "الثلث، والثلث كثير"؛ وأنا أزعم أن ثلث الثلث كثيرٌ،
والمساكين حقوقهم في بيت المال، إن طلبوا طلب الرجال أخذوه، وإن جلسوا جلوس النساء
منعوه، فلا يرغم اللّه إلا أنفهم ولا يرحم اللّه من يرحمهم.
بين سوار ورجلين تنازعا أرضاً عنده تقدم رجلان من قريش إلى سوارٍ أحدهما ينازع
مولًى له في حد أرض أقطعها أبوه مولاه؛ فقال سوار: أتنازع مولاك في حد أرض أقطعها
أبوك إياه !؛ فقال: الشحيح أعذر من الظالم. فرفع سوار يده ثم قال: اللهم اردد على
قريش أخطارها.
شعر للخزرجي وقال الخزرجي:
إن جود المكي جودٌ حـجـازيٌ |
|
وجود الحجاز فيه اقـتـصـاد |
كيف ترجو النوال من كف معطٍ |
|
قد غذته الأقـراص والأمـداد |
لسليمان بن مزاحم وقد نظر إلى درهم نظر
سليمان بن مزاحم إلى درهم فقال: في شقٍ "لا إله إلا الله محمدٌ رسول اللّه
" وفي
وجه آخر "الله لا إله إلا هو الحي القيوم "، ما ينبغي أن يكون هذا إلا
معاذةً وقذفه في ا لصندوق.
شعر للخليل في بخيل أنشدنا عبد الرحمن بن هانئ صاحب الأخفش عن الأخفش للخليل :
كفـاه لـم تـخـلـقـا |
|
ولم يك بخلهما بـدعـه |
فكفٌ عن الخير مقبوضةٌ |
|
كما نقصت مائةٌ تسعـه |
وكفٌ ثـلاثة آلافـهـا |
|
وتسعمئيها لها شرعـه |
أبو عليّ الضرير يهجو المعلى وينسبه للبخل قال أبو عليّ الضرير:
لعمر أبيك ما نسب المعلى |
|
إلى كرم وفي الدنيا كـريم |
ولكن البلاد إذا آقشـعـرت |
|
وصوح نبتهما رعي الهشيم |
ولآخر في بخيل وقال آخر:
أمن خوف فقرٍ، تعجلـتـه |
|
وأخرت إنفاق ما تجـمـع |
فصرت الفقير وأنت الغني |
|
وهل كنت تعدو الذي تصنع |
رد رجل كريم على رجلٍ خوفه الفقر خوف رجلٌ
رجلاً جواداً الفقر وأمره بالإبقاء على نفسه ؛ فكتب إليه: إني أكره أن أترك أمراً
قد وقع، لأمر لعله لا يقع.
لأبي الشمقمق يعرض ببخيل وقال أبي الشمقمق:
رأيت الخبز عز لديك حتـى |
|
حسبت الخبز في جو السحاب |
وما روحتنا لـتـذب عـنـا |
|
ولكن خفت مرزئة الذبـاب |
مثله لدعبل وقال دعبلٌ:
صدق أليته إذ قال مـجـتـهـداً |
|
لا والرغيف، فذاك البر من قسمه |
قد كان يعجبني لـو أن غـيرتـه |
|
على جراذقه كانت على حرمـه |
فإن هممت به فآفتك بخـبـزتـه |
|
فإن موقعها من لحـمـه ودمـه |
ولبعض الشعراء في مثل ذلك المعنى وقال الشاعر:
ارفق بحفـصٍ حـين تـأ |
|
كل يا معاوي من طعامه |
المـوت إيسـر عـنـده |
|
من مضغ ضيفٍ والتقامه |
وتراه من خوف الـنـزي |
|
ل به يروع في منـامـه |
سيان كـسـر رغـيفـه |
|
أو كسر عظمٍ من عظامه |
لا تـكـسـرن رغـيفـه |
|
إن كنت ترغب في كلامه |
وإذا مـررت بـبـابــه |
|
فاحفظ رغيفك من غلامه |
ومثله لأبي نواس وقال أبو نواس:
خبز إسماعيل كالوش |
|
ي إذا ما انشق يرفـا |
عجباً من أثر الصـن |
|
عة فيه كيف يخفـى |
إن رفـاءك هـــذا |
|
أحـذق الأمة كـفـا |
فإذا قابل بـالـنـص |
|
ف من الجرذق نصفا |
أحكم الصنعة حـتـى |
|
لا ترى موضع إشفى |
مثل ماجاء من التـن |
|
ور ما غادر حرفـا |
وله في الماء أيضـاً |
|
عمل أبدع ظـرفـا |
مزجه العذب بماء ال |
|
بئر كي يزداد ضعفا |
فهو لا يشرب مـنـه |
|
مثل ما يشرب صرفا |
باب الحمق
الشعبي
لرجل استجهله قال الشعبي لرجل استجهله: ما أحوجك إلى مدرجٍ شديد الفتل جيد الجلاز
عظيم الثمرة لدن المهزة يأخذ منك فيما بين عجب الذنب ومغرز العنق فتكثر له رقصاتك
من غير جذل. فقال: وما هذا? فقال: بعض الأمر.
في إثابة كل إنسان على قدر عقله قال: حدّثني القومسي عن محمد بن الصلت الأسدي عن
أحمد بن بشير عن الأعمش عن سلمة بن كهيل عن عطاء عن جابر قال: كان في بني إسرائيل
رجل له حمارٌ، فقال: يا رب لو كان لك حمارٌ لعلفته مع حماري هذا. فهم به نبيٌ،
فأوحى اللّه إليه: إنما أثيب كل إنسان على قدر عقله.
لابن سيرين عن رجل أحمق رأى مناماً حدّثني محمد بن خالد بن خداش عن أبيه عن حماد
بن زيد عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين أن رجلاً رأى في المنام أن له غنماً
وكأنه يعطى بها ثمانيةً ثمانيةً، ففتح عينه فلم ير شيئاً، فغمض عينه ومد يده وقال:
هاتوا أربعةً أربعةً.
بين أحد العباد، وكان أحمق، ورجل مر رجل من العباد وعلى عنقه عصا في طرفيها زبيلان
قد كادا يحطمانه، في أحدهما بر وفي الآخر ترابٌ، فقيل له: ما هذا? قال: عدلت البر
بهذا التراب، لأنه كان قد أمالني في أحد جانبي. فأخذ رجلٌ زبيل التراب فقلبه وجعل
البر نصفين في الزبيلين وقال له: احمل الآن؛ فحمله، فلما رآه خفيفاً قال: ما أعقلك
من شيخ!
حفر أعرابي لقوم قبراً في أيام الطاعون بدرهمين، فلما أعطوه الدرهمين قال: بأبي
دعوهما عندكم حتى يجتمع لي ثمن ثوب.
لأم عمرو بنت جندب كانت أم عمرو بنت جندب بن عمرو بن جمعة السدوسي عند عثمان بن
عفان، وكانت حمقاء تجعل الخنفساء في فيها ثم تقول: حاجيتك ما في فمي? وهي أم عمرو
وأبان ابني عثمان.
لبعض ولاة بني أمية على المدينة إبراهيم بن المنذر قال: حدّثنا زيد بن عبد الرحمن
بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده قال: رأيت طارقاً وهو والٍ الخلفاء من بني أمية على
المدينة يدعو بالغداء فيتغدى على منبر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ويكون فيه
العظم المخ فينكته على رمانة المنبر فيأكله.
أم غزوان الرقاشي لابنها قالت أم غزوان الرقاشي لابنها - ورأته يقرأ في المصحف - :
يا غزوان، أما تجد فيه بعيراً لنا ضل في الجاهلية? فما كهرها وقال: يا أمه، أجد
والله فيه وعداً حسناً ووعيداً شديداً.
بين ابن أبي عتيق ورجل سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى قال: قال ابن أبي عتيق
لرجل: ما اسمك? قال: وثابٌ. قال: فما كان اسم كلبك? قال: عمرو. قال: واخلافاه!
لأبي الدرداء في علامات الجاهل قال أبو الدرداء: علامة الجاهل ثلاثٌ: العجب، وكثرة
المنطق فيما لا يعنيه، وأن ينهى عن شيء ويأتيه.
أغمي على رجل من الأزد فصاح النساء واجتمع الجيران وبعث أخوه إلى غاسل الموتى فجاء
فوجده حياً بعد؛ فقال أخوه: اغسله فإنك لا تفرغ من غسله حتى يقضي.
لأردشير في عيب الجهل وقال أردشير: بحسبكم دلالةً على عيب الجهل أن كل إنسان ينتفي
منه ويغضب إذا نسب !ليه.
وكان يقال: لا يغرنك من الجاهل قرابةٌ ولا أخوة ولا إلفٌ فإن أحق الناس بتحريق
النار أقربهم منها.
لعمر بن عبد العزيز في خصال الجاهل قال عمر بن عبد العزيز: خصلتان لا تعدمانك من
الجاهل: كثرة الالتفات وسرعة الجواب.
عمر بن الخطاب ينهي عن مؤاخاة الأحمق وقال عمر بن الخطاب: إياك ومؤاخاة الأحمق
فإنه يريد أن ينفعك فيضرك.
وقال بعضهم: لأن أزاول أحمق أحب إلي من أن أزاول نصف أحمق؛ يعني الأحمق المتعاقل.
لهشام بن عبد الملك فيما يعرف به الأحمق وقال هشام بن عبد الملك يعرف حمق الرجل
بأربعةٍ: بطول لحيته، وبشناعة كنيته، ونقش خاتمه، وإفراط شهوته ؛ فدخل عليه ذات
يوم شيخٌ طويل العثنون، فقال هشام: أما هذا فقد جاء بواحدة، فانظروا أين هو من
الثلاث؛ فقيل له: ما كنيتك? فقال: أبو الياقوت ؛ وقالوا: ما نقش خاتمك? قال:
وجاءوا على قميصه بدمٍ كذبٍ وفي حكاية أخرى وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد؛
فقيل له: أي الطعام تشتهي? فقال: جلنجبين، وفي حكاية أخرى: مصاصة لعمر بن عبد
العزيز سمع عمر بن عبد العزيز رجلاً ينادي رجلاً: يا أبا العمرين، فقال: لو كان له
عقلٌ كفاه أحدهما.
لأبي العاج والي واسط وقال أبو العاج يوماً لجلسائه - وكان يلي واسط - : إن الطويل
لا يخلو من أن يكون فيه إحدى ثلاث: أن يفرق الكلاب، أو يكون في رجله قرحةٌ، أو
يكون أحمق، وما زلت وأنا صغيرٌ في رجلي قرحةٌ، وما فرق الكلاب أحدٌ فرقي، وأما
الحمق فأنتم أعلم بواليكم.
ويقال: الأحمق أعلم بشأنه من العاقل بشأن غيره.
شعر لبشار وقال بشار:
خليلي إن العسر سـوف يفـيق |
|
لأن يساراً في غد لـخـلـيق |
وما كنت إلا كالزمان إذا صحـا |
|
صحوت لأن ماق الزمان أموق |
ذريني أشب همي براحٍ فإننـي |
|
أرى الدهر فيه كربةٌ ومضيق |
وقال رجل: فلان إلى من يداوي عقله أحوج
منه إلى من يداوي بدنه.
لبعض الحكماء قيل لبعض الحكماء: متى يكون الأدب شراً من عدمه? قال: إذا كثر الأدب
ونقص العقل.
من كتاب الهند في الحمق والحمقاء وقرأت في كتاب للهند: من الحمق التماس الرجل
الإخوان بغير وفاءٍ، والأجر بالرياء، ومودة النساء بالغلظة، ونفع نفسه بضر غيره،
والعلم والفضل بالدعة والخفض. وفيه: ثلاثة يهزأ بهم: مدعي الحرب ولقاء الزحوف وشدة
النكاية في الأعداء وبدنه سليمٌ لا أثر به، ومنتحل علم الدين والإجتهاد في العبادة
وهو غليظ الرقبة أسمن من الأثمة، والمرأة الخلية تعيب ذات الزوج. أيضاً من كتاب
الهند في خمسةٍ يعملون بجهل
وفيه: من يعمل بجهلٍ خمسةٌ: مستعمل الرماد في جنته بدلاً من الزبل، ومظهر مستور
عورته، والرجل يتزيا بزي المرأة والمرأة تتزيا بزي الرجل، والمتملك في بيت مضيفه،
والمتكلم بما لا يعنيه ولا يسأل عنه.
وفيه: الأدب يذهب عن العاقل السكر ويزيد الأحمق سكراً، كما أن النهار يزيد كل ذي
بصر بصراً ويزيد الخفافيش سوء بصر.
وكانوا يكرهون م ن يزيد منطق الرجل على عقله.
لبعض الشعراء في جاهل قال الشاعر في جاهل :
ما لي أرى الناس يأخذون ويع |
|
طون ويستمتعون بالنـشـب |
وأنت مثل الحمار أبـهـم لا |
|
تشكو جراحات ألسن العرب |
بين الأحنف ورجل سمع الأحنف رجلاً يقول:
ما أبالي أمدحت أم هجيت. فقال الأحنف: استرحت من حيث تعب الكرام.
لعامر بن كريز، وهو من حمقى قريش، وقد سمع ابنه عبد الله وهو يخطب كان عامر بن
كريز أبو عبد الله بن عامر من حمقى قريش، نظر إلى ابنه عبد الله وهو يخطب فأقبل
على رجل إلى جانبه وقال: إنه واللّه خرج من هذا، وأشار إلى ذكره.
العاص بن هشام، من حمقى قريش ومن حمقى قريش العاص بن هاشم أخو أبي جهل وكان أبو
لهب قامره فقمره ماله ثم داره ثم قليله وكثيره وأهله ونفسه فاتخذه عبداً وأسلمه
قيناً، فلما كان يوم بدر بعث به عن نفسه فقتل ببدر كافراً، قتله عمر بن الخطاب،
وكان خال عمر.
من حمقى قريش أيضاً: الأحوص بن جعفر ومن حمقى قريش الأحوص بن جعفر بن عمرو بن
حريث، قال له يوماً مجالسوه: ما بال وجهك أصفر! أتشتكي شيئاً? وأعادوا عليه ذلك،
فرجع إلى أهله يلومهم ويقول لهم: أنا شاكٍ ولا تعلمونني! ألقوا عليّ الثياب
وابعثوا إلى الطبيب.
وتمارض مرةً فعاده أصحابه وجعل لا يتكلم، فدخل شراعة بن عبيد اللّه بن الزندبوذ
وكان أملح أهل الكوفة، فعرف أنه متمارضٌ فقال: يا فلان كنا أمس بالحيرة فأخذنا
الخمر ثلاثين قنينة بدرهم. والخمر يومئذ ثلاث قناني بدرهم، فرفع الأحوص رأسه وقال:
كذا مني في كذا من أم الكاذب. واستوى جالساً، فنثر أهله على شراعة السكر؛ فقال له
شراعة: أجلس لا جلست وهات شرابك. فشربا يومهما.
من حمق بكار بن عبد الملك بن مروان ومن حمقى قريش بكار بن عبد الملك بن مروان،
وكان أبوه ينهاه أن يجالس خالد بن يزيد بن معاوية لما يعرف من حمق ابنه، فجلس
يوماً إلى خالد، فقال بكار: أنا والله كما قال الأول: مرددٌ في بني اللخناء ترديدا
وكان له بازٍ فقال لصاحب الشرطة: أغلق أبواب المدينة لئلا يخرج البازي.
أيضاً لمعاوية بن مروان من حمقى قريش، بينه وبين طحان ومن حمقى قريش معاوية بن
مروان أخو عبد الملك بن مروان. بينا هو واقف بباب دمشق ينتظر عبد الملك على باب
طحان نظر إلى حمار الطحان يدور الرحا وفي عنقه جلجلٌ، فقال للطحان: لم جعلت في عنق
الحمار جلجلاً? فقال: ربما أدركتني سآمةٌ أو نعسةٌ فإذا لم أسمع صوت الجلجل علمت
أنه قام فصحت به؛ فقال معاوية: أرأيت إن قام وحرك رأسه ما علمك أنه قائم? قال
الطحان: ومن لحماري بمثل عقل الأمير!.
بين معاوية بن مروان وأبي امرأته وقال معاوية هذا لأبي آمرأته: ملأتنا أبنتك
البارحة بالدم؛ فقال: إنها من نسوة يخبأن ذلك لأزواجهن.
وقال له أيضاً يوماً آخر: لقد نكحت ابنتك بعصبة ما رأت مثلها قط. فقال له: لو كنت
عنيناً ما زوجناك.
سليمان بن يزيد بن عبد الملك ومن حمقى قريش سليمان بن يزيد بن عبد الملك، قال
يوماً: لعن اللّه الوليد أخي فإنه كان فاجراً، واللّه لقد أرادني على أن يفعل بي.
فقال له قائل: أسكت فوالله لئن كان هم لقد فعل.
لعائشة بنت عثمان في أخي سعيد بن العاص خطب سعيد بن العاص عائشة بنت عثمان على
أخيه، فقالت: هو أحمق لا أتزوجه أبداً، له برذونان أشهبان فهو يحتمل مؤونة اثنين
وهما عند الناس واحدٌ.
وأخبرني رجل أنه كان له صديق له برذونان في شيةٍ واحدة فكنا لا نظن إلا أن له
برذوناً واحداً، وغلامان يسميان جميعاً بفتح، وكان إذا دعا واحداً قال: يا فتح
الكبير، وإذا دعا لآخر قال: يا فتح الصغير.
لعجيل بن لجيم وقد سأله ابنه عن اسم لفرسه قال أبو عبيدة: أرسل ابن لعجل بن لجيم
فرساً له في حلبة فجاء سابقاً، فقال لأبيه: يا أبت، بأي شيء أسميه? فقال: افقأ
إحدى عينيه وسمه الأعور.
لبعض الشعراء يهجو بني عجل وقال الشاعر:
رمتني بنـو عـجـلٍ بـداء أبـيهـم |
|
وأي عباد الله أنـوك مـن عـجـل! |
أليس أبـوهـم عـار عـين جـواده |
|
فأضحت به الأمثال تضرب في الجهل |
ومن عجل "دغة" التي يضرب بها
المثل في الجهل، فيقال: هي دغة بنت مغنج؛ ويقال: دغة لقبٌ، واسمها مارية بنت زمعة.
لحيان بن غضبان قال أبو اليقظان: ومن عجل حيان بن غضبان ورث نصف دار أبيه فقال:
أريد أن أبيع حصتي من الدار وأشتري النصف الباقي فتصير كلها لي.
ومن القبائل المشهور فيها الحمق الأزد شعر لأزدي في المهلب بن أبي صفرة قال رجلٌ
منهم في المهلب بن أبي صفرة:
نعم أمير الرفقة المهـلـب |
|
أبيض وضاحٌ كتيس الحلب |
ينقص بالقوم انقضاض الكوكب فلما أنشده المهلب، قال: حسبك رحمك الله! من أشعار الأزديين ومن أشعارهم:
يا رب جاريةٍ في الحي حالية |
|
كأنها عومةٌ في جوف راقود |
وقال آخر منهم :
زياد بن عمرٍو عينه تحت حاجبه |
|
وأسنانه بيضٌ وقد طر شاربـه |
شعر لعمر بن لجا يصف إبلاً وقال عمر بن لجأٍ يصف إبلاً:
تصطك ألحيها على دلائها |
|
تلاطم الأزد على عطائها |
لأبي دحية النميري وقال أبو حية النميري:
وكأن غلي دنانهم في دورهم |
|
لغط العتيك على خوان زياد |
بين أزدي ويزيد بن المهلب كتب مسلمة بن
عبد الملك إلى يزيد بن المهلب: والله ما أنت بصاحب هذا الأمر، صاحب هذا الأمر
مغمورٌ موتورٌ وأنت مشهورٌ غير موتورٍ، فقام إليه رجل من الأزد فقال: قدم ابنك
مخلداً حتى يقتل فتصير موتوراً.
أيضاً بين أزدي وعبيد اللّه بن زياد قام رجل من الأزد إلى عبيد الله بن زياد فقال:
أصلح الله الأمير، إن امرأتي هلكت وأردت أن أتزوج أمها وأزوج ابني ابنتها وهذا
عريفي، فأعني في الصداق ؛ فقال: في كم أنت من العطاء? قال: في سبعمائةٍ ؛ قال: حطا
عنه أربعمائةٍ، يكفيك ثلاثمائةٍ.
لقبيصة بن المهلب ومن حمقى الأزد قبيصة بن المهلب، رأى جراداً يطير فقال: لا
يهولنكم ما ترون فإن عامتها موتى.
وقال يوما: رأيت غرفةً فوق بيت.
وقال لغلامه: اذهب إلى بياض الملاء.
بين كلاب بن صعصة وأخوته ومن حمقى العرب كلاب بن صعصعة، خرج أخوته يشترون خيلاً
وخرج معهم كلا بٌ فجاء بعجل يقوده؛ فقال له أخوته: ما هذا? قال: فرسٌ اشتريته،
قالوا: يا مائق، هذه بقرةٌ أما ترى قرنيها! فرجع إلى بيته فقطع قرنيها، فأولاده
يدعون بني فارس البقرة شعر للكميت قال الكميت:
ولولا أمير الـمـؤمـنـين وذبـه |
|
بخيل عن العجل المبرقع ما صهل |
شذرة بن الزبرقان وكان شذرة بن الزبرقان
من الحمقى، دخل يوم الجمعة المسجد فأخذ بعضادتي الباب ثم قال: السلام عليكم، أيلج
شذرة? فقالوا له: هذا يومٌ لا يستأذن فيه. قال: أفيلج مثلي على جماعة مثل هؤلاء
ولا يعرف مكانه! لرجل من كلب استعمله معاوية ثم عزله عوانة قال: استعمل معاوية
رجلاً من كلب؛ فذكر المجوس يوماً فقال: لعن الله المجوس ينكحون أمهاتهم، والله لو
أعطيت عشرة آلاف ما نكحت أمي. فبلغ ذلك معاوية، فقال: قبحه الله! أترونه لو زادوه
فعل؛ وعزله.
للحارث بن جران وقد سأله قوم إعانتهم في بناء مسجد حدّثني أبو حاتم عن الأصمعي
قال: سأل القوم الحارث بن جران أن يعينهم في تأسيس مسجد؛ فقال: قيروه وعليّ الودع.
لوالي اليمامة وسبب تسميته بمقوم الناقة خطب والي اليمامة فقال: إن اللّه لا يقار
على المعاصي عباده، وقد أهلك أمةً عظيمةً في ناقة ما كانت تساوي مائتي درهم. فسمي
مقوم الناقة.
ليزيد بن ثروان وقد شرد له بعير شرد بعيرٌ لهبنقة، واسمه يزيد بن ثروان، فقال: من
وجد بعيري فهو له. فقيل له: وما ينفعك من هذا? قال: إنكم لا تدرون ما حلاوة
الوجدان.
بين المنصور والربيع والقاسم بن محمد الطلحي وقال المنصور للربيع: كيف تعرف الريح?
قال: أنظر إلى خاتمي فإن كان سلساً فهي شمالٌ وإلا فهي جنوبٌ. فسأل القاسم بن محمد
الطلحي عن ذلك؛ فقال: أضرب بيدي إلى خصيتي فإن كانتا قد قلصتا فهي شمالٌ وإن كانتا
متدليتين فهي جنوبٌ.
من أخبار أبي كعب القاص
قال أبو كعب القاص في قصصه: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في كبد حمزة ما قد
علمتم، فادعوا الله أن يطعمنا من كبد حمزة.
وكان يقول في قصصه: ليس في خيرٌ ولا فيكم، فتبلغوا بي حتى تجدوا خيراً مني.
وقال هو أو غيره في قصصه: كان اسم الذئب الذي أكل يوسف كذا وكذا؛ قالوا: فإن يوسف
لم يأكله الذئب؛ قال: فهذا اسم الذئب الذي لم يأكل يوسف.
لقاص يضرب مثلاً في الكافر والمؤمن.
حدّثني عبد الرحمن بن عبد الله عن عمه قال: كان قاصٌ يقص في المسجد فيقول: مثل
الكافر مثل قصر الإسكاف خارجه حسن وداخله مخرأةٌ، ومثل المؤمن مثل قصر زربي جداره
كالحٌ وداخله زهرةٌ.
ويقول: وما الدنيا! أخزى الله الدنيا! إنما مثلها مثل أير حمارٍ، بينا هو قد أنعظ
إذ طفيء.
وقال: المؤمن غذاؤه فلقةٌ وسمكته شلقةٌ ودواؤه علقةٌ ومرقته سلقةٌ.
بين داود المصاب وصاحب له أصابت داود المصاب مصيبةٌ فاغتم؛ فقال له صاحبٌ له: لا
تتهم اللّه في قضائه. فقال داود: أقول لك شيئاً وتكتمه? قال: نعم. قال: والله ما
صاحبي غيره.
وبينه وبين رجل استشاره في حمل أمه إلى البصرة واستشاره رجل في حمل أمه إلى
البصرة، وقال: إن حملتها في البر خفت عليها اللصوص، وإن حملتها في الماء خفت عليها
الغرق؛ فقال: خذ بهم سفتجةً.
بين بعض السلاطين ومجنونين دعا بعض السلاطين مجنونين ليضحك منهما، فأسمعاه فغضب
فدعا بالسيف؛ فقال أحدهما للآخر: كنا اثنين وقد صرنا ثلاثةً.
بين ابن سيابة ورجل اتهمه بعدم معرفة الله قال رجل لابن سيابة مولى بني أسد: ما
أراك تعرف الله. قال: أتراني لا أعرف من أجاعني وأعراني وأخزاني.
لأعرابي وسئل عن بره بأمه قيل لأعرابي: كيف برك بأمك? قال: ما قرعتها سوطاً قط.
أيضاً لأعرابي ضرب أمه وقيل لآخر وهو يضرب أمه: ويحك؛ تضرب أمك! فقال: أحب أن تنشأ
على أدبي.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
جنونك مجنون ولست بواجدٍ |
|
طبيباً يداوي من جنون جنون |
وقال آخر:
وكيف يفيق الدهر كعب بن ناشبٍ |
|
وشيطانه بين الأهـلة يصـرع |
شعر لأعرابي وذكر الله عز وجل وقال أعرابي وذكر اللّه عز وجل:
خلق السماء وأهلها في جمعةٍ |
|
وأبوك يمدر حوضه في عام |
بين أبو العاج وصاحب شرطته كان أبو العاج
والي واسط، وأتاه صاحب شرطته بقوادةٍ فقال: أصلح اللّه الأمير، هذه قوادةٌ. قال:
وأي شيء تصنع? قال: تجمع بين الرجال والنساء. قال: لماذا? قال: للزنا؛ قال: وإنما
أتيتني بها لتعرفها منزلي! خل عنهم لعنك الله.
وأتاه يوماً بمخنثٍ، فقال له: ما هذا? قال: مخنثٌ؛ قال: وما يصنع? قال: ينكح كما
تنكح المرأة؛ قال: يبذل هذا آسته وأحظر أنا عليه! اذهب يابن أخي فارتد لها.
لوكيع بن أبي أسود خطب وكيع بن أبي أسودٍ بخراسان فقال: إن اللّه خلق السموات
والأرض في ستة أشهرٍ؛ فقيل له: إنها ستة أيام ؛ فقال: واللّه لقد قلتها وأنا
أستقلها.
بين سليمان بن عبد الملك ورجل تغدى رجلٌ عند سليمان بن عبد الملك وهو يومئذ ولي
عهدٍ وقدامه جدي، فقال له سليمان: كل من كليته فإنها تزيد في الدماغ؛ فقال: لو كان
هذا هكذا كان رأس الأمير مثل رأس البغل.
صاحب اللجام أبو عبيد ة: أجريت الخيل فطلع منهم فرسٌ سابقٌ فجعل رجل من النظارة
يكبر ويثب من الفرح؛ فقال له رجل إلى جانبه: يا فتى، هذا الفرس فرسك? قال: لا ولكن
اللجمام لي.
بين أبو عتاب وعمرو بن هداب دخل أبو عتاب على عمرو بن هداب وقد كف بصره والناس
يعزونه، فقال: يا أبا زيدٍ، لا يسوءنك ذهابهما، فإنك لو رأيت ثوابهما في ميزانك
تمنيت أن الله قطع يديك ورجليك ودق ظهرك.
بين أعمى وقائده كان رجل يقود أعمى بكراءٍ، فكان الأعمى ربما عثر فيقول: اللهم
أبدلني به قائداً خيراً منه. ويقول القائد: اللهم أبدلني أعمى خيراً منه.
لأبي بكر الشيباني ادعى أبو بكر الشيباني إلى العرب ذات ليلة فأصبح من الغد على
الشمس فقعد فيها فثارت به مرةٌ، فجعل يحك جسده بأظفاره خمشاً ويقول: إنما نحن إبل؛
فقال له قائل: والله إنك تشبه العرب، فغضب وقال: أيقال لي هذا! أنا واللّه حرباء
تنضبةٍ، يشهد لي سواد لوني وغؤور عيني وحبي للشمس.
أبو السفاح يوصي عند موته
قيل لأبي السفاح عند موته: أوصه؛ فقال: إنا لكرام قوم طخفة. قالوا: قل خيراً يا
أبا السفاح؛ فقال: إن أحبت امرأتي فأعطوها بعيراً؛ قالوا: قل خيراً? قال: إذا مات غلامي
فهو حر.
ولرجل عند موته وقيل لرجل عند موته: قل لا إله إلى الله، فأعرض، فأعادوا عليه
مرارا، فقال: أخبروني عن أبي طالب أقالها عند موته? قالوا: وما أنت وأبو طالب!
قال: لا أرغب بنفسي عنه.
أيضا لعجير السلولي عند موته ولما احتضر العجير السلولي قال لقوم عنده: أنا في آخر
يوم من أيام الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة، واللّه لئن وجدت لي عند الله موضعاً
لأكلمنه فيكم.
مثله لأوس بن حارثة، وغيره وقيل لأوس بن حارثة عند موته: قل لا إله إلا اللّه.
فقال: لم يأن لهم بعد.
وقيل لآخر عند موته: ألا توصي? قال: أنا مغفور لي؛ قالوا: قل إن شاء الله، قال: قد
شاء الله ذلك. قالوا: لا تدع الوصية، فقال لبني أخيه:
بني حريث ارفعا وسادي |
|
واحتفظا بالجلة الجـلاد |
فإنما حوليهما الأعادي |
|
|
لسهل بن هم هارون قال سهل بن هارون: ثلاثة من المجانين وإن كانوا عقلاء. الغضبان والغيران والسكران? قالوا: فما تقول في المنعظ? فضحك وقال:
وما شر الثلاثة أم عمرو |
|
بصاحبك الذي لا تصبحينا |
للوليد قال الوليد: إلا إن أمير المؤمنين
عبد الملك كان يقول: إن الحجاج جلدة ما بين عيني، لا وإن الحجاج جلدة وجهي كله.
العتاب بن ورقاء يحث على الجهاد خطب عتاب بن ورقاء فحث على الجهاد وقال: هذا كما
قال الله تعالى:
كتـب الـقـتـل والـقـتـال |
|
عليّنا وعلى الغانيات جر الذيول |
شعر في الربيع والي اليمامة وقال آخر في الربيع وإلى اليمامة:
شهدت بأن الله حق لـقـاؤه |
|
وأن الربيع العامري رقيع |
أقاد لنا كلباً بكلب ولـم يدع |
|
دماء كلاب المسلمين تضيع |
بين شاب دخل على المنصور والربيع دخل شاب
على المنصور فسأله عن وفاة أبيه، فقال: مات رحمه اللّه يوم كذا وكذا، وكان مرضه
رضي الله عنه كذا وكذا، وترك عفا اللّه عنه من المال كذا وكذا? فانتهزه الربيع
وقال: أبين يدي أمير المؤمنين توالي الدعاء لأبيك! فقال الشاب: لا ألومك، إنك لم
تعرف حلاوة الآباء؛ فما علم أن المنصور ضحك مثل ضحكه يومئذ. وكان الربيع لقيطاً.
هاشمي دخل على المنصور والربيع دخل رجل من بني هاشم على المنصور فاستجلسه ودعا
بغدائه فقال للفتى: ادن! فقال. قد تغذيت؛ فلما خرج استخف به الربيع ودفع في قفاه،
وقال: هذا كان يسلم من بعيد وينصرف، فلما استدناه أمير المؤمنين وأمره بالجلوس
ودعاه إلى طعامه تبذل بين يديه فبلغ من جهله بفضيلة المنزلة التي صيره فيهم أن
قال: قد تغذيت، وإذاً ليس عنده لمن تغدى مع أمير المؤمنين إلا سد خلة الجوع.
للحجاج على قبر رجل من جند أهل الشام يونس الهجري قال: مات رجل من جند أهل الشام
فحضر الحجاج جنازته، وكان عظيم القدر، فصلى وجلس على قبره وقال: لينزل قبره بعض
إخوانه! فنزل نفر منهم، فقال أحدهم وهو يسوي عليه: رحمك اللّه أبا فلان! إن كنت ما
علمتك لتجيد الغناء وتسرع رب الكأس، ولقد وقعت في موقع سوء لا تخرج نه إلى الدكة؛
فما تمالك الحجاج أن ضحك فأكثر، وكان لا يكثر الضحك في جد ولا هزل، ثم قال له: لا
أم لك! هذا موضع هذا! قال: أصلح الله الأمير، فرسي حبيس لو سمعه يتغنى:
يا لبينى أوقدي النارا |
لانتشر الأمير على سنعة. وكان الميت يلقب
سعنة، وكان من أوحش خلق اللّه صورة وأدمهم؛ فقال الحجاج: إنا الله! أخرجوه عن
القبرة؛ ثم قال: ما أبين حجة أهل العراق في جهلكم يا أهل الشأم. ولم يبق أحد حضر
القبر إلا استفرغ ضحكاً.
بين داود بن المعتمر وامرأة تبع داود بن المعتمر امرأة ظن أنهم من الفواسد، فقال
لهم: لولا ما رأيت عليك من سيما الخير لم اتبعك؛ فضحكت المرأة وأسندت ظهرهم إلى
الحائط ثم قالت: إنما يعتصم مثلي من مثلك بسيما الخير، فإذا صار سيما الخير هو
الدال لمثلك على مثلي فاللّه المستعان.
كان بهلول المجنون يتغنى بقيراط ولا يسكت إلا بدانقٍ.
وكان رجل يهوى جارية تختلف في حوائج أهلها، وكانت إذا خرجت إلي السوق ولم يعلم
بخروجهم ثم رجعت فرآهم قال وهو يسمعهم: "لو كنت أعلم بالغيب لاستكثرن من
الخير" إن وعدته شيئاً فأخلفت قال: "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما
لا تفعلون" فإن تغضبت لشيء بلغها عنه قال: "يا أيها الذين آمنوا إن
جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا".
بين امرأة تبكي على قبر وأحمق مر بعض الحمقى بامرأة قاعدة على قبر وهي تبكي، فرق
لهم وقال: من هذا الميت? قالت: زوجي؛ قال: فما كان عمله? قالت. يحفر القبور؛ قال:
أبعده الله أما علم أن من حفر حفرة وقع فيها! لأحمق أحدّث على باب رجل أحدّث رجل
من الحمقى ليلة على باب رجل، فلما خرج الرجل زلق ووقع على ذراعه فانكسرت، واجتمع
الجيران وجعلوا يختصمون ويوقعون الظنون وهو ناحية يسمع كلامهم، فلما أكثروا قال:
رأيت الحرب يجنيهم رجال |
|
ويصلى حرها قوم بـراء |
فأخذوه وقالوا: أنت صاحبنا.
لداود المصاب وقد رأى رؤيا قال داود المصاب: رأيت رؤيا نصفها حق ونصفهم باطل، رأيت
كأن على عنقي بدرة فمن ثقلهما أحدّثت فاستيقظت فرأيت الحدّث ولم أر البدرة.
الأعرابي رئي أعرابي يبكي بكاء شديداً، فسئل عن سبب بكائه فقال. بلغني أن جالوت
قتل مظلوماً.
بين أحمق وشيخ رأى رجل أحمق شيخاً في الحمام أعكن البطن، فقال له: يا عم إني أشتهي
أن أضع هذا - يعني ذكره - في سرتك؛ فقال له الشيخ: يا بن أخي فأين يكون استك
حينئذ.
لأعرابي وقد نزل عليه يهودي ومات عنده نزل يهودي على أعرابي فمات عنده، فقام
الأعرابي يصلي عليه فقال: اللهم إنه ضيف وحق الضيف ما قد علمت، فأمهلنا إلى أن
نقضي ذمامه ثم شأنك والكلب.
بين اثنين شركاء في عبد وحدّثني عبد الرحمن عن الأصمعيّ قال: كان بين اثنين عبد
فقام أحدهما فجعل يضربه؛ فقال له الآخر شريكه: ما تصنع? قال: إنما أضرب حصتي.
بين أعرابي ورجل قال أعرابي لرجل: ما اسمك? قال: عبد الله. قال: ابن من? قال: ابن
عبيد اللّه. قال: أبو من? قال: أبو عبد الرحمن. قال: أشهد إنك لتلوذ بالله لواذ
يتيم جبان.
لبعضهم عن رجلين بالبصرة يتنازعان قال بعضهم: رأيت رجلين بالبصرة على باب مويس
يتنازعان في العنب النيروزي والرازقي: أيهما أطيب، فجرى بينهما كلام إلى أن
تواثبا، فقطع الكوفي إصبع البصري وفقأ البصري عين الكوفي، ثم لم ألبث إلا يسيراً
حتى رأيتهما متصافيين متنادمين.
بين ثمامة وشيخ يحتجيم قال: وقال ثمامة: مررت في غب سماء والأرض ندية والسماء
متغيمة والريح شمال وإذا شيخ أصفر كأنه جرادة، وقد قعد على قارعة الطريق وحجام
يحجمه على كاهله وأخدعيه بمحاجم كأنها قعاب وقد مص دمه حتى كاد يستفرغه؛ فوقفت
وقلت: يا شيخ لم تحتجم? قال: لمكان الصفار الذي بي.
الطمحان يعود مريضاً أتى الطمحان قوماً يعود عليّلاً لهم عزاهم به؛ قالوا: إنه لم
يمت! فرجع وهو يقول. يموت إن شاء الله، يموت إن شاء الله.
لنافع عن حمق الناضري أبو حاتم عن الأصمعيّ عن نافع قال: كان الغاضري من أحمق
الناس! فقيل له: ما حمقه? فجعل يتربث، فلما أكثر عليه قال. قال لي مرة: البحر من
حفره? وها حفر فأين نبيثته? أترى أمير المؤمنين يقدر على أن يحفر مثله في ثلاثة
أيام? لشاعر أحمق وشريف دخل رجل من الحمقى من الشعراء على رجل من الأشراف يقال في
نسبه، فقال: إني قد امتدحتك بشعر لم تمدح قط بأنفع لك منه؛ قال: ما أحوجني إلى
المنفعة فهاته فقال:
سألت عن أصلك فيما مضى |
|
ابناء سبعين وقـد نـيفـوا |
فكلهـم يخـبـرنـي أنـه |
|
مهذب جوهـره يعـرف |
فقال له: قم في لعنة الله وفي سخطه! لعنك
الله ولعن من سألت ومن أجابك.
بين أعرابي وعمه وحدّثنى أبو حاتم عن الأصمعي قال: جاء رجل من الأعراب إلى عمه
فقال: يا عم، إن ولد جارية آل فلان مني فافتده. ففعل! ثم جاءه مرة أخرى فقال له
مثل ذلك؛ فقال له عمه: لو عزلت! قال: بلغني أن العزل مكروه.
قال: وحدّثنا الأصمعيّ قال: بلغني عن شيخ جزع على ميت جزعاً شديداً؛ فقيل له في
ذلك: فقال: نحن قوم لم نتعود الموت.
أبو الحسن الجعفري قال: قيل لكردم السدوسي: كل؛ قال: ما أريد؛ قيل: ولم? قال: أكلت
قليل أرز فأكثرت منه.
لأعرابي أفعل بعيره
ضل بعير لأعرابي فجعل ينشده إلى أن دخل الإمارة فأخذ منها بعيراً؛ فقيل له. إن
بعيرك كان أعرابياً قال: إنه لما أكل من مال الإمارة تبخت.
لحبيش بن دلجة وأهل المدينة الهيثم عن ابن عباس قال: لما ولي مروان وجه حبيش ابن
دلجة القيني إلى المدينة وكان يصعد المنبر ومعه الكتلة من التمر فيأكلهم ثم يلقي
النوى على وجوه أهل المدينة يميناً وشمالاً، ثم يقول: يا أهل المدينة، إني لأعلم
أن هذا المكان في حرمته وموضعه ليس موضع أكل شرب، ولكني أحب أن أريكم هوانكم على
اللّه.
قيل لمعلم بن معلم: ما لك أحمق? قال: لو لم أكن أحمق كنت ولد زناً.
لبعض الشعراء قال بعض الشعراء:
فإن كنت قد بايعت مروان طائعاً |
|
فصرت إذاً بعد المشيب معلماً |
وقال آخر:
وكيف ترجي العقل والرأي عند من |
|
يروح على أنثى ويغدو على طفل |
لأبي عبد الله الكرخي وقد ادعى أنه فقيه
ابن المدائني قال: تحول أبو عبد الله الكرخي إلى الخريبة فادعى الفقه وظن أن ذلك
يجوز لمكان لحيته وسمته، فألقى على باب داره البواري وجلس فجلس إليه قوم فقال له
رجل منهم: يا أبا عبد الله، رجل في الصلاة أدخل إصبعه في أنفه فخرج عليها دم، أي
شيء يصنع? قال: يحتجم رحمك الله؛ فقال له السائل: ظننت أنك فقية ولم أدر أنك طبيب.
بين الشعبي ورجل قال رجل للشعبي: إني أجد في قفاي حكة فترى لي أن أحتجم? فقال
الشعبي: الحمد لله الذي نقلنا من الفقه إلى الحجامة.
وقال له آخر: رجل استمنى في يوم من شهر رمضان هل يؤجر? قال: أو ما يرضى أن يفلت
رأساً برأس.
بين التيمي وقوم نازع التيمي رجل من بني عمه في حائط بينهما فبعث إلى قوم يشهدهم،
فأتاه جماعة من القبائل، فوقف بهم على ذلك الحائط وقال: أشهدكم جميعاً أن نصف هذا
الحائط لي.
وقدم آخر رجلاً إلى القاضي في شيء يدعيه عليه، فأنكر الرجل، فقال: أيها القاضي
أكتب إنكاره؛ فقال القاضي: الإنكار في يدك متى شئت.
لمسعدة بن طارق الذراع وسيد بني تميم قال مسعدة بن طارق الذراع: إنا لوقوف على
حدود دار لنقسمهم ونحن في خصومة، إذ أقبل سيد بني تميم وموسرهم والمصلي على
جنائزهم، فأمسكنا عن الكلام، فقال: حدّثوني عن هذه الدار هل ضم منهم بعضنا إلى بعض
أحداً؛ قال مسعدة: فأنا منذ ستين سنة أفكر في كلامه فما أدري ما عنى.
بين أبي ضمضم وجارية أتت جارية أبا ضمضم فقالت: إن هذا قبلني؛ فقال: يا فتى، أذعن
لها بحقها، قبليه عافاك الله كما قبلك، فإن الله يقول: "والجروح قصاص".
للأصمعي حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: ألقيت على رجل فريضة فاشتدت عليه فجعل
يحسب غيرها؛ فقالوا له في ذلك؛ فقال: عسى أن يكون ترك غير ما ذكروا.
بين بعض الطالبيين وأشعب حدّثني محمد بن عمر عن ابن كناسة قال: قال بعض الطالبيين
لأشعب. لو رويت الحديث وتركت النوادر كان أنبل لك؛ قال: والله قد سمعت الحديث
ورويته؛ قال: فحدّثنا؛ قال: حدّثني نافع عن ابن عمر أن رسول اللّه صلى الله عليه
وسلم قال: خلتان من كانتا فيه كان من خالصة الله؛ قال: هذا حديث حسن فما هما? قال:
نسي نافع واحدة ونسيت أنا الأخرى.
لثلاثة بصريين أخوة وكان بالبصرة ثلاثة أخوة من ولد عتاب بن أسيد كان أحدهم يحج عن
حمزة ويقول: استشهد قبل أن يحج، وكان الآخر يضحي عن أبي بكر وعمرو يقول: اخطأا
السنة في ترك الأضحية، وكان الآخر يفطر عن عائشة أيام التشريق ويقول: غلطت في
صومها أيام العيد، فمن صام عن أبيه وأمه فأنا أفطر عن أمي عائشة.
لثمامة وشيخ من الدهاقين قال ثمامة: كنا في منزل رجل من الدهاقين وفينا شيخ منهم،
فأتى رب البيت بدهن طيب فدهن بعضنا رأسه وبعضنا لحيته ومسح بعضنا شاربه وبعضنا
يديه، فقال أحدهم: ادهنوا أستاهكم تأمنوا الحزاز، وأمروها على وجوهكم؛ فأخذ شيخ
منهم بطرف إصبعه فادخله في أنفه ومسح حاجبيه، فعمد الشيخ إلى بقية الدهن فصبه في
أذنه؛ فقلنا له: ويحك؛ هل رأيت أحداً أتي بدهن طيب فصبه في أذنه? قال: إنه مع هذا
يضرني.
لابن المبارك عن أبي خارجة قال عبد الله بن المبارك: كان عندنا رجل يكنى أبا
خارجة، فقلت له: لم كنوك أبا خارجة? قال: لأني ولدت يوم دخل سليمان بن عليّ
البصرة.
لشيخ إباضي
قال عمرو بن بحر: ذكر لي ذاكر عن شيخ من الإباضية أنه جرى ذكر الشيعة عنده فأنكر
ذلك واشتد غضبه؛ فقلت له: ما أنكرت? قال: أنكر مكان الشين في أول الكلمة لأني لم
أجدها قط إلا في مسخوط عليه مثل شؤم وشر وشيطان وشح وشغب وشيب وشك وشرك وشتك وشيعة
وشطرنج وشاكي وشانيء وشحج وشوصة وشابشتي وشكوى؛ فقلت: ما تقوم بهؤلاء قائمة أبداً.
قال: وسمعت رجلاً يقول: عجبت لمن يأخذه النوم هو لا يزعم أن الاستطاعة مع الفعل؛
فقلت له. ما الدليل على ذلك? فقال. سبحان اللّه! الأشعار الصحاح؛ قلت: مثل ماذا?
قال. مثل قول رؤبة:
ما إن يقعن الأرض إلا وفقا |
وقوله:
يهوين شتى ويقعن وفقا |
وقوله:
مكر مفر مقبل مدبر معاً |
وقولهم في المثل: "وقعا كعكمي
عير" ثم قال: هل في هذا مقنع? قلت: بلى وفي دون هذا.
لأحمق وقد وعد بنعل وعد رجل رجلاً من الحمقى أن يهدي له من مكة نعلاً، فطال عليه
الانتظار، فأخذ قارورة فبال فيهم ثم أتى بها الطبيب ثم قال: انظر في هذا الماء هل
يهدي لي بعض إخواني نعلا حضرمية? لأشعب وقال الزيادي: مر أشعب برجل طبقاً وقال له:
زد فيه طوقاً؛ قال: وبم? قال: لعله يهدى لي فيه شيء.
أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدّثنا إبراهيم بن القعقاع قال: رأيت أشعب بسوق المدينة
معه قطيفة قد ذهب خملها وهو يقول: من يشتري مني الرمدة? فأتاه رجل فساومه؛ قال:
أبرأ إليك من عيب فيها؛ قال: وما هو? قال: تحترق إن أنت لبستها.
بين أعرابي كسر أضلاعه والجابر سقط أعرابي من بعير له، فانكسرت ضلع من أضلاعه فأتى
الجابر يستوصفه؛ فقال: خذ تمراً جيداً فانزع أقماعه ونواه واعجنه بسمنٍ ثم أضمده
عليه؛ قال: أي بأبي أنت من داخل أم من خارج? قال: من خارج؛ قال: لا أبا لشانئك هو
من داخل أنفع لي؛ قال: ضعه حيث تعلم أنه أنفع.
لأعرابي وقد مات ابن صغير له مات ابن صغير لأعرابي، فقيل له. نرجو أن يكون لك
شفيعاً؛ ففال: لا وكلنا الله إلى شفاعته، حسبه المسكين أن يقوم بأمر نفسه.
لأعرابي وقد سمع الإمام يخطب في المسجد جاء أعرأبي إلى المسجد والإمام يخطب، فقال
لبعض القوم. ما هذا? قال: يدعون الناس إلى الطعام؛ قال: فما يقول صاحب المنبر?
قال. يقول ما يرضى الأعراب أن يأكلوا حتى يحملوا معهم، فتخطى الأعرابي الناس حتى
دنا من الوالي فقال: يا هذا، إن الذين يفعلون ما تقول سفهاؤنا.
بين الحجاج وأعرابي أخذ الحجاج لصاً أعرابياً فضربه سبعمائة سوط فكلما قرعه بسوط
قال: اللهم شكراً؛ فأتاه ابن عم له فقال: والله ما دعا الحجاج إلى التمادي في ضربك
إلا كثرة شكرك، لأن اللّه يقول: "ولئن شكرتم لأزيدنكم" فقال: إن هذا في
كتاب الله؛ فقال: اللهم نعم؛ فانشأ الأعرابي يقول:
يا رب لا شكر فـلا تـزدنـي |
|
أسرفت في شكرك فاعف عني |
باعد ثواب الشاكرين مـنـي |
|
|
فبلغ الحجاج فخلى سبيله.
بين أعرابي وصيرفي جاء أعرابي إلى صيرفي بدرهم؛ قال: هذا ستوق؛ فقال الأعرابي: وما
هو الستوق بأبي أنت? قال: داخله نحاس وخارجه فضة? قال: ليس كذلك؛ قال: أكسره فإن
كان كذلك فأنا منه برىء? قال. نعم؛ فكسره فلما رأى النحاس قال: بأبي أنت، متى
أموت? فأنا أشهد أنك تعلم الغيب.
للحطيئة عند وفاته وشعر له لما حضرت الحطيئة الوفاة قال: احملوني على حمار فإنه لم
يمت عليه كريم قط فلعليّ أن أبقى، ثم تمثل:
لكل جديد لذة غير أنـنـي |
|
رأيت جديد الموت غير لذيذ |
لرجل يدعو لأمه بمكة المدائني قال: دعا
رجل بمكة لأمه؛ فقال له قائل: فما بال أبيك? قال: هو رجل يحتال لنفسه.
لأشعب في شخص أطمع منه قيل لأشعب: أرأيت أحداً قط أطمع منك? قال: نعم خرجت إلى
الشأم فنزلت أنا ورفيق لي بدير فيه راهب، فتلاحينا في أمر فقلت: الكاذب منا كذا من
الراهب في كذا من أمه، فأتى الراهب وقد أنعظ وهو يقول: بأبي من الكاذب منكما?
إسحاق بن سليمان بن عليّ وقد مر على قاص مر إسحاق ببن سليمان بن عليّ الهاشمي بقاص
وهو يقرأ: "يتجرعة ولا يكاد يسيغه"، فتنفس ثم قال: اللهم اجعلنا ممن
يتجرعه ويسيغه.
الأصمعيّ عن أبيه: قلت لأعرابي: أفيكم زناً? قال: بالحرائر? ذاك عند الله عظيم،
ولكن مساعاة بهذه الإماء.
بين عليّ بن أبي طالب وطائفة شباب قريش
موسى بن طلحة قال: جاءنا عليّ بن أبي طالب رحمه الله ونحن في المسجد شباب من شباب
قريش. فنحينا له عن الأسطوانة وقلنا: هاهنا يا عم، فقال: يا بني أخي، أنتم لشيوخكم
خير من مهرة فإنه إذا كبر الشيخ فيهم شدوه عقالاً ثم يقال له. ثب فيه، فإن وثب
خلوا سبيله وقالوا. فيه بقية من علالة، وإن لم يثب قدموه فضربوا علاوته وقالوا: لا
يصيبك عندنا بلاء.
لبحر بن الأحنف قيل لبحر بن الأحنف: ما يمنعك أن تكون مثل أبيك? قال: الكسل.
وقال يوماً لزبراء جارية أبيه: يا زانية؛ فقالت: لو كنت كذلك جئت أباك بمثلك.
لرجل من الوجوه طلب منه كفن أبو الحسن قال: جاء قوم إلى رجل من الوجوه فقالوا له:
مات جارك فلان فمر لنا بكفن؛ فقال: ما عندنا اليوم شيء ولكن تعودون؛ قالوا: أفنملي
إلى أن يتيسر عندك شيء! وأتى رجل رجلاً فقال له: أصلحك الله، تعيرنا ثوباً نكفن
فيه ميتاً? قال قاسم التمار في كلام له: بينهما كما بين السماء إلى قريب من الأرض.
وقال أيضاً: رأيت إيوان كسرى فإذا هو كأنما رفعت اليد عنه أول من أمس.
لعبد الملك بن هلال الهينابي كان عبد الملك بن هلال الهينابي له زبيل مملوء حصاً
للتسبيح، فكان يسبح بواحدة واحدة، فإذا مل طرح ثنتين ثنتين ثم ثلاثاً ثلاثاً، فإذا
زاد ملاله طرحه قبضة قبضة وقال: سبحان اللّه عددك، فإذا ضجر أخذ بعرى الزبيل وقال:
الحمد لله بعدد هذا كله.
للرستمي وقوم نزلوا عنده دخل قوم منزل الرستمي لأمر وقع، فحضر وقت صلاة الظهر
فقالوا: كيف القبلة في دارك هذه? فقال: إنما نزلناها منذ شهر.
بين الشعبي وشيخ من جهينة المدائني عن عليّ بن مجاهد عن حميد بن أبي البختري أن
الشعبي قال: مرضت فلقيت ابن الحر فأمرني أن أمشي كل يوم إلى الثوية؛ فكنت أغدو كل
يوم إليهم، فانصرفت ذات يوم فلما كنت في جهينة الظاهرة إذا شيخ منهم قاعد على
طنفسة متكيء على وسادة، فسلمت ثم ألقيت نفسي على الرمل؛ فقال: لقد جلست جلسة عاجز
أو ضعيف؛ قلت: قد جمعتهما? قال: أدام الله لك ذلك. ثم قال: إن أهلي كانوا يتخوفون
عليّ ثلاثاً: نقصان البصر وترك النساء والقطاف في المشي، فوالله إنهبم ليرون الشخص
واحداً وأراه اثنين، ولقد تركت النساء فما لي فيهن من حاجة، وإني لأمشي فاهملج،
قلت: أدام الله لك ذلك.
ليزيد بن نهشل قال المدائني: ركب يزيد بن نهشل النهشلي بعيراً وقال. اللهم إنك قلت
"وما كنا له مقرنين" وإني لبعيري هذا لمقرن؛ فنفر به فطرحه وبقيت رجله
في الغرز، فجعل يضرب برأسه كل حجر ومدر حتى مات.
لابن عرباض يحكم في رجل يدعيه فريقان: طفاوة وبنو راسب حدّثنا أبو حاتم عن
الأصمعيّ قال: اختصمت الطفاوة وبنو راسب في رجل يدعيه الفريقان إلى ابن عرباض،
فقال: الحكم بينكم أبين من ذلك، يلقى في النهر فإن طفا فهو لطفاوة، وإن رسب فهو
لبني راسب.
للحطيئة عند وفاته المدائني قال: لما حضرت الحطيئة الوفاة قيل له: أوص؛ قال: بم
أوصي؛ مالي للذكور دون الإناث؛ فقالوا: إن اللّه لم يأمر بهذا! فقال. لكني آمر به؛
ثم قال. ويل للشعر من راوية الشعر؛ فقيل له. أوص يا أبا مليكة للمساكين بشيء؛ قال.
أوصيهم بالمسألة ما عاشوا فإنها تجارة لن تبور. قيل: أعتق عبد ك يساراً؛ قال:
اشهدوا أنه عبد ما بقي. قيل. فلان اليتيم ما توصي فيه? قال: اوصي أن تأكلوا ماله
وتنيكوا أمه؛ قالوا: ليس إلا هذا! قال: احملوني على حمار فإنه لم يمت عليه كريم
لعليّ أنجو؛ ومات مكانه.
سعد بن زيد يوصي لما حضرت سعد بن زيد الوفاة جمع ولده قال: يا بني أوصيكم بالناس
شراً، كلموهم نزراً، وانظروا اليهم شزراً، ولا تقبلوا لهم عذراً؛ قصروا الأعنة،
واشحذوا الأسنة، تأكلوا القريب، ويرهبكم البعيد.
لوكيع يوصي بنيه ولما حضرت وكيعاً الوفاة دعا بنيه فقال: يا بني إني لأعلم أن
قوماً سيأتونكم قد أقرحوا جباههم وعرضوا لحاهم يدعون أن لهم على أبيكم ديناً فلا
تقضوهم، فإن أباكم قد حمل من الذنوب ما إن غفر الله له لم تضرره، وإلا فهي مع ما
تقدم.
بين سوار القاضي وأعرابي من بني العنبر
تقدم رجل من بني العنبر إلى سوار فقال: إن أبي وتركني وأخاً لي، وخط خطين ناحية،
ثم قال: وهجيناً لنا، ثم خط خطاً آخر ناحية، ثم قال: كيف ينقسم المال بيننا? فقال:
المال بينكم أثلاثاً إن لم يكن وارث غير كم فقال له: لا أحسبك فهمت، إنه تركني
وأخي وهجيناً لنا؛ فقال سوار: المال بينكم سواء؛ فقال الأعرابي: أيأخذ الهجين كما
آخذ ويأخذ أخي? قال: أجل؛ فغضب الأعرابي وقال: تعلم واللة أنك قليل الخالات
بالدهناء؛ فقال سوار: إذا لا يضرني ذلك عند الله شيئاً.
بين أعرابي وبعض العمال قال بعض العمال لأعرابي: ما أحسبك تدري كم تصلي في كل يوم
وليلة? فقال: أرأيت إن أنبأنك بذلك تجعل لي عليك مسألة? قال: نعم؛ قال الأعرابي:
إن الصلاة أربعة وأربـع |
|
ثم ثلاث بعدهـن أربـع |
ثم صلاة الفجر لا تضيع |
|
|
قال: قد صدقت، فسل؛ قال: كم فقار ظهرك? قال: لا أدري؛ قال. أفتحكم بين الناس وأنت تجهل هذا من نفسك! لمحمد بن الجهم البرمكي أخبرني رجل حضر مجلس محمد بن الجهم البرمكي أنه دخل عليه رجل يكتب في حوائج له؛ فقرأها ووعده قضاءها؛ فنهض وهو يدعو له وقال: أبقاك اللّه وحفظك وأتم نعمته عليك؛ فقال له محمد بن الجهم: كتابي إليك وأنا في عافية.
طبائع الإنسان
طبائع
الإنسان من التوراة حدّثني عبد الرحمن بن عبد المنعم عن أبيه عن وهب بن منبه أنه
وجد في التوراة: إني حين خلقت آدم ركبت جسده من أربعة أشياء ثم جعلتهم وراثة في
ولده تنمي في أجسادهم وينمون عليهم إلى يوم القيامة: رطب ويابس وسخن وبارد، وذلك
لأني خلقته من تراب وماء ثم جعلت فيه نفساً وروحاً، فيبوسة كل جسد من قبل التراب،
ورطوبته من قبل الماء، وحرارته من قبل النفس، وبرودته من قبل الروح، ثم خلقت الجسد
بعد هذا الخلق الأول أربعة أنواع الخلق الآخر وهي ملاك الجسد بإذني وقوامه، لا
يقوم الجسد إلا بهن ولا تقوم واحدة إلا بهن، المرة الصفراء والمرة السوداء والدم
والبلغم، ثم أسكنت بعض هذه الخلق في بعض فجعلت مسكن اليبوسة في المرة السوداء ومسكن
الرطوبة في الدم ومسكن البرودة في البلغم ومسكن الحرارة في المرة الصفراء، فأيما
جسد اعتدلت فيه هذه الفطر الأربع فكانت كل واحدة منهن ربعاً لا يزيد ولا ينقص كملت
صحته واعتدل بنيانه، وإن زادت واحدة منهن غلبتهن وقهرنهن ومالت بهن ودخل على
أخواتها السقم من ناحيتهم بقدر ما زادت، وإذا كانت ناقصة تقل عنهن ملن بها وعلونها
وأدخلن عليها السقم من نواحيهن لقلتها عنهن حتى تضعف عن طاقتهم وتعجز عن مقاومتهن.
لوهب في مثل ذلك المعنى قال وهب: وجعل عقله في دماغه وشرهه في كليته، وغضبه في
كبده، وصرامته في قلبه، ورعبه في رئته، وضحكه في طحاله، وحزنه وفرحه في وجهه، وجعل
فيه ثلاثمائة وستين مفصلاً.
للنبي صلى الله عليه وسلم قال: حدّثني زيد بن أخزم قال: حدّثنا بشر بن عمر عن أبي
الزناد عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل
ابن آدم تأكل الأرض إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب".
لبعض الحكماء في التخنث وقالت الحكماء: الخنث يعتري الأعراب والأكراد والزنج
والمجانين وكل صنف إلا الخصيان فإنه لا يكون خصي مخنث.
وقالوا. كل ذي ريح منتنة وذفر كالتيس وما أشبهه، إذا خصي نقص نتنه وذهب صنانه غير
الإنسان فإن نتنه يشتد وصنانه يحد وعرقه يخبث وريحه. وكل شيء من الحيوان يخص فإن
عظمه يدق، فإذا دق عظمه استرخى لحمه وتبرأ من لحمه خلا الإنسان فإنه إذا خصي طال
عظمه وعرض.
وقالوا. الخصي والمرأة لا يصلعان، والخصي تطول قدمه وتعظم.
وبلغني أنه كان لمحمد بن الجهم برذون رقيق الحافر فخصاه فجاد حافره، اعتبر ذلك
بالإنسان إذا خصي عظمت رجله.
في طبائع الخصي قالوا: والخصي يشتد وقع رجله لأن معاقد عصبه تسترخي، ويعتريه
الاعوجاج والفدع في أصابعه، وتسرع دمعته، ويتخدد جلده، ويسرع غضبه ورضاه، ويضيق
صدره عن كتمان السر. ويزعم قوم أن أعمارهم تطول لترك الجماع، قالوا: وتلك علة طول
عمر البغل.
وقالوا: علة قصر عمر العصفور كثرة سفاده.
قالوا: وشأن الغريق إذا كان رجلاً ثم ظهر على الماء أن يظهر على قفاه، وإن كان
امرأة أن تظهر على وجهها. والرجل إذا ضربت عنقه سقط على وجهه ثم يقلبه ذكره إذا
انتفخ.
قالوا: وفي الغلمان من لا يحتلم أبداً، وفي النساء من لا تحيض أبداً، وذلك عيب.
وفي الناس من لا يسقط ثغره ولا يستبدل منه، منهم عبد الصمد بن عليّ ذكروا أنه دخل
قبره برواضعه. والضب لا تسقط له سن. وكذلك الخنزير لا يلقي شيئاً من أسنانه. ولذلك
تقول العرب في مثل لهم: "لا آتيك سن الحسل " يريدون لا آتيك أبداً.
وتقول الأطباء: إنه ليس شيء من الحيوان يستطيع أن ينظر إلى أديم السماء إلا
الإنسان، وذلك لكرامته على الله.
ويقول بعضهم: إن الجنين يغتذي دم الحيض يسيل إليه من السرة بغذائه؛ وقالوا. لذلك
لا تحيض الحوامل. وقد رأينا من الحوامل من تحيض. والعرب تقول. حملت فلانة سهواً،
إذا حاضت على الحمل.
للهذلي يمدح رجلاً قال الهذلي يمدح رجلاً:
ومبرئ من كل غير حيضة |
|
ورضاع مغيلة وداء معضل |
فأعلمك أنها لم تر عليه دم حيض في حملهم،
ودل على أنه قد يكون.
قالوا: فإذا خرج الجنين من الرحم دفعت الطبيعة ذلك الدم الذي كان يغتذيه إلى
الثديين، وهما عضوان ناهدان، عصبيان، فغيراه وجعلاه لبناً. يقول الله عز وجل:
"وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم خالصاً سائغاً
للشاربين".
قالوا: والإنسان يعيش حيث تحيا النار ويتلف حيث لا تبقى النار. وأصحاب المعادن
والحفائر إذا هاجموا على نفق في بطن الأرض أو مغارة قدموا شمعة في طرف قناة فإن
ثبتت النار وعاشت دخلوا في طلب ما يريدون وإلا أمسكوا.
تشاؤم العرب ببكر ولد الرجل إذا كان ذكراً والعرب تتشاءم ببكر ولد الرجل إذا كان
ذكراً. وكان قيس بن زهير أزرق بكراً بين بكرين.
لعبد الله بن الحارث عن بكر البكرين حدّثني محمد بن عائشة عن حماد عن قتادة عن عبد
الله بن الحارث بن نوفل قال: بكر البكرين شيطان مخلد لا يموت إلى يوم القيامة؛
يعني من الشياطين.
قالوا: وابن المذكرة من النساء والمؤنث من الرجال أخبث ما يكون، لأنه يأخذ بأخبث
خصال أبيه وخصال أمه.
شعر لعمرو بن معد يكرب قال عمرو بن معد يكرب:
ألست تصير إذا ما نسب |
|
ت بين المغارة والأحمق |
لبعض الحكماء وقال بعض الحكماء. كل امرأة
أو دابة تبطئ عن الحبل، إذا واقعها الفحل في الأيام التي يجري الماء في العود
فإنهم تحمل بإذن الله.
لعبيد الله بن الحسن قال عبيد الله بن الحسن: إذا أردت أن تذكر المرأة فأغضبها ثم
قع عليهم.
للحارث بن كلدة وقال الحارث بن كلدة: إذا أردت أن تحبل المرأة فمشها في عرصة الدار
عشرة أشواط فإن رحمها ينزل فلا تكاد تخلف.
والعرب تقول: إن المرأة إذا لقحت في قبل الظهر في أول الشهر عند تبلج الفجر ثم
أذكرت جاءت به لا يطاق.
قال الشاعر وجمع هذه المعاني .
لقحت في الهلال عن قبل الظه |
|
ر وقد لاح للصباح بـشـير |
ويقولون. إذا أكره الرجل المرأة وهي
مذعورة ثم أذكرت أنجبت.
لأبي كبير الهذلي قال أبو كبير الهذلي:
حملت به في إليك مـزودةٍ |
|
كرهاً وعقد نطاقها لم يحلل |
فأتت به حوش الجنان مبطناً |
|
سهداً إذا ما نام ليل الهوجل |
ومبرئ من كل غبر حيضة |
|
ورضاع مغيلة وداء معضل |
يقول: لم تر عليه في حملهم دماً باقياً من
حيضة ولا حملته وهي ترضع ولا أرضعته وهي حامل؛ فكانت العرب تكره ذلك وتسب به.
للنبي صلى الله عليه وسلم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد هممت أن
أنهى عن الغيلة ثم ذكرت أن فارس والروم يفعلونه فلا يضرهم" وفي حديث آخر:
"إنه ليدرك الفارس فيدعثره" أي يطرحه.
حدّثني إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا يحيى بن آدم عن الحسن قال: رأيت جدة ابنة إحدى
وعشرين سنة.
قال: وأول أوقات حمل المرأة تسع سنين، وهو أول وقت الوطء.
ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة وهي بنت تسع.
فيمن حملت أكثر من سنة وقال عبد الله بن صالح. حدّثني الليث عن ابن عجلان أن
امرأته حملت له مرة وأقامت خمس سنين حاملاً ثم ولدت له، وحملت له مرة أخرى ثلاث
سنين ثم ولدت.
قال الليث: وحملت مولاة لعمر بن عبد العزيز ثلاث سنين حتى خافت أن يكون في جوفهم
داء ثم ولدت غلاماً. قال الليث: ورأيت أنا ذلك الغلام وكانت أمه تأتي أهلنا.
وفي بعض الحديث أن عيسى بن مريم عليه السلام ولدته أمه لثمانية أشهر، ولذلك لا
يولد مولود لثمانية أشهر فيعيش.
وروى زيد بن الحباب عن ابن سنان قال: حدّثني ثابت بن جابان العجلي أن الضحاك بن
مزاحم ولد وهو ابن ستة عشر شهراً. فأما يزيد بن هم رون فإنه روى عن جويبر أن
الضحاك ولد لسنتين. وولد شعبة لسنتين.
لعمر بن الخطاب في تزويج المرأة في غير عشيرتها حدّثنا الرياشيّ أو رجل عنه قال:
حدّثنا أبو عاصم عن عبد اللّه بن مؤمل عن ابن أبي مليكة أن عمر رحمه الله قال: يا
بني السائب، إنكم قد أضويتم فانكحوا في النزائع.
قال: وقال الأصمعيّ قال رجل: بنات العم أصبر، والغرائب أنجب، وما ضرب رؤوس الأبطال
كابن عجمية.
للعرب في الزواج من الغرائب والعرب تقول: اغتربوا لا تضووا، أي انكحوا في الغرائب
فإن القرائب يضوين الأولاد.
لبعض الشعراء قال الشاعر:
إن بلالاً لم تشنه أمـه |
|
لم يتناسب خاله وعمه |
وقال آخر:
تنجبتها للنسل وهـي غـريبة |
|
فجاءت به كالبدر خرقاً معمما |
فلو شاتم الفتيان في الحي ظالماً |
|
لما وجدوا غير التكذب مسلما |
وكان يقال: أنجب النساء الفروك، لأن الرجل
يغلبها على الشبه لزهدها في الرجال.
للأصمعي وحدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ أن المنجبة التي تنزع بولدها إلى أكرم
الجدين.
لحرب بن قطن أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: حدّثنا حرب بن قطن قال: يقال. إن الرجل يستفرغ
ولد امرأتين، يولد له وهو ابن تسعين سنة.
لعائشة وقالت عائشة: لا تلد امرأة بعد خمسين سنة.
لبعض الحكماء في الزنج قالت الحكماء: الزنج شرار الخلق وأردؤهم تركيباً لأن بلادهم
سخنت فأحرقتهم الأرحام، وكذلك من بردت بلاده فلم تطبخه الأرحام، وإنما فضل أهل
بابل لعلة الاعتدال.
قالوا: والشمس شيطت شعورهم فقبضتها، والشعر إذا أدنيته إلى النار تجعد، فإن زدته
تفلفل، فإن زدته احترق.
وقالوا. أطيب الأمم أفواهاً لزنج وإن لم تستن، وكل إنسان رطب الفم كثير الريق فهو
طيب الفم؛ وخلوف فم الصائم يكون لخثورة الريق؛ وكذلك الخلوف في آخر الليل.
ولبعض الحكماء أيضاً في وقوع الحيوان والإنسان في الماء وقالت الحكماء: كل الحيوان
إذا ألقي في الماء سبح إلا الإنسان والقرد والفرس الأعسر، فإن هذه تغرق ولا تسبح
إلا أن يتعلم الإنسان السباحة.
إذا ضربت عنق الرجل قالوا: والرجل إذا ضربت عنقه فألقي في الماء قام في وسط الماء
وانتصب ولم يلزم القعر جارياً كان الماء أو ساكناً، حتى إذا جيف انقلب وظهر بدنه
كله مستلقياً إلا المرأة فإنها تظهر منكبة على وجهها.
من قطعت يداه وقالوا: كل من قطعت يداه لم يجد العدو، وكذلك الطائر إذا قطعت رجلاه
لم يجد الطيران.
قالوا: وليس في الأرض هارب من حرب أو غيرهم يستعمل الحضر إلا أخذ عن يساره !لا أن
يترك عزمه أو سوم طبيعته. ولذلك قالوا: فجاءك على وحشيه، وأنحى على شؤمى يديه.
وقالوا: كل ذي عين من ذوات الأربع من السباع والبهائم الوحشية والإنسية فإنما
الأشفار لجفنه الأعلى إلا الإنسان فإن الأشفار - نعني الهدب - لجفنيه: الأعلى
والأسفل.
قالوا: ليس في الأرض إنسان إلا وهو يطرب من صوت نفسه ويعتريه الغلط في شعره وولده.
قال الطائي:
ويسيء بالإحسان ظناً لا كمن |
|
هو بابنه وبشعره مفـتـود |
في جلد الإنسان والأنعام وقالوا: كل ذي
جلد فإن جلده ينسلخ إلا جلد الإنسان؛ فإنه لا ينسلخ كما تنسلخ جلود الأنعام ولكن
اللحم يتبعه.
لجندب بن شعيب في أن ألبان النساء تغير وجه المولود حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ
عن ابن أبي طرفة الهذلي عن جندب بن شعيب قال. إذا رأيت المولود قبل أن يغتذي من
لبن أمه فعلى وجهه مصباح من البيان؛ يريد أن ألبان النساء تغيره؛ ولذلك قولهم:
اللبن يشتبه عليه؛ يراد أنه ينزع بالمولود في شبه الظئر.
لبعض الشعراء قال الشاعر:
لم أرضع الدهر إلا ثدي واحـدة |
|
لواضح الوجه يحمي ساحة الدار |
بين
عمر بن الخطاب وعليّ رضي الله عنهما في امرأة ولدت لستة أشهر
وحدّثني الزيادي قال. حدّثنا عبد الوارث عن يونس عن الحسن أن عمر أتي بامرأة ولدت
لستة أشهر فهم بها؛ فقال له عليّ: قد يكون هذا، قال اللّه عز وجل. "وحمله
وفصالة ثلاثون شهراً"، وقال. "والوالدات يرضعن أولادهن حولين
كاملين".
بين عمر وقائفين سألهما عن غلام أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: اختصم رجلان في غلام
هما يدعيه؛ فسأل عمر أمه؛ فقالت: غشيني أحدهما ثم هرقت دماً، ثم غشيني الآخر، فدعا
عمر قائفين فسألهما؛ فقال أحدهما: أعلن أم أسر? قال: أسر. قال: اشتركا فيه. فضربه
عمر حتى اضطجع ثم سأل الآخر؛ فقال مثل قوله؛ فقال. ما كنت أرى أن مثل هذا يكون.
وقد علمت أن الكلبة يسفدهم الكلاب فتؤدي إلى كل فحل نجله. وركب الناس في أرجلهم
وركب ذوات الأربع في أيديها، وكل طائر كفه في رجليه.
ما نقص خلقه من الحيران
لأبي عبيدة في معنى هذا العنوان حدّثني أبو حاتم عن أبي عبيد ة قال: الفرس لا طحال له، والبعير لا مرارة له، والظليم لا مخ لعظمه. قال زهير:
كأن الرحل منهم فوق صعلٍ |
|
من الظلمان جؤجؤه هواء |
وكذلك طير الماء وحيتان البحر لا ألسنة لها ولا أدمغة. وصفن البعير لا بيضة فيه. والسمكة لا رئة لها ولذلك لا تتنفس، وكل ذي رئة يتنفس.
المشتركات من الحيوان
الراعي
بين الورشان والحمامة والبخاتي من الإبل بين العراب والفوالج والحمير الأخدرية من
الأخدر وهو فرس كان لأردشير توحش فحمى عاناتٍ من الحمير فضرب فيها، وأعمارها
كأعمار الخيل. والزرافة بين الناقة من نوق الوحوش وبين البقرة الوحشية وبين
الضبعان واسمها اشتركاوبلنك أي بين الجمل والكركند؛ وذلك أن الضبعان ببلاد الحبشة
يسفد الناقة فتجيء بولد خلقه بين الناقة والضبع، فإن كان ولد الناقة ذكراً عرض
للمهاة فألقحها زرافة. وسميت زرافة لأنها جماعة وهي واحدة كأنهم جمل وبقرة وضبع؛
والزرافة في كلام العرب الجماعة.
وقال صاحب المنطق. الكلاب تسفدهم الذئاب في أرض سلوقية فيكون منها الكلاب
السلوقية.
المتعاديات
بين البوم والغراب عداوة. وبين الفأرة والعقرب عداوة. وبين الغراب وابن عرس عداوة. وبين الحدأة والغداف عداوة. وبين العنكبوت وبين العظاءة عداوة. وبين الحية وبين ابن عرس عداوة. وبين ابن آوى والدجاج عداوة. وبين السنور والحمام عداوة. وبين البوم وبين جميع الطير عداوة، لأن البومة ردية البصر ذليلة بالنهار فإذا كان الليل لم يقو عليها شيء، والطير تعرف ذلك من حالها فهي بالنهار تضربها وتنتف ريشها، ولحرصهم على ذلك صار الصائد ينصبهم للطير. وبين الحمار وبين عصفور الشوك عداوة، ومتى نهق الحمار سقط بيض عصفور الشوك. وبين الحمار وبين الغراب عداوة. وبين الحية والخنزير عداوة. والغراب مصادق للثعلب. والثعلب مصادق للحية. والجمل يكره قرب الفرس أبداً ويقاتله. وبين الأسد وبين الفيل عداوة. ويقال: إن الأسد والنمر مختلفان، والأسد والببر متفقان.
الأمثال المضروبة بالطبائع
يقال:
فلان "أسمع من قراد"؛ والقردان تكون عند الماء فإن قربت الإبل منهم
تحركت وانتعشت، فيستدلون بذلك على إقبال الإبل. و"أسمع من فرس و"أحزم من
فرخ العقاب"، وذلك أنه يكون في عرض الجبل فلا يتحرك فيسقط. و"أحلم من
حية و"أهدى من قطاة وحمامة و"أخف رأساً من الذئب و"أنوم من فهد
و"أظلم من حية وذلك لأنهم تدخل حجرة الحشرات وتخرجها. و"أحذر من
غراب" و"أصنع من تنوط" وهو طائر يصنع عشاً مدلى من الشجر.
و"أصنع من سرفة" وهي دويبة تعمل بيتاً من قطع العيدان. و"أسرق من
زبابة" وهي فأرة برية. و"أسرق من كندش" وهو العقعق؛ ويقال أيضاً:
"أحمق من عقعق" لأنه من الطير الذي يضيع فراخه. و"أخرق من
حمامة" وذلك لأنها لا تجيد عمل العش فربما وقع البيض فانكسر.
شعر لعبيد بن الأبرص قال عبيد بن الأبرص:
عيوا بأمرهم كـمـا |
|
عيت بيضتها الحمامه |
جعلت لهم عودين من |
|
نشمٍ وآخر من ثمامه |
يقول:
قرنت النشم بالثمام وهو ضعيف فتكسر ووقع البيض فانكسر.
نصيحة عيسى عليه السلام للحواريين
وفي الإنجيل أن المسيح عليه السلام قال للحواريين: كونوا حلماء كالحيات وبلهاً
كالحمام. و"أعق من ضب"، لأنه يأكل ولده من الجوع و"أبر من
هرة" وهي تأكل ولدها من شدة محبته. و"أروغ من ثعلب"، و"أموق
من رخمة" و"أزهى من ذباب" لأنه يقع على أنف الملك وتاجه.
و"أصنع من الذبر"، وهي النحل. و"أسمح من لافظة"، ويقال: هي
العنز تسمح بالحلب، ويقال: الرحا، لأنهم تلفظ ما تطحنه لا تحبس منه شيئاً.
و"أصرد من عين حرباء" و"ألح من الخنفساء و"أخيل من
مذالة"، وهي الأمة تهان وهي تتبختر. و"أحلم من فرخ الطائر و"أكيس
من قشة"، وهي القردة. و"أجبن من صافر"، وهو ما صفر من الطير، ويقال
هو: الصافر بالمرأة للريبة. و"أنم من صبح و"أبعد من بيض الأنوق"،
والأنوق: الرخمة تبيض، في أعالي الجبال والشواهق حيث لا يبلغه سبع ولا طائر.
و"أشجع من ليث عفرين"، قال بعضهم: هو الأسد، كأنه قال: أشجع من ليث ليوث
تعفر من نازعهم وتصره، وقال الأصمعيّ. هو دابة مثل الخرباء يتحدى الراكب ويضربه
بذنبه. و"أحن من شارف"، وهي الناقة المسنة. و"أسرع من عدوى الثؤباء
و"أروى من النقاقة"، وهي الضفادع. و"أزنى من قرد"، ويقول
بعضهم: إنه رجل من هذيل كان كثير الزنا. و"أخدع من ضب و"أشأم من
الزرقاء" وهي ناقة
الأنعام
للنبي
صلى الله عليه وسلم حدّثني يزيد بن عمرو عن عبد العزيز الباهلي عن الأسود بن عبد
الرحمن عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما خلق الله
دابة أكرم عليه من النعجة" وذلك أنه ستر عورتهم ولم يستر عورة غيرهم .
لإهاب بن عمير وقال. حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن إهاب بن عمير قال. كان لنا
جمل يعرف كشح الحامل من غير أن يشمها.
لابنة الخس قيل لابنة الخس: ما تقولين في مائة من المعز? قالت: قنى؛ قيل: فمائة من
الضأن? قالت: غنى؛ قيل: فمائة من الإبل? قالت: منى. والعرب تضرب المثل في الصرد
بالمعزى فتقول: "أصرد من عنز جرباء" وسأل دغغل عن بني مخزوم، فقال: معزى
مطيرة، عليها قشعريرة، إلا بني المغيرة؛ فإن فيهم تشادق الكلام، ومصاهرة الكرام.
للعرب فيما تقول على ألسنة البهائم وقالت العرب فيما تقول على ألسنة البهائم: قالت
المعزى: الاست جهوى، والذنب ألوى؛ والجلد رقاق، والشعر دقاق. قالوا: والضأن تضع
مرة في السنة وتفرد ولا تلتئم، والماعز قد تلد مرتين في السنة، تضع الثلاثة وأكثر
وأقل، والنماء والبركة والعدد في الضأن، وكذلك الخنازير تضع الأنثى منهم عشرين
خنوصاً ولا نماء فيهم. ويقال: الجواميس ضأن البقر، والبخت ضأن الإبل، والبراذين
ضأن الخيل، والجرذان ضأن الفأر، والدلدل ضأن القنافذ، والنمل ضأن الذر. يقول
الأطباء في لحم الماعز: إنه يورث الهم ويحرك السوداء ويورث النسيان ويخبل الأولاد
ويفسد الدم، ولحم الضأن يضر بمن يصرع من المرة إضراراً شديدا حتى يصرعهم في غير
أوان الصرع. وأوان الصرع الأهلة وأنصاف الشهور؛ وهذان الوقتان هما وقت معد البحر
وزيادة الماء والدم. ولزيادة القمر إلى أن يصير بدراً أثر في زيادة الدم والدماغ
وجميع الرطوبات قال الشاعر:
كأن القوم عشوا لحم ضـأن |
|
فهم نعجون قد مالت طلاهم |
وفي الماعزة: إنهم ترتضع من لخفها، وهي محفلة حتى تأتي على كل ما فيه؛ قال ابن أحمر:
إني وجدت بني أعيا وجاملهـم |
|
كالعنز تعطف روقيها فترتضع |
وإذا رعت الضائنة والماعزة في قصير نبت لم
ينبت ما تأكله الماعزة لأن الضائنة تقرضه بأسنانهم والماعزة تقتلعه وتجذبه فتنثره
من أصله. وإذا حمل على الماعزة فحملت أنزلت التبن في أول الحمل إلى الضرع،
والضائنة لا تنزل اللبن إلا عند الولاد، ولذلك تقول العرب "رمدت المعزى فرنق
رنق" و"رمدت الضأن فربق ربق" وذكور كل شيء أحسن من إناثه إلا
التيوس فإنهم أقبح من الصفايا. وأصوات الذكور من كل شيء أجهر وأغلظ إلا إناث البقر
فإنهم أجهر أصواتاً من ذكورهم.
لأعرابي في صفة الشاة الحامل قيل لأعرابي: بأي شيء تعرف حمل شاتك? قال: إذا ورم
حياؤها ورجت شعرتها واستفاضت خاصرتها.
قال الأصمعيّ: لبني عقيل ماعزة لا ترد، تجتزئ بالرطب.
معرفة لون جنين النعجة في كتب الروم وقرأت في كتاب من كتب الروم: إن أردت أن تعرف
ما لون جنين النعجة فانظر إلى لسانها فإن الجنين يكون على لونه.
وقرأت فيه أن الإبل تتحامى أمهاتها وأخواتها فلا تسفدها.
قالوا: وكل ثور أفطس، وكل بعير أعلم وكل ذباب أقرح.
في إذلال البعير وقالوا: البعير إذا صعب وخافه الناس استعانوا عليه حتى يبرك ويعقل
ثم يركبه فحل أخر فيذل.
والعرب تعرف البعير المغد بسقوط الذباب عليه. ويقولون: بعير مذبوب إذا عرض له داء
يدعو الذباب إلى المسقوط عليه.
لبعض القصاص في فضل الله على البعير وسخطه على التيس وقال بعض القصاص: مما فضل
الله به الكبش أن جعله مستور العورة من قبل ومن دبر، ومما أهان به التيس أن جعله
مهتوك الستر مكشوف القبل والدبر.
من مناجاة عزير حدّثني عبد الرحمن بن عبد المنعم عن أمية عن وهب بن منبه أنه قال:
كان في مناجاة عزير: اللهم إنك اخترت من الأنعام الضائنة، ومن الطير الحمامة، ومن
النبات الحبلة، ومن البيوت بكة، وإيلياء، ومن إيلياء بيت المقدس.
للنبي صلى الله عليه وسلم وفي الحديث أن امرأة أتت النبي عليه السلام فقال: يا
رسول الله، صلى الله عليك، إني اتخذت غنماً أبتغي نسلهم ورسلهم وإنهم لا تنمو.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ألوانهم?"، قالت: سود، فقال:
"عفري"، وبعث إلى الرعيان "من كانت له غنم سود فليخلطهم بغفر فإن
دم عفراء أزكى من دم سوداوين".
وقال: "الغنم إذا أقبلت أقبلت وإذا أدبرت أقبلت. والأبل إذا أدبرت أدبرت وإذا
أقبلت أدبرت ولا يأتي نفعهم إلا من جانبهم الأشأم".
والأقط قد يكون من المعزى? قال امرؤ القيس:
لنا غنم نسوقـهـم غـزاز |
|
كأن قرون جلتها عـصـي |
فتملأ بيتنا أقطاً وسـمـنـاً |
|
وحسبك من غنى شبع وري |
وقالوا: شقشقة البعير: لهاته يخرجها.
شعر مخارق بن شهاب في الغنم ومن أحسن ما قيل في الغنم قول مخارق بن شهاب في تيس
غنمه:
وراحت أصيلانا كـأن ضـروعـهـم |
|
دلاء وفيهم واتـد الـقـرن لـبـلـب |
له رعثـات كـالـشـنـوف وغـرة |
|
شديخ ولـون كـالـوذيلة مـذهــب |
وعينا أحم المـقـلـتـين وعـصـمة |
|
يواصلها دان من الظلـف مـكـنـب |
إذا دوحة من مخرف الضال أذبـلـت |
|
عطاها كمما يعطو ذرى الضال قرهب |
أبو الحور والغر اللـواتـي كـأنـهـا |
|
من الحسن في الأعناق جزع مثـقـب |
ترى ضيفها فيهـا يبـيت بـغـبـطة |
|
وضيف ابن قـيس جـائع يتـحـوب |
فوفد
ابن قيس هذا على الثعبان فقال: كيف المخارق فيكم? قال: سيد كريم من رجل يمدح تيسه
ويهجو ابن عمه.
للعجاج يصف شاة قال العجاج في وصف شاة: حمراء المقدم شعراء المؤخر إذا أقبلت
حسبتها نافراً، وإذا أدبرت حسبتها ناثراً. أي كأنهم تعطس، يريد من أي أقطارهم
رأيتهم وجدتهم مشرقة.
لأعرابي يهزأ بصاحبه قال الأصمعي: قال أعرابي يهزأ بصاحبه: اشتر لي شاة فقماء
كأنها تضحك، مندلقة خاصرتاها، لها ضرع أرقط كأنه جيب؛ قال: فكيف العطل? قال: أنى
لهذه عطل؛ العطل: العنق. يقول. من سمنها يحسب أنه لا عنق لها.
مما تقوله العرب على ألسنة البهائم ومما تقوله العرب على ألسنة البهائم. قالت الضائنة:
أوتد رخالاً وأجز جفالاً وأحلب كثباً ثقالا ولم تر مثلي مالاً حفالاً. تقول: أجز
مرة وذلك أن الضائنة إذا جزت لم يسقط من صوفهم شيء إلى الأرض حتى يؤتى عليه؛
والكثب جمع كغبة وهي الدفعة من اللبن، تقول: أحلب دفعاً ثقالا من اللبن، وذلك لأن
لبنهم أدسم وأخثر من لبن المعز فهو أثقل.
السباع وما شاكلها
في
طيب الأفواه يقال. إنه ليس شيء من السباع أطيب أفواهم من الكلاب، ولا في الوحوش
أطيب أفواهاً من الظباء.
ويقال. ليس شيء أشد بخراً من أسد وصقر، ولا في السباع أسبح من كلب. وليس في الأرض
فحل من جميع أجناس الحيوان لذكره حجم ظاهر إلا الإنسان والكلب. والأسد لا يأكل
الحار ولا يدنو من النار ولا يأكل الحامض وكذلك أكثر السباع.
للروم وتقول الروم: إن الأسد يذعر بصوت الديك ولا يدنو من المرأة الطامث. والأسد
إذا بال شغر كما يشغر الكلب؛ وهو قليل الشرب للماء، ونجوه يشبه نجو الكلب، ودواء
عضته دواء عضة الكلب الكلب.
الحيوانات التي تضيء عيونهم في الليل وقالوا: العيون التي تضيء بالليل عيون الأسد
والنمور والسنانير والأفاعي.
والعرب تقو ل هو "أحمق من جهيزة"، وهي الذئبة لأنها تدع ولدها وترضع ولد
الضبع.
ويقولون: الضبع إذا صيدت أو قتلت عال الذئب أولادهم وأتاهم باللحم؛ قال الكميت:
كما خامرت في بيتها أم عامـر |
|
لدى الحبل حتى عال أوس عيالها |
أوس: الذئب.
وقالوا. ثلاثة من الحيوان ترجع في قيئها: الأسد والكلب والسنور، ويقال: الضب
أيضاً. أمراض الكلاب وأمراض الكلاب ثلاثة: الكلب وهو جنون، والذبحة والنقرس.
فوائد دماء الملوك وشعر للفرزدق والعرب تقول: دماء الملوك شفاء من عضة الكلب الكلب
والجنون والخبل؛ قال الفرزدق:
من الدارميين الذين دماؤهـم |
|
شفاء من الداء المجنة والخبل |
للخيل بن أحمد في دواء عضة الكلب وبلغني
عن الخليل بن أحمد أنه قال: دواء عضة الكلب الكلب الذراريح والعدس والشراب العتيق
يصنع؛ وقد ذكر كيف صنعته وكم يشرب منه وكيف تتعالج به، والكلب الكلب إذا عض
إنساناً فربما أحاله نباحاً مثله ثم أحبله وألقحه بأجر صغار تراهم علقاً في صور ا
لكلاب.
مداواة المحل بن الأسود عتيبة بن مرداس من داء الكلب وشعر لابن فسوة في ذلك قال
أبو اليقظان: كان الأسود بن أوس بن الحمرة أتى النجاشي فعلمه دواء الكلب، فهو في
ولده إلى اليوم. فمن ولده المحل، وقد داوى المحل عتيبة بن مرداس فأخرج منه مثل
جراء الكلاب علقاً، قال ابن فسوة حين برأ:
ولولا دواء لابن المحل وعلمـه |
|
هررت إذا ما الناس هر كليبها |
وأخرج بعد اللّـه أولاد زارع |
|
مولعة أكتافهم وجـنـوبـهـا |
الكليب: جمع كلب على غير قياس مثل عبد
وعبيد.
شعر لامرأة رجل من بني العنبر عضه كلب كلب وعض رجلاً من بني العنبر كلب كلب فبال
علقاً في صور الكلاب، فقالت امرأته:
أبالك أدراصاً وأولاد زارع |
|
لعمري نهية المتعـجـب |
ويزعمون
أنه يطلب الماء أشد طالب، فإذا أتوه به صاح عند معاينته: لا أريد لا أريد، أو
شيئاً في معنى ذلك.
قالوا. وتمام حمل الكلبة ستون يوماً، فإن وضعت في أقل من ذلك لم تكد أولادها تعيش.
وإناث الكلاب تحيض في كل سبعة أيام وعلامة ذلك أن يرم ثفر" الكلبة ولا تريد
السفاد في ذلك الوقت. وذكور السلوقية تعيش عشرين سنة، والإناث تعيش اثنتي عشرة
سنة. وليس يلقي الكلب شيئاً من أسنانه سوى النابين.
علامة سرعة الكلب قالوا. وعلامة سرعة الكلب أن يطول ما بين يديه ورجليه ويكون قصير
الظهر.
وصف الكلب ويوصف الكلب بصغر الرأس وطول العنق وغلظها وإفراط الغضف وزرق العينين
وعظم المقلتين وطول الخطم مع اللطافة وسعة الشدقين ونتوء الحدقة ونتوء الجبهة
وعرضها، وأن يكون الشعر الذي تحت حنكه طاقة ويكون غليظاً، وكذلك شعر خديه، ويكون
قصير اليدين طويل الرجلين عريض الظهر طويل الصدر، في ركبته انحناء. ويكره للذكور
طول الأذناب قالوا: وإذا هرم الكلب أطعم السمن مراراً فإنه يعود كالشاب، وإذا حفى
دهنت أسته وأجم ومسح على يديه ورجليه القطران. وإذا بلغ أن يشغر فقد بلغ الإلقاح.
والكلب من الحيوان إلذي يحتلم.
قالوا في الكلبة: إنه يسفدهم كلب أسود وكلب أبيض وكلب أصفر فتؤدي إلى كل سافد شكله
وشبهه.
ما جاء في الكلب من الأمثال قعد جماعة من أصحابنا يعدون ما جاء في الكلب من
الأمثال فحفظت منه: "ألأم من كلب على عرق"، و"أجع كلبك
يتبعك"، و"نعيم كلب في بؤس أهله"، و"أسمن كلبك يأكلك"
و"أحرص من كلب على عقي صبي"، و"أجوع من كلبة حومل"
و"أبول من كلب"، و"جلس فلان مزجر الكلب" و"الكلاب على
الجقح "، و"الكلب م حب أهله إليه الظاعن "، و"هو كالكلب في
الأذى لا يعتلف ولا يدع الدابة تعتكن".
الذئب
الذئب
إذا سفد الذئبة فالتحم الفرجان وهجم عليهما هاجم قتلهما كيف شاء، إلا أنهما لا
يكادان يوجدان كذلك، لأن الذئب إذا أراد السفاد توخى موضعاً لا يطؤه أنيس خوفاً
على نفسه. وتقول الروم: إن الذئب إذا رأى إنساناً قبل أن يراه الإنسان أبح الذئب
صوت ذلك الإنسان.
وقالوا: في طبع الذئب محبة الدم، ويبلغ به طبعه أنه يرى الذئب مثله قد دمي فيثب
عليه فيمزقه؛ قال الشاعر:
وكنت كذئب السوء لما رأى دماً |
|
بصاحبه يوماً أحال على الـدم |
قالوا: والفرس إذا وطئ أثر الذئب ثقلت
قائمته التي وطئ بها.
من كتاب عليّ رضي الله عنه إلى ابن عباس رضي الله عنهما وفي كتاب عليّ رضي الله
عنه إلى ابن عباس: لقد رأيت العدو على ابن عمك قد حرب، والزمان قد كلب، قلبت لابن
عمك ظهر المجن بفراقه مع المفارقين، وخذلانه مع الخاذلين، واختطفت ما قدرت عليه من
الأموال اختطاف الذئب الأزل دامية المعزى.
في نوم الذئب وشعر لحميد بن ثور ويقولون. إن الذئب ربما نام بإحدى عينيه وفتح
الأخرى؛ وقال حميد بن ثور:
ينام بإحدى مقلـتـيه ويتـقـي |
|
بأخرى المنايا فهو يقظان هاجع |
والذئب أشد السباع مطالبة، وإذا عجز عوى عواء استغاثة فتسامعت الذئاب فأقبلت حتى تجتمع على الإنسان فتأكله؛ وليس شيء من السباع يفعل ذلك.
الفيل
قالوا:
لسان الفيل مقلوب طرفه إلى داخل.
من أقوال الهند في لسان الفيل والهند تقول: لولا أن لسانه مقلوي لتكلم.
والفيل إذا ساء خلقه وصعب عصبوا رجليه فسكن. وليس في جميع الحيوان شيء لذكوره ثدي
في صدره إلا الإنسان والفيل. والفيل المغتلم إن سمع صوت خنوص من الخنازير ارتاع
ونفر. والفيل يفزع من السنور.
وتزعم الهند أن نابي الفيل هما قرناه يخرجان مستبطنين حتى يخرقا الحنك ويخرجا
أعقفين. وقال صاحب المنطق: ظهر فيل عاش أربعمائة سنة.
وقال حدّثني شيخ لنا قال: رأيت فيلاً أيام أبي جعفر قيل. إنه سجد لسابور ذي
الأكتاف ولأبي جعفر، والفيلة تضع في سبع سنين.
الفهد
قالوا: السباع تشتهى رائحة الفهد، فإذا سمن الفهد عرف أنه مطلوب وأن حركته قد ثقلت فأخفى نفسه حتى ينقضي الزمان الذي تسمن فيه الفهود. ويعتري الفهد داء يقالع له خانقة الفهود، فإذا اعتراه أكل العذرة فبرأ. والوحشي المسن منها في الصيد أنفع من الجرو المربب.
الأرنب
قالوا: الأرنب تحيض ولاتسمن إلا بزيادة اللحم. وقضيب الذكر من الأرانب ربما كاد من عضم، وكذلك قضيب الثعلب. والأرنب تنام مفتوحة العين. وإنفحة الأرنب إذا شربتهم المرأة من بعد أن تطهر من المحيض منعت من الحبل. والكلف إن طلي بدم الأرنب أذهبه.
القرد والدب
لعمرو
بن ميمون في قردة زنت قال: حدّثني محمد بن خالد بن خداش قال: حدّثني سلم بن قتيبة
عن هشام عن حصين وأبي بلج عن عمرو بن ميمون قال. زنت قردة في الجاهلية فرجمهم
القرود ورجمتهم معهم.
قالوا: وليس شيء يجتمع فيه الزواج والغيرة إلا الإنسان والقرد.
قالوا: والديسم جرو الدب تضعه أمه وهو كفدرة لحم فتهرب به في المواضع العالية من
الذر والنمل حتى تثغد أعضاؤه.
مصايد السباع العادية
السباع
العادية: تصطاد بالزبى والمغويات، وهي آبار تحفر في أنشاز الأرض، فلذلك يقال: قد
"بلغ السيل الزبى".
في مصائد السباع العادية قال صاحب الفلاحة: ومما تصاد به السباع العادية أن يؤخذ
سمك من سمك البحر الكبار السمان فتقطع قطعاً ثم تشرح ثم تكتل كتلاً ثم تؤجج نار في
غائط من الأرض يقرب فيه السباع ثم تقذف تلك الكتل في النار واحدة بعد واحدة حتى
ينتشر دخان تلك النار وقتار تلك الكتل في تلك الأرض ثم تطرح حول تلك النار قطع من
لحم قد جعل فيها الخربق الأسود والأفيون وتكون تلك النار في موضع لا ترى فيه حتى
تقبل السباع لريح القتار وهي آمنة فتأكل من قطع اللحم ويغشى عليها فيصيدها
الكامنون لهم كيف شاءوا.
النعام
قالوا
في الظليم: إن الصيف إذا أقبل وابتدأ البسر في الحمرة ابتدأ لون وظيفيه بالحمرة
ولا يزالان يتلونان ويزدادان حمرة إلى أن تنتهي حمرة البسر، ولذلك قيل له: خاضب.
وفي الظليم: إن كل ذي رجلين إذا انكسرت إحدى رجليه قام على الأخرى وتحامل على ظلع
غيره فإنه إذا انكسرت إحدى رجليه جثم، ولذلك قال الشاعر في نفسه وأخيه:
فإني وإياه كرجلـي نـعـامةٍ |
|
على ما بنا من ذي غنى وفقير |
يقول: لا غنى بواحد منا عن الآخر.
وقال آخر:
إذا انكسرت رجل النعامة لم تجد |
|
على أختهم نهضا ولا باستها حبوا |
قالوا: وعلة ذلك أنه لا مخ له في ساقيه، وكل عظم فهو ينجبر إلا عظماً لا مخ فيه؛ وزماخر الشاء لا تنجبر؛ قال الشاعر:
أجدك لم تظلع برجل نـعـامة |
|
ولست بنهاض وعظمك زمخر |
أي أجوف لا مخ فيه.
شعر لذي الرمة يذكر الظليم |
والظليم يغتذي المرو والضخر فتذيبه قانصته بطبعهم حتى يصير كالماء? قال ذو الرمة
يذكره:
ألهـاه آء وتـنـوم وعـقـبـتـه |
|
من لائح المرو والمرعى له عقب |
ولأبي النجم قال أبو النجم:
والمرو يلقيه إلى أمـعـائه |
|
في سرطم هاد على التوائه |
والظليم يبتلع الجمرة وربما ألقي الحجر في
النار حتى إذا صار كأنه جمرة قذف به بين يديه فيبتلعه وربما ابتلع أوزان الحديد.
في النعامة وفي النعامة إنهم أخذت من البعير المنسم والوظيف والعنق والخزامة، ومن
الطائر الريش والجناحين والمنقار فهو لا بعير ولا طائر؛ وقال أوس بن حجر:
وتنهى ذوي الأحلام عني حلومهم |
|
وأرفع صوتي للتعام المـخـزم |
جعله مخزماً للخرقين? اللذين في عرض أنفه
في موضع الخزامة من البعير.
شعر ليحيى بن نوفل قال يحيى بن نوفل:
ومثل نعمامة تدعى بـعـيراً |
|
تعاصينا إذا ما قيل طـيري |
فإن قيل احملي قالت فـإنـي |
|
من الطير المربة في الوكور |
شعر لابن هرمة في النعامة وتقول العرب في المثل: هذا "أموق من نعامة" وذلك أنهم ربما خرجت لطلب الطعم فمرت ببيض نعامة أخرى فحضنته وتركت بيضها؛ ولذلك قال الشاعر وهو ابن هرمة:
وإني وتركي ندى الأكرمين |
|
وقدحي بكفي زندا شحاحا |
كتاركة بيضها بالـعـراء |
|
وملبسةٍ بيض أخرى جناحا |
ولسهم بن حنظلة وقال سهم بن حنظلة:
إذا ما لقيت بني عامـر |
|
رأيت جفاء ونوكاً كبيرا |
نعمام تمد بأعنـاقـهـا |
|
ويمنعا نوكهما أن تطيرا |
في نفور النعامة، وشعر لبشر بن أبي خازم يهجو بنو عامر ويضرب بهم المثل في الشراد والنفار? قال بشر بن أبي خازم:
وأما بنو عامر بالنسار |
|
فكانوا غداة لقونا نعاما |
ير يد مروا منهزمين.
وربما حضنت النعامة أربعين بيضة أو نحوهم وأخرجت ثلاثين رألا، قال ذو الرمة:
كأنه خاضب بالسي مرتعـه |
|
أبو ثلاثين أمسى وهو منقلب |
والبواقي من بيضها الذي لا تنقفه يقال
لهم: الترائك.
في عدو الظليم وأشد ما يكون الظليم عدواً إذا استقبل الريح لأنه يضع عنقه على ظهره
ثم يخرق الريح وإذا استدبرها كبته من خلفه.
والنعامة تضع بيضها طولاً ثم تغطيها كل بيضة بما يصيبها من الحضن؛ قال ابن أحمر:
وضعن وكلهن على غرار |
وقال آخر:
على غرار كاستواء المطمر |
والمطمر خيط البناء، إلا أن ثعلبة بن صعير خالف ذلك فقال يذكر الظليم والنعامة:
فتذكرا ثقلاً رثيداً بعـدمـا |
|
ألقت ذكاء يمينها في كافر |
والرثيد: المنضود بعضه على بعض.
قالوا: الوحش في الفلوات ما لم تعرف الإنسان ولم تره لا تنفر منه إذا رأته خلا
النعام فإنه شارد أبداً؛ قال ذو الرمة:
وكل أحم الـمـقـلـتـين كـأنـه |
|
أخو الإنس من طول الخلاء المغفل |
يريد:
أنه لا ينفر من الناس لأنه في خلاء ولم ير أحداً قبل طلك.
للأحيمر السعدي وقال الأحيمر السعدي: كنت حين خلعني قومي وأطل السلطان دمي وهربت
وترددت في البوادي ظننت أني قد جزت نخل وبار أو قريب منهم، وذلك أني كنت أرى النوى
في رجع الذئاب وكنت أغشى الظباء وغيرهم من بهائم الوحش فلا تنفر مني، لأنها لم تر
أحداً قبلي وكنت أمشي إلى الظبي السمين فآخذه، وعلى ذلك رأيت جميع تلك الوحوش إلا
النعام فإنه لم أره قط إلا نافراً فزعاً.
الطير
إعجاب
للنبي صلى الله عليه وسلم النظر إلى الحمام الأحمر قان: حدّثني زياد بن يحيى قال.
حدّثنا أبو عتاب قال: حدّثنا طلحة بن يزيد الشامي عن بقية بن الوليد عن عبد اللّه
بن أبي كبشة عن أبيه قال: كان النبي عليه السلام يعجبه أن ينظر إلى الأترج وإلى
الحمام الأحمر.
للرياشي عن عليّ بن أبي طالب حدّثني الرياشيّ قال: ليس شيء يغيب أذناه إلا وهو
يبيض، وليس شيء يظهر أذناه إلا وهو يلد؛ وروي ذلك عن عليّ بن أبي طالب عليه
السلام.
للنبي صلى الله عليه وسلم حدّثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن
ابن جريج قال ابن شهاب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أربع لا يقتلن
النملة والنحلة والهدهد والصرد".
دعاء داود عليه السلام
بلغني عن مكحول قال: كان من دعاء داود النبي عليه السلام: "يا رازق النعاب في
عشه".
وذلك أن الغراب إذا فقص عن فراخه خرجت بيضاً فإذا رآها كذلك نفر عنها فتفتح
أفواهها ويرسل الله لهم ذباباً فيدخل في أجوافها فيكون غذاءها حتى تسود، وإذا
اسودت عاد الغراب فغذاها ويرفع الله عنهم الذباب.
للنبي صلى الله عليه وسلم قال: حدّثني أحمد بن الخليل عن محمد بن عباد عن الوليد
بن كثير عن عبد الملك بن يحيى قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "لا
تطرقوا الطير في أوكارها فإن الليل أمان الله" وله صلى الله عليه وسلم في
الديك الأبيض حدّثني أبو سفيان الغنوي عن معاوية بن عمرو عن طلحة بن زيد عن الأحوص
بن حكيم عن خالد بن معدان عن رجل من الأنصار قال. قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "الديك الأبيض صديقي وصديق صديقي وعدو عدو الله يحرس دار صاحبه وسبع
أدور". وكان النبي عليه السلام يبيته معه في البيت.
في أصناف الطير قالوا: الطير ثلاثة أضرب، بهائم الطير وهو ما لقط الحبوب والبزور،
وسباع الطير وهي التي تغتدي اللحم، والمشترك وهو مثل العصفور يشارك بهائم الطير في
أنه ليس بذي مخلب ولا منسر وإذا سقط على عود قدم أصابعه الثلاث وأخر الدابرة.
وسباع الطير تقدم إصبعين وتؤخر إصبعين ويشارك سباع الطير بأنه يلقم فراخه ولا يزق
وأنه يأكل اللحم ويصطاد الجراد والنمل.
قالوا: والعصفور شديد الوطء، والفيل خفيف الوطء، والورشان يصرغ في كل شهر مرة.
قالوا: وأسوأ الطير هداية الأسود، والأبيض لا يجيء من الغاية لضعف قوته وأجودهم
هداية الغبر والنمر.
لصاحب الفلاحة في طبائع الحمام قال صاحب الفلاحة: الحمام يعجب بالكمون ويألف
الموضع الذي يكون فيه الكمون، وكذلك العدس ولا سيما إذا أنقعا في عصير حلو. ومما
يصلحن عليه ويكثرن أن تدخن بيوتهن بالعلك؛ وأسلم مواضعها وأصلحها أن يبنى لها بيت
على أساطين خشب ويجعل فيه ثلاث كوى: كوة في سمك البيت وكوة من قبل المشرق وكوة من
قبل المغرب، وبابان من قبل مهب الجنوب.
قال: والسذاب إذا ألقي في البرج تحامته السنانير البرية.
للكلبي في فضل أسماء كنائن نوح عليه السلام حدّثني ابن أبي سعد عن عليّ بن الصباح
عن أبي المنذر هشام بن محمد قال: حدّثني أن أسماء كنائن نوح إذا كتبن في زوايا بيت
حمام نمت الفروخ وسلمت من الآفات. قال هشام. قد جربته أنا وغيري فوجدته كما قال
أبي.
قال: واسم امرأة سام بن نوح "محلث محو"، واسم امرأة حام "أذنف
نشا" واسم امرأة يافت "زذقت نبث".
في أمراض الحمام قالوا: وأمراض الحمام أربعة: الكباد والخنان والسل والقمل، فدواء
الكباد الزعفران والسكر الطبرزذ وماء الهندباء يجعل في سكرجة ثم يمج في حلقه قبل
أن يلتقط شيئاً. ودواء الخنان أن يلين لسانه يوماً أو اثنين بدهن البنفسج ثم
بالرماد والملح ويدلك بهما حتى تنسلخ الجلدة العليّا التي غشيت لسانه ثم يطلى بعسل
ودهن ورد حتى يبرأ. ودواء السل أن يطعم الماش المقشور ويمج في حلقه لبن حليب ويقطع
من وظيفيه عرقان ظاهران في أسفل ذلك مما يلي المفصل. ودواء القمل أن تطلى أصول
ريشه بالزنبق المخلوط بدهن البنفسج، يفعل به ذلك مراراً حتى يسقط قمله، ويكنس
مكانه الذي يكون فيه كنساً نظيفاً.
في الطير الذي يخرج في الليل قالوا: والطير الذي يخرج من وكره بالليل البومة
والصدى والهامة والضوع والوطواط والخفاش وغراب الليل.
قالوا: إذا خرج فرخ الحمامة نفخ أبواه في حلقه الريح لتتسع الحوصلة من بعد
التحامها وتنبثق، فإذا اتسعت زقاه عند ذلك اللعاب ثم زقاه سورج أصول الحيطان
ليدبغا به الحوصلة، ثم زقاه بعد الحب.
للمثنى بن زهير قال المثنى بن زهير: لم أر شيئا قط في رجل وامرأة إلا وقد رأيته في
الحمام، رأيت حمامة لا تريد إلا ذكرها، ورأيت حمامة لا تمنع شيئاً من الذكور،
ورأيت حمامة لا تزيف إلا بعد شدة طلب، ورأيت حمامة تزيف للذكر ساعة يطلبها، ورأيت
حمامة وهي تمكن آخر ما تعدوه، ورأيت حمامة تقمط حمامة، ورأيت حمامة تقمط الذكر،
ورأيت ذكرا يقمط الذكر، ورأيت الذكر يقمط ما لقي ولا يزواج، ورأيت ذكراً له أنثيان
يحضن مع هذه وهذه ويزق مع هذه وهذه.
البيض
في
أصناف البيض
قالوا: والبيض يكون من أربعة أشياء: منه ما يكون من السفاد؛ ومنه ما يكون من التراب،
ومنه ما يكون من نسيم الريح يصل إلى أرحامها؛ ومنه شيء يعتري الحجل وما شاكله في
الطبيعة، فإن الأنثى منه ربما كانت على سفالة الريح التي تهمت من شق الذكر في بعض
الزمان فتحتشي من ذلك بيضاً، وكذلك النخلة تكون بجنب الفحال وتحت ريحه فتلقح بتلك
الريحة وتكتفي بذلك، والدجاجة إذا هرمت لم يكن لبيضهم مح، وإذا لم يكن للبيضة مح
لم يخلق فيهم فرخ، لأنه لا يكون له طعم يغذوه؛ والفرخ والفروج يخلقان من البياض
وغذاؤهما الصفرة، وإذا باضت الدجاجة بيضتين في اليوم كان ذلك من علامات موتهم?
والطائر إذا نتف ريشه احتبس بيضه وإذا سمع صوت الرعد الشديد.
الخفاش
خصائص
الخفاش قالوا. عجائب الخفاش أنه لا يبصر في الضوء الشديد ولا في الظلمة الشديدة
ونحبل وتلد وتحيض وترضع وتطير بلا ريش، وتحمل الأنثى ولدهم تحت جناحهم وربما قبضت
عليه بفيها خوفاً عليه، وربما ولدت وهي تطير. ولهم أذنان وأسنان وجناحان متصلان
برجليها، وأبصارها تصح على طول العمر، وإنما يظهر في القمر منهم المسنات.
لبعض الحكماء وقال بعض الحكماء: الخفاش فأر يطير.
الخطاف والزرزور
قالوا:
الخطاف والرزور يتبع الربيع حيث كان.
قالوا: وتقلع إحدى عينيه فترجع. والزرزور لا يمشي ومتى وقع بالأرض لم يستقل وأخذ،
وإنما يعشش في الأماكن المرتفعة فإذا أراد الطيران رمى بنفسه في الهواء فطار، وإذا
أراد أن يشرب الماء انقض عليه فشرب منه اختلاسا من غير أن يسقط بالأرض.
العقاب والحدأة
قالوا:
العقاب تبيض ثلاث بيضات في أكثر حالاتهم فإذا فرخت غذت اثنين وباعدت عنها واحداً
فيتعهد فرخها طائر يقال له: كاسر العظام، ويغذوه حتى يكبر ويقوى.
لصاحب الفلاحة في العقاب والحدأة وقال صاحب الفلاحة: العقاب والحدأة يتبدلان فتصير
العقافي حدأة والحدأة عقاباً.
قال: وكذلك الأرانب تتبدل فيصير الذكر منها أنثى وتصير الأنثى ذكراً.
لصاحب المنطق في العقاب قال صاحب المنطق: العقاب إذا اشتكت كبدهم من رفعهم الثعلب
والأرنب في الهواء وحظهم لذلك وأشباهه تعالجت بأكل الأكباد حتى تبرأ.
الغراب
الغربان
لا تقرب النخل المواقير وإنما تسقط على النخل المصرومة فتلقط ما يسقط من التمر في
القلبة وأصول الكرب وعلى إناث الغربان الحضن وعلى الذكور أن تأتي الإناث بالطعم،
والإوزة دون الذكر.
والغربان أكتم شيء للسفاد.
القطا
قالوا: والقطا لا تضع بيضهما أبداً إلا أفراداً؛ قال أبو وجزة:
وهن ينسبن وهناً كل صـادقة |
|
باتت تباشر عرماً غير أزواج |
الحيوان الذي لا يصلح شأنه إلا برئيس أو رقيب الحيوان الذي لا يصلح شأنه إلا برئيس أو رقيب: الناس، والغرانيق، والكراكي والنحل؛ فأما الإبل والبقر والحمير فتتخذ رئيساً من غير رقيب.
باب مصايد الطير
لصاحب
الفلاحة في طرق صيد الطير قال صاحب الفلاحة: من أراد أن يحتال للطير والدجاج حتى
يتحيرن ويغشى عليهن حتى يصيدهن عمد إلى الحلتيت فدافه بالماء ثم جعل في ذلك الماء
شيئاً من عسل ثم أنقع فيه براً يوماً وليلة ثم ألقى ذلك البر للطير فإنهم إذا
التقطته تحيرت وغشي عليهم فلم تقدر على الطيران إلا أن تسقى لبناً خالطه سمن.
قال: وإن عمد إلى طحين بر غير منخول فعجن بخمر ثم طرح للطير والحجل فأكلن منه
تحيرن. وإن جعل خمر في إناء وجعل فيه بنبيذ فشربن منه غشي عليهن.
قال: ومما يصاد به الكراكي وغيرها من الطير أن يوضع لهن في مواقعهن إناء فيه خمر
وقد جعل فيه خربق أسود والنقع فيه شعير فإذا أكلن منه أخذهن الصائد كيف شاء.
من طرق مصائد الطير قال غيره: ومما تصاد به العصافير بأسهل حيلة أن تؤخذ شبكة في
صورة المحبرة اليهودية المنكوسة ويجعل في جوفهم عصفور فتنقض عليه العصافير ويدخلن
عليه وما دخل منهم لم يقدر على الخروج فيصيد الرجل في اليوم الواحد مائتين وهو
وادع.
قال: ويصاد طير الماء بالقرعة وذلك أن تؤخذ قرعة يابسة صحيحة فيرمى بهم في الماء
فإنهم تتحرك فإذا أبصرهم الطير تتحرك فزع فإذا كثر ذلك عليه أنس حتى لربما سقط
عليهم، ثم تؤخذ قرعة فيقطع رأسها ويخرق فيها موضع عينين ثم يدخل الصائد رأسه فيهم
ويدخل الماء فيمشي إليهم مشياً رويداً فكلما دنا من طائر أدخل يده في الماء فقبض
على رجليه ثم غمسه في الماء ثم دق جناحه وخلاه فبقي طافياً فوق الماء يسبح برجله
ولا يطيق الطيران، وسائر الطير لا يمكن انغماسه فإذا فزع من صيد ما يريد رمى
بالقرعة ثم يلتقطهم ويحملهم.
الحشرات
لعبد
الله بن عمر عن أصناف الفار حدّثني يزيد بن عمرو قال. حدّثنا عبد الله بن الربيع
قال: أخبرنا هشام بن عبد الله عن قتادة عن عبد الله بن عمرو أنه قال: الفأرة
يهودية ولو سقيتهم ألبان الإبل ما شربتهم، والفار أصناف: منهن الزباب وهو أصم.
شعر للحارث بن حلزة قال الحارث بن حلزة:
وهم زبـاب حـائر |
|
لا تسمح الآذان رعدا |
والخلد وهو أعمى؛ وتقول العرب: هو
"أسرق من زبابة" وفأرة البيش، والبيش سم قاتل؛ ويقال: هو قرون السنبل،
وله فأرة تغتذيه لا تأكل غيره، ومن غير هذا فأرة المسك وفارة الإبل أفاحت أرواحهم
إذا عرقت.
قالوا: ومن الحيات ما يقتل ولا يخطئ: الثعبان والأفعى والهندية؛ فأما سوى هذه
فإنما يقتل بما يمده من الفزع، لأنه إذا فزع تفتحت منافسه فوغل السم إلى مواضع
الصميم وعمق البدن، فإن نهشت النائم والمغمى عليه والطفل الصغير والمجنون الذي لا
يعقل لم تقتل.
وأذناب الأفاعي تقطع فتهبت ونابهم يقطع بالعكاز فينبت حتى يعود في ثلاث ليال؛
والحية إن ننفث في فيهم حماض الأترج وأطبق لحيها الأعلى على الأسفل لم تقتل بعضتها
أياماً صالحة." ومن الناس من يبصق في فم الحية فيقتلها بريقه.
والحيات تكره ريح السذاب والشيح، وتعجب باللفاح؛ والبطيخ والحرف والخردل الموخف
واللبن والخمر، وليس في الأرض حيوان أصبر على جوع من حية؛ ثم الضب بعدها فإذا هرمت
صغرت في بدنها وأقنعها النسيم ولم تشته الطعام، ولذلك قال الراجز
حارية قد صغرت من الكبر |
لصاحب الفلاحة في الحية وقال صاحب
الفلاحة. إن الحية إن ضربتهم بقصبة مرة أوهنتهم القصبة في تلك الضربة وحيرتهم، فإن
ألحت عليهم بالضرب انسابت ولم تكترث.
ما يعالج بن الملسوع قال. ومن جيد ما يعالج به الملسوع أن يشق بطن الضفددع ثم يرفد
به موضع لسعة العقرب.
في الضفاع والضفدع لا يصيح حتى يدخل حنكه الأسفل في الماء، فإذا صار في فيه بعض
الماء صاح، ولذلك لا تسمع للضفادع نقيقاً إذا خرجن من الماء، قال الراجز:
يدخل في الأشداق ماءً ينصفه |
|
حتى ينق والنقيق يتـلـفـه |
يريد أن النقيق يدل عليه حية البحر، كما قال الآخر:
ضفاع في ظلماء ليلٍ تجاوبت |
|
فدل عليهما صوتها حية البحر |
وقال في السبخ: إنه إن انخرق فيه خرق
بمقدار منخر الثور حتى تدخله الريح استحال ذلك السبخ ضفادع. والضفادع لا عظام لها،
ويضرب بها المثل في الرسح؛ فيقال: "أرسح من ضفدع" و"أجحظ عينا من
ضفدع".
قالوا: وكل شيء يأكل فهو يحرك فكه الأسفل إلا التمساح فإنه يحرك فكه الأعلى.
سمك الرعاد في مصر من صاد منه سمكة لم تزل يده ترعد وتنتفض ما دام في شبكته أو
شصه. والجعل ،إذا دفنته في الورد سكنت حركته حتى يتوهم من رآه قد مات، فإذا أعدته
إلى الروث تحرك ورجع في حسه. والعير إذا ابتلع في علفه خنفساء قتلته إن وصلت إلى
جوفه حية. وأطول شيء ذماء الخنفساء فإنها يسرج على ظهرها فتصبر وتمشي.
والضب يذبح فيمكث ليلة ثم يقرب من النار فيتحرك.
والأفعى إذا ذبحت تبقى أياماً تتحرك وإن وطئها واطئ نهشته، ويقطع ثلثها الأسفل
فتعيش وينبت ذلك المقطوع.
والكلب والخنزير يجرحان الجرح القاتل فيعيشان.
قالوا: وللضب ذكران وللضبة حران، خبرني بذلك سهل عن الأصمعي أو غيره. قال: ويقال
لذكره نزك وأنشد:
سبحل له نزكان كانا فـضـيلة |
|
على كل حافٍ في البلاد وناعل |
وكذلك الحردون. والذبان لا تقرب قدراً
فيهم كمأة.
وسام أبرص لا يدخل بيتاً فيه زعفران.
ومن عضه الكلب الكلب احتاج إلى أن يستر وجهه من الذباب لئلا يسقط عليه.
وخرطوم الذباب يده، ومنه يغني، وفيه يجري الصوت كما يجري الزافر الصوت في القصبة
بالنفخ.
قالوا: ليس شيء يذخر إلا الإنسان والنملة والفأرة. والذرة اتذخر في الصيف للشتاء
فإذا خافت العَفَن على الحبوب أخرجتها إلى ظاهِر الأرض فشَرًرَتْها، وأكثرُ ما
تَفعلُ ذلك ليلاً في القمر. فإن خافت أن ينبتَ الحب نقرت وسط الحبة لئلا تنبتَ.
والسلَحْفَاة إذا أكلت أفْعى أكلت سَعْتَرا جَبَلياً.
وابنُ عِرْسٍ إذا قاتل الحيةَ أكل السذَابَ.
والكلاب إذا كان في أجوافها عود أكلت سُنبلَ القَمح.
والأيِّلُ إذا نهشته الحيةُ أكل السراطين.
لابن ماسويه قال ابن ماسويه: فلذلك يُظنّ أن السراطينَ صالحة لمن نُهِشَ من الناس.
والوَزَع، يُزاقُّ الحياتِ ويُقارِبُها، ويَكرع في اللبن والمَرَق ثم يَمُخع في
الإناء، وأهلُ السجن يعملون من الوزع سمّاً أنفذَ من سم البِيش ومن ريق الأفاعي،
وذلك أنهم يُدخلون الوزعَة قارورةً ثم يَصبون فيها من الزيت ما يغمُرها ويضعونها
في الشمس أربعين يوماً حتى تتهرّأ في الزيت، فإن مُسِحَتْ على اللُّقمةِ منه
مَسحةٌ وأكله آكل مات من يومه.
والجرادُ إذا طَلع فعُمِدَ إلى التُرْمُس والحَنظَل فطبِخا بماء ثم نُضحَ ذلك
الماءُ على زرع تنكّبه الجرادُ.
وإذا زُرع خَرْدَل في نواحي زرع نجا من الدَبَى.
وإذا أخذ المُرْدَاسَنْجً فعُجِن بعجين ثم طُرح للفأر فأكلته مُوّتن عنه، وكذلك
بُرايةُ الحديد.
وإذا أخِذ الأفْيون والشُّونِيز والبارد وقرنُ الأيل وبَابُونَج وظِلفٌ من أظلاف
المعز فَخُلِط لك جميعاً ثم دقّ وعُجِن بخل عتيق ثم قُطِعَ قطعاً فدُخن بقطعة منه
نفرت لذلك الحيّاتُ الهوامُّ والنملُ والعقاربُ، وإن أحرِقَ منه شيء ودُخَن به هرب
ما وجَدَ منها تلك الريحَ.
والنملُ تهرُبُ من دُخَان أصول الحَنْظَل.
في ما يقتل النمل وإن عُمِدَ إلى كبريت وسَذَابٍ وخَرْبقٍ فَحُق ذلك جميعاً
وطُرِحَ في قرية النمل قتلها ومنعها ظهورهن من ذلك الموضع ذهبن.
في طرد البعوض والبعوضُ تهرُب من دخان القَلْقَدِيس إذا دُخن به ومعه حبُّ السوس،
وتهرُب من دخان الكبريت والعِلْك.
منافع لحم الحيوان وقالت الأطباء: لحمُ ابنِ عرس نافعٌ من الصرْع. ولحمُ القُنفذ
نافع من الجُذام والسل والتشنُج ووجع الكُلَى، يُجففُ وُيشرب ويُطعَمُه العليلُ
مطبوخاً ومشو ويُضمدُ به المتشنج. والعقرب إذا شُقَّ بطنُها ثم شُد على موضع
اللسعة نفعت. وقد تجعل في جوف فَخار مشدود الرأس مُطَين الجوانب ثم يوضع الفخّارُ
في تَنُّور، فإذا صارت العقربُ رَماداً سُقيَ منْ ذلك الرمادِ مَن به الحصاة
مقدارَ نصف دانق وأكثر فيُفَتَت الحصاةَ من غير أن يضر بشيء مم سائر الأعضاء
والأخلاط وقد تَلسعُ العقربُ مَنْ به حُمَّى عتيقة فتقلعُ؛ وتلسعُ المفلوجَ فيذهبُ
عنه الفالِجِ، وتلقى في الدهن وتُترك فيه حتى يأخذَ الدُهنُ منها ويَجتذبَ قُواها
فيكون ذلك الدُّهْنُ مُفرقاً للأورام الغليظة.
من طبع العقرب ومن طبع العقرب أنك إن ألقيتها في ماء غَمْرٍ بقيت في وسط الماء لا
تَطفو ولا تَرسُبُ؛ وهي من الحيوان الذي لا يَسبَحُ.
وعينُ الجرادة وعينُ الأفعى لا تَدورانِ. وإنما تَنْسُجُ من العناكب الأنثى،
والذكر هو الخدْرَنُق. وولد العنكبوت يَنسُجُ ساعةَ يولدُ. والقَمْلُ يُخلق في
الرؤوس على لون الشعر إن كان أسودَ أو أبيضَ أو مخضوباً بالحِنّاء.
الحُلْكاءُ دُوَيبَّة تغوص في الرمل كما يغوص طائرُ الماء في الماء.
وبناتُ النّقا كذلك، وهي التي يُقال لها: شحمةُ الأرض.
وأم حُبَيْنٍ لا تُقيمُ بمكان تكون فيه السرْفَةُ، والسّرفةُ دويَبَة يُضربُ بها
المثلُ في الصّنعة فيقال: "أصْنَعُ مِنْ سُرْفَةٍ ".
شعر لأعرابية في أفعى ومن أحسنِ ما قيل في الأفعى قول امرأة من الأعراب:
خُلِقَتْ لَهَازِمُه عِـزِينَ وراسـهُ |
|
كالقُرْص فُرْطِحَ من دقيقِ شعيرِ |
وكأن مَلْـقـاهُ بـكـلّ تَـنُـوفَةٍ |
|
مَلقاكَ كفَّةَ مِنْجَـلٍِ مـأطـور |
وُيدير عيناً للـوِقـاع كـأنـهـا |
|
سمراءُ طاحت من نفِيض بَريرِ |
لماسرجويه
وقد سُئل عن السموم وعلاجها
قيل لماسرجويه: نَجدُ ملسوعَ العقرب يُعالجَ بالاسفيوش فينفعه، وآخر يُعالج
بالبندق فينفعه، وآخر يَشربُ الأنقاس فتنفعه، وآخر يأكلُ التفاحَ الحامضَ فينفعًه،
وآخر يَطليه بالقِلْي والخل فيحمَدُه، وآخر يَعْصِبُ عليه الثومَ الحارَّ
المطبوخَ، وآخر يُدخِلُ يده في مِرْجَلٍ حار لا ماء يه فيحَمدُه، وآخر يعالج
بالنُّخَالة الحارّة فيحمدَها، وآخر يَحجِمُ ذلك الموضعَ فيحمَده، ثم رأيناه
يتعالج بعدُ بذلك الشيءِ للسعة أخرى فلا يحمده! فقال: لما اختلفت السّمومُ في
أنفسها بالجنس والقدر والزمان، وباختلاف ما لاقاه اختلفَ الذي يوافقه على حسب
اختلافه.
قالوا: وأشدّ ما تكون لسعتُها إذا خرج الإنسانُ من الحمّام، لتفتّح المنافس
وسَعَةِ المجاري وسُخُونة البدن.
لأي بكر البحري وحدّثني أبو حاتم عن الأصمعيَ قال: قال أبو بكر البحريّ: ما من شيء
يضرّ إلا يحمل منفعة.
لبعض الأطباء وقيل لبعض الأطباء: إن قائلاً قال: أنا مثلُ العقرب أضُر ولا أنفعُ.
فقال: ما أقلّ علمه بها، "إنها لتنفع إذا شُقّ بطنُها ثم شُئت على موضع
اللّسعة؛ وقد تجعل في جوف فخار مشدود الرأس مُطيّن الجوانب ثم يُوضع الفخار في
تَنُور فإذا صارت العقربُ رَماداً سُقِيَ من الرمادِ مقدارَ نصف دانق أو أكثر
قليلاً مَنْ به الحصاةُ ففتّها من غير أن يضر بشيء من سائر الأعضاء والأخلاط. وقد
تَلسعُ العقربُ مَن به الحمَى العتيقةُ فتُقلِعُ عنه. ولَسعتِ العقرب رجلاً
مفلوجاً فذهب عنه الفالج. وقد تُلقَى العقربُ في الدهن وتترك فيه حتى يأخذَ الدهنُ
منها ويَجتذبَ قواها فيكون ذلك الدهنُ مُفرقاً للأورام الغليظة.
بين أعرابي لسعته عقرب وبعض الناس قال أبو عبيدة: ولَسعت أعرابياً عقرب بالبصرة،
وخِيفَ عليه فاشتد جزعُه، فقال بعض الناس له: ليس شي خيراً مِنْ أن تُغْسَلَ له
خُصِيةُ زِنجي عَرِقَ ففعلوا، وكان ذاك في ليلَةٍ ومدة، فلما سَقَوْه قَطَب؛ فقيل
له: طعمَ ماذا تَجِدُ? قال: أجدُ طعمَ قِرْبَةٍ جديدةٍ.
بين المأمون وسلمويه وبختيشوع وابن ماسويه قال المأمون: قال لي بَخْتِيَشُوع
وسلمويه وابن ماسويه: إن الذباب إذا دلِكَ على موضع لسعة الزُّنبور هَدَأ وسكن
الألمُ، فلسعني زُنبور فحككتُ على موضعه أكثر من عشرين ذبابة سكن الألمُ إلا في
قدر الزمان الني كان يسكن فيه من غير علاج، فلم يبقَ في يدي منهم إلا أن يقولوا:
كان هذا الزنبورُ حنقاً غاضباً، ولولا ذلك العلاجُ قتلَك.
قالوا: ومما ينفع من اللسعة أن يُصيروا على موضعها قطعةَ رَصاصٍ رقيقةً وتُشد عليه
أياماً. وقد يُمَوهُ بهذا قوم فيجعلونه خاتَماً فيدفعونه إلى الملسوع إذا نُهِشَ
في إصبعه.
لمحمد بن الجَهْم قال محمد بن الجَهْم: لا تتهاونوا بكثير مما تَرَوْن من علاج
العجائز، فإن كثيراً منه وقع إليهن من قدماء الأطباء، كالذبان يلقَى في الإثمدِ
فيسحقُ معه، فيزيدُ ذلك في نور البصر، النظر وتشديدِ مراكز الشعر في حافات الجفون.
قال: وفي أمة من الأمم قومٌ يأكلون الذَبانَ فلا يرمَدون، وليس لذلك يأكلونه، ولكن
كما يأكل غيرهم فراخ الزنانير.
لابن ماسويه في علاج لسع العقرب وقال ابن ماسوِيه: المجرًبُ للسع العقرب أن يُسقَى
من الزًراوَند المدحرج ويُشربَ عليه ماء بارد، ويُمضغ ويوضعَ على اللسعة.
قال: وللسع الأفاعي والحيّات ورقُ الاس الرطب يُعْصَرُ ويُسقَى من مائه قدرَ نصف
رطل، وكذلك ماء المَرْزَنْجُوش وماء ورق التفاح المدقوق والمعصور مع المطبوخ،
ويُضمد الموضعُ بورق التفاح المدقوق. وللأدوية والسموم القاتلة البندق والتين
والسذابُ يُطعم ذلك العليلُ.
قال: والثُّوم والملح وبَعْر الغنم نافع جدّاً إذا وُضِعَ على موضع لسعة الحية إلا
أن تكون اصَلةً، فإن الأصَلَةَ تُوضعُ على لسعها الكُلْيتان جميعاً بالزيت والعسل.
والخِطمي إذا أخِذَ ورقُه فلُق ثم وُضع على لسع قَملة النّسر كان دواء له. وإن
طَلَى أحد به يديه أو جسده لم يَلدغْ ذلك الموضعَ منه زُنْبور. وإن لَدغَ أحداً
زنبورٌ فآذاه فشرب من مائه نفعه.
والبشكول وهو الطرشَقوقُ إن دُق فضُمد به لسعةُ العقرب نفع إذا أغلي أو شُرِب من
عصيره.
قالوا: وإن أخَذَ مَنْ حذَر على نفسه السمومَ التينَ مع الشُّونِيز على الريق
وَقاه.
النبات
لكُليب
أبي وائل
حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال: حدثنا قريشُ بن أنس عن كُلَيْب ابن
وائل رجل من المُطَّوٌعة قال: رأيت ببلاد الهند شجراً له ورد أحمر مكتوب فيه ببياض
"محمد رسول الله". والعرب تقول في مثل هذا هو "أشكرَ من
البَرْوَقَة"، وهو نبت ضعيف ينبت بالغيم.
ويزعم قوم أن النارَجيلَ هو نخل المُقْل قَلبه طِباعُ البلد.
لصاحب الفلاحة في الكرنب والكَرْم وقال صاحب الفلاحة: بين الكُرْنب وبين الكَرْم
عداوة، فإذا زُرعَ الكرنب بحضرة الكَرم ذَبَلَ أحدهما وتشنج، ولذلك يُبطىء
السُّكْرُ عمن أكل منه ورقاتٍ على ريق النفس ثم شرب. وقُضبان الرمان إذا ضُرِبَ
بها ظهرُ رجل اشتد عليه الألم.
وقالوا: وكل زَهر ونَوْرٍ فإنه ينحرفُ مع الشمس وُيحوَل إليها وجهَه؛ ولذلك يقال:
يُضاحِكُ الشمسَ.
للأعشى قال الأعشى:
ما روضَةٌ من رياض الحَزْنِ مُعشِبةٌ |
|
خضراءُ جَادَ عليها مُسْبِلٌ هَـطِـل |
يُضاحكُ الشمسَ منها كوكبٌ شَـرِقٌ |
|
مُؤَزَز بِعَميم النَبـتِ مُـكْـتَـهِـلُ |
وقال آخر:
فَنُوَّارُه مِيلٌ إلى الشمس زَاهِرُه |
والخُبًازَي
يَنضمُّ ورقُهً بالليل ويَنفتِحُ بالنهار.
والنًيلُوفَرُ يَنبتُ في الماء فيغيب الليلَ كلّه ويظهرُ إذا طلعتِ الشمسُ.
في الطحلب وقالوا في الطحلُب: إن اخذ فجُفِّفَ في الظل ثم سقطَ في النار لم
يَحترِق.
وذكروا أن قَسّاً راهنَ على صليب في عنقه من خشب أنه لا يَحترق، وقال: هو من
العود، الذي صًلِبَ عليه المسيحُ، فكاد يَفتِنُ بذلك خَلْقاً حتى فَطِنَ له بعضُ
أهل النظر فأتاهم بقطعة، تكون بكرِمانَ فكان أبقى على النار منِ صليبه. والطلَقُ
كذلك لا يصير جمراً.
وطِلاءُ النفاطين طَلَقٌ وخِطْمِي ومَغرَةٌ.
وقالوا: إذا أخِذَ بِزرُ السذاب البريّ وزُرع وطال به ذلك تَحوّل حرملاً،
والنّمامُ إذا أعتَقَ تحول حبقاً.
قالوا: والقُسْطُ إنما هو جَزَر بحريّ.
قالوا: بالسند نبتٌ من الحشيش يُسمّى تِرِيَّةً، إذا أخذ فطُبخ ثم صُفِّي ماؤه
فجُعِلَ في وِعاء لم يلبَث إلا يسيراً حتى يشتد ويسكِر شاربَه إسكارَ الخمر.
لصاحب الفلاحة في إفساد البقل والرمان قال صاحب الفلاحة: من أراد أن يضرّ
بمَبْقَلَةٍ عَمَد إلى شيء من خُرء البَط فخلط به كل من ملح ثم طُرِحَا في ماءٍ
فدِيفَا فيه فيُنضَحُ ذلك الماءُ على البقل فإنه يَفْسُدُ.
قال: ومن أراد إفسادَ الرمان الكثير ألقى في أضعافه نوَىَ التمر والملح والجرِيش.
ومن أراد قتلَ السمك في الماء القائم عَمَد إلى نبت يسمى "ما هِي زهره"
فدُقّ وطُرِحَ في الماء فإنه يموت سمكُ ذلك الماءَ؛ والمازريون يفعل ذلك.
قال: ومما يَجِص له الشجر أن يُعمَد إلى مِسمار من حديد فيُحمَى بالنار حتى تشتدّ
حُمرته ثم يدَقّ في أصل الشجرة، وأن يُعْمَد إلى وتد من طَرْفاءَ فيُثقَبَ أصل
الشجرة بِمثقَب حديد يُجَعلَ ذلك العودُ على قدر الثقب في المِثقَب فتجفّ الشجرةُ
إن كان غِلظُ العودُ على قدر الثقب.
لماسرجويه في أن النظر إلى الخضرة فضائل قيل لماسرجويه: ما بالُ الأكَرَةِ
وسُكَانِ البساتينِ مع أكلهم الكُراثَ والتمرَ وشُربِهم الحار على السّمكِ المالح
أقل عُمياناً وعُورَاناً وعُمشَاناً? قال: فكَّرتُ في ذلك فلم أجهدْ عِلّةً طولَ
وُقوع أبصارهم على الخضرة.
الحجارة
لأرسطاطاليس
قال أرسطاطاليس: حَجرُ سنقيلا إذا رُبط على بطن صاحب الاستسقاء نَشَفَ منه الماءَ
والدليل على ذلك أنه يوزن بعد أن كان على بطنه فيوجدُ قد زاد في وزنه؛ وذاكرتُ
بهذا رجلاً من علماء الأطبّاء فعرفه، وقال: هذا الحجر مذكور في التوراة. وحجر
المغناطيس يَجذِبُ الحديدَ من بُعْدٍ وإذا وُضِعَ عليه عَلقَه، فإن دُلِكَ بالثُوم
بطلَ عملُه.
قالوا: والرّمادُ ؤالقِلْيُ يُدبران فيستحِيلان حجارةً سُوداً تَصلحُ للأرجاء.
ومِن الحجارة حصاةٌ في صورة النواة تَسبَحُ في الخل كأنها سمكة. ومنها خَرَزَة
العُقْر إن كانت في حَقْو المرأة فلا تَحْبَلُ. وحجر يُوضع على حرف التنور فيتساقط
خبزُ التنور كله.
وبمصر حجر مَنْ قَبضَ عليه بِجمبع كَفيهِ فأكل شيئاً في جوفه فإن هو لم يَنْبُذْه
من كفه خِيفَ عليه. ومن الحجارة النَشفُ، ليس شيء من الحجارة يَطْفُو على الماء
غيره وفيه حُفَر صِغَارٌ.
قالوا: الرصاص قد يدبرُ فيستحيلُ مُرْدَاسَنْجاً.
وإقليمياء النحاس يدبر فيصيرُ تُوتِياء. وحجر البازَهْر يُفرًقُ الأورام.
الشب اليماني وباليمن جبل يقطر منه ماء، فإذا صار إلى الأرض ويَبِسَ استحال وصار
شباً، وهو هذا الشب اليماني.
للأصمعي في أشياء لا تكون إلا باليمن حدّثنا الرياشي عن الأصمعي قال: أربعةُ
أشياءَ قد ملأتِ الدنيا لا تكون إلا باليمن: الوَرْسُ والكُنْدُرُ والخِطْرُ
والعَصْب.
وبمصرحجر تُحركه فسمعُ في جوفه شيئاً يَتقلقلُ كالنواة.
بين شريح ورجلين اختصما إليه حدثني شيخ لنا عن علي بن عاصم عن خالد الحَذَّاء عن
محمد بن سيرين قال: اختصم رجلان إلى شُرَيْح، فقال أحدُهما: إني استودعتُ هذا
وديعةً فأبى أن يدردها عليّ. فقال له شريح: رُدَ على هذا الرجل وديعَته. قال: يا
أبا أميةَ، إنه حجر إذا رأته الحُبْلَى ألقتْ ولدَها وإذا وَقَع في الخل غَلَى،
وإذا وُضِع في التنُور بَرَدَ فسكتَ شرَيحٌ ولم يَقُلْ شيئاً حتى قاما.
الجنّ
قالوا:
الشياطينُ مَرَدةُ الجن، والجان ضَعَفةُ الجن.
لمجاهد عن إبليس وبلغني عن يحيى بن آدم عن شَرِيكٍ عن لَيْث عنِ مُجاهد قال: قال -
يعني إبليس عليه لعنة الله - : أعطِينَا أنا نَرَى ولا نُرَى، وأنا ندخُل تحت
الثَرَى، وأن شيخنا يُرَدّ فَتىً.
بين عبدالله بن الزبير ورجل من الجن حدّثنا عبد الرحمن عن عمه قال: حدّثني يَعْلَى
بن عُقْبة - شيِخ من أهل المدينة مولًى لآل الزُّبَير - : أن عبد الله بن الزبير
باتَ بالقَفْر، فقام ليَرْحَلَ فوجدَ رجلاً طُوله شِبرانِ عظيمَ اللحية على
الوَلِيّة، فنفَضَها فوقع ثم وضَعَها على الراحلة، وجاء وهو بين الشَرْخَينِ،
فنفضَ الرحلَ ثم شده، وأخذ السوطَ ثم أتاه، فقال: مَنْ أنتَ? قال: أنا أزَبُ. قال:
وما أزَت? قال: رجلٌ من الجن. قال: افتح فاك أنظر. ففتح فاه، قال: أهكذا
حُلوقُكُم! لقد شُوًه حُلوقُكمُ! ثم قَلَبَ السوطَ فوضعه في رأس أزَب حتى شقه.
بين بنت عوف بن عفراء ورجل من الجن ثم بينها وبين عائشة رضي الله عنها حدثني خالد
بن محمد الأزدي قال: حدثنا عمر بن يونس قال: حدثنا عِكرِمة بن عفار قال: حدثنا
إسحاق بن أبي طلحة الأنصاري قال: حدثني أنس بن مالك قال: كانت بنتُ عوف ابن عفراء
مُضطجِعَةً في بيتها قائلة إذا استيقظَتْ وزنجي على صدرها آخذاً بحلقها، قالت:
فأمسكَني ما شاء الله وأنا حينثذ قد حَرُمَتْ علي الصلاةُ، فبينا أنا كذلك نظرتُ
إلى سقف البيت يَنْفَرِج، حتى نظرتُ إلى السماء فإذا صحيفة صفراء تَهِوي بين
السماء والأرض حتى وقَعتْ على صدري، فنشرها وأرسل حَلقي فقرأها، فإذا فيها: من
رَبّ لُكَيزٍ إلى لُكيزٍ، اجتنب ابنةَ العبد الصالح إنه لا سبيل لك عليها. ثم ضرب
بيده على ركبتي وقال: لولا هذه الصحيفةُ لكان دم، أي لذبحتُكِ؛ فاسودتْ ركبتي حتى
صارت مثلَ رأس الشاة، فأتيت عائشة. فذكرت لها ذلك؛ فقالت لي: يا بنة أخي، إذا
حِضتِ فألزِمي عليك ثيابكِ فإنه لا سبيل له عليكِ إن شاء الله. فحفظها اللّه
بأبيها وكان استُشهِدَ يوم بدر.
بين عجوز وجني أبو يعقوب الثقفيّ عن عبد الملك بن عُمير عن الشّعْبيّ عن زياد بن
النضر أن عجوزاً سألت جِنّيّاً فقالت: إن بنتي عَروسٌ وقد تمرط شَعَرُها من حمَى
رِبْع بها، فهل عندكَ دواء? فقال: اعْمدِي إلى ذُباب الماء الطويل القوائم الذي
يكون بأفواه الأنهار فاجعليه في سبعة ألوان من العِهْنِ: أصفرَ وأحمرَ وأخضرَ
وأزرقَ وأبيضَ وأسودَ وأغبرَ، ثم اجعليه في وسطه وافتِلِيه بأصبعك هكذا ثم اعقِديه
على عَضُدها اليسرى، ففعلَتْ فكأنّها النشِطَتْ من عِقَالٍ.
لمحمد بن مسلم الطائفي حدّثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: أخبرني محمد بن مسلم
الطائفيّ في حديث ذكره أن الشياطين لا تستطيعُ أن تغيَرَ خَلْقَها ولكنها تُسَخرُ.
وللنهاس بن قهم، ولغيره وقال الأصمعي: حدّثنا أبو عمرو بن العلاء قال: حدثنا
النفاسُ بن قَهْم قال: دخلتُ مِرْبَداً لنا فإذا فيه شيء كالعَجوْل له قرنان وله
رِيشٌ ينظرُ إليٌ كأنه شيطان.
حدثنا عبد الرحمن بن عبدالله عن عمه قال: سَمِع رجلٌ بأرض ليس بها أحدٌ قائلاً من
تحته يقول: مَنْ يُحرك شُعَيراتِي? ذاك مَقِيلي، وظِل مَظَفي، حاشا الغزيل وعبد
الملك وجمعهِ الأدْم، وكانوا يَرَوْن أن الأصمعي سمع هذا، وذاك أنه كان في آخر
عمره وقد أصابه مَسٌ ثم ذهب عنه.
بين عُمير بن ضبيعة وصاحب له وجني حدّثني سهل بن محمد عن الأصمعي قال: أخبرنا عمر
بن الهيثم عن عُمَير بن ضبَيْعة قال: بينا أنا أسيرُ في فلاةٍ أنا وابن ظبيانَ -
أو رفيق له آخر ذكره - عَرَضتْ لنا عجوز - كذا سمعته يقول، إن شاء الله - أو شيخ -
ورأيتُ في كتاب محمدٍ ابنه - وصبي يبكي؛ فقال: إني مُنْقَطَعٌ بي في هذه الفلاة
فلو تحمّلتماني! فقال صاحبُ عمير: لو أردفتَه! فحمله خلفَه، فمكثنا ساعة فنظم في
وجه عمير وتنفّس فخرج مِنْ فِيهِ نارٌ مثلُ نار الأتون فأخذَ له عميرٌ السيفَ?
فبكى وقال: ما تُرِيدُ منّي? فكفّ عنه ولم يُعْلِم صاحبَه بما رأى؛ فمكث هنيهةً ثم
عاد، فأخذ له السيفَ؛ فبكى وقال: ما تريد مني? وبكى؛ فتركه ولم يعْلِم صاحبه؛ ثم
عاد الثالثةَ ففغر في وجهه؛ فحمل عليه بالسيف؛ فلما رأى الجدَ وثبَ وقال: قاتَلكَ
اللُه ما أشد قلبَك! ما فَعلتُه قطّ في وجه رجل إلا ذهب عقلُه.
بين النبي صلى الله عليه وسلم وأبو أيوب الأنصاري والغول بلغني عن محمد بن عبد
الله الأسديّ عن سفيان عن ابن أبي ليلى عن أخيه عن عبد الرحمن عن أبي أيوب
الأنصاري أنه كان في سَفْرَة له وكانت الغولُ تجيء، فشكاها إلى النبي صلى الله
عليه وسلم فقال: "إذا رأيتَها فقُل باسم اللِه أجيبي رسولَ الله" فجاءت
فقال لها ذلك، فأخذها فقالت: لا أعودة فأرسلها فقال له النبي عليه السلام:
"ما فَعل أسيرك" فأخبره؛ فقال: "إنها عائدة" ففعلتْ ذلك مرتين
أو ثلاثاً، وقالت في آخرها: أرسِلْني وأعلَمك شيئاً تقوله فلا يضرّك شيء: آيةَ
الكرسيّ. فأتى النبي عليه السلام فأخبره؛ فقال: "صَدَقَتْ وهي كذُوبٌ".
بين عمر بن عبد العزيز وعامل عمان في شأن ساحرة حدّثني زيدُ بن أخزَمَ قال: حدثنا
عبد الصمد عن همام عن يحيى بن أبي كثير أن عامل عُمَانَ كتب إلى عمرَ بن عبد
العزيز: إنا أتِينَا بساحرة فألقيناها في الماء فطَفَتْ؛ فكتب إليه عمرُ لَسْنَا
من الماءِ في شيء، إن قامتِ البينةُ وإلا فَخَل عنها.
للنيي صلى الله عليه وسلم حدثني يزيد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا ابن
جُريج عن ابن أبي الحسين المكي قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "نعِمَتِ
الذخْنةُ اللبانُ واللُبانً دُخنةً الأنبياءِ ولن يَدخُلَ بيتاً خن فيه بِلُبَانٍ
ساحِر ولا كاهِن".
بين سفيان بن عيينة وأعرابية حدثني عبدالله بن أبي سعيد قال: حدثني عبدالله بن
مروان بن معاوية من ولد أسماء بن خارجةَ قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: سمعتُ أعرابيةً
تقول: من يشتري مني الحَزَأ? فقلتُ: وما الحزأ? قالت: يشتريه أكايسُ النساء
للطَّشة والخافية والإقلاتِ. قال عبد الله: سألتُ ابن مُنَاذِرٍ فقال: الطَّشةُ:
شيء يُصيبُ الصبيانَ كالزُّكام. والخافيةُ: الجن. والإقلاتُ: قِلةُ الولد. يريد أن
المرأةَ إذا ولدت يموتُ أولادُها فلا يبقى لها ولد؛ يقال: امرأة مِقْلاَت.
بين شيخ من بني نمير وقوم من الجن المسلمين
بلغني عن شيخ منِ بني نُمير أنه قال: أضْللْت أباعر لي بالشُرَيفِ فخرجتُ في
بُغَائِها فذأبْتُ أياماً فأمسيتُ عشيَّةَ بواب مُوحِش وقد كدَدْتُ راحلتي
فاختليتُ لها من الشجر وأصبتُ لها من الماء ثم قيَدتُها واضجعتُ مغموماً، فلما
جَرى وسَنُ النوم في عيني إذ هَمس قَدمٌ قريباً مني، فانتبهتُ فزِعاً وإذا شيخ
يتنحنح وهو يقول: لا رَيْعَة عليك! ثم سلّم وجلس؛ ثم جاء آخر وآخر حتى تألّفوا
أربعة فقالوا: ما بك أيها المسلم. فقلت: أضللتُ أباعِرَ لي وأنا في طلبها؛ منذ
أيام. فقال لي الأول منهم: كُنّ لك ما كنّ، وقد ودعنَ فبِنّ، وصِرنَ حيث صِرنَ،
فلا تتعَنّيَن. فاجترأت على المسألة فقلت: أمِن الخافيةِ أنتم نشدتكم بإلهكم?.
قالوا: نعم وإلهنا إلهكم واحدة فقلت: علموني مما علمكم الله شيئاً أنتفع به.
قالوا: إذا أردتَ حِفظَ مالِكَ فاقرأ عليه: "إن رَبكُمُ اللُّه الذِي خَلَقَ
السموَاتِ والأرضَ في سِتَةِ أيامٍ ثم اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش" إلى آخر ثلاث
الآيات، وآية الكرسي، وإذا أمسيتَ في خَلاءٍ وحمَك فاقرأ المعوَذتين، وإن حببتَ
ألا يعبَثَ بك ولا بأهلك وولدك عابثٌ منا فعليك بالديكِ الأبيض؛ واجعل في حجور
صبيانك بَرِيماً، يعني خيطاً من صوف أبيض وأسود، واحتَشُوا بالإذخر يُنشر في
الصوف. فحدثوني كحديثنا تلك الليلة، فلما أصبحت رجعتُ.
قال المدائنيّ: كانت وفاةُ زِياد بالعَرْفَةِ ظهرتْ في إصبعه، واشتد عليه الوجع
فجمع الأطباء فشاورهم في قطع إصبعه، فأشار عليه بعضهم بذلك، وقال له رجل منهم:
أتجد الوجعَ، الإصبع أم تجده في قلبك والإصبع? قال: في قلبي وفي إصبعي. قال: عِش
سليماً ومُتْ سليماً. وأمره أن يَغمِسها في الخّل، فكان ذلك يُخفف عنه بعضَ الوجع،
فمكث بذلك سبعة عشر يوماً ثم مات؛ وسَمِع أهل الحبس ليلةَ مات قائلاً يقول: أنا
النقادُ فوق الرقْيَة قد كفيتُكم الرجلَ. والعرب تدعو الطاعونَ رماحَ الجن.
للنبي صلى الله عليه وسلم في الطاعون وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم "إنه
وَخْزٌ من الجنّ" يعني الطاعونَ. واللهّ أعلم.
صورة ما جاء بخاتمة الجزء الرابع من النسخة الخطية التي نقل عنها الأصل الفتوغرافي
تم كتاب الطبائع وهو الكتاب الرابع من عيون الأخبار لابن قتيبة ويتلوه في الكتاب
الخامس كتاب العلم. والحمد للّه رب العالمين وصلاته على خير خلقه محمد النبي وآله
وصحابته وأهل بيته أجمعين.
وكتبه الفقير إلى رحمة الله تعالى إبراهيم بن عمر بن محمد بن علي الواعظ الجزري
وذلك في شهور سنة أربع وتسعين وخمسمائة هجرية.
إلى هنا ينتهي آخر القسم المطبوع من هذا الكتاب بمدينة غوتنغن سنة 1899 م. وسنعتمد
في مراجعة الجزء الخامس إلى آخر الكتاب على الأصل الفتوغرافي، وعلى المصادر التي
يعول عليها في تصحيح الكتاب.
جاء بعد خاتمة الجزء الرابع من النسخة الخطية التي نقل عنها الأصل الفتوغرافيّ ما
يأتي: لسديف مولى بني هاشم يناجي ربه كان سُدَيف مولى بني هاشم يقول: اللهم إنه قد
صار فينا دولةً بعد القِسْمة، و"إمارتنا غلبةً بعد المشورة؛ وعهدُنا ميراثاً
بعد الاختيار للأمة، واشْتُرِيت الملاهي والمعازف بسهم اليتم والأْرْمَلَة؛
وحَكَمَ في أبشار المسلمين أهلُ الذمة وتولى القيام بأمورهم فاسقُ كل محلة. اللهم
وقد استحْصَدَ زرعُ الباطل، وبلغ نُهْيتَه، واستجمعَ طريدهُ، اللهم فافتح له من
الحق يداً حاصدة تُبدَد شملَه، وتُفرق نامَته، ليظهر الحق في أحسن صوره، وأتم
نُوره. والسلام.
دعاء في التوقي من ظلم السلطان وقيل: كانوا يتوقَون ظُلمَ السلطان إذا دخلوا عليه
بأن يقولوا هذا الدعاء: "باسم اللّه، "إني أعوذُ بالرحمنِ منكَ إن
كُنْتَ تَقِيًّا"، "اخْسَئُوا فيها ولا تُكَمون"، أخذت سمعك
وبَصرَك بسمع الله وبصره، وأخذتُ قوّتكَ بقوة اللهّ، بيني وبينك ستْرُ النبوة الذي
كانت الأنبياء تَستتر به من سَطَوات الفراعنة؛ جبريلُ عن يمينك، وميكائيلُ عن
شِمالك، ومحمد أمامك، والله مطل عليك يَحجزك مني ويمنعني منك. والسلام".
كتاب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله يعظه وكتب عُمر بنُ عبد العزيز إلى بعض
عَمَاله: "أما بعد، فإذا دعتك قدرتُك على الناس إلى ظلمهم، فاذكُرْ قدرةَ
اللّه عليك ونَفَادَ ما تأتي إليهم، وبقاءَ ما يأتون إليك. والسلام ".
وقَدِم رجلٌ من بعض النواحي فقيل له: كيف تركتَ الناس? قال: مظلوماً لا يَنْتَصِر،
وظالماً لا ينْتَهَر. والسلام.
شعر في الحبس في الحبس:
ما يدخُلُ السجنَ إنسانٌ فتسألُه |
|
ما بالُ سجنِك إلا قال مظلومُ |
وقال بعض المُحَدِثين:
إن الليالي التي شُغِفتُ بهـا |
|
غيبها الدهرُ في تقـلُـبـه |
للّه أمري ما ملتُ قط إلـى |
|
شيء بقَلْبِي إلا فُجِعتُ بـه |
عرفتُ حظي من الزمان فلا |
|
ألوم خَلْقاً علـى تـجـبـه |
وكل سَهْم أعمدتُه وقَـفـتْ |
|
به الليالي حتى رُمِيتُ بـه |
بين عبد الملك بن مروان ورجل من الخوارج وحُكي أن عبد الملك بن مروان أتَوْهُ برجل من الخوارج فأراد قتله، فأدخل على عبد الملك ابن له صغير وهو يبكي؛ فقال الخارجي: دعه يا عبدَ الملك، فإن ذلك أرحب لشدقه، وأصح لدماغه، وأذهب لصوته، وأحرى ألاَ تأبى عليه عينه إذا حَفَزَتْهُ طاعةُ الله فاستدعى عَبْرتها. فأعجب عبدُ الملك بقوله وقال له متعجباً: أمَا يشغلك ما أنت فيه عن هذا? فقال: ما ينبغي أن يَشغَل المؤمنَ عن قول الحق شيءٌ. فأمر عبدُ الملك بحبسه، وصَفَحَ عن قتله.
بسم اللّه الرحمن الرحيم
كتاب العلم والبيان
العلم
في
نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأغلوطات حدثني الزيادي قال: حدثنا عيسىِ بن
يُونس عن الأوزاعي عن عبد الله بن سعد عن الضنَابِحِي عن معاوية بن أبي سفيان قال:
نهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الأغْلُوطات، قال الأوزاعي: يعني صِعَاب
المسائل.
بين كعب الأخبار وقوم من أهل الشام حدثني سُهَيل بن محمّد عن الأصمعي قال: سمعت
عِمْران بن حُدَير يُحدَث عن رجل من أهل الشام قد سماه، قال: قال كعب الأحبار لقوم
من أهل الشام: كيف رأيكم في أبي مُسلم الخَوْلاني? فقالوا: ما أحْسَنَ رأيَنَا فيه
وأخْذَنا عنه! فقال: إن أزهَدَ الناس في الحاكم أهْلُه، وإنْ مثل ذلك الجامة تكونُ
في القوم فَيَرْغَبُ فيها الغُرَباء، ويَزْهَدُ فيها القُرَباء، فَبينَا ذلك غَارَ
ماؤها وأصاب هؤلاء منفعتها، وبقي هؤلاء ينفكون، أي يتندمون.
لعيسى عليه السلام وفي الإنجيل أن عيسى صلى الله عليه لمّا أراهم العجائب، وضرب
لهم الأمثال والحكمة، وأظْهَرَ لهم هذه الآياتِ، قالوا: أليس هذا ابنَ النَّجّار!
أوَ لَيْست أمُّه مَرْيَمَ وأخُوه يعقوبَ ويوسفَ وشمعونَ ويَهُوذا وأخواته كلّهن
عندنا! فقال لهم عيسى: إنّه لا يُسب النبي ولا يحَقَّر إلا في مدينته وبِيئَتِه.
لدغفل النسّابة وقد سُئل عن تحصيله علمه حدثنا الرياشي قال: حدّثنا الأصمعي قال:
قيل لدَغْفَل النسّابة: بم أدركتَ ما أدركتَ من العلم? فقال: بلسْانٍ سَؤُول وقلبٍ
عَقُول، وكنتُ إذا لَقِيتُ عالِماً أخذتُ منه أعطيته.
بين رؤبة بن العجاج والنسابة البكري حدثني أبو حاتم قال: حدثنا الأصمعي قال: حدثنا
العَلاَء بن أسلم عن رؤبة بن العجّاج قال: أتيت النّسابة البكريّ فقال لي: من أنت.
فقلت: أنا ابن العجاح. قال: قصرت وعًرفْت، لعلك من قوم إن سكتُّ عنهم لم يسألوني،
وإن تكلمتُ لم يَعُوا عنَي. قلت: أرجو ألا أكونَ كذلك. قال: ما أعداءُ المُرُوءَة.
قلت: تُخبرنى. قال: بنو عم السوء إن رأوا حسناً ستَرُوه، وإن رَأوا سيئاً أذاعوه.
ثم قال: إن للعِلْم آفةً وهُجنة ونَكداً، فآفتُه نسيانُه، ونكده الكذبُ فيه،
وهُجنته نشره عند غير أهله.
في طلب العلم كان يقال: لا يَزَال المرء عالماً ما طَلَب العِلْمَ فإذا ظَن أنْ قد
عَلِمَ فقد جَهِلَ.
للنبي صلى الله عليه وسلم في أربعة أسباب لطلب العلم تُدخل النار حدثني شيخٌ لنا
عن محمد بن عُبيد عن الصلْت بن مِهْرَان عن رجل عن الشعبي عن عبد اللّه قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "من تعلم العِلْمَ لأربعة دخل النار. ليُباهِيَ به
العلماءَ أو يمارِيَ به السفهاءَ أو يُمِيلَ به وجوهَ الناس أو يأخُذَ به من
الأمراء".
وحدثني عن أبي معاوية عن حجاج عن مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ما من عبد يُخْلِص العبادة لله أربعين يوماً إلّا ظهرت ينابيعُ الحِكْمة من
قلبه على لسانه".
نصيحة لقمان لابنه
وقرأت في حِكَم لُقمان أنه قال لابنه: يا بُنَي، اغْدُ عالماً أو متعلَماً أو
مُستمِعاً أو مُحِباً، ولا تكن الخامِسَ فتهلك.
وللنبي صلى الله عليه وسلم في حمل العلم حدّثني محمد بن داود عن سُوَيد بن سعيد عن
إسماعيل عن ابن عياش عن مُعَاذ بن رِفاعة عن إبراهيم بن عبد الرحمن قال: قال
النبيّ صلى الله عليه وسلم: "يحمل هذا العِلْمَ من كلّ خَلَف عدولُه يَنْفُون
عنه تحريفَ الغالين وانتحالَ المُبْطِلين وتأويلَ الجاهلين".
لعلي عليه السلام وروى أبو خالد بن الأحمر عن عمرو بن قيس عن أبي إسحاق قال: قال
علي عليه السلام: كَلِماتٌ لو رَحَّلْتم المَطِي فيهنّ لا تُصِيبوهنَّ قبل أن
تُحركوا مثلَهن: لا يَرْجُوَنّ عَبْدٌ إلا ربّه، ولا يَخافنّ إلا ذنبَه، ولا
يَسْتَحيي من لا يعلم أن يتعلم، ولا يستحيي إذا سُئِل عمّا لا يَعْلَم أن يقول:
اللّه أعلمُ. واعلموا أن منزلة الصبر من الإيمان كمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب
الرأسُ ذهب الجسد، وإذا ذهب الصبر ذهب الإيمان.
وكان يقول: من حق العالِم عليك إذا أتيتَه أن تُسلَم على القوم عامةً وتَخُصَّه
بالتحية، وأن تَجْلِسَ قدَّامَة ولا تُشِيرَ بيدك، ولا تَغْمِزَ بعينك، ولا تقولَ
قال فلان خلافاً لقوله، ولا تَغتابَ عنده أحداً، ولا تسَارَّ في مجلسه، ولا تأخُذَ
بثوبه، ولا تُلَح عليه إذا كَسل، ولا تَغْرَضَ من صحبته لك، فإنما هو بمنزلة
النخلة لا يزال يسقط عليك منها شيء.
وله عليه السلام في أن العلم خير من المال وفيما قال علي عليه السلام: يا كُمَيْل،
العلم خير من المال، لأن العلم يَحرُسُك وأنت حرُس المال، والمال تَنْقُصه النفقة،
والعلم يزكو على الأنفاق.
وقال: قيمةُ كلٌ امرء ما يُحسن.
ويقال إذا أرذل الله عبداً حَظَر عليه العِلمَ.
لبعض الشعراء وقال الشاعر:
يُعد رفيعَ القوم مَن كان عالِمـاً |
|
وإن لم يكن في قومه بحسيبِ |
وإنْ حل أرضاً عاش فيها بعلمه |
|
وما عالِم في بلـدةٍ بـغـريبِ |
لبزرجمهر قال بُزُرْجِمهْر: ما ورًثت الآباءُ
الأبناءَ شيئاً أفضلَ من الأدب، لأنها تَكتسِب المال بالأدب بالجهل تُتْلفه فتقعُد
عُدما منهما.
بين خالد بن صفوان ورجل وقال رجل لخالد بن صفوان: ما لي إذا رأيتُكم تتذاكرون
الأخبار، وتتدارسون الآثار، وتتناشدون الأشعار، وَقَعَ عَلَي النومُ? قال: لأنك
حِمار في مسلاخ إنسان.
بين الوليد بن يزيد ورجل من ثقيف خرج الوليدُ بن يزيد حاجّاً ومعه عبدُ الله بن
معاوية بن عبد الله بن جعفر فكانا ببعض الطريق يَلْعَبان بالشًطْرَنْج فاستأذن
عليه رجل من ثَقِيف فأذِنَ له وسَتَرَ الشطْرَنْج بمنْدِيل، فلفا دخل سلم فسأله
حاجَتَه؛ فقال له الوليد: أقرأتَ القرآن? قال: لا، يا أمير المؤمنين! شغلتني عنه
أمورٌ وهَنَات. قال: أفتعرف الفِقْه? قال: لا. قال: أفَرَوْيت من الشَعر شيئاً.
قال: لا. قال: أفعلِمتَ من أيام العرب شيئاً? قال: لا. قال: فكَشَفَ المِنديل عن
الشَطْرَنْج وقال: شاهك. فقال له عبد الله بن معاوية: يا أمير المؤمنين! قال:
اسْكُت فما معنا أحد.
من كتاب الهند وفي كتاب للهند: العالِمُ إذا اغترب فمعه من عِلْمه كَافٍ، كالأسد
معه قوَتُه التي يَعِيش بها حيثُ تَوجه.
وكان يقال: العلم أشرفُ الأحساب، والمودةُ أشدُّ الأسباب، قال الشاعر:
الحِلْمُ والعِلْـمُ خـلًـتـا كَـرم |
|
للمرءِ زَيْنٌ إذا هما اجتمـعـا |
صِنْوان لا يَستَتِمّ حسنـهُـمـا |
|
إلا بجمـع لـذا وذاك مـعـا |
كم من وضيع سما به العِلْمُ وال |
|
حِلْمُ فنال العَلاءَ وارتـفـعـا |
ومن رفيع البِنا أضَاعَـهُـمـا |
|
أخمله ما أضاع فاتّـضـعـا |
للأحنف ولابن المقفع في العلماء قال
الأحنف: كادَ العلماءُ أن يكونوا أرْبابا، وكل عزٍّ لم يُؤَكَد بعِلْم فإلى ذُلّ
ما يصير.
ولابن المقفّع وقال ابن المُقَفَّع: إذا أكرمك الناس لمالٍ أو سُلْطانٍ فلا
تعْجِبَنًك ذلك، فإن زوال الكرامة بزوالهما، ولكنْ ليُعْجِبك إن أكرموك لِدِين أو
أدب.
وفي بعض الحديث المرفوع: "مَثَلُ العلماء في الأرض مَثَل النجوم في
السماء".
في فضل العلم
وكان يقال: استُدِل على فضل العلم أنه ليس أحدٌ يُحِبّ أن له بحظه منه خَطَراً.
ليونس بن حبيب، وأبي الأسود قال يونس بن حبيب: عِلْمُك من رُوحك، ومَالُك من
بَدَنك.
قال أبو الأسود: الملوك حُكَامٌ على الناس، والعلماء حُكَامٌ على الملوك.
لبزرجمهر في فضل العالم على الغني قيل لبُزُرْجِمهْر: العلماءُ أفضلُ أم الأغنياء?
فقال: العلماء. فقيل له: فما بالُ العلماء بأبواب الأغنياء أكْثَرُ من الأغنياء
بأبواب العلماء? فقال: لمعرفة العلماء بفضل الغِنَى وجَهل الأغنياء بفضل العلم.
للنبي صلى الله عليه وسلم وفي الحديث: "ليس المَلَقُ من أخلاق المؤمن إلا في
طلب العِلْم".
لابن عباس رضي الله عنهما قال ابن عبّاس: ذَلَلْتُ طالباً، فعزَزْتُ مطلوباً؛ وكان
يقول: وجدتُّ عامّة علم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذا الحيّ من الأنصار،
إنْ كنتُ لأقِيل بباب أحدهم ولو شئتُ أذن لي، ولكن أبتغي بذلك طِيب نفسه.
في درجات العلم وكان يقال: أوَّلُ العلم الصمت والثاني الاستماعُ، والثالث
الحِفْظُ، والرابع العقل، والخامس نشرُه.
للحسن قال الحسن: مَن أحسنَ عِبادَةَ اللّه في شبيبته لقاه الله الحكمة في سِنِّه،
وذلك قولُه: "وَلما بَلَغَ أشُدَّهُ واسْتَوَى أتَيْنَاهُ حُكْماً وعِلْماً
وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ".
في الحكمة، وصفات العالم قال بعض الحكماء من الصحابة: تقول الحكمةُ: مَن التمسني
فلم يَجِدْنِي فَليفْعَلْ بأحسنِ ما يعْلم، وليترك أقبح ما يَعلم، فإذا فَعَلَ ذلك
فأنَا معه وإن لم يَعرِفْني.
وكان يقال: لا يكون الرجلُ عالماً حتى يكونَ فيه ثلاثٌ: لا يَحْقِرُ مَن دونه في
العلم، ولا يَحسُد من فوقه، ولا يأخذ على علمه ثَمناً.
لابن عيينة فيما يُستحب للعالم وقال ابن عُيينة: يُستَحَبّ للعالم إذا علَم ألا
يُعَنَف، وإذا عُلَم ألا يأنَف.
لغيلان وفي كلام لغَيْلان: لا تكن كعلماء زمن الهَرْج إن علَموا أنِفوا وإن
عًلّمُوا عَنفُوا.
من حكم لقمان وفي حكمة لُقْمان: إن العالمَ الحكيم يَدعو الناسَ إلى علمه بالصَمْت
والوَقَار، وإن العالِم الأخْرَق يَطْرُد الناس عن علمه بالهَدَر والإكثار.
لإبراهيم بن منصور قال إبراهيم بن منصور: سَلْ مَسْألَةَ الحَمْقَى واحفَظْ حِفظَ
الأكياس.
شعر لابن الأعرابي في طلب العلم وتدبّره وأنشد ابن الأعرابيّ:
ما أقربَ الأشياءَ حينَ يَسُوقُها |
|
قدر وأبعدَها إذا لـم تُـقْـدرِ |
فسل الفَقِيهَ تكُنْ فقيهاً مثـلَـهُ |
|
مَن يَسْعَ في عمل بِفقْهٍ يَمْهَرِ |
وتدبر الأمرَ الني تُعْنـى بـه |
|
لا خيرَ في عمل بغير تدبُّـرِ |
فلقد يَجِدُ المرءُ وهو مقَصٌـر |
|
ويَخِيبُ جِدّ المرءَ غيرَ مقصَر |
ذهب الرجالُ المُقْتَدَى بفَعَالهم |
|
والمنكِرُون لكل أمرٍ مُنْكَـرِ |
وبقيت في خَلَفٍ يُزَيِّن بعضُهم |
|
بعضاً ليَدْفَعَ مُعْوِر عن معورِ |
مثله لبعض الشعراء وقال الشاعر:
شِفَاءُ العمى طولُ الـسـؤال وإنّـمـا |
|
تمامُ العمى طولُ السكوتِ على الجَهْل |
وقال بعضهم: خير ُخِصال المرء السؤالُ.
ويقال: إذا جلست إلى عالم فسل تفَقُهاً ولا تَسَلْ تَعَنُتاً.
للحسن في طلب العلم قال الحسن: مَن استتَر عَن الطلَب بالحَيَاء لَبِسَ للجهل
سِرْبَالَه، فقَطِّعُوا سَرَابِيلَ الحياء فإنّه مَن رَق وجهُه رق عِلْمُه، وقال:
إنَي وجدتُ العِلْم بين الحياء والستْر.
للخليل في منزلة الجهل وقال الخليل: منزلة الجهل بين الحياء والأنَفة.
لعلي بن أي طالب كرّم الله وجهه وقال علي بن أبي طالب عليه السلامِ: قُرِنت
الهيْبَةُ بالخَيْبة، والحياءُ بالحِرْمان، والحِكْمة ضالةُ المؤمن فليَطْلُبْها
ولو في يَدَيْ أهل الشرك.
نصيحة عروة بن الزبير لبنيه وقال عُرْوةُ بن الزُّبَيْر لبنيه: تعلموا العلم فإنْ
تكونوا صِغَارَ قوم فعسى أنْ تكُونوا كِبَارَ قوم آخَرِين، فيا سوءتا ماذا أقبح من
جهل بشيخ! في تعلُّم العلم وتعليمه وكان يقال: عَلم عِلْمَك مَنْ يَجْهَل،
وتَعَلَم ممن يَعْلَم، فإنك إذا فعلتَ ذلك عَلِمتَ ما جَهِلتَ وحَفِظْتَ ما
عَلِمت.
لبزرجمهر وقد سُئل عن إدراكه العلم قيل لبُزُرْجِمهْر: بِم أدركتَ ما أدركتَ من
العلم? فقال: بِبُكُور كبُكُور الغُرَاب، وحِرْصٍ كحرص الخِنْزير، وصَبْرٍ كصبر
الحِمَار.
للحسن في طلب العلم في الصّغر وقال الحسن: طلبُ العلم في الصِّغر كالنًقش في
الحَجَر، وطلبُ العلم في الكِبَر كالنقش على الماء.
ويقال: التفقه على غير علم كحِمار الطاحونة يدور ولا يَبْرَح.
للنبي صلى الله عليه وسلم وفي الحديث المرفوع "ارحموا عزيزاً ذَلّ ارحموا
غنياً افتقر ارحموا عالماً ضاع بين جُهال".
ويقال: أحق الناس بالرحمة عالم يجوز عليه حُكْمُ جاهل.
للمسيح عليه السلام في الحكمة قال المسيح عليه السلام: يا بَني إسرائيلَ لا
تُلْقُوا اللؤلُؤَ إلى الخنازير، فإنّها لا تَصْنع به شيئاً، ولا تُعْطُوا
الحِكْمةَ مَن لا يُريدها، فإن الحكمةَ أفضلُ من اللؤلؤ، ومن لا يرِيدها شَرُ من
الخنازير.
لديمقراط، وغيره قال ديمقراط: عالِم معانِدٌ خير من منْصف جاهل.
وقال آخر: الجاهل لا يكون مُنصِفاً؛ وقد يكون العالمُ معانداً.
قال سُفْيان: تَعوذُوا باللهّ من فتنة العابد الجاهل، وفتنة العالم الفاجر.
قيل للحسن: الحِرْفَةُ في أهل العلم؛ ولغيرهم الثرْوة، فقال: إنّك طلبت قليلاً في
قليل فأعجزك، طلبت المال وهو قليل في الناس، في أهل العلم وهم قليل في الناس.
شعر للخزيمي، ولآخر وقال الخُزَيْمي:
لا تَنْظُرَنّ إلى عَقْل ولا أدبٍ |
|
إن الجدودَ قريناتُ الحماقات |
وقال آخر:
وما ازددتُ من أدبي حَرْفا أسَر بِهِ |
|
إلا تَزَيدْتُ حَرْفاً تحـتـه شُـومُ |
إن المُقدم في حِنْقٍ بصَنْـعـتـه |
|
أنى تَوجه منها فهـو مـحـروم |
شعر الطائي لمحمد بن عبد الملك وقال الطائيّ لمحمد بن عبد الملك:
أبا جَعْفرٍ إنّ الجَهَالة أمها |
|
وَلُود وأمُّ العلم جَذَّاءُ حائِلُ |
لسفيان الثوري قال الثوْرِي: مَن طلب الرياسة
بالعلم سريعاً فاته عِلم كثيرٌ؛ وقال: يَهتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل.
لبعض أهل العلم قال بعض أهل العلم: يُغفَر للجاهل سبعون ذنباً قبل أن يُغفَر
للعالم ذنب واحد.
لبلال بن أي بردة شعر للخليل بن أحمد قال بلال بن أبي بُرْدة: لا يَمنعنكم سوءُ ما
تعلمون منا أن تَقْبلوا أحسنَ ما تسمعون.
شعر للخليل بن أحمد وقال الخليل بن أحمد:
اعْمَل بعلمي ولا تَنْظُر إلى عملـي |
|
يَنفَعْك قولي ولا يَضْرُرْك تقصيري |
كتب رجل إلى أخ له: إنّك قد أوتيتَ علماً
فلا تُطْفِئَنّ نورَ علمك بظُلْمة الذنوب فتَبقى في الظلمة يومَ يسعى أهلُ العلم
بنور علمهم.
لبعض الحكماء في اقتران العلم والعمل وقال بعض الحكماء: لولا العلمُ لم يُطْلب
العمل، ولولا العملُ لم يُطلب العلم، ولأن ادعً الحقَّ جهلاً به أحب إلي من أن
أدَعَه زُهْداً فيه.
مثله لمالك بن دينار، ولغيره وقال مالك بنُ دِينار: إن العالِمَ إذا لم يَعْمَل
بعلمه زَلّت موعظتُه عن القول كما يَزلّ القَطْرُ عن الصَفَا.
ونحوه قولُ زياد: إذا خرج الكلامُ من القلب وَقَعَ في القلب، وإذا خرج من اللسان
لم يجاوِز الآذان.
ويقال: العلماءُ إذا عَلِمُوا كمِلوا، فإذا عَمِلوا شُغِلوا، فإذا شُغِلوا فُقدوا،
فإذا فُقدوا طُلِبُوا فإذا طُلِبُوا هَرَبُوا.
قال الحسن: ما أحسنَ الرجلَ ناطقاً عالِماً ومُستَمعاً واعِياً وواعياً عامِلاً.
وقال ابن مسعود: إني لأحسَب الرجل يَنْسَى العلمَ بالخطيئة يَعْمَلُها.
وقال ابن عباس: إذا تَرَك العالمُ قولَ لا أدري أصِيبت مقاتِلُه.
شعر ليزيد بن الوليد بن عبد الملك وقال يزيد بن الوليد بن عبد الملك:
إذا ما تحدثتُ في مَجْـلِـسٍ |
|
تَنَاهى حديثي إلى ما علِمتُ |
ولم أعْدُ علمي إلى غـيره |
|
وكان إذا ما تناهى قَصَرْتُ |
وقال آخر:
إذا ما انتهَى عِلْمي تناهيتُ عـنـده |
|
أطال فأملَى أم تناهى فاقْـصَـرا |
ويخبِرُني عن غائب المرء ِفِعْـلُـه |
|
كفى الفعلُ عما غَيَب المرءُ مُخْبِرا |
لعمر بن الخطاب في تغاير الناس على العلم
قال عمرُ بن الخطّاب: لا أدركتُ لا أنا ولا أنت زماناً يتَغايَرُ الناس فيه على
العِلْم؛ يتغايرون على الأزواج.
لسلمان الفارسي قال سَلْمان: علم لا يُقال به ككنز لا يُنْفَق منه.
للنبي صلى الله عليه وسلم في أصناف العلم وفي الحديث المرفوع: "العلم علمان
علمٌ في القلب فذلك العلم النافع وعلمٌ محس اللسان فذلك حُجّةُ الله على ابن
آدم".
لعمر بن عبد العزيز قال عُمر بن عبد العزيز: ما قُرِن شيء إلى شيء أحسن من حِلْم
إلى علم ومن عَفْو إلى قُدْرة.
لأبي الدرداء قال أبو الدّرْدَاء: مَن يَزْددْ علماً يَزددْ وَجَعا.
لأفلاطون، وغيره في قول: لا أعلم قال أفلاطون: لولا أن في قول لا أعلم سبَباً
لأنَي أعلمُ لقلتُ إنِّي لا أعْلَمُ.
وقال آخر: ليس معي من فضيلة العلم إلا علمي بأنَي لستُ أعلم.
للخليل بن أحمد في أصناف الرجال قال الخليل بنُ أحمد: الرجال أربعة: رجلٌ يدرِي
ويدْرِي أنه يَدْرِي فذاك ناس فذكَر، ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري فذلك مسترشد
فعلِّموه، ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذلك جاهل فارفضوه.
كتاب كسرى إلى بزرجمهر وهو في الحبس ورد بزرجمهر عليه كتب كِسْرى إلى بُزُرْجِمهْر
وهو في الحبس: كانت ثمرةُ علمك أن صِرْتَ بها أهلاً للحبس والقتل. فكتب إليه
بُزُرجمِهْر: أما ما كان معي الجد فقد كنتُ أنتفِعُ بثمرة العلم فالآن إذ لا جد
فقد صِرتُ أنتفع بثمرة الصبر مع أني إن كنتُ فَقْدت كثيرَ الخير فقد استرحت من
كثير الشر. لبزرجمهر ولبعض الحكماء قال بُزُرْجِمهْر: من صلح له العُمْرُ صلح له
التعلمُ.
وقيل لبعض الحكماء: أيحسُن بالرجل أن يتعلَم? فقال: إن كانت الجَهَالةُ تَقْبُح به
فإنّ العلم يَحْسُنُ به.
ويقال: التودد زَيْن العلم.
لعمر بن الخطاب قال عمر بن الخطاب: ما من غاشية أدوَم أرَقاً، وأبطأ شِبَعاً من
عالم.
ولمالك بن دينار في طلب العلم قال مالك بن دينار: مَن طلب العلم لنفسه فالقليل منه
يكفي، ومن طلبه للناس فحوائجُ ناس كثيرةٌ.
قال إِتقْرَاطُ: العلم كثير، والعُمر قصير، والصنعةُ طويلة، والزمان جديد،
والتجرِبة خطأ. للمسيح عليه السلام قال المسيح عليه السلام: إلى متى تَصِفُون
الطريقَ للمُدْلجين، وأنتم مُقيمون مع المتحيرين، إنما ينبغي من العلم القليلُ،
ومن العمل الكثير.
سلمان في علمه قال سَلْمان: لو حدثتُ الناسَ بكل ما أعلَمُ لقالوا رَحِمَ الله
قاتِلَ سَلْمان.
في القول بغير علم كان يقال: لا تقل فيما لا تعلم قلهَم فيما تَعلَم.
وكان يقال: العلم قائد، والعمل، سائق، والنًفْس حَرُون، فإذا كان قائدٌ بلا سائق
بَلُدَتْ إذا كان سائقٌ بلا قائد عَدَلتْ يميناً وشِمَالاً، فإذا اجتمعا أنابت
طَوْعاً وكَرْهاً.
لأيوب في تعرّف منزلة العلم قال أيُوب: لا يَعرِف الرجلُ خطأ مُعلَمه حتى يعرِفَ
الاختلاف.
ويقال: غَرِيزة العقل أنْثى وما يُستفاد من العلم ذَكَرٌ ولن يصلُحَا إلا معاً.
للمسيح عليه السلام قال المسيح عليه السلام: إن أبْغَض العلماء إلى الله رجل يُحِث
الذكرَ بالمَغِيب، ويُوَسع له في المجالس، ويُدْعى إلى الطعام، وتُفْرَغ له
المَزَاوِد، بحق أقولُ لكم: إن أولئك قد أخذوا أجُورَهم في الدنيا، وإن الله
يُضاعِف لهم العذابَ يومَ القيامة.
لابن عباس رضي الله عنهما على قبر زيد بن ثابت لما دُلًيَ زيد بن ثابت في قبره قال
ابن عباس: من سَرًه أن يَرَى كيف ذهب العِلْمُ فهكذا ذَهَابُ العلم.
لبعض الشعراء في تلاقي العلماء وقال بعضُ الشعراء في تَلاَقِي العلماء:
إذا تَلاقَى القيُولُ وازْدحـمـتْ |
|
فكيف حالُ البَعُوض في الوَسَطِ |
وقال ابن الرقاع:
ولقد أصبتُ من الـمـعـيشةِ لَـذةً |
|
ولَقِيتُ من شَظَفِ الخُطوبِ شِدَادَها |
وعلمتُ حتّى لستُ أسألُ عالِـمـاً |
|
عن حَرْفِ واحدةٍ لكـي أزدادَهـا |
في أربع لا يأنف منهن الشريف ويقال: أربعٌ
لا يَأْنف منهن الشريفُ: قيامُه عن مجلسه لأبيه، وخِدمتُه لضيفه، وقيامُه على
فَرَسه وإن كان له مائةُ عبدٍ، وخدمته العالِم ليأخذَ من علمه.
لعطاء بن مصعب في غَلَبتْه
قيل لعطاء بن مُصْعَب: كيف غَلَبْتَ على البرامكةِ وعندهم مَن هو آدب منك. قال:
ليس للقُرَباء ظَرَافَةُ الغُرَباء، كنتُ بعيدَ الدار، غريبَ الاسم، عظيمَ
الكِبْر، صغير الجِرْم، كثير الالتواء، شحيحاً بالإملاء؛ فقَربني إليهم تَباعدني
منهم، ورغَبهم فيَّ رغبتي عنهم.
بين الخزيمي وسعيد بن وهب، ثم بينه وبين أنس بن أي شيخ قاد أبو يعقوب الخُزَيْميٌ
: تلقَاني سعيد بن وَهْب مع طلوع الشمس فقلت: أين تُريد? قال: أدُورُ لعليِّ أسمَع
حديثاً حَسَناً، ثم تلقَّاني أنَس بن أبي شيخ فقلت: أين تُريد? قال: عندي حديث
حَسَن فأنا أطلُب له إنساناً حَسَنَ الفهم حَسَنَ الاستماع، قلت: حدّثْني به قال:
أنت حَسَنُ الفهم سَيءَ الاستماع، وما أرى لهذا الحديث إلا إسماعيلَ بن غَزْوان.
شعر للطائي وقال الطائيّ في نحو هذا:
وكُنْتُ أعَزَ مـن قـنُـوعٍ |
|
تَعَوّضه صَفُوحٌ من مَلُول |
فصِرْتُ أذلَّ من معنى دَقيقٍ |
|
به فَقْر إلى فَهْـمٍ جَـلِـيل |
في الفرق بين العالم والأديب كان يقال:
إذا أردتَ أن تكون عالماً فاقصِد لفنّ من العلم، وإذا أردت أن تكون أديباً فخذ من
كل شيء أحسَنَه.
شعر لإبراهيم بن مهدي قال إبراهيم بن المهديّ:
قد يُرْزَق المرءُ لم تتعب رواحِلُـهُ |
|
ويُحْرَمُ الرِّزقَ مَن لم يُؤْتَ من تَعَبِ |
مع أنني واجِدٌ في النـاس واحـدةً |
|
الرزقُ أرْوَغُ شيءٍ عن قوي الأدَب |
وخَلَةٍ ليس فيها مَن يُخـالـفـنـي |
|
الرزق والنَوْك مَقرونانِ في سَبَـب |
يا ثابِتَ العقل كم عاينتَ ذا حُـمُـقٍ |
|
الرزقُ أغرى به من لازم الجَرًبِ |
بين
أنوشروان والموبذ قال أنوشِرْوان للمُوبَذ: ما رأسُ الأشياء? قال: الطبيعة النقيّة
تكتفي من الأدب برائحته، ومن العلم بالإشارة إليه، وكما يذهب البذْر في السٌباخ
ضائعاً، كذلك الحكمة تموت بموت الطبيعة، وكما تَغلِب السَباخُ طيبَ البَذْر إلى
العَفَن، كذلك الحكمة تَفْسُد عند غير أهلها؛ قال كسرى: قد صدقتَ وبحق قلدناك ما
قلًدناك.
قال بعضُ السلف: يكون في آخر الزمان علماء يُزَهِّدون في الدنيا ولا يَزْهَدُون
ويُرَغبون في الآخرة ولا يَرْغبون، يَنْهَوْن عن غشيان الولاة ولا ينتْهون،
يُقَربون الأغنياء ويُباعدون الفقراء، وَيَنْقبِضون عند الحُقرَاء، وينبسطون عند
الكُبرَاء: أولئك الجبارون أعداء الرحمن.
لابن عمر في العلم نافع عن ابن عُمَر قال: العلم ثلاثة: كتاب ناطق، وسنة ماضية،
ولا أدري.
الكُتُب والحفظ
للخليل بن أحمد حدّثني إسحاق بن إبراهيم قال: حدّثني قريش بن أنَس قال: سمعت الخليل بن أحمد يقول: اسْلَمْ من الوَحْدة. فقيل له: قد جاء في الوَحدةِ ما جاء. فقال: ما أفسدَها للجاهل، قال بعض الشعراء في قوم يَجمْعون الكُتُب ولا يَعْلَمون:
زَوامِلُ للأسفارِ لا عِلْمَ عندهـم |
|
بجيدِها إلا كعِـلْـم الأبـاعِـرِ |
لعمرُك ما يَدْرِي المِطي إذا غدا |
|
بأحمالها أو راحَ ما في الغَرَائزِ |
ليحيى
بن خالد وللشعبي قال يحيى بن خالد: الناسً يكتُبون أحسنَ ما يَسمعون، ويحفظون
أحسنَ ما يكتُبون ويتحدثون بأحسن ما يَحفظون.
قال الشَعْبيّ: لو أن رجلاً حفِظ ما نَسِيتُ كان عالماً.
لرجلً يصف رجلاً كان يغلط في علمه ووَصَف رجلٌ رجلاً فقال: كان يَغْلَطً في علمه
من وجُوهٍ أربعةٍ: يَسمع غيرَ ما يُقال؛ ويَحفَظ غير ما يَسمع، ويكتُب غيرَ ما
يحفَظ، ويُحدِّث بغير ما يَكْتُب.
لأبي نواس عن الأصمعي وأبي عبيدة قيل لأبي نُوَاس: قد بَعَثُوا إلى أبي عُبَيدة
والأصمعي ليُجْمَعَ بينهما. فقال: أما أبو عُبَيدة فإن أمْكَنوه من شُقَره قرأ
عليهم أسَاطيرَ الأولين، وأما الأصمعي فبُلْبلٌ في قَفَص يُطر بهم بنَغَماتَه.
القرآن
لابن
شقيق في أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يكرهون بيع المصاحف والأخذ على
التعليم حدثني الزٌيادي قال: حدثنا عبدُ الوارث بن سعيد عن الجُرَيْرِي عن عبد
الله بن شقيق قال: كان أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يَكْرَهون بَيْعَ
المصاحِف ويَرَوْنه عظيماً، وكانوا يَكْرهون أن يَأخُذَ المعلمُ على تعليم
الغِلْمان شيئاً.
لعلي بن أي طالب في المؤمن والفاجر حدثني محمد بن عبد العزيز عن خالد الكاهلي عن
أبي إسحاق عن الحارث عن علي عليه السلام قال: مَثَلُ المؤمن الذي يقرأ القرآن
مَثَل الأتْرجة ريحُها طَيب وطعمُها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل
التَمْرة طعمُها طيب ولا رِيحَ لهاة ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن مثل
الرَّيْحَانة ريحها طيب وطعمها مُرٌّ، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن مثل
الحَنْظَلة طعمها مُر ولا رِيحَ لها.
للنبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو وحدثني محمد بن
عُبَيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن إسماعيل بن أمية ولَيْث بن أبي سُلَيم
عن نافع عن ابن عُمَر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلا تُسَافروا
بالقرآن إلى أرض العدو فإني أخاف أن يَنَاله العدو".
في الاستفتاح بالبسملة حدّثني أبو سفيان الغنوي قال: حدّثنا عُمَيْر بن عِمْران
العَلاّف قال: حدثنا خُرَيمة ابن أسد المُرِّي قال: كان سعيدُ بن المُسيب يَستفتح
القراءة ب"ببسم الله الرحمن الرحيم" ويقول: إنها أوّلُ شيءٍ كُتِب في
المصحف، وأوّل الكُتُب، وأوّل ما كَتَبَ به سُليمانُ بن داود إلى المرأة.
بين عمران بن حُدَير وأعرابي وحدّثني أبو حاتم قال: حدّثنا الأصمعيّ قال: حدثنا
رجل عن عِمْران بن حُدَيْر قال: قرأت علِى أعرابيّ آخر سُورة "براءة"
فقال: كان هذا من آخر ما نَزَل. قالوا: كيف. قال: أرى أشياء تُقْضى وعُهوداً
تُنْبَذُ. قال: وقرأتُ عليه سُورة الأحزاب فقال: كأنّها ليست بتامّة.
لعبد الله بن مسعود في الحواميم حدّثني محمدُ بن عُبيد قال: حدثنا سفيانُ بن
عُييَنة عن ابن أبي نَجِيح عن مجاهد قال: قال ابن مسعود: "حم" دِيباج
القرآن. قال: وزاد فيه مِسْعَر، قال عبد الله: إذا وقعتُ في ال "حم"
وقعتُ في رَوْضات دَمِثات أتأنَق فيهن.
للحسن في حَمَلة القرآن حدّثني شيخٌ لنا عن المُحارِبي قال: حدّثنا بكر بن خُنَيس
عن ضِرَار بن عَمْرو عن الحسن قال: قراء القرآن ثلاثةٌ: رجل اتّخذه بِضَاعةً ينقله
من مصر إلى مصر، يطلُب به ما عند الناس؛ وقومٌ حفِظوا حروفَه، وضيًعوا حُدوده،
واستدرُوا به الوُلاة، واستطالوا به على أهل بلادهم - وقد كَثَر الله هذا الضربَ
في حَمَلة القرآن لا كثرهم الله - ورجلٌ قرأ القرآن فَبَدَأ بما يَعْلَم من دَواء
القرآن فوَضَعه على دَاءِ قلبِه. فسَهِر ليلَه وهَمَلَت عيناه، تَسَرْبَلوا
الخُشُوعَ، وارتدَوْا بالحُزْن، ورَكدُوا في محاريبهم، وجَثَوْا في بَرَانِسهم،
فبهم يَسْقِي الله الغَيْثَ، ويُنْزِك النًصَر، ويَرْفَعُ البَلاءَ، واللِه لَهَذا
الضَّرْبُ في حَمَلَة القرآن أقل من الكِبْريت الأحمر.
للنبي صلى الله عليه وسلم في فضل القرآن رَوَى الحارثُ الأعْورُ عن عليّ عليه
السلام عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كتاب الله فيه خَبَرُ ما
قبلكم ونبأ ما بعدكم وحُكْمُ ما بينكم هو الفصلُ ليس بالهَوْل هو الذي لا تُزِيغُ
به الأهواء ولا تَشْبَع منه العلماء ولا يَخْلُق عن كثرة الرد ولا تَنْقَضِي
عجائبُه هو الذي مَن تركه من جبارٍ قَصَمه الله ومن ابتغى الهُدى في غيره أضلَه
اللّه هو حَبْلُ اللّه المتين والذَكر الحكيم والصراط المستقيم خذها إليك يا أعور.
لابن مسعود فيما ينبغي لحامل القران المُحارِبيّ قال: حدثنا مالكُ بن مِغْول عمن
أخبره عن المُسَيَّب بن رافع عن عبد الله بن مسعود قال: ينبغي لحامل القرآن أن
يُعْرَف بليلِه إذ الناسُ نائمون، وبِحُزْنه إذ الناس يَفْرَحون، وببكائه إذ الناس
يَضْحَكُون؛ وينبغي لحامل القرآن أن يكون عليماً حكيماً ليناً مُستَكِينا.
للنبي صلى الله عليه وسلم وكيع عن أبي مَعْشر المَدِيني عن طلحة بن عبيد الله بن
كَريز قال: قاد رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من تعظيم جَلاَل الله
إكرَامَ في الشًيْبة في الإسلام وإكرامَ الإمام العادل وإكرامَ حامل القرآن".
لبعض المفسرين قال بعضُ المفسرين في قول اللهّ عَز وجل: "سَأصرِفُ عَن
آيَاتيَ الَذِينَ يَتَكًبَرُونَ في الأرْض بِغَيْرِ الْحَق" أحْرِمهُم فَهْم
القرآن.
لأعرابي وقد سمع ابن عباس يقرأ سورة من القرآن الكريم
سَمِع أعرابيّ ابن عباسٍ وهو يقرأ "وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ
النًارِ فَأنْقَذَكُمْ مِنْهَا". فقَال: واللِه ما أنقذهم منها وهو يُريد أن
يُدخِلَهم فيها، فقال ابن عباس: خُذْها من غير فقيه.
الحديث
للأعمش
عن إسماعيل بن رجاء حدّثني إسحاقُ بنُ إبراهيمَ بن حبيب بن الشَهيد قال: حدّثنا
محمد بنِ فُضَيْل عن الأعْمش قال: كان إسماعيلُ بن رَجَاء يَجمع صِبْيانَ الكُتَاب
فيُحدَثهم كيلا يَنْسَى حَدِيثه.
بين حبيب بن أبي ثابت والأعمش وحدّثني إسحاق الشَهيديً قال: حدثنا أبو بكر بن
عيّاش عن الأعمش قال: قال لي حبيب بن أبي ثابت: لو أنّ رجلاً حدَّثني عنك بحديثٍ
ما بالَيْت أن أرْوِيه عنك.
لربيعة بن أبي عبد الرحمن حدّثني أبو حاتم عن الأصمعي عن نافع عن ربيعة بن أبي عبد
الرحمن قال: ألْف عن ألفٍ خير من واحدٍ عن واحدٍ إن فلاناً عن فلانٍ يَنْتَزع السُنَة
من أيديكم.
للحسن في: وَيْح حدثني الرياشيٌ قال: رُوِي عن محمد بن إسماعيل عن مُعتَمِر قال:
حدّثني مُنْقذٌ عن أيوب عن الحسن قال: وَيْح: رَحْمة.
للنبي صلى الله عليه وسلم حدثنا الرياشيّ قال: رَوى ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن
سُهَيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هُرَيرة أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم
قَضَى باليمينِ مع الشاهد؛ قال ربيعة: ثم ذاكرتُ سُهَيْلاً بهذا الحديثِ فلم
يَحفظه، فكان بعد ذلك يَرْوِيه عني عن نفسه عن أبيه عن أبي هُرَيرة.
لشعبة عن قتادة في الحديث حدثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن شُعْبة قال: كان قَتَادةُ
إذا حدث بالحديث الجيِّد ثم ذهب يجيء بالثاني غدْوَه.
لشعبة وقد سُئِل عن الني يُترك حديثه يلغني عن ابن مَهْديٍّ قال: سئل شُعْبَةُ:
مَن الذي يُتْرَكُ حديثه? فقال: الذي يُتَهم بالكَذِب، ومن تكثر بالغَلط، ومن يخطئ
في حديث مُجْمَع عليه فلا يَتَهِمُ نفسَه ويُقيم على غَلَطِه، ورجل رَوَى عن
المعروفين ما لا يَعْرفه المعروفون.
لمالك في أربعة لا يؤخذ العلم منهم وعن مالك أنه قال: لا يُؤخَذُ العلمُ من أربعة:
سفيهٍ معلَن بالسفه، وصاحبِ هَوىً، ورجلٍ يَكذِب في أحاديث الناس وإن كنتَ لا
تَتَهمه في الحديث، ورجل له فضل وتعفّف وصلاح لا يعرِف ما يحدث.
شعر للأصمعي يرثي سفيان ابن عيَيْنَة حدثني عبدُ الرحمن عن الأصمعي أنه رَثَى
سفيان بن عُيينة فقال:
فَلْيَبْكِ سُفْيانَ باغي سُـنَةٍ دَرَسـتْ |
|
ومُسْـتَـبِـيتُ أثـاراتٍ وآثـارِ |
ومُبْتَغِي قُرْب إسنادٍ ومـوعـظةٍ |
|
وافَقِيُّون من طَـارٍ ومـن طـارِ |
أمْستْ مجالِسُه وَحْشاً مُـعَـطـلةً |
|
من قاطنِين وحُجـاجٍ وعُـمًـار |
مَن للحديث عن الزُهرِيِّ حين ثَوَى |
|
أو للأحاديثِ عَنْ عَمْرِو بن دينارِ |
لن يَسمَعُوا بعلي مَن قال حدّثنا ال |
|
زهري من أهل بدْوِ أو بإحْضارِ |
لا يَهنأ الشامِتَ المسرًورَ مَصْرَعهُ |
|
من مارقينَ ومِن جُحَـاد أقـدار |
ومِن زَنـادِقةٍ جَـهْـمٌ يَقُـودهـم |
|
قَوْداً إلى غَضَبِ الرحمن والنـارِ |
ومُلْحِدين ومُرتابين قد خَـلَـطُـوا |
|
بِسُنًة الله اهـتـارا بـاهْـتـارِ |
لآخر يرثي مالك بن أنس وقال آخر في مالك بن أنس الفقيه:
يَأبَى الجَوَابَ فما يُراجَعُ هَيْبَةً |
|
والسائلون نَواكِـسُ الأذقـانِ |
هَدْيُ التقيّ وعز سلطان التُقَى |
|
فهو المُطاع وليس ذَا سُلْطانِ |
لهشام بن حسّان عن الحسن حدّثنا أبو
الخَطَاب قال: حدّثنا محمد بن سًوّار قال: حدّثنا هِشام بن حسان قال: كان الحسن
يًحدثنا اليومَ بالحديث ويرُدُه الغَدَ ويزِيد فيه وينقُص إلا أن المعنى واحد.
لحذيفة بن اليمان حدثني أبو الخطاب قال: حدّثنا ميمون قال: حدّثنا جعفر بن محمد عن
أبيه قال: قال حُذَيْفَةُ بن اليَمَان: إنا قوم عَرَب فنقدِّم ونؤَخِّر ونَزيد
ونَنْقُص، ولا نرِيد بذلك كَذِبا.
لأبي إسحاق الشامي ولمسعر أبو معاوية قال: قال أبو إسحاق الشاميّ: لو كان هذا
الحديث من الخبز نقص.
أبو أسامة قال: قال مِسعر: من أبغضني فجعله الله محدّثاً.
للأعمش ولسفيان في كراهية التحدث أبو معاوية قال: سمعت الأعمش يقول: والله لأنْ
أتصدَق بِكِسْرة أحسن إليّ من أن أتحدث بستين حديثاً.
أبو أسامة قال: سمعت سُفْيانَ يقول: لوددتُ أنها قُطِعتْ من هامتي، وأومَأ إلى
المَنْكب وأني لم أسْمَع منه شيئاً.
لأبن عيينة في مثل فلك المعنى قال ابن عُيَينة: ما أحدث لمَن أحِبّ أن يكون
أحْفَظَ الناس للحديث.
قال بعضهم: إنَي لأسمْع الحديثَ عُطلا فأشَنَفه وأقرطه وأقلده فيَحسنُ، وما زدتُ
فيه معنى، ولا نقصت منه معنى.
للأعمش وقد سأله حفص بن غياث عن إسناد الحديث أبو أسامة قال: سَأل حَفْص بن غياثٍ
الأعمشَ عن إسناد حديثٍ فأخذ بِحَلْقه وأسنده إلى الحائط وقال: هذا إسناده.
مثله للسمّاك وللحسن وحدث ابن السًمِّاك بحديثٍ فقال له رجل: ما إسناده? فقال: هو
من المُرْسَلَاتِ عُرْفا.
وحدث الحسن بحديث، فقال له رجلٌ : يا أبا سعيد، عمن? قال: وما يصنع بمَن? أما أنت
فقد نالتْك موعِظتُه، وقامت عليك حجته.
للأعمش في طلب الفقه يَعْلَى قال: قال الأعمش: إذا رأيتُ الشيخ لم يطلب الفقهَ
أحببتُ أن أصْفَعَه.
ابن عُيينة قال: قال الأعمش: لولا تَعَلُّم هذه الأحاديث كنتُ كبعض بَقَالي
الكُوفة.
بين حاج خراساني وابن عُيَيْنة ازدحم الناس يوماً على باب ابن عيينة أيام
المَوْسِم وبالقُرب منه رجل من حاجَ خُراسَان قد حطّ بمَحْمِله فَدِيس وكُسِرَ ما
كان معه وانتهب كَعْكُه وسَوِيقُه، فقام يسيرُ إلى سفيانَ ويدعو وبقول: إني لا
أحِل لك ما صنعتَ؛ فقال سفيان: ما يقول? فقال بعضهم: يقول لك: زدنا في السماع رحمك
اللّه.
شعر العلاء بن المنهاد الغنوي في شريك أنشدني أبو حاتم عن الأصمعي للعَلاء بن
المِنْهَال الغَنَوِي في شَرِيك:
ليت أبا شَرِيكٍ كـان حـياً |
|
فيُقْصِرَ حين يُبصِرُه شَرِيكُ |
ويَتْرُكَ من تَدرَيه علـينـا |
|
إذا قلنا له هـذا أبـوكـا |
مثله لآخر في شريك وقال آخر:
تحرّز سُفـيانٌ وفـرْ بـدينـهِ |
|
وأمسى شرِيكٌ مُرْصَداً للدراهم |
ولآخر في شهر بن حوشب وقال آخر في شَهْر بن حَوْشَبٍ:
لقد باع شهرٌ دينَه بـخَـرِيطةٍ |
|
فمن يأمن القراء بعدك يا شهرُ |
وذلك أنه كان دخل بيت المال فسَرَق
خَرِيطةً، ورافق رجلًا من أهل الشام فَسَرق عَيْبَتَه.
ولابن مناذر يهجو ابن داب وقال ابن مُنَاذِر:
ومن يبغ الوَصَاةَ فإن عِنْـدي |
|
وَصاةً للكُهُول وللـشَـبـابِ |
خذوا عن مالكٍ وعن ابن عَوْنٍ |
|
ولا تَرْوُوا أحاديثَ ابـن دَاب |
لحبيب بن أبي ثابت ثم لسفيان عبد العزيز
بن أبَان عن سُفيان عن حبيب بن أبي ثابت قال: طلبنا هذا الأمر وما لنا فيه نِيّة،
ثم إنّ النية جاءت بعدُ؛ فقال سفيان: قال زيد بن أسْلَم: رأيتم رجلاً مدّ رِجله
فقال: اقطعوها سوف أجْبُرها.
لرقبة بن مصقلة قيل لرَقَبَة: ما أكثر شَكّك! فقال: محاماة عن اليقين.
وبين شعبة وأيوب السختياني وقال بعضهم: سأل شُعْبَةُ أيُّوب السخْتِيَانيّ عن حديث
فقال: أنا أشُك فيه. فقال: شَكُّكَ أحبّ إلي من يقينِ سبعة.
للشرقي بن قطامي وقد سُئِل عما كانت العرب تقول في صلاتها على موتاها حدّثني أبو
حاتم عن الأصمعيّ قال: حدّثني بعضُ الرواة قال: قلت للشرَقِي بن قُطَامَي: ما
كانتِ العربُ تقول في صلاتها على موتاها? فقال: لا أدري، فأكْذِب له؛ فقلت: كانوا
يقولون:
ما كنتَ وَكْوَاكاً ولا بِـزَوَنَـكٍ |
|
رُوَيْدكَ حتى يَبْعَثَ الحًقّ باعِثُهْ |
وَكْوَاك: غليظ، وزونك: قصيرة قال: فإذا
أنا به يُحدث به في المقصورة يومَ الجمعة.
لأبي نواس قال أبو نُوَاس:
حدثني الأزرقُ المحـدثُ عـن |
|
عَمْرو بن شِمْر عن ابن مسعود |
لا يُخلِفُ الوعدَ غيرُ كـافـرِه |
|
وكافرٍ في الجحيم مَصـفـودِ |
بين شقيق البلخي وعلي بن إسحاق في أبي حنيفة حدثني مِهْيَار قال: حدثني هُدْبَةُ بن عبد الوهاب عن شَقيق البَلْخِيّ أنه أطرى يوماً حنيفة رحمه الله بمَرْو فقال له عليّ بن إسحاق: لا تُطْرِه بمَرْو فإنهم لا يحتملون ذلك. فقال شَقِيق: قد مَدَحه مُساوِرٌ الشاعر فقال:
إذا ما الناسُ يوماً قَايَسُونـا |
|
بآبِدَةٍ من الفُتْيَا ظَـرِيفَـهْ |
أتيناهُمْ بمقْياسٍ صـحـيح |
|
تِلادٍ من طراز أبي حنيفة |
إذا سمع الفقِيهُ بها وعاها |
|
وأثبتها بحبرٍ في، صحيفة |
فقال له: قد أجابه بعض أصحابنا:
إذا ذُو الرَّأي خَاصمَ في قِياسٍ |
|
وجاء بِبدْعَةٍ هَنَةٍ سـخـيفـه |
أتيناهم بقـول الـلـهّ فـيهـا |
|
وآثـارٍ مـبَـرَّزة شــريفة |
فكم من فَرْج مُحْصَنَةٍ عَفِـيفٍ |
|
أحلً حرامُه بأبي حـنـيفـه |
أقال أبو حنيفة بنت صُـلْـبٍ |
|
تكون من الزنا عُرْساً صحيحه |
لرجل وقد سمع منادياً يطلب شيخاً ضالاً فأحضره إلى بِشر المريسي سَمِع رجل منادياً يُنادي: من يَدئُنا على شيخ ضل? فقال: ما سمعتُ كاليوم شيخٌ يُنَادي عليه، ثم جاء به إلى بِشْر المِريسِي فقال: هذا شيخ ضال فَخُذْ بيده؛ وكان بِشْرٌ يقول بخلقَ القرآن.
الأهواء والكلام في الدّين
بين
المأمون وعلي بن موسى الرضي قال المأمونُ يوماً لعلي بن موسى رضي عليهما السلام:
بم تدعون هذا الأمر. قال بقرابة علي من النبي صلى الله عليه وسلم، وبقرابة فاطمة
رضي الله عنها. فقال المأمون: إن لم يكن هاهنا شيء إلا القرابة ففي خَلَفِ رسول
الله !صلى الله عليه وسلم من أهل بيته مَنْ هو أقربُ إليه من علي، ومَنْ هو في
القرآن مثلُه، وإن كان بقرابة فاطمةَ من رسول الله، فإن الحق بعد فاطمةَ للحَسَن
والحُسَين وليس لعلي في هذا الأمر حق وهما حَيان؛ وإذا كان الأمر على ذلك، فإن
عليّاً قد ابتزهما جميعاً وهما حيان صحِيحان، واستولى علي على ما لا يَجِبُ له.
فما أحارَا علي بن موسى نطقا.
حدثنا الرياشيٌ قال سمعت الأصمعي ينشد:
وإنَي لأغْنَى الناس عن متـكـلـم |
|
يَرعى الناسَ ضلالاً وليس بُمهتدي |
وأنشدني أيضاً الرِّياشي:
وعاجزُ الرأي مِضْيَاع لفُرْصَتهِ |
|
حتى إذا فات أمْرٌ عاتبَ القَدرا |
وقال آخر:
إذا عُيروا قالوا مقاديرُ قُدَرَتْ |
|
وما العارُ إلا ما تَجُر المَقَادرُ |
وأنشدني سَهْلٌ عن الأصمَعِي:
يا أيها المُضْمِرُ هَماً لا تُهـم |
|
إنك إن تُقدرْ لك الحُمَى تُحَمً |
ولو غَدوْتَ شَاهِقاً من العَلَم |
|
كيف تَوَقَيك وقد جَفً القَلَمْ |
وأنْشَدني غيرُه:
هِيَ المقاديرُ فَلُمْـنِـي أو فَـدَرْ |
|
إن كنتُ أخطأتُ فما أخطأ القَمَر |
لأبي يوسف القاضي في طالبي الدين
والكيمياء والحديث قال أبو يوسف: مَن طَلَب الدين بالكلام تَزَنْدَق، ومَن طلب
المال بالكيمْيَاء أفْلَس، ومَن طَلَب غرائِبَ الحديث كَذَب.
لمسلم بن أبى مريم وقد كُسِرت رجله كان مُسْلِمُ بن أبي مَرْيم - وهو مَوْلًى لبعض
أهل المدينة وقد حُمِل عنه الحديثُ - شديداً على القَدَرِنة، عائباً لهم ولكلامهم،
فانكسَرت رِجلُه فتركها ولم يَجْبُرها، فكُلِّم في ذلك فقال: يَكْسِرها هو
وأجبْرُها أنا لقد عاندته إذاً.
بين هشام بن الحكم وبين رجل قال رجل لهِشَام بن الحَكَم: أترى الله عز وجل في فضله
وكَرَمه وعَدْله كَلًفَنَا ما لا نُطيق ثم يُعَذَبنا؛ فقال هشام: قد والله فَعَل،
ولكننا لا نَسْتَطيع أن نتكلم.
بين قَدري ومجوسي حدثني رجلٌ من أصحابنا قال: صاحَبَ رجل من القَدَرِية
مَجُوسِيّاً في سَفَر فقال القدَري: يا مجوسي، ما لك لا تُسْلِم? قال: حتى يَشَاء
الله! قال: قد شاء الله ذلك، الشيطانَ لا يَدَعُك. قال المجوسي: فأنا مع أقواهما.
بين أبو عَمْرو بن العلاء وعَمْرو بن عبيد اجتمع أبو عَمْرو بن العَلاَء وعمرو بن
عُبَيد فقال عمرو: إن الله وَعَدَ وَعْداً وأوْعَد ايعاداً وإنه مُنْجِزٌ وعْدَه
ووعيدَه. فقال له أبو عَمْرو: أنت أعْجَم! لا أقول إنَك أعْجَمُ اللسان، ولكن أعجم
القَلْب! أما تعلم، وَيْحَكَ! أن العرب تَعُد إنجاز الوَعْد مَكْرُمة، وتَرْكَ
إيقاع الوعيد مكرمة ثم أنشد:
وإني وَإنْ أوْعدْتُه أو وعَـدْتُـه |
|
لمُخْلِفُ إيعادي ومُنْجِزُ مَوْعدي |
بين حبيب بن الشهيد وإياس بن معاوية في
القدري
حبيب بن الشهيد قال: قال إِياسُ بن معاوية: ما كلَّمتُ أحداً بعَقْلي كفَه إلا
صاحب القَدَر قلت: ما الظلمُ في كلام العرب? قال: هو أن يَأخُذ الرجلُ ما ليس له،
قلت: فإن الله له كل شيء.
من كتاب الهند وفي كتاب للهند: اليقينُ بالقدر لا يَمنعُ الحازِمَ تَوَقَيَ
المهالك، وليس على أحدٍ النّظرُ في القدر المُغَيَّب، ولكن عليه العمل بالحَزْم،
ونحنُ نجمَعْ تصديقاً بالقدَرَ وأخذاً بالحَزْم.
بين ابن سوّار ورافضيّ حدثني خالد بن محمد الأزْدي قال: حدّثنا شَبَابَةُ بنُ
سَوَّارٍ قال: سَمِعتُ رجلاً من الرافضة يقول: رحِمَ اللهّ أبا لُؤْلُؤةَ! فقلت:
تَتَرَحّم على رَجُلٍ مَجُوسيّ قتل عُمَرَ بنَ الخَطّاب رضي اللّه عنه! فقال: كانت
طعنَتُه لِعُمَر إسلامَه.
لأمير من أمراء المدينة ورجل شتم أبا بكر وعمر حدثني أحمدُ بن الخليل قال: حدثنا
الأصمعي قال: أخبرني عاصم بن محمد العُمَرِيّ كنتُ جالساً عند أميرٍ من أمراء
المدينة فأتِيَ برجلٍ شَتَم أبا بكر وعُمَر فأسلمه حجاماً حتى حذق.
لبعض شعراء الرافضة في محمد بن الحنفية وقال بعضُ شعراء الرافِضة في محمد بن
الحَنَفِيّة:
ألا قُلْ للوَصِيّ فَدتْك نـفـسـي |
|
أطلْتَ بذلك الجَبَل المُـقـامـا |
أضَر بمعْشـرٍ وَالَـوْكَ مـنّـا |
|
وسًمّوْك الخَلِـيفةَ والِإمـامَـا |
وعَادَوْا فيك أهلَ الأرض طُـرّاً |
|
مُقامك عنهمُ سـتـين عـامـا |
وما ذاق ابن خَوْلة طَعْمَ مـوتٍ |
|
ولا وَارتْ له أرضٌ عِظـامـا |
لقد أمسى بمُورِق شِعْب رضْوى |
|
تُراجعهُ الملائكةُ الـكـلامـا |
شعر لكثير عزّة يمدح علي بن أبي طالب وأولاده وقال كُثَير عَزّة فيه وكان رافِضِيّاً يقول بالرَّجْعة:
ألا إن الأئِمّة مـــــــن قُــــــــرَيشٍ |
|
وُلَاةً الـــحَـــق أربـــعةٌ سَــــــواءُ |
علـي والـــثـــلاثةُ مـــن بـــنَـــيهِ |
|
هُمُ الأسـبـاطُ لـيس بـهـــم خَـــفَـــاءُ |
فسِـبْـــط سِـــبْـــطُ إيمـــانٍ وبِـــرٍّ |
|
وسِـبْـطٌ غَــيَّبـــتَـــهْ كَـــرْبَـــلاَءُ |
وسِـبْـطٌ لا يَذُوق الــمـــوتَ حـــتـــىِ |
|
يَقُـودَ الـخـيلَ يَقْـدُمـهـــا الـــلِّـــوَاءُ |
تغيب لا يُرَى عنهم زماناًبِرَضوَى عنده عَسَل وماءُ |
|
|
وهم يذكرون أنه دخل شِعْبا باليمن في
أربعين من أصحابه فلم يُرَ لهم أثر.
لطلحة بن مصرّف قال طلحة بن مُصرف لرجل: لولا أني على وُضوءٍ لأخبرتُك بما تقول
الشَيعة.
شعر لهارون بن سعد العجلي الزيدي يتبرأ من الرافضة قال هارون بن سعد العِجْلي وكان
رَأْسَ الزيدية:
ألم تَرَ أن الرافِـضِـين تَـفَـرًقُـوا |
|
فكُلهُمُ في جَعْفـرٍ قـال مُـنْـكَـرَا |
فطـائفة قـالـوا إِلـهٌ ومـنـهـمُ |
|
طوائف سَمّتْهُ النبيَّ الـمُـطـهَـرَا |
فإن كان يَرْضَى ما يقولون جعـفـرٌ |
|
فإنَي إلى رَبي أفـارِق جَـعْـفَـرَا |
ومن عَجب لم أقْضِهِ جِلْدُ جَفْـرِهـم |
|
بَرِئتُ إلى الرحمن ممن تَـجَـفَـرا |
بَرِئت إلى الرحمن من كل رافـضٍ |
|
بَصيرٍ بباب الكُفْر، في الدين أعـورا |
إذا كًفّ أهلُ الحق عنِ بدْعة مَضَـى |
|
عليها وإن يَمْضُوا على الحق قصرا |
ولو قال إن الفِيلَ ضب لـصـدّقـوا |
|
ولو قال زِنْجِي تـحـوَّل أحْـمَـرَا |
وأخْلَفُ من بَوْل الـبَـعِـير فـإنـه |
|
إذا هـو لـلإقـبـال وُجـه أدْبَـرا |
فَقُـبـحَ أقـوام رَمَـوْه بِـفــرْيةٍ |
|
كما قال في عيسى الفِرَى من تَنصرا |
لبعض أهل الأدب في الروافض سمعت بعضَ أهل الأدب يقول: ما أشبهَ تأويل الرافضة للقرآن بتأويل رجل للشِّعْر، فإنه قال يوماً: ما سمعتُ بأكذَبَ من بني تميم! زعموا أن قولَ القائل:
بَيْتٌ زُرَارةُ مُحْتَبٍ بِـفـنَـائه |
|
ومُجاشِع وأبو الفوارِس نَهْشَلُ |
إنما هو في رجال منهم، قيل له: ما تقول
أنت. قال: البيت بيت اللّه، وزُرارة الحجر؛ قيل له: فمجاشع? قال: زمزم جَشِعت
بالماء؛ قيل له: فأبو الفوارس. قال: أبو قُبَيْس؛ قيل: نهشل? قال: نهشل أشد. وفكر
ساعةً ثم قال: نعم، نهشل! مِصباح الكعبة طويلٌ أسودُ فذاك نهشل!.
لأعشى همدان يذكر قتل الرافضة الناسَ قال أعشىِ هَمْدَان يذكُر قتلَ الرافضةِ
الناسَ:
إذا سِرْت في عِجْل فسِر في صحابة |
|
وكِندَة فاحذرْها حِذَارك للخَـسْـفِ |
وفي شيعة الأعْـمـى زِيادٌ وغِـيلَة |
|
ولَسْبٌ وإعمال لجنـدلة الـقَـذْفِ |
الأعمى هو المُغيرة. وزياد يعني الخَنْق.
واللسْب: السم؛ وإعمال لجِنْدلة القذف: يريد رَضْخهم رؤوسَ الناس بالحجارة.
ثم قال:
وكُلُّهُمُ شَر على أنَ رَأسَـهـم |
|
حَمِيدَةُ والمَيْلاَءُ حاضِنةُ الكِسْفِ |
والكِسْفُ هذا هو أبو منصور، سُفَي بذلك
لأنه قال لأصحابه: قي نَزَلَ: "وَإنْ يَروا كِسْفاً مِنَ السًمَاءِ
سَاقِطاً" وكان يَدِين بخَنْق الناس وَقَتْلِهم.
ثم قال:
مَتى كُنتَ في حيًيْ بِجَيلَةَ فاستَمِعْ |
|
فإن لهم قَصْفا يَدلُ على حَتْـفِ |
كان المغيرة بَجَلياً مولى لهم.
إذا اعتَزَمُوا يوماً على قَتْل زَائرٍ |
|
تَدَاعَوْا عليه بالنُّبَاح وبالعَـزْفِ |
ولابن عيينة وكان ابن عُيينة يُنشِد:
إذا مَا سَرك العَيْشُ |
|
فَلا تأخذْ على كِنْدَهْ |
يريد أن الخَنّاقين من المنصورية أكثرًهم
بالكوفة من كِنْدَة، منهم أبو قُطْبة الخَنّاق.
قتل خالد بن عبد اللّه للمغيرة وشعر في ذلك حدثني أبو حاتم قال: حدّثنا الأصمعي عن
ابن أبي زائدة قال: قال هِشَام بنُ القاسم: أخذ خالد بنُ عبد اللّه المُغِيرَةَ
فقتله وصَلَبَه بوَاسِط عند مَنْظَرة العاشر، فقال الشاعر:
طال التًجاوُرُ من بَيانٍ واقـفـاً |
|
ومن المُغِيرة عند جِذْع العَاشِرِ |
يا ليته قد شال جِذْعـا نـخْـلَةٍ |
|
بأبي حنيفة وابن قَيْس الناصر |
وبيان هذا هو بيان التبان وكان يقول: إلي
أشار الله إذ يقول: "هَذَا بَيَان للناس". وهو أوّل من قال بخَلْق
القرآن.
سؤال الأعمش للمغيرة بن سعد عن علي بن أبي طالب وأما المغيرة فكان مَوْلًى
لبَجِيلَة وكان سَبَائِياً وصاحبَ نِيْرَنْجَات. قال الأعمش: قلت للمغيرة: هل كان
علي يُحْي المَوْتى? لقال: لو شاء لأحْيَا عاداً وثَمُودَ وقُرونَاً بين ذلك
كثيراً.
بين إسماعيل بن مسلم المكي ورجل ادعى أنه علي بن أبي طالب بَلَغنِي عن أبي عاصِم
عن إسماعيلَ بنِ مُسْلم المَكَي قال: كنتُ بالكوفة فإذا قوم من جِيرَاني
يُكْثِرُون الدخولَ على رجل، فقلت: مَن هذا الذي تدخُلون عليه? فقالوا: هذا علي بن
أبي طالب. فقلت: ادْخِلُوني معكم. فمضيتُ معهم وخَبأتُ معي سَوْطاً تحتَ ثِيابي
فدخلْتُ فإذا شيخ أصْلَعُ بَطِين، فقلت له: أنت علي بن أبي طالب? فأوْمَأ برأسه:
أي نعم؛ فأخرجتُ السوْة فما زلت أقنعُه وهو يقول: لتاوي لتاوي، فقلتُ لهم: يا
فَسَقَة! عليُّ بن أبي طالبٍ نَبَطِي ثم قلت له: ويلك ما قصتك. قال: جُعْلْتُ
فِدَاك، أنا رجلٌ من أهل السوَاد أخذني هؤلاء فقالوا: أنت عليّ بن أبي طالب.
حدّثني رجل من أصحاب الكلام قال: دخل هِشامُ بن الحَكَم على بعض الولاة العباسيين
فقال رجل للعباسيّ: أنا أقَرِّر هِشاماً بأن عَلِياً كان ظالماً. فقال له: إن
فعلتَ ذلك فلك كذا؛ فقال له: يا أبا محمد، أما علمتَ أن عَلِياً نازع العبّاسَ إلى
أبي بكر? قال: نعم. قال: فأيُّهما كان الظالم لصاحبه? فتوقف هِشامٌ وقال: إن قلتُ
العباسَ خِفتً العباسي، وإن قلت عَلِياً ناقضت قولي، ثم قال: لم يَكُن فيهما ظالمٌ.
قال: فيختصم اثنان في أمر وهما مُحِقًان جميعاً؛ قال: نعم، اختصم المَلَكَان؛ إلى
دَاوُدَ وليس فيهما ظالمٌ إنّما أرادا أن يُنَبِّهاه على ظلْمه، كذلك اختصم هذان
إلى أبي بكر ليُعَرفاه ظُلْمَه فأسكتَ الرجلَ وأمرَ الخليفةُ لهشام بصِلَة.
شعر لحسان بن ثابت يمدح النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما
قال حسّان بن ثابت في النبيّ صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما:
ثَلاَثَة بَـرزُوا بـسَـبْـقِـهُـمُ |
|
نَضرَهم ربهـم إذا نُـشِـروا |
عَاشُوا بلا فُـرْقَةٍ حـياتَـهُـم |
|
واجتمعوا في الممات إذْ قُبِروا |
فليس مِن مُسْلم لـه بَـصَـر |
|
يُنْكِرُ من فَضْلهم إذا ذُكِـرُوا |
شعر لأعرابي في عبد الله بن عمر
يمدح النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وقال أعرابيّ لعَبْد اللهّ بن عُمَر:
إليكَ ابن خَيْرِ الناس إلا محمداً |
|
وإلا أبا بَكرٍ نَرُوحُ ونَغْتَـدِي |
مثله لأبي طالب ولعبيد اللّه بن عمر وقال أبو طالب في سُهَيْل بن بيضاء، وكان أسِرَ فأطْلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير فِدَاءٍ، لأنه كان مُسْلماً مُكْرَهاً على الخروج:
وهم رَجعُوا سَهْلَ بنَ بَيْضاء راضياً |
|
وسُرّ أبو بَكْرٍ بهـا ومُـحـمـدُ |
وقال عُبَيد اللهّ بن عمر:
أنا عُبيدُ الله يَنـمِـينِـي عُـمَـرْ |
|
خيرُ قُرَيْش مَن مَضَى ومَنْ غَبَرْ |
بعدَ رسول الله والشَّـيْخ الأغَـر |
|
مَهْلاً عُبيَد َالله في ذاك نَـظَـرْ |
لحسان بن ثابت يرثي أبا بكر رضي الله عنه وقال حَسّان بن ثابت يَرْثِي أبا بَكْرٍ رَضِيَ الله عنه:
إذا تَذَكَّرتَ شَجْواً من أخي ثـقَةٍ |
|
فاذْكُرْ أخاك أبا بَكرٍ بما فَعَـلا |
خيرَ البَرِيَّة أتْقاها وأعْـدَلـهَـا |
|
بعدَ النًبِي وأوفَاها بما حَـمَـلا |
والثانِيَ الصادقَ المحمودَ مَشْهده |
|
وأولَ الناس منهم صَدق الرُّسُلا |
وكان حِبّ رسول الله قد عَلِمُوا |
|
من البرية لم يَعدِل به رَجُـلا |
بين جرير بن ثعلبة وشيطان حدثني مِهْيَار
الرازي قال: قال جريرُ بنُ ثَعْلَبة: حَضَرْتُ شيطاناً مَرةً فقال: ارْفُقْ بِي
فإنَي من الشِّيعة. فقلتُ: فمَن تَعْرِف من الشيعة? قال: الأعمش. فخليتُ سَبِيلَه.
شعر لأبي هريرة العجلي في محمد بن علي بن الحسين قال أبو هريرة العِجْليّ لمحمد بن
علي بنِ الحُسَين عليهم السلامِ:
أبا جَعْفَرٍ أنت الوَلـي أحِـبـه |
|
وأرضى بما تَرْضى به وأتابِعُ |
أتتنْا رِجال يَحْمِلون عـلـيكُـمُ |
|
أحادِيثَ قد ضاقتْ بهنَ الأضَالِعُ |
أحاديثَ أفشاها المُغِيرَةُ فـيهـمُ |
|
وشَر الأمورِ المُحْدَثَاتُ البَـدائِعُ |
لعمر بن عبد العزيز حدثني هارونُ بنُ موسى
عن الحسن بن موسى الأشْيَبِ عن حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد قال: قال عُمَرُ بن
عبد العزيز: مَن جَعَل دِينَه غَرَضاً لخُصومات أكثَرَ التنقُل.
قال:
ما ضَر مَن أصبح المأمونُ سَائِسَهُ |
|
إن لم يَسُسْه أبو بَكْرٍ ولا عُمـرُ |
الردّ على المُلحِدين
بين
ملحد وبعض أصحاب الكلام قال بعض المُلْحِدين لبعض أصحاب الكلام: هل من دَليل على
حُدوث العَالَم? قال: الحركة والسكون فقال: الحَرَكَةُ والسُّكون من العَالَم،
فكأنك إذا قلتَ: الدليلُ على حُدُوث العَالَم العَالَمُ. فقال له: وسُؤالُك إيايَ
من العَالَم، فإذا جئتَ بمسألة من غير العالم جئتُك بدليل من غير العالم.
بين المأمون وثَنَوي نَاظَرَ عنده قال المأمونُ لثَنَوي يُناظر عنده: أسألُك عن
حرفين قط، خبرْني: هل نَدِمَ مُسيءٌ قَط على إساءته? قال: بَلَى. قال: فالنًدَمُ
على الإساءة إساءة أو إحسان? قال: بل إحسان. قال: فالذي ندَمِ هو الذي أساء أو
غيرُه? قال: بل هو الذي أساء. قال: فأرى صاحبَ الخير هو صاحبَ الشر، وقد بطل
قولُكم، إنّ الذي ينْظُر نَظَر الوعِيد هو الذي ينظُر نَظَر الرحمة. قال: فإني
أزعم أن الذي أساء غير الذي نَدِم. قال: فَندِمَ على شيءٍ كان من غيره أو على شيءٍ
كان منه? فأسْكَته.
بين الموبذ وهشام بن الحكم دخل المُوبَذُ علىِ هشام بنِ الحَكَم فقال له: يا
هِشام، حولَ الدنيا شيءٌ? قال: لا. قال: فإن أخرجتُ يدي فثَمَّ شيءٌ يَرُدُّها?
قال هِشام: ليس ثَم شي يَرُدك، ولا شيء تُخْرِج يدك فيه؛ قال: فكيف أعرِف هذا? قال
له: يا مُوبَذُ؛ أنا وأنت على طَرَف الدنيا فقلتُ لك يا مُوبَذ: إني لا أرى شيئاً،
فقلتَ لي: ولم لا تَرَى، فقلتُ لك: ليس هاهنَا ظلام يمنعًني، قلتَ لي: يا هشام إني
لا أرى شيئاً، فقلتُ لك: ولم لا ترى? قلتَ: ليس ضِياء أنظر به؛ فهل تكافأت
المِلَتان في التناقض? قال: نعم. قال: فإذا تَكَافأتَا في التناقض لم تَتَكَافأ في
الإبطال ليس شيءٌ? فأشار المُوبَذُ بيده أن أصَبتَ.
ودخل عليه يوماً آخَرَ فقال: هما في القُوّة سَواء. قال: نعم، قال: فَجَوْهَرُهما
واحد? قال المُوبَذُ لنفسه - ومَن حضَر يَسْمعُ - إن قلتُ: إن جَوْهَرهُما واحد
عادا في نَعْتٍ واحد، وإن قلت: مُختلِفٌ اختلفا أيضاً في الهمَم والإرادات ولم
يَتفِقا في الخَلْق، فإن أراد هذا قصيراً أراد هذا طويلاً؛ قال هِشام: فكيف لا
تُسْلِم! قال: هَيْهاتَ! بين ملحد وهشام بن الحكم وجاءه رجل مُلْحِد فقال له: أنا
أقول بالاثنين وقد عَرَفْتُ إنصافك فلستُ أخاف مُشَاغبَتَك فقال هِشام وهو مشغول
بثَوْب يَنْشُره ولم يُقْبِل عليه: حَفِظك اللّه، هل يَقْدر أحدُهما أن يخلقَ
شيئاً لا يَسْتعِين بصاحبه عليه? قال: نعم? قال هِشام : فما تَرْجو من اثنين!
واحدٌ خَلَقَ كل شيءٍ أصحّ لك! فقال: لم يُكَلّمني بهذا أحَدٌ قبلكَ.
بين المأمون ومرتدّ إلى النصرانية قال المأمون لمُرْتدّ إلى النصرانية خَبَرنْا عن
الشيء الذي أوحشَكَ في ديننا بعد أنْسِك به واستِيحاشِك ممّا كنتَ عليه؛ فإن وجدتَ
عندنا دَواءَ دَائِك تعالجتَ به، وإن أخْطَأ بك الشَفَاءُ ونَبَا عن دائك
الدَّوَاءُ كنتَ قد أعذرتَ ولم تَرْجِع على نفسك بلائمة، وإن قتلناك قتلناك بحُكْم
الشريعة، وتَرْجِع أنت في نفسك إلى الاستبصار والثقَةِ وتَعْلم أنّك لم تُقَصَر في
اجتهاد ولم تُفَرط في الدخول من باب الحزم؛ قال المُرْتَدُّ: أوحشني ما رأيتُ من
كثرة الاختلافِ فيكم، قال المأمون: لنا اختلافان: أحدُهما كالاختلاف في الأذان،
والتكبير في الجنائز، والتشهُد، وصلاة الأعياد، وتكبير التشريق، ووُجُوه
القِراءات، ووجوه الفُتْيا، وهذا ليس باختلافٍ، إنما هو تخيُرٌ وسعَة وتخفيفٌ من
المِحْنة، فمن أذنَ مَثْنَى وأقام مثنى وأقام فُرَادىَ، ولا يَتَعايَرُون بذلك ولا
يتَعَايبَوُن، والاختلافُ الآخرُ كنحو اختلافنا في تأويل الآية من كتابنا،
وتَأْوبل الحَدِيث معِ اجتماعنا على أصل التنزيل واتفاقنا على عَيْن الخبر، فإن
كان الذي أوحشك هذا حتى أنْكَرْت هذا الكتابَ، فقد يَنْبغي أن يكونَ اللفظُ بجميع
التوراة والإنجيل متَفَقاً على تأويله كما يكون متَفقاً على تنزيله، ولا يكون بين
جميع اليهود والنصارى اختلافٌ في شيء من التأويلات؛ وينبغي لك ألاَ تَرْجِع إلا
إلى لُغَةٍ لا اختلافَ في تأويل ألفاظها؛ ولو شاء الله أن يُنْزِلَ كُتُبَه
ويَجْعَلَ كلامَ أنبيائِهِ وورثةِ رسلِه لا يحتاج إلى تفسير الفَعَل، ولكنَا لم
نَرَ شيئاً من الدَين والدُنيا دُفِع إلينا على الكفاية، ولو كان الأمرُ كذلك
لسقَطَت البَلْوَى والمِحْنةُ، وذهبت المسابقةُ والمنافسة ولم يكن تفاضلٌ، وليسِ
على هذا بَنَى الله الدنيا. قال المرتَد: أشهَدُ أن لا إلهَ إلا اللّه، وأن
المَسِيحَ عَبْدٌ، وأن محمداَ صادقٌ، وأنك أميرُ المؤمنين حَقَاً.
الإعراب واللحن
بين عبد الملك بن مروان ورجل كان يرى رأي الخوارج حدثني أبو حاتمِ عن الأصْمَعِيّ قال: سمِعتُ مَوْلًى لآلِ عُمَر بنِ الخطاب يقول: أخذَ عبدُ الملك بنُ مَرْوانَ رجلاً كان يَرَى رَأي الخوارج، رأي شَبِيب؛ فقال له: ألستَ القائل:
ومِنّا سوَيْد والبَطِين وقَعْنَب |
|
ومِنّا أمِيرُ المؤمنين شَبِيبُ |
فقال: إنما قلتُ: "ومنا أميرَ
المؤمنين شبيبُ" بالنصب، أي يا أميرَ المؤمنين. فأمر بتخلية سبيله.
رفيع بن سلمة يخاطب أبا عثمان النحوي حدّثني عبدُ اللّه بن حَيان قال: كتب رَفِيع
بن سَلَمَة المعروف بحَمَاد إلى أبي عُثمان النَحْوِي :
تَفَكّرْتُ في النَّحْو حتى مَـلـل |
|
تُ وأتعبتُ نفسي به والبَـدَنْ |
وأتعبتُ بَكْـراً وأصـحـابَـهُ |
|
بطولِ المسائل في كـل فَـن |
فمِن عِلْـمِـه ظـاهِـر بَـينٌ |
|
ومِن عِلْمهِ غامض قد بَطَـنْ |
فكنتُ بظـاهـره عـالِـمـاً |
|
وكنتُ بباطـنـه ذَا فِـطَـنْ |
خلا أنَّ باباً علـيه الـعَـفَـا |
|
ءُ للفاء يا لـيتَـه لـم يَكُـن |
وللواوِ بـابٌ إلـى جَـنْـبِـهِ |
|
من المَقْت أحْسبُه قد لُـعِـنْ |
إذا قلتُ هـاتـوا لـمـا يُقَـا |
|
ل لستُ بـآتِـيك أو تَـأتِـيَنْ |
اجيبُوا لمـا قـيل هـذا كـذا |
|
علي النصب قالوا لإضْمار أنْ |
أو ما إن رأيتُ لها مَوْضِعـا |
|
فاعرِفَ ما قيل إلا بِـظَـنّ |
فقد خِفْتُ يا بَكْرُ مِن طُول ما |
|
أفَكَر في أمْرِ أنْ أن أجَـنْ |
لابن سيرين قال ابن سِيرينِ: ما رأيتُ على
رجل أحْسن من فَصَاحة، ولا على امرأة أحسن من شَحْم.
لابن شبرمة في فضل تعلُّم العربية وقال ابن شُبْرُمة: إذا سَرك أن تَعْظُم في
عَيْن مَن كنتَ في عينه صغيراً، ويَصْغُرَ في عينكَ من كان في عينك عظيماً فتعلم
العربيةَ، فإنها تُجْرِيك على المَنْطِق وتُدْنِيك من السْلطان. ويقال: النحو في
العِلْم بمنزلة المِلْح في القِدْر والرامِكِ في الطيب. ويقال: الإعرابُ حِلْيةُ
الكلام ووَشْيُهُ.
لبعض الشعراء في النحو وقال بعضُ الشعراء:
النحوُ يَبْسُطُ من لسانِ الألْكَنِ |
|
والمرءُ تًكْرِمُه إذا لم يَلْحَن |
وإذا طلبتَ من الـعـلـوم |
|
فأجَلها منها مُقِيمُ الألْسُـن |
بين أعرابي ورجل لحن في سؤاله قال رجل
لأعرابي: كيف أهلِك، بكسر اللام. - يُريد كيفَ أهلُك - فقال الأعرابي: صَلْباً، ظن
أنه سأله عن هَلَكَته كيف تكون.
وقيل لأعرابي: أتهْمِز إسراييلَ? قال: إني إذاً لرجلُ سُوءٍ؛ قيل له: أتَجُرُّ
فِلَسْطِين? قال: إني إذاً لَقَوِي.
وقيل لآخر: أتَهْمِز الفارةَ? فقال ة الهِرةُ تَهْمِزُها.
وقيل: كان بِشرٌ المَريسِي يقول لأصحابه: قضى الله لكم الحوائجَ على أحسِن الوجوه
وأهنؤُها؛ فقال قاسم التّمار: هذا كما قال الشاعر:
إنَ سُلَيْمَيِ والله يَكْـلَـؤُهـا |
|
ضَنتْ بشيءٍ ما كان يَرْزَؤُها |
سمِعَ أعرابي مُؤَذناً يقول: أشهَدُ أنّ
محمداً رسولَ اللّه، بنصب رسول؛ فقال: وَيْحَك يفعل ماذا? لمسلمة بن عبد الملك في
اللحن، ومثله لآخرين قال مَسْلَمَةُ بن عبدِ الملك: اللحنُ في الكلام أقبحُ من
الجُدَري في الوجه.
وقال عبدُ الملك: اللحن في الكلام أقبحُ من التفتيق في الثوب النفيس.
قال أبو الأسْوَد: إني لأجِدُ غَمْزاً كَغَمز اللحم.
بين الخليل بن أحمد وأعرابي قال الخليل بن أحمد: أنْشدَني أعرابي:
وإن كِلاباً هنه عَشْرُ أبـطُـن |
|
وأنتَ بريءٌ من قبائلها العَشْر |
فجعلتُ أعجَبُ من قوله: عَشْر ابطُنٍ حين أنَثَ لأنه عَنَى القَبِيلة، فلما رأى عجَبَي ذلك، قال: أليس هكذا قول الآخر:
فكان مَجِنَي عون من كنتُ أتَقي |
|
ثلاث شُخُوص كاعِبانِ ومُعْصِرُ |
لرجل من الصالحين قال رجل من الصالحين:
لئِنْ أعرَبْنا في كلامنا حتّى ما نَلْحَن لقد لحَنا في أعمالنا حتى ما نعرِب .
لأعرابي سمع قوماً يلحنون دخلِ أعرابي السوقَ فسمِعهم يَلْحَنُون، فقال: سبحانَ
اللِّه! يَلْحَنُون ويَرْبَحُون ونحن لا نلحَن ولا نربَح! بين رجل وزياد دخل رجل
على زِيادٍ فقال له: إنّ أبينَا هَلَك، وإن أخِينا غَصَبنا على ميراثنا من أبانا.
فقال زياد: ما ضيعتَ من نفسك أكثرُ مما ضاع من مالك.
بين بلال وشبيب بن شيبة قال الرياشي عن محمد بن سلام عن يُونُسَ قال: قال بلالُ
لشَبِيب بن شَيْبَةَ وهو يَسْتَعْدِي على عَبْدِ الأعلى بن عبد الله بنِ عامرٍ
قال: أحْضِرْنِيه. قال: قد دعوتُه لكُل ذلك يأبى؛ قال بلال: فالذنبً لكلّ.
لبعض الشعراء قال بعض الشعراء:
إما تَرَيْني وأثوابـي مُـقَـارِبة |
|
ليستْ بخَزٍّ ولا من نَسْجِ كَتَّـان |
فإن في المَجْدِ هِمًاتِي وفي لُغَتي |
|
عُلْوِيَّةً ولسَاني غـير لَـحَّـانِ |
بين زياد ومولى له وقال فِيلٌ مَوْلَى
زيادٍ لزيادٍ: أهْمَوا لنا هِمَار وَهْشٍ. فقال: ما تقول. وَيْلَك! فقال: أهْدَوْا
لنا أيراً؛ فقال زياد: الأوّلُ خَير.
سَمِع أعرابي والياً يَخْطُب فَلَحن مرّةً أو اثنتين، فقال: أشْهَدُ أنك مَلَكتَ
بقَدَر.
وسَمِع أعرابي إماماً يقرأ: "وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَى
يُؤْمِنُوا" بفتح تاء تنكحوا، فقال سبحانَ الله! هذا قبلَ الإسلام قبيح فكيف
بَعْدَه! فقيل له: إنه لحنَ، والقراءةُ "وَلَا تُنْكِحُوا فقال: قبحه الله،
لا تجعلوه بعدها إِماماً فإنه يُحِلُّ ما حَرَّمَ اللّه. قال الشاعر في جارية له:
أوّلُ ما اسْمَعُ منها في السحَرْ |
|
تذكيرُها الأنْثَى وتأنيثُ الذَكَرْ |
والسًوْءَةُ
السوءُ في ذِكْر القَمَرْ بين الحجاج ورجل عجمي قال الحجاج لرجل من العَجَم
نَخّاس: أتَبِيعُ الدّوابً المَعِيبة من جندُ السلطان? فقال: شَرِيكاتنا في هوازها
وشًرِيكاتنا في مداينها وكما تجيء تكون". فقال الحجّاج: ما تقول. ففَسَروا له
ذلك فضَحِك وكان لا يضحَك.
للحجاج أمَّ الحجّاجُ قوماً فقرأ والعاديات ضبحاً" وقرأ في آخرها "أن
رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ" بنصب أن، ثم تنبه على اللام في لَخَبِير وأنّ
"إنّ لما قبلها لا تكون إلا مكسورة فحَذَفَ الّلامَ من خبير، فقرأ "أن
رَبهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذ خَبِير".
للخيل بن أحمد في تصغير واصل قال أبو زيد: قلتُ للخليل بن أحمد: لِمَ قالوا في
تَصْغير واصل أو يصل ولم يقولوا وَيْصِل? فقال: كَرِهوا أن يُشَبَّهَ كلامهُم بنبح
الكلاب.
التشادق والغَريب
بين
عيسى بن عمر وبلال بن أبي بردة حدثني سهلٌ عن الأصمَعيّ قال: كان عيسى بنُ عُمَر
لا يَدَعُ الإعرابَ لشيء. وخاصم إلى بلال بن أبي بردةَ في جارية اشتراها مُصَابةً،
فقال: لأن يذهبَ بعضُ حَق هذا أحبّ إليه من أن يَلْحَنَ؛ فقال له: ومَن يعلم ما
تقول. فقال: ابن طرنوبة.
وبينه وبين عمر بن هبيرة وقد ضربه وضربه عمرُ بنُ هُبَيْرة ضرباً كثيراً في وَديعة
أودعها إياه إنسانٌ فطلبها، فما كان يزيد على أن يقول: واللِه إن كانت إلا أثياباً
في اسَيْفاط قَبَضَها عَشَارُوك.
بين أبي خالد النُّميري وجارية تَبِع أبو خالد النُّمَيْري صاحبُ الغَريب جارية
مُتَنَقِّبة فكلّمها فلم تُكلًمْه، فقال: يا خريدةُ، لقد كنتِ عندي عَرُوباً
أَنَمِقُكِ وتشْنَئِينا! بين سهل بن هارون وجارية رومية له وقال سهلُ بن هارونَ
لجارية له رُومية أعجمية: إن أقل ما يَنْطِوي عليه ضميري من رَسِيس حبك لأجل من كل
جليل، وأكثرُ من كل كثير.
شعر مالك بن أسماء في جارية له وقال مالك بنُ أسماء في جارية له:
أمُغَطًى مني على بَصَري لـل |
|
حب أم أنتِ أكملُ الناس حُسنا? |
وحَـديثٍ ألَـذُّهُ هـو مـمــا |
|
يَشْتَهِي الناعتـون يُوزنُ وَزْنـا |
مَنْطِق صَائبٌ وتَلْـحَـنُ أحـيا |
|
ناً وأحْلَى الحديثِ ما كان لَحْنـا |
قال ابن درَيْد: استثقل منها الإعرابَ.
بين أبي علقمة وأعين الطبيب دخل أبو عَلْقَمَة علي أعْينَ الطبيب فقال له: أمتعَ
الله بك، إني أكلت من لحوم هذه الجَوَازِل فطَسِئْتُ طَسْاةً، فأصابني وَجَعٌ ما
بين الوَابِلَة إلى دَأيَة العنقُ فلم يزل يَربوُ ويَنْمِي حتى خالط الخِلْبَ
والشَراسِيفَ، فهل عندك دواء? فقال أعْيَن: نعم، خذ خربقاً وشلفقاً وشِبْرِقاً
فزَهْزِقْهُ وزَقْزِقه واغْسِلْه بماء رَوْثٍ واشربْه؛ فقال أبو عَلْقمة: لم أفهمْ
عنك؛ قال أعين: أفهمتُك كما أفهمتَنِي.
وقال له يوماً آخَرَ: إني أجِد مَعْمَعةً في بطني وقَرْقرةً؛ فقال له: أما
المعمعةُ فلا أعرِفها، وأما القرقرةُ فهي ضُرَاطٌ لم يَنفَج.
بين الهيثم بن العُريان ورجل أتى رجلٌ الهَيْثَمَ بنَ العًرْيان بغَرِيم له قد
مطَلَهُ حقَّه فقال: أصلح اللّه الأميرَ، إنّ لي على هذا حَقًا قد غلبني عليه؛
فقال له الآخرُ: أصلحك الله، إن هذا باعني عَنْجَداً واستنسأتُه حوْلاً وشرطتُ
عليه أن أعطيَه مُشاهرة فهو لا يلقاني في لَقَمٍ إلا اقتضانِي. فقال له الهيثمُ:
أمن بني أميّة أنت. قال: لا، قال: فمن بني هاشم. قال: لا؛ قال: فمن أكفائهم من
العرب? قال: لا؛ قال: وَيْلِي عليك! انَزْع ثيابَه يا جِلْوَاز فلما أرادوا نَزْعَ
ثيابِه قال: أصلحك الله، إنّ إزاري مُرَعْبَل. قال: دعوه، فلو تَرَك الغريبَ في
وقتٍ لتركه في هذا الوقت.
لأبي علقمة بالبصرة ومرّ أبو علقمة ببعض الطُّرُق بالبصرة فهاجت به مِرةٌ فسقط
ووَثَب عليه قومٌ فأقبلوا يعصِرون إِبهامَه ويُؤذِّنون في أذنه، فافْلِتَ من
أيديهم وقال: ما لكمِ تَتَكاكَأون عليَ كما تتكأْكَاون على ذِي جِنَّة!
إفْرَنْقِعُوا عَنَي. فقال رجلٌ منهم: دَعُوه فإنّ شيطانه هِنديٌ، أمَا تسمعونه
كلّم بالهِنديّة.
وله يخاطب حجّام يحجمه
وقال لحجّام يَحْجِمُه: انظُر ما آمُرك به فاصنَعْه، ولا تكن كمن أمِر بأمرٍ
فضيّعه، أنْقِ غسل المَحَاجِم واشدُدْ قُضُبَ المَلاَزِم وأرْهِفْ ظُبّات
المَشارِط وأسْرع الوضع وعجل النًزْعَ وليْكُن شرطُك وَخْزاً، ومضُك نَهْزاً، ولا
تُكرِهن آبيَاً، ولا تردن آتِياً. فوضع الحجّامُ محاجمه في جونته ومضى.
بين أعرابي وأبي المكنون النَّحْوي سَمِع أعرابي أبا المكنون النَحْوي في حَلْقَته
وهو يقول في دعاء الاستسقاء: اللهم ربّناَ وإلهَنَا ومولانا صلّ على محمد نبيّنا؛
اللهم ومَن أراد بنا سوءاً فأحِطْ ذلك السوءَ به كإحاطة القلائد على تَرَائب
الوَلَائد، ثم - ارسِخْه على هَامَته كرُسُوخ السَجِّيل على هَام أصحاب الفِيل؛
اللهم اسْقنا غَيْثاً مُغيثاً مَريئاً مَريعاً مُجَلْجلاً مُسْحَنْفِراً هَزِجاً
سَحًّا سفُوحاً طَبَقاً غدقاً مُثْعَنجِراً. فقال الأعرابيّ: يا خليفةَ نوح هذا
الطوفان وربّ الكعبة، دَعْني آوِي إلى جَبَلٍ يَعْصِمُني من الماء.
بين أبي الأسود الدؤلي وغلام يقعَر في كلامه أبو الحسن قال: كان غلام يُقعَر في
كلامه، فأتى أبا الأسود الدُّؤلي يلتمس ما عنده؛ فقال له أبو الأسود: ما فعل أبوك?
قال: أخذته الحُمى فَطَبَخَتْه طَبْخاً وفَضَخَتْه فَضْخاً وفنخته فَنْخاً فتركته
فَرْخا" قال أبو الأسود: فما فعلت امرأته التي كانت تُجارُه وتُشَاره
وتُزارُه وتهارُّه؛ قال: طلقها فتزوٌجت غيره فرَضِيت وحَظِيَت وبَظِيَت. قال أبو
الأسود: قد عرفنا حَظِيت؛ فما بِظيَت? قال: حرف من الغريب لم يبلغك. قال أبو
الأسود: يابن أخي، كل حرف من الغريب لم يبلغ عمك فاستُره كما تستر السنًوْرُ
خُراها.
لزيد بن كثيرة قال زيد بن كثيرة: أتيتُ بابَ كبير دار وهناك حَداد، فأردتُ أن ألج
الدارَ فدَلَظَي دَلْظةً وادرس الناس عليهم فوالله إن زَلْنا نَظَارِ نَظَارِ حتى
عَقَل الطلُ.
وقال أيضاً: أتيتُ بابَ كبير وإذا الرجالُ صَتِيتَان وإذا أرْمدَاءُ كثيرة
وطُهَارةٌ لا أحْصِيهم ولحَامٌ كأنها آكَام.
شعر للطائي وقال الطائي :
أيوسف جئتَ بالعَجَب العجيبِ |
|
تركتَ الناسَ في شَك مُرِيبِ |
سمعتُ بـكـل داهـيةٍ نـآدٍ |
|
ولم أسْمَع بـسـراج أديبِ |
أمَا لَوْ أنّ جهلَك كان عِلْمـاً |
|
إذاً لنفذتَ في عِلم الغُـيوبِ |
فما لَكَ بالغَرِيب يد ولـكـنْ |
|
تَعَاطِيكَ الغريبَ من الغَريبِ |
لرؤبة بن العجاج قال رؤبة بن العَجّاج: خرجت مع أبي، نريد سليمان بنَ عبد الملك، فلمّا صِرْنا في الطريق اهْدِيَ لنا جَنْبٌ من لَحْم عليه كَرَافِئُ الشَحْم وخريطة من كَمْاةٍ ووطْب من لَبَن فطبَخْنا هذا بهذا، فما زال ذِفْرَيَايَ تَنْتِحَان منه إلى أن رجعتُ الكَرَافئُ: الطبقات، وكذلك كرافئ السحاب"
وصايا المعلّمين
من
عتبة بن أبي سفيان لعبد الصمد مؤدَب ولده قال عُتبة بن أبي سُفيان لعبد الصمد
مؤدِّب ولده: ليكن إصلاحُك بَني إصلاحَك نفسك، فإن عُيوبَهم معقودة بعَيْبك،
فالحسنُ عندهم ما استحسنتَ، والقبيحُ ما استقبحت؛ وعلِّمهم سِيَرَ الحكماءِ،
وأخلاقَ الأدباء، وتهدَدْهم بي وأدَبْهم دوني؛ وكن لهم كالطبيب الذي لا يَعْجَل
بالدواء حتى يَعْرِف الداء؛ ولا تَتَكِلَنَ على عذر مني، فإني قد اتكلتُ على كِفاية
منك.
من الحجاج لمؤدب بنيه قال الحجّاج لمؤدب بنيه: علِّمهم السباحة قبل الكتابة، فإنهم
يَجدون مَنْ يكتُبُ عنهم، ولا يَجِدون مَن يَسْبَحُ عنهم.
من عبد الملك لمؤدب ولده وقال عبد الملك لمؤدٌب ولده: علِّمْهم الصدق كما
تُعَلَمهم القرآن وجَنِّبْهم السًفِلَةَ فإنّهم أسوأ الناس رِعَةً وأقلُهم أدباً،
وَجَنَبْهُم الحَشَم فإنّهم لهم مَفْسَدة؛ وأحفِ شُعُورَهم تَغْلُظْ رِقابُهم،
وأطْعِمْهم اللحمَ يَقْوَوْا؛ علَمهم الشِّعر يَمْجُدُوا ويَنْجُدُوا، ومُرْهم أن
يَستاكوا عَرْضاً ويَمُصوا الماء مصاً ولا يَعبُوُه عَبًّا؛ وإذا احتجتَ إلى أن
تتناولَهم بأدب فليكن ذلك في سِتْر لا يعلَمُ به أحدٌ من الغاشية فَيَهُونُوا
عليه.
وقال آخر لمؤدَب ولده: لا تُخْرجهم من عِلْم إلى عِلْم حتى يُحْكِمُوه، فإن
اصطِكَاكَ العلم في السمع وازدحامَه في الوَهم مَضَلَةٌ للفهم.
شعر شريح إلى معلم ولده يوصيه به
وكان لشُرَيح ابن يلْعَب بالكلاب، فكتَب شُرَيحٌ إلى مُعلمه:
تَركَ الصلاةَ لأكْلُبٍ يَسعى بـهـا |
|
طلب الهِرَاش مع الغِوَاةِ الرُّجس |
فإذا خَلَوْتَ فَعَـضّـه بـمَـلاَمَةٍ |
|
وِعظَتْهُ وَعْظَكَ للأرِيب الكَـيس |
وإذا همَمْتَ بضَـرْبِـه فـبـدرَةٍ |
|
وإذا بلغتَ بها ثلاثاً فـاحْـبِـس |
واعْلَمْ بأنك ما فعلتَ فنـفـسُـه |
|
مع ما يُجَرعُني أعَز الأنْـفُـس |
وقال آخر لرجل يلعب بالكلاب:
أيها المُبْتلَى بحب الكـلابِ |
|
لا يُحِبّ الكلابَ إلا الكلاب |
لو تَعَريتَ وسطها كنتَ منها |
|
إنما فُقتَها بلُبْس الـثـياب |
وقال آخر:
لتَبْـكِ أبـا أحـمـدٍ قِـردةٌ |
|
وكَلْبُ هِرَاشٍ ودِيك صَدُوحُ |
وطيرٌ زِجَـالٌ وقُـمْـرِية |
|
هَتُوفُ العَشِي وكَبْشٌ نَطُو |
من
حكم لقمان بلغني عن أبي الحسن العُكْلي عن عبد الله بن بكر بن عبد الله المُزنيّ
قال: سمعت أبي يقول قال لقمان: ضربُ الوالدِ وَلَده كالسمَاد للزرع.
وصية عمر لأهل الشام حدّثني محمد بن عُبَيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن ابن
المبارك عن أسامة ابن زيد عن مكحول قال: كتب عمر إلى أهل الشام: عَلَموا أولادَكًم
السَبَاحةَ والرمْي والفُرُوسية. ما كانت تسميه العرب الكامل من الرجال وكانت
العرب تُسمَي الرجل، إذا كان يكتُب ويُحسِن الرًمْي ويُحسِن العَوْم وهي السِّباحة
ويقول الشَعْر، الكاملَ.
البيان
للنبي
صلى الله عليه وسلم في البيان حدّثني عَبْدة بن عبد الله قال: حدثنا يحيى بن آدم
عن قيس عن الأعمش عن عِمارة بن عُمَير عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من البيان سِحراً" فأطيلوا الصلاةَ
وأقْصِرُوا الخُطَبَ.
وقال العبّاس: يا رسولَ اللّه، فيم الجَمَالُ. قال: "في اللسان".
وكان يقال: عَقْلُ الرجل مدفون تحت لسانه.
ليزيد بن المهلب وقال يزيد بن المُهلًب: أكرهُ أن يكون عقلُ الرجل على طَرَف
لسانه. يريد أنه لا يكون عقلُه إلا في الكلام.
وقال الشاعر:
كَفَى بالمرء عَيْباً أن تـراهُ |
|
له وَجْة وليس له لسـان |
وما حُسْنُ الرجالِ لهم بزَيْن |
|
إذا لم يُسعد الحسنَ البـيانُ |
لخالد بن صفوان وقال خالد بن صفوان لرجل:
رحم الله أباك، فإنّه كان يَقْرِي العَيْنَ جَمَالاً، والأذنَ بياناً.
شعر للنمر بن تولب وقال النَمِرُ بن تَوْلَب:
أعذنِي رَبِّ من حَصَرٍ وعِيٍّ |
|
ومن نفس أعالِجُها عِـلَاجـا |
ومن حاجاتِ نَفْسي فاعْصِمَني |
|
فإن لمُضْمراتِ النفس حَاجا |
وصف أعرابي رجلًا يتكلّم فيُحسِن فقال:
يضَعُ الهِنَاءَ مواضِعَ النُّقْبِ |
من أمثال العرب في البلاغة ومثلُه قولُهم:
فلان يُجِيد الحَزَ، ويُصِيب المَفْصِل. وربما قالوا: يُقِلّ الحز.
لمعاوية في عبد الله بن عباس وقال معاوية في عبد الله بن عبّاس:
إذا قال لم يَتْرُك مقالاً ولم يَقِـفْ |
|
لِعِيٍّ ولم يَثْنِ اللسانَ على هُجْر |
يُصَرف بالقول اللسانَ إذا انتحى |
|
ويَنْظُرُ في أعطافه نَظَرَ الصَقْرِ |
ولحسان في ابن عباس وقال حسّان فيه:
إذا قال لم يَتْرُك مـقـالاً لـقـائلٍ |
|
بملتَقَطَاتٍ لَا تَرَى بينها فَـصـلا |
شَفَى وكَفَى ما في النفوس فلم يَدَعْ |
|
لذي إزْبَةٍ في القول جِدَا ولا هَزْلا |
سَموتَ إلى العلْيَا بغـير مَـشـقةٍ |
|
فنِلْتَ فُرَاهَـا لَا دَنِـيَا ولَا وَغْـلا |
ويقال: الصمتُ مَنَامٌ والكلامِ يَقَظةٌ .
ويقال: خير الكلام ما لم يُحْتج بعده إلى الكلام.
للعباس بن الحسن الطالبي ذكر العباس بن الحسن الطالبي رجلاً فقال: ألفاظُه قوالِبُ
معانيه.
أعرابي يمدح رجلاً ومدح أعرابي رجلاً فقال: كلامه الوَبْلُ على المَحْل، والعَذْبُ
البارِدُ على الظًمَأ.
وقال الحُطَيئة:
وأخذتُ أقطارَ الكلام فلم أدَعْ |
|
فَمًّا يضُر ولا مَدِيحاً يَنْفَـعُ |
الحطيئة وعمرو بن عبيد
وكان الحطيئة يقول: إنما شِعْري حَسَبٌ موضوع. فسَمِع ذلك عمرُو بن عُبَيْد فقال:
كَذَبَ، تَرَّحَه الله، إنما ذلك التقوى.
جواب عمرو بن عبيد لمن سأله عن صفة البلاغة قيل لعمرو بن عًبيد: ما البلاغة? فقال:
ما بلغك الجَنة، وعَدَل بك عن النار. قال السائل: ليس هذا أريد. قال: فما بَصرك
مواقِعَ رُشْدك، وعواقِبَ غَيك. قال السائل: ليس هذا أريد. قال: من لم يُحسِن
الاستماع لم يُحْسِن القول. قال: ليس هذا أريد. قال: قال النبي صلى الله عليه
وسلم: "إنا مَعْشَر الأنبياء بِكَاءٌ"، وكانوا يكرهون أن يزيدَ مَنْطِق
الرجل على عقله. قال: ليس هذا أريد. قال: كانوا يخافون من فتنة القول ومن سَقَطات
الكلام ما لا يخافون من فتنة السكوت ومن سَقَطَات الصَّمْت. قال: ليس هذا أريد.
قال: فكأنك إنما تريد تخير اللفظ حسن إفهام? قال: نعم. قال: إنك إن أردت تقرير حجة
الله في عقول المكلفين، وتخفيف المَؤُونة على المُستمعين، وتزيين تلك المعاني في
قلوب المرِيُدين، بالألفاظ المُسْتَحْسَنة في الآذان، المقبولة عند الأذهان، رغبةً
في سُرْعة استجابتهم، ونَفْي الشواغل عن قلوبهم، بالمَوْعِظَة الحسنة من الكتاب
والسُّنة، كنت قد اوتيتَ فصلَ الخِطَاب، واستوجبتَ على الله جزيلَ الثواب.
لبعضهم في زياد قال بعضهم: ما رأيت زياداً كاسِراً إحْدَى أعَيْنيه واضعاً إحدى
رِجليه على الأخرى يُخاطب رَجُلًا إلا رحمتُ المُخاطَبَ.
مثله لآخر في زياد وقال آخر: ما رأيتُ أحداً يتكلم فيُحسن إلا أحببْتُ أن يَصْمُتَ
خوفاً من أن يُسيءَ إلا زياداً فإنه كلما زاد زاد حُسْناً، وقال:
وقبلَك ما أعييتُ كاسِر عَينِه |
|
زِياداً فلم تَقْدِرْ علي حَبَائِلُهْ |
لعمر بن الخطاب في عمرو بن العاص قال محمد
بن سلام: كان عمرً بن الخطاب إذا رأى رجلاً يُلجْلِج في كلامه قال: خالق هذا وخالق
عَمْرو بن العاص واحد!.
لعبد الملك في عمرو بن سعيد الأشدق وتكلم عمرو بن سعيد الأشْدَق، فقال عبد الملك:
لقد رجوتُ عثْرَته لما تكلم، فأحسن حتى خَشِيت عَثْرَته إن سكت.
بين معاوية وصحار العبدي أبو الحسن قال: قال معاوية لصُحَار العَبدي: ما هذه
البلاغةُ التي فيكم. فقال: شيءٌ تَجِيشُ به صدُورُنا ثم تَقْذِفُه على ألسنتنا.
فقال رجل من القوم: هؤلاء بالبُسْر أبصرُ. فقال صُحَار: أجل، والله إنّا لنعلم أن
الريحَ تُلقحه وأن البرد يُعقده وأن القَمَر يَصْبغه وأن الحر يُنْضِجُه. فقال
معاوية: ما تَعُدون البلاغةَ فيكم? قال: الإيجاز، قال: وما الإيجاز? قال: أن تُجيب
فلا تبطئ، وتقولَ فلا تخطئ، ثم قال: يا أمير المؤمنين، حسن الإيجاز ألا تبطئَ ولا
تخطئَ.
أبو الحسن قال: وَفَد الحسن بن علي على معاوية الشأمَ، فقال عمرو بن العاص: إن
الحسنَ رَجُلْ أمَة فلو حملتَه على المِنْبَر فتكلم فسَمِع الناسُ من كلامه
عابُوه؛ فأمره فَصعد المِنْبَر فتكلم فأحسن؛ وكان في كلامه أنْ قال: أيها الناس،
لو طلبتُم ابناً لنبيكم ما بين جَابَرْس إلى جَابَلْق لم تَجِدُوه غيري وغيرَ أخي
وَإنْ أدرِي لَعَلهُ فِتْنَة لَكُمْ ومتاع إلَى حِين. فساء ذلك عَمْراً وأراد أن
يَقْطع كلامه، فقال: يا أبا محمد، هل تَنْعَت الرُّطَبَ? فقال: أجل، تلْقِحُه
الشمَال وتُخَرجه الجَنُوب ويُنْضِجُه بَرْدُ الليل بحرً النهار. قال: يا أبا
محمد، هل تَنْعَتُ الخِرَاءَةَ? قال نعمِ، تُبعِد المَمْشَى في الأرض الصحْصَح حتى
تَتَوارَى من القوم، ولا تَسْتَقْبِل القِبْلَة ولا تَسْتدْبِرها، ولا تَسْتَنْجي
بالروْثَة ولا العَظْم، ولا تبول في الماء الراكد؛ وأخَذَ في كلامه.
وكان يقال: كل شيء ثَنَيْتَه يقْصُر ما خلا الكلامَ، فإنك كلما ثنيتَه طال.
للحسن في أصناف الرجال قال الحسن: الرجال ثلاثة: رجلٌ بنفسه، ورجل بلسانه، ورجل
بماله.
بين صعصعة بن صوحان ومعاوية تكلم صَعْصَعةُ بن صُوحان عند معاوية فعَرِق، فقال
معاوية: بَهَرك القولُ! فقال صعصعة: إنّ الجِيَادَ نضَّاحة للماء.
ويقال: أبلغُ الكلام ما سابق معناه لفظَه.
من كتاب الهند في صفات البلاغة والبليغ
وفي كتاب للهند: أوّلُ البلاغة اجتماعُ آلةِ البلاغة، وذلك أن يكون الخطيبُ رابِطَ
الجأْش، ساكِنَ الجوارح قليلَ اللفْظ مُتَخَيراً للفظ، لا يُكلم سَيدَ الأمّة
بكلام الأمة، ولا الملوكَ بكلام السوقة، ويكون في قوَاه فَضْل للتَصرُّف في كل
طبقة، ولا يُدَقِّق المعانيَ كلَّ التدقيق، ولا يُنَقِّح كلّ التنقيح ولا يُصفَيها
كلَّ التَصْفِية ولا يُهذَبها غايةَ التهذيب، ولا يفعل ذلك حتىِ يُصادِفَ حكيماً
أو فيلسوفا عليما. ويكون قد تَعوّد حَذْفَ فُضول الكلام وإسقاطَ مشْترَكاتِ
الألفاظ، قد نَظَر في صِناعة المَنْطِق على جِهَة الصناعة والمُبالغة لا على جهة
الاعتراض والتصفُّح.
مثله لجعفر بن يحيى البرمكي في البيان ونحو هذا قول جعفر بن يحيى البَرْمكيّ وقيل
له: ما البيان? فقال: أن يكون الاسم يُحيط بمعناك ويَحْكِي عن مَغْزَاك، وتُخْرِجه
من الشركة ولا تَستعين عليه بالفِكْرة، والذي لا بدَّ له منه أن يكونَ سَليماً من
التكلُّف، بعيداً من الصنعة، بريئاً من التعَقد، غَنِياً عن التأويل.
للأصمعي في البليغ قال الأصمعي: البليغ مَن طبق المَفْصِل وأغناك عن المفسر.
رد الحجاج على قتيبة بن مسلم وقد اشتكى من أمور قال المدائني: كتب قُتَيبةُ بن
مُسلم إلى الحجاج يشكو قِفةَ مَرْزِثَتِه من الطعام وقلة غِشْيانه النساء وحَصَره
على المِنْبر؛ فكتب إليه: استكْثر في الألوان لتُصِيبَ من كلٌ صَحْفة شيئاً،
واستَكْثِر من الطرُوقَة، تجِدْ بذلك قوةً على ما تُريد، وأنْزِل الناس بمَنْزِلة
رجل واحد من أهل بيتك وخاصتك، وارْم ببصرك أمَامَك تبلُغْ حاجتك.
لبعض الشعراء في العيّ والبلاغة قال بعض الشعراء:
إن كان في العِيَ آفاتٌ مُقَدَرَةٌ |
|
ففي البلاغة آفات تًساوِيهـا |
بين معاوية ورجل تكلم عنده تكلم رجل عند
معاوية فَهذَر، فلما أطال قال: أأسكتُ يا أميرَ المؤمنين? قال: و هل تكلمتَ! في
العي واللحن ويقال: أعيا العِيّ بلاغةٌ بِعي، وأقبحُ اللَّحْن لَحْنٌ بإعراب.
وقال أعرابي: الحظ للمرء في أذنه، والحظُّ لغيره في لسانه.
ويقال: رب كلمةٍ تقول دَعْني.
ويقال: الصمتُ أبلغُ من عِيً ببلاغة.
ونحوه قول الشاعر:
أرى الصمتَ أدْنى لبعض الصًوَابِ |
|
وبعض التًكَـلـم أدنـى لـعِـي |
لجعفر البرمكي، وغيره وقال جعفر
البَرْمَكي: إذا كان الإكثارُ أبلغَ كان الإيجازُ تقصيراً، وإذا كان الإيجازُ
كافِياً؛ كان الإكثارُ عياً.
قال ابن السماك: العربُ تقول: العَيُّ الناطق أعيا من العَي الصامت.
قال أنوشِرْوَان لبزُرْجِمِهْر: متى يكون العييُ بليغاً? فقال: إذا وَصَف
حَبِيباً.
قال يُونُس بن حبيب: ليس لعي مُرُوءةٌ، ولا لمنقوص البيان بَهَاء، ولو بَلَغَ
يَأفُوخه أعنانَ ماء.
لبعض الشعراء قال بعضُ الشعراء:
عَجِبت لإدلال العَيِي بـنـفـسـه |
|
وصمتِ الذي قد كان بالحق أعلما |
وفي الصمت سَتْرٌ لِلعَمِي وإنمـا |
|
صحيفةُ لبَ المَرْءِ أن يتكلَـمـا |
لسعيد بن العاص قال سعيدُ بن العاص: مَوْطِنان
لا أسْتَحْيِ عن العِي فيهما: إذا أنا خاطبتُ جاهلاً، وإذا أنا سألتُ حاجةً لنفسي.
لأعرابي وقد ذكر رجلاً ويعيا ذكر أعرابي رجلاً يَعْيَا فقال: رأيتُ عَوْراتِ الناس
بين أرْجُلِهم، وعَوْرَةَ فلان بَيْنَ فَكيْه.
وعابَ آخرُ رجلاً فقال: ذاك من يَتَامَى المَجْلِس، أبلغُ ما يكون في نفسه أعيا ما
يكون عند جُلَسائه.
قال ربيعة الرًّأي: الساكتُ بين النائِم والأخْرَس.
لأبي مسهر في فضل الكلام على الصمت تذاكر قوم فضلَ الكلام على الصمت وفضلَ الصمت
على الكلام، فقال أبو مُسْهِر: كلا إن النجْمَ ليس كالقَمَر، إنك تَصِف الصمتَ
بالكلام، ولا تَصِفُ الكلامَ بالصمت.
لسليمان بن عبد الملك في الكلام وذم قومٌ في مجلس سليمانَ بنِ عبد الملك الكلامَ،
فقال سليمان: اللهم غَفْراً، إن من تكلم فأحْسَنَ قَدر أن يَصْمُت فيُحْسِن؛ وليس
مَن صَمَت فأحْسن قادراً على أن يتكَلم فيُحسن.
لبكر بن عبد الله ولابن الخطاب في الصمت قال بكرُ بن عبد الله: طول الصمتِ
حُبْسَةٌ.
ونحوه قول عُمَر بن الخطاب: ترك الحركةِ عُقْلَة.
بين نوفل بن مساحق وامرأته
وكان نَوْفل بن مُساحِق إذا دخل على امرأته صَمَتَ، وإذا خرج من عندها تكلم؛ فقالت
له: أما عندي فتطْرِق، وأنا عند الناس فتَنْطِق! فقال: أدق عن جَلِيلكِ وتجلينَ عن
دقيقي.
من حِكم لقمان وفي حكمة لقمان: يا بُنَي، قد ندِمتُ على الكلام ولم أنْدمَ على
السكوت.
حكاية في فضيلة الصمت قال ابن إسحاق: النسنَاسُ خَلْق باليَمن لأحدهم عَيْن ويَدٌ
ورِجْل يَقْفِز بها، وأهل اليمن يصطادونهم؛ فخرج قومٌ في صيدهم فَرأوْا ثلاثةَ
نَفَر منهم فأدْرَكُوا واحداً فعَقَرُوه وذَبحوه وتَوَارَى اثنان في الشجَر، فقال
الذي ذَبَحه: إنه لسَمِينٌ. فقال أحدُ الاثنين: إنه أكَلَ ضِرْواً. فأخذوه
فذَبَحُوه، فقال الذي ذَبَحه: ما أنفعَ الصمتَ! قال الثالث: فها أنا الصميتُ،
فأخذوه وذبحوه. "الضرْوُ: حبة الخضراء".
كان يقال: إذا فَاتَك الأدب فالزم الصمتَ.
وقال بعضهم: لا يجترئ على الكلام إلا فَائِقٌ أو مَائِق.
لشاعر يمدح رجلاً وقاد الشاعر يمدح رجلاً:
صَمُوتٌ إذا ما الصمتُ زينَ أهلَه |
|
وفَتًاقُ أبْكارِ الكلام المُـخَـتَـم |
لأبي الدرداء في إنصاف الأذن من الفم قال
أبو الدرداء: أنْصِفْ أذُنَيْكَ مِن فِيكَ، فإنما جُعُلَ لك أذُنَانِ اثنتان،
وفَمٌ واحدٌ لتَسْمَعَ أكثرَ مما تقول.
لقشيري في حظ الأذن واللسان حَضَر قشيري مجلساً من مجالس العرب فأطال الصمتَ، فقال
له بعضهم: بحق سُميتم خُرْسَ العرب. فقال القُشَيْرِيّ: يا أخي، إنّ حظّ الرجل في
أذُنه لنفسه، وحظَّه في لسانه لغيره.
لبعض الحكماء في الصمت وقال بعضُ الحكماء: أكثِرِ الصمتَ ما لم تكن مسؤولاً فإن
فَوْت الصواب أيسرُ من خَطَل القول؛ وإذا نازَعتْك نَفْسُك إلى مراتب القائلين
المُصِيبين، فاذكُر ما دون الصواب من وَجَل الخطأ وفضائح المُقصَرين.
بين الهيثم بن صالح ورجل تكلم عنده بخطأ تكلم رجلٌ في مجلس الهَيْثم بن صالح بخطأ،
فقال له الهيثمُ: يا هذا، بكلام مثلك رُزِقَ أهلُ الصمت المحبة.
شعر لأبي نواس في فضيلة الصمت وقال أبو نُوَاس:
خَلَ جَـــنْـــبَـــيْك لِــــرَام |
|
وامْـض عَـنْـــهُ بِـــسَـــلاَم |
مُتْ بداءِ الصَمتِ خَيْرٌ لكَ من داءِ الكلَام |
|
|
إنما السالمُ من أل |
|
جَمَ فـــاه بِـــلـــجَـــــام |
وقال آخر:
رأيتُ اللسانَ على أهـلـه |
|
إذا ساسه الجهلُ لَيْثاً مغيرا |
لمالك بن دينار حدّثني أبو حاتم عن
الأصمعي قال: حدثنا صاحبٌ لنا عن مالك بن دينار أنه قال: لو كانت الصحُف من عندنا
لأقللنا الكلام.
للأصمعي في تظرف العربي والفارسي وقال الأصمعي: إذا تظرّفَ العربي كَثُر كلامه،
وإذا تظرف الفارسي كثر سكوته.
لحاتم الطائي قال حاتم طيء: إذا كان الشيءُ يَكْفِيكَهُ الترْكُ فاتركه.
نصيحة عبد اللّه بن الحسن لابنه قال عبد الله بن الحسن لابنه: استعن على الكلام
بطول الفِكْر في المَواطن التي تدعوك فيها نفسُكَ إلى القول، فإنّ للقول ساعاتٍ
يضُرّ فيها الخطأ ولا ينفع فيها الصواب.
شعر لإياس بن قتادة وقال إياس بن قَتَادة:
تُعَاقِبُ أيدينا ويَحْلم رأينا |
|
ونَشْتم بالأفعال لا بالتكلُم |
بين ابن السماك وجارية له تكلم ابن
السَّمَّاك يوماً وجاريةٌ له تسمع كلامه، فلما دخل إليها قال: كيف رأيتِ كلامي
قالت: ما أحسَنَه لولا أنّك تُكثر تَرْدَاده! قال: أردده حتّى يَفْهَمَه مَن لم
يَفْهَمْه. قالت: إلى أن يَفْهَمه من لم يَفْهَمْه قد ملَه مَن فَهمه! للمسيح عليه
السلام قال عيسى بنُ مَرْيم: مَن كان مَنْطِقُه في غير ذكرٍ فقد لغا، ومَن كان
نظرُه في غير اعتبار فقدسَهَا، ومن كان صَمْته في غير فكرٍ فقد لها.
العباس بن زفر وجرير كان العباس بن زُفَر لا يُكلم أحداً حتى تَنْبسطَ الشمس، فإذا
انْفَتَل عن صلاته ضَرَب الأعناق وقَطَع الأيدي والأرْجل. وكان جَرِير لا يتكلم
حتى تبزُغَ الشمس، فإذا بَزَغت قَذفَ المُحْصَنَات.
من التوراة قال قَتَادة: مكتوب في التّوراة: لا يُعاد الحديث مرتين.
للزهري قال الزُهْرِيُ: إعادة الحديث أشدُّ من وَقْع الصَخْر.
من كتاب للعجم
وفي كتب العجم: أن أربعةً من الملوك اجتمعوا فقالوا كلُهم كلمةً واحدةً كأنها رمية
بسهم: ملك فارس، وملك الهند، وملك الروم، وملك الصين. قال أحدهم: إذا تكلمت
بالكلمة مَلَكَتْني ولم أمْلِكها. وقال آخِر: قد نَدِمتُ على ما قلتُ ولم أنْدَم
على ما لم أقُل. وقال آخر: أنا على رد ما لم أقل أقدرُ مني على رد ما قلتُ. وقال
آخر: ما حاجتي إلى أن أتكلّم بكلمة، إن وقعتْ عليّ ضرْتني، وإن لم تقع علي لم
تنفعني.
لزبيد اليامي في كلمة لابن مسعود قال زُبَيْد الياميّ: أسكتتني كلمةُ ابن مسعود
عشرين سنة: مَنْ كان كلامه لا يوافق فعلَه فإنما يُوَبخ نفسه.
من كتاب كليلة ودمنة وفي كتاب كليلة ودمنة: ثلاثة يؤمرون بالسكوت: الراقي في جبل
طويل، وآكل السمك. والمُرَوَي في الأمر الجسيم.
لبعض الشعراء قال بعض الشعراء:
قد أفلح السالمُ الصَّمُوتُ |
|
كلامُ واعي الكلام قوتُ |
ما كل نطْقٍ لهُ جـوابٌ |
|
جوابُ ما يُكرهُ السكوتُ |
يا عجباً لامرئ ظَـلُـومٍ |
|
مُستيقِـن أنـهُ يمـوتُ |
للأحنف في مجلس معاوية بلغني عن أبي أسامة
عن ابن عَوْن عن الحسن قال: جلسوا عند معاوية فتكلموا وصَمَتَ الأحنف فقال معاوية:
يا أبا بَحْر، ما لك لا تتكلم، قال: أخافُكم إن صَدَقْتُكم، وأخاف اللّه إن كذبت
لابن عباس حدّثني محمد بنُ داود قال: حدّثنا الحُمَيديّ قال: حدثنا أبو الحَكَم
مَرْوان بن عبد الواحد عن موسى بن أبي درهمِ عن وهب بن منبه قاد: قال ابن عبّاس:
كفىِ بك ظالِماً ألا تزالَ خَاصِماً، وكفى بك آثماَ ألّا تَزال مُمَارِياً، وكفى
بك كاذباً ألّا تزال مُحدَثاَ بغير ذكر الله تعالى.
شعر في عثرة اللسان وقال بعضهم:
يَمُوتُ الفتى من عَثْرةٍ بـلـسـانِـهِ |
|
وليس يموتُ المرءُ من عَثْرة الرِّجْل |
فعثرتُه من فِيهِ تَـرْمِـي بـرأسـهِ |
|
وعثرتُه بالرجْل تَبْرا على مَـهْـل |
لبعض
الحكماء في صفة البلاغة سُئِل بعضُ الحكماء عن البلاغة، فقال: من أخذ معاني كثيرة
فأداها بألفاظ قليلة، أو أخذ معانيَ قليلةً فوَلّد فيها ألفاظاً كثيرة.
بلغني عن أبي إسحاق الفَزَاري قال: كان إبراهيمُ يُطِيل السكوتَ، فإذا تكلمِ انبسط
فقلت له ذاتَ يوم: لو تكلمتَ! فقال: الكلام على أربعة وُجُوه، فمنه كلام ترجو
منفعته وتَخْشم عاقبَتُه، فالفضلُ منه السلامةُ؛ ومنه كلام لا ترجو منفعتَه ولا
تخشى عاقبتَه، فأقلُّ ما لَكَ في تركه خِفة المَؤُونة على بَدَنك ولسانك؛ ومنه
كلامٌ لا ترجو منفعتَه وتخشى عاقبته، وهذا هو الدَّاء العُضال؛ ومن الكلام كلام
ترجو منفعته وتَأمَنُ عاقبته، فهذا الذي يجب عليك نَشْره. قال: فإن هو قد أسقط
ثلاثَةَ أرباع الكلام.
الاستدلال بالعين والإشارة والنُّصبة
يقال: رب طرف من لسان قال أعرابي:
إن كاتمونا القلى نمـت عـيونـهـم |
|
والعين تظهر ما في القلب أو تصف |
وقال آخر:
إذا قلوب أظهرت غير ما |
|
تضمره أنبتك عنها العيون |
آخر:
أما تبصر في عـين |
|
ي عنوان الذي أبدي |
شعر لذي الرُّمة وقال ذو الرُمة:
نَعَمْ هاجت الأطلالُ شَوْقاً كَفَى بـه |
|
من الشًوقِ إلا أنهُ غـيرُ ظـاهِـر |
فما زِلْتُ أطْوِي النفسَ حتى كأنًهـا |
|
بِذِي الرمْثِ لَمِ تخطر على بال ذَاكِر |
حَيَاءً وإشْفاقاً من الـرَّكْـبِ أن يَرَوْا |
|
دليَلاً على مُستوْدَعات الضـمـائرِ |
للحارثي يذكر ميتاً وقال الحارثي يذكُر ميتاً:
أتيناه زوَاراً فأمجـدَنـا قِـرى |
|
من البَث والدًاءِ الدَخيل المُخَامِرِ |
وأوسَعَنا عِلْماً بـرد جـوابِـنـا |
|
فأعْجِبْ به من ناطقٍ لم يُحَاوِرِ |
ومثل هذا قولُ القائل: سَل الأرضَ فقل
لها: من شَق أنهارَكِ، وغَرَس أشجارَكِ، وجَنَى ثِمَارَكِ، فإن لم تُجِبك
حِوَاراً، أجابتْك اعتبارا.
لأبي العتاهية قال أبو العتَاهِيَة:
وللقَلْبِ على القلبِ |
|
دليلٌ حين يَلْـقـاهُ |
وللناس من النـاس |
|
مقاييس وأشـبـاهُ |
يُقاسُ المرءُ بالمرءِ |
|
إذا ما هو ماشـاهُ |
وفي العين غِنًى للعي |
|
ن أن تَنْطِق أفـواهُ |
الشعر
يقال:
خيرُ الشَعْر ما رَوًاك نفسَهُ.
ويقال: خيرُ الشعر الحَوْلِي المُنقَح المُحَكًك.
لأعرابي وقد سمع رجلاً ينشد شعراً لنفسه سَمِع أعرابي رجلاً يُنشِد شِعْراً لنفسه،
فقال: كيف تَرَى? قال: سُكر لا حَلاوةَ له لبعض علماء اللغة قيل لبعض علماء اللغة:
أرأيتَ الشاعرين يجتمعان على المعنى الواحد في لفظ واحد? فقال: عُقول رجالٍ
تَوَافت على ألسنتها.
شعر لبشار يصف نفسه قال بَشّار يَصِف نفسَه:
زَوْرُ مُـلـوكٍ عـلـيه ابَّــهَةٌ |
|
يُعرفُ من شِعره ومن خُطَـبِـهْ. |
للـه مـا راح فـي جَـوَانـحـهِ |
|
من لُؤْلُؤ لا يُنام عـن طَـلـبِـهْ |
يَخرُجْن من فـيه فـي الـنَـدي |
|
كما يِخرُج ضوءُ السراج من لَهَبِهْ |
ترنُـو إلـيه الـحُـداثُ غــاديةً |
|
ولا تَمَلُّ الحديثَ مـن عَـجَـبِـهْ |
تِلْعَابةٌ تَعـكُـفُ الـمـلـوكُ بـه |
|
تأخذ من جِـده ومـن لَـعِـبِـهْ |
يَزدحِـمُ الـنـاس كـلً شـارقةٍ |
|
ببابه مُـسـرعـينَ فـي أدبِـهْ |
للطائي يذكر الشعر وقال الطائي يذكر الشعر:
إن القَوافِيَ والمَسَاعِيَ لم تَـزَلْ |
|
مِثلَ النًظَام إذا أصـابَ فَـريدا |
من أجل ذلك كانتِ العربُ الألَى |
|
يَدْعُون هذا سُؤْدداً مَجْـمُـودا |
وتَنِد عندهـمُ الـعُـلا إلا عُـلاً |
|
جُعلت لها مِرَرُ القَرِيض قُيُودا |
وقال أيضاً:
ولم أر كالمعروف تُدْعَى حًقوقُه |
|
مغارِمَ في الأقوام وهي مَغانِـمُ |
وإنّ العُلاَ ما لم تَر الشعر بينهـا |
|
لكالأرض غُفْلاً ليس فيها مَعَالِمُ |
وما هو إلا القولُ يَسْرِي فيغتدِي |
|
له غُرَرٌ في أوجـهٍ ومَـواسِـمُ |
يرى حكْمةً ما فيه وهو فُكَـاهةٌ |
|
ويُقْضَى لما يَقْضي له وهو ظالمُ |
ولولا خِلالٌ سَنَها الشعرُ ما دَرَى |
|
بُغاةُ العُلاَ من أينَ تُؤْتَى المكارمُ |
ولآل
عُمر بن لَجأ لبعض الشعراء: أنا أشعرُ منك؛ قال: ولمَ ذاكَ. قال: لأنَي أقولُ
البيتَ وأخاه، ولأنك تقول البيتَ وابن عفَه.
لعقيل بن علفة قيل لعَقِيل بن عُلَفة: ألا تُطِيل الهِجَاء. فقال: يَكفِيك من
القِلاَعة ما أحاط بالعُنُق. وقال بعضُهم: خيرُ الشِّعر المُطْمِع.
لكًثير إذا عَسُر عليه قول الشعر قيل لكًثَير: يا أبا صَخْر، كيف تصنع إذا عسر
عليك قولُ الشعر. قال: أطوف بالرِّباع المُخْلِيَة والرياض المُعشِبة، فيسهُل عليّ
أرْصَنُه وشُرع إليّ أحسنُه.
ويقال: إنه لم يُستَدْعَ شارِدُ الشعر بمثل الماء الجاري، والشَّرَف العالي،
والمكان الخَضِر الخالي أو الحالي.
بين عبد الملك بن مروان وأرطأة بن سُهَيّة وقال عبدُ الملك بن مَرْوان لأرْطَاةَ
بنِ سُهَيّة: هل تقول الآن شعراً. قال: ما أشرَب، ولا أطْرَب، ولا أغْضَب؛ وإنما
يكون الشعر بواحدة من هذه.
لكُثيّر عزّة وقيل لكُثَيِّر: ما بَقِيَ من شِعرك. فقال: ماتت عَزّة فما أطرب،
وذهب الشَبَابُ فما أعْجَب، ومات ابن لَيْلَى فما أرغَب - يعني عبدَ العزيز بن
مَرْوان - وإنما الشعر بهذه الخِلالَ.
لبعضهم في أشعر الناس وقيل لبعضهم: من أشعرُ الناس? فقال: امرؤُ القيس إذا رَكِب،
والنابغة إذا رَهِب، وزهير إذا رَغِب، والأعشى إذا طَرِب.
للعجاج في عدم إحسانه الهجاء وقيل للعجّاج: إنك لا تُحسِن الهجاء. فقال: إن لنا
أحلاماً تمنعًنا من أن نَظْلِمَ، وأحساب تمنعُنا من أن نُظْلَمَ، وهل رأيتَ
بانِياً لا يُحسِن أن يَهْدِم!.
للمؤلف في وصف الشعر
وقلتُ في وصف الشَعر: الشعر مَعْدِنُ عِلْم العرب، وسِفْرُ حِكمتِها، وديوان
أخبارها، ومستَوْدعُ أيامها، والسُورُ المضروبُ على مآثرها، والخَندَقُ المحجوزُ
على مفاخرها، والشاهدُ العَدْلُ يومَ النَفار، والحُجةُ القاطِعةُ عند الخِصَام؛
ومن لم يقم عندهم على شَرَفه وما يدَّعِيه لسلفه من المناقب الكريمة والفَعَال
الحميد بيت منه، شَدَّتَ مَساعيه وإن كانت مشهورة، ودرسَت على مُرور الأيّام وإن
كانت جِساماً؛ ومن قيدها بقوافي الشعر، وأوثقها بأوزانه، وأشهَرها بالبيت النادر،
والمَثَل السائر، والمعنى اللطيف، أخلدها على الدهر، وأخلصها من الجَحْد، ورفع
عنها كَيْدَ العُدو وغض عينَ الحسود.
وما جاء في الشعر كثير. وقد أفردتُ للشعراء كتاباً، وللشعر باباً طويلاً في كتاب
العرب.
وذكرت هذه النُتْفَةَ في هذا الكتاب كراهِيَةَ أن أخْلِيَه من فَنٍّ من الفنون.
حُسن التشبيه في الشِعر
لابن الزبير الأسدي في وصف الثريا من ذلك قولُ ابن الزَبِير الأسَديّ في الثُّرَيّا:
وقد لاح في الغَوْر الثرَيّا كأنما |
|
به راية بيضاءُ تَخْفِقُ للطعْنِ |
شبه الثُّرَيّا حين تدلت للمَغِيب براية
بيضاء تخفق للطعن.
لعنترة في الذباب ومن ذلك قولُ عنترةَ في الذُبَاب:
وخَلاَ الذُبابُ بها فليس بنـازِحٍ |
|
هَزِجاً كفِعْل الشارِبِ المُنَرَنَم |
غَرِداً يَحُك ذِرَاعَه بـذرَاعِـهِ |
|
فِعْلَ المُكِب على الزَناد الأجْذَم |
شبًه حكه يده بيده برَجُل مقطوع الكفَين
يَقْدَح النار بعُودَيْن.
ولأعرابي في العنب ومن ذلك قولُ أعرابي في العِنَب:
يَحْمِلْنَ أوعِيَةَ السُلافِ كأنّما |
|
يَحْمِلْنها بأكارع النَغْـرَانِ |
أوعية السلاف: العنب، جعله ظرفاً للخمر،
وشبه شُعَب العناقيد التي تَحمِل الحب بأرجل النغران. "والنغَرُ: طائلاً مثل
العصفور أحمر المِنْقار".
لآخر وقال الآخر، وكان غَشِي عَيْنَيْه بياضٌ أو نَزَل فيهما ماءٌ :
يقولون مَاء طيِّبٌ خان عـينـهُ |
|
وما ماءُ سُوءٍ خان عَيْني بطيبِ |
ولكنّه أزمانَ أنـظُـرُ طـيب |
|
بعَيْنَيْ غدا فيٍّ علا فوق مَرْقَب |
كأن ابن حَجْلٍ مَد فضلَ جَناحِه |
|
على ماء إنسانَيْهِما المُتَـغَـيِّبَ |
شبّه ما علا الحَدَقة بجَناح من فِرَاخ
الزنابير قد مدَ على ناظره.
لامرئ القيس في العقاب ومن ذلك قولُ امرئ القيس وذكر العُقَاب:
كأن قلوبَ الطير رطبـاً ويابـسـاً |
|
لَدَى وَكْرِها العُنّاب والحَشَفُ البالي |
شبه الرطْب بالعُنّاب، واليابس بالحَشَف.
وشبّه شيئين بشيئين في بيت واحد.
ولأوس بن حجر وذَكَر السيف ومن ذلك قولُ أوْس بن حَجَر وذَكَر السيف:
كانّ مَدَب النمل يلتمِسُ الرُبَى |
|
ومَدْرَج ذَرٍّ خاف بَرْداً فأسهلا |
شبه فِرِندَ السيف بمدرج الذر ومدبّ
النمل.
لأبي نواس في البازي ومن ذلك قولُ أبي نُوَاس في البازيّ:
ومَنْسِر أكْلَفُ فيه شَغاً |
|
كأنّه عَقْدُ ثَمَانـينـا |
لأعرابي في امرأة ومن ذلك قولُ أعرابيٍّ في امرأة:
قامت تَصَدَى له عَمْداً لتقتُـلَـه |
|
فلم يَرَ الناس وَجْداً مثلَ ما وَجَدا |
بجِيد آدَمَ لـم تُـعـقـد قـلائِده |
|
ونَاهِدٍ مثل قَلْب الظَّبِيْ ما نَهَدا |
فظل كالحائِم الهَيْمَانِ لـيس لـه |
|
صَبْر ولا يَأمَنُ الأعداءَ إن وَرَدا |
شبه ثَدْيَها في نُهوده بقلب الظبي في
صلابته، ولا نعلم أحداً شبه الثّدْي بقلب الظَّبْي غيره.
مثله لجحمر العُكْلي ومن ذلك قولُ جِحْمر العُكْلي في امرأة:
على قَدَمٍ مكنونة اللـونِ رَخْـصَةٍ |
|
وكَعْب كَذِفْرَى جُؤْذُر الرَّمْل أدرَمَا |
شبّه كعبها بأصل أذُن الجُؤْذُر، وهو
الصغير من أولاد البقر.
حميد بن ثور يصف فرخ القطاة ومن ذلك قول حُمَيد بنِ ثَوْر يصف فَرْخ القطاة:
كانً على أشداقهِ نَوْرَ حَنْوَةٍ |
|
إذا هو مَذَ الجِيدَ منه لَيطْعَمَا |
دعبل يهجو امرأة ومن ذلك قول دِعْبل يهجو امرأة:
كأن الثآلِيلَ في وجههـا |
|
إذا سَفَرَتْ بِدَدُ الكِشْمِش |
لها شَعْرُ قِـرْدٍ إذا ازيَنـتْ |
|
ووجهٌ كبَيْض القَطَا الأبْرَش |
لأبي نواس يصف البط ومن ذلك قولُ أبي نُوَاس في وصف البطّ:
كأنّما يَصْفِرْنَ من مَلاَعق |
لبعضهم في جارية سوداء ومن ذلك قولُ بعض الرجّاز في جارية سوداء:
كأنّها والكُحْلُ في مِرْوَدِها |
|
تَكْحُلُ عينيها ببعض جِلْدِها |
للجعدي في فرس ومن ذلك قولُ الجَعْدِيّ في فرس:
خِيطَ على زَفْرَةٍ فَتَمّ ولـم |
|
يَرْجعْ إلى دِقَةٍ ولا هَضَمَ |
يقول: هو منتفِخ الجَنْبَيْن، فكأنه زَفَر
فانتفخ جنباه ثم خِيطَ على ذلك.
للطرماح في الثور
ومن ذلك قول الطِّرِمّاح يصف الثوْر: |
|
|
يَبْدو وتُضمِره البلاد كأنهُ |
|
سيفٌ علـى شَـرَف يُسَـل ويُغْـمَـدُ |
قول النابغة للنعمان ومن ذلك قول النابغة للنُعمان:
فإنَك كالليل الذي هو مُـدْرِكِـي |
|
وإنْ خِلتُ أن المُنْتأى عنك واسِعُ |
وللنابغة أيضاً في المرأة ومن ذلك قولُه في المرأة:
نَظَرتْ إليك بحاجةٍ لم تَقْضِهـا |
|
نَظَرَ المريض إلى وجوه العُودِ |
يقول: نظرْت إليك ولم تَقْدِر أن تتكلم،
كما ينظُر المريضُ إلى وجُوه عُواده ولا يَقْدِر أن يُكلَمهم.
لطرفة بن العبد ومن ذلك قولُ طَرَفَة:
لعمرُكَ إنّ الموتَ ما أخطأ الفَتَى |
|
لَكَالطَوَل المُرْخَى وثنْيَاهُ بالـيَدِ |
لبعض الضبيين يصف أباريق الثرب
ومن ذلك قول بعضِ الضَّبِئين يصف أباريق الشَّرَاب: |
|
|
كأنّ أباريقَ الشَمُول عَشِيةً |
|
إوَزٌ بـأعْـلَـى الـطَـف عـوجُ الـحـنـاجــر |
لأبي الهندي ونحوه قولُ أبي الهنديّ:
سَيُغْني أبَا الهِنْدِي عن وَطْبِ سالم |
|
أباريقُ لم يَعْلَقْ بها وَضَرُ الزُبْدِ |
مُقدَمَة قَـزًّا كـأنَ رِقَـابَـهـا |
|
رِقَابُ بَناتِ الماءِ تَفْزَعً للرًعْـد |
لنُصَيب في عبد العزيز بن مروان ومن ذلك قولُ نُصَيب في عبد العزيز بن مَرْوان:
وكلبُك آنسُ بالمُعْـتـفِـين |
|
من الأمِّ بابنتِهـا الـزائِرْه |
لعدي بن الرفاع في ظبية |
|
|
ومن ذلك قولُ عَلِي بن الرِّقاع في الظبية:
تُزْجِي أغنّ كأن إِبْرَة رَوقِـه |
|
قلم أصاب من الحًواة مِدَادَها |
ومن ذلك قولُ بشار:
كأن مُثَار النَقْع فوق رُؤوسِهم |
|
وأسيافَنَا ليلٌ تَهَاوى كواكِبُـهْ |
ومنِ ذلك قولُه:
جَفتْ عيني عن التَغْمِيض حتّى |
|
كأنّ جُفونَها عنهـا قِـصَـارُ |
ومن ذلك قولُ الآخر:
ومولًى كأنّ الشمسَ بيني وبينه |
|
إذا ما التقينا ليس ممن أعاتبُهْ |
يقول: لا أقْدِرُ على النظر إليه من
بُغْضه، فكأن الشمس بيني وبينه.
ومن ذلك قولُ الآخر:
كأن نيرانَهم في كل مَنْـزِلةٍ |
|
مُصًبّغَاتٌ على أرسانِ قَصارِ |
الناس يَستحسنون هذا، وأنا أرَى أن أقول: الأولى أن يُشبه المُصبَّغات بالنيران، لا النيران بالمصبغات.
الأبيات التي لا مِثْلَ لها
حدثني أبو الخطاب قال: حدّثنا مُعْتَمر عن لَيْث عن طاوس عن ابن عباس قال: إنّها كلمة نبي.
سَتُبدي لك الأيامُ ما كنتَ جاهلاً |
|
ويأتِيكَ بالأخبار من لم تُـزَوَد |
أبرع بيت قالته العرب حدثني الرياشيّ عن الأصمعي قال: أبرعُ بيت قالته العرب قولُ أبي ذُؤَيب:
والنفسُ راغبة إذا رغَّبتَها |
|
وإذا تُرَد إلى قليل تَقْنَعُ |
لحميد بن ثور الهلالي في الكِبَر: وأحسن ما قيل في الكِبَر قولُ حُمَيْد بن ثَوْر الهِلالي:
أرَى بَصرِي قد رَابَني بعد صِحةٍ |
|
وحسبُك داءً أن تَصِح وتَسْلَمـا |
لأوس بن حجر وأحسن مَن ابتدأ مرثية أوس بن حَجَر في قوله:
أيتُها النفسُ أجْمِلي جَزَعا |
|
إن الذي تَكْرَهِين قد وَقَعا |
للنابغة وأغرب مَن ابتدأ قصيدة النابغةُ في قوله:
كِلينِي لِهَمٍّ يا أميمة ناصِـبٍ |
|
وليلٍ أقاسِيهِ بَطِيءِ الكواكبِ |
أحسن بيت قيل في الجبن لنهشل بن حري حدّثني الخَثْعَمِيّ الشاعر قال: أحسنُ بيتٍ قيل في الجُبْن قولُ نَهْشَل بن حَري:
فلو كان لي نفسان كنتُ مُقاتلاً |
|
بإحداهما حتى تَموتَ وأسلما |
وفي قساوة القلب قال: وبيت المُخبَّل في قَساوة القلب:
يُبْكَى علينا ولا نَبْكِي على أحدٍ |
|
لنحنُ أغلظُ أكباداً من الإبـلَ |
وفي الاستعفاف قال: وبيت عَبِيد في الاستعفاف:
مَنْ يسأل الناسَ يَحْرِمُوه |
|
وسَائِلُ اللـه لا يَخِـيبُ |
في الاحتفاظ المال لمنجوف بن مرة قال: وبيت مَنْجوف بن مُرّة السلمي في الاحتفاظ بالمال:
وأدفعُ عن مالي الحقوقَ وإنَهُ |
|
لجٌم فإنّ الدهرَ جَم مصائبُهْ |
وفي إكرام النفس للحطيئة قال: وبيت الحُطَيئة في إكرام النفس:
واكرِمُ نفسي اليومَ عن سُوء طعْمَةٍ |
|
ويَقْنَي الحياءَ المرء والرمحُ شاجِرُه |
لكعب في الإقدام قال: وقول كعب في الإقدام:
نَصِلُ السيوفَ إذا قَصًرْنَ بخَطْوِنَا |
|
قُدماً ونُلْحِقُها إذا لم تَـلْـحَـقِ |
ولعمر بن الإطنابة في الصبر قال: وبيت عمرو بن الإطْنابة في الصبر:
وقَوْلِي كُلَما جَشَأتْ وجاشت |
|
مكانَكِ تُحْمَدي أو تَستريحي |
لقَطَري بن الفُجَاءة وأحسن من هذا عندي قول قطَرِيّ:
وقَوْلي كلما جَشَأتْ لنـفـسـي |
|
من الأبطال وَيْحَكِ لا تُرَاعِـي |
فإنكِ لو سألـتـه بـقـاء يومٍ |
|
على الأجَل الذي لكِ لم تُطَاعِي |
لمسكين الدارمي في الجود قال: وبيت مِسكين الدارِميّ في الجُود:
طَعَامي طَعَام الضَيفِ والرَّحْلُ رَحْلُهُ |
|
ولم يُلْهِني عنه الغزالُ المُـقَـنَّـعُ |
ومثله في حسن الجوار قال: وفي حسن الجِوَار قوله:
ناري ونارُ الجارِ واحدة |
|
وإليه قبلي تُنْزَلُ القدار |
ما ضر جاراً لي أجاوِرُه |
|
ألّا يكونَ لبابه سِـتْـرُ |
لجميل قال: وممن رضي بالقليل جَمِيل، قال:
أقلَب طَرْفي في السماء لعـلَـهُ |
|
يُوافقُ طرْفي طرَفها حين تَنْظُرُ |
وقول الآخر:
أليس الليلُ يُلْبِس أم عَمْرو |
|
وإيّانا فذاك بنـا تَـدَانِـي |
تَرَى وَضَحَ النهار كما أراهُ |
|
ويعلوها النهار كما علاني |
لعمر بن كلثوم في الجهل قال: وبيت عمرو بن كلْثُوم في الجهل:
ألا لا يَجْهَلَنْ أحدٌ علـينـا |
|
فنَجْهَل فوق جهل الجاهلينا |
وللنابغة في ترك الإلحاح قال: وبيت النابغة في ترك الإلحاح :
فاستبق وُدَكَ للصديق ولا تكن |
|
قَتَباً يَعضُ بغَارِبٍ مِلْحَاحـا |
للمهلهل في إدراك الثأر قال: وفي إدراك الثأر قول مُهَلْهِل:
لقد قتلتُ بني بَكْرٍ بـربـهِـمُ |
|
حتى بكيتُ وما يَبْكِي لهم أحدُ |
لعروة بن الورد في تبليغ العذر في الطلب قال: وبيت عْرْوة بن الوَرْد في تبليغ العذر في الطلب:
لِتُبْلِغَ عُذْراً أو تُفِـيدَ غـنـيمةً |
|
ومُبلِغْ نفس عُذْرَها مثلُ مُنْجِح |
لجميل في إنفاق المال والتوكل على اللّه تعالى قال: وبيت جميل في إنفاق المال والتوكل على الله تعالى:
كُلُوا اليومَ من رزق الإله وأَبْشِرُوا |
|
فإنّ على الرحمن رِزْقَكُمُ غـدا |
للعباس بن مرداس في الشجاعة قال: وفي الشجاعة قول العباس بن مِرْدَاس:
أشُدُّ على الكَتِيبة لا ابالِـي |
|
أحَتْفِي كان فيها أم سِواها |
للمتلمس في المال قال: وبيت المتلمّس في المال وتثميره:
قليلُ المال تُصلحه فيَبْقَـى |
|
ولا يبقى الكثيرُ على الفسادِ |
أهجى بيت: للطرماح في تميم وأخبرنا دِعْبِل بن عليّ الشاعر قال: أهجى بيتٍ قيل قولُ الطَرمَّاح في تميم:
تميمٌ بطُرْقِ اللُّؤْم أهدَى من القَطَا |
|
ولو سَلَكتْ طُرْقَ المكارِم ضَلَّتِ |
وللأخطل قال: وكذلك قولُ الأخْطَل:
قوم إذا استنْبَحَ الأضيافُ كلبَهُمُ |
|
قالوا لامِّهمُ بُولي على النارِ |
قول الحطيئة للزبرقان في قصر الهمّة قال غيره: وقولُ الطِّرِمّاح في القِلّة والخُمول:
دَع المكارِمَ تَرْحَلْ لِبُغـيتـهـا |
|
واقعُدْ فإنّك أنت الطاعِمُ الكاسِي |
وللطرماح في القلة والخمول
قال غيره: وقولُ الطَرِمّاح في القِلّة والخُمول:
لو كان يَخْفَى على الرَّحمن خافيةٌ |
|
من خَلْفِه خَفِيَتْ عنهُ بَنُـو أسَـدِ |
ونحوه قولُ الآخر:
وأنت مَلِيح كلحم الـحُـوَا |
|
رِ لا أنت حُلْوٌ ولا أنت مُرّ |
وكذلك قولُ جَريرٍ في التَّيم:
وأنّك لو رأيتَ عـبـيد تَـيْم |
|
وتَيْماً قلتَ أيُّهما الـعـبـيدُ |
ويُقْضَى الأمرُ حينَ تَغِيبَ تيمٌ |
|
ولا يُسْتَأذَنُون وهم شُهُـودُ |
أحسن ما قيل في الهيبة شعراً وأحسن ما قيل في الهيبة:
يُغْضِي حَيَاءً وُيغضى من مَهَابته |
|
فما يُكًلّمُ إلا حـين يبـتـسِـمُ |
لمحمد بن أبي حمزة في مصلوب وأغرب ما قيل في مصلوبٍ قولُ محمد بن أبي حَمْزة مَوْلَى الأنصار:
لَعَمْرِي لئن أصبحتَ فـوقَ مُـشَـذبٍ |
|
طَوِيلٍ تُعَفَيكَ الرياحُ مع الـقَـطْـرِ |
لقد عِشْتَ مبـسـوطَ الـيدين مُـرَزَأً |
|
وعُوفيتَ عند الموت من ضغطة القبر |
وأفْلِتَ من ضِيق الـتُـراب وغَـمـه |
|
ولم تَفْقَدِ الدنيا فهل لك مـن شـكـر |
لأعرابي في مجوسي وأغرب ما قيل في مجوسيٍّ قول أعرابيّ:
شَهِدْتُ عليك بطِيبِ المُشَاش |
|
وأنَّك بحر جَوادٌ خِـضَـم |
وأنَّك سيدُ أهل الـجَـحـيم |
|
إذا ما تَرَدَّيْتَ فيمن ظَلَـمْ |
لإبراهيم بن إسماعيل في دعي ومن أغرب ما قيل في دَعِي قولُ إبراهيم بن إسماعيل البنوي:
لو أنّ مَوْتَى تميم كلّها نْشِـرُوا |
|
وأثبتوك لقيل الأمرُ مصنـوعُ |
مثل الجديدِ إذا ما زِيدَ في خَلَقٍ |
|
تَبَين الناسُ أن الثوبَ مرقوعُ |
ونحوه قولُ الآخر:
أجارتَنا بَانَ الخَلِيطُ فأَبشِري |
|
فما العَيْشُ إلا أن يَبِين خليطُ |
أعاتبُه في عِرْضِه ليصونَـه |
|
ولا عِلْمَ لي أن الأميرَ لقِيطُ |
لدعبل في مالك بن طوق ونحوه قولُ دِعْبِل في مالك بن طَوْق:
الناسُ كلًهُمُ يسعَى لـحَـاجـتـه |
|
ما بين ذِي فَرَح منهم ومَهْمـوم |
ومالك ظَل مشغولًا بنِـسْـبـتـه |
|
يَرُم منها خَرَاباً غيرَ مَـرْمـوم |
يبني بيوتاً خراباً لا أنـيسَ بـهـا |
|
ما بين طَوْقٍ إلى عَمْرو بن كُلْثوم |
التلطُّف في الكلام والجواب وحسن التعريض
بين
معاوية وعقيل بن أبي طالب حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: ترك عَقِيل عليَاً
وذهب إلى مُعاوية، فقال معاوية: يا أهل الشأم، ما ظنكم برجلٍ لم يصلُحْ لأخيه.
فقال عَقِيل: يا أهل الشأم، إن أخي خيرٌ لنفسه وشر لي، وإن مُعاوية شر لنفسه وخير
لي.
قال: وقال مُعاوية يوماً: يا أهل الشأم، إن عمّ هذا أبو لَهَب. فقال عَقيل: يا أهل
الشأم، إن عمة هذا حَمَالة الحَطَب. وكانت أمّ جميل امرأة أبي لهب وهي بنت حَرْب.
بين عبيد الله بن زياد وقيس بن عباد وحدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: حدّثنا أبو
هِلاَل عن قَتَادة قال: قال عُبَيد الله ابن زِيَر لقَيس بن عَبّاد: ما تقول فيّ
وفي الحسين. فقال: أعفِني أعفاك الله! فقال: لَتَقُولَن. قال: يجيء أبوه يوم
القيامة فيشفَعَ له، ويجيء أبوك فيشفَع لك. قال: قد علمتُ غِشّك وخُبْثك، لئن
فارقتني يوماً لأضَعَنّ بالأرض أكثَرك شَعْراً.
لميمون بن مهران قيل لمَيْمُون بن مِهْران: كيف رِضَاك عن عبد الأعلى? قال: نِعْمَ
المرء عمرُو بن ميمون.
بين عمر بن الخطاب وعبد اللّه بن الزبير مر عمر بن الخطّاب بالصبيان وفيهم عبد
الله بن الزبير، ففرّوا ووقف؛ فقال له عمر: ما لك لم تَفِر مع أصحابك? فقال: يا
أمير المؤمنين، لم أجْرِم فأخافَك، ولم يكن بالطريق ضِيق فأوسعَ لك.
جواب رجل لعبد الله بن طاهر حدّثني الفضلُ بن محمد بن منصور بن زياد كاتب البرامكة
قال: قال عبد الله بن طاهر ذاتَ يوم لرجل أمره بعمل: احذر أن تخطئ فأعاقَبك بكذا
"لأمر عظيم" قلت له: أيها الأمير؛ كانت هذه عقوبتَه على الخطأ فما
ثوابُه على الإصابة!.
بين قرشي وتغلبي
رأى رجل من قريش رجلاً له هيئةٌ رَثَّة، فسأل عنه، فقالوا: مِنْ تَغْلِب. فوقف له
وهو يطوف بالبيت، فقال له: أرى رِجْلين قَلّما وطئتا البطحاء، فقال له: البطحاوات
ثلاث: بطحاء الجزيرة، وهي لي عونك؛ وبطحاء ذي قار ، وأنا أحقُّ بها منك؛ وهذه
البطحاء وسواء العاكفُ فيه والبادي.
بين معاوية وعبد الرحمن بن حسان حدثني سَهْل عن الأصمعيّ عن أبي عَمْرو بن العلاء
أو غيره: أنّ معاوية عَرَض فرساً على عبد الرحمن بن حَسّان فقال: كيف تراه? قال:
أراه أجَشَّ هَزيماً.
يريد قول النجاشِيّ:
ونَجَّى ابن حَرْبٍ سابحٌ ذُو علَالةٍ |
|
أجشُ هَزِيمٌ والرماحُ دَوَانِـي |
بين أبي بكر وطلحة بن عبيد الله حدّثني
محمد بن عبد العزيز قال: حدثنا أبو سَلَمة عن حمَاد بن سلمة قال: أخبرنا داود بن
أبي هند عن محمد بن عَبَّاد المخزومي أن قريشاً قالت: قيِّضُوا لأبي بكر رجلاًَ
يأخذه. فقيضوا له طَلْحَة بن عُبيد الله، فأتاه وهو في القوم فقال: يا أبا بكر قم
إليّ. قال: إلامَ تدعوني? قال: أدعوك إلى عبادة اللات والعُزَّى. قال أبو بكر:
مَنِ الَّلات. قال: بناتُ اللّه. قال: فمن أمّهم. فسكت طلحة وقال لأصحابه: أجيبوا
صاحبَكم. فسكتوا؛ فقال طلحة: قم يا أبا بكر، فإني أشْهد أن لا إلهَ إلا الله وأشهد
أنّ محمداً رسولُ الله. فأخذ أبو بكر بيده فأتى به النبيَّ صلى الله عليه وسلم
فأسلم.
بين عمر ورجل عن قندابيل حدثني محمد بن عُبَيد عن مُعاوية عن أبي إسحاق عن عًبيد
اللّه بن عمر أنّ عمر قال: كل يُخبرنا عن قَنْدَابِيل? فقال رجل: يا أمير
المؤمنين، ماؤها وَشَل، وتمرُها دَقَل، ولصها بَطَل؛ إن كان بها الكثيرُ جاعوا،
وإن كان بها القليلُ ضاعوا. قال عمر: لا يسألني الله عن أحدٍ بعثته إليها أبداً.
بين مسروق وشريح في مرض زياد حدّثني أبو حاتم قال حدثنا الأصمعيّ قال: مَرِض
زِيادٌ فدخل عليه شُرَيْح، فلما خرج بعث إليه مسروقُ بن الأجدع يسأله كيف تركتَ
الأمير? قال: تركته يأمر ويَنْهَى. فقال مسروق، : إن شُرَيحاً صاحبُ تعريض
فسَلُوه. فسألوه، قال: تركته يأمر بالوصيّة وينَهم عن البكاء.
ولابن شريح أيضاً في موت ابنه ومات ابن لشُرَيح ولم يشعرُ به أحدٌ، فغدا عليه قوم
يسألون به، وقالوا: كيف أصبح من تَصِل يا أبا أميّة. فقال: الآن سكن عَلَزُه ورجاه
أهلُه.
حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: حدّثني بعض الأعراب قال: هَوِيَ رجلٌ امرأة ثم
تزوّجها، فأهدَى إليها ثلاثين شاةً وزِقّا من خَمْر، فشرِب الرسولُ في الطريق بعضَ
الخمر وذبح شاةً؛ فقالت للرسول لمّا أراد الانصراف: اقرأ على مولاك السلام، وقل له
إنّ شهرنا نَقَص يوماً وإن سُحَيْما راعي شائِناً أتانا مرثوماً. فلما أتى مولاه
فأخبره ضربه حتى أقرِّ.
لأعرابي خطب إلى قوم ثم كره ذلك حدّثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: خَطَب أعرابي إلى
قوم، فقالوا: ما تبذل مر الصَّدَاق. وارتفع السجْف فرأى شيئاً كَرِهَه، فقال:
واللّه ما عندي نَقْد، وأني لأكره أن يكون علي دَيْن.
بين سلم بن قتيبة والشعبي حدّثني عبد الرحمن عن الأصمعي قال: قال سَلْم بن قُتَيبة
للشَّعْبيّ: ما تشتهي? قال: أعز مفقود، وأهون موجودة قال: يا غلام اسقه ماء.
بين ابن عون وابن عمه المدائني قال: كان لابن عَوْنٍ ابن عمٍّ يُؤذيه، ولَاحَاه
يوماً فقال له ابن عون، لمّا بلغ منه: لتسكتُنّ أو لأشتمِنّ مُسَيْلِمَة. فشهد بعد
ذلك عند عُبيد اللهّ بن الحسن، فردّ شهادتَه.
بين المُغيرة بن شعبة ورجل شاوره في امرأة يتزوجها المدائني قال: قال المغيرة بن
شعْبة: ما خَدَعني أحدٌ قط غير غلام من بني الحارث بن كعب، فإني ذكرت امرأة منهم،
فقال: أيها الأمير! لا خير لك فيها، إني رأيت رجلاًَ قد خلا بها يقبلها. ثم بلغني
بعدُ أنه تزوّجها، فأرسلت إليه فقلت: ألم تعلمني أنك رأيت رجلاًَ يقبلها. فقال:
بلى! رأيت أباها يقبّلها.
من خطب لبائع سنانير على أنه نخاس دواب قال المدائني: أتى شريحاً القاضيَ قومٌ
برجل، فقالوا: إن هذا خَطَب إلينا: فسألناه عن حرفته فقال: أبيع الدوابَّ؛ فلما
زوّجناه، فإذا هو يبيع السنانير؛ قال: أفلا قلتم أيَّ الدوابّ تبيع? وأجاز ذلك.
ابن شبرمة وسؤال عيسى بن موسى له عن رجل لا يعرفه
المدائني قال: دخل رجل على عيسى بن موسى وعنده ابن شُبْرُمَة، فقال له: أتعرفه?
وكان رُمِي عنده برِيبة؛ قال: نعم، إنّ له بيتاً وشَرَفاً وقَدَماً، فخلى سبيله
فلما خرج قال له أصحابه: أعَرَفته? قال: لا، ولكني أعلم أن له بيتَاَ يأوي إليه،
وشرفه أذناه ومَنْكِباه، وقَدمه هي قدمه التي يمشي عليها.
للشعبي وقد سُئِل عن رجل المدائني قال: سُئل الشعبيّ عن رجل، فقال: إنه لنافذ
الطعْنة، رَكِين القعدة. يعني أنه خَياط، فأتوه فقالوا: غَرَرتنا. فقال: ما فعلت!
وإنه لَكَما وصفت.
بين العريان بن الهيثم وابن باقلاني المدائني قال: أتيَ العُرْيانُ بن الهيثم
بشابٍّ سَكران، فقال له: من أنت? فقال:
أنا ابن الذي لا ينزلً الدهرَ قِدْرُهُ |
|
وإن نزلتْ يوماً فسوف تعـودُ |
ترى الناسَ أفواجاً إلى شَوْء نارِه |
|
فمنهم قِيامٌ حولَـهـا وقُـعـودُ |
فظنّ أنه من بعض أشراف الكوفة فخلاه، ثم
ندِم على ألاّ يكون سأله مَنْ هو، فقال لبعض الشُرَط: سَلْ عن هذا. فسأل، فقالوا:
هو ابن بَيّاع البَاقِلي.
بين زياد وحارثة بن بدر الغداني دخل حارثةُ بن بحر الغُدَاني على زِياد، وكان
حارثة صاحب شرابٍ وبوجهه أثر، فقال له زياد: ما هذا الأثر بوجهك? فقال حارثة: أصلح
الله الأمير، ركِبت فرساً لي أشقر فَحَملني حتى صَدم بي الحائط؛ فقال زياد: أما
إنك لو ركبت الأشهب لم يُصبك مكروه: عَنَي زياد اللبنَ، وعني حارثةُ النبيذَ.
لقوم يشربون النبيذ فسقط الذباب في قدح أحدهم قعد قوم على نبيذ فسَقَط ذُباب في
قَدَع أحدهم، فقال رجل منهم: غطً التميميّ. فقال آخر: غطَهَ فإن كان تميمياً
رسَبَ، وإن كان أزْديَا طَفَا. قال رب المنزل: ما يسرني أنه كان قال بعضكم حرفاً.
وإنما عنى أن أزْدَ عُمَان ملاحون.
بين رجل وامرأة كانت تأتيه المدائني قال: رأى رجلِ في يد امرأة كانت تأتيه خاتَمَ
ذهب، فقال لها: ادفعي إليّ خاتمك أذكرك به. فقالت: إنه ذهَب، وأخاف أن تذهب، ولكن
خذ هذا العود لعلك تعود.
لأبي بكر في النبي صلى الله عليه وسلم حدثني الزياديّ قال: حدثنا عبد الوارث بن
سعيد عن عبد العزيز بن صُهَيْب عن أنَس قال: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم إلى
المدينة مُردفاً أبا بكر شيخاً يُعْرَف، ورسول الله شابُّ لا يُعرف، فَيْلقَى
الرجلُ أبا بكر فيقول: يا أبا بكر، مَنْ هذا الرجل الذي بين يديك? فيقول: هذا
الرجل يهديني السبيل. فيحسب السامع أنه يهديه الطريق، وإنما يعني سبيلَ الخير.
بين عمر بن هبيرة وهو يساير سنان بن مكمل على بغلة كان سِنَان بن مُكًمل النمير في
يُساير ابن هُبَيْرةً يوماً وهو على بغلة، فقال له عمر بن هبيرة: غُض من بغلتك؛
قال: كلا! إنها مكتوبة. أراد ابن هبيرة قول الشاعر:
فغضُ الطَرفَ إنًك من نُمَيْرٍ |
|
فلا كَعْباً لغتَ ولا كـلَابَـا |
وأراد سنان قولَ الآخَر:
لا تأمَنَن فَزَارياً خَلَوْتَ بـه |
|
على قَلُوصك واكتبْها بأسيارِ |
بين معاوية والأحنف في الشيء الملفف في البجاد حدثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: قال معاوية للأحنف: يا أحنف، ما الشيء الملفف في البِجَاد? فقال: هو السخِينة يا أمير المؤمنين. أراد معاوية قول الشاعر:
إذا ما مات مَيتٌ من تـمـيم |
|
فسرَّك أن يعيش فجيء بزَادِ |
بخُبْزٍ أو بتمر أو بـسـمـنٍ |
|
أو الشي الملًففِ في البِجَادِ |
وأراد الأحنف أن قريشاً تُعًير بأكل
السخينة.
المدائني قال: سأل الحَرَسِي أبا يوسف القاضي عن السواد؛ فقال: النور في السواد.
يعين نور العينين في سواد الناظر.
بين شيطان الطاق وخارجي المدائني قال: لقي شيطانَ الطاق خارجي فقال: ما أفارقك أو
تبرأ من عليّ فقال: أنا من علي ومن عثمان بريء. يريد أنه من علي، وبريء من عثمان.
بين عمر ورجل عرضت به امرأته سمع عمر بن الخَطاب امرأةً في الطوَاف تقول:
فمنهنّ من تُسْقَى عذْب مُبَرَّدٍ |
|
نُقَاخ فتلكم عند ذلك قَـرتِ |
ومنهن من تُسْقَى أخضَرً آجنٍ |
|
أجَاج ولولا خَشْيةُ الله فَرتِ |
فعلم ما تشكو، فبعث إلى زوجها فوجده متغير
الفم، فخيره بين خمسمائة درهم أو جمارية من الفَيْء على أن يطلًقها، فاختار
خمسمائة، فأعطاه وطلقها.
بين أحمد بن محمد وامرأة في محمد بن زانة حدّثني أحمد بن محمد أبو نصر الكاتب قال:
كنت واقفاً بهذا المكان، وأقبلت امرأة من هذه الناحية، وغلامٌ من الناحية الأخرى
أبيضُ الوجه رائعه، ونظرت إليه المرأة، فلما التقيا قالت له: ما اسمك يا فتى. قال:
محمد. قالت: ابن من. قال: ابن زانة. وتبسم عن ثغر أفلج مختلف قبيح؛ فقالت:
واحَرَبَاهُ على ما قال! فقلت لها: قد وقعتُ لك عليها. قالت: من أين قلت: من كنية
أبي الخير النصراني كاتب سعيد الحاجب. أراد أن الياء إذا نُقلت عن أبي الخير إلى
زانة، صار هذا أبا الخر، وصار هذا ابن زانية.
لابن أبي علقمة في بني ناجية مر ابن أبي عَلْقَمة بمجلس بني ناجية فكَبَا حمارُه
لوجهه فضحكوا؛ فقال: ما يضحككم! إنه رَأى وجوه قُرَيش فسَجَد.
للجاحظ في أبى الهذيل يخاطب محمد بن الجهم قال عمرو بن بحر قال أبو الهذيل لمحمد
بن الجَهْم وأنا عنده: يا أبا جعفر، إني رجلٌ منخرِق الكفّ لا ألِيق درهماً، ويدي
هذه صَنَاعٌ في الكَسْب ولكنها في الإنفاق خَرْقاء، كم من مائة ألف درهمٍ قَسَمتها
على الإخوان في مجلس وأبو عثمان يعلم ذلك! أسألُك باللّه يا أبا عثمان، هل تعلم
ذلك. قال: يا أبا الهذيل ما أشك فيما تقول. قال: فلم يرضَ أن حَضَرتُ حتى
استشهدني، ولم يرض إذ استشهدني حتى استحلفني.
لعلي بن أبي طالب قال المدائنيّ: بعث يزيد بن قَيْس الأرحَبيّ، وكان والياً لعليّ،
إلى الحسن والحسين رضي اللّه عنهم بهدايا بعد انصرافه من الولاية وتَرَكَ ابن
الحَنَفِيّة، فضرب علي - عليه السلام - على جنب ابن الحنفيّة وقال:
وما شَرُّ الثلاثةِ أمَّ عمرو |
|
بصاحِبِك الًذي لا تَصْبِحينا |
فرجع يزيد إلى منزله وبعث إلى ابن الحنفية
بهديّة سنية.
بين أعرابي ورجل في صورة خمسة حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدّثني موسى بن محمد
قاضي المدينة، قال: مرّ رجل بأعرابي يوقد في أصل مِيلٍ، فقال: كم على الميل. فقال:
لستُ أقرأ، ولكنّ كتابه فيه. قال: وما كتابه. قال: مِحْجَنٌ وحَلْقَةِ سِمْط
وثلاثة أطْباء وحَلْقَة مُذَنَبة "يعني صورة خمسة".
بين سعد بن مالك وعمرو بن مالك بن ضبيعة قال أبو اليقظان: إن عمرو بن مالك بن
ضُبَيْعة هو الذي قيل فيه:
لذي الحِلْم قبل اليوم ما تُقْرَعُ العصا |
|
وما علَمَ الإنسانُ إلّا لـيَعْـلَـمـا |
وذلك أن سعد بن مالك كان عند بعض الملوك،
فأراد الملك أن يبعث رائداً يرتاد له منزلاً ينزِله، فبعث بعمرو فأبطأ عليه، فآلى
الملك لئن جاء ذامًّا أو حامداً ليقتلنّه؛ فلما جاء عمرو وسَعْد عنده، قال سعد
للملك: أتأذَنُ لي فأكلِّمه? قال: إذاً أقطع لسانك. قال: فأشير إليه قال: إذاً
أقطع يدك. قال: فأومئ إليه. قال: أقطع حِنْوَ عينك. قال: فأقرَعُ له العصا. قال:
اقرَعْ. فأخذ العصا فضرب بها عن يمينه ثم ضرب بها عن شماله ثم هَزَّها بين يديه،
فلقن عمرو، فقال: أبيْتَ اللَعْنَ! أتيتُك من أرض زائرها واقف، وساكنُها خائف،
والشَبْعىَ بها نائمة والمهزولةُ ساهرة جائعة، ولم أر خِصْباً محلاً، ولا جدباً
منزلاً.
بين معاوية وعمرو بن العاص لما حُكَم أبو موسى وقَدِمَ ليحكم، دسّ معاويةُ إلى
عَمْرو رجلاً ليعلم علمَه وينظر كيف رأيه؛ فأتاه الرجل فكلّمه بما أمره به، فعَضّ
عمرو على إبهامه ولم يُجبه، فنَهَض الرجل فأتى مُعاويةَ فأخبره؛ فقال: قاتله اللّه
أراد أن يُعلمني أني فَرَرْتُ قارحاً.
بين الحجاج وجبر بن حبيب في رجل سأله عنه الحجاج حدّثني أبو حاتم قال: حدثني
الأصمعي قال: حدّثنا عيسى بن عمر قال: سأل الحجاج جبر بن حبيب عن رجل، وكره أن
يعاقبه إن دلّ عليه، فقال: تركته والله جسداً يُحَرك رأسُه يُصَب في حلقه الماء،
والله لئن حُمِلَ على سرير ليكونَنّ عليه عورةً؛ قال: فتركه.
لعلي بن أبي طالب في قتل عثمان رضي الله عنه وتفسير محمد بن سيرين لقول علي
حدّثني القاسم بن الحسن عن خالد بن خِدَاش عن حَمّاد عن مُجالد عن عُمَيْر بن روذي
قال: خَطَبَنا علي عليه السلام فقال: لئن لم يدخل الجنة إلا من قتل عثمان لا
أدخلها ولئن يدخل النار إلا من قتل عثمان لا أدخلها؛ فقيل له: ما صنعتَ! فَرقتَ
الناس! فَخَطَبهم فقال: إنكم قد أكثرِتم في قتل عثمان، ألَا وإن الله قَتَله وأنا
معه. قال: فحدثنا خالد عن حَمّاد عن حَبِيب بن الشَهِيد عن محمد بن سِيرِينَ قال:
كلمة عربيّه لها وجهان. أي وسيقتلني معه.
بين زياد وشريف من أشراف البصرة كنى عن مسكنه وولده سأل زيادٌ رجلاً بالبصرة: أين
منزلك. فقال: وَاسِط. قال: ما لك من الولد? قال: تسعة. فلما قام، قيل لزياد:
كَذَبك في كل ما سألته، ما له إلا ابن واحد، وإن منزلَه بالبصرة. فلما عاد إليه،
قال: ذكرتَ أن لك تسعة من الولد، وأن منزلك بواسط? قال: نعم? قال: خُبٌرتُ بغير
ذلك؛ قال: صَدَقتُ وصَدَقوك، دفنت تسعة بنين فهم لي، ولي اليوم ابن واحد ولست أدري
أيكون لي أم لا، وأما منزلي إلى جانب الجبان بين أهل الدنيا وأهل الآخرة، فأي منزل
أوسط منه؛ قال: صدقت.
للمختار الثقفي حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن عيسى بن عمر قال: قال المختار لجنده:
يا شُرْطة الله، ليَخرجَن إلى قريبِ على الكعبة الحرام دابَّةٌ له ستُّ قوائم وله
رأسٌ بلا عُنُق، ثم التفت إلى رجل إلى جانب فقاَل: أعني اليَعسوب.
قول إبراهيم إذا لم يعجبه الرجل كان إبراهيم إذا لم يُعجبه الرجل قال: ما هو بأعجب
الناس إلي.
قول مسلم بن يسار إذا غضب على البهيمة بلغني عن معاوية بن حَيان عن المبارك بن
فَضَالة عن عبد الله بن مسلم بن يَسَار، قال: كان أبي إذا غَضِب على البهيمة، قال:
أكلتِ سماً قاضياً.
قول الحسن إذا أخِذ من لحيته شيء حدثني زيد بن أخزم قال: حدثنا أبو قُتَيبة قال:
حدثنا أبو المِنهال البَكْرَاويّ قال: كان الحسن إذا أخِذَ من لِحْيته شيء، قال:
لا يكن بك السوءُ.
وللحسن أيضاً في الإجابة بآية من آيات القرآن الكريم وقيل للحسن: أتى رجلٌ صاحباً
له في منزله وكان يصلي، فقال: أدخل? فقال في صلاته: "ادْخُلُوهَا بِسَلاَم
آمِنِينَ" فقال: لا بأس.
لمحمد بن علي كان محمد بن عليٍّ إذا رأى مُبتلى أخفى الاستعاذة. وكان لا يسمع من
داره يا سائل بورك فيك، ولا يا سائل خذ هذا، ويقول: سَموهم بالحسن الجميل عباد
الله، فتقولون: يا عبد الله بورك فيك.
لعلي بن أبي طالب في أبعد ما بين المشرق والمغرب والسماء والأرض قيل لعليّ بن أبي
طالب عليه السلام: كم بين السماء والأرض. قال: دعوة مستجابة. قيل: فكم بين المشرق
والمغرب? قال: مسيرة يوم "يعني للشمس".
رشْم عمر بن مهران كانَ رشْمُ عمر بن مِهْران الذي يرشم به على طعامه: اللهم احفظه
ممن يَخْطَفه.
لرجل من بين أسد وابنته وجماعة من بني فزارة خرج رجل من بين أسَد بإبل له يسقيها،
ومعه ابنة له جميلة عاقلة، حتى دفع إلى ماء لبني فَزَارة، فسألهم أن يأذنوا له في
سقي إبله? فقالوا: على ألا تجأجئ بها، قال: فإذاً لا تشرب شُرْبَ خير. قالوا: إن
رَضِيتَ وإلا فانصرفْ. فقالت له الجارية: اشْرُطْ لهم ما طلبوا وأنا أكفيك. فأخذ
الدلوَ، وجعلت الجارية ترتجز وتقول:
جاريةٌ شَبتْ شبابَ العُسْلُج |
|
ذاتُ وِشاحينِ وذاتُ دملُج |
وذات ثَغْرٍ أشنب مُفلَّـج |
|
وذات خَلْقٍ مُستتب مُدمج |
في أبيات كثيرة، فشربت الإبل حتى رَوِيتْ من
غير أن جأجأ بها.
بين أعرابيين تبايعا كبشاً وتبايع أعرابيان على أن يشرب أحدهما لبناً حازراً ولا
يتنحنح، فلما شربه وتَقَطّع في حَلْقه؛ قال: كَبْش أملح؛ فقال صاحبه: فَعلَهَا ورب
الكعبة! فقال: مَن فعلها فلا أفلح. وكان ما تبايعا عليه كبشا.
جواب أعرابي للأصمعي في شاء قال الأصمعي: قلت لأعرابي معه شَاءٌ: لمن هذه الشّاء?
فقال: هي للّه عندي.
جواب سعيد بن جبير للحجاج حدثني أبو الخَطّاب قال: حدّثنا أبو داود عن عمَارة بن
زاذان قال: حدثنا أبو الصهباء قال: قال الحجّاج لسَعيدِ بن جُبَيْر: اخْتَرْ أيَ
قِتْلةٍ شئتَ. فقال له: بل اختر أنت لنفسك، فإن القصاص أمامك.
قول جعفر بن يحيى لهرثمة وقد ولي الحرس مكانه
وَليَ هَرْثمةُ الحرسَ مكان جعفر بن يحيى، فقال له جعفر: ما انتقلت عني نعمةٌ صارت
إليك.
بين ابن القرية رسول الحجاج إلى هند بنت أسماء في تطليقها، وجواب هند أمر الحجاجُ
ابن القِرية أن يأتي هندَ بنت أسماء فيطلقها بكلمتين، ويُمَتَعها بعشرة آلاف درهم؛
فأتاها فقال لها: إن الحجّاج يقول لك: كنتِ فبِنْتِ، وهذه عشرة آلاف مُتْعة لك؛
فقالت: قل له: كنا فما حَمدنا، وبِنّا فما ندمْنَا؛ وهذه العشرة الآلاف لك ببشارتك
إياي بطلاقي.
لابن سفيان بن عُيَيْنة سئل سُفيان بن عُيَيْنة عن قول طاوُس في ذَكَاة السمك أو
الجراد. فقال ابنه عنه: ذَكَاتُه جدُه.
ليزيد بن المقنع في بيعة يزيد بن معاوية اجتمع الناس عند معاوية وقام الخطباء
لبيعة يزيد وأظهر قوم الكراهة، فقام رجل من عُذرَة يقال له يزيد بن المقنّع، واخترط
من سيفه شبراً، ثم قال: أمير المؤمنين هذا، وأشار إلى معاوية، فإن يَهْلِكْ فهذا،
وأشار إلى يزيد، فمن أبى فهذا، وأشار إلى سيفه. فقال معاوية: أنت سيد الخطباء.
بين ابن شبرمة وحجازي قال رجل من أهل الحجاز لابن شُبْرُمَة: مِنْ عندنا خَرَجَ
العلمُ. قال ابن شبرمة: ثم يَعُدْ إليكم.
بين معاوية وابن عباس قال المدائنيّ: قال معاويةُ لابن عبّاس: أنتم يا بني هاشِم
تُصابون في أبصاركم. فقال ابن عباس: وأنتم يا بني أمية تصابون في بصائركم.
وقال له معاوية: ما لبينَ الشَبَق في رجالكم؛ فقال: هو في نسائكم أبْيَن.
بين ابن ظبيان التيمي وزُرعة بن ضمرة أبو اليقظان قال: قال ابن ظَبْيان التًيْمي
لزُرْعة بن ضَمْرَة: لقد طلبتك يوم الأهواز و ظَفِرتُ بك لقطعت منك طَابِقَاً
سُخْنا. قال: أفلا أدلُك على طابق هو أسخن وأحوج إلى القطع? قال: بلى! قال: بَظْرٌ
بين إسْكَتَيْ أمّك.
بين الحجاج والفضيل بن بزوان أبو اليقظان قال: بعث الحجاج إلي الفُضَيْل بن
بَزَوَان العدواني، وكان خيراً من أهل الكوفة، فقال: إني أريد أن أوليك. قال: أوَ
يُعفيني الأمير? فأبى وكتب عهده، فأخذه وخرج من عنده فرمى بالعهد وهَرَب، فأخِذَ
وأتِيَ به الحجاجُ، فقال: يا عدو الله؛ فقال: لستُ لله ولا للأمير بعدوّ؛ قال: ألم
أكرمك! قال: بل أردتَ أن تُهينني. قال: ألم أستعملك! قال: بل أردت أن تستعبدني.
قال: "إِنًمَا جَزَاءُ الًذِينَ يُحَارِبُونَ اللّه وَرَسُولَهُ" الآية؛
قال: ما استوجب واحدةً منهن؛ قال: كل ذلك قد استوجبت بخلافك. وأمر رجلاً من أهل
الشأم أن يضرب عُنقه ما كُتب في زوايا مجلس زياد بالكوفة سليمان بن أبي شيخ قال:
حدثني حجر بن عبد الجبار عن عبد الملك بن عُمَيْر قال: كان في مجلس زياد، الذي
يجلس فيه للناس بالكوفة، في أربع زوياه كتاب بقلم جليل: "الوالي شديد في غير
عنف، لين في غير ضعف؛ الأعْطِية لإبًانِها، والأرزاقُ لأوقاتها؛ البُعُوث لا
تجَمَر. المحسن يُجْزَى بإحسانه، والمسيء يُؤْخذ على يديه" كلما رفع رأسه إلى
زاوية قرأ ما فيها.
بين الحجاج وأبو الجهم بن كنانة قال سليمان: وحدثنا أبو سفيان الحميري قال: أبْلَى
أبو جَهْم بن كِنَانة يوم الراوية، فقال له الحجاج: من أنت? قال: أنا أبو جهم بن
كنانة. قال له الحجاج: قد زدناك في اسمك ألفاً لاماً فأنت أبو الجهم، وزدنا في
عطائك ألفاً.
بين معاوية وشدّاد بن أوس في المفاضلة بين علي ومعاوية العباس بن بَكار عن عُبَيد
الله بن عمر الغَسّاني عن الشعبيّ قال: قال مُعاوية لشَدّاد بن أوس: يا شدّاد، أنا
أفضل أم علي? وأينا أحبُّ إليك? فقال: علي أقدمُ هِجْرةً، وأكثرُ مع رسول الله إلى
الخير سابقةً، وأشجعُ منك قلباً، وأسلمُ منك نَفْساًة وأما الحبّ فقد مضى عليّ،
فأنت اليوم عند الناس أرجى منه.
قول الأحنف لمعاوية في يزيد قال الأحنفُ لمعاوية في كلام: أنت أعلمُنا بيزيد في
ليله ونهاره، وسرّه وَعلانيَته، فلا تلقمه الدنيا وأنت تذهب إلى الآخرة.
بين جامع المحاربيّ والحجاج
خطب الحجّاجُ فشكا سوءَ طاعة أهل العراق؛ فقال جامع المحاربيّ: أمَا إنهم لو
أحبُوك أطاعوك، على أنهم ما شنئوك لنسبك ولا لبلدك ولا لذات نفسك، فدع ما يباعدهم
منك إلى ما يقرِّبهم إليك، والتمس العافيةَ فيمن عونك تُعْطَها ممن فوقك، وليكن
إيقاعُك بعد وعيدك، ووعيدك بعد وعدِك. فقال الحجاج: واللّه ما أراني أردّ بني
اللًكِيعة إلى طاعتي إلا بالسيف. فقال: أيها الأمير، إن السيف إذا لاقى السيف ذهب
الخِيار. قال الحجاج: الخِيَار يومئذ لله، قال: أجل! ولكنك لا تدري لمن يجعله
الله. فقال: يا هَنَاهُ، إنك من مُحارب! فقال جامع:
وللحرب سميناً وكنـا مُـحـاربـاً |
|
إذا ما القَنَا أمسى من الطعن أحمرا |
فقال الحجاج: والله لقد هَمَمتُ أن أخلع
لسانك فأضربَ به وجهك. فقال له: يا حجاج إن صَدَقْناك أغضبناك، وإن كَذَبناك
أغضبنا الله، فَغَضبُ الأمير أهونُ علينا من غضب الله.
بين شيخ من قضاعة وعجوز ترشده الطريق قال الأصمعي أخبرنا شيخٍ من قضَاعة، قال:
ضَلَلْنا مرةً الطريقَ فاسترشدنا عجوز فقالت: استبطِن الواديَ وكن سيلا حتى
تبلُغَ.
كتاب معاوية إلى قيس بن سعد وجواب قيس ابن الكلبي قال: كتب معاوية إلى قيس بن سعد:
أما بعد، فإنما أنت يهودي، إن ظَفِرَ أحبُّ الفريقين إليك عَزَلك واستبدل بك، وإن
ظفر أبغضُهما إليك قتلك وزرَ بك، وقد كان أبوك وَتَرَ قوسَه ورمى غَرَضَه، فأكثر
الحَز وأخطأ المَفْصِل، فخذلك قومُه، وأعردَ يومُه، ثم مات طريداً بحَوْران؛
والسلام. فكتب إليه قيس بن سعد: أما بعد، فإنما أنت وثن ابن وثن، دخلت في الإسلام
كرهاً وخِرِجت منه طوعاً، لم يقمُ إيمانك ولم يحدُث نِفاقك، وقد كان أبي وَتَر
قوسه ورمى غرضه، وشَغب عليه من لم يبلُغ كعبه ولم يشُق غُباره، ونحن أنصار الدين
الذي خرجت منه، وأعداءُ الدين الني خرجت إليه? والسلام.
بين الأعمش وخالد بن صفوان قال يحيى بن سَعِيد الأموي: سمعت الأعمش يقول لخالد بن
صَفْوان: شَعَرت أن منزلك لا يُعرف إلا بي حتى يقال عند منزل الأعمش؛ فقال خالد:
صدقتَ، مثل حمام عنترة، ويقال وردان وبيطار "حيان".
بين الربيع وشريك بين يدي المهديّ قال الربيع لِشَريك بين يدي المهديّ: بلغني أنك
خُنت أمير المؤمنين. فقال شَرِيك: لو فعلنا ذلك لأتاك نصيبُك.
بين عربي ورجل من الموالي قال رجل من العرب: أرِيتُ البارحةَ في منامي كأني دخلت
الجنةَ فرأيت جميع ما فيها من القصور، فقلت: لمن هذه? فقيل: للعرب. فقال رجل عنده
من الموالي: أصعِدتَ الغرف? قال: لا. قال: فتلك لنا.
بين قتيبة بن مسلم وعبيد اللّه بن زياد بن ظبيان وكتب قُتَيبة بن مسلم إلى عُبيد
الله بن زياد بن ظَبْيان: أما بعد، فإن عشمشم أعشى الشجر. فكتب إليه ابن ظَبْيَان:
من ذلك الشجر كان بَرْبَطُ أبيك. يعني مسلم بن عمرو، وكان مغنيِّاً ليزيد بن
معاوية.
بين بحر بن الأحنف وجارية أبيه قال بَحْر بن الأحنف لجارية أبيه زَبْرَاء: يا
فاعلة. فقالت: لو كنتُ كما تقول أتيتُ أباك بمثلك.
مثله بين رجل وابنه وقال رجلاً لابنه: يابن الفاعلة. فقال: واللهّ لئن كنتَ صدقتَ
ما فعلَتْ حتى وجدَتْك فحلَ سوء.
بين ابنة الخس ورجل أراد امتحان عقلها أتت ابنةُ الخُسّ عُكَاظ، فأتاها رجل
يَمتِحن عقلَها ويمتحِن جوابَها، فقال لها: إني أريد أن أسألكِ. قالت: هاتِ. قال:
كاد، فقالت: المنتَعِل يكون راكباً. قال: كاد؛ قالت: الفقر يكون كُفْراً. قال:
كاد؛ قالت: العَرُوس تكون مَلِكاً. قال: كاد؛ قالت: النَعَامة تكون طائراً. قال:
كاد؛ قالت: السرار يكون سَحَراً. ثم قالت للرجل: أسألك. قال: هاتي. قالت: عجبت؛
قال: للسباخ لا ينبت كلؤُها ولا يجف ثراها. قالت: عجبت؛ قال: للحجارة لا يكبَرُ
صغيرُها ولا يَهْرَم كبيرُها. قالت: عجبت؛ قال: لشُفْرِك لا يُحْرَك قعرُه ولا
يُملأ حفرُه.
المدائي قال: كان عُرَام بن شُتَيْر عند عمر بن هُبَيْرة، فألقى إليه ابن هبيرة
خَاتَمه وفصه أخضر، فعقد عرام في الخاتم سَيْراً. أراد عمر قول الشاعر:
لقد زَرِقَتْ عيناك يابن مُكَعْبَـرٍ |
|
كَما كُل ضَبي من القوم أزرقُ |
وأراد عُرَام:
لا تأمنن فَزَارِياً خلوتَ بـه |
|
على قَلُوصك واكْتُبها بأسيارِ |
قال جرير للأخطل: أزقتُ نومَك، واستهضمت قومَك؛ قال الأخطل: قد أزقت نومي، ولو
نِمتُ كان خيراً لك.
لعمرو بن العاص يخطب بصفين أراد معاويةُ أن يخطُب بصِفَينَ فقال له عمرو بن العاص:
دعني أتكلم، فإن أتيتُ على ما تريد وإلا كنتَ من وراء ذلك. فأذِنَ له؛ فتكلم
بكلمات، قال: قلموا المُسْتَلْئِمَة وأخرو الحُسر، كونوا مِقص الشارب، أعيرونا أيدِيَكم
ساعةً، قد بلغ الحق مَفْصِلَه، إنما هو ظالم أو مظلوم.
بين عبد الملك بن مروان وأعرابي يصف الخمر حدثني ابن أبي سعد عن محمد بن الحسن
التميمي عن عبد الله بن أحمد بن الوَضَّاح، قال: دخل أعرابي على عبد الملك بن
مروان? فقال له: يا أعرابي صف الخمر فقال :
شمول إذا شُجت وفي الكأس مُزة |
|
لها في عِظَام الشاربـين دَبـيبُ |
تُريك القَذَى من دونها وهي دونه |
|
لوجه أخيها في الإناء قُطُـوبُ |
فقال: ويحك يا أعرابي! لقد اتهمك عندي حسنُ صفتك لها. قال: يا أمير المؤمنين واتهمك عندي معرفتُك بحسن صفتي لها.
مقطّعات ألفاظ تقع في الكِتاب والكلام
لو
أخطأتُ سبيلَ إرشادك، لما أخطأتُ سبيلَ حسن النية فيما بين وبينك.
لو خطر ذلك ببالي من فعلك، ما عرّضتُ سترَ الإخاء للهَتْك بيني وبينك.
قد أحسنت في كذا قديماً. وفعلُك كذا إحدى الحُسْنَيَيْن بل ألطفهما موقعاً.
أنت رجكٌ لسانُك فوق عقلك وذكاؤك فوق حزمك. فقَدِّم على نفسك مَنْ قدمك على اللّه
يعلم أنك ما خطرتَ ببالي في وقتٍ من الأوقات إلا مَثَّلَ الذكرُ منك لي محاسنَ
تزيدني صبابةً إليك وضَنًّا بك واغتباطا بإخائك.
لعل الأيام أن تُسهِّل لأخيك السبيل إلى ما تقتضيه نفسُك من بِرك ومعَاوضتك ببعض
ما سَلَف لك.
ما هذا الغباء العجيب الذي إلى جانبه فِطنةٌ لطيفة.
حكمُ الفَلَتات خِلافُ حكم الإصرار.
من أخطأ في ظاهر دنياه وفيما يُؤخذ بالعين، كان حَرِياً أن يخطئ في باطن دينه
وفيما يؤخذ بالعقل.
ومن أوّل ما أحب أن أوثَرِك به وأقضِيَ فيه واجبَ حقك، تنبيهُكَ على عظيم ما لله
عندك، وحَثُّك على الازدياد مما يَزيدك.
من كان بمثل موضعك فجُمِعَ له حمدُ إخوانه ورضا مُعامِليه والاستقصاءُ مع ذلك لمن
استكفاه، فقد عَظُمت النعمةُ عليه، ولا أعلم بما أسمع فيك إلا أنك كذلك والحمد
للّه.
ما أغنى الفقيرَ عن الحمد، وأحوجَه إلى ما يجد به طعمَ الحمد! قد حَسدك من لا ينام
دون الشَفاء، وطلبك من لا يُقصِّر دون الظفر، فاشدُد حَيَازِيمَك وكن على حَذر.
أنت تَتَجَنى على مالك لتُتلفه بأسباب العِلَل، كما يدفع عنِ ماله البخيلُ بوجوه
الاعتلال.
أنت طالبُ مَغْنَم، وأنا دافعِ مَغْرَم، فإن كنتَ شاكراً لما مَضى، فاعذرْ فيما
بَقي.
مكرُك حاضر، ووفاؤك متأخر.
أنا راضٍ بعفوك، باذل لمجهودي.
نوائب الأيام رمَتْ به ناحيتك؛ وإذا رأيتَه أنبأك ظاهرُه عن باطنه ودعاك إلى
محبّته قبوله، وهو في الأدب بحيث المستغنى عن النسب.
قد آن أن تَدَع ما تسمع لما تعلم وإلَّا يكون غيرُك فيما يُبلغك أوثَقَ من نفسك
فيما تعرِفه.
هذا فلان قد أتاك على رِقَةٍ من حاله وبُعْدٍ من شُقَّته، فَنَشدْتُك الله أن تقدم
شيئاً على تصديق ظنّه وسد خَلّته وبَلِّ ما يَبست هذه النكبةُ من أديمه، فإنه
غَذِي نعمةٍ وخدينُ مُروعة.
أنا أسأل اللهّ أن يُنجز لي ما لم تزل الفِرَاسة تَعِدُنِيه فيك.
الحِّريةُ نسبٌ.
فهمت ما اعتذرتَ به في تأخرك، وغضضتَ به منى طَرْفاً طامحاً إليك ونفساً تَوّاقةً
إلى قُرْبك.
وَصَلَ كتابك فكان موقعه مَوْقِعَ الروح من البَدَن. فإن أمير المؤمنين يحب ألا
يَدَع سبيلاً من سُبُل البر وإن عَفَا ودَثَر إلا أناره وأوضح مَحَجًته، ولا
خَلَّة من خلال الخير لا أولَ لها: اهتبل الفرصة في إنشائها، واختيار مَكرمة
ابتدائها، لتجِبَ له مساهمةُ الفارِط في أجره ويكونَ أسوةَ الغابر في ثوابه.
لولا وجوبُ تقديم العذر لصاحب السلطان، في الذهول عن مواصلة من يجب عليه مواصلته،
بما يستولي عليه من الشغل بعمله، إذاً لكَثُرَ العَتْبُ.
إنك لكل حسن أبليته، ومعروف أسديتَه، وجميل أتيتَه، وبَلَاءٍ كان لك ربيتَه، أهلٌ
في الدين والحَسَب القديم.
لك - أعزّك اللهّ - عندي أيادٍ تشفَعُ لي إلى محبّتك، ومعروف يُوجب عليك الرب
والإتمام.
بلغتني عِلّتك فنالني من ألمها، وغالني مما مسّك فيها حسبُ حقّك وما يخُصّني من كل
حالٍ تصرّفت بك.
أعتذر إليك من تأخر كتبي عنك بترامي النُّقلة وتقاذُف الغُرْبة وعدِم الطمأنينة،
فإني منذ شارقتُك كما قال القائل:
وكنتً قذَاة الأرض والأرض عينُها |
|
تُلَجْلج شخصي جانباً بعد جـانـبِ |
إني - أعزَك الله - على تشوّقك متزيد، فما
أحاشِي بك أحداً، ولا أقف لك على حسنةٍ بوماً إلا أنسَتْنِيها لك فَضْلةُ غده.
الحمد للّه الني جعل الأمير معقودَ النيّةِ بطاعته، مطويَ القلب على مُناصحته،
مشحوذَ السيفِ علىِ عدوّه؛ ثم وَهَب له الظفرَ، ودوّخ له البلاد، وشرّد به العدو،
وخصّه بشَرَف الفتوح العِظام شرقاَ وغرباً، وبرّاً وبحراً.
إلى الله أشكو شدّة الوحشة لغَيْبتك، وفَرْطَ الجَزَع من فِراقك، وظلمةَ الأيام
بعدك؛ وأقول كما قال حبيب بن أوْس:
بَينَ البَيْنُ فقدَها قلّمـا تـع |
|
رفُ فقداً للشمس حتَى تَغِيَبا |
ورد كتابُك، فيا لَهُ وارداً بالرِّيَ على
ذي ظَمَأ! ما أنقعه للغليل، وأعدَلَ شهادتَه لك بكرم العقد، وصدق الود وحُسن
المغيب، ورعاية حق التحَرُّم، وبُعدِ الشيمة من شِيَم أهل الزمان إلا من عَصم
اللّه، وقليلٌ ما هم، ولله أبواك لقد أوجداك.
قد أجل الله خَطَرَك عن الاعتذار، وأغناك في القول عن الاعتلال، وأوجب علينا أن
نقنَعَ بما فعلتَ، ونرضى بما أتيت وَصَلْتَ أو قَطَعت، إذ وَثقنا بحُسن نيّتك
ونَقَاء طونتك، وألزِمنا أن نأخذ أنفسَنا لك بما لا نُحمِّلك مثله، ولا نلتمس منك
مقابلة به.
ما أخْر كتبي عنك إلا ما أنا عليه من إيثار التخفيف بقطع الكتب، إلا عند حقٍّ يقع
فأقضيه، أو نعمةٍ تُحدث فأهنيه بها، والقصدِ للزيادة في البِرّ بالزيادة في الغيب،
واستدعاءِ دوام الوِداد بانتهاز فُرَص الوصل.
كتاب المؤلف إلى محمد بن عبد اللّه بن طاهر وكتبتُ إلى محمد بن عبد الله بن طاهر:
أمّا شكري للأمير على سالف معروفه فقد غَارَ وأنجد. وأمّا ابتهالي إلى الله في
جزائه عني بالحُسْنَى فإخلاص النيّة عند مَظَانّ القَبول. وأمّا أملي فأحياه على
بُعد العهد بلاؤه عندي، كان ما تقدّم منه شافعاً في المزيد، وفسحةُ وعدِه إياي عند
مفارقتي له، إذ كان مؤذناً بالإنجاز. وأمّا زَلَلي في التأخُّر عما أوجب الله عليّ
له، فمقرونٌ بالعقوبة فيما حُرِمته من عز رِياسته، ونَباهة صُحبته، وعلو الدرجة
به، وإن كنتُ سائرَ أيام انقطاعي عنه مُعتلقاً بسبب لا خيارَ معه. مكاتبتك - أعزّك
اللّه - وأنا مُجاورُك ببلدٍ عون السعي إليك مُجِلاًّ لقدرك مما أكْبِر. لاقِيك
بكتابي هذا فلان، وله عليّ حقّان: حقٌّ عمّ المسلمين فلزمني بلزومه لهم، وحق خصّني
بالحُرْمة والعِشرا فرأيَكَ في كذا إن سَهُل السبيلُ إلى ذلك ورَحُب، وإن يَعُقْ
عائق فلستَ على جميل رأيٍ عندي بمُتَّهَم.
للمتفضِّل أن يُخصّ بفضله من يشاء؛ والله الحمدُ ثم له فيما أعطى، ولا حجّةَ عليه
فيما منع مُستعفِي السلطانِ أحدُ ثلاثةٍ: رجلٌ آثر اللَهّ وما عنده، وأسأل اللّه
توفيقَه؛ ورجلٌ عَجَز عن عمله فخاف بعجزه عواقبَ تقصيره، وأستعينُ اللّه؛ ورجلٌ
سَمَتْ به نفسه عن قليل هو فيه إلى كثير أمّله. وأعوذُ بالله من أن أدَنَس نعمةَ
اللّه بك عليّ وعلى سَلَفي قبلي بالتصدَي لمن لا يُشبه دهرُه يومَك، ولا أكثرُ
جهده في المعروف أقل عَفْوِك.
كن كيف شئتَ، فإنِّي واحدُ أمري خالصة سَرِيرتي، أرى ببقائك بقاء سُروري، وبتمام
النعمة عليك تمامها عندي، فإنه ليس من نعمة يُجددها الله لأمير المؤمنين في نفسه
خاصّةً اتصلتْ برعيته عامّة، وشَمِلْت المسلمين كافّة، وعَظُم بلاءُ اللّه عندهم
فيها، ووجب عليهم شكره عليها؛ لأن الله جعل بنعمته تمامَ نعمتهم، وبسلامته هدوءَهم
واستقامتَهم، وبتدبيره صلاح أمورهم وأمنهم، وبذَبِّه عن دينهم حفظ حريمهم،
وبحياطته حَقْن عمائهم وأمْنَ سُبُلهم وبِرِعْيَته اتساقَهم وانتظامَهم؛ فأطال
الله بقاء أمير المؤمنين مُؤَيداً بالنصر، مُعَزاً بالتمكين، موصى الطلب بالظفر،
ومدّةِ البقاء بالنعيم المقيم.
فهمتُ كتابك ولم تَعْدُ في وعدك ووعيدك سبيلَ الراغبِ في رَبّ عارفته، المحامي على
سالف بَلَائه، المُؤثْرِ لاستتمام صَنيعته. وإني لأرجو أن أكون على غاية ما عليه
ذُو منِيةٍ حسنةٍ شكر مُصطنعه، وعناية بأداء ما يلزَمُه لولي نعمته، ومراقبةٍ
لرئيسه في سرٌ أمره وعَلَانِيته، وإيثار للقليل من جميل رأيه على كثيرِ المنافع مع
سَخَطه. وليس مذهبي فيما أشرحه من العذر وأطيل بذكره الكتب، مذهبَ من يموه
بالاحتجاج ويَحتالُ في الاعتذار، ومَنْ تُطْعمه نفسه في سلامة النعمة مع فساد
النيِّة، وفي محمود العاقبة مع شَرَهِ النفس، وفي زيادة الحال مع التفريطِ في
العمل. ولو كنتُ ممن سوّلتْ له نفسه ذلك سائرَ دهره، لقد وجب إلى أن يَضطرّني إلى
النزوع عنه تأديبُك وتقويمك، وإني لمجتهدٌ أن يكون أثرُ فعلي هي المخبر عني عون
قولي، وأن يكون ما أمُتّ به إليك ظاهرَ كِفايتي دون ذِمَامي.
لولا ما أنا بسبيله من العمل، وما في الإخلال به من تعريضه للانتشار ودخول
الخَلَل، وعلمي بأن طاعةَ السلطان مقرونة بطاعة الأمير، وأنه لا فرقَ عنده بين
الجاني على السلطان وعليه، لكنتُ الجوابَ راجلاً معظماً لأمره، مُكبِراً لسُخْطه؛
وإن كان الله قد جعل عند الأمير من إيثار الحق والعمل به، وتقديم الرويّة قبل
الإيقاع، والاستئناء بمن وَضَح ذنبه وظهر جُرمه عون من وقعتْ الشبهةُ في أمره، ما
أمّنني بادرةَ غَضَبه ونازلَ سَطْوته.
لم أكن أحسِبَني أحًلّ عندك محلَّ مَنْ جَهِل حظًه، وعَدم تمييزَه، وغَبِي عَمّا
عليه وعمّا له، إذ توهمتَ عليّ أنّي أبيع خطيراً من رضاك، ونفيساً من رَأيك،
وشرفاً باقياً على الأيام بطاعتك، وعُدّةً للنوائب أستظهر بها من نصرتك، بالثمن
البخس الحقير من كذا، أو أن أستبدلَ بما أنا ذو فاقة إليه من عز كَنَفك ومنيع
فَرَاك، ما قد وهب الله الغنيَ عنده بحمده.
كان ورودك وشخوصُك في وقتين انطويا عني، وكان مُقامك في حالِ شغلٍ منك ومني، ولذلك
فقدْتَني في القاضِين لحقك والمثابرين على لقائك.
وَرَدَ كتابك مضمَناً من بِرّك وتَطَوُلك ما حسّن شكري، وأثقل ظهري، وأرْتج عن
مضاهاتك بمثله قولي؛ فذكرت به - إذ تحيّرت عون تأمُّله، وضَعُفتُ عن تحمُّله،
وعَجَزت عن الشكر عليه عند تمحّله - قولَ القائل:
أنت امرؤ أوليتَنـي نِـعـمـاً |
|
أوهَتْ قُوَى شكري فقد ضعُفا |
لا تُـحـدِثَـنّ إلـي عـارفةً |
|
حتّى أقومَ بشكر ما سَـلَـفـا |
ألفاظ تقع في كتب الأمان
كتاب
أمان هذا كتاب من فلان لفلان: إني أمنتُك على عَمك ومالك ومَوَاليك وأتباعك، لك
ولهم ذمة الله المُوفَى بها، وعهده المسكونُ إليه، ثم ذمهُ الأنبياء الذين أرسلهم
برسالته وأكرمهم بوحيه، ثم ذِمَمُ النجباء من خلائفه: بحقن عمك ومَنْ دخل اسمُه
معك في هذا الكتاب، وسلامةِ مالك وأموالهم وكذا وكذاة فاقبلوا معروضه، واسكنوا إلى
أمانه، وتعلّقوا بحبل ذمته، فإنه ليس بعد ما وَكد من ذلك مُتَوَثَق لداخِلٍ في
أمان إلا وقد اعتلقتم بأوثق عُرَاه، ولجأتم إلى أحرز كهوف والسلام.
وفي كتاب آخر: هذا كتاب من فلان: إن أمير المؤمنين، لِمَا جعل اللّه عليه نيّته في
إقالة العاثر واستصلاح الفاسد، رأى أن يتلافاك بعفوه، ويتغمد زَلّاتك برُحْمه،
ويبسُط لك الأمانَ على ما خرجتَ إليه من الخلاف والمعصية: على دمك وشعرك وبَشَرك
وأهلك وولدك ومالك وعَقَارك؛ فإن أنت أتيتَ وسَمِعت وأطعتَ، فأنت آمن بأمان اللّه
على ما أمّنك عليه أمير المؤمنين، ولك بذلك ذمة الله وذمّة رسوله، إلا ما كان من
حق قائم بعينه لمسلم أو معاهد، والله بذلك راع وكفيل، وكفى بالله وكيلا.
وفي كتاب آخر: إن فلاناً استوهب أميرَ المؤمنين ذنبَك، وسأله أن يَقبل توبتَك
وإنابتك، ويؤمِّنك على دمك وشعرك وبشرك وأهلك وولدك ومالك وعَقَاراتك، على أن تسمع
وتًطيع وتُشايع، وتُوالي أولياءه وتُعادي أعداءه؛ فأجابه أمير المؤمنين إلى ذلك،
لرأيه في العفو والصفح وما يحتسب في ذلك من الثواب والأجر، فأنت آمن بأمان الله
على كذا لا تُؤخذ بشيء مما سلق من أحداثك، ولا تتبع فيه بمكروه ما أقمتَ على
الوفاء ولم تُحدِث حَدَثاً تفسَخ به أمانَك وتجعل به سبيلاً على نفسك والله لك
بذلك راع كفيل؛ وكفى به شهيداً.
ألفاظ تقع في كتب العهود
أمَرَه بتقوى الله فيما أسْندَ إليه وجعد بسبيله، وأن يُؤْثِرَ الله وطاعتَه آخذاً
ومُعطياً، وأعلمه أن اللّه سائِلُه عمّا عَمِل به وجَازِيه عليه، وأنّه خارجٌ من
دُنياه خُروجَه من بطن أمه إما مَغْبوطاً محموداً، وإمّا مذموماً مسلوباً. فليعتبر
بمَنْ كان قبلَه من الوُلاَة الذينَ وَلُوا مثلَ مَا وَلي، أين صار بهم مَرُّ
الليل والنهار، وما انقلبوا به من أعمالهمِ إلى قبورهم! ويتَزوَّد لنفسه الزادَ
النافعَ الباقيَ "يَوْمِ تَجدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ
مُحْضراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أنَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أمَداً
بَعِيداً".
وفي فصل أخر: وقد ولّاك أميرُ المؤمنين ما ولاّك من أمور رعيّته، وأشركك فيما
أشركك فيه من أمانته، ثِقةً بك، رجاءً لمتابعتك وإيثارك الحق وأهلَه، ورفضِك
الباطلَ وأهلَه؛ وعَهِدَ إليك في ذلك بما إن أخذتَ به أعانك الله وسددك، وإن
خالفتَه خَذَلك وعاقبك.
وفي الحج: فإنّ أمير المؤمنين قد اختارك من إقامة الحج لوَفْد اللّه وزَوْر بيته،
للأمر العظِيم قدرُه، الشريف منزلتُه، فعليك بتقوى الله؛ وإيثار مُراقبتِه، ولزوم
الهُدى المحمودِ والطريقةِ المُثْلَى والسِّيرة الجميلة التي تُشْبِه حالَك.
فصل: فإن اللّه نَزه الإسلام عن كل قبيحة، وأكرمه عن كل رذيلة، ورفعه عن كل دنيّة،
وشرفه بكل فضيلة، وجعل سيماء أهلِه الوقارَ والسكينةَ.
فصل: وإن أحقّ الناس بالازدياد في طاعته ومناصحته وأداءِ الأمانة في عمله مَنْ
عَظُم حق الأمير عليه في الخاصّة بفضل الصنيعة من الأمير عنده، مع حق الله عليه في
العامّة بحقَ الولاية.
فصل: وكنتَ سيفاً من سيوف الله، ويكْلاً من أنكاله لأهل الشقاق، وشَجًى لمن ابتغى
غيرَ سبيل المؤمنين، قد أحكمتك التجارِبُ وضَرستك الأمور، وفُرِرْتَ عن الذكاء
وحَلَبْتَ الدهرَ أشطُرَه.
فصل: أنت ابن الحرّية والمروّة، ومن لا يلحَقه عارُ أبوة ولا بُنُوة.
فصل: قد التمستُ مواجهتك بشكرك ووصفِ ما أجِن لك وأخلص من وفك وأجِلّ من قدرك
وأعتدّ من إحسانك فَلَفتني عن ذلك تَعَذُّر الخَلْوة مع انقباضٍ وحشمة.
فصل: قد أغنى الله بكرمك عن ذَرِيعةٍ إليك؛ وما تُنازِعني نفسي إلى استعانةٍ عليك
إلا أبى ذلك حسنُ الظنّ بالله فيك، وتأميلُ نُجْح الرغبةِ إليك دون الشفعاء عندك.
فصل: مثلك تقرّب إلى الله بالتواضُع لنعمته، والإغاثة لمستغيثه، والعائدةِ على
راجيه بفضله.
فصل: تَباً لمن يأتي رأيك! وقبحاً لعُزُوب عقلك، وأفن تدبيرك! ما أبعدَ مذهبَك في
الخطأ، وأسوأ أثَرِك على السلطان، وأقصَرَ باعَك عن النهوض! جزالة تقدك، ومَهَانةٌ
تُضْرِعك وزَهْوٌ يعلُوك، ونحْوة يشمخَ لها عِرْنينك. لقد انصرف رأيُ أمير
المؤمنين عنك، ودعوتَ له عَتْبَك، وكشفتَ له عن قِنَاع سترك، واجتررتَ إليك
سَخْطته وعَطَفْتَ نحوَك مَوْجِدَته، وكنتَ على نصيبك منه والضنّ بمنزلتك عنده
أولى تقدُّماً وأقربَ رُشْداً. واللّه الغني الحميد.
أصناف أصحاب السلطان أصحاب السلطان ثلاثة: رجلٌ يجعل الدنيا نُصْبَ عينه، ينصِب
فيها للخاصّة مَكَايد ويرفَع عن مصلحة العامّة همّتِه، يُذهله عن التقوى الهوى،
وتُنسيه أيامُ القدرة العثرةَ، حتى تنصرِم مدّتُه وتنقضيَ دولتُه، لم يرتهن بدنياه
شُكْراً ولا قَدّم بها إلى مَعَاده ذُخراً. ورجلٌ لا يَحْفِل مع صَلاح الخاصّة ما
دخل من الخلل في أمور العامّة، ولا مع وفور حظه ما أدخل النقص في حظ رعيته. ورجل
حاول في ولايته إرضاءَ من وَلي له وعليه، وأعانته النيّة وخَذَلته الكفاية. وقد
جمع الله لك الثقة والرضا ممن فوقك، والانقيادَ والمحبة ممن عونك، وأعاد إلى الناس
بك عهدَ السلف الماضي وعَمَر بك آثارهم، حتى كأنهم بك أحياء لم تحترمهم منية
وجميعٌ لم تنصدِعْ بينهم فُرْقة، فليَهْنِئْك أن مَنْ تقدمك من أهل الفضل في
السيرة غيرُ متقدم لك، ومن معك مُقَصِّر عنك، ومن دونك مُقتفٍ لأثرك. فلا زالت
الأيام لك، ولا زالت النعم عنك، ولا انتقلت عُرَى الأمور وأزِمّتها عن يدك.
فصل: أبَى طبعُ الزمان أن يسمَحَ لنا بك، كما أبى ذلك في مثلك، فلم يزل حض
اعْتَرَض بمكروهه دونك، وكم من نعمةٍ ذهلتْ عنها النفس حين أدبرت بخيرك، فإنّ
تَعَلُق القلب بك على قَدْرك في مواهب الله وقدرِها عندك.
فصل: ولم تأت في جميع ما عدّدتُ من أياديك شيئاً، وإن كان متناهيَاً إلى الغاية،
مختاراً كالأمنية، متجاوزاً للاستحقاق، إلا وأنت فوقه والمأمولُ للزيادة فيه.
وفي كتاب: إن كان ما خبّرني به فلان عن هَزْلَ فقد أحوجنا هزلُك إلى الجهد،
ووَقَفَنا موقف المعتذرين من غير ذنب، وإن كان عن حقيقةٍ فقد ظهر لنا من ظُلمك
وتحريفك ما دلّ على زُهْدك منا في مثل الذي رَغِبنا منك فيه.
فصل في كتاب العيد: كتابي إلى الأمير يوم كذا بعد خروجي فيه ومَنْ قِبَلي من
المسلمين إلى المًصَلَى وقضائنا ما أوجب الله علينا من صلاة العيد، ونحن بخير حال
اجتمع عليها فريق من المسلمين في عيد من أعيادهم ومَجْمعٍ من مجامعهم؛ وكان
مَخْرَجُنا إلى المصلَّى أفضلَ مَخْرجٍ، ومُنصَرَفُنا عنه أفضل مُنصرَف، بما وهب
الله من سكون العامة وهدوئها والفتها، واحتشاد الحند والشاكريّة بأحسنِ الزِّيّ
والهيئة، وأظهرِ السلاح والعُدّة. فالحمد لله على كذا، وهَنَأ اللّه الأمير كذا.
فصل: القلب قرينُ وَلَهٍ حليفُ حَيْرة، أنظُر بعينٍ كليلةٍ وأحضُر بقلب غائب: إلى
ورود كتابك بما تعتزمه. فأما النوم فلو مَثَل لعيني لنفَرَتْ إلفاً للسُّهاد.
فصل في كتاب بَيْعة: فبايِعُوا لأمير المؤمنين ولفلانٍ بعدَه على اسم الله وبركته
وصُنعِ اللهّ وحُسن قضائه لدِينه وعِباده، بيعة منبسِطةً لها أكفُّكم، منشرحةً بها
صدورُكم، سليمةَ فيها أهواؤكم، شاكرين لله على ما وفّق له أمير المؤمنين.
للأحنف يخاطب معاوية وقد عدّد عليه ذنوباً عدّد معاويةُ على الأحنف ذنوباً؛ فقال
الأحنف: يا أمير المؤمنين! لِمَ ترُدُّ الأمورَ على أعقابها! أما والله إنّ
القلوبَ التي أبغضناك بها لبين جوانحنا، وإن السيوفَ التي قاتلناك بها لعَلَى
عَوَاتقنا، ولئن مددْتَ لنا بشبر من غدرٍ، لنمدُّنّ إليك باعاً من أختر ولئن شئت
لتستسقينَ كَدرَ قلوبنا بصفو حلمك. قال معاوية: فإني أفعل.
بين سوار ورجل تقدم رجل إلى سوار، وكان سوّار له مُبغضاً، فقال سوار في بعض ما
يكلمه به: ابن الإخناء! فقال: ذاك خَصْمي. فقال له الخصمِ: أعدني عليه. فقال له
الرجل: خذ له بحقه وخذ لي بحقي. ففهم، وسأله أن يغفر له ما فرَط منه إليه، ففعل.
بين معاوية وخُرَيم بن فاتك الأوزاعي قال: دخل خُرَيْم بن فاتك على معاوية، فنظر
إلى ساقَيْه فقال: أفي ساقين، لو كانتا على جاريةٍ عاتق فقال له خرَيم: في مثل
عَجِيزتك يا أمير المؤمنين.
الخطب
خُطَب النبي صلى الله عليه وسلم
تتْبَعتُ
خُطَبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدتُ أوائلَ أكثرها: "الحمد نحمده
ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
ومن سيئات أعمالنا، من يهده اللّه فلا مُضِل له ومن يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له". ووجدت في بعضها: "أوصيكم عباد
الله بتقوى الله وأحدثُّكم على طاعته".
ووجدت في خطبة له بعد حمد اللّه والثناء عليه: "أيها الناس إن لكم مَعَالِمَ
فانتهوا إلى معالمكم، وإن لكم نِهايةً فانتهوُا إلي نهايتكم؛ إن المؤمنَ بين
مخافتين: بين أجلٍ قد مضى لا يدري ما الله صانع به، وبين أجل قد بَقِي لا يدري ما
الله قاضٍ فيه؛ فليأخذِ العبدُ لنفسه من نفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل
الكِبَر، ومن الحياة قبل الموت؛ والذي نفس محمد بيده ما بعد الموت مُسْتَعْتب ولا
بعد الدنيا دار إلا الجنة أو النار".
ووجدتُ كلّ خطبة مفتاحها الحمدً إلا خطبة العيد فإن مفتاحها التكبير. وتكبير
الإمام في أن يَنزِل عن المِنْبر أربع عشرة تكبيرة.
خطبة لأبي بكر الصدّيق رضي اللّه عنه
حدثني أبو سَهْل قال: حدثني الطًنَافِسي عن محمد بن فُضَيلْ قال: حدثنا عبد الرحمن
بن إسحاق عن عبد الله القرشي عن عبد الله بن عُكَيْم قال: خطبنا أبو بكر رضي الله
عنه فقال: أما بعد، فإني أوصيكم بتقوى الله وحدَه وأن تُثنوا عليه بما هو أهلُه، وتَخْلِطوا
الرغبةَ بالرهبة، والإلحافَ بالمسألة؛ فإن اللّه أثنى على زكريا وأهله بيته فقال:
"إنهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً
وَرَهَباً". ثم اعلموا أن الله قد ارتهن بحقِّه أنفسَكم، وأخَذَ على ذلك
مواثيقَكم، واشترى منكم القليلَ الفانيَ بالكثير الباقي. هذا كتابُ الله فيكم لا
تَفْنَى عجائبُه ولا يُطفأ نورُه، فصدِّقوه وانتصِحُوه واستضِيئوا منه ليوم
الظُّلمة. ثم اعلموا أنكم تغدون وتروحون في أجلٍ قد غُيِّبَ علمُه عنكم، فإن
استطعتم ألا ينقضَ إلا وأنتم في عملٍ لله فافعلوا، ولن تستطيعوا ذلك إلا باللّه.
فسابقوا في مَهَل؛ فإن قوماً جعلوا آجالهم لغيرهم ونسُوا أنفسهم، فأنهاكم أن
تكونوا أمثالَهم، والوَحَا الوَحَا، والنجاءَ النجاءَ! فإن من ورائكم طالباً
حثيثاً مَرّه، سريعاً سيره.
وفي غير هذه الرواية: أين مَنْ تعرِفون من إخوانكم! قد انتهت عنهم الأعمال، ووروا
على ما قدموا وحلوا عليهم بالشْقوَة والسّعادة. أينَ الجَبّارون الني بَنَوا
المدائنَ وحصَّنوها بالحوائط! قد صاروا تحتَ الصَخْر والآكام.
خطبة لأبي بكر أيضَاً رضي اللّه عنه
رواها
إبراهيم بن محمد من ولد أبي زيد القارئ.
حَمِد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: إن أشْقى الناس
في الدنيا والآخرة الملوك. فرفع الناس رؤوسَهم؛ فقِال: ما لكم يا معشرَ الناس إنكم
لطَعانون عَجِلون، إن المَلِك زهده اللّه فيما في يده، ورَغَبه فيما في يديْ غيره،
وانتقصه شطرَ أجله، وأشرب قلبَه الإشفاقَ، فهو يحسد على القليل، ويتسخْط الكثير،
ويسأم الرخاءَ، وتنقطع عنه لذة البهاء، لا يستعمِل العِبْرة ولا يسكُن إلى الثقة،
فهو كالدرهم القسِىّ والسّراب الخادع، جَذْل الظاهر حزين الباطن، فإذا وَجَبَتْ
نفسُه ونَضَب عمرُه وضَحَا ظِلُّه، حاسَبَه اللّه فأشدّ حِسابَه وأقل عفَوه ألا
إنّ الفقراء هم المرحومون، وخير الملوك من آمن باللّه، وحَكَم بكتاب اللّه وسنة
نبيه صلى الله عليه وسلم وإنكم اليوم على خلافة نبوّة، ومَفْرِق مَحَجّة،
وسَتَروْن بَعْدي مُلْكاً عضوضاً، وآفةً شَعَاعاً ودماً مُفَاحاً. فإن كانت للباطل
نَزْوَة، ولأهل الحق جَوْلة؛ يعفو لها الأثَر، وتموت السُّنن فالزَمُوا المساجد،
واستشِيروا القرآن، والزموا الجماعة. وليكن الإبرامُ بعد التشاوًر، والصفقة بعد
طُول التناظُر، أي بلادكم خرسة فإن الله سيفتح عليكم أقصاها كما فتح أدناها.
خطبة أبي بكر رضي اللّه عنه يوم سقيفة بني ساعدة
أراد عُمَر الكلامِ، فقال له أبو بكر: على رِسْلِك. نحنُ المهاجرون أوّلُ الناس إسلاماً، وأوْسَطُهم داراً، وأكرمُهم أحساباً، وأحسنُهم وُجوهاً، وأكثرُ الناس وِلايةً في العرب وأمسُّهم رَحِماً برسول الله صلى الله عليه وسلم، أسلمَنا قبلكم، وقُدِّمْنا في القرآن عليكم، فأنتم إخوانُنا في الدِّين، وشركاؤنا في الفَيْء، وأنصارُنا على العَدُوّ، اويْتُم وواسَيْتُم، فجزاكم اللّه خيراً؛ نحن الأمَراءُ، وأنتم الوزراء لا تَدِينُ العربُ إلا لهذا الحَي من قرَيش، وأنتم محقوقون ألا تَنْفَسوا على إخوانكم من المهاجرين ما ساق الله إليهم.
خطبة لأبي بكر رضي اللّه عنه
الهيثم عن مُجالد عن الشِّعْبيّ قال: لما بويع أبو بكر الصدّيق رضي اللّه عنه، صَعِد المنبرِ فنزل مَرْقاةً من مَقْعَد النبيّ صلى الله عليه وسلم فحمِد الله وأثنى عليه، ثم قال: إني وَليتُ أمرَكُم ولست بخيرِكم، ولكنه نزل القرآن وسنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. اعلموا أيها الناس أن أكيس الكَيْس التُقَى، وأن أحمقَ الحُمْق الفُجُور، وأن أقواكم عندي الضعيف حتى آخُذَ له بحقه، وأضعفَكم عندي القويُ حتى آخذَ منه الحقّ، إنما أنا متبع ولست بمبتدِع، فإن حسنتُ فأعِينوني، وإن زُغْتُ فقوَموني. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
خطبة لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه
قال:
ولما وَلي عمر صعِد المنبر وقال:
ما كان اللُه ليراني أرى نفسي أهلًا لمجلس أبي بكر، ثم نزل عن مجلسه مَرْقاة، فحمد
الله وأثنى عليه، ثم قال: اقرأوا القرآن تُعْرَفوا به، واعمَلوا به تكونوا من
أهله. إنه لم يبلُغ حق ذي حقً أن يُطاعَ في معصيةِ الله. ألا وإني أنزلتُ نفسي من
مال الله بمنزلة وَالي اليتيم: إن استغنَيْتُ عَفَفتُ وإن افتقرتُ أكلتُ بالمعروف
تَقرمَ البَهْمَةِ الأعرابية: القَضْمَ لا الخَضْمَ.
خطبة لعثمان بن عفّان رضي اللّه عنه
قال: ولما وَلي عثمان صعِد المنبر فقال: رحمهما الله، لو جلسا هذا المجلس ما كان بذلك مِن بأس، فجلس على فِرْوة المنبر فرماه الناسُ بأبصارهم، فقال: إن أولَ مركب صعبٌ، وإن مع اليوم أياماً، وما كُنا خُطَباء، وإن نعشْ لكم تأتكم الخطبةُ على وجهها إن شاءً الله تعالى.
خطبة لعليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه
خطب فقال: أما بعدُ، فإن الدنيا قد أدْبرتْ وآذنتْ بوَدَاع، وإن الآخرةَ قد أقبلتْ فأشرفتْ باطلاع، وإن المضمار اليوم وغدا السباق. ألا وإنكم في أيام أمل من ورائه أجَل، فمن قصر في أيام أمله بل حضور أجله فقد خَسِرَ عمله. ألاَ فاعمَلوا لله في الرغْبة كما تعمَلون له في الرهْبَة. ألا وإِنَي لم أرَ كالجنة نامَ طالبُها، ولا كالنار نام هاربُها. ألا وإنه مَن لم ينفعه الحق ضره الباطل، ومن لم يستقِم به الهُدَى جارَ به الضلال. ألا وإنكم قد أمِرتم بالظعْن، ودُلِلتم على الزاد؛ وإن أخوفَ ما خافُ عليكم اتباعُ الهوى وطولُ الأمل.
خطبة عليّ عليه السلام بعد مقتل عثمان رضي اللّه عنه
أيها الناس، كتابَ الله وسنّةَ نبيكم. لا يذعي مدع إلا على نفسه. شُغِلَ مَن الجنة والنارُ أمَامَه. ساعٍ نَجا، وطالب يرجو، ومقَصَر في النار: ثلاثة؛ واثنان: مَلَكٌ طارَ بجَناحَيْه، ونبيّ أخذ اللّه بيديه، لا سادِسَ. هَلَك مَن اقتحم، ورَديَ مَن هوَى. اليمينُ والشِّمالُ مَضَلَّة، والوسْطى الجادَّةُ: مَنْهَج عليه باقي الكتاب وآثارُ النبوّة. إن اللهّ أدّب هذه الأمةً بأدبين: السوطِ والسيفِ فلا هَوَادَةَ فيهما عند الإمام. فاستتِروا ببيوتكم، واصْلحوا ذاتَ بَيِنْكم؛ والتوبة من ورائكم. مَن أبدى صَفْحته للحق هَلَك. قد كانت أمور مِلْتُم عليّ فيها مَيْلَةً لم تكونوا عندي محمودين ولا مًصيبين. واللِّه أن لو أشاءُ أن أقول لقلتُ. عفا الله عمّا سَلَف. انظروا، فإن أنكرتم فأنكِروا. وإن عَرَفتم فارْوُوا. حق وباطل، ولكُل أهل. والله لئن أمِّرَ الباطلُ لَقَدِيماً فعل؛ ولئن أمَرَ الحق لَرب ولعل. ما أدبر شيءٌ فأقبل.
خطبة أيضاً لعليّ رضي اللّه عنه
خطب عليّ حين قُتِلَ عاملُه بالأنْبار فقال في خطبته: يا عَجَباً من جِدَ هؤلاء في باطلهم وفَشَلِكم عن حَقِّكم! فقًبْحاً لكم وتَرَحاً حين صِرت غَرَضاً يُرْمَى، يُغارُ عليكم ولا تُغِيرون، وتُغزَون ولا تَغزون، ويُعصَى اللُه وتَرضون. إن أمرتُكم بالمسير إليهم في الحر قلتم: حَمَارَة القَيْظ، أمهلنا حتى يَنْسلِخَ الحر، وإن أمرتُكم بالمسير إليهم في الشتاء قلتم: أمهِلْنا حتى ينسلِخَ الشتاء هذا أوانُ قر؛ كل هذا فِراراً من الحرّ والقُر، فأنتم والله من السيف أفرّ، يا أشباهَ الرجال ولا رجال! أحلام الأطفال وعقول رَبَّاتِ الحِجَال؛ أفسدتُم علي رأي بالعِصْيان والخِذْلان، حتى قالت قريش: ابن أبي طالب شُجاعٌ ولكن لا عِلْمَ له بالحرب. لله أبوهم! هل منهم أحدٌ أشدُّ لها مِرَاساً وأطولُ تَجْرِبةً منِّي! لقد نهضت فيها وما بلغتُ العشرين فها أنا الآن قد نيّفتُ على الستين، ولكن لا رأيَ لمن لا يُطاع.
خطبة لمعاوية رحمة اللّه
بلغني
عن شُعَيْب بن صَفْوَان قال: خطب معاوية فقال:
أيها الناس، إنّا قد أصبحنا في دَهْر عَنُود، وزَمن شديد، يُعَدُّ فيه المحسِنُ
مُسيئاً، ويزدادُ الظالمُ فيه عُتُواً، لا ننتفع بما عَلِمنا، ولا نَسأل عما
جَهِلْنا، ولا نتخوَّف قارِعةً حتى تَحُل بنا. فالناس أربعة أصناف: منهم مَن لا
يمنعه من الفساد في الأرض إلا مَهانةُ نفسِه وكَلال حدَه ونَضِيض وَفْره؛ ومنهم
المُصلِت لسيفه والمُجلِب بخيله ورَجْلِه والمُعلِن بشرِّه، قد أشْرَط نفسَه
وأوْبق دِينَه لحُطَامٍ يَنتهِزه أو مِقْنَب يقوده أو مِنْبر يَفْرَعُه، ولبئس
المَتْجَران تراهما لنفسك ثمناً ومما عند اللّه عِوَضاً. ومنهم مَن يطلب الدنيا
بعمل الآخرة ولا يطلب الآخرة بعمل الدنيا، قد طامَنَ من شخصه وقارَبَ من خَطْوه،
وشفَر من ثوبه، وزَخرَفَ نفسَه للأمانة، واتخذ سِتر الله ذَرِيعةً إلى المعصية.
ومنهم من أقعده عن طلب الملك ضُؤُولةٌ في نفسه وانقطاع من سببه، فقصَر به الحال عن
أمله، فتحلى باسم القناعة وتزيّن بِلباس الزُهّاد، وليس من ذاك في مَرَاحٍ ولا
مَغذًى. وبقي رجَالٌ غضّ أبصارَهم ذكرُ المَرْجِع، وأراقَ دموعهم خوفُ المَحْشر
فهم بين شَرِيد نَاد، وخائفٍ مُنقَمِع، وساكتِ مَكْعُوم، وداعٍ مُخْلِص، ومُوجَع
ثَكْلَان، قد أخملْتهم التقيّة، وشَمِلَتْهم الذَلَة، فهم في بَحر أجَاج، أفواهُهم
ضامرة، وقلوبُهم ضامرة، وقلوبُهم قَرِحَةٌ، قد وُعِظُوا حتى مَلوا، وقُهِروا حتى
ذَلُّوا، وقتِلوا حتى قَلُّوا. فلتكنِ الدنيا في أعينكم أصغرَ من حًثَالة القَرَظ
وقُرَاضة الجَلَم، واتعِظُوا بمَن كان قبلكم قبل أن يَتَعِظ بكم مَن بعدكم،
وارفضوها ذَميمةً، فإنها قد رَفضتْ مَن كان أشغفَ بها منِكم.
خطبة ليزيد بن معاوية بعد موت معاوية
خَطَبَ فقال: إن معاوية كان حَبْلاً من حِبال الله، مده ما شاء أن يَمُده، ثم قطعه حينَ شاء أن يَقطَعه؛ وكان دونَ مَن قَبْله وهو خيرٌ ممن بعده، ولا أزَكًيه عند ربه وقد صار إليه فإن يعف عنه فبرحمته، وإن يعاقبْه فبذنبه. وقد وَليتُ الأمرَ بعده، ولستُ أعتذر من جَهْل ولا أشتغل بطلب علم. وعلى رِسْلكم! إذا كَرِهَ الله أمراً غيّره.
خطبة لعُتْبة بن أبي سُفيان
أبو حاتم عن العُتْبيّ قال: احتبسَتْ كُتُب معاويةَ حتى أرْجَفَ أهلُ مصر بموته ثم ورد كتابه بسلامته، فصعِد عتبةُ المنبر والكتابُ في يده فقال: يا أهل مصرَ! قد طالت معاتبتُنا إياكم بأطراف الرِّماح وظُبَات السيوف حتى صِرْنَا شَجًى في لَهَواتِكم ما تُسِيغُنا حلوقُكم، وأقْذَاءً في أعيُنكم ما تَطْرِف عليها جفونُكم. فحين اشتدت عُرىَ الحق عليكم عَقْداً، واسترختْ عُقْدُ الباطل منكم حَلاً، أرجفتُم بالخليفة وأردتًم توهينَ السلطان وخُضتم الحقَّ إلى الباطل، وأقدمُ عهدكم به حديثَ! فارْبَحُوا أنفسَكم إذ خَسِرْتم دينَكم، فهذا كتابُ أمير المؤمنين بالخَبَر السار عنه والعهدِ القريب منه. واعلموا أن سلطاننا على أبدانكم دون قلوبكم؛ فأصلِحوا لنا ما ظَهَر، نَكِلْكُم إلى الله فيما بَطَن؛ وأظهِرُوا خيراً وإن أسررتُم شراً فإنكم حاصدون ما أنتم زارعون. وعلى الله نتوكل وبه نستعين.
خطبة لعُتْبة أيضاً
وبهذا الإسناد أن عُتبة خطب أهلَ مصر حين هاجوا فقال: يا أهل مصر، خف على ألسنتكم مدحُ الحق ولا تفعلونه، وذمُ الباطل وأنتم تأتُونه كالحِمَار يَحْمِل أسفاراً أثقله حَمْلُها ولم ينفعْه عِلْمها. وإني واللّه لا أداوِي أدواءَكم بالسيف ما اكتفيت السًوْط، ولا أبلغ السوطَ ما كفتني الدرَة، ولا أبطئ عن الأولى إن لم تصلحوا عن الأخرى؛ ناجزاً بناجز، ومَن حذّر كمن بشر فدعوا قال ويقول من قبل أن يقال فعل ويفعل فإن هذا اليوم الذي ليس فيه عِقَاب، ولا بعده عِتَاب.
خطبة لعبد اللّه بن الزُّبَيْر
خطب
عبد اللّه بن الزُبير حين قُتِلَ أخوه مُصْعَب فقال:
الحمد للّه الذي يُعِز مَن يشاء وُيذِل مَن يشاء. إنه لن يذلّ من كان الحق معه وإن
كان فَرْداً، ولن يعزَّ من كان أولياء الشيطان حزبه وإن كان معه الأنام. أتانا
خبرٌ من قِبل العراق أجزَعَنا وأفرَحنا: قتلُ مُصْعَب رحمه الله. فأما الذي
أحزنَنَا من ذلك فإن لفراق الحميم لَذْعَةً يَجِدها حميمُه عند المًصيبة به ثم
يَرْعَوِي بعدها ذَوُو الرأي إلى جميل الصبرِ وكريم العزاء. وأما الذي أفرحنا من
ذلك فعلمُنا أنّ قتله شهادة، وأن ذلك لنا وله الخِيَرَة. ألا إن أهل العراق أهلَ
الشَقاق والنِّفاق باعوه بأقلّ ثمن كانوا يأخذونه به. إنا واللّه ما نموت حَبَجاً
ولا نموتُ إلا قتلاً، قَعْصاً بالرماح تحتَ ظِلال السيوف، ليس كما تموت بنو مروان
والله إنْ قُتِل رجلٌ منهم في جاهليّةٍ ولا إسلام. ألا إنما الدنيا عَارِيةٌ من
الملك الأعلى الذي لا يَبِيدُ ذكرُه ولا يَذل سلطانُه، فإن تُقبِل علي لا آخُذْها
أخْذَ البَطِر الأشِر، وإن تُدبر عني لا أبْكِ عليها بُكاءَ الخَرِف المُهْتَر. ثم
نزل.
خطبة زياد البتراء
حدثني
عبد الرحمن عن الأصمعيّ عن أبي بكر بن أبي عاصم ببعضها، وحدثني أبي عن الهيثم بن
عَدِي، قال: لما قدم زيادٌ أميراً على البَصْرة فنظر إلى أبياتها، قال: رُبَّ
فَرحٍ بإمارتي لن تنفعَه، وكاره لها لن تَضُره؛ فدخل وعليه قَباء أبيض ورِداء
صغير، فصعِد المنبر، فخطب الناسَ خطبة بتراء: لم يصل فيها على النبي صلى الله عليه
وسلم، وكان أولَ من خطبها، ثم قال: أما بعد، فقد قال معاوية ما قد علِمتم، وشهِدت
الشهودُ بما قد سمِعتم، وإنما كنت امرأً حَفظ الله منه ما ضَيّع الناسُ، ووَصَل ما
قطعوا ألا وإنا قد وَلينا ووَليَنَا الوالون، وسسنا وساسنا السائسون، وإنا وجدنا
هذا الأمرَ لا يُصلحه إلا شدّةٌ في غير عُنْف، ولينٌ في غير ضعف. وأيم اللهّ ما من
كِذْبة أكبرُ شاهداً من كِذْبة إمام على منبر؛ فإذا سمعتموها منّي فاعتمِزُوها فيّ
واعلموا أن عندي أمثالَها، وإذا رأيتموني آمر فيكم بالأمر فأنفِذوه على إذلاله.
وايم الله إن لي فيكم لصَرْعىَ كثيرة، فليحذَرْ كلّ امرئ منكم أن يكون من صَرْعاي.
وايمُ اللّه لآخُذن البريء بالسقيم، والمطيعَ بالعاصي، والمقبلَ بالمدبر، حتى
تستقيمَ لي قَنَاتُكم، وحتى يقولَ القائل: "انْج سعد فقد قُتِل سُعَيْد!.
فقال إليه عبد الله بن الأهْتم التميمي، فقال: أيها الأمير، أشهد أنك اوتيتَ
الحكمةَ وفصلَ الخطاب. فقال له: كَذَبتَ، ذاك نبيّ الله داود. ثم قام إليه الأحنفُ
فقال: إنما المرءْ بجده، والسيف بحَده، والجواد بشده، وقد بلغك جدُك أيها الأمير
ما تري وإنما الحمدُ بعد البَلاَء، والثناءُ بعد العطاء، وإنا لا نُثْنِي حتى
نَبْتَلي. ثم قام إليه مِرْداس بن أدَيّة، فقال: قد سمِعنا مقالتك أيها الأمير،
وإنّ خليلَ الله إبراهيمَ عليه السلام أدىّ عن اللّه في الذي أديتَه، قال اللّه
تعالى: "لا تَزِرُ وَازرَةٌ وِزْرَ أخْرَى" وأنت تزعُم أنك تأخُذ البريء
بالسقيم، والمطيعَ العاصي، والمقبلَ بالمدبر. فقال له: اسكت، فواللّه ما أجِد إلى
ما أريد سبيلاً، إلا أن أخوضَ إليه الباطلَ خوضاً. ثم نزل.
وقال في خطبة له أخرى: حَرامٌ عليّ الطعامُ والشرابُ حتى أسوِّيَها بالأرض هَدْماً
وإحراقاً. إيّايَ ودَلَجَ الليل، فإني لا أوتَى بمُدلج إلا سَفَكتً دمه، وإيّايَ
ودَعْوَى الجاهليّة، فإني لا أجد أحداً دعَا بها إلا قطعتُ لسانَه. وقد أحدثتم
أحداثاً، وأحدثنا لكل ذنبٍ عقوبة؛ فمن غَرق قوماً غَرقته، ومن أحرق قوماً أحرقتُه،
ومن نَقَبَ بيتاً نقبتُ عن قلبه، ومَنْ نَبَش قبراً دفنتُه فيه حيًّاً؛ فكُفوا
أيديكم وألسنتكم أكُفَ عنكم. وقد كانت بيني وبين أقوام منكم أشياءُ قد جعلتُها
دَبْرَ أذني وتحت قَدَمِي، فمن كان محسناً فليزددْ، ومن كان مسيئاً فلينزعْ. إني
لو علمتُ أن أحدكم قد قتله السل من بُغْضي لم أكشِف له قِناعاً ولما أهتِكْ له
سِتْراً، حتى يُبديَ لي صَفْحتَه، فإذا فعل ذلك لم أناظره؛ فأعينوا على أنفِسكم
وأتَنِفوا أمركم.
خطبة للحجاج حين دخل البصرة
دخل وهو متقلد سيفاً متنكِّبٌ قوساً عربية، فعلا المنبرَ فقال:
أنا ابن جَلا وطلاع الثـنَـايَا |
|
مَتَى أضَع العمامةَ تعرِفُوني |
إن أمير المؤمنين نَكَبَ عيدانَه بين يديه، فوجدني أمرها عُوداً وأصْلَبَها
مَكْسِراً، فوجًهني إليكم. ألا فوالله لأعْصِبَنكم عَصْبَ السلَمة، ولألحُوَنكم
لحْوَ العُود، ولأضرِبنكم ضربَ غرائبِ الإبل، حتى تستقيمَ لي قَنَاتُكم، وحتى
يقولَ القائل: "أنْجُ سعدُ فقد قُتِل سعيدا". ألَا وإياي وهذه
السقَفَاءَ والزَّرَافاتِ، فإني لا أوتَى بأحدٍ من الجالسين في زَرَافةٍ إلا ضربتُ
عُنُقَه. هكذا حدثنيه أحمد بن سعيد عن أبي عُبَيد في كتاب غَرِيب الحديث. وقال لي
غيره: هو إيايَ وهذه الشفَعاءَ والزَّرَافات. وقد فسرتُ الحديثَ في كتابي المؤلَّف
في غريب الحديث.
خطبة للحجاج أيضاً
أرْجَف الناس بموت الحجاج، فخطب فقال: إن طائفةً من أهل العراق، أهل الشقاق والنفاق، نَزَغَ الشيطانُ بينهم، فقالوا: مات الحجاج ومات الحجاج! فَمْهْ! وهل يرجو الحجاج الخيرَ إلا بعد الموت! والله ما يسرني أموتَ وأنٌ لي الدنيا وما فيها! وما رأيت الله رضِيَ بالتخليد إلا لأهوِن خَلْقه عليه إبليس. ولقد دعا اللّه العبدُ الصالحُ فقال: "رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لي مُلْكاً لاَ يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي"، فأعطاه ذلك إلا البقاء. فما عسى أن يكون أيها الرجل! وكلكمِ ذلك الرجل!. كأنَي والله بكلَ حي منكم ميتاً، وبكل رطب يابساً أفرُع طُولًا في ذِراع عَرْضاً، وأكلتِ الأرضُ لحمَه ومَضتْ صديدة وانصرف الحبيبُ من ولده يَقْسِم الخبيثَ من ماله؛ إن الذين يعقِلون يعلَمون ما أقول. ثم نزل.
خطبة أخرى للحجّاج حين أراد الحج
خطب فقال: أيها الناس إني أريد الحج، وقد استخلفت عليكم ابني هذا، وأوصيته بخلاف ما أوصَى به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، في الأنصار؛ إن رسول الله أوصَى أن يُقبَلَ من مُحسنهم، وأن يُتجاوَز عن مُسيئهم؛ وإني أمرتُه ألّا يقبلَ من محسنكم ولا يتجاوزَ مسيئكم. ألَا وإنكم ستقولون بعدي مقالةً لا يمنعُكم من إظهارها إلا مخافتي، ستقولون بعد لا أحسَنَ الله له الصَحابة! ألاَ وإني مُعجل لكم الجوابَ: لا أحسَنَ الله لكم الخِلاَفة. ثم نزل.
خطبة للحجاج أيضاً
من
خطبة للحجاج وقول الحسن فيه خطب فقال في خطبته: سوْطي سيفي، فنِجَادةُ في عُنُقي،
وقائمُه في يدي، وذُبَابه قلادة لمن اغتر بي! فقال الحسن: بُؤْساً لهذا! ما أغره
بالله!.
بين رجل حلف بالطلاق أن الحجاج في النار وفتوى ابن سيرين وحلف رجل بالطلاق أن
الحجاج في النار، ثم أتى امرأتَه فمنعته نفسها فأتى سِيرِين يستفتيه؛ فقال: يابن
أخي، امض فكن مع أهلك، فإن الحجاجَ إن لم يكن في النار لم يَضُرك أن تَزنيَ.
خطبة لعمر بن عبد العزيز رحمة اللّه عليه
حدّثني أبو سَهْل عن إسحاق بن سليمان عن شُعَيب بن صَفْوان عن رجل من آل سَعِيد بن العاص، قال: كان آخر خطبةٍ خطب بها عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنْ حَمِدَ الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإنكم لم تُخْلَقوا عَبَثاً، ولن تُتْركوا سدى، وإنّ لكم مَعاداً يَنزِل الله فيه للحكم فيكم لفصل بينكم، فخاب وخَسِر من خَرَج من رحمة الله وحُرِمِ جنةً عَرْضُها السمواتُ والأرضُ. ألم تعلموا أنه لا يأمَن غداً إلا من حَذِر اليومَ وخاف، وباع نافداً بباقٍ، وقليلاً بكثيرٍ، وخوفاً بأمانٍ؛ ألا ترون أنكم في أسْلاب الهالكين، وستكون من بعدكم للباقين كذلك، حتى تُرَدّ إلى خير الوارثين! ثم إنكم في كل يوم تُشيِّعون غادياً ورائحاً إلى اللّه قد قَضَى نَحْبَه، حتى تُغيَّبوه في سدْع من الأرض في بطن صَدْعِ غير موَسَّد ولا ممهَّد، قد فارَقَ الأحباب وباشرَ الترابَ وواجه حساَبَ، فهو مرتَهَنٌ بعمله، غني عما ترك فقير إلى ما قدمّ. فاتَقُوا اللهّ قبل انقضاء مَوَاقِيته ونزول الموت بكم! غَنيٌ عما ترك فقير إلى ما قدمّ. فاتَقُوا اللهّ قبل انقضاء مَوَاقِيته ونزول الموت بكم أمَا إني أقول هذا وما أعلم أنّ عند أحدٍ من الذنوب أكثرَ مما عندي، فأستغفر الله وأتوبُ به. ثم رفع طَرَفَ رِدائه على وجهه فبكى وأبكى من حوله.
خطبة لخالد بن عبد اللّه يوم عيد
خطب فذكر اللّه وجلالَه ثم قال: كنتَ كذلك ما شئتَ أن تكون، لا يَعلم كيف أنت إلا
أنت، ثم ارتأيتَ أن تخلُقَ الخَلْق، فماذا جئتَ به من عجائب صُنْعك، والكبير
والصغير من خلقك، والظاهر والباطن من ذرك: من صُنوف أفواجه وأفراعه وأزواجه، كيف
أدمجتَ قوائم الذرة والبَعُوضة إلى ما هو أعظمُ من ذلك من الأشباح التي امتزجتْ
بالأرواح!.
وخَطَب يوماً فسقطتْ جَرَادةٌ على ثوبه فقال: سبحانَ مَنِ الجرادةُ من خلقه،
أدمَجَ قوائمها، وطوّقها جَنَاحها، ووَشى جلدَها، وسَفطها على ما هو أعظمُ منها.
خطبة للحجاج
خطب فقال: أيها الناس، احفَظُوا فُروجكم، وخذوا الأنفس بضميرها، فإنها أسوكُ شيء إذا أعْطِيَتْ، وأعصَى شيء إذا سًئلت. وإني رأيت الصبر عن مَحَارِم اللهّ أيسَرَ من الصبر على عذاب اللّه.
خطبة سليمان بن عبد الملك
خطب فقال: إن الدارَ دارُ غُرورٍ ومنزلُ باطلٍ، تُضحك باكياً وتُبْكي ضاحكاً، وتُخيف آمناً وتُؤمن خائفاً، وتُفقر مُثرياً وتُثري مُقْتِراً، مَيالةٌ غَرارة لَعّابة بأهلها! عبادَ الله! اتَّخذوا كتاب الله إماماً، وارتضُوا به حَكَماً، واجعلوه لكم قائداً، فإنه ناسخٌ لِمَا كان قبله ولم ينسَخْه كتابٌ بعده. اعلموا عبادَ اللّه أن هذا القران يجلو كَيْدَ الشيطان كما يجلو ضوءُ الصبح إذا تنفّس، ظلامَ الليل إذا عسعس.
خطبة يزيد بن الوليد بعد قتله الوليد
حمِد
الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، والله ما خرجت أشَراً ولا بَطَراً ولَا
حِرْصاً على الدنيا ولا رغبةً في الملك، وما بي إطراءُ نفسي، وإني لظَلُومٌ لها إن
لم يرحَمْني اللهّ، ولكن خرجت غَضَباً لله ودِينه، داعياً إلى اللّه وإلى سنة
نبيه، لَمّا هُدمت معالمُ الهدى، وأطفئ نورُ أهل التقوى، وظَهَر الجبار العَنِيد،
المستحِل لكل حُرْمة، والراكبُ لكل بِدْعة، الكافرُ بيوم الحساب، وإنه لابن عَمِّي
في النًسَب وكَفِيئي في الحَسَب؛ فلمّا رأيتُ ذلك استخرتُ اللّه في أمره وسألته
ألا يَكِلَني إلى نفسي، ودعوتُ إلى ذلك مَنْ أجابني من أهلا وِلايتي، حتى أراح
الله. منه العبادَ، وطهّر منه البلاد، بحَوْله وقُوّته لا بحولي وقوتي.
أيها الناس، إنّ لكم! عليّ ألّا أضَعَ حَجَراً على حجر، ولا لَبِنةً على لبنة، ولا
أكْرِي نهراً، ولا أكنِزُ مالًا، ولا أعطيه زوجاً ولا وَلَداً، ولا أنقُلُه من بلد
إلى بلد حتى أسُد فقرَ ذلك البلد وخَصَاصةَ أهله، فإنْ فَضَلَ فضلٌ نقلتُه إلى
البلد الذي يَلِيه. ولا أجَمَركم في بُعُوثكم فأفتنَكم وأفتِنَ أهليكم، ولا أغْلِق
بابي دونكم فيأكُلَ قَوِيكم ضعيفكم، ولا أحمِلُ على أهل جِزْيتكم ما أجْليهم به عن
بلادهم وأقطَعُ به نَسْلَهم. ولكم علي إدرارُ العَطَاء في كل سنةٍ والرزقِ في كل
شهر، حتى يستويَ بكم الحال فيكونَ أفضلُكم كأدناكم. فإن أنا وَفَيت لكم فعليكم السمع
والطاعة وحسن المؤازرة والمكانفة، وإن لم أفِ لكم فلكم أن تخلعوني، إلا أن
تستتيبوني، فإن أنا تبت قبلتم مني، وإن عرفتم أحداً يقوم مَقَامي ممن يُعرف
بالصَلاَحُ يعطيكم من نفسه مثلَ الذي أعطيتُكم فأردتم أن تُبايعوه، فأنا أولُ مَنْ
بايعه ودَخَل في طاعته. أيها الناس، إنه لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصية الخالق. وأقول
قولي هذا وأستغفر الله العظيمَ لي ولكم.
فلما بُويع مَرْوانُ نَبَشَه وصَلَبه. وكانوا يقرأون في الكتب: يا مبذَر الكنوز
ويا سجاداً بالأسحار، كانت ولايتُك لهم رحمةً وعليهم حجة، أخذوك فصَلَبوك.
خطبة أبي حمزة الخارجيّ
خطب أبو حمزةَ الخارجي بمكة فذكر رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم،، ثم أبا بكر
وعمر رضي الله عنهما بما هُمْ أهله، ثم قال: ووَلي عثمانُ فسار سِتَّ سنين بسِيرة
صاحبَيْه وكان عونَهما، تم سار في الستّ الأواخر بما أحبط به الأوائل، ثم مضى
لسبيله. ووَليَ عليٌ فلم يَبْلُغ من الحق قَصْداً ولم يرفِعْ له مناراً، ثم مضى
لسبيله. ثم وَلي معاوية لَعِينُ رسولِ الله وابن لعينه، اتّخذ عبادَ الله خوَلاً،
ومالَ الله دوَلاً، ودِينَه دَغَلا، ثم مضى لسبيله، فالعَنُوه لعنه الله. ثم ولي
يزيدُ بن معاوية، يزيد الخمور، ويزيد القُرود، ويزيد الفهود، الفاسقُ في بَطْنه
والمأبون في فَرْجه. ثم اقتصَّهم خليفةً خليفَةَ. فلما انتهى إلى عمر بن عبد
العزيز أعرضَ عن ذكره. ثم ذكر يزيدَ بنَ عبد الملك فقال: يأكلُ الحرامَ، ويلبَس
الحُلّة بألف دينار، قد ضُرِبَت فيها الأبشارُ، وهُتِكت الأستار، حَبَابةُ عن
يمينه وسَلامة عن يَساره تغنَيانه، حتى إذا أخَذَ الشرابُ فيه كل مَأْخَذٍ قَد
ثوبَه ثم التفتَ إلى إحداهما فقال: ألَا أطِير! نعم! طِرْ إلى النار. ثم ذكر
أصحابَه فقال: شبابٌ والله مُكتهلون في شَبَابهم، غَضيضةٌ عن الشر أعينُهم،
ثَقِيلة عن الباطل أرجلُهم، أنْضاءُ عِبادة، وأطْلاح سَهَر، ينظُرُ اللّه إليهم في
جوف الليل مُنْحنِيةً أصلابُهم على أجزاء القرآن، قد أكلت الأرض رُكَبَهم وأيديَهم
وجِبَاهَهم، واستقلُوا ذلك في جَنْب الله، حتى إذا رأوُا السهام قد فُوَقَتْ،
والرماحَ قد أشْرِعتْ، والسيوفَ قد انتُضِيتْ. وأرْعدت الكتيبةُ بصواعق الموت، مضى
الشاب منهم قدماً، حتى اختلفت رجلاه على عُنُق فرسه، وتخضبتْ محاسِنُ وجهه
بالدماء، فأسرعت إليه سِباعُ الأرض وانحطَّتْ إليه طيرُ السماء، فكم من عيْنٍ في
مِنْقار طائرٍ طالما بَكَى صاحبُها في جوف الليل من خوف اللّه! وكم من كف زَايَلَتْ
مِعْصَمَها طالما اعتمَدَ عليها صاحبُها في جوف الليل بالسجود لله! ثم قال: اوه
أوّه وبكى ثم نزل.
خطبة لقَطَرِيّ الخارجيّ
ذَكَر فيها الذي قالوا مَنْ أشد منا قوةً، فقال: حُمِلُوا إلى قُبُورهم فلا يُدْعَوْنَ رُكْباناً، وأنْزِلوا فلا يُدعون ضِيفاناً، وجعلوا لهمِ من الضًرِيح أجْناناً، ومن التراب أكفاناً، ومن الرفَ جِيراناً، فهم جِيرةٌ لا يُجيبون داعياَ ولا يَمنعون ضَيماً، إن أخصَبوا لم يفرحوا، أو أقحَطوا لم يَقْنَطوا؛ جميع أوحادٌ، وجِيرةٌ أبعاد، لا يَزُورون ولا يُزارون. فاحذَرُوا ما حَذّركم الله وانتفعوا بمَوَاعظه واعتصِموا بحبله.
وفي خطبة ليوسف بن عمر
اتقوا الله عبادَ الله! فكم من مُؤَمَل أملاً لا يبلُغه، وجاِمعٍ مالاً لا يأكله، ومانعٍ ما سوف يَتركُه، ولعله من باطل جَمَعَه، ومن حقٍّ مَنَعَه، أصابه حراماً ووَرَّثَه عدواً، إحتمل إصْرَه وباء بوِزْره، ووَرَد على ربّه آَسفاً لاهِفاً، قد خَسِر الدنيا والآخرةَ، ذلك هو الخُسْرانُ المبين.
وفي خطبة للحجاج
قال مالك بن دِينار: سمعته على المنبر يقول: امرأً زور عمله امرأً حاسَبَ نفسَه، امرأً فكر فيما يقرؤُه في صحيفته ويراه في مِيزانه، امرأً كان عند هواه زاجراً، وعند هَمَه آمراً، أخذ بعِنَان قلبه كما يأخُذ بخِطام جَمَله، فإن قاده إلى طاعة الله تَبِعه، وإن قاده إلى مَعْصِية الله كفه.
خطبة للمنصور
خطب المنصور بمكة فقال: أيها الناس، إنما أنا سلطانُ الله في أرضه، أسوسُكم بتوفيقه وتَسْديده وتأيِيده وتَبْصيره، وخازنُه على فَيْئه أعمَلُ فيه بمشيئته، وأقْسِمه بإرادته، وأعطيه بإذنه، قد جَعَلني عليه قُفْلا إذا شاء أن يفتَحَني لإعطائكم وقَسْم أرزاقكم فتحني، وإذا شاء أن يقفِلني عليها أقفلني. فارغَبُوا إلى الله واسألوه في هذا اليوم الشريف الني وهَبَ لكم فيه من فَضْله ما أعلمكم في كتابه، إذ يقول: "اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الِإسْلامَ دِينَاً" أن يُوَفقني للصَّواب والرشاد، ويُلْهِمَني الرأفةَ بكم والإحسانَ إليكم، ويَفْتَحَني لإعطائكم وقَسْم أرزاقكم بالعَدْل عليكم.
خطبة لداود بن عليّ
خطب فقال: أحرزَ لسانٌ رأسَه، اتعظ امرؤٌ بغيره، اعتبَرَ عاقل قبل أن يُعْتَبَر
به، قأمسكَ الفَضْلَ من قوله وقدّم الفضلَ من عمله. ثم أخذ بقائم سيفه فقال: إن
بكم داءً هذا عواؤُه، وأنا زعيمٌ لكم بشِفائه، وما بعد الوعيدِ إلّا الإيقاع.
خطبة لدواد بن عليّ أيضاً
لما قام أبو العبّاس في أول خِلافته على المنبر قام بوجهٍ كورقة المصحف فاستَحْيَا فلم يتكلَّم؛ فنَهَض داودُ بن عليّ حتى صَعِد المنبرة فقال المنصور: فقلت في شيخِنا وكبيرِنا ويدعو إلى نفسه فلا يختلف عليه اثنان، فانتضَيْتً سيفي وغَطيت ثوبي وقلتُ: إن فَعَلَ ناجزتُه، فلما رَقِيَ عَتَباً استقبل الناسَ بوجهه عون أبي العباس، ثم قال: أيها الناس، إن أمير المؤمنين يَكْرَه أن يتقدّم قولُه فعلَه، ولأثَر الفِعال عليكم أجْوَر من تَشْقيق المَقَال، وحسبكُم بكتابِ الله مُمْتَثَلاً فيكم، وابن عمّ رسولِ اللهّ خليفةً عليكم. والله قَسَماً بَرا لا أريد إلّا اللَه به ما قام هذا المقامَ أحد بعد رسول الله أحق به من عليّ بن أبي طالب وأمير المؤمنين هذا، فلَيظُنَّ ظانكم وليَهْمِسْ هامسُكم. قال أبو جعفر: ثم نزل وشِمْتُ سيفي.
خطبة لأعرابيّ
أما بعد، فإن الدنيا دارُ بَلَاء والآخرةَ دارُ بقاء، فخُذُوا أيها الناس لمَقَرّكم من مَمَرّكم، ولا تهْتِكوا أستاركم عند من لا يَخْفَى عليه أسراركم، ففي الدنيا أحيِيتم ولغيرها خُلقتم. أقول قولي هذا، والمستَغْفَرُ اللّه، والمدعوُ له الخليفةُ ثم الأميرُ جعفر بن سليمان.
خطبة المأمون يوم الجمعة
الحمد لله مستخلِص الحمدِ لنفسه، ومستوجبه على خَلْقه، أحمدُه وأستعينُه وأومن به وأتوكَل عليه، وأشهَدُ إنْ لا إلهَ إلا اللُّه وحده لا شريكَ له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسولُ أرسله بالهُدَى ودِينِ الحق ليُظهِرَه على الدينِ كلَه ولو كَرِهَ المُشركون. أوصِيكم عِبادَ الله بتقوى الله وحدَه، والعمل لما عنده، والتنجُّز لوعده، والخوفِ لوعيده، فإنه لا يسلَم إلا من اتّقاه ورَجَاه، وعَمِل له وأَرْضاه. فاتَّقوا اللّه عبادَ اللّه وبادِرُوا آجالَكم بأعمالكم، وابتاعُوا ما يبقَى به يزولُ عنكم، وترحّلوا فقد جُدً بكم، واستعِدُوا للموت فقد أظلَّكم، وكُونوا قوماً صِيحَ بهم فانتبهُوا، وعلِموا أنّ الدنيا ليسْت لهم بدار فاستَبْدلواة فإنّ الله لم يخلُقْكم عبثاً ولم يترُكْ سُدًى؛ وما بين أحدِكم وبين الجنّة والنار إلا الموتُ أنْ يَنزِلَ به. وإنّ غايةً تنقصُها اللحظة وتَهدِمها الساعةً الواحدةُ لجديرة بقِصَر المُدّة، وإنّ غائباً يحدُوه الجديدانِ الليلُ والنهارُ لحرىِ بسُرعة الأوْبة، وإنّ قادماً يحُلّ بالفوز أو بالشِّقْوة لمستحِق لأفضل العدة، فتَقي عبدٌ ربَّه، ونَصَح نفسَه، وقَدّم توبته، وغَلَب شهوتَه، فإنّ أجلَه مستور عنه، وأملَه خادع له، والشيطان مُوكَّل به يُزَينُ له المعصيةَ ليركبها، وُيمَنِّيه التوبةَ ليُسَوّفها، حتىِ تهجُمَ عليه منيتُه أغفَل ما يكون عنها. فيا لها حسرةً على في غَفْلة: أن يكون عمرُه عليه حُجّةَ، أو تؤدَيهَ أيامُه إلى شْقْوة نسألُ الله يجعلَنا وإيّاكم ممن لا تُبطره نعمة، ولا تُقصَر به عن طاعته غَفْلة، ولا تُحلّ به بعد الموت فَزْعة، إنه سميع الدعاء، وبيده الخيرُ، وإنه فعال لما يُريد.
وفي خطبة المأمون يوم الأضحى بعد التكبير الأوّل
إنَ يوصكم هذا يومٌ أبانَ الله فضلَه، وأوجبَ تشريفَه، وعَظّم حُرْمته، ووَفَق له
من خَلا صفوتَه، وابتَلَى فيه خليلَه، وفَدَى فيه من الذَبْح نبئه، وجعله خاتمَ
الأيام المعْلومات من العَشْر ومتقدَم الأيام المعدودات منِ النفْر؛ يومٌ حرامٌ من
أيام عِظام في شهرَ حَرَام، يومُ الحجِّ الأكبر يومٌ دعا اللُّه إلى مَشْهَده،
ونزَل القرآنُ بتعظيمه، قال اللهّ جلّ وعزّ: "وَأذِّنْ في الناس
بالحج"َ؛ الآيات؛ فتقربوا إلى اللّه في هذا اليوم بذبائحكم، وعَظِّموا شعائرَ
الله واجعلوها من طَيبِ أموالَ وبصحّة التقوى من قلوبكم، فإنه يقول: "لَنْ
يَنَالَ اللَّه لُحُومُهَا وَلَا دمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التًقْوَى
مِنْكُمْ"، ثم التكبير والتحميد والصلاة على النبي والوصية بالتقوى، ثم قال
بعد ذكر الجنة والنار: عَظُمَ قدرُ الدارين وارتفع جزاءُ العملين وطالت مدّة
الفريقين الله للّه! فوالله إنه الجِدُ لا اللعِبُ، وإنه الحقُّ لا الكذِب، وما هو
إلا الموت والبَعْث والمِيزان والحِساب والقِصَاص والصَراط ثم العقاب والثَواب،
فمن نَجَا يومئذٍ فقد فاز، ومن هَوَى يومئذ فقد خاب. الخيرً كلّه الجنّة، والشر
كله في النار.
وفي خطبة المأمون يوم الفطر بعد التكبير الأوّل
إنّ يومكم هذا يومُ عِيدٍ وسُنَّة وابتهال ورغبة، يومٌ خَتَم الله به صيامَ شهر رمضان وافتتح به حجَّ بيته الحَرَام، فجعله خاتمةَ الشهر وأوّلَ أيام شهور الحجّ، وجعله مُعقِّباً لمفروض صيامكم ومنتفَل قيامكم، أحل فيه الطعامَ لكم وحَرم فيه الصيامَ عليكم؛ فاطلبوا إلى الله حوائجكَم استغفروه لتفريطكم، فإنه يُقال: لا كبيرَ مع استغفار، ولا صغير مع إصرار. ثم التكبير والتحميد وذكر النبيّ عليه السلام والوصية بالتقوى. ثم قال: فاتقوا الله عبادَ الله وبادروا الأمرَ الذي اعتدَلَ فيه يقينُكم، ولم يتحضِر الشكُ فيه أحداً منكم، وهو الموت المكتوبُ عليكم، فإنه لا تُستقالُ بعده عَثْرةٌ، ولا تُحْظَر قبله توبة. واعلموا أنه لا شيءَ قبله إلا دونَه ولا شيءَ بعده إلا فوقَه. ولا من على جَزَعه وعَلَزه وكُرَبه، ولا يُعين على القبر وظُلْمته وضِيقه ووَحْشته وهَوْل مَطْلَعه ومسألة ملائكته، إلا العملُ الصالحُ الذي أمر اللّه به. فمن زَلَّت عند الموت قَدَمُه، فقد ظهرت ندامتُه، وفاتته استقالتُه، ودعا من الرَّجْعة إلى ما لا يجاب إليه، وبذَلَ من الفِدْية ما لا يُقْبَلُ منه. فالله اللَّه عبادَ اللهّ! وكونوا قوماً سألوا الرَّجْعةَ فأعْطُوها إذ مُنِعَهَا الذين طَلَبوها فإنه ليس يتمنَى متقدون قبلكم إلا هذا المهلَ المبسوطَ لكم. واحذَرُوا ما حذَّركم الله، واتَقوا اليومَ الذي جمَعُكم الله فيه لوَضْع مَوَازينكم، ونَشْر صُحُفكم الحافِظةِ لأعمالكم. فلينظُرْ عبدٌ ما يَضَعُ في زاده مما يثقل به، وما يًمِلُ في صحيفته الحافِظة لما عليه وله؛ فقد حَكَى الله لكم ما قال مفرطون عندها إذ طال إعراضُهم عنها، قال: "وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمينَ مُشْفِقِينَ مما فيه"! الآية. وقال: "وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْم الْقِيَامَةِ". ولستُ أنهاكم عن الدنيا بأعظمَ مما نهتْكم الدنيا عن نفسها، فإنه كل ما لها ينهَى عنها، وكل ما فيها يدعو إلى غيرها. وأعظمُ ما رأته أعينكم من عجائبها فمُّ كتاب اللّه لها ونَهْيُ اللّه عنها، فإنه يقول: "فَلَا تَغُرنًكُمُ الحَيَاة الدنْيَا وَلاَ يَغُرنكُمْ بِالله الغَرُورُ" وقال: "إنمَا الْحَيَاةُ الدُنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ" الآية. فانتفعوا بمعرفتكم بها وبإخبار الله عنها، واعلَموا أنّ قوماً من عباد اللهّ أدركتُهم عِصمةُ اللّه فحذِروا مَصَارِعَها، وجانَبُوا خدائعها، وآثروا طاعةَ الله فيها، فأدركوا الجنَّة بما تركوا منها.
كلام مَنْ أرتِجَ عليه
لعيسى
بن عمر حدّثنا أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: خَطَب أميرٌ مرّةً فانقطع فخجِل، فبعث
إلى قوم من القبائل عابوا ذلك وَلفَهم، وفيهم يَرْبوعِي جَلْد، فقال: اخطُبُوا؛
فقام واحدٌ فمرّ في الخطبًة، حتىٍ إذا بلغ "أما بعد" قال: أما بعد أما
بعد، ولم يدرِ ما يقول: ثم قال: فإنّ امرأتي طالق ثلاثا، لم أرِد أن أجمع اليوم
فمنْعتني.
وخطب آخر، فلما بلغ "أما بعد" بَقِي ونَظرَ فإذا إنسان ينظر إليه، فقال:
لعنك الله! تري ما أنا فيه وتَلْمَحني ببصرك أيضاً.
قال: وقال أحدهم: رأيتُ القَرَاقير من السُّفُن تجرِي بيني وبين الناس.
قال: وصَعِد اليربوعيً فخطب فقال: أمّا بعدُ فوالله ما أدرِي ما أقولُ ولا فِيمَ
أقمتموني. أقول ماذا. فقال بعضهم: قل في الزيت؛ فقال: الزيتُ مبارك، فكُلُوا منه
وادّهِنوا. قال: فهو قولُ الشُطَار اليوم إذا قيل: لم فعلت ذا? فقل في شأن الزيت
وفي حال الزيت.
ليزيد بن أبي سفيان ولما أتى يزيدُ بن أبي سُفْيان الشأم والياً لأبي بكر رضي الله
عنه، خطب فأرتِج عليه، فعاد إلى الحمد لله فأرتج عليه، فعاد إلى الحمد لله ثم أرتج
عليه، فقال: يا أهل الشأْم عسى الله أن يجعل من بعد عسرٍ يُسراً، ومن بعد عِيً
بياناً، وأنتم إلى إمامٍ عادل أجوجُ منكم إلى إمام قائل. ثم نزل. فبلغ ذلك عَمرو
بن العاص فاستحسنه.
لثابت قطنة بسجستان صعِد ثابتً قُطْنَة منبراً بسِجِسْتان فحمِد الله ثم أرتج
عليه، فنزل وهو يقول:
فإلا أكُنْ فيكم خطيباً فإنّـنـي |
|
بسيفي إذا جَدّ الوَغَي لخَطَيبُ |
فقيل
له: لو قلتَها على المنبر كنتَ أخطبَ الناس.
لعبد اللّه بن عامر بالبصرة وأرتج على عبد اللهّ بن عامر بالبَصْرة يومَ أضْحَى،
فَمكَث ساعةً ثم قال: والله لا أجمَعُ عليكم عِيًّا ولُؤماً، من أخَذَ شاةً من
السوق فهي له وثمنُها عليّ.
لخالد بن عبد اللّه القسري وارتج على خالد بن عبد اللّه القَسْرِيّ فقال: إن هذا
الكلامَ يجيء أحياناً ويعزُبُ أحياناً، وربما طُلِب فأبَى، وكُوبِرَ فعسا،
فالتّأنِّي لمجيّه، أيسرُ من التَّعاطِي لأبيه؛ وقد يَختَلِط من الجريء جَنَانهُ،
وينقطع من الذَرِب لسانُه، فلا يُبْطره ذلك ولا يَكْسِره؛ وسأعودُ إن شاء الله.
لمعَن بن زائمة وأرتج على مَعن بن زائدة فضرب المنبر برجله ثم قال: "فَتَى
حُرُوبٍ لا فَتَى مَنَابر".
لعبد ربه اليشكريّ وكان عبد ربه اليَشْكُريّ عاملاً لعيسى بن موسى على المدائن،
فصعِد المنبرَ فحمِد الله وارتج عليه فسكت، ثم قال: والله إني لأكون في بيتي
فتجيءُ على لساني ألفُ كلمة، فإذا قمتُ على أعوادكم هذه جاء الشيطانُ فمحاها من
صَدْري، ولقد كنتُ وما في الأيّام أحب إلي من يوم الجمعة، فصِرْتُ وما في الأيام
يوم أبغضُ إلي من يوم الجمعة، وما ذلك إلاّ لخطبتكم هذه. لروح بن حاتم صَعِدَ
رَوْح بن حاتم المنبَر، فلما رأى جَمْعَ الناس حَصِر، فقال: نَكَسوا رؤوسَكم
وغُضُوا أبصاركم، فإن أوّلَ مَرْكبٍ صعْب، وإذا يسر اللّه فَتْحَ قُفْل تيسر.
رجل دُعي ليخطب في نكاح فأرتج عليه ودُعِي رجلٌ ليخطب في نكاح فحَصِر، فقال:
لَقَنوا موتاكم شهادةَ أنْ لا إلهَ إلا الله. فقالت امرأةٌ حضرتْ: ألهذا دعوناك!
أماتك الله!.
لعبيد اللّه بن زياد، ولعبد الملك قال عُبَيد الله بن زِياد: نِعْمَ الشيءُ
الإمارةُ لولا قعقعةُ البريد والتشرُف للخُطَب.
قيل لعبد الملك: عَجل عليك الشَّيبُ؛ فقال: كيف لا يُعجل علي وأنا أعرِض عقلي على
الناس في كل جمعة مَرةً أو مرتين.
للدندان الهاشمى ووَليَ رجل من بني هاشم يُعْرَف بالدَنْدَان بحر اليمامة، فلما
صعِد المنبر أرتج عليه فقال: حيا اللهّ هذه الوجوهَ وجعلني فِداءَها، إنَي قد
أمرتُ طائفي بالليل ألا يرى أحداً إلا أتاني به وإن كنت أنا هو ثم نزل.
المنابر
قال بعض المفسرين في قول اللّه جل وعزّ "ومَقَامٍ كَرِيم"؛ إنه المنبر. وقال: الشاعر:
لنا المساجدُ نَبْنِيها ونَعْمُرُها |
|
وفي المنابر قَعْداتٌ لنا ذُلُلُ |
فلا نَقِيلُ عليها حين نركَبُها |
|
ولا لهنّ لنا من مَعْشرٍ بَدَلُ |
وقال الكُمَيْت يذكر بني أمية:
مُصيبٌ على الأعوادِ يومَ ركُوبِهِ |
|
لِمَا قال فيها مخطئ حين ينزِلُ |
يُشَبِّهها الأشباهَ وهي نَصِـيبُـه |
|
له مَشْرَب منها حرامٌ ومأكَـلُ |
وقال بعض المُحْدَثين :
فما مِنبرٌ دنسته باستِ لا أفكل |
|
بِزَاكٍ ولو طهّرتَه بابن طاهر |
للأقيشر ومرّ الأقَيْشِر بمَطَر بن نَاجِية اليربوعي حين غَلَبَ على الكُوفة في أيام الضًحاك بن قيس الشّارِي ومَطَرٌ يخطُبُ، فقال:
أبني تَميم ما لمنبر ِمُلْكـكـم |
|
لا يستمِرّ قعوده يتَمـرْمَـرُ |
إنّ المنابرَ أنكرتْ أشباهَكـم |
|
فادعُوا خُزَيْمةَ يستقِرّ المنبرُ |
خلعُوا أمِيرَ المؤمنين وبايَعُوا |
|
مَطَراً لعمرُك بَيْعةً لا تظهرُ |
واستخلفوا مطراً فكان كقائلٍ |
|
بَدَلٌ لعمرُك من أمَيّة أعورُ |
لقتيبة بن مسلم وقد سقط القضيب من يده وهو يخطب خَطَب قُتَيْبة بن مُسْلم على منبر خُرَاسان فسَقَط القضِيبُ من يده، فتفاءل له عدوّه بالشرّ واغتمّ صديقُه، فعَرَف ذلك قُتَيبة فقال: ليس الأمرُ على ما ظَنّ العدوّ وخاف الصديقُ، ولكنه كما قال الشاعر:
فألقتْ عَصَاها واستقرّ بها النَّوَى |
|
كما قَرّ عَيْناً بالإيابِ المُسافـرُ |
لواثلة بن خليفة يهجو عبد الملك بن المهلب وقال واثلةُ بن خَلِيفة السًدُوسيّ يهجو عبد الملك بن المُهَلَب:
لقد صَبَرتْ للذُّلِّ أعواد منـبـرٍ |
|
تقوم عليها في يديك قـضـيبُ |
بكى المنبرُ الغربيُ إذ قُمْتَ فوقَه |
|
وكادت مساميرُ الحديد تـنـوبُ |
تم كتاب العلم وهو الكتاب الخامس من عيون
الأخبار لابن قتيبة رحمه الله، ويتلوه في الكتاب السادس كتاب الزهد.
والحمد للهّ رب العالمين، وصلاته على سيدنا محمد النبي وآله أجمعين.
صورة ما كتبه الناسخ بخطه في آخر النسخة كتبه الفقير إلى رحمة الله تعالى إبراهيم
بن عمر بن محمد بن علي الواعظ الجزريّ، وذلك في شهور سنة أربع وتسعين وخمسمائة.
وقال بعضهم: بُنِي الإسلامُ على خمسة: التواضع عند الدولة، والعفو عند القدرة،
والسخاء مع القِلّة، والعطيّة من غير مِنّة، والنصيحة للعامّة.
لبعض الشعراء في الصبر وقال بعض الشعراء في الصبر:
وإذا ابتُلِيتَ بمِحْنةَ فالبس لـهـا |
|
ثوبَ السكوتِ فإن ذلك أسلـمُ |
لا تشكوَن إلى العباد فـإنـمـا |
|
تشكو الرحيمَ إلى الذي لا يَرْحَم |
للشافعي رضي الله عنه وُيرْوَى للشافعيّ رضي اللّه عنه:
نَعِيبُ زمانَنا والعيبُ فـينـا |
|
وما لزماننا عيبٌ سـوانـا |
وقد نهجُو الزمانَ بغير جُرْم |
|
ولو نطق الزمانُ بنا هجانا |
فدُنْيانا التصنُعُ والـتـرائيً |
|
ونحن به نُخادع من يرانـا |
وليس الذئبُ يأكل لحمَ ذئبٍ |
|
ويأكلُ بعضُنا بعضاً عِيانـا |
كتاب الزهد
ما أوحى الله عز وجل إلى أنبيائه عليهم السلام
لوهب
بن منبه في ما أوحى اللّه تعالى به إلى أرمياء
حدثني محمد بن عُبَيد قال: حدّثنا خَلَف بن تَميم عن أبي عِصْمة الشاميّ عن ابن
أخت وهب بن منبه عن وهب قال: أوحَى الله إلى نبيّ من أنبياء بني إسرائيل يقال له
إرمِياء حين ظهرت فيهم المعاصي: أن قُمْ بين ظَهْرانَيْ قومِك فأخبِرهم أن لهم
قلوباً ولا يفقهون، وأعيناً ولا يبصرون، أذاناً ولا يسمعون، وأنِّي تذكرتُ صلاحَ
آبائهم، فعطفني ذلك على أبنائهم، سلهم كيف وجدوا غب طاعتي، وهل سعِد أحد ممن عصاني
بمعصيتي، وهل شقِي أحدٌ ممن أطاعني بطاعتي؛ إن الدواب تذكُرُ أوطانَها فتنزعُ
إليها، وإن هؤلاء القوم تركوا الأمر الذي أكرمتُ عليه آباءهم، والتمسوا كرامةَ من
غير وجهها. أما أحبارهم فأنكروا حقي؛ وأما قرّاؤهم فعبدوا غيري وأما نساكهم فلم
ينتفعوا بما عُلَمُوا من حكمتي؛ وأما وُلاتهم فكذَبوا علي وكذَبوا رُسُلي، خزنوا
المكر في قلوبهم، عودوا الكذبَ ألسنتَهم، وإني أقسم بجلالي وعزتي لاهيّجن عليهم
جنوداً لا يفقهون ألسنتهم، ولا يعرفون وجوههم، ولا يرحمون بكاءهم؛ ولأبتعِثن فيهم
ملِكاً جناراً قاسياً، له عساكر كقِطَع سحاب، ومواكبُ كأمثال العَجَاج، كان
خَفَقانَ راياتِه طَيَرانُ النسور، وكأنْ حمل فُرسانه كرّ العِقبان، يعيدون
العُمران خراباً، ويتركون القُرى وحشةً. فيا ويلَ إيلياء وَسُكانِها كيف أذلَلهم
للقتل، واسلَط عليهم السباء، وأعيدُ بعد لَجَبِ الأعراس صُراخَ الهام، وبعد صهيل
الخيل عُواءَ الذئاب، وبعد شُرفات القصور مساكنَ السباع، وبعد ضوءِ السرُج رَهَجَ
العَجَاج. ولأبدلنّ رِجالهم بتلاوةِ الكتاب انتهارَ الأرباب، وبالعزّ الذلَّ،
وبالنعمةِ العبوديةَ. ولأبدلن نساءهم بالطيبِ التراب وبالمشي على الزرابي
الخِبَبَ؛ ولأجعلنً أجسادهم زبلاً للأرض، وعظَامهم ضاحيةً للشمس وفي رواية أخرى:
ولأدوسنَّهم بألوان العذاب، حتى لو كان الكائنُ خاتَماً في يميني لوصلتَ الحربُ إليه؛
ثم لآمرنَ السماءَ فلتكوننَ طبَقاً من حديد، والأرضَ فلتكونن سبيكة من نحاس، أمطرت
السماءُ وأنبتت الأرضُ شيئاً في خلال ذلك فبرحمتي للبهائم، ثم أحبِسه في زمن الزرع
وأرسله في زمن الحِصاد، فإن زرعوا خلال ذلك شيئاً سلطتُ علِيه الآفةَ، فإن خَلص
منه شيء نزعتُ منه البركةَ، فإن دعَوْني لم أجبهم، وإن سألوا لم أعطِهم، وإن
بكَوْا لم أرحمهم، تضرّعوا صرفت وجهي عنهم.
في ما أوحى الله تعالى به إلى موسى بن منسى بن يوسف حدّثني عبد الرحمن عن عبد
المنعم عن أبيه عن وهب: أن الله عزّ وجل أوحى إلى موسى بن مَنسَّى بن يوسف أن قُلْ
لقومك: إني بريء ممن سَحَر أو سُحِر له، أو تَكَفَنَ أو تُكُفَنَ له تَطَيرَ أو
تُطُيرَ له؛ من آمن بي صادقاً فليتوكل عليّ صادقاً، فكفى بي مثيباًة ومن عدل عنّي،
بغيري فإني خير شريك أردّ عليه ما توسّل به إليّ، وأكِلُه إلى من توكل عليه؛ ومن
وكَلَته غيري فليستعذَ للفتنة والبلاء.
ما أوحى اللّه به إلى داود عليه السلام وحدّثني بهذا الإسناد قال: أوحى الله إلى
داود عليه السلام في الزَّبور: يا عبدي الشكور إني قد وهبتُ لك الزبورَ، وأتبعتُه
بنصح منّي من أعين السطور، ومن الوحي المحفوظ المحجوب من وراء الستور، فاعبدْني به
في الأيام والليالي والشهور؛ وأحببْني من كل قلبك، وحببْني خَلْقي، وأبغِضْ من
عبادي كل منافقٍ جهول. قال: يا ربّ، كيف أَحَببُكَ إلى خلقِك؛ قال: تُذكرهم آلائي.
في ما أنزل على إبراهيم عليه السلام وبهذا الإسناد قال: أنزل الله على إبراهيم
عليه السلام عشرين صحيفة، وكانت صُحُفه أمثالاً وعِبَراً وتسبيحاً وتمجيداً
وتهليلاً، فكان فيها: أيها الملك المسلَّط المغرور المبتلَى، إني لم أبعثك لتردَّ
عني دعوةَ المظلوم، فإني لا أرُدّها ولو كانت من كافر.
ما أوحى اللّه تعالى به لشَعْيا
وبهذا الإسناد أن الله تعالى قال لِشَعْيا: قم في قومك أوح على لسانك؛ فلما قام
شَعْيا أنطق اللُه لسانَه بالوحي، فقال: يا سماءُ اسْتَمِعي، يا أرضُ أنْصِتي،
فأنصتت الأرضُ واستمعت السماءُ؛ فقال: إن اللّه يقول لكم: إني استقبلتُ بني
إسرائيلَ بالكرامةِ وهم كالغنم الضائعةِ لا راعيَ لها، فآويتُ شاذَّتَها، وجمعتُ
ضالَتها، وجبرتُ كسِيرها، وداويتُ مريضَها، وأسمنتُ مهزولَها؛ فبطِرْت فتناطحتْ،
فقتل بعضُها بعضاً حتى لم يبقَ منها عظمٌ صحيح يُجبر إليه آخرُ كسيرٌ. إن الحمار
مما يتذكر ارِيَّه الذي شَبع عليه فيراجعه، وإنّ الثور مما يتذكر مَرْجَه الذي
سَمِنَ فيه فينتابه، وإنّ البعير مما يتذكر وطنَه الذي نُتِج فيه فينرع إليه، وإن
هؤلاء القومَ لا يذكرون أنَى جاءهم الخيرُ وهم أهلُ الألباب وأهل العقول، ليسوا
بإبلِ ولا بقر ولا حميرٍ. وإني ضاربٌ لهم مثلاً فاسمعوه: قل لهم: كيف تروْن في
أرضٍ كانت زماناً من زمانها خربةً مواتاً لا حَرْثَ فيها، وكان لها رب قويٌ حليم،
فأقبل عليها بالعِمارة وكرِه أن تخرَبَ أرضُه وهو قويٌ وأن يقال له ضيًع وهو عليم،
فأحاط عليها سياجاً وشَيَد فيها قصراً وأنبط فيها نهراً وصنف فيها غِراساً من
الزيتون والرُمان والنخيل والأعناب وألوان الثمار، وولَّى ذلك ذا رأيٍ وهمةٍ
حفيظَاَ قوياً أميناً؛ فلما جاء إبَّانُ إثمارها أثمرت خَرًوباُ، ما كنتم قائلين
له ومشيرين عليه? قالوا: كنا نقول: بئست الأرض أرضُك، ونشير عليه أن يقلَع سياجها،
ويهدِمَ قصرها، ويدفِنَ نهرها، ويحرِق غراسَها حتى تعودَ خربِةً مَواتاً لا
عُمرانَ فيها. قال الله تعالى: قل لهم، إن السياجَ ذمتي، وإن القصرَ شريعتي، وإن
النهر كتابي، وإن القيم نبييّ، وإن الغرسَ مثَلٌ لهم، والخروبَ أعمالُهم الخبيثةُ،
وإني قد قضيتُ عليهم قضاءَهم على أنفسهم، يتقربون إلي بذبح الغنم والبقر وليس
ينالني اللحمُ ولا آكُلُه، ويَدَعون أن يتقربوا إليّ بالتقوى والكف عن ذبح الأنفس
التي حرَّمتُها ويُشيِّدون لي البيوتَ ويُزَوًقون لي المساجدَة وأي حاجة بي إلى
تشييد البيوت ولستُ أسكنُها، وإلى تزويق المساجد ولست أدخلُها? إنما أمرتُ برفعها
لأذكَرَ فيها وأسَبًحَ، ويُنَجسون أنفسهم وعقولَهم وقلوبهم ويخرًبونها، يقولون: لو
كان يقدِرُ على أن يجمعَ ألفتَنا لجمعَها، ولو كان يقدر على أن يُفقه قلوبنا
لفقهها. فاعمِدْ إلى عودَين يابسَينِ فاكتب فيهما كتاباً ثمَّ ائتِ ناديَهم أجمعَ
ما يكونون، فقل للعودين: إن اللّه يأمركما أن تعودا عُوداَ واحداً؛ فقال لهما ذلك،
فاختلطا فصارا عُوداً واحداً، وصار الكتاب في طَرَفَي العودِ كتاباً واحداً: يا
معشر القبائل، إن اللّه يقول لكم: إني قدرت على أن أفقَه العيدان اليابسة وعلى أن
أؤلِّفَ بينها؛ فكيف لا أقدِرُ على أن أجمعَ ألْفَتكمِ إن شئت! أم كيف لا أقدِر
على أن أؤلَف قلوبكم! يقولون: صمنا يُرفَع صيامُنا وصلَّينا فلم تُنوَّرْ صَلاتُنا
وزكَينا فلم تَزْك زكاتُنا، ودعَونا بمثل حنين الحمام، و بمثل عُواء الذئاب، في
كلّ ذلك لا يُسمعُ منّا ولا يُستجابُ لنا. قال اللّه تبارك وتعالى: "سلهم ذلك
وما الذي منعني أن أجيبَهم? ألستُ أسْمَعَ السامعين وأبصَر الناظرين وأقرَبَ
المجيبين وأرحم الراحمين! ألِأنّ خزائني فَنِيَتْ? كيف ويداي مبسوطتان بالخير
انفِق كيف أشاء! أم لأن ذاتَ يدي قلتْ. كيف ومفاتيح الخير بيدي لا يفتحها ولا
يُغلقها غيري! أم لأن رحمتي ضاقت? كيف ورحمتي وسِعتْ كل شيء، وإنما يتراحم بفضلها
المتراحمون! أم لأنّ البخل يعتريني. كيف وأنا النفاح بالخيرات أجوَدُ مَن أعطَى
وأكرمُ من سُئل! ولكن كيف أرفعُ صيامَهم وهم يَلْبِسونه بقول الزور ويتقوّون عليه
بطُعْمة الحرام! كيف أنوِّر صلاتَهم وقلوبهم صاغيَةٌ إلى من يُحَادّني وينتهك
محارمي أم كيف أستجيب دعاءهم وإنما هو قولٌ بألسنتهم والعملُ في ذلك بعيد! أم كيف
تزكو صدقاتهم وهي من أموال غيرهم! إنما أجزِي عليها المغصوبين. وإن من علامة رضاي
رضا المساكين.
في ما ناجى الله تعالى به موسى عليه السلام
قال وهب: وفيما ناجى الله به موسى عليه السلام: لا تُعْجبكما زينة ولا ما مُتِّعَ
به، ولا إلى ذلك أعينكما فإنها زهرة الحياة الدنيا وزينة المترَفين. ولو شئت أن
أزيِّنكما بزينة يعلم فرعون حين ينظر إليها أن مقدرته تَعجِز عما اوتيتما فعلتُ،
ولكنّي أرغب بكما عن ذلك وأزوِيه عنكما؛ وكذلك أفعل بأوليائي، إني لأذودُهم عن
نعيمها ورخائها كما يذود الراعي الشفيقُ غنَمه عن مراتع الهَلَكَة، وإني لأحميهم
عيشَها وسَلوتها كما يُجنَبُ الراعي الشفيقُ إبلَه مباركَ العُر، وما ذاك
لهَوَانهم علي، ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالماً موفَّراً لم يَكْلِمْه
الطمعُ ولم يطبعه الهوى. واعلم أنه لن يتزينُ العبادُ بزينة أبلغَ فيما عندي من
الزهد في الدنيا، إنما هي زينة الأبرار عندي، وأنْقَى ما تَزَينَ به العبادُ في
عيني عليهم منها، لباسٌ يُعرَفون به من السكينة والخضوع، سيماهم النحولُ والسجود،
أولئك أوليائي حقاً. فإذا لقيتَهم فاخفِضْ لهم جناحَك، وذلل لهم قلبك ولسانَك.
وأعلم أنه من أهان لي ولياً أو أخافه، فقد بارزني بالمحاربة وبادأني وعرَّضني
لنفسه ودعاني إليها، وأنا أسرع شيء إلى نُصرة أولياء، أفيظنّ الذي يحاربني فيهم
أنه يقوم لي! أم يظنّ الذي يعاديني فيهم أنه يعجِزني! أم يظن الذي يبادرني إليهم
أنه يسبقني أو يفوتني! كيف وأنا الثائر لهم في الدنيا والآخرة، لا أكل نصرَهم إلى
غيري! ما أوحى الله به إلى موسى عليه السلام بطور سيناء وفي التوراة: أوحى اللّه
تعالى إلى موسى عليه السلام بطور سيناء: يا موسى بن عمران صاحب جبل لُبنان، أنت
عبدي وأنا إلهك الديان؛ لا تستذلَّ الفقير، ولا تَغبِط الغني بشيء يسير؛ وكن عند
ذكري خاشعاً، وعند تلاوة وحيي طَائعاً؛ أسْمِعْني لذاذةَ التوراة بصوتٍ حزين.
ما أوحى الله تعالى به إلى عيسى عليه السلام وفيما أوحى اللّه إلى عيسى عليه
السلام: أنزلْني من نفسك كهمِّك، واجعلْني ذخرَك في مَعَادك، وتقرًبْ إلي بالنوافل
أدْنِك، وتوكَل عليَّ أكفِك، ولا تَوَلَّ غيري فأخذُلك؛ إصْبر على البلاء، وارضَ
بالقضاء، وكن كمسَرّتي فيك، فإنّ مَسرّتي أن أطاعِ، وأحْي ذكري بلسانك، وليكن وُدي
في قلبك تيقَظْ لي في ساعات الغفلة؛ وكن راهباً لي وراغباَ إلي. أمِتْ قلبَك
بالخشية؛ راع الليلَ لتحري مَسَرّتي، واظمأ لي نهارَك لليوم الذي عندي؛ نافسْ في
الخيرات جُهدك. قُمْ في الخليقة بعدلي، واحكم فيهم بنصيحتي، فقد أنزلتُ عليك شفاءَ
وساوِس ما في الصدور من مرض الشيطان، وجلاءَ الأبصارِ من غِشاء الكَلال؛ ولا تكن
حِلْساً كأنك مقبورٌ وأنت حيّ تتنفَس. إكحَلْ عينيك بمُلمولِ الحزن إذا ضحِك
البطّالون. إبكِ على نفسك أيام الحياة بكاءَ مَنْ قد ودّع الأهلَ وقَلَى الدنيا،
وتركَ اللذاتِ لأهلها، وارتفعتْ رغبتُه فيما عند إلهه. طوبَى لك إن نالك ما وعدتُ
الصابرين تَرجَ من الدنيا يوماً فيوماً، وارضَ بالبُلْغَة، ولْيكفِك منها
الخَشِنُ. تذوَّق مذاقةَ ما قد خلا أين طعمُه! وما لم يأت أين لذّتُه! لو رأت
عيناك ما أعددتُ لأوليائي لذاب قلبك وزهِقَتْ نفسُك شوقاً إليه.
فيما قال عيسى للحواريين
وفيما قال للحواريين: بحقٍّ أقول لكم: إنّ شجر الأرض بمطر السماء تعيش وتزكو،
وكذلك القلوب بنور الحكمة تُبصِر وتَهتدي؛ بحق أقول لكم: إنه من ليس عليه دَينٌ
أروَحُ وأقل همًّا ممن عليه دين وإن حَسُنَ قضاؤه، وكذلك من لم يعمل الخطيئةَ
أروحُ وأقلُّ هَمًّا ممن عمل بها وإن حسُنْت توبتُه. إن الدابة تزداد على كثرة
الرياضة خيراً، وقلوبكم لا تزداد على كثرة الموعظة إلا قسوةً. إنّ الجسدَ إذا صلَح
كفاه القليل من الطعام، وإنّ القلب إذا صح كفاه القليل من الحكمة. كم مِن سراجٍ قد
أطفأته الريحُ، وكم من عابد قد أفسده العُجْب. يا بني إسرائيل، استمعوا قولي فإن
مَثَل من يستمع قولي ثم يعمَلُ به مثلُ رجلٍ حكيم أسس بنيانَه على الصفا، فمطرت
السماء وسالت الأوديةُ وضربته الرياحُ فثبت بنيانُه ولم يَخِر، وَمَثل الذي يستمع
قولي ثم لا يعمَل بهَ مثل رجلٍ سفيهٍ أسَسَ بنيانَه على الرمل، فمطرت السماءُ
وسالت الأوديةُ وهاجت الريحً فضربته فسقط بنيانُه. يا بني إسرائيل، ما يُغنِي عن الأعمَى
سَعَةُ نورِ الشمس وهو لا يُبصرها! وما يغني عن العالم كثرةُ العلم وهو لا يعمَل
به!. بحق أقول لكم: إن قائلَ الحكمة وسامعَها شريكان، وأوْلاهما بها من حقّقها
بعمله. بحقٍّ أقول لكم: لو وجدتم سراجاً يتوقد بالقَطِران في ليلة مظلمةٍ لاستضأتم
بنوره ولم يمنعكم منه نتْنُ قَطرَانه، فكذلك ينبغي لكم أن تأخذوا الحكمةَ ممن
وجدتموها عنده قول عيسى عليه السلام لأصحابه بلغني عن محمد بن فُضَيل عن عمران بن
سليم قال: بلغني أنّ عيسى بن مريم قال لأصحابه: إن كنتم إخواني وأصحابي فوطنوا
أنفسَكم على العداوة والبغضاء من الناس؛ إنكم لا تُدرِكون ما تطلبون إلا بترك ما
تشتهون، ولا تنالون ما تُحبون إلا بالصبر على ما تكرهون. إياكم والنَظْرَة، فإنها
تزرع في القلب الشهوةَ. طوبى لمن كان بصرُه في قلبه ولم يكن قلبه في بصره! بين
عيسى عليه السلام وأصحابه قال: وبلغني أن عيسى خرج على أصحابه وعليه جُبًةٌ من صوف
وكساءٌ وتبانٌ حافياً مجزوز الرأس والشاربين باكياً شَعِثاً مصفَرً اللون من الجوع
يابسَ الشًفتين من العطش، طويلَ شعر الصدر والذراعين والساقين؛ فقال: السلام عليكم
يا بني إسرائيل أنا الذي أنزلتُ الدنيا منزلَها، ولا عجَب ولا فخر، أتدرون أين بيتي?
قالوا: أين بيتك يا رُوحَ الله? قال: بيتي المساجد، وطيبي الماء وإدامي الجوعُ،
ودابتي رجلي، وسراجي بالليل القمرُ، وصِلاتي في الشتاء مشارقُ الشمس وطعامي ما
تيسَّر، وفاكهتي ورَيْحاني بُقُولُ الأرض، ولباسي الصوفُ، وشِعَاري الخوف، وجُلَسا
الزَمْنى والمساكينُ، أصبحُ ليس لي شيء، وأمْسي وليس لي شيء، وأنا طيب النفس غنيّ
مُكْثر فمن أغنى وأربح مني.
وقرأت في بعض الكتب: عبدي! ما يزال مَلَكٌ كريم قد صعِد إليِّ منك بعمل قبيح،
أتقرب إليك بالنّعم، وتتمقَّتً إليَّ بالمعاصي خيري إليك نازلٌ، وشرك إليّ صاعدٌ.
وفي التوراة: لعلّكَ يا إسرائيلُ إذا أنت خرجتَ من البرية فدخلتَ الأرضَ المقدسة،
أرض بني آبائك إبراهيم وإسحاقَ، فإنها تَفِيضُ بُراً وشعيراً ولبناً وعسلاً،
فَورِثتَ بيوتاً بناها غيرُك وعصرتَ كروماً غرسها غيرك، فأكلتَ وشربتَ وتنعَمتَ
بشحم لُبابِ القمح، ضربتَ بيدك إلىِ صدرك ورمحتَ كما ترمح الدابّةُ برجليها،
وقلتَ: بشدّتي وبقوّتي وبأسي ورِثتُ هذه الأرض وغلَبتُ أهلَها، ونسِيتَ نعمتي
عليك! فأقذف الرُّعبَ في صدرك إذا أنت لقِيتَ عدوك، وإذا هبت الريحُ فتقعقعِ لها
ورِقُ الشجر انهزمتَ، فأقِل رجالكَ، وأرمَلُ نساءك، وأيتَم أبناءك، وأجعلُ السماءَ
عليك نُحاسَاً والأرض حديداً، فلا السماءُ تُمطِر ولا الأرضُ تُنبِت، واقِلُّ لك
البركةَ حتى تجتمع نِسوةٌ عَشْرٌ يختبزن في تَنُّورٍ واحدٍ .
لوهب بن منبه بلغني عن عبد الرحمن المحاربيّ عن جعفر بن بُرْقان قال: بلغني عن وهب
بن منبه قال: أجُد في الكتاب أنّ قوماً يتديّنون لغير العبادة، ويختِلون الدنيا
بعمل الآخرة، يلبسون مُسُوك الضأن على قلوب الذئاب، ألسنتهم أحلى من العسل
وأنفُسهم أمرّ من الصبر، ألي يغترُّون! أم إياي يخادعون! أقسمتُ لأبعثن عليهم
فتنةً يعود الحليمُ فيها حَيْران.
وقرأتُ في الإنجيل: "لا تجعلوا كنوزكم في الأرض حيث يفسِدها السوسُ والدودُ
وحيث ينقُبُ السراقُ، ولكن اجعلوا كنوزكم في السماء فإنه حيث تكون كنوزكم تكون
قلوبكم. إنَّ العينَ هي سِراجُ الجسد فإذا كانت عينك صحيحةً فإن جسدَك كلَّه
مُضِيء. وإنه لا يستطيع أحد أن يعملَ لربيْن اثنيْن إلا أن يُحب أحدَهُما وُيبغِضَ
الآخر، ويُوقِّر أحدهما ويُهينَ الآخرَ، فكذلك لا تستطيعون أن تعمَلوا لله وللمال.
ولا يُهمَنًكم ما تأكلون وما تشربون وما تلبسون، أليست النفسُ أفضل من الطعام،
والجسدُ أفضلَ من اللباس انظروا إلى طَير السماءِ فإنهن لا يزرعن ولا يَحصدن ولا يَجمعنَ
في الأهْراءِ، وأبوكم الذي في السماء هو الذي يرزقُهنَ، أفلستم أفضلَ منهنَّ !
وأيكم الذي إذا جهِد قدر أن يزيدَ في طوله ذراعاً واحداً! فلِمَ تهتمون باللباس?
اعتبروا بسُوس البرية فإنه لا يعملَ ولا يغزِل، أنا أقول: إن سليمانَ بوقاره لم
يستطع أن يلبسَ كواحده منه، فإذا كان اللهّ يُلبِسُ عُشبَ الأرض الذي ينبت اليوم
ويُلقَى في النارِ غداً، أفلستم يا قليلي الإيمانِ أفضلَ منه! ولا تهتفُوا
فتقولوا: ماذا نأكل وماذا نشربُ وماذا نلبَسُ، فإنه إنما يهتمُّ لذلك ابن الدنيا؛
وإن أباكم الذي في السماء يَعْلم أنَّ ذلك ينبغي لكم، فابدأوا فالتمسوا ملَكوتَ
الله وصِدِّيقيّته، فإنكم سوف تُكْفَون. ولا يُهمَنّكم ما في غدٍ، فإن غداً مكتفٍ
بهمّه، وحَسْبُ اليوم شرهُ. وكما تَدِينون تُدانون، وبالمكيال الذي تكيلون يُكال
لكم. وكيف تُبصِر القذاةَ في عين أخيك ولا تُبصر الساريةَ في عينك! لا تُعطوا
الكلاب القُدْسَ، ولا تُلقما لؤلؤكم للخنازير. سَلوا تُعْطواَ وابتغُوا تجِدوا،
واستفتحُوا يُفتحْ لكم، وانظروا الذي تُحبُّون أن يَأتِيَ الناسُ إليكم فأتوا
إليهم؛ أدخلوا البابَ الضيق، فإن البابَ والطريقَ إلى الهَلَكةِ عَرِيضان، والذين
يسلُكونَهما كثيرٌ. وما أضيق البابَ والطريقَ اللذين يُبلَغان إلى الحياةِ! والذين
يسلكونَهما قليلٌ".
بين عيسى عليه السلام ورجل وقال له رجل: أتْبعُك حيث ذهبتَ. فقال له عيسى:
للثعالبِ حِجرَةٌ، ولطير السماء كِنَان وليس لابن الإنسانِ مكان يُسنِدُ فيه
رأسَه.
وبينه وبين رجل من الحواريين وقال له رجل من الحَوارِيين: أتأذن لي أن أدفِنَ أبي?
فقال له: دع الموتَى يَدفنون موتاهم واتْبَعْني.
من أقوال عيسى للحواريين وقال للحوارِيين: لا تَتزودوا شيئاً، فإن العائلَ محقوقٌ
أن يُطْعَم قُوتَه، وإني أرسلكم كالخِرفان بين الذئاب، فكونوا حُلَماء كالحياتِ
وبُلْهاً كالحَمام. وإذا دخلتم البيتَ فسلموا على البيتِ، فإن كان ذلكَ البيت
أهلَاَ لسلامكم فليُصِبْهم، وإن لم يكن أهلاً لسلامكم فإنه يرجع إليكم. ومن لم
يُؤوِكم ويستمَعْ لقولكم، فإذا خرجتم من قَريته فانفُضُوا الغبارَ عن أرجُلِكم ما
ناجى به عُزير ربه حدثني عبد الرحمن عن عبد المنعم عن أبيه عن وَهْب قال: كان فيما
ناجَى به عُزَير ربه: "اللهَم فإن لك من كلِّ خَلْقٍ خلفتَه خِيْرَةً
اخترتها، وإنك اخترتَ من النابت الحبْلة؛ ومن المواشي الضائنةَ، ومن الطير
الحمامةَ، ومن البيوت بيتَ إيلياء، ومن إيلياءَ بيتَ المقدِس، ومن جميع الخلائق
آدمَ، ومن وَلَدِ آدمَ نوحاً، ومن وَلَد نوحٍ إبراهيمَ، ومن وَلَد إبراهيمَ
إسماعيلَ وإسحاقَ، من وَلَد إسحاقَ إسرائيل؛ اللهمً فأصبحتْ خِيْرَتُك قد تمَت
ونفذَتْ في كل ما اخترتَ إلا ما كان من وَلَد خليلك إبراهيم، فإنهم أصبحوا أعبُداً
لأهل معصيتك وخَوَلًا لأعدائك، فما الذي سلَط علينا ذلك? أمن أجل خطايانا.
فالخاطئون ولَدونا، أو من أجل ضعفنا? فمن ضعفٍ خلِقْنا. قال: فجاءني الملَكُ
فكلمني، فبينما أنا كذلك سمعت صوتاً هالني فنظرت، فإذا امرأةٌ حاسرةٌ عن رأسها،
ناشرةٌ شعرَها، شاقَّة جبيْها، تَلطِمُ وجهَها، وتصرُخُ بأعلى صوتِها، وتحثُو
الترابَ على رأسها، فأقلبتُ عليها وتركتُ ما كنتُ فيه، فقلتُ لها: ما بالُكِ أيتها
المرأةُ وما الذي دهاكِ? أخبريني خبرَكِ، فقد أصابت المصائبُ غيرَك.
قالتْ: إليك عنّي أيها الرجلُ، فإن ربّي هو الذي أبكاني، ومصيبتي أعظمُ مما ترى.
فقلتُ: فإن في اللهّ عزاءً من كلّ مصيبة، وخَلَفَاً من كلّ هالك، وعوضاً من كل
فائتٍ، فإياه استعيني، وإلى نظره لك فانظري.
قالت: إني كنتُ امرأة كثيراً مالي، عظيماً شرَفي، وكنت عاقراً لا وَلَدَ لي، وكنتُ
عند بعلٍ له نِسوة معي وكلهن وُلدَ له غيري، فملنَ به لحب الولد فصرفَ وجهَه عنّي،
فحزنتُ وحزن أهلي وصديقي، فلما رأيت هواني عليه وسقوطَ منزلتي عنده، رغِبتُ إلى
ربي ودَعَوْتُه فأجابني، واستوهبتُه غلاماً فوهبه لي، فقرتْ به عيني، وفرح أهلي،
وعطَف اللُه به زوجي، وقطعَ عنّي ألسنةَ ضرائري، فربيْتُ غلاماً لم تحمِلْ أنثى
مثلَه حُسناً وجمالاً ونضَرة وتماماً، فلما بلَغ أشُده وكمَل به سروري خطبتُ عليه
عظيمةَ قومي، وبذلتُ دونه مالي، وخرجتُ من خُلعتي، وجمعت رجالَ قومي، فخرج يَمشي
بينهم حتى دخلَ بيتَه، فلما قَعد على سريره، خر منه فاندقت عنقُه فمات ابني وضلَّ
عملي وبطَلَ نصيبي وتَلِفَ مالي، فخرجتُ إلى هذه البَريًة أبكيه فيها لا أريدُ أن
أرى أثراً من آثاره ولا أحداً من أصحابه، ولن أبرَحَ أبكيه حتَّى ألحقَ به.
قال عُزَيرٌ: اذكري ربك وراجعيه، فقد أصابت المصائبُ غيرَك أما رأيتِ هلاكَ
إيلياءَ وهي سيدةُ المدائن وأمُّ القُرَى? أوَ ما رأيتِ مصيبة أهلها وهم الرجال?
قالت: إي رحِمك اللُه! إن هذا ليس لي بعزاء وليستْ لي بشيء منه أسوةٌ، إنما تبكي
مدينةً خرِبَتْ، ولو تُعمَرُ عادتْ كما كانت، وإنما تبغِي قوماً وعدَهم الله
الكَرَّةَ على عدوهم، وأنا أبكيَ على أمرٍ قد فات، وعلى مُصيبة لا أستقيلُها.
قال عُزَير: فإنه خُلِقَ لما صار إليه، وكل شيء خُلِقَ للدنيا فلا بد أن سيَفْنَى،
أمَا رأيتِ مدينتنا أصبحتْ خاويةً على عروشها بعد عِمارتها، وأوحشتْ بعد أنسها
وأثاثها؛ أوَ ما رأيت مسجدَنا كيف غُير حسنُه، وهُمَ حِصنُه، وأطفئ نورُه! أوَ ما
رأيتِ عزَ أهلها كيف ذَلَّ، وشرفَهم كيف خَمُلَ ومجدَهم كيف سقَط، وفخرَهم كيف
بطَل! أو ما رأيتِ كتاب اللّه كيف أحْرِقَ، ووليَ اللّه كيف رُفِعَ، وتابوتَ
السكينةِ كيف سُبي! أو ما رأيتِ نساءَ الملوك وبناتِهم في بُطون الأسواقِ حاسرات
عن السُوق والوجوه والأشعار! أو ما رأيت الأشياخ الذين على وجوههم النورُ
والسكينةُ مقَرَّنِين في الحبال والقِطار! أو ما رأيتِ الأحبارَ والرهبانَ مصفدين
في الإسار، أو ما رأيتِ أبناءَ موسى وهارون تُضرب عليهم السهامُ ويقتسمُهم
الأشرارُ، وولدانَ الملوك خَدماً للكُفْار? أو ما رأيتِ قتلانا لم يوار أحداً منهم
قبرٌ، ولم يَعهَدْ أحد منهم إلى ولد، فالحكماء مبهوتون، والعلماء يموجون، والحلماء
متحيّرون، وأهلُ الرأي مُلْقُون بأيديهم مُستسلِمون.
قال: فبينا أنا أكلَمها غشى وجهَها نورٌ مثلُ شعاع الشمس حال بيني وبين النظر
إليها فخمرتُ من شدته وجهي ورددتُ يدي على بصري، ثم كشفتُ وجهي فإذا أنا لا
أحِسّها ولا أرى مكانَها، وإذا مدينة قد رُفعتْ لي حصينةٌ بسورها وأبوابها، فلما
نظرتُ إلى ذلك خَرَرتُ صَعِقاً؛ فجاءني الملَك فأخذ بضَبْعي ونعشني وقال لي: ما
أضعفك يا عُزَيْر! وقد زعمتَ أن بك من القوة ما تخاطبُ به ربك وتُدلِي بالعذر عن الخاطئين
من بني إسرائيل.
قال له عُزَيْر: مثل الني رأيتُ وعاينتُ أضعفني وأذهب روحي.
قال الملَك: فإن المرأةَ التي كلمتْك هي المدينة التي تبكي عليها، صورها الله لك
في صورة أنثى فكلمتك، فافقَهْ عنها: أما قولها: إنها عُمَرتْ زماناً من دهرها
عاقراً لا ولد لها، فكذلك كانت إيلياءُ صعيداً من الأرض خرابَاً لا عُمرانَ فيها
أكثر من ثلاثة آلاف سنة. وأمّا قولها: إن اللّه وهب لها غلاماً عند اليأس، فذلك
حين أقبل الله عليها بالعُمران فابتعث اللُّه منها أنبياءه وأنزل كتابه. وأما
قولها: إنه هلك ولدُها حين كمل فيه سرورُها، فذلك حين غيَّر أهلُها نعَم اللّه
وبدّلوها ولم يزدادوا بالنعم عليهم إلا جُرأة على الله وفساداً، فغير اللّه ما بهم
وسلّط عليهم عدوَّهم حتى أفناهم، وقد شفَعك اللّه في قومِك وكتابك ومدينتك،
وسيُعيدها الله عامرة كما رأيت عليها حيطانُها وأبوابُها، نجيها مساجدُها وأنهارها
وأشجارها.
بين إبراهيم عليه السلام وصديق له يُدعى العازر
وحدثني بهذا الإسناد قال: لما أمر الله إبراهيم أن يذبح إسحاقَ عليهما السلام
ويجعلَه رباناً، أسر ذلك إلى خليلٍ له يقال له: العازر؛ فقال له الصديق: إن الله
لا يَبتلي بمثل هذا ملَك، ولكنَّه يريد أن يُجرَبك ويختبرَك، وقد علمتَ أنه لم
يبتلِك بهذا ليَفتِنك ولا ليُضلَك ولا ليعنتك ولا لينقُص به بصيرتَك وإيمانَك
ويقينَك، ولا يروعنَك هذا ولا تَسُوءنّ باللّه ظنّك، وإنما رَفع ذلك اسمكَ في
البلاء على جميع أهل البلاء، حتى كنت أعظمهم في نفسك وولدك، ليرفعَك بقدر لك عليهم
في المنازل والدرجات والفضائل؛ فليس لأهل الصبر في فضيلة الصبر إلا فضلُ صبرك،
وليس لأهل الثواب في فضيلة الثواب إلى فضل ثوابك، وليس لأهل البلاء في جسيم شرف
البلاء إلا فضلُ شرفك. وليس هذا من وجوه البلاء الذي يبتلي الله به أولياءه، لأن
الله أكرمُ في نفسه وأعدلُ في حكمه وأعدل في عبادة من أن يجعل ذبح الولد الطيِّب
بيد الوالد النبيّ المصطفَى؛ وأنا أعوذ بالله من أن يكون هذا منّي حتماً على اللّه
أو ردّاً لأمره أو سُخْطاً لحكمه على عباده، ولكن هذا الرجاءُ فيه والظن به. فإن
عزم ربك على ذلك فكن عبداً أحسن علمه بك ة إني أعلم أنه لم يُعرضك لهذا البلاء
العظيم إلا لحُسن علمه بك وبصدقك وبصبرك، ليجعلك لناس إماماً، ولا حول ولا قوة إلا
باللّه.
بين جبريل ويوسف عليهما السلام وحدثني بهذا الإسناد أن يوسف عليه السلام لما لبِث
في السجن سبع سنين أرسل الله عز وجل إليه جبريلَ عليه السلامِ بالبشارة بخروجه،
فقال له: أتعرفني أيها الصديق? قال له يوسف: أرى صورةً طاهرةً وروحاً طيباً لا
يشبه أرواح الخاطئين. قال جبريل: أنا الروح الأمين، رسول رب العالمين. قال يوسف:
فما أدخلك مداخل المذنبين وأنت سيد المرسلين ورأس المقربين. قال جبريل: أوَ لم
تعلم أيها الصدّيقُ أن الله يطفَر البيوت بطُهر النبيين، وأن البقعة التي يحلون
بها هي أطهر الأرضين، وأنه قد طهّر بك السجنَ وما حوله يابن الطاهرين. قال يوسف:
كيف تشبّهني بالصالحين، وتسمّيني بأسماء الصدّيقين، وتُعدّني مع آبائي المخلصين،
وأنا أسيرٌ بين هؤلاء المجرمين? قال جبريلُ: لم يَكلِم قلبَك الجزعُ، ولم يغير
خُلُقَك البلاءُ، ولم يتعاظمك السجنُ ولم تطأ فراش سيّدك، ولم يُنسك بلاءُ الدنيا
بلاءَ الآخرة، ولم تُنسك نفسُك أباك ربك ولا أبوك ربَّك؛ وهذا الزمان الذي يفُكُّ
الله به عنوّك، ويُعْتِق به رِقك، ويُبيَن للناس فيه حكمتك، ويُصدق رؤياك وُينصفك
ممن ظلمك، ويجمع إليك أحبّتك، ويهب لك مُلك مصرَ: يملكك ملوكها ويُعبِّد لك
جبابرتها، ويُذلّ لك أعزّتها، ويُصغَر لك عظماءها، ويخدِمُك سُوقتها، ويخوّلك
خوَلَها ويرحَم بك مساكينَها، ويُلقيِ لك المودةَ والهيبةَ في قلوبهم، ويجعل لك
اليدَ العليا عليهم والأثر الصالحَ فيهم، ويُري فرعون حلْماً يفزَع منه ويأخذه له
كربٌ شديد حتى يُسهرَه ويُذهَب نومَه ويعمّي عليه تفسيره وعلى السحرة والكهنة
ويعلَمك تأويلَه.
وفي بعض الكتب: أوحى الله تعالى إلى بعض الأنبياء: إذا أردت أن تسكنَ معي غداً في
حظيرة القُدس فكن في الدنيا وحيداً فريداً مهموماً حزيناً، كالطائر الوحدانيّ
يظلُّ بأرض الفلاة ويرِد ماء العيون ويأكل من أطراف الشجر، فإذا جَنً عليه الليل
أوى وحده استيحاشاً من الطير واستئناساً بربه جلّ وعزّ.
الحجاج وصندوق عبد الله بن الزبير لما قُتِلَ عبدُ الله بن الزبَير وجد الحَجاجُ
فيما ترك صُندوقاً عليه أقفال حديد، فتعجْب؛ وقال: إنّ في هذا شيئاً. ففتحه فإذا
صندوقٌ آخرُ عليه قُفْل ففتحه فإذا سَفَطٌ فيه درج، ففتحه فإذا صحيفة فيها: إذا
كان الحديث حَلفاً، والميعادُ خُلْفاً، والمِقْنبُ ألفاً، وكان الولدُ غيظاً،
والشتاء قيظاً؛ وغاض الكرامُ غيضاً، وفاض اللئام فيضاً، فأعنزٌ عُفْرٌ، في جبل
وَعْر، خير من مُلك بني النضّر. حدثني بذلك كعب الحِبر.
الدعاء
للنبي
صلى الله عليه وسلم
حدثني أبو مسعود الدارمي: قال: حدثنا جريرٌ عن أنس بن مالك قال: قال رسولُ الله
صلى الله عليه وسلم: "قال ربكم عزّ وجلّ ثلاثة: واحدةٌ لي، وواحدةٌ لك يا بن
آدم، وواحدة بيني وبينك، فأما التي لي فتخلِصُ لي لا تُشرِك بي شيئاً، وأما التي
لك فأحوجُ ما تكون إلى عملك أوفيكه، وأمما التي بيني وبينك فمنك الدعاءُ وعلي
الإجابة".
ما يفتتح به النبي صلى الله عليه وسلم صلاته في قيام الليل حدّثني عَبْدةُ بن عبد
اللّه قال: أخبرنا زيد بن الحُبَاب قال: حدثنا معاوية قال: حدثني أزهرُ ابن سعيد
عن عاصم بن حميد قال: سألتُ عائشةَ رضي اللّه عنها، ما كان يفتتح به رسولُ الله
صلى الله عليه وسلم به صلاتَه في قيام الليل? قالت: كان يُكبر عَشْراً ويحمَدُ
عشرا ويسبح عشراً ويهلَل عشراً ويستغفرُ الله عشراً، وثم يقول: "اللهم اغفرْ
لي واهدني وارزقني وعافني"، ويتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة.
للنبي صلى الله عليه وسلم إذا أصبح حدثنا حسين بن حسن المروزي قال: حدثنا
الخُفَافُ عن أبي الوَرْقاء عن عبد الله بن أبي أوفَى قال: كان رسولُ الله صلى
الله عليه وسلم إذا أصبح قال: " أصبحنا وأصبح الملكُ والكبرياءُ والعظمةُ
والخَلقُ والأمرُ والليلُ والنهارُ وما يسكن فيهما لله رب العالمين وحده لا شريك
له. اللهم اجعل أوّلَ هذا النهار صلاحاً وأوسطه فلاحاً وآخرَه نجاحاً. اللهم إني
أسألك خيرَ الدنيا وخير الآخرة يا أرحمَ الراحمين".
دعاء الاستسقاء للحسين حدثنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا حسين بن عليّ الجُعْفِيِ
عن إسرائيلي عن الحسين أنه كان إذا استسقى قال: "اللهم اسقنا سُقْيا واسعةً
وادعةً عامةً نافعةَ غيرَ ضارة تعم بها حاضرَنا وبادينَا وتزيد بها في رزقنا
وشكرنا. اللهم اجعله رزقَ إيمانٍ وعطاءَ إيمانٍ إن عطاءك لم يكن محظوراً. اللهم
أنزل علينا في أرضنا سكنها، وأنبِتْ فيها زينتها ومرعاها".
دعاء الاستسقاء للعباس روى الكلبيّ عن أبي صالح أن العباس قال: يوم استسقى عمر رضي
اللّه عنه: "اللهم إنه لم ينزلْ بلاء إلا بذنب، ولا يُكشَف إلا بتوبةٍ، وقد
توجّه بي القوم إليك لمكاني من نبيّك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا بالتوبة،
فاسقنا الغيث،. فأرخت السماءُ شابيب مثلَ الجبال بديمةٍ مُطبِقَةٍ.
دعاء عمر بن عبد العزيز عشية عرفة بعرفة وروى سفيان بن عيينة عن أبي عبد الملك
قال: سمعت عمر بن عبد العزيز عشية عرفه بعرفة وهو يقول: "اللهم زِدْ في إحسان
محسنهم، وراجعْ بمسيئهم إلى التوبة، وحُطْ من ورائهم بالرحمة".
دعوات النبي صلى الله عليه وسلم عند انصرافه من مجلس حدّثنا حسين بن حسين قال:
حدّثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا يحيى بن أيوب عبيد الله بن زحر عن خالد بن
أبي عمران عن عبد اللّه بن عمر قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لا يكاد
يقوم من مجلس إلا دعا بهؤلاء الدعوات: لا اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا
وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تُبلغنا به إلى رحمتك، ومن اليقين ما تهونُ به علينا
مصيباتُ الدنيا ومَتِّعنا بأسماعنا، أبصارنا، واجعل ذلك الوارثَ منا، وانصرنا على
من ظلمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همّنا ولا مبلغ علمنا،
ولا تسلَط علينا من لا يرحمنا".
لشدّاد بن أوس ثم للنبي صلى الله عليه وسلم بلغني عن يونس عن الأوزاعيّ عن حسّانَ
بن عُطَيًة قال: كان شدّاد بن أوس في سفر، فنزلنا منزلاً فقال لغلامه: ائتِنا
بالسفرة نَعبث بها، فأنكرت منه، فقال: ما تكلمت بكلمة مذ أسلمت إلا وأنا أخطِمها
وأزّمها غير كلمتي هذه فلا تحفظوها عني، واحفظوا عني ما أقول لكم: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا كنز الناسُ الذهبَ والفضّة فاكنزوا هؤلاء
الكلمات: اللهم إني أسألك الثباتَ في الأمر والعزيمةَ في الرشد وأسألك شكر نعمتك
وأسألك حسنَ عبادتك أسألك قلباً سليماً ولساناً صادقاً، وأسألك من خير ما تعلم،
وأعوذ بك من شر ما تعلم، أستغفرك لِما تعلم، إنك أنت علام الغيوب".
من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم
بلغني عن الوليد بن مسلم قال: حدّثنا أبو سلمة الحوسيّ عن سالم بن عبد الله قال:
كان من دعاء رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم: "اللهم ارزقني عينين هطّالتين
تبكيان بذروف الدموع وتشفيانني من خشيتك قبل أن تكون الدموع دماً والأضراس
جمراً".
حدّثني أبو سفيان الغَنْوِيّ قال: حدثنا عمر بن عِمران قال: حدّثني الحارث بن
عِنبة عن العلاء بن كثير عن أبي الأسقع: أنه كان يحفظ من دعاء النبيّ صلى الله
عليه وسلم: "يا موضعَ كلّ شكوى ويا شاهدَ كلّ نَجْوَى بكل سبيل أنت مقيم
تَرَى ولا تُرَى وأنت بالمنظَر الأعلى".
دعاء عيسى عليه السلام للمرض والعميان والمجانين حدّثنا عبد الرحمن عن عبد المنعم
عن أبيه عن وهب بن منبّه قال: كان دعاء عيسى الذي يدعو به للمرضى والزِّمْنَى
والعميان والمجانين وغيرهم: "اللهم أنت إله مَنْ في السماء وإله مَنْ في
الأرض لا إله فيهما غيرُك، وأنت جبار مَنْ في السماء وجبار مَنْ في الأرض لا جبارَ
فيهما غيرك، وأنت حَكَمُ مَنْ في السماء وحَكَمُ مَنْ في الأرض لا حَكَمَ فيهما
غيرُك، وأنت ملِك منْ في السماء وملِك مَنْ في الأرض لا ملِك فيهما غيرك؛ قُدرتُك
في الأرض كقدرتِك في السماء، وسلطانُك في الأرض كسلطانك في السماء؛ أسألك باسمك
الكريم ووجهِك المنير إمُلكِك القديم، إنك على كلّ شيء قدير،. قال وهب: هذا يُقرأ
للفزع على المجنون ويُكتب له ويغسل ويسقى، فيبرأ بإذن اللهّ أيّ ذلك شاء فعل.
من دعاء المسيح حين أخذه اليهود وحدّثني أيضاً بهذا الإسناد قال: كان من دعاء
المسِيح حين أخذه اليهود ليصْلُبوه بزعمهم فرفعه الله إليك: "اللهم أنت
القريب في علوك، المتعالي في دنوّك، الرفيع على كل شيء خَلْقك، أنت الذي نفذ بصرك
في خلقك، وحَسِرَت الأبصار دون النظر إليك وعَشِيَتْ دونك وشمخ بك العلوّ في
النور؛ أنت الذي جَلّيت الظُّلَمَ بنورك فتباركت اللهم خالق الخلق بقدرتك مقدر
الأمور بحكمتك، مبتدِعَ الخلق بعظمتك، القاضي في كل شيء بعلمك؛ أنت الذي خلقتَ
سبعاً في الهواء بكلماتك، مستوِياتِ الطباق مذعِناتٍ لطاعتك، سَمَا بهنّ العلوّ
بسلطانك فَأجبْنَ وهنّ دخان من خوفك، فأتَيْنَ طائعاتٍ بأمرك، فيهن ملائكتك
يسبّحون قدسَك بتقديسك وجعلتَ فيهنّ نوراً يجلو الظلام، وضياءً أضوا من شمس
النهار، وجعلتَ فيهنّ مصابيحَ يُهتد بها في ظُلمات البحر والبر ورجوماً للشياطين،
فتباركتَ اللهم في مفطور سمواتك، وفيها دَحَوت من أرضك، ودَحوتها على الماء،
فأذللت لها الماء المتظاهر فذل لطاعتك وأذعن لأمرك وخضع لقوتك أمواجِ البحار،
ففجّرتَ فيها بعد البحار الأنهارَ، وبعد الأنهار العيونَ الغِزار والينابيعَ؛ ثم
أخرجت منها الأشجارَ بالثمار، ثم جعلتَ على ظهرها الجبالَ أوتاداً فأطاعتا
أطوادُها، فتباركت اللهم في صنعك، فمن يبلغ صفةَ قدرتك ومن يُنعَتُ نعتك. تُنزِل
الغيث وتُنشِئ السحابَ، وتفُك الرقابَ وتَقْضِي الحقّ وأنت خير الفاصلين. لا إله
إلا أنت سبحانك أمرتَ أن يستغفرك كلُّ خاطئ. لا إله إلا أنت إنما يخشاك من عبادك
العلماء الأكياس. أشهد أنك لست بإله استحدثناه، ولا رب يبيد ذِكرُه، ولا كان لك
شركاءُ يقضون معك فندعو ونَدَعُك، ولا أعانك أحدٌ على خَلْقِك فنشك فيك. أشهدُ أنك
أحد صمدٌ لم تلِد ولم يكن لك كفواً أحدٌ، ولم تتخذ صاحبةً ولا ولدا. اجعل لي من
أمري فرجاً ومخرجا".
قال وهب: وهذا الدعاء عُوذَةٌ للشقيقة وغيرها من قولك: "أشهد أنك لستَ بإله
استحدثناه، إلى آخره".
لابن عباس في كيفية الدعاء حدّثني محمد بن عُبَيد قال: حدّثنا سفيان بن عُيَينة عن
ابن عباس قال: "الإخلاص هكذا، وبسط يده اليمنى وأشار بإصبعه من يده اليسرى،
والدعاء هكذا، وأشار براحتيه إلى السماء، والابتهال هكذا، ورفع يديه فوق رأسه
ظهورُهما إلى وجهه".
دعاء داود في الليل حدثني عبد الرحمن عن عبد المنعم عن أبيه عن وهب بن منبّه قال:
كان داود إذا دعا في جوف الليل قال: "اللهم نامتِ العيونً وغارتِ النجومُ
وأنت حيّ قيّوم اغفر لي ذنبي العظيم إنك عظيم. وإنما يغفر العظيمَ العظيمُ، إليك
رفعتُ رأسي عامرَ السماء نظرَ العبيد إلى أربابها. اللهمّ تساقطت القُرَى وأبطِل
ذكرُها وأنت دائبٌ الدهرَ مُعد كرسيَّ القضاء".
من تحميد داود
قال: وكان من تحميده: "الحمد للّه عدد قطَر المطر، وورق الشجر، وتسبيح
الملائكة، وعددَ ما في البرّ والبحر. والحمد للّه عددَ أنفاس الخَلْق ولَفْظهم
وطَرْفهم وظِلالهم، وعددَ ما عن أيْمانِهم وشمائِلهم، وعددَ ما قهره ملكُه، ووسِعه
حِفظُه، وأحاطت به قُدرته، وأحصاه علمُه. والحمد للّه عددَ ما تجري به الرياحُ،
وتحمله السحابُ، وعددَ ما يختلِف به الليلُ والنهارُ، وتسير به الشمسُ والقمرُ
والنجومُ. والحمدُ للّه عددَ كل شيء أدركه بصرُه، ونفذَ فيه علمًه، وبلغ فيه
لطفًه. والحمد للّه الذي أدعوه فيُجِيبُني وإن كنتُ بطيئاً حين يدعوني. والحمد
للّه الذي أسأله فيعطيني، وإن كنتُ بخيلاً حين يَستقرِضًني. والحمد لله الذي
أستعفِيه فيُعافيني، وإن كنتُ متعرضاً لما يُهلِكني. والحمد للّه الذي حَلُم في
الذنوب عن عقوبتي حتى كأني لا ذنبَ لي، ولو يؤاخِذُني لم يظلِمني سيدي. والحمد
للّه الذي أرجوه أيامَ حياتي، وهو ذُخْرِي في آخرتي، ولو رَجوتُ غيره لانقطع
رجائي. والحمد لله الذي تُمسِي أبواب الملوك مغلقةً دوني، وبابُه مفتوح لكل ما
شئتُ من حاجاتي بغير شفيع فيقضيها لي. والحمد لله الذي أخلو به في كل حاجاتى،
وأضعُ عنده سرّي في أي ساعة شئتُ من ساعاتي. والحمد لله الذي تحبب إليَّ وهو عني
غَنِي، فربّي أحمدُ شيء عنده وأحقُه بحمده".
دعاء يوسف عليه السلام وكان من دعاء يوسفَ: "يا عُدَتي عند كربتي، ويا صاحبي
في وَحْدَتي، ويا غِياثي عند شدتي، ومَفزَعي عند فاقتي، ورجائي إذا انقطعتْ حيلتي،
إلهي وإله آبائي إبراهيمَ وإسحاقَ ويعقوبَ، اجعل لي فرجاً ومخرجاً واقض حاجتي!.
دعاء بكّاء بني إسرائيل وكان بَكاء بني إسرائيل يقول: "اللهم لا تؤدبْني
بعقوبتك، ولا تمكُرْ بي في حيلتك، ولا تؤاخذني بتقصيري عن رضاك، عظيم خطيئتي
فاغفِرْ، ويسير عملي فتقبل، كما شئتَ تكون مشيئتك، وإذا عزمتَ يمضي عزمُك؛ فلا
الذي أحسنَ استغنى عنك وعن عَونك، ولا الذي أساء استبد بشيء يخرُج به من قُدرتِك؛
فكيف لي بالنجاة ولا توجدُ إلا من قِبَلِك! إلهُ الأنبياء وولي الأنبياء، وبديعُ
مرتبة الكرامة، جديد لا يبلى، حفيظٌ لا يَنْسَى؛ دائمٌ لا يبيد، حي يموت، يقظانُ
لا ينام؛ بك عرفتُك، وبك اهتديتُ إليك، ولولا أنت لم أعْرِ ما أنتَ؛ فتباركت
وتعاليتَ".
للنبي صلى الله عليه وسلم قال الأزديّ: حدَثتُ عن محمّد بن النضر الحارثي أنّ
النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقطعوا الشهادة على أهل القبلة فإنه من
يقطع الشهادةَ عليهم فأنا منه بريءٌ إنّ الله كتمنا ما يصنع بأهل القبلة وقال:
"من عَلّم آيةً! كتاب اللّه أو كلمةً من سنّة في دين الله حثا الله له من
الثواب حثواً".
قال: وقال الأوزاعيّ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم إني
أسألك التوفيق لمحَابِّك الأعمال وحسن الظن بك وصحة التوكل عليك".
لعلي بن أبي طالب عليه السلام وقد سمع رجَلاً يدعو عند الكعبة محمد بن بشر
العَبْدِي قال: حدثنا بعض أشياخنا قال: اعتمر علي عليه السلام ورجلاً متعلقاً
بأستار الكعبة وهو يقول: يا من لا يشغَلُه سمعٌ عن سمع، ولا تُغلِطه المسائل ولا
يبرمه إلحاحُ الملحين؛ أذقْني بَرْدَ عفوك وحلاوةَ مغفرتك. فقال علي: والذي نفسي
بيده لو قلتها وعليك ملءُ السموات والأرَضين ذنوباً لغُفِر لك.
دعاء أعرابي عند الملتزم دعا أعرابي عند الملتزَم فقال: اللهم إن لك علي حقوقاً
فتصدَقْ بها علي، وللناس تَبِعاتٍ فتحملها عني، وقد أوجبتَ لكل ضيف قِرى، وأنا
ضيفُك فاجعلْ قِراي الليلة الجنةَ.
مثله لآخر وقال آخر: اللهم إليك خرجِتُ، وما عندك طلبتُ، فلا تحرمني خيرَ ما عندك
لشرّ ما عندي. اللهم وإن كنتَ لم ترحم نصَبي وتَعَبي فلا تحرمني أجرَ المصابِ على
مصيبته.
من كتاب لشيخ للمؤلف
وقرأتُ في كتابٍ لشيخ لنا: اللهمّ إنه من تهيأ و تعبأ، وأعد واستعدّ لوِفَادة
مخلوقٍ رَجاءَ رفدِه وطَلَبَ نَيلِه، فإن تهيّئي وتعبئي وإعدادي واستعدادي لك
رجاءَ رِفدك وطلبَ نائلك الذي لا خطَر ولا مِثلَ. اللهمّ إني لم آتَك بعمل صالح
قدّمتُه، ولا شفاعةِ مخلوقٍ رجوته، أتيتك مُقِرا بالظُلم والإساءةِ على نفسي،
أتيتُك بأنّي لا حجةَ لي، أرجو عظيمَ عفوك الذي عدتَ به علي الخَطّائين، ثم لم
يمنعك عكوفُهم على عظيم الجُرم أن جُدتَ لهم بالمغفرة. فيا مَنْ رحمته واسعةٌ،
وفضلُه عظيم اغفر الذنبَ العظيم.
للفضل بن عيسى الرقاشي ابن عائشة قال: قال الفضل بن عيسى الرٌقاشِي: اللهم لا
تُدخِلنا النارَ بعد إذ أسكنتَ قلوبَنا توحيدَك؛ وإني لأرجو ألا تفعلَ، ولئن فعلتَ
لتجمعنَ بيننا وبين قوم عاديناهم فيك.
لأبي حازم بلغني عن ابن عيَيْنةَ عن أبي حازم قال: لأنا مِنْ أن أمنَع الدعاءَ
أخوفُ منّي من أن أمنَع الإجابةَ.
لبعض الشعراء في وصف دعوة أنشدنا محمد بن عمر لبعض الشعراء في وصف دعوة:
وسارية لم تَسْرِ في الأرض تبتغي |
|
مَحَلاً ولم يقطع بها البيد قـاطـعُ |
سَرتْ حيث لم تَسْرِ الركابُ ولم تُنَخْ |
|
لِورْد ولم يَقصُصْ لها القيْدَ مانـعُ |
تَحل وراءَ الليل واللـيلُ سـاقـط |
|
بأوراقه فيه سـمـيرٌ وهـاجـعُ |
تَفَتَحُ أبوابُ الـسـمـاء ودونَـهـا |
|
إذا قَرَع الأبوابَ منـهـن قـارعُ |
إذا أوفدتْ لم يروُرِ اللُه وفـدَهـا |
|
على أهلها واللـه راءٍ وسـامـع |
وإني لأرجو اللَه حتى كـأنـنـي |
|
أرى بجميل الظنَ ما الله صانـع |
وقال آخر:
وإني لأدعو الله والأمرُ ضـيَق |
|
علي فما ينفك أن يتـفـرًجـا |
ورُث فتى سُدًتْ عليه وجوهُـهُ |
|
أصاب له في دعوةِ الله مَخرجا |
ونحوه:
إذا تضايقَ أمرٌ فانتظر فرجـاً |
|
فأضيقُ الأمر أدناه من الفرج |
كتاب
رجل من العرب لآخر أخذ له مالاً أخِذَ لرجلٍ من العرب مالٌ فكتبَ إلى آخِذه: يا
هذا، إن الرجلَ ينام علىِ الثكْل، ولا ينام على الحَرَبِ؛ فإمّا رددتَه، وإما
عرضتُ اسمَك على الله تعالى كل يوم وليلةٍ خمْسَ مراتٍ رد بكر بن عبد اللّه على
رجل طلب منه أن يدعو له قال عبد الرحمن بن زياد: اشتكَى أبي فكتب إلىِ بكر بن عبد
الله يسأله أن يدعُوَ فكتب إليه بكر: يحقّ لمن عمِل ذنباً لا عُذر له فيه، وتوقَع موتاً
لا بد له منه، أن يكون وجلاً مشفِقاً، سأدعو لك، ولستُ أرجو أن يُستجابَ لي بقوة
في عملٍ، ولا براءةٍ من ذنبٍ، والسلام لإبراهيم بن أدهم خَلَفُ بنُ تميم عن عبد
الجبّار بن كُلَيب قال: قال لنا إبراهيم بن أدهم حين عَرض لنا السبعُ: قولوا:
اللهم احرُسْنا بعينك التي لا تنامُ، واجعلنا في كَنَفك الذي لا يُرام، وارحمنا
بقدرتك علينا، لا نَهلِكُ وأنت رجاؤنا. قال خَلف: فما زلتُ أقولُها مذ سمعتُها،
فما عَرض لي قط لِصٌ ولا غيرُهُ.
لأعرابي في الاستغفار قال أعرابيّ: من أقام بأرضنا فليُكثر من الاستغفار، فإنْ مع
الاستغفار القُطَارَ .
كلمات عبر بهنّ العلاء بن الحضرمي البحر إلى أهل دارين بلغني عن موسى بن مسعود
النًهْدي عن سفيان الثوري عن قُدامة بن حَمَاطَة الضَبيّ عن خالد بن مِنْجاب عن
زياد بن حُدَير الأسديّ أن العلاء بنَ الحضرَميّ عبرَ إلى أهل دَارِينَ البحر بهذه
الكلمات: يا حليمُ يا حكيمُ يا عليُ يا عظيمُ.
دعاء لقضاء الحاجة حدّثني محمد بن عُبَيد قال: حدّثنا يزيد بن هارون عن هشام
الدَّسْتَوَائيّ عن حمّاد عن إبراهيم عن عبد الله في الرجل إذا أراد الحاجةَ صلَى
ركعتين ثم قال: اللهم إنّي أستخيرك بعلمك، وأستقدرُك بقُدرتك، وأسألك من فضلك
العظيم فإنك تقدِرُ ولا أقدِرُ، وتملِك ولا أملِك، وتعلَمُ ولا أعلَمُ، إن كان هذا
الأمرُ الذي أريده - وتسميّه - خيراً لي في دِيني وخيراً لي في معيشتي وخيراً لي
فيما أبتغي فيه الخِيَرَةَ فيَسرْه لي وباركْ لي فيه، وإن كان شرَاً لي في دِيني
شرّاً لي في معيشتي وشرّاً لي فيما أبتغي فيه الخيرَ فاصرفه عنّي، ويسَرْ لي
الخيرَ حيث كان ثم رضَني به.
من دعاء لبعض الصالحين
ومن دعاء بعض الصالحين: اللهم إنًي أستغفرك من كل ذنبِ قَوِيَ عليه بدني بعافيتك،
ونالته يدي بفضل نعمتك، وانبسطتُ إليه بسَعَة رزقك، واحتجَبتُ فيه عن الناس
بسَتْرك، اتّكَلْتُ فيه على أنَاتِكَ وحِلْمك، وعولتُ فيه على كريم عفوك.
الأوزاعي في دعاء الأوزاعيّ قال: مَن قال: "اللهمّ إني أستغفرك لمَا تبتً
إليك منه ثم عدتُ فيه، وأستغفِرُك مَا وعدتُك من نفسي وأخلفتُك، وأستغفرك لمَا
أردتُ به وجهَك فخالَطَه ما ليس لكَ، وأستغفرك للنًعم التي أنعمتَ بها عليّ
فتقويْتُ بها على معصيتك، وأستغفرك لكل ذنبٍ أذنبتُه أو معصيةٍ ارتكبتها" غفر
الله له ولو كانت ذنوبُه عَدَدَ ورق الشجر، ورمل عالج، وقَطْرِ السماء.
دعاء مطرف وكان مُطَرِّف يقول: اللهمّ إني أعوذً بك من شر السلطان، ومن شرّ ما
تجرِي به أقلامُهم وأعوذ بك أن أقولَ قولًا حقّاً فيه رضاك ألتمس به أحداً سواك،
وأعوذ بك أن أتزيًن للناس بشي يَشينُني، وأعوذ بك أن أكونَ عِبرةً لأحدٍ من
خَلْقك، وأعوذ بك أن يكونَ أحدٌ من خَلْقك أسعد بما علّمتَني منّي، وأعوذ بك أن
أستغيثَ بمعصيةٍ لك من ضُر يُصيبني.
بين مالك بن دينار وقوماً سألوه أن يدعو الله للاستسقاء الأزديّ عن عبد الواحد بن
زيد قال: شهدتُ مالكَ بن دينار يوماً وقيل له: يا أبا يحيى ادعُ اللَه أن
يَسقيَنَا. قال: تستبطِؤون المطرَ! قالوا: نعم قال: إنني والله أستبطئُ الحجارَة.
لعطاء السُلمي قال أبو كعب: سمعتُ عطاءً السُلَمِيّ يقول: اللهم ارحَمْ غُرْبتي في
الدنيا، ومَصرعي عند الموت ووحدتي في القبور، ومُقامي بين يديك.
في أن اللّه تعالى قسمَ الأخلاق على العباد كما قسم الأرزاق حدثني محمد بن عبد
العزيز قال: حدّثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: حدّثنا زُهير عن زُبيد اليامي
عن مُرةَ عن عبد الله قال: إن الله تعالى قسمَ بينكم أخلاقَكم كما قسمَ بينكم
أرزاقَكم، إن الله يُؤتِي المالَ مَنْ يحب ومن لا يحب، ولا يؤتي الإيمانَ إلا من
يُحِب. فمن ضن بالمال أن يُنفقه، وهاب العدوً أن يُجاهده، والليلَ أن يكابدهَ فليُكثِرْ
من سبحان الله والحمد لله ولا إلهَ إلا الله والله أكبر".
ومن جامِع الدعاء: اللهمّ أغنني بالعِلْم، وزيني بالحِلْم، وجفَلني بالعافية،
وأكرمني بالتقوى.
من دعاء أبي المجيب وكان من دعاء أبي المجيب: اللهم لا تَكِلْنا إلى أنفسنا
فنعجِز، ولا إلى الناس فنَضِيعَ، اللهمّ اجعلْ خيرَ عملي ما قاربَ أجلي.
من دعاء عمرو بن عبيد ومن دعاء عمرو بن عبيد: اللهم أغنِني بالافتقار إليك، ولا
تُغنِني بالاستغناء عنك.
لابن عون فيما كانوا يستحبون من الدعاء ابن عائشة عن سلام بن أبي مُطِيع قال: سمعت
ابن عون يقول: كانوا يَستحبون من الدعاء: اللهم عبدُك وابن عبدك وابن أمَتِك
لعبيدك وإمائك، أنا الذليلُ ولا أنتصر، وأنا الظالم ولا أغتفر، عملتُ سوءا وظلمتُ
نفسي وإلّا تغفر لي وترحمْني أكنْ من الخاسرين. فما أتمها ابن عون حتى أجهشَ
بالبكاء .
من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:
"اجعلْني لك شَكاراً، لك ذَكّاراً، لك رهاباً، لك مطيعاً، إليك مُخبِتاً، لك
أواهاً مُنيباً، رب تَقبلْ توبتي واغسِلْ حَوْبتي وأجبْ دعوتي وثبت حجتي واهدِ
قلبي وسددْ لساني".
المناجاة
دعاء
لبعضهم حدثني عبد الله بن هارون عن سُلَيم بن منصور عن أبيه قال: كنتُ بالكوفة
فخرجتُ في بعض الليل لحاجة وأنا أظنُ أني قد أصبحتُ فإذا علي ليلٌ فمِلْتُ إلى بعض
أبوابها أنتظر الصبحَ فسمعتُ من وراء الباب كلامَ رجلٍ وهو يقول: فوعزتك وجَلالِك
ما أردتُ بمعصيتي مخالفتَكَ، وما عَصَيتُك إذ عصيتُك وأنا بنَكالِكَ جاهل، ولا بعقوبتك
ولا بنظركَ مُستخِفٌ، ولكن سولتْ لي نفسي، وأعانني على ذلك شِقْوَتي، وغرني
سَتْرُك المرْخَى علي، فعصيتُك بجهل وخالفتُك بجهل، فالآنَ من عذابك مَنْ
يستنقِذُني وبحبل مَنْ أعتصمُ إن قطعتَ حبلَك عني، فوا سوأتاه من الوقوف بين يديك
غدا! إذا قيل للمِخفَين: جُوزُوا، وللمثْقِلين: حُطُوا؛ أفمع المثقلين أحُط أم مع
المخفَين أجُوز! ويلي! كلمّا كَبِرتْ سِني كَثُرتْ ذنوبي؛ ويليِ! كُلما طال عمري
كثُرت مَعاصِي فمِنْ كَمْ أتوبُ! وفي كم أعودُ! أما آن لي أن أستحييَ من رَبيَ!.
من مناجاة داود عليه السلام بلغني عن الوليد بن مُسلم عن عثمان بن أبي العاتكة
قال: كان داودُ النبي عليه السلامُ يقول في مناجاته: سبحانكَ إلهي! إذا ذكرتُ
خطيئتي ضاقت علي الأرضُ برُحْبها، وإذا ذكرت رحمتَك ارتد إلي رُوحي، سبحانك إلهي!
أتيتُ أطباءَ عبادك ليُداووا لي خطيئتي فكلهم عليك يَدُلُني.
لداود الطائي حدّثني بعضُ أشياخنا قال: كان داودُ الطائي يقول: همك عطًلَ علي
الهمومَ، وحالف بيني وبين السُّهادِ، وشدّةُ الشفَق من لقائك أوبقَ عليَّ
الشهواتِ، ومنعني اللذْاتِ، فأنا في طلبك أيها الكريمُ مطلوبٌ.
لضيغم وقال: تعبدَ ضيغم قائماً حتى اقعِدَ، وقاعداً حتى استلقَى، ومُستلقياً حتى
أفحم؛ فلما جَهِد رفع بصرَه إلى السماء وقال: سبحانك، عجباً للخليقة كيف أرادتْ بك
بدَلاً! وسبحانك عجباً للخليقة كيف استنارت قلوبُها بذكر غيرك! وعجباً للخليقة كيف
أنسَتْ بسواك.
لامرأة من التابعين عُتبة أبو الوليد قال: كانت امرأة من التابعين تقول: سبحانك،
ما أضيقَ الطريقَ على من لم تكن دليلَه، سبحانك ما أوحشَ الطريقَ على لم تكن
أنيسَه.
مناجاة عروة بن الزبير أبو الحسن قال: كان عُروة بن الزُبير يقول في مناجاته بعد
أن قُطِعتْ رجلُه ومات ابنُه: كانوا أربعةً، يعني بنيه، فأخذتَ واحداً وأبقيتَ
ثلاثةً، وكن أربعاً يعني يديْه ورِجليه؛ فأخذتَ واحدةً وأبقيتَ ثلاثاً،.
لَيْمُنُكَ لئن كنتَ أخذتَ لقد أبقيتَ، ولئن كنتَ ابتليتَ عافيتَ.
بين يونس وجبريل عليهما السلام وأعبد أهل الأرض وفي حديث بني إسرائيل أن يونُس
عليه السلامُ قال: لجبريلَ عليه السلام: دُلني على أعبِد أهل الأرض. فدلَه على رجل
قد قَطَع الجُذامُ يديه ورِجليْه، وذهب ببصرَه، فسمِعه يقول: متّعتَني ما شئتَ،
وسلبتَني حين شئتَ، وأبقيتَ لي فيك الأملَ يا بارُ يا وَصُولً.
من دعاء لبعض الصالحين ومن دعاء بعض الصالحين: اللهمّ اقطع حوائجي من الدنيا
بالشوق إلى لقائك، واجعل قُرَّةَ عيني في عبادتك، وارزقني غَم خوفِ الوعيدِ، وشوقَ
رجاءِ الموعود، الَلهمّ إنك تعلم ما يصلِحُني في دنياي وآخرتي فكن بي حفِيًّا.
باب البكاء
بين
النبي صلى الله عليه وسلم وفتى من الأنصار حدّثني أبو مسعود الدارِميّ قال: حدثني
جدّي عن أنَس بن مالك قال: جاء فتًى من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال: إن أمي تُكثر البكاءَ وأخاف على بصرها أن يذهب، فلو أتيتَها فوعَظتَها! فذهب
معه فدخل فقال لها في ذلك؛ فقالت: يا رسول الله، أرأيتَ إن ذهب بصري في الدنيا ثم
صرتُ إلى الجنة، أيُبدلني الله خيراً منه. قال: "نعم". قالت: فإن ذهب
بصري في الدنيا ثم صرت إلى النار، أفيُعِيد الله بصري? فقال النبيّ عليه السلام
للفتى: لا إن أمّك صِدَيقةٌ".
لثابت بن سعيد في ثلاث أعين لا تمسها النار حدثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو
عن أبي إسحاق عن الأوزاعي عن ثابت بن سعيد قال: ثلاث أعينٍ لا تمسها النار؛ عين
حرَسَتْ في سبيل اللّه؛ وعينٌ سهِرتْ في كتاب الله، وعينٌ بكتْ في سواد الليل من
خشية الله.
لأبي إبراهيم أبو حاتم عن العُتبي قال: حدثنا أبو إبراهيم قال: لا يكون البكاءُ
إلا من فضل فإذا اشتد الحزنُ ذهب البكاء وأنشد:
فلئن بكيناه يَحِقُّ لـنـا |
|
ولئن تركنا ذاك للكِبر |
فلمثله جرت العيونُ دَماً |
|
ولمثله جمَدتْ فلم تَجرِ |
عن عَمْرو بن العاص في يحيى بن زكريا
بلغني عن أبي الحارث الليث بن سعد عن أبيه عن ابن لَهِيعَة عن أبي قَبِيلٍ عن عبد
الله بن عمرو بن العاص قال : دخل يحيى بن زكريّا بيتَ المقدس وهو ابن ثَمانِي حجج،
فنظر إلى عبادِ بيت المقدس قد لبِسُوا مدارعَ الشعرَ، وبَرانسَ الصوف، ونظر إلى
متهجِّديهم، أو قال مجتهديهم، قد خرقوا التراقيَ، وسلكوا فيها السلاسلَ، وشدّوها
إلى حنايا بيت المقدس، فهاله ذلك؛ فرجع إلى أبوبه فمر بصِبيانٍ يلعبون فقالوا: يا
يحيى هلمَّ فلنلعبْ قال: إني لم أخلق للَّعب، فذلك قول الله تعالى: "وآتيناه
الحكمَ صبيّا" فأتى أبويه فسألهما أن يُدَرِّعاه الشعر ففعلا، ثم رجع إلى بيت
المقدس فكان يخدُمه نهاراً ويَصيحُ فيه ليلاً، حتى أتت له خمسَ عشرة سنة، وأتاه
الخوفُ فساح ولزم أطرافَ الأرض وغِيرَانَ الشَعاب، وخرج أبواه في طَلبه فوجداه حين
نزلا من جبال التِّيهِ على بُحيرة الأردنّ وقد قعد على شَفِير البُحَيرة وأنقعَ
قدميه في الماء وقد كاد العطشُ يذبحهُ وهو يقول: وعزتِك لا أفوقُ باردَ الشراب حتى
أعلَم أين مكاني منك فسأله أبواه أن يأكلَ قُرصاً كان معهما من شَعير، ويشربَ من
الماء ففعلَ وكفَر عن يمينه فمدحُ بالبِرّ، قال اللّه عز وجل: "وَبَراً
بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَباراً عَصِيًا" ورده أبواه إلى بيت المقدس
فكان إذا قام في صلاته بكى، ويبكي زكريا لبكائه حتى يُغمَى عليه، فلم يزل كذلك حتى
خر دموعُه لحمَ خَدّيه، وبدَتْ أضراسُه، فقالت له أمه: يا يحيى " لو أذنتَ لي
لاتخذتُ لك لبداً لِيواريَ أضراسكَ عن الناظرين". قال: أنتِ وذاكِ، فعَمَدَتْ
إلى قِطْعَتيْ لًبودٍ فألصقتهما على خدّيه، فكان إذا بكى استنقعتْ دموعُه في
القطعتين فتقومُ إليه أمُّهُ فتعصِرهُما بيديها، فكان إذا نطر إلى دموعه تجري على
ذراعَيْ أمَهِ قال: اللهَم هذه دموعي وهذه أمَي وأنا عبدُك وأنت أرحمُ الراحمين.
ليزيد الرقاشيّ بلَغني عن أبي معاوية عن أبي إسحاق الخَمِيسيّ قال: كان يزيدُ
الرقاشي يقول: ويحك يا يزيدُ! مَن يصومُ عنك! مَن يصلَي عنك! ومن ذا يترضَى لك ربك
من بعدك! ثم يقول: يا معشر مَنِ الموت موعده، والقْبرُ بيتُه ألا تبكون! قال: فكان
يبكي حتى تسقطَ أشفارُ عينيه.
للنبي صلى الله عليه وسلم في البكاء من خشية الله بلَغني عن محمد بن فُضَيل عن
العَلاء بن المسيًب عن الحَسن قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "مَا منْ
قطرةٍ أحب إلى الله مِنْ قطرةِ دمٍ في سبيله وقطرةِ دمعٍ في جوف الليل من خشيته،
وما من جرْعةٍ أحبُّ إلى الله من جَرْعةِ مصيبة مُوجِعة ردّها بصبرٍ وحسُن عزاؤه،
وجرعةِ غيظٍ كظَم عليها".
لمعتمر بن سليمان عن رجل في بكاء ابن عباس مُعتَمِر بن سليمان عن رجلٍ قال: كان في
وجنتَي ابن عباس خطَّان من أثر الدموع.
بين سيار بن جعفر ومحمد بن واسع حدثني محمدُ بن داود عن سعيد بن نُصَيْر قال:
حدثنا سَنار عن جعفرٍ قال: كنتُ إذا أحسستُ من قلبي بقسوة أتيتُ محمدَ بن واسعٍ
فنظرتُ إليه نظرةً؛ قال: وكنت إذا رأيت وجهَه حسبتُه وجهَ ثَكلَى.
وكان يقال: أخوك مَنْ وعَظَك برؤيته قبلَ أن يعظَك بكلامه.
تكلم الحسَن يوماً حتى أبكَى مَن حولَه فقال: عَجيج كعجيج النساء ولا عزم، وخدعةٌ
كخدعة إخوة يوسف جاءوا أباهم عِشاءً يبكون.
لمالك بن دينار وقد فقد مصحفه في مجلسه أبو عاصم قال: فقَدَ مالكُ بن دينار مصحفَه
في مجلسه؛ فنظر إليهم كلَهم يبكون؛ فقال كلُّكم يبكي فمن سرَق المصحف? لعبد العزيز
بن مرزوق قال عبد العزيز بن مرزوق: الكمد أبقَى للحزن. وكانت له شُعَيرات في
مُقدمَّ صُدْغه فإذا رق نتفها أو مدَها إلى فوق فتقلصَ دمعُه.
لغالب بن عبيد اللّه قيل لغالب بن عبيد الله: إنا نخاف على عينك العمى من طول
البكاء. فقال: هُوَ لها شفاعة.
لبعض الشعراء في البكاء قال بعض الشعراء:
سأبكيك حتى تُنْفِدَ العينُ ماءَها |
|
ويَشفِيَ مني الدمعُ ما أتوجعً |
مثله لبعض الكتاب وقال بعض الكتابِ في مثله:
إبك فمن أنفع ما في البكا |
|
أنّه للأحزان تـسـهـيلُ |
وهو إذا أنت تأمـلـتَـه |
|
حُزْنٌ على الخدّين محلول |
لعفيرة
العابدة في البكاء
قيل لعُفَيْرةَ العابدة: ألا تسأمين من طول البكاء؛ فبكت ثم قالت: كيف يسأم ذو داء
من شيء يرجو أن يكونَ له فيه من دائه شفاء!.
بين ابن أبي الحواري وأبي سليمان الداراني قال ابن أبي الحوَارِي: رأيت أبا سليمان
الدارانيّ يبكي، فقلت له: ما يُبكيك? فقال: إنما أبكِي لذلك الغم الذي ليس فيه
فرحٌ، وذلك الأمدِ الذي ليس له انقطاعٌ.
بين بعضهم وراهب بدير حرملة قال بعضهم: أتيتُ الشأمَ، فمررتُ بدير حَرْمَلَة، وبه
راهبٌ كأن عينيْه عِدْلاً مَزادٍ؛ فقلتُ: ما يُبكيك. فقال: يا مسلمً، أبكِي على ما
فرطتُ فيه من عمري، وعلى يومٍ مضى من أجلي لم يَتبيَّنْ فيه عملي. قال: ثم مررتُ
بعد ذلك فسألتُ عنه؛ فقالوا: أسلمَ وغَزَا فقُتِل في بلاد الروم.
ليزيد الرقاشي أشعث قال: دخلتُ على يزيد الرقَاشيّ فقال لي: يا أشعثُ، تعالَ حتى
نبكيَ على الماء البارد في يوم الظمأ. ثم قال: والهفاه! سبقني العابدون وقُطِعَ
بي. وكان قد صام ثلاثين أو أربعين سنة.
بين زيد الحميري وثوبان الراهب زيد الحميريّ قال: قلتُ لثوبانَ الراهب: أخبرني عن
لُبْس النصارى هذا السوادَ، ما المعنى فيه? قال: هو أشبه بلباس أهل المصائب. قال
فقلتُ: وكلّكم معشرَ الرهبان قد أصيبَ بمصيبة? فقال: يرحمك الله! وأيّ مصيبةٍ
أعظمُ من مصائب الذنوب على أهلها! قال زيد: فلا أذكر قولَه ذلك إلا أبكاني.
أيضاً بين ابن أبي الحواري وأبي سليمان الداراني ابن أبي الحوَاريّ قال: دخلت على
أبي سليمان وهو يبكي، فقلت: ما يُبكيك. قال: يا أحمد، إنه إذا جَن الليلُ وهدأت
العيونُ وأنسَ كلُ خليلَ بخليله، فرَشَ أهلُ المحبة أقدَامهم، وجرت دموعُهم على
خدودهم يُسمع لها وقعٌ على أقدامهم، وقد أشرف الجليلُ عليهم فقال: بعيني مَنْ تلذَذَ
بكلامي واستراح إليَّ، فما هذا البكاء الذي أراه منكم! هل أخبركم أحدٌ أن حبيباً
بعذَبُ أحباءَه! أم كيف أبيتُ قوماً، وعند البيات أجدهم وقوفاً يتملقونني! فبي
حلفتُ أن أكشفَ هم يومَ القيامة عن وجهي ينظرون إلي.
للخنساء في بكائها على أخيها صخر قالت خنساء: كنتُ أبكي لصخر من القتال، فأنا أبكي
له اليوم من النار.
بين عمر بن ذر وأبيه قال عمر بن ذَرٍّ لأبيه: يا أبتِ، ما لَكَ إذا تكلمت أبكيتَ
النساَ، وإذا تكلّمَ غيرُك يُبكهم? فقال: يا بني، ليست النائحة الثكلى مثل النائحة
المسأجرَة.
بعض ما أوحى به اللّه تعالى إلى نبي من أنبيائه وفي بعض ما أوحى الله إلى نبيٍّ من
أنبيائه: هبْ لي من قلبك الخشوعَ، ومن بَدَنك الخضوعَ، ومن عينك الدموعَ، وادعُني،
فإني قريب.
لعمر وكان عمر يقول: استغزروا العيون بالتذكر.
التهجد
للنبي
صلى الله عليه وسلم حدثنا حسين بن حسن المَرْوَزي قال: حدثنا عبد اللّه بن المبارك
قال: أخبرني مَعْمرَ والأوزاعيُ عن يحيى بن أبي كَثِير عن أبي سلَمة عن أبي زَمَعة
بن كعب الأسلميّ قال: كنت أتيتُ عند حُجرة النبي صلى الله عليه وسلم فكنت أسمعُ،
إذا قام من الليل: "سبحانَ الله رب العالمين" الهَوِي من الليل، ثم يقول:
"سبحانَ اللِه وبحمده" الهَوِيً.
حدثنا حسين قال: حدثنا سفيان بن عُيَينة عن زياد بن عِلاَقَة قال: سمعتُ المُغيرةَ
بن شعْبة يقول: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توزمت قدَماه فقيل: يا رسول
الله، قد غفر اللّه لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر؛ قال: "أفلا أكون عبداً شكوراً".
حدّثنا حسين قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا حمّاد بن سلَمة عن ثابت
البُنَاني عن مُطَرف بن عبد الله عن أبيه قال: أتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه
وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المِرْجَل.
ليزيد الرقاشي بلغني عن رَبَاح عن معْتمِر عن رجل قد سمّاه قال: قال يزيد
الرًقَاشيٌ: إذا أنا نمتُ ثم استيقظتُ ثم نمتُ فلا نامت عينايَ، وعلى الماءِ
الباردِ السلامُ. يعني بالنهار.
بين عمر وعبيدة بن هلال الثقفي وروى جَرير عن عطاء بن السائب قال: قال عبيدة بن
هلال الثَّقفي: لا يشهد عليّ ليل بنومٍ ولا شمسٌ بإفطارٍ. فبلغ ذلك عمرَ فأقسم
عليه ليُفطرن العيدين.
قول عبيدة بن هلال لأهله
وروى حمَاد بن سَلَمة عن أبي جعفر الخَطميّ عن جده عُمَير بن حبيب قال: كان يقول
لأهله: يا أهلاه، الدُلْجَةَ الدُلْجَةَ، إنه من يسبِق إلى الماء يظمأ؛ يا أهلاَ،
الدلجةَ الدُّلجةَ، إنه من يسبق إلى الظلّ يَضْحَى.
لأي سليمان الداراني قال أبو سليمان الدارانيّ: أهلُ الليل في ليلهم ألذُّ من أهل
اللهو في لهوهم، ولولا الليلُ ما أحببتُ البقاء.
قول عيسى عليه السلام للحواريين خرج عيسى عليه السلام على الحواريين، وعليهم
العَبَاءُ وعلى وجوههم النور، فقال: يا أبناء الآخرة، ما تنغَم المتنغَمون إلا
بفضل نعيمكم.
للحسن في المتهجّدين وقيل للحسن: ما بالُ المتهجدين من أحسن الناس وجوهاً؛ فقال:
إنهم خَلَوا بالرحمن فألبسهم نوراً من نوره.
لهمام حُصَيْن بن عبد الرحمن عن إبراهيم قال: كان رجل يقال له همام يقول: اللهمً
اشفني من النوم باليسير، وارزقني سهراً في طاعتك. وكان يُصبح وجُفَتُه مُرَخلة؛
فيقول بعضُهم لبعض: إن جُمَةَ همام تخبركم أنه لم يتوسَدها الليلة.
لعبد اللّه بن داود قال عبد الله بن داود: كان أحدُهم إذا بلغ أربعين سنةً طوى
فراشَه، وكان بعضهم يحيي الليلَ، فإذا نظر إلى الفجر قال: "عند الصباح
يَحْمَدُ القومُ السرَى".
بين الفضيل بن عياض وحسين بن حسن حدّثنا حسين بن حسن قال: أخذ الفُضَيل بن عياض
بيدي ثم قال: يا حسين، يقول الله: كذَبَ من ادعى محبتي وإذا أجَنَّه الليلُ نام
عني، أليس كل حبيبٍ يُحب خلوةَ حبيبه! هأنذا مطلع على أحبّائي، إذا أجَمًهم الليلُ
جعلتُ أبصارَهم في قلوبهم، ومثلتُ نفسي بين أعينهم فخاطَبوني على المشاهدة
وكلَموني على الحضور.
لعطاء الخراساني الوليد بن مسلم قال: حدثني عبد الرحمن بن يزيد قال: كنَّا نعازي
عطاء الخُراساني فكان يُحيي الليلَ صلاةً، فإذا مضى من الليل ثُلُثُه أو أكثرُ
نادانا ونحنُ في فِسطاطنا: يا عبد الرحمن بن يزيد، ويا يزيد بن يزيد، ويا هشام بن
الغاز، قوموا فتوضَؤوا وصلُّوا، فإن قيامَ الليل وصيامَ هذا النهار أيسرُ من شرب
الصديدِ ومن مُقطّعات الحديد، فالوَحَا الوحا ثم النجاءَ النجاء، ويُقبل على
صلاتِهِ.
لعلي كرم الله وجهه في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن مِغْوَل عن رجل
في جُعْفي عن السديّ عن أبي أراكة قال: صلفى عليُّ الغداة ثم جلس حتى ارتفعت
الشمسُ كأن عليه كآبةً، ثم قال: واللهّ، لقد رأيتُ أثرأ في أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم فما رأى أحداً يُشبِههم، واللّه إن كانوا لَيُصبحون شُعْثاً
غُبْراً صُفْراً، بين اعْينهم رُكَبِ المِعْزَى، قد باتوا يتلُون كتابَ الله،
يراوحون بين أقدامهم وجباههم، إذا ذكروا الله مادوا كما يميدُ الشجر في يوم ريح،
وانهملت أعينُهم حتى تُبل ثيابَهم، وكأنهم والله، باتوا غافلين. يريد أنهم
يستقلّون ذلك.
لأبي هريرة في أهل السماء وأهل الذكر المحاربي عن الإفريقي قال: حدثنا أبو
عَلْقَمَة عن أبي هريرة قال: إن أهلَ السماء ليرَوْن بيوتَ أهل الذكر تُضيءُ لهم
كما تضيء الكواكبُ لأهل الأرض.
لعبد الله بن عيسى يَعْلَى بن عُبَيْد عن محمد بن عَوْن عن إبراهيم بن عيسى عن عبد
الله بن عيسى قال: كونوا ينابيعَ العلم، مفاتيحَ الهدى، أحلاس البيوت، جددَ
القلوب، خُلقانَ الثياب، سرُجَ الليل، تعْرَفوا في أهل السماء، وتَخْفَوا في أهل
الأرض.
لإبراهيم النخعي في الرجل يرى الضوء بالليل حدثني محمد بن داود قال: حدثنا أبو
الربيع الزَّهْراني قال: حدثنا أبو عَوَانة عن المغيرة بن إبراهيم، في الرجل يرى
الضوءَ بالليل؛ قال: هو من الشيطان، لو كان هذا فضلاً لأوثر أهلُ بدر.
الموت
بين
محمد بن كعب وعمر بن عبد العزيز حدثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: حدثني عيسى بن
ميمون عن محمد بن كعب قال: نطرت إلى عمر بن عبد العزيز فأدمتُ النظرَ إليه؛ قال:
ما تنظُر يا محمد? قلت: أنظر إلى ما ابيض من شعرك، ونحَلَ من جسمك، وتغيَّر من
لونك. فقال: أمَا واللّه لو رأيتني في القبر بعد ثالثة؛ وقد سالتْ حدقتاي على
وجنتيّ، وسال منخراي صديداً ودوداً، لكنتَ أشد نَكرَة.
لجارية ترثي ميتا وقال الأصمعي: دخلتُ بعضَ الجَبَابين، فإذا أنا بجاريةٍ ما
أحسبها أتت مكليها عَشْرُ سنينَ، وهي تقول:
وروى حمَاد بن سَلَمة عن أبي جعفر الخَطميّ عن جده عُمَير بن حبيب قال: كان يقول
لأهله: يا أهلاه، الدُلْجَةَ الدُلْجَةَ، إنه من يسبِق إلى الماء يظمأ؛ يا أهلاَ،
الدلجةَ الدُّلجةَ، إنه من يسبق إلى الظلّ يَضْحَى.
لأي سليمان الداراني قال أبو سليمان الدارانيّ: أهلُ الليل في ليلهم ألذُّ من أهل
اللهو في لهوهم، ولولا الليلُ ما أحببتُ البقاء.
قول عيسى عليه السلام للحواريين خرج عيسى عليه السلام على الحواريين، وعليهم
العَبَاءُ وعلى وجوههم النور، فقال: يا أبناء الآخرة، ما تنغَم المتنغَمون إلا
بفضل نعيمكم.
للحسن في المتهجّدين وقيل للحسن: ما بالُ المتهجدين من أحسن الناس وجوهاً؛ فقال:
إنهم خَلَوا بالرحمن فألبسهم نوراً من نوره.
لهمام حُصَيْن بن عبد الرحمن عن إبراهيم قال: كان رجل يقال له همام يقول: اللهمً
اشفني من النوم باليسير، وارزقني سهراً في طاعتك. وكان يُصبح وجُفَتُه مُرَخلة؛
فيقول بعضُهم لبعض: إن جُمَةَ همام تخبركم أنه لم يتوسَدها الليلة.
لعبد اللّه بن داود قال عبد الله بن داود: كان أحدُهم إذا بلغ أربعين سنةً طوى
فراشَه، وكان بعضهم يحيي الليلَ، فإذا نظر إلى الفجر قال: "عند الصباح
يَحْمَدُ القومُ السرَى".
بين الفضيل بن عياض وحسين بن حسن حدّثنا حسين بن حسن قال: أخذ الفُضَيل بن عياض
بيدي ثم قال: يا حسين، يقول الله: كذَبَ من ادعى محبتي وإذا أجَنَّه الليلُ نام
عني، أليس كل حبيبٍ يُحب خلوةَ حبيبه! هأنذا مطلع على أحبّائي، إذا أجَمًهم الليلُ
جعلتُ أبصارَهم في قلوبهم، ومثلتُ نفسي بين أعينهم فخاطَبوني على المشاهدة
وكلَموني على الحضور.
لعطاء الخراساني الوليد بن مسلم قال: حدثني عبد الرحمن بن يزيد قال: كنَّا نعازي
عطاء الخُراساني فكان يُحيي الليلَ صلاةً، فإذا مضى من الليل ثُلُثُه أو أكثرُ
نادانا ونحنُ في فِسطاطنا: يا عبد الرحمن بن يزيد، ويا يزيد بن يزيد، ويا هشام بن
الغاز، قوموا فتوضَؤوا وصلُّوا، فإن قيامَ الليل وصيامَ هذا النهار أيسرُ من شرب
الصديدِ ومن مُقطّعات الحديد، فالوَحَا الوحا ثم النجاءَ النجاء، ويُقبل على
صلاتِهِ.
لعلي كرم الله وجهه في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن مِغْوَل عن رجل
في جُعْفي عن السديّ عن أبي أراكة قال: صلفى عليُّ الغداة ثم جلس حتى ارتفعت
الشمسُ كأن عليه كآبةً، ثم قال: واللهّ، لقد رأيتُ أثرأ في أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم فما رأى أحداً يُشبِههم، واللّه إن كانوا لَيُصبحون شُعْثاً
غُبْراً صُفْراً، بين اعْينهم رُكَبِ المِعْزَى، قد باتوا يتلُون كتابَ الله،
يراوحون بين أقدامهم وجباههم، إذا ذكروا الله مادوا كما يميدُ الشجر في يوم ريح،
وانهملت أعينُهم حتى تُبل ثيابَهم، وكأنهم والله، باتوا غافلين. يريد أنهم
يستقلّون ذلك.
لأبي هريرة في أهل السماء وأهل الذكر المحاربي عن الإفريقي قال: حدثنا أبو
عَلْقَمَة عن أبي هريرة قال: إن أهلَ السماء ليرَوْن بيوتَ أهل الذكر تُضيءُ لهم
كما تضيء الكواكبُ لأهل الأرض.
لعبد الله بن عيسى يَعْلَى بن عُبَيْد عن محمد بن عَوْن عن إبراهيم بن عيسى عن عبد
الله بن عيسى قال: كونوا ينابيعَ العلم، مفاتيحَ الهدى، أحلاس البيوت، جددَ
القلوب، خُلقانَ الثياب، سرُجَ الليل، تعْرَفوا في أهل السماء، وتَخْفَوا في أهل الأرض.
لإبراهيم النخعي في الرجل يرى الضوء بالليل حدثني محمد بن داود قال: حدثنا أبو
الربيع الزَّهْراني قال: حدثنا أبو عَوَانة عن المغيرة بن إبراهيم، في الرجل يرى
الضوءَ بالليل؛ قال: هو من الشيطان، لو كان هذا فضلاً لأوثر أهلُ بدر.
الموت
بين
محمد بن كعب وعمر بن عبد العزيز حدثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: حدثني عيسى بن
ميمون عن محمد بن كعب قال: نطرت إلى عمر بن عبد العزيز فأدمتُ النظرَ إليه؛ قال:
ما تنظُر يا محمد? قلت: أنظر إلى ما ابيض من شعرك، ونحَلَ من جسمك، وتغيَّر من
لونك. فقال: أمَا واللّه لو رأيتني في القبر بعد ثالثة؛ وقد سالتْ حدقتاي على
وجنتيّ، وسال منخراي صديداً ودوداً، لكنتَ أشد نَكرَة.
لجارية ترثي ميتا وقال الأصمعي: دخلتُ بعضَ الجَبَابين، فإذا أنا بجاريةٍ ما
أحسبها أتت مكليها عَشْرُ سنينَ، وهي تقول:
عَدِمتُ الحياةَ ولا نـلـتـهـا |
|
إذا كنت في القبر قد ألحدوكا |
وكيف أذوق لـذيذ الـكـرى |
|
وأنت بيمناك قد وسّـدوكـا |
قال الأزديّ: بلغني أن داود الطائيّ مر بامرأة تبكي عند قبرٍ وهي تقول: يا أخاه! شعري:
بأيَ خديك تبدي البِلى |
|
وأيُ عينيك إذاً سالا |
شعر لمالك بن دينار وقد أتى القبور حدّثني محمد بن مرزوق قال: حدّثنا محمد بن نصر المعلم قال: حدّثنا جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار أنه قال:
أتيت القبـورَ فـنـاديتُـه |
|
ن أين المعظَّم والمحتقَـرْ |
وأين المدلُ بسلـطـانـه |
|
وأين المزكَى إذا ما افتخَرْ |
قال: فنوديتُ من بينها ولا أرى أحداً:
تفانَوْا جميعاً فما مُـخـبِـرٌ |
|
وماتوا جميعاً وماتَ الخبَرْ |
تروحُ وتغدو بناتُ الـثـرى |
|
وتُمْحَى محاسنُ تلك الصُّوَرْ |
فيا سائلي عن أناس مَضَـوْا |
|
أمَالك فيما ترى مُعتـبَـرْ |
قال: فرجعت وأنا أبكي.
شعر على قبر بالشام بلغني أنه قرئ على قبرٍ بالشام:
باتوا على قُلَل الأجبال تحرُسُـهـم |
|
غُلْبُ الرجال فلم تنفعهم القُـلَـلُ |
واستُنْزِلوا بعد عزٍّ من معاقلـهـم |
|
فأسكِنوا حُفْرهًّ يا بئس ما نزلـوا |
ناداهُمُ صارخٌ من بعد ما دُفـنـوا |
|
أين الأسرةُ والتيجانُ والـحُـلَـلً |
أين الوجوهُ التي كانت مُحـخـبةً |
|
من دونها تُضرَبُ الأستارُ والكِلَلُ |
فأفصحَ القبرُ عنهم حين ساء لهـم |
|
تلك الوجوهُ عليها الدودُ تقتـتـلُ |
قد طال ما أكلوا دهراً وما نَعِمـوا |
|
فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكِلُوا |
وقال آخر:
ربَّ قوم عَبَروا من عيشهم |
|
في نعيم وسرور وغَـدَقْ |
سكتَ الدهرُ زمانا عنهُـمُ |
|
ثم أبكاهم دماً حين نَطَـقْ |
بين النعمان وعدي بن يزيد نزل النُعمان ومعه عِدي بن زيد في ظل شجرةٍ عظيمةٍ ليَلْهُوَا، فقال له عدي بن زيد: أتدري ما تقولُ هذه الشجرةُ. قال: لا؛ قال تقول:
رب شَرْب قد أناخوا عنـدنـا |
|
يشربون الخمرَ بالماءِ الزلازل |
ثم أضحًوْا لَعب الدهرُ بـهـم |
|
وكذاك الدهرُ حالاً بعد حـال |
لإبراهيم بن مهدي وقال إبراهيم بن المهدي:
بالله ربك كم بيتٍ مـررتَ بـه |
|
قد كان يُعْمَر باللذات والطربِ |
طارتْ عُقابُ المنايا في سقائفه |
|
فصار من بعدها للويل والحربِ |
شعر للخليل بن أحمد الفراهيدي أنشدنا أبو عبد الرحمن صاحب الأخفش عن الأخفش للخليل بن أحمد العروضي:
كن كيف شئتَ فقَصرُك الموتُ |
|
لا مَزْحَلٌ عـنـه ولا فَـوْت |
بينا غِنَى بـيِتِ وبـهـجـتُـه |
|
زال الغنَى وتقوَضَ الـبـيتُ |
شعر لمالك بن دينار وقد كان يخرج إلى القبور كل خميس حدّثني يزداد بن أسد عن الطَّنَافسيّ قال: حدّثنا أبو محمد قال: كان مالك بن دينار يخرج إلى القبور كل خميس على حِمار قوطرانيّ؛ ويقول:
ألا حَي القبورَ ومن بِهِنَّـهْ |
|
وجوه في القبورِ أحِبُّهنَـهْ |
فلو أنّ القبور سمعنَ صوتي |
|
إذاً لأجبنني من وجدِهِنَـهْ |
ولكنّ القبورَ صمتنَ عنـي |
|
فابْتُ بحسرةٍ من عندِهِنَـهْ |
ثم يبكي ونبكي.
بين معاوية بن أي سفيان وعُبَيْد بن شرية الجُرْهميّ قال معاوية بن أبي سفيان
لعُبَيد بن شرية الجُرْهُميّ: أخبِرْني بأعجبِ شيءٍ رأيتَه الجاهليَّة. فقال: إني
نزلتُ بحي من قُضاعة فخرجوا بجنازةِ رجل من عُفرَة يقال له حُريث وخرجتُ معهم، حتى
إذا وارَوْه في حفرته انتبذتُ جانباً عن القوم وعيناي تذْرِفان ثم تمثلت بأبياتِ
شعرٍ كنتُ أرويها قبل ذلك بزمانٍ طويلٍ:
تجري أمور ولا تَـدْرِي: أوائلُـهـا |
|
خَيْرٌ لنفسك أم مـا فـيه تـأخـير |
|
||
فاستقدرِ اللـه خـيراً وارضَـيَنَ بـه |
|
فبينما العـسـرُ إذ دارت مـياسـر |
|
||
وبينما المرءُ في الأحياءِ مغتـبـطـاً |
|
إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصير |
|
||
يبكي الغريبُ عليه ليس يعرفه |
|
وذو قرابته في الحيّ مسرور |
|||
قال: وإلى جانبي رجلٌ يسمع ما أقول، فقال
لي: يا عبدَ الله، هل لك علم بقائل الأبيات. قلتُ: لا والله؛ إلا أني أرويها منذُ
زمانٍ . فقال: والذي تحلِفُ به إن قائلَها لصاحبنا الذي دفنَّاه آنفاً، وهذا الذي
ترى ذو قرابته أسر الناس بموته، وإنك لغريب وتبكي عليه وصفتَ. فعجبتُ لما ذكره في
شعره وما صار إليه من أمره وقوله، كأنه ينظر إلى مكاني جنازته، فقلت: "إنً
البلاء موكُل بالقول" فذهبتْ مثلاً.
لأعرابي فيما هو خير من الحياة وشر من الموت قال أعرابي: خيرٌ من الحياة ما إذا
فقدتَه أبغضتَ لفقده الحياةَ، وشر من الموت ما إذا نزل بك أحببت لنزوله الموت.
شعر لأبي زبيد ولأبي العتاهية وقال أبو زُبَيد:
يملِكُ المرءُ بالرجاءِ وُيضحي |
|
غَرَضا للمنون نَصْبَ العودِ |
كلّ يومٍ ترميه منها برَشْـقٍ |
|
فمصيبٌ أو صاف غير بعيد |
وقال أبو العتاهية:
وَعَظَتْك أحداث صُمُتْ |
|
وَنَعَتْك أزمنة خُفُـتْ |
وتكلَّمتْ عـن أوجـهٍ |
|
تَبلى وعن صور شُتُتْ |
وأرتك قبرَكَ في القبو |
|
رِ وأنت حي لم تمًتْ |
لأعرابي وقال أعرابي: أبْعدَ سفر أولُ
مَنْقَلةٍ منه الموتُ.
وقيل لأعرابيّ: مات فلانٌ أصح ما كان. فقال: أوَ صحيحٌ مَن الموتُ في عُنقِه! وقال
بعض المحدَثين:
اسمعْ فقد أسمعك الصـوتُ |
|
إن لم تبادر فهو الـفـوت |
بل كُلْ إذا شئت وعِشْ ناعما |
|
آخرُ هذا كلَـه الـمـوتُ |
ما كان يقوله صالح المرّي في قصصه وكان صالح المرّي يقول في قَصَصه:
مؤمِّل دنيا لتـبـقَـى لـه |
|
فماتَ المؤفَلُ قبل الأمَـلْ |
وباتَ يُروِّي أصولَ الفَسيل |
|
فعاش الفسيلُ ومات الرجُلْ |
لمسلم بن الوليد وقال مسلم بن الوليد:
كم رأينا من أناس هلكـوا |
|
وبكَى أحبَابُهم ثم بُـكُـوا |
تركوا الدنيا لمن بعـدهُـمُ |
|
ودُفُم لو قدموا ما تركـوا |
كم رأينا من ملوكٍ سـوقةَ |
|
ورأينا سُوقةً قد مَلَـكـوا |
قَلَب الدهرُ عليهم وَرِكـا |
|
فاستداروا حيث دار الفلَكُ |
بيتان كانا على جدار من جُدر القسطنطينية حدثني أبي عن أبي العتاهية أنه قرئ له بيتان على جدارٍ من جُحُر كنيسة القسطنطينية ما اختلف الليلُ والنهار ولا دارتْ نجومُ السماء في الفلَكِ إلا بنقل السلطانَ عن مَلكٍ كان يحدث الدنيا إلى مَلِكِ وقال آخر:
ما أنزل الموتَ حق منزلِـهِ |
|
من عَدً يوماً لم يأتِ من أجَلِهْ |
والصدق والصّبرُ يبلُغان بمن |
|
كانا قرينيْه منتهَـى أمـلِـهْ |
عليك صدق اللسان مجتهـدا |
|
فإنّ جُل الهلاك في زللِـهْ |
للطرماح وقال الطِّرماح:
فيا ربّ لا تجعلْ وفـاتـيِ إن أتـت |
|
على شَرجَع يُعْلَى بدُكنِ المطـارف |
ولكن أجِزْ يومي شهيداً وعُـصْـبةً |
|
يصابون في فجٍّ من الأرض خائف |
عصائبُ من شتَّى يؤلـفُ بـينـهـم |
|
هُدى الله نزَّالون عند الـمـواقـف |
إذا فارقوا دنياهُـم فـارقـوا الأذى |
|
هُدى الله نزَّالون عند الـمـواقـف |
فأقتل قَعْصاً ثم يُرمَى بأعـظـمـي |
|
كضِغْثِ الخَلاَ بين الرياح العواصِف |
ويصبِح لحمي بطنَ طـير مـقـيلة |
|
دُوينَ السماء في نسـورٍ عـوائِف |
لنوح عليه السلام وقد بنى بيتاً من خص
وُهَيب بن الوَرْد قال: اتّخذ نوح بيتاً من خُصٍّ، فقيل له لو بنيت بيتاً. فقال:
هذا لمن يموت كثيرٌ.
لأبي الدرداء إذا رأى جنازة، وشعر للبيد بلغني عن إسماعيل بن عَيّاش عن شُرحَبيْل
بن مسلم أن أبا الدَرداء كان إذا رأى جنازةً قال: إغْدِي فإنّا رائحون، أو قال:
روحي فإنا غادون. وهذا مثل قول لبيد:
وإنا وإخواناً لنا قد تتابعـوا |
|
لكالمغتدي والرائح المتهجرِ |
لهلال بن إساف بلغني عن وَكِيع عن شَريك
عن منصور عن هلال بن إِساف قال: ما من مولود يولد إلا وفي سرّته من تربة الأرض
التي يموت فيها.
أول شعر قيل في ذم الدنيا قال الأصمعي: أوّل شعر قيل في ذم الدنيا قول ابن خَذّاق:
هل للفتى من بناتِ الدهر من راقي |
|
أم هل له من حِمَام الموت من واقي |
قد رجَّلوني وما رُجِّلتُ من شَـعَـثٍ |
|
وألبسونـي ثـيابـاً غـيرَ أخـلاقِ |
وطيَّبونـي وقـالـوا أيّمـا رجـلٍ |
|
وأدرجوني كأنّي طـي مـخـراقِ |
هوَن عليك ولا تُولَـع بـإشـفـاقِ |
|
فإنما مالُنا لـلـوارث الـبـاقـي |
بين النبي صلى الله عليه وسلم ورجل لا يحب
الموت محمد بن فُضَيل عن عُبيد الله بن عُمَير قال: جاء رجل إلى النبي عليه السلام
فقال: يا نبيً الله، ما لي لا أحبُّ الموت? فقال له: "هل لك مال?" قال:
نعم. قال: "قدمه بين يديك".
قال: لا أطيق ذلك. قال: فقال النبي عليه السلام: "إنّ المرءَ مع ماله إن قدمه
أحبَّ أن يَلْحق به وإن أخَّره أحب أن يتخلَف معه".
للربيع بن خيثم في مرضه المحاربيّ عن عبد الملك بن عُمَير قال: قيل للربيع بن
خيْثم في مرضه: ألا ندعو لك طبيباً? قال: أنظِروني؛ ثم فكر فقال: "وعادٍ
وثَمُودَ وأصحابَ الرَسَ وقُرُوناً بينَ ذلكَ كثيراً" قد كانت فيهمِ أطباءُ،
فما أرى المداوى بَقِي ولا المداوَى؛ هلك الناعتُ والمنعوتُ له، لا تدعوا لي
طبيباً.
شعر كان يتمثل به عمر بن عبد العزيز دائماً إسحاق بن سليمان عن أبي أحمد قال: كان
عمر بن عبد العزيز ليس له هِجيرَى إلا أن يقول:
تُسَر بما يَبلَى وتفرَحُ بالمـنـى |
|
كما اغترّ باللذاتِ في النوم حالمُ |
نهارُك يا مغرورُ سهوٌ وغَفْـلةٌ |
|
وليلُك نومٌ والـردىَ لـك لازمُ |
وسعيُك فيما سوف تكره غبـهُ |
|
كذلك في الدنيا تعيشُ البهـائمُ |
كم من مستقبل يوماً ليس بمستكمله، ومنتظِرٍ غدا ليس من أجله، لو رأيتم الأجل ومسيرَه، لأبغضتم الأمل وغرورَه.
لا يلبث القُرنَاء أن يتفرّقوا |
|
ليل يَكُرّ عليهمُ ونهـارُا |
لأبي هريرة يحيى بن آدم عن عبد اللّه بن
المبارك عن عبد الوهاب بن وَرْد عن سالم بن بَشير بن حَجَل عن أبي هريرة: أنه بكى
في مرضه فقال: أمَا إني لا أبكي على دنياكم ولكني أبكي على بُعْدِ سفري وقلّة
زادي، وأني أمسيتُ في صُعودٍ مهبِطُه على جنةٍ أو نار، ولا أدري على أيّهما يؤخذ
بي.
لمعاذ لما احتُضِر أبو جَنَاب قال: لما احتُضِر معاذٌ قال لجاريته: ويحكِ! هل
أصبحنا? قالت: لا؛ ثم تركها ساعةً ثم قال لهًا: أنظُرِي! فقالت: نعم؛ فقال: أعوذ
باللّه من صباح إلى النار ثم قال: مرحباً بالموت، مرحبا بزائر جاء على فاقةٍ، لا
أفلَح مَنْ نَدِم! اللهمّ إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاءَ في الدنيا لكَرْي
الأنهارِ ولا لغرس الأشجارِ، ولكن كنت أحب البقاءَ لمكابدة الليل الطويل ولظمأ
الهواجر في الحر الشديد ولمزاحمةِ العلماء بالرُّكَبِ في حلَق الذَكر.
لعمرو بن العاص عند احتضاره أبو اليَقْظان قال: لما احتُضِر عمرُو بن العاص جعل
يده في موضع الغُل من عنقه ثم قال: اللهم إنك أمرتَنا ففَرّطْنا، ونهيتنا فركِبنا،
اللهم إنه لا يَسعُنا إلا رحمتُك؛ فلم يزل ذلك هِجيراه حتى قُبضَ.
لأزاذمرد في احتضاره وقد سُئِل عن حاله قيل لأزاذمَرْد بن الهِرْبذ حيني احتًضِر:
ما حالُك? فقال: ما حال من يريد سفراً بعيداً بلا زاد، وينزلُ حفرةً من الأرض
مُوحِشة بلا مؤنس، ويَقْدَمُ على ملكٍ جبّارٍ قد قَدم إليه العذرَ بلا حُجةٍ.
لأمية بن أبي الصلت عند وفاته حدثني عَبدةُ الصفارُ قال: حدّثني العَلاء بن الفضل
قال: حدّثني محمد بن إسماعيل عن أبيه عن جده عن جد أبيه قال: سمعتُ أميةَ بن أبي
الصلْت عند وفاته وأغميَ عليه طويلاً ثم أفاق، ورفع رأسه إلى سقف البيت وقال:
لبيكما لبيكما، هأنذا لديكما، لا عشيرتي تَحمِيني، إلا مالي يَفدِيني. ثم أغميَ
عليه طويلاً ثم أفاق فقال:
كل عيش وإن تـطـاولَ دهـراً |
|
صائرٌ مـرة إلـــى أن يزولا |
ليتني كنتُ قبل ما قـد بـدا لـي |
|
في رؤوس الجبال أرعَى الوُعُولا |
ثم فاضت نفسُه.
للمنصور عند موته
الحكَم بن عثمان قال: قال المنصور عند موته: اللهمّ إن كنتَ تعلمَ أني قد ارتكبتُ
لأمورَ العظامَ جُرأة منّي عليك، فإنك تعلم أني قد أطعتُك في أحب الأشياء إليك
شهادةِ أن لا له إلا أنت، مَنًا مِنْك لا مَنُّا عليك.
وكان سببُ إحرامه من الخضراء أنه كان يوماً نائماً، فأتاه آتٍ في منامه فقال:
كأنّي بهذا القصر قد بادَ أهلُـه |
|
وعُرِّيَ منه أهلُه ومنـازلُـه |
وصار عميدُ القوم من بعد نعمةٍ |
|
إلى جَدَثٍ تُبنَى عليه جنادلـه |
فلم يبق إلا رسمـهُ وحـديثُـه |
|
تُبَكِّي عليه مُعْوِلاتٍ حـلائلـه |
فاستيقظ مرعوباً ثم نام فأتاه الآتي فقال:
أبا جعفرٍ حانت وفاتك وانقضت |
|
سنُوكَ وأمرُ الله لا بـد واقـع |
فهل كاهن أعددتَه أو منـجـم |
|
أبا جعفرٍ عنك المنـيةَ دافـع |
فقال: يا ربيع آئْتِني بطَهوري. فقام
واغتسل وصلَى ولبى وتجهًز للحج، فلما صار في الثلث الأؤل اشتدت علتُه، فجعل يقول:
يا ربيع ألقِني في حرم اللّه، فمات ببئر ميمون.
فيمن يذهله احتضاره عن قول: لا إله إلا اللّه حدثني محمد بن داود عن سعيد بن نصير
عن العباس بن طالب قال: قال الربيع بزة: كنتُ بالشامٍ فسمعتُ رجلاً وهو في الموت
يقال له: قل لا إله إلا الله، فقال: اشرب واسقني.
ورأيت رجلاً بالأهواز قيل له: قل لا إلهَ إلا الله؛ فقال: ده يا ذده وده وداوزده .
وقيل لرجل بالبصر: قل لا إله إلا الله، فقال:
يارب قائلة يوماً وقد لَـغِـبـتْ |
|
كيف الطريقُ إلى حمفَام مِنجاب |
لأبي معمر فى تلقين الميت حدّثني أبو حاتم
عن الأصمعيّ عن معمر عن أبيه قال: لقَن ميتَك، فإذا قالها فدعه يتكلم بغيرها من
أمر الدنيا ولا تُضجِرْه.
وصية والد مالك بن ضيغم لبنيه قال مالك بن ضيغم: لما احتُضِر أبي قلنا له: ألا
تُوصي قال: بلى، أوصيكم بما أوصى به إبراهيمُ بنيه ويعقوبُ: "يَا بَنِيً إنً
الله اصطَفَى لَكُمُ الدينَ فَلاَ تَمُوتن إلا وأنتُمْ مسْلِمُونَ" وأوصيكم
بصلة الرحم وحسنِ الجوار وفعل ما استطعتم من المعروف، وادفنوني مع المساكين.
بين عمر بن عبد العزيز وابنه وقال عمر بن عبد العزيز لابنه: كيف تَجدك. قال: في
الموت؛ قال: لأن تكونَ في ميزاني أحبّ إلي من أن أكون في ميزانك. قال: وأنا والله
لأن يكون ما تُحبّ أحبّ إليَّ من أن يكون ما أحِبّ.
لسيبويه النحويّ في احتضاره احتضر سيبويه النحوي فوضع رأسه في حجر أخيه فقطَرت
قَطرةٌ من دموع أخيه على خدّه، فأفاق من غشيته وقال:
أخيينْ كنّا فـرّق الـدهـر بـينـنـا |
|
إلى الأمد الأقصى ومن يأمن الدهرا! |
وصية هَرِم بن حبان أبو أسامة عن سليمان
بن المغيرة عن حميد بن هلال: قيل لهَرِم بن حبئان: أوص؛ فقال: قد صدَقَتني نفسي في
الحياة، ما لي شيء أوصِي فيه، ولكن أوصيكم بخواتيم سورة النحل.
قال الشاعر:
ما ارتدّ طرفُ امرىء بلحظته |
|
إلا وشيء يموتُ من جسـدهْ |
وقال آخر:
المرء يشقَى بما يسعَى لـوارثـه |
|
والقبرُ وارثُ ما يسعى له الرجُلُ |
وصية الربيع بن خيثم حدثني محمد بن عبيد
عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن أبي حيّان التيميّ عن أبيه قال: أوصَى الربيعُ
بن خيثم وأشهدَ على نفسه وكفَى بالله شهيداً وجازياً لعباده الصالحين ومُثيباً:
إني رضيت بالله ربًّا وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً، وأوصِي نفسي ومن أطاعني أن
يعبُدَ اللّه في العابدين ويحمده فيٍ الحامدين وينصحَ لجماعة المسلمين؛ وأوصَى
أهله: ألًا تُشعِروا بي أحداً وسُلُوني إلى ربّي سَلاً.
لعمر بن ذرّ عند موت ابنه ذز حدثني محمد بن أحمد بن يونس قال: سمعتُ عمر بن جرير
المهاجري يقول: لما مات ذرّ بن عمر بن ذر قال لأصحابه: الآن يضيع الشيخ لأنه كان
به بارّاً؛ فسمعها الشيخُ فقال: أنَى
أضيعُ والله حيّ لا يموت! فلما واراه الترابَ وقف على قبره وقال: رحمك الله يا
ذراً ماعلينا بعدك من خصاصةٍ وما بنا إلى أحدٍ مع الله حاجةٌ، وما يسرُّني أنَي
كنت المقدمَ قبلَك، ولولا هولُ المطًلَع لتمنيّتُ أن أكون مكانَك، لقد شغلني
الحزنُ لك عن الحزن عليك، فيا ليت شعري ماذا قلتَ وما قيل لك! ثم رفع رأسَه إلى
السماء فقال: اللهمّ إنّي قد وهبتُ حقَي في بيني وبينه له، فهبْ حقَك فيما بينك
وبينه له. ثم قال عند انصرافه: مضينا وتركناك، ولو أقمنا ما نفعناك.
لعائشة رضي اللّه عنها في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ولها أيضاً على قبر أبيها
حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا شُرَيح بن النّعمان عن عبد العزيز بن أبي سَلمة
الماجِشُون عن عبد الواحد بن أبي عَوْن عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها
قالت: "تُوِّفي رسولُ الله؛ فوالله لو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي
لهاضَها، إشرأب النفاق بالمدينة وارتدت العربُ، فوالله ما اختلفوا في نقطة إلا طار
أبي بحظها وغَنَائها في الإسلام وكانت مع هذا تقول: "من رأى عمرَ بن الخطاب
عرفَ أنه خُلِقَ غَنَاءً للإسلام، كان والله أحوزِيّاً نسيجَ وحده، قد أعد للأمور
أقرانَها".
وقالت عند قبره: "رحِمك الله يا أبتِ! لقد قمتَ بالدين حين وهى شَعْبهُ
وتفاقم صَدْعه؛ ورجفت جوانبُه؛ إنقبضتَ مما أصغَوْا إليه، وشمرت فيما وَنُوا فيه
واستخففتَ من دنياك استوطنوا وصغَّرتَ منها ما عظموا ورعَيت دينك فيما أغفلوا،
أطالوا عِنان الأمن واقتَدت مطي الحذر، ولم تهضِم دينك ولم تَشِنْ غدَك ففاز عند
المساهمة قِدْحُك وخفً مما استوزروا ظهرُك".
وقالت أيضاً عند قبره: "نَضر اللّه وجهك يا أبتِ! فلقد كنتَ للدنيا مُذُلاً بإدبارِك
عنها وللآخرة مِعزاً بإقبالك عليها؛ ولئن كان أجل الرزايا بعد رسول الله صلى الله
عليه وسلم رُزْؤك وأكبرَ المصائب فقدُك إنّ كتابَ الله ليَعِدُ بجميل العزاءه عند
أحسنِ العِوَض منك، فأنا أتنَجَز من الله مَوعده فيك بالصبر عليك، وأستعيضُه منك
بالاستغفار لك؛ عليك سلامُ الله ورحمتُه، توديعَ غير قاليةٍ لحياتك ولا زاريةٍ على
القضاء فيك".
للحسين بن علي على قبر أخيه الحسن قال الحسين بن علي عند قبر أخيه الحسن:
"رحِمك الله أبا محمد! إن كنتَ لَتُباصِرُ الحق مَظَانًه، وتؤلِر اللّه عند
تداحُض الباطل في مواطن التقية بحسن الروية، وتستشف جليلَ مَعاظم الدنيا بعينِ لها
حاقرة، وتُفيضُ عليها يداً طاهرةَ الأطرافِ نقيةَ الأسرةِ، وتردَعُ بادرةَ غربِ
أعدائك بأَيسرٍ المؤونة عليك؛ ولا غَروَ وأنت ابن سلالة النبوة ورضيعُ لِبان
الحكمةِ، فإلي رَوْح ورَيحانٍ وجنةِ نعيم؛ أعظمَ الله لنا ولكم الأجرَ عليه، ووهبَ
لنا ولكم النبوةَ وحُسْنَ الأسَى عنه".
تأبين ابن السماك لداود الطائي
حدثني عبد الرحمن بن الحسين السعيديّ عن محمد بن مُصْعَب: أن ابن السفَاك قال يوم
مات داودُ الطائيّ في كلام له: إن داود رحمه الله نظر بقلبه إلى ما بين يديه من
آخرته، فأعشَى بصرُ القلب بصرَ العين، فكًان كأنه لا ينظر إلى ما إليه تنظرون،
وكأنكم لا تنظرون إلى ما إليه ينظر، فأنتم منه تعجَبون وهو منكم يعجَب، فلما رآكم
راغبين مذهولين مغرورين قد أذهلت الدنيا عقولَكم وأماتت بحتها قلوبَكم استوحش
منكم، فكنتُ إذا نظرتُ إليه نظرت إلى، حي وسطَ أمواتٍ. يا داود ما أعجب شأنك بين
أهل زمانك؛ أهَنت نفسَك وإنما تريد إكرامَها، وأتعبتهِا وإنما تريد راحتَها،
أخشنتَ المطعمَ وإنما تريد طِيبَه وأخشنتَ الملبسَ وإنما تريد لِينَه، ثم أمتَ
نفسَك قبل أن تموتَ، وقبَرتَها قبلَ أن تُقبَر، وعذَبتها ولما تُعذب، وأغنيتها عن
الدنيا لكيلا تُذكَر، رغبتْ نفسُك عن الدنيا فلم ترها لك قدراً إلى الآخرة، فما
أظنُّك إلا وقد ظَفِرت بما طالبت؛ كان سيماك في سرك ولم يكن سيماك في علانيتك،
تفقًهتَ في دينك وتركت الناس يُغَنُّون، وسمعتَ الحديثَ وتركتهم يُحدَثُون،
وخَرِسْتَ عن القول وتركتهم ينطقون، لا تَحسُد الأخيارَ، ولا تعيبُ الأشرارَ، ولا
تقبل من السلطان عطية، ولا من الإخوان هدية؛ آنسُ ما تكون إذا كنتَ بالله خالياً،
وأوحشُ ما تكون آنسُ ما يكون الناس؛ فمن سمِع بمثلك وصبرَ صبرَك وعزَم عزمَك! لا
أحسَبُك إلا وقد أتعبت العابدين بعدَك، سجنتَ نفسَك في بيتك فلا مُحدَثَ لك ولا
جليسَ معك ولا فراشَ تحتك ولا سترَعلى بابك ولا قلةَ يُبَرْد فيها ماؤك ولا صحفةَ
يكون فيها غَداؤك وعَشاؤك، مِطْهَرَتُك قلبُك وقَصْعتُك تَوْرُك. داود ما كنتَ
تشتهي من الماء باردَه ولا من الطعام طيبَهُ ولا من اللباس ليِّنَه، بلى! ولكن
زَهِدتَ فيه لما بين يديك، فما أصغرَ ما بذلت وما أحقرَ ما تركتَ في جنب ما أملتَ،
فلما مِتَّ شَهَرَك ربك بموتك، وألبسَك رداءَ عصلك وأكثرَ تبعَك، فلو رأيتَ من
حضَرك عرفتَ أنّ ربَّك قد أكرمك وشرفك، فَلْتتكلّم اليوم عشيرتُك بكلِّ ألسنتها، فقد
أوضحَ ربك فضلَها بك، ووالله لو لم يَدْعُ عبداً إلى خيرٍ بعمله إلا حُسْنُ هذا
النَشرِ من كثرة هذا التَبَع، لقد كان حقيقاً بالاجتهاد والجهد لمن لا يُضيع
مُطيعاً ولا ينسى صنيعاً شاكراً ومُثيباً.
لمحمد بن سليمان عند قبر ابنه وقف محمد بن سليمان على قبر ابنه فقال: اللهم إني
أرجوك له وأخافك عليه، فحقق رجائي وآمن خوفي.
لمالك بن أنس عند قبر ابنه مات ابن لأنَس بن مالك فقال أنَسٌ عند قبره: اللهم
عبدُك وولدُ عبدك وقد رُدَّ إليك فارأفْ به وارحمْه، وجافِ الأرضَ عن بدنه، وافتح
أبوابَ السماء لرُوحه وتقبلْه بقبولٍ حسنِ. ثم رجع فأكلَ وشربَ وادهن وأصاب من
أهله.
شعر لجرير يرثي امرأته وقال جرير في امرأته:
لا يلبَث القُرنَاءُ أن يتفرّقوا |
|
ليل يَكُرُ عليهـم ونـهـارُ |
صلّى الملائكةُ الذين تُخِيرُوا |
|
والطيِّبون عليكِ والأبـرارُ |
أعرابية ترثي ابنها وقفتْ أعرابيّة على قبر ابنها فقالت: والله ما كان مالُك لعِرسِك، ولا همُّك لنفسك، وما كنتَ إلا كما قال القائل:
رحيبُ النراع بالتي لا تَـشِـينُـه |
|
وإن كانت الفحشاءُ ضَاقَ بها ذَرْعا |
شعر لعديّ بن زيد كان سفيان بن عيينة يستحسنه حدثني محمد بن داود عن الصَلْت بن مسعود قال: كان سفيان بن عُيَينة يستحسن شعر عدي بن زيد:
أين أهلُ الديار من قـوم نـوحٍ |
|
ثم عادٌ من بعدهـم وثـمـودُ |
بينما هم علـى الأسـرة والأن |
|
ماط أفضت إلى التراب الخدودُ |
ثم لم ينقَض الحـديثُ ولـكـن |
|
بعد ذا الوعدُ كلُـه والـوعـيدُ |
وأطباءُ بعدَهـم لـحِـقـوهـمٍ |
|
ضل عنهم سَعُوطهم واللًـدُود |
وصحيحٌ أضحى يعود مريضـاً |
|
وهو أدنى للموتِ ممن يعـودُ |
أخذه عليّ بن الجهم فقال:
كم من عليل قد تخَطاه الردى |
|
فنجا ومات طبيبُه والعُـوَّدُ |
لربعي بن حراش
حدثني عَبْدة بن عبد الله قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الملك بن عُمَير
عن ربْعِي بن حِراش قال: أتيتُ أهلي فقيل لي: مات أخوك. فوجدتُ أخي مُسَجًى عليه
بثوب، فأنا عند رأسه أترحَم عليه وأدعو له إذ كَشَفَ الثوبَ عن وجهه فقال: السلام
عليكم. فقلنا: وعليكَ السلام، سبحان الله! بعد الموت! فقال: إني تُلُقَيتُ برَوْح
ورَيْحان وربً غيرِ غضبان، وكساني باباً من سندسٍ وإسْتَبرَق، وإني وجدتُ الأمرَ
أيسرَ مما تظنون ولا تتكِلوا؛ إني استأذنت ربيِّ أن أخبركم وأبشّرَكم، إحملوني إلى
رسول الله، فقد عُهِد إليّ ألَّا أبْرَحَ حتى ألقاه ثم طَفِيء.
لمطرف عن أهل القبور حدثني أبو سهل عن عليّ بن محمد عن إسحاق بن منصور عن عمارة بن
زاذان عن ثابت أن مُطرفاً كان يبدو على دابته بين المقام فأغفى فإذا أهلُ القبور
جلوس على شِفَاه قبورهم يقولون: هذا مُطَرفٌ يروح إلى الجُمعة. قلتُ: هل تعرفون
يومَ الجمعة. قالوا: نعم، وما تقول الطيرُ في جوف السماء، يقولون: سلام، يومٌ
صالحٌ.
عن جابر في عين أبي زياد التي حفرها معاوية حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا سُفيان
بن عُيَينة عن أبي الربير عن جابر قال: لما أراد معاوية أن تَجرِيَ العينُ التي
حفرها - قال سفيان: تُسفَى عينَ أبي زياد - نادوْا بالمدينة: من كان له قتيل
فليأتِ قتيلَه. قال جابر: فأتيناهم فأخرجناهم رِطَباً يتثَنون، وأصابت المِسحَاة
رِجْلَ رجلٍ منهم فانفَطَرتْ دماً. قال أبو سعيد الخدري: لا يُنكِرُ بعدَ هذا
مُنكِر أبداً.
في أن أهل القبور يتوكفون الأخبار حدّثني محمد بن عُبيد قال: حدثنا ابن عُيينة عن
عمرو بن دينار عن عُبَيد بن عُمَير قال: أهلُ القبور يتوَكَفُون الأخبارَ فإذا
أتاهم الميت سألوه: ما فعل فلانٌ? فيقول: ألم يأتكم! فيقولون إنا لله وإنا إليه
راجعون، سُلِكَ به غيرُ سبيلنا.
للربيع بن صبيح وحميد الطويل في ثابت البناني بعد موته حدثني عبد الرحمن العَبْدي
عن جعفر بن أبي جعفر قال: حدثنا أبو جعفر السائح عن الربيع بن صَبِيح قال: شهِدتُ
ثابتاً البُنَاني يوم مات وشهده أهلُ البَصرة، فدخلتُ قبرَه أنا وحُميدَ الطويلُ
وأبو جعفر حسن مما يلي رأسَه فلما ذهبتُ أسَوَي عليه اللَبِنةَ سقطَتْ من يدي فلم
أرَ في اللحد أحداً، وأصغى إليً حُميدٌ أن اختُطِفَ صاحبُنا وضجً الناسُ فسوينا
على اللحد وحثونا الترابَ؛ فلبم يكن لحُميدٍ هِمًةٌ حتى أتى سليمان بن عليّ وهو
أميرٌ على البَصرة فأخبره، فقال: ما ينكَرُ لله قدرة! إلا أني انكِر أن يكون أحد
من أهل زماننا يُفْعَلُ هذا به، فهل علم به أحد سواك قال: نعم، الربيع بن صَبيح
وحَسَن؛ قال: عَدْلان مَرْضِيان، فبعثَ أمناءَ جيرانه فنبشوا عنه فلم يجدوه في
قبره.
لأعرابية تدعى أم غسان المكفوفة وحدثني أيضاً عن أعرابيّة كان يُقال لها أم غَسّان
مكفوفةٍ وكانت تعيشُ بمِغزَلها وتقول: الحمدُ للة على ما قضى وارتضَى. رضيتُ من
الله ما رضِيَ لي، وأستعينُ اللهّ على بيتٍ ضيق الفِناء قليلِ الكِوَاءِ وأستعين
الله على ما يُطالعَ من نواحيه.
وماتت جارةٌ لها فقيل لها: ما فعلتْ جارتك? فقالت:
تقَسّم جاراتُها بـيتَـهـا |
|
وصارت إلى بيتها الأتلد |
وقالت
يوماً: إن تقبل الله مني صلاةً لم يعذَبْني. فقيل لها: كيف ذلك? قالت: لأنّ الله
وجل لايثني في رحمتِه وحلمِهِ.
قال: وكنتُ سمعتُ حديثَ معاذ "من كُتِبَتْ له حسنةٌ دخلَ الجنّةَ، ولم أعر ما
تفسيره حتى سمعت أمّ غسانَ تقول هذا، فعرفت تأويلَه.
الكِبَر والمشيب
للنبى
صلى الله عليه وسلم حدثني أبو الخطاب قال: حدّثنا أبو داود عن عبد الجليل بن عطية
عن شَهْر بن حَوْشَب عن عمرو بن عَنْبَسَة قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: "مَنْ شابَ شَيبةً في الإسلام كانت له نوراً يومَ القيامة ما لم
يَخضبْها أو يَنتِفْها".
في الكِبَر أبو حاتم عن الأصمعي عن شيخ من بني فَزارة قال: مررتُ بالبادية وإذا
شيخٌ قاعد على شفِيرِ قبرٍ، وإذا في القبور رجالٌ كأنهم الرماحُ يدفِنُون رجُلاً
والشيخُ يقول:
احثُوا على الدَيسَم من بَرْد الثرى |
|
قِدْماً أبَى ربك إلا مـا تَـرَى |
فقلت له: مَن الميتُ? فقال: إبني. فقلت
له: مَن الذين يَدفِنونه? قال: بنوه.
بين يونس بن حبيب ورجل حدثنا أبو عبد الرحمن قال: دخل يونس بن حبيب المسجدَ يُهادى
بين اثنين من الكبر فقال له رجلٌ كان يَتَّهِمه على مودّته: بلغتَ ما أرى يا أبا
عبد الرحمن! قال: هو ما تَرَى فلا بَلَغْتَه. ونحوه قولُ الشاعر:
يا عائبَ الشيبِ لا بَلَغْتَه |
من الزبور ويقال في الزبور: "من بلغ
السبعينَ اشتكَى من غير عِلة".
لمحمد بن حسان النبطي وقال محمد بن حسّان النبطِي: لا تسأل نفسَك العامَ ما أعطتك
في العام الماضي.
لضرار بن عمرو الضبّيّ رأى ضرار بن عمرو الضبيّ له ثلاثةَ عشر ذكراً قد بلغوا
فقال: من سرّه بنوه ساءته نفسه شعر لابن أبي فنن قال ابن أبي فَنَنٍ:
من عاش أخلقت الأيام جِدّتَه |
|
وخانه الثِّقتانِ السمعُ والبصرُ |
قالت عَهِدتُك مجنوناً فقلت لها |
|
إن الشبابَ جنونٌ برؤه الكِبَرُ |
لشيخ معمّر أبوعبيدة قال: قيل لشيخ: ما
بَقِي منك? قال: يسبِقُني مَنْ بين يدَي، ويُدرِكني خلفي، وأنسى الحديثَ، وأذكر
القديمَ، وأنعُسُ في الملا، وأسهَرُ في الخلا، وإذا قمتُ قربت الأرضُ منّي، وإذا
قعدتُ تباعدتْ عني.
لشاعر في الكِبر قال الشاعر:
قالت عَهِدتك مجنوناً فقلتُ لها |
|
إن الشبابَ جنون برؤه الكِبرُ |
بين عبد الملك بن مروان والعريان بن الهيثم
قال عبد الملك بن مروان للعُريان بن الهَيثم: كيف تَجدك? قال: أجِدُني قد ابيض مني ما كنتُ أحب أن يسود، واسودّ منّي ما كنتُ أحبّ أن يبيَضّ واشتدّ منّي ما أحب أن يلين ولان ما أحِبّ أن يشتد وقال : |
|
|
سَلْنِي أنَبئْكَ بآياتِ الكِبَرْ |
|
نومُ الـــــــعِـــــــشـــــــاء وسُـــــــعَـــــــال بــــــــالـــــــــــــــســـــــــــــــحـــــــــــــــرْ |
وقِـــــــلّةُ الـــــــنـــــــوم إذا الــــــــلـــــــــــــــيلُ اعـــــــــــــــتـــــــــــــــكَـــــــــــــــرْ |
|
وقِـــــــفةُ الـــــــطــــــــــــــعـــــــــــــــم إذا الـــــــــــــــزادً حـــــــــــــــضَـــــــــــــــرْ |
وســـــــرعةُ الـــــــطـــــــرفِ وتَـــــــحـــــــمـــــــيجُ الــــــــــــــنـــــــــــــــظـــــــــــــــر |
|
وتـــــــركًـــــــكَ الـــــــحـــــــســـــــنـــــــاءَ فـــــــي قُـــــــبْـــــــل الـــــــطـــــــهُـــــــــرْ |
والـــــــنـــــــاس يَبْـــــــلَـــــــون كـــــــمـــــــا تَـــــــبـــــــلَـــــــى الـــــــشَّـــــــجَـــــــــرْ |
|
|
شعر لحميد بن ثور، وغيره وقال حميد بن ثور:
أرى بصري قد رابني بعد صحّة |
|
وحَسْبُك داءً أن تصِح وتَسلمـا |
وقال الكميتُ:
لا تَغبط المـرءَ أن يُقـالَ لـه |
|
أمسى فلانٌ لِسِنَـه حَـكَـمـا |
إن سرهَ طولُ عمره فلقد أضحَى |
|
على الوجه طولُ ما سَـلـمـا |
للنًمر بن تَوْلب:
يَود الفتى طولَ السلامة والغنَى |
|
فكيف تُرى طولَ السلامةِ يَفعَلُ |
وقال آخر:
كانت قناتي لا تَلينُ لغـامـز |
|
فألانها الإصباحُ والإمسـاءُ |
ودعوتُ ربي بالسلامة جاهداً |
|
ليُصِحنِي فإذا السّـلامةُ داءُ |
وقال أبو العتاهية:
أسرعَ في نقص امرىءٍ تمامُهُ |
وقال عبد الحميد الكاتب:
ترحل ما ليس بالـقـافـل |
|
وأعقب ما لـيس بـالآئِل |
فلهفي من الخلَف النـازل |
|
ولهفي على السلف الراحل |
أبكَي على ذا وأبكـي لـذا |
|
بكاءَ المولًـهة الـثـاكـل |
تُبَكَي من ابن لها قـاطـعٍ |
|
وتَبْكي على ابن لها واصل |
تقضت غَواياتُ لسُكر الصبا |
|
وردً التَقَى عَنَدَ البـاطـل |
كتاب الحجاج إلى قتيبة بن مسلم وشعر للحجاج بن يوسف التيمي محمد بن سلاّم الجُمحِيّ عن عبد القاهر بن السري قال: كتب الحجاج إلى قتيبة مسلم: إني نظرتُ في سنَك فوجدتُك لِدَتي وقد بلغت الخمسين وإن امرأً سار إلى خمسين عاماً لقريب منه. فسمع به الحجاج بن يوسف التيمي فقال:
إذا كانت السبعون سِنك لـم يكـن |
|
لدائك إلا أن تـمـوت طـبـيبُ |
وإن امرأً قد سار سبعـين حِـجة |
|
إلى منهل مـن وِرْده لـقـريبُ |
إذا ما خلوتَ الدهر يوماً فلا تقـل |
|
خلوتُ ولكن قل عـلـي رقـيبُ |
إذا ما انقضى القَرْن الذي أنت منهُم |
|
وخُلفتَ في قَرْنٍ فأنـت غـريبُ |
شعرللبيد وقال لبيد:
أليس ورائي إن تراخت منـيتـي |
|
لزومُ العصا تُحنَى عليها الأصابعُ |
أخبر أخبارَ القرونِ التي مضـت |
|
أدِب كأني كلما قـمـتُ راكـعُ |
مثله لآخر وقال آخر في مثله:
حنتني حانيات الدهر حتْى |
|
كأني خَاتِلٌ يدنو لصـيد |
لرجل من الحكماء وشعر لبعضهم وقيل لرجل
مِن الحكماء: ما لك تُدْمِنُ إمساكَ العصا ولستَ بكبيرٍ ولا مريض. فقال: لأذكرَ
أني مسافر.
قال الشاعر:
حملتُ العصا لا الضعفُ أوجبَ حملَها |
|
علي ولا أني تحنـيتُ مِـن كِـبَـرْ |
ولكنني ألزمتُ نفسـيَ حـمـلـهـا |
|
لأعلِمَها أن المقيمَ عـلـى سَـفَـرْ |
بين شيخ من العرب وغلام ومرَّ شيخ من
العرب بغلامٍ فقال له الغلام: أحْصَدْتَ يا عمّاه فقال: يا بنيّ وتُحتَصَدون .
موعظة للحسن قال الحسنُ في موعظة له: يا معشر الشيوخ، الزرعُ إذا بلغ ما يُصنَع
به. قالوا: يُحصد.
يا معشر الشباب كم من زرع لم يبلغ أدركته آفةٌ. قال الشاعر:
الدّهر أبلاني وما أبلـيتُـه |
|
والدهرُ غيّرني وما يَتَغـيرُ |
والدّهر قيّدني بخيطٍ مبـرَمٍ |
|
فمشيتُ فيه وكلّ يومٍ يَقصُرً |
لعمارة بن عقيل وقال عُمَارة بن عَقِيل:
وأدركتُ مِلءَ الأرض ناساً فأصبحوا |
|
كأهل الديار قوَضوا فتحـمًـلـوا |
وما نحن إلا رُفقةَ قـد تـرحَـلـت |
|
وأخرَى تُقَضَي حاجَهـا وتَـرَحَـلً |
لأعرابي يذكر الشيب ذكر أعرابي الشيبَ
فقال: واللّه لقد كنتُ انكر الشعرةَ البيضاء فقد صرتُ أنكر السوداء، فيا خير
بَدَلٍ ويا شرَّ مبدول.
لبعض الشعراء في الشيب وقال بعض الشعراء:
شاب رأسي وما رأيتُ مشيبَ ال |
|
رأس إلا من فضل شَيب الفؤادِ |
وكذاك القلوب في كـل بـؤسٍ |
|
ونـعـيمٍ طـلائعُ الأجـسـادِ |
طال إنكاريَ البياضَ فـإن عُـم |
|
رت شيئاً أنكرتُ لونَ السـوادِ |
لإياس بن قتادة في الشيب رأى إياس بن
قَتادة شَعرة بيضاءَ في لحيته، فقال: أرى الموتَ يطلبني وأراني لا أفوته، أعِوذ بك
يا ربّ من فُجَاءاتِ الأمور، يا بني سعد قد وهبت لكم شبابي فهبوا لي شيبتي، ولزم بيته.
أقوال في الشيب قال قيس بن عاصم: الشيب خِطام المنية.
قال آخر: الشيبُ بريدُ الحِمام.
قال آخر: الشيب تَوْأم الموت.
قال آخر: الشيب تاريخ الموت.
قال آخر: الشيب أوّل مراحل الموت.
قال آخر: الشَّيب تمهيد الحمام.
قال آخر: الشيب عنوان الكِبَر.
قال عَبِيدُ بن الأبرص:
والشَّيْبُ شينٌ لمن يشيب |
ويقال: شَيْب الشَعرَ موتُ الشَّعَر،
وموتُ الشعَرِ عِلَّةُ موتِ البشر.
قال الشاعر:
وكان الشباب الغضُ لي فيه لذةٌ |
|
فوقَّرني عنه المشـيبُ وأدبـا |
فسَقْياً ورَعياً للشبابِ الذي مضى |
|
وأهلاً وسهلاً بالمشيب ومرحبَا |
وقال أعرابي - ويقال هي لأبي دُلَفَ:
في كـل يوم مـن الأيام نـابــتةٌ |
|
كأنما نبتَتْ فيه علـى بَـصَـري |
لئن قَرَضتكِ بالمقراض عن بصري |
|
لما قرضتُكِ عن همَي ولا فِكَري |
وقال أعرابيّ:
أرَى الشيبَ مذ جاوزتُ خمسين دائباً |
|
يَدِت دبيبَ الصبح في غَسَق الظلَمْ |
هو السـم إلا أنـه غـيرُ مُـؤلـمٍ |
|
ولم أر مثلَ الشيب سُماً بـلا ألَـمْ |
وقال آخر:
قَصَرالحوادِثُ خطوَه فـتـدانَـى |
|
وحَنَيْنَ صدرَ قَناتِه فـتـحَـانَـى |
صحِبَ الزمانَ على اختلاف فُنُونه |
|
فأراه مـنـه شِـدة ولَـيَانَــا |
ما بالُ شيخٍ قدتـخـدد لـحـمُـه |
|
أنضَى ثلاثَ عـمـائم ألـوانَـا |
سوداءَ داجية وسَحـقَ مُـفَـوفٍ |
|
وأجد أخرى بعد ذاك هِـجَـانَـا |
ثم الممـاتُ وراء ذلـك كـلَـهِ |
|
وكأنما يُعْـنَـى بـذاك سِـوانَـا |
وقال آخر يذكر الشبابَ:
لما مضى ظاعِناً عنـا فـودعـنـا |
|
وكان كالميْتِ لم يترك له عَـقِـبَـا |
عُدنا إلى حالة لا نستـطـيعُ لـهـا |
|
وصلَ الغَوانِي وعابَ الشيبَ مَنْ لَعِبا |
شعر لمحمود الوراق وقال محمود الوراق:
بكيتُ لقُرب الأجلْ |
|
وبُعْدِ فوات الأملْ |
|
||
ووافدِ شيب طـرا |
|
بعُقْب شباب رَحَلْ |
|
||
شبَاب كأن لم يكـن |
|
وشيب كأن لًم يَزَلْ |
|
||
طَوَاكَ بشيرُ البـقـا |
|
وجاء بشيرُ الأجَـلْ |
|||
طَوَى صاحب صاحباً |
|
كذاك انتقال الـدوَلْ |
|||
لأبي الأسود يذم الشباب وقال أبو الأسود يذم الشبابَ:
غدا منك أسبابُ الشبابِ فأسرعا |
|
وكان كجارٍ بان يوماً فـودعَـا |
فقلت له فاذهَبْ ذميماً فليتَـنِـي |
|
قتلتُك عِلماً قبل أن تتصـدعَـا |
جنيتَ علي الذنبَ ثم خذلتَـنـي |
|
عليه فبئسَ الخلتانِ هُمَا مـعَـا |
وكنتَ سَراباً ما ضَحَا إذ تركتَني |
|
رَهِينةَ ما أجني من الشر أجمعَا |
وقال آخر:
استنكرتْ شيبي فقلتُ لـهـا |
|
ليس المشيب بناقص عُمْرِي |
وتَنفَسَتْ بي هِمة وصـلَـتْ |
|
أملي بكل رفيعةِ الـذَكـر |
لعمر بن الخطاب في الخضاب روى عبد الله بن
حَفْص الطاحِي عن زكريا بن يحيى بن نافع الأزدي عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله
عنه قال: اخْضِبُوا بالسواد، فإنه أنْسٌ للنساء وهَيبةٌ للعدو.
شعر لعمر بن المبارك الخزاعي قال عمرُ بن المبارك الخزاعي:
مَنْ لاِذنِـي بـمَـلام |
|
ولكَـفـي بـمُـدَام |
عَقَّ عظمُ الجْهل مني |
|
وانثنَى شَن عُرَامي |
وتمشى الفَذ من شَي |
|
بي إلى الشَيب التؤام |
نَظْمَكَ الذر إلى الدرة |
|
في سِلكِ النَـظـاَم |
شعر لأبي العتاهية وقال أبو العتاهيةِ:
نعَى لك ظل الشبابِ المشـيب |
|
ونادتْك باسم سِواك الخطُـوبُ |
فكن مُستعداً لداعي المـنـون |
|
فكل الذنىِ هـو أت قَـرِيبُ |
وقبلكَ داوَى المريضَ الطبيبُ |
|
فعاشَ المريضُ ومات الطبيبُ |
يَخافُ على نفسه مَـنْ يتـوبُ |
|
فكيف ترى حال مَن لا يتوبُ |
ليونس بن حبيب محمد بن سلام قال: سمعتُ يونسَ بن حبيب يقول: لا يأمنُ مَنْ قطع في خمسةِ دراهم خيرَ عُضوٍ منك أن يكون عقابه هكذا غداً.
الدنيا
للنبي
صلى الله عليه وسلم حدّثني أبو مسعود الدارمي قال: حدّثنيِ جدّي خِراش عن أنس بن
مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أصبحت الدنيا همه وسدمه
نزَع اللهّ الغِنَى من قلبه، وصير الفقَر بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما
كُتبَ له، ومن أصبحتِ الآخرةُ همَّه وسدمه نزعَ اللُه الفقرَ من قلبه وصَير
الغِنَى بين عينيه وأتته الدنيا وهي راغِمة".
بين النبي صلى الله عليه وسلم والضحّاك بن سفيان حدّثني محمد بن داود قال: حدّثنا
أبو الربيع عن حمّاد عن علي بن زيد عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
للضحّاك بن سفيان: "ما طعَامكَ "? قال: اللحمُ واللبنُ. قال: "ثم
يصير إلىِ ماذا". قال: ثم يصيرُ إلى ما قد عَلمتَ. قال: "فإنّ اللهّ
ضربَ ما يخرجُ من ابن آدم مثلاَ للدنيا".
لبشير بن كعب في الدنيا قال: وكان بشيرُ بنُ كعبٍ يقول لأصحابه إذا فرغ من حديثه:
انطلقوا حتى أرِيَكم الدنيا. فيجيءُ فيقفُ بهم على السُّوقِ، وهي يومئذ
مَزْبَلَةٌ، فيقول: أنظروا إلى عَسَلهم وسَمْنِهم وإلى دجَاجهم وبطهم صار إلى ما
تَروْن.
للنبي صلى الله عليه وسلم حدّثني هارون بن موسى قال: حدثنا محمد بن سعيد القُزويني
عن عمرو بن أبي قيس عن هارون بن عنترة عن عمرو بن مرة قال: سُئلَ رسولُ الله صلى
الله عليه وسلم عن قول اللّه: "فَمَنْ يُرِدِ الله أنْ يهِديَهُ يَشْرَحْ
صَدْرَهُ لِلإسْلاَم" فقال: "إذا دخل النورُ القلبَ وانفسحَ شُرِح لذلك
الصدرُ"، قالوا: يا نبيّ الله هل لذلكَ آَيةٌ يُعرَفُ بها? قال: "نعم
الإنابَةُ إلى دار الخلود والتَجافِي عن دار الغرور والاستعدادُ للموت قبل نُزول
الموتِ".
لوهب بن منبه
بلغني عن العُتبي عن حبيب العَدوي عن وهب بن منبه قال: رأينا ورقةً يَهفُو بها
الريحُ تأرسلْنا بعضَ الفِتيانِ فأتانا لها فإذا فيها: الدنيا دار لا يُسلَمُ منها
إلا فيها، ما أخذَ أهلُها منها لها خرجوا منه ثم حُوسِبوا به، وما أخَذَ منها
أهلُها لغيرها خرجوا منه ثم أقاموا فيه، وكأن قوماً من أهل الدنيا ليسوا من
أهلها،، هم فيها كمن ليس فيها، عمِلوا بما يُبصِرون وبادَرُوا ما يحذَرون، تتقلّبُ
أجسادُهم بين ظهَرانَيْ أهل الدنيا، وتتقلّبُ قلوبهم بين ظهرانَيْ أهل الآخرة،
يَروْن الناس يُعظّمون وفاةَ أجسامهم وهم أشدُ تعظيماً لموت قلوب أحيائهم. فسألت
عن الكلام فلم أجد يعرفه.
للمسيح عليه السلام وقال المسيح عليه السلام: الدنيا قنطرةٌ فاعبُرُوها ولا
تعمُرُوها.
ما أوحى به اللّه تعالى إلى الدنيا وفي بعض الكتب: أن اللّه تعالى أوحى إلى
الدنيا: "مَنْ خَدمَني فاخدُمِيه، ومَنْ خَدَمك فاستخْدِميه.
لبعض العابدين يذكر الدنيا قال بعضُ العابدين يَذكُر الدنيا:
لقد غَرت الدنيا رجالاً فأصبحوا |
|
بمنزلةٍ ما بعدها مُـتـحَـوًلُ |
فساخِطُ أمرٍ لا يُبَـدَلُ غـيرَه |
|
وراض بأمرٍ غيرَه سَـيُبـدَل |
وبالغُ أمرٍ كـان يأمُـلُ دونـه |
|
ومختَلَجٌ من دون ما كان يأمُلُ |
وقال آخرُ يذكر الدنيا:
حُتوفُها رَصَد وعيشُها رَنق |
|
وكَرُّها نَكدٌ ومُلْكُهَا عُوَلُ |
وقال آخر:
نراعُ لذكر الموت ساعةَ ذكره |
|
وتَعْتَرِض الدنيا فنلهو ونلعـبُ |
ونحن بنو الدنيا خُلِقنا لغـيرهـا |
|
وما كنتَ منه فهو شيء مُحبًبُ |
ليحيى بن خالد وقال يحيى بن خالد: دخلنا
في الدنيا دُخولاً أخرجَنَا منها.
لعلي بن أبي طالب في يصف الدنيا ذم رجلٌ الدنيا عند على بن أبى طالب رضى الله عنه،
فقال علي عليه السلام: الدنيا دار صِدقٍ لمن صَدّقها، ودارُ نَجاة لمن فَهِم عنها،
ودارُ غِنًى لمن تَزود منها، مَهْبِطُ وحي الله، ومصلَى ملائكته، ومَسجِدُ
أنبيائه، ومَتْجَرُ أوليائه، رَبِحُوا منها الرحمَةَ واحْتسَبُوا فيها الجنةَ؛ فمن
ذا يذمها وقد آذَنَتْ ببينها ونادَتْ بفِراقها وشَبهَتْ بسرُورها السّرورَ
وببلائها البلاءَ ترغيباً وترهيباً؛ فيا أيها الذامُّ الدنيا المعلّلُ نفسَه، متى
خَدَعَتْك الدنيا أم متى استذمت إليكَ! أبمصارع آبائك في البِلَى! أم بمضاجع
أمهاتك في الثرى! كم مَرضتَ بيديك، وعًللتَ بكفّيك، تطلبُ له لشفاء، وتستوصفُ له
الأطباءَ، غداة لا يُغني عنه دواؤك، ولا ينفعك بكاؤك.
شعر لإبراهيم بن أدهم العجلي كان إبراهيم بن أدهم العِجلي يقول:
نُرَقَع دنيانا بتَمزِيق دينـنـا |
|
فلا ديننا يبقَى ولا ما نُرَقَعُ |
لأبي حازم في الدنيا قال أبو حازم: وما
الدنيا! أما ما مضى فحُلْمٌ وأما ما بقي فَأمانيٌ.
لسفيان فيما أوحى به الله لنبي من أنبيائه قال سفيانُ: أوحى اللّه تعالى إلى نبيّ
من الأنبياء "اتخِذِ الدنيا ظِئْراً والآخرَة أماً".
للشعبي قال الشعبيّ: ما أعلمُ لنا وللدنيا مَثلاً إلا ما قال كُثَيِّرٌ:
أسيئي بنا أو أحسِني لا مَلُومَة |
|
لَدَيْنَا ولا مَقليةٌ إن تَقـلًـتِ |
لبكر بن عبد اللّه قال بكر بن عبد الله:
المستغني عن الدنيا بالدنيا كالمطفئ النارَ بالتِّبْنِ.
لابن مسعود قال ابن مسعود: الدنيا كلّها غمومٌ، فما كان فيها مِن سرورٍ فهو ربح.
لمحمد بن الحنفية قال محمد بن الحنفية: مَنْ كَرُمَتْ عليه نفسُه هانت عليه الدنيا.
في الدنيا والآخرة وقال بعضُ الحكماء: مَثَلُ الدنيا والآخرةِ مَثَلُ رجل له
ضَرتان إن أرضى إحداهما أسخط الأخرى.
قال سفيان: ترك لكم الملوكُ الحكمةَ فَاترُكوا لهم الدنيا.
وقال آخر: إن الدنيا قد استودَقَتْ وأنعظَ الناسُ.
قال وُهَيبُ بن الورد: مَنْ أرادَ الدنيا فَلْيتهيأ للذل.
قيل لمحمد بن واسع: إنك لَترضَى بالدون؛ فقال: إنما رِضيَ بالدُونِ مَنْ رضي
بالدنيا.
قيل لعليّ بن الحسين: مَنْ أعظمُ الناس خَطَراً. فقال: مَنْ لم ير الدنيا خطَراً
لنفسه.
كان يقال: لأنْ تُطلَبَ الدنيا بأقبح ما تُطلَبُ به الدنيا أحسنُ مِنْ أن تُطلَبَ
بأحسنِ ما تُطلَبُ به الآخرة.
قالتِ امرأةٌ لبعلها ورأته مهموماً: مم هَمكَ? أبالدنيا فقد فرغ الله منها أم
بالاخرة فزادك الله هماً.
للمسيح في حب الدنيا الثوري قال: قال المسيحُ: حبُ الدنيا أصلُ كلً خطيئةٍ والمالُ
فيها داءٌ كثير؛ قيل: ما داؤه? قال: لا يَسلمُ صاحبه من الفخر والكبر؛ قيل: وإن
سَلم? قال: يَشْغَلُه إصلاحُه عن ذكر الله.
لبأي الدرداء يخاطب أهل حمص بلغني عن محمد بن فُضَيل قال: حدّثنا عبد الله بن عبد
الرحمن عن سالم بن أبي الجعد عن أبي الدرداء قال: يا أهل حِمْصَ، ما لي أراكم
تجمعونَ كثيراً، وتبنُونَ شَديداً، وتأمُلُون بعيداً إن مَنْ قبلكم جمعوا كثيراً
وبَنَوْا شديداً وأمَلوا بعيداً فصار جمعهم بُوراً وصارتْ مساكنُهم قبوراً وأملُهم
غُروراً. وفي رواية أخرى: يا أهل دمشق، ما لكم تجمعون ما لا تأكلون، وتبنون ما لا
تسكنون، وتأمُلُون ما لا تدركون! ألا إن عاداً وثمودَ كانوا قد ملأوا ما بين
بُصَرى وعَدَن أموالاً وأولاداً ونَعَماً، فمنْ يَشتَرِي مِني ما تركوا بدرهمين!
لعبد الواحد بن الخطاب بلغني عن داود بن المحبر عن عبد الواحد بن الخطّاب قال:
أقبلنَا قافلين من بلاد الروم نُريدُ البصرةَ، حتى إذا كنا بين الرصَافة وحمص
سمعنا صائحاً يصيحً من بين تلك الرمال - سَمِعته الاذانُ ولم تَرَهُ العيون -
يقول: يا مستورُ يا محفوظُ! أعْقِلْ في سِتْر مَنْ أنتَ! فإن كنتَ لا تعقِلُ مَنْ
أنتَ فيِ ستْره فاتقِ الدنيا فإنها حِمَى الله؛ فإن كنتَ لا تعقِلُ كيف تتًقِيها
فَصَيرْها شوكاً ثم انظر أين تضعُ قدميكَ منها.
للمأمون وشعر لأبي النواس في الدنيا قال المأمون: لو سُئِلَت الدنيا عن نفسها ما
أحسَنَتْ أن تصفَ نفسَها صِفَةَ أبي نُواسٍ في هذا البيت:
إذا اختَبَر الدنيا لَبِيب تكشَّفَتْ |
|
له عن عَدو في ثياب صَدِيقِ |
للمسيح عليه السلام قال المسيحُ عليه
السلام: أنا الذي كَفَفتُ الدنيا على وجهها، فليسَتْ لي زوجة تموتُ ولا بيتٌ
يَخرَبُ.
شعر لأبي العتاهية قال أبو العتاهية:
يا مَنْ ترفَّعَ للدُنـيا وزِينـتـهـا |
|
ليس الترفُّع رفعَ الطين بالطينِ |
إذا أردت شريفَ الناس كُلَـهِـم |
|
فانظُر إلى مَلِكٍ في زِيَ مِسكينِ |
شعر لآخر في الدنيا وقال آخر وذكر الدنيا:
إذا تَم أمر دنا نقصُـه |
|
توَقَعْ زوالاً إذا قيل تَم |
وقال آخر:
لا تَبْكِ للدنيا ولا أهـلِـهـا |
|
وابِك ليوم تسكُنُ الحـافـرهْ |
وابْكِ إذا صِيحَ بأهل الثـرى |
|
فاجتمَعوا فيً ساحة الساهِرَهْ |
ويلك يا دنيا لقد قـصـرت |
|
آمال من يسكنـك الآخـرة |
مقامات الزهاد عند الخلفاء والملوك
مقام صالح بن عبد الجليل بين يدي المهديّ
قام فقال: إنه لما سَهُلَ علينا ما توعَرَ علىِ غيرنا من الوصول إليك، قُمنا
مَقَامَ الأداء عنهم وعن رسول اللة صلى الله عليه وسلم بإظهار ما في أعناقنا من فريضةِ
الأمر والنهي عند انقطاع عُذر الكِتمان ولا سَيما حين اتسَمْتَ بِمَيسَم التواضع
ووَعَدتَ الله وحَمَلَةَ كتابه إيثار الحق على ما سواه، فجمعنَا وإياكَ مَشْهد من
مشاهد التمحيص لِيُتَمَ مُؤَدينا على موعود الأداء وقابِلُنَا على موعود القبول،
أو يَزيدنا تَمحِيصُ الله إيانا في اختلاف السر والعلانية، ويُحَلَينا حِليةَ
الكذابين، فقد كان أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقولون: مَنْ حجب اللُه
عنه العلم عذبه على الجهل، وأشَدُّ منه عذاباً مَنْ أقبل إليه العلمُ وأدبرَ عنه،
ومن أهدى الله إليه علماً فلم يعمَل به فقد رَغِبَ عن هديه الله وقصَر بها، فأقبل
ما أهدَى الله إليكَ من ألسنتنا قبولَ تحقيقٍ وعمل لا قبولَ سمعةٍ ورياءٍ فإنه لا
يعلَمك منَا إعلامٌ لما تَجهَلُ أو مواطأةٌ على ما تعلمُ أو تذكيرٌ من غفلةَ؛ فقد
وطًنَ اللّه عز وجل نبيه عليه السلام على نزولها تعزية عما فات وتحصيناً من
التمادي ودلالةً على المخرَج فقال: "وإما يَنْزَغنك مِن الشَيْطَانِ نَزْغٌ
فاسْتَعِذْ بِاللّه" فأطْلِع الله على قلبكَ بما يُنَوٌرهُ من إيثار الحق
ومًنَابذةِ الأهواء. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
مقام رجل من الزهّاد بين يدي المنصور
بينما المنصورُ يطوفُ ليلاً إذ سمع قائلاً يقول: اللَهم إني أشكو إليكَ ظهورٍ
البغي والفساد في الأرض وما يحولُ بين الحق وأهله من الطمع. فخرج المنصورُ فجلس
ناحية من المسجد وأرسل إلى الرجل يدعوه، فصلى الرجلُ ركعتين واستلَم الركنَ وأقبل
مع الرسول فسلم عليه بالخلافة، فقال المنصورُ: ما الذي سمعتُكَ تذكُر من ظهور
البغي والفساد في الأرض وما يحول بينِ الحق وأهله من الطمع? فوالله لقد حَشَوْتَ
مَسَامِعي ما أرمَضَنِي، قال: يا أمير المؤمنين إن أمنتني على نفسي أنبأتُك
بالأمور من أصولها، وإلا احتجزتُ منكَ واقتصرتُ على نفسي ففيها لي شاغِل. فقال:
أنتَ آمنُ على نفسك فقل فقال: إن النبي دخله الطمعُ حتى حال بينه وبين ما ظهر من
البغي والفساد لأنتَ. قال: ويحك وكيف يدخلُني الطمعُ والصفراءُ والببضاءُ في قبضتي
والحلو والحامض عندي! قال: وهل دخل أحد من الطمع ما دخلكَ! إن الله تبارك وتعالى
استرعاك المسلمينَ وأموالَهم فأغفلتَ أمورهم واهتممتَ بجمع أموالِهم، وجعلتَ بينك
وبينهم حجاباً من الجص والآجُر وأبواباً من الحديد وحَجَبَةً معهم السلاحُ ثم
سجنتَ نفسَكَ فيها عنهم، وبعثتَ عُمَالَكَ في جباية الأموال وجمعها وقويتَهم
بالرجال والسلاح والكراع، وأمرتَ بألا يدخُلَ عليك من الناس إلا فلانٌ وفلان نفر
سميتَهم، ولم تأمر بإيصال المظلوم ولا الملهوف ولا الجائع العاري ولا الضعيفِ
الفقير، ولا أحدٌ إلا وله في هذا المال حق، فلما رآك هؤلاء النفر الذين استخلصتَهم
لنفسك وآثرتَهم على رعيتكَ وأمرتَ ألا يُحجَبُوا عنك، تَجْبي الأموال وتجمعها ولا
تَقسِمُها قالوا: هذا قد خان الله فما بالنا لا نخونه وقد سجن لنا نفسَه! فَأتمروا
بألا يصلَ إليك مِنْ علم أخبار الناس شيء؛ إلا ما أرادوا، ولا يخرجَ لك عاملٌ
فيخالفَ أمرَهُم إلا قصبوه عندك ونَفَوْه حتى تسقطَ منزلتُه ويَصْغُر َقدرُه، فلما
انتشر ذلكَ عنكَ وعهم، أعظمَهُم الناسُ وهابوهم، فكان أولَ مَنْ صانعَهم عُمالُكَ
بالهدايا والأموال لِيَقْوَوْا بها على ظلم رعيتكَ، ثم فعل ذلك ذوو القدرة والثروة
من رعيتك لينالوا به ظلمَ من دونهم، فامتلأت بلادُ الله بالطمع بغياً وفساداً،
وصار هؤلاء القوم شُركاءك في سلطانك وأنت غافل، فإن جاء مُتظلم حِيلَ بينه وبين
دخول مدينتك؛ فإن أراد رفع قصته إليك عند ظهورك وجدك قد نهيتَ عن ذلكَ، وأوقفت
للناس رجلاً ينظر في مظالمهم، فإن جاء ذلك الرجل فبلَغَ بطانَتَكَ خبرُه سألوا
صاحبَ المظالم ألا يرفعَ مَظْلِمَتَه إليك، فإن المتظلَم منه له بهم حُرمة،
فأجابهم خوفاً منهم؛ فلا يزال المظلومُ يختلف إليه ويلوذ به ويشكو ويستغيث وهو
يدفعه ويعتل عليه، فإذا اجهِدَ واحرجَ وظَهَرْتَ، صَرَخ بين يديك، فضُرِبَ ضَرْباً
مُبَرّحاً، ليكون نكالاً لغيره، وأنت تَنظر فلا تُنكِر، فما بقاءُ الإسلام على هذا!
وقد كنتُ يا أمير المؤمنين أسافر إلى الصَين فقدِمتها مرةً وقد أصِيبَ مَلِكُها
بسمعه، فبكى يوماً بكاءً شديداً فحثه جلساؤه على الصبر فقال: أمَا إني لست أبكي
للبلية النازلة بي، ولكني أبكي لمظلوم بالباب يصرُخُ ولا أسمعُ صوتَه؛ ثم قال: أما
إذ ذهب سمعي فإن بصري لم يذهب نادُوا في الناس ألاً يلبَسَ ثوباً أحمرَ إلا
متظلمٌ، ثم كان يركب الفيل طرفَيْ نهاره، وينظر هل يرى مظلوماً. فهذا يا أمير
المؤمنين مُشركٌ بالله غلبتْ رأفتُه بالمشركين شُحَ
نفسه وأنت مؤمنٌ بالله من أهل بيت نبيه لا تغلب رأفتكَ بالمسلمين على شح نفسك! فإن
كنت إنما تجمع المال لولدك، فقد أراك الله عِبَراً في الطفل يسقط من بطن أمه وما
له على الأرض مال، وما من مال إلا ودونه يد شحيحة تحويه فما يزالُ الله يلطُفُ
بذلك الطفل حتى تعظُمَ رغبةُ الناس إليه، ولست بالذي تُعطي بل الله يعطي من يشاء
ما يشاء، وإن قلت إنما أجمع المال لتَشديد السلطان فقد أراك الله عِبَراً في بني
أميةَ: ما أغنى عنهم ما جمعوا من الذهب والفضة وأعدوا من الرجال والسلاح والكُرَاع
حتى أراد الله بكم ما أراد، وإن قلتَ إنما أجمع المالَ لطلب غايةٍ هي أجسمُ من
الغاية التي أنا فيها، فوالله ما فوق ما أنتَ فيه إلا منزلةٌ لا تدرك، إلا بخلاف
ما أنتَ عليه يا أميرَ المؤمنين؛ هل تُعاقب من عصاك بأشد من القتل? قال المنصور:
لا. قال: فكيف تصنع بالملكِ الذي خولك مُلكَ الدنيا وهو لا يعاقب من عصاه بالقتل!
ولكنَ بالخلود في العذاب الأليم، قد رأى ما قد عقِدَ قلبك وعَمِلته جوارحُك ونظر
إليه بصرُك واجترحته يداكَ ومشت إليه رجلاك، هل يغني عنك ما شَحَحْتَ عليه من مُلك
الدنيا إِذا انتزعَه من يدك ودعاكَ إلى الحساب. فبكى المنصور وقال: يا ليتني لم
أخْلَقْ! ويحكَ! فكيف أحتال لنفسي قال: يا أمير المؤمنين إن للناس أعلاماً يفزعون
إليهم في دينهم ويرضَوْن بهم فاجعلهم بطانَتك رشدوكَ، وشاورْهم في أمرك يُسددوك.
قال: قد بعثت إليهم فهربوا مني. قال: خافوا أن تحمِلَهم على طريقتك ولكن إفتَحْ
بابكَ وسَفَل حجابَك وانصُرِ المظلومَ واقمَعْ الظالمَ وخذ الفيء والصدقاتِ مما حل
وطابَ واقسِمه بالحق والعدل على أهله وأنا الضامن عنهم أن يأتوك ويُسْعِدوك على
صلاح الأمة.
وجاء المؤذَنون فسلموا عليه فصلى وعاد إلى مجلسه وطُلِبَ الرجلُ فلم يوجَدْ.
مقام آخر والمنصور يخطب
خَطبَ المنصورُ فحمِد الله ومضى في كلامه، فلما انتهى إلى أن أشهد أن لا إله إلا الله وثَبَ رجل من أقصى المسجد فقال: أذَكرك مَنْ تذكرُ. فقال المنصور: سمعاً لمن فَهِم عن الله وذكرَ به وأعوذ بالله أن أكون جباراً عصياً وأن تأخذني العزة بالإثم لقد ضَلَلْتُ إذاً وما أنا من المهتدين، وأنتَ واللِه أيها القائل ما أردتَ بها الله ولكن حاولتَ أن يقال: قام فقال فعوقب فصَبَر، وأهوِنْ بقائلها لو هَمَمْت، فاهتَبِلها ويلكَ إذ عفوتُ، وإياكم معشرَ الناس وأختَها؛ فإن الموعظة علينا نزلت ومن عندنا انبثتْ فردوا الأمر إلى أهله يُصْحِرُوه كما أورعوه. ثم رجع إلى خطبته فقال: وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه.
مقام عَمْرو بن عُبَيد بين يدي المنصور
قال
للمنصور: إن الله أعطاك الدنيا بأسرها، فاشتَرِ نفسك ببعضها، واذكر ليلةً تَمَخضُ
عن يوم لا ليلةَ بعده. فوجَمَ أبو جعفر من قوله؛ فقال له الربيع: يا عَمْرو غمَمْت
أمير المؤمنين.
فقال عَمْرو: إن هذا صَحِبك عشرين سنة لم يَرَ لك عليه أن يَنْصحَكَ يوماً واحداً
وما عَمِلَ وراءَ ذلك بشيء من كتاب الله ولا سنة نبيه. قال أبو جعفر: فما أصنع? قد
قلتُ لكَ: خاتمي في يدك فتعالَ وأصحابك فاكفِنِي. قال عَمْرو: ادعُنا بعدلك تسْخُ
أنفسنا بعونك؛ ببابك ألف مَظلِمةٍ ارددْ منها شيئاً نعْلَمْ أنك صادق.
مقام أعرابيّ بين يدي سليمان
قام فقال: إني مُكَلمكَ يا أميرَ المؤمنين بكلام فيه بعضُ الغِلظةِ فاحتَمِلْهُ إن كرهتَه، فإن وراءه ما تُحبه إن قلتَه. قال: هاتِ يا أعرابيٌ. قال: فإني سأطلِقُ لساني بما خَرِسَتْ عنه الألسُنُ، عِظَتكَ تأديةً لِحق الله وحق إمامتك، إنه قد اكتنفَكَ رجال أساءوا الاختيارَ لأنفسهم، فابتاعوا دنياكَ بدينهم ورِضَاكَ بسخط ربهم، خافوكَ في الله ولم يخافوا الله فيكَ، فهم حَرْبٌ للآخرة سلم للدنيا، فلا تأمَنْهم على ما ائتمنك الله عليه، فإنهم لن يألوا الأمانة تضييعاً والأمة عسفاً وخسفاً، وأنت مسؤول عما اجترحوا وليسوا مسؤولين عما اجترَحْتَ، فلا تُصْلِحْ دنياهم بفساد آخرتكَ، فإن أعظم الناس غَبْناً مَنْ باع آخرته بدنيا غيره. قال سليمان: أما أنت يا أعرابي فقد سلَلتَ لسانكَ، وهو أقطعُ سيفيكَ. فقال: أجلْ، لكَ لا عليكَ.
مقام أعرابيّ بين يدي هشام
قال: أتتْ على الناس سِنُون، أما الأولى فَلَحَتِ اللحمَ، وأما الثانية فأكلتِ
الشحْم، وأما الثالثة فهاضَتِ العظمَ، وعندكم فضولُ أموال، فإن كانت لله فاقسِموها
بين عباده، وإن كانت لهم ففيمَ تُحظَرُ عنهم! وإن كانت لكم فتصدقوا عليهم بها فإن
الله يَجْزِي المتصدقين؛ فأمر هشام بمال فقُسِم بين الناس وأمرَ للأعرابي بمال،
فقال: أكل المسلمين له مثل هذا? قالوا: لا ولا يقوم ذلك بيتُ مال المسلمين؛ قال:
فلا حاجةَ لي فيما يبعثُ لائمةَ على الناس على أمير المؤمنين.
مقام الأوزاعيّ بين يدي المنصور
ذكره
عبدُ الله بن المبارك عن رجل من أهل الشأم قال: دخلتُ عليه فقال: ما الذي بَطأ بك
عني? قلتُ: يا أميرَ المؤمنين وما الذي تريد مني? فقال: الاقتباسُ منك. قلتُ: انظر
ما تقول، فإن مكحولاً حدًثني عن عطية بن بَشيرٍ أنّ رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم
قال: "مَنْ بلَغه عن اللّه نصيحةٌ في دينه فهي رحمة من الله سِيقَتْ إليه،
فإن قَبِلَها من الله بشكرٍ وإلا كانتْ حُجّةً من الله عليه، ليزداد إثماً،
وليَزْدادَ الله عليه غضباً، وإن بلغه شيء من الحق فرضِيَ فله الرضا، وإن سَخِط
فله السخط، ومن كرهَه فقد كره الله، لأن الله هو الحق المبين"، فلا تجهَلَن.
قال: وكيف أجهل? قال: تسمع ولا تعمل بما تسمَعُ.
قال الأوزاعي: فسل علي الربيعُ السيفَ وقال: تقول لأمير المؤمنين هذا! فانتهرَه
المنصور وقال: أمسِكْ. ثم كلمه الأوزاعي، وكان في كلامه أن قال: إنك قد أصبحت من
هذهِ الخلافة بالذي أصبحت به، والله سَائَلُكَ عن صغيرها وكبيرها وفتيلها ونقيرها،
ولقد حدثني عُروةُ بن رُوَيْم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما مِنْ
راعٍ يبيتُ غاشّاً لِرعيته إلا حًرّمَ الله عليه رائحةَ الجنةِ" فحقيق على
الوالي أن يكون لرعيته ناظراً، ولمَا استطاع من عَوراتهم ساتِراً، وبالقِسط فيما
بينهم قائماً، لا يتخوْف محسنُهم منه رهَقاً ولا مسيئهم عدواناً؛ فقد كانت بيد
رسول الله؛ جرب يستَاكُ بها ويردعُ عنه المنافقينَ، فأتاه جبريلُ فقال: "يا
محمدُ ما هذه الجريدةُ بيدكَ! إقذِفْها تملأ قلوبَهم رُعباً!. فكيف مَنْ سفكَ
دماءهم وشَققَ أبشارهم وأنهبَ أموالهم! يا أمير المؤمنين إنْ المغفورَ له ما تقدم
من ذنبه وما تأخر دعا إلى القِصاص من نفسه بخدش خدشه أعرابياً يتعمده، فهبط جبريل
فقال: "يا محمد إن الله لم يبعَثْكَ جباراً تكسِرُ قرونَ أمَتك". واعلم
كل ما في يدك لا يعدِلُ ضربةً منِ شراب الجنة ولا ثمرةً من ثمارها؛ قال رسول اللّه
صلى الله عليه وسلم: "لَقَاب قوس أحدكم من الجنة أو قُذَة خيْرٌ له من الدنيا
بأسرها". إن الدنيا تنقطِعُ ويزولُ نعيمها، ولو بقي الملكُ لمن قبلكَ لم يصِل
إليكَ. يا أمير المؤمنين، ولو أنّ ثوباً من ثيابَ أهل النار عُلًقَ بين السماء
والأرض لأذاهم فكيف مَنْ يتَقمصُه! ولو أن ذَنُوباً من صديد أهل النار صُبَّ على
ماء الأرض لآجنَه فكيف بمن يتجرعهُ، ولو أنَ حَلقةً من سلاسل جهنم وُضِعَتْ على
جبل لذاب فكيف مَنْ سُلِكَ فيها ويُرَدُّ فضلُها على عاتقه! وقد قال عمر بن
الخطاب: "لا يُقَوَم أمرَ الناس لا حَصيفُ العقدة، بعيدُ الغِرة، لا يَطَّلِعُ
الناسُ منه على عَورةٍ، ولا يُحنِقُ في الحق على برةٍ، ولا تأخُذُهُ في الله لومةُ
لائم".
واعلم أن السلطان أربعة: أمير يَظْلِفُ نفسَه وعمفالَه، فذلك له أجرُ المجاهد في
سبيل الله وصلاتُه سبعونَ ألفَ صلاةٍ ويدُ الله بالرحمة على رأسه تُرفرفُ؛ وأمير
رتَعَ ورتَع عُمَالُه، فذاك حمِلُ أثقالَه وأثقالاً مع أثقاله؛ وأمير يَظلِف
نَفسَه ويرتَعُ عُمَّالُه، فذاكَ الذي باع آخرتَه بدنيا غيره؛ وأمير يرتَعُ
ويَظْلِفُ عُمالَهُ، فذاكَ شر الأكياس.
واعلم يا أمير المؤمنين أنك قد ابتُلِيتَ بأمر عظيم عُرِضَ على السَّمواتِ والأرض والجِبال
فأبينَ أن يحملنه وأشفَقَن منه؛ وقد جاء عن جَدَكَ في تفسير قول اللّه عز وجل: الا
يُغَادِرُ صغِيرَة ولا كَبِيرَة إلا أحصاها" أنْ الصغيرة التبسمُ، والكبيرةَ
الضحكُ.
وقال: فما ظنكم بالكلام وما عملته الأيدي! فاعيذك بالله أن يُخيل إليك أن قرابتك
برسول اللّه صلى الله عليه وسلم تنفع مع المخالفة لأمره؛ فقد قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "يا صفية عمة محمد ويا فاطمة بنت محمد استوهبا أنفسكما من
الله إني لا أغني عنكما من الله شيئاً". وكان جدك الأكبر سأل رسولَ الله صلى
الله عليه وسلم إمارةً؛ فقال: "أي عمٌ نفسٌ تُحِييها خيرٌ لك من إمارة لا
تُحصِيها"، نظراً لعمه وشفقة عليه أن يليَ فيجورَعن سنته جناحَ بعوضة، فلا
يستطيعَ له نفعاً ولا عنه دفعاً. هذه نصيحتي إن قبلتَها فلنفسك عملتَ، وإن رددتها
فنفسك بَخسْتَ، واللّه الموفق للخير والمعينُ عليه.
قالى: بلى! نقبلها ونشكرُ عليها، وبالله نستعينُ.
مقام خالد بن صفوان بين يدي هشام
قال
خالد: وفدتُ عليه فوجدته قد بدأ يشربُ الدهنَ، وذلك في عام باكرَ وَسْمِيُّه
وتتابعَ وليه وأخفت الأرضُ زُخرُفَها، فهي كالزرابىً المبثوثة والقُبَاطي
المنشورة، وثراها كالكافور لو وُضِعَتْ به بَضْعة لم تُتَرّبْ، وقد ضُربتْ له
سرادقاتُ حِبَرٍ بعث بها إليه يوسفُ بن عمر من اليمن تتلألأ كالعقْيان، فأرسل إليَ
فدخلت عليه، ولم أزل واقفاً، ثم نظر إليئ كالمستنطِق لي؛ فقلت: يا أمير المؤمنين،
أتم الله عليك نعمه ودفع عنك نقمه؛ هذا مَقامٌ زَيَّنَ الله به ذكر وأطاب به
نَشْري، إذ أراني وجه أمير المؤمنين، ولا أرى لمقامي هذا شيئاً هو أفضل من أنت
أنبه أمير المؤمنين لفضل نعمة الله عليه ليحمَدَ الله على ما أعطاه، ولا شيء أحضرُ
من حديث سلف لملك من ملوك العجم إن أذن لي فيه حدّثته به. قال: هات.
قلتُ: كان رجلِ من ملوك الأعاجم جُمِعَ له فَتاءُ السن وصِحةُ الطباع وسَعَةُ
المُلك وكثرة المال، وذلك بالخَوَرْنق، فأشرف يوماً فنظر ما حوله فقال لمن حضره:
هل علمتم أحداً أوتي مثل الذي أوتيتُ؛ فقال رجل من بقايا حَمَلة الحجة: إن أذِنت
لي تكلمت. فقال: قل. فقال: أرأيت ما جُمِعَ لك، أشيء هو لك لم يزل ولا يزولُ، أم
هو شيء كان لمن قبلك زال عنه وصار إلي وكذلك يَزُولُ عنك? قال: لا! بل شيء كان لمن
قبلي فزال عنه وصار إلي وكذلك يزول عني قال: فسُرِرتَ بشيءِ تذهب لذته وتبقى
تَبِعَتُه، تكون فيه قليلاً وتُرْتَهن به طويلاً؛ فبكى وقال: أين المهربُ? قال: إلى
أحد أمرين: إما أن تُقيمَ في مُلككَ فتعملَ فيه بطاعة ربكَ، وإما أن تُلقي عليك
أمساحاً ثم تلحق بجبل تعبد فيه ربكَ حتى يأتي عليك أجلُكَ؛ قال: فما لي إذا فعلت
ذلك? قال: حياة لا تموت وشباب لا يهرم وصحة لا تسقم وملك جديد لا يبلى؛ فأتى جبلاً
فكان فيه حتى مات. وأنشد قول عدي بن زيد:
وتَفَكَرْ رَب الخوَرْنَقِ إذ أص |
|
بحَ يوماً وللهُدَى تَـفْـكِـيرُ |
سَره حالُه وكـثـرةُ مـا يم |
|
لكُ والبحرُ مُعْرِضا والسدِيرُ |
فارعَوَى قلبُه فقال وما غب |
|
طةُ حي إلى الممات يصيرُ |
فبكى هشام وقامِ ودخل؛ فقال لي حاجبه: لقد كسبت نفسَك شراً، دعاك أمير المؤمنين لِتحدثه وتُلهِيَه وقد عرَفت علتَه فما زِدْتَ على أن نَعيتَ إليه نَفْسَه. فأقمتُ أياماً أتوقًعُ الشر، ثم أتاني حاجبُه فقال: قد أمر لك بجائزةٍ وأذِنَ لك في الانصراف.
مقام محمد بن كعب القرظيّ بين يدي عمر بن عبد العزيز
قال: إنما الدنيا سُوقٌ من الأسواق، فمنها خرج الناسُ بما ينفعهم وبما يضرهم، وكم قومٍ قد غرهم مثلُ الذي أصبحنا فيه حتى أتاهم الموتُ فاستوعبَهم فخرجوا من الدنيا مُرمِلينَ لم يأخذوا لِما أحبوا من الآخرة عدَةً ولا لما كرهوا جُنَةً، واقتسم ما جمعوا من لم يحمَدْهم وصاروا إلى من لا يعذِرُهم. فانظر الذي تُحب أن يكون معك إذا قدِمْتَ، فقدَمه بين يديك حتى تخرجَ إليه؛ وانظر الذي تكره أن يكون معك إذا قدمْتَ، فابتغ به البدَل حيث يجوز البدلُ، ولا تذهَبنَ إلى سِلْعَةٍ قد بارت على غيرك ترجو جوازَها عنك. يا أمير المؤمنين، إفتح الأبوابَ، وسهَل الحجابَ، وانصُر المظلومَ.
مقام الحسن عند عمر بن هُبَيرة
كتبَ ابن هُبَيرة إلى الحسن وابن سِيرين والشعبيْ فقُدِم بهم عليه، فقال لهم: إن
أمير المؤمنين يكتب إلي في الأمر، إن فعلته خفتُ على ديني، وإن لم أفعله خفتُ على
نفسي. فقال له ابن سيرين والشعبيّ قَولاً رَقَّقا فيه، وقال له الحسن: يا بن
هبيرة، إن الله يمنعُك من يزيدَ، وإن يزيد لا يمنعُكَ من الله. يا بن هبيرة، خَفِ
الله في يزيد ولا تخفْ يزيدَ في الله. يا بن هبيرة، إنه يُوشِكُ أن يبعثَ الله
إليك مَلَكاً فيُنزلَكَ عن سريرك إلى سَعَةِ قصرك، ثم يخرجك عن سعةِ قصرك إلى
ضِيقِ قبرك، ثم لا يُنْجِيك إلا عملُكَ. يا بن هبيرة إنه لاطاعة لمخلوق فِي معصية
الخالق. فأمر له بأربعة آلاف درهم وأمر لابن سيرين والشعبي بألفين فقالا: رَققْنا
فَرَقَقَ لنا.
باب من المواعظ
كلام للحَسن
قال في كلام له: أمتكُم آخرُ الأمم وأنتم آخرُ أمتكم، وقد أسْرعَ بخياركم فماذا تنتظرون! المعاينة? فكأن قد. هيهات هيهات! ذهبت الدنيا لحال بمالها، وبقيت الأعمالُ أطواقاً في أعناق بني آدم؛ فيا لها موعظةً لو وافقَتْ من القوب حياةً؛ إنه والله لا أمةَ بعد أمتكم، ولا نبي بعد نبيكم، ولا كتابَ بعد كتابكم، أنتم تسُوقون الناسَ والساعةُ تسوقكم؛ وإنما يُنتظَر بأولكم أن يلحَقَ آخِركم. مَنْ رأى محمداً صلى الله عليه وسلم فقد رآه غادياً رائحاً لم يضح لَبِنة على لَبِنة ولا قصبة على قصبة، رُفِع له علمٌ فشمرَ إليه؛ فالوَحا الوَحا، والنجاءُ النجاء. علام تعرجون? أسرعَ بخياركم وأنتم كل يوم تَرذلون. لقد صحبتُ أقواماً كانت صحبتهم قَرةَ العين وجَلَاءَ الصدور، وكانوا من حسناتهم أًن تُردً عليهم أشفقَ منكم من سيئاتكم أن تُعذًبوا عليها، وكانوا فيما أحل الله لهم من الدنيا أزهدَ منكم فيما حرم الله عليكم. إني أسمع حسيساً، ولا أرى أنيساً، ذهب الناسُ، وبقِيتُ في النَسناس، لو تكاشفتم ما تدافنتم؛ تَهَاديتُم الأطباقَ ولم تَهادَوُا النصائحَ. يابن آدم، إن دين اللّه ليس بالتحلي ولا بالتمني، ولكنه ما وقَر في القلوب وصَدَقته الأعمالُ.
كلام لبعض الزهاد
لا تغترّنَ بطول السلامة مِع تضييع الشكر، ولا تُعْمِلنَ نعمةَ الله في معصيته، فإن أقل ما يَجِبُ لمهدِيها ألا تجعلَها ذريعةَ إلى مخالفته. واستَدْع شاردَ النّعم بالتوبةِ، واستد!م الراهنَ بكرم الجِوَارِ، واستفتِح بابَ المزيد بحُسن التوكل. أو ما عَلِمْتَ أن المستشعرَ لذُل الخطيئة المخرجَ نفسَه من كُلَف الطاعة نَطِفُ الثَّناءِ، زَمِرُ المروءةِ، قَصيُ المجلس، لا يشاور وهو ذو بَزلَاءَ، ولا يُصَدَرُ وهو جميل الرُّوَاءِ، غامضُ الشخص ضئيلُ الصوتِ نَزْرُ الكلام يتوقع الإسكاتَ عند كلّ كلمةٍ، وهو يَرى فضلَ مزيته وصريحَ لبهِ وحسنَ تَفضِيلِه، ولكن قَطعه سوء ما جنى على نفسه، ولو لم تَطلِعْ عليه عيونُ الخليقة لهجسَت العقولُ بإدهانه. وكيف يمتيع سُقوط القدرِ وظَنَ المتفرس مَنْ عُريَ مِن حِلْية التقوى وسُلِبَ طبائعَ الهُدَى! ولو لم يَتَغَش ثوب سريرته وقبيحَ ما أجنَ من مخالفة ربه لقطعه العلمُ بقبيح ما قارفَ عن اقتدار ذَوِي الطهارة الكلام وإدلال أهل البراءة في النديّ.
كلام لغَيْلان
إن التراجعَ في المواعظ يُوشِكُ أن يُذْهِبَ يومَها ويأتي يومُ الصاخة، كلُّ
الخلقِ يومئذ مُصِيخ يستمعُ ما يُقالُ له ويُقضَى عليه، وخَشَعَت الأصْواتُ للرحمن
فلا تسمَع إلا هَمساً. فاصمُت اليوم عما يُصْمِتكَ يومئذ، وتَعَلَمْ ذلك حتى
تعلَمَه، وابتغِه حتى تَجده، وبادِرْ قبل أن تفجأكَ دعوةُ الموت، فإنها عَنيفة إلا
بِمَنْ رحم الله، فيُقْحِمكَ في دار تسمعُ فيها الأصوات بالحسرة والويل والثبور،
ثم لا يُقالُون ولا يُستعتَبونَ. إني رأيتُ قلوب العِباد في الدنيا تخشع لأيسر من
هذا وتَقسُو عند هذا، فانظُر إلى نفسك أعبدُ الله أنت أم عَدوُه، فيا رُبً مُتعبّد
بلسانه، مُعادٍ له بفعله ذلول في الإنسياق إلى عذاب السعير في أمنية أضغاثِ أحلام
يَعبرها بالأمانِي والطنون. فاعرِف نفسَكَ وسَلْ عنها الكتابَ المنيرَ، سؤال من
يُحِب أن يعلم، وَعلمَ من يُحبّ أن يعمَلَ، فإن الرب جلّ ثناؤه لا يعذِر بالتعذير
والتغرير، ولكن يعذِرُ بالجِد والتشمير. إكْتس نصيحتي، فإنها كُسوَةُ تقوَى ودليلٌ
على مفاتح الخير، ولا تكن كعلماء زمن الهَرْج إن وُعِظُوا أنِفُوا، وإن وَعَظُوا
عَنُفُوا. واللهّ المستعان.
كتاب رجل إلى بعض الزّهاد
كتب
إليه: إنّ لي نفساً تُحِبُّ الدَّعةَ، وقلباً يألف اللذاتِ، وهمةً تَسْتثقِلُ
الطاعةَ، وقد وهَّمتُ نفسي الآفات، وحَذَّرتُ قلبي الموت، وزجرتُ هِمَتي عن
التقصير؛ فلم أرضَ ما رجع إليَّ منهن، فاهدِ لي - رحمك الله - ما أستعينُ به على
ما شكوتُ إليك؛ فقد خفتُ الموت قبلَ الاستعداد.
فكتب إليه: كثر تعجّبي من قلبَ يألَفُ الذنبَ، ونفسٍ تطمئنُ إلى البقاء، والساعاتُ
تَنقُلُنا والأيامُ تَطوِي أعمارَناة فكيف يألفُ قلبٌ ما لا ثباتَ له، وكيف تنام
عينٌ لا تحرِي لعلها لا تطرِفُ بعد رَقدَتها إلا بين يدي اللّه! والسلام.
وكتب رجل من العبّاد إلى صديق له
إني
لمّا رأيتُ الناسَ في اليقين متفقين، وفي العمل متفاوتين، ورأيت الحجةَ واجبة، فلم
أر في يقينٍ قَصَرَ بصاحبه عن عملٍ حجةٍ، ولا في عملٍ كان بغيرِ يقينٍ منفعةً؛
ورأيتُ من تقصيرِ أنفسنا في السعي لمرجوّ ما وُعِدَتْ والهرَبِ من مَخُوف ما
حُذَرَتْ، حتى أسلمها ذلك إلى أن ضَعُفَتْ منها النيةُ وقلّ التحفّظُ واستولى
عليها السَّقَط والإغفالُ واشتعَلَتْ منها الشهوةُ، ودعاها ذلك إلى التمرّغ في
فضائح اللّذاتِ، وهي تعلم أن عاقبتَها الندمُ، وثمرتَها العقوبة، ومصيرَها إلى
النار إن لم يعفً اللُّه - عجبتُ لعمل امرئٍ كيف لا يشبِهُ يقينَه، ولعلم موقنٍ
كيف لا يرتبط رجاءه وخوفه على ربه، حتى لا يتكون الرغبة منه إلا إليه والرهبة منه
إلا له. وزادني عجباً أنّني رأيت طالب الدنيا أجدَّ من طالب الآخرة، وخائفَها
أتعبَ من خائف الآخرةِ، وهو يعلم يقيناً أنه رُب مطلوبٍ في الدنيا قد صار حين نيلَ
حتفاً لطالبه، وأنه رُبَّ مَخُوفٍ فيها قد لَحِقَ كَرْهاً بالهارب منه فصار حظاً
له، وأن المطلوبَ إليه من أهلها ضعيفٌ عن نفسه محتاجٌ إلى ربه مَملوكٌ عليه مالُه
مخزونةٌ عنه قدرتُه. واعلم أن جِمَاعَ ما يسعى له الطالبُ وَيهرُبُ منه الهاربُ
أمران: أحدهما أجلُه، والآخر رزقُه، وكلاهما بعينه شاهد على أنه لا يملِكُه إلا
الذي خلقه. فلم أدْر حين صار هذا اليقينِ في موضع الإيمان يقيناً لا شك فيه، كيف
صار في موضع العمل شبيهاَ بالشك الذي لا يقينَ فيه! وكيف، حين اختُلِفَ في أمر الآخرة،
لم يُخْتَلْف في أمر الدنيا، فيكون خائفُ الآخرة لربه كخائف الدنيا لسلطانه صبراً
له على تجشم المكروه، وتجرّعاً منه لغُصَص الغيظ، واحتمالاً منه لفادح النّصَب،
وعملأ له بالسخرة، وتحفظاً من أن يُضمِرَ له على غش أو يَهًم له بخلاف، ولو فعل
ذلك ما علمه منه حتى يَظهَرَ له بقولٍ أو فعل؛ ولو علمه ما
قَدَر له على قطع أجل لم يَفْنَ ورزقٍ لم ينفَد؛ فإن ابتُلِيَ بالسخَطِ من سلطانه
فكيف حزنه ووحشتُه، وإن أنِسَ منه رِضاً عنه فكيف سُرورُه واختيالُه؛ة فإن قارفَ
ذنباً إليه فكيف تضعضه واستخذاؤه، فإن ندبه لأمر فكيف خِفَّته ونشاطه! وإن نهاه
عنه فكيف حَذرُه واتّعاظُه وهو يعلم أن خالِقَه ورازقَه يعلَمُ سِرَّه وجهرَه،
ويراه في متقلبه ومثواه، ويُعاينُه في فضائحه وعورته، فلم يَزعْهُ عنها حياء منه
ولا تقيةٌ له، قد أمره فلم يأتمر، وزجَره فلم يزدجر، وحَذَره فلم يحذر؛ ووعده فلم
يرغَبْ، وأعطاه فلم يشكر، وستره فلم يزددْ بالستر إلا تعرضا للفضائح، وكفاه فلم
يقنع بالكفاية، وضَمِنَ له في رزقه ما هو في طَلَبِه مُشيحٌ، ويقَّظَه من أجله لما
هو عنه لاه وفرغه من العمل لما هو عنه بغيره مشغول؛ فسبحان من وَسِعَ ذلك حلمه
وتغمده من عباده عفوة؛ ولو شاء ما فعلوه؛ ولا يُسأل عما يفعل وهم يُسْألُونَ.
فأجابه: إني رأيتُ اللّه تبارك وتعالى جعلَ اليقينَ بأعظم المواضع في أمر الدنيا
والدين، فهو غايةُ العالم وبصرِ البصير وفهم السامع، ليس كسائر الأشياء التي
تدخلها الشبهاتُ ويَجرحها الإغفال ويشوبها الوَهْنُ؛ وذلك أن اللّه تعالى جعل
مَغرِسَه القلبَ؛ وأغصانه العملَ، وثمرته الثوابَ. وإنما جَعَلَ القلبَ لليقين
مَغرِساً، لأنه جعل الخمسَ الجوالب لعلم الأشياء كلّها إلى القلب: السمعَ والبصرَ
والمجسةَ والمَذَاقَةَ والاسترواحَ. فإذا صارت الأشياء إليه ميز بينها العقل ثم
صارت بأجمعها إلى اليقين، فكان هو المثبتَ لها والموجه كلّ واحدٍ منهن جهتَها.
ولولا معرفة القلب بالعقل الذي جعله الله لذلك، لم يفرُقْ سمعٌ بين صوتينِ
مختلفينِ، ولا بصر بين صورتين متقاربتين، ولا مجسة بين شيئين غير متشابهين.
ولليقين بعد ذلك منزلة يُعرَفُ بها الضارّ والنافع في العاقبة عند اللّه تعالى.
فلما صار اليقينِ في التشبيه كالشجرة النابتة في القلب أغصانُها العملُ وثمرتها
الثوابُ، أخبر ذلك أنه قد تكون الشجرة نابتة الأصل بلا أغصان كما يكون اليقين
نابتاً بلا عمل، وأنه كما لا تكون الأغصان نابتة بلا أصل، فكذلك لا يكون العمل
نافعاً إلا بيقين؛ وكما أنه لا تُخلِفً الثمرةُ في الطيب والكثرةِ إذا كان الأصل
نابتاً والأغصان ملتفَة، فكذلك يكون الثواب لمن صح يقينه وحَسُنَ عمله. وقد تعرِض
للأعمال عوارضُ من العِلل: منهنّ الأملُ المثبطُ، والنفسُ الأمارةُ بالسوء، والهوى
المزين للباطل، والشيطانُ الجاري من ابن آدم مجرَى الدم، يضررن بالعمل والثواب،
ولا يبلغِ ضررُهن اليقين، فيكون ذلك كبعض ما يَعرِضُ للشجرة من عوارض الأفات
فَتذْوِي أغصانها وتنثًر ورقَها وتَمنع ثمرتَها والأصل ثابت؛ فإذا تجلّت الآفةُ
عادت إلى حال صلاحها. فماذا يُعجبك من عمل امرئ لا يشبه يقينه، وأن يقينَه لا
يرتبط رجاءه وخوفه على ربه. فإنما العجب من خلاف ذلك؛ ولَعَمْري لو أشبهَ عملُ
امرئ يقينَه فكان في خوفه ورجائه كالمعايِن لِمَا يُعايِنه بقلبه من الوقوف بين
يدي الله والنظر إلى ما وعَد وأوعَدَ، لكان ما يعتلج على قلبه من خطرات الخوف
شاغلاً له عن الرجاء، حتىِ يأتَي على نفسه أوّلَ لحظة ينظر بها إلى النار خوفاً
لها أو إلى الجنة أسفاً عليها إذا حُرِمَها، وإذاَ لكان الموقن بالبعث بقلبه
كالمعاين له يوم القيامة وكيف يستطيع من كان كذلك أن يعقلَ فضلاً عن أن يعملَ!
وأما قولك: "كيف لم يكن خائف الآخرة لربّه كخائف الدنيا لسلطانه"، فإن
الله عزّ وجل خلق الإنسان ضعيفاً وجعله عجولاً، فهو لضعفه موكًل بخوف الأقرب
فالأقرب مما يكره، وهو بعجلته موكل بحبّ الأعجل فالأعجل مما يشتهي؛ وزاده حِرصاً
على المخلِص من المكروه وطلباً للمحبوب حاجتُه إلى الاستمتاع بمتاع الدنيا الذي
لولا ما طُبعَ عليه القلبُ من حبه وسَهُل على المخلوقين من طلبه، لما انتفع
بالدنيا مُنتفع ولا عاض فيها عائشٌ. ومع ذلك إن مكاره الدنيا ومحابها عند ابن آدم
على وجهين، أما المكروه فيقول فيه: عسى أن أكون ابتليتُ به لذنبِ سلف منْي، وأما
المحبوب فيقول فيه: عسى أن أكون رُزِقتُه بحسنةٍ كانت مني فهو ثواب عُجلَ، وهو مع
هذا يعلم أن حلومَ المخلوقين إلى الضيق، وأن قلوبَ أكثر مُسَلطِيهم إلى القسوة،
وأن العيبَ عنهم مستور، فليس يلتمس ملتمسهم إلا علمَ الظاهر ولا يضع إلا به، ولا
يلتفتُ من امرئ إلى صلاح سريرته عون صلاح علانيته. ومن طباع الإنسان اللؤمُ، فليس
يَرضَى إذا خِيفَ إلا بأن يُذِلّ، ولا إذا رُجِيَ إلا بأن يُتعِبَ، ولا إذا غَضِبَ
إلا بأن يُخضَعَ له، ولا إذا أمرَ إلا بأن يُنفًذَ أمرُه، ولا ينتفع المتشفعُ
بإحسانه عنده إذا أساء ولا المطيعُ بكثرة طاعته في المعصية الواحدة إذا عصى، ولا
يرَى الثوابَ لازماً له ولا العقابَ محجوراً عليه، فإن عاقب لم يَستَبْقِ، وإن
غَضِبَ لم يتَثبتْ، وإن أساء لم يَعتذِر، وإن أذنبَ إليه مذنب لم يَغفرة واللطيفُ
الخبير يعلمُ السريرةَ فيغفِرُ بها العلانيةَ، ويمحو بالحسنة عشراً من السيئات،
ويصفحُ بتوبةِ الساعة عن ذنوب مائة عام، إن دُعِيَ أجاب، وإن اسْتُغفِر غَفَر، وإن
اطيعَ شكر، وإن عُصِيَ عَفَا، ؤمِن وراءِ عبده بعد هذا كله ثلاث: رحمتُه التى وسعت
كلً شيء، وشهادةُ الحق التي لا يزكو إلا بها عمل،
وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا كله مثبَتٌ لليقين باسطٌ للأمل مُثبطٌ عن
العمل إلا مَنْ شاء الله وقليل ما همْ. فلا تَحمِل نَطَفَ عملك على صحة يقينك
فتُوهِنَ إيمانَك، ولا تُرخَصْ لنفسك في مُقارفة الذنوب، فيكون يقينُك خصماً لك
وحُجّةً عليك؛ وكَذّب أملَك وجاهِد شهوتَك، فإنهما داءاك المخوفان على دينك
المعتونانِ على هَلكتكَ. وأسأل الله الغنيمة لنا ولك.عة النبي صلى الله عليه وسلم،
وهذا كله مثبَتٌ لليقين باسطٌ للأمل مُثبطٌ عن العمل إلا مَنْ شاء الله وقليل ما
همْ. فلا تَحمِل نَطَفَ عملك على صحة يقينك فتُوهِنَ إيمانَك، ولا تُرخَصْ لنفسك
في مُقارفة الذنوب، فيكون يقينُك خصماً لك وحُجّةً عليك؛ وكَذّب أملَك وجاهِد
شهوتَك، فإنهما داءاك المخوفان على دينك المعتونانِ على هَلكتكَ. وأسأل الله
الغنيمة لنا ولك.
موعظة مستعملة
وكيع عن مِسْعَر عن زيد العمي عن عون بن عبد الله قال: كان أهل الخير ِيكتب بعضهم إلى بعض بهؤلاء الكلمات: مَن عَمِلَ لآخرته كفاه الله أمر دنياه، ومن أصلحَ ما بينه وبين الله أصلح اللّه ما بينه وبين الناس، ومن أصلح سريرتَه أصلح الله له علانيتَه.
موعظة لعمرو بن عتبة
العتبيّ عن أبيه عن أبي خالد عن أبيه عن عمرو بن عتبة قال: كان أبونا لا يرفعُ المواعظَ عن أسماعنا، فأراد مرة سفراً فقال: يا بَنِي تألَفُوا النعم بحسن مُجاوَرِتها، والتمِسُوا المزيدَ فيها بالشكر عليها، واعلموا أن النفوسَ أقبلُ شيء لما أعطيت وأعْطى شيءٍ لما سئِلَتْ، فاحمِلوها على مطيَّةٍ لا تُبطِئ إذا رُكِبَتْ، ولا تُسَبق وإن تُقُدمت، عليها نجا مَنْ هرب من النار! وأدرك مَنْ سابقَ إلى الجنة؛ فقال الأصاغرُ: يا أبانا ما هذه المطيةً? قال: التوبة.
صفات الزهَّاد
لعيسى
عليه السلام حدثني عبد الرحمن العبدي عن يحيى بن سعد السعديّ قال: سأل الحواريّون
عيسى عليه السلام فقالوا: يا رُوحَ الله مَنْ أولياءُ اللّه. قال: هم الذين نظروا
إلى باطن الدنيا حين نظر الناسُ إلى ظاهرها، وإلى آجل الدنيا حين نظر الناسُ
عاجلها، فأماتوا منها ما خَشُوا أن يُميتَهم وتركوا منها ما علموا أن سيتركُهُم،
فصار استكثارهم منها استقلالاً، وفرحُهم بما أصابوا منها حزناً، فما عارضهم من نائلها
رفضوه وما عارضهم من رفيعها بغير الحق وضَعوه، فهم أعداء ما سالمَ الناسُ وسِلْمُ
ما عادَوْا، خَلُقَت الدنيا عندهم فليسَ يعمرونها، وماتت في قُلوبهم فليس
يُحبونَها، يهدمُونها ويبنون بها آخرتهم، ويبيعونها ويشترون بها ما يبقى لهم?
ونظروا إلى أهلها صَرْعَى قد خلت منهم المَثُلاتُ فأحيَوْا ذكر الموت وأماتوا ذكرَ
الحياة، بهم نطق الكتابُ وبه نطقوا، وبهم علِمَ الكتاب وبه عَمِلوا، لا يرون
نائلاً ما نالوا، ولا أمناً دون ما يرجون، ولا خوفاً دون ما يحذرون.
بين عمر بن عبد العزيز وشاب زاهد في الدنيا وحدثني أيضاً عن أنس بن مصلح عن أبي
سعيد المصّيصي: إن قوماً دخلوا على عمر بن عبد العزيز يعودونه في مرض، فإذا فيهم
شاب ذابلٌ ناحلٌ، فقال له عمر: يا فَتَى ما الذي بلغ بك ما أرَى? قال: يا أميرَ
المؤمنين أمراض وأسقام. فقال عمر: لتَصْدُقَننَّي؛ قال: يا أمير المؤمنين ذقتُ
حلاوة الدنيا فوجدتُها مرة فصغُر في عيني زهرتها وحلاوتُها، واستوى عندي حجرُها
وذهبُها، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزاً، وإلى الناس يُساقُون إلى الجنة وإلى
النار، فأظمأت لذلك نهاري وأسهرت له ليلي، وقليلٌ حقير كل ما أنا فيه في جنب ثواب
الله وجنب عقابه.
للنيي صلى الله عليه وسلم بلغني عن إسحاق بن سليمان عن أخيه عن الفياض عن زبيد
اليامي عن معاذ بن جبل: أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ الله يحب
الأخفياءَ الأتقياءَ الأبرياءَ الذي إذا غابوا لم يُفتَقدوا، وإذا حَضَرُوا لم
يُعرفوا، قلوبُهم مصابيحُ الهدى يخرجون من كل غبراء مُظلِمَة".
لعلي عليه السلام في التعلُم وعن وكيع عن عمرو بن منبه عن أوفَى بن دلهم قال:
قال علي عليه السلام: تعلّموا العلمَ تُعرَفُوا به واعمَلُوا به تكونوا من أهله،
فإنه يأتي من بعدكم زمان يُنكِر فيه الحق تِسعةُ أعشِرَائهم لا ينجو فيه إلا كل
نُوَمَةٍ، يعني الميتَ الذكر، أولئك أئمة الهدى ومصابيحُ العلم ليسوا بالعُجْل
المذايِيع البُذُرِ.
لعلي أيضاً في الدنيا والأخرة وقال علي عليه السلام أيضاً: إن الدنيا قد ارتحلت
مُدبِرةً وإنّ الآخرةَ قد ارتحلَتْ مُقْبِلةٍ، ولكل واحدة منهما بَنُون، فكونوا من
أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، ألَا إن الزاهدين في الدنيا اتخذوا
الأرض بساطاً والترابَ فِرَاشاً والماء طِيباً. ألَا مَن اشتاق إلى الجنة سَلَا عن
الشهوات، ومن أشفق من النار رجَع عن الحُرمات، ومَنْ زهد في الدنيا هانت عليه
المصيبات أي إن لله عباداً كمن رأى أهلَ الجنة في الجنة مخلَّدين وأهلِ النار في
النار مُعَذّبين، شرورهم مأمونة، وقلوبهم محزونة، وأنفسُهم عفيفة، وحوائجهم
خَفِيفة، صبَرُوا أياماً قليلةً لعقبى راحة طويلة؛ إما بالليل فصافّو أقدامِهم،
تجري دموعُهم على خدودهم، يجأرًون إلى اللّه: ربنا ربنا يطلبُون فَكَاكَ رِقَابهم؛
وأما بالنهار فحلماءُ عُلمَاءُ برَرةٌ أتقياء كأنهم القِدَاحُ ينظُر إليهمُ الناظر
فيقول: مَرْضَى، وما بالقوم من مَرَضٍ، ويقول: خُولِطُوا، ولقد خالط القومَ أمرٌ
عظيم.
لعون بن عبدالله بن عتبة حدّثنا إسحاق المعروفُ بابن رَاهَوَيْهِ أن عون بن عبد
اللّه بن عتبة كان يقول: يا بُني كن كمن نأى به عمن نأى عنه يقينٌ ونزاهة،
ودنُوُّه ممن دنا منه لين ورحمة، ليس نأيه تكبراً عظمة، ولا دنوه بِخَدْع ولا
خِلَابَةٍ، يَقتدي بمن قبله، وهو إمامُ من بعده، لا يعجل فيمن رابه ويعفو إذا تبين
له، ينقص في الذي له ويزيد في الذي عليه، لا يعزُبُ حِلمُه ولا يحضُرُ جهله؛ الخير
منه مأمول والشرّ منه مأمون، إن رُجِيَ خاف ما يقولونَ واستغفرَ لما لا يعلمون، إن
عصته نفسُه فيما كرِهَتْ لم يُطِعها فيما أحبت، يَصْمُتُ ليسلَمَ ويخلو ليغنَم
وينطِقُ ليفْهَمَ وُيخالطُ لِيعلم. ولا تكن يا بُنيّ ممن يُعْجَبُ باليقين من نفسه
فيما ذهبَ وينسَى اليقينَ فيما رجا وطلبَ، يقول فيما ذهب: لو قدر شيء كان، ويقول
فيما بقي: ابتغ أيها الإنسانُ؛ تغلبه نفسُه على ما يظنّ يغلبُها على ما يستيقِنُ،
طال عليه الأملُ ففترَ، وطال عليه الأمدُ فاغترّ? واعذِرَ إليه فيما عمر وليس فيما
عُمَر بمعذِر، عُفَر فيما يتذكر فيه من تذكّر، فهو من الذنب والنعمة مُوقَر، إن
أعطي لم يشكر، وإن مُنِعَ لم يَعذِرْ، يُحب الصالحينَ ولا يعمل عملَهم ويُبغِضُ
المسيئين وهو أحدُهم؛ يرجو الأجرَ في البغض على ظنه ولا يخشَى اليقينَ من نفسه،
يخشى الخلقَ في ربه ولايخشى الرب في خلقه، يَعوذ بالله ممن هو فوقه، ولا يريد أن
يُعيذَ الله منه مَنْ هو تحته، يخاف على غيره بأدنى من ذنبه ويرجو لنفسه بأيسرَ من
عمله، يُبصر العورةَ من غيره ويُغفِلُها من نفسه وإن صلى اعترض، وإن ركع رَبض، وإن
سجد نَقَر، وإن جَلس شَعَرَ، وإن سألَ ألحفَ، وإن سئل سَوَّفَ، وإن حَدّثَ أخلفَ،
وإن وُعِظَ كَلَح، وإن مُدِحَ فَرِحَ، يَحسُدُ أن يُفْضَلَ، ويزهَدُ أن يَفضُل، إن
أفِيضَ في الخير بَرِمَ وضَعُفَ واستسلَم وقال: الصمتُ حُكْم، وهذا ما ليس لي به
عِلم؛ وإن أفِيضَ في الشرّ قال: يُحسَبُ بي عِيُّ، فتكلّم يجمَع بين الأراوِي
والنعام وبين الخال والعمّ ولاءَمَ ما لا يتلاءم؛ يتعلًم للرياء، ويتفقَّه للرياء،
ويبادر ما يفنَى، ويُواكِلُ ما يبقى.
للحسن بن علي حدثني محمد بن داود عن أبي شُرَيح الخُوَارَزْمِي قال: سمعت أبا
الرّبيع الأعرج عمرو بن سليمان يقول:
قال الحسنُ بن علي: ألا أخبركم عن صديق كان لي من أعظم الناس في عيني، وكان رأسً
ما عَظُم به في عيني صِغَرَ الدنيا في عينه. كان خارجاً من سلطانِ بطنه فلا
يتَشَهَى ما لا يحلّ ولا يكنِزُ إذا وجد، وكان خارجاً من سلطان الجهالة فلا يَمُد
يداً إلا على ثقةٍ لمنفعة، كان لا يتشَكَى ولا يتبرَّمُ، كان أكثرَ دهرِه صامتاً،
فإذا قال بَذَ القائلين، كان ضعيفاً مستضعَفاً فإذا جاء الجِد فهو الليث عادياً،
كان إذا جامع العلماء على أن يسمع أحرصَ منه على أن يقولَ، كان إذا غُلِبَ على
الكلام لم يُغلَب على السكوت، كان لا يقول ما يفعل ويفعلَ ما لا يقول، كان إذا
عَرَض له أمران لا يدري أيّهما أقربُ إلى الحق نَظَر أقرَبهما من هواه فخالفه، كان
لا يلومُ أحداً على ما قد يَقَع العذرُ في مثله. زادني غيره: كان لا يقول حتى يرى
قاضياً عَدْلاً وشهوداً عدولاً.
من كلام علي بن أبي طالب لكُميل بن زياد وفي كلام علي رضي اللّه عنه لكُمَيْل حين
ذكر حُجَجَ اللهّ في الأرض فقال: هَجَم بهم لعلمُ على حقائق الأمور، فباشروا
رَوْحَ اليقين، واستلانوا ما استَوْعر المُتْرَفُون، وأنِسوا بما ستَوْحش منه
الجاهلون، وصَحِبوا الدنيا بأبدانٍ أرواحُها معلّقة بالمَحَلّ الأعلى؛ هاه سوقاً
إلى رؤيتهم.
بين رجل ويونس بن عبيد في الحَسَن بن علي قال رجل ليونس بن عُبَيد: تَعْلم أحداً
يعمل بعمل الحسن. قال: والله ما أعرِف أحداً يقول بقوله فكيف يعمل بعمله! قيل:
فصِفْه لنا. قال: كان إذا أقبل فكأنه أقبل من دَفْن حَمِيه وإذا جلس فكأنه أسيرٌ
أمِر بضَرْب عُنُقه، وإذا ذُكِرت النارُ فكأنها لم تُخْلَق إلّا له.
لشقيق بن سلمة عن قرّاء زمانه حدّثنا حسين بن حسن المَرْوَزيّ قال: حدّثنا عبد
الله بن المبارك قال: أخبرنا مَعْمَر الأعمش عن شقيق بن سَلَمة قال: ما مَثَلُ
قُرّاء هذا الزمان إلا كمثل غنم ضوائنَ ذاتِ صوف عجافٍ أكلتْ من الحَمْض وشَرِبت
من الماء حتى انتفخت خواصرها، فمرّتْ برجل فأعجبته؛ْ فقام إليه فعَبَط منها شاةً
فإذا هي لا تُنْقى، ثم عبط أخرى فإذا هي كذلك، فقال: افٍّ لك؛ سائر اليوم.
للحسن حدّثنا حسين قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا معمر عن يحيى بن
المختار الحسن قال: إذا شئتَ لَقِيتَه أبيضَ بضاً حديد النظر مَيتَ القلب والعمل،
أنت أبصرً به نفسه؛ تَرَى أبداناً ولا قلوب، وتسمع الصوتَ ولا أنس، أخصبُ ألسَنةٍ
وأجدبُ قلوب.
لسفيان في الزهد حدثني أبو سهل عن علي بن محمد عن وكيع قال: قال سُفْيان: الزهدُ
في الدنيا قصرِ الأمل، ليس بأكل الغَلِيظ ولا لُبْس الغَلِيظ.
مثله في الزهد ليوسف بن أسباط قال: وقال يوسف بن أسباط: لو أنّ رجلاً في ترك
الدنيا مثلُ أبي ذرّ وأبي الدَرْداء وسَلْمان، ما قلنا له: إنك زاهد، لأن الزهد لا
يكون إلا على ترك الحلال المَحْض، والحلال المحض لا نعرِفه اليوم، وإنما اللنيا
حلالٌ وحرامٌ وشُبُهات? فالحلالُ حسابٌ، والحرام عذاد والشبهات عتاث ث فأنزِل
الدنيا منزلةَ المَيْتة خُذْ منها ما يُقِيمك، فإن كان ذلك حلالاً كنت زاهداً
فيها، وإن كان حراماً لم تكن أخذتَ منها إلا ما يُقِيمك كما يأخذ المضطر من الميتة،
وإن كان عتابٌ كان العتابُ يسيراً.
ولبعضهم في الزهد ومثله قولُ بعضهم: ليس الزهد بترك كلّ الدنيا، ولكن الزهدَ
التهاونُ بها وأخذُ البلاغ منها. قال اللّه تعالى: "وَشَرَوْة بِثَمَنٍ
بَخْسٍ درَاهِمَ مَعْدُودةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزاهِدِينَ"، فأخبر أنهم زَهدوا
فيه وقد أخذوا له ثمناً.
قال أبو سليمان الدارانيّ: الرضا عن الله والرحمةُ للخَلْق درجةُ المرسَلين، وما
تعرف الملائكةُ المقرّبون حدّ الرضا. وقال: أرجو أن أكون قد نِلتُ من الرضا
طَرَفاً، لو أنه تبارك وتعالى أدخلني النار كنتُ بذلك راضياً. قال: وليس الحمد له
أن تحمدَه بلسانك وقلبُك مُقتصِرٌ على المصيبة، ولكن هو أن تحمده بلسانك وقلبُك
مسلّمٌ راضٍ.
بين ابن أي الحواري وأي سليمان الداراني
وقال ابن أبي الحَوَاريّ: قلت لأبي سليمان: بلغني في قول اللّه تعالى: "إلاَ
مَنْ أتَى الله بِقَلْب سَلِيمٍ" أنه الذي يلقَى ربَّه وليس فيه أحدٌ غيرُه،
فبكى وقال: ما سمعتُ مذ ثلاثين سنة أحسًنَ من هذا. وقال: كل قلب فيه شِرْكٌ فهو
ساقط. قال: وما في الأرض أحد أجِدُ له محبةً ولكن رحمة. وقال: ينبغي للخوف أن يكون
أغلبَ على الرجاء، فإذا غَلَب الرجاءُ على الخوف فَسَد القلبُ.
للفضيل بن عياض في أصل الزهد وقال الفُضَيْل بن عياض: أصل الزهد الرضا عن الله.
الحسين بن علي عن عبد الملك بن أبجر: أن رجلًا يُكنى أبا سعيد كان يقول: والله ما
رأيتُ قُراءَ زمان قط أغلظَ رقاباً ولا أدق ثِياباً ولا آكلَ لمُخ العيش منكم.
لمطرف أبو أسامة عن حمّاد بن زيد عن إسحاق بن سويد قال: قال مطرف: انظروا قوماً
إذا ذُكِرُوا بالقراءة فلا تكونوا منهم، وقوماً إذا ذُكِرُوا ذُكروا بالفُجور فلا
تكونوا منهم، كونوا بين هؤلاء وبين هؤلاء.
وصية ابن محيريز لرجل أوصى ابن مُحَيْرِيز رجلاً فقال: إن استطعتَ أن تعرِف ولا
تُعْرَف وتَسأل ولا تُسْأل وتمشي ولا يُمْشَى إليك، فافعل.
لأيوب قال أيّوب: ما أحبَّ اللهّ عبداً إلا أحب ألاَ يُشْعَر به.
بين أبي عائذ الأزدي وشريح بن عبيد إسحاق بن سليمان عن جرير بن عثمان قال: جاء
شُرَيح بن عبيد إلى أبي عائد الأزْدي فقال: يا أبا عبد اللهّ، لو أحييتَ سنةً قد
تركها الناس: إرخاءَ طَرَف العِمامة من الجانب الأيسر! قال: يا بن أخي، ما كان
أحسنها! تركها الناس فتركناها، ما أحِب أن أعرَفَ في خيرٍ ولا شرّ.
كلام من كلام الزهّاد
بين
عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية ورجل حدثنا حسين بن حسن المروزيّ قال: حدٌ ثنا عبد
اللّه بن المبارك قال: أخبرنا عبدالله بن عبد العزيز قال: قال عبد الرحمن بن يزيد
بن معاوية لرجل: يا فلانُ، هل أنت على حالٍ أنت فيها مستعد للموت? قال: لا. قال:
فهل أنت مُجمع على التحول إلى حال ترضى بها? قال: ما شَخَصتْ نفسي لذلك. قال: فهل
بعد الموت دار فيها مُسْتعتَبٌ? قال: لا. قال: فهل تأمن الموت أن يأتيَك? قال: لا.
قال: فهل رضيَ بمثل هذا الحال عاقل! لأبي الدرداء حدثنا حسين قال: حدّثنا عبد
اللّه بن مبارك قال: حدثني غير واحد عن مُعاوية بن قُرة قال: قال أبو الدرداء:
أضحكني ثلاثٌ وأبكاني ثلاث: أضحكني مؤمل الدنيا والموتُ يطلبه، وغافلٌ وليس بمغفول
عنه، وضاحكٌ ملءَ فيه ولا يدرِي أراض الله عنه أم ساخطٌ عليه. وأبكاني فِراق
الأحبة: محمدَ وحِزْبه، وهَوْلُ المُطلَع، والوقوفُ بين يدي الله يوم تبدو
السرائر، ثم لاأدري إلى الجنة أو إلى النار.
لعبد اللّه بن ثعلبة الحنفي كان عبد الله بن ثعلبة الحنفيّ يقول: تضحَكُ ولعل
أكفانَك قد خرجتْ من القَصار.
للفضيل بن عياض، وللسري قال: وقال الفُضَيل: أصلُ الزهد الرضا عن الله وقال: ألا
تراه كيف يَزْوِيها عنه ويُمَرْمِرُها عليه بالعُرْي مرَةً وبالجُوع مرة وبالحاجة
مرة، كما تصنع الوالدةُ الشفيقةُ بولدها: تسقيه مرّةً صَبِراً ومرة حُضَضاً، وإنما
تريد بذلك ما هو خير له.
وقال السريّ: ليس من أعلام الحبّ أن تحب ما يُبْغضه حبيبُك. أوحى اللّه تعالى إلى
بعض الأنبياء: أما زهدُك في الدنيا فتَعجلك الراحةَ لنفسك، وأما انقطاعُك إليّ
فتعززك بي، ولكن هل عاديتَ لي عدوّاً أو واليتَ لي وليّاً.
لمالك بن دينار عن حبر من أحبار بني إسرائيل قال مالك بن دينار: بلغنَا أن حِبْراً
من أحبار بني إسرائيل كان يغشاه الرجال والنساء، فغَمَز بعضُ بنيه النساء فرآهم
فقال: مَهْلاً يا بنيّ مهلاً! قال: فسَقَط عن سريره فانقطع نُخَاعه وأسقطت امرأتُه
وقُتِل بنوه في الجيوش. وقيل له: ما يكونُ من جنسك حبر أبداً، ما كان غضبُك لي إلا
أن قلتَ يا بنيْ مَهْلاً يا بنيّ مهلاً.
لإبراهيم بن أدهم، ولابن الحارث وغيرهما ضَمْرة بن ربيعة قال: سمعت إبراهيم بن
أدهم يقول: إرضَ بالله صاحباً ودعَ الناس جانباً.
كان بِشْر بن الحارث يقول: أربعة رفعهم الله بغير كبيرِ عملٍ في الظاهر إلا بِطِيب
المَطْعم: إبراهيم بن أدهم، وسالمٍ الخواص، ووُهَيْب المكَي، ويوسف بن أسباط.
وحدثني أبو حاتم أو غيره عن العُتْبي قال: سمعت ابن عُيَينة يقول: أربع ليس عليك
في واحدةٍ منهنّ حسابٌ : سَدُ الجَوْعة، وبَرْدُ العَطْشة، وستر العورة،
والاستكنان؛ ثم تلا: "إنّ لَكَ ألَّا تَجُوعَ فِيِهَا وَلَا تَعْرَى وَأنك
لاَ تَظْمَأ فِيهَا وَلَا تَضْحَى".
بلغني عن يَعْلى عن سُفْيان: قال علي عليه السلام لرجل: كيف أنتم? قال: نرجو
ونخاف؛ قال: من رجا شيئاً طلبه، ومن خاف من شيء هَرَب منه، ما أعري ما خوفُ رجل
عَرَضت له فلم يَدَعْها لما يخاف! وما أعري ما رجاءُ رجل نزل به بلاءٌ فلم يصبر
عليه لما يرجو.
بلغني عن عيسى بن يونس عن الأوزاعيّ عن مكحول قال: إن كان الفضلُ في الجماعة فإن
السلامةَ في العزلة. وبلغ الفُضَيلَ هذا فقال: سمعتم كلاماً أحسن منه! بين ابن
المبارك ومحمد بن النضر الحارثي قال ابن المبارك: رَكِبتُ مع محمد بن النَّضْر
الحارثيّ السفينةَ فقلتُ: بأي شيء أستخرج منه الكلام? فقلت: ما تقول في الصوم في
السفر? فقال: إنما هي المبادَرة، فجاءني والله بفتوى غير فتوى إبراهيم والشَعبي.
لأي حازم الزاهد حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه عن الأصمعي قال: قيل لأبي حازم:
ما مالُك. فقال: الثقة بما في يد الله واليأسُ مما في أيدي الناس.
وقال أبو حازم: إنه ليس شيء من الدنيا إلا وقد كان له أهلٌ قبلكم، فآثِرْ نفسك
أيها المرء بالنصيحة على ولدك، واعلم أنك إنما تُخلف مالك في يد أحد رجلين: عامل
فيه بمعصية الله فتشقَى بما جمعتَ له، وعامل فيه بطاعة الله فتسعَدَ بما شَقِيتَ
له؛ فارجُ لمن قدمتَ منهم رحمة اللّه، وثقْ لمن خَلفتَ منهم برزق الله.
وقال أبو حازم: إن كنت إنما تريد من الدنيا ما يَكفيك ففي أدناها ما يكفيك، وإن
كنت لا ترضَى منها بما يكفيك فليس فيها شيء يُغنيك.
ونظر أبو حازم إلى الفاكهة في السوق فقال: موعدُك الجنة.
ومرّ بالجزارين فقال له رجل منهم: يا أبا حازم، هذا سمينٌ فاشتر منه؛ قال: ليس
عندي ثمنه؛ قال: أنا أنظرُك؛ ففكر ساعة ثم قال: أنا أنظرُ نفسي.
قال سُفيان: حَلَف أبو حازم لجلسائه: إني لأرضى أن يتقي أحدُكم على دِينهَ كما
يتقي على نَعْله.
للنيي صلى الله عليه وسلم حدثني محمد بن زياد الزيادي قال: حدثنا عيسى بن يونس عن
عبدالله بن سعيد ابن أبي هند عن أبيه عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللّه صلى الله
عليه وسلم: "الصحّةُ والفَرَاغُ نعمتان مغبونٌ فيهما كثير من الناس".
للحسن حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا أبو ربيعة فَهْد بن عَوْن عن حمّاد بن
سلَمة عن يعقوب قال: سمعتُ الحسن يقول: ابن آدم، إنما أنت عدَدٌ، فإذا مضى يوم فقد
مضى بعضُك.
للنبي صلى الله عليه وسلم وروى عبد الله بن بكر بن حبيب السَّهمي عن الحسن بن
ذَكْوان رَفَعَ الحديثَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "أوصاني ربّي
بتسع خِصالٍ وإني مُوصِيكم بها: بالإخلاص في السرّ والعَلَانية، والعَذْل في الرضا
والغَضَب، والقَصْد في الفقر والغنَى، وأن أعفوَ عمّن ظَلَمني، وأصِلَ مَنْ قطعني،
واعطي مَنْ حَرَمني، وأن يكون صَمْتي تَفَكُّراً، ومَنْطِقي ذِكْراً، ونَظَري
عبراً.
لابن عمر مسلم بن إبراهيم عن حمّاد بن سَلَمة عن حُمَيد قال: كان ابن عمر يقول:
البِر شيء هَيِّن: وجهٌ طليقٌ وكلامٌ ليّن.
لمالك جعفر بن سليمان قال: سمعت مالكاً يقول: اتّقُوا السّحّارة، فإنها تسحَرُ
قلوبَ العلماء.
قال: وسمعته يقول: وَعِدتُ أنّ رزقي في حَصَاة أمصّها حتى أموت، ولقد اختلفتُ إلى
الخَلاَء حتى استحيَيْتُ من ربي.
لأسد بن موسى في الجوع بِشْر بن مُصلِح عن أبي سعيد المصيصي عن أسد بن موسى قال:
في الجوعُ ثلاثَ خلال: حياةُ القلب، ومَذلَة النفس، وُيورث العقلَ الدقيق السماوي.
في سلوك الحسن إذا عاد مريضاً أو شيع جنازة سالم بن سالم البَلخيّ عن السريّ بن
يحيى قال: كان الحسن إذا عاد مريضاً لم ننتفع به يوماً وليلة، وإذا شيع جنازةً لم
ينتفع به أهلُه ووَلده وإخوانُه ثلاثاً.
بين إبراهيم بن أدهم ورجل
خَلَف بن تميم قال: قال رجل لإبراهيم بن أدهم: يا أبا إسحاق، احبّ أن تقبَلَ مني
هذه الجُبّة كُسوةً. قال إبراهيم: إن كنتَ غنيّاً قَبِلتُها منك، وإن كنتَ فقيراً
لم أقبَلْها. قابل: فإني غني؛ قال: كم عندك? قال: ألفان. قال: فيَسُرُّك أن تكون
أربعة آلاف? قال: نعم، قال: أنت فقير؛ لا أقبَلها.
للفُضَيْل في مرضه قال عًبَيد اللّه بن عمر: دخلت أنا ويحيى بن سليمان على
الفُضَيل نعودُه؛ فقال: زَوجك وخوّلك وصَرَف وجوهَ الناس إليك وأنت تشغلك عنه مَنْ
أنت وما أنت! ثم شَهَق شَهقةً، وأضجعه رجل كان عنده وغَطّى عليه ثوباً وهو لا
يعقل، ونزلنا.
لأبي حازم بكار بن عبد الله بن إبراهيم بن عبدالله بن مسلم قال: قال أبو حازم:
السّرُ أملكُ بالعَلَانِيَة من العَلاَنية بالسر، والفعلُ أملكُ بالقول من القول
بالفعل، فإذا كنتَ في زمانٍ يُرْضَى فيه من الفعل بالقول ومن العمل بالعلم، فأنت
في شرَ زمان وشرّ أناس.
بين ابن أبي الحواري وأبي سليمان الداراني ابن أبي الحواري قال: ذكرتُ لأبي سليمان
امرأتي والشغلَ بها، فقال: إنْ علم الله قلبك أنك تُريد الفراغَ له فرّغك، وإن كنت
إنما تريد الراحة منها لتستبدل بها، فهذه حماقة قال: ورأيته حين أراد الإحرام فلم
يلبث حتى سِرْنا ملياً وأخفه كالغَشْي وجعل رأسَهُ عند ركبتيه فجعل مَحْمِله
يِخِفّ ومَحْمِلي يثقُلُ حتى سرنا هَوِيَاً، ثم أفاق فقال: يا أحمد، بَلَغني أن
الله تبارك وتعالى أوحى إلى موسى عليه السلام "يا موسى مًرْ ظَلَمةَ بني إسرائيل
أن يُقلوا من ذكري، أذكُر مَنْ ذَكَرني منهم بلعنة حتى يسكت". ويحك يا أحمد
بلغني أنه من حج من غير حله ثم لبى، قال له تبارك وتعالى: "لا لبيكَ ولا
سَعْدَيْكَ حتى تردّ ما في يديك؛ فما يؤمِّننا أن يقال لنا ذلك.
قال: وقال أبوِ سليمان: يجيببك وأنت في شيء من الخير فيُشير لك إلى شيء من الخير
دونه ليَرْبح عليك شَعِيرةَ؛ يعني إبليسَ".
للمسيح عليه السلام قال المسيح لأصحابه: بحق أقول لكم، إن مَنْ طلب الفردوسَ فخبزُ
الشعير له والنوم في المزابل مع الكلاب كثير.
لمكحول مسلم بن إبراهيم عن عمرو بن حمزة عن داود بن أبي هند عن مكحول قال: كنا
أجنّةً في بطون أمهاتنا فسَقَط من سَقَط وكنا فيمن بَقِي، ثم كنا مَرَاضع فَهَلك
منا من هلك وبَقِي من بقي، وكنا أيفاعاً، وذكر مثل ذلك، ثم صِرنا شبّاناً، وذكر
مثل ذلك، ثم صرنا شيوخاً لا أبا لك فما ننتظر وما نريد! وهل بَقِيت حالةٌ ننتقل
إليها.
قال: وقال مكحول: الجنين في بطن أمّه لا يطلُب ولا يحزَن ولا يغتم، فيأتيه الله
برزقه من قِبَل سُرّته، وغذاؤه في بطن أمه من دم حيضها، فمن ثَم لا تَحيض الحامل،
فإذا سقط استهَل استهلالة إنكاراً لمكانه، وقُطِعت سُرّته وحوؤل الله رزقه إلى ثدي
أمه ثم حوله إلى الشيء يُصْنع له ويَتناوله بكفّه، حتى إذا اشتدّ وعقل قال: أين لي
بالرزق! يا ويحك! أنت في بطن أمك وفي حِجْرها تُرْزَق حتى إذا عَقَلتَ وشَبَبت
قلتَ: هو الموت أو القتل وأين لي بالرزق! ثم قرأ "يَعْلَمُ ما تَحْمِل كُلُّ
أنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأرْحَام وَمَا تَزْدَادُ".
لمحمد بن النضر الحارثي عبد الملك بن عبد العزيز قال: كان محمد بن النضْر الحارثيّ
إذا لم يكن في صلاة استقبل القِبْلَة، فقَعَدنا إليه بعد العصر فقال: بلغني أنه
مَنْ قال: لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له له الملكُ وله الحمدُ وهو على كل شيء
قدير، ألفَ مرةٍ في دُبُر صلاة العصر، رُفِع له عملُ نَبيٍ؛ ثم قال: قد أكثرت
الكلام.
لداود، ومثله بين هشام بن عبد الملك وسالم وقال سعيد بن عمر الكِنْدي دخل رجلٌ على
دَاود وهو يأكل خبزاً يابساً قد بلّه في الماء بمِلْح جَرِيش، فقال له: كيف تشتهي
هذا! قال: أدعُه حتى أشتهيه.
ونحو هذا قول هشام بن عبد الملك لسالم: ما أدمك?ْ، قال: الزيت ة قال: أما تَأجِمه.
قال: إذا أجَمتُه تركته حتى أشتهيه.
قال: وكان ماء داود في دَنَ مُقير في الصيف والشتاء، فقال له بعض أصحابه: لو بردتَ
الماء فقال داود: إذا أصبْتَ في مثل هذا اليوم ماءً بارداً فمتى تُحِبّ الموت!
لمحمد بن واسع سعيد بن عمرو عن رجل قال: قال محمد بن واسع: لو كان للذنوب رِيحٌ ما
جلس إلي منكم اثنان.
وقال محمد بن واسع: لا يطيبُ المَالُ إلا من أربع: سهم في فَيْء المسلمين، أو
عطيّة عن ظَهْر يدٍ، أو إرثٍ بكتاب الله، أو تجارة من حلال؛ ولا يًقْتل مسلم إلا
بهذه الخِصَال: كفر بعد إسلام، أو زنا بعد إحصان، أو قَتَل فيُقْتل، أو حارب الله
ورسولَه وقَطَع الطريقَ.
لثابت البُناني قال سليمان بن المُغِيرة سمعت ثابتَاَ يقول: واللّه لَحْملُ
الكَارَات أهونً من العبادة. قال: ولا يُسَمَى الرجلُ عابداً وإن كانت فيه خَصْلة
من كلّ خيرٍ حتى يكون فيه الصومُ والصلاةُ، فإنهما من لحمه ودمه.
عيسى بن عقبة أبو نعيم عن الأعمش عن يزيد بن حَيان قال: كان عيسى بن عُقْبة يسجد
حتى إن العصافير ليَقَعن على ظَهْره وينزِلْن، ما يَحْسَبْنَه إلّا جِرْمَ حائط.
للفضيل وقد شكا إليه أهل مكة القحط حدثني محمد بن داود عن عبد الصمد بن يزيد قال:
شكا أهل مكة إلى الفُضَيل القَحْطَ؛ فقال: أمدبراً غير الله تريدون! قال: وسمعته
يقول: استخيروا الله و لا تَخَيروا عليه، فكم من عبد تخير لنفسه أمراً كان هلاكه
فيه! اما رأيتموه سأل ربّه طَرَسُوسَ فأعطِيَها فا"سِرَ فصار نَصْرانياً.
لوكيع في أبي يونس وحدّثني أيضاً عن سعيد بن نصير قال: قال وكيع: أبو يونس، ومن
أبو يونس! بَكَى حتى عَمِي، وطاف حتى أقْعِد، وصلى حتى حَدِب.
لبهز بن حكيم في وفاة زُرارة حدثني محمد بن عبيد قال: محمد بن عبد اللّه الأنصاريّ
عن بَهزْ بن حكيم قال: صلى بنا زُرَارةُ بن أوفى الغَداةَ، فقرأ الإمامُ
"فَإذَا نُقِرَ في النًاقُورِ فَذلِكَ يَوْمَئذٍ يَوْمٌ عَسِير عَلَى
الكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ"، فخر مَغْشِيّاً عليه، فحملناه ميَتّاً.
لعمر بن عبد العزيز في الصلاة والصوم والصدقة ابن أبي الحَوَاري قال: سمعتُ عمر بن
عبد العزيز قول: الصلاةُ تبلَغك نصفَ الطريق، والصومُ يبلّغك بابَ الملك،
والصَّدَقةُ تُدْخِلك عليه.
لأبي حنيفة عن أيوب ذكر أبو حنيفة رحمه الله أيوبَ فقال: رحمه الله - ثلاثاً - لقد
قَدِم المدينةَ مرة وأنا بها، فقلت: لأقعُدنّ له، لعلي أتعلق عليه بسَقْطة، فقام
من القبر مَقاماً ما ذكرتُه قط إلا اقشعرّ جِلْدي.
بين الحجاج وأعرابي روى ابن عيّاش عن سعيد بن أبي عَرُوبَةَ قال: حجّ الحجاج فنزل
بعضَ المِياه ودعاء بالغَدَاء، فقال لحاجبه: انظر من يَتَغدى معي وأسألُه عن بعض
الأمر؛ فنظر الحاجبُ فإذا هو بأعرابيٍّ بين شَمْلتين من شَعَرٍ نائم، فضربه برجليه
وقال: ائت الأميرَ فأتاه؛ فقال له الحجاج: اغسِلْ يدك وتَغَذَ معي. قال: إنه دعاني
مَنْ هو خيرٌ منك فأجبته؛ فقال له الحجاج: من الذي دعاك?. قال: اللهّ تعالى دعاني
إلى الصوم فصُمت. قال: في هذا اليوم الحارّ! قال: نعم صُمتُ ليوم أحرَّ منه؛ قال:
فأفطِر وتصوم غداً؛ قال: إن ضمنتَ لي البقاءَ إلى غد؛ قال: ليس ذاك إلي؛ قال:ً
فكيف تسألني عاجلاً بآجل لا تقدر عليه! قال: إنه طعامٌ طيب؛ قال: إنك لم تُطَيبه
ولا الخبًاز، ولكن طيّبته العافية.
لأعرابي أعتق جارية لوجه الله تعالى ونحو هذا حدّث الأصمعي عن شَبيب بن شيبة قال:
كنا في طريق مكة فجاء أعرابيٌّ في يوم صائفٍ شديدِ الحرّ ومعه جاريةٌ سوداء
وصحيفة، فقال: أفيكم كاتب? قلنا: نعم؛ وحضر غداؤنا فقلنا: لو دخلتَ وأصبتَ من
الطعام! قال: إني صائم؛ قلنا: في الحر وشدته وجَفَاء البادية! فقال: إن الدنيا
كانت ولم أكن فيها، وستكون ولا أكون فيها، ولا أحِبّ أن أغْبَنَ أيامي. ثم نبذ
إلينا الصحيفة، وقال: أكتب ولا تزيدن على ما أقول حرفاً: هذا ما أعتق عبدُ اللّه
بن عقيل الكلابي، أعتق جاريةً له سوداءَ يقال لها لؤلؤة، ابتغاءَ وجه الله تعالى
وجوازِ العَقَبة، وإنه لا سبيلَ له عليها إلا سبيلَ الوَلَاء، المِنةُ لله عليها
وعليه واحدة.
قال الأصمعي: فحدثت بها الرشيدَ، فأمر أن يُعتَقَ عنه ألفُ نَسَمةٍ أو مائةُ نسمة،
ويُكتَبَ لهم هذا الكتاب.
لخالد بن صفوان قال خالد بن صَفْوان: بِتُ أتَمَنّى ليلتي كلها، فكَبَستُ البحر الأخضرَ
بالذهب الأحمر، فإذا الذي يَكفيني من ذاك رغيفان وكُوزان وطِمْران! بين رجل وآخر
من ولد معاوية رأى رجل رجلاً من وَلَد مُعاوية يعمَل على بعيرٍ له، فقال: هذا بعد
ما كنتم فيه من الدنيا فقال: رحمك الله، ما فَقَدْنا إلا الفضولَ.
لبعض العباد في علامة التوبة سمعتُ بعضَ العباد يقول: علامةُ التَوبة الخروجُ من
الجهل، والندَمُ على الذنب، والتَجافي عن الشهوة، واعتقادُ مَقْتِ نفسك المسؤَلة،
وإخراجُ المَظلمة، وإصلاحُ الكَسْرة، وتركُ الكذب وقطعُ الغِيبة، والانتهاءُ عن
خِدْن السوْء.
بين زاهدين لَقِي زاهد زاهداً فقال له: يا أخي، إني لأحبّك في اللّه؛ قال الآخر:
لو علمتَ مني ما أعلم من نفسي لأبغضتَني في الله. قال له الأول: لو علمتُ منك ما
تعلم من نفسك، لكان لي فيما أعلم من نفسي شُغْل عن بُغْضك.
للثوري كان الثًوريّ مستخفيّاً بالبَصْرة، فورد عليه كتاب من أهله، وفيه: "قد
بَلَغ بنا الجَهْد إلى أن نأخُذَ النَّوَى فنرُضَّه ثم نخلِطَه مع التبن فنأكلَه!.
فحرّك ذلك من قلبه، ورَمَى بالكتاب إلى أخ له؛ فقرأه فدمَعتْ عينُه، ثم قال: يا
أبا عبد الله.، لو أنك حدّثتَ الناس اتسَعت واتسع هؤلاء؛ فأطرق مَلياً ثم رفع
رأسَه وقال: اسمعْ حديثاً أحدثكَ به ثم لا أكلَمك بعده سنة: رُئيَ نُورٌ في الجنة
تَجدد فقيل: ما هذا النور. فقيل: حَوْراءُ ضَحِكتْ في وجه زوجها فبعدَتْ ثناياها،
فَتَرى لي أن أغرر بتلك وأصيرَ إلى ما تقول.
بين قوم مسافرين وراهب أراد قوم سفراً فحادوا عن الطريق وانتَهْوا إلى راهبٍ
منفردٍ في ناحية، فنادوْه فأشرف عليهم، فقالوا: إنا قد ضَلَلْنا فكيف الطريقُ? قال
لهم: هاهنا. وأومأ إلى السماء، فعلِموا الذي أراد، قالوا: إنا سائلوك، أفتُجِيبنا
أنت. قال: سَلوا ولا تُكثروا، فإنّ النهار لن يرجِع والعمرَ لن يعود والطالبَ
حثيثٌ في طلبه ذو اجتهاد؛ قالوا: ما الخلقُ عليه غداً عند مليكهم. فقال: على
نِيّاتهم. فقالوا: فإلامَ الموئلُ? قال: إلى المُقَدَم، قالوا: أوصِنا. قال:
تَزَودوا على قدر سفركم، فإنّ خيرَ الزاد ما بَلَّغَ المَحل. ثم أرشدهم إلى
المَحَجًة وانقمع.
بين راهب ورجل طلب منه أن يعظه وقال آخر: قلت لراهب: عِظْني عِظَةً نافعة؛ فقال:
جميعُ المواعظ منتظمةٌ في حرف واحدة قلت: ما هو. قال: تُجمِعُ على طاعته، فإذا أنت
قد حَويتَ المواعظ والأذكار.
لأعرابي معه ماضية الأصمعيّ: قيل لأعرابيٍّ معه ماشية: لمن هذه الماشية? قال: لله
عندي.
لابن السماك كان ابن السماك يقول في كلامه: لقد أمهلكم حتى كأنه أهملكم، أمّا
تستحيُون من اللّه من طوال ما لا تستحيُون! لبكر بن عبد اللّه قال بكر بن عبد
الله: اجتهدوا في العَمَل، فإنْ قَصَر بكم ضعفٌ فكُفُوا عن المعاصي.
لمالك بن دينار كان مالك بن دينار يقول في قَصَصه: ما أشَدً فِطَام الكبير وُينشد:
وتَرُوضُ عِرْسَك بعد ما هَرِمَتْ |
|
ومن العَناءِ رياضةُ الـهَـرِم |
شعر لأعرابي تاب عن سرقة الإبل كان أعرابي يسرِق الإبلَ يُسَمَى يزيدَ، ثم تاب وقال:
ألَا قُلْ لرُعْيان المَخَائِض أهملُوا |
|
فقد تاب مما تعلـمـون يزيد |
وإنً امرأً ينجو من النار بعد ما |
|
تَزَود من أعمالها لـسـعـيدُ |
شعر لنصيح الأسدي وقال نصيح الأسديّ:
كفى نَطَفاً بالمـرء يا أم صـالـح |
|
ركوبُ المعاصي عامداً واحتقارها |
ولخالد بن معدان كان خالد بن معدان يقول:
إذا أنتَ لم تزرَعْ وأبصرتَ حاصداً |
|
ندمتَ على التفريطِ فـي زمـن |
لمنصور بن عمار قال منصور بن عَمّار: ما
أرى إساءةً تبهبُرُ عن عفو الله فلا تأيَس، وربما أخذ اللّه على الصغير فلا تأمن.
للنبي صلى الله عليه وسلم ورَوى وَكيع عن إبراهيم بن إسماعيل عن عُتَيبة بن
سِمْعان عن مُسَيْكَة عن عائشة رضي الله عنها أنها أتتْ رسولَ اللّه صلى الله عليه
وسلم بصَحْفة فيها خبزُ شعيرٍ وقطعةٌ من الكَرِش، فقالت: يا رسول الله، ذَبَحنا
اليوم شاةً فما أمسكنا منها إلا هذا؛ قال: "بل كلها أمسكتم إلا هذا".
استقبل عامرَ بن عبد قيس رجل في يوم حَلْبة، فقال: من سَبَق يا شيخ. فقال:
المقربون.
وأتي به عثمان وأقعِد في دهليزه، فلما خرج رأى شيخاً يطا في عباءة، فأنكر مكانه،
فقال أعرابي: أين ربُّك? قال: بالمِرْصاد.
بين سليمان بن عبد الملك وأبي حازم
قال سليمان بن عبد الملك لأبي خازم: ما بالُنا نَكرَه الموت? قال: لأنكم عَمّرتم
الدنيا وأخربتم الآخرة، فأنتم تكرهون أن تنتقلوا من العُمْران إلى الخراب.
للحسن قال الحسن: نِعَمُ الله أكثرُ من أن تُشْكَر إلا ما أعانَ عليه، وذنوبُ ابن
آدم أكثرُ من أن يسلم منها إلا ما عفا الله عنه.
وقال الحسن: تنفق دِينَك في شَهْوتك سَرَفاً، وتمنَعُ في حق الله درهما، ستعلَم
بالُكَعُ.
للمسيح عليه السلام خرج المسيح من بيت مُومسةٍ، فقيل له: يا رُوح الله، ما تصنَع
عند هذه. فقال: إنما يأتي الطبيبُ إلى المَرْضى.
ومر بقوم شَتَموه فقال خيراً، ومر بآخرين شتمون فقال خيراً؛ة فقال رجل من
الحوارِيين: كلما زادوك شراً زِدت خيراً، كأنك تُغْريهم بنفسك! فقال: كل إنسان
يُعطِي مما عنده.
بين أبي حازم وسليمان بن عبد الملك أخبر أبو حازم سليمانَ بن عبد الملك بوعيد الله
للمذنبين؛ فقال سليمانُ: فأين رحمةُ اللّه? قال: قريبٌ من المحسنين.
بين محمد بن كعب وعمر بن عبد العزيز قال عمرُ بن عبد العزيز لمحمد بن كعب: عِظْني؛
فقال: لا أرضَى نفسي لك، إني لأصلي بين الغني والفقير، فأمِيل على الفقير واوسَع
للغني.
نظرت امرأة إلى أخرى وحولَها عشرة من وَلَدها كأنهم الصقور، فقالت: لقد وَلَدَتْ
أمّكم حزناً طويلاً.
بين فتى يحتضر ووالديه احتُضِر فتًى كان فيه زهوٌ، فَرفَع رأسَه فإذا أبواه
يَبكيان، فقال لهما: ما يُبكيكما? قالا: الخوفُ عليك لإسرافك على نفسك؛ فقال: لا
تَبْكيا، فواللّه ما يَسُرُّني أن الذي بيد الله من الرحمة بأيديكما.
لعلي بن أبي طالب قال علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهَه: يا بن آدم لا تحمِلْ همً
يومك الذي لم يأتِ على يومك الذي أنت فيه، فإنْ يكُ من أجلك يأتِ فيه رزقُك، واعلم
أنك لا تكسِبُ من المال شيئاً فوق قُوتك إلا كنت فيه خازناً لغيرك.
شعر للنابغة قال النابغةُ في نحوه:
ولست بحابس لغدٍ طعاماً |
|
جذار غدٍ لكل غدٍ طعام |
بين حذيفة وسلمان تذاكر حُذَيْفة وسَلْمان
أمرَ الدنيا، فقال سَلْمان: ومن أعجب ما تذاكَرْنا صعودُ غُنَيماتْ الغامدي سريرَ
كِسْرَى، وكان أعرابي من غامدٍ يَرْعَى شُويهاتٍ له، فإذا كان الليلُ صَيرها إلى
عرصة إيوان كسرى، وفي العرصه سريرُ رُخامٍ كان يجلِس عليه كسرى، فتَصْعَد غُنَيمات
الغامدي ذلك السرير.
بين أبي حازم والشيطان دخل أبو حازم المسجدَ فوَسْوَس إليه الشيطانُ: إنك قد
أحدثتَ بعد وُضُوئك. فقال: وقد بَلَغ هذا من نصحك.
للزبير قال الزبير: يكفينا من خضمكم القضم، ومن نَضَكم العَنَقُ.
بين أم الدرداء ورجل قال رجل لأم الدرداء: إني لأجد في قلبي داء لا أجد له دواء،
أجد قَسْوةً شديدة وأملاً بعيداً، قالت: إِطًلع في القبور واشهَدِ الموتى.
للربيع بين خيثم قيل للربيع بن خَيْثَم: لو أرحتَ نفسكَ! قال: راحتَها أريد.
لبعض الصالحين قال رجل من الصالحين: لو أنزل الله كتاباً أنه معذَب رجلاً واحداً
لخِفتُ أن أكونَه، أو أنه راحم واحداً لرجوتُ أن أكونه، أو أنه مُعَذَبي لا محالةَ
ما ازددتُ إلا اجتهاداً لئلا أرجِعَ على نفسي بلائمة.
لعوف بن أى جميله أثنى قومٌ على عوف بن أبي جِميلة، فقال لهم: دَعُونا من الثناء،
وأمِدُونا بالدعاء.
لبعض العباد في صفة شر الناس قيل لبعض العُباد: ضنْ شَر الناس، قال: من لا يُبالي
أن يراه الناسُ مسيئاً.
للمِسور بن مخرمة قال المِسور بن مَخْرَمة: لقد وارت الأرضُ أقواماً لو رأوني معكم
لاستحييتُ منهم.
لعلي بن أبي طالب قال عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه: عجبتُ لمن يَهْلِك والنجاة
معه. قيل: وما هي. قال: الاستغفار.
بين سفيان الثوري وفتى يجالسه كان فتًى يُجالس سُفْيان الثوريَ ولا يتكلمّ، وكان
سفيان يحب أن يتكلم ليسمع كلامه، فمرّ به يوماً فقال: له: يا فتى، إن مَنْ كان
قبلَنا مروا على خيل وبَقِينا على حمير دَبِرة. فقال الفتى: يا أبا عبد الله، إنْ
كنّا على الطريق فما أسرعَ لحُوقَنا بالقوم! للحسن قال الحسن: إن خَفَق النعالُ
خلف الرجال قلّ ما تَلْبَث الحمْقى.
وذُكِر عنده الذين يلبَسون الصوفَ، فقال: ما لهم تفاقدوا! - ثلاثاً - أكَنُوا
الكِبْرَ في قلوبهم وأظهروا التواضُعَ في لباسهم، والله لأحدُهم أشدُّ عُجْباً
بِكسائه من صاحب المِطرفَ بمطرفه. ودخل عليه رجلٌ فوجد عنده ريح قدْرٍ طَيبة،
فقال: يا أبا سعيد، إنّ قدْرَك لطيبة؛ قال: نعم لا رغيفي مالك وصحناه فرقد.
بين أيوب وأبي قلابة وقد هرب من تولي القضاء طُلِب أبو قِلَابة للقضاء فلَحِق
بالشام هَرَباً، فأقام حيناً ثم قَدِم البَصْرة؛ قال أيوب: فقلت له: لو أنك وَليتَ
القضاءَ وعَدَلتَ بين الناس رَجَوتُ لك في ذلك أجراً؛ قال لي: يا أيوب، إذا وَقَع
السابح في البحر فكم عسى أن يَسْبَح! بين أبي حازم وامرأة قالت امرأة أبي حازم
يوماً له: يا أبا حازم، هذا الشتاء قد هَجَم ولا بدّ لنا مما يُصلحنا فيه. فذكرتِ
الثيابَ والطعامَ والحَطَب؛ فقال: من هذا كله بُدٌ، ولكن خُذي ما لا بدّ منه:
الموتَ ثم البعثَ ثم الوقوفَ بين يَدَي الله تعالى ثم الجنةَ أو النارَ.
شعر لأبي العتاهية قال أبو العَتَاهِية:
أطع اللّه بجُـهْـدِكْ |
|
عامداً أو دون جهدكْ |
أعطِ مولاك كما تط |
|
لب من طاعة عبدِكْ |
وقال أيضاً:
أرى اناساً بأدنى الذَين قد قَـنِـعـوا |
|
ولا أراهم رَضُوا في العيش بالـدون |
فاستغْنِ بالدِّين عن دُنيا الملوكِ كما اس |
|
تغنى الملوكً بدنياهـم عـن الـدين |
شعر لمحمد بن حازم وقال محمد بن حازم:
ما الفقرُ عارٌ ولا الغِنَى شرفُ |
|
ولا سَخَاء في طاعةٍ سَـرَفُ |
ما لَكَ إلا شـيءٌ تُـقَـدَمُـه |
|
وكل شيء أخّرتَـه تَـلَـفُ |
تَرْكُـكَ مـالاً لـوارثٍ يتـه |
|
ناه وتَصْلَى بـحـرّه أسَـفُ |
لأبي العتاهية وقال أبو العَتَاهِيَة:
ألا إنما التَقْوى هي العِزُ والـكَـرَمْ |
|
وحبُّكَ للدنيا هـو الـذُّلُّ والـنـدم |
وليس على عبِدِ تـقـي نـقـيصة |
|
إذا صحَحَ التقوى وإن حَاكَ أو حجم |
لعلي بن الحسين قال عليّ بن الحسين: الرضا
بمكروه القضاء أرفعُ درجات اليقين.
لابن سيرين قيل لابن سيرين: ما أشَدَ الورَعَ! قال: ما أيسَرَه! إذا شككتَ في شيء
فدَعه بين حذيفة ورجل يخشى أن يكون منافقاً قال رجل لحُذيْفة: أخشى أن أكونَ منافقاً.
فقال: لو كنتَ مُنافقاً لم تخشَ.
شعر لمحمود الوراق وقال محمود الوراق:
يا ناظراً يرنُو بـعـينَـيْ راقـدٍ |
|
ومُشاهِداً للأمر غيرَ مشـاهـدِ |
تصل الذنوبَ إلى الذنوبِ وترتجي |
|
دَرَكَ الجِنَانِ بها وفوزَ العـابِـد |
ونسيت أن الـلـه أخـرج آدمـاً |
|
منها إلى الدنيا بـذنـبٍ واحـدِ |
لوضْاح اليمن وقال وَضَاخ اليمن:
مَا لكَ وَضاحُ دائمَ الـغَـزَل |
|
ألستَ تخشَى تقارُبَ الأجل |
يا موتُ ما إن تزالُ معترضاً |
|
لآمل دون منتهـى الأمـل |
تنال كَفّاك كل مُـسْـهِـلة |
|
وحُوت بحرٍ ومَعْقِلَ الوَعِل |
صل لذي العرِش واتّخِذْ قَدَماً |
|
تُنجْيك بعد العشثَار والزلَـل |
ليوسف عليه السلام قيل ليوسف عليه السلام:
ما لك تجوع وأنت على خزائن الأرض. قال: أخاف أن أشبَع فأنسَى الجائعَ.
شعر لأمية بن أبي الصلت وقال أمية بن أبي الصَلْت:
هما طريقـان فـائز دخـلَ ال |
|
جنّة حفْـتْ بـه حـدائقُـهـا |
|
||
وفِرقة في الجحيم مَعْ فرَقٍ الشي |
|
طان يَشقَى بها مُـرَافـقُـهـا |
|
||
تعرِف هذا القلـوب حـقـا إذا |
|
همت بخير فمـا عـوائقُـهـا |
|
||
وصدّها للشقاء عن طـلـب ال |
|
جنة دنيا والـلـه مـاحِـقُـهـا |
|
||
عبدٌ دعا نفسَـهُ فـعـاتـبـهـا |
|
يعلم أن البصـيرَ رامـقُـهـا |
|
||
اقترب الوعد والقلوبُ إلى الـل |
|
هو وحب الحـياة سـائقُـهـا |
|
||
ما رغبةُ النفس في البقـاء وأن |
|
تحيا قليلاً والموتُ لاحـقُـهـا |
|
||
أمَـامـهـا قـائدٌ إلـــيه ويح |
|
دوها حثيثـاً إلـيه سـائقـهـا |
|
||
قد أيقنت أنها تصـير كـمـا |
|
كان يراها بالأمِس خالقـهـا |
|||
وأن ما جَمًعتْ وأعجـبـهـا |
|
من عيشةٍ مُرةٍ مُفـارقـهـا |
|||
مَنح لم يمُتْ عَبْطةً يمت هَرَماً |
|
للموتِ كأس والمرءُ ذائقهـا |
|||
لبعض
الزهاد قال بعض الزهاد: إن صفاء الزهد في الدنيا وكمالَه ألا تأخذ من الدنيا شيئاً
ولا تتركه إلا الله، فإذا كنت كذلك كان أخْذُكَ تركاً ومعاملتُك لله فيها رِبحاً،
وإن صفاء الرغبة في الدنيا وكمالَها تأخذ منها شيئاً ولا تتركه إلا لها، فإذا كنت
كذلك كان تركُكَ أخذاً وفوتُ ما فات عليك منها حي لرجل حبسه بعض الملوك ثم غفل عنه
حَبَس بعضُ الملوك رجلاً ثم غَفَل عنه إلى أن مَضَى عليه زمان؛ فقال للموكَل به:
قل له: إن كل يوم يمضِي من نعيمك يمضي من بؤسي، والأمرُ قريبٌ، والحَكَمُ الله عز
وجل. والسلام.
^
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الإخوان
الحث على اتخاذ الإخوان واختيارهم
لبعض
الأدباء ينصح ابنه ويحثه على اتخاذ الأصدقاء حدثنا سهل بن محمد قال: حدثنا الأصمعي
قال: أخبرنا العجليّ قال بعض الأدباء لابنه: يا بنيّ، إذا دخلت المصر فاستكثر من
الصديق فأما العدو فلا يهمنّك؛ وإياك والخطب فإنها مشوار كثير العثار.
نصيحة النبي داود لابنه سليمان عليهما السلام قال: وبلغني عن الأوزاعي عن يحيى بن
كثير: أن داود النبي عليه السلام قال لابنه سليمان عليه السلام: "يا بنيّ، لا
تستبدلنّ بأخٍ لك قديم أخاً مستفاداً ما استقام لك، ولا تستقلّنّ أن يكون لك عدوٌ
واحدٌ، ولا تستكثرنّ أن يكون لك ألف صديق" لبعضهم في طلب الإخوان وعدم
التفريط بهم وكان يقال: أعجز الناس من فرّط في طلب الإخوان، وأعجز منه من ضيّع من
ظفر به منهم.
في الأثر وفي الحديث المرفوع: " المرء كثيرٌ بأخيه" شعر لابن الأعرابي
وأنشد ابن الأعرابيّ:
لعمرك ما مال الفتى بذخيرةٍ |
|
ولكنّ إخوان الثقات الذخائر |
لأبي الجراح العقيلي في الاستكثار من الإخوان قال أبو الجرّاح العقيلي: وجدت أعراض الدّنيا وذخائرها بعرض المتالف إلا ذخيرة الأدب وعقيلة الخلّة، فاستكثروا من الإخوان واستعصموا بعرا الأدب وكان يقال: الرجل بلا إخوان كاليمين بلا شمال شعر لبعضهم قال الشاعر:
إذا لم يكن للقوم عزّ ولم يكن |
|
لهم رجلٌ عند الإمام مكين |
فكانوا كأيدٍ أوهن اللّه بطشها |
|
ترى أشملاً ليست لهنّ يمين |
لأيوب السختياني قال أيوب السّختياني: إذا
بلغني موت أخٍ فكأنما سقط عضوٌ مني.
شعر للقطامي، ولغيره وقال القطامي:
وإذا يصيبك والحوادث جمةٌ حدثٌ حداك إلى أخيك الأوثق |
وقال آخر::
أخاك أخاك إنّ من لا أخا لـه |
|
كساع إلى الهيجا بغير سـلاح |
وإنّ ابن عمّ المرء فاعلم جناحه |
|
مهل ينهض البازي بغير جناح |
وقال الثّقفيّ:
من كان ذا عضدٍ يدرك ظلامته |
|
إنّ الذليل الذي ليست له عضد |
تنبو يداه إذا ما قـلّ نـاصـره |
|
ويأنف الضّيم إن أثري له عدد |
وقال آخر:
وبغضاء التقّـي أقـلّ ضـيراً |
|
وأسلم من مودّة ذي الفسـوق |
ولن تنفكّ تحسـد أو تـعـادى |
|
فأكثر ما استطعت من الصّديق |
كتاب الفضل بن سيار إلى الفضل بن سهل شعراً وكتب الفضل بن سيّار إلى الفضل بن سهل:
يا أبا العباس إنّـي نـاصـحٌ |
|
لك والنصح لذي الودّ كبـير |
لا تـعـدنّ لـيوم صـالـح |
|
إنّ إخوانك في الخير كثـير |
وليكن للشرّ ما أعـددتـهـم |
|
إنّ يوم الشرّ صعبٌ قمطرير |
هذه السّوق التـي آمـلـهـا |
|
يا أبا العباس والعمر قصير |
للمأمون في طبقات الإخوان قال المأمون:
الإخوان ثلاث طبقات: طبقةٌ كالغذاء لا يستغنى عنه، وطبقةٌ كالدواء لا يحتاج إليه
إلا أحياناً، وطبقة كالداء لا يحتاج إليه أبداً للحسن بن علي في الاختلاف إلى
المسجد
قال: حدثني سعيد بن سليمان قال: حدثنا إسماعيل بن زكريا عن سعيد بن طريف عن عمير
بن المأمون قال: سمعت الحسن بن عليّ يقول: من أدام الاختلاف إلى المسجد أصاب ثماني
خصال: آيةً محكمةً، وأخاً مستفاداً، وعلماً مستطرفاً، ورحمةً منتظرةً، وكلمةً
تدلّه على هدىً أو تردعه عن ردىً، وترك الذنوب حياءً أو خشيةً.
أقوال في الصاحب قال: وحدثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن أبيه قال: كان يقال: الصاحب
رقعةٌ في قميص الرجل، فلينظر أحدكم بم يرقع قميصه.
وحدثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن أبيه أنه قال: كان يقال: ما وجدنا شيئاً أبلغ في
خير أو شرّ من صاحب.
وحدثني الرياشيّ عن الأصمعيّ قال: حدثنا سليمان بن المغيرة قال: قال يونس: اثنان
ما في الأرض أقلّ منهما ولا يزدادان إلا قلّةً: درهمٌ يوضع في حقٍّ، وأخٌ يسكن
إليه في اللّه علقمة بن لبيد ينصح ابنه وحدّثني شيخ لنا عن محمد بن مناذر عن سفيان
بن عيينة قال: قال: علقمة بن لبيد العطارديّ لابنه: يا بنيّ، إذا نزغتك إلى صحبة
الرجال حاجةٌ، فأصحب منهم من إن صحبته زانك، وإن خدمته صانك، وإن أصابتك خصاصةٌ
مانك؛ وإن قلت صدّق قولك ، وإن صلت شدّ صولك؛ وإن مددت يدك بفضلٍ مدّها، وإن رأى
منك حسنةً عدّها؛ وإن سألته أعطاك، وإن سكتّ عنه ابتداك، وإن نزلت بك إحدى
الملمّات آساك؛ من لا يأتيك منه البوائق، ولا تختلف عليك منه الطرائق، ولا يخذلك
عند الحقائق؛ وإن حاول حويلاً آمرك، وإن تنازعتما منفساً آثرك.
القرظي لعمر بن العزيز قال محمد بن كعب القرظي لعمر بن عبد العزيز: إنّ فيك جهلاً،
فداو بعض ما فيك ببعضٍ، وآخ من الإخوان من كان ذا مغلاةٍ في الدّين ونّيةٍ في
الحق، ولا تؤاخ منهم من تكون منزلتك عنده على قدر حاجته إليك، فإذا قضى حاجته منك
ذهب ما بينك وبينه. وإذا غرست غراساً من المعروف فلا تبقيّن أن تحسن تربيته.
للأحنف بن قيس في خير الإخوان وقال الأحنف بن قيس: خير الإخوان من استغنيت عنه لم
يزدك في المودّة، وإن احتجت إليه لم ينقصك منها، وإن عثرت عضدك، وإن احتجت إلى
مؤونته رفدك.
وقال الشاعر:
إنّ أخاك الصّدق من لم يخدعك |
|
ومن يضرّ نفسه لينـفـعـك |
ومن إذا ريب زمانٍ صدعـك |
|
شتت شمل نفسه ليجمـعـك |
وإن رآك ظالماً سعى معـك |
|
|
شعر لحجيّة بن المضرّب وقال حجية بن المضّرب:
أخوك الـذي إن تـدعـه لـمـلـمةٍ |
|
يجبك وإن تغضب إلى السّيف يغضب |
وكتب رجلٌ إلى صديق له: أنت كما قال أعشى بأهلة:
من ليس في خيره منّ فيفـسـده |
|
على الصّديق ولا في صفوه كدر |
وليس فيه إذا استنظرته عـجـلٌ |
|
وليس فيهأذا ياسرتـه عـسـر |
لعلي بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه وقال عليّ بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه:
أخوك الذي إن أحوجتـك مـلـمةٌ |
|
من الدّهر لم يبرح لها الدّهر واجما |
وليس أخوك الحقّ من إن تشعّبـت |
|
عليك أمورٌ ظلّ يلـحـاك لائمـا |
وقال آخر:
إذا كان إخـوان الـرجـال حـرارةً |
|
فأنت الحلال الحلو والبارد الـعـذب |
لنا جانـبٌ مـنـه دمـيثٌ وجـانـبٌ |
|
إذا رامه الأعداء مركبـه صـعـب |
وتأخـذه عـنـد الـمـكـارم هـزّةٌ |
|
كما اهتزّ تحت البارح الغصن الرطب |
وقال آخر:
أبكي أخاً يتـلـقّـانـي بـنـائلـه |
|
قبل السؤال ويلقى السّيف من دوني |
إنّ المنايا أصابتني مـصـائبـهـا |
|
فاستعجلت بأخٍ قد كان يكفـينـي |
من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند: رأس
الموّدة الإسترسال لأكثم بن صيفيّ وقال أكثم بن صيفيّ: من تراخى تألف، ومن تشدّد
نفرّ، والشرف التغافل.
لحاتم في العاقل وقال حاتم: العاقل فطنٌ مغافلٌ.
من كتاب الهند في علامة الصديق، وشعر للعتابي في ذلك وقرأت في كتاب للهند: من
علامة الصديق أن يكون لصديق صديقه صديقاً ولعدوّ صديق عدواً.
قال العتابي في ذلك:
تودّ عدوّي ثم تـزعـم أنّـنـي |
|
صديقك، إن الرأي عنك لعازب |
وليس أخي من ودّني رأي عينه |
|
ولكن أخي من صدّقته المغايب |
لبزر جمهر قيل لبزر جمهر: أخوك أحبّ إليك
من صديقك? قال: إنما أحبّ أخي إذا كان صديقاً.
لبعضهم
وقال بعضهم: إن أحب إخواني إليّ، من كثرت أياديه عليّ.
شعر لرجل في أخٍ له وقال رجل في أخٍ له:
وكنت إذا الشدائد أرهقتني |
|
يقوم لها وأقعد لا أقـوم |
وقال آخر:
أخٌ طالما سرّنـي ذكـره |
|
فأصبحت أشجى لدى ذكره |
وقد كنت أغدو إلى قصره |
|
فأصبحت أغدو إلى قبـره |
وكنت أراني غـنـيّاً بـه |
|
عن الناس لو مدّ في عمره |
إذا جئته طـالـبـاً حـاجةً |
|
فأمري يجوز على أمـره |
أعرابي يصف رجلاً وصف أعرابي رجلاً قال:
كان واللّه يتحسّى مرار الإخوان ويسقيهم عذبه.
وقال أعرابي:
أخٌ لك ما تراه الدّهـر إلا |
|
على العلاّت بسّاماً جوادا |
سألناه الجزيل فما تلـكّـا |
|
وأعطى فوق منيتنا وزادا |
فأحسن ثم أحسن ثم عدنـا |
|
فأحسن ثم عدت له فعادا |
مراراً لا أعـود إلـيه إلاّ |
|
تبسّم ضاحكاً وثنى الوسادا |
المودّة بالتّشاكل
لعبد
اللّه بن عباس بلغني عن ابن عيينة أته قال: قال ابن عباس: القرابة تقطع والمعروف
يكفر، ولم ير كتقارب القلوب.
بين العرجيّ ورجل قال رجل للعرجيّ: جئتك أخطب إليك مودّتك. فقال: لا حاجة بك إلى
الخطبة، قد جاءتك زناً فهو ألذّ وأحلى.
شعر للكميت بن معروف، وللطائي وقال الكميت بن معروف:
ما أنا بالنّكس الدّنـئ ولا الـذي |
|
إذا صدّ عنه ذو المودّة يقـرب |
ولكنه إن دام دمـت وإن يكـن |
|
له مذهبٌ عني فلي عنه مذهب |
ألا إنّ خير الودّ ودّ تطـوّعـت |
|
به النفس لا ودّ أتى وهو متعبٌ |
وقال الطائي:
ذو الودّ وذو القـربـى بـمـنـزلةٍ |
|
وإخواتي أسوةٌ عنـدي وإخـوانـي |
عصابة جـاورت آدابـهـم أدبـي |
|
فهم وإن فرّقوا في الأرض جيراني |
أرواحنا في مكـانٍ واحـدٍ وغـدت |
|
أبدانـنـا بـشـآمٍ أو خـراسـان |
شعر عبد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة لعمر بن عبد العزيز وقال عبد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة لعمر بن عبد العزيز:
ابن لي فكن مثلي أو ابتغ صاحباً |
|
كمثلك إني مبتغٍ صاحباً مثـلـي |
عزيزٌ إخائي، لا ينـال مـودّتـي |
|
من القوم إلا مسلمٌ كاملٌ العقـل |
وما يلبث الإخوان أن يتفـرّقـوا |
|
إذا لم يؤلّف روح شكل إلى شكل |
وقال الطائي:
ولن تنظم العقد الكعـاب لـزينةٍ |
|
كما ينظم الشمل الشتيت الشمائل |
كتاب كاتب لصديق له كتب بعض الكتّاب إلى
صديق له: إني صادفت منك جوهر نفسي، فأنا غير محمودٍ على الانقياد لك بغير زمامٍ،
لأن النفس يتبع بعضها بعضاً.
أبو الدرداء لسلمان قال: حدّثني محمد بن داود قال: حدّثنا يزيد بن خلف عن يعقوب بن
كعب عن بقيّة عن صفوان بن عمرو عن شريح عن أبي عبيدٍ قال: كتب أبو الدّرداء إلى
سلمان: إن تكن الدار من الدار بعيدةً فإنّ الرّوح من الرّوح قريبٌ، وطير السماء
على إلفه من الأرض يقع.
شعر لأبي العتاهية وقال أبو العتاهية:
يقاس المرء بالمـرء |
|
إذا ما هو ما شـاه |
وللقلب على القلـب |
|
دليلٌ حـين يلـقـاه |
وللشكل على الشكل |
|
مقـاييسٌ وأشـبـاه |
وفي العين غنيً للعي |
|
ن أن تنطق أفـواه |
للمساحقي وقال المساحقي:
يزهّدني في ودّك ابن مسـاحـق |
|
مودّتك الأرذال دون ذوي الفضل |
وأنّ شرار الناس سادوا خيارهـم |
|
زمانك، إنّ الرّذل للزّمن الرّذل |
باب المحبة
للنبي
صلى اللّه عليه وسلم في المحبة قال: حدّثني أحمد بن الخليل عن محمد بن بشار عن
يحيى بن سعيد عن ثور بن يزيد عن حبيب بن عبيد عن المقدام بن معد يكرب، وكان أدرك
النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، قال: قال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم: "إذا أحبّ
أحدكم أخاه فليعلمه أنه يحبّه" لمجاهد
وحدّثني محمد بن داود عن أبي الرّبيع عن حمّاد بن زيد عن ليث عن مجاهد قال: ثلاثٌ
يصفين لك ودّ أخيك: أن تبدأه بالسلام إذا لقيته، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحبّ
أسمائه إليه. وثلاثٌ من العيّ: أن تعيب على الناس ما تأتي، وأن ترى من الناس ما
يخفى عليك من نفسك، وأن تؤذي جليسك فيما لا يعنيك.
وكان يقال: لا يكن حبّك كلفاً ولا بغضك تلفاً. أي لا تسرف في حبك وبغضك.
للحسن في الإعتدال في الحب ونحوه قول الحسن: أحبّوا هوناً فإنّ أقواماً في حبّ قوم
فهلكوا.
وكان يقال: من وجد دون أخيه ستراً فلا يهتكه.
شعر لعمر بن أبي ربيعة وقال عمر بن أبي ربيعة:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى |
|
فصادف قلباً فارغاً فتمـكّـنـا |
بين عمر بن الخطاب وطليحة الأسدي قال عمر
بن الخطاب رضي اللّه عنه لطليحة الأسديّ: قتلت عكّاشة بن محصنٍ! لا يحبّك قلبي!
قال: فمعاشرةً جميلةً يا أمير المؤمنين، فإنّ الناس يتعاشرون على البغضاء.
كتاب رجل إلى صديق له وكتب رجلٌ إلى صديق له: الشوق إليك وإلى عهد أيامك - التي
حسنت بك كأنها أعيادٌ، وفصرت بك حتى كأنها ساعات - يفوت الصفات؛ ومما جدّد الشوق
وكثّر دواعيه تصاقب الدار، وقرب الجوار؛ تمم اللّه لنا النعمة المتجدّدة فيك بالنظر
إلى الغرّة المباركة التي لا وحشة معها ولا أنس بعدها.
للحسن قال الحسن: المؤمن لا يحيف على من يبغض ولا يأثم فيمن يحبّ.
في بعض الكتب في شفاعة المحبة وقرأت في بعض الكتب: إنه ليبلغ من حس شفاعة المحبة
أنّ الحبيب يسيء فيظنّ به الغلط ويذنب فيحتجّ له بالدّالّة، وذنبه لا يحتمل
التأويل ولا مخرج له في جواز العقول. وفيه: كلّ ذنبٍ إذا شئت أن تنساه نسيته وإن
شئت أن تذكره ذكرته، فليس بمخوفٍ. وليس الصغير من الذنب ما صغّره الحبّ، وإنما
الصغير ما صغّره العدل. وليس الذنب إلا ما "لا" يصلح معه القلب ولا يزال
حاضراً الدهر، وإلا ما كان من نتاج الؤم ومن نصيب المعاندة، فأما ما كان من غير
ذلك فإنّ الغفران يتغمّده والحرمة تشفع فيه.
من كتاب رجل إلى صديق له، وشعر معقل لمخارق وكتب رجل إلى صديق له في فصل من كتاب:
لساني رطب بذكرك، ومكانك من قلبي معمورٌ بمحبّتك. ونحوه قول معقل أخي أبي دلف
لمخارقٍ :
لعمري لئن قرّت بقربك أعينٌ |
|
لقد سخنت بالبين منك عـيونٌ |
فسر وأقم وقفٌ عليك مّودتي |
|
مكانك من قلبي عليك مصونٌ |
بين شبيب بن شيبة ورجل ذكر أنه يحبه وقال
رجل لشبيب بن شيبة: واللّه أحبّك، قال: وما يمنعك من ذلك وما أنت لي بجارٍ ولا أخٍ
ولا قرابة! يريد أن الحسد موكّلٌ بالأدنى فالأدنى.
مثله بين شهر بن حوشب ورجل قال رجل لشهر بن حوشبٍ: إني لأحبّك. قال: ولم لا تحبني
وأنا أخوك في كتاب اللّه ووزيرك على دين اللّه ومؤونتي على غيرك! شعر لبشار،
ولغيره قال بشارٌ:
هل تعلمين وراء الحبّ مزلةً |
|
تدني إليك فإنّ الحبّ أقصاني |
وقال غيره:
أحبّـك حـبّـين لـي واحـدٌ |
|
وحبّ لأنـك أهـلٌ لـذاكـا |
فأمّا الـذي أنـت أهـلٌ لـه |
|
فحسنٌ فضلت به من سواكـا |
وأما الذي في ضمير الحشـا |
|
فلست أرى الحسن حتى أراكا |
وليسلي الـمـنّ فـي واحـدٍ |
|
ولكن لك المنّ في ذا وذاكـا |
وقال المسيّب بن علسٍ:
وعين السّخط تبصر كـلّ عـيبٍ |
|
وعين أخي الرّضا عن ذاك تعمي |
لعبد اللّه بن معاوية ونحوه لعبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر:
فلست بـراءٍ ذي الـودّ كـلّـه |
|
ولا بعض ما فيه إذا كنت راضيا |
وعين الرّضا عن كلّ عيبٍ كليلةٌ |
|
ولكنّ عين السّخط تبدي المساويا |
بين بعض الخلفاء ورجل وقال بعض الخلفاء
لرجل: إني لأبغضك. قال: يا أمير المؤمنين، إنما يجزع من فقد الحبّ المرأة، ولكن
عدلٌ وإنصافٌ.
لشريح وقال شريحٌ:
خذي العفو منّي تستديمي مـوّدتـي |
|
ولا تنطقي في سورتي حين أغضب |
فإني رأيت الحبّ في الصدر والأذى |
|
إذا اجتمعا لم يلبث الحـبّ يذهـب |
لأعرابي في التشاكل وقال أعرابيّ: إذا
ثبتت الأصول في القلوب نطقت الألسن بالفروع، ولا يظهر الودّ السليم إلا من القلب
المستقيم.
وقال آخر: من جمع لك مع المودّة الصادقة رأياً حازماً، فاجمع له مع المحبة الخلصة
طاعةً لازمةً.
للخليل بن أحمد قال اليزيديّ: رأيت الخليل بن أحمد فوجدته قاعداً على طنفسةٍ،
فأوسع لي فكرهت التضييق عليه؛ فقال: إنه لا يضيق سمّ الخياط على متحابّين ولا تسع
الدنيا متباغضين.
مدح أبو زبيد للوليد بن عقبة وقال أبو زبيد للوليد بن عقبة:
من يخنك الصفاء أو يتبـدّل |
|
أو يزل مثلما تزول الظلال |
فاعلمن أنني أخوك أخو العه |
|
د حياتي حتى تزول الجبال |
ليس بخلٌ عليك منّي بمـالٍ |
|
أبداً ما استقلّ سيفاً حمـالٌ |
فلك النصر باللسان وبالكفّ |
|
إذا كان للـيدين مـصـال |
كلّ شيءٍ يحتال فيه الرجال |
|
غير أن ليس للمنايا احتيال |
شعر للمنخل اليشكري وقال للمنخّل اليشكري:
وأحبّها وتحـبّـنـي |
|
ويحبّ ناقتها بعيري |
لأعرابي يذكر رجلاً وذكر أعرابيّ رجلاً
فقال: واللّه لكأنّ القلوب والألسن ريضت له، فما تعقد إلا على ودّه، ولا تنطق إلا
بحمده.
لعبد اللّه بن الزبير قال عبد اللّه بن الزّبير ذات يوم: وللّه لوودت أنّ لي بكلّ
عشرةٍ من أهل العراق رجلاً من أهل الشأم صرف الدينار بالدرهم. فقال أبو حاضرٍ:
مثلنا ومثلك كما قال الأعشي:
علّقتها عرضاً وعلّـقـت رجـلاً |
|
غيري وعلّق أخرى غيرها الرجل |
أحبّك أهل العراق وأحببت أهل الشّأم وأحبّ
أهل الشأم عبد الملك بن مروان.
بين عمر وأبي مريم السّلولي وقال عمر لأبي مريم السّلولي: واللّه لا أحبّك حتى
تحبّ الأرض الدّم. قال: فتمنعني لذلك حقّاً? قال: لا.قال: فلا ضير.
أيضاً بين عمر ورجل همّ بطلاق امرأته وقال عمر أيضاً لرجل همّ بطلاق امرأته: لم
تطلقها? قال: لا أحبّها. قال: أوكل البيوت بنيت على الحب وأين الرعاية والتذّمم
شعر لأعرابي في الحب قال أعرابي:
أحبّك حبّاً لو بليت ببعضـه |
|
أصابك من وجدٍ عليّ جنون |
لطيفٌ مع الأحشاء أما نهاره |
|
فسبتٌ وأما ليلـه فـأنـين |
كتاب رجل إلى صديق له وكتب رجلٌ إلى صديق
له: اللّه يعلم أنني أحبّك لنفسك فوق محبّتي إياك لنفسي، ولو أني خيرت بين أمرين:
أحدهما لي وعليك والآخر لك وعليّ، لآثرت المروءة وحسن الأحدوثة بإيثار حظّك على
حظّي؛ وإني أحبّ وأبغض لك، وأوالي وأعادي فيك.
لبعضهم وقال بعضهم: هوّن فقد يفرط الحبّ فيقتل ويفرط الغمّ فيقتل ويفرط السّرور
فيقتل؛ وينفتح القلب للسرور، ويضيق وينضمّ للحزن والحبّ.
أقوال في العشق وقالوا: العشق اسم لما فضل عن المحبة وقال بعضهم: العشق مرض قلبٍ
ضعف.
وقال بعض الشعراء:
فتمّ على معشوقةٍ لا يزيدها |
|
إليه بلاء السّوء إلا تحبّبـا |
ما يجب للصديق على صديقه
للنبي
صلى اللّه عليه وسلم فيما يجب للمسلم على أخيه المسلم حدثنا أحمد بن الخليل قال:
حدثنا عبد اللّه بن موسى عن إسرائيل عن ابن اسحاق عن الحارث عن عليّ بن أبي طالب
عليه السلام قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: "للمسلم على المسلم خصالٌ
ستٌ: يسّلم عليه إذا لقيه، ويجيبه إذا دعاه، ويشتمّه إذا عطس، ويعوده إذا مرض،
ويحضر جنازته إذا مات، ويحبّ له ما يحبّ لنفسه" قال: حدثني شبابة قال: حدثنا
القاسم بن الحاكم عن إسماعيل بن عيّاشٍ عن هشامٍ بن عروةٍ عن أبيه عن عائشةٍ رضي
اللّه عنها قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "أعن أخاك ظالماً أو
مظلوماً، إن كان مظلوماً فخذ له بحقه، وإن كان ظالماً فخذ له من نفسه" لمعاذ
بن جبل وحدثني القومسيّ قال: حدثنا أبو بكر الطبريّ عن عبد اللّه بن صالح عن
معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن جبير بن بكير قال: قال معاذ بن جبل: إذا آخيت
أخاً فلا تماره ولا تشاره ولا تسأل عنه، فعسى أن توافق عدوّاً فيخبرك بما ليس فيه
فيفرّق بينكما.
شعر للنمر بن تولب وقال النّمر بن تولبٍ في هذا المعنى:
جزى اللّه عنّا حمزة بنة نوفلٍ |
|
جزاء مغلٍ بالأمانة كـاذب |
بما سألت عنّي الوشاة ليكذبوا |
|
عليّ وقد واليتها في النوائب |
لابن سيرين
قال: وحدثني محمد بن داود "قال": حدثني سعيد بن منصور عن جرير عن عبد
الحميد عن عنبسة قال: قال ابن سيرين: لا تكرم أخاك بما يكره، ولا تحملنّ كتاباً
إلى أمير حتى تعلم ما فيه.
وكان يقال: يستحسن الصّبر عن كلّ أحدٍ إلا عن الصديق.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
إذا ضيّفت أمراً ضاق جـدّا |
|
وإن هوّنت ما قد عزّ هانـا |
فلا تهلك بشيء فـات يأسـاً |
|
فكم أمراً تصعّب ثـم لانـا |
سأصبر عن رفيقي إن جفاني |
|
على كلّ الأذى إلا الهوانـا |
لابن المقفع وقال ابن المقفع: ابذل لصديقك
دمك ومالك، ولمعرفتك رفدك ومحضرك، وللعامةّ بشرك وتحيّتك، ولعدوّك عدلك، وضنّ
بدينك وعرضك عن كلّ أحدٍ.
لخالد بن عبد اللّه بن أبي بكرة لما ولي قضاء البصرة قال أبو اليقطان: ولي خالد بن
عبد اللّه بن أبي بكرة قضاء البصرة فجعل يحابي؛ فقيل له في ذلك؛ فقال: وما خير
رجلٍ لا يقطع لأخيه قطعةً من دينه.
للنبي صلى اللّه عليه وسلم قالوا: وقف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على عجوزٍ،
فقال: "إنها كانت تأتينا أيام خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان".
لابراهيم النخعي فال إبراهيم النّخعيّ: إنّ المعرفة لتنفع عند الأسد الهصور والكلب
العقور فكيف عند الكريم الحسيب وقال الخليل بن أحمد:
وفّيت كلّ صديقٍ ودّني ثمناً |
|
إلا المؤمّل دولاتي وأيامي |
ولعمربن أبي ربيعة في مساعدة الصديق وقال عمر بن أبي ربيعة في مساعدة الصديق:
وخلّ كنت عين النّصح منه |
|
إذا نظرت ومستمعاً سميعاً |
أطاف بغيةٍ فنهيت عنهـا |
|
وقلت له أرى أمراً شنيعاً |
أردت رشاده جهدي فلمّـا |
|
أبى وعصى أتيناها جميعاً |
لبعض الكوفيين وقال بعض الكوفيين:
فإن يشرب أبو فرّوخ أشرب |
|
وإن كانت معتّقة عـقـاراً |
وإن يأكل أبو فـرّوخ آكـل |
|
وإن كانت خنانيصاً صغاراً |
قول أعرابي لأخٍ له وقال رجل من الأعراب لأخٍ له: أما واللّه ربّ يومٍ كتنّور الطّاهي رقّاصٍ بشرارة، قد رميت بنفسي في أجيج لهيبه فأحتمل منه ما أكره لما تحبّ شعر لابن الأعرابي، ولكثير وغيرهما وأنشد ابن الأعرابي:
أغمض للصديق عن المساوي |
|
مخافة أن أعيش بلا صديق |
وقال كثّير:
ومن لا يغمّض عينه عن صـديقـه |
|
وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب |
ومن يتتبّع جـاهـداً كـلّ عـثـرةٍ |
|
يجدها ولا يسلم له الدهر صاحـب |
وقال آخر:
إذا ما صديقي رابني سوء فعله |
|
ولم يك عمّا ساءني بمـفـيق |
صبرت على أشياء منه تريبني |
|
مخافة أن أبقى بغير صـديق |
ومن المشهور في هذا قول النابغة:
ولست بمستبقٍ أخاً لا تـلـمّـه |
|
على شعثٍ أيّ الرجال المهذّب |
وكان يقال: من لك بأخيك كلّه وأنشدني الرّياشي:
إقبل أخاك بـبـعـضـه |
|
قد يقبل المعروف نزرا |
وأقبـل أخـاك فـإنـه |
|
إنساء عصراً سرّ عصرا |
ونحوه قول الآخر:
أخٌ لي كأيام الحياة إخاؤه |
|
تلوّن ألواناً عليّ خطوبها |
إذا عبت منه خلّةً فهجرته |
|
دعتني إليه خلّةٌ لا أعيبها |
شعر لعبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر وقال عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر:
اصبر إذا عضّك الزمان،ومن |
|
أصبر عند الزمان من رجله |
ولا تهن للصّديق تـكـرمـه |
|
نفسك حتى تعدّ من خـولـه |
يحمل أثقاله عـلـيك كـمـا |
|
يحمل أثقاله على جـمـلـه |
ولست مستبقـياً أخـاً لـك لا |
|
تصفح عما يكون من زللـه |
ليس الفتى بالذي يحول عن ال |
|
عهد ويؤتي الصديق من قبله |
لخالد بن صفوان في أحب إخوانه إليه وقيل
لخالد بن صفوان: أيّ إخوانك أحبّ إليك? قال: الذي يغفر زللي، ويقبل عللي ويسدّ
خللي.
لبشار وقال بشار:
إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى |
|
ظمئت وأي الناس تصفو مشاربـه |
شعر الخريمي لأبي دلف وقال الخريمي لأبي دلف:
تملك إن كـنـت ذا إربةٍ |
|
من العالمين لشيخ وصيف |
الإنصاف في المودّة
كان
يقال: لا خير لك في صحبة من لا يرى لك مثل ما ترى له.
شعر لجرير، وغيره، في معنى هذا العنوان وقال جرير:
وإنّي لأستحي أخي أن ترى له |
|
عليّ من الحق الذي لا يرى ليا |
وله أيضاً:
إذا أنت لم تنصف أخاك وجـدتـه |
|
على طرف الهجران إن كان يعقل |
ويركب حدّ السبف من أن تضيمـه |
|
إذا لم يكن عن شفرة السيف معدل |
ستقطع في الدنيا إذا ما قطعتـنـي |
|
يمينك، فأنظر أيّ كـف تـبـدّل |
وقال آخر:
يا ضمر أخبرني ولست بمخبري |
|
وأخوك نافعك الذي لا يكـذب |
هل في القضيّة أن إذا استغنيتـم |
|
وأمنتم فأنا البعـيد الأجـنـب |
وإذا الشدائد بـالـشـدائد مـرّةً |
|
أشجينكم فأنا المحبّ الأقـرب |
عجباً لتلك قضيّة وإقـامـتـي |
|
فيكم على تلك القضية أعجـب |
ولما لكم طيب البلاد ورعـيهـا |
|
ولي الثّماد ورعيهن المجـدب |
وإذا تكون كريهة أدعى لـهـا |
|
وإذا يحاس الحيس يدعى جندب |
هذا لعمركم ااصّغار بـعـينـه |
|
لا أمّ لي إن كـان ذاك ولا أب |
وقال ابن عيينة: سئل علي كرم اللّه وجهه
عن قول اللّه تعالى: "إنّ اللّه يأمر بالعدل والإحسان" فقال: العدل:
الإنصاف، والإحسان: التفضّل.
وقال الشاعر:
صبغت أميّة في الدماء رماحنا |
|
وطوت أميّة دوننا دنـياهـا |
ويقال: من سنّ سنّةً فليرض أن يحكم عليه
بها، ومن سأل مسألة فليرض بأن يعطى بقدر بذله.
وقال أبوالعتاهية:
إذا ما لم يكن لك حسن فهـمٍ |
|
أسأت إجابة وأسأت سمـعـا |
ولست الدّهر متّسعاً بفضـلٍ |
|
إذا ما ضقت بالإنصاف ذرعا |
وقال حمّاد عجرد:
ليت شعري أيّ حكم |
|
قد أراكم تحكمونـا |
أن تكونوا غير معط |
|
ين وأنتم تأخذونـا |
وقال آخر:
إذا كنت تأتي المرء تعرف حـقّـه |
|
ويجهل منك الحقّ فالترك أجـمـل |
وفي العيس منجاةٌ وفي الهجر راحةٌ |
|
وفي الأرض عمّن لا يؤاتيك مرحل |
وقال بشار:
إن كنت حاولت هواناً فـمـا |
|
هنت وما في الهون من مقام |
في الناس أبدال ولي مرحـلٌ |
|
عن منزلٍ ناءٍ ومرعىً وخام |
لا نائلٌ مـنـك ولا مـوعـدٌ |
|
ولا رسولٌ فعليك الـسـلام |
وقال آخر:
له حقٌّ وليس علـيه حـقٌّ |
|
ومهما قال فالحسن الجميل |
وقد كان الرسول يرى حقوقاً |
|
عليه لغيره وهو الرسـول |
لأكثم بن صيفي وشعر لدعبل وقال أكثم بن صيفيّ: أحقّ من يشركك في النّعم شركاؤك في الكارة. أخذه دعبلٌ فقال:
وإنّ أولى الـبـرايا أن تـواسـيه |
|
عند السرور لمن آساك في الحزن |
إنّ الكرام إذا ما أسهلـوا ذكـروا |
|
من كان يألفهم في المنزل الخشن |
لابن الأعرابي وأنشد ابن الأعرابيّ:
فإن آثرت بالودّ أهل بـلادهـا |
|
على نازحٍ من أهلها لا ألومها |
فلا يستوي من لا ترى غير لمّةٍ |
|
ومن هو ثاوٍ عندها لا يرميهـا |
قول رجل لبعض السلطان وقال رجلٍ لبعض
السلطان: أحقّ الناس بالإحسان من أحسن اللّه إليه، وأولاهم بالإنصاف من بسطت
القدرة بين يديه؛ فاستدم ما أوتيت من النعم بتأدية ما عليك من الحق.
شعر المستهل بن الكميت لبني العباس قال المستهلّ بن الكميت لبني العباس:
إذا نحن خفنا في زمان عدوّكم |
|
وخفناكم إنّ البلاء لـراكـد |
مداراة الناس وحسن الخلق والجوار
بين
رجل ووهب بن منّبه في معنى هذا العنوان قال: حدّثنا الحسين بن
الحسن"قال": حدّثنا عبد اللّه بن المبارك عن وهيب قال: جاء رجل إلى وهب
بن منّبه فقال: إنّ الناس قد وقعوا فيما وقعوا فيه، وقد حدّثت نفسي ألاّ أخالطهم.
فقال له وهبٌ: لا تفعل، فإنه لا بدّ للناس منك ولا بدّ لك منهم؛ لهم إليك حوائج،
ولك إليهم حوائج، ولكن كن فيهم أصمّ سميعاً، وأعمى بصيراً، وسكوتاً نطوقاً.
العبد اللّه بن عمرو بن العاص
قال: وحدّثنا حسين بن الحسن قال: حدّثنا عبد اللّه بن المبارك عن موسى بن عليّ بن
رباح قال: سمعت أبي يحدّث عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال: أربع خلالٍ إن
أعطيتهنّ فلا يضرّك ما عدل به من الدّنيا: حسن خليقةٍ، وعفاف طعمةٍ، وصدق حديثٍ،
وحفظ أمانةٍ.
لعبد اللّه بن مسعود قال: وبلغني عن وكيع عن مسعر عن حبيب بن أبي ثابت عن عبد
اللّه بن باباه قال: قال عبد اللّه بن مسعود: خلطوا الناس وزايلوهم.
نصيحة صعصعة بن صوحان لابن أخيه عن وكيع عن سفيان عن حبيب بن ميمون قال: قال صعصعة
بن صوحان لابن أخيه: إذا لقيت المؤمن فخالطه، وإذا لقيت الفاجر فخالفه، ودينك فلا
تكلمنّه.
للمسيح عليه السلام قال المسيح صلّى اللّه عليه:"كن وسطاً وامش جانباً"
لأبي الدرداء وروي أبو معاوية عن الأحوص بن حكيم عن أبي الزاهريّة قال: قال أبو
الدّرداء: إنّا لنكشر في وجوه أقوام وإنّ قلوبنا لتلعنهم.
بين عمر رضي اللّه عنه ولبيدة العجلي ودخل لبيدة العجليّ على عمر رضي اللّه عنه،
فقال له عمر: أقتلت زيداً? فقال: يا أمير المؤمنين، قد قتلت رجلاً يسمّى زيداً،
فإن يكن أخاك فهو الذي أكرمه اللّه بيدي ولم يهنّي به ثم لم ير من عمر بعد ذلك
مكروهاً.
بين محمد بن أبي الفضل الهاشمي وأبيه قال محمد بن أبي الفضل الهاشميّ: قلت لأبي:
لم تجلس إلى فلانٍ وقد عرفت عداوته? فقال: أخبي ناراً وأقدح عن ودّ.
شعر للمهاجر بن عبد اللّه الكلابي وقال المهاجر بن عبد اللّه الكلابيّ:
وإنّي لأقصي المرء من غير بغضةٍ |
|
وأدني أخا البغضاء منّي على عمد |
ليحدث ودّاً بعد بغـضـاء أو أرى |
|
له مصرعاً يردي به اللّه من يردي |
بين عقال بن شبة ولأبيه وقال عقال بن
شبّة: كنت رديف أبي، فلقيه جرير على بغلٍ فحيّاه أبي وألطفه؛ فلمّا مضى قلت: أبعد
ما قال لنا ما قال! قال: يا بنيّ، أفأوسّع جرحي! لابن الحنفية قال ابن الحنفيّة:
قد يدفع باحتمال مكروهٍ ما هو أعظم منه.
للحسن في حسن السؤال، ومداراة الناس نصف العقل، والقصد في المعيشة نصف المؤونة.
لابن الشهاب مدح ابن شهابٍ شاعرٌ فأعطاه، وقال: من ابتغى الخير اتّقى الشرّ.
في الأثر وفي الحديث المرفوع: "أوّل ما يوضع في الميزان الخلق الحسن"
وقال: إنّ حسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار، ويزيدان في الإعمار.
وقال: من حسّن اللّه خلقه وخلقه كان من أهل الجنة.
لبعض الشعراء قال الشاعر:
فتىً إذا نبّهته لم يغضـب |
|
أبيض بسّامٌ وإن لم يعجب |
موكّل النفس بحفظ الغيّب |
|
أقصى رفيقته له كالأجنب |
من كتاب العجم وقرأت في كتب العجم: حسن
الخلق خير قرينٍ، والأدب خير ميراثٍ، والتوفيق خير قائدٍ.
لعائشة رضي اللّه عنها في الأنصار وقالت عائشة رضي اللّه عنها: ما تبالي المرأة
إذا نزلت بين بيتين من الأنصار صالحين ألاّ تنزل من أبويها.
لجعفر بن محمد في حسن الجوار وصدقة السر وقال جعفر بن محمد: حسن الجوار عمارة
للدار، وصدقة السرّ مثراةٌ للمال لعبد اللّه بن عمرو بن العاص وقال عبد اللّه بن
عمرو بن العاص: ثلاثةٌ من قريش أحسنها أخلاقاً وأصبحها وجوهاً وأشدّها حياءً، إن
حدّثوك لم يكذبوك، وإن حدّثتهم بحقً أو باطل لم يكذّبوك: أبو بكر الصدّيق، وأبو
عبيدة بن الجرّاح، وعثمان بن عفان رضي اللّه عنهم.
شعر ليزيد بن الطثرية وقال يزيد بن الطثرية:
وأبيض مثل السيف خـادم رفـقةٍ |
|
أشمّ ترى سربالـه قـد تـقـدّدا |
كريم على علاّته لـو تـسّـبـه |
|
لفدّاك رسلاً لا تـراه مـربـدّاً |
يجيب بلـبـيه إذا مـا دعـوتـه |
|
ويحسب ما يدعي له الدهر أرشدا |
من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند: من تزوّد خمساً بلّغته وآنسته: كفّ الأذى، وحسن الخلق ومجانبة الرّيب والنبّل في العمل، وحسن الأدب شعر للمرّار ولغيره، في مداراة القرابة وقال المرّار في مداراة القرابة:
ألا أنّما المولى كعظمٍ جـبـرتـه |
|
فلا يخرق المولى ولا جابر العظم |
وقال آخر في مداراة الناس:
وأنزلني طول النّوى دار غـربةٍ |
|
إذا شئت لاقيت آمراًر لا أشاكله |
|
||
فحامقته حتى يقال سـجـيّةً |
|
ولو كان ذا عقلٍ لكنت أعاقله |
|||
وقال بشارٌ:
خليليّ إنّ العسر سـوف يفـيق |
|
وإنّ يساراً في غدٍ لـخـلـيق |
وما أنا إلا كالزمان إذا صـحـا |
|
صحوت وإن ماق الزمان أموق |
التلاقي والزيارة
للنبي
صلى اللّه عليه وسلم حدثنا محمد بن عبيد قال: حدثنا الفضل بن دكينٍ عن طلحة بن عمر
عن عطاء عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "زر غباً
تزدد حباً" لجعفر بن سليمان في حبيب بن سويد وقال الأصمعيّ: دخل حبيب بن سويد
على جعفر بن سليمان بالمدينة؛ فقال جعفر: حبيب بن سويد وادّ الصّديق، حسن الثناء،
يكره الزيادة المملّة، والقعدة المنسية.
من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند: ثلاثة أشياء تزيد في الأنس والثّقة: الزيادة
في الرّحل، والمؤاكلة، ومعرفة الأهل والحشم.
شعر للطائي وقال الطائي
وحظّك لقيةٌ في كل عـامٍ |
|
موافقةً على ظهر الطريق |
للنبي صلى اللّه عليه وسلم فيمن عاد مريضاً أو زار أخاً قال: أخبرنا اسحاق بن إبراهيم الصّواف عن موسى بن يعقوب السّدوسيّ عن أبي السّنان عن عثمان بن أبي سودة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "من عاد مريضاً أو زار أخاً ناداه منادٍ من السماء: أن طبت وطاب ممشاك تبوأت من الجنة منزلاً" من كتاب رجل إلى صديق له كتب رجل إلى صديق له: مثلنا، أعزّك اللّه، في قرب تجاورنا وبعد تزاورنا ما قال الأول:
ما أقرب الدار والجوار وما |
|
أبعد مع قربنا تـلاقـينـا |
وكلّ غفلةً منك محتملةٌ، وكل جفوةٍ مغفورةٌ، للشّغف بك، والثّقة بحسن نيّتك، وسآخذ بقول أبي قيس:
ويكرمها جارتها فيزرنها |
|
وتعتلّ عت إتيانهنّ فتعذر |
شعر لأعرابية وقالت أعرابية:
فلا تحمدوني في الزيادة إنّني |
|
أزوركم إذ لم أجد متعلّـلاً |
كتاب رجل إلى صديق له يستزيره وكتب رجل
إلى صديق له يستزيره: طال العهد بالإجتماع حتى كدنا نتناكر عند التلاقي، وقد جعلك
اللّه للسّرور نظاماً، وللأنس تماماً، وجعل المشاهد موحشةً إذ خلت منك.
شعر لسهل بن هارون وقال سهل بن هارون:
وما العيش إلا أن تطول بـنـائل |
|
وإلا لقاء المرء ذي الخلق العالي |
لبشار وقال بشار:
تسقط الطير حيث تلتقط الح |
|
بّ وتغشي منازل الكرماء |
بين صديقين قال رجل لصديق له: قد تصدّيت
للقائك غير مرّة فلم يقض ذلك، فقال له الآخر: كلّ برّ تأتيه فأنت تأتي عليه.
شعر لابن الأعرابي، ولغيره قال ابن الأعرابي:
وأرمي إلى الأرض التي من ورائكم |
|
لترجعني يوماً علـيك الـرواجـع |
وقال آخر:
رأيت أخا الدنيا وإن بـات آمـنـا |
|
على سفرٍ يسري به وهو لا يدري |
تثاقلت ألا عن يدٍ أسـتـفـيدهـا |
|
وزورة ذي ودٍّ أشـدّ بـه أزري |
وقال آخر:
أزور محمـداً وإذا الـتـقـينـا |
|
تكلمت الضمائر في الصـدور |
فأرجع لم ألمه ولـم يلـمـنـي |
|
وقد رضي الضمير عن الضمير |
لسفيان بن عيينة كان سفيان بن عيينة يقول: لا تعفّروا الأقدام إلا أقدارها؛ وأنشد:
نضع الزيارة حيث لا يزري بنا |
|
شرف الملوك ولا تخيب الزّوّر |
وكان يقال: امش ميلاً وعد مريضاً، وامش
ميلين وأصلح بين اثنين، وامش ثلاثة أميال وزر أخاً في اللّه.
لبعض المحدثين:
إذا شئت أن تقلى فزر متتابـعـاً |
|
وإن شئت أن تزداد حبّاً فزر غبّا |
وقال آخر:
أقلل زيارتك الـصّـدي |
|
ق يراك كالثوب استجدّه |
إنّ الـصـديق يمـلّـه |
|
ألاّ يزال يراك عـنـده |
قول رجل لصديق عنده قال رجل لصديق له: ما
أخلو وإن كان اللقاء قليلاً من سؤالٍ أو مطلعةٍ لك، فقلبي يقوم مقام العيان.
وقال آخر لصديق له: قد جمعتنا وإياك أحوالٌ لا يزري بها بعد اللقاء ولا يخلّ بها
تنازح الديار. وقال آخر: لولا ما في بديه اللقاء من الحيرة والتعرّض به قبل معرفة
العين للجفوة، لم أتوقّف على مطلعةٍ حتى أصير إليك.
لبعض الشعراء وقال الشاعر:
وما لي وجهٌ في الـلـئام ولا يدٌ |
|
ولكنّ وجهي في الكرام عريض |
|
||
أصحّ إذا لاقيتهم وكأنّنـي |
|
إذا أنا لاقيت اللئام مريض |
|||
لعلي بن الجهم وقال عليّ بن الجهم:
أبلغ أخاً ما تولى اللّه صحبتنا |
|
أنّي وإن كنت لا ألقاه ألقاه |
وأن طرفي موصول برؤيته |
|
وإن تباعد عن مثواي مثواه |
اللّه يعلم أني لسـت أذكـره |
|
وكيف أذكره إذ لست أنساه |
المعاتبة والتجنّي
لأبي
الدرداء في معاتبة الأخ قال: حدّثنا محمد بن داود عن المضاء عن فرج بن فضالة عن
لقمان بن عامر قال: قال أبو الدّرداء: معاتبة الأخ خيرٌ من فقده، ومن لك بأخيك
كلّه!.
وكان يقال: التجنّي وافد الصّرم.
بعض ما جاء في الإنجيل وقرأت في الإنجيل: إن ظلمت أخوك فأذهب فعاتبه فيما بينك
وبينه، فأن أطاعك فقد ربحت أخاك وإن هو لم يطعك فأستتبع رجلاً أو رجلين يشهدان ذلك
الكلام، فإن لم يستمع فأنه أمره إلى أهل البيعة، فإن لم يستمع من أهل البيعة فليكن
عندك كصاحب المكس.
شعر لابن أبي فنن وقال ابن أبي فنن:
إذا كنت تغضب من غير ذنبٍ |
|
وتعتب من غير جرمٍ علـيّا |
طلبت رضاك فإن عـزّنـي |
|
عددتك ميتاً وإن كنـت حـيّا |
قنعت وإن كنـت ذا حـاجةٍ |
|
فأصبحت من أكثر الناس شيّا |
فلا تعجبنّ بـمـا فـي يديك |
|
فأكثر منه الـذي فـي يديّا |
ولأبي نهشل يعاتب صديقه وقال أبو نهشل يعاتب صديقاً له:
عدلت عن الرّحاب إلى المضيق |
|
وزرت البيت من غير الطريق |
وتظلم عند طاعتك المـوالـي |
|
وليس الظلم من فعل الصـديق |
تجود بفضل عدلك للأقـاصـي |
|
وتمنعه من الخلّ الـشـفـيق |
أمّا والراقصات بـذات عـرق |
|
وربّ البيت والركن الـوثـيق |
لقد أطلقت لي تهـمـاً أراهـا |
|
ستحملني على مضض العقوق |
ولآخر وقال آخر:
فدع العتاب فربّ ش |
|
رّ هاج أوّله العتاب |
للجعدي وقال الجعدي:
وكان الخليل إذا رابـنـي |
|
فعاتبته ثم لـم يعـتـب |
هواي له وهوى قلـبـه |
|
سواي وما ذاك بالأصوب |
فإني جريء على صرمه |
|
إذا ما القرينة لم تصحب |
لرجل يعاتب صديقه قال رجلٌ لصديق له
يعلتبه: ما أشكوك إلا إليك، ولا أستبطئك إلاّ لك، ولا أستزيدك إلا بك، فأنا منتظرٌ
واحدة من اثنتين: عتبي تكون منك،أو عقبي الغنى عنك.
وقال آخر: قد حميت جانب الأمل فيك وقطعت الرجاء لك، وقد أسلمني اليأس منك إلى
العزاء عنك، فإن نزعت من الآن فصفحٌ لا تثريب فيه، وإن تماديت فهجرٌ لا وصل بعده.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
ولا خير في قربي لغيرك نفعها |
|
ولا في صديق لا تزال تعاتبـه |
يخونك ذو القربى مراراً وربّمـا |
|
وفي لك عند الجهد من لا تناسبه |
لأوس بن حجر وقال آخر وهو أوس بن حجر:
وقد أعتب ابن العمّ إن كان ظالماً |
|
وأغفر عنه الجهل إن كان أجهلا |
كتاب رجل إلى صديق له وكتب رجل إلى صديق
له: الحال بيننا تحتمل الدّالّة، وتوجب الأنس والثّقة، وتبسط اللسان بالاستزادة.
وكتب رجل آخر إلى صديق له: قد جعلك اللّه ممن يحتمل الدّالّة الكبيرة لذي الحرمة
اليسيرة، ورفعك عن أن تبلغ استزادة المستزيد بعنف الحميّة.
من أقوال العرب لمن عوتب فلم يعتب والعرب تقول لمن عوتب فلم يعتب: "لك العتبى
بأن لا رضيت" مثله شعر لبشر بن أبي خازم ونحوه قول بشر بن أبي خازم:
غضبت تميمٌ أن تقتل عامرٌ |
|
يوم النّسار فأعتبوا بالصّيلم |
قول أوس بن حارثة لابنه وقال أوس بن حارثة
لابنه: العتاب قبل العقاب وهذا نحو قول الآخر: ليكن إيقاعك بعد وعيدك، ووعيدك بعد
وعدك بين إياس بن معاوية وشيخ أعرابي
وقال إياس بن معاوية: خرجت في سفر ومعي رجل من الأعراب، فلّما كان ببعض المناهل
لقيه ابن عمّ له فتعانقا وتعاتبا وإلى جانبهما شيخٌ من الحيّ، فقال لهما الشيخ:
أنعما عيشاً، إن المعاتبة تبعث التجنّي، والتجنّي يبعث المخاصمة، والمخاصمة تبعث
العداوة، ولا خير في شيء ثمرته العداوة. فقلت للشيخ: من أنت? قال: أنا ابن تجربة
الدهر ومن بلا تلّونه فقلت له: ما أفادك الدّهر? قال: العلم به. قلت: فماذا رأيت
أحمد? قال: أن يبقى المرء أحدوثةً حسنة بعده. قال: فلم أبرح ذلك الماء حتى هلك
الشيخ وصلّيت عليه.
وقال رجل لصديق له: أنا أبقي على مودّتك من عارض يغيرّه وعتابٍ يقدح فيه، وأؤمّل
نائياً من رأيك يغني عن اقتضائك.
من كتاب العتابي وقرأت في كتاب العتابي: تأّنينا إفاقتك من سكر غفلتك، وترقّبنا
انتباهك من وسن رقدتك، وصبرنا على تجرّع الغيظ فيك حتى بان لنا اليأس من خيرك،
وكشف لنا الصبر عن وجه الغلظ فيك، فها نحن قد عرفناك حقّ معرفتك في تعدّيك لطويل
حقّ من غلظ في اختيارك.
وقال الشاعر:
فأيّهما يا ليل إن تفعلي بنـا |
|
فآخر مهجورٍ وأول معتب |
كتاب محمد بن عبد الملك إلى الحسن بن وهب وكتب محمد بن عبد الملك إلى الحسن بن وهب: يجب على المرؤوس إذا تجاوز به الرئيس حقّ مرتبته بعلمه، وكان تفضيله إنما وقع له بخفته على القلب ومحلّه من الأدب، أن يقابل ذلك بمثله إن كان محامياً على محلّه، وإلا فلن يؤمن عليه. معنى بيت شريح:
فإني رأيت الحبّ في الصّدر والأذى |
|
إذا اجتمعنا لم يلبث الحـبّ يذهـب |
باب الوداع
للنبي صلى اللّه عليه وسلم في معنى هذا العنوان قال: حدثنا محمد بن خالد بن خداش قال: حدثنا مسلم حدثنا سلم بن قتيبة عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن يزيد بن أمية عن نافع عن ابن عمر: أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول إذا ودع رجلاً: "أستودعك اللّه دينك وأمانتك وخواتيم عملك وآخر عمرك" قال: وحدثني محمد بن عبد العزيز قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم عن سعيد بن أبي كعب الأزدي عن موسى بن ميسرة عن أنس بن مالك: أن رجلاً أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: إني أريد سفراً غداً. فقال: "في حفظ اللّه وكنفه زوّدك اللّه التقوى وغفر ذنبك ووجهّك للخير حيث كنت" للحسن يودع رجلاً المعتمر عن إياس بن دغفل قال: رأيت الحسن ودّع رجلاً وعيناه تهملان وهو يقول:
وما الدّهر إلا هكذا فاصطبر له |
|
رزيئة مالٍ أو فراق حـبـيب |
شعر لرجل ودّع صديقاً قال: وودّع رجلٌ صديقاً له وهو يقول:
وداعك مثل وداع الربيع |
|
وفقدك مثل افتقاد النـدّيم |
عليك السلام فكم من وفاءٍ |
|
نفارقه منك أو من كرم |
وقال الطائي:
بيّن البين فقدها، قلّمـا تـع |
|
رف فقداً للشمس حتى تغيبا |
وقال جرير:
يا أخت ناجية السلام علـيكـم |
|
قبل الرحيل وقبل لوم العـذّل |
لو كنت أعلم أنّ آخر عهدكـم |
|
يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل |
أو كنت أرهب وشك بينٍ عاجلٍ |
|
لقنعت أو لسألت ما لم يسـأل |
بين الواثق وبكر المازني وبلغني عن بكر المازنيّ أنه قال: دخلت على الواثق حين أمر بحملي، فقال لي: ما أسمك? فقلت: بكّر. قال: من خلّفت ورائك? قلت: بنيّة. قال: ما قلت عند وداعك? قلت: قالت:
إذا غبت عنّا وخلّفـتـنـا |
|
فإنا سواءٌ ومن قـد يتـم |
أبانا فلا رمت من عندنـا |
|
فإنا بخـير إذا لـم تـرم |
أبانا إذا أضمرتك الـبـلا |
|
د نجفى وتقطع منّا الرّحم |
قال: فما قلت لها أنت? قال: قلت ما قال جرير:
ثقي باللّه ليس له شريكٌ |
|
ومن عند الخليفة بالنّجاح |
شعر لعبد لبني عقيل بعدما باعوه كان ابني عقيلٍ عبدٌ رضيعٌ بلبان بعضهم فباعوه، فقال حين شخص به مواليه شعراً:
أشوقاً ولمّا يمض بي غير لـيلةٍ |
|
فكيف إذا سار المطيّ بنا شهراً |
لمسلم بن الوليد، وغيره، في الوداع وقال مسلم بن الوليد:
وإنّي وإسماعيل عـنـد وداعـه |
|
لكالغمد يوم الرّوع زايله النّصل |
فإن أغش قوماً بعدهم وأزورهـم |
|
فكالوحش يدنيها من الأنس المحل |
وقال آخر عند توديعه:
عجبت لتطويح النّوى من نحبّه |
|
وتدنو بمن لا يستلذّ له قـرب |
وقال آخر:
مالت تودّعني والقلب يغلبهـا |
|
كما يميل نسيم الريح بالغصن |
ثم استمرت وقالت وهي باكيةٌ |
|
يا ليت معرفتي إيّاك لم تكن |
قول رجل لآخر ودّعه وقال آخر لرجل ودّعه:
بقي علينا أن نكفّ من غرب الشّؤون، ونستعين على فرقة الوحشة بالكتب، فإنها ألسنٌ
ناطقة، وعيونٌ رامقة.
شعر للبحتري وقال البحتري:
اللّه جارك في انطـلاقـك |
|
تلقاء شامك أو عـراقـك |
لا تعذلنّـي فـي مـسـي |
|
ري يوم سرت ولم ألاقـك |
إنّي خـشـيت مـوافـقـاً |
|
للبين تفسح غرب مـاقـك |
وعلمت ما يلقـلا الـمـودّ |
|
ع عند ضمّك واعتنـاقـك |
فتـركـت ذاك تـعـمّـداً |
|
وخرجت أهرب من فراقك |
الهدايا
للنبي
صلى اللّه عليه وسلم في المصافحة والهدية قال: حدّثنا يزيد بن عمرو قال:حدّثنا
عمير بن عمران قال: حدّثنا الحارث بن عتبة عن العلاء بن كثير عن مكحول قال: قال
رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "تصافحوا فإنّ المصافحة تذهب غلّ الصدور،
وتهادوا فإنّ الهديّة تذهب بالسّخيمة".
وحدّثني أبو الخطاب قال: حدّثنا بشر بن المفضّل عن يونس عن الحسن قال: قال رسول
اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "لو أهديت لي ذراعٌ لقبلت، ولو دعيت إلى كراع
لأجبت".
وفي حديث آخر: "تهادوا تحابّوا فإن الهدية تفتح الباب المصمت وتسلّ سخيمة
القلب".
لابن عمر في الهدايا قال: حدّثنا عبد الرحمن بن عبد اللّه عن الأصمعيّ قال: سمعت
نافعاً يحدّث قال: كان ابن عمر يقول: الهدايا من أمراء الفتنة.
بين عمرو بن عبيد اللّه والحارث بن عبد اللّه وروى الزّبير بن بكّار عن عمه قال:
كان الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة يجلس وعمرو بن عبيد اللّه بن صفوان، ما
يكادان يفترقان، وكان عمرو يبعث إلى الحارث في كلّ يوم بقربةٍ من ألبان إبله،
فاختلف ما بينهما فأتى عمروٌ أهله "فقال": لا تبعثوا للحارث باللبن فإنا
لا نأمن أن يردّه علينا. وانقلب الحارث إلى أهله فقال: هل أتاكم اللبن? قالوا: لا.
فلما راح الحارث بعمرو قال: يا هذا لا تجمعنّ علينا الهجر وحبس اللبن فقال: أمّا
إذ قلت هذا فلا يحملها إليك غيري. فحملها من ردم بني جمح إلى أجياد.
للنضر بن الحارث وقد بعث بهدية إلى صديق له وبعث النضر بن الحارث إلى صديق له يسكن
عبّادان بنعلين مخصوفتين وكتب إليه: بعثت إليك بهما وأنا أعلم أن بك عنهما غنىً،
ولكنّي أحببت أن تعلم أنك مني على ذكرٍ.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
إنّ الـهـديّة حـلـوةٌ |
|
كالسّحر تجتلب القلوبا |
تدني البغيض من الهوى |
|
حتى تصيّره قـريبـا |
وتعيد مضطغن العـدا |
|
وة بعد نفرته حبـيبـا |
بين صديقين أهدى أحدهما للآخر عبداً أسود
أهدى رجلّ إلى صديق له عبداً أسود، فكتب إليه: أما بعد، فلو علمت عدداً أقلّ من
واحد أو لوناً شرّاً من الأسود لبعثت به إليّ.
وهذا نظير قول الآخر وقد سئل كم لك من الولد? قال: خبيثٌ قليل. قيل: وكيف? فقال:
لا أقلّ من واحد ولا أخبث من بنت.
جواب أمير لرجل أهدى له هدية أهدى رجلٌ إلى بعض الأمراء هديةً، فكتب إليه الأمير:
قد قبلتها بالموقع ورددتها بالأبقاء.
لابن عباس في الهدية وكان ابن عباس يقول: من أهديت إليه هديّة وعنده قوم فهم
شركاؤه فيها؛ فأهدى إليه صديقٌ ثياباً من ثياب مصر وعنده أقوام فأمر برفعها، فقال
له رجل: ألم تخبرنا أنّ من أهديت له هديّة وعنده قومٌ فهم شركاؤه فيها! فقال: إنما
ذلك فيما يؤكل ويشرب ويشم، فأما في ثياب مصر فلا.
لخلف الأحمر وقال خلفٌ الأحمر:
أتاني أخٌ مـن غـيبةٍ كـان غـابـهـا |
|
وكنت إذا مـاغـاب أنـشـده ركـبـا |
فجاء بـمـعـروفٍ كـثـيرٍ فـدسّـه |
|
كما دسّ راعي السّوء في حضنه الوطبا |
فقلـت لـه هـل جـئتـنـي بـهـديّةٍ |
|
فقال بنفسي قلت أتحف بها الكـلـبـا |
هي النفس لا أرثي لهـا "مـن" بـلـيّةٍ |
|
ولا أتمـنـى أن رأيت لـهـا قـربـا |
أهدي رجل إلى صديق له وكتب إليه: الأنس سهّل سبيل الملاطفة، فأهديت هديّة من لا يحتشم،
إلى من لا يغتنم.
بين النبي صلى اللّه عليه وسلم وحدّثنا أحمد بن الخليل قال: حدّثنا أبو سلمة عن
حبابة بنت عجلان عن أمّها أم حفص عن صفيّة بنت جرير عن أم حكيم بنت وداع الخزاعيّة
قالت: قلت للنبي صلى اللّه عليه وسلم: ما جزاء الغنيّ من الفقير? قال:
"النصيحة والدعاء". قلت: يكره ردّ اللّطف? قال:"ما أقبحه، لو أهديت
إليّ ذراع لقبلت، ولو دعيت إلى كراع لأجبت، تهادوا فإنه يضعف الحبّ ويذهب بغوائل
القلوب".
ليزيد بن عمر بن هبيرة وقد أهديت إليه هدايا وحدّثني محمد بن سلاّم الجمحيّ قال:
حدّثني خلاّد بن يزيد الباهليّ قال: أهديت ليزيد بن عمر بن هبيرة في يوم المهرجان
هدايا وهو أمير العراق فضفّت بين يديه؛ فقال خلف بن خليفة وكان حاضراً:
كأنّ شمامـيس فـي بـيعةٍ |
|
تسبّح في بعض عيداتـهـا |
وقد حضرت رسل المهرجا |
|
ن وصفّوا كريم هديّاتـهـا |
علوت برأسي فوق الرؤوس |
|
فأشخصته فوق هاماتـهـا |
لأكسب صاحبتي صـحـفةً |
|
تغيظ بها بعض جارتـهـا |
فأمر له بجامٍ من ذهب، ثم أقبل يفرّق بين جلسائه تلك الهدايا، وينشد:
لا تبخلنّ بدنيا وهي مـقـبـلةٌ |
|
فليس ينقصها التبذير والسّرف |
فإن تولّت فأحرى أن تجود بهـا |
|
فالحمد منها إذا ما أدبرت خلف |
بين رجل من أصحاب السلطان وبعض العمال كتب
رجلٌ من أصحاب السلطان إلى بعض العمال يستهديه مهارةً من ناحية عمله. فكتب إليه
العامل: أمّا المهارة فإن أهل عملنا يصونونها صيانة الأعراض، ويسترونها ستر الحرم،
ويسومون بها مهور العقائل؛ وأنا مستخلص لك منها ما يكون زين المربط وحملان الصديق،
إن شاء اللّه.
لبعضهم في الهدية وقال بعضهم: الهديّة إذا كانت من الصغير إلى الكبير، فكلّما لطفت
ودّقت كان أبهى لها، وإذا كانت من الكبير إلى الصغير، فكلّما عظمت وجلّت كان أوقع
لها وأنجع.
لأبي السمط وكتب أبو السمط:
بدولة جعفرٍ حسن الزمـان |
|
لنا بك كلّ يوم مهـرجـان |
ليوم المهرجان بك اختـيالٌ |
|
وإشراقٌ ونورٌ يسـتـبـان |
جعلت هديّتي لك فيه وشـياً |
|
وخير الوشي ما نسج اللسان |
بين قتادة وحسام بن مصك أهدى حسام بن مصكّ
إلى قتادة نعلاً رقيقة، فجعل قتادة يزنها بيده، وقال: إنك تعرف سخف عقل الرجل في
سخف هديّته.
وقال الشاعر:
سقى حجّاجنا نـوء الـثـريّا |
|
على ما كان من بخلٍ ومطل |
هم جمعوا النعال وأحرزوهـا |
|
وسدّوا دونها بابـاً بـقـفـل |
فإن أهديت فـاكـهةً وجـدياً |
|
وعشر دجاج بعثوا بـنـعـل |
ومسواكين طولـهـمـا ذراعٌ |
|
وعشرٍ من رديء المقل حسل |
فإن أهديت ذاك ليحملـونـي |
|
على نعلٍ فدقّ اللّه رجـلـي |
أناس تـائهـون لـهـم رواءٌ |
|
تغيم سماؤهم من غير وبـل |
إذا انتسبوا ففرعٌ من قـريش |
|
ولكنّ الفعال فعـال عـكـل |
لرجل أهدى هدية لصديقه كتب رجل إلى صديقه
له: لولا أنّ البضاعة قصّرت بي عن بلوغ الهمة لأتبعت المسابقين إلى برّك. وكرهت أن
تطوي صحيفة البرّ، وليس لي فيها ذكر، فبعثت إليك بالمبتدأ بيمنه وبركته، والمختوم
بطيبه ورائحته: جراب ملح، وجراب أشنان.
شعر للطائي وقد أهدى للحسن بن وهب قلماً أهدي للطائيّ إلى الحسن بن وهب قلماً وكتب
إليه:
قد بعثنا إليك أكرمك الـل |
|
ه بشيء فكن له ذا قبول |
لا تقسه إلى ندى كفّك الغم |
|
ر ولا نيلك الكثير الجزيل |
واغتفر قلّة الهديّة منّـي |
|
إنّ جهد المقلّ غير قليل |
مثله من أبي العتاهية إلى الفضل بن الربيع وقد أرسل إليه نعلاً وبعث أبو العتاهية إلى الفضل بن الربيع بنعلٍ وكتب معها:
نعلٌ بعثت بها لتلبـسـهـا |
|
تسعى بها قدمٌ إلى المجـد |
لو كان يمكن أن أشرّكهـا |
|
جلدي جعلت شراكها خدّي |
لبعض الشعراء، وللمهدي وقال بعض الشعراء في نحو ذلك:
أو ما رأيت الورد أتحفنـا بـه |
|
إتحاف من خطر الصديق بباله |
|
||
لو كان يهدي لامريءٍ ما لا يرى |
|
يهدي لعظـم فـراقـه وزيالـه |
|||
لرددت تحفته عليه وإن عـلـت |
|
عن ذاك واستهديت بعض خصاله |
|||
وقال المهديّ:
تفّاحةٌ من عـنـد تـفّـاحةٍ |
|
جاءت فماذا صنعت بالفـؤاد |
واللّه ما أدري أأبصرتـهـا |
|
يقظان أم أبصرتها في الرّقاد |
كتاب بعض العمال إلى صديق له قال: وكتب بعض العمال إلى صديق له: إني تصفّحت أحوال الأتباع الذين يجب عليهم الهدايا إلى الّادة في مثل هذا اليوم والتأسّي بهم في الإهداء، وإن قصّرت الحال عن قدرك، فرأيتني إن أهديت نفسي فهي ملكٌ لك لا حظّ فيها لغيرك، ورميت بطرفي إلى كرائم مالي فوجدت أكثرها منك، فكنت إن أهديت شيئاً منه كالمهدي مالك إليك ومنفق نفقتك عليك؛ وفزعت إلى مودّتي فوجدتهما خالصين لك قديمين غير مستحدثين، ورأيت إن أنا جعلتهما هدّيتي لم أجدّد لهذا اليوم برّاً ولا لطفاً. ولم أقس منزلةً من شكري بمنزلةٍ من نعمتك إلا كان الشكر مقصّراً عن الحق، وكانت النعمة زائدة على ما تبلغه الطاقة؛ ولم أسلك سبيلاً ألتمس بها برّاً أعتدّ به أو لطفاً أتوصّل إليه، إلا وجدت رضاك قد سبقني إليه، فجعلت الأعتراف بالتقصير عن حقّك هديّهً إليك؛ وقد قلت في ذلك:
إن أهد نفسي فهي من ملكه |
|
أو أهد مالي فهو من ماله |
معاوية بن أبي سفيان وقريش لما قدم معاوية
المدينة منصرفاً من مكة بعث إلى الحسن والحسين وعبد اللّه بن جعفر وعبد اللّه بن
عمر وعبد اللّه بن الزّبير وعبد اللّه بن صفوان بن أميّة بهدايا من كسىً وطيبٍ
وصلاتٍ من المال ثم قال لرسله: ليحفظ كلّ رجلٍ منكم ما يرى ويسمع من الردّ. فلما
خرج الرسل من عنده، قال لمن حضر: إن شئتم أنبأناكم بما يكون من القوم. قالوا:
أخبرنا يا أمير المؤمنين قال: أمّا الحسن فلعله ينيل نساءه شيئاً من الطّيب وينهب
ما بقي من حضره ولا ينتظر غائباً. وأما الحسين فيبدأ بأيتام من قتل مع أبيه بصفّين
فإن بقي شيء نحر به الجزر وسقى به اللبن وأما عبد اللّه بن جعفر فبقول: يا بديح!
اقض به ديني، فإن بقي شيء فأنفذ به عداتي وأما عبد اللّه بن عمر فيبدأ بفقراء عديّ
بن كعب، فإن بقي شىء ادّخره لنفسه ومان به عياله. وأما عبد اللّه بن الزبير فيأتيه
رسولي وهو يسبّح فلا يلتفت إليه ثم يعاوده الرسول فيقول لبعض كفاته: خذوا من
الرسول معاوية ما بعث به، وصله اللّه وجزاه خيراً؛ لا يلتفت إليها وهي أعظم في
عينه من أحدٍ ثم ينصرف إلى أهله فيعرضها على عينه ويقول: ارفعوا، لعلّي أن أعود
بها على ابن هند يوماً ما. وأما عبد اللّه بن صفوان فيقول: قليلٌ من كثير وما كل
رجلٍ من قريش وصل إليه هكذا، ردّوا عليه؛ فإن ردّ قبلناها فرجع رسله من عندهم بنحو
مما قال معاوية فقال معاوية: أنا ابن هند! أعلم بقريش من قريش.
بين يونس بن عبيد وابن سيرين قال يونس بن عبيد: أتيت ابن سيرين فدعوت الجارية
فسمعته يقول: قولوا له: إني نائم يريد: سأنام؛ فقلت: معي خبيص؛ فقال: مكانك حتى
أخرج إليك.
بين رجل وأبي الدرداء قال رجل لأبي الدّرداء: إن فلاناً يقرئك السلام؛ فقال: هديةٌ
حسنة ومحمل خفيف.
لرجل بعث بهدية إلى جارية وبعث رجل إلى جارية ييقال لها" راح" براحٍ
وكتب إليها:
قل لمن يملك الملو |
|
ك وإن كان قد ملك |
قد شربناك فأشربي |
|
وبعثنا إلـيك بـك |
شعر لعبيد بن الأخطل إلى رجل أهدى له شاة مهزولة أهدى رجل إلى عبيد بن الأخطل شاةً مهزولة فكتب إليه عبيد:
وهبت لنـا يا أخـا مـنـقـرٍ |
|
وعـجـل وأكـرمـهـا أوّلا |
|
||
عجوزاً أضرّ بهـا دهـرهـا |
|
وأنزلها الـذّلّ دار الـبـلـى |
|
||
سلوحاً حسبت بـأن الـرّعـاء |
|
سقوها الغريقون والحنـظـلا |
|
||
وأجـدب مـن ثـور زرّاعةٍ |
|
أصاب على جوعه سنـبـلا |
|
||
وأزهد مـن جـيفةٍ لـم تـدع |
|
لها الشمس من مفصلٍ مفصلا |
|
||
فأهوت يميني إلى جنـبـهـا |
|
فخلت حراقيفـهـا جـنـدلا |
|
||
وأهوت يساري لعرقـوبـهـا |
|
فخلت عراقيبـهـا مـغـزلا |
|
||
فقلت أبـيع فـلا مـشـربـاً |
|
تؤدي إلـيّ ولا مـأكـــلا |
|
||
أم أجعل من جلدها حـنـبـلاً |
|
فأقذر بحنبلـهـا حـنـبـلا |
|
||
إذا هي مرّت على مجلـس |
|
من العجب كبّر أو هلّـلا |
|||
رأو آية خلـفـهـا سـائقٍ |
|
يحثّ وإن هرولت هرولا |
|||
فكنت أمرت بها ضـخـمةً |
|
بشحم ولحمٍ قد اسستكمـلا |
|||
ولكنّ روحاً عـدا طـوره |
|
وما كنت أحسب أن يفعلا |
|||
فعضّ الذي خانني حاجتـي |
|
بإست آمه بظرها الأغرلا |
|||
فلولا مكانك خضّبـتـهـا |
|
وعلّقت في جيدها جلجـلا |
|||
فجاءت لكيمـا حـالـهـا |
|
فتعلم أني بها مـبـتـلـي |
|||
سألتك لحماً لصـبـيانـنـا |
|
فقد زدتني فـيهـم عـيّلا |
|||
فخذها وأنت بها محـسـنٌ |
|
وما زلت بي محسناً مجملا |
|||
لدعبل وقد أهدي له بأضحيّة وبعث رجل إلى دعبل بأضحيّة، فكتب إليه:
بعثت إليّ بأضـحـيّةٍ |
|
وكنت حريّاً بأن تفعلا |
ولكنها خرجت غـثةً |
|
كأنك أرعيتها حرملا |
فإن قبل اللّه قربانهـا |
|
فسبحان ربّك ما أعدلا |
لرجل سئل عن ثمن النعال بمكة قيل لرجل قدم
من مكة: كيف أثمان النّعال بمكة? قال: أثمان الجداء بالعراق.
شعر لمسلم بن الوليد وقال مسلم بن الوليد:
جزى اللّه من أهدى التّرنج تحـيةً |
|
ومنّ بما يهوى علـيه وعـجّـلا |
أتتنا هدايا منه أشبـهـن ريحـه |
|
وأشبه في الحسن الغزال المكحّلا |
ولو أنه أهـدى إلـيّ وصـالـه |
|
لكان إلى قلبـي ألـذّ وأوصـلا |
شعر لرجل إلى صديق له شرب دواء وكتب رجل إلى صديق له شرب دواءً:
تأنق في الهـديّة كـلّ قـومٍ |
|
إليك غداة شربـك لـلـدواء |
فلمّا أن هممـت بـه مـدلاّ |
|
لموضع حرمتي بك والإخاء |
رأيت كثير ما أهدي قـلـيلاً |
|
لعبدك فاقتصرت على الدّعاء |
وكتب رجل إلى صديق له: وجدت المودّة منقطعة ما كانت الحشمة عليها متسلّطة، وليس يزيل سلطان الحشمة إلا المؤانسة، ولا تقع المؤانسة إلا بالبرّ والملاطفة
العيادة
للنبي
صلى اللّه عليه وسلم قال: حدثنا يزيد بن عمرو قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: حدثنا
شريك عن أبي نصير عن أنس بن مالك، قال: عاد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجلاً
من الأنصار من رمدٍ كان بعينه.
ومن حديث أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم: "ثلاثة لا يعادون صاحب
الدّمل والرمد والضرس" عيادة أبو الدرداء لجارٍ له نصراني وحدثني القاسم بن
الحست عن ابن الأصفهاني عن إسماعيل بن عيّاش عن أرطأة بن المنذر: أن أبا الدرداء
عاد جاراً له نصرانياً.
للشعبي في عيادة الحمقى "النوكي" قال الشعبي: عيادة النّوكي أشدّ على
المريض من وجعه.
بين بكر بن عبد اللّه وقوم عادوه فأطالوا عنده شيبان عن أبي هديّة عن أبي هلال
قال: قال بكر بن عبد اللّه لقوم عادوه فأطالوا عنده: المريض يعاد، والصحيح يزار.
مثله لعليل أطال عنده عوّاده عاد قومٌ عليلاً فأطالوا عنده، فقال لهم: إن كان لكم
في الدار حقُ فخذوه وانصرفوا.
بين رقبة ورجل عاده فنعى رجالاً عاد رجل رقبة، فنعى رجالاً اعتلّوا مثل علّته،
فقال له رقبة: إذا دخلت على مريضٍ فلاتنع إليه الموتى، وإذا خرجت من عندنا فلا تعد
إلينا.
لأعرابي يعود أعرابياً عاد أعرابيّ أعرايباً فقال: بأبي أنت! بلغني أنك مريض، فضاق
واللّه عليّ الأمر العريض، وأردت إتيانك فلم يكن بي نهوض؛ فلما حملتني رجلان،
وليستا تحملان؛ أتيتك بجرزة شيح ما مسّها عرنين قطّ، فأشممها واذكر نجداً، فهو
الشفاء بإذن اللّه.
شعر لكثير قال كثير:
ألا تلك عزّة قد أقـبـلـت |
|
تقلّب للبين طرفاً غضيضـا |
تقول مرضت وما عدتـنـا |
|
فقلت لها لا أطيق النهوضا |
كلانا مريضان فـي بـلـدةٍ |
|
وكيف يعود مريضٌ مريضا |
وقال آخر:
إذا مرضنا أتيناكم نعودكم |
|
وتذنبون فنأتيكم فنعتـذر |
لبشار وقال بشار:
لو كانت الفدية مقبولةً |
|
لقلت بي لا بك حمّاكا |
شعر إلى عليل وكتب آخر إلى عليل:
نبئت أنّك معتلٌّ فقلـت لـهـم |
|
نفسي الفداء له من كلّ محذور |
|
||
يا ليت علّته بي غير أنّ لـه |
|
أجر العليل وأنّي غير مأجور |
|||
وكتب آخر إلى عليل:
أقول بحـقٍّ واجـبٍ لـك لازمٍ |
|
وإخلاص شكرٍ لا يغيّره الدهر |
بي السوء والمكروه لا بك كلّما |
|
أراداك كانا بي وكان لك الأجر |
وقال آخر في مثله:
فأن تك حمّى الغبّ شفّـك وردهـا |
|
فعقباك منها أن يطول لك العمـر |
وقيناك! لو نعطى المنى فيك والهوى |
|
لكان بي الشكوى وكان لك الأجـر |
في الأثر وفي الحديث المرفوع "حصّنوا
أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكم بالصدقة، واستقبلوا البلايا بالدعاء" وفي
حديث آخر أنه صلى اللّه عليه وسلم قال يوماً لأصحابه: "من أصبح منكم
صائماً?". قال عمر: أنا. قال: "فمن شيّع جنازةً?" قال عمر: أنا.
قال: "فمن عاد مريضاً?" قال عمر: أنا. قال: "فمن فيكم تصدّق
بصدقة?" قال عمر: أنا. فقال صلى اللّه عليه وسلم: "وجبت وجبت
وجبت".
وفي حديث آخر: أنه صلى اللّه عليه وسلم قال:"إتمام عيادتكم المريض أن يضع
أحدكم يده على جبهته أو على رأسه أو يده ويسأله كيف هو، وتمام تحياتكم
المصافحة".
لبعض الشعراء وقال الشاعر:
إن كنت في ترك العيادة تاركاً |
|
حظّي فإني في الدعاء لجاهد |
فلربما ترك العيادة مـشـفـقٌ |
|
وأتي على غلٍ الضمير الحاسد |
للعتبي عن أبيه أبو حاتم قال: حدّثنا
العتبيّ عن أبيه قال: كان يقال: إذا اشتكى الرجل ثم عوفي ولم يحدث خيراً ولم يكفّ
عن سوء، لقيت الملائكة بعضها بعضاً وقالت: إن فلاناً داويناه فلم ينفعه الدواء.
لمعاوية وقد أصيب بلقوة وقال أبو حاتم: حدّثنا القحذميّ قال: أطلع معاوية في بئر
بالأبواء فأصابته لقوة، فاعتمّ بعمامةٍ سوداء وسدلها على الشقّ الذي أصيب فيه، ثم
أذن للناس فقال: أيها الناس؛ إنّ ابن آدم بعرض بلاء: إما معاتبٌ ليعتب، وإما معاقب
بذنب، أو مبتلّي ليؤجر، فإن عوتبت فقد عوتب الصالحون قبلي، وإني لأرجو أن أكون
منهم؛ وإن عوقبت فقد عوقب الخطّاؤون قبلي، وما آمن أن أكون منهم؛ وإن مرض منّي فما
أحصي صحيحي ولما عوفيت أكثر، ولو أن أمري إلى ما كان لي على ربّي أكثر مما أعطاني.
وإني وإن كنت عاتباً على خاصّ منكم فإني حدب على جماعتكم، أحبّ صلاحكم. وقد أصبت
ترون، فرحم اللّه امرأً دعا لي بعافية! فرفعوا أصواتهم بالبكاء والدعاء.
بين أبي عمرو بن العلاء ورجل من أصحابه أراد مساهرته مرض أبو عمرو بن العلاء
مرضةً، فأتاه أصحابه وأبطأ عنده رجل منهم؛ فقال: ما يبطىء بك? قال: أريد أن
أساهرك. قال: أنت معافىً وأنا مبتليً، فالعافية لا تدعك تسهر والمرض لا يدعني
أنام، فاسأل اللّه أن يسوق إلى أهل العاقية الشكر، وإلى أهل البلاء الصبر والأجر.
لأعرابي اشتكى فجعل الناس يعودونه وأكثروا عليه حدّثني عبد الرحمن عن الأصمعيّ
قال: اشتكى رجل من الأعراب، فجعل الناس يدخلون عليه فيقولون: كيف أصبحت وكيف كنت?
فلما أكثروا عليه قال: كما قلت لصاحبك.
مثله لرجل من أهل المدينة كتب قصته في رقعة قال: وقع رجل من أهل المدينة فوثئت
رجلاه، فجعل الناس يدخلون عليه ويسألونه، فلما أكثروا عليه وأضجر كتب قصّته في
رقعةٍ، فكان إذا دخل عليه"عائد" وسأله دفع إليه الرقعة.
لرجل محدود من أهل السواد الهيثم بن عديّ قال: كان رجل من أهل السّواد محدوداً لا
يقصد في شيء إلا انصرف عنه، فغاب مرّةً فأطال، فلما قدم أتاه الناس فجعلوا يسألونه
عن حاله وما كان فيه، وكان فيه برمٌ، فأخذ رقعةً فكتب فيها:
وما زلت أقطع عرض الفلاة |
|
من المشرقين إلى المغربين |
وأطوي الفيافي أرضاً فأرضاً |
|
وأستمطر الجدي والفرقدين |
وأطوي وأنشر ثوب الهمـوم |
|
إلى أن رجعت بخفّي حنـين |
فقيراً وقيراً أخـا عـسـرةٍ |
|
بعيداً من الخير صفر اليدين |
كئيب الصّديق بهيج الـعـدوّ |
|
طويل الشّقا زاني الوالـدين |
وطرحها في مجلسه، فكلّ من سأله عن حاله
دفع إليه الرقعة لنبطي وقع في موضع عال وقوم يسألونه كيف وقع
قال: حدّثنا عبد الرحمن عن عمه أن نبطيّاً وقع من موضع عالٍ، فدخلوا يسألونه: كيف
وقعت? فلما أكثروا عليه أخذ جرّةً وألقاها من يده وقال: هكذا وقعت.
لرجل أحدب وقع في بئر فصار آدراً أبو الخطاب قال: كان عندنا رجلٌ أحدب فسقط في بئر
فذهبت حدبته فصار آدر، فدخلوا يسألونه ويهنئونه بذهاب حدبته، فجعل يقول: الذي جاء
شرّ من الذي ذهب.
شعر ليحيى بن نوفل الحميري في سقوط ابن شبرمة القاضي عن دابته المدائنيّ قال: سقط
ابن شبرمة القاضي عن دابّته فوثئت رجله، فدخل يحيى بن نوفل الحميريّ عليه فقال:
أقول غداة أتاني الـخـبـير |
|
فدسّ أحاديثـه الـهـينـمة |
لك الويل من مخبرٍ ما تقول? |
|
أبن لي وعدّ عن الجمجـمة |
فقال خرجت وقاضي القضا |
|
ة مثقلةٌ رجـلـه مـؤلـمة |
فقلت وضاقت عليّ الـبـلاد |
|
وخفت المجلّلة المعـظـمة |
فغزوان حـرّ وأمّ الـولـيد |
|
إن اللّه عافى أبا شـبـرمة |
جزاءً لمعروفه عـنـدنـا، |
|
وما عتق عبدٍ له أو أمـه? |
قال: وفي المجلس جار ليحيى بن نوفل يعرف
منزله، فلما خرج تبعه وقال: يا أبا معمر، من غزوان وأم الوليد? فضحك وقال: أو ما
تعرفهما? هما سنّوران في البيت.
لأبي الدقيش وقد سئل عن حاله في مرضه قال: حدّثنا الرّياشي عن أبي زيد قال: دخلنا
على أبي الدّقيش وهو شاكٍ، فقلنا له: كيف تجدك? قال: أجدني أجد ما لا أشتهي،
وأشتهي ما لا أجد، ولقد أصبحت في شرّ زمانٍ وشرّ أناسٍ: من جاد لم يجد ومن وجد لم
يجد.
مثله لعمرو بن العاص، وغيره قيل: لعمرو بن العاص وقد مرض مرةً: كيف تجدك? قال:
أجدني أذوب ولا أثوب، وأجد نجوي أكثر من رزئي، فما بقاء الشيخ على هذا!.
سئل عليلٌ عن حاله فقال: أنا مبلٌّ غير مستقلّ، ومتماثلٌ غير متحامل.
وقيل لآخر: كيف تجدك? قال: أجدني لم أرض حياتي لموتي.
وقيل لرجل من المعجم: ما حالك? قال: ما حال من يريد سفراً طويلاً بلا زادٍ! وينزل
منزلاً موحشاً بلا أنيس! ويقدم على جبّار قد قدّم العذر بلا حجّة!.
قيل لعكرمة: كيف حالك? قال: بشرٍّ، أصبحت أجرب مبسوراً.
حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: قيل لشيخ من العبّاد: كيف أنت، وكيف أحوالك?
فقال: ما كلّها كما أشتهي.
قيل لآخر: ما تشتكي? قال: تمام العدّة وانقضاء المدّة.
لأبي الدرداء في مرضه وبلغني عن معاوية بن قرّة قال: مرض أبو الدّرداء، فعاده
صديقٌ له فقال: أيّ شيء تشتكي? قال: ذنوبي. قال: فأيّ شيء تشتهي? قال: الجنة. قال:
فندعوا لك بالطيب? قال: هو أمرضني.
سئل رجلٌ عن حاله فقال:
كنا إذا نحن أردنا لم نجـد |
|
حتى إذا نحن وجدنا لم نرد |
بين معاوية ومصقلة بن هبيرة أرجف الناس بعلّة معاوية وضعفه، فدخل عليه مصقلة بن هبيرة، فأخذ معاوية بيده ثم قال: يا مصقل:
أبقي الحوادث من خلي |
|
لك مثل جندلة المراجم |
قد رامني الأقوام قـب |
|
لك فامتنعت من المظالم |
فقال مصقلة: أمّا قول أمير المؤمنين:
"أبقي الحوادث من خليلك"، فقد أبقى اللّه منك جبلاً راسياً وكلأً
مرعيّاً لصديقك وسمّاً ناقعاً لعدوّك. وأما قولك: "قد رامني الأقوام قبلك"،
فمن ذا يرومك أو يظلمك! فقد كان الناس مشركين فكان أبو سفيان سيّدهم، وأصبح الناس
مسلمين وأصبحت أميرهم. فأعطاه معاوية فخرج؛ فسئل عنه فقال: واللّه لغمزني غمزةً
كاد يكسر منها يدي وأنتم تزعمونه مريضاً.
بين كثيّر عزّة وعبد الملك بن مروان وقال المدائنيّ: دخل كثيّر عزّة على عبد الملك
بن مروان، فقال: يا أمير المؤمنين، لولا أنّ سرورك لا يتمّ بأن تسلم وأسقم لدعوت
اللّه أن يصرف ما بك إليّ، ولكن أسأل اللّه لك أيها الأمير العافية ولي في كنفك
النعمة. فضحك وأمر له بمال؛ فقال:
ونعود سيّدنـا وسـيّد غـيرنـا |
|
ليت التّشكّي كان بـالـعـواد |
لو كان يقبل فـديةٌ لـفـديتـه |
|
بالمصطفى من طارفي وتلادي |
لآخر وقال آخر:
لا تشكون دهراً صححت به |
|
إنّ لبغني في صحة الجسم |
هبك الخليفة، كنت منتفعـاً |
|
بلذاذة الدنيا مع السّـقـم? |
بين المسور وابن عباس
إعتلّ المسور فجاءه ابن عباس يعوده نصف النهار؛ فقال المسور: يا أبا عباس هلاّ
ساعةً غير هذه! قال ابن عباس: إنّ أحبّ الساعات إليّ أن أؤدّي فيها الحقّ أشقّها
عليّ.
كتاب رجل إلى صديق له يعتذر لتخلّفه عن عيادته وكتب رجل إلى صديق له: كيف أنت?
بنفسي أنت! وكيف كنت? لازلت! وكيف قوتك ونشاطك? لا عدمته ما ولا عدمنا هما منك،
وأعادك اللّه إلى أحسن ما عوّدك! لولا عوائق يوجب العذر بها تفضّلك لم أدع تعرّف
خبرك بالعين، فإنها أشفى للقلب وأنقع للغليل وأشدّ تسكيناً للاعج الشوق.
تهنئة بالعافية واعتذار عن عدم العيادة وقرأت فصلاً في كتاب: لئن تخلّفت عن عيادتك
بالعذر الواضح من العلّة لما أغفل قلبي ذكرك ولا لساني فحصاً عن خبرك في ممساك
ومصبحك وتنقل الحال بك تبعث من تقسم جوارحه وصبك، وزاد في ألمها ألمك، ومن تتّصل
بك أحواله في السراء والضراء. ولما بلغتني إفاقتك كتبت مهنئاً بالعافية مخبراً
بالعذر، معفيّاً من الجواب إلا بخبر السلامة إرسالاً.
شعر لعبد بني الحسحاس وقال عبد بني الحسحاس:
تجمّعن من شتّى ثلاث وأربـعٌ |
|
وواحدةٌ حتى بلغن ثـمـانـيا |
سليمى وسلمى والرّباب وزينبٌ |
|
وهندٌ ودعدٌ والمنى وقطامـيا |
وأقبلن من بعض الخيام يعدنني |
|
ألا إنّ بعض العـائدات دوائيا |
شعر لعبد اللّه بن مصعب الزبيري "عائد الكلب" وقال عبد اللّه بن مصعب الزّبيريّ:
ما لي مرضت فلم يعدني عائد |
|
منكم ويمرض كلبكم فأعـود |
فسمّي "عائد الكلب"، وولده الآن يسمّون "بني عائد الكلب"
التعازي وما يتمثّل به فيها
لابن
جريح يعزّي عبد الوهاب الثقفي حدّثني محمد بن داود عن غسّان بن الفضل قال: قال عبد
الوهاب الثّقفيّ: أتاني ابن جريح بمكة يعزّيني عن بعض أهلي، فقال: إنه من لم يسل
أهله إيماناً واحتساباً سلا كما تسلو البهائم.
إبراهيم بن يحيى الأسلمي يعزّي المهدي في ابنته كتب إبراهيم بن يحيى الأسلميّ إلى
المهديّ يعزّيه عن ابنته: أما بعد، فإن أحقّ من عرف حقّ اللّه فيما أخذ منه من
عظّم حقّ اللّه عليه فيما أبقى له. وأعلم أنّ الماضي قبلك هو الباقي بعدك وأنّ أجر
الصابرين فيما يصابون به أعظم عليهم من النعمة فيما يعافونة منه مثله لسهل بن
هارون ونحوه قول سهل بن هارون: التهنئة على آجل الثواب، أولى من التّعزية على عاجل
المصيبة.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
كم من يدٍ لا يستقلّ بشكرها |
|
للّه في ظلّ المكاره كامنه |
يزيد بن معمر السلمي لمعاوية وقد سقطت
مقاديم فمه وسقطت مقاديم فم معاوية فشقّ ذلك عليه، فقال له يزيد بن معمر السّلميّ:
واللّه يا أمير المؤمنين، ما بلغ أحدٌ سنّك إلا أبغض بعضاً، ففوك أهون علينا من
سمعك وبصرك.
لصالح المرّي يعزّي رجلاً وقال صالح المرّيّ لرجل يعزّيه: إن لم تكن مصيبتك أحدثت
في نفسك موعظةً فمصيبتك بنفسك أعظم.
ونحوه شرٌّ من المرزئة سوء الخلف عنها.
ومثله قول الشاعر:
إن يكن ما به أصبت جليلاً |
|
فلفقد العزاء فـيه أجـلّ |
لشبيب بن شيبة يعزي المهدي عن ابنته عزّى
شبيب بن شيبة المهديّ عن بانوقة، فقال: يا أمير المؤمنين، ما عند اللّه خير لها
مما عندك، وثواب اللّه خيرٌ لك منها.
لرجل يعزي عبد اللّه بن طاهر عن ابنته عزّى رجلٌ عبد اللّه بن طاهر عن ابنته فقال:
أيها الأمير، مم تجزع? الموت أكرم نزّال على الحرم شعر لجرير وقال جرير:
وأهون مفقودٍ إذا الموت نـالـه |
|
على المرء من أصحابه من تقنّعا |
وقال آخر:
ولم أر نعمة شملت كريماً |
|
كنعمة عورةٍ سترت بقبر |
وعزّى رجل رجلاً فقال: لا أراك اللّه بعد
هذه المصيبة ما ينسيكها.
شعر لرجل يعزي عمر بن عبد العزيز وقال رجل لعمر بن عبد العزيز:
تعزّ أمير المؤمـنـين فـإنـه |
|
لما قد ترى يغذي الصغير ويولد |
هل ابنـك إلاّ مـن سـلالة آدمٍ |
|
لكلّ على حوض المنيةّ مـورد |
لأبي بكر رضي اللّه عنه يعزي عمر عزّى أبو
بكر عمر رضي اللّه عنهما عن طفل أصيب به، فقال: عوّضك اللّه منه ما عوّضه منك.
شعر لمحمود الورّاق وقال محمودٌ الورّاق:
يمثّل ذا اللبّ في نـفـسـه |
|
مصائبه قبـل أن تـنـزلا |
فإن نزلت بغتةً لم تـرعـه |
|
لما كان في نفسه مـثـلاً |
رأى الهمّ يفضي إلى آخـر |
|
فصــيّر آخـــره أولا |
وذو الجهـل يأمـن أيامـه |
|
وينسى مصارع من قد خلا |
فإن بدهته صروف الزمان |
|
ببعض مصـائبـه أعـولا |
ولو قدّم الحزم فـي أمـره |
|
لعلمه الصبر عند الـبـلا |
موسى بن المهدي يعزي سليمان بن أبي جعفر عن ابن له عزّى موسى بن المهديّ سليمان بن أبي جعفر عن ابن له، فقال: أيسرّك وهو بليّة وفتنة ويحزنك وهو صلاة ورحمة! مثله لرجل يعزي موسى بن المهدي عن ابن له وعزّى رجل موسى بن المهديّ عن ابن له فقال: كان لك من زينة الحياة الدنيا، وهو اليوم من الباقيات الصالحات رد عمر بن عبد العزيز على بعض عماله عزّاه عن ابنه سهيلاً توفّي سهيل بن عبد العزيز بن مروان فكتب إلى عمر بن عبد العزيز بعض عمّاله وأطنب في كتابه؛ فكتب إليه عمر:
حسبي حياة اللّه من كل مـيتٍ |
|
وحسبي بقاء اللّه من كل هالك |
إذا ما لقيت اللّه عنّي راضـياً |
|
فإنّ شفاء النفس فيما هنالـك |
لابن السماك يعزّي الرشيد كتب ابن السماك
إلى الرشيد يعزيه بابن له: أما بعد فإن استطعت أن يكون شكرك للّه حين قبضه أكثر من
شكرك له حين وهبه فإنه حين قبضه أحرز لك هبته، ولو سلم لم تسلم من فتنته؛ أرأيت
حزنك على ذهابه وتلهّفك لفراقه! أرضيت الدار لنفسك فترضاها لابنك! أمّا هو فقد خلص
من الكدر، وبقيت أنت معلّقاً بالخطر. واعلم أن المصيبة مصيبتان إن جزعت وإنما هي
واحدة إن صبرت، فلا تجمع الأمرين على نفسك كتاب عبد اللّه بن طاهر إلى أبي دلف
وردّ أبو دلف عليه كتب ابن السّماك إلى الرشيد يعزّيه بابن له: أما بعد، فإن
استطعت أن يكون شكرك للّه حين قبضه أكثر من شكرك له حين وهبه، فإنه حين قبضه أحرز
لك هبته، ولو سلم لم تسلم من فتنته؛ أرأيت حزنك على ذهابه وتلهّفك لفراقه! أرضيت
الدار لنفسك فترضاها لابنك! أمّا هو فقد خلص من الكدر، وبقيت أنت معلقاً بالخطر.
واعلم أن المصيبة مصيبتان إن جزعت، وإنما هي واحدة إن صبرت، فلا تجمع الأمرين على
نفسك.
كتاب عبد اللّه بن طاهر إلى أبي دلف وردّ أبو دلف عيه كتب عبد اللّه بن طاهر إلى
أبي دلف: المصائب حاّلة لا بدّ منها، فمنها ما يكون رحمةً من اللّه ولطفاً بعبده،
وآية ذلك أن يوفقّه للصبر ويلهمه الرضا ويبسط أمله فيما عنده من الثواب الآجل
والخلف العاجل. ومنها ما يكون سخطاً وانتقاماً، أوّله حزن وأوسطه قنوط وآخره
ندامة، وهي المصيبة حقّاً الجامعة لخسران الدنيا والآخرة. ولم تزل عادة اللّه عندك
الإخلاف والإتلاف. وإن يك ما نالك الآن أعظم مما أتى عليك في مواضي الأيام، فالأجر
المأمول على قدر ذلك.
وكتب أبو دلف إليه: إن تكن المصيبة جلّت، فإن فيما أكرمني اللّه به من جميل رأي
الأمير. وما وضح للناس من فضل عنايته وابتدائه إيّاي بكتبه، ما عجّل العوض من
المفقود.
وفي كتاب آخر: لئن كانت المصيبة جلّت، إن فيما أبقى اللّه ببقاء الأمير عوضاً
وافياً وخلفاً كافياً. وحقيقٌ بمن عظمت النعمة عليه فيما أبقى اللّه أن يحسن عزاؤه
عما أخذ منه. وأحق ما صبر علبه ما لا يستطاع دفعه.
لبعض الكتاب في تعزية وقرأت في كتاب لبعض الكتّاب في تعزيةٍ: أسأل اللّه أن يسد بك
ما ثملت الأيام من مكانه، ويعمّر ما أخلت من مشاهده وأوطانه حتى لا يعفو الداثر،
وأن يستقبل لكم أيامكم بأحسن ما أمضاها لمن منكم، فيجعلكم الخلف الذي لا وحشة معه
ولا وحشة عليه، ويتولاكم ويتولانا فيكم بما هو أهله ووليّه.
في التّعازي وقرأت في كتاب تعزيةٍ: لا لوم على دمعةٍ لا تملك أن تسفحها، ولا على
ألمٍ في القلب لا يدفع أن يظهر فيك، ولا عذر في سواهما مما أحبط أجرك وأشمت عدوك وضعّف
رأيك، ولم يرجع إليك فائتاً ولا إلى شقيقك بمكانه روحاً ولا إلى من خلّف حفظاً.
واعلم أن فرق ما بين ذي العقل وذي الجهل في مصيبتهما تعجّل العاقل من الصبر ما
يتأجل الجاهل.
وقرأت في كتاب تعزية: لو كانت النوائب مدفوعة عن أحدٍ بكثرة من يقيه ذلك من إخوانه
ويفديه منه بالأخص من أعزّته والأنفس من ماله، سلمت من ملمّها، وكان سبقي إلى ذلك
أبرز سبق، وحظّي بالتقدّم فيه أوفر حظّ.
وقرأت في كتاب: مصيبتك لي مصيبةٌ، وما نالك من ألمها لي موجع. ولو كان في الوسع أن
أعلم كنه ما خامر قلبك من ألمها حملت مثله إلى نفسي، فإني أحبّ أن أكون أسوتك في
كل سارّ وغامٍّ، وألاّ أتمتّع بأيام غمومك، ولا أقصّر فيها عن مقدار حالك.
وقرأت في كتاب: نسأل اللّه حسن الاستعداد لما نتوكّفه ونتوقّع حلوله، وألاّ يشغلنا
بما يقلّ الانتفاع به وتعظم التّبعة فيه عمّا نحتاج إليه يوم تجد كلّ نفس ما عملت
من خيرٍ محضراً، وما عملت من سوءٍ تودّ لو أنّ بينها أمداً بعيداً، وأن يجعل ما
وهب لنا من الصبر والعزاء إيماناً وإيقاناً، ولا يجعله ذهولاً ونسياناً.
لأسماء بن خارجة قال أسماء بن خارجة: إذا قدمت المصيبة تركت التعزية، وإذا قدم
الإخاء قبح الثناء.
لأعرابية مات ابنها قيل لأعرابية مات ابنها: ما أحسن عزاءك! فقالت: أن فقدي إياه
أمّنني من المصيبة بعده. ونحوه قول الشاعر:
وكنت عليه أحذر الموت وحده |
|
فلم يبق لي شيء عليه أحاذر |
ومثله:
وقد كنت أستعفي الإله إذا اشتكـى |
|
من الأجر لي فيه وإن سرّني الأجر |
شعرلابن العتاهية وقال أبو العتاهية:
وكما تبلى وجوهٌ في الثّرى |
|
فكذا يبلى عليهن الحـزن |
في الأثر وفي الحديث: "من يرد اللّه
به خيراً يصب منه".
ويقال: المصيبة الموجعة تدرّ ذكر اللّه في قلب المؤمن.
بين الأصمعي وأعرابية مات ابنها قال الأصمعي: مررت بأعرابيّة وبين يديها فتىً في
السّياق، ثم رجعت ورأيت في يدها قدح سويق تشربه، فقلت لها: ما فعل الشابّ? فقلت:
واريناه؛ فقلت: فما هذا السّويق? فقلت:
على كلّ حالٍ يأكل القوم زادهـم |
|
على البؤس والبلوى وفي الحدثان |
لأعرابي قيل لأعرابيّ: كيف حزنك اليوم على
ولدك? فقال: ماترك حبّ الغداء والعشاء لي حزناً.
لعمر بن عبد العزيز وقال عمر بن عبد العزيز: إنما الجزع قبل المصيبة، فإذا وقعت
فاله عمّا أصابك.
لمحمد بن علي بن الحسين في موت بعض أهله اشتكى بعض أهل محمد بن عليّ الحسين فجزع
عليه، ثم أخبر بموته فسرّي عنه؛ فقيل له في ذلك، فقال: ندعوا اللّه فيما نحبّ،
فإذا وقع ما نكره لم نخالف اللّه فيما أحبّ.
لعبد اللّه في موت عتبة بن مسعود لما مات عتبة بن مسعود قال عبد اللّه: إذا ما قضى
اللّه فيه ما قضى فما أحبّ أنّي دعوته فأجابني.
شعر لرجل من طيّيء قال رجل من طيّي:
فلولا الأسى ما عشت في الناس ساعة |
|
ولكن إذا ما شئت أسعدني مـثـلـي |
وقال آخر:
إذا أنت لم تسا اصطباراً وحسبةً |
|
سلوت على الأيام مثل البهـائم |
بين محمد بن الوليد بن عتبة والوليد بن
عبد الملك عزّي محمد بن الوليد بن عتبة الوليد بن عبد الملك فقال: يا أمير
المؤمنين، ليشغلك ما أقبل من الموت إليك، عمن هو في شغل مما دخل عليه، وأعدد
لنزوله عدّة تكون لك حجاباً من الجزع وستراً من النار.
فقال يا محمد، أرجو ألا تكون رأيت غفلة تنبّه عليها ولا جزعاً يستتر منه، وما
توفيقي إلا باللّه.
فقال محمد: يا أمير المؤمنين، إنه لو استغنى أحدٌ عن موعظةٍ بفضلٍ لكنته، ولكنّ
اللّه يقول: "وذكّر فإنّ الذّكرى تنفع المؤمنين".
شعر للطائي وقال الطائيّ:
ويفرح بالشيء المعـار بـقـاؤه |
|
ويحزن لمّا صار وهو له ذخـرٌ |
عليك بثوب الصبر إذ فيه ملبـسٌ |
|
فإنّ ابنك المحمود بعد ابنك الصّبر |
وقال أيضاً:
أمالك إنّ الحزن أحلام نائم |
|
ومهما يدم فالوجد ليس بدائم |
تأمّل رويداً هل تعدّنّ سالماً |
|
إلى آدم أم هل تعدّ ابن سالم |
وقال آخر:
اصبر لكلّ مصيبةٍ وتجـلّـد |
|
واعلم بأن الدهر غير مخلّد |
أو ما ترى أنّ الحوادث جمّةٌ |
|
وترى المنية للعباد بمرصد |
وإذا أتتك مصيبةٌ تشجي بها |
|
فاذكر مصابك بالنبيّ محمد |
لرجل يعزّي الرشيد
عزّي رجلالرشيد فقال: يا أمير المؤمنين، كان لك الأجر لا بك، وكان العزاء منك لا
عنك.
ما يعزي به أهل نجران بعضهم بعضاً يعزّي أهل نجران بعضهم بعضاً بهذا الكلام: لا
يحزنكم اللّه ولا يفتنكم، أثابكم اللّه ثواب المتّقين وأوجب لكم الصلاة والرحمة.
لبعض الزبيريين يعزّي رجلاً عزّى بعض الزّبيرّيين رجلاً فقال: ريصفر ربعك، ولا
يوحش بيتك، ولا يضع أجرك، رحم اللّه متوفّاك، وأحسن عليك.
لبعض الشعراء قال بعض الشعراء:
أسكّان بطن الأرض لو يقبل الفدى |
|
فدينا وأعطينا بكم ساكن الظهـر |
فيا ليت من فيها عليك وليت مـن |
|
عليها ثوى فيها مقيماً إلى الحشر |
وقاسمني دهري بنيّ بـشـطـره |
|
فلما توفّى شطره مال في شطري |
فصاروا ديوناً للمنايا ومـن يكـن |
|
عليه لها دين قضاه على عـسـر |
كأنّهم لم يعرف الموت غـيرهـم |
|
فثكلٌ على ثكلً وقبرٌ على قـبـر |
وقد كنت حيّ الخوف قبل وفاتهـم |
|
فلما توفّوا مات خوفي من الدهر |
فللّه ما أعطى وللّـه مـا جـزى |
|
وليس لأيام الرّزيّة كالـصـبـر |
فحسبك منهم موحشاً فقد بـرّهـم |
|
وحسبك منهم مسلياً طلب الأجـر |
لشبيب بن شيبة يعزّي يهودياً عزّى شبيب بن
شيبة رجلاً من اليهود فقال: أعطاك اللّه على مصيبتك أفضل ما أعطى أحداً من أهل
ملّتك.
للعتبي وقال العتبي:
ما عالج الحزن والحرارة في ال |
|
أحشاء من لم يمـت لـه ولـد |
فجعت بأبنيّ ليس بـينـهـمـا |
|
إلا ليال لـيسـت لـهـا عـدد |
وكلّ حزنٍ يبلى علـى قـدم ال |
|
دّهر وحـزنـي يجـدّه الأبـد |
وقال أيضاً:
ألا يزجر الدهر عنا المنونـا |
|
يبقّي البنات ويفني البنـينـا |
وأنحى علـيّ بـلا رحـمةٍ |
|
فلم يبق لي في جفوني جفونا |
وكنت أبا سبعةٍ كـالـبـدور |
|
أفقّي بهم أعين الحاسـدينـا |
فمرّوا على حادثات الزمـان |
|
كمرّ الدراهم بالنـاقـدينـا |
فأفنـتـهـم واحـداً واحـداً |
|
إلى أن أبادتهم أجمـعـينـا |
وألقـين ذاك إلـى ضـارحٍ |
|
وألقين هـذا إلـى دافـينـا |
وما زال ذلك دأب الـزمـا |
|
ن يفني الأوائل فالأوّلـينـا |
وحتّى بكى لي حـسـادهـم |
|
فقد أقرحوا بالدموع الجفونا |
وحسبك من حادثٍ بامـرىء |
|
ترى حاسديه له راحمـينـا |
وكانوا على ظهرها أنجـمـاً |
|
فأضحوا إلى بطنها ينقلونـا |
فمن كان يسليه مرّ السـنـين |
|
فحزني يجدّده لي السنـونـا |
ومما يسكّن وجـدي بـهـم |
|
بأن المنون ستلقى المنـونـا |
تعزية لأبي بكر رضي اللّه عنه كان أبو بكر
رضي اللّه عنه إذا عزّى رجلاً قال: ليس مع العزاء مصيبةٌ ولا مع الجزع فائدة؛
الموت أهون مما قبله وأشدّ مما بعده؛ اذكروا فقد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم
تصغر مصيبتكم؛ وعظّم اللّه أجركم.
تعزية لعليّ رضي اللّه عنه وكان عليّ رضي اللّه عنه إذا عزّى رجلاً يقول: إن تجزع
فأهل ذلك الرّحم، وإن تصبر ففي اللّه عوضٌ من كل فائتٍ؛ وصلى اللّه على محمد،
وعظّم اللّه أجركم.
شعر لأعرابي ولغيره وقال أعرابيّ:
أيغسا رأسي أو تطيب مشاربي |
|
ووجهك معفورٌ وأنت سلـيب |
نسيبك من أمسى يناجيك طرفه |
|
وليس لمن وارى التراب نسيب |
وإني لأستحي أخي وهو مـيتٌ |
|
كما كنت أستحييه وهو قريبٌ |
وقال أعرابيّ:
وما نحن ألا مثلهم غير أننا |
|
أقمنا قليلاً بعدهم وتقدّموا |
وقال آخر:
وقد كنت أستعفي الإله إذا اشتكـى |
|
من الأجر لي فيه وإن سرّني الأجر |
وأجـزع أن ينـأى بـه بـين لـيلةٍ |
|
فكيف ببين صار ميعاده الحـشـر |
وقال آخر:
وإنّا وإخواناً لنا قد تتابعـوا |
|
لكالمغتدي والرائح المتهجّر |
لسليمان الأعجمي وقال سليمان الأعجميّ:
ربّ مغروسٍ يعاش به |
|
عدمته كفّ مغترسه |
|
||
وكذاك الدهر مـأتـمـه |
|
أقرب الأشياء من عرسه |
|||
شعر تمثّل به معاوية بن أبي سفيان وتمثّل معاوية بن أبي سفيان يوماً فقال:
إذا سار من خلف امرىٍ وأمامه |
|
وأوحش من جيرانه فهو سائر |
وقال آخر:
وإذا قيل مات يوماً فـلانٌ |
|
راعنا ذاك ساعةً ما نحير |
نذكر الموت عند ذاك وننسا |
|
ه إذا غيّبته عنا القـبـور |
وقال آخر:
نراع من الجنائز قابلتنـا |
|
ونلهو حين تخفي ذاهبات |
كروعة ثلّةٍ لمغار سبـع |
|
فلما غاب ظلّت راتعات |
وقال أبو نواس:
سبقونا إلى الرّحي |
|
ل وإنا لبـالأثـر |
تعزية رجل إلى بعض الأمراء وكتب رجل ألى
بعض الأمراء في تعزية: الأمير أذكر اللّه من أن يذكّر به، وأعلم بما قضاه على خلقه
من أن يدلّ عليه، وأسلك لسبيل الراشدين في التسليم لأمره والصبر على قدره والتنجّز
لوعده، من أن ينبّه من ذلك على حظّه، أو أن يحتاج معزّيه عند حادث المصيبة إلى
أكثر من الدعاء في قضاء حقّه. فزاده اللّه توفيقاً إلى توفيقه، وأحضره رشده، وسدّد
للصواب غرضه، وتولاّه بالحسنى في جميع أموره، إنه سميع قريب. وقد كان من حادث قضاء
اللّه في المتوفّى ما أنقض وأرمض، وفجع وأوجع، علماً بما دخل على الأمير من النقص،
وعلى سروره من اللوعة، وعلى أنسه من الوحشة، إلى ما خصّني منه بماسّ الرّحم وأوشج
القرابة. فأعظم اللّه للأمير الأجر، وأجزل له الذّخر، وعصمه باليقين، وأنجز له ما
وعد الصابرين؛ ورحم المتوفّى ولقّاه الأمن والرّوح، وفسح له في المضجع، وجمعه
وإيّاه بعد العمر الطويل في الدار التي لا خوف عليهم فيها ولا هم يحزنون.
تعزية إلى أمير وفي كتاب: نحن نحمد اللّه أيّها الأمير إذ أخذ على ما أبقى منك،
وإذ سلب على ما وهب بك؛ فأنت العوض من كل فائت، والجابر لكلّ مصيبة، والمؤنس من
وحشة كلّ فقد؛ وحقّ لمن كنت له وليّاً وعضداً أن يشغله حمد اللّه على النعمة بك عن
الجزع على غيرك.
كتاب من سعيد بن حميد لمحمد بن عبد اللّه يعزيه عن أمه وكتب سعيد بن حميد ألى محمد
بن عبد اللّه: ليس المعزّي على سلوك السبيل التي سلكها الناس قبله والمضيّ على
السنّة التي سّنها صالحو السلف له؛ وقد بلغني ما حدث من قضاء اللّه في أم الأمير،
فنالني من ألم الرّزية وفاجع المصيبة ما ينال خدمة الذين يخصهم ما خصّه من النعم،
ويتصرفون معه فيما تناوله اللّه به من المحن. فأعظم اللّه للأمير الأجر، وأجزل له
المثوبة والذخر، ولا أراه في نعمةٍ عنده نقصاً، ووفّقه عند النعم للشكر الموجب
للمزيد، وعند المحن للصبر المحرز للثواب، إنه هو الكريم الوّهاب. ورحم اللّه
الماضية رحمة من رضي سعيه وجازاه بأحسن عمله. ولو كانت السبيل إلى الشخوص إلى باب
الأمير سهلة، لكان اللّه قد أجلّ الأمير عن أن يعزّيه مثلي بالرسول دون اللقاء،
وبالكتاب دون الشّفاه، ولكن الكتاب لقاء من لا سبيل له إلى الحركة، وقبول العذر
عمنّ حيل بينه وبين الواجب.
مثله لابن مكرم ولابن مكرم: وممّا حرّكني للكتاب تعزيتك بمن لا ترميك الأيام بمثل
الحادث فيه، ولا تعتاض مما كان اللّه جمعه لك عنده من الميل إليك والصبر على مكروه
جفائك، مع ما كان اللّه أعاره من قوّة العقل وأصالة الرأي، ومدّ له من عنانه إلى
قصوى الغايات، فإنا للّه وإنا إليه راجعون على ما أفاتتنا الأيام منه حين تمّ
واستوى، وغالى في المروءة وتناهى، وعند اللّه يحتسب المصاب به؛ وعظّم اللّه لك فيه
الأجر، ومهّل لك في العمر، وأجزل لك العوض والذّخر. فكلّ ماضٍ من أهلك فأنت سداد
ملته وجابر رزيّته. وقد خلف من أنت أحقّ الناس به من عجوزٍ وليت تربيتك وحياطتك في
طبقات سنّك، وولدٍ ربوا في حجرك ونبتوا بين يديك، ليس لهم بعد اللّه مرجع سواك،
ولا مقيل إلا في ذراك؛ فأنشدك اللّه فيهم فإنه أخرب أحوالهم بعمارة مروءته، وقطعهم
بصلة فضله، واللّه يجزيه بجميل أثره ويخلفه فيهم بما هو أهله.
تعزية من كتاب وفي فصل من كتاب: وقد جرى قضاء اللّه في هذه النازلة ما نطق عما
نالك وأبقىعندك، وهو حقّ مثلها وقدر ملمّها.
وفي فصل آخر: لو كان ما يمسّك من أذى يشتري أو يفتدي، رجوت أن أكون غير باخلٍ بما
تضنّ به النفوس، وأن أكون ستراً بينك وبين كل ملمٍّ ومحذورٍ. فأعظم اللّه أجرك، وأجزل
ذخرك، ولا خذل صبرك ولا فتنك؛ ولا جعل للشيطان حظاً فيك ولا سبيلاً عليك.
بين الوليد وعبسيّ المدائني قال: قدم رجل من عبسٍ، ضريرٌ محطوم الوجه، على الوليد؛
فسأله عن سبب ضرّه، فقال: بتّ ليلةً في بطن وادٍ ولا أعلم على الأرض عبسيّاً يزيد
ماله على مالي، فطرقنا سيلٌ فأذهب ما كان لي من أهلٍ ومالٍ وولد إلا صبيّاً رضيعاً
وبعيراً صعباً، فندّ البعير والصبيّ معي فوضعته واتّبعت البعير لأحبسه، فما جاوزت
إلا ورأس الذئب في بطنه قد أكله، فتركته وأتبعت البعير، فرمحني رمحةً حطم بها وجهي
وأذهب عيني، فأصبحت لا ذا مالٍ ولا ذا ولد. فقال الوليد: اذهبوا به إلى عروة ليعلم
أن في الناس من هو أعظم بلاءً منه. وكان عروة بن الزّبير أصيب بابنٍ له وأصابه
الداء الخبيث في إحدى رجليه فقطعها، فكان يقول: كانوا أربعة - يعني بنيه - فأبقيت
ثلاثة وأخذت واحداً، وكنّ أربعاً - يعني يديه ورجليه - فأخذت واحدة وأبقيت ثلاثاً.
أحمدك، لئن كنت أخذت لقد أبقيت، ولئن كنت أبقيت لقد عافيت. وشخص إلى إلى المدينة
فأتاه الناس يبكون ويتوجّعون؛ فقال: إن كنتم تعدّونني للسّباق والصّراع فقد أودى،
وإن كنتم تعدّونني للّسان والجاه فقد أبقى اللّه خيراً كثيراً.
شعر لعلي بن الجهم وقال عليّ بن الجهم:
من سبق السّلوة بالصبـر |
|
فاز بفضل الحمد والأجر |
يا عجباً من هلعٍ جـازعٍ |
|
يصبح بين الذّم والـوزر |
مصيبة الإنسان في دينـه |
|
أعظم من جائحة الدهر |
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
ليت شعري ضلةً |
|
أيُّ شيءٍ فتلـك |
والمنـايا رصـدٌ |
|
للفتى حيث سلك |
كلّ شيء قاتـل |
|
حين تلقى أجلك |
ليت نفسي قدّمت |
|
للمنايا بـدلـك |
أيُّ شيءٍ حسـنٍ |
|
للفتى لم يك لك |
وقال آخر:
غرّ امرؤ منتـه نـف |
|
سٌ أن تدوم له السلامة |
هيهات! أعـيا الأولـي |
|
ن دواء دائك يا دعامه |
شعر لصفة الباهلية ترثي أختها وقالت صفيّة الباهليّة في أختها:
كنا كغصنين في جرثومةٍ سـمـوا |
|
حيناً بأحسن ما تسموا له الشجـر |
حتى إذا قيل قد طالت فروعهمـا |
|
وطاب قنواهما واستنظر الثـمـر |
أخنى على واحدي ريب الزمان ولا |
|
يبقي الزمان على شـيءٍ ولا يذر |
كنّا كأنجم ليلٍ وسـطـنـا قـمـرٌ |
|
يجلو الدّجى فهوى من بيننا القمر |
للطائي وغيره ومن هذا أخذ الطائي قوله:
كأنّ بني تبهـان يوم وفـاتـه |
|
نجوم سماءٍ خرّ من بينها البدر |
وقال آخر:
لكلّ أناسٍ مقبـرٌ بـفـنـائهـم |
|
فهم ينقصون والقبـور تـزيد |
وما إن يزال رسم دارٍ قد اخلقت |
|
وبيتٌ لميتٍ بالـفـنـاء جـديد |
هم جيرة الأحياء أمّا جوارهـم |
|
فدانٍ وأمّا الملتقـى فـبـعـيد |
وقال آخر:
لا يبعد اللّه أقواماً لنا ذهبوا |
|
أفناهم حدثان الدهر والأبد |
نمدّهم كلّ يومٍ من بيّتـنـا |
|
ولا يؤوب إلينا منهم أحـد |
وقال النابغة:
حسب الخليلين أنّ الأرض بينهما |
|
هذا عليها وهذا تحتها بـالـي |
وقال آخر:
وقد كنت أرجو أن أملاّك حقبةً |
|
فحال قضاء اللّه دون رجـائيا |
ألا ليمت من شاء بعدك إنمـا |
|
عليك من الأقدار كان حذاريا |
وقال آخر:
لعمرك ما وارى التراب فعاله |
|
ولكنه وارى ثياباً وأعظـمـا |
لفضالة بن شريك فضالة بن شريك:
رمى الحدثان نسوة آل حربٍ |
|
بفادحةٍ سمدن لها سـمـودا |
فردّ شعورهنّ السود بيضـاً |
|
وردّ وجوههن البيض سودا |
وقال آخر:
أمّا القبور فإنّهنّ أوانـسٌ |
|
بجوار قبرك والديار قبور |
عمّت مصيبته فعمّ هلاكه |
|
فالناس فيه كلّهم مأجـور |
ردّت صنائعه عليه حياتـه |
|
فكأنه من نشرها منشور |
لمنصور النّمري منصور النّمريّ:
فإن يك أفنته الليالي فأوشكت |
|
فإنّ له ذكراً سيفني الليالـيا |
شعر لطفيل يذكر الموت وقال طفيلٌ يذكر الموت:
مضوا سلفاً قصد السبيل عليهم |
|
وصرف المنايا بالرجال تقلّب |
وقال هشام أخو ذي الرّمّة:
تعزّيت عن أوفى بغيلان بعـده |
|
عزاءً وجفن العين ملآن مترع |
ولم تنسني أوفى المصيبات بعده |
|
ولكنّ نكء القرح بالقرح أوجع |
لبعض الكتّاب وفي فصل من كتاب لبعض الكتّاب: لست أحتاج مع علمك بما في الصبر عند نازل المصيبة من الفضيلة، وما في الشكر عن حادث النعمة من الحظ، إلى أكثر من الدعاء في قضاء الحقّين. ولا إلى إخبارك عمّا أنا عليه من الارتماض لضرّائك والجذل بسرائك، لمعرفتك بشركتي لك واتصال حالك بي في الأمرين.
التهاني
بين
الحسن ورجل يهنّئه حدّثني زيد بن أخزم قال: حدّثنا أبو قتيبة قال: حدّثنا ميمون
"قال" حدّثنا أبو عبد اللّه النّاجي قال: كنت عند الحسن، فقال رجل:
ليهنئك الفارس. فقال: لعله يكون بغّالا، ولكن قل: شكرت الواهب، وبورك لك في
الموهوب، وبلغ أشدّه، ورزقت برّه.
للنبي صلى اللّه عليه وسلم قال مجاهد: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا دعا
لمتزوّج قال: "على اليمن والسعادة والطير الصالح والرزق الواسع والمودّة عند
الرحمن" أبو الأسود يهنىء رجلاً تزوّج قال أبو الأسود لرجل يهنّئه بتزويج:
باليمن والبركة، وشدّة الحركة، والظفر في المعركة.
نهى النبي صلى اللّه عليه وسلم عن قول: بالرفاء والبنين وكان رسول اللّه صلى اللّه
عليه وسلم ينهى أن يقال: "بالرّفاء والبنين" لعطاء بن أبي صيفي الثقفي
يعزّي يزيد بن معاوية ويهنئه في مقام واحد وكان يقال: إن أوّل من هنّأ وعزّى في
مقام واحد عطاء بن أبي صيفيّ الثّقفيّ. عزّى يزيد بن معاوية بأبيه وهنّأه
بالخلافة، ففتح للناس باب الكلام، فقال: أصبحت رزئت خليفةً وأعطيت خلافة اللّه.
قضى معاوية نحبه، فغفر اللّه ذنبه؛ ووليت الرياسة، وكنت أحقّ بالسياسة؛ فاحتسب عند
اللّه أعظم الرزّية واشكر اللّه على أعظم العطّية. وعظّم اللّه في أمير المؤمنين
أجرك،وأحسن على الخلافة عونك.
مثله لأعرابية والمنصور العباسي وقلت أعرابيّة للمنصور في طريق مكة بعد وفاة أبي
العبّاس: أعظم اللّه أجرك في أخيك؛ لامصيبة على الأمة أعظم من مصيبتك، ولا عوض لها
أعظم خلافتك.
بين الحجاج وأيوب بن القرّيّة قال الحجّاج لأيوب بن القرّيّة: اخطب عليّ هند بنت
أسماء، ولا تزد على ثلاث كلمات. فأتاهم فقال: أتيتكم من عند من تعلمون، والأمير
معطيكم ما تسألون أفتنكحون أم تردّون? قالوا: بل أنكحنا وأنعمنا. فرجع ابن القرّية
إلى الحجّاج فقال: أقرّ اللّه عينك، وجمعٍ شملك، وأنبت ريعك؛ على الثبات والنبات،
والغنى حتى الممات؛ جعلها اللّه ودوداً ولوداً، وجمع بينكما على البركة والخير.
لبعض الكتّاب يهنّىء رجلاً بدار انتقل إليها كتب بعض الكتّاب إلى رجل يهنئه بدار
انتقل إليها: بخير منتقلٍ، وعلى أيمن طائر، ولأحسن إبّان، أنزلك اللّه عاجلاً
وآجلاً خير منازل المفلحين.
تهنئة ابن الرقاع لمتزوّج وقال ابن لمتزوّج:
قمر السماء وشمسها اجتمعا |
|
بالسّعد ما غابا وما طلعـا |
ما وارت الأستار مثلهمـا |
|
فيمن رأيناه ومن سمـعـا |
دام السّرور له بها ولـهـا |
|
وتهنّأ طول الحياة مـعـاً |
تهنئة
رجل لصديق بالدخول على أهله وكتب رجل إلى صديق له يهنئه بالدخول على أهله: قد
بلغني ما هيّأ اللّه لك من اجتماع الشّمل، بضمّ الأهل؛ فشركتك في النعمة، وكنت
أسوتك في السرور، وشاهدتك بقلبي، ومثلت ما أنت فيه لعيني، فحللت بذلك محلّ المعاين
للحال وزينتها، فهنيئاً هنأك اللّه ما قسم لك، وبالرّفاء والبنين، وعلى طول
التعمير والسنين.
من بعض الكتّاب إلى عامل
وكتب آخر من الكتّاب إلى عامل: نحن من السرور، بما قد استفاض من جميل أثرك فيماتلي
من أعمالك وخطمك وزمّك إيّاها بحزمك وعزمك، وانتياشك أهلها من جور من وليهم قبلك،
وسرورهم بتطاول أيّامك والكون في ظلّ جناحك، في غاية من تخّصه وتعمّه نعمك، وتجول
به الحال حيث جالت بك، فالحمد للّه الذي جعل العاقبة لك، ولم يردد علينا آمالنا
منكوسةً فيك، كما ردّها على غيرنا في غيرك وهنيئأ هنأك اللّه نعمه خاصّها وعامّها،
وأوزعك شكرها وأوجب لك بالشكر أحسن المزيدر فيها.
تهنئة كلتب لنصراني أسلم وكتب رجلٌ من الكتّاب إلى نصراني قد أسلم يهنئه: الحمد
للّه الذي أرشد أمرك، وخصّ بالتوفيق عزمك، وأوضح فضيلة عقلك ورجاحة رأيك؛ فما كانت
الآداب التي حويتها والمعرفة التي أويتها؛ لتدوم بك على غوايةٍ وديانةٍ شائنةٍ لا
تليق بلبك ولا يبرح ذوو الحجا من موجبي حقّك ينكرون إبطاءك وتركك البدار إلى
الدّين القيّم الذي لا يقبل اللّه غيره ولا يثيب إلا به، فقال:"ومن يبتغ غير
الإسلام ديناً فلن يقبل منه"، وقال:"إنّ الدّين عند اللّه
الإسلام". والحمد للّه الذي جعلك في سابق علمه ممن هداه لدينه، وجعله من أهل
ولايته، وشرّفه بولاء خليفته. وهنأك اللّه نعمته، وأعانك على شكره؛ فقد أصبحت لنا
أخاً ندين بمودّته وموالاتهبعد التأثّم من خلطتك ومخالفة الحقّ بمشايعتك؛ فإنّ
اللّه عزّ وجلّ يقول:"لا تجد قوماً يؤمنون باللّه واليوم الآخر يوادّون من
حادّ اللّه ورسوله ولو كانواآباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم".
تهنئة بحجّ وكتب رجلٌ من الكتّاب تهنئةً بحجٍّ: الحمد للّه على تمام مهاجرك،
وسلامة بدأتك ورجعتك، وإعظامه المنّة بأوبتك؛ وشكر اللّه سعيك، وبرّ حجّك، وتقبّل نسكك؛
وجعلك ممنٍ قلبه مفلحاً منجحاً، قد ربحت صفقته، ولم تبر تجارته، ولا أعدمك نيّةً
تفضل عملك، وتوفيقاً يحوط دينك، وشكراً يرتبط نعمتك؛ فهنأكم اللّه النعمة، وجمعكم
في دار الخلافة، وجعلكم ساسة الأمّة والمتقدّمين عند الإمام - أيّده اللّه بالطاعة
والنصيحة - فإنّكم زين السلطان، وعمدة الإخوان، وأضداد أكثر أهل الزمان.
تهنئة بفطام مولود وكتب إلى رجل عن صديق له يهنّئه بفطام مولود: أنا - أعزّك اللّه
- لما حمّلني اللّه من أياديك، وأودعني من إحسانك، وألزمني من شكرك، آخذ نفسي
بمراعاة أمورك، وتفقّد أحوالك، وتعرّف كلّ ما يحدثه اللّه عندك، لأقابله بما
يلزمني، وأقضي الحقّ فيه عنّي بميلغ الوسع ومقدار الطاقة، وإن كانا لا يبلغان
واجبك، ولا يستقلاّن بثقل عارفتك. وكلّ ما نقّل اللّه الفتى"و" بلّغه من
أحوال البلوغ ورقّاه فيه من درجات النموّ، فنعمةٌ من اللّه حادثةٌ تلزم الشكر،
وحقّ يجب قضاؤه بالتهنئة. وكتب أليّ وكيلي المقيم ببابك يذكر ما وهبه اللّه من
سلامته عند الفطام، وصلاح جسمه عند الطعام، وسلوته عن أوّل الغذاء، وسرورك ومن
يليك بما وهب اللّه في هذه الحال من عافيته وحسن المدافعة عنه؛ فأكثرت للّه الحمد،
وأسهبت في الدعاء والرغبة، وتصدّقت عنه بما أرجو أن يتقبّله؛ وكتبت مهنئاً بتجدّد
النعمة عندكم فيه. فالحمد للّه المتطوّل علينا قبله بما هو أهله، والمجري لنا فيما
يوليك على حسن عادته. وهنأك اللّه النعم، وصانها عندك من الغير، وحرسها بالشكر،
وبلغ بالفتى أقصى مبالغ الشرف، وجعلك من الأمل فيه والرجاء له على العيان واليقين،
بمنّه فضله.
تهنئة بحجّ إلى صاحبه: الحقّ للسادة عندما يجدّده اللّه لهم من نعمه في الدعاء من
جلائل حقوقهم على أوليائهم. وقد خصّ اللّه حقّك بما لا يسعني معه ادّخارٍ مجهودٍ
في تعظيمه وشكره. ولولا أنّ الطاعة من حدوده، لم أنتظر إذنك لي في تلقّيك راجلاً
بالأوبة، إذ كان الكتاب بها دون السّعي بأبلغ نصيبٍ من التقصير. وأنا أسأل اللّه
الذي أوفدك إلى بيته الحرام، وعمر بك مشاهدة العظام؛ وأوردك حرمه سالماً، وأصدرك
عنه غانماً؛ ومنّ بك على أوليائك وخدمك، أن يهنئك بما أنعم به عليك في بدأتك ورجعتك؛
بتقّبل السّعي ونجح الطّلبة وتعريف الإجابة.
تهنئة بولاية
وكتب بعض الكتّاب تهنئةً بولاية: فإنه ليس من نعمةٍ يجدّدها اللّه عندك، والصنع
الجميل تحدثه لك الأيّام، إلا كان ارتياحي له واستبشاري به واعتدادي بما يهب اللّه
لك من ذلك، حسب حقّك الذي توجبه، وبرّك الذي أشكره، وإخائك الذي يعزّ ويحلّ عندي
موقعه؛ فجعل اللّه ذلك فيه وله، ووصله بتقواه وطاعته. وبلغني خبر الولاية التي
وليتها، فكنت شريكك في السرور وعديلك في الإرتياح، فسألت اللّه أن يعرّفك يمنها
وبركتها، ويرزقك خيرها وعادتها، ويحسن معونتك على صالح نيّتك في الإحسان إلى أهل
عملك والتألف لهم، واستعمال العدل فيهم ويرزقك محبتهم وطاعتهم، ويجعلهم خير رعيّة.
كتاب إلى معزول وكتب رجلٌ إلى معزول: فإن أكثر الخير فيما يقع بكره العباد، لقول
اللّه عزّ وجلّ. "وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبّوا شيئاً وه
شرٌ لكم" وقال أيضاً: "فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل اللّه فيه خيراً
كثيراً" وعندك بحمد اللّه من المعرفة بتصاريف الأمور، والإستدلال بما كان
منها على ما يكون، مغنىً عن الإكثار في القول. وقد بلغني انصرافك عن العمل على
الحال التي انصرفت عليها من رضا رعيّتك ومحبّتهم وحسن ثنائهم وقولهم، لما بقيّت من
الأثر الجميل عند صغيرهم وكبيرهم، وخلّفت من عدلك وحسن سيرتك في الداني منهم
والقاصي من بلدهم؛ فكانت نعمة اللّه عليك في ذلك وعلينا، نعمةً جلّ قدرها ووجب
شكرها. فالحمد للّه على ما أعطاك، ومنح فيك أولياءك وأرغم به أعداك، ومكّن لك من
الحال عند من ولاّك؛ فقد أصبحنا نعتدّ صرفك عن عملك منحاً مجدّداً، يجب به تهنئتك،
كما يجب التوجّع لغيرك.
أيضاً تهنئة بحج وكتب رجلٌ من الكتّاب في تهنئة بحجّ: لولا أنّ عوائق أشغالٍ يوجب
العذر بها تفضّلك ويبسطه احتمالك، لكنت مكان كتابي هذا مهنّئاً لك بالأوبة، ومجدّداً
بك عهداً، ومحيياً نفسي بالنظر إلك. وانا أسأل اللّه أن يشكر سعيك، ويتقبّل حجّك،
ويثبت في علّييّن أثرك، ولا يجعله من الوفادة إليه آخر عهدك.
تهنئة لبعض الكتاب وكتب بعض الكتّاب: لا مهنّئ أولى ما يكون مهنئاً، تعظيماً لنعمه
فيما جدّد اللّه لك يا مولاي بالولاية، منّي؛ إذ كنت أرجو بها انضمام نشري، وتلافي
اللّه بعنايتك المتشتّت من أمري. فهنأك اللّه تجدّد النعم، وبارك لك في الولاية،
وافتتحها لك بالصّنع الجميل، وختمها لك بالسلامة، إنه سميع قريب.
باب شرار الإخوان لشيب بن شيبة في خالد بن صفوان
ذكر
خالد بن صفوان شبيب بن شيبة فقال: ذاك رجلٌ ليس له صديقٌ في السرّ ولا عدوٌّ في
العلانية.
لبعض الشعراء وقال الشاعر:
وإنّ من الخلاّن من تشحط النّوى |
|
به وهو داعٍ للـوصـال أمـين |
ومنهم صديق العين أمّا لـقـاؤه |
|
فحلوّ وأمّا غيبـه فـظـنـون |
لعيينة بن حصن قبل إسلامه أقبل عيينة بن
حصن إلى المدينة قبل إسلامه، فلقيه ركبٌ خارجون منها؛ فقال: أخبروني عن هذا الرجل
"يعني النبيّ صلى اللّه عليه وسلم"، فقالوا: الناس فيه ثلاثة رجال: رجل
أسلم فهو معه يقاتل قريشاً وأفناء العرب، ورجل لم يسلم فهو يقاتله، ورجل يظهر
الإسلام إذا لقى أصحابه ويظهر لقريش أنه معهم إذا لقيهم؛ فقال: ما يسمّى هؤلاء?
قالوا: المنافقون. قال: فأشهدوا أنّي منهم، فما فيمن وصفتم أحزم من هؤلاء.
دعاء لرجل وكان يدعو فيقول: اللّهم اكفني بوائق الثّقات، واحفظني من الصّديق. وكتب
رجلٌ على باب داره: جزى اللّه من لا يعرفنا ولا نعرفه خيراً، فأمّا أصدقاؤنا فلا
جزوا ذلك، فأنّا لم نؤت قطّ إلا منهم.
شعر إبراهيم بن العباس إلى محمد بن عبد الملك الزيات وكتب إبراهيم بن العبّاس إلى
محمد بن عبد الملك الزيّات:
وكنت أخي بإخاء الزمـان |
|
فلما نبا صرت حرباً عوانا |
وقد كنت أشكو إليك الزمان |
|
فأصبحت فيك أذمّ الزمانا |
وكنت أعدّك للـنـائبـات |
|
فهأنا أطلب منك الأمانـا |
شعر لمحمد بن مهدي وقال محمد بن مهديّ:
كان صديقي وكان خالصتـي |
|
أيّام نجري مجاري السّـلـق |
|
||
حتى إذا راح والملوك مـعـاً |
|
عدّ اطّراحي من صالح الخلق |
|
||
خلّيت ثوب الفـراق فـي يده |
|
وقلت هذا الوداع فانطـلـق |
|
||
لبسته لبسة الجديد على ال |
|
قرّ وفارقت فرقة الخلق |
|||
وقال آخر:
ذا رأيت أمراً في حال عسرته |
|
مواصلاً لك ما في ودّه خلل |
فلا تمنّ له أن يستفيد غـنـىً |
|
فإنه بانتقال الحال ينـتـقـل |
كتاب رجل لصديق له أعرض عنه وكتب رجلٌ إلى صديق أعرض عنه: لولا أنّي أشفقت من أشتات ظني "في" إجابتك إلى ما يعلم اللّه براءتي منه فيك ولك لمعجبك ولكفيتك مؤونتي، ثقةً بأنّ ازديادك من معرفة الناس ستردّك إلّي؛ فإن رجعت قبلت وتمسّكت واغتبطت وإن أصررت لم أتبع مولّيا، ولم آس على مدبر ولم أسامح نفسي على تعلّقها بك، ولم أساعدها على نزاعها إليك. فكم من زمان تركتك فيه وسومك ثم أبى قلبي ذلك، فكررت وعطفت أسىً على أيّامي معك وما تؤكّد بيني وبينك. وما من كرةٍ لي إليك إلا وهي داعيةٍ إلى ما أكرهه من استخفافك ونفورك ولو فهمت ما استحققت به عليك ما أشكوه الخفّ محمل ما يكون منك عليّ ولا جست في عتباك ورضاك وفي جواب كتاب: وقد وزعني ما ضربته لي من الأمثال في كتابك عن استبطائك على أني لا أستزيد إلا من أحتاج إلى صلاحه وأرغب في يقيّته؛ وقد قيل:
يأبين إلا جـفـوةً وظـلـمـا |
|
من كثرة الوصل تجنّى الجرما |
وفي كل ما أجبتني ظلمت في معارضتي عن مسخي
جوابك بإيحاشي وفي اعتدادك عليّ بما أنت جانيه وعليك الحجة فيه، وما أنكر الخلاف
بين الأب وابنه والأخ وشقيقه إذا وقعت المعاملة، ولذلك سبب لا أعرفه بيني وبينك
قطّ، فإني لم أخالفك ولم أشاححك ولم أنازعك ولم أعارض نعمك بلا ولا أمرك بنهي.
شعر للحسن بن وهب وقال الحسن بن وهب:
سأكرم نفسي عنك حسب إهانتـي |
|
لها فيك إذ قرّت وكفّ نزاعـهـا |
هي النّفس ما كلفتها قـطّ خـطةً |
|
من الأمر إلا قلّ منه امتناعـهـا |
صدقت لعمري أنت أكبر ههّمهـا |
|
فأجهدها إذ قلّ منك انتفـاعـهـا |
هب أنّي أعمى فاتت الشمس طرفه |
|
وغيّب عنه نورها وشعـاعـهـا |
ولعبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر وقال عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر:
رأيت فضيلاً كان شيئاً ملـفّـقـاً |
|
فكشّفه التحميص حتى بـدا لـيا |
فأنت أخي ما لم تكن لي حـاجة |
|
فإن عرضت أيقنت أن لا أخاً ليا |
فلا زاد ما بيني وبينك بـعـدمـا |
|
بلوتك في الحاجات إلا تـمـاديا |
فلست براءٍ عيب ذي الودّ كـلـهّ |
|
ولا بعض ما فيه إذا كنت راضيا |
فعين الرضا عن كلِّ عيب كلـيلةٌ |
|
ولكنّ عين السّخط تبدي المساويا |
كلانا غنيٌّ عـن أخـيه حـياتـه |
|
ونحن إذا متنا أشـدّ تـغـانـيا |
أيضاً من عبد اللّه بن معاوية إلى بعض
إخوانه وكتب ايضاً إلى بعض إخوانه: أما بعد، فقد عاقني الشكّ فيك عن عزيمة الرأي
في أمرك؛ ابتدأني بلطف عن غيره خبرة، ثم أعقبتني جفاءً من غير ذنب؛ فأطعمني أوّلك
في إخائك، وآيسني آخرك من وفائك؛ فلا أنا في غير الرجاء مجمعٌ لك اطّراحاً، ولا
أنا في غدٍ وانتظاره منك على ثقة؛ فسبحان من لو شاء كشف بإيضاح الرأي في أمرك عن
عزيمة الرأي فيك، فأقمنا على ائتلاف، أو افترقنا على اختلاف.
كتاب رجل إلى صديق له وكتب رجلٌ إلى صديق له: نحن نستكثرك باعتزالك، ونستديم صلتك
بجفائك، ونرى الزيادة في الغمّ أدوم لجميل رأيك.
شعر لكثير، ولغيره ومثله قول كثير:
وإن شحطت يوماً بكيت وإن دنت |
|
تدلّلت واستكثرتها باعتزالـهـا |
ونحوه قول الكميت:
وقـد يخـذل الـمـولـى دعــائي ويجـــتـــدي |
|
أذاتـي وإن يعـدل بـه الـضــيم أغـــضـــب |
فأونس من بعض الصديق ملالة الدّنوّ فأستبقيهم بالتجنّب |
|
|
وقال آخر:
إنك ما أعلـم ذو مـلةٍ |
|
يذهلك الأدنى عن الأقدم |
وقال عبد الحمن بن حسان:
لا خير في الودّ ممن لا تزال له |
|
مستشعراً أبداً من خيفةٍ وجـلا |
إذا تغيّب لم تبرح تسـيء بـه |
|
ظناً وتسأل عمّا قال أو فعـلا |
ولمرّة بن محكان وقال مرّة بن محكان:
ترى بيننا خلقـاً ظـاهـراً |
|
وصدراً عدواً ووجهاً طليقا |
ونحوه قول المرّار:
كذبٌ تخرّصه عليّ لقومـه |
|
سلم اللسان محارب الإسرار |
نصيحة أعرابية لابنها وحدثني أبو حمزة
الأنصاريّ قال: حدثنا العتّبي قال: قالت أعرابية لابنها: يا بنيّ، إياك وصحبة من
مودّته بشره فإنه بمنزلة الريح.
أصناف الإخوان وكان يقال: الإخوان ثلاثة: أخٌ يخلص لك ودّه، ويبلغ في محبتك جهده.
وأخٌ ذو نيّة يقتصر بك على حسن نيّته، دون رفده ومعونته. وأخٌ يلهوق لك لسانه،
ويتشاغل عنك بشانه، ويوسعك من كذبه وأيمانه.
شعر للمثقّب العبدي، ولأوس بن حجر وقال المثقب العبدي:
فإما أن تكون أخي بصـدقٍ |
|
فأعرف منك غثّي من ثميني |
وإلا فاجتنبني واتـخـذنـي |
|
عدوّاً أتقيك وتـتّـقـينـي |
وقال أوس بن حجر:
وليس أخوك الدائم العهد بـالـذي |
|
يسوءك إن ولّى ويرضيك مقبـلاً |
ولكن أخوك النائي ما دمت آمنـاً |
|
وصاحبك الأدنى إذا الأمر أعضلا |
وقال آخر:
لعمرك ما ودّ اللسـان بـنـافـعٍ |
|
إذا لم يكن أصل المودّة في القلب |
لأبي حارثة المدني وقال أبو حارثة
المدنيّ: ليس لمملولٍ صديقٌ، ولا لحسودٍ غنىً، والنظر في العواقب تلقيح العقول.
شعر للعباس بن الأحنف، ولآخرين قال العباس بن الأحنف:
أشكو الذين أذاقونـي مـودّتـهـم |
|
حتى إذا أيقظوني في الهوى رقدوا |
واستنهضوني فلمّا قمت منتهـضـاً |
|
بثقل ما حمّلوني في الهوى قعدوا |
ونحوه قول المجنون:
وأدنيتني حتى إذا ما سبيتـنـي |
|
بقولٍ يحلّ العصم سهل الأباطح |
تجافيت عنّي حين لا لي حـيلةً |
|
وخلّفت ما خلّفت بين الجوانـح |
وقال آخر:
ولا خير في ودّ إذا لم يكن له |
|
على طول مرّ الحادثات بقاء |
وأنشد ابن الأعرابي:
لحا اللّه من لا ينفع الودّ عـنـده |
|
ومن حبله إن مدّ غـير مـتـين |
ومن هو إن يحدث له الغير نظرةً |
|
يقطع بها أسبـاب كـلّ قـرين |
ويقال: صاحب السوء جذوةٌ من النار.
لعلي بن أبي طالب عليه السلام وقال عليّ عليه السلام: "لا تؤاخ الفاجر فإنه
يزيّن لك فعله ويحبّ لو أنك مثله ويزيّن لك أسوأ خصاله، ومدخله عليك ومخرجه من
عندك شين وعار. ولا الأحمق فإنه يجتهد بنفسه لك ولا ينفعك وربما أراد أن ينفعك
فيضّرك، فسكوته خيرٌ من نطقه، وبعده خير من قربه، وموته خير من حياته. ولا الكذّاب
فإنه لا ينفعك معه عيش، ينقل حديثك وينقل الحديث إليك حتى إنه ليحدّث بالصدق فما
يصدّق" شعر رآه أبو قبيل في بلاد الروم قال أبو قبيل: أسرت ببلاد الروم فأصبت
على ركن من أركانها:
ولا تصحب أخا الجهل |
|
وإيّاك وإيّاه |
فكم من جاهـل أردى |
|
حليمـاً حـين آخـاه |
يقاس المرء بالمـرء |
|
إذا ما هو مـاشـاه |
وللشيء على الشـيء |
|
مقـاييس وأشـبـاه |
وللقلب على القـلـب |
|
دليلٌ حـين يلـقـاه |
شعر لعدي بن يزيد وقال عديّ بن يزيد:
عن المرء لا تسأل وأبصر قرينه |
|
فإنّ القرين بالمقارن نقـتـدي |
وللرياشي وأنشد الرياشي:
إن كنت لا تصحب إلا فتـىً |
|
مثلك لم تؤت بأمـثـالـكـا |
إنّ لك الفضل على صحبتـي |
|
والمسك قد يستصحب الرّامكا |
هبني أمراً جئت أريد الهـدى |
|
فجد على ضعفي بإسلامكـا |
ليحيى بن خالد وكتب يحيى بن خالد: أحبّ أن
تكون على يقين أنّي بك ضنين، أريدك ما أردتني، وأريدك أن تنوب عنّي ما كان ذلك بي
وبك جميلاً يحسن عند إخواننا، وإن وقعت القادير بخلاف ذلك لم أعد ما يجب. والذي
هاجني على الكتاب أنّ أبا نوح معروف بن راشد سألني أن أبوح له بما عندي، واللّه
يعلم أنّي ما تبدلت وما حلت عن عهد، فجمعنا اللّه وإياك على طاعته ومحبّة خليفته.
من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند: ثق بذي العقل والكرم واطمئن إليه؛ وواصل
العاقل ؤغير ذي الكرم، واحترس من سيّء أخلاقه وانتفع بعقله؛ وواصل الكريم غير ذي
العقل وانتفع بكرمه وانفعه بعقلك؛ وأهرب من الئيم الأحمق.
شعر لحماد عجرد وقال حمّاد عجرد:
كم من أخٍ لست تنـكـره |
|
ما دمت من دنياك في يسر |
|
||
متصنّع لك فـي مـودّتـه |
|
يلقاك بالتّرحيب والبـشـر |
|||
يطري الوفاء وذا الوفاء ويل |
|
حي الغدر مجتهداً وذا الغدر |
|||
فإذا عدا، والدهر ذو غـير، |
|
دهرٌ عليك عدا مع الدهـر |
|||
فارفض بإجمالٍ أخوة مـن |
|
يقلي المقلّ ويعشق المثري |
|||
وعليك مـن حـالاه واحـدةٌ |
|
في العسر إمّا كنت واليسر |
|||
لا تخلطنّـهـم بـغـيرهـم |
|
من يخلط العقيان بالصّفـر! |
|||
لسويد بن الصامت وقال سويد بن الصامت:
ألا ربّ من تدعو صديقاً ولو تـرى |
|
مقالته بالغيب سـاءك مـا يفـري |
مقالته كالشّحم مـا كـان شـاهـداً |
|
وبالغيب مأثورٌ على ثغرة النّحـر |
تبين لك العينـان مـا هـو كـاتـمٌ |
|
من الضّغن والشّحناء بالنّظر الشّزر |
فرشني بخيرٍ طالما قد بـريتـنـي |
|
وخير الموالي من يرش ولا يبري |
وقال آخر:
وصاحبٍ كان لي وكنـت لـه |
|
أشفق من والدٍ عـلـى ولـد |
كنّا كساقٍ تسعـى بـهـا قـدمٌ |
|
أو كذراعٍ نيطت إلى عـضـد |
حتى إذا دانت الحـوادث مـن |
|
خطوي وحلّ الزمان من عقدي |
احولّ عنّي وكان ينظـر مـن |
|
عيني ويرمي بساعـدي ويدي |
وكان لي مؤنساً وكـنـت لـه |
|
ليست بنا وحـشة إلـى أحـد |
حتى إذا اسـتـرفـدت يدي يده |
|
كنت كمسـتـرفـدٍ يد الأسـد |
لبعض الأعراب وقال بعض الأعراب:
إخوان هذا الزمان كلّـهـم |
|
إخوان غدرٍ عليه قد جبلوا |
طووا ثياب الوفاء بينـهـم |
|
وصارثوب الرّياء يبتـذل |
أخوهم المستحقّ وصلهـم |
|
من شربوا عنده ومن أكلوا |
وليس فيما علمت بينـهـم |
|
وبين من كان معدماً عمل |
بين رجل وصاحبه وقال دعبل:
أبا مسلم كنّا حـلـيفـي مـودّة |
|
هوانا وقلبانا جميعاً معاً مـعـا |
أحوطك بالودّ الذي لا تحوطنـي |
|
وأرأب منك الشّعب أن يتصدّعا |
فلا تلحينّي لم أجد فـيك حـيلةً |
|
تخرّقت حتى لم أجد فيك مرقعا |
فهبك يميني استأكلت فاحتسبتهـا |
|
وجشّمت قلبي قطعها فتخشّعـا |
وقال يزيد بن الحكم الثّقفي:
تكاشرني كرهاً كـأنـك نـاصـحٌ |
|
وعينك تبدي أنّ قلبـك لـي دوي |
لسانك ماذيّ وقلـبـك عـلـقـمٌ |
|
وشرّك مبسوطٌ وخيرك منطـوي |
عدوّك يخشي صولتي إن لقـيتـه |
|
وأنت عدوّي ليس ذاك بمسـتـوي |
أراك إذا لم أهوا لأمـراً هـويتـه |
|
ولست لما أهوى من الأمر بالهوي |
أراك اجتويت الخير منّي وأجتـوي |
|
أذاك فكل يجتوي قرب مجتـوي |
وكم موطنٍ لولاي طحت كما هوى |
|
بأجرامه من قلّة النّيق منـهـوي |
ويقال: إيّاك ومن مودّته على قدر حاجته
فعند ذهاب الحاجة ذهاب المودّة لأحد الحكماء في ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة
مواطن وقال الحكيم: ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة مواطن: لا يعرف الحليم إلا عند
الغضب، ولا الشجاع إلا في الحرب، ولا الأخ إلا عند الحاجة إليه.
شعر لجرير قال جرير:
فأنت أخي ما لم تكـن لـي حـاجةٌ |
|
فإن عرضت أيقنت أن لا أخـا لـيا |
تعرّضت فاستمررت من دون حاجتي |
|
فحالك إني مسـتـمـرٌ لـحـالـيا |
وإنّي لمغرورٌ أعلّـل بـالـمـنـى |
|
ليالي أرجـو أنّ مـالـك مـالـيا |
بأيّ نجادٍ تحمل السـيف بـعـدمـا |
|
نزعت سناناً بعد قناتـك مـاضـيّا |
ألا لا تخافا نبـوتـي فـي مـلـمّةٍ |
|
وخافا المنايا أن تفـوتـكـمـا بـيا |
لأبي العتاهية وقال أبو العتاهية:
أنت ما استغنيت عن صا |
|
حبك الـدّهـر أخـوه |
فإذا احـتـجـت إلـيه |
|
ساعةً مـجّـك فـوه |
وقال آخر:
موالينا إذا افتقروا إلـينـا |
|
وإن أثروا فليس لنا موالي |
والعرب تقول فيمن شركك في النّعمة وخذلك
عند الئبة: يربض لاحجرة ويرتع وسطاً.
للحجاج يتمثل بشعر قعنب ابن أم صاحب
قال المدائنيّ: لحن الحجاج يوماً، فقال الناس: لحن الأمير. فأخبره بعض من حضر،
فتمثّل بشعر قعنب بن أمّ صاحب:
صمّ إذا سمعوا خيراً ذكرت بـه |
|
وإن ذكرت بسوءٍ عندهم أذنـوا |
فطانةٌ فطنوعها لو تكون لـهـم |
|
مروءة أو تقىً للّه ما فطـنـوا |
إن يسمعوا سيّئاً طاروا به فرحاً |
|
منّي وما سمعوا من صالح دفنوا |
باب القرابات والواد
للنبي
صلى اللّه عليه وسلم في صلة الرحم حدّثني زيد بن أخزم قال:حدّثنا أبو داود قال:
حدّثنا إسحاق بن سعيد القرشي من ولد سعيد بن العاص قال: أخبرني أبي قال: كنت عند
ابن عبّاس، فأتاه رجل فمتّ إليه برحم بعيدةٍ، فلان له وقال: قال رسول اللّه صلى
اللّه عليه وسلم:"إعرفوا أنسابكم تصلوا أرحامكم فإنه لا قرب بالرّحم إذا قطعت
وإن كانت قريبةً ولا بعد بها إذا وصلت وإن كانت بعيدةً".
لعبد اللّه بن دينار في النعمة والأمانة والرحم حدّثني شبابة قال: حدّثني القاسم
بن الحكم عن إسماعيل بن عيّاش عن عبد اللّه بن دينار قال: إحذروا ثلاثاً، فإنهنّ
معلّقات بالعرش: النعمة تقول يا ربّ كفرت، والأمانة تقول يا ربّ أكلت، والرّحم
تقول يا ربّ قطعت.
لمحارب بن دثار في صلة الرحم حدّثني الزّياديّ قال: حدّثنا عيسى بن يونس قال: قال
محارب بن دثار: إنما سمّوا أبراراً لأنهم برّوا الآباء والأبناء، وكما أنّ لوالدك
عليك حقاً، فكذلك لولدك عليك حقّ.
للنبي صلى اللّه عليه وسلم حدّثني أبو سفيان الغنويّ عن عبد اللّه بن يزيد عن حيوة
بن شريح عن الوليد بن أبي الوليد عن عبد اللّه بن عمر أنّ رسول اللّه صلى اللّه
عليه وسلم قال:"أبرّ البرّ أن يصل الرجل أهل ودّ أبيه".حدّثني القومسيّ
قال: حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: حدّثنا كثير بن زيد عن أبيه عن جدّه عن النبيّ
صلى اللّه عليه وسلم قال:"ابن أخت القوم من أنفسهم ومولى القوم من أنفسهم
وحليف القوم من انفسهم". وحدّثني أيضاً عن خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال عن
عبد اللّه بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال أبو القاسم صلى اللّه عليه
وسلم:"الرّحم شجنةٌ من الرحمن قال لها من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته".
لعثمان رضي اللّه عنه حدّثني الزّياديّ قال: حدّثنا حمّاد بن زيد عن حبيب عن ابن
سيرين قال: قال عثمان: كان عمر يمنع أقرباءه ابتغاء وجه اللّه، وأنا أعطي قرابتي
لوجه اللّه، ولن يرى مثل عمر.
للنبي صلى اللّه عليه وسلم حدّثني أحمد بن الخليل قال: حدّثنا إبراهيم بن موسى
قال: حدّثنا محمد بن ثور عن معمر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن عليّ عليه
السلام عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال:"من سرّه أن يمدّ له في عمره
ويوسّع له في رزقه فليصل رحمه".
حدّثني أحمد بن الخليل قال: حدّثنا أبو نعيم قال: حدّثنا سفيان عن عبد اللّه بن
عيسى عن عبيد بن أبي الجعد قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "لا
يزيد في العمر إلا البرّ ولا يردّ القدر إلاّ الدعاء وإنّ الرجل ليحرم الرزق
بالذّنب يصيبه".
حدّثني محمد بن يحيى القطعيّ قال: حدّثنا عبد الأعلى قال: حدّثنا سعيدٌ عن مطر عن
الحكم بن عتيبة عن النّخعيّ عن ابن عمر قال: أتى رجا النبيّ صلى اللّه عليه وسلم
فقال: إنّ والدي يأخذ مني مالي وأنا كاره. فقال: "أو ما علمت أنك ومالك
لأبيك".
في العقوق حدّثن عبد الرحمن بن عبد اللّه عن الأصمعيّ قال: أخبرني بعض العرب: أن
رجلاً كان في زمن عبد الملك بن مروان، وكان له أب كبير، وكان الشابّ عاقّاً بأبيه،
وكان يقال للشابّ "منازل" فقال الشيخ:
جزت رحمٍ بيني وبـين مـنـازلٍ |
|
جزاءً كما يستنجز الدّين طالـبـه |
تربّت حتى صار جعداً شـمـردلاً |
|
إذا قام ساوى غارب الفحل غاربه |
تظلّمني مالـي كـذا ولـوى يدي |
|
لوى يده اللّه الذي لا يغـالـبـه |
وإنّي لداعٍ دعوةً لـو دعـوتـهـا |
|
على جبل الرّيّان لانقضّ جانبـه |
فبلغ ذلك أميراً كان عليهم، فأرسل إلى الفتى ليأخذه، فقال له الشيخ: أخرج من خلف البيت. فسبق رسل الأمير، ثم ابتلي الفتى بابن عقّه في آخر عمره فقال:
تظلّمني مالي خليجٌ وعـقّـنـي |
|
على حين كانت كالحنيّ عظامي |
|
||
تخيّرته وازددتـه لـيزيدنـي |
|
وما بعض ما يزداد غير عرام |
|||
شعر يحيى بن سعيد لابنه وقال يحيى بن سعيد مولى تيم كوفيّ لابنه:
غذوتك مولوداً وعلتك يافـعـاً |
|
تعلّ بما أجني عليك وتنـهـل |
إذا ليلةٌ نالتك بالشكو لـم أبـت |
|
لشكواك ألاّ ساهراً أتملـمـل |
كأنّي أنا المطروق دونك بالذي |
|
طرقت به دوني وعيني تهمل |
فلمّا بلغت الوقت في العدّة التي |
|
إليها جرى ما أبتغتـه وآمـل |
جعلت جزائي منك جبهاً وغلظةً |
|
كأنك أنت المنعم المتفـضّـل |
فليتك إذ لم ترع حقّ أبـوّتـي |
|
كما يفعل الجار المجاور تفعل |
للقاسم بن محمد قال القاسم بن محمد: قد
جعل اللّه في الصديق البارّ عوضاً من الرّحم المدبرة.
لعمر بن الخطاب إلى أبي موسى: مر ذوي القرابات أنّ يتزاوروا ولا يتجاوروا.
مثله لأكثم بن صيفي وقال أكثم بن صيفيّ: تباعدوا في الدّيار تقاربوا في المودّة.
لأعرابي في ابن عمه قيل لأعرابيّ: ما تقول في ابن عمك? قال: عدوّك وعدوّ عدوّك.
شعر لقيس بن زهير وقال قيس بن زهير:
شفيت النفس من حمل بن بدرٍ |
|
وسيفي من حذيفة قد شفاني |
قتلت بإخوتي سادات قومـي |
|
وقد كانوا لنا حلي الزمـان |
فإن أك قد بردت بهم غليلـي |
|
فلم أقطع بهم إلاّ بـنـانـي |
لعلي بن أبي طالب عند قتلى معركة الجمل قال عليّ بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه، حين تصفّح القتلى يوم الجمل: شفيت نفسي وجدعت أنفي. وفي مثل قول القائل:
قومي هم قتلوا أمـيم أخـي |
|
فإذا رميت يصيبني سهمـي |
ولئن عفوت لأعفون جلـلاً |
|
ولئن قرعت لأوهنن عظمي |
بين رجل من العرب قتل ابن أخيه، ووالد القتيل قتل رجلٌ من العرب ابن أخيه فدفع إلى أخيه ليقيده، فلمّا أهوى بالسيف أرعدت يداه فألقى السيف من يده وعفا عنه وقال:
أقول للنفس تأسـاءً وتـعـزيةً |
|
إحدى يديّ أصابتني ولم تـرد |
كلاهما خلفٌ من فقد صاحبـه |
|
هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي |
لبعض الشعراء وقال بعضهم:
بكره سراتنا يا آل عمرو |
|
نفاديكم بمرهفة النّضال |
فنبكي حين نذكركم عليكم |
|
ونقتلكم كأنّا لا نبـالـي |
وقال عديّ بن زيد:
وظلم ذوي القربى أشدّ مضـاضةً |
|
على المرء من وقع الحسام المهنّد |
وقال غيره:
سآخذ منكم آل حـزنٍ لـحـوشـبٍ |
|
وإن كان مولاي وكنتم بنـي أبـي |
إذا كنت لا أرمي وترمي عشيرتـي |
|
تصب جائحات النّبل كشحي ومنكبي |
للنبي صلى اللّه عليه وسلم قال: حدّثنا
أبو الخطاب قال: حدّثنا الوليد بن سلم عن محمد بن السائب البكريّ عن سعيد بن عمرو
بن سعيد بن العاص قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:"حقٌّ كبير الإخوة
على صغيرهم كحقّ الوالد على ولده".
للعرب في العطف مع القرابة والعرب تقول في العطف على القرابة وإن لم يكن
وادّاً:"أنفك منك وإن ذنّ". ومثله:"عيصك منك وإن كان أشباً".
شعر للنمر بن تولب وقال النّمر بن تولب:
إذا كنت من سعدٍ وأمّك فـيهـم |
|
غريباً فلا يغررك خالك من سعد |
فإن ابن أخت القوم مصغىً إناؤه |
|
إذا لم يزاحم خاله بـأبٍ جـلـد |
شعر أمية بن أبي عائذ لإياس بن سهم وقال أميّة بن أبي عائذ لإياس بن سهم:
أبلغ إياساً أنّ عرض ابن أخـتـكـم |
|
رداؤك فاصطن حسنـه أو تـبـذّل |
فإن تك ذا طولٍ فإنّي ابن أخـتـكـم |
|
وكلّ ابن أخت من مدى الخال معتلي |
فكن أسداً أو ثعلـبـاً أو شـبـيهـه |
|
فمهما تكن أنسب إلـيك وأشـكـل |
وما ثعلبٌ إلا ابن أخـت ثـعـالـبٍ |
|
وإن ابن أخت اللّيث رئبال أشـبـل |
شعر بشر بن المغيرة بن أبي صفرة إلى عمله وكتب بشر بن المغيرة بن أبي صفرة إلى عمّه بهذه الأبيات:
جفاني الأمير والمغيرة قد جفـا |
|
وأمسى يزيد لي قد ازورّ جانبه |
|
||
وكلّهم قد نال شبعاً لـبـطـنـه |
|
وشبع الفتى لؤمٌ إذا جاع صاحبه |
|
||
فيا عمّ مهلاً واتّخذني لنـوبةٍ |
|
تنوب، فإن الدّهر جمّ عجائبه |
|||
أنا السيف إلا أن للسيف نبوةً |
|
ومثلي لا تنبو عليك مضاربه |
|||
لرجل من الأشراف يعيب أخاه عند بعض الملوك
دخل رجل من أشراف العرب على بعض الملوك، فسأله عن أخيه، فأوقع به يعيبه ويشتمه،
وفي المجلس رجل يشنؤه فشرع معه في القول؛ فقال له: مهلاً! إنّي لآكل لحمي ولا أدعه
لآكل.
ويقال: القرابة محتاجة إلى المودّة، والمودّة أقرب الأنساب. والبيت المشهور في
هذا:
فإذا القرابة لا تقرّب قاطعاً |
|
وإذا المودّة أقرب الأنساب |
لبزر جمهر في الأخ الصديق وقيل لبزر جمهر:
أخك أحبّ إليك أم صديقك? فقال: إنما أحبّ أخي إذا كان صديقاً.
شعر لخداش بن زهير، ولآخرين وقال خداش بن زهير:
رأيت ابن عمي بادياً لي ضغنـه |
|
وواغره في الصدر ليس بذاهب |
وأنشدنا الرّياشي:
حياة أبي السّيار خيرٌ لـقـومـه |
|
لمن كان قد ساس الأمور وجرّبا |
ونعتب أحياناً عليه ولو مـضـى |
|
لكنا على الباقي من الناس أعتبا |
وقال الشاعر:
ولم أر عزّاً لامرىءٍ كـعـشـيره |
|
ولم أر ذلاًّ مثل نأي عـن الأهـل |
ولم أر مثل لفقر أوضع للـفـتـى |
|
ولم أر مثل المال أرفـع لـلـرّذل |
ولم أر من عدمٍ أضرّ على الفـتـى |
|
إذا عاش وسط الناس من عدم العقل |
للمهلهل وقد زوّج ابنته في اليمن كان مهلهلٌ صار إلى القبيلة من اليمن يقال لهم جنبٌ، فخطبوا إليه فزوّجهم وهو كارهٌ لاغترابه عن قومه، ومهروا ابنته أدماً؛ فقال:
أنكحها فقدها الأراقم في |
|
جنبٍ وكان الحباء من أدم |
لو بأبانين جاء يخطبـهـا |
|
رمّل ما أنف خاطبٍ بدم |
شعر للأعشى وقال الأعشى:
ومن يغترب عن قومه لا يزال يرى |
|
مصارع مظلومٍ مجرّاً ومسحـبـا |
وتدفن منه الصالحات وإن يسـيء |
|
يكن ما أساء النار في رأس كبكـا |
وربّ بقيع لو هـتـفـت بـجـوّه |
|
أتاني كريمٌ ينغض الرأس مغضبـا |
لرجل من غطفان وقال رجل من غطفان:
إذا أنت لم تستبق ودّ صـحـابةٍ |
|
على دخنٍ أكثرت بثّ المعاتب |
وإنّي لأستبقي أمرأ السّوء عدّةً |
|
لعدوة عرّيضٍ من الناس عائب |
أخاف كلاب الأبعدين ونبحهـا |
|
إذا لم تجاوبها كلاب الأقـارب |
بين عبيد اللّه بن أبي بكرة ورجل قال رجل
لعبيد اللّه بن أبي بكرة: ما تقول في موت الوالد? قال: ملك حادث. قال: فموت زوج?
قال: عرس جديد. قال: فموت الأخ? قال: قصّ الجناح. قال: فموت الولد? قال: صدعٌ في
الفؤاد لا يجبر.
وكان يقال: العقوق ثكل من لم يثكل.
لعثمان يشكو علياً إلى العباس رضي اللّه عنهم شكا عثمان عليّاً إلى العباس رضي
اللّه عنهم؛ فقال: أنا منه كأبي العاقّ، إن عاش عقّه وإن مات فجعه.
بين رجل وأبيه وقال رجل لأبيه: يا أبت، إن عظيم حقّك عليّ لا يذهب صغير حقّي عليك،
والذي تمتّ به إليّ أمتّ بمثله إليك، ولست أزعم أنّا على سواء.
بين زيد علي بن لحسين وابنه يحيى وقال زيد بن علي بن الحسين لابنه يحيى: إن اللّه
لم يضرك لي فأوصاك بي، ورضيني لك فلم يوصني بك.
بين لأحنف ومعاوية لما غضب على ابنه يزيد غضب معاوية على يزيد ابنه فهجره؛ فقال له
الأحنف: يا أمير المؤمنين، أولادنا ثمار قلوبنا وعماد ظهورنا، ونحن لهم سماء
ظليلة، وأرض ذليلة، فإن غضبوا فأرضهم، وإن سألوا فأعطهم، ولا تكن عليهم قفلاً
فيملّوا حياتك ويتمنّوا موتك.
لأعرابي عقّه ابنه قيل لأعرابيّ: كيف ابنك?- وكان عاقّاً- فقال: عذابّ رعف به الدهر،
فليتني قد أودعته القبر، فإنه بلاء لا يقاومه الصبر، وفائدةٌ لا يجب فيها الشكر.
لبعضهم في أحب أولاده إليه قيل لبعضهم: أيّ ولدك أحبّ إليك? قال: صغيرهم حتى يكبر،
ومريضهم حتى يبرأ، وغائبهم حتى يقدم.
بين عمر بن الخطاب ورجل ناول عمر بن الخطاب رجلاً شيئاً؛ فقال له: خدمك بنوك. فقال
عمر: بل أغنانا اللّه عنهم.
للحسن وقد ولد له غلام
وولد للحسن غلام، فقال له بعض جلسائه: بارك اللّه لك في هبته، وزادك من أحسن
نعمته. فقال الحسن: الحمد للّه على كلّ حسنة، ونسأل اللّه الزيادة في كل نعمة، ولا
مرحباً بمن إن كنت عائلاً أنصبي، وإن كنت غنياً أذهلني، لا أرضى بسعيي له سعياً،
ولا بكدّي له في الحياة كدّاً، حتى أشفق له من الفاقة بعد وفاتي، وأنا في حالٍ لا
يصل إليّ من غمّه حزن ولا من فرحة سرور.
شعر لابن الأعرابي عاتبه أبوه على شرب النبيذ قال الأصمعي: عاتب أعرابي ابنه في
شرب النبيذ، فلم يعتب وقال:
أمن شربةٍ من ماء كرم شربـتـهـا |
|
غضبت عليّ! الآن طاب لي الخمر |
سأشرب فاغضب لا رضيت، كلاهما |
|
إليّ لذيذٌ: أن أعقـك والـسـكـر |
شعر الطرماح لابنه صمصامة وقال الطرماح لابنه صمصامة:
أصمصام إن تشفع لأمك تلقـهـا |
|
لها شافع في الصدر لم يتبـرح |
هل الحبّ إلاّ أنّها لو تعـرضـت |
|
لذبحك يا صمصام قلت لها أذبحي |
أحاذر يا صمصام إن متّ أن يلي |
|
تراثي وإيّاك امرؤ غير مصلـح |
إذا صكّ وسط القوم رأسك صكّةً |
|
يقول له الناهي ملكت فاسـجـح |
لابن الأعرابي، وغيره وأنشد ابن الأعرابي:
أحبّ بنـيتـي ووددت أنـي |
|
دفنت بنيتي في قعر لـحـد |
وما بي أن تهون عليّ لكـن |
|
مخافة أن تذوق البؤس بعدي |
ونحوه قول آخر:
لولا أميمة لم أجزع من الـعـدم |
|
ولم أجب في الليالي حندس الظّلم |
وزادني رغبةً في العيش معرفتي |
|
ذلّ اليتيمة يجفوها ذوو الرّحـم |
أحاذر الفقر يوماً أن يلـمّ بـهـا |
|
فيهتك السّتر من لحمٍ على وضم |
تهوى حياتي وأهوى موتها شفقـاً |
|
والموت أكرم نزّالٍ على الحرم |
وقال أعرابيّ في ابنته:
يا شقّة النفس إن النفس والـهةٌ |
|
حرّى عليك ودمع العين منسجم |
قد كنت أخشى عليها أن تقدّمني |
|
إلى الحمام فيبدي وجهها العدم |
فالآن نمت فلا همّ يؤرقـنـي |
|
تهدا العيون إذا ما أودت الحرم |
وقال أعشى سليم:
نفـســي فـــداؤك مـــن وافـــدٍ |
|
إذا مـا الـبـيوت لـبـسـن الـجـلـيدا |
كفـيت الـذي كـنـت أرجــى لـــه |
|
فصـرت أبـاً لـي وصـرت الـولــيدا |
لأعشى همدان في خالد بن عتاب بن ورقاء |
|
|
وقال أعشى همدان في خالد "بن عتّاب" بن ورقاء:
فإن يك عتابٌ مضى لسبـيلـه |
|
فما مات من يبقى له مثل خالد |
في الأثر وفي الحديث المرفوع: "ريح
الولد من ريح الجنة".
وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأحد ابني بنته: إنّكم لتجبّنون وإنكم لمن
ريحان اللّه".
لأعرابية وقالت أعرابية:
يا حبّذا ريح الولـد |
|
ريح الخزامى بالبلد |
حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: هذا
يدلّك على تفضيلهم الخزامى.
وكان يقال: إبنك ريحانك سبعاً، وخادمك سبعاً، ثم عدوٌّ أو صديق.
بين أعرابي يبحث عن ابنه وقوم مرّ أعرابيٌّ ينشد ابناً له بقوم، فقالوا: صفه.
فقال: دنينيرٌ. قالوا: لم نره. فلم يلبث القوم أن جاء على عنقه بجعلٍ؛ فقالوا: ما
وجدت ابنك يا أعرابيّ? قال: نعم هو هذا. قالوا: لو سألت عن هذا لأخبرناك، ما زال
منذ اليوم بين أيدينا.
لشاعر في امرأة قال الشاعر في امرأة:
نعم ضجيج الفتى إذا برد ال |
|
ليل سحيراً وقرقف الصّرد |
زيّنها اللّه في العيون كمـا |
|
زيّن في عين والـدً ولـد |
في الأثر وفي الحديث: "من كان له صبيٌّ فليستصب له" للزبير يرقّص وقال الزبير وهو يرقّص ابناً له:
أبيض من آل أبي عتيق |
|
مباركٌ من ولد الصّديق |
ألذّه كما ألذّ ريقي لأعرابي يذكر أولاده وقال أعرابيّ:
لولا بنيّاتٌ كـزغـب الـقـطـا |
|
حططن من بعضٍ إلى بـعـض |
|
||
لكان لـي مـضـطـربٌ واسـعٌ |
|
في الأرض ذات الطّول والعرض |
|
||
وإنـمـا أولادنـا بـينــنـــا |
|
أكبادنا تمـشـي عـلـى الأرض |
|
||
لو هبّت الريح على بـعـضـهـم |
|
لامتنعت عيني من الـغـمـض |
|
||
أنزلني الدهر عـلـى حـكـمـه |
|
من مرقبٍ عالٍ إلـى خـفـض |
|
||
وابتزّني الدهر ثياب الغنـى |
|
فليس لي مالٌ سوى عرضي |
|||
لبعض النسّابة في سعد العشيرة قال بعض
النّسّابين: إنما قيل: سعد العشيرة، لأنه كان يركب في عشرة من ولده، فكأنهم عشيرة.
لضرار بن عمرو الضبي وقال ضرار بن عمرو الضّبيّ، وقد رئي له ثلاثة عشر ذكراً قد
بلغوا: من سرّه بنوه ساءته نفسه.
شعر لبشر بن أبي خازم قال بشر بن أبي خازم:
إذا ما علوا قالوا أبونا وأمّـنـا |
|
وليس لهم عالـين أمّ ولا أب |
وقـــال آخــــــر: |
|
|
أنا ابن عمّك إن نابتك نائبةٌ |
|
وليس منك إذا ما كعبك اعتدلا |
للرياشي، وغيره وأنشدنا الرّياشي:
الرّحم بلّها بخـير الـبـلاّن |
|
فإنّ فيها للدّيار العـمـران |
وآمر المال وبنت الصّغـران |
|
وإنما اشتقّت من اسم الرحمن |
وقال المعلوط:
ومن يلق ما ألقى وإن كـان سـيّدا |
|
ويخش الذي أخشى يس سير هارب |
مخافة سلطـانٍ عـلـيّ أظـنّـه |
|
ورهطي، وما عاداك مثل الأقارب |
بين عثمان بن عفان وابنته اوزوجها دخل
عثمان بن عفّان على ابنته وهي عند عبد اللّه بن خالد بن أسيد، فقال: يا بنيّة: ما
لي أراك مهزولةً? لعلّ بعلك يغيرك? فقالت: لا، ما يغيرني. فقال لزوجها: لعلّك
تغيرها! قال: فأفعل، فلغلامٌ يزيد اللّه في بني أميّة أحبّ إليّ منها.
شعر للنعمان بن بشير في القريب قال النعمان بن بشير:
وإني لأعطي المال من ليس سائلاً |
|
وأدرك للمولى المعاند بالـظـلـم |
وإني متى ما يلقني صارمـاً لـه |
|
فما بيننا عند الشدائد مـن صـرم |
فلا تعدد المولى شريكك في الغنى |
|
ولكنما المولى شريكك في العـدم |
إذا متّ ذو القربى إليك برحـمـه |
|
وغشّك واستغنى فليس بذي رحـم |
ولكنّ ذا القربى الذي يستـخـفّـه |
|
أذاك ومن يرمي العدوّ الذي ترمي |
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
لقد زاد الحـياة إلـيّ حـبّـا |
|
بناتي أنّهن من الضّـعـاف |
مخافة أن يرين البؤس بعدي |
|
وأن يشربن رنقاً بعد صافي |
وأن يعرين إن كسي الجواري |
|
فتنبوا العين عن كرمٍ عجاف |
لعلي بن الحسين وقد سئل عن عدم مؤاكلته
أمّه قيل لعلّي بن الحسين: أنت من أبرّ الناس ولا نراك تؤاكل أمّك. قال: أخاف أن
تسير يدي إلى ما قد سبقت عينها إليه فأكون قد عققتها.
لعمر بن ذر في برّ ابنه به قيل لعمر ذرّ: كيف كان برّ ابنك بك? قال: ما مشيت
نهاراً قط إلا مشى خلفي، ولا ليلاً إلا مشى أمامي، ولا رقي سطحاً وأنا تحته.
بين عمر ورجل كبير يذكر ابنه حدّثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن زائدة عن
عطاء بن السائب عن عثمان بن أبي العاص قال: كنت عند عمر فأتاه رجل فأنشده:
تركت أباك مرعـشةً يداه |
|
وأمّك ما تسيغ لها شرابا |
إذا غنّت حمامة بطن وجٍّ |
|
على بيضاتها ذكرت كلابا |
فقال عمر: ممّ ذاك? قال: هاجر إلى الشأم
وترك أبوين له كبيرين. فبكى عمر وكتب إلى يزيد بن أبي سفيان في أن يرحّله، فقدم
عليه، فقال: برّ أبويك وكن معهما حتى يموتا. قال أبو اليقظان: مربّعة كلاب بالبصرة
إليه تنسب والعوامّ تقول مربّعة الكلاب.
شعر لأبي علي الضرير قال أبو علي الضرير:
أتيتك جذلان مـسـتـبـشـراً |
|
لبشراك لما أتانـي الـخـبـر |
أتاني البشير بأن قـد رزقـت |
|
غلاماً فأبهجـنـي مـا ذكـر |
وأنّك، والرشد فـيمـا فـعـل |
|
ت، أسميته باسم خير البـشـر |
وطهّـرتـه يوم أسـبـوعـه |
|
ومن قبل في الذّكر ما قد طهر |
فعمّرك الـلّـه حـتـى تـرا |
|
ه قد قارب الخطو منه الكبـر |
وحتى ترى حوله مـن بـنـيه |
|
وإخوتـه وبـنـيهـم زمـر |
وحتى يروم الأمور الجـسـام |
|
ويرجى لنفع ويخشى لـضـرّ |
وأوزعك اللّه شكر العـطـاء |
|
فإن المزيد لـعـبـدٍ شـكـر |
وصلّى على السّلف الصالحـي |
|
ن منكم وبارك فيمـن غـبـر |
وهذا قد وقع في باب التهانىء أيضاً.
للمأمون في برّ الفضل بن يحيى بأبيه
قال المأمون: لم أر أحداً أبرّ من الفضل بن يحيى بأبيه، بلغ من برّه به أن يحيى
كان لا يتؤضّأ إلا بماء مسخّن وهما في السجن، فمنعهما السجّان من إدخال الحطب في
ليلة باردة، فقام الفضل حين أخذ يحيى مضجعه إلى قمقم كان يسخّن فيه الماء، فملأه
ثم أدناه من نار المصباح، فلم يزل قائماً وهو في يده حتى أصبح.
لأعرابي يرّقص ابنه رقّص أعرابيٌّ ابنه وقال:
أحبّه حبّ الشّحيح مالـه |
|
قد كان ذاق الفقر ثم ناله |
إذا يريد بذله بدا له بين عمرو بن العاص ومعاوية في البنات دخل عمرو بن العاص على معاوية وعنده ابنته عائشة، فقال: من هذه يا أمير المؤمنين? فقال: هذه تفّاحة القلب. فقال: انبذها عنك. قال: ولم? قال: لأنهن يلدن الأعداء ويقرّبن البعداء، وورثن الضغائن. فقال: لا تقل ذاك يا عمرو، فو اللّه ما مرّض المرضى ولا ندب الموتى ولا أعان على الأحزان مثلهن، وإنك لواجدٌ خالاً قد نفعه بنو أخته فقال له عمرو: ما أعلمك إلا حّببتهنّ إليّ
الاعتذار
كان يقال: الأعتراف يهدم الأقتراف كتاب اعتذار لبعض الكتّاب كتب بعض الكتّاب إلى بعض العمال: لو قابلت حقّك عليّ بمتقدّم ومؤكّد الحرمة إلى ما جدّده اللّه لك بالسلطان والولاية، لم أرض في قضائه بالكتاب دون تجشّم الرّحلة ومعاناة السفر إليك، لا سيما مع قرب الدار منك؛ غير أن الشغل بما ألفيت عليه أموري من الأنتشار وعلائق الخراج وغير ذلك مما لا خيار معه؛ أحلّني في الظاهر محلّ المقصّرين؛ وإن وهب اللّه فرجةً من الشغل وسهّل سبيلاً إليك، لم أتخلّف عمّا لي فيه الحظّ من مجاورتك والتنسّم بريحك والتيمّن بالنظر إليك، غادياً ورائحاً عليك، إن شاء اللّه تعالى كتاب ابن الجهم وهو في الحبس إلى نجاح كتب ابن الهجم إلى نجاح من الحبس:
إن تعف عن عبدك المسىء ففي |
|
فضلك مأوىً للصّفح والمنـن |
أتيت ما استحـقّ مـن خـطـا |
|
فعدّ لما تستحق مـن حـسـن |
للحسن بن وهب يعتذر وكتب الحسن بن وهب:
ما أحسن العفو من القـادر |
|
لا سيّما عن غير ذي ناصر |
إن كان لي ذنبٌ ولا ذنب لي |
|
فما له غيرك من غـافـر |
أعوذ بالودّ الـذي بـينـنـا |
|
أن يفسـد الأول بـالآخـر |
اعتذار جعفر بن يحيى لرجل استبطأه العطاء كتب رجلٌ إلى جعفر بن يحيى يستبطئه، فوقّع في ظهر كتابه: أحتجّ عليك بغالب القضاء، وأعتذر إليك بصادق النيّة لبعض الشعراء قال بعض الشعراء:
وتعذر نفسك إمّـا أسـات |
|
وغيرك بالعذر لا تـعـذر |
وتبصر في العين منه القذى |
|
وفي عينك الجذع لا تبصر |
وقال بعض الشعراء:
ياذا المميّز لـلأخـاء ولـل |
|
إخوان في التفضيل والقدر |
لا يقبضنك عن معاشرتـي |
|
بالأنس أن قصّرت في برّي |
إني إذا ضاق امرؤ بـجـداً |
|
عنّي استعنت عليه بالعـذر |
في الأثر وفي الحديث المرفوع:"من لم
يقبل من معتذرٍ صادقاً كان أو كاذباً لم يرد عليّ الحوض" وفيه: "أقيلوا
ذوي الهنات عثراتهم" بين أبي عبيد اللّه الكاتب ورجل اعتذر إليه إعتذر رجل
إلى أبي عبيد اللّه الكاتب فقال: ما رأيت عذراً أشبه باستئناف ذنبٍ من عذرك.
ما قيل في أعجل الذنوب وكان يقال: أعجل الذنوب عقوبةً العذر، واليمين الفاجرة،
وردّ التائب وهو يسأل العفو خائباً.
وقال مطّرف: المعاذر مكاذب إبراهيم النخعي يرد على رجل اعتذر إليه اعتذر رجل إلى
إبراهيم فقال له: قد عذرتك غير معتذرٍ، إن المعاذير يشوبها الكذب.
ويقال. ما اعتذر مذنبٌ إلا ازداد ذنباً وقال الشاعر:
لا ترج رجعة مذنب |
|
خلط احتجاجاً باعتذار |
اعتذر رجل إلى سلم بن قتيبة، فقبل منه
وقال: لا يدعونّك أمر تخلصت منه إلى أمر لعلك لا تتخلص منه.
لبعض الشعراء وقال الشاعر:
فلا تعذراني في الإسـاءة إنـه |
|
شرار الرجال من يسيء فيعتذر |
وقال ابن الطّثريّة:
هبيني امرأً إما بريئاً ظلمته |
|
وإما مسيئاً تاب بعد وأعتبا |
وكنت كذي داءٍ تبغّي لدائه |
|
طبيباً فلما لم يجده تطبّبـا |
اعتذار لبعض الكتّاب
كتب بعض الكتّاب معتذراً: توهّمت، أعزك اللّه، نفرتك عند نظرتك إلى عنوان كتابي
هذا بإسمي، لما تضمنتّه من السّخيمة عليّ، فأخليته منه؛ وانتظرت باستعطافك من
طويّتك في عاقبة امتداد العهد، وأمنت اضطغانك لنفي الدّين الحقد، واختصرت من
الإحتجاج المنتسب إلى الإصرار، والإعتذار المتعاود بين النّظراء، والإقرار المثّبت
للأقدام، الإستسلام لك. على أنك إن حرمتني رضاك اتّسعت بعفوك، وإن أعدمنيهما توغّر
صدرك لم تضق من الرّقة عليّ من مصيبة الحرمان؛ وإن قسوت رجعت بك عواطف من أياديك
عندي نازعةٌ بك إلى استتمامها لديّ. ومن حدود فضائل الرؤساء مقابلة سوء من خوّلوا
بالإحسان. ولا نعمة على مجرم إليه أجزل من الظفر، ولا عقوبة لمجرم أبلغ من الندم؛
وقد ظفرت وندمت. كتبت وإنا على ما تحبّ بشراً إن تغمدت زّلتي، وكما تحب ضراً إن
تركت إقالتي، وبخيرٍ في كلتا الحالتين ما بقيت.
وكتبت في كتاب اعتذار واستعطاف: كم عسى أن يكون انتظاري لعطفك! وكم عسى أن يكون
تماديك في عتبك؛ لولا أني مضطرٌ إلى وصلك وأنت مطبوع على هجري. لقد استحييت
واستحييت من ذلّي وعزّك، وخفضي جناحي ونأيٍ بجانبك.
وفي كتاب آخر: قد أودعني اللّه من نعمك ما بسطني في القول مدلاًّ به عليك، ووكّد
من حرمتي بك ما شفع لي في الذنوب إليك، وأعلقني من أسبابك مالا أخاف معه نبوات
الزمان عليّ فيك، وأمّنتني بحلمك وأناتك بادرة غضبك؛ فأقدمت ثقةً بإقالتك إن عثرت،
وبتقويمك إن زغت، وبأخذك بالفضل إن زللت.
من كتاب اعتذار وفي كتاب اعتذار: أنا عليلٌ منذ فارقتك، فإن تجمع عليّ العلّة
وعتبك أفدح. على أن ألم الشوق قد بلغ بك في عقوبتي؛ وحضرني هذا البيت على ارتجالٍ
فوصلت به قولي:
لك الحق إن تعتب عليّ لأنني |
|
جفوت وإمّا تغتفر فلك الفضل |
أنهيت عذري لأنتهي إلى تفضّلك بقبوله وإن
أبلك يمح إفراطي في البرّ بك تفريطي فيه وإلى ذلك ما أسالك تعريفي خيرك لأراح
إليه، وأستزيد اللّه في أسره لك.
وفي فصل آخر: أنا المقرّ بقصوري عن حقكّ واستحقاقي جفاءك، وبفضلك من عذلك أعوذ، فو
اللّه لئن تأخرّ كتابي عنك، ما أستزيد نفسي في شكر مودّتك، ولطيف عنايتك.كيف يسلاك
أو ينساك أخٌ مغرمٌ بك يراك زينة مشهدة ومغيبة!
وكيف أنساك لا أيديك واحـدةٌ |
|
عندي ولا بالذي أوليت من نعم |
وفي آخر الكتاب:
إذا اعتذر الصديق إليك يوماً |
|
من التقصير عذر أخٍ مقرّ |
فصنه عن عتابك واعف عنه |
|
فإن الصفح شيمة كلّ حـرّ |
شعر للخليل بن أحمد في الإعتذار وقال الخليل بن أحمد:
لو كنت تعلم ما أقول عذرتني |
|
أو كنت أجهل ما تقول عذلتكا |
لكن جهلت مقالتي فعذلتـنـي |
|
وعلمت أنك جاهلٌ فعذرتكـا |
لبزر جمهر وقد سئل عن عدم معاتبة الجهلة
قيل لبزر جمهر: ما بالكم لا تعاتبون الجهلة? قال: لأنا لا نريد من العميان أن
يبصروا.
شعر لابن الدمينة وقال ابن الدّمينة:
بنفسي وأهلي من إذا عرضوا له |
|
ببعض الأذى لم يدر كيف يجيب |
ولم يعتذر عذر البريء ولم تزل |
|
به ضعفةٌ حتى يقـال مـريب |
لرجل يعتذر إلى صديقه وكتب رجل إلى صديق
له يعتذر: أنا من لا يحاجّك عن نفسه، ولا يغالطك عن جرمه، ولا يلتمس رضاك إلاّ من
جهته، ولا يستعطفك إلا بالإقرار بالذنب، ولا يستميلك إلاّ بالإعتراف بالزّلة.
وقرأت في كتاب: لست أدري بأيّ شيء استجزت تصديق ظنك حتى أنفذت عليّ به حكم قطيعتك،
فواللّه ما صدق عليّ ولا كاد، ولا استجزت ما توهّمته فيمن لا يلزمني حقّه.
وأعيذك باللّه من بدارٍ إلى حكم يوجب الإعتذار، فإن الأناة سبيل أهل التّقى
والنّهى؛ والظنّ والإسراع إلى ذوي الإخاء ينتجان الجفاء، ويميلان عن الوفاء إلى
اللّقاء.
لإسماعيل بن عبد اللّه يعتذر في آخر يوم من شعبان قال إسماعيل بن عبد اللّه وهو
يعتذر إلى رجل في آخر يوم من شعبان: واللّه فإني في غبّر يومٍ عظيم، وتلقاء ليلة
تفتّر عن أيامٍ عظامٍ، ما كان ما بلغك.
كتاب اعتذار
وقرأت في كتاب معتذرٍ: إنك تحسن مجاورتك للنعمة، واستدامتك لها، واجتلابك ما بعد منها
بشكر ما قرب، واستعمالك الصفح لما في عاقبته من جميل عادة اللّه عندك؛ ستقبل العذر
على معرفةٍ منك بشناعة الذنب، وتقيل العثرة وإن لم تكن على يقينٍ من صدق النيّة،
وتدفع السيئة بالتي هي أحسن.
بين جعفر البرمكي ورجل اعتذر إليه اعتذر رجلٌ إلى جعفر بن يحيى البرمكي، فقال له
جعفر: قد أغناك اللّه بالعذر منّا عن الإعتذار، وأعنانا بالمودّة لك عن سوء الظن
بك.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
إذا ما امرؤٌ من ذنبه جاء تائباً |
|
إليك فلم تغفر له فلك الذنب |
بين الحسن وورد بن عاصم المبرسم وقد هجاه ثم اعتذر له كان الحسن بن زيد بن الحسن والياً للمنصور على المدينة، فهجاه ورد بن عاصم المبرسم فقال:
له حقٌّ وليس علـيه حـقٌّ |
|
ومهما قال فالحسن الجميل |
وقدكان الرسول يرى حقوقاً |
|
عليه لأهلها وهو الرسول |
فطلبه الحسن فهرب منه، ثم لم يشعر إلا وهو ماثلٌ بين يديه يقول:
سيأتي عذري الحسن بن زيدٍ |
|
وتشهد لي بصفّين القبـور |
قبورٌ لو بأحمد أو عـلـيًّ |
|
يلوذ مجيرها حفظ المجير |
هما أبواك من وضعا تضعه |
|
وأنت برفع ما رفعا جدير |
فاستخف الحسن كرمه، فقام إليه فبسط له
رداءه وأجلسه عليه.
في كتاب لمعتذر وفي كتاب لمعتذرٍ: علوّ الرّتبة واتّساع القدرة وانبساط اليد بالسّطوة،
ربما أنست ذا الحنق المحفظ من الأحرار فضيلة العفو وعائدة الصّفح وما في إقالة
المذنب واستبقائه من حسن السماع وجميل الأحدوثة، فبعثته على شفاء غيظه، وحرّكته
على تبريد غلّته، وأسرعت به إلى مجانبة طباعه وركوب ما ليس من عادته. وهمّتك تجلّ
عن دناءة الحقد، وترتفع عن لؤم الظّفر. فصل في الإعتذار وفي فصل: نبت بي عنك غرّة
الحداثة فردّتني إليك الحنكة، وباعدتني عنك الثقة بالأيام فأدنتني إليك الضرورة،
ثقةً بإسراعك إليّ وإن كنت أبطأت منك، وقبولك العذر وإن كنت ذنوبي قد سدت عليك
مسالك الصّفح؛ فأيّ موقفٍ هو أدنى من هذا الموقف لولا أن المخاطبة فيه لك! وأيّ
خطّةٍ هي أودى بصاحبها من خطّةٍ أنا راكبها لولا أنها في رضاك!.
بين الحجاج وعمرو بن عتبة أوقع الحجاج يوماً بخالد بن يزيد يعيبه وينتقصه وعنده
عمرو بن عتبة: فقال عمرو: إن خالداً أدرك من قبله وأتعب من بعده بقديمٍ غلب عليه
وحديث لم يسبق إليه. فقال الحجّاج معتذراً: يا بن عتبة، إنا لنسترضيكم بأن نغضب
عليكم، ونستعطفكم بأن ننال منكم، وقد غلبتم على الحلم، فوثقنا لكم به، وعلمنا أنكم
تحبون أن تحلموا، فتعرّضنا للذي تحبون.
بين أبي مسلم وقائدٍ له تطاول عليه وقع بين أبي مسلم وبين قائد له كلام، فأربى
عليه القائد إلى أن قال له: يا لقيط! فأطرق أبو مسلم، فلما سكتت عنه فورة الغضب
ندم وعلم أنه قد أخطأ واعتذر وقال: أيها الأمير، واللّه ما انبسطت حتى بسطتني ولا
نطقت حتى أنطقتني فاغفر لي. قال: قد فعلت. فقال: إني أحبّ أن أستوثق لنفسي. فال
أبو مسلم: سبحان اللّه! كنت تسيء وأحسن، فلما أحسنت أسيء!.
شعر للطائي:
وكم ناكثٍ للعهد قد نكثت بـه |
|
أمانيه واستخذي بحقّك باطله |
فحاط له الإقرار بالذنب روحه |
|
وجثمانه إذ لم تحطه قبـائلـه |
وقال آخر:
حتى متى لا تزال معتذراً |
|
من زلّة منك ما تجانبها |
لا تتّقي عيبها علـيك ولا |
|
ينهاك عن مثلها عواقبها |
لتركك الذنب لا تقارفـه |
|
أيسر من توبةٍ تقاربهـا |
أعرابي يخاطب ابن عم له قال أعرابيّ لابن عمٍّ له: سأتخطّى ذنبك إلى عذرك، وإن كنت من أحدهما على يقينٍ ومن الآخر على شكّ؛ ليتمّ المعروف منّي إليك، ولتقوم الحجّة مني عليك.
عتب الإخوان والتباغض والعداوة
للنبي
صلى اللّه عليه وسلم حدّثني الزّيّادي قال: حدّثنا عبد الوارث عن يزيد بن القاسم
عن معاذة أنها سمعت هشام بن عامر يقول: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم
يقول"لا يحلّ لمسلم أن يصارم مسلماً فوق ثلاثٍ، وأيّهما فعل فإنهما ناكثان عن
الحقّ ما داما على صرمهما وإن ماتا لا يدخلان الجنة".
لبعض الشعراء في توارث العداوة، ومثله لأبي بكر رضي اللّه عنه قال بعض الشعراء:
سنّ الضغائن آباءٌ لنا سلفوا |
|
فلن تبيد وللآباء أبـنـاء |
هذا مثل قول أبي بكر الصّدّيق رضي اللّه
عنه: العداوة تتوارث.
من كتاب الهند وقرأت في كتاب الهند: إذا كانت الموجدة عن علّة كان الرضا مرجوّاً،
وإذا كانت غير علة كان الرضا معدوماً. ومن العجب أن يطلب الرجل رضا أخيه فلا يرضى،
وأعجب من ذلك أن يسخطه عليه طلبه رضاه.
قال بعض لمحدثين:
فلا تله عن كسب ودّ العدوّ |
|
ولا تجعلنّ صديقاً عـدوّاً |
ولا تغتر بهـدوّ امـرىءٍ |
|
إذا هيج فارق ذلك الهدوّا |
وقال آخر:
إحـــذر مــــودّة مـــــــاذقٍ |
|
شاب الـمـرارة بــالـــحـــلاوة |
يحصي العيوب عليك أيام الصداقة والعداوة |
|
|
شعر لأبي الأسود الدؤلي وقال أبو الأسود الدّؤليّ:
إذا المرء ذو القربى الضّغن أجحفت |
|
به سنةٌ حلّت مصيبـتـه حـقـدي |
شعر محمد بن أبان اللاحقي يخاطب أخاه إسماعيل وقال محمد بن أبان اللاّحقي لأخيه إسماعيل:
تلوم على القطيعة من أتاها |
|
وأنت سننتها في الناس قبلي |
وقال آخر:
وروّعت حتى ما أراع من النّـوى |
|
وإن بان جـيران عـلـيّ كـرام |
فقد جعلت نفسي على اليأس تنطوي |
|
وعيني على هجر الصديق تـنـام |
ولأحمد بن يوسف قال أحمد بن يوسف الكاتب:
ما على ذا كنّا افترقنا بسنـدا |
|
ولا بيننا عـقـدنـا الإخـاء |
نطعن الناس بالمثقّفة الـسّـم |
|
ر على غدرهم وننسى الوفاء |
لأفلاطون قيل لأفلاطون: بماذا ينتقم
الإنسان عدوّه? قال: بأن يزداد فضلاً في نفسه.
وكان يقال: إحذر معاداة الذليل، فربما شرق بالذّباب العزيز.
كتاب رجل إلى صديق له تجنّي عليه كتب رجل من الكتاب إلى صديقٍ تجنّى عليه:
عتبت عليّ ولا ذنـب لـي |
|
بما الذنب فيه ولا شكّ لـك |
وحاذرت لومي فبادرتـنـي |
|
إلى اللوم من قبل أن أبدرك |
فكنّا كما قيل فيما مـضـى |
|
خذ اللّصّ من قبل أن يأخذك |
وقال آخر:
رأيتك لما نلت مالاً، ومسّـنـا |
|
زمانٌ ترى في حدّ أنيابه شغبا |
جعلت لنا ذنباً لتمـنـع نـائلاً |
|
فأمسك ولا تجعل غناك لنا ذنبا |
وقال آخر:
تريدين أن أرضى وأنـت بـخـيلةٌ |
|
ومن ذا الذي يرضي الأخلاّء بالبخل |
وجدّك لا يرضى إذا كان عـاتـبـاً |
|
خليلـك إلا بـالـمـودّة والـبـذل |
متى تجمعني منّـاً كـثـيراً ونـائلاً |
|
قليلاً يقطّع ذاك باقـية الـوصـل |
من رجل لصديق له كتب رجل إلى صديق له:
لئن ساءني أن نلتني بمسـاءةٍ |
|
لقد سرّني أنّي خطرت ببالك |
وقال آخر:
إذا رأيت ازوراراً مـن أخـي ثـقةٍ |
|
ضاقت عليّ برحب الأرض أوطاني |
فإن صددت بوجهي كـي أكـافـئه |
|
فالعين غضبي وقلبي غير غضبـان |
لإبراهيم بن العباس، وآخرون وقال إبراهيم بن العباس:
وقد غضبـت فـمـا غـضـبـي |
|
حتى انصرفت بقلبٍ ساخطٍ راضي |
وقال زهير:
وما يك في عدوّ أو صديقٍ |
|
تخبّرك العيون عن القلوب |
وقال دريد:
وما تخفى الضغينة حيث كانت |
|
ولا النظر الصحيح من السقيم |
وقال ابن أبي خازم:
خذ من الدهر ما كفى |
|
ومن العيش ما صفا |
لا تلحّن بـالـبـكـا |
|
ء على منزلٍ عـفـا |
خلّ عنك العتـاب إن |
|
خان ذو الودّ أو هفـا |
عين من لا يحبّ وص |
|
لك تي لك الجـفـا |
لأعرابي يذكر أعداءً وقال أعرابيّ يذكر أعداءً:
يزمّلون جنين الضّـغـن بـينـهـم |
|
والضغنّ أشوة أو في وجهه كلـف |
إن كاتمونا القلى نمّـت عـيونـهـم |
|
والعين تظهر ما في القلب أو تصف |
لأبن أبي أمية وقال ابن أبي أمية:
كم فرحةٍ كانت وكم ترحةٍ |
|
تخرّصتها لي فيك الظنون |
إذا قلوبٌ أظهرت غير ما |
|
تضمره أنبتك عنها العيون |
وقال آخر:
أما تبصر في عـين |
|
يّ عنوان الذي أبدي |
وقال آخر:
ومولىً كأنّ الشمس بيني وبينه |
|
إذا ما التقينا ليس ممنّ أعاتبه |
يقول: لا أقدر"أن" أنظر إليه،
فكأن الشمس بيني وبينه.
ومثله:
إذا أبصرتني أعرضت عنّي |
|
كأنّ الشمس من قبلي تدور |
شعر للنمر بن تولب في الإعراض وقال النّمر بن تولب في الإعراض:
فصدّت كأن الشمس تحت قناعها |
|
بدا حاجبٌ منها وضنّت بحاجب |
مثله لأبي نواس أخذه أبو نواس، فقال:
يا قمراً للنّصف من شهره |
|
أبدى ضياءً لثمانٍ بقـين |
يريد أنه أعرض بوجهه فبدا له نصفه.
شعر في الضغينة وقال آخر في الضغينة:
وفينا وإن قيل اصطلحنا تضاغـنٌ |
|
كما طرّ أوبار الجراب على النّشر |
وقال آخر في نحوه:
وقد ينبت المرعى على دمن الثّرى |
|
وتبقى حزازات النفوس كما هـيا |
وقال الأخطل:
إنّ الضغينة تلقاها وإن قدمـت |
|
كالعرّ يكمن حيناً ثم ينتـشـر |
شمس العداوة حتى يستقاد لهـم |
|
وأعظم الناس أحلاماً إذا قدروا |
من كتاب الهند وقرأت في كتابٍ للهند: ليس
بين عداوة الجوهريّة صلحٌ إلا ريثما ينتكث، كالماء إن أطيل إسخانه فإنه لا يمتنع
من إطفاء النار إذا صبّ عليها.
بين سعد بن أبي وقّاص وعمّار بن ياسر قال سعد بن أبي وقّاص لعمّار بن ياسر: إن كنا
لنعدّك من أكابر أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم، حتى إذا لم يبق من عمرك إلا ظمء
الحمار فعلت وفعلت. قال: أيّما أحبّ إليك: مودّة على دخلٍ أو مصارمةٌ جميلة? قال:
مصارمةٌ جميلة. قال: للّه عليّ ألاّ أكلمت أبداً.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء في صديقٍ له تغيّر:
احول عنّي وكان ينظر مـن |
|
عيني ويرمي بساعدي ويدي |
وقال المثقّب العبديّ:
ولا تعدي مواعد كـاذبـاتٍ |
|
تمرّ بها رياح الصيف دوني |
فإني لو تعاندني شـمـالـي |
|
عنادك ما وصلت بها يميني |
إذاً لقطعتها ولقلت بـينـي |
|
كذلك أجتوي من يجتوينـي |
وقال الكميت:
ولكنّ صبراً عن أخٍ عنك صابرٍ |
|
عزاءً إذا ما النفس حنّ طروبها |
رأيت عذاب الماء إن حيل دونها |
|
كفاك لما لا بدّ منه شروبـهـا |
وإن لم يكن إلا الأسنة مركـبٌ |
|
فلا رأي للمجهود إلا ركوبهـا |
من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند:
العدوّ إذا أحدث صداقة لعلةٍ ألجأته إليها فمع ذهاب العلة رجوع العداوة، كالماء
يسخن فإذا رفع عاد بارداً.
لمحمد بن يزداد الكاتب قال محمد بن يزداد الكاتب: إذا لم تستطع أن تقطع يد عدوّك
فقبّلها قال الشاعر:
لقد زادني حبّاً لنفـسـي أنـنـي |
|
بغيضٌ إلى كل امرىءٍ غير طائل |
إذا ما رآني قطّع الطرف دونـه |
|
ودوني فعل العارف المتجاهـل |
ملأت عليه الأرض حتى كأنـهـا |
|
من الضّيق في عينيه كفّة حابـل |
لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال عمر بن
الخطاب رضي اللّه عنه: إعتزل عدوّك واحذر صديقك إلا الأمين، ولا أمين إلا من خشي
اللّه.
بين أزدي وتميمي الهيثم عن ابن عيّاش قال: أخبرني رجل من الأزد قال: كنا مع أسد بن
عبد اللّه بخراسان، فبينا نحن نسير معه مقد مدّ نهرٌ فجاء بأمرٍ عظيم لا يوصف،
وإذا رجل يضربه الموج وهو ينادي: الغريق الغريق! فوقف أسد وقال: هل من سابح? فقلت:
نعم. فقال: ويحك! إلحق الرجل! فوثبت عن فرسي وألقيت عنّي ثيابي ثم رميت بنفسي في
الماء، فما زلت أسبح حتى إذا كنت قريباً منه قلت: ممن الرجل? قال: من بني تميم.
قلت: إمض راشداً. فواللّه ما تأخرت عنه ذراعاً حتى غرق؛ فقال ابن عياش: فقلت له:
ويحك! أما اتقيت اللّه! غرّقت رجلاً مسلماً! فقال: واللّه لو كنت معي لبنةٌ لضربت بها
رأسه.
طاف رجل من الأزد بالبيت وجعل يدعو لأبيه؛ فقيل له: ألا تدعو لأمك? فقال: إنها
تميميةٌ.
من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند: جانب الموتور وكن أحذر ما تكون له ألطف ما
يكون بك، فإنّ السلامة بين الأعداء توحّش بعضهم من بعض، ومن الأنس والثقة حضور
آجالهم.
لبزر جمهر وقد أراد الملك أن يقتله ويتزوج ابنته
أراد الملك قتل بزر جمهر وأن يتزوّج ابنته بعد قتله؛ فقال: لو كان ملككم حازماً ما
جعل بينه وبين شعاره موتورة.
لأبي حازم قال أبو حازم: لا تناصبنّ رجلاً حتى تنظر إللى سريرته؛ فإن تكن له
سريرةٌ حسنةٌ فإن اللّه لم يكن يخذله بعداوتك إياه، وإن كانت سريرته رديئةً فقد
كفاك مساويه، لو أردت أن تعمل بأكثر من معاصي اللّه لم تقدر.
قال رجل: إني لأغتنم في عدوّي أن ألقي عليه النملة وهو لا يشعر لتؤذيه.
شعر للأفوه الأودي وقال الأفوه الأودي:
بلوت الناس قرناً بعـد قـرنٍ |
|
فلم أر غير خلاّبٍ وقـالـي |
وذقت مرارة الأشياء جمعـاً |
|
فما طعمٌ أمرّ من الـسـؤال |
ولم أر في الخطوب أشدّ هولاً |
|
وأصعب من معاداة الرجال |
وقال آخر:
بلاءٌ لـيس يشـبـهـه بـلاءٌ |
|
عداوة غير ذي حـسـبٍ ودين |
يبيحك منه عرضاً لم يصـنـه |
|
ويرتع منك في عرضٍ مصون |
شماتة الأعداء
لعمرو
بن عتبة وقد بلغه شماتة قوم به بلغ عمرو بن عتبة شماتة قوم به في مصائب؛ فقال:
واللّه لئت عظم مصابنا بموت رجالنا لقد عظمت النعمة علينا بما أبقى اللّه لنا:
شبّاناً يشّبون الحروب، وسادةً يسدون المعروف، وما خلقنا ومن شمت بنا إلا للموت.
لأيوب النبي في شماتة الأعداء قيل لأيوب النبيّ عليه السلام: أيّ شىء كان أشدّ
عليك في بلائك? قال: شماتة الأعداء ليزيد بن عبد الملك يعاتب هشاماً إشتكى يزيد بن
عبد الملك شكاةً شديدةً وبلغه أنّ هشاماً سرّ بذلك، فكتب إلى هشام يعاتبه، وكتب في
آخر الكتاب:
تمنّى رجالٌ أن أموت، وإن أمـت |
|
فتلك سبيلٌ لست فيهـا بـأوحـد |
وقد عملوا، لو ينفع العلم عندهـم |
|
متى متّ ما الداعي عليّ بمخلـد |
منيّته تجري لوقـتٍ وحـتـفـه |
|
يصادفه يوماً على غير مـوعـد |
فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى |
|
تهيّأ لأخرى مثلها فـكـأن قـد |
للفرزدق وقال الفرزدق:
إذا ما الدّهر جرّ على أناسٍ |
|
حوادثه أناخ بـآخـرينـا |
فقل للشامتين بنا أفـيقـوا |
|
سيلقى الشامتون كما لقينا |
لأعرابي ذهبت إبله أغير على رجلٍ من الأعراب فذهب بإبله فقال:
لا والذي أنا عبدٌ في عبادتـه |
|
لولا شماته أعداءٍ ذوي إحـن |
ما سرّني أن إبلي في مباركها |
|
وأنّ شيئاً قضاه اللّه لم يكـن |
لعدي بن زيد العبادي وقال عدّي بن زيد العباديّ:
أرواحٌ مـــودعٌ أم بــــــكـــــــور |
|
لك فـانـظــر لأيّ حـــالٍ تـــصـــير |
وابـيضـاض الـسـواد مـن نـذر الــمـــو |
|
ت فـهـل بـــعـــده لإنـــس نـــذير |
أيّهـا الـشـامـت الـمـعـــيّر بـــالـــدّه |
|
ر أأنـت الـمـبـــرّأ الـــمـــوفـــور |
أم لديك العهد الوثيق من الأيام أم أنت جاهلٌ مغرور |
|
|
من رأيت المنون خلّدن أم من |
|
ذا عـلـيه مــن أن يضـــام مـــجـــير |
أين كـسـرى كـسـرى الـمـلـوك أنـوشــر |
|
وإن أم أين قـــبـــلـــه ســـابـــور |
وأخـو الـحـضـر إذ بــنـــاه وإذ دجـــل |
|
ة تـجـبــى إلـــيه والـــخـــابـــور |
شاده مـرمــراً وجـــلّـــلـــه كـــل |
|
ساً فـلـلــطـــيّر فـــي ذراه وكـــور |
لم يهـبـه ريب الـمـنـــون فـــبـــاد ال |
|
ملـك عـنـه فـبـابـه مـــهـــجـــور |
وتـبـــيّن ربّ الـــخـــورنـــق إذ أش |
|
رف يومـاً ولـلـهــدى تـــفـــكـــير |
سره حـــالـــه وكـــثـــرة مـــا يم |
|
لك والـبـحـر مـعـرضـاً والـــسّـــدير |
فارعـوى قـلـبـه فـقــال ومـــا غـــب |
|
طة حـيٍّ إلـى الــمـــمـــات يصـــير |
ثم بـعـد الـفـلاح والـمـلـك والـــنّـــع |
|
مة وارتـهـم هـنــاك الـــقـــبـــور |
ثم أضـحـوا كــأنـــهـــم ورقٌ جـــفّ |
|
فألـوت بـه الـصّــبـــا والـــدّبـــور |
شماتة نساء كندة بموت النبي صلى اللّه عليه وسلم وشعر لرجل منهم قال ابن الكلبي: لما قبض النبي صلى اللّه عليه وسلم سمع بموته نساء من كندة وحضرموت فخضبن أيديهنّ وضربن بالدفوف، فقال رجل منهم:
أبلغ أبا بكرٍ إذا مـا جـئتـه |
|
أنّ البغايا رمـن أيّ مـرام |
|
||
أظهرن من موت النبي شماتة |
|
وخضبن أيديهنّ بـالـعـلاّم |
|
||
فأقطع، هديت، أكفّهنّ بصـارمٍ |
|
كالبرق أومض من متون غمام |
|||
فكتب أبو بكر إلى المهاجر عامله، فأخذهنّ
وقطعّ أيديهنّ.
في ذكر عدو وقرأت في كتاب ذكر فيه عدوّ: فإنه يتربّص بك الدوائر، ويتمنّى لك
الغوائل، ولا يؤمّل صلاحاً إلا في فسادك، ولا رفعةٍ إلا في سقوط حالك والسلام.
وجد بالأصل في آخر هذا الكتاب ما نصّه: آخر كتاب الإخوان، وهو كتاب السابع من عيون
الأخبار، تأليف أبي محمد عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة الدّينوريّ رحمة اللّه عليه.
وكتبه الفقير إلى اللّه تعالى إبراهيم بن عمر بن محمد بن عليّ الواعظ الجزريّ،
وذلك في شهور سنة أربع وتسعين خمسمائة. وصلى اللّه على سيدنا محمد النبيّ وآله
الطاهرين.
وفي هذه الصفحة عينها وجد ما يأتي-وهو من زيادة الناسخ-: قيل قدم المهدي أمير
المؤمنين، وقيل الرشيد، فتلقّاه الناس، وتلقّاه أبو دلامة في جملة الناس، فأنشده:
إني نذرت لئن رأيتك سالمـاً |
|
بقرى العراق وأنت ذو وفر |
لتصلّين على النبيّ محـمـد |
|
ولتملأن دراهماً حـجـري |
فقال له أمير المؤمنين: أما الأولى فنعم.
اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، وأما الأخرى فلست أفعل، فقال أبو دلامة: يا أمير
المؤمنين ما نذرت إلا الثنين، فضحك وأمر حتى ملأوا حجره دراهم.
شاعر:
ولقد تنسمت الرياح لحاجتي |
|
فإذا لها من راحتيك نسـيم |
ولربّما استيأست ثم أقول لا |
|
إن الذي ضمن النجاح كريم |
كتاب الحوائج
استنجاح الحوائج
للنبي
صلى اللّه عليه وسلم في كتمان الحوائج حدّثني أحمد بن الخليل قال: حدّثنا محمد بن
الخصيب قال: حدّثني أوس بن عبد اللّه بن بريدة عن أخيه سهل بن عبد اللّه بن بريدة
عن بريدة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه:"إستعينوا على الحوائج بالكتمن فإنّ
كلّ ذي نعمةٍ محسودٌ".
لخالد بن صفوان في طلب الحاجة ومفتاح نجاحها قال خالد بن صفوان: لا تطلبوا الحوائج
في غير حينها، ولا تطلبوها إلى غير أهلها، ولا تطلبوا ما لستم له بأهلٍ فتكونوا
للمنع خلقاء.
لشبيب بن شيبة في نجح السؤال مع العقل قال شبيب بن شيبة: إنّي لأعرف أمراً لا
يتلاقى به اثنان إلاّ وجب النّجح بينهما. فقال له خالد بن صفوان: ما هو?
قال:"العقل، فإنّ" العاقل لا يسأل ما لا يجوز ولا يردّ عما يمكن. فقال
له خالد: نعيت إليّ نفسي? إنّا أهل بيتٍ لا يموت منا أحدّ حتى يرى خلفه.
وصية بني ربيعة لأولادهم أبو اليقظان قال: كان بنو ربيعة-وهم من بني عسل بن عمرو
بن يربوع-يوصون أولادهم فيقولون: إستعينوا على الناس في حوائجكم بالتثقيل عليهم،
فذاك أنجح لكم قال الشاعر:
هيبة الإخوان مقـطـعةٌ |
|
لأخي الحاجات عن طلبه |
فإذا ما هـبـت ذا أمـلٍ |
|
مات ما أمّلت من سببـه |
لأبي نواس، وغيره، في طلب الحاجات وقال أبو نواس:
وما طالب الحاجات ممّن يرومـهـا |
|
من الناس إلا المصبحون على رجل |
تأنّ مواعـيد الـكـرام فـربّـمـا |
|
أصبت من الإلحاح سمحاً على بخل |
والبيت المشهور في هذا:
إنّ الأمور إذا انسدت مسالـكـهـا |
|
فالصبر يفتح منها كلّ ما ارتتجـا |
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته |
|
ومدمن القرع للأبواب أن يلـجـا |
لا تيأسنّ وإن طالـت مـطـالـبةٌ |
|
إذا استعنت بصبرٍ أن ترى فرجـا |
وقال آخر:
إنّـي رأيت، ولـلأيّام تـجـربةٌ |
|
للصبر عاقبةً محـمـودة الأثـر |
وقلّ من جدّ في أمر يطـالـبـه |
|
واستصحب الصبر إلاّ فاز بالظّفر |
من أمثال العرب في الصبر في طلب الحاجة
والعرب تقول:"ربّ عجلة تهب ريثاً". يريدون أن الرجل قد يخرق ويعجل في
حاجته فتتأخّر أو تبطل بذلك.
وتقولك"الرّشف أنقع". يريدون أن الشراب الذي يترّشف رويداً رويداً أقطع
للعطش وإن طال على صاحبه.
شعر لعامر بن خالد بن جعفر يخاطب يزيد بن الصقّ وقال عامر بن خالد بن جعفر ليزيد
بن الصّق:
إنك إن كلّفتني ما لـم أطـق |
|
ساءك ما سرّك منّي من خلق |
دعاء في استنجاح الحوائج
وكانوا يستنجحون حوائجهم بركعتين يقولون بعدهما: اللّهم إنّي بك أستفتح، وبك
أستنجح، وبمحمّد نبيك إليك أتوجّه، اللّهم ذلّل لي صعوبته، وسهّل لي خزونته، وارزقني
من الخير أكثر مما أرجو، واصرف عنّي من الشرّ أكثر مما أخاف.
شعر للقطامي في التأني بطلب الحاجة وقال القطاميّ:
قد يدرك المتأنّي بعض حاجته |
|
وقد يكون مع المستعجل الزّلل |
بين إبراهيم بن السندي ورجل من أهل الكوفة عرف بالمرؤة عمرو بن بحرٍ عن إبراهيم بن السّنديّ قال: قلت في أيام ولايتي الكوفة لرجلٍ من وجوهها، كان لا يجفّ لبده ولا يستريح قلمه ولا تسكن حركته في طلب حوائج الرجال، وإدخال المرافق على الضغفاء وكان رجلاً مفوّهاً: خبّرني عن الشيء الذي هوّن عليك النّصب وقوّاك على التعب ما هو? قال: قد واللّه سمعت تغريد الطير بالأسحار، في أفنان الأشجار؛ وسمعت خفق أوتار العيدان، وترجيع أصوات القيان الحسان؛ ما طربت من صوتٍ قطّ طربي من ثناء حسنٍ بلسانٍ حسنٍ على رجلٍ قد أحسن، ومن شكر حرّ لمنعمٍ حرّ، ومن شفاعة محتسب لطالب شاكر. قال إبراهيم: فقلت: للّه أبوك لقد حشيت كرماً فزادك اللّه كرماً، فبأيّ شيء سهلت عليك المعاودة والطلب? قال: لأني لا أبلغ المجهود ولا أسأل ما لا يجوز، وليس صدق العذر أكره إليّ من إنجاز الوعد، ولست لإكداء السائل أكره منّي للإجحاف بالمسؤول، ولا أرى الراغب أوجب عليّ حقّاً للذي قدّم من حسن ظنه من المرغوب إليه الذي احتمل من كلّه. قال إبراهيم: ما سمعت كلاماً قطّ أشدّ موافقة لموضعه ولا أليق بمكانه من هذا الكلام. شعر لمصعب في طلب الحوائج وقال مصعبٌ:
في القوم معتصمٌ بقوّة أمـره |
|
ومقصّر أودى به التقصـير |
لا ترض منزلة الذليل ولا تقم |
|
في دار معجزةٍ وأنت خبير |
وإذا هممت فأمض همّك إنما |
|
طلب الحوائج كلّه تغـرير |
وكان
يقال: إذا أحببت أن تطاع، فلا تسأل ما لا يستطاع.
ويقال: الحوائج تطلب بالرجاء، وتدرك بالقضاء.
الاستنجاح بالرّشوة والهديّة
لسفيان
الثوري في الاستنجاح بالهدية حدّثني زيد بن أخزم عن عبد اللّه بن داود قال: سمعت
سفيان الثوريّ يقول: إذا أردت أن تتزّوج فأهد للأمّ.
والعرب تقول:"من صانع لم يحتشم من طلب الحاجة".
لميمون بن ميمون قال ميمون بن ميمون: إذا كانت حاجتك إلى كاتبٍ فليكن رسولك الطمع.
لعلي بن أبي طالب في الهدية لنيل الحاجة وقال عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه: نعم
الشيء الهديّة أمام الحاجة.
لرؤبة،ولغيره، في الرشوة وقال رؤبة:
لما رأيت الشّفعاء بلّـدوا |
|
وسألوا أميرهم فأنكدوا |
نامستهم برشوةٍ فأقردوا |
|
وسهّل اللّه بها ما شدّدوا |
وقال آخر:
وكنت إذا خاصمت خصماً كببـتـه |
|
على الوجه حتى خاصمتني الدراهم |
فلما تنازعنا الخصـومة غـلّـبـت |
|
عليّ وقالوا قـم فـإنـك ظـالـم |
للعرب في البذل لطلب الحاجة والعرب تقول في مثل هذا المعنى:"من يخطب الحسناء يعط مهراً" يريدون من طلب حاجةً مهمّةً بذل فيها وقال بعض المحدثين:
ما من صديقٍ وإن تمت صداقتـه |
|
يوماً بأنجح في الحاجات من طبق |
إذا تلّثم بالمنـديل مـنـطـلـقـاً |
|
لم يخش نبوة بوّابٍ ولا غـلـق |
لا تكذبنّ فإنّ الناس مذ خـلـقـوا |
|
لرغبةٍ يكرمون الناس أو فـرق |
وقال آخر:
ما أرسل الأقوام في حاجةٍ |
|
أمضى ولا أنجح من درهم |
يأتيك عفواً بالذي تشهـتـي |
|
نعم رسول الرجل المسلـم |
الاستنجاح بلطيف الكلام
بين
أبي بكر الهجريّ والمنصور حدّثني سهل بن محمد عن الأصمعيّ قالك دخل أبو بكر
الهجريّ على المنصور فقال: يا أمير المؤمنين نغض فمي وأنتم أهل بيت بركة، فلو أذنت
لي فقبلت رأسك لعل اللّه يشدّد لي منهم? فقال أبو جعفر: اختر منها ومن الجائزة.
فقال: يا أمير المؤمنين، أهون عليّ من ذهاب درهم من الجائزة ألاّ تبقى في فمي
حاكّة.
لخلف في رقية الخبز قال أبو حاتم: وحدّثنا الأصمعيّ عن خلف قال: كنت أرى أنّه ليس
في لدنيا رقية إلا رقية الحيّات، فإذا رقية الخبز أسهل. يعني ما تكلّفه الناس من
الكلام لطلب الحيلة.
بين الفضل بن سهل ورجل يسأله قال رجلٌ للفضل بن سهل يسأله: الأجل آفة الأمل،
والمعروف ذخيرة الأبد، والبرّ غنيمة الحازم، والتفريط مصيبة أخي القدرة؛ فأمر
وهباً كاتبه أن يكتب الكلمات.
من رقعة رفعت إلى الفضل بن سهل ورفع إليه رقعةً فيها: يا حافظ من يضيّع نفسه عنده،
ويا ذاكر من ينسى نصيبه منه، ليس كتابي إذا كتبت استبطاء، ولا إمساكي إذا أمسكت
استغناءً؛ لكنّ كتابي إذا كتبت تذكرةٌ لك، وإمساكي إذا أمسكت ثقةً بك.
وقال رجل لآخر: ما قصّرت بي همّةٌ صيّرتني إليك، ولا أخّرني ارتيادٌ دلّني عليك،
ولا قعد بي رجاءٌ حداني إلى بابك. وبحسب معتصمٍ بك ظفرٌ بفائدةٍ وغنيمةٍ، ولجءٌ
إلى موئل ٍوسندٍ.
للهذيل بن زفر يستعين بيزيد بن المهلّب دخل الهذيل بن زفر على يزيد بن المهلّب في
حملاتٍ لزمته، فقال له: قد عظم شأنك عن أن يستعان بك أو يستعان عليك، ولست تصنع
شيءاً من المعروف إلاّ وأنت أكثر منه وليس العجب أن تفعل، وإنما العجب من ألاّ
تفعل.
شعر للحمدويّ في الحسين بن أيوب قال الحمدونيّ في الحسين بن أيوب والي البصرة:
قل لابن أيّوب قد أصبحـت مـأمـولا |
|
لا زال بابك مـغـشـيّاً ومـأهـولا |
إن كنت في عطلةٍ فالعذر مـتّـصـلٌ |
|
وصل إذا كنت بالسلطان مـوصـولا |
شرّ الأخـلاّء مـن ولـيّ قـفـاه إذا |
|
كان المولّي وأعطى البشر معـزولا |
من لم يسمّن جـواداً كـان يركـبـه |
|
في الخصب قام به في الجدب مهزولا |
افرغ لحاجتنا ما دمـت مـشـغـولاً |
|
لو قد فرغت لقد ألـفـيت مـبـذولا |
وقال آخر:
ولا تعتذر بالشّغل عنّا فـإنـمـا |
|
تناط بك الآمال ما اتّصل الشّغل |
بين رجل وبعض الولاة وأتى رجلٌ إلى صديقٍ
له: قد عرضت قبلك حاجةٌ، فإن نجحت بك فألفاني منها حظّي والباقي حظّك، وإن تعتذر
فالخير مظنون بك والعذر مقدّم لك.
وفي فصلٍ آخر: قد عذرك الشّغل في إغفال الحاجة وعذرني في إنكارك.
وفي فصل آخر: قد كان يجب ألاّ أشكو حالي مع علمك بها، ولا أقتضيك عمارتها بأكثر من
قدرتك عليها؛ فلربّما نيل الغنى على يدي من هو دونك بأدنى من حرمتي. وما استصغر ما
كان منك إلا عنك، ولا أستقلّه إلا لك.
وقال آخر: إن رأيت أن تصفّد يداً بصنيعةٍ باقٍ ذكرها جميلٍ في الدهر أثرها، تغتنم
غرّة الزمان فيها وتبادر فوت الإمكان بها، فافعل.
بين زياد وأعرابي يسأله العطاء قدم على زيادٍ نفرٌ من الأعراب فقام خطيبهم فقال:
أصلح الله الأمير? نحن، وإن كانت نزعت بنا أنفسنا إليك وأنضينا ركائبنا نحوك
التماساً لفضل عطائك، عالمون بأنه لا مانع لما أعطى الله ولا معطي لما منع؛ وإنما
أيها الأمير خازنٌ ونحن رائدون، فإن أذن لك فأعطيت حمدنا الله وشكرناك، وإن لم
يؤذن لك فمنعت حمدنا الله وعذرناك. ثم جلس؛ فقال زياد لجلسائه: تالله ما رأيت
كلاماً أبلغ ولا أوجز ولا أنفع عاجلة منه. ثم أمر لهم بما يصلحهم.
بين العتابي والمأمون دخل العتابي على المأمون، فقال له المأمون: خبّرت بوفاتك
فغمتني، ثم جاءتني وفادتك فسرتني. فقال العتابي: لو قسمت هذه الكلمات على أهل
الأرض لوسعتهم؛ وذلك أنه لا دين إلا بك ولا دنيا إلا معك. قال: سلني. قال: يداك
بالعطية أطلق من لساني.
بين نصيب وعمر بن عبد العزيز قال نصيب لعمر بن عبد العزيز: يا أمير المؤمنين، كبرت
سني ورقّ عظمي، وبليت ببنّياتٍ نفضت عليهن من لوني فكسدن عليّ. فرقّ له عمر ووصله.
مسألة رجل لأسد بن عبد الله واعتلال أسد عليه سأل رجل أسد بن عبد الله فاعتل عليه؛
فقال: إني سألت الأمير من غير حاجةٍ. قال: وما حملك على ذلك? قال: رأيتك تحبّ من
لك عنده حسن بلاء، فأحببت أن أتعلق منك بحبل مودة.
مسألة بعض الحكماء لبعض ملوك العجم لزم بعض الحكماء باب بعض ملوك العجم دهراً فلم
يصل إليه، فتلطف للحاجب في إيصال رقعةٍ ففعل. وكان فيها أربعة أسطرٍ: السطر الأول
"الأمل والضرورة أقدماني عليك".
والسطر الثاني "والعدم لا يكون معه صبرٌ على المطالبة".
والسطر الثالث "الانصراف بلا فائدةٍ شماتةٌ للأعداء".
والسطر الرابع "فإما نعم مثمرةٌ، وإما لا مريحةٌ". فلما قرأها وقع في كل
سطرٍ: زه؛ فأُعطي ستة عشر ألف مثقال فضة.
مسألة محمد بن واسع لقتيبة بن مسلم
دخل محمد بن واسع على قتيبة بن مسلم، فقال له: أتيتك في حاجةٍ رفعتها إلى الله
قبلك، فإن تقضها حمدنا الله وشكرناك، وإن لم تقضها حمدنا الله وعذرناك. فأمر له
بحاجته.
وقال له أيضاً في حاجةٍ أخرى: إني أتيتك في حاجة، فإن شئت قضيتها وكنا جميعاً
كريمين، وإن شئت منعتها وكنا جميعاً لئيمين.
بين خالد بن عبد الله ورجل جاء يسأله أتى رجل خالد بن عبد الله في حاجةٍ، فقال له،
أتكلّم بجرأة اليأس أم بهيبة الأمل? قال: بل بهيبة الأمل. فسأله حاجته فقضاها.
لأبي سماك يسأل رجلاً وقال أبو سمّاكٍ لرجل: لم أصن وجهي عن الطلب إليك، فصن وجهك
عن ردّي، وضعني من كرمك بحيث وضعت نفسي من رجائك.
بين المنصور ورجل تلطف للسؤال قال المنصور لرجل: ما مالك? قال: ما يكفّ وجهي ويعجز
عن برّ الصديق. فقال: لقد تلطّفت للسؤال. ووصله.
وقال لمنصور لرجلٍ أحمد منه أمراً: سل حاجتك. فقال: يبقيك الله يا أمير المؤمنين.
قال: سل، فليس يمكنك ذلك في كل وقتٍ. فقال: ولم يا أمير المؤمنينن ???فوالله لا
أستقصر عمرك ولا أرهب بخلك ولا أغنم مالك وإن سؤالك لزينٌ، وإن عطاءك لشرف، وما
على أحدٍ بذل وجهه إليك نقصٌ ولا شينٌ. فأمر حتى ملىء فوه درّاً.
بين أبي العباس وأبي دلامة قال أبو العباس لأبي دلامة: سل حاجتك. قال: كلبٌ؛ قال:
لك كلب. قال: ودابة أتصيد عليها؛ قال: ودابة. قال: وغلام يركب الدابة ويصيد؛ قال:
وغلام. قال: وجارية تصلح لنا الصيد وتطعمنا منه؛ قال: وجارية. قال: يا أمير
المؤمنين، هؤلاء عيال ولابدّ من دارٍ؛ قال: ودار. قال: لابدّ من ضيعةٍ لهؤلاء؛
قال: قد أقطعتك مائة جريبٍ عامرةٍ ومائة جريب غامرة. قال: وأي شيءٍ الغامرة? قال:
ليس فيها نباتٌ. قال: فأنا أقطعك ألفاً وخمسمائة جريبٍ من فيا في أسدٍ؛ قال: قد
جعلتها "كلها لك" عامرةً. قال: أقبل يدك؛ قال: أما هذه فدعها. قال: ما
منعت عيالي شيئاً أهون عليهم فقداً منها.
بين عبد الملك بن مروان ورجل قال عبد الملك لرجل: ما لي أراك واجماً لا تنطق? قال:
أشكو إليك ثقل الشرف؛ قال: أعينوه على حمله.
بين زياد ورجل تلطف في السؤال منه رأى زياد على مائدته رجلاً قبيح الوجه كثير
الأكل، فقال له: كم عيالك? قال: تسع بنات. قال: أبن هنّ منك? قال: أنا أجمل منهم
وهنّ آكل مني. قال: ما أحسن ما تلطفت في السؤال. وفرض له وأعطاه.
مسألة عجوز لقيس بن سعد وقفت عجوز على قيس بن سعد فقالت: أشكو إليك قلة الجرذان.
قال: ما أحسن هذه الكناية? إملأوا بيتها خبزاً ولحماً وسمناً وتمراً.
لبعض القصاص وقال بعض القصاص في قصصه: اللهم أقلّ صبياننا وأكثر جرذاننا.
كان سليمان بن عبد الملك يأخذ الولي بالولي والجار بالجار؛ فدخل عليه رجلٌ وعلى
رأسه وصيفةٌ روقةٌ فنظر إليها؛ فقال سليمان: أأعجبتك? قال: بارك الله لأمير
المؤمنين فيها ! قال: هات سبعة أمثالٍ في الاست وخذها؛ فقال: "صر عليه الغزو
استه" . قال: واحد. قال: " است البائن أعلم"؛ قال: اثنان. قال:
"است لم تعود المجمر تحترق"؛ قال: ثلاثة. قال: "الحرّ يعطي والعبد
يبجع باسته"؛ قال: أربعة. قال: "استي أخبثي" ! قال: خمسة. قال:
"عاد سلاها في استها"؛ قال: "لا ماءك أبقيت ولا حرك أنقيت"؛
قال: ليس هذا من ذاك؛ قال: أخذت الجار بالجار كما يفعل أمير المؤمنين! قال: خذها.
بين يزيد بن المهلب وسليمان قال يزيد بن المهلّب لسليمان في حمالةٍ كلمة فيها: يا
أمير المؤمنين، والله لحمدها خيرٌ منها، ولذكرها أحسن من جمعها، ويدي مبسوطةٌ بيدك
فابسطها لسؤالها.
بين عبد الملك بن مروان وعمرو بن عتبة وقد سأله أن لا يقطع عطاءه
قطع عبد الملك بن مروان عن آل أبي سفيان أشياء كان يجريها عليهم، لتباعدٍ كان بينه
وبين خالد بن يزيد بن معاوية؛ فدخل عليه عمرو بن عتبة فقال: يا أمير المؤمنين،
أدنى حقّك متعبٌ وتقصيه فادحٌ، ولنا مع حقك علينا حقٌ عليك، لقرابتنا منك وإكرام
سلفنا لك؛ فانظر إلينا بالعين التي نظروا بها إليك، وضعنا بحيث وضعتنا الرحم منك،
وزدنا بقدر ما زادك الله؛ فقال: أفعل، وإنما يستحق عطيتي من استعطاها، فأما من ظن
يستغني بنفسه فسنكله إليها. يعرّض بخالد؛ فبلغ ذلك خالداً، فقال: أما عمرو فقد
أعطى من نفسه أكثر مما أخذ، أو بالحرمان يتهددني! يد الله فوق يده مانعةٌ، وعطاؤه
دونه مبذول.
مسألة رجل للحجاج برقعة سلمها ليزيد بن أبي مسلم أتى رجل يزيد بن أبي مسلم برقعةٍ
يسأله أن يرفعها إلى الحجاج؛ فنظر فيها يزيد فقال: ليست هذه من الحوائج التي ترفع
إلى الأمير. فقال له الرجل: فإني أسألك أن ترفعها، فلعلها توافق قدراً فيقضيها وهو
كاره. فأدخلها وأخبره بمقالة الرجل؛ فنظر الحجاج في الرقعة، وقال ليزيد: قل للرجل:
إنها وافقت قدراً وقد قضيناها ونحن كارهون.
لبعض الشعراء يخاطب بشر بن مروان دخل بعض الشعراء على بشر بن مروان فأنشده:
أغفيت عند الصبح نوم مسهـدٍ |
|
في ساعة ما كنت قبل أنامها |
فرأيت أنك رعتنـي بـولـيدةٍ |
|
مغنوجةٍ حسن عليّ قيامـهـا |
وببذرةٍ حملت إلـيّ وبـغـلةٍ |
|
دهماء مشرفةٍ يصل لجامهـا |
فدعوت ربي أن يثيبـك جـنةً |
|
عوضاً يصيبك بردها وسلامها |
فقال له بشر: في كل شيء أصبت إلا في
البغلة فإني لا أملك إلا شهباء. فقال: إني الله ما رأيت إلا شهباء.
مسألة رجل لمعاوية قال رجل لمعاوية: أقطعني البحرين. قال: إني لا أصل إلى ذلك.
قال: فاستعملني على البصرة. قال: ما أريد عزل عاملها. قال: تأمر لي بألفين. قال:
ذاك لك. فقيل له: ويحك أرضيت بعد الأوليين بهذا قال: اسكتوا لولا الأوليان ما
أعطيت هذه.
مسألة أعرابي لبعض الكتاب جاء أعرابي إلى بعض الكتاب فسأله، فأمر الكاتب غلامه
بيمينه أن يعطيه عشرة دراهم وقميصاً من قمصه؛ فقال الأعرابي:
حوّل العقد بالشمال أبـا الأص |
|
بغ واضمم إلى القميص قميصا |
إن عقد اليمين يقصـر عـنـي |
|
وأرى في قميصكم تقلـيصـا |
يقول: حوّل عقد اليمين وهو عشرة إلى عقد
الشمال وهو مائة: مسألة أعرابي: سألني أعرابي فقال في مسألته: لقد جعت حتى أكلت
النوى المحرق ولقد مشيت حتى انتعلت الدم وحتى سقط من رجلي بخص لحمٍ وحتى أن وجهي
حذاءٌ لقدامي، فهل من أخٍ يرحمنا? وسأل آخر قوماً فقال: رحم الله امرأً لم تمجج
أذناه كلامي، وقدم لنفسه معاذاً من سوء مقامي، فإن البلاد مجدبة، والحال مصعبة،
والحياء زاجر يمنع من كلامكم، والعدم عاذر يدعو إلى إخباركم، والدعاء أحد الصدقتين
فرحم الله امرأً أمر بمير، ودعا بخير. فقال له رجل من القوم: ممن الرجل? فقال:
اللهم غفراً ممن لا تضرك جهالته، ولا تنفعك معرفته؛ ذلّ الاكتساب، يمنع من عز
الانتساب.
بين أعرابي ورجل حرمه العطاء سأل أعرابي رجلاً فحرمه؛ فقال: غلام تحرمني فوالله
ببييييسسش ما زلت قبلةً لأملي لا تلفتني عنك المطامع، فإن قلت: قد أحسنت بدءاً،
فما ينكر لمثلك أن يحسن عوداً.
بين ابن أبي عتيق وأشعب قال ابن أبي عتيق: دخلت على أشعب وعنده متاع حسن وأثاثٌ،
فقلت له: ويح أما تستحي أن تسأل وعندك ما أرى فقال: يا فديتك معي والله من لطيف
السؤال ما لا تطيب نفسي بتركه.
شعر للصلتان العبدي قال الصّلتان العبديّ:
نروح ونغدو لحاجـاتـنـا |
|
وحاجة من عاش لا تنقضي |
تموت مع المرء حاجـاتـه |
|
وتبقى له حاجةٌ ما بـقـي |
إذا ليلةٌ هرّمـت يومـهـا |
|
أتى بعد ذلـك يومٌ فـتـي |
وقال آخر:
وحاجةٍ دون أخرى قد سنحت بها |
|
جعلتها للتي أخفيت عـنـوانـا |
لدعبل الخزاعي في طلب حاجة له كتب دعبلٌ إلى بعض الأمراء:
جئتك مستشفعاً بلا سبـب |
|
إليك إلا بـحـرمة الأدب |
فاقض ذمامي فإنّني رجلٌ |
|
غير ملحٍّ عليك في الطلب |
من يعتمد في لحاجة ويستسعى فيها
للنبي
صلى الّه عليه وسلم فيمن يعتمد في الحاجة
روى هشيم عن عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن عبد الرحمن عن أبي مصعب قال: قال رسول
اللّه صلى اللّه عليه وسلم:"اطلبوا الحوائج إلى حسان الوجوه".
وفي حديث آخر:"إعتمد لحوائجك الصّباح الوجوه، فإنّ حسن الوجوه الصورة أوّل
نعمةٍ تتلقّاك من الرجل".
شعر لامرأة من ولد حسّان بن ثابت قالت امرأةٌ من ولد حسّان بن ثابت:
سل الخير أهل الخير قدماً ولا تسل |
|
فتىً ذاق طعم العيش منذ قـريب |
ومن المشهور قول بعض المحدثين:
حسن ظنّ إليك أكرمك الـلّ |
|
ه دعاني فلا عدمت الصّلاحا |
ودعاني إليك قـول رسـول |
|
اللّه إذ قال مفصحاً إفصاحا |
إن أردتم حوائجاً عنـد قـومٍ |
|
فتنقّوا لها الوجوه الصّباحـا |
وقال آخر:
إنا سألنا قومنا فخـيارهـم |
|
من كان أفضلهم أبوه الأوّل |
أعطى الذي أعطى أبوه قبله |
|
وتبخّلت أبناء من يتبـخّـل |
لخالد بن صفوان في طلب الحاجة إلى غير
أهلها وقال خالد بن صفوان: فوت الحاجة خيرٌ من طلبها إلى غير أهلها، وأشدّ رمن
المصيبة سوء الخلف منها.
لمسلم بن قتيبة فيمن لا تطلب الحاجة إليه حدثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: قال
مسلم بن قتيبة: لا تطلبنّ حاجتك إلى كذّابٍ فإنه يقرّبها وهي بعيدٌ ويبعّدها وهي
قريب، ولا إلى أحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرّك، ولا إلى رجل عند من تسأله الحاجة
مأكلةٌ، فإنه لا يؤثرك على نفسه.
شعر لأبي عون في عدم مساءلة الأعراب أنشدنا الرّياشيّ لأبي عونٍ:
ولست بسائل الأعراب شيءً |
|
حمدت اللّه إذ لم يأكلونـي |
لميمون بن ميمون في النهي عن طلب الحاجة
من لئيم وقال ميمون بن ميمون: لا تطلبنّ إلى لئيم حاجةً، فإن طلبت فأجّله حتى يروض
نفسه.
لعطاء هارون بن معروفٍ عن ضمرة عن عثمان بن عطاء، قال: عطاء الحوائج عند الشباب
أسهل منها عند الشيوخ ثم قرأ قول يوسف:"لا تثريب عليكم اليوم يغفر اللّه
لكم" وقول يعقوب"سوف أستغفر لكم ربّي إنّه هو الغفور الّرحيم".
شعر لبشار وقال بشارٌ:
إذا أيقظتك حروب العدا |
|
فنبّه لها عمراً ثـم نـم |
فتىً لا يبيت على دمنةٍ |
|
ولا يشرب الماء إلا بدم |
يلذّ العطاء وسفك الدماء |
|
فيغدو على نعم أو نقم |
لأبي عبّاد الكاتب وقال أبو عبّاد الكاتب:
لا تنزل مهمّ حوائجك بالجيّد اللسان، ولا المتسرّع إلى الضّمان، فإنّ العجز مقصورٌ
على المتسرّع؛ ومن وعد ما يعجز عنه فقد ظلم نفسه وأساء إلى غيره؛ ومن وثق بجودة
لسانه ظنّ أنّ في فصل بيانه ما ينوب عن عذره وأن وعده يقوم مقام إنجازه.
وقال أيضاً: عليك بذي الحصر البكيّ، وبذي الخيم الرضيّ، فإن مثقالاً من شدّة
الحياء والعيّ، أنفع في الحاجة من قنطارٍ من لسانٍ سليطٍ وعقلٍ ذكيّ؛ وعليك
بالشّهم النّدب الذي إن عجز أيأسك، وإن قدر أطعمك.
لبعض الشعراء قال بعض الشعراء:
لا تطلبـنّ إلـى لـئيم حـاجة |
|
واقعد فإنك قائماً كالـقـاعـد |
يا خادع البخلاء عن أمولـهـم |
|
هيهات !تضرب في حديدٍ بارد |
وقال آخر:
إذا الشافع استصقى لك الجهد كلّه |
|
وإن لم تنل نجحاً فقد وجب الشّكر |
وقال آخر:
وإذا امرؤٌ أسدى إليك صنيعةً |
|
من جاهه فكأنّها من مالـه |
أعرابي يذكر رجلاً بعلو الهمّة ذكر
أعرابيّ رجلاً، فقال: كان واللّه إذا نزلت به الحوائج قام إليها ثم قام بها، ولم
تقعد به علاّت النفوس.
قال الشاعر:
ماإن مدحتك إلا قلت تخدعني |
|
ولا استعنتك إلا قلت مشغول |
في شهامة شبيب بن شيبة ابن عائشة قال: كان
شبيب بن شيبة رجلاً شريفاً يفزع إليه أهل البصرة في حوائجهم فكان إذا أراد الركوب
تناول من الطعام شيءاً ثم ركب؛ فقيل له: إنك تكابر الغذاء فقال: أجل أطفىء بهفورة
جوعي، وأقطع به خلوف فمي، وأبلغ في قضاء حوائجي، فخذ من الطعام ما يذهب عنك
النّهم؛ ويداوي من الخوى.
قال بعض المحدثين:
لعمرك ما أخلفت وجهاً بذلـتـه |
|
إليك ولا عرّضته للـمـعـاير |
فتىً وفرت أيدي المحامد عرضه |
|
وخلّت لديه ماله غـير وافـر |
وقال آخر:
أتيتك لا أدلـي بـقـربـي ولا يدٍ |
|
إليك سوى أنّي بـجـودك واثـق |
فإن تولني عرفاً أكن لك شـاكـراً |
|
وإن قلت لي عذراً أقل أنت صادق |
وقال رجلٌ لآخر في كلامه: أيدينا ممدودةٌ إليك بالرغبة، وأعناقنا خاضعةٌ لك بالذّلّة، وأبصارنا شاخصةٌ إليك بالشكر؛ فافعل في أمورنا حسب أملنا فيك، والسلام.
الإجابة إلى الحاجة والردّ عنها
للعباس
بن محمد وعلي بن عبد اللّه بن العباس في معنى هذا العنوان قال رجل للعّباس بن
محمد: إنّي أتيتك في حاجةٍ صغيرةٍ؛ قال: اطلب لها رجلاً صغيراً. وهذا خلاف قول
عليّ بن عبد اللّه بن العبّاس لرجل قال له: إني أتيتك في حاجةٍ صغيرةٍ فقال له
عليّ بن عبد اللّه: هاتها، إنّ الرجل لا يصغر عن كبير أخيه ولا يكبر عن صغيره.
بين الأحنف ورجل قال رجل للأحنف: أتيتك في حاجةٍ لا تنكيك ولا ترزؤك. قال: إذاً لا
تقضى! أمثلي يؤتى في حاجةٍ لا تنكي ولا تزر! بين رجل ورقبة جاءه مع قوم يسألونه
حاجة جاء قومٌ يكلمونه في حاجةٍ لهم ومعهم رقبو، فقال لرقبة: تضمنونها? فقال له
رقبة: جئناك نطلب منك فضل التوسّع فأدخلت علينا همّ الضمّان بين عمر وبن عبيد وحقص
بن سالم أتى عمرو بن عبيد حفص بن سالم، فلم يسأله أحدٌ من حشمه شيئاً إلا قال: لا
فقال عمرو: أقلّ من قول: "لا" فإنّ "لا" ليست في الجنّة.
للنبي صلى اللّه عليه وسلم كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا سئل ما يجد
أعطى، وإذا سئل ما لا يجد قال: "يصنع اللّه".
شعر لعمر بن أبي ربيعة قال عمر بن أبي ربيعة:
إنّ لي حاجةً إليك فقالت |
|
بين أذني وعاتقي ما تريد |
أي قد تضمّنته لك فهو في عنقي في إجابة
حاجة رجل سأل رجلٌ قوماً؛ فقال له رجل منهم: اللّهم هذا سائلنا ونحن سؤالك، وأنت
بالمغفرة أجود منّا بالعطاء، ثم أعطاه.
وفي ردّ الإجابة سأل رجلٌ رجلاً حاجةً؛ فقال: اذهب بسلام. قال السائل: أنصفنا من
ردّنا في حوائجنا إلى اللّه عزّ وجلّ.
بين ثمامة ورجل قال رجل لثمامة: إنّ لي إليك حاجةً؛ قال ثمامة: ولي إليك حاجةٌ؛
قال: ما هي? قال: لا ?أذكرها حتى تتضمّن قضاءها؛ قال: قد فعلت؛ قال: حاجتي ألا
تسألني هذه الحاجة؛ قال: رجعت عما أعطيتك؛ قال ثمامة: لكنّي لا أردّ ما أخذت.
بين الأصمعي ورجل اشترى منه ثمرة نخلة قال الحافظ: تمشّي قومٌ إلى الأصمعيّ مع رجل
اشترى منه ثمرة نخله، فناله فيها خسرانٌ وسألوه حسن النظر له؛ فقال الأصمعيّ:
أسمعتم بالقسمة الضّيزى! هي ما تريدون شيخكم عليه، إشترى منّي على أن يكون الخسران
عليّ والربح له! إذهبوا فاشتروا لي طعام السّو على هذا الوجه والشرط. ثم قال: ها
هنا واحدةٌ هي لكم دوني، ولا بدّ من الإحتمال لكم إذ لم تحتملوا لي، هذا ما مشيتم
معه إلا وأنتم توجبون حقّه وتحبّون رفده، ولو كنت أوجب له مثل الذي توجبون لقد كنت
أغنيته عنكم، ولكن لا أعرفه ولا يضرّنني بحقّ؛ فهلمّ فلنتوزع هذا الخسران بيننا
بالسواء. فقاموا ولم يعودوا، وأيس التاجر فخرج له من حقّه.
يزيد بن عمير الأسيدي ينصح بنيه بردّ السؤال قال يزيد بن عمير الأسيدي لبنيه: يا
بنيّ، تعلمّوا الردّ فإنه أشدّ من الإعطاء، ولأن يعلم بنو تميم أن عند أحدكم مائة
ألف درهم أعظم له في أعينهم من أن يقسمها فيهم، ولأن يقال لأحدكم: بخيلٌ وهو غنيٌ،
خيرٌ له من أن يقال: سخيٌ وهو فقير.
شعر لإسحاق بن إبراهيم وقال إسحاق بن إبراهيم:
النصر يقرئك الـسـلام وإنـمـا |
|
أهدي السلام تعرضّاً للمطـمـع |
فاقطع لبانتـه بـيأسٍ عـاجـلٍ |
|
وأرح فؤادك من تقاضي الأضلع |
ثمامة يعرّض بمحمد بن الجهم ذكر ثمامة
محمد بن الجهم فقال: لم يطمع أحداً قطّ في ماله إلا ليشغله بالطمع فيه عن غيره،
ولا شفع لصديقٍ ولا تكلّم في حاجة متحرّمٍ به، إلا ليلقن المسؤول حجّة منع، وليفتح
على السائل باب حرمانٍ.
شعر سهل بن هارون إلى موسى بن عمران كتب سهل بن هارون إلى موسى بن عمران:
إنّ الضمير إذا سألتك حـاجةً |
|
لأبي الهذيل خلاف ما أبدي |
|
||
فأمنعه روح اليأس ثم امدد له |
|
حبل الرجاء لمخلف الوعـد |
|
||
وألن له كنفاً ليحسن ظـنّـه |
|
في غير منفـعةٍ ولا رفـد |
|
||
حتى إذا طالت شقاوة جدّه |
|
وعناؤه فأجبهه بـالـردّ |
|||
لحبّى المدينية في الجرح الذي لا يندمل
والذل والشرف قيل لحبى المدينيّة: ما الجرح الذي لا يندمل? قالت: حاجة الكريم إلى
اللئيم ثم يردّه. قيل لها: فما الذل? قالت: وقّوف الشريف بباب الدنيء ثم لا يؤذن
له. قيل: فما الشرف? قالت: اعتقاد المنن في رقاب الرجال.
لمعن بن زائدة قال معن بن زائدة: ما سألني قطّ أحدٌ فرددته إلا رأيت الغنى في
قفاه.
لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه روى عليّ بن مسهر عن هشام عن أبيه قال: قال عمر بن
الخطاب رضي اللّه عنه: أعلمتم أن الطمع فقرٌ، وأن اليأس غنىً، وأن المرء إذا يئس
استغنى عنه.
وقال آخر في كلامٍ له: كلّ ممنوعٍ مستغنىً عنه بغيره، وكلّ مانع ما عنده ففي الأرض
غنىً عنه.
وقد قيل: أرخص ما يكون الشيء عند غلائه.
وقال بشار: "والدر يترك من غلائه" لشريح في سؤال الحاجة ومنعها قال
شريح: من سأل حاجةً فقد عرض نفسه على الرّق، فإن قضاها المسؤول استبعده بها، وإن
ردّه عنها رجع حرّاً وهما ذليلان: هذا بذّل البخل، وهذا بذّل الردّ.
وقال بعضهم: من سألك لم يكرم وجهه عن مسألتك، فأكرم وجهك عن ردّه.
للنبي صلى اللّه عليه وسلم وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا يردّ ذا حاجةٍ
إلا بها أو بميسور من القول.
لأسماء بن خارجة في تمنعه عن رد ذي حاجة وقال أسماء بن خارجة: ما أحبّ أن أردّ
أحداً عن حاجةٍ؛ فإنه لا يخلو من أن يكون كريماً فأصونه، أو لئيماً فأصون منه
نفسي.
شعر لأعرابي وقال أعرابيّ سأل حاجة فردّ عنها: وقال أعرابيّ سأل حاجة فردّ عنها:
ما يمنع الناس شيئاً كنت أطلبـه |
|
إلا أرى اللّه يكفي فقد ما منعوا |
بين الحسن بن علي ورجل جاء يسأله حاجة،
ومثله مع أخيه الحسين وعبد اللّه بن عمر أتى رجلٌ الحسن بن عليّ رضي اللّه عنهما
يسأله؛ فقال الحسن: إن المسألة لا تصلح إلا في غرمٍ فادحٍ أو فقر مدقع أو حمالة
مفظعةٍ؛ فقال الرجل: ما جئت إلا في إحداهنّ. فأمر له بمائة دينار.
ثم أتى الرجل الحسين بن علي رضي اللّه عنهما فسأله، فقال له مثل مقالة أخيه، فردّ
عليه كما ردّ على الحسن، فقال: كم أعطاك? قال: مائة دينار، فنقصه ديناراً. كره أن
يساوي أخاه.
ثم أتى الرجل عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما فسأله فأعطاه سبعة دنانير ولم
يسأله عن شيء فقال الرجل له: إني أتيت الحسن والحسين، واقتصّ كلامهما عليه وفعلهما
به؛ فقال عبد اللّه ويحك! وأنّى تجعلني مثلهما! إنهما غرّاً العلم غرّا المال.
بين شيخ من بني عقيل وعمر بن هبيرة حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: جاء شيخٌ من
بني عقيلٍ إلى عمر بن هبيرة، فمتّ بقرابةٍ وسأله فلم يعطه شيئاً؛ فعاد إليه بعد
أيام فقال: أنا العقيليّ الذي سألك منذ أيام؛ فقال عمر: وأنا الفزاري الذي منعك
منذ أيام؛ فقال: معذرةً إلى اللّه! إني سألتك وأنا أظنك يزيد بن هبيرة المحاربيّ؛
فقال: ذاك الأم لك، وأهون بك عليّ، نشأ في قومك مثلي ولم تعلم به، ومات مثل يزيد
ولا تعلم به! يا حرسيّ اسفع بيده.
بين عبد اللّه بن الزبير وأعرابي أتى عبد اللّه بن الزبير أعرابيٌ يسأله، فشكا
إليه نقب ناقته واستحمله؛ فقال له ابن الزبير: ارقعها بسبتٍ واخصفها بلهب
وافعل....؛فقال الأعرابيّ: إني أتيتك مستوصلاً ولم آتك مستوصفاً، فلا حملت ناقةٌ
حملتني إليك! فقال: إن وصاحبها.
من أمثال العرب فيمن رجع خائباً والعرب تقول لمن جاء خائباً ولم يظفر بحاجته:
"جاء على غبيراء الظهر" وتقول هي والعوامّ: "جاء بخفّي حنين"؛
و"جاء على حاجبه صوفةٌ".
شعر أبو عطاء السندي في عمر بن هبيرة وقال أبو عطاء السّندي في عمر بن هبيرة:
ثلاثٌ حكتهنّ لـقـرم قـيسٍ |
|
طلبت بها الأخوة والثـنـاء |
رجعن على حواجبهن صوفٌ |
|
فعند اللّه أحتسب الـجـزاء |
الأصل في قول العرب "جاء بخفي
حنين"
والأصل في قولهم: "جاء بخفي حنين" أن إسكافاً من أهل الحيرة ساومه
أعرابيٌ بخفّين، فاختلفا حتى أغضبه، فازداد غيظ الأعرابيّ؛ فلما ارتحل أخذ حنينٌ
أحد خفّيه فألقاه على طريقه ثم ألقى الآخر في موضع آخر؛ فلما مرّ الأعرابي بأحدهما
قال: ما أشبه هذا بخفّ حنين! ولو كان معه الآخر لأخذته، ومضى؛ فلما انتهى إلى
الأخر ندم على تركه الأوّل، وأناخ راحلت فأخذه ورجع إلى الأوّل، وقد كمن له فعمد
إلى راحلته وما عليها فذهب به؛ وأقبل الأعرابيّ ليس معه غير الخفّين؛ فقال له
قومه: ما الذي أتيت به? قال: بخّفي حنين.
قالوا: فإن جاء وقد قضيت حاجته قيل: "جاء ثانياً من عنانه" فإن جاء
ولمّا تقض حاجته وقد أصيب ببعض ما معه، قالوا: "ذهب يبتغي قرناً فلم يرجع
بأذنين". يقول بشار:
فكنت كالعير غدا يبتغي |
|
قرناً فلم يرجع بأذنين |
لأعرابي وقد سأل قوماً سأل أعرابيّ قوماً،
فقيل له: بورك فيك! فقال: وكلكم اللّه إلى دعوةٍ لا تحضرها نيّة.
بين الوليد وأعرابي أرسل الوليد خيلاً في حلبةٍ، فأرسل أعرابيٌ فرساً له فسبقت
الخيل؛ فقال له الوليد: احملني عليهما؛ فقال: إن لها حرمةً، ولكني أحملك على مهر
لها سبق الخيل عام أوّل وهو ريضّ.
من أقوال العرب وتقول العرب فيمن يشغله شأنه عن الحاجة يسألها: "شغل الحلي
أهله أن يعار" بنصب الحلي، ويعار: من العارية. فأمّا قولهم: "أحقّ الخيل
بالركض المعار" فأنّ المعار: المنتوق الذّنب وهو المهلوب؛ يريدون أنه أخفّ من
الذيّال الذنب، يقال: أعرت الفرس إذا نتفته.
وتقول العرب لمن سئل وهو لا يقدر فردّ: " بيتي يبخل لا أنا"؛ يريدون أنه
ليس عنده ما يعطي.
ووعد رجلٌ رجلاً فلم يقدر على الوفاء بما وعده؛ فقال له: كذبتني. قال: لا، ولكن
كذبك مالي.
وتقول العرب فيمن اعتذر بالمنع بالعدم وعنده ما سئل: "أبى الحقين
العذرة". قال أبو زيد: وأصله أن رجلاً ضاف قوماً فاستسقاهم لبناً، وعندهم
لبنٌ قد حقنوه في وطبٍ، فاعتذروا أنه لا لبن عندهم؛ فقال: "أبى الحقين
العذرة". ويقال: " العذرة طرف البخل".
شعر للطائي يذكر المطل وقال الطائي يذكر المطل:
وكان المطل في بدءٍ وعـودٍ |
|
دخاناً للصنيعة وهـي نـار |
نسيب البخل مذ كانا وإن لـم |
|
يكن نسبٌ فبينهمـا جـوار |
لذلك قيل بعض المنع أدنـى |
|
إلى جودٍ وبعض الجود عار |
لإسماعيل القراطيسي في الفضل بن الربيع قال إسماعيل القراطيسيّ في الفضل بن الربيع:
لئن أخطأت فـي مـدح |
|
ك ما أخطأت في منعي |
لقد أحللت حـاجـاتـي |
|
بوادٍ غــير ذي زرع |
بين المنذر بن الزبير وحكيم بن حزام غزا
المنذر بن الزبير "في" البحر ومعه ثلاثون رجلاً من بني أسد بن عبد العزّى؛
فقال له حكيم بن حزام: يا بن أخي، إني قد جعلت طائفةً من مالي للّه عزّ وجلّ، وإني
قد صنعت أمراً ودعوتكم له، فأقسمت عليك لا يردّه عليّ أحدٌ منكم. فقال المنذر:
لاها اللّه إذاً، بل نأخذ ما تعطي، فإن نحتج إليه نستعن به ولا نكره أن يأجرك
اللّه، وإن نستعن عنه نعطه من يأجرنا اللّه فيه كما أجرك.
شعر لأعرابي وقد سأل رجلاً فأعطاه درهمين سأل أعرابيٌّ رجلاً يقال له: الغمر
فأعطاه درهمين، فردّهما وقال:
جعلت لغمرٍ درهمـيه ولـم يكـن |
|
ليغني عني فاقتي درهما غـمـر |
وقلت لغمر خذهما فاصطرفهـمـا |
|
سريعين في نقض المروءة والأجر |
أتمنع سؤّال العشـيرة بـعـد مـا |
|
تسمّيت غمراً واكتنيت أبا بـحـر |
شعر لأبي العتاهية في الفضل بن الربيع وقد سأله حاجة فلم يقضها له اختلف أبو العتاهية إلى الفضل بن الربيع في حاجةٍ له زماناً فلم يقضها له، فكتب:
أكلّ طول الزمان أنـت إذا |
|
جئتك في حاجةٍ تقول غدا! |
لا جعل اللّه لي إلـيك ولا |
|
عندك ما عشت حاجةٍ أبدا! |
وقال آخر:
إن كنت لم تنو فيما قلت لي صلةً |
|
فما انتفاعك من حبسي وترديدي |
فالمنع أجمله ما كان أعـجـلـه |
|
والمطل من غير عسرٍ آفة الجود |
وقال آخر:
بسطت لساني ثم أوثقت نصـفـه |
|
فنصف لساني في امتداحك مطلق |
|
||
فإن أنت لم تنجز عداتي تركتني |
|
وباقي لسان الشكر باليأس موثق |
|||
وقال آخر:
يا جواد اللسان من غير فعلٍ |
|
ليت جود اللسان في راحتيكا |
المواعيد وتنجّزها
لجبار
بن سلمى في عامر بن الطفيل ذكر جبّار بن سلمى عامر بن الطّفيل فقال: كان واللّه
وعد الخير وفى، وإذا أوعد بالشرّ أخلف وعفا.
شعر لأبي عمرو بن العلاء وأنشد أبو عمرو بن العلاء في نثل هذا المعنى:
ولا يرهب ابن العمّ ما عشت صولتي |
|
ويأمن منّي صـولة الـمـتـهـدّد |
وإنّـي إن أوعـدتـه أو وعـدتـه |
|
ليكذب إيعادي ويصدق مـوعـدي |
وكان يقال: وعد الكريم نقدٌ، ووعد اللئيم
تسويف.
شعر عبد الصمد بن الفضل لخالد بن ديسم وقال عبد الصّمد بن الفضل الرّقاشيّ
"أبو الفضل والعباس الرّقاشيّين البغداديّين" لخالد بن ديسم عامل
الرّيّ:
أخالد إنّ الرّيّ قد أجحفت بـنـا |
|
وضاق علينا رحبها ومعاشهـا |
وقد أطمعتنا منك يوماً سحـابةٌ |
|
أضاء لنا برقٌ وكفّ رشاشهـا |
فلا غيمها يصحو فيؤيس طامعٌ |
|
ولا ماؤها يأتي فتروى عطاشها |
شعر لأبي الحجاج وقال رجل في الحجّاج:
كأنّ فؤادي بين أظـفـار طـائر |
|
من الخوف في جوّ السماء محلّق |
حذار امرىء قد كنت أعلـم أنـه |
|
متى ما يعد من نفسه الشرّ يصدق |
لعمرو بن الحارث في الخلف بالوعد قال عمرو
بن الحارث: كنت متى شئت أجد من يعد وينجز، فقد أعياني من يعد ولا ينجز.
قال: وكانوا يفعلون ولا يقولون، فقد صاروا يقولون ويفعلون، ثم صاروا يقولون ولا
يفعلون، ثم صاروا لا يقولون ولا يفعلون.
شعر لبشار، ولغيره، في ذلك المعنى قال بشار:
وعدتني ثم لم توفي بمـوعـدتـي |
|
فكنت كالمزن لم يمطر وقد رعدا |
هذا مثل قول العرب لمن يعد ولا يفي: "برقٌ خلّب" وقال آخر:
قد بلوناك بحمد اللّه إن أغنى البلاء |
|
|
فإذا جلّ مواعي |
|
دك والـجــحـــد ســـواء |
وقال آخر:
لها كلّ عامٍ موعدٌ غير نـاجـزٍ |
|
ووقت إذا ما رأس حولٍ تجرّما |
فإن أوعدت شرّاً أتى دون وقته |
|
وإن وعدت خيراً أراث وأعتما |
لعبد اللّه بن عمر وقد زوّج ابنته لرجل من قريش وعد عبد اللّه بن عمر رجلاً من قريش أن يزوّجه ابنته! فلما كان عند موته أرسل إليه فزوّجه إياها، وقال: كرهت أن ألقى اللّه عزّ وجلّ بثلث اتّفاق شعر للطائي وقال الطائي:
تقول قول الذي ليس الوفاء له |
|
خلقاً وتنجز إنجاز الذي حلفا |
وأثنى اللّه تبارك وتعالى على نبيّه إسماعيل صلى اللّه عليه وسلم فقال: "إنّه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً" شعر لبشار، ولغيره، في المدح وقال بشار يمدح:
إذا قال تمّ علـى قـولـه |
|
ومات العناء بلا أو نعـم |
وبعض الرجال بمـوعـده |
|
قريبٌ وبالفعل تحت الرّجم |
كجاري السّراب ترى لمعه |
|
ولست بواجده عـنـدكـم |
وقال العبّاس بن الأحنف:
ما ضرّ من قطع الرجاء ببخله |
|
لو كان علّلني بوعـدٍ كـاذب |
وقال آخر:
عسى منك خيرٌ من نعم ألف مرّةٍ |
|
من آخر غال الصّدق منه غوائله |
وقال نصيب:
يقول فيحسن القول ابن ليلى |
|
ويفعل فوق أحسن ما يقول |
وقال زيادٌ الأعجم:
للّه درّك من فـتـىً |
|
لو كنت تفعل ما تقول |
لا خير في كذب الجوا |
|
د وحبّذا صدق البخيل |
من أمثال العرب في الخلف بالوعد والعرب
تضرب المثل في الخلف بعرقوب. قال ابن الكلبيّ عن أبيه: كان عرقوب رجلاً من
العماليق؛ فأتاه أخٌ له فسأله شيئاً؛ فقال له عرقوب: إذا أطلع نخلي. فلما أطلع
أتاه، قال: إذا أبلح. فلما أبلح أتاه، فقال: إذا أزهى. فلما أزهى أتاه، قال: إذا
أرطب أتاه، قال: إذا صار تمراً جدّه من الليل ولم يعط أخاه شيئاً.
شعر لكعب بن زهير، ولغيره، في هذا المعنى قال كعب بن زهير:
كانت مواعيد عرقوبٍ لها مثلاً |
|
وما مواعيدها إلاّ الأباطـيل |
وقال الأشجعيّ:
وعدت وكان الخلف منك سجيّةً |
|
مواعيد عرقوب أخاه بيتـرب |
هكذا قرأته على البصريين في كتاب سيبويه بالتاء وفتح الراء.
وقال الشاعر:
متى ما أقل يوماً لطالـب حـاجةٍ |
|
نعم، أقضها قدما وذلك من شكلي |
وإن قلت لا، بيّنتها من مكانـهـا |
|
ولم أوذه منها بجرٍّ ولا مـطـل |
وللبخـلة الأولـى أقـلّ مـلامةً |
|
من الجود بداءاً ثم يتبع بالبـخـل |
لأبي نواس في امرأة وقال أبو نواس لامرأة:
أنضيت أحرف لا مما لهجت بها |
|
فحوّلي رحلها عنها إلى نـعـم |
أو حوّليها إلى "لا" فهي تعدلهـا |
|
إن كنت حاولت في ذا قلّة الكلم |
قستم علينا فعارضنا قياسـكـم |
|
يا من تناهى إليه غاية الكـرم |
وفي هذا معنىً لطيفٌ.
من رجل إلى صديق له كتب رجلٌ إلى صديق له: قد أفردتك برجائي بعد اللّه، وتعجّلت
راحة اليأس ممن يجود بالوعد ويضنّ بالإنجاز، ويحسد أن يفضل، ويزهد أن يفضل، ويعيب
الكذب ولا يصدق وقال آخر:
وذي ثقةٍ تبدّل حين أثـرى |
|
ومن شيمي مراقبة الثّقات |
فقلت له عتبت عليّ إثمـاً |
|
فراراً من مؤونات العدات |
فعد لمودّتي وعلـيّ نـذرٌ |
|
سألتك حاجةً حتى الممات |
شعر في أصحاب النبيذ وقال آخر في أصحاب النبيذ:
مواعيدهم ربحٌ لمن يعدونـه |
|
بها قطعوا برد الشتاء وقاظوا |
وقال مسلم:
لسانك أحلى من جنى النحل موعداً |
|
وكفّك بالمعروف أضيق من قفل |
تمنّي الذي يأتيك حتّى إذا انتهـى |
|
إلى أجلٍ ناولته طرف الحـبـل |
شعر خلف بن خليفة لأبان بن الوليد وقد وعده وأبطأ عليه وسأل خلف بن خليفة أبان بن الوليد أن يهب له جاريةً، فوعده وأبطأ عليه؛ فكتب إليه:
أرى حاجتي عند الأمير كأنّمـا |
|
تهمّ زماناً عـنـده بـمـقـام |
وأحصر من إذكاره إن لقـيتـه |
|
وصدق الحياء ملجمٌ بـلـجـام |
أراها إذا كان النهـار نـسـيئةً |
|
وبالليل تقضي عند كلّ مـنـام |
فيا ربّ أخرجها فإنك مخـرجٌ |
|
من الميت حيّاً مفصحاً بكـلام |
فتعلم ما شكري إذا ما قضيتهـا |
|
وكيف صلاتي عندها وصيامي |
وإن حاجتي من بعد هذا تأخّرت |
|
خشيت لما بي أن أزور غلامي |
والعرب تقول: "أنجز حرٌّ ما وعد" شعر أمية بن أبي الصلت لعبد اللّه بن جدعان وقال أميّة بن أبي الصّلت لعبد اللّه بن جدعان:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني |
|
حياؤك إن شيمتك الحياء |
إذا أثنى عليك المرء يوماً |
|
كفاه من تعرضه الثنـاء |
للطائي وقال الطائي:
وإذا المجد كان عوني على المر |
|
ء تقاضيته بترك التّقـاضـي |
كلمات في استنجاز المواعيد وقال الزّهريّ:
حقيقٌ على من أورق بوعدٍ، أن يثمر بفعل.
وقال المغيرة: من أخرّ حاجة رجلٍ فقد تضمنّ قضاءها.
وقال الشاعر:
كفاك مدكراً وجهي بأمـري |
|
وحسبي أن أراك وأن تراني |
وكيف أحثّ من يعني بشأنـي |
|
ويعرف حاجتي ويرى مكاني |
وقال الشاعر:
يا صاح قل في حاجتي |
|
أذكرتها فيما ذكرتـا |
إنّ السّراح من النجـا |
|
ح إذا شقيت بما طلبتا |
وقال آخر:
في تصديك للمطالب إذكا |
|
رٌ بوعدٍ جرى به المقدار |
كتاب لصديق وكتب بعض الكتاب إلى صديقٍ له:
إن من العجب إذكار معنيٍّ، وحث متيقظٍ واستبطاء ذاكرٍ؛ إلا أن ذا الحاجة لا يدع أن
يقول في حاجته، حلّ بذلك منها أو عقل. وكتابي تذكرةٌ والسلام.
شعر للطرماح وقال الطرماح:
ألحسن منزلتي تؤخر حاجتـي |
|
أم ليس عندك لي بخيرٍ مطمع |
شعر حمزة بن بيض لمخلد بن يزيد بن المهلب وقال حمزة بن بيضٍ لمخلد بن يزيد بن المهلّب:
أتيناك في حاجةٍ فاقضهـا |
|
وقا مرحباً يجب المرحب |
ولا تكلّنا إلى مـعـشـرٍ |
|
متى يعدوا عدةً يكذبـوا |
وقال بعض المحدثين:
حوائج الناس كلّها قضـيت |
|
وحاجتي لا أراك تقضيهـا |
أناقة اللّه حاجتي عقـرت |
|
أم نبت الحرف في نواحيها |
شعر جرير لعمر بن عبد العزيز
وقال جريرٌ لعمر بن عبد العزيز:
أأذكر الضّرّ والبلوى التبي نزلت |
|
أم تكتفي بالذي بلّغت من خبري |
وقال آخر:
أرواح لتسليم عليك وأغتـدي |
|
وحسبك بالتّسليم منّي تقاضيا |
كفى بطلاب المرء ما لا يناله |
|
عناءً وباليأس المصرّح ناهيا |
وقال آخر:
ما أنت بالسّبب الضّعيف وإنما |
|
نحج الأمور بقوّة الأسـبـاب |
فاليوم حاجتنـا إلـيك وإنـمـا |
|
يدعى الطبيب لكثرة الأوصاب |
كتاب إلى سلطان كتب بعض الكتّاب إلى بعض
السلطان: أنا أنزّهك عن التجمّل لي بوعدٍ يطول به المدى ويعتزله الوفاء، وأحبّ أن
يتقرر عندك أن أملي فيك أبعد من أن أختلس الأمور منك اختلاس من يرى في عاجلك عوضاً
من آجلك، وفي الراهن من يومك بدلاً من المأمول في غدك، وألا تكون منزلتي في نفسك
منزلة من يصرف الطرف عنه وتستكره النفس عليه ويتكلّف ما فوق العفو له، وأن يختار
بين العذر والشكر؛ فاللّه يعلم أنّ أثر الحظّين عندي أحقّهما عليك، وأصوبهما لحالي
عندك.
وفي كتاب: ذو الحرمة ملومٌ على فرط الدّالة، كما أنّ المتحرّم به مذمومٌ على
التناسي والإزالة. ومن مذهبي الوقوف بنفسي دون الغاية التي يقدّمني إليها حقّي،
لأمرين: أحدّهما ألاّ أرضى بدون الحقّ أزيد في الحقّ. والثاني أن أرى النفيس من
الحظّ زهيداً إذا أتىمن جهة الإ رهاق ولي ذمام الموّدة الصادقة التي كلّ حرمةٍ
تبعٌ لها، وحق الشكر الذي جعله اللّه وفاءً بالنعم وإن جلّ قدرها؛ وأنت مراعي
المعالي وحافظ بقيّة الكرم؛ فأيّ سبيل للعذر، بل أي موضع للإكداء بين حرمتي
ورعايتك، وذمامي وكرمك! قال أحمد بن يوسف: أوّل المعروف مستخفٌ، وآخره مستثقل؛
يكاد أوّله يكون للهوى دون الرأي، وآخره للرأي دون الهوى. ولذلك قيل: ربٌ الصنيعة
أشدّ من ابتدائها.
شعر أبو العطاء السندي في يزيد بن عمر بن هبيرة قال أبو عطاء السّندي في يزيد بن
عمر "بن هبيرة":
ثلاثٌ حكتهن لقـوم قـيسٍ |
|
رجعن إليّ صفراً خائبات |
أقام على الفرات يزيد شهراً |
|
فقال الناس أيّهما الفـرات |
فيا عجباً لبحرٍ فاض يسقي |
|
جميع الناس لم يبلل لهاتي |
حال المسؤول عند السؤال
شعر في معنى هذا العنوان قال الشاعر:
سألناه الجزيل فما تلـكّـا |
|
وأعطى فوق منيتنا وزادا |
مراراً ما أعـود إلـيه إلاّ |
|
تبسّم ضاحكاً وثنى الوسادا |
وقال آخر:
قومٌ إذا نزل الغريب بدارهـم |
|
تركوه ربّ صواهلٍ وقـيان |
وإذا دعوتهـم لـيوم كـريهةٍ |
|
سدّوا شعاع الشمس بالفرسان |
لا ينقرون الأرض عند سؤالهم |
|
لتلمّس العلاّت بـالـعـيدان |
بل يبسطون وجوههم فترى لها |
|
عند السؤال كأحسن الألـوان |
وقال آخر:
يجعل المعروف والبرّ ذخراً |
|
ويعدّ الحمد خير التّجـارة |
وإذا ما جئتـه تـجـتـديه |
|
خلته بشّرتـه بـبـشـاره |
فترى في الطّرف منه حياءً |
|
وترى الوجه منه استنـاره |
وقال آخر:
إذا غدا المهـديّ فـي جـنـده |
|
أوراح في آل الرسول الغضاب |
بدا لك المعروف في وجـهـه |
|
كالضوء يجري في ثنايا الكعاب |
للعتبي، ولزهير وأنشدني العتبيّ:
له في ذرى المعروف نعمى كأنها |
|
مواقع ماء المزن في البلد القفر |
إذا ما أتاه السـائلـون تـوقـدت |
|
عليه مصابيح الطلاقة والبـشـر |
والمشهور في هذا قول زهير:
تراه إذا ما جئته متـهـلّـلاً |
|
كأنّك تعطيه الذي أنت سائله |
لأعرابي وقد سأل رجلاً فردّه وسأل رجل من الأعراب رجلاً "فلم يعطه" شيئاً؛ فقال:
كدحت بأظفاري وأعملت معـولـي |
|
فصادفت جلموداً من الصّخر أملسا |
تشاغل لما جئت في وجه حاجـتـي |
|
وأطرق حتى قلت قد مات أو عسى |
وأجمعت أن أنـعـاه حـين رأيتـه |
|
يفوق فواق "الموت" ثم تنـفّـسـا |
فقلت له لا بأس، لـسـت بـعـائذٍ |
|
فأفرخ تعلوه الكـآبة مـبـلـسـا |
لمسلم، وغيره وقال مسلم:
أطرق لما أتيت ممـتـدحـاً |
|
فلم يقل "لا" فضلاً على "نعم" |
فخفت إن مات أن أقـاد بـه |
|
فقمت أبغي النّجاء من أمـم |
لو أنّ كنز البـلاد فـي يده |
|
لم يدع الإعتلال بـالـعـدم |
وقال الحارث الكندي:
فلما أن أتيناه وقـلـنـا |
|
بحاجتنا تلوّن لون ورس |
وأض بكفّه يحتكّ ضرساً |
|
يرينا أنه وجعٌ بضـرس |
فقلت لصاحبي أبه كزاز |
|
وقلت أسرّه أتراه يمسي |
وقمنا هاربين معاً جميعاً |
|
نحاذر أن نزنّ بقتل نفس |
لأعرابي دخل على المساور الضبي فردّه خائباً قال الأصمعي: دخل أعرابّي على المساور الضّبي وهو بندار الرّي، فسأله فلم يعطه شيئاً، فأنشأ يقول:
أتيت المسـاور فـي حـاجةٍ |
|
فما زال يسعل حتى ضـرط |
وحكّ قفاه بـكـر سـوعـه |
|
ومسّح عثنونه وامـتـخـط |
فأمسكت عن حاجتـي خـيفةً |
|
لأخرى تقطّع شرج السفـط |
فأقسم لو عدت في حاجـتـي |
|
للطّخ بالسلح وشي النـمّـط |
وقال غلطنا حساب الخـراج |
|
فقلت من الضّراط جاء الغلط |
قال: فكان العامل كّلما ركب صاح به
الصّبيان: "من الضرط جاء الغلط" فهرب من غير عزل إلى بلاد أصبهان.
لنهار بن توسعة في قتيبة بن مسلم وقال نهار بن توسعة في قتيبة بن مسلم:
كانت خراسان أرضاً إذ يزيد بها |
|
وكلّ باب من الخيرات مفتوح |
فبدّلت بعده قرداً نـظـيف بـه |
|
كأنما وجهه بالخلّ منـضـوح |
لجرير في يزيد وقال جرير:
يزيد يغضّ الطّرف دوني كأنّمـا |
|
زوى بين عينيه عليّ المحـاجـم |
فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى |
|
ولا تلقنـي إلا وأنـفـك راغـم |
وقال آخر:
لا تسأل المرء عن خلائقه |
|
في وجهه شاهدّ من الخبر |
لمحمد بن واسع حدّثني أبو حاتم عن الأصمعي
عن الأبحّ عن البتيّ قال: قال محمد بن واسع: إنك لتعرف فجور الفاجر في وجهه.
شعر لأبي العتاهية قال أبو العتاهية:
ما لي أرى الناس قد أبرقوا |
|
بلؤم الفعال وقد أرعـدوا |
إذا جئت أفضلهم للـسـلا |
|
م ردّ وأحشـاؤه تـرعـد |
كأنك من خشية لـلـسـؤا |
|
ل في عينه الحيّة الأسـود |
لبعضهم في زياد وقال آخر:
إذا ما الرزّق أحجهم عن كريمٍ |
|
فألجأه الـزمـان إلـى زياد |
تلقّاه بـوجـهٍ مـكـفـهـر |
|
كأن عليه أرزاق الـعـبـاد |
وقال أخر:
ولي خليلٌ ما مسّنـي عـدمٌ |
|
مذ نظرت عينه إلى عدمي |
بشّرني بالغنى تـهـلـلّـه |
|
وقبل هذا تهلـلّ الـخـدم |
ومـحـنة الـزائرين بـينةٌ |
|
تعرف قبل اللقاء في الحشم |
العادة من المعروف تقطع
كان يقال: انتزع العادة ذنبّ محسوبّ لأبي الأسود الدؤلي
وقال أبو الأسود "الدؤلـي": |
|
|
ليت شعري عن أميري ما الذي |
|
غاله في الودّ حتـى ودعـه |
لا تهنّي بعد إذ أكرمـتـنـي |
|
وشديد عادةٌ مـنـتـزعـه |
أذكر البلوى التي أبلـيتـنـي |
|
وكلاماً قلته في المجـمـعة |
لا يكن برقك برقاً خـلّـبـاً |
|
إنّ خير البرق ما الغيث معه |
للأعشى والمشهور في هذا قول الأعشي:
عوّدت كندة عادةً فاصبر لها |
|
واغفر لجاهلها وروّ سجالها |
لأعرابي في القطع بعد العطاء سأل أعرابّي قوماً، فرقّ له رجلٌ منهم فضمّه إليه وأجرى له رزقاً أياماً ثم قطع عنه؛ فقال الأعرابي:
تسرّى فلمّا حاسب المرء نفسه |
|
رأى أنه لا يستقيم له السّـرو |
مثله لأبي زياد الكلابي وقدم أبو زياد الكلابي مع أعراب سنة القحمة، فأجرى عليهم رجلٌ رغيفاً لكل رجلٍ ثم قطعه؛ فقال أبو زياد:
إن يقطع العباس عنا رغيفة |
|
فما يأتني من نعمة اللّه أكثر |
والحكماء تقول: "العادة طبيعةٌ ثانيةٌ" في الأثر وفي الحديث: "الخير عادةٌ والشرّ لجاجةٌ" لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء لرجل من الأشراف:
ولقد ضربنا في البلاد فلم نجد |
|
أحداً سواك إلى المكارم ينسب |
فاصبر لعادتك التي عودتـنـا |
|
أولاً فأرشدنا إلى من نذهـب |
من أقوال العرب وتقول العرب فيمن اصطنع
معروفاً ثم أفسده بالمنّ أو قطعه حين كاد يتمّ: "شوى أخوك حتى إذا أنضج
رمدّ" لأبي كعب القاص قال أبو كعب القاصّ: كان رجل يجري عليّ رغيفاً في كلّ
يوم، وكان يقول إذا أتاه الرغيف: لعنك اللّه ولعن من بعث بك، ولعنني إن تركتك حتى
أصيب خيراً منك.
والعرب تقول في مثل هذا: "خذ من الرّضفة ما علها" وقال الشاعر:
وخذ القليل من اللئيم وذمّه |
|
إنّ اللئيم بما أتى معذور |
ومعذور: موسوم في موضع العذار، وليس هو من العذر
الشكر والثناء
للنبي
صلى اللّه عليه وسلم حدّثني شيخ لنا عن وكيع عن سفيان عن منصور عن هلال بن أساف
قال: قال "النبي" صلى اللّه عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم فليدن عليه
من ستر بيته فإنّ اللّه عزوجلّ يقسم الثناء كما يقسم الرزق" وحدّثني أيضاً عن
وكيع عن سعيد عن أبي عمران الجوني عن عبد اللّه بن الصّامت قال: قال أبو ذرّ: قلت
للنبيّ صلى اللّه عليه وسلم: الرجل يعمل العمل ويحبّه الناس? قال: "تلك عاجل
بشرى المؤمن" وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: "إذا أردتم أن تعلموا ما
للعبد عند اللّه فانظروا ماذا يتبعه من الثناء" مضاعفة الثناء كما تضاعف
الحسنات حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: كان يقال: الثناء يضاعف كما تضاعف
الحسنات؛ يكون الرجل سخيّاً فيزيد اللّه في سخائه، ويكون شجاعاً فيزيد اللّه في
شجاعته.
بين عمر بن الخطاب ورجل وحدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن العمريّ قال: قال رجلٌ لعمر
بن الخطّاب رضي اللّه عنه: إنّ فلاناً رجل صدقٍ. قال: سافرت معه? قال: لا قال:
فكانت بينك وبينه خصومة? قال: لا. قال: فهل ائتمنته على شيء? قال: لا. قال: فأنت
الذي لا علم لك به أراك رأيته يرفع رأسه ويخفضه في المسجد??! لبعض الحكماء في
الشعر قال بعض الحكماء: إذا قصرت يدك عن المكافأة فليطل لسانك بالشكر وقال آخر:
حقّ النّعمة أن تحسن لباسها، وتنسبها إلى وليّها، وتذكر ما تناسى عندك منها.
شعر لبعض الحارثيين وقال بعض الحارثّيين:
عثمان يعلم أنّ الحمد ذو ثـمـن |
|
لكنّه يشتهي حمـداً بـمـجّـان |
والناس أكيس من أن يحمدوا أحداً |
|
حتى يروا قبله آثار إحـسـان |
لحماد عجرد، ثم لابن حطان وقال حمّاد عجرد:
قد ينقضي كلّ ما أوليت من حسنٍ |
|
إذا أتى دون ما أولـيت يومـان |
تنأى بودّك ما استغنت عن أحـدٍ |
|
وطمعت فأنت الواصل الدّانـي |
الشّهد أنت إذا ما حاجةٌ عرضت |
|
وحنظلٌ كلّما استغنيت خطبـان |
وقال عمران بن حطّان:
وقد عرضت لي حاجةٌ وأظننـي |
|
بأنّي إذا أنزلتها بـك مـنـجـح |
فإن أك في أخذ العطيّة مربحـاً |
|
فإنك في بذل العـطـيّة أربـح |
لأنّ لك العقبى من الأجر خالصاً |
|
وشكري في الدنيا، فحظّك أرجح |
لمعاوية بن أبي سفيان يعاتب قريشاً وقال معاوية بن أبي سفيان يعاتب قريشاً:
إذا أنا أعطيت القلـيل شـكـوتـم |
|
وإن أنا أعطيت الكثير فلا شكـر |
وما لمت نفسي في قضاء حقوقكم |
|
وقد كان لي فيما اعتذرت به عذر |
وأمنحكم مالي وتكفر نعـمـتـي |
|
وتشتم عرضي في مجالسها فهـر |
إذا العذر لم يقبل ولم ينفع الأسـى |
|
وضاقت قلوبٌ منهم حشوها الغمر |
فكـيف أداوي داءكـم ودواؤكـم |
|
يزيدكم غيّاً?? فقد عظـم الأمـر |
سأحرمكم حتى يذلّ صعـابـكـم |
|
وأبلغ شيءٍ في صلاحكم الفقـر |
لطريح الثقفي، وللخريمي وقال طريح الثّقفيّ:
سعيت ابتغاء الشكر فيما صنعت بي |
|
فقصّرت مغلوباً وإني لـشـاكـر |
للخريمي ومثله قول الخريميّ:
لأنك تعطيني الـجـزيل بـداهةً |
|
وأنت لما استكثرت من ذاك حاقر |
ومثله قوله أيضاً:
زاد معروفك عندي عظماً |
|
أنه عندك محقور صغير |
|
||
تتنـاسـاه كـأن لـم تـأتـه |
|
وهو عند الناس مشهورٌ كبير |
|||
قول رجل لسلطان قال رجل لبعض السلطان:
المواجهة بالشكر ضربٌ من الملق، منسوب من عرف بها إلى التخلق وأنت تمنعني من ذلك
وترفع الحال بيننا عنه، ولذلك تركت لقاءك به. غير أني من الاعتراف بمعروفك ونشر ما
تطوي منه والإشادة بذكره عند إخوانك والانتساب إلى التقصير مع الإطناب في وصفه،
على ما أرجو أن أكون قد بلغت به حال المحتمل للصنيعة، الناهض بحقّ النعمة.
شعر لابن عنقاء الفزاري قال ابن عنقاء الفزاريّ:
رآني على ما بي عميلة فاشتكـى |
|
إلى ماله حالي أسرّ كما جـهـر |
دعاني فآساني ولو صـدّ لـم ألـم |
|
على حين لا بدو يرجّى ولا حضر |
فقلت له خيراً وأثنـيت فـعـلـه |
|
وأوفاك ما أسديت من ذمّ أو شكر |
شعر في الشكر وقال آخر:
سأشكر عمراً إن تراخت منـيتـي |
|
أيادي لم تمنن وإن هـي جـلّـت |
فتىً غير محجوب الغنى عن صديقه |
|
ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت |
رأى خلتي من حيث يخفى مكانهـا |
|
فكانت قذى عينيه حتى تـجـلّـت |
من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند:
أربعةٌ ليست لأعمالهم ثمرة: مسار الأصمّ، والباذر في السبخة، والمسرج في الشمس،
وواضع المعروف عند من لاشكر له.
لبعض الشعراء في الشكر وقال بعض الشعراء المحدثين، وقيل: إنه للبحتري، فبعثت إليه
أسأله عنه فأعلمني أنه ليس له:
فلو كان للشكر شخصٌ يبين |
|
إذا ما تأملـه الـنـاظـر |
لبينته لـك حـتـى تـراه |
|
فتعلم أنّي امرؤ شـاكـر |
ولكنه ساكنٌ في الضمـير |
|
يسحرّكه الكلم الـسـائر |
وقال آخر:
فلو كان يستغني عن الشكر سيدٌ |
|
لعزة ملكٍ أو علـوّ مـكـان |
لما أمر الله الجليل بـشـكـره |
|
فقال اشكروني أيها الثقـلان |
وقال آخر:
فأثنوا علينا لا أبا لأبـيكـم |
|
بإحساننا إن الثناء هو الخلد |
وقال رجل من غنيٍّ:
فإذا بلغتم أهلكم فتحدثـوا |
|
ومن الثناء مهالك وخلود |
لعائشة رضي الله عنها تتمثل بشعر في شكر النعمة وكانت عائشة رضي الله عنها تتمثل بقول الشاعر:
يجزيك أو يثني عليك وإن مـن |
|
أثنى عليك بما فعلت كمن جزى |
شعر الحارث بن شداد في علي بن الربيع الحارثي وقال الحارث بن شداد في عليّ بن الربيع الحارثي:
الناس تحتك أقدام وأنـت لـهـم |
|
رأسٌ وكيف يسوى الرأس والقدم |
فحسبنا من ثناء الـمـادحـين إذا |
|
أثنوا عليك بأن يثنوا بما علمـوا |
وقال آخر:
بأي الخصلتين عليك أثنـي |
|
فإني عند منصرفي مسول |
أبالحسنى وليس لها ضـياءٌ |
|
عليّ فمن يصدّق ما أقول |
أم الأخرى ولست لها بأهلٍ |
|
وأنت البحر من ذهبٍ يسيل |
لبشار وقال بشار:
أثني عليك ولي حال تكـذبـنـي |
|
فيما أقول فأستحيي من الـنـاس |
قد قلت إن أبا حفصٍ لأكرم مـن |
|
يمشي فخاصمني في ذاك إفلاسي |
من بعض الكتاب إلى وزير وكتب بعض الكتاب
إلى وزير: لست تشبه حالنا في الحرمة، ولا نشبه حالك في الجاه والقدر، ولا ظاهر ما
نحن عليه الباطن. وليس بعد حرمتي حرمةٌ، ولا فوق سببي سبب، ولا بعد حالك حالٌ
يرتجى، ولا بعد منزلتك منزلةٌ تتمنى، ولا تنتظر شيئاً ولا أنتظره؛ ولا أتوقع حقاً
أزيده في حقوقي، ولا تتوقع فائدة تزيدها في ذات يدك. وكم تحتال بالألفاظ، وتموه
بالمعاني، والناس يحتجون بالعمل ويقضون بالعيان.
لبعض الشعراء في قلة الشكر وقال بعض الشعراء:
وزهدني في كل خيرٍ صنـعـتـه |
|
إلى الناس ما جريت من قلة الشكر |
شعر لأبي الهول في أبي المراء عتبة بن عاصم وقال أبو الهول في أبي المراء عتبة بن عاصم:
إذا فاخرتنا من معـدٍّ عـصـابةٌ |
|
فحزناً عليها بابن عتبة عاصـم |
يجرّ رياط الحمد في دار قومـه |
|
ويختال في عرضٍ من الذم سالم |
من رجل لبعض السلطان
وقال رجل لبعض السلطان: مثلك أوجب حقاً لا يجب عليه، وسمح بحق يجب له، وقيل واضح
العذر، واسكثر قليل الشكر. لا زالت أياديك فوق شكر أوليائك، ونعمة الله عليك فوق
آمالهم فيك.
وكتب آخر: ما أنتهي إلى غايةٍ من شكرك، إلا وجدت وراءها غايةً من معورفك يحسرني
بلوغها. وما عجز الناس عنه فالله من ورائه. فلا زالت أيامك ممدودةً بين أمل لك
تبلغه، وأمل فيك تحقّقه، حتى تتملّى من الأعمار أطولها، وتنال من الهبات أفضلها.
ونحو هذا قول آخر: كان لي فيك أملان: أحدهما لك، والآخر بك، فأمّا الأمل لك فقد
بلغته، وأما الأمل بك فأرجو أن يحقّقه الله ويوشكه.
وفي كتاب آخر: أيام القدرة وإن طالت قصيرةٌ، والمتعة بها وإن كثرت قليلةٌ،
والمعروف وإن أسدي إلى من يكفره مشكورٌ بلسان غيره.
لبعض الكتّاب وفي كتاب بعض الكتّاب: وما ذكرت - أعزك الله - من ذلك قديماً ولا
جدّدت منه حديثاً، إلا وأصغر أملي فيك فوقه إن كان استحقاقي دونه. فإن أقض واجب
حقّ الله عليّ في كشر نعمك فبتوفيقه وعونه، وإن أقصّر عن كنهه فعن غير تقصيرٍ في
بلوغ الجهد فيه.
وفي هذا الكتاب: أما ما بذل الأمير من ماله، فذلك ما قد سبق الرجاء بل اليقين
إليه، معرفةً مني بطوله وكرمه، وليس ينكر أياديه ولا بدع صنائعه. وما يرشدني أملي
بعد الله إلا إليه، ولا أفزع لحادثةٍ إلى غيره، ولا أتضاءل لنائبة معه. ولو عجزت
عن النهضة لما حاولت الاستقلال والانتعاش إلا به. ومال الأمير الكثير المذخور عند
انقطاع الحيل، ولا معنّفٌ طالبه، ولا مخوّفٌ على الرد عنه واهبه، ولا عائق منعٍ
دونه، ولا تنغيص من ورائه؛ ولا كنز أولى بالصون وأن يجعل وقفاً على النوائب
والعواقب من كنز من هذه حاله.
بين بني تميم وسلامة بن جندل قالت بنو تميم لسلامة بن جندل: مجّدنا بشعرك؛ فقال:
افعلوا حتى أثني.
شعر لعمرو بن معد يكرب ونحوه قول عمرو بن معد يكرب:
فلو أن قومي أنطقطتني رماحهم |
|
نطقت ولكن الرمـاح أجـرّت |
بين قرشي وأشعب قال رجل من قريش لأشعب:
والله ما شكرت معروفي عندك. فقال: إن معروفك كان من غير محتسبٍ، فوقع عند غير
شاكر.
شعر لأبي نواس، وآخرين وقال أبو نواس:
أنت امرؤ أوليتنـي نـعـمـاً |
|
أوهت قوى شكري فقد ضعفا |
فإليك بـعـد الـيوم تـقـدمةً |
|
والتك بالتصريح منكـشـفـا |
لا تـحـدثـنّ إلـيّ عـارفةً |
|
حتى أقوم بشكر ما سـلـفـا |
وقال أبو نخيلة:
شكرتك إنّ الشكر حبلٌ من التقى |
|
وما كلّ من أقرضته نعمةً يقضي |
فأحييت من ذكري وما كان ميّتـاً |
|
ولكن بعض الذكر أنبه من بعض |
آخر:
لأشكرنّك معروفاً همـمـت بـه |
|
إن اهتمامك بالمعروف معروف |
ولا ألومك إن لم يمـضـه قـدرٌ |
|
فالشيء بالقدر المحتوم مصروف |
بين رجل وسعيد بن جبير وقال رجل لسعيد بن
جبير: المجوسيّ يوليني خيراً فأشكره، ويسلّم عليّ فأردّ عليه. فقال سعيد: سألت ابن
عباس عن نحو هذا، فقال لي: لو قال لي فرعون خيراً لرددت عليه مثله.
شعر لابن الأعرابي أنشد ابن الأعرابي:
أهلكتني بفـلانٍ ثـقـتـي |
|
وظنون بفلانٍ حـسـنـه |
ليس يستوجب شكراً رجلٌ |
|
نلت خيراً منه من بعد سنه |
لبعضهم وقال بعضهم: لا تثق بشكر من تعطيه
حتى تمنعه؛ فإن الصابر هو لشاكر، والجازع هو الكافر.
لأوس بن حجر وقال أوس بن حجر:
سأجزيك أو يجزيك عني مثوّبٌ |
|
وقصدك أن يثنى عليك وتحمدي |
من أمثال العرب في الشكور والعرب تقول:
فلانٌ "أشكر من البروق" وهو نبت ضعيف ينبت بالسحاب إذا نشأ وبأدنى مطر.
وقال الشاعر:
لئن طبت نفساً عن ثنائي فـإنـنـي |
|
لأطيب نفساً عن نداك على عسري |
فلست إلى جدواك أعظـم حـاجةً |
|
على شدّة الإعسار منك إلى شكري |
وقال آخر:
حسب امرئٍ إن فاتني غرضُ |
|
من برّه أن فاته شـكـري |
إني إذا ضاق امرؤ بـجـداً |
|
عني اتسعت عليه بالـعـذر |
شعر الطائي إلى إسحاق بن إبراهيم وقال الطائي لإسحاق بن إبراهيم:
ومحجّب حاولتـه فـوجـدتـه |
|
نجماً عن الركب العفاة شسوعا |
|
||
أعدمته لما عدمـت نـوالـه |
|
شكري فرحنا معدمين جميعا |
|||
وقال:
فإن يك أربى عفو شكري على ندى |
|
أناسٍ فقد أربى نداه على جهـدي |
وقال:
وكيف يجور عن قصدٍ لساني |
|
وقلبي رائحٌ برضاك غادي |
ومما كانت العلماء قـالـت |
|
لسان المرء من خدم الفؤاد |
وقال:
أبا سعيدٍ وما وصفـي بـمـتّـهـمٍ |
|
على الثناء وما شكري بمـخـتـرم |
لئن جحدتك وما أوليت مـن نـعـمٍ |
|
إني لفي الشكر أحظى منك في النعم |
أنسى ابتسامـك والألـوان كـاسـفةً |
|
تبسّم الصبح في داجٍ من الـظـلـم |
رددت رونق وجهي في صحيفـتـه |
|
ردّ الصقال بهاء الصـارم الـخـذم |
وما أبالي، وخير القـول أصـدقـه، |
|
حقنت لي ماء وجهي أم حقنت دمي |
وقال:
فلا تكدر حياضك لي فإني |
|
أمتّ إليك آمـالاً طـوالا |
وفر جاهي عليّ فإن جاهي |
|
إذا ما غبّ يومٌ كان مـالا |
وقال:
يا منّةً لك لولا ما أخـفّـفـهـا |
|
به من الشكر لم تحمل ولم تطق |
بالله أدفع عني ثقل فـادحـهـا |
|
فإنني خائفٌ منه على عنـقـي |
شعر لبشار في عمر بن العلاء وقال بشار في عمر بن العلاء:
دعاني إلى عمـرٍ جـوده |
|
وقول العشيرة بحرٌ خضم |
ولولا الذي زعموا لم أكن |
|
لأمدح ريحانةً قبل شـمّ |
مراتب الشكر ويقال: الشكر ثلاث منازل: لمن
فوقك بالطاعة، ولنظيرك بالمكافأة، ولمن دونك بالإفضال عليه.
شعر لإبراهيم بن المهدي يشكر المأمون قال إبراهيم بن المهدي يشكر المأمون:
رددت مالي ولم تمنن علـيّ بـه |
|
وقبل ردّك مالي قد حقنت دمـي |
فأبت منك وقد جللتني نـعـمـاً |
|
هي الحياتان من موتٍ ومن عدم |
فلة بذلت دمي أبغي رضاك بـه |
|
والمال حتى أسل النعل من قدمي |
ما كان ذاك سوى عاريّةٍ رجعت |
|
إليك لو لم تعرها كنت لم تـلـم |
وقام علمك بي فاحتج عندك لـي |
|
مقام شاهد عدلٍ غير مـتّـهـم |
للخثعمي وقال آخر، وبلغني أنه الخثعمي:
فاذهبا بي إن لم يكن لكما عق |
|
رٌ إلى جنب قبره فاعقراني |
وانضحا من دمي عليه فقد كا |
|
ن دمي من نداه لو تعلمـان |
بين سليمان بن عبد الملك ورجل وفد عليه
شاكراً وفد رجل على سليمان بن عبد الملك في خلافته؛ فقال له: ما أقدمك? قال: ما
أقدمني عليك رغبةٌ ولا رهبةٌ. قال: وكيف ذاك? قال: أما الرغبة فقد وصلت إلينا
وفاضت في رحالنا وتناولها الأقصى والأدنى منا، وأما الرهبة فقد أمنا بعدل أمير المؤمنين
علينا وحسن سيرته فينا من الظلم، فنحن وفد الشكر.
الفرزدق يمدح عمرو بن عتبة وقال الفرزدق في عمرو بن عتبة:
لولا ابن عتبة عمروٌ والرجاء له |
|
ما كانت البصرة الحمقاء وطنا |
أعطاني المال حتى قلت يودعني |
|
أو قلت أودع لي مالاً رآه لنـا |
فجوده متعبٌ شكري ومنّـتـه |
|
وكلما زدت شكراً زادني مننـا |
يرمي بهمته أقصى مسافتـهـا |
|
ولا يريد على معروفه ثمـنـا |
لأعرابي في كرم أحدهم هذا مثل قول
الأعرابيّ: ما زال فلانٌ يعطيني حتى ظننت أنه يودعني ماله. وما ضاع مالٌ أورث
المحامد.
خمسة أشياء ضائعة ويقال: خمسة أشياء ضائعةٌ: سراجٌ يوقد في شمسٍ، ومطرٌ جودٌ في
سبخةٍ، وحسناء تزفّ إلى عنّينٍ، وطعامٌ استجيد وقدّم إلى سكران، ومعروفٌ صنيع إلى
من لا شكر له.
قول في الشكر وكان يقال: الشكر زيادةٌ ف النّعم وأمانٌ من الغير.
لأسماء بن خارجة وقال أسماء بن خارجة: إذا قدمت المصيبة تركت التّعزية، وإذا قدم
الإخاء قبح الثناء.
لروح بن حاتم وقد أرسل إلى كاتب له بدراهم بعث روح بن حاتم إلى كاتب له بثلاثين
ألف درهم، وكتب إليه: قد بعثت بها إليها، ولا أقلّلها تكبّراً، ولا أكثّرها
تمنّناً، ولا أستثيبك عليها ثناء، ولا أقطع عنك بها رجاء.
من كتاب الهندفي ستة أشياء لا ثبات لها وفي كتاب للهند: لا ثناء مع كبر.
وفيه: ستّة أشياء لا ثبات لها: ظلّ الغمام، وخلّة الأشرار، وعشق النساء، والمال
الكثير، والسّلطان الجائر، والثناء الكاذب.
من أمثال العرب والعرب تقولك:"لا تهرف قبل أن تعرف" أي تطنبنّ في لثّناء
قبل الاختيار.
شعر لأبي نواس وهو في الحبس إلى الفضل بن الربيع وكتب أبو نواس من الحبس إلى الفضل
بن الربيع:
ما من يدٍ في الناس واحدةٍ |
|
كيدٍ أبو العباس مولاهـا |
نام الثّقات على مضاجعهم |
|
وسرى إلى نفسي فأحياها |
قد كنت خفتك ثم آمننـي |
|
من أن أخافك خوفك اللّه |
فعفوت عنّي عفو مقتـدرٍ |
|
وجبت له نقمٌ فألغـاهـا |
والبيت المشهور في هذا قول النّجاشيّ:
لا تحمدنّ امرأً حتى تجرّبه |
|
ولا تذمّنّ من لم يبله الخبر |
شعر في اختبار الرجال وقال آخر في الاختبار:
إنّ الرجال إذا اختبرت طباعهم |
|
ألفيتهم شتّى على الأخـبـار |
لا تعجلنّ إلى شريعة مـوردٍ |
|
حتى تبيّن خـطّة الإصـدار |
لأبي العالية وقال الرّياشيّ: أنشدني أبو العالية:
إذا أنا لم أشكر على الخير أهله |
|
ولم أذمم الجبس اللئيم المذمما |
ففيم عرفت الخير والشرّ باسمه |
|
وشقّ لي اللّه المسامع والفما |
لابن التوءم في الجواد قال ابن التّوءم:
كلّ من كان، جوده يرجع إليه؛ ولولا رجوعه إليه لما جاد عليك، ولو تهيأ له ذلك
المعنى في سواك لما قصد إليك، فليس يجب له عليك شكرٌ. وإنما يوصف بالجود في
الحقيقة ويشكر على النفع في حجّة العقل، الذي إن جاد عليك فلك جاد، ونفعك أراد، من
غير أن يرجع إليه جوده بشيءٍ من المنافع على جهةٍ من الجهات، وهو اللّه وحده لا
شريك له. فإن شكرنا الناس على بعض ما جرى لنا على أيديهم، فلأمرين: أحدهما
التعبّد؛ وقد أمر اللّه تعالى بتعظيم الوالدين وإن كانا شيطانين، وتعظيم من هو
أسنُّ منّا وإن كنّا أفضل منه. والآخر: لن النفس ما لا تحصّل الأمور وتميّز
المعاني، فالسابق إليها حبّ من جرى لها على يديه الخير وإن كان لم يردها ولم
يقصدها إليها. إلا ترى أن عطيّة الرجل صاحبه لا تخلو أن تكون للّه أو لغير اللّه؛
فإن كانت للّه فثوابه على اللّه؛ وكيف يجب في حجّة العقل شكره وهو لو صادف ابن
سبيل غيري لما أعطاني؛ وإما يكون إعطاؤه إياي للذكر؛ فإن كان كذلك فإنما جعلني
سلماً إلى حاجته وسبباً إلى بغيته؛ أو يكون إعطاؤه إيايّ طلباً للمكافأة؛ فإنما
ذلك تجارةٌ؛ أو يكون إعطاؤه لخوف يدي أو لساني أو اجترار معونتي ونصرتي، وسبيل هذا
معروفٌ؛ أو يكون إعطاؤه للرحمة والرّقة ولما يجد في فؤاده من العصر والألم، فإنما
داوى بتلك العطيّة من دائه ورفّه من خناقه.
وكان محمد بن الجهم يقول: نحو هذا قول الشاعر:
لعمرك ما الناس أثنوا علـيك |
|
ولا عظّموك ولا عظـمـوا |
ولا شايعوك على ما بـلـغ |
|
ت من الصالحات ولا قدّموا |
ولو وجدوا لهم مـطـعـنـاً |
|
إلى أن يعيبوك ما جمجمـوا |
ولكن صبرت لما ألـزمـوك |
|
وجدت بما لـم يكـن يلـزم |
وكان قراك إذا مـا لـقـوك |
|
لساناً بما سـرّهـم ينـعـم |
وخفض الجناح ووشك النجاح |
|
وتصغير ما عظّم المنـعـم |
فأنت بفضلك ألـجـأتـهـم |
|
إلى أن يجلّوا وأن ينعـمـوا |
شعر لخلف بن خليفة الأقطع وقال خلف بن خليفة الأقطع:
وفي اليأس من أن تسأل الناس راحةٌ |
|
تميت بها عسراً وتحيي بها يسـراً |
ولـيس يدٌ أولـيتـهـا بـغـنـيمة |
|
إذا كنت تبغي أن يعدّ لها شـكـرا |
غنى النفس يكفي النفس ما سدّ فاقةً |
|
فإن زاد شيئاً عاد ذاك الغنى فقـرا |
شعر لعبد الرحمن بن حسان قال ابن عائشة: بلغني أنّ عبد الرحمن بن حسّان سأل بعض الولاة حاجةً فلم يقضها له، فسألها آخر فقضاها له؛ فقال:
ذممت ولم تحمد وأدركت حاجتي |
|
تولّى سواكم أجرها واصطناعها |
|
||
أبى لك كسب الحمد رأيٌ مقصرٌ |
|
ونفسٌ أضاق اللّه بالخير باعها |
|
||
إذا هي حثّته على الخير مـرّةً |
|
عصاها وإن همّت بشرٍّ أطاعها |
|||
بين ابن عيينة ورجل سأله عن الثناء على اللّه تعالى وقال ابن عائشة: قال رجلٌ يوماً لابن عيينة: ما شيء تحدثونه يا أبا محمد? قال: ماهو? قال: يقولون إن اللّه تعالى يقول: أيّما عبدٍ كانت له إليّ حاجةٌ فشغله الثناء عليّ عن سؤال حاجته، أعطيته فوق أمنيّته. فقال له: يا بن أخي، وما تنكر من هذا! أما سمعت قول أميّة بن أبي الصّلت في عبد اللّه بن جدعان:
أثنى عليه المرء يومـاً |
|
كفاه من تعرضه الثناء |
فكيف بأكرم الأكرمين! وكان يقال: في طلب
الرجل الحاجة إلى أخيه فتنةٌ: إن هو أعطاه حمد غير الذي أعطاه وإن هو منعه ذم غير
الذي منعه.
شعر لدكين الراجز حدّثنا الرّياشيّ قال: أنشدنا كيسان لدكين الراجز:
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه |
|
فكـل رداءٍ يرتـديه جـمــيل |
إذا المرء لم يصرع عن اللؤم نفسه |
|
فليس إلى حسن الثنـاء سـبـيل |
أول منازل الحمد وكان يقال: أول منازل
الحمد السلامة من الذم.
شعر لعروة بن أذنية قال عروة بن أذينة اللّيثي:
لا تتركن إن صنيعةٌ سلـفـت |
|
منك وإن كنت لا تصغّرهـا |
إلى امرىء أن يقول إن ذكرت |
|
عندك في الجدّ لست أذكرهـا |
فإنّ إحـياءهـا إمـاتـتـهـا |
|
وإنّ منّـا بـهـا يكـدّرهـا |
وإن تولّى امرؤٌ بـشـكـر يدٍ |
|
فاللّه يجزي بها ويشكـرهـا |
إحياء
المعروف ويقال: أحيوا المعروف بإماتته.
لأبي همرو بن مسعدة في خير مواضع المعروف أبو سفيان الحميريّ قال: كان مسعدة
الكاتب أبو عمرو بن مسعدة مولىً لخالد القسريّ، وكان في ديوان الرسائل بواسط، وكان
موجزاً في كتبه، فكتب إلى صديق له: أما بعد، فإنه لن يعدمك من معروفك عندنا أمران:
أجرٌ من اللّه وشكرٌ منّا. وخير مواضع المعروف ما جمع الأجر والشكر. والسلام.
كتاب بعض الكتاب لأحد العمال وكتب بعض الكتّاب إلى بعض العمّال: وما أتأملّ في وقت
من الأوقات ولا يومٍ من الأيام آثار أياديك لديّ، ومواقع معروفك عندي، إى نبّهني
التأمل على ما يحسر الشكر ويثقل الظهر، لأنك أنعشت من عثرة، وأنهضت من سقطه،
وتلافيت نعمةً كانت على شفا زوالٍ ودروس، وتلقّيت ما ألقيت عليك من الكلّ بوجهٍ
طليق وباع رحيب. والسلام.
الترغيب في قضاء الحاجة واصطناع المعروف
للنبي
صلى اللّه عليه وسلم في معنى هذا العنوان حدثني محمد بم عبيد قال: حدّثنا داود بن
المحبّر عن محمد بن الحسن الهمداني عن أبي حمزة عن عليّ بن الحسين عن أبيه عن جدّه
عليّ بن أبي طالب رضوان اللّه عليه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:
"من ترك معونة أخيه المسلم والسّعي معه في حاجته قضيت أو لم تقض كلف أن يسعى
في حاجة من لا يؤجر في حاجته. ومن ترك الحجّ لحاجةٍ عرضت له لم تقض حاجته حتى يرى
رؤوس المحلّقين" وله صلى اللّه عليه وسلم في الشفاعة إليه حدّثني محمد بن
عبيد قال: حدّثنا ابن عيينة عن يزيد بن عبد اللّه بن أبي بردة عن أبيه عن جدّه عن
أبي موسى قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "اشفعوا إليّ ويقضي اللّه
على لسان نبيّكم ما شاء".
بلغني عن جعفر بن أبي جعفر المازنّي عن ابن أبي السّريّ عن إبراهيم بن أدهم عن
منصور بن المعتمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إن أحببت أن
يحبك اللّه فأزهد في الدنيا وإن أحببت أن يحبك الناس فلا يقع في يدك من حطامها شيء
إلا نبذته إليهم" لابن عيينة عن ابن المنكدر في أفضل الأعمال حدّثني محمد بن
داود عن محمد بن جابر قال: قال ابن عيينة: ليس أقول لكم إلاّ ما سمعت: قيل لابن
المنكدر: أيّ الأعمال أفضل? قال: إدخال السرور على المؤمن. وقيل: أيّ الدنيا أحبّ
إليك? قال: الإفضال على الإخوان.
لزرير العطاردي في قضاء أبي رجاء العطاردي حاجات الناس
حدثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: حدّثنا زرير العطارديّ قال: صلّى بنا أبو رجاء
العطارديّ العتمة ثم أوى إلى فراشه، فأتته امرأة فقالت: أبا رجاءٍ، إنّ لطارق
الليل حقّاً، وإنّ بني فلان خرجوا إلى سفوان وتركوا كتبهم وشيئاً من متاعهم.
فانتعل أبو رجاء وأخذ الكتب وأدّاها وصلّى بنا الفجر، وهو مسيرة ليلةٍ للإبل،
والناس يقولون: إنها أربعة فراسخ.
للحسن في قضاء الحاجة حدّثني أحمد بن الخليل عن محمد بن سعيد قال: حدّثنا ابن
المبارك عن حميدٍ عن الحسن قال: لأن أقضي حاجةً لأخٍ أحبّ إليّ من أن أعتكف سنةً.
دعاء لعمرو بن معاوية العقيلي قال المأمون لمحمد بن عبّاد المهلّبيّ: أنت متلافٌ.
فقال: يا أمير المؤمنين، منع الموجود سوء ظنّ بالله، يقول اللّه تعالى: "وما
أنفقتم من شيءٍ فهو يخلفه وهو خير الرازقين" لابن عباس، وللنبي صلى اللّه
عليه وسلم في المعروف وكان ابن عبّاس يقول: صاحب المعروف لا يقع، فإن وقع وجد
متّكأً. هذا نحو قول النبي صلى اللّه عليه وسلم: "المعروف يقي مصارع
السّوء" لابن عباس أيضاً في المعروف وكان ابن عبّاس يقول أيضاً: ما رأيت
رجلاً أوليته معروفاً إلاّ أضاء ما بيني وبينه، ولا رأيت رجلاً أوليته سوءاً إلاّ
أظلم ما بيني وبينه.
لجعفر بن محمد في قضاء الحاجة قال جعفر بن محمد: إن الحاجة تعرض للرجل قبلي فأبادر
بقضائها مخافة أن يستغني عنها أو تأتيه وقد استبطأها فلا يكون لها عنده موقع.
شعر في قضاء الحاجة وقال الشاعر:
وبادر بسلطان إذا كنـت قـادراً |
|
زوال اقتدارٍ أو غنىً عنك يعقب |
وقال آخر في مثله:
بدا حين أثرى بإخـوانـه |
|
ففكّك عنهم شباة العـدم |
وذكّره الحزم غبّ الأمور |
|
فبادر قيل انتقال النّعـم |
من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند: من
صنع المعروف لعاجل الجزاء، فهو كملقي الحبّ ليصيد به الطير لا لينفعه.
لابن عباس رضي اللّه عنهما قال ابن عباس: ثلاثة لا أكافئهم: رجل بدأني بالسلام،
ورجلٌ وسّع لي في المجلس، ورجل قال غبّرت قدماه في المشي إليّ إرادة التسليم عليّ؛
فأما الرابع فلا يكافئه عني إلا الله جلّ وعزّ. قيل: ومن هو? قال: رجل نزل به أمرٌ
فبات ليلته يفكر بمن ينزله، ثم رآني أهلاً لحاجته.
أقوال في المعروف وقال سلم بن قتيبة: ربّ المعروف أشدّ من ابتدائه.
ويقال: الابتداء بالمعروف نافلة، وربّه فريضة.
قيل لبزرجمهر: هل يستطيع أحد أن يفعل المعروف من غير أن يرزأ شيئاً? قال: نعم، من
أحببت له الخير وبذلت له الودّ، فقد أصاب نصيباً من معروفك.
لجعفر بن محمد قال جعفر بن محمد: ما توسل إليّ أحدٌ بوسيلةٍ هي أقرب به إلى ما يحب
من يدٍ سلفت مني إليه، أتبعتها أختها لأحسن ربها وحفظها؛ لأن منع الأواخر يقطع شكر
الأوائل.
لخالد بن عبد الله القسري في رجل كان يبغض قام رجل من مجلس خالد بن عبد الله
القسري؛ فقال خالد: إني لأبغض هذا الرجل وما له إليّ ذنب. فقال رجل من القوم: أوله
أيها الأمير معروفاً. ففعل، فما لبث أن خفّ على قلبه وصار أحد جلسائه.
لابن عباس في إتمام المعروف قال ابن عباس: لا يتمّ المعروف إلا بثلاثٍ: تعجيله
وتصغيره وستره، فإنه إذا عجّله هنّأه، وإذا صغّره عظمه، وإذا ستره تمّمه.
مثله شعر للخريمي وقال الخريمي في نحو هذا:
زاد معروفك عندي عظمـاً |
|
أنه عندك محقورٌ صـغـير |
تتنـاسـاه كـأن لـم تـأتـه |
|
وهو عند الناس مشهورٌ كبير |
شعر للطائي وقال الطائي:
جودٌ مشيت به الضراء تواضعاً |
|
وعظمت عن ذكراه وهو عظيم |
أخفيته فخـفـيتـه وطـويتـه |
|
فنشرته والشخص منه عمـيم |
وكان يقال: ستر رجلٌ ما أولى، ونشر رجلٌ
ما أولي.
وقالوا: المنّة تهدم الصنيعة.
قال الشاعر:
أفسدت بالمنّ ما أسديت من حسنٍ |
|
ليس الكريم إذا أسدى بمـنـان |
بين ابن شبرمة ورجل قال رجل لابن شبرمة:
فعلت بفلانٍ كذا وفعلت به كذا. فقال: لا خير في المعروف إذا أحصي.
في الآثر وفي بعض الحديث: "كلّ معروفٍ صدقةٌ وما لأنفق الرجل على أهله ونفسه
وولده صدقةٌ وما وقى المرء به عرضه فهو صدقة وكلّ نفقةٍ أنفقها فعلى اللّه خلفها
مثلها إلا في معصيةٍ أو بنيانٍ".
وفي الحديث المرفوع: "فضل جاهك تعود به على أخيك صدقةٌ منك عليه، ولسانك
تعبّر به عن أخيك صدقةٌ منك عليه، وإماطتك الأذى عن الطريق صدقةٌ منك على
أهله".
وكان يقال: بذل الجاه زكاة الشرف.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
وليس فتى الفتيان من راح واغتدى |
|
لشرب صبوحٍ أو لشرب غبـوق |
ولكن فتى الفتيان من راح واغتدى |
|
لضرّ عدوٍّ أو لـنـفـع صـديق |
لابن عباس قال ابن عباس: لا يزهّدنّك في
المعروف كفر من كفره، فإنه يشكرك عليه من لم تصنعه إليه.
شعر لحماد عجرد في الجود وقال حمّاد عجرد:
إنّ الكريم ليخفي عنك عسرتـه |
|
حتى تراه غنيّاً وهو مجـهـود |
إذا تكرمت أن تعطي القليل ولم |
|
تقدر على سعةٍ لم يظهر الجود |
وللبخيل على أموالـه عـلـلٌ |
|
رزق العيون عليها أوجهٌ سود |
أورق بخيرٍ ترجّى للنوال فمـا |
|
ترجى الثّمار إذا لم يورق العود |
بثّ النوال ولا تمنعك قـلّـتـه |
|
فكلّ ما سدّ فقراً فهو محمـود |
والعرب تقول:"من حقر حرم".
لسلم بن قتيبة حدّثني عبد الرحمن عن عمه قال: قال سلم بن قتيبة: أحدهم يحقر الشيء
فيأتي ما هو شرّ منه. يعني المنع.
وقال الشاعر:
وما أبالي إذا ضيفٌ تضـيّفـنـي |
|
ما كان عندي إذا أعطيت مجهودي |
جهد المقلّ إذا أعطاك مصطبـراً |
|
ومكثرٌ من غنىً سيّان في الجـود |
في الأثر وفي الحديث المرفوع "أفضل
الصّدقة جهد المقلّ".
للبريق الهذلي وقال البريق الهذليّ:
أبو مالكس قاصرٌ فقره |
|
على نفسه ومشيعٌ غناه |
لخالد بن عبد اللّه في إتيان المعروف، وشعر للحطيئة وكان خالد بن عبد اللّه يقول على المنبر: أيها الناس عليكم بالمعروف، فإنّ فاعل المعروف لا يعدم جوازيه، وما ضعف الناس عن أدائه قوي اللّه على جوازيه. والبيت المشهور في هذا قول الحطيئة:
من يفعل الخير لا يعدم جـوازيه |
|
لا يذهب العرف بين اللّه والناس |
ويقال: إنه في بعض كتب اللّه عزّ وجل.
لوهب بن منبه في الإفضال على الإخوان قال وهب بن منبّه: إن أحسن الناس عيشاً من
حسن عيش الناس في عيشه، وإنّ من أللّذّة الإفضال على الإخوان.
في الأثر وفي الحديث المرفوع "إنّما لك من مالك ما أكلت فأفنيت أو لبست
فأبليت أو أعطيت فأمضيت وما سوى ذلك فهو ملك الوارث".
شعر لبشار في إنفاق المال وقال بشار:
أنفق المال ولا تشق به |
|
خير ديناريك دينارٌ نفق |
لبزر جمهر في الإنفاق وشعر في الجود قال
بزر جمهر: إذا أقبلت عليك الدنيا فأنفق فإنها لا تفنى وإذا أدبرت عنك فأنفق فإنها
لا تبقة.
أخذه بعض المحدثين فقال:
فانفق إذا أنفقت إن كنت موسـراً |
|
وأنفق على ما خيّلت حين تعسر |
فلا الجود يفني المال والجدّ مقبلٌ |
|
ولا البخل يبقي المال والجدّ مدبر |
من كتاب كليلة ودمنة وفي"كتاب
كليلة" لا يعدّ عائشاً من لا يشارك في غناه.
مرّ الحسن برجلٍ يقلّب درهماً؛ فقال له: أتحبّ درهمك هذا? قال: نعم، قال: أما إنه
ليس لك حتى يخرج من يدك.
بين الربيع بن خيثم وأخ له قال الربيع بن خيثم لأخٍ له: كن وصيّ نفسك ولا تجعل
أوصياءك الرجال.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
سأحبس مالي علي حاجتي |
|
وأوثر نفسي على الوارث |
أعاذل عاجل ما أشتـهـي |
|
أحبّ من المبطىء الرّائث |
لعبيد اللّه بن عكراش قال عبيد بن عكراشً:
زمنٌ خؤون، ووارثٌ شفون؛ فلا تأمن الخؤون وكن وارث الشّفون.
لأبي ذرّ وقال أبو ذرّ: لك في مالك شريكان إذا جاءا أخذا ولم يؤامراك: الحدثان
والقدر، كلاهما يمرّ على الغثّ والسمين، والورثة ينتظرون متى تموت فيأخذون ما تحت
يديك وأنت لم تقدّم لنفسك؛ فإن استطعت ألاّ تكون أخسّ الثلاثة نصيباً فافعل.
لسعيد بن العاص في الحث على الإنفاق وقال سعيد بن العاص في خطبة له: من رزقه اللّه
رزقاً حسناً فليكن أسعد الناس به فإنه إنما يترك لأحد رجلين. إمّا مصلحٍ فلا يقلّ
عليه شيءٌ، وإمّا مفسدٍ فلا يبقى له شيء. فقال معاوية: جمع أبو عثمان طرفي الكلام.
شعر لحطائط بن يعفر في الجود وقال حطائط بن يعفر:
ذريني أكن للمال ربّا ولا يكن |
|
لي المال ربّا تحمدي غبّه غدا |
أريني جواداً مات هزلاً لعلّني |
|
أرى ما ترين أو بخيلاً مخلّدا |
وقلت ولم أعي الجواب تبيّني |
|
أكان الهزال حتف زيدٍ وأربد |
لأعرابي قال أعرابّي: الدراهم ميسمٌ تسم
حمداً أو ذمّا؛ فمن حبسها كان لها، ومن أنفقها كانت له، وما كلّ من أعطي مالاً
حمداً، ولا كلّ عديم ذميم.
وقال بعض المحدثين:
أنت للمال إذا أمسكته |
|
فإذا أنفقته فالمال لك |
للنبي صلى اللّه عليه وسلم حدّثني يزيد بن
عمرو عن يزيد بن مروان قال: حدّثنا النعمان بن هلال عن عبد اللّه بن دينار عن عبد
اللّه بن عمر قال: قال رسول للّه صلى اللّه عليه وسلم: "تنزل المعونة على قدر
المؤونة".
بين معاوية ووردان مولى عمرو بن العاص قال أعرابيّ: الدراهم ميسمٌ تسم حمداً أو
ذمّاً؛ فمن حبسها كان لها، ومن أنفقها كانت له، وما كلّ من أعطي مالاً أعطي حمداً،
ولا كلّ عديم ذميم.
وقال بعض المحدثين:
أنت للمال إذا أمسكته |
|
فإذا أنفقته فالمال لك |
للنبي صلى اللّه عليه وسلم حدّثني يزيد بن
عمرو عن يزيد بن مروان قال: حدّثنا النعمان بن هلال عن عبد اللّه بن دينار عن عبد
اللّه بن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:"تنزل المعونة على قدر
المؤونة".
بين معاوية ووردان مولى عمرو بن العاص قال معاوية لوردان مولى عمرو بن العاص: ما
بقي من الدنيا تلذّه?قال: العريض الطويل. قال: وما هو? قال: الجديث الحسن أو ألقى
أخاً قد نكبه الدهر فأجبره. قال: نحن أحقّ بهما منك. قال: إن أحقّ بهما منك من
سبقك إليهما.
لأعرابي في التزود بالمعروف وقال أعرابي:
ومـا هـذه الأيام إلا مـعـارةٌ |
|
فما اسطعت من معروفها فتزوّد |
فإنـك لا تـدري بـأيّة بـلـدةٍ |
|
تموت ولا ما يحدث اللّه في غد |
يقولون لا تبعد، ومن يك بـعـده |
|
ذراعين من قرب الأحبّة يبعـد |
وقال آخر:
إن كنت لا تبذل أو تسـأل |
|
أفسدت ما تعطي بما تفعل |
قال بعضهم: مضى لنا سلفٌ أهل تواصلٍ،
اعتقدوا منناً، واتخذوا أيادي ذخيرةً لمن بعدهم: كانوا يرون اصطناع المعروف عليهم
فرضاً، وإظهار البر حقاً واجباً، في حال الزمان بنشءٍ اتخذوا مننهم صناعةً، وبرّهم
مرابحةً، وأياديهم تجارةً واصطناع المعروف مقارضة كنقد السوق خذ مني وهات.
بين عمرو بن عتبة وولده قال العتبي: وقع ميراثٌ بين ناس من آل أبي سفيان وبني
مروان، فتشاحوا فيه، فلما انصرفوا أقبل عمرو بن عتبة على ولده، فقال لهم: إن لقريش
درجاً تزلق عنها أقدام الرجال، وأفعالاً تخشع لها رقاب الأموال، وألسناً تكلّ معها
الشفار المشحوذة، وغاياتٍ تقصر عنها الجياد المنسوبة؛ ولو كانت الدنيا لهم ضاقت عن
سعة أحلامهم، ولو اختلف ما نزينت إلا بهم. ثم إن أناساً منهم تخلقوا بأخلاق
العوام، فصار لهم رفق باللؤم وخرق في الحرص، لو أمكنهم قاسموا الطير أرزاقها؛ إن
خالفوا مكروهاً تعجّلوا له الفقر، وإن عجلت لهم نعمة أخروا عليها الشكر، أؤلئك
أنضاء فكر الفقر وعجزة حملة الشكر.
لبعض الحجازيين قال بعض الحجازيين:
فلو كنت تطلب شأو الكرام |
|
فعلت كفعل أبي البختري |
تتبع إخوانه في الـبـلاد |
|
فأغنى المقلّ عن المكثر |
القناعة والاستعفاف
للنبي
) في النهي عن سؤال الناس حدّثني شيخٌ لنا عن وكيع عن ابن ذئبٍ عن محمد بن قيس عن
عبد الرحمن بن يزيد عن ثوبان قال: قال رسول الله ): "من يتقبل لي بواحدةٍ
وأتقبل له بالجنة?". فقال ثوبان: أنا يا رسول الله. قال: "لا تسأل الناس
شيئاً". فكان ثوبان إذا سقط سوطه من يده نزل فأخذه ولم يسأل أحداً أن يناوله
إياه.
لعمر بن الخطاب في القناعة والاقتصاد وحدّثني أيضاً عن عبد الرحمن المحاربي عن
الأعمش عن مجاهد قال: قال عمر رضي الله عنه: ليس من عبدٍ إلا وبينه وبين رزقه
حجابٌ، فإن اقتصد أتاه رزقه وإن اقتحم هتك الحجاب ولم يزد في رزقه.
للنبي ): "إن الصفا الزلال الذي لا تثبت عليه أقدام العلماء الطمع".
وقال عليه السلام: "إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل
رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب".
شعر لابن حازم قال ابن حازم:
للناس مالٌ ولي مالان ما لهـمـا |
|
إذا تحارس أهل المال أحـراس |
مالي الرضا بالذي أصبحت أملكه |
|
ومالي اليأس مما يملك النـاس |
أخذ هذا من قول أبي حازم المدنيّ، وقال له
بعض الملوك: مامالك? قال: الرضا عن اللّه، والغنى عن الناس.
لبشار بن بشر في الإستعفاف وقال بشار بن بشر:
وإني لعفٌ عن فكاهة جارتـي |
|
وإنيّ لمشنوء إليّ اغتـيابـهـا |
إذا غاب عنها بعلها لم أكن لهـا |
|
زءوراً ولم تأنس إليّ كلابهـا |
ولم أك طلاباً أحاديث سـرّهـا |
|
ولا عالماً من أيّ حوكٍ ثيابهـا |
وإن قراب البطن يكفيك ملـؤه |
|
ويكفيك سوءات الأمور اجتنابها |
إذا سدّ بابٌ عنك من دون حاجةٍ |
|
فذرها لأخرى ليّنٍ لك بابـهـا |
لابن أبي حاوم وقال ابن أبي حازم:
أوجع من وخزة السّنان |
|
لذي الحجا وخزة اللّسان |
فاسترزق اللّه واستعنـه |
|
فإنه خير مسـتـعـان |
وإن نبا منـزلٌ بـحـرٍ |
|
فمن مكانٍ إلى مكـان |
لا يثبت الحرّ في مكـانٍ |
|
ينسب فيه إلى هـوان |
الحرّ حرٌّ وإن تـعـدّت |
|
عليه يوماً يد الـزمـان |
لعامر بن عبد قيس العنبري في أربع آيات من
كتاب اللّه تعالى حدّثني محمد بن داود عن جابر بن عثمان الحنفيّ عن يوسف بن عطيّة
قال: حدّثني المعلّى بن زياد القردوسي: أن عامر بن عبد قيس العنبري كان يقول: أربع
آياتٍ من كتاب اللّه إذا قرأتهنّ مساءً لم أبال على ما أمسي، وإذا تلوتهنّ صباحاً
لم أبال على ما أصبح: "ما يفتح اللّه للنّاس من رحمةٍ فلا ممسك لها وما يمسك
فلا مرسل له من بعده". "وإن يردك بخيرٍ فلا رادّ لفضله يصيب به من يشاء
من عباده". "وما من دابةٍ في الأرض إلاّ على اللّه رزقها".
"سيجعل اللّه بعد عسرٍ يسراً" لإبراهيم بن أدهم في القناعة حدّثني عبد
الرحمن عن بشر بن مصلح قال: قال إبراهيم بن أدهم: لا تجعل بينك وبين اللّه منعماً
عليك، وعدّ النعم منه عليك مغرما.
في أبرع بيت قالته العرب حدّثني الرّياشيّ عن الأصمعي قال: أبرع بيت قالته العرب
بيت أبي ذؤيبٍ الهذليّ:
والنّفس راغبةٌ إذا رغبّتها |
|
وإذا تردّ إلى قليلٍ تقنع |
للحجاج بن الأسود قال أبو حاتم عن
الأصمعيّ، قال: حدّثنا أبو عمرو الصّفّار عن الحجاج بن الأسود قال: احتاجت عجوزٌ
من العجز القدم، قال: فجزعت إلى المسألة ، ولو صبرت لكان خيراً لها ولقد بلغني أن
الأنسان يسأل فيمنع، ويسأل فيمنع، والصّبر منتبذٌ ناحيةً يقول: لو صرت إليّ
لكفيتك.
وكان يقال: أنت أخو العزّ ما التحفت القناعة، ويقال: اليأس حرّ والرّجاء عبدٌ.
وقال بعض المفسّرين في قول اللّه عزوجلّ: "فلنحيينهّ حياةً طيبةً" قال:
بالقناعة وصية سعد بن أبي وقاص لابنه وقال سعد بن أبي وقّاص لابنه عمر: يا بنّي
إذا طلبت الغنى فأطلبه بالقناعة، فإن لم تكن لك قناعةٌ فليس يغنيك مالٌ.
شعر لعروة بن أذينة ولأبي العتاهية في القناعة بالرزق وقال عروة بن أذينة:
لقد علمت وما الإسراف في طمع |
|
أنّ الذي هو رزقي سوف يأتيني |
أسعى له فيعنّينـي تـطـلـبـه |
|
ولو قعدت أتاني لا يعـنّـينـي |
وقال أبو العتاهية:
إن كان لا يغنيك ما يكفـيكـا |
|
فكلّ ما في الأرض لا يغنيكا |
في القناعة وقال بعضهم: الغنى والفقر يجولان في طلب القناعة فإذا وجداها قطناها حجّت أعرابيةٌ على ناقةٍ لها، فقيل لها: أين زادك? قالت: ما معي إلا ما في ضرعها. وقال الشاعر:
يا روح من حسمت قناعته |
|
سبب المطامع من غدٍ وغد |
من لم يكن للّه متّـهـمـاً |
|
لم يمس محتاجاً إلى أحـد |
لأردشير في القناعة والتعلّم وقال أردشير: خير الشّيم القناعة، ونماء العقل بالتعلّم شعر للنمر بن تولب، ولآخرين وقال النّمر بن تولب:
ومتى تصبك خصاصة فارج الغنى |
|
وإلى الذي يهب الرغائب فارغب |
|
||
لا تغضبنّ على امرىء في مالـه |
|
وعلى كرائم صلب مالك فاغضب |
|||
وقال أبو الأسود:
ولا تطمعن في مال جارٍ لقربه |
|
فكلّ قريبٍ لا ينـال بـعـيد |
وقال كعب بن زهير:
قد يعوز الحازم المحمود نـيتّـه |
|
بعد الثّراء ويثري العاجز الحمق |
فلا تخافي علينا الفقر وانتظـري |
|
فضل الذي بالغنى من فضله نثق |
وشكا رجلٌ إلى قوم ضيقاً فقال له بعضهم:
شكوت من يرحمك إلى من لا يرحمك بين هشام بن عبد الملك وسالم بن عبد اللّه وقال
هشام بن عبد الملك لسالم بن عبد اللّه ودخلا الكعبة: سلني حاجتك. قال: أكره أن
أسأل في بيت اللّه غير اللّه.
لسالم بن عبد اللّه وقد رأى رجلاً يسأل في الموقف ورأى رجلاً يسأل في الموقف فقال:
أفي مثل هذا الموضع تسأل غير اللّه عزوجل! شعر لابن المعذّل في التعفف عن سؤال
البشر وقال ابن المعذّل:
تكلفني إذلال نفسـي لـعـزّهـا |
|
وهان عليها أن أهان لتكـرمـا |
تقول سل المعروف يحيى بن أكثم |
|
فقلت سليه ربّ يحيى بن أكثمـا |
لابن عباس في سؤال الناس وقال ابن عباس:
المساكين لا يعودون مريضاً ولا يشهدون جنازةً وإذا سأل الناس اللّه سألوا الناس.
وكان الحسن يطرد السؤّال يوم الجمعة، ولا يرى لهم جمعة.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
حبٌ الرياسة داءٌ لا دواء له |
|
وقلّ ما تجد الراضين بالقسم |
شعر لمحمود الورّاق في احتجاب الملوك وقال محمودٌ الورّاق:
شاد الملوك قصورهم وتحصّنوا |
|
عن كلّ طالب حاجةً أو راغب |
غالوا بأبواب الحديد لـعـزّهـا |
|
وتنوقوا في قبح وجه الحاجـب |
وإذا تلّطف للـدّخـول إلـيهـم |
|
راجٍ تلـقّـوه بـوعـدٍ كـاذب |
فارغب إلى ملك الملوك ولا تكن |
|
ياذا الضّراعة طالباً من طالـب |
وجد على ميلٍ في طريق مكة:
ألا يا طالب الدّنـيا |
|
دع الدنيا لشانيكـا |
إلى كم تطلب الدنيا |
|
وظلّ الميل يكفيكا |
بين مطرّف بن عبد اللّه وابن أخيه قال
مطرّف بن عبد اللّه لابن أخيه: إذا كانت لك إليّ حاجة فاكتب بها رقعةً فإني أضنّ
بوجهك عن ذلّ السؤال.
لأبي الأسود وقال أبو الأسود:
وإن أحق الناس إن كنت مادحـاً |
|
بمدحك من أعطاك والوجه وافر |
شعر كان معاوية يتمثل به وكان معاوية يتمثّل بهذين البيتين:
وفتىً خلا مـن مـالـه |
|
ومن المروءة غير خالي |
أعطاك قبـل سـؤالـه |
|
فكفاك مكروه السـؤال |
وقال آخر:
أبا مالكٍ لا تسأل الناس والتمس |
|
بكفّيك سيب اللّه فاللّه أوسـع |
فلو تسأل الناس التراب لأوشكو |
|
إذا قلت هاتوا أن يميلوا فيمنعوا |
والمشهور في هذا قول عبيد:
من يسأل الناس يحرموه |
|
وسائل اللّه لا يخـيب |
بين سليمان وأبي حازم قال سليمان لأبي
حازمٍ: سل حوائجك. فقال: قد رفعتها إلى من لا تخذل الحوائج دونه.
قال بعض المفسّرين في قول اللّه عزّ وجلّ: "وهو خير الرازقين" : أي
المخلوق يرزق فإذا سخط قطع رزقه، واللّه عزّ وجل يسخط ولا يقطع.
شعر في كراهة الطلب إلا من اللّه عز وجل وقال الشاعر:
لا تضرعنّ لمخلوقٍ على طمعٍ |
|
فإنّ ذلك وهنٌ منك بـالـدّين |
واسترزق اللّه رزقاً من خزائنه |
|
فإنما هو بين الكاف والـنـون |
شعر للخليل بن أحمد في الإستعفاف وقال الخليل بن أحمد:
أبلغ سليمان أنّي عنه فـي سـعةٍ |
|
وفي غنىً غير أني لست ذا مال |
شحاً بنفسي، إنـي لا أرى أحـداً |
|
يموت هزلاً ولا يبقى على حـال |
فالرزق عن قدرٍ لا الضعف يمنعه |
|
ولا يزيدك فيه حول مـحـتـال |
للمعلوط، وغيره وقال المعلوط:
متى ما ير الناس الغنـيّ وجـاره |
|
فقيرٌ يقولوا عـاجـزٌ وجـلـيد |
وليس الغنى والفقر من حيلة الفتى |
|
ولكن حظوظٌ قسّمـت وجـدود |
وقال آخر:
يخيب الفتى من حـيث يرزق غـيره |
|
ويعطى الفتى من حيث يحرم صاحبه |
وقال أبو الأسود:
ليتك آذنـتـنـي بـواحـدةٍ |
|
تجعلها منك سـائر الأبـد |
تحلف ألاّ تـبـرّنـي أبـداً |
|
فإنّ فيها برداً على كبـدي |
إن كان رزقي إليك فارم به |
|
في ناظري حيّةٍ على رصد |
لعمر بن الخطاب في تفضيل العمل على مسألة
الناس وقال عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه: حرفةٌ يقال فيها خيرٌ من مسألة الناس.
لسعيد بن العاص وقال سعيد بن العاص: موطنان لا أستحي من العيّ فيهما: عند مخاطبتي
جاهلاً، وعن مسألتي حاجةً لنفسي.
لشريح وقد جاءه رجل يستقرض منه حدّثن محمد بن عبيد عن أبي عبد اللّه عن محمد بن
عبد اللّه بن واصل قال: جاء رجلٌ إلى شريح يستقرض دراهم؛ فقال له شريحٌ: حاجتك
عندنا فأت منزلك فإنّها ستأتيك، إنّي لأكره أن يلحقك ذّلها.
وصية أبي عاصم لبنيه حدّثني الرّيلشيّ عن الأصمعيّ عن حكيم بن قيس بن عاصم عن أبيه
أنه أوصى بنيه عند موته فقال: إيّاكم والمسألة، فإنها آخر كسب الرجل.
شعر في القناعة والتعففّ وقال بعض المحدثين:
عوّدت نفسي الضّيق حتى ألـفـتـه |
|
وأخرجني حسن العزاء إلى الصّبر |
ووسّع قلبي للأذى الأنـس بـالأذى |
|
وقد كنت أحياناً يضيق به صـدري |
وصيّرني يأسي من النـاس راجـياً |
|
لسرعة لطف اللّه من حيث لا أدري |
وقال آخر:
حسبي بعلمي لو نفـع |
|
ما الذّلّ إلا في الطّمع |
من راقب اللّه نـزع |
|
عن قبح ما كان صنع |
ما طار شيء فارتفع |
|
إلا كما طـار وقـع |
الحرص والإلحاح
من
كتاب لبزر جمهر في الحرص والقدر لما قتل بزر جمهر وجد في منطقته كتاباً: إذا كان
القدر حقّاً فالحرص باطلٌ وإذا كان الغدر في الناس طباعاً فالثّقة بكلّ أحدٍ عجزّ
وإذا كان الموت لكل أحدٍ راصداً فالطمأنينة إلى الدنيا حمقٌ.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
من عفّ خفّ على الصّديق لقاؤه |
|
وأخو الحوائج وجهه ممـلـول |
من كتاب الهند في الإلحاح وفي كتاب للهند:
لا يكثر الرجل على أخيه الحوائج، فإنّ العجل إذا أفرط في مصّ أمه نطحته ونحّته.
شعر لعدّي بن زيد وقال عديّ بن زيد:
قد يدرك المبطىء من حـظّـه |
|
والرزق قد يسبق جهد الحريص |
لابن المقفع في الحرص والجبن وقال ابن
المقفع: الحرص محرمةٌ، والجبن مقتلةٌ، فانظر فيما رأيت وسمعت أمن قتل في الحرب
مقبلاً أكثر أم من قتل مدبراً، وانظر من يطلب إليك بالإجمال والتكرم أحقّ أن تسخو
نفسك له بالعطّية أم من يطلب ذلك بالشّره والحرص.
وقال الشاعر:
كم من حريص على شىء ليدركه |
|
وعلّ إدراكه يدني إلى عـطـبة |
وقال آخر:
وربّ ملحّ على بغيةٍ |
|
وفيها منيّته لو شعر |
قول العرب في الرجل الملحّ والعرب تقول في الرجل الملحّ في الحوائج الذي لا تنقضي له حاجةٌ إلا سأل أخرى:
لا يرسل الساق إلا ممسكاً ساقاً |
وأصل المثل في الحرباء، إذا اشتد عليه حرّ
الشمس لجأ إلى شجرة ثم توقىّ في أغصانها فلا يرسل غصناً حتىّ يقبض على آخر.
وقال الشاعر:
أنّى أتيح له حرباء تـنـضـبةٍ |
|
لا يرسل السّاق إلاّ ممسكاً ساقاً |
من كتاب كليلة ودمنة في الحرص والشره وفي
كتاب كليلة: لا فقر ولا بلاء كالحرص والشّره، ولا غنى كالرّضا والقناعة، ولا عقل
كالتّدبير، ولا روع كالكفّ، ولا حسب كحسن الخلق.
لابن المقفع في الحرص والحسد قال ابن المقفع: الحرص والحسد بكرا الذنوب وأصل
المهالك؛ أمّا الحسد فأهلك إبليس، وأما الحرص فأخرج آدم من الجنة.
أيضاً من كتاب كليلة ودمنة في خمسة حرصاء وفي كتاب كليلة: خمسة حرصاء، المال أحبّ
إليهم من أنفسهم: المقاتل بالأجرة، وحفّار القنيّ والأسراب، والتّاجر يركب البحر،
والحاوي يلسع يده الحيّة، والمخاطر على شرب السمّ.
بين مالك بن دينار ورجل محبوس كان حريصاً بخيلاً دخل مالك بن دينار على رجل محبوسٍ
قد أخذ بمال عليه وقيّد، فقال له: يا أبا يحيى، أما ترى ما نحن فيه من هذه القيود!
فرفع مالك رأسه فرأى سلّةً، فقال: لمن هذه? قال: لي. قال: فأمر بها أن تنزل، فأنزلت
فوضعت بين يديه، فإذا دجاجٌ وأخبصةٌ، فقال مالك: هذه وضعت القيود في رجلك.
لأشعب
كان أشعب يقول: أنا أطمع وأمّي تيقن فقلّ ما يفوتنا.
شعر للنابغة وقال النابغة:
واليأس عما فات يعقب راحةً |
|
ولربّ مطعمةٍ تعود ذباحـا |
لأبي علي الضرير وقال أبو علي الضرير:
فإنّي قد بلوتـكـم جـمـيعـاً |
|
فما منكم على شكري حريص |
وأرخصت الثناء فعفـتـمـوه |
|
وربّتما غلا الشيء الرّخـيص |
فعفت نوالكم ورغبت عـنـه |
|
وشرّ الزاد ما عاف الخصيص |
لأعرابي يهجو الحريص وقل أعرابيّ:
أيّها الدّائب الحريص المعنّى |
|
لك رزقٌ وسوف تستوفـيه |
قبّح اللّه نـائلاً تـرتـجـيه |
|
من يدي من تريد أن تقتضيه |
إنما الجود والسماح لمـن يع |
|
طيك عفواً وماء وجهك فيه |
لا ينال الحريص شيئاً فيكفي |
|
ه وإن كان فوق ما يكفـيه |
فسل اللّه وحده ودع الـنـا |
|
س وأسخطهم بما يرضـيه |
لا ترى معطياً لما منـع ال |
|
لّه ولا مانعاً لما يعـطـيه |
"وجد بالأصل بآخر هذا الجزء ما يأتي": آخر كتاب الحوائج،
وهو الكتاب الثامن من عيون الأخبار لابن قتيبة رحمة اللّه عليه. وكتبه الفقير إلى
رحمة اللّه تعالى إبراهيم بن عمر بن محمد بن عليّ الواعظ الجزريّ، وذلك في شهور
سنة أربع وتسعين وخمسمائة. والحمد للّه ربّ العالمين، وصلاته وسلامه على سيّدنا
محمد النبيّ وآله أجمعين. ويتلوه الكتاب التاسع وهو كتاب الطعام، واللّه الموفّق
للصّواب.
"وفيه كذلك-وهو من زيادات النسّاخ-": شعر في الاستعفاف وفي الاستعفاف:
علـيك بـالــيأس مـــن الـــنـــاس |
|
إنّ غـنـى نـفـســك فـــي الـــياس |
كم صـاحـب قـد كـان لـي وامــقـــاً |
|
إذ كـــان فـــي حـــالة إفـــلاس |
أقول لو قد نال هذا الغنىصيّرنيمنه على الرّاس |
|
|
حتى إذا ما صار فيما اشتهى |
|
وعـدّه الـنّــاس مـــن الـــنّـــاس |
قطّـع بـالـصـدّ حـبـال الـصّـــفـــا |
|
منّـي ولـمّـا يرض بـالــقـــاســـي |
آخر وقد أحسن:
إنّ للمـعـروف أهـلاً |
|
وقـلـيلٌ فـاعـلـوه |
أهنأ المعروف مـالـم |
|
تبتذل فـيه الـوجـوه |
أنت ما استغنيت عن صا |
|
حبك الـدّهـر أخـوه |
فإذا احـتـجـت إلـيه |
|
ساعةً مـجّـك فـوه |
إنما يعـرف الـفـض |
|
ل من الـنـاس ذووه |
لو رأى النـاس نـبـيّاً |
|
سائلاً مـا وصـلـوه |
من أبي العيناء إلى أبي القاسم بن عبيد اللّه بن سليمان يسأله وكتب أبو العيناء إلى أبي القاسم بن عبيد اللّه بن سليمان رقعة يقول فيها: أنا-أعزّك اللّه-وولدي وعيالي زرعٌ من زرعك، إن سقيته راع وزكا، وإن جفوته ذبل وذوى. وقد مسّني منك جفاءٌ بعد برٍّ وإغفالٌ بعد تعهّد، فشمت عدوٌّ، وتكلّم حاسد، ولعبت بي ظنونٌ؛ وانتزاع العادة شديدٌ. ثم كتب في آخرها:
لا تهنّي بعد إكرامك لي |
|
فشديدٌ عادةٌ منتزعـه |
آخر:
مالي معاشٌ سوى ضدّ المعاش فلا |
|
أغدو إلى عمـلٍ إلاّ بـلا أمـل |
وليس لي شغلٌ يجدي عـلـيّ إذا |
|
فكّرت فيه وما أنفكّ من شـغـل |
كلّ امرىء رائحٌ غادٍ إلى عمـل |
|
وما أروح ولا أغدو إلى عـمـل |
ولست في الناس موجوداً كبعضهم |
|
وإنما أنا بعض الناس في المثـل |
وآخر:
المرء بعد المـوت أحـدوثةٌ |
|
يفنى وتبقى مـنـه آثـاره |
يطويه من أيّامه ما طـوى |
|
لكنّه تـنـشـر أسـراره |
وأحسن الحالات حال امرىءٍ |
|
تطيب بعد الموت أخبـاره |
يفنى ويبقى ذكـره بـعـده |
|
إذا خلت من شخصـه داره |
شعر لحبيب الطائي وقال حبيب الطائي:
وما ابن آدم إلاّ ذكر صالـحةٍ |
|
أو ذكر سيّئةٍ يسري بها الكلم |
أما سمعت بدهرٍ بـاد أمّـتـه |
|
جاءت بأخبارها من بعدها أمم |
شعر في البخل في البخل:
طرقت أناساً علـى غـرّةٍ |
|
فذقت من العيش جهد البلاء |
|
||
فأمّا الـقـديد وأشـبـاهـه |
|
فذاك مفاتيحه في السمـاء |
|
||
وأما السّويق فـفـي عـيبةٍ |
|
يشمّ ويدعي له بالـبـقـاء |
|
||
ومن حاول الخبز قالوا له |
|
أتذكر شيئاً خبي للـدّواء |
|||
كتاب الطعام
صنوف الأطعمة
بين
عمر بن الخطاب والأحنف قال أبو محمد عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة الدّينوريّ رحمة
اللّه عليه: قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه للأحنف: أيّ الطعام أحبّ إليك? قال:
الزّبد والكمأة. فقال عمر: ما هما بأحبّ الأطعمة إليه، ولكنه يحبّ الخصب للمسلمين.
الأحنف والتمر والزبد قال الأصمعيّ: قال رجلٌ في مجلس الأحنف: ليس شيءٌ أبغض إليّ
من التمر والزّبد. فقال الأحنف: ربّ ملومٍ لا ذنب له.
الحجاج والزبد والتمر عن أبي عمرو بن العلاء قال: قال الحجّاج لجلسائه: ليكتب كلّ
رجلٍ في رقعةٍ أحبّ الطعام إليه ويجعلها تحت مصلاّي. فإذا في الرّقاع كلّها الزّبد
والتمر.
لمدني في الكبادات عن الأصمعيّ قال: قال مدنيّ: الكبادات أربع: العصيدة والهريسة
والحيسة والسّميذة.
بين مالك بن حقبة وحسان بن الفريعة في الحيس عن الأصمعيّ عن حزم قال: قال مالك بن
حقبة لحسّان بن الفريعة: ما تزوّدت إلينا? قال: الحيس. قال: ثلاثة أسقية في وعاء.
لبعض الأعراب يشتهي طعاماً قال الأصمعيّ: قال بعض لأعراب: أشتهي ثريدةً دكناء من
الفلفل، رقطاء من الحمّص، ذات جفافين من اللحم، لها جناحان من العراق، أضرب فيها
ضرب وليّ السّوء في مال اليتيم.
لابن الأعرابي في اللحم وقال ابن الأعرابيّ: يقال: أطيب اللحم عوّذه. أي أطيبه ما ولي
العظم، كأنه عاذ به.
بين الفرزدق ويحيى بن الحصين بن المنذر عن أبي عبيدة قال: مرّ الفرزدق بيحيى بن
الحصين بن المنذر الرّقاشيّ، "ف"قال له: هل لك يا أبا فراسٍ في جديٍ
سمين ونبيذ زبيبٍ جيّد? فقال الفرزدق: وهل يأبى هذا إلا ابن المراغة! يعني جريراً.
بين الأحوص وجرير وقال الأحوص لجرير: ما تحبّ أن يعدّ لك: قال: شواءٌ وطلاءٌ
وغناءٌ؛ قال: قد أعدّت لك.
بين المدني اشتهى الكشك وصديق له وقال مدنيّ لصديق له: واللّه أشتهي كشكيّةً، ومدّ
بها صوته فخرجت منه ريح؛ فقال له: ما أسرع ما لفحتك يابن عمّ.
لشيخ مدني وعن الأصمعيّ قال: قال شيخ من أهل لمدينة: أتيت فلاناً فأتاني بمرقةٍ
كان فيها مسقّى، فلم أر فيها إلا كبداً طافيةً، فغمست يدي فوجدت مضغة، فمددتها
فامتدّت حتى كأني أزمر في ناي.
بين كسرى وأعرابي أدخل أعرابيّ على كسرى ليتعجّب من جفائه وجهله؛ فقال له: أيّ شيء
أطيب لحماً? قال: الجمل. قال: فأيّ شيء أبعد صوتاً? قال: الجمل قال: فأيّ شيء أنهض
بالحمل الثقيل? قال: الجمل. قال كسرى: كيف يكون لحم الجمل أطيب من البطّ والدّجاج
والفراخ والدّرّاج والجداء? قال: يطبخ لحم الجمل بماءٍ وملح، ويطبخ ما ذكرت بماءٍ
وملح حتى يعرف ما بين الطعمين. قال: كيف يكون الجمل أبعد صوتاً ونحن نسمع الصوت من
الكركيّ من كذا وكذا ميلاً? قال الأعرابيّ: ضع لكركيّ في مكان الجمل في مكان
الكركيّ حتى تعرف أيّهما أبعد صوتاً. قال كسرى: كيف تزعم أنّ الجمل أحمل للحمل
الثقيل ولفيل يحمل كذا وكذا رطلاً? ليبرك الفيل ويبرك الجمل وليحمل على الفيل حمل
الجمل، فإن نهض به أحمل للأثقال.: لجعفر بن سليمان عن جعفر بن سليمان قال: شيئان
لا يزهدهما كثرة النفقة طيباً: الطّيب والقدر، ولكن تطيّبهما إصابة القدر.
أبو عبد الرحمن الثوري والرؤوس وفيما أجاز لنا عمرو بن بحر الجاحظ من كتبه قال:
كان أبو عبد الرحمن الثوريّ يعجب بالرؤوس ويصفها، ويسميّ الرأس عرساً لما تجمّع
فيه من الألوان الطيّبة، وكان يسميّه مرّةً الجامع ومرّةً الكامل، ويقول: الرأس
شىء واحد وهو ذو ألوانٍ عجيبةٍ وطعومٍ مختلفةٍ؛ وكلّ قدرٍ وكلّ شواءٍ فإنما هو شىء
واحد، والرأس فيه الدماغ وطعمه مفرد، والعنيان وطعمهما مفرد، "وفيه الشحمة
التي بين أصل الأذن ومؤخر العين وطعمها على حدة " على أن هذه الشّحمة
"خاصةً" أطيب من المخّ وأنعم من الزّبد وأدسم من السّلاء، ثم يعدّ
أسقاطه كلها.
ويقول: الرأس سيدّ البدن وفيه الدّماغ وهو معدن العقل ومنه يتفرّق العصب الذي فيه
الحسّ، وبه قوام البدن، وإنما القلب باب العقل؛ كما أنّ النفس هي المدركة والعين
هي باب الألوان، والنفس هي السامعة الذائقة وإنما الأنف والأذن بابان ولولا أنّ
العقل في الرأس لما ذهب العقل من الضربة تصيبه؛ وفي الرأس الحواسّ الخمس.
وكان ينشد:
همو ضربوا رأسي وفي الرأس أكثري |
|
وغودر عند الملتـقـى ثـمّ سـائري |
وكان لا يشتري الرأس إلا في زيادة الشهر
لمكان زيادة الدماغ ولا يشتريه إلايوم السبت لأن الرؤوس يوم السبت أكسد للفضلات
التي تبقى في منازل التّجار عن يوم الجمعة وكان إذا فرغ من غدائه يوم الرأس، عمد
إلى القحف وإلى اللّحيين فوضعه قرب بيوت النمل والذّر فإذا اجتمعن عليه أخذه ونفضه
في طستٍ فيه ماء ولا يزال يعيد ذلك على تلك المواضع حتى يقلع النمل والذّر من
داره، فإذا فرغ من ذلك ألقاه مع الحطب فاستوقده في التّنور.
في الأرز الأبيض بالسمن الأصمعيّ قال: قال أبو صوّارة أو ابن دقّة: الأرز الأبيض
بالسّمن المسّلي بالسكر الطّبرزذ، ليس من طعام أهل الدنيا.
أطول الليالي قال:وقال أبو صوّارة أو ابن دقّة: أطول الليالي ثلاث: ليلة العقرب،
وليلة الهريسة، وليلة جدّة إلى مكة.
لأبي كامل بن الزبد الأصمعيّ عن جعفر بن سليمان قال: قال أبو كامل مولى عليّ رضي
اللّه عنه: أطعموني حفنة زبدٍ ثم اختموا سراويلي ثلاثاً.
بين الثوري ورجل وقال رجل للثّوريّ: في حديث: "إن اللّه يبغض البيت
اللّحم" فقال: ليس هو الذي يؤكل فيه اللحم، وإنما هو الذي يؤكل فيه لحوم
الناس.
للنبي صلى اللّه عليه وسلم في التمر عن أبي الصّدّيق الناجي عن النبي صلى اللّه
عليه وسلم أنه قال: "خير تمراتكم البرني يذهب بالداء ولا داء فيه" لعمر
في العصيدة وعن ابن عمر عن عمر أنه قال: يا غلام أنضج العصيدة تذهب حرارة الزيت.
للنبي صلى اللّه عليه وسلم في التمر أيضاً وعن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلى
اللّه عليه وسلم: "بيتٌ ليس فيه تمر جياعٌ أهله" أيضاً في التمر شيخٌ من
أهل البادية قال: أضافنا فلان فأتانا بحنطة كأنها مناقير الغربان، وتمرٍ كأنه
أعناق الوزّ يوحل فيه الضّرس.
الأصمعيّ قال: قال أعرابيّ: تمرنا جرد فطسٌ يغيب فيه الضّرس، كأن نواه ألسن
الطير،تضع التمرة في فيك فتجد حلاوتها في كعبيك.
الأصمعيّ عن أبيه قال: أسر رجلٌ رجلين في الجاهلية فخيّرها بم يعشّيهما، فاختار
أحدهما اللحم واختار الآخر التمر، فعشيّا وألقيا في الفناء وذلك في شتاءٍ شديدٍ،
فأصبح صاحب اللحم خامداً، وأصبح صاحب التمر تزرّ عيناه.
وقال غير الأصمعيّ: قيل لأعرابيّ: ما رأيك في أكل الجريّ قال: تمرة نرسيانةٌ غرّاء
الطّرف صفراء السائر عليها مثلها زبداً أحبّ إليّ منها. ثم أدركه الورع فقال: وما
أحرّمهما.
وقال بعض الأعراب:
ألا ليت لي خبزاً تسربل رائبـاً |
|
وخيلاً من البرنيّ فرسانها الزّبد |
قال: ورأى أعرابيٌّ دقيقاً وتمراً فاشترى
التمر؛ قيل له: كيف وسعر الدقيق والتمر واحد! قال: إنّ في التمر أدمه وزيادة
حلاوةٍ.
عن زياد النّميريّ قال: قالت عائشة: من أكل التمر وتراً لم يضرّه.
الأصمعيّ قال: حدّثني شيخٌ عالمٌ قال: أطيب التمر صيحانيّة مصلّبة.
الأصمعيّ قال: حدّثني رجلٌ من آل حزمٍ قال: كان يقال: من خلا على التمر فالعجوة،
ومن أكله على ثقلٍ فالصّيحانيّ.
لأعرابي في تفضيل الرطب على العسل الأصمعيّ قال: قال أعرابيّ يفضّل الرّطب على
العسل: أتجعل عسلةً في أخثاء البقر كعسلةٍ في جوّ السماء لها محارس من جريدٍ
وذوائب من زمردٍ! في أطيب انواع التمر وقال الأصمعيّ: قيل لابن القدّاح: أيّ التمر
أطيب? فدعا بأنواع التمر، فلمّا أكلوا قال: انظروا أيّ النوى أكثر? قالوا: نوى
الصيحانّي. قال: هو أطيب.
للعرب في البخيل الأكول وقال الأصمعيّ: العرب تقول للبخيل الأكول: "أبرماً
قروناً" أي لا يخرج مع أصحابه شيئاً ويأكل تمرتين تمرتين.
شعر للنابغة يصف تمراً وقال النابغة يصف تمراً:
صغار النوى مكنوزةٌ ليس قشرها |
|
إذا طار قشر التمر عنها بطائر |
الحسن والفالوذج
سمع الحسن رجلاً يعيب الفالوذج فقال: فتات البرّ بلعاب النحل بخالص السّمن! ما عاب
هذا مسلمٌ.
الحسن وفرقد السبخي وقال لفرقدٍ السّبخيّ: يا أبا يعقوب، بلغني أنك لا تأكل
الفالوذج. فقال: يا أبا سعيد، أخاف ألاّ أؤدّي شكره. فقال: يا لكع! وهل تؤدّي شكر
الماء البارد "في الصّيف والحارّ في الشتاء! أما سمعت قول اللّه تعالى:
"يأيّها الّذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم" تحكيم شيخ في الطعام
الرومي والفارسي الأصمعيّ قال: اختصم روميّ وفارسيّ في الطعام، فحكّما بينهما
شيخاً قد أكل طعام الخلفاء، فقال: أمّا الروميّ فذهب بالحشو والأحشاء، وأما
الفارسيّ فذهب بالبارد والحلواء.
جشع مزرّد أخي الشماخ ونهمه وعن الأصمعيّ قال: كنا عند الرشيد فقدّمت إليه
فالوذجةٌ، فقال: يا أصمعيّ حدّثنا بحديث مزرّدٍ. فقلت: إن مزرّداً أخا الشمّاخ كان
غلاماً جشعاً وكانت أمّه تؤثر عيالها بالطعام عليه وكان ذلك يحفظه، فخرجت أمّه ذات
يوم تزور بعض أهلها، فدخل مزرّدٌ الخيمة وعمد إلى صاعي دقيقٍ وصاعٍ من تمر وصاعٍ
من سمن ثم جعل يأكله وهو يقول:
ولمّا غدت أمي تمير بـنـاتـهـا |
|
أغرت على العكم الذي كان يمنع |
لبكت بصاعي حنطةٍ صاع عجوةٍ |
|
إلى صاع سمنٍ فـوقـه يتـريّع |
ودبّلت أمثال الأثافـي كـأنـهـا |
|
رؤؤس نقادٍ قطّعت يوم تجمـع |
وقلت لبطني أبشـر الـيوم إنـه |
|
حمى أمّنا مما تحوز وتـرفـع |
فإن كنت مصفوراً فـهـذه دواؤه |
|
وإن كنت غرثاناً فذا يوم تشبـع |
فضحك الرشيد حتى استلقى على ظهره، ثم قال:
كلوا باسم اللّه، هذا يوم تشبع "يا أصمعيّ".
الحجاج يطلب عسلاً قال: وكتب الحجاج إلى عامله بفارس: إبعث إليّ عسلاً من عسل
خلاّر، من النحّل الأبكار، من الدّستفشار الذي لم تمسّه النار.
مثله لبعض الخلفاء وقال الأصمعيّ: كتب بعض الخلفاء إلى عامله بالطائف: أن أرسل
إليّ بعسلٍ أخضر في سقاء، أبيض في الإناء، من عسل الندّغ والسّحاء، من حداب بني
شبابة.
والعرب تصف العسل بالبرودة.
للنبي صلى اللّه عليه وسلم وشعر للأعشى وفي حديث ابن عباس أنّ النبي صلى اللّه
عليه وسلم سئل عن أفضل الشراب قال: "الحلواء البارد" يعني العسل.
وقال الأعشى:
كما شيب بماءٍ بـا |
|
رد من عسل النحل |
في العسل ومنافعه ويقال: أجود العسل
الذهبيّ الذي إذا قطرت منه قطرةٌ على وجه "الأرض" استدار كما يستدير
الزئبق ولم ينقش ولم يختلط بالأرض والتراب.
والروم تقول: أجوده ما يلطخ على فتيلةٍ ثم تشعل فيه النار فيعلق.
وسئل ديقراطيس العالم عما يزيد في العمر فقال: من أدام أكل العسل ودهن جسمه زاد
اللّه بذلك في عمره.
والعسل إن جعل فيه اللحم الطريّ بقي كهيئته حتى ينتن.
ويقال: من كان به داء قديمٌ فليأخذ درهماً حلالاً وليشتر بع عسلاً ثم يشربه بماءٍ
سواءٍ فإنه يبرأ بإذن اللّه تعالى.
وكان الحسن يعجبه إذا استمشى الرجل أن يشرب اللبن والعسل.
ويزعم أصحاب الطبائع أن العسل إذا ديف بالماء وخلط معه زيتٌ أو دهن سمسمٍ نافعٌ
لمن شرب السّموم والأدوية القاتلة يتقيأ به.
في إكرام الخبز ميمون بن مهران عن ابن عباس قال - ولا أعلمه إلاّ عن النبيّ صلى
اللّه عليه وسلم - أنه قال: "أكرموا الخبز فإنّ اللّه سخرّ له السموات
والأرض" لإمرأة من بكر بن وائل في السويق الأصمعيّ قال: كانت امرأةٌ من بكر
بن وائل تنزل الطّفاوة وكانت قد أدركت بعض أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم، وكان
العبّاد يغشونها في منزلها؛ فعاب عائبٌ عندها السّويق، فقالت: لا تفعل! إنه طعام
المسافر، وطعام العجلان، وغذاء المبكّر، وبلغة المريض، ويشدّ فؤاد الحزين، ويردّ
من نفسٍ الضّعيف؛ وهو جيدٌ في التّسمين ونقاوة البلغم، ومسمونه يصفّي الدم، إن شئت
كان ثريداً، وإن شئت كان خبيصاً، وإن شئت كان خبزاً.
لغسّان بن عبد الحميد في السويق أيضاً وكان غسّان بن عبد الحميد كاتب سليمان بن
عليّ يقول لجاريته: خوّضي لنا سويقاً فأخثريه، فإنّ الرجل لا يستحي أن يزداد ماءً
فيرقّقه، ويستحي أن يزداد سويقاً فيخثره به.
شعر لعبد اللّه بن معاوية في الطبرزد
مرّ عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر بعبد الحميد بن عليّ وهو في مزرعته
وقد عطش، فاستسقاه فخاض له سويق لوزٍ فسقاه إياه؛ فقال عبد اللّه:
شربت طبرزداً بغريض مزنٍ |
|
ولكنّ الملاح بكـم عـذاب |
وما "هو" بالطّبرزد طاب لكن |
|
بمسّك إنه طاب الـشـراب |
وأنت إذا وطئت تراب أرضٍ |
|
يطيب إذا مشيت به التـراب |
لأن نداك ينفي المحل عنهـا |
|
وتحييهـا أياديك الـرّطـاب |
للحسن في السويق والنساء وقال الحسن: لا
تسقوا نساءكم السّويق، فإن كنتم لا بدّ فاعلين فاحفظوهنّ.
للرقاشي وقال الرّقاشيّ: السّمنة للنّساء غلمةٌ وهي للرجال غفلةٌ للنبي صلى اللّه
عليه وسلم عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "ثلاثةٌ لا
تردّ: اللّبن والسّواك والدّهن" أبو يزيد وشرب اللبن الحار الرّياشيّ قال:
سمعت أبا يزيد يقول: رأيت رجلاً كأنّ أسنانه الذّهب لشربه اللّبن حاراً.
لذي الرّمة الأصمعيّ عن ذي الرّمة أنه قال: إذا قلت للرّجل: أيّ اللّبن أطيب? فإن
قال: قارصٌ فقل: عبد من أنت? وإن قال: الحليب. فقل: ابن من أنت?.
بين قريشي وامرأة من البادية مرّ رجل من قريشٍ بامرأة من العرب في باديةٍ، فقال،
هل من لبنٍ يباع? فقالت: إنك لئيمٌ أو قريب عهد بقوم لئامٍ.
وكان يقال: اللبن أحد اللّحمين.
لبعض المدنيين وقال بعض المدنيّين: من تصبّح بسبع موزاتٍ وبقدحٍ من لبن إبلٍ أوارك
تجشّأ بخور الكعبة.
بين معاوية وامرأة وقف معاوية على امرأةٍ فقال: هل من قرىً? فقالت: نعم. قال: وما
هو? قالت: خبزٌ خمير ولبنٌ فطير وماءٌ نمير.
والعرب تقول: "إنّ الرّثيئة تفتأ الغضب". والرّثيئة: اللبن الحامض يحلب
عليه الحليب، وهو أطيب اللبن.
شعر لبعض الأعراب في اللبن قال بعض الأعراب:
وإذا خشيت على الفؤاد لجـاجةً |
|
فاضرب عليه بجرعةٍ من رائب |
في
طبخ اللبن باللحم وعن مطر الورّاق: أنّ نبيّاً من الأنبياء شكا إلى اللّه تعالى
الضعف، أوحى اللّه إليه: أن أطبخ اللبن باللحم، فإنّ القوّة فيهما.
أعرابي يصف خصب البادية وصف أعرابيّ البادية فقل: كنت أشرب رثيئةً تجرّها الشّفتان
جرّاً، وقارصاً إذا تجشّأت جدع أنفي، ورأيت الكمأة تدوسها الإبل بمناسمها، وخلاصةً
يشمّها الكلب فيعطس.
في ترويب اللبن وتقول الأطبّاء: إنّ اللبن إذ سخّن بالنار وسيط بعودٍمن عيدان شجر
التّين راب من ساعته.
وقالوا: وإن أراد صاحبه ألاّ يروب وإن كان فيه روبة جعل فيه شيئاً من الحبق، وهو
الفوذنج النهريّ،فإنه يبقى كهيئته.
أخبار من أخبار العرب في مآكلهم ومشاربهم
للمعلّى
الربعي المعلّى الرّبعيّ قال: مكثت ثلاثاً لا أذوق طعاماًوأشرب فيهنّ شراباً،
فدعوت اللّه تعالى، وإذا دعا العبد اللّه بقلبٍ صادقٍ كانت معه من اللّه عينٌ
بصيرةٌ، فدفعت إلى ذئبين في جفرٍ، فرميتهما فقتلتهما، ثم أتيت جفراً فيه ماء
فاستقيت، ثم أتيتهما وإذا هما علىمهيديتيهما، وإذا لهما نحفةٌ-يعني شبه
الزّفير-فاشتويت واحتذيت واذّهنت.
بين ابن قرفة وصياد أعرابي قال ابن قرفة "شيخ من سليم": أضافني رجل من
الأعراب فجاءني بقدرٍ جماعٍ ضخمةٍ ليس فيها شيء من طعام إلا قطع لحم، فإذا بضعة
تنماتّ في فمي، وبضعة كأنّها بضع ساقٍ، وبضعة كأنها شحمٌ زخمٌ؛ فقلت: ما هذا?
فقال: إني رجل صيّاد، جمعت بين ذئبٍ وظبيٍ وضبع.
بين مدني وأعرابي قال مدنيّ لأعرابيّ: ما تأكلون وما تدعون? قال: نأكل ما دبّ ودرج
إلا أمّ حبينٍ. فقال المدنيّ: ليهنيء أمّ حبينٍ العافية.
لرجل من بني هلال على مائدة الفضل بن يحيى قعد على مائدة الفضل بن يحيى رجلٌ من
بني هلال بن عامر، فذكروا الضّبّ ومن يأكله، فأفرط الفضل في ذمّه وتابعه القوم،
فغاط الهلاليّ ما سمع منهم، ولم يكن على المائدة عربيّ غيره، ثم لم يلبث أن أتي
الفضل بصحفةٍ فيها فراخ الزّنانير، فلم يشك الأعرابيّ أنها ذبّان البيوت، فقال حين
خرج:
وعلجٍ يعاف الضبّ لؤماً وبطنةً |
|
وبعض إدام العلج هام ذبـاب |
ولو أنّ مـلـكـاً نـاك أمّـه |
|
لقالوا لقد أوتيت فصل خطاب |
شعر لأبي الهندي، ثم لبعض الأعراب وقال أبو الهندي "رجل من العرب":
أكلت الضّباب فما عفـتـهـا |
|
وإنّي لأشهي قديد الـغـنـم |
ولحم الخروف حـنـيذاً وقـد |
|
أتيت به فاتراً في الـشّـبـم |
فأمّا البهـطّ وحـيتـانـكـم |
|
فما زلت منها كثير السّـقـم |
وقد نلت منها كمـا نـلـتـم |
|
فلم أر فيها كـضـبّ هـرم |
ولا في البيوض كبيض الدّجاج |
|
وبيض الدجاج شفاء الـقـرم |
ومكن الضّباب طعام العـريب |
|
ولا تشتهيه نفوس الـعـجـم |
وقال بعض الأعراب:
وأنت لو ذقت الكشى بالأكباد |
|
لما تركت الضّبّ يعدو بالواد |
ونزل رجل من العرب برجل من الأعراب فقدم إليه جراداً؛ فقال:
لحى اللّه بيتاً ضمّني بعد هجعةٍ |
|
إليه دجوجيّ من الليل مظلـمٌ |
فأبصرت شيخاً قاعداً بفـنـائه |
|
هو العنز إلا أنـه يتـكـلـم |
أتانا ببرقان الدّبى فـي إنـائه |
|
ولم يك برقان الدّبى لي مطعم |
فقلت له غيّب إناءك واعتـزل |
|
فهل ذاق هذا، لا أبا لك، مسلم |
لبعض لعباسين وقال بعض العباسيين:
ليت شعري متى تخبّ بي ال |
|
قة نحو العذيب فالصّـنّـين |
محقباص زكرةً وخبز رقاقٍ |
|
وجبيناً وقطعةً مـن نـون |
وقال بعض الأعراب:
أقول له يوماً وقد راح صحبتـي |
|
ترى أبتغي من صيده وأخاتـلـه |
فلما التقت كفّي على فضل ذيلـه |
|
وشالت شمالي زايل الضّبّ باطله |
فأصبح محنوذاً نضيجاً وأصبحـت |
|
تمشّي على القيزان حولاً حلائله |
شديد اصفرار الكشيتين كـأنـمـا |
|
تطلّى بورسٍ بطنه وشواكـلـه |
فذلك أشهى عندنا من نتـاجـكـم |
|
لحى اللّه شاريه وقبّـح آكـلـه |
للفرزدق يعيّر بني أسد بأكل الكلاب وبنو أسدٍ تعيّر بأكل الكلاب؛ قال الفرزدق:
إذا أسديّ جاع يوماً ببلـدةٍ |
|
وكان سميناً كلبه فهو آكله |
لآخر يعير بني أسد بأكل لحوم الناس وتعيّر أيضاً بأكل لحوم الناس، كما قال الشاعر:
إذا ما ضفت ليلاً فقعسـيّاً |
|
فلا تأكل له ابداً طعامـا |
فإنّ اللحم إنسانٌ فـدعـه |
|
وخير الزاد ما منع الحرام |
لرجل في قوم يأكلون الحيات قال رجل: كنت
بالبادية فرأيت ناساً حول نارٍ، فسألت عنهم فقالوا: صادوا حيّات فهم يشتوونها
ويأكلونها.فأتيتهم فرأيت رجلاً منهم قد أخرج حيّةً من الجمر ليأكلها فامتنعت عليه،
فجعل يمدّها كما يمدّ عصيب لم ينضج، فما صرفت بصري عنه حتّى لبج به فمات، فسألت عن
شأنه فقيل لي: عجل عليها قبل أن تنضج وتعمل في سمّها النار.
بين أعرابي وأولاده يصفون لحماً قال رجل من الأعراب لولده: إشتروا لي
لحماً.فاشتروه فطبخه حتى تهرّي، وأكل منه حتى انتهت نفسه، وشرعت إليه عيون ولده
فقال: ما أنا بمطعمه أحداً منكم إلا من أحسن وصف أكله؛ فقال الأكبر منهم: آكله يا
آبت حتى لا أدع للذةٍ فيه مقيلا. قالك لست بصاحبه. فال الآخر: آكله حتى لا يدري
ألعامه هو أم لعامٍ أوّل. قال: لست بصاحبه. فقال الأصغر: أدقّه يا أبت دقّاً وأجعل
إدامه المخّ. قال: أنت صاحبه، هو لك.
شعر لأعرابي سقط بعيره فذبحه وأكله بينا أعرابيّ يسير وهو يوضع بعيره إذ سقط بعيره
فنحره وأكله، فأنشأ يقول:
إن السّعيد من يموت جمله |
|
يشبع لحماً ويقلّ عملـه |
شعر لسلولي سكر فذبح بعيره ومرّ رجلٌ من سلول بفتيانٍ يشربون فشرب معهم؛ فلما أخذ منه الشراب قام إلى بعيره فنحره، وقال:
علّلاني إنما الدّنـيا عـلـل |
|
ودعاني من ملامٍ وعـذل |
وأنشلا ما أغبرّ من قدريكما |
|
واسقياني أبعد اللّه الجمـل |
آداب الأكل والطعام
من
حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه
عليه وسلم يقول: "الأكل في السّوق دناءةٌ" وعن عبد الرحمن بن عراكٍ قال:
بلغني أنه من غسل يده قبل الطعام كان في سعة من الرّزق حتى يموت.
للحسن في الوضوء قبل الطعام وبعده عن الحسن أنه قال: الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر
وبعده ينفي اللّمم سمرة بن جندب
وعنه قال: قيل لسمرة بن جندبٍ: إنّ أباك أكل طعاماً كاد يقتله. قال: لو مات ما
صلّيت عليه.
لأبي الدرداء وعن شرحبيل بن مسلم قال: قال أبو الدّرداء: بئس العون على الدّين
قلبٌ نخيب، وبطنٌ رغيب، ونعظٌ شديدٌ.
بين الجارود وعمر أكل الجارود مع عمر طعاماً ثم قال: يا جارية هات الدّستورد. فقال
عمر: امسح باستك أوذر.
نصيحة فرقد السبخي لأصحابه قال جعفر: كنا نأتي فرقداً السّبخيّ ونحن شببةٌ
فيعلمنا: إن من ورائكم زماناً شديداً، فشدّوا الأزر على أنصاف البطون، وصغّروا
اللّقم، وشدّدوا المضغ، ومصوا الماء مصّاً. وإذا أكل أحدكم فلا يحلّنّ إزاره
فتتّسع أمعاؤه. وإذا جلس أحدكم ليأكل فليقعد على أليتيه، وليلزق بطنه بفخديه، وإذا
فرغ فلا يقعد وليجئ وليذهب؛ واحتموا فإن من ورائكم زماناً شديداً.
للنبي صلى اللّه عليه وسلم وعن عبد اللّه بن أبي أوفى قال: قال رسول اللّه صلى
اللّه عليه وسلم: "ساقي القوم آخرهم شرباً" طعام عبد الأعلى بن عبد
اللّه بن عامر وعن الجارود بن أبي سبرة قال: قال لي بلال بن أبي بردة: أتحضر طعام
هذا الشيخ? - يعني عبد الأعلى بن عبد اللّه بن عامر -؛ فقلت: أيّهاً واللّه؛ فقال:
حدثني عنه. فقلت: نأتيه وكان سكّيتاً، إن حدثنا أحسن الحديث، وإن حدّثناه أحسن
الإستماع، فإذا حضر الغداء جاء خبّازه فمثل بين يديه؛ فيقول: ما عندك? فيقول:
بطّةٌ بكذا، ودجاجةٌ بكذا وكذا. قال: وما يريد بذاك? قلت: كي يحبس كلّ إنسانٍ نفسه
إلى ما يشتهي، فإذا وضع الخوان خوّى تخوية الظليم فما له إلا موضع متّكئه فيجدّ
ويهزل، حتى إذا رآهم قد فتروا وكلّوا أكل معهم الجائع المقرور حتى ينشّطهم بأكله.
ما يستحب أن يجتمع للطعام وكان يقال: إذا اجتمع للطعام أربعٌ كمل: أن يكون حلالاً،
وأن تكثر عليه الأيدي، وإن يفتح باسم اللّه، ويختتم بحمد اللّه.
وكان يقال: سمّوا إذا أكلتم ودنّوا وسمتّوا أبرويز لصحابي طعامه وشرابه قال أبرويز
لصحابي طعامه وشرابه: إنّي سلّطتكما على المعيشة، وأشركتكما في الحياة، وجعلتكما
أمينين على نفسي، وولّيتكما من طعامي وشرابي ما التوسعة فيه مروءةٌ والتضييق فيه
دناءة؛ فاجعلاه في فضله على ما سواه كفضلي على من سواي، وفي كثرته ككثرة من معي
على من مع غيري. ولا يشهدنّ طعامي الذي آكل عينٌ تراه ولا نفسٌ تحسّه ولا يدٌ
تداوله خلا نفساً واحدةً؛ وإنما أفردته بذلك لتستحكم الحجّة فيه على من أضاع،
وتنقطع الشبهة فيه عمن غفل ولأجعل صاحب ذاك رهناً بدم نفسه إن هو قصّر في صنعه أو
أوقع بغائلةٍ.
إبراهيم بن صالح وحب الرمان الأصمعيّ قال: حدذثني إبراهيم بن صالح: أنه كانم له
جامٌ من حبّ رمّانٍ مدقوقٍ يسفّ منه بين كل لونين ملعقةً حتى يعرف اختلاف الألوان.
أبو عبد الرحمن الثوري وولده وفيما أجاز لنا عمرو بن بحرٍ من كتبه قال: كان أبو
عبد الرحمن الثّوريّ يقعد ابنه معه على خوانه يوم الرأس، ثم يقول: إياك ونهم
الصبيان وأخلاق النوائح، و"دع عنك" خبط الملاّحين والفعلة، ونهش الأعراب
والمهنة، وكل من بين يديك؛ فإنّ حظّك الذي وقع وصار إليك. واعلم أنه إذا كان في
الطعام شيء طريفٌ أو لقمةٌ كريمةٌ أو بضعة شهيّةٌ، فإنما ذلك للشيخ المعظّم
والصبيّ المدلّل، ولست واحداً منهما. وأنت قد تأتي الدعوات، وتجيب الولائم، وتدخل
منازل الإخوان، وعهدك باللحم قريبٌ، وإخوانك أشدّ قوماً إليك منك، وإنما هو رأس
واحدٌ، فلا عليك أن تتجافى عن بعضٍ وتصيب بعضاً. وأنا بعد أكره لك الموالاة بين
اللحم؛ فإن اللّه يبغض أهل البيت اللّحمين.
وكان يقال: مدمن اللحم كمدمن الخمر.
ورأى رجلاً يأكل لحماً، فقال: لحمٌ يأكل لحماً، أفٌ لهذا عملاً??????? وكان عمر
يقول: إيّاكم وهذه المجازر، فإنّ لها ضراوةً كضراوة الخمر.
يا بنيّ عودّ نفسك الأثرة ومجاهدة الهوى والشهوى، ولا تنهش نهش السّباع، ولا تخضم
خضم البراذين، ولا تدمن الأكل إدمان النّعاج، ولا تلقم لقم الجمال؛ فإن اللّه
تعالى جعلك إنساناً وفضّلك، فلا تجعل نفسك بهيمةً ولا سبعاً. واحذر سرعة الكظّة
وسرف البطنة.
قال بعض الحكماء: إذا كنت بطيناً فعدّ نفسك من الزّمني. وقال الأعشى:
.....................والبط |
|
نة ممّا تسفّه الأحـلامـا |
واعلم أنّ الشّبع داعية البشم، وأن البشم داعية السّقم، وأنّ السقم داعية الموت،
فمن مات بهذه الميتة فقد مات ميتةً لئيمةً، وهو مع هذا قاتل نفسه، وقاتل نفسه ألأم
من قاتل غيره.
يا بنيّ، واللّه ما أدّى حقّ الركوع والسجود ذو كظمة، ولا خشع للّه ذو بطنة،
والصوم مصحّة، والوجبات عيش الصالحين.
أي بنيّ، لأمرٍ مّا طالت أعمار الهند، وصحّت أبدان الأعراب. فللّه در الحارث بن
كلدة حيث يزعم أنّ الدواء هو الأزم، وأنّ الداء إدخال الطعام إثر الطعام.
أي بنيّ، لم صفت أذهان الأعراب، وصحّت أبدان الرّهبان، مع طول الإقامة في الصوامع
حتى لم تعرف النقّرس ولا وجع المفاصل ولا الأورام، إلا لقلّة الرّزء وخفّة الزاد.
وكيف لا ترغب في تدبيرٍ يجمع لك صحّة البدن، وذكاء الذهن، وصلاح المعي، وكثرة
المال، والقرب من عيش الملائكة?! أي بنيّ، لم صار الضبّ أطول شيء ذماءً إلا أنه
يتبلّغ بالنسيم؛ ولم قال الرسول صلى اللّه عليه وسلم إنّ الصوم وجاء إلاّ ليجعله
حجازاً دون الشهوات. إفهم تأديب اللّه، فإنه لم يقصد به إلاّ إلى مثلك.
أي بنيّ، قد بلغت تسعين عاماً ما نغص لي سنّ، ولا انتشر لي عصبٌ، ولا عرفت ذنين
أنف، ولا سيلان عين، ولا سلس بول؛ ما لذلك علّةٌ إلاّ التخفيف من الزاد. فإن كنت
تحبّ الحياة فهذه سبيل الحياة، وإن كنت تريد الموت فلا يبعد اللّه إلاّ من ظلم
نفسه.
أبو نهشل وابنته، ثم ابنه وقال أبو نهشل: كانت لي ابنة تجلس معي على المائدة فتبرز
كفّاً كأنها طلعة، في ذراع كأنه جمّارة، فلا تقع عينها على أكلة نفسية إلا خصّتني
بها، فزوّجتها وصرت أجلس معي على المائدة ابناً لي فيبرز كفّاً كأنه كرنافة في
ذراع كأنه كربة، فواللّه ما تسبق عيني إلى لقمة طيّبة إلاّ سبقت يده إليها.
وقال بعضهم: غلبت بطنتي فطنتي.سس عمرو بن العاص لمعاوية يوم التحكيم قال عمرو بن
العاص لمعاوية يوم تحكّم الحكمان: أكثروا الطعام، فواللّه ما بطن قومٌ قطّ إلا
فقدوا بعض عقولهم، وما مضت عزمة رجل بات بطيناً.
وكان يقال: أقلل طعاماً تحمد مناماً.
الأصمعيّ قال: كان يقال: ليس لشعبة خير من جوعة تحفزها.
بين عبد الملك ورجل دعا عبد الملك بن مروان إلى الغداء رجلاً فقال: ما فيّ فضل.
فقال عبد الملك: ما أقبح بالرجل أن يأكل حتى لا يبقى فيه فضل! فقال: يا أمير
المؤمنين، عندي مستزاد، ولكن أكره أن أصير إلى الحال التي استقبحها أمير المؤمنين.
وقال لشيخ: ما أحسن أكلك? قال: عملي منذ ستين سنة.
للحسن وقال الحسن: إنّ ابن آدم أسير الجوع، صريع الشبع.
عبد الملك وأبا الزعيرة وسأل عبد الملك أبا الزعيرة فقال: هل اتّخمت قطّ? قال لا؛
قال: وكيف ذاك? قال: لأنا إذا طبخنا أنضجنا، وإذا مضغنا دقّقنا، ولا نكظّ المعدة
ولا نخليها.
للأحنف وقال الأحنف: جنبوا مجلسنا ذكر النساء والطعام، فإني أبغض الرجل أن يكون
وصّافاً لبطنه وفرجه، وإنّ من المروءة أن يترك الرجل الطعام وهو يشتهيه.
للأصمعي الأصمعيّ قال: بلغني أنّ أقواماً لبسوا المطارف العتاق، والعمائم الرّقاق؛
وأوسعوا دورهم،وضيّقوا قبورهم؛ وأسمنوا دوابّهم، وهزّلوا دينهم؛ طعام أحدهما غصب،
وخادمه سخرة، يتّكىء على شماله، ويأكل من غير ماله؛ حتى إذا أدركته الكظّة قال: يا
جارية هاتي حاطوماً؛ ويلك! وهل تحطم إلا دينك! أين مساكينك! أين يتاماك! أين ما
أمرك اللّه به! أين أين!.
لبعض الحكماء في صلاح الأمور قال بعض الحكماء: مدار صلاح الأمور في أربع: الطعام
لا يؤكل ألاّ على شهوة، والمرأة لا تنظر إلا إلى زوجها، والملك لا يصلحه إلا
الطاعة، والرعيّة لا يصلحها إلا العدل.
من حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى
اللّه عليه وسلم:"من أكل من سقط المائدة عاش في سعةٍ وعوفي في ولده وولد ولده
من لحمق".
وقيل لأعرابي: أتحسن أن تأكل الرأس? قال نعم، أبخص عينيه، وأسحى، خدّيه، وأفكّ
لحييه،، وأرمي بالدماغ إلى من هو أحوج منّي إليه. وكانوا يكرهون أكل الدماغ؛ ولذلك
يقول قائلهم: أنّا من قبيلة تبقي المخّ في الجماجم.
دعبل لابنه دعبل قال: يا بنيّ لا تأكل ألية الشاة لأنها طبق الاست وقبريبٌ من
الجواعر.
لبعض الشعراء قال بعض الشعراء:
إذا لم أرى إلاّ لآكـل أكـلةً |
|
فلا رفعت يمنى يديّ طعامي |
فما أكلةٌ إن نلتها بـغـنـيمةٍ |
|
ولا جوعةٌ إن جعتها بغـرام |
للأصمعي عبد الملك بن عمير عن عمه عن
الأصمعيّ قال: لا تخرج يا بنيّ من منزلك حتى تأخذ حلمك. يعني حتى تتغذىّ.
وقال هلال بن جشم:
وإنّ قراب البطن يكفيك ملـؤه |
|
ويكفيك سوءآت الأمور اجتنابها |
وصية رجل لولده وقرأت في الآيين: أن رجلاً
من خدم دار المملكة أوصى ابنه فقال: إذا أكلت فضمّ شفتيك، ولا تتلفّتنّ يميناً
وشمالاً. ولا تّتخذنّ خلالك قصبا. ولا تلقمنّ بسكّين أبداً، وإذا كان في يدك سكّين
وأوردت التقاماً فضعها على مائدتك ثم التقم. ولا تجلس فوق من هو أسنّ منك وأرفع
منزلة. ولا تتخلّل بعود آس. ولا تسمح بثياب بدنك. ولا ترق ماء وأنت قائم ولا تحفر
أرضاً بأظفارك. ولا تجلس على حائط أو باب أو تكتب عليهما فتلعن، ولا تسترح على
أسكفّة فتجهّل، ولا تستنج بمدر فيورثك البواسير، ولا تمتخط حيث يسمع امتخاطك، ولا
تبصق في الأماكن المنظّفة.
بين معاوية ورجل يؤاكله وأجلس معاوية على مائدته رجلاً يؤاكله، فأبصر في لقمته
شعرة، فقال: خذ الشعرة من لقمتك. فقال له الرجل: وإنك لتراعيني مراعاة من يبصر
الشعرة في لقمتي! واللّه لا أكلت معك أبداً! ثم خرج الاعرابيّ وهو يقول:
وللموت خيرٌ من زيارة بـاخـلٍ |
|
يلاحظ أطراف الأكيل على عمد |
دعاء لسعيد بن جبير وكان سعيد بن جبير إذا فرغ من طعامه قالك اللهمّ أشبعت وأوريت فهنّئنا، وأكثرت وأطبن فزدنا.
الجوع والصوم
قيل
لبعض الحكماء: أيّ الطعام أطيب? قال: الجوع أعلم.
وكان يقال: نعم الإدام الجوع، ما ألقيت إليه قبله.
نصيحة لقمان لابنه قال لقمان لابنه يا بنيّ، كل أطيب الطعام، ونم على أوطأ الفراش.
يقول: أكثر الصيام، وأطل بالليل القيام.
شعر لأعرابي إشتاق أعرابيّ بالبصرة إلى البادية فقال:
أقول بالمصر لمّا ساءني شبعي |
|
ألا سبيل إلى أرضٍ بها جـوع |
ألا سبيل إلى أرضٍ بها عرسٌ |
|
جوعٌ يصدّع منه الرأس برقوع |
وقال آخر:
وعادة الجوع فاعلم عصمةٌ وغنىً |
|
وقد يزيدك جوعاً عادة الشّـبـع |
بين العتبي وبدوي العتبيّ قال: قلت لرجلٍ
من أهل البادية: يا أخي، إني لأعجب من"أن" فقهاءكم أظرف من فقهائنا،
وعوامّكم أظرف من عوامّنا، ومجانينكم أظرف من مجانينا، قال: وما تدري لم ذاك? قلت
لا قال:"من" الجوع؛ ألا ترى أن العود إنما صفا صوته لخلوّ جوفه!.
لبعض حكماء الروم وقيل لبعض حكماء الرّوم: أيّ وقت الطعام فيه أطيب وأفضل? قال: أمّا
لمن قدر فإذا جاع، وأمّا لمن لم يقدر فإذا وجد.
لأعرابي في هلال شهر رمضان ونظر أعرابيّ إلى قومٍ يلتمسون هلال شهر رمضان، فقال:
أما اللّه لئن أثرتموه لتمسكنّ منه بذنابي عيشٍ أغبر.
وقيل لآخر: ألا تصوم البيض من شعبان! فقال: بين يديها ثلاثون كأنها القباطيّ.
لمدنيّ في السحور وقيل لمدنيّ: بم تتسحّر الليلة? فقال: باليأس من فطور القابلة.
الرّياشيّ قال: قيل لأعرابيّ: إشرب. فقال: إني لا أشرب على ثميلة. وقال:
إذا لم يكن قبـل الـنـبـيذ ثـريدة |
|
مبقّلةٌ صفراء شحمٌ جـمـيعـهـا |
فإنّ النبيذ الصّرف إن كان وحـده |
|
على غير شيءٍ أوجع الكبد جوعها |
لأعرابي في شهر رمضان قدم أعرابيّ على ابن عمٍّ له بالحضر، فأدركه شهر رمضان؛ فقيل له: أبا عمرٍ ولقد أتاك شهر رمضان. قال: وما شهر رمضان? قالوا: الإمساك عن الطعام. قال: أبا لليل أم النهار? قالوا: لا بل بالنهار. قال: أفيرضون بدلاً من الشهر? قالوا لا قال: فإن لم أصم فعلوا ماذا? قالوا: تضرب وتحبس. فصام أياماً فلم يصبر، فارتحل عنهم وجعل يقول:
يقول بنو عمّي وقد زرت مصرهم |
|
تهّيأ أبا عمرٍ ولـشـهـر صـيام |
فقلت لهم هاتوا جرابي ومـزودي |
|
سلامٌ عليكم فاذهـبـوا بـسـلام |
فبادرت أرضاً ليس فيها مسيطـرٌ |
|
عليّ ولا منّـاع أكـل طـعـام |
وأدرك أعرابيّاً شهر رمضان فلم يصم؛ فعذلته امرأته في الصوم، فزجرها وأنشأ يقول:
أتأمرني بالصّوم لا درّ درّهـا |
|
وفي القبر صومٌ يا أميم طويل |
عبد اللّه بن الزبير والصيام دعا عبد اللّه بن الزبير الحسين فحضر وأصحابه، فأكلوا
ولم يأكل؛ فقيل له: ألا تأكل! فقال: إنّي صائمٌ، ولكن تحفة الصائم قيل: وما هي?
قال: الدّهن والمجمر.
أخبار من أخبار الأكلة
الأصمعيّ
قال: قال رجلٌ: أحبّ أن أرزق ضرساً طحوناً، ومعدةً هضوماً، وسرماً نثوراً.
لأنس بن مالك عن إسحاق بن عبد الّه قال: سمعت أنس بن مالك يقول: رأيت عمر يلقي
إليه لصلع من التمر فيأكله حتى حشفه.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
همّ الكريم كريم الفعل يفعلـه |
|
وهمّ سعدٍ بما يلقي إلى المعدة |
لرجل سمين وقيل لرجل رئي سميناً: ما
أسمنك? قال: أكلي الحارّ، وشربي القارّ، واتكائي على شمالي، وأكلي من غير مالي.
وقيل لآخر: ما أسمنك? قال: قلّة الفكرة، وطول الدّعة، والنّوم على الكظّة.
الحجاج والغضبان بن القبعثري قال الحجّاج للغضبان بن القبعثري في حبسه ما أسمنك?
قال: القيد والدّعة، ومن كان في ضيافة الأمير فقد سمن.
وقال آخر لرجل رآه سميناً: أرى عليك قطيفةً من نسج أضراسك.
وقيل لآخر: إنك لحسن الشّحمة ليّن البشرة. فقال: آكل لباب البرّ بصغار المعز،
وأدّهن بدهن البنفسج، وألبس الكتّان.
طعام ميسرة الأكول قيل لميسرة الأكول وأنا أسمع: كم تأكل في كل يوم? قال: من مالي
أو من مال غيري? قالوا: من مالك قال: دونان. قالوا: فمن مال غيرك? قال: اخبز
واطرح.
والعرب تقول: "العاشية تهيج الآبية" . يريدون أنّ الذي لا يشتهي أن يأكل
إذا نظر إلى من يأكل هاجه ذلك على الأكل.
جرير يهجو بني الهجيم قال جرير:
وبنو الهجيم سخيفةٌ أحلامهـم |
|
ثطّ اللّحى متشابهو الألـوان |
لا يسمعون بأكـلةٍ أو شـربةٍ |
|
بعمان أصبح جمعهم بعمـان |
متأبطين بنيهـم وبـنـاتـهـم |
|
صعر الأنوف لريح كلّ دخان |
بين المغيرة ورجل يؤاكله قعد رجلٌ على
مائدة المغيرة وكان منهوماً وجعل ينهش ويتعرّق، فقال المغيرة: ناولوه سكّيناً.
فقال الرجل: كلّ امرىءٍ سكّينه في رأسه.
لأعرابي في اللحم وقيل لأعرابيّ: ما لكم تأكلون اللحم وتدعون الثريد? فقال: لأن
اللحم ظاغن والثريد باقٍ.
وقيل لآخر: ما تسمعون المرق? قال: السّخين. قال: فإذ برد? قال: لا ندعه يبرد نهم
هلال بن أسعر وزوجته قال أبو اليقظان: كان هلال بن أسعر التّميميّ، من بني دارم بن
مازن شديداً أكولاً؛ يزعمون أنه أكل جملاً إلا ما حمل على ظهره منه، وأكل مرةً
فصيلاً، وأكلت امرأته فصيلاً، فلما ضاجعها لم يصل إليها؛ فقال: كيف تصل إليّ وبننا
بعيران! أيضاً في نهم هلال بن أسعر الأصمعيّ قال: دعا عبّاد بن أخضر هلال بن أسعر
إلى وليمةٍ، فأكل مع الناس حتى فرغوا ثم أكل ثلاث جفانٍ تصنع كلّ جفنةٍ لعشرة
أنفسٍ؛ فقال له: شبعت? قال: لا؛ فأتوه بكل خبزٍ في البيت فلم يشبع، فبعثوا إلى
الجيران؛ فلّما اختلفت ألوان الخبز علم أنه قد أضرّ بهم فأمسك؛ فقالوا: هل لك في
تمر شهريزٍ ولبنٍ? فأتوه به فأكل منه قواصر؛ فقالوا له: أشبعت? قال: لا؛ قالوا:
فهل لك في السّويق? قال: نعم؛ فأتوه بجرابٍ ضخم مملوء؛ فقال: هل عندكم نبيذٌ?
قالوا: نعم؛ قال: أعندكم تورٌ تغتسلون فيه من الجنابة? فأتي به فغسله وصبّ السّويق
فيه وصبّ عليه النبيذ، فما زال يفعل ذلك حتى فني.
نهم سليمان بن عبد الملك
الشّمردل وكيل آل عمرو بن العاص قال: قدم سليمان بن عبد الملك الطائف وقد عرفت
شجاعته، فدخل هو وعمر بن عبد العزيز" وأيوب ابنه بستاناً لعمرو؛ قال: فجال في
البستان ساعةً ثم قال": ناهيك بمالكم هذا "مالاً" لاولا جرارٌ فيه!
فقلت: يا أمير المؤمنين، إنها ليست بجرارٍ ولكنها جرب الزّبيب. فجاء حتى أقلى صدره
على غصن، ثم قال: ويلك يا شمردل! أما عندك شيء تطعمني? قلت: بلى واللّه! إن عندي
لجدياً تغدو عليه بقرةٌ وتروح أخرى؛ قال: اعجل به؛ فأتيته به كأنه عكّةٌ، وتشمّر
فأكل ولم يدع ابنه ولا عمر حتى أبقى فخذاً. فقال: يا أبا حفصٍ هلمّ؛ قال: إنّي
صائمٌ؛ ثم قال: ويلك يا شمردل! أما عندك شيء? فقلت: بلى واللّه! دجاجاتٌ ستٌ كأنهن
رئلان النّعام. فأتيته بهنّ، فكان يأخذ رجل الدجاجة حتى يعري عظمها ثم يلقيها
"بفيه" حتى أتى عليهنّ: ثم قال: ويلك! أما عندك شيء? فقلت: بلى واللّه!
إن عندي لحريرةً كقراضة الذّهب. فقال: اعجل بها؛ فأتيته بعسٍّ يغيب فيه الرأس،
فجعل يتلقّمها بيده ويشرب، فلما فرغ تجشّأ كأنه صاح في جبّ؛ ثم قال: يا غلام،
أفرغت من غدائنا? قال: نعم. قال: وما هو? قال: نيفٌ وثمانون قدراً،؛ قال: فأتني
بها قدراً قدراً؛ فأتاه به وبقناع عليه رقاقٌ؛ فأكثر ما أكل من قدرٍ ثلاث لفمٍ وأقلّ
ما أكله لقمةٌ، ثم مسح يده واستلقى على فراشه، وأذن للناس ووضعت الخوانات فجعل
يأكل مع الناس.
الخطّابيّ عن الدّيرانيّ أنه قال: إني لأعرف الطعام الذي يأكله سليمان؛ قال: لما
استخلف سليمان قال لي: لا تقطع عنّي ألطافك التي كنت تلطفني بها قبل أت أستخلف.
فأتيته بزنبيلين أحدهما بيضلإ والآخر تينٌ؛ فقال: لقّمنيه، فجعلت أقشر البيضة
وأقرنها بالتينة حتى أكل الزّنبيلين.
طعام عبيد اللّه بن زياد العتبي عن أبيه قال: كان عبيد اللّه بن زياد يأكل كلّ
يومٍ أربع جرادق أصبهانية وجبناً قبل غدائه.
طعام الحجاج وعن سلم بن قتيبة قال: عددت للحجاج أربعاً وثمانين لقمةً رغيفٌ من خبز
لماء فيه ملء كفّه سمكٌ طريٌ.
معاوية وعبد الرحمن بن أبي بكرة وكان لعبد الرحمن بن أبي بكرة ابن أكولٌ؛ فقال له
"معاوية": مافعل ابنك التّلقامة? قال: اعتلّ. قال: مثله لا يعدم علّةً.
لأبي الأسود أكل أبو الأسود الدؤلي وأقعد معه أعرابياً فرأى له لقماً منكراً؛ فقال
له: ما اسمك? قال: لقمان؛ قال: صدق أهلك، إنك لقمان.
مساور الوراق وابن أبي ليلى ولد لابن أبي ليلى غلامٌ فعمل الأخبصة للجيران، فلما
أكلوا قام مساورٌ الورّاق فقال:
من لا يدسّم بالثريد سبالنـا |
|
بعد لثّريد فلا هناه الفارس |
وقال العجيف في أمه:
يا ليتما أمنا شالـت نـعـامـتـهـا |
|
إمّـا إلـى جـنّة إمّـا إلـى نـار |
ليست بشعبى وإن أسكنتها هـجـراً |
|
ولا بريّاً ولو حـلّـت بـذي قـار |
تلّهم الوسق مـشـدوداً أشـظّـتـه |
|
كأنما وجهها قد طلـي بـالـقـار |
خرقاء في الخير لا تهدي لوجهـتـه |
|
وهي صناع الأذى في الأهل والجار |
لأبي الحارث جميز رأى أبو الحارث جميّزٌ
سلّةُ بين يدي رجلٍ من الملوك، فقال له: جعلت فداك، أيّ شيء في تلك السّلّة? فقال:
بظر أمّك. قال: فأعضّني به.
نهم الحارثيّ قيل للحارثيّ: لم لا تأكل الناس? فقال: لو لم تأكل أترك مؤاكلتهم إلا
لنزوعي عن الأسواريّ لتركتها، ما ظنّكم برجل نهش بضعة لحم بقرٍ فانقلع ضرسه وهو لا
يدري. وكان إذا أكل ذهب عقله وجحظت عيناه وسكر وسدر وتربّد وجهه وغضب ولم يسمع ولم
يبصر، فلما رأيته وما يعتريه ويعتري الطعام منه صرت لا آذن له إلا ونحن نأكل الجوز
والتمر وتناول القطعة منه كجمجمة الثّور كدمها كدماً، ونهشها طولاً وعرضاً، ورفعاً
وخفضاً، حتى يأتي عليها؛ ثم لا يقع عضّه إلا على الأنصاف والأثلاث؛ ولا رمى بنواةٍ
قطّ، ولا نزع قمعاً ولا نفى عنه قشراً، ولا فتّشه مخافة السوس والدود.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
تبيت تدهده القرّان حولي |
|
كأنك عند رأسي عقربان |
فلو أطعمتني حملاً سميناً |
|
شكرتك والطعام له مكان |
وقال بعض الأعراب:
وإنّ طعاماً ضمّ كفيّ وكفّـهـا |
|
لعمرك عندي في الحياة مبارك |
|
||
فمن أجلها أستوعب الزاد كلّه |
|
ومن أجلها أهوي يدي فأدارك |
|||
وقال آخر:
عريض البطان جديد الخوان |
|
قريب المراث من المرتع |
فنصف النهار لكـرياسـه |
|
ونصفٌ لمأكلـه أجـمـع |
لأعربي في عسل قصب السكر الأصمعيّ قال:
قيل لأعرابيّ: ما يعجبك من هذا القند? قال: يعجبني خضده وبرده قال الأصمعيّ:
الخضد: المضغ والأكل الشديد خالد بن صفوان وجاريته قال خالد بن صفوان يوماً لجريته:
يا جارية، أطعمينا جبنً، فإنه يشهيّ الطعام ويهيج المعدة، وهو يعدّ من حمض العرب،
قالت: ما عندنا منه شيء. قال: لأعلمك إنه واللّه ما علمت ليقدح في الأسنن ويستولي
على البطن وأنه من طعام أهل الذمّة.
كان يقل: إذا كثرت المقدرة، ذهبت الشهوة.
شعر لبعض الظرفاء وقال بعض الظرفاء:
زرعنا فلما سلّم اللّه زرعنا |
|
وأوفى عليه منجلٌ بحصاد |
بلينا بكوفّي حليف مجـاعةٍ |
|
أضرّ علينا من دبي وجراد |
من حديث النبي صلى اللّه عليه وسلم عن
نافع عن ابن عمر قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: "من دخل على غير دعوة
دخل سارقاً وخرج مغيراً ومن لم يجب الدعوة فقد عصى اللّه ورسوله" عن أبي
هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "إذا دعي أحدكم فجاء مع الرسول
فإنّ ذلك له إذنٌ" ابن عمر وعن مجاهد: أن ابن عمر كان إذا دعي إلى طعام وهو
صائم يجيب، وكان يهيء اللقمة بيده ثم يقول: كلوا باسم اللّه فإني صائم للنبي صلى
اللّه عليه وسلم وعن أسماء بنت رفيد قالت: دخلنا على النبي صلى اللّه عليه وسلم،
فأتي بطعام فعرض علينا فقلنا: لا نشتهيه. فقال: "لا تجمعنّ كذباً
وجوعاً" لعلي بن أبي طلب رضي اللّه عنه دعا رجل عليّ بن أبي طالب رضوان اللّه
عليه إلى طعام، فقال: نأتيك على ألاّ تتكلّف ما ليس عندك، ولا تدّخر عن ما عندك.
وكان يقول: شرّ الإخوان من تكلّف له.
من آداب الدعوة دعا رجل رجلاً إلى الغداء ثم قال له: هذه بكر زيارة ولم نستعدد،
فلعل تقصيراً فيم أحبّ بلوغه. فقال الآخر: حرصك على كرامتي يكفيك مؤونة التكلّف.
بين إسحاق لموصلي والزبير بن دحمان قال إسحاق بن إبراهيم الموصليّ: أتني الزبير بن
دحمان يوماً فسألته أن يقيم عندي، فقال: قد أرسل إليّ الفضل بن الربيع وليس يمكنني
التخلّف عنه. فقلت له:
أقم يا أبا العواّم ويحـك نـشـرب |
|
ونله مع اللاّهين يوماً ونطـرب |
إذا مـا رأيت الـيوم قـد خـيره |
|
فخذه بشكر واترك الفضل يغضب |
وقال بعض المحدثين:
نحن قوم متى دعينا أجبنا |
|
ومتى نلس يدعنا التطفيل |
ونقل علّنا دعينا فغبـنـا |
|
وأتانا فلم يجدنا الرسول |
نصيحة طفيل العرائس لأصحابه كان طفيل
العرائس الذي ينسب إليه الطّفيليونّ يوصي أصحابه فيقول لأحدهم: إذا دخلت عرساً فلا
تتلّفت تلّفت المريب، وتخّير المجالس، وأجد ثيابك، واعمل على أنها العقدة التي
تشغل. وإن "كان" العرس كثير الزحام فمر وأنه ولا تنظر في عيون أهل
المرأة ولا عيون أهل الرجل، فيظن هؤلاء أنك من هؤلاء أنك من هؤلاء. وإن كان
البوّاب غليظاً وقاحاً فأبدأ به ومره وانهه من غير أن تعنّف عليه، وعليك بكلام بين
النصيحة والإدلال.
عرض رجل على رقبة الغداء؛ فقال: إن أقسمت عليّ وإلا فدعني.
شعر لطفيلي ومن أشعار الطّفيلين:
دعوت نفسي حين لم تدعني |
|
فالحمد لي لا لك في الدعوة |
وقلت ذا أحسن من موعـدٍ |
|
إخلافه يدعو إلى جـفـوه |
وقال آخر:
إذا جاء ضيفّ جاء للضيف ضيفن |
|
فأودي بما تقرى الضيوف الضّيافن |
شعر لإسحاق الموصلي وقال إسحاق بن إبراهيم الموصليّ:
نعم الصديق صديقٌ لا يكلّـفـنـي |
|
ذبح الدّجاج ولا شىءّ الفـراريج |
يرضي بلونين من كشك ومن عدس |
|
وإن تشهّى فزيتون بـطـسّـوج |
لسعيد
بن أسعد الأنصاري كان سعيد بن أسعد الأنصاري إمام الجامع بالبصرة طفيليّاً؛ فإذا
كانت وليمةٌ سبق الناس إليها، فربما بسط معهم البسط وخدم. فقيل له في ذلك فقال:
إني أبادر برد الماء، وصفو لقدور، ونشاط الخباز، وخلاء المكان، وغفلة الذّبّان،
وجفاف المنديل.
لطفيلي
وقيل لبعض الطفيليّين: كم اثنان في اثنين قال: أربعة أرغفةٍ.
باب الضيافة وأخبار البخلاء على الطعام
من
حديث النبي صلى اللّه عليه وسلم في حق الضيف عن المقدام أبي كريمة أنه سمع رسول
اللّه صلى اللّه عليه وسلميقول:"أيّما مسلم ضافه قومٌ فأصبح الضيف محروماً
كان له على كلّ مسلم نصره حتى يأخذ بقربى ليلته من زرعه وماله".
لأبي هريرة روى ابن العجلان عن أبيه قال: قال أبو هريرة: إذا نزلت برجل ولم يقرك
فقاتله.
للنبي صلى اللّه عليه وسلم عن أنس قال: قال رسول الّه صلى اللّه عليه
وسلم:"الخير أسرع إلى مطعم الطّعام من الشّفرة في سنام البعير".
الحسن وداود داود قال: قلت للحسنك إنك تنفق من هذه الأطعمة وتكثر. قال: ليس في
الطعام سرفٌ.
للثوري وقال الثوريّ: ليس في الطعام ولا في النساء سرفٌ.
من حديث النبي صلى الّله عليه وسلم، ثم لابن عباس عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه
عليه وسلم أنه قال :"إنّ من السّنّة أن يمشي الرجل مع ضيفه إلى باب
الدار".
عن عبد الرحمن بن عباس قال: رأيت ابن عباس في وليمة فأكل وألقى للخبّاز درهماً.
في قرى الضيف الأصمعيّ قال: سئل أقرى أهل اليمامة للضيف: كيف ضبطتم القرى? قال:
بأنا لا نتكلّف ما ليس عندنا.
عن بعض النّساك قال: قد أعياني أن أنزل على رجل يعلم أني لست آكل من رزقه شيئاً.عن
عون بن عبد اللّه قال: ضلّ رجلٌ صائمٌ في عام سنةٍ، فابتلي برجل عند فطره وقد أتي
بقرصين فألقى إليه أحدهما، ثم قال: ما هذا بمشبعه ولا بمشبعي، ولأن يشبع واحد خير
من أن يجوع اثنان؛ وألقى إليه الآخر. فلما أوى إلى فراشه آتاه آت فقال: سل. فقال:
أسأل المغفرة. قال: قد فعل ذلك بك. قال: فإني أسأل أن يغاث الناس.
عن الحسن: أنّ رجلاً جهده الجوع، ففطن له رجلٌ من الأعيان، فلمّا أمسى أتى به
رحله، فقال لامرأته: هل لك أن نطوي ليلتنا هذه لضيفنا? قالت: نعم. قال: فإذا قدّمت
الطعام فادني إلى السراج كأنك تصلحيه فأطفئيه. ففعلت وجاءت بثريدة كأنها قطاة
فوضعتها بين أيديهما، ثم دنت إلى السراج كأنّها تصلحه فأطفأته، فجعل الأنصاريّ يضع
يده في القصعة ثم يرفعها خالية؛ فأطلع على ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؛
فلما أصبح الأنصاريّ صلّى مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الفجر، فلما سلّم
أقبل على الأنصاريّ وقال:"أنت صاحب الكلام الليلة?"؛ ففزع الأنصاريّ
وقال: أيّ كلامٍ يا رسول اللّه? قال: كذا وكذا- قوله لامرأته- قال: كن ذاك يا رسول
اللّه. قال:"فواللّه لقد عجب اللّه من صنعكما الليلة".
لعمر بن عبد العزيز الأصمعيّ قال: كان عمر بن عبد العزيز إذا قدم عليه بريدٌ قال:
هل رأيت في الناس العرسات? يعني الخصب للمسلمين.
وقيل لأعرابيّ كان في مجلس: فيم كنتم? قال: كنا في قدر تفور، وكأس تدور، وغناء
يصور، وحديث لا يخور.
عذري يحدّث بما رأى في حضر المسلمين
بلغني أن محمد"بن خالد" بن يزيد بن معاوية كان نازلاً بحلب على الهيثم
بن يزيد التّنوخيّ، فبعث إلى ضيف له من عذرة فقال: حدّث أبا عبد اللّه ما رأيت في
حاضرة المسلمين من أعاجيب لأعراس. قال: نعم، ؤرأيت أموراً معجبة: منها أني رأيت
قرية عاصم بن بكر الهلالّي، فإذا أنا بدورٍ متباينة، وإذا أخصاصٌ منظّمٌ بعضها إلى
بعض ، وإذا بها ناس كثيرٌ مقبلون ومدبرون وعليهم ثياب حكو بها ألوان الزّهر،فقلت
لنفسي: هذا أحد العيدين الأضحى أو الفطر؛ثم رجع إليّ ما عزب عنّي من عقلي، فقلت:
خرجت من أهلي في عقب صفر وقد مضى العيدان قبل ذلك؛ فبينما أنا واقفٌ ومتعجّب أتاني
رجل فأخذ بيدي"فأدخلني داراً قوراء" وأدخلني بيتاً قد نجّد في وجهه فرش
قد مهّدت وعليها شابٌ ينال فروع شعره كتفيه، والناس حوله سماطان؛ فقلت في نفسي:
هذا الأمير الذي يحكى لنا جلوسه وجلوس الناس حوله؛ فقلت وأنا ماثلٌ بين يديه:
السلام عليك أيها الأمير ورحمة اللّه وبركاته؛ فجذب رجلٌ بيدي وقال: اجلس فإن هذا
ليس بالأمير؛ فقلت: ومن هو? قال عروس؛ قلت: واثكل أمّاه! ربّ عروسٍ رأيت بالبادية
أهون على أصحابه من هن أمّه؛ فلم ألبث إذ دخلت الرجال عليها هناتٌ مدوّراتٌ من خشب
وقضبان، أمّا ما خفّ فيحمل حملاً، وأمّا ما ثقل فيدحرج، فوضعت أمامنا وتحلّق القوم
حلقاً حلقاً، ثم أتينا بخرقٍ بيضٍ فألقيت بين أيدينا، فظننتها ثياباً وهممت عندها
أن أسأل القوم خرقاً أقطع منها قميصاً، وذلك أني رأيت نسجاً متلاحكاً لا تبين له
سدىً ولا لحمة؛ فلما بسط القوم أيديهم إذا هو يتمزّق سريعاً وإذا هو "فيما
زعموا" صنف من الخبز لا أعرفه ثم أتينا بطعام كثير من حلوٍ وحامضٍ وحارّ
وبارد، فأكثرت منه وأنا لاأعرف ما في عقبه من التّخم والبشم. ثم أتينا بشرابٍ أحمر
في عساس، فلما نظرت إليه قلت: لا حاجة لي فيه، أخاف أن يقتلني. وكان في جانبي رجل
ناصح لي - أحسن اللّه جزاءه - كان ينصح لي من بين أهل المجلس، فقال: يا أعرابيّ،
إنك قد أكثرت من الطّعام، وإن شربت الماء انتفخ بطنك - فلما ذكر البطن تذكرت شيئاً
كان أوصاني به" أبي و" الأشياخ "من أهلي" قالوا: لا تزال
حيّاً م دام شديداً "يعني البطن" فإذا اختلف فأوص - فلم أزل أتداوى به
ولا أملّ من شربه، فتداخلني - نالك الخير -صلف لا أعرفه "من نفسي، وبكاء لا
أعرف سببه ولا عهد لي بمثله، واقتدارٌ على أمر أظن معه أني لو أردت نيل السقف
لبلغته ولو شأوت الأسد لقتلته، وجعلت ألتفت إلى الرجل الناصح لي فتحدثني نفسي"
بهتم أسنانه وهشم أنفه، وأهم أحياناً بأن أقول له: يابن الزنية؛ فينما نحن كذلك إذ
هجم علينا شياطين ربعةٌ: أحدهم قد علّق في عنقه جعبة فارسية مشنجة الطرفين دقيقة
الوسط قد شبحت بالخيوط شبحاً منكراً، وقد ألبست قطعة فرو كأنهم يخافون علها القرّ.
ثم بدر الثاني فاستخرج من كمّه هنة "سوداء" كفيشلة الحمر فوضع طرفها في
فيه فضرب فيها فاستتمّ بها أمرهم، ثم حسبعلى جحرة فيها فاستخرج منها صوتاً ملائماً
مشاكلاً بعضه بعضاً "كأنه - علم اللّه - ينطق". ثم بدر الثالث عليه عليه
قميص وسخ وقد غرق شعره بالدّهن معه مرآتان فجعل يمري إحداهما على الأخرى مرياً. ثم
بدر الرابع عليه قميصٌ قصير وسراويل قصير وخفّان أجذمان لا ساقين لهما، فجعل يقفز
كأنه يثب على ظهور العقارب، ثم التبط بالأرض، فقلت: معتوه وربّ الكعبة! ثم ما برح
مكانه حتى كان أغبط القوم عندي، ورأيت الناس يحذفونه بالدراهم حذفاً منكراً. ثم أرسلت
إلينا النساء أن أمتعونا من لهوكم، فبعثوا بهم إليهن وبقيت الأصوات تدور في
آذاننا. وكان معنا في البيت شابٌ لا آبه له، فعلت الأصوات له بالدعاء، فخرج فجاء
بخشبة عينها في صدرها فيه خويطاتٌ أربعة، فاستخرج من جنبها عوداً فوضعه على أذنه،
ثم زمّ الخيوط الظاهرة، فلما أحكمها وعرك آذانها حرّكها بمجسةٍ في يده، فنطقت وربّ
الكعبة! وإذ هي أحسن قينة رأيتها قطّ، "وغنىً عليه" فاستخفنيّ في مجلسي
حتى قمت فجلست بين يديه، فقلت: بأبي أنت وأميّ! ماهذه الدابّة? "فلست
أعرفها" للأعراب وما خلقت إلا حديثاً! فقال: يا أعرابيّ، هذا البربط الذي
سمعت به فقلت: بأبي أنت وأمي! فما هذا الخيط الأسفل? قال: زير؛ قلت: فما الذي
يليه? قال: مثنى؛ قلت: فالثالث? قال: المثلث؛ قلت: فالرابع? قال: ألبمّ؛ قلت: آمنت
باللّه أوّلاً وبالبم ثانياً.ه أوّلاً وبالبم ثانياً.
شعر للخريمي في إكرامه الضيف وقال الخريمي:
أضاحك ضيفي قبل إنـزال رحـلـه |
|
ويخصب عندي والمـحـلّ جـديب |
وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى |
|
ولكنّما وجـه الـكـريم خـصـيب |
مثله لأرطأة بن سهية، وغيره وقال أرطأة بن سهيّة:
وإنّي لقوامٌ إلى الضيف موهنـاً |
|
إذا أغدف السّتر البخيل المواكل |
دعا فأجابتـه كـلابٌ كـثـيرةٌ |
|
على ثقةٍ منّي بما أنا فـاعـل |
وما دون ضيفي من تلادٍ تحوزه |
|
لي النفس إلا تصان الحـلائل |
آخــــــــــــر: |
|
|
إذ نزل الأضياف كان عذوّراً |
|
على الأهل حتى تستقلّ مراجله |
يقول: يسوّىء خلقه حتى يطعم أضيافه،
لإعجاله إياهم ولخوف تقصيرٍ يكون منهم.
لدعبل وقال دعبل:
وإني لعبد الضيف من غير ذلةٍ |
|
وما فيّ إلا تلك من شيمة العبد |
وقال آخر:
لحافي لحاف الضّيف والبيت بيته |
|
ولم يلهني عنه الغزال المقنّـع |
أحدثه، إن الحديث من الـقـرى |
|
وتعلم نفسي أنه سوف يهجـع |
وقال الفرزدق في العذافر:
لعمرك ما الأرزاق يوم اكتيالها |
|
بأكثر خيراً من خوان عذافـر |
ولو ضافه الدّجّال يلتمس القرى |
|
وحلّ على خبّازه بالعسـاكـر |
بعدّة يأجوجٍ ومأجوج كلّـهـم |
|
لأشبعهم يوماً عداء العـذافـر |
وقال مسكين الدارميّ:
ناري ونار الجار واحدةٌ |
|
وإليه قبلي تنزل القـدر |
ما ضرّ جاراً لي أجاوره |
|
ألاّ يكون لبابه سـتـر |
بين أبي الرمكاء ورجل ضافه ضاف رجلٌ من كلب أبا الرّمكاء الكلبيّ، ومع الرجل فضلة من حنطة، فراحت معزى "أبي" الرّمكاء، فحلب وشرب، ثم حلب وسقى ابنه، ثم حلب وسقى امرأته؛ فقال الرجل: ألا تسقون ضيفكم? فقال أبو الرّمكاء: ما فيها فضل. فاستخرج الرجل ما عكمه من طعام وقال: هل من رحىً? فأسرعوا بها نحوه، فطحن وعجن وأوقد خبزته فنفضها، فإذا رسول أبي الرمكاء يقول: يقول لك أبو الرمكاء: لا عهد لنا بالخبز؛ فقال الرجل: ما فيها فضل. ثم أكل وارتحل ، وقال:
بات أبو الرمكاء لم يسق ضـيفـه |
|
من المحض ما يطوي عليه فيرقد |
فقمت إلى حنّانةٍ فوق أخـتـهـا |
|
ونارٍ وباتت وهي تورى وتوقـد |
فلما نفضت الخبز بالعود أقبـلـت |
|
رسائل تشكو الجوع والحيّ سهّـد |
وقال أبو الرمكاء بالخبز عـهـده |
|
قديمٌ له حولٌ كـريب مـطّـرد |
فقلت ألا لا فضل فيها لـبـاخـلٍ |
|
ولا مطمعٌ حتى يلوح لنا الـغـد |
فبات أبو الرمكاء من فرط ريحها |
|
يئن كما أنّ السليم الـمـسـهّـد |
أعرابي يصف قوماً بخلاء ذكر أعرابيّ قوماً
فقال: ألغوا من الصلاة الأذان، مخافة أن تسمعه الآذان، فيهلّ عليهم الضّيفان.
لبعضهم وغيره في البخلاء وقال بعضهم في ذلك:
أقاموا الدّيدبان علـى يفـاعٍ |
|
وقالوا لا تنـم لـلـدّيدبـان |
فإن أبصر شخصاً من بعـيدٍ |
|
فصفّق بالبنان على البنـان |
تراهم خشية الأضياف خرساً |
|
يصلّون الصـلاة بـلا أذان |
وقال زياد الأعجم:
وتكعم كلب الحي من خشية القرى |
|
وقدرك كالعذراء من دونها ستر |
وقال آخر:
وإني لأجفو الضيف من غير عسرة |
|
مخافة أن يضرى بـنـا فـيعـود |
وقال آخر:
أعددت للضيفان كلبـاً ضـارياً |
|
عندي وفضل هراوةٍ من أرزن |
ومعاذراً كذباً ووجهاً بـاسـراً |
|
متشكياً عض الزمان الألـزن |
رأى رجلٌ الحطيئة وبيده عصا؛ فقال: ما
هذه? قال: عجراء من سلم، قال: إني ضيف. قال: للضيفان أعددتها.
وقال آخر:
وأبغض الضيف ما بي جلّ مأكله |
|
إلا تنفخه حـولـي إذا قـعـدا |
ما زال ينفخ جنبيه وحـبـوتـه |
|
حتى أقول لعلّ الضيف قد ولدا |
حميد الأرقط يذكر ضيفاً وقال حميدٌ الأرقط يذكر ضيفاً:
إذا ما أتانا وارد المصر مرملاً |
|
تأوب ناري أصفر العقل قافل |
|
||
فقلت لعبدي اعجـلا بـعـشـائه |
|
وخير عشاء الضيف ما هو عاجل |
|||
فقال وقد ألقى المراسي للـقـرى |
|
أبن لي ما الحجاج بالناس فاعـل |
|||
فقلت مـا لـهـذا طـرقـتـنـا |
|
فكل ودع الأخبار ما أنـت آكـل |
|||
تجهّز كفّاه فـيحـدر حـلـقـه |
|
إلى الزور ما ضمّت عليه الأنامل |
|||
أتانا ولم يعدلـه سـحـبـان وائلٍ |
|
بياناً وعلماً بـالـذي هـو قـائل |
|||
فما زل منه اللقم حتـى كـأنـه |
|
من العيّ لما أن تكـلّـم بـاقـل |
|||
وقال أيضاً في نحو ذلك:
ومرملين على الأقتاب برهـم |
|
حقائب وعباءٌ فـيه بـعـرين |
مقدمين أنوفاً في عصائبـهـم |
|
هجناً، ألا جدعت تلك العرانين |
يسطرون لنا الأخبار إذ نزلـوا |
|
وكلّ ما سطروا للقم تمـكـين |
باتوا وجلتنا الصهباء بـينـهـم |
|
كأن أظفارهم فيها سكاكسـن |
فأصبحوا والنوى عالي معرّسهم |
|
وليس كلّ النوى تلقي المساكين |
وقال أيضاً في نحو ذلك:
وعاوٍ عوى والليل مستحلس الندى |
|
وقد ضجعت للغور تالية النجـم |
فسلّم تسليم الصّـديق ولـم يكـن |
|
صديقاً لنا إلاليأنس بـالـلـقـم |
فقلت له والنار تـأخـذ صـدره |
|
لقمت لسمتٍ أم سريت على علم |
لبعض الرجاز وقال بعض الرجاز:
برّح بالعينين خطّاب الكثب |
|
يقول إني خاطبٌ وقد كذب |
وإنما يطلب عسّاً من حلب |
|
|
وقال آخر:
إني لمثلكم من سوء فعلـكـم |
|
إن زرتكم أبداً إلا معي زادي |
حماد عجرد يهجو حريثاً وقال حمّد عجرد:
حريثٌ أبو الصلت ذو خبرةٍ |
|
بما يصلح المعدة الفاسـده |
تخوّف تخـمة أضـيافـه |
|
فعوّدهـم أكـلةً واحـده |
زياد وغيلان بن خرشة عن قتادة قال: قال
زيادٌ لغيلان بن خرشة: أحبّ أن تحدثني عن العرب وجهدها وضنك عيشها، لنحمد الله على
النعمة التي أصبحنا بها. فقال غيلان: حدّثني عمّي قال: توالت على العرب سنون تسعٌ
في الجاهلية حطمت كل شيء، فخرجت على بكرٍ لي في العرب. فمكثت سبعاً لا أطعم شيئاً
إلا ما ينال منه بعيري أو من حشرات الأرض، حتى دفعت في اليوم السابع إلى حواء
عظيم، فإذا بيتٌ جحش عن الحيّ فعملت إليه فخرجت إليّ امرأة طوالةٌ حسّانةٌ، فقالت:
من? قلت: طارق ليلٍ يلتمس القرى. فقالت: لو كان عندنا شيء لآثرناك به، والدّالّ
على الخير كفاعله، حسّ هذه البيوت ثم انظر إلى أعظمها، فإن يك في شيء منها خير
ففيه. ففعلت حتى دفعت إليه، فرحب بي صاحبه وقال: من? قلت: طارق ليل يلتمس القرى.
فقال: يا فلان؛ فأجابه، فقال: هل عندك طعامٌ? فقال لا؛ فوالله ما وقر في أذني شيء
كان أشدّ منه. قال: فهل عندك شراب? قال لا؛ ثم تأوه فقال: بلى، قد بقّينا في ضرع
الفلانة شيئاً لطارق إن طرقك. قال: فأت به. فأتى العطن فابتعثها. فحدّثي عمّي أنه
شهد فتح أصبهان وتستر ومهرجا وكور الأهواز وفارس وجاهه عند السلطان وكثرة ماله
وولده، قال: فما سمعت شيئاً قطّ كان أشد من شخب تيك الاقة في تلك العلبة؛ حتى إذا
ملأها "و" فاضت من جوانبها وارتفعت عليها شمكرةٌ كجمة الشيخ، أقبل بها
يهوي نحوي، فعثر بعود أو حجر، فسقطت العلبة من يده، فحدّثني أنه أصيب بأبيه وأمّه
وولده وأهل بيته فما أصيب بمصيبةٍ أعظم من ذهاب العلبة. فلما رأى ذلك ربّ البيت
خرج شاهراً سيفه فبعث الإبل ثم نظر إلى أعظمها سناماً ودفع إليه مدية وقال: يا عبد
الله اصطل واحتمل. قال: فجعلت أهوي بالبضعة إلى النار فإذا بلغت إناها أكلتها، ثم
مسحت ما في يدي من إهالتها على جلدي وقد كا قحل عليّ عظمي حتى كنه شنٌّ، ثم شربت
شربة ماءٍ وخررت مغشياً عليّ فما أفقت إلى السحر. وقطع زيادٌ الحديث وقال: لا عليك
ألا تخبرنا بأكثر من هذا، فمن المنزول به? قلت: أبو علي عامر بن الطّفيل.
لبعض الشعراء يهجو قوماً قال بعض الشعراء يهجو قوماً:
وتراهم قبل الغداء لضيفهم |
|
يتخللون صبابةً لـلـزاد |
لآخر يهجو أبي المقاتل وقال آخر:
إستبق ودّ أبي الـمـقـا |
|
تل حين تأكل من طعامه |
|
||
سيّان كـسـر رغـيفـه |
|
أو كسر عظمٍ من عظامه |
|
||
فتراه من خـوف الـنـز |
|
يل به يرّوع في منامـه |
|||
فإذا مـررت بـبـابــه |
|
فاحفظ رغيفك من غلامه |
|||
وقال آخر:
صدّق أليّته إن قال مـجـتـهـداً |
|
لا والرغيف، فذاك البرّ من قسمه |
قد كان يعجبني لـو أنّ غـيرتـه |
|
على جراذقه كانت على حرمـه |
إن رمت قتلـتـه بـخـبـزتـه |
|
فإن موقعها من لحـمـه ودمـه |
طعام أبي دلف قلت لرجل كان يأكل مع أبي دلف: كيف كان طعامه? قال: كان على مائدته رغيفا بينهما نقرة جوزةٍ؛ وقال:
أبو دلفٍ يضـيّع ألـف ألـفٍ |
|
ويضرب بالحسام على الرغيف |
أبو دلفٍ لمطـبـخـه قـتـارٌ |
|
ولكن دونه ضرب الـسـيوف |
لأبي الشمقمق، ثم لدعبل
وقال أبو الشـمـقـمـق: |
|
|
رأيت الخبز عزّ لديك حتى |
|
حسبت الخبز في جوّ السحاب |
وما روحتنا لـتـذبّ عـنـا |
|
ولكن خفت مرزئة الـذئاب |
وقال دعبل:
إ من ضنّ بالكنيف على الضي |
|
ف بغير الكنيف كيف يجود! |
ما رأينا ولا سمعـا بـحـشٍّ |
|
قبل هـذا لـبـابـه إقـلـيد |
إ يكن في الكنيف شيء تخبّـا |
|
ه فعندي إن شئت فيه مـزيد |
ولهذا الشعر قصة قد ذكرتها في باب
الشعراء: بخل جعفر بن سليمان الهاشمي قال أبو محمد: شوي لجعفر بن سلمان الهاشمي
دجاجٌ ففقد فخذٌ من دجاجةٍ فأمر فنودي في داره: من هذا الذي تعاطى فعقر! والله لا
أخبز في هذا التنور شهراً أو يردّ! فقال ابنه الأكبر: أتؤاخذنا بما فعل السفهاء
منا!.
قال بعض الشعراء:
يا تارك البيت على الـضـيف |
|
وهارباً منـه مـن الـخـوف |
ضيفك قد جاء بـخـبـزٍ لـه |
|
فارجع فكن ضيفاً على الضيف |
أبو نواس وخبز إسماعيل وقال أبو نواس:
خبز إسماعيل كالوش |
|
ي إذا ما شقّ يرفـا |
عجباً من أثر الصـن |
|
عة فيه كيف يخفـى |
إن رفـاءك هـــذا |
|
أحـذق الأمة كـفّـا |
فإذا قابل بالـنـصـر |
|
ف من الجردق نصفا |
مثل ما جاء من التـن |
|
ور ما غادر حرفـا |
أحكم الصنعة حـتـى |
|
لا يرى موضع إشفى |
وله في الماء أيضـاً |
|
عملٌ أبدع ظـرفـا |
مزجه العذب بماء ال |
|
بئر كي يزداد ضعفا |
فهو لا يشرب مـنـه |
|
مثل ما يشرب صرفا |
بين عبد العزيز بن عمران وبنت ابن هرمة عن عبد العزيز بن عمران قال: نزلت ببنت "ابن" هرمة فقلت: انحروا لا جزوراً؛ قالت: والله ما هي عندنا؛ قلت: فبقرة، قالت: لا؛ فشاة؛ قالت: لا، قلت: فدجاجة؛ قالت: لا؛ قلت: فأين قول أبيك:
لا أمتع العوذ بالفصال ولا |
|
أبتاع إلا قـريبة الأجـل |
قالت: ذاك أفناها. فبلغ ابن هرمة ما قالت،
قال: أشهد أنها ابنتي، وأشهد أن داري لها دون الذكور من أولادي.
بخل ابن أبي فنن قال ابن أبي فنن:
لا أشتم الضيف ولكنـنـي |
|
أدعو له بالقرب من طوق |
بقرب مـن إن زاره زائرٌ |
|
مات إلى الخبز من الشوق |
من أخبار البخلاء دخل على ابنٍ لرجلٍ من
الأشراف داخلٌ وبين يديه فراريج، فغطّى الطبق بمنديله وأدخل رأسه في جيبه وقال
للداخل عليه: كن في الحجرة الأخرى حتى أفرغ من بخوري.
وفيما أجاز لنا عمرو بن بحر من كتبه قال: دخل رجل على رجلٍ قد تغدّى مع قومٍ ولم
ترفع المائدة قال لهم: كلوا وأجهزوا على الجرحى. يريد كلوا ما كسر ونيل منه ولا
تعرضوا إلى الصحيح.
قال: وقال لقوم يؤاكلونه: يزعمون أن خبزي صغار! أيّ ابن زانيةٍ يأكل من هذا
رغيفين!. قال: ويقول لزائره إذا أطال عنده المكث: تغدّيت اليوم? فإن قال نعم، قال:
لولا أنك تفدّيت لغدّيتك بطعامٍ طّيب. وإن قال لا، قال: لو كنت تغدّيت لسقيتك خمسة
أقداح. فلا يكون له على الوجهين لا قليلٌ ولا كثير.
بين أبي نواس وخراساني وحكي عن أبي نواس أنه قال: قلت لرجلٍ من أهل خراسان: لم
تأكل وحدك? قال: ليس عليّ في هذا الموضع سؤال، إنما السؤال على من آكل مع الجماعة،
لأن ذاك تكلّف وأكلي وحدي هو الأكل الأصليّ.
بخل الحزاميّ
وكنّا عند داود بن أبي بواسط أيام ولايته كسكر، فأتته من البصرة هدايا، وكان فيها
زقاق دوشابٍ فقسمها بيننا، فكلّنا أخذ ما أعطي، غير الحزاميّ، فأنكرنا ذلك وقلنا:
إنما يجزع الحزاميّ من الإعطاءوهو عدوّه، فأما الآخذ فهو ضالّته وأمنيّته؛ فإته لو
أعطي أفاعي سجستان، وثعابين مصر، وجرّارات الأهواز لأخذها، إذ كان اسم الأخذ
واقعاً عليها؛ فسألناه عن سبب ذلك، فتعسّر قليلاً ثم باح بسرّه وقال: وضيعته أضعاف
ربحه، وأخذه من أسباب الإدبار؛ قلت: أوّل وضائعه احتمال ثقل السّكر؛ قال: هذا لم
يخطر ببالي قطّ،، ولكن أوّل ذاك كراء الحمّال، فإذا صار إلى المنزل صار سبباً لطلب
العصيدة والارزّة والستندفود، فإن بعته فراراً من هذا البلاء صيّرتموني شهرة، وإن
أنا حبسته ذهب في العصائد وأشباهها، وجذب ذلك شراء السّمن، ثم جذب السمن غيره،
وصار هذا الدّوشاب علينا أضرّ من العيال؛ وإن أنا جعلته نبيذاً احتجت إلى كراء
القدور وإلى شراء الحبّ وإلى شراء الماء، وإلى كراء من يوقد تحته؛ فإن ولّيت ذلك
الخادم اسودّ ثوبها وغّرمتنا ثمن الأشنان ولصابون، وازدادت في لطّعم على قدر
الزيادة في العمل؛ فإن فسد ذهبت النفقة باطلاً ولم نستخلف منها عوضاً بوجه من
الوجوه، لأن خلّ الدّاذيّ يخصب اللّحم ويغيّر الطّعم ويسوّد المرقة ولا يصلح
"إلا" للاصطباغ. وإن سلم-وأعوذ باللّه-وجاد وصفا فلم نجد بدّا من شربه
ولم تطب أنفسنا بتركه؛ فإن قعدت في البيت أشربه لم يمكن ذلك إلا بترك سلاف الفارسيّ
المعسّل، والدّجاج المسمّن، وجداء كسكر وفاكهة الجبل والنّقل الهشّ والرّيحان
الغضّ، عند من لا يغيض ماله، ولا تنقطع مادّته، وعند من لا يبالي على أي قطريه
سقط، مع فوت الحديث المؤنس والسّماع الحسن؛ وعلى أني إن جلست في البيت أشربه لم
يكن بدّ من واحد، وذلك الواحد لا بدّ له من لحمٍ بدرهم، ونقلٍ بطسّوج، وريحانٍ
بقيراط، ومن أبرارٍ للقدر وحطبٍ للوقود؛ وهذا كله غرم وشؤم وحرمان وحرفة وخروجٍ من
العادة الحسنة. فإن كان النديم غير موافقٍ فأهل السجن أحسن حالاً مني، وإن كان
موافقاً فقد فتح اللّه على مالي به باباً من التلّف، لأنه حينئذ يسير في مالي
كسيري في مال غيري ممّن هو فوقي. فإذا علم الصديق أن عندي داذياً أو نبيذاً دقّ
على الباب دقّ المدلّ، فإن حجبناه فبلاء، وإن أدخلناه فشقاء. وإن بدا لي في
استحسان حديث الناس كما يستحسنه "مني" من أكون عنده، فقد شاركت المسرفين،
وفارقت إخواني الصالحين، وصرت من إخوان الشياطين؛ واللّه تقدّست أسماؤه يقول:
"إنّ المبذرين كانوا إخوان الشياطين"؛ فإذا صرت كذلك فقد ذهب كسبي من
مال غيري، وصار غيري يكتسب منّي؛ وأنا لو ابتليت بأحدهما لم أقم به فكيف إذا
ابتليت بأن أعطي ولا آخذ، وبأن أوكل ولا آكل! أعوذ باللّه من الخذلان بعد العصمة،
ومن الحور بعد الكور؛ ولو كان هذا في الحداثة أهون. هذا الدّوشاب دسيسٌ من الحرفة،
وكيدٌ من الشيطان، وخدعةٌ من الحسود، وهو الحلاوة التي تعقب المرارة. ما أخوفني أن
يكون أبو سليمان قد ملّني فهو يحتال لي الحيل!.
الحارثي
وحكي عن الحارثي أنه قال: الوحدة خيرٌ من جليس السوء، وجليس السوء خير من أكيل
السوء؛ لأن كل أكيلٍ جليس وليس كل جليس أكيلاً؛ فإن كان لا بدّ من المؤاكلة ولا
بدّ من المشاركة فمع من لايستأثر عليّ بالمخ، ولا ينتهز بيضة البقيلة؛ ولا يلتقم
كبد الدجاج، ولا يبادر إلى دماغ السّلاّءة، ولا يختطف كلية الجدي، ولا يزدرد قانصة
الكركيّ، ولا ينتزع شاكلة الحمل، ولا يبتلع سرّة السمك، ولا يعرض لعيون الرؤوس،
ولا يستولي على صدور الدّرّاج، ولا يسابق إلى أسقاط الفراخ، ولا يتناول إلا
"ما" بين يديه، ولا يلاحظ ما بين يدي غيره، ولا يمتحن الإخوان بالأمور
الثمينة، ولا ينتهك استار الناس بأن يشتهي ما عسى ألا يكون موجوداً؛ فكيف تصلح
الدنيا ويطيب العيش بمن إذا رأى جزورية التقط الأكباد والأسمنة، وإذا عاين بقريةً
استولى على العراق والقطنة، وإن عاين بطن سمكةٍ اخترق كلّ شيء فيه، وإنأتوا بجنب
شواءٍ اكتسح ما عليه، ولا يرحم ذا سنٍّ لضعفه، ولا يرقّ على حدثٍ لحدّة شهوته، ولا
ينظر للعيال، ولا يبالي كيف دارت الحال. وأشدّ من كل ما وصفناه أن الطبّاخ ربما
أتى باللون الظريف الطّريف، والعادة في مثل ذلك اللون أن يكون لطيف الشخص صغير
الحجم، فيقدّمه حارّاً ممتنعاً، وربما كان من جوهرٍ بطيء الفتور، وأصحابنا في
سهولة ازدراد الحارّ عليهم في طبائع النّعام، وأنا في شدة الحارّ "عليّ"
في طباع السّباع، فإن نظرت إلى أن يمكن أتوا على آخره، وإن أنا بادرت مخافة الفوت
وأردت أن أشاركهم في بعضه لم آمن ضرره؛ والحارّ ربما قتل وربما أعقم وربما أبال
الدم.
قال: وعوتب على تركه إطعام الناس معه وهو يتخذ فيكثر، فقال: أنتم لهذا أترك مني،
فإن زعمتم أنني أكثر مالاً وأعدّ عدّةً، فليس بين حالي وحالكم من التفاوت أن أطعم
أبداً وتأكلوا أبداً، فإذا أتيتم من أموالكم من البذل على قدر احتمالكم، علمت أنكم
الخير أردتم، وإلى تزييني ذهبتم، وإلا فإنكم إنما تحلبون حلباً لكم شطره.
لأبي ثمامة قال: كان أبو ثمامة أفطر ناساً وفتح بابه فكثر عليه الناس، فقال: إن
اللّه لا يستحي من الحق، وكلّكم واجب الحق، ولو استطعنا أن نعمّكم بالبرّ كنتم فيه
سواءً ولم يكن بعضكم أولى به من بعضٍ؛ كذلك أنتم إذا عجزنا أو بدا لنا، فليس بعضكم
أحقّ بالحرمان والإعتذار إليه من بعض، ومتى قرّبت بعضكم وفتحت بابي لهم وباعدت
الآخرين، لم يك في إدخال البعض عذرٌ، ولا في منع الآخرين حجّة. فانصرفوا ولم
يعودوا.
بخل محمد بن أبي المؤمل قال: وكان محمد بن أبي المؤمّل يقول: قاتل اللّه رجالاً
كنّا نؤاكلهم، ما رأيت قصعةً رفعت من بين أيديهم إلا وفيها فضلٌ، وكانوا يعلمون أن
إحضار الجدي إنما هو شيء من آيين الموائد الرّفيعة، وإنما جعل كالقافية وكالخاتمة
وكالعلامة لليسر والفراغ، ولم يحضر للتفريق والتخريب، وأن أهله لو أرادوا به سوءاً
لقدّموه لتقع الحدّة به. ولذلك قال أبو الحارث جميّز حين رآه لا يمسّ: هذا المدفوع
عنه.
ولقد كانوا يتحامون بيضة البقيلة، ويدعها كلّ واحدٍ لصاحبه، وأنت اليوم إذا أردت
أن تمتّع عينيك بنظرة واحدة منها ومن بيضة السّلاّءة لم تقدر على ذلك.
وكان يقول: الآدام أعداء الخبز، وأعداها له المالح؛ فولا أن اللّه أعان عليها
بالماء وطلب آكله له لأتى على الحرث والنّسل.
وكان يقول: ما بال الرجل إذا قال: اسقني ماءً أتاه بقلّة على قدر الرّيّ أو أصغر،
وإذا قال: أطعمني شيئاً أو هات لفلان طعاماً، أتاه من الخبز بما يفضل عن الجماعة،
والطعام والشّراب أخوان. أما إنه لولا رخص الماء وغلاء الخبز لما كلبوا على الخبز
وزهدوا في الماء؛ ولناس أشدّ شيءٍ تعظيماً للمأكول إذا كثر ثمنه وكان قليلاً في
منبته وعنصره. هذا الجزر الصافي والباقلاء الأخضر أطيب من كمّثرى خراسان والموز
البستاني، وهذا الباذنجان أطيب من الكمأة، ولكنهم لقصر هممهم وأذهانهم في التقليد
والعادة لا يشتهون إلا على قدر الثمن.
وكان يقول: لو شرب الناس الماء على طعامهم لما اتّخموا. وذلك أن الرجل لا يعرف
مقدار ما أكل حتى ينال من الماء شيئاً، لأنه ربما كان شبعان وهو لا يدري. وفي قول الناس:
ماءٌ دجلة مرأ من ماء الفرات، وماء مهران أمرأ من ماء "نهر" بلخ؛ وفي
قول العرب: هذا ماءٌ نميرٌ يصلح عليه "المال" دليلٌ على أن الماء يمرىء؛
حتى قالوا: إن المء الذي يكون عليه النفّاطات أمرأ من الماء الذي تكون عليه
القيّارات. فعليكم بشرب الماء على الغداء "فإنّ ذلك أمرأ".
الثوريّ وعياله قال: وكان الثّوريّ يقول لعياله: لا تلقوا نوى التمر والرّطب
وتعوّدوا ابتلاعه، فإن النوى يعقد الشحم في البطن، ويدفىء الكليتين بذلك الشّحم؛
واعتبروا ذلك ببطون الصّفايا وجميع ما يعتلف النّوى. واللّه لو حملتم أنفسكم على
قضم الشّعير واعتلاف القتّ لوجدتموها سريعة القبول، وقد يأكل الناس القتّ قداحاً،
والشّعير فريكاً، ونوى البسر الأخضر، ونوى العجوة؛ وإنما بقيت عليكم الآن عقبة؛
أنا أقدر أن أبتلع النوى وأعلفه الشّاء، ولكني أقول هذا بالنظر لكم.
وكان يقول لهم: كلوا الباقلاء بقشوره، فإن الباقلاء يقول: من كلني بقشوري فقد
أكلني، ومن لم يأكلني بقشوري فإن آكله؛ فما حاجتكم "إلى" أن تصيروا
طعاماً لطعامكم، وأكلاً لما جعل أكلاً لكم.
قال: وحمّ هو وعياله فلم يقدروا على أكل الخبز، فربح قواتهم في تلك الأيام؛ ففرح
وقال: لو كان في منزلي سوق الأهواز ونطاة خيبر رجوت أن أستفضل في كل سنة مائة
دينار.
موسى بن جناح وجيرانه قال: ودعا موسى بن جناح جماعةً من جيرانه ليفطروا عنده
"في شهر رمضان"، فلما وضعت المائدة أقبل عليهم ثم قال لهم: لا تعجلوا،
فإنّ العجلة من عمل الشيطان. ثم وقف وقفةً ثم قال: وكيف لا تعجلون واللّه تعالى
يقول: "وكان الأنسان عجولاً". اسمعوا ما أقول لكم، فإن فيه حسن المؤاكلة
والتبعّد من الأثرة، والعاقبة الرشيدة، والسيرة المحمودة: إذا مدّ أحدكم يده ليسقي
ماءً فأمسكوا أيديكم حتى يفرغ، فإنكم تجمعون عليه خصالاً: منها أنكم تنغّصون عليه
في شربه، ومنها أنه إذ أراد اللّحاق بكم فلعلّه يتسرع إلى لقمةٍ حارّة فيموت،
وأدنى ذلك أن تبعثوه على الحرص وعلى عظم اللّقم. ولهذا قال بعضهم وقد قيل له: لم
تبدأ بأكل اللحم? قال: لأن اللّحم ظاعنٌ والثريد مقيمٌ. وأنا وإن كان الطعام طعامي
فإني كذلك أفعل؛ فإذ رأيتم فعلي يخالف قولي فلا طاعة لي عليكم. قال بعضهم: فربما
نسي بعضنا فمدّ يده وصاحبه يشرب، فيقول له يدك يا ناسي، ولولا شيء لقلت لك: يا
متغافل. قال: فأتانا بأرزّةٍ لو شء أحدنا أن يعدّ حباتها لعدّها، لتفرّقها
وقلّتها، وهي مقدار نصف سكرّجة؛ فوقعت في فمي قعطةٌ، وكنت إلى جنبه، فسمع صوتاً
حين مضغتها، فقال: اجرش يا أبا كعب.
اللئيم الراضع قال: وكنّا نسمع باللئيم الراضع، وهو الذي يرضع الحلب فلا يحلبه في
الإناء لئلاّ يسمع صوت الحلب - وقال بعضهم: لئلا يضيع من اللبن شيءٌ - ثم رأيت أبا
سعيد المدائني قد صنع أعظم من ذلك: ارتضع من دنّ خلاّ حتى فني ولم يخرج منه شيء.
من أخبار الكندي قال: وكان الكنديّ لا يزال يقول للساكن من سكّاننا - "وربما
قال" للجار - : إن في داري امراةً بها حبلٌ، والوحمى ربما أسقطت من ريح القدر
الطّيبة، فإذا طبختم فردّو شهوتها بغرفة أو بعلقة فإن النفس يردّها اليسير، وإن لم
تفعل ذلك وأسقطت فعليك غرّةٌ: عبدٌ أو أمة.
وقال بعضهم: نزلنا داراً بالكراء للكنديّ على شروط، فكان في شرطه على السكّان أن
يكون له روث الدابّة، وبعر الشاة، ونشوار العلوفة؛ وألا يخرجوا عظماً ولا يخرجوا
كناسة، وأن يكون له نوى التمر، وقشور الرّمان، والغرفة من كل قدر تطبخ للحبلى في
بيته؛ وكان في ذلك يتنزّل عليهم، فكانوا لطيبه وإفراط بخله يحتملون ذلك.
من بخل سهل بن هارون
وقال دعبل: أقمنا يوماً عند سهل بن هارون، فأطلنا الحديث حتى اضطره الجوع إلى أن
دعا بغدائه، فأتي بصحفةٍ عدمليّة فيها مرق لحم ديكٍ عاسٍ هرمٍ ليس قبلها ولا بعدها
غيرها، لا تخزّ فيه السكين، ولا تؤثر فيه الأضراس، فاطّلع في القصعة وقلّب بصره
فيها، فأخذ قطعة خبز يابسٍ فقلب بها جميع ما في الصفحة ففقد الرأس، فبقي مطرقاً
ساعةً، ثو رفع رأسه إلى الغلام وقال: أين الرأي? قال: رميت به؛ قال: ولم? قال: ما
ظننت أنك تأكله "ولا تسأل عنه"! قال: ولأيّ شيءٍ ظننت ذلك? فواللّه إني
لأمقت من يومي برجله فكيف من يرمي برأسه! والرأس رئيس، وفيه الحواس الخمس، ومنه
يصيح الديك، ولولا صوته ما أريد، وفيه عرفه الذي يتبرّك به، وفيه عينه التي يضرب
بها المثل فيقال: "شراب كعين الديك"، ودماغه عجبٌ لوجع الكلية، ولن ترى
عظماً قطّ أهشّ من عظم رأسه؛ فإن كان من نبلٍ أنك لا تأكله فإنّ عندنا من يأكله.
أو ما علمت أنه خيرٍ من طرف الجناح ومن الساق ومن العنق! أنظر أين هو. قال: لا
واللّه لا أدري أين هو، رميت به. قال: لكني أدري أنك رميت به في بطنك، واللّه حسبك.
لبعضهم في بخيلين وحكي عن رجل أنه قال: مررت ببعض طرقات الكوفة، فإذا رجل يخاصم
جاراً له، فقلت: ما بالكما تختصمان? فقال "أحدهما": لا واللّه إلا أنّ
صديقاً لي زارني فاشتهى عليّ رأساً، فاشتريته وتغذّينا به وأخذت عظامه فوضعتها على
باب داري أتجمّل بها عند جيراني فجاء هذا فأخذها وتركها على باب داره يوهم أنه
اشتراه.
أيضاً في البخل قال: وتناول رجل من بين يدي أميرٍ من الأمرء بيضةً وهو معه، فقال:
خذها فإنها بيضة العقر. ولم يأذن له بعد ذلك.
قال: وقدّمت مائدة لرجلٍ عليها أرغفة على عدد الرؤوس ورغيفٌ زائد يوضع على الصّحاف،
فلما أنفد القوم خبزهم التفت إلى رجلٍ إلى جانبه فقال: إكسر هذ الرغيف وفرّقه
بينهم. فتغافل، فأعاد عليه، فقال: يبتلي على يد غيري.
من بخل المغيرة الثقفي قال المدائنيّ: كان المغيرة بن عبد اللّه الثقفيّ وهو على
الكوفة جديٌ يوضع على مائدته بعد الطعام لا يمسّه هو ولا غيره، فقدم أعرابيٌ يوماً
فأكل لحمه وتعرّق عظامه؛ فقال: يا هذا، أتطالب هذا البائس بذهل?! هل نطحتك أمه!
قال: وأبيك إنك لشفيق عليه! هل أرضعتك أمّه!.
بين زياد بن عبد اللّه الحارثي وأشعب قال المدائني: كان لزياد بن عبد اللّه
الحارثي جديٌ لا يمسه "أحد"، فعشّى في شهر رمضان قوماً فيهم أشعب، فعرض
أشعب يوماً للجدي من بين القوم، فقال زياد حين رفعت المائدة: أما لأهل السجن إمامٌ
يصلّي بهم? قالوا: لا. قال: فليصلّ بهم أشعب. قال أشعب: أو غير ذلك أيها الأمير?
قال: وما هو? قال: لا آكل لحم جدي أبداً.
المغيرة بن عبد اللّه الثقفي قال: وكان المغيرة بن عبد اللّه الثّقفيّ يأكل
وأصحابه تمراً فانطفأ السراج، وكانوا يلقون النّوى في طستٍ، فسمع صوت نواتين؛
فقال: من ذا يلعب بالكعبتين? شعر للأعشى، ولآخرين قال الأعشى:
تبيتون في المشتي ملاءً بطونكم |
|
وجاراتكم سغبٌ يبتن خمائصا |
وقال آخر:
وضيف عمروٍ وعمروٌ ساهران معا |
|
فذاك من كظّةٍ والضيف من جوع |
وقال آخر:
وجيرةٍ لا ترى في الناس مثلهم |
|
إذا يكون لهم عيدٌ وإفـطـار |
إن يوقدوا يوسعونا من دخانهم |
|
وليس يبلغنا ما تنضج النـار |
وقال سماعة بن أشول:
نزلنا بسهمٍ والسمـاء تـلـفّـنـا |
|
لحي اللّه سهماً مـا أدقّ وألأمـا |
فلما رأينا أنـه عـاتـم الـقـرى |
|
بخيلٌ ذكرنا ليلة لهضب كردمـا |
فقمنا وحملنا على الأين والوجـى |
|
جلالا بأوصال الرّديفين مرجمـا |
يدقّ خراطيم القـنـان كـأنـمـا |
|
يدقّ بصوان الجلامـيد حـتـمـا |
فجئنا وقد باض الكرى في عيوننـا |
|
فتىً من عيون النعرقين مسلـمـاً |
تنـاج إلـيه هـجـمةٌ واتـكـيّة |
|
رعت بالجواء البقل حولاً مجرّما |
كأنّ بأحقيها إذا مـا تـنـعّـمـت |
|
مزاداً سقا فيه المزوّد معصـمـا |
فبات رفيقي بعد ما سـاء ظـنّـه |
|
بمنزلةٍ من آخر الليل مـكـرمـا |
ولو أنها لم يدفع العـيس زّمـهـا |
|
رأى بعضها من بعض أنسائها دما |
وقال حميد الأرقط:
ومستنبحٍ بعد الهدوء وقـد جـرت |
|
له حرجفٌ نكباء والليل عـاتـم |
رفعت له مخلوطةً فاهتدى بـهـا |
|
يشبّ لها ضوء من النار جاحـم |
فأطعمته حتى غـدا وكـأنـمـا |
|
تنازعه في أخدعيه المـحـاجـم |
كزمهان يفطو المشي لو جعلت له |
|
رعايا الحمى لم يلتفت وهو قـائم |
حريصٌ على التسليم لو يستطيعـه |
|
فلم يستطع لما غدا وهو عـاتـم |
وقال الأعشى:
إذا حلّت معاوية بن عمرو |
|
على الأطواء خنّقت الكلابا |
وقال آخر:
أيا بنة عبـد الـلّـه وابـنة مـالـكٍ |
|
ويابنة ذي البردين والفـرس الـورد |
إذا ما عملت الزاد فالتـمـسـي لـه |
|
أكيلاً فإنـي غـير آكـلـه وحـدي |
بعيداً قصـيّاً أو قـريبـاً فـإنـنـي |
|
أخاف مذمّات الأحاديث من بـعـدي |
وكيف يسيغ الـمـرء زاداً وجـاره |
|
خفيف المعى بادي الخصاصة والجهد |
وللمـوت خـيرٌ مـن زيادة بـاخـلٍ |
|
يلاحظ أطراف الأكيل على عـمـد |
وقال مرّة بن محكان السّعدي:
فقلت لما غدوا أصي قعـيدتـنـا |
|
غدّي بينك فلن تلفيهـم حـقـبـا |
أدعى أباهم ولم أقرف بـأمـهـم |
|
وقد هجعت ولم أعرف لهخم نسبا |
لحماد عجرد في بخيل وقال حمّاد عجرد:
زرت امرأً في بيته مرّةً |
|
له حـياءٌ ولـه خـير |
يكره أن يتخم إخـوانـه |
|
إنّ أذى التّخمة محذور |
ويشتهي أن يؤجروا عنده |
|
بالصوم والصائم مأجور |
مثله لبعض المحدثين وقال بعض المحدثين:
أبو نوحٍ نزلت عليه يومـاً |
|
فغدّاني برائحة الطـعـام |
وجاء بلحمٍ لا شيءٍ سمـينٍ |
|
فقدّمه على طبق الكـلام |
فلما أن رفعت يدي سقانـي |
|
مدامً بعد ذاك بـلا مـدام |
فكان كمن سقى الظمآن آلا |
|
وكنت كمن تغدّى في المنام |
لعروة بن الورد وقال عروة بن الورد:
إني امرؤٌ عافي إنـائي شـركةٌ |
|
وأنت امرؤٌ عافي إنائك واحـد |
أتهزأ منّي أن سمنت وأن تـرى |
|
بجسمي مسّ الحقّ والحقّ جاهد |
أقسّم جسمي في جسومٍ كثـيرةٍ |
|
وأحسو قراحالماء والماء بـارد |
باب القدور والجفان
الفرزدق وقدر ابن جبار ذكر الفرزدق عقبةً بن جبّار المنقري وقدره فقال:
لو أن قدراً من طول محبسـهـا |
|
على الحفوف بكت قدر ابن جبّار |
ما مسّها دسمٌ مذ فضّ معدنـهـا |
|
ولا رأت بعد نار القين من نـار |
وقال:
كأنّ تطلّع التّرعيب فيها |
|
عذارٍ يطّلعن إلى عذار |
الكميت وقال الكميت:
كأنّ الغطامط من غليهـا |
|
أراجيز أسلم تهجو غفاراً |
وقال آخر:
وقدرٍ كجوف الليل أحمشت غليها |
|
ترى الفيل فيها طافياً لم يفصّل |
ابن الزبير يمدح ابن خارجة وقال ابن الّزبير يمدح أسماء بن خارجة:
ترى البازل البختيّ فوق خوانه |
|
مقطّعةً أعضاؤه ومفاصلـه |
الرقاشي وابن يسير وقال الرّقاشيّ:
لنا من عطاء اللّه دهمـاء جـونةٌ |
|
تناول بعد الأقربـين الأقـصـيا |
جعلت ألالاً والرّجـام وطـخـفةً |
|
لها فاستقلّت فوقهـنّ الأثـافـيا |
مؤدّيةً عنا حـقـوق مـحـمـدٍ |
|
إذا ما أتانا يابس الجنـب طـاويا |
أتى بن يسيرٍ كي ينفّس كـربـه |
|
إذا لم يرح وافي مع الصبح غاديا |
فأجابه ابن يسير:
وثرماء ثلماء النواحـي ولا يرى |
|
بها أحدٌ عيباً سـوى ذاك بـاديا |
|
||
إذا انقاض منها بعضها لم تجد لها |
|
رؤوب لما قد كان منها مدانـيا |
|
||
وإن حاولوا أن يشعبوها فإنـهـا |
|
على الشّعب لا تزداد إلا تداعـيا |
|
||
معوّذة لإرجال لم توف مرقـبـاً |
|
ولم تمتط الجون الثلاث الأثافـيا |
|
||
ولا اجتزعت من نحو مكة شـقّةً |
|
إلينا ولا جازت بها العيس واديا |
|
||
ولكنّها في أصلها مـوصـلـيّةٌ |
|
مجاورةٌ فيضاً من البحر جـاريا |
|
||
أتتنا تزجّيها المجاذيف نـحـونـا |
|
وتعقب فيما بين ذاك الـمـزاديا |
|||
يقول لمن هذي القدور التي أرى |
|
تهيل عليها الرّيح ترباً وسـافـيا |
|||
فقالوا ولن يخفي على كل ناظرٍ |
|
قدور رقاشٍ إن تـأمّـل دانـيا |
|||
فقلت متى باللحم عهد قدوركـم |
|
فقالوا إذ ما لـم يكـنّ عـواريا |
|||
من اضحى إلى أضحى وإلاّ فإنها |
|
تكون بنسسج العنكبوت كما هيا |
|||
فلما استبان لجهد لي في وجوههم |
|
وشكواهم أدخلتهم في عـيالـيا |
|||
ينادي ببعضٍ بعضهم عند طلعتي |
|
ألا أبشروا هذا اليسيريّ جائبـا |
|||
لأبي نواس وقال أبو نواس:
ودهماء تثفيها رقاشٌ إذا شـتـت |
|
مركّـــبة لآذان أمّ عـــيال |
يغصّ بحيزوم لبعوضة صدرهـا |
|
وتنزلها عفواً بـغـير جـعـال |
ولو جئتها ملاي عبيطاً مـجـزّلاً |
|
لأخرجت ما فيهاا بعـود خـلال |
هي القدر قدر الشيخ بكر بن وائلٍ |
|
ربيع اليتامى عام كـلّ هـزال |
وقال أيضاً:
رأيت قدور الناس سوداً من الصّلـى |
|
وقدرالرّقاشيّين زهراء كـالـبـدر |
ولو جئته ملأي عبـيطـاً مـجـزّلاً |
|
لأحرجت ما فيها على طرف الظّفر |
يثبّتها للمـعـتـفـي بـفـنـائهـم |
|
ثلاثٌ كحظّ الثاء من نقط الحـبـر |
تروح على حـيذ الـرّبـاب ودارمٍ |
|
وسعدٍ وتعروها فراضبة الـفـزر |
وللحيّ عمرٍ ونفحةٌ من سجـالـهـا |
|
وتغلب والبيض االلّهاميم من بـكـر |
إذا ما ينادي بالرحيل سعـى بـهـا |
|
أمامهم الحولـيّ مـن ولـد الـذّرّ |
جفنة ابن جدعان وقال أبو عبيدة: كان لعبد
اللّه بن جدعان جفنة يأكل منها القائم والراكب. وذكر غيره أنه وقع فيها صبيّ فغرق.
للأشعر وقال الأشعر:
وأنت مليخٌ كلحم الـحـوار |
|
فلا أنت حلوٌ ولا أنت مـرّ |
وقد علم الضيف والطارقون |
|
بأنك للضيف جـوعٌ وقـرٌ |
بين يحيى بن خالد وأبي الحارث سأل يحيى بن
خالد أبا الحارث جمّيزاً عن طعام رجلٍ، فقال: أما مائدته فمقنة وأما صحافه
فمنقورةٌ من حبّ الخشخاش، وبين الرغيف والرغيف نقرة جوزة، وبين اللون واللون فترة
نبيّ.
قال: فمن يحضرها? قال: الكرام الكاتبون. قال: فيأكل معه أحدٌ? قال: نعم، الذّباب.
قال: فلهذا ثوبك مخرّق ولا يكسوك وأنت معه وبفنائه?! قال أبو الحارث: جعلت فداءك،
واللّه لو ملك بيتاً من بغداد إلى الكوفة مملوءاً إبراً، في كل إبرةٍ خيط، ثم جاءه
جبريل وميكائيل معهما يعقوب يضمنان عنه إبرة يخيط بها قميص يوسف لذي قدّ من دبرٍ،
ما أعطاهم.
لبعضهم في بخيل وقال بعضهم:
ولو عليك اتكالي في الغذاء إذاً |
|
لكنت أوّل مدفونٍ من الجوع |
سياسة الأبدان بما يصلحها من الطعام وغيره
نصيحة
تياذوق طبيب الحجاج قال الحجاج لتياذوق متطبّبه: صف لي صفةً آخذ بها "في
نفسي" ولا أعدوها، قال تياذوق: لا تتزوّج من النساء إلا شابّة، ولا تأكل من
اللحم إلا فتيّا، ولا تأكله حتى ينعم طبخه، ولا تشر بنّ دواءً إلا من علةً، ولا
تأكل من الفاكهة إلا نضيجها، ولا تأكل طعاماً إلا أجدت مضغه، وكل ما أحببت من
الطعام واشؤب عليه، وإذا شربت فلا تأكل عليه شيئاً، ولا تحبس الغائط والبول، وإذا
أكلت بالنهار فنم، وإذا أكلت بالليل فتمشّ ولو مائة خطوةٍ.
يهود خيبر روى عبد العزيز بن عمران عن الحليس بن حيّان الأشجعيّ قال: حدّثني أبي
عن شيوخ من أشجع قال: سألنا يهود خيبر: بم صححتم بخيبر? قالوا: بشرب الخمر، وأكل
الفوم، وسكون اليفاع، وتجنّب بطون الأودية، والخروج من خيبر عند طلوع الفجر وسقوطه.
بين الحجاج والحكم بن المنذر بن الجارود قال الحجّاج للحكم بن المنذر بن الجارود:
أخبرني عن صفاء لونك وغلظ قصرتك، أشرب اللبن فهو منه? قال: لا. ولم? قال: لأنه
منتنةٌ منفخةٌ. قال فما شرابك? قال: نبيذ الدّقل في الصيف ونبيذ العسل في الشتاء.
بين عبد الملك وأعرابي قال عبد الملك لأعرابي: إنك حسنٌ الكدنة. قال: إني أدفىء
رجليّ في الشتاء، وأغفل غاشية الغمّ، وآكل عند الشهوة.
لعلي بن أبي طالب رضي اللّه عنه عن عليّ رضي اللّه عنه أنه قال: من ابتدأ غذاءه
بالملح أذهب اللّه عنه سبعين نوعاً من البلاء. ومن أكل كلّ يومٍ سبع تمرات عجوةٍ
قتلت كلّ داء في بطنه. ومن أكل كلّ يوم إحدى وعشرين زبيبةٍ حمراء لم ير في بدنه
شيئاً يكرهه. واللحم ينبت اللحم والثريد طعام العرب. ولحم البقر داء، ولبنها شفاء،
وسمنها دواء. والشّحم يخرج مثليه من داءٍ ولم يستشف الناس بشيء أفضل من الرّطب
والسّمك يذيب الجسد وقراءة القرآن والسواك يذهب البلغم. ومن أراد البقاء- ولا
بقاء- فليباكر الغداء وليقلل غشيان النّساء ويخّفف الرداء، وليلبس الحذاء قيل: وما
خفّة الرّداء في البقاء? قال: قلّة الدّين.
لبعضهم في سياسة البدن قيل لرجل: إنك لحسن السّحّنة. فقال: آكل لباب البرّ بصغار
المعز، وأدّهن بحام البنفسج، وألبس الكتّان.
في أشياء تورث الهزال ويقال: ثلاثة أشياء تورث الهزال: شرب الماء على الرّيق،
والنوم على غير وطأةٍ، وكثرة الكلام برفع الصوت.
ويقال: أربع خصالٍ يهدمن العمر وربما قتلن: دخول الحمامّ على بطنةٍ، والمجامعة على
الأمتلاء، وأكل القديد الجافّ، وشرب الماء البارد على الرّيق، وقيل: مجامعة
العجوز.
من الأثر وفي الحديث: "ثلاثة أشياء تورث النّسيان أكل التّفّاح الحامض وسؤر
الفأرة ونبذ القملة".
وفي حديث آخر: "الحجامة في النّقرة والبول في الماء الراكد" ويقال:
أربعة أشياء تقصد إلى العقل بالأفساد: الإكثار من البصل، والباقلاء، والجماع،
والخمار.
لإبراهيم النظام وقال النّظّام: ثلاثة أشياء تخلق العقل وتفسد الذّهن: طول النّظر
في المرآة والأستغراب في الضّحك، ودوام النّظر إلى البحر.
وكان يقال: عشاء الليل يورث العشا.
ويروى في الحديث: "ترك العشاء مهرمة" والعرب تقول: ترك العشاء بلحم
الأليتين
باب الحمية
للحارث بن كلدة قال الحارث بن كلدة طبيب العرب: الدواء هو الأزم يعني الحمية لجالينوس وقيل لجالينوس: إنك تقلّ من الطّعام؛ قال: غرضي من الطّعام أن آكل لأحيا وغرض غيري من الطعام أن يحيا ليأكل للعمّي في الحمية وقال العميّ: من احتوى فهو على يقينٍ من المكروه، وفي شكّ مما يأمل من العافية. وكان يقال: ليس الطبيب من حمى الملك ومنعه الشهوات، إنما الطبيب من خلاّه وما يريد وساس بدنه لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
ورّبت حزمٍ للسّـقـم عـلّةً |
|
وعلة برء الداء خبط المغفّل |
ويقال:
الحمية للصحيح ضارّة كما أنها للعليل نافعة.
الحمية في الحديث الشريف وفي الحديث: أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رأى
صهيباً يأكل تمراً وبه رمدّ، فقال له: "أتأكل التمر وبك رمد?" فقال: يا
رسول اللّه إنما أمضغ بهذه إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جدّه: قال:
قال رسول اللذه صلى اللّه عليه وسلم: "لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشّراب
فإن اللّه يطعمهم ويسقيهم"
باب شرب الدواء
للنبي
صلى اللّه عليه وسلم قال عبد اللّه بن بكر السّهميّ: حدثنا بعض أصحابنا يرفعه إلى
النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: "من استقل بدائه فلا يتداوين فإنه ربّ دواء
يورث الداء" لبعض الحكماء في شرب الدواء وكانت الحكماء تقول: إياك وشرب
الدواء ما حملت صحتّك داءك وقالوا: مثل شرب الدواء مثل الصابون للثوب ينقيه، ولكنه
يخلقه ويبليه.
لطبيب كسرىة عن يزيد بن الأصمّ قال: لقيت"طبيب" كسرى شيخاً
"كبيراً" قد أوثق حاجبيه بخرقة، وسألته عن دواء المشي؛ قال: سهمٌ يرمي
به في جوفك أخطأ أو أصاب.
لأبقراط قال أبقراط: الدواء من فوق، والدواء من تحت، والدواء لا فوق ولا تحت.
وفسّره المفسّر فقال: من كان داؤه في بطنه فوق سرّته سقي الدواء، ومن كان داؤه تحت
سرّته حقن، ومن لم يكن به داءٌ في بطنه فوق سرتّه سقي الدواء، ومن كان داؤه تحت
سرتّه حقن، ومن لم يكن به داءٌ لا من فوق ولا من تحت لم يسق الدواء، فإن الدواء
إذا لم يجد داء يعمل فيه وجد الصحّة فعمل فيها.
عبد العزى بن عبد المطلب
قال أبو اليقظان: كان عبد العزّى بن عبد المطّلب يشتكي عينه وهو مطرقٌ أبداً؛ وكان
يقول: ما بعيني بأس، ولكن أخي الحارث إذا اشتكت عينه يقول: اكحلوا عين عبد العزّى
معي؛ فيأمر من يكحّلني معه ليرضيه بذلك فأمرض عيني.
لابن الأحمر قال ابت أحمر شفي بطنه:
شربت الشّكاعى والتددت ألدّة |
|
وأقبلت أفواه العروق المكاويا |
شربنا وداوينا وما كان ضارنا |
|
إذا اللّه حمّ المرء أن لا تداويا |
في لأثر وفي الحديث: "داووا مرضاكم بالصّدقة ووحصّنوا أموالكم بالزّكاة واستقبلوا أنواع البلايا بالدعاء".
الحدث والحقنة والتّخمة
لقمان
لابنه عن وهب قال: قال لقمان لابنه: إن طول الجلوس على الخلاء يرفع الحرارة إلى
الرأس، ويورث االباسور وتيجع له الكبد؛ فأجلس هوينى وقم هوينى. فكتب حكمته على باب
الحشّ.
وكان يقال: إذا خرج االطعام قبل ستّ ساعات فهو مكروه، وإذا بقي أكثر من أربع
وعشرين ساعة فهو مرض.
شكاية أبي ذفافة وشعر لأعرابي وكان أبو ذفافة الباهليّ اشتكى، فأشار عليه الأطبّاء
بالحقنة فامتنع؛ فأنشأ أعربيّ يقول:
لقد سرّني واللّه وقّاك شرّها نفارك منها إذ أتاك يقودها |
|
|
كفى سوءةً لاّ تزل مجبّياً |
|
علـى شـكـوة وفـراء فـي اسـتـك عـودهـــا |
عبيد
اللّه بن زياد والحقنة وأشاروا على عبيد بن زياد بالحقنة فتفحّشها؛ فقالوا: إنما
يتولاّها منك لطبيب. فقال: أنا بالصاحب آنس.
الحجاج وجلسائه قل المدائنيّ: سأل الحجّاج جلساءه: ما أذهب الأشياء للإعياء? فقل
بعضهم: أكل التّمر. وقال بعضهم: الحمام. وقال بعضهم: التّمريخ.
لفيروز وقال فيروز: أذهب الأشياء للإعياء قضاء الحاجة.
وحدثني بعض الأطباء أن رجلاً شرب خبث الحديد المعجون فبقي في جوفه، فاشتد عليه
وجعه؛ فسحقت له قطعةٌ من المغناطيس وسقي إياه، فتعلق بالخبث وخرج مع الغائط.
لتياذوق طبيب الحجاج قال: وقال تياذوق طبيب الحجاج للحجاج: إن اللحم على اللحم
يقتل السباع في البرية.
ثم قال لي جعفر: قالت جارية لنا: كان لي ظبيٌ فمر بعجين قد هييء للخشكنان، فكل منه
فحفس - والحفس: الحبط وانتفاخ البطن - فسلخ فوجد قد شرق بالدم.
وقال يونس )طبيب لنا(: هكذا يصاب الإنسان إذا بشم.
لبعض الأعراب يدعو الله الأصمعي: قال بعض الأعراب: اللهم إني أسألك ميتةً كميتة
أبي خارجة، أكل بذجاً، وشرب معسلاً، ونام في الشمس، فلقي الله شبعان ريّان دفآن.
وقال آخر من الأعراب: اللهم اجعل التخمة دائي وداء عيالي.
لابن شبابة قل ابن شبابة مولى بني أسد: من بال ولم يضرط كتبت استه من الكاظمين
الغيظ.
باب القيء
لجعفر
بن سليمان عن جعفر بن سليمان أنه قال لإنسان أكول يقيء إذا أكل. لا تفعل، فإن
المعدة تضفز إلى القيء كما تضفز الدابة إلى العلف، فلا ينضج الطعام.
لمزبّد وأخذ مزبّد شارباً فاستنكه، فأتي به الوالي فاستنكهوه، فقالوا: نكهته لا
تنبيء عنه. قال مزيد: إن لم أقيء نبيذاً فمن لي عشاءً.
رئي الجمّال يأكل فقيل له: ما تأكل? قال: قيء كلب في قحف خنزير.
النكهة
لتياذوق
الطبيب في البخر سئل تياذوق عن البخر فقال: دواؤه الزبيب يعجن بسعتر ثم يؤكل
أسبوعين أو ثلاثة فجرّب فذهب.
للروم في البخر وتقول الروم في الكرفس: إنه يطيب الفم ويذهب البخر؛ ويحتاج إلى أكله
من يشاهد السلطان ومحافل الناس وكان أكثر كلامه السرار.
لمنع رائحة البصل والثوم من الفم قالت الأطباء: الجزر المشوي والخبز المقلو بالزيت
أو بالسمن إذا مضغ ورمي بثفله قاطعٌ لرائحة البصل من الفم. والفوم إن أكله آكلٌ
فأحب أن يقطع رائحته مضغ ورق الزيتون الطري وتمضمض بعده بالخل.
والسعد قاطع لرائحة النبيذ من الفم. وحبّ الأترج مطيّب للنّكهة. والبخر لا يكاد
يكون في الملاحين لأكلهم الملاح.
ما يورث البخر وقرأت في الآيين: أن رئيس الحرم أمر جواري الملك ألا يأكلن الثوم
والبصل والكرّاث واللفّاح والحمّص الرطب والمشمش؛ فإنه يورث البخر.
باب المياه والأشربة
للأطباء
في المياه قالت الأطباء: معرفة خفّة الماء بأن يكون سريع الغليان ويكون سريع
البرد. وأحمد المياه ما كان قبالة المشرق ومجراه مجرى الشمال ومروره على الطين
الأحمر وعلى الرمل.
قالوا: ومما يصفّي من الماء الكدر فيصفو سريعاً أن يلقى فيه قطعٌ من خشب الساج أو
قطعٌ من آجرٍّ جديدٍ.
قال بعض المحدثين:
يمنع أمه بالـشـمـال |
|
وماؤها البارد الـزلال |
يصيح فيها وقـايتـونـا |
|
يجري به الثلج في مثال |
في تحلية الماء المرّ الغليظ وقال صاحب
الفلاحة: من أراد أ يعذب له الماء الزّعاق جعله في قدر جديدة من خزف وغطى فاها
بأسحال ثم أوقد تحتها حتى تغلي ويحصل فيها نصف ذلك الماء ثم صفّاه وتركه، فإنه
يجده شروباً.
في ماء دجلة وقالوا: ماء دجلة يقطع شهوة الرجال ويذهب بصهيل الخيل ونشاطها، ومن لم
يأكل الدسم عليه انحل عظمه ويبس جلده، وهو مع هذا أهضم للطعام من غيره من المياه
وأسرعها برداً.
ماء النيل قال: والنّيل يستقبل الشمال وينصب في وقت زيادة الأدوية ويزيد في وقت
نقصانها. وزيادة أوّله وآخره معها؛ ولا تكون التماسيح إلا فيه؛ قال الشاعر:
أضمرت للنيل هجراناً ومـقـلـيةً |
|
إذ قيل لي إنما التمساح في النـيل |
فمن رأى النيل رأى العين من كثبٍ |
|
فما أرى النيل إلا في البـواقـيل |
والسقنقور
أيضاً لا يخرج إلا منه.
لابن مزاحم وروي في الحديث عن الضحّاك بن مزاحم أنه قال: قذف الفرات في المدّ
رمّانةً كأنها البعير البارك، وتحدّث أهل الكتاب أنها من الجنّة.
لابن ماسويه وقال ابن ماسويه: ينبغي للماء الغليظ الذي ليس يعذب أن يطبخ حتى يذهب
منه نصفه، ثم يطرح فيه السويق أو الطين الأحمر فإنه يلطفه ويذهب غائلته ويعذبه
ويمنع مدره.
منافع الفقع والجلاب والسكنجبين قالت الأطباء: الفقّاع المتخذ من دقيق الشعير نافع
من الجذام. الجلاب قاطع لكثرة دم الحيض. السكنجبين نافع من الذّبحة إذا كانت من
حرار، يشرب ويتغرغر به.
باب اللحمان وما شاكلها
للأطباء
في لحم الماعز والضأن قالت الأطباء: لحم الماعز يورث الهمّ، ويحرك السوداء، ويرث
النسيان، ويخبل الأولاد ويفسد الدم؛ وهو ضارٌّ لمن سكن البلاد الباردة. وأحمد
اللحمان ما خصي من لمعز. والضأن نافع من المرّة السوداء إلا أن الممروري الذين
يصرعون إذا أكلوا لحم الضان اشتد بهم ذلك حتى يصرعوا في غير أوا الصرع. وأوان
الصرع الأهلّة وأنصاف الشهور.
في اللحم قال الشاعر:
كأن القوم عشّوا لحم ضـأنٍ |
|
فهم نعجون قد مالت طلاهم |
قالوا:
واللحم أقلّ الطعام نجواً. ولحم الدجاج الهوم شرّ اللحمان وأغلظها.
في البيض، وحب الرمان والبيض إن سلق بالخلّ ثم أكل بالسماق وحبّ الرمان المفلّق
والملح والمرّي عقل الطبيعة.
منافع الزبد والمخ والدماغ والزبد إن طلي على منابت أسنان الطفل كان معيناً على
نباتها وطلوعها، والمخ والدماغ يفعلان ذلك.
مضارّ الأطعمة ومنافعها
للنبي
) في الكمأة والعجوة الكمأة والفطر - عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم
خرج عليهم وهم يذكرون الكمأة وبعضهم يقول جدري الأرض، فقال: " الكمأة من
المنّ وماؤها شفاءٌ للعين والعجوة من الجنة وهي شفاء من السقم" للأصمعي في
الجراد والفطر ولحوم والإبل الأصمعي عن بعض مشايخه قال: ثلاثة أشياء ربّما صرعت
أهل البيت عن آخرهم الجراد، ولحوم الإبل، والفطر.
أردأ الفطر وتقول الأطباء: إن أردأ الفطر ما نبت تحت ظلال الشجر، وأردأه كلّه ما
كان في ظلّ شجر الزيتون فإنه قتال.
قالوا: والكمثّرى إذا طبخ مع الفطر أذهب ضرره.
قالوا: والفطر يورث الذبحة.
لأعرابي أكل فطراً فأصيب بذبحة قدم أعرابي المصر فأكل فطراً، فأصابته ذبحة، فقيل
له: إن الطبيب بعث أن يحلب في فيك. فقال: مازلت أسمع باللئيم الراضع ولا والله لا
أكونه. قالوا: فتموت إذاً. قال: وإن متّ.
ترياق الفطر وتقول الأطباء: إن أكل آكلٌ الفطر فأضرّ به، سقي الكرنب المعصور وسقي
من خرء الدجاج وزن درهمين مع خل وعسلٍ مطبوخ وقيء به.
مضار الكمأة قالوا: والكمأة تورث وجع القولنج والسكتة والفالج ووجع المعدة.
قالوا: والذباب لا يقرب قدراً فيه كمأة.
ومن أراد اتخاذ الكمأة اليابسة جعلها في الطين الحرّ يوماً وليلةً ثم غسلها
واستعملها.
أعرابي يبيع الكمء
بلغني عن فتىً من أهل الكتاب أنه قال: كنا في طريق مكة بالخزيمية، فأتانا أعرابيٌّ
بكمأةٍ في كساءٍ قدر ما أطاق، فقلنا: بكم الكمأة? قال: بدرهمين. فاشتريناها منه
ودفعنا الثمن إليه، فلما نهض قال له بعضنا: "في است المغبو عودٌ" . قال:
بل عودان؛ وضرب الأرض برجله، فإذا نحن على الكمأة.
قال بعض الشعراء:
جنيتها تملأ كفّ الجـانـي |
|
سوداء مما قد سقى السواني |
كأنها مدهونةٌ بـالـبـان |
|
|
وهذه صفة أجود الكماة وأقلّها أذىً.
البصل والثوم
نصر
بن سيّر والبصل دخل داخلٌ على نصر بن سيّار وحوله بنون له صغارٌ، فقال: هل تدرون
ما ولدي هؤلاء? هؤلاء بنو البصل؛ وكان يأكله نيئاً ومطبوخاً.
منافع البصل والأطبّاء تقول في البصل: إنه يشهّي إلى الطعام إن أكل مشويّاً أو
نيئاً، ويشهّي إلى الجماع. وإن دقّ وشم وعطّس وشهّى الطعام. وإن اكتحل بمائه مع
العسل جلا البصر. وإن وضع مع الملح والسّذاب على عضّة الكلب الذي ليس بكلبٍ نفع.
والإكثار منه يفسد العقل.
والمسلوق منه يدر البول والدمعة.
العصافير إن أكلت بالزّنجبيل والبصل هيجت شهوة الجماع وأكثرت المنيّ.
بين سليمان النبي ورجل عن طارق بن شهاب قال: بعث سليمان النبيّ عليه السلام بعض
عفاريته وبعث معه رجلاً وقال: ردّه إليّ وانظر إلى صنيعه. فمرّ على أهل بيت يبكون
فضحك، ودخل إلى السوق ونظر إلى الناس فرفع رأسه إلى السماء وهزّه، ونظر إلى الثّوم
وهو يكال "كيلاً" والفلفل "وهو" يوزن وزناً، فضحك. فلما ردّه
إلى سليمان عليه السلام وأخبره بما جرى منه، قال: لم ضحكت من أهل البيت? ولم هززت
رأسك حين نظرت إلى السوق? ولم ضحكت من الثّوم والفلفل? قال: أمّا أهل البيت فإنّ
اللّه أدخل ميّتهم الجنّة وهم يبكون عليه؛ ونظرت إلى الناس في السّوق والملائكة من
فوق رؤوسهم والناس يملون والملائكة سراعا يكتبون، فهززت رأسي؛ ونظرت إلى الثوم وهو
شفاءٌ يكال كيلاً، وإلى الفلفل وهو داءٌ يوزن وزناً.
وعن وهبٍ: أن سليمان عليه السلام قل: مم كنت تضحك? قال:" إني مررت برجلٍ
يشتري خفّين ويقول لصاحبها: شرطي عليك أنّ ألبسها عشر سنين لا يتخرّقان؛ فعجبت كيف
شرط أمله ونسي أجله. ومررت بعجوز دهرية تتكهّن وتخبر الناس بما لا يعلمون والذيّ
سخرّ لك الريح وأذلّ لك الجنّ وعبدّ لك الشياطين إنّي لأعلم في بيتها تحت فراشها
مطمورة فيها قناطير من ذهب وفضّةٍ وهي لا تدري ما تحتها، وقد ماتت هزلاً وجوعاً
وحاجةً. ومررت بإخرى دهريةٍ تطّبب وكان بها مرّةً داءٌ، فأكلت البصل فصادفت منه
برءاً، فظّنت أنه حسم داءها وشفاها، فهي تصفه للناس من كل داء؛ وقد كانت في ظهرها
ريحٌ حبست منذ زمانٍ فأكلت الثّوم أحداً وعشرين يوماً فشفيت منه؛ فعجبت لها كيف
تدع أن تصفه ومررت برجلٍ على شاطىء نهر يستقي منه في قلةٌ له ومعه بغلة، فلما سقى
البغلة ملأ القّلة بأذن القلةّ وذهب لبعض حاجته فنفرت البغلة وكسرت القلة؛ فجعل
يلعن الشيطان وبرّأ عقله ونسي فعله. ومررت بقومٍ يذكرون اللّه فاجتهدوا ونصبوا
وابتهلوا، فلما أظلّت الرحمة ملّ رجل منهم فقام، وجاء آخر لم ينصب معهم فجلس
مجلسه، فنزلت لرحمة فدخل فيها معها وحرمها الأوّل؛ فعجبت من سعادة هذ وشقوة هذ.
منافع الثوم وتقول الأطبّاء: إنّ الثّوم إذا شوي بالنار ووضع على الضّرس المأكول
ودلكت به الأسنان لتي يعرض فيه لوجع من الرطوبة ولريح، أذهب ما فيها بإذن اللهّ من
الوجع.
قال: وهو ينفع من العطش الحدث من البلغم، ويقوم مقام التّرياق في لسع الهوامّ،
والأمراض الباردة.
للروم في الثوم وتقول الروم في الثّوم: إنه دواء لمن صابه وجع السّقي في بطنه. وإن
أكله من ظهر "فيه" حرّةٌ من شرىً أو غيره أبرأه. وإن دقّ الثّوم يابساً
فأغلي بسمن ولبن ثم جعله من يشتكي ضرسه في فيه سخناً فأمسكه ساعة، ذهب وجع ضرسه؛
وهو نافع لمن اجتوى.
الكراث
قالت
الأطباء: الكرّاث النّبطيّ إذا أدمن كانت فيه أحلامٌ رديئة، وولّد بخاراً في الرأس
رديئاً.
وإن صبّ في مائه خلٌ ودقاق كندر واستعط به سكّن الصّداع. وإن سلق أو طحن وأكل أو
ضمّد به البواسير العارضة من الرطوبة نفع فيها.
وماء الكراث إذا خلط بمثله من ألبان النساء ودهن الورد والكندر وكحّل به عين من
أصابته غشاوة في عينه فلم يبصر ليلاً نفعه. وأكل البصل نافعٌ لذلك أيضاً.
الكرنب والقنّبيط
قالوا:
الكرنب معينٌ على الأكثار من النبيذ إذا أكل وهو مدرٌ للبول.
للروم في منافع الكرنب وقالت الروم: بين الكرنب والكرم عداوةٌ؛ ولا يكاد يصلح
الكرم والكرنب إذا تجاوزا .
قالت الأطباء: إن احتملت "المرأة" بزر الكرنب بعد الحيض أسهل المنيّ
وأفسد ولم يكن معه حمل، وشرب مائه مع الشّيح الأرمنيّ غير المطبوخ أو ماء الترمس
المنقع مخرجٌ لحبّ القرع نت البطن والقسط أيضاً خاصةً بزره يفسد المنيّ إذ احتملته
المرأة بعد طهرها ومقدار ما يحتمل وزن درهمين.
أيضاً من منافع الكرنب وتقول الروم: الكرنب إن طبخ وخلط ماؤه بالحندقوق وسقي
المرأة التي تأخر حيضها حاضت لحينها.
قالوا: وإذا خلط ماء الكرنب بالبنج كان نافعاً للسّعال وصفة حنين الطبيب لعلة في
الحلق قال أبو محمد: شكوت إلى حنينٍ الطبيب علةً كنت أجدها في حلقي لا أكاد أبتلع
معها ريقي؛ فقال: هي بينةّ في عينك. فتغرغر بعقيد العنب مع خميرٍ ثلاثة أيام في كل
يوم ثلاث مرات؛ ففعلت ذلك يوماً واحداً فذهب.
لعلاج البرص والجرب قالوا: وإذا دقّ الكرنب وخلط به شيء من زاج الأساكفة وشيء من
خلّ فأوجف ذلك بالخطمي ثم طلي به برص أو جربٌ نفع بإذن اللّه تعالى.
السّلجم والفجل
منافع الفجل تقول الأطباء في الفجل: إنه مهيجّ للجماع زائد في المني، وبزره نافعٌ من السموم قالوا: والفّجل هاضمٌ للطعام فإن أكل بزره بعسل كان دواء من السّعال والفواق وإذا شدخت قطعة فجل فطرحت على عقرب ماتت؛ وماؤه وبزره للسموم بمنزلة التّرياق. وإذا طلى أحدٌ يده بمائه ثم قبض على حيّةٍ و غيرها من الهوام لم يضارّ ذلك الموضع قالوا: وإن دقّ بزره مع الكندر وطلي به البهق الأسود في الحّمام أذهبه، وإن شرب ماء ورقه نفع من الأرقان الحادث من الطحال.
الباذنجان
لأبي الحارث في الباذنجان قالوا: والباذنجان مكلف للوجه يورث داء السرطان والأورام الصّلبة وحدّثني إبي عن أبي الحارث جمّيزٍ أنه سمعه يقول في الباذنجان: لا آكله لون العقرب وشبه المحجمة قيل له: فقد رأيناك تأكله على خوان فلانٍ! قال: كان ميتةً وأنا مضطرّ.
الخيار والقثّاء
قالوا: شمّ الخيار نافع لمن أصابه الغشي من الحرارة. وبزر القثّاء إذا شربه من به حمّى الأسى نفعه. وإن أصابت رضيعاً حمّى فألزقت به خيارتين تمسّان جلده إحداهما عن يمينه والأخرى عن شماله، أقلعت الحمّى عنه.
السّلق
قالوا: والسّلق إن دقّ مع أصله وعصر ماؤه وغسل به الرأس ذهب بالأتربة وأطال الشعر
الهليون
قالوا: والهليون مدرّ للبول، نافع من القولنج
القرع
قالوا: إذا شوي القرع بالنار ثم عصر فجعل من مائه في أذن من اشتكى أذنه نفعه، وإن دهنت منابت شعر اللّحية بدهن القرع المرّ، قثاء الحمار مذاباً فيه شيحٌ أرمنيّ أسرع فيها نبات الشّعر
البقول
الجرجير
قالوا: والجرجير زائد في الباه والإنعاظ مدرّللبول.
وتذكر الروم أنّ من أكل الجرجير ثم ضرب بالسياط هوّن عليه بعض ذلك الجلد.
قالوا: وهو ينفع من ذفر الإبطين إذا أكل على الريق وطلي الإبطان بمائه. وتزعم
الروم أنّ ماءه ينفع من عضّة ابن عرسٍ.
وقال بعض الأطباء: إن ذرّ بزر الجاجير مدقوقاً في البيض وحشي كان ذلك زائداً في
الباه والإنعاظ زيادة بيّنة.
قال أبو حاتم عن القحذمي قال: أكله أعرابيّ فأنعظ شهراً، فقال الفرزدق يفخر به:
ومنا التميميّ الذي قام أيره |
|
ثلاثين يوماً ثم زادهم عشرا |
السّذاب قالوا: والسّذاب قاطع لشهوة
الجماع.
وقالت الروم: إن أكلت امرأة حاملٌ أربعة مثاقيل كلّ يوم بماء سخنٍ أو نبيذ خمسة
عشر يوماً أسقطت ولدها.
وقال بعض الشعرء:
كم نعمةٍ لـلـسّـذاب |
|
جليلةٍ في الـرّقـاب |
الناس عنها غـفـولٌ |
|
إلاّ ذوي الألـبـاب |
فالحمد للّه شـكـراً |
|
لولا مكان السّـذاب |
لغّيب الأرض نسل ال |
|
مغنّيات الـقـحـاب |
البقلة
الحمقاء "الرجلة" والهندباء
قالوا: والبقلة الحمقاء إذا مضغت أذهبت الطّرش، وإذا أكلت أذهبت شهوة الجماع.
والروم تقول: إن نظر ناظرٌ عند رؤية الهلال إلى الهندباء فحلف بإله القمر ألاّ
يأكل هندباء ولا لحم فرسٍ، سلم في كلّ شهر يحلف فيه من وجع الضرس.
الخس قالت الأطباء: الخسّ إذا أكل على الريق نافعٌ لتغيير الماء ومن يتأذّى
باحتلام. وإذا شرب بزره بماءٍ باردٍ "قطع شهوة الجماع".
الخردل قالوا: والخردل إن أكثر من أكله أورث ضعفاً في البصر، وهو مكثّر للّبن مدرّ
للبول، وهو نافع من الصّرع. وإن اكتحل بمائه بعد أن يغلى عليه ويصفّى جلا البصر
الضعيف من الرطوبة. وتزعم الروم أن ماءه يصلح للأطفال من الحمّى إذا أصابتهم. وهو
يفسد الذهن ويورث االنّسيان ويضعف البصر.
النعناع والحبق قالت الأطباء: النّعناع يسكّن القيء، وينفع من الفواق الحادث من
البلغم إذا شرب مع النّمّام.
وتقول الروم: الحبق الذي على شطوط الأنهار نافعٌ للرّمد إذا دقّ ونخل واكتحل به،
وإن مضغه ماضعٌ ووضعه على عينه نفعه.
الفوذنج والحندقوق والطرخون وأما الفوذنخ النّهري - "فإنه" يدر الطّمث.
وإن أخذ من الفوذنخ الجبليّ أوقيّة وطبخ بنصف رطل من ماءٍ حتى يبقى الثلث ويشرب،
سهّل السّوداء.
وقالت الأطباء: الحندقوق يورث وجع الحلق، ويذهب بضرره من يأكل بعده الكزبرة
الرّطبة والبقلة الحمقاء والهندباء.
والطّرخون يؤكل مع الكرفس.
الراسن والكشوث قالوا: والراسن ينفع من قطار البول إذا كان من بردٍ، ويقوّي
المثانة.
قالوا: والكشوث يذهب بالأرقان.
عنب الثعلب والكرفس قالوا: وعنب الثعلب قاطعٌ لدم الحيض إن شرب أو احتمل.
وقالوا: الكرفس إذا طبخ وشرب كان دواءً من وجع الكليتين ومن الأسر.
باب الحبوب والبزور
حب
الفلفل والحبة الخضراء والحمص تقول الأطبّاء في حبّ الفلفلك إذا خلط بالسّمسم وعجن
بعسل الطّبرزذ يزيد في الجماع.
والعرب تزعم أنّ الحبّة الخضراء وشرب ألبان الإيّل عليها تبعث الشّهوة.
قال جرير:
أجعثن قد لاقيت عمران شارباً |
|
على الحبّة الخضراء ألبان إيّل |
والحمّص
زائد في الجماع، مكثرٌ للمنيّ، محسّن للّون، زائدٌ في لبن المرضع، يدرّ دم الحيض،
وإن خلط بالباقلاء أسمن.
سويق العدس الأصمعيّ قال: قلت لابن أبي عطارد: بلغني أنّ أباك كان ذا منزلةٍ من
ابن سيرين، فما حفظت عنه? قال: قال أبي: قال لي ابن سيرين: يا أبا عطارد، إن سويق
العدس بارد وهو يدفع الدّم.
الخردل، الحرف، والباقلاء قالت الأطبّاء: إنّ الخردل نافعٌ من حمّى الرّبع
والحمّيات المتقادمة ووجع الأرحام ويجفّف ... من البلغم، وينزل الرطوبة من الرأس
وإن أكل مع السّلق المسلوق نفع من الصّرع، وإن طلي البرص به زال.
وقالت الأطباء: الحرف يخرج حبّ القرع من البطن وينفع من عرق النّسا ووجع الورك.
وإن سخّن بالماء الحارّ وشرب منه وزن أربعة دراهم أو خمسة أسهل الطبيعة ونفع من
القولنج.
وقال رجل من قدماء الأطّباء في الباقلاء: إنه إذا أدمن أكلّ البصر، وأحال الأحلام
أضغاثاً لا ينتفع بها ولا يجد عابر الرؤيا إلى تأويلها سبيلاً.
دهن الشاهدانج "القنبّ" ودهن الشّاهدانج نافعٌ لوجع الأذن العارض من
البرد والعلل المتقادمة منها.
باب الفاكهة
لعلي
بن أبي طالب في الزمان عن معمر بن خثم عن جدّته قالت: سمعت عليّ بن أبي طالب رضي
اللّه عنه يقول: إذا أكلتم الرمّان فكلوه يشحمه فإنه دباغ للمعدة. وذلك يوم الجمعة
على المنبر.
لأعرابي في الرمّان الأصمعيّ: قيل لأعرابيّ: لم تبغض الرمّان? قال: لأنه مبخرة
مجفرة مجعرة.
ليحيى بن خالد في ما يورث القمل قال: وقال يحيى بن خالد: شيئان يورثان القمل:
التينّ اليابس إذا أكل، وبخار اللّبان إذا تبخرّ به.
الخوخ والأتّرج وقالت الأطباء: ورق الخوخ وأقماعه إن دقّ وعصر وشرب أسهل حبّ القرع
والدّيدان والحّيات المتولّدة في البطن، وإن صبّ ماء ورقه في الأذن أمات الديدان
فيها، وإن تدّلك بورقه بعد النّورة قطع ريحها.
وحمّاض الأترج إن لطخ به الكلف والقوب أذهبه. وحبّ الأترج نافعٌ من السّموم التفاح
وورق التفّاح الغضّ إن دقّ بالرّفق خمسةً أو ستةً ثم ضمد به الوشم قلعه من غير أن
يقرح موضعه.
الجزر
عن الزّهريّ قال: حدّثني رجلٌ من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال:
"من بات وفي بطنه جزرةٌ أو جزرتان أو ثلاث أمن القولنج والدّبلية"
الفستق واللّفاح والفستق: إن دقّ وشرب بالمطبوخ الشديد نفع من لسع الهوامّ.س
واللّفاح: سمّ، وربما قتل آكله. وتدفع مضرّته بالقيء بالشّراب والعسل والإسهال
وشمّ الفلفل والخردل والجندبادستر والسّذاب والتّعطس.
لبزر جمهر في الأترجّ قال: وحدّثني شيخٌ من الدّهاقين عالمٌ بأيام العجم: أن بزر
جمهر قال لأهل الحبس: سلوا الملك أن يرزقكم مكان الأدم الأترجّ، ليكون القشر
لطيبكم، ولحمته لفاكهتكم، والحمّاض لصباغكم، والحبّ لدهنكم. فكان ذلك أوّل ما عرفت
به حكمته.
باب مصالح الطعام
في
ملك العجين قال رئيس من رؤوساء الطبّاخين: االعجين يملك.
وفي الحديث المرفوع: "أملكوا العجين فإنه أحد الرّيعين".
في ما يصلح الطعام السّويق: يغسل بالماء الحارّ مرّات ثم بالبارد ويشرب.
والملح: يتقبّل به الطبيخ.
والخلّ: ينضج العدس ويصلحه للأكل.
الباقلّى: ينقع ثم يطبخ. ولا يؤكل من الفاكهة إلا ما نضج على شجره، ويلقى ثفله
وعجمه، ويؤكل على ريق النّفس.
والعنب: يقطف ويمهل أيّاماً ثم يؤكل. ولا يؤكل من القنّب إلا لبّه. ولا يؤكل من
الرأس إلا أسنانه وعيونه.
الباذنجان: يشقّ ويحشى بالملح، ويترك ساعةً في الماء البارد، ثم يصبّ عنه ويعاد
إلى الماء مراراً، ثم يسلق بعد ذلك.
الكبر: يؤكل بالخلّ بعد غسله بالماء من الخلّ.
الزيتون: يؤكل وسط الطعام ويصبّ في الخل.
ويؤكل من الأشترغاز خلّه ولا يعرض لجسمه.
والكمأة: تنصّف ويقشر عنها قشرها، وتسلق بالماء والملح ثم تستعمل بالسّعتر
والفلفل، وتقلى بالزّيت الرّكابيّ، وكذلك الفطر.
السّلق والكرنب: يسلقان بالماء والملح، ويصبّ ماؤهما ثم يستعملان.
والبقول: تمسح ثم تؤكل ولا تغسل بالماء.
وأحمد التّمور الهيرون. وأحمد البسور الجيسران. وما اصفرّ أحمد مما اسودّ.
السمك: خيره وشرّه وخير السّمك الشّبّوط والبنانيّ والميّاح. ولا يؤكل السمك
الطّريّ إلا حارّاً بالخردل في الشتاء، وفي الصيف بالخلّ وبالأباريز. وأقلّ السّمك
أذّى الممقور. وشرّ السّمك كباره السماريس. وخير السماريس البيض،
"وأكلها" خيرٌ من أكل الحمر،وشرّها السّود.
البيض وخير البيض بيض الشّوابّ من الدجاج، ولا خير في بيض الهرمة، وأخفّ البيض
الرقيق، وأثقله البيض الصلب.
ولا يعرض من الرأس للدّماغ ولا للّسان، ولا الغلصمة ولا الخراطيم.
لحم عنق الشاة ولحم العنق خفيفٌ سريع الإنهضام. وفي الحديث المرفوع: "العنق
هادية الشاة وهي أبعدها من الأذى" والقفّاع: يشرب قبل الطّعام ولا يشرب بعده.
واللّبن: لا يؤكل ولا يشرب إلا بعد وضع الشاة بشهرٍ ونحوه والباقلّى: يؤكل بعده
الفوذنج فإنه يذهب بنفخته اللّوبياء: يؤكل بعده الخردل الرّطب، ويشرب بعده ماء
الرّمّان والسّكنجبين المعمول بالسكّر.
الهريسة: تؤكل بالفلفل الكثير والمرّيّ ولا يجعل فيها السّمن.
والمضيرة: تطبخ بالفوذنج والسّذاب والكرفس.
الزيت الزيت الرّكابيّ: إذا خلط بالخلّ أو أغلي على النار ثم رفعت رغوته عاد
كالمغسول.
وفي الحديث: أن عمر رضي اللّه عنه قال: عليكم بالزّيت، فإن خفتم ضرره فأثخنوه
بالماء فأنه يصير كالسّمن.
من حديث الرسول صلى اللّه عليه وسلم في زيت الزيتون عن عقبة بن عامر قال: قال رسول
اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "عليكم بالشّجرة التي نادى اللّه منها موسى عليه
السلام زيت الزّيتون ادّهنوا به فإنه شفاءٌ من الباسور" الخردل الخردل: يعجن
بالخلّ ويغسل بالماء ورماد البلّوط أو رماد الكرم مراراً بعد أن ينعم دقهّ ونخله،
ثم يغسل بالماء القراح ويرشّ بالماء حتى تخرج رغوته ويكثر خلّه، ويخلط معه اللّوز
الحلو أو ماء الرّمان الحامض وماء الزّبيب.
جاء بعد خاتمة الجزء التاسع من النسخة الخطية التي نقل عنها الأصل الفتوغرافي في
"أ" ما يأتي" الأصمعي وهارون الرشيد
قال الأصمعيّ: دخلت على هارون الرشيد وبين يديه بدرةٌ، فقال: يا أصمعيّ، إن حدّثني
بحديثٍ في العجز فأضحكتني وهبتك هذه البدرة. فقال: نعم يا أمير المؤمنين؛ بينا أنا
في صحارى الأعراب في يومٍ شديد البرد والرّيح وإذا بأعرابيّ قاعدٍ على أجمةٍ وهو
عريان، قد احتملت الرّيح كساءه، فألقته على الأجمة؛ فقلت له: يا أعرابيّ؛ ما أجلسك
ها هنا على هذه الحالة? فقال: جاريةٌ وعدتها يقال لها سلمى، أنا منتظر لها. فقلت:
وما يمنعك من أخذ كسائك? فقال: العجز يوقفني عن أخذه. فقلت له: فهل قلت في سلمى
شيئاً? فقال: نعم. فقلت: أسمعني للّه أبوك! فقال: لا أسمعك حتى تأخذ كسائي وتلقي
عليّ. قال: فأخذته فألقيته عليه؛ فأنشأ يقول:
لعلّ اللّه أن يأتي بسلمـى |
|
فيبطحها ويلقيني علـيهـا |
ويأتي بعد ذاك سحاب مزنٍ |
|
تطهّرنا ولا نسعى إليهـا |
فضحك الرشيد حتى استلقى على ظهره، وقال:
أعطوه البدرة. فأخذها الأصمعيّ وانصرف.
بين الحسن بن زيد وابن هرمة ويروى أن الحسن بن زيد لما ولي المدينة قال لابن هرمة:
إني لست كمن باعك دينه رجاء مدخك أو خوف ذمّك فقد رزقني اللّه بولادة نبيّه عليه
السلام الممادح وجنبني المقابح، وإنّ من حقّه عليّ ألاّ أغضي على تقصير في حقّ
ربّه. وأنا أقسم لئن أتيت بك سكران لاضربنّك حدّاً للخمر وحدّاً للسكر، ولأزيدن
لموضع حرمتك بي. فليكن تركك لها للّه تعن عليه ولا تدعها للناس فتوكل إليهم؛ فنهض
ابن هرمة وهو يقول:
نهاني ابن الرسول عن المـدام |
|
وأدّبـنـي بـآداب الـكـرام |
وقال لي اصطبر عنها ودعها |
|
لخوف اللّه لا خـوف الأنـام |
وكيف تصبّري عنها وحـبّـي |
|
لها حبّ تمكّن في عظامـي |
أرى طيب الحلال عليّ خبثـاً |
|
وطيب النفس في خبث الحرام |
ذكر هذا الخبر أبو العباس المبرّد في كتاب الكامل
بسم اللّه الرحمن الرحيم
كتاب النساء
في أخلاقهن وخلقهن وما يختار منهن وما يكره
للنبي صلى اللّه عليه وسلم
عن
مجاهد عن يحيى بن جعدة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " تنكح
المرأة لدينها وحسبها وحسنها فعليك بذات الدّين تربت يداك". ثم قال: "ما
أفاد رجلٌ بعد الإسلام خيراً من امرأةٍ ذات دين تسرّه إذا نظر أليها وتطيعه وتحفظه
في نفسها وماله إذا غاب عنها".
لعائشة رضي اللّه عنها وعن عائشة رضي اللّه عنها قالت: لا تدخل المرأة على زوجها
في أقلّ من عشر سنين.
قالت عائشة: وأدخلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأن بنت تسع سنين.
في أصناف النساء والرجال الأصمعيّ قال: أخبرنا شيخٌ من بني العنبر قال: كان يقال:
النساء ثلاث: فهينّةٌ ليّنةٌ عفيفة مسلمة تعين أهلها على العيش ولا تعين العيش على
أهلها، وأخرى وعاءٌ للولد، وأخرى"غلٌ قملٌ" يضعه اللّه في عنق من يشاء
ويفكّه عمن يشاء. والرجال ثلاثة: فهينٌ ليّنٌ عفيفٌ مسلمٌ، يصدر الأمور مصادرها،
ويوردها مواردها، وآخر ينتهي إلى رأي ذي اللّبّ والمقدرة فيأخذ بأمره، وينتهي إلى
قوله، وآخر حائرٌ بائرٌ، لا يأتمر لرشدٍ، ولا يطيع مرشداً.
لعلي بن أبي طالب في خير النساء عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عليّ بن أبي طالب عليه
السلام قال: خير نسائكم العفيفة في فرجها، الغلمة لزوجها.
لعروة بن الزبير وعن عروة بن الزّبير قال: ما رفع أحدٌ نفسه بعد الإيمان باللّه
بمثل منكح صدقٍ، ولا وضع نفسه بعد الكفر باللّه بمثل منكح سوء. ثم قال: لعن اللّه
فلانة، ألقت بني فلان بيضاً طوالاً فقلبتهم سوداً قصاراً.
لبعض الشعراء قال بعض شعراء بني أسد:
وأوّل خبث الماء خبث ترابـه |
|
وأوّل خبث القوم خبث المناكح |
لابن زبير، ثم لعمر قال الأصمعيّ: قال ابن
زبير: لا يمنعكم من تزوّج امرأةٍ قصيرةٍ قصرها، فإنّ الطويلة تلد القصير والقصيرة
تلد الطويل؛ وإياكم والمذكّرة فإنها لا تنجب.
أبو عمرو بن العلاء قال: قال رجل: لا أتزوّج امرأةً حتى أنظر إلى ولدي منها. قيل
له: كيف ذاك? قال: أنظر إلى أبيها وأمهّا فإنها تجرّ بأحدهما.
عن ابن ملكية أنّ عمر قال: يا بني السائب، إنكم قد أضويتم فانكحوا في النزائع.
في أنواع النساء
الأصمعيّ قال: قال رجل: بنات العمّ أصبر، والغرائب أنجب، وما ضرب رؤوس الأبطال
كابن أعجميّة.
عن أوفى بن دلهم أنه كان يقول: النساء أربع، فمنهنّ معمع لها شيئها أجمع، ومنهن
تبع تضرّ ولا تنفع، ومنهنّ صدع تفرّق ولا تجمع، ومنهن غيث همع إذا وقع ببلد أمرع.
قال الأصمعيّ: فذكرت بعض هذا الحديث لأبي عوانة فقال: كان عبد اللّه بن عمير يزيد
فيه: ومنهن القرثع: وهي التي تلبس درعها مقلوباً، وتكحل إحدى عينيها وتدع الأخرى.
لعمر بن الخطاب في ثلاث دواهي عن عليّ بن يزيد قال: قال عمر بن الخطاب رضي اللّه
عنه: ثلاث من الفواقر: جار مقامةٍ، أن رأى حسنةً سترها، وإن رأى سيئةً أذاعها؛
وامرأةٌ إن دخلت لسنتك، وإن غبت عنها لم تأمنها؛ وسلطانٌ إن أحسنت لم يحمدك، وإن
أسأت قتلك.
الزبرقان في أحب كنائنه وأبغضهم إليه الأصمعيّ قال: حدّثنا جميع بن أبي غاضرة -
وكان شيخاً مسناً من أهل البادية من ولد الزّبرقان بن بدر من قبل النساء - قال:
كان الزبرقان يقول: أحبّ كنائني إليّ الذليلة في نفسها، العزيزة في رهطها، البرزة
الحييّة التي في بطنها غلام ويتبعها غلام. وأبغض كنائني إليّ الطّلعة الخبأة، التي
تمشي الدّفقّى وتجلس الهبنقعة، الذليلة في رهطها، العزيزة في نفسها، التي في بطنها
جارية وتتبعها جاريةٌ.
لخالد بن صفوان بلغني عن خالد بن صفوان أنه قال: من تزوجّ امرأةً فليتزوّجها
عزيزةً في قومها، ذليلةً في نفسها، أدّبها الغنى وأذّلها الفقر. حصاناً من جارها،
ماجنةً على زوجها.
الفرزدق يصف النساء وقال الفرزدق يصف النساء:
يأنسن عند بعولهنّ إذا خلوا |
|
وإذا هم خرجوا فهنّ خفار |
لخالد بن صفوان يطلب امرأة، ولآخرين وقال
خالد بن صفوان "الدلال": أطلب لي بكراً كثيّب أو ثيباً كبكر، لا ضرعاً
صغيراً ولا عجوزاً كبيرة "لم تقر فتحنن ولم تفت فتمحن"، قد عاشت في نعمة
وأدركتها حاجةٌ، فخلق النعمة معها وذلّ الحاجة فيها، حسبي من جمالها أن تكون ضخمةً
من بعيد، مليحةً من قريب، وحسبي من حسبها أن تكون واسطةً في قومها، ترضى مني
بالسنّة، إن عشت أكرمتها وإن متّ ورّثتها.
وقال رجل لصاحب له: ابغني امرأةً بيضاء البياض، سوداء السواد، طويلة الطول، قصيرة
القصر. يريد: كلّ شيء منها أبيض فهو شديد البياض، وكل شيء منها أسود فهو شديد
السواد، وكذلك الطول والقصر.
وقال آخر: ابغني امرأةً لا تؤهل داراً "أي لا تجعل دارها آهلة بدخول الناس
عليها"، ولا نؤنس جاراً "أي لا تؤنس الجيران بدخولها عليهم"، ولا
تنفث ناراً "أي لا تنم وتغري بين الناس" قال الأصمعيّ: قال أعرابيّ لابن
عمّه: اطلب لي امرأة بيضاء، مديدةً فرعاء. جعدةً، تقوم فلا تصيب قميصهامنها إلا
مشاشة منكبيها، وحلمتي ثديها ورانفتي أليتيها ورضاف ركبتيها، إذا استلقت فرميت
تحتها بالأترجّة العظيمة نفذت من الجانب الآخر. فقال له ابن عمه: وأنّى بمثل هذه
إلا في الجنان!.
ونحو قوله في الأترجّة قوم أمّ زرعٍ: خرج أبو زرعٍ والأوطاب تمخض، فلقي امرأةً
معها ولدان لها كالفهدين يلعبان تحت خصرها برمّانتين فطلّقني ونكحها.
في اختيار الجواري وقال آخر: ابغني امرأةً شقّاء مقّاء، طويلة الإلقاء، منهوسة
الفخذين، نافحة الصّقلين.
شعر لابن الأعرابي أنشد ابن الأعرابيّ:
إذا كنت تبغي أيّمـاً بـجـهـالة |
|
من الناس فانظر من أبوها وخالها |
فإنهما منها كما هي مـنـهـمـا |
|
كقدّك نعلا إن أريد مـثـالـهـا |
فإن الذي ترجو من المال عندهـا |
|
سيأتي عليه شؤمها وخبـالـهـا |
في البكر والثيب وكان يقال: البكر كالذّرة تطحنها وتعجنها وتخبزها، والثّيب عجالة راكبٍ تمرٌ وسويقٌ. لابن الأعرابي في تطليق زياد لزوجته وقال ابن الأعرابيّ: طلقّ زيادٌ امرأته حين وجدها لثغاء، وقال: أخاف أن يجيء ولدي ألثغ، وقال:
لثغاء تأتي بحيفـسٍ ألـثـغ |
|
تميس في الموشيّ والمصبّغ |
أقوالهم في المرأة ويقال: المرأة غلٌّ
فانظر ماذا تضع في عنقك؛ وهو من قول ابن المقفّع: الدّين رقٌّ فانظر عند من تضع
نفسك.
أنشد ابن الأعرابيّ:
أحبّ الخلاويّ النزيه من الـهـوى |
|
وأكره أن أسقى على عطشٍ فضلا |
يقول: أكره المرأة التي أكثرت الأزواج وإن كنت مضطراً إليها.
خالد الحذاء وامرأة خطبها وعن خالد الحذّاء قال: خطبت امرأةً من بني أسد فجئت
لأنظر إليها وبيني وبينها رواقٌ يشفّ، فدعت بجفنةٍ مملوءة ثريداً مكلّلة باللحم
فأتت على آخرها، وأتت بإناء مملوءٍ لبناً أو نبيذاً فشربته حتى كفأته على وجهها،
ثم قالت: يا جارية ارفعي السّجف؛ فإذا هي جالسةٌ على جلد أسدٍ وإذا شابةٌ جميلةٌ،
فقالت: يا عبد اللّه: أنا أسدة من بني أسد على جلد أسد وهذا مطعمي ومشربي، فإن
أحببت أن تتقدّم فافعل، فقلت: أستخير اللّه وأنظر. فخرجت ولم أعد.
للنبي صلى اللّه عليه وسلم وعن أنس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأمّ
سليم تنظر إلى امرأة فقال:"شمّي عوارضها وانظري إلى عقبها".
شعر للنابغة وقال النابغة:
ليست من السّود أعقاباً إذا انصرفت |
|
ولا تبيع بجنبي نخـلة الـبـرمـا |
وقال الأصمعيّ: إذا اسودّ عقب المرأة
اسودّ سائرها.
رد علي بن الحسين على عبد الملك في جارية تزوجها تزوّج عليّ بن الحسين أمّ ولدٍ
لبعض الأنصار، فلامه عبد الملك في ذلك، فكتب إليه: إن اللّه قد رفع باالإسلام
الخسيسة وأتمّ النقيصة، وأكرم به من اللؤم فلا عار على مسلم، هذا رسول اللّه صلى
اللّه عليه وسلم قد تزوّج أمته وامرأة عبده. فقال عبد الملك:إن عليّ بن الحسين
يتشرّف من حيث يتّضع الناس.
للأصمعي في رغبة الناس بالسراري الأصمعيّ قال: كان أهل المدينة يكرهون اتّخاذ
أمهات الأولاد حتى نشأ فيهم عليّ بن الحسين والقاسم بن محمد"بن أبي
بكر"، وسالم بن عبد اللّه"بن عمر"، ففاقوا أهل المدينة فقهاً
وورعاً فرغب الناس في السّراري.
لمسلمة بن عبد الملك وقال مسلمة بن عبد الملك: عجبنا من رجل أخفى شعره ثم أعفاه،
أو قصّر شاربه ثم أطاله، أو كان صاحب سراريّ فاتّخذ المهيرات.
شعر لمديني قال رجلٌ من أهل المدينة:
لا تشتمنّ امرأً في أن تكون له |
|
أمّ من الروم أو سوداء عجماء |
فإنما أمّهات الـنـاس أوعـيةٌ |
|
مستودعات وللأحساب آبـاء |
وربّ واضحةٍ ليست بمنجـبةٍ |
|
وربما أنجبت للفحل سـوداء |
لرجل شاور حكيماً في التزوّج بلغني أن رجلاً شاور حكيماً في التّزوّج فقال له: افعل، وإيّاك والجمال الفائق، فإنه مرعىً أنيق. فقال: ما نهتني إلا عما أطلب. فقال: أما سمعت قول القائل:
ولن تصادف مرعىً ممرعاً أبدا |
|
إلا وجدت به آثار منـتـجـع |
عمر
بن الوليد والوليد بن يزيد وقال عمر بن الوليد للوليد بن يزيد: إنك لمعجب بالإماء.
قال: وكيف لا أعجب بهنّ وهنّ يأتين بمثلك.
لأبي الدرداء في خير النساء وشرهنّ ويروى عن أبي الدّرداء أنه قال: خير نسائكم
التي تدخل قيساً وتخرج ميساً وتملأ بيتها أقطاً وحيساً، وشرّ نسائكم السّلفعة،
التي تسمع لأضراسها قعقعة، ولا تزال جارتها مفزّعة. وقد فسرت هذا في كتاب غريب
الحديث.
بين معاوية وعقيل بن أبي طالب في أشهى النساء وأسوأهن وقال معاوية لعقيل بن أبي
طالب: أيّ النساء أشهى? قال: المؤاتية لما تهوى. قال: فأيّ النساء أسوأ? قال:
المجانية لما ترضى. قال معاوية: هذا واللّه النّقد العاجل. قال عقيل: بالميزان
العادل.
الأكفاء من الرجال
للنبي
صلى اللّه عليه وسلم عن أبي هريرة قال: قال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم:"إذا
جاءكم من ترضون خلقه وخلقه فزوّجوه إنكم إلا تفعلوه تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ
عريض.
وعن الحسن عن سمرة عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال:"الحسب المال والكرم
التقوى".
وعن أنسٍ قال: قالت أمّ حبيبة: يا رسول اللّه، المرأة منّا يكون لها الزوجان في
الدنيا فتموت فلأيّهما تكون في الآخرة? قال:"لأحسنهما"خلقاً" يا
أمّ حبيبة، ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة".
عن عطيّة بن قيس قال: خطب معاوية أمّ الدّرداء فقالت: قال أبو الدّرداء: قال رسول
اللّه صلى اللّه عليه وسلم:"المرأة لآخر زوجيها" فلست بمتزوّجة بعد أبي
الدرداء حتى أتزوّجه في الجنة إن شاء اللّه تعالى.
ويقال: إنما حرم أزواج النبيّ صلى اللّه عليه وسلم على من بعده لأنّهنّ أزواجه في
الجنّة.
لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه
عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: لا تكرهوا فتياتكم
على الرجل القبيح فإنّهنّ يحببن ما تحبّون.
لابنة الخُسّ ابن الأعرابيّ قال: قيل لابنة الخُسّ: ألا تتزوّجين? فقالت: بلى، لا
أريده أخا فلان ولا ابن فلان ولا الظريف المتظرّف ولا السمين الألحم، ولكن أريده
كسوباً إذا غدا، ضحوكاً إذا أتى.
بينها وبين أبيها وكان أبوها قد كفّ بصره فقال: ما بال ناقتك? قالت: عينها هاجّ
وملؤها راجّ وتمشي وتفاجّ؛ فقال: يا بنيّة عقليها. فعقلتها؛ فقال: ما صنعت حتى
اضطرمت.
لأعرابي في كفاية الزوج قيل لعرابيّ: فلانٌ يخطب فلانة. قال: أموسر من عقلٍ ودينٍ?
قالوا: نعم. قال: فزوّجوه.
عن عيسى بن عمر قال: قال رجل لأعرابيّ: أمنكحي أنت? قال: لا. قال: ولم? قال: لأنك
أصبح اللّحية.
عقيل بن علفة وعبد الملك بن مروان وكان عقيل بن عّلفة غيوراً، فخطب إليه عبد الملك
بن مروان ابنته على حد بنيه، وكانت لعقيل إليه حوائج، فقال له: إن كنت لا بدّ
فاعلاً فجنّبني هجناءك.
وله مع إبراهيم بن هشام وخطب إليه إبراهيم بن هشام بن إسماعيل- وكان"إبراهيم
بن" هشام ولي المدينة وخال هشام بن عبد الملك- فردّه لأنه كان أبيض شديد
البياض، فقال:
رددت صحيفة لقرشيّ لمّا |
|
بت عرقه إلاّ احمـرارا |
يعني العجم يسمّون الحمراء.
بين عبد الملك بن مروان وقرشية بن الأعرابي قال: قال عبد الملك بن مروان لامرأةٍ
من قريشٍ تزّوجت رجلاً مغموصاً عليه: أتنكح الحرّة عبدها? فقالت: يا أمير المؤمنين
إنّ المهور تنكح الأيامـي |
|
النّسوة الأرامل اليتامـى |
المرء لا تبغي له سلاماً |
|
|
لابن الأعربي وقال ابن الأعرابي: خطب رجلٌ إلى رجلٍ فلم يرضه فأنشأ يقول:
قل للذين سعوا يبغون رخصتهـا |
|
ما رخّص الجوع عندي أمّ كلثوم |
الموت خير لها من بعل منقصةٍ |
|
ساقت إليه أباهـا جـلّةٌ كـوم |
عمر الخير وكان عمر الخير نكّاحاً
"فكن" في عام سنةٍ يقول: لعل الضيفة تحملهم على أن ينكحوا غير الاكفاء.
بين المساور والمرّار وقال المساور للمرّار:
ما سرني أن أمي من بني أسدٍ |
|
وأن ربّي ينجيني من النـار |
وأنهم زوّجوني من بناتـهـم |
|
وأن لي كل يومٍ ألف دينـار |
فأجابه المرار:
فلست للأم من عبسٍ ومن أسدٍ |
|
وإنما أنت دينار ابـن دينـار |
وإن تكن أنت من عبس وأمهم |
|
فإن أمكم من جارة الـجـار |
دينار ابن دينار: عبد ابن عبد. وجارة
لجار: الاست. والجار: الفرج.
لأعرابي في امراة دلته على زوجة وقال بعض الاعراب:
أقول لها لما أتتني تـدلّـنـي |
|
على امرأةٍ موصوفةٍ بجمـال |
أصبت لها ولله بعلاً كما اشتهت |
|
إن اغتفرت مني ثلاث خصال |
فمنهن فسقٌ لا يبـارى ولـيده |
|
ورقّة إسـلامٍ وقـلّة مــال |
بين ابن هبيرة ورجل وقال رجل لابن هبيرة:
أنا ابن الذي خطب إلى معاوية؛ فقال ابن هبيرة: أفزوّجه? قال: لا؛ فقال ما صنعت
شيئاً.
لشيخ في رجل من بني كلاب خطب امرأة أبو الحسن المدائني قال: خطب رجل من بني كلاب
امرأة، فقالت له أمها: حتى أسأل عنك. فانصرف فسأل عن أكرم الحيّ عليها، فدلّ على
شيخ فيهم كان يحسن المحضر في الأمر يسأل عنه، فسأله أن يحسن عليه الثناء وانتسب له
فعرفه؛ ثم إن العجوز شمرت فسألته عنه فقال: أنا ربيته، قالت: كيف لسانه? قال: مدرة
قومه وخطيبهم. قالت: كيف شجاعته? قال: حامي قومهم وكهفهم. قالت: فكيف سماحته? قال:
ثمال قومه وربيعهم. فأقبل الفتى فقال الشيخ: ما أحسن والله ما أقبل! ما انثنى ولا
انحنى. فدنا الفتى فقال الشيخ: ما أحسن والله ما سلّم! ما جار ولا خار. ثم جلس،
فقال: ما أحسن والله ما جلس! ما دنا ولا ثنى. فذهب الفتى ليتحرك فضرط، فقال الشيخ:
ما أحسن والله ما ضرط! ما أغنها ولا أطنها. ولا بربرها ولا فرفرها. فنهض الفتى
خجلاً فقال: ما أحسن والله ما نهض! ما انفتل ولا انخزل. فأسرع الفتى، فقال: ما
أحسن والله ما خطا! ما ازور ولا اقطوطى. قالت العجوز: وجّه إليه من يرده لو سلح
لزوّجناه.
خالد بن صفوان يخطب امرأة
خطب خالد بن صفوان امرأة فقال: أنا خالد بن صفوان؛ والحسب على ما قد علمتيه، وكثرة
المال على ما قد بلغك، وفيّ خصال سأبينها لك فتقدمين عليّ و تدعين. قالت: وما هي?
قال: إن الحرة إذا دنت مني أملتني، وإذا تباعدت عني أعلتني، ولا سبيل إلى درهمي
وديناري، ويأتي عليّ ساعةٌ من الملال لو أن رأسي في يدي نبذته. فقالت: قد فهمنا
مقالتك ووعينا ما ذكرت، وفيك بحمد الله خصالٌ لا نرضاها لبنات إبليس، فانصرف رحمك
الله.
لبعض الشعراء قال بعض الشعراء:
ألا يا ليل إن خيّرت فـينـا |
|
بعيشك فانظري أين الخيار |
فلا تستنكحي قدما غـبـيا |
|
له ثارٌ وليس علـيه ثـار |
وقال آخر لامرأته:
فإما هلكت فلا تنكحـي |
|
ظلوم العشيرة حسّادهـا |
يرى مجده ثلب أعراضها |
|
لديه ويبغض من سادها |
وقال آخر:
فلا تنكحي إن فرّق الدهر بيننا |
|
أغمّ القفا والوجه ليس بأنزعـا |
من القوم ذا لونين وسّع بطنـه |
|
ولكن أذيّا حلمه ما توسّـعـا |
ضروباً بلحييه على عظم زوره |
|
إذا لقوم هشّوا للفعال تقنـعـا |
لإبراهيم بن النعمان وقد زوّج ابنته لمولى عثمان بن عفان زوّج إبراهيم بن النعمان بن بشير يحيى بن "أبي" حفصة مولى عثمان بن عفان ابنته على عشرين ألف درهم، فعيّر فقال:
فما تركت عشرون ألفـاً لـقـائل |
|
مقالاً فلا تحـفـل مـقـالة لائم |
فإن أك قد زوّجت مولى فقد مضت |
|
به سنةٌ قبلـي وحـبّ الـدراهـم |
ويحيى هذا جدّ مروان الشاعر، وكان يهودياً فأسلم على يد عثمان. وتزوج أيضاً خولة بنت مقاتل بن طلبة بن قيس بن عاصم سيّد أهل الوبر. فقال القلاخ:
نبئت خولة قالت حين أنـكـحـهـا |
|
لظالماً كنت منك العار أنـتـظـر |
أنكحت عبدين ترجو فضل مالهمـا |
|
في فيك مما رجوت الترب والحجر |
للّـه درّ جـيادٍ أنـت سـائسـهـا |
|
برذنتها وبها التحجـيل والـغـرر |
بين
ابن عباس ورجل خطب يتيمة له خطب رجلٌ إلى ابن عباس يتيمةً له؛ فقال ابن عباس: لا
أرضاها لك. قال: ولم، وفي حجرك نشأت? قال: لأنها تتشرف وتنظر. قال: وما هذا! فقال
ابن عباس: الآن لا أرضاك لها.
زياد وسعيد بن العاص كتب زيادٌ إلى سعيد بن العاص يخطب إليه أمّ عثمان بنت سعيد
وبعث إليه بمالٍ كثير؛ فلما قرأ الكتاب أمر حاجبه بقبض المال والهدايا، فلم قبضه
أمره بقسمه بين جلسائه. فقال الحاجب: إنه أكثر من ذلك. فقال: أنا أكثر منها. ففعل؛
ثم كتب إلى زيدٍ: بسم اللّه الرحمن الرحيم. أما بعد، فإنّ الإنسان ليطغى ن رآه
استغنى.
بين لقيط بن زرارة وقيس بن خالد خطب لقيط بن زرارة إلى قيس بن خالد ذي الجدّين
الشّيبانيّ؛ فقال له قيس: ومن أنت? قال: لقيط بن زرارة. قال: وما حملك أن تخطب
إليّ علانيةً? فقال: لأنّي عرفت أنّي إن عالنتك لم أفضحك وإن ساررتك لم أخدعك.
فقل: كفء كريم، لا تبيت واللّه عندي عزباً ولا غريباً.
فزوّجه ابنته وساق عنه.
للحسن في الزوج قال رجل للحسن: إن لي بنيّة وإنها تخطب، فممّن أزوّجه? فقال:
زوّجها ممن يتقي اللّه، فإن أحبّها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها.
أمّ أبان وخطّابها قال أبو اليقظان: خطب عمر بن الخطّاب أمّ أبان بنت عتبة بن
ربيعة بعد أن مات عنها يزيد بن أبي سفيان، فقالت: لا يدخل إلا عابساً ولا يخرج إلا
عابساً، يغلق أبوابه ويقلّ خيره. ثم خطبها الزّبير، فقالت: يدٌ له على قروني ويدٌ
له في السّوط. وخطبها عليّ، فقالت: ليس للنساء منه حظّ إلا أن يقعد بين شعبهن
الأربع لا يصبن منه غيره. وخطبها طلحة فأجابت فتزوّجها؛ فدخل عليها عليّ بن أبي
طالب فقال لها: رددت من رددت منّا وتزوّجت ابن بنت الحضرميّ! فقالت: القضاء
والقدر. فقال: أما إنك تزوّجت أجملنا مرآةً وأجودنا كفّاً وأكثرنا خيراً على أهله.
الحضّ على النكاح وذمّ التبتّل
للنبي
صلى اللّه عليه وسلم في الحض على النكاح عن عكّاف بن وداعة الهلاليّ: أنّ النبيّ
صلى اللّه عليه وسلم قال له: "يا عكّاف ألك امرأة?" قال: لا. قال:
"فأنت إذاً من إخوان الشياطين إن كنت من رهبان النصارى فالحق بهم وإن كنت
منّا فمن سنّتنا النكاح".
عن طاوس أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "لا زمام ولا خزام ولا
رهبانيّة في الإسلام ولا تبّتل ولا سياحة في الإسلام".
طاوس لإبراهيم بن ميسرة عن إبراهيم بن ميسرة قال: قال لي طاوس: لتنكحنّ أو لأقولنّ
لك ما قال عمر لأبي الزوائد. ما يمنعك من النكاح إلا عجزٌ أو فجور.
علقمة لامرأته عن إبراهيم قال: قال علقمة لامرأته: خذي أحسن زينتك ثم اجلسي عند
رأسي، لعلّ اللّه أن يرزقك من بعض عوّادي خيراً.
وفي بعض الأخبار: أربعٌ من سنن المرسلين: التّعطّر، والنّكاح، والسّواك، والختان.
باب الحسن والجمال
بين
الرسول صلى اللّه عليه وسلم وعائشة رضي اللّه عنها عن عائشة رضي اللّه عنها قالت:
خطب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم امرأة من كلبٍ، فبعثني أنظر إليها؛ فقال لي:
"كيف رأيت"? فقلت: ما رأيت طائلاً؛ فقال: "لقد رأيت خالاً بخدّها
اقشعرّ كل شعرةٍ منك على حدةٍ". فقالت: ما دونك سرّ.
بين أبي الأسود الدؤلي وعبيد اللّه بن زياد القحذميّ:ّ قال: دخل أبو الأسود على
عبيد اللّه بن زياد فقال: أصبحت جميلاً، فلو تعلّقت معاذةً فظنّ أنه يهزأ به فقال:
أفني الشباب الذي أبليت جدّته |
|
مرّ الجديدين من آتٍ ونطلق |
لم يبقيا لي في طول اختلافهما |
|
شيئاً يخاف عليه لذعة الحدق |
قتادة بن ملحان وحيان بن عمير عن حيّان بن
عمير قال: دخلت على قتادة بن ملحان، فمرّ رجل في أقصى الدار فرأيته في وجه قتادة،
فقال: إنّ النبي صلى اللّه عليه وسلم مسح وجهه.
لعون بن عبد اللّه عن عون بن عبد للّه قال: كان يقال: من كان في صورةٍ حسنةٍ ونصب
لا يشينه ووسّع عليه في الرزق، كان من خالصة اللّه.
أبيات في الحسن والجمال وقال الحكم بن قنبر:
ليس فيها ما يقال لـه |
|
كملت لو أنّ ذا كملا |
كلّ جزءٍ من ملاحتها |
|
كائنٌ من حسنها مثلا |
لو تمنّت في متاعتها |
|
لم ترد من نفسها بدلا |
وقال بعض المحدثين:
فلما رأوك العاذلون حججتهم |
|
بحسنك حتّى كلّهم لي غادر |
وقال أيضاً:
تحيّر من حسنه فهمـه |
|
وتاه وحقّ له أن يتيها |
رأى غيره ورأى نفسه |
|
فلم ير فيه لشيءٍ شبيها |
وقال الأعشي في وصف امرأة:
فأفضيت منها إلى جنّةٍ |
|
تدلّت عليّ بأثمارهـا |
لعائشة رضي اللّه عنها فيمن يؤم القوم عن
عائشة رضي اللّه عنها قالت: يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب اللّه، فإن كانوا في القراءة
سواءً فأصبحهم وجهاً.
لجميل بن معمر في حسن مصعب وقال جميل بن معمر: ما رأيت مصعباً يختال بالبلاط إلا
غرت على بثينة، وبينهما ثلاثة أيّام.
مصعب بن الزبير والشعبي عن الشّعبيّ قال: دخلت المسجد باكراً، وإذا بمصعب بن
الزّبير والناس حوله، فلما أردت الإنصراف قال لي: أدن. فدنوت منه حتى وضعت يدي على
مرفقته؛ فقال: إذا أنا قمت فاتبعني؛ وجلس قليلاً، ثم نهض فتوجّه نحو دار موسى بن
طلحة فتتبّعته؛ فلما أمعن في الدار التفت إليّ وقال: أدخل. فدخلت"معه ومضى
نحو حجرته وتبعته، فالتفت إليّ فقال: أدخل، فدخلت معه" فإذا حجلةٌ، فطرحت لي
وسادةٌ فجلست عليها، ورفع سجف القبّة، فإذا أجمل وجهٍ رأيته قطّ؛ فقال: يا شعبيّ،
هل تعرف هذه? قلت: نعم، هذه سيّدة نساء العالمين عائشة بنت طلحة؛ فقال: هذه ليلى،
ثم تمثّل:
وما زلت من ليلى لدن طرّ شاربي |
|
إلى اليوم أخفي إحـنةً وأداجـن |
وأحمل في ليلى قـومٍ ضـغـينةً |
|
وتحمل في ليلى عليّ الضغـائن |
ثم قال: إذا شئت يا شعبيّ
"فقم". فخرجت؛ "فلما كن العشيّ رحت" إلى المسجد فإذا مصعبٌ
بمكانه؛ فقال لي: ادن. فدنوت؛ فقال لي: هل رأيت مثل ذلك لإنسانٍ "قطّ"?
قلت: لا؛ قال: أتدري دخلناك? قلت: لا؛ قال: لتحدّث بما رأيت. ثم التفت إلى
"عبد اللّه بن" أبي فروة فقال: أعطه عشرة آلاف درهم وثلاثين ثوباً.فما
انصرف "يومئذٍ" أحدٌ بمثل ما انصرفت به: بعشرة آلاف"درهم"،
وبمثل كارة القصّار، ونظري إلى عائشة.
لأبي الغصن الأعرابي
أبو الغصن الأعرابيّ قال: خرجت حاجّاً، فلمّا بقباء تداعى أهله وقالوا: الصّقيل
الصّقيل! فنظرت وإذا جارية كأنّ وجهها سيفٌ صقيلٌ، فلمّا رميناها بالحدق ألقت
البرقع على وجهها، فقلنا: إنّا سفرٌ وفينا أجرٌ، فأمتعينا بوجهك؛ فانصاعت وأنا
أعرف الضّحك في وجهها وهي تقول:
وكنت متى أرسلت طرفك رائداً |
|
لقلبك يوماً أتعبتك المنـاظـر |
رأيت الذي لا كلّه أنـت قـادرٌ |
|
عليه ولا عن بعضه أنت صابر |
بين فتاة حسناء وعمتها ومرّ رجلٌ بناحية البادية فإذا فتاة كأحسن ما تكون؛ فوقف ينظر إليها، فقالت له عجوز من ناحية: ما يقيمك على الغزال النّجدي ولا حظّ لك فيه? فقالت الجارية: يا عمتاه، يظنّ كما قال ذو الرّمّة:
وإن لم يكن إلاّ تعلّل ساعةٍ |
|
قليلاً فإنّي نافع لي قليلها |
وقال بعض المحدثين:
الخال يقبح بالفتى فـي خـدّه |
|
والخال في خدّ الفتاة مـلـيح |
والشّيب يحسن بالفتى في رأسه |
|
والشيب في رأس الفتاة قبـيح |
وقال جعفر بن محمد: الجمال مرحومٌ: بين
شريح ورجل رأى رجلٌ شريحاً يجول في بعض الطّرق فقال: ما غدا بك? فقال: عسيت أن
أنظر إلى صورة حسنة.
بين خالد بن صفوان وامرأة قالت امرأة خالد بن صفوان له يوماً: ما أجملك! قال: ما
تقولين ذاك وما لي عمود الجمال، ولا عليّ رداؤه ولا برنسه. قالت: ما عمود الجمال
وما رداؤه وما برنسه? قال: أما عمود الجمال فطول القوام وفي قصرٌ؛ وأمّا رداؤه
فالبياض ولست بأبيض؛ وأما برنسه فسواد الشعر وأنا أصلع. ولكن لو قلت: ما أحلاك وما
أملحك، كان أولى.
لأبي اليقظان في جيش ابن الأشعب أبو اليقظان قال: كان يسمّي جيش ابن الأشعب جيش
الطواويس، لكثرة من كان فيه من الفتيان المنعوتين بالجمال.
عمر بن الخطاب ومعقل بن سنان قال: وقال أبو اليقظان: سمع عمر بن الخطاب قائلاً
بالمدينة يقول:
أعوذ بربّ الناس من شرّ معقلٍ |
|
إذا معقلٌ راح البقيع مرجّـلا |
يعني معقل بن سنان الأشجعيّ، وكان قدم
المدينة؛ فقال له عمر: إلحق بباديتك.
في جمال نصر بن حجاج البهزيّ وسمع امرأةً ذات ليلة تقول:
ألا سبيل إلى خمرٍ فأشـربـهـا |
|
أم هل سبيلٌ إلى نصر بن حجّاج |
وهذا نصر بن حجّاج بن علاط البهزيّ، وكان من أجمل الناس، فدعا به عمر فسيره إلى البصرة - فأتى مجاشع بن مسعود السّلميّ فدخل عليه يوماً وعنده امرأته شميلة وكان مجاشع أميّاً، فكتب نصر على الأرض: أحبّك حبّاً لو كان فوقك لأظلك أوتحتك لأقلّك. فكتبت هي وأنا واللّه كذلك. فكبّ مجاشعٌ على الكتابة إناءً ثم أدخل كاتباً فقرأه، فأخرج نصراً وطلّقها - فقال نصر بن حجّاج:
وما لي ذنبٌ غير ظنّ ظننـتـه |
|
وفي بعض تصديق الظنون أثام |
لعمري إن سيّرتني أو حرمتني |
|
وما نلت ذنبـاً إنّ ذا لـحـرام |
أأن غنّت الذّلفاء ليلاً بـمـنـيةٍ |
|
وبعض أمانيّ النسـاء غـرام |
ظننت بي الظنّ الذي ليس بعده |
|
بقاءٌ وما لي في النّـديّ كـلام |
فأصبحت منفيّاً على غـير ريبةٍ |
|
وقد كان لي بالمكّتين مـقـام |
ويمنعني ممّا تمنّت تكـرّمـي |
|
وآباء صدقً سالـفـون كـرام |
ويمنعها ممّا تمنّـت حـياؤهـا |
|
وحالٌ لها مع عـفّةٍ وصـيام |
وهاتان حالانا فهل أنت راجعي |
|
وقد خفّ منّي كاهلٌ وسـنـام |
وأنا أحسب هذا الشعر مصنوعاً: شعر للقيط بن زرارة، ولغيره قال لقيط بن زرارة:
أضاءت لهم أحسابهم ووجوههـم |
|
دجى الليل حتى نظّم الجزع ثاقبه |
قال أبو الطّمحان القيني:
يكاد الغمام الغرّ يرعد أن رأى |
|
وجوه بني لأمٍ وينهل بارقـه |
وقال آخر:
وجوهٌ لو أنّ المعتفين اعتشوا بـهـا |
|
صدعن الدّجى حتى ترى الليل ينجلي |
لعمر بن الخطاب، ثم لعلي بن أبي طالب قال
عمر بن الخطاب "رضي اللّه عنه": إنّا سمعنا بكم شعرنا أحسنكم وجوهاً،
وإذا اختبرناكم كانت الخبرة أولى بكم.
قال عليّ بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه: خصصنا بخمس: بصباحة، وفصاحة، وسماحة،
ورجاحة، وحظوة"يعني"عند" النساء". وسئل عن أميّة فقال: هم
أغدر وأفجر وأمكر؛ ونحن أفصح وأصبح وأسمح.
لامرأة في الزبير وعليّ ومصعب رأت امرأة الزبير فقالت: من هذا الذي هو أرقم
يتلمّظ? ورأت عليّاً فقالت: من هذا الذي كأنه كسر ثم جبر? ورأت طلحة فقالت: من هذا
الذي كأنه دينارٌ هرقلي? لسكينة بنت الحسين في ابنتها ألبست سكينة بنت الحسين
ابنةً درّاً كثيراً وقالت: واللّه ما ألبستها أيّاه إلاّ لتفضحه.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء يذكر نساءً مع جارية:
أقبلن في رأد الضّحاء بـهـا |
|
وسترن وجه الشمس بالشمس |
ذكر بعض الأعراب امرأةً قال: خلوت بها
والقمر يرينيها، فلمّا غاب أرتينه.
وقال بعض الشعراء:
غلامٌ رماه اللّه بالحـسـن يافـعـاً |
|
له سيمياء لا تشقّ على الـبـصـر |
كأنّ الثّريّا علّقـت فـي جـبـينـه |
|
وفي أنفه الشّعري وفي وجهه القمر |
ولمّا رأى المجد استعـيرت ثـيابـه |
|
تردّى بثوبٍ واسـع الـذّيل وأتـزر |
إذا قيلت العوراء أغضـى كـأنـه |
|
ذليل بلاً ذلّ ولو شاء لانـتـصـر |
بين أعرابي وأمه قال غلامٌ من الأعراب لأمّه:
نشدتك باللّه هل تعلمين |
|
بأنّي طويلٌ وأنّي حسن |
قالت: قبحك اللّه!فكان ماذا! قال:
وأنّي أقمّص بالـدّار عـين |
|
غداة الصّباح وأحمي الظعّن |
قال عمّه: فهلاّ كان ذا قبل! قال الشاعر:
بيضاء تسحب من قيام شعرها |
|
وتغيب فيه وهو جثل أسحـمٌ |
فكأنّها فيه نهـارٌ سـاطـع |
|
وكأنه ليلٌ عليها مـظـلـم |
وقال الطائيّ:
بيضاء تبدو في الظلام فيكتسي |
|
نوراً وتبدو في النهار فيظلـم |
أعرابي يصف امرأة وصف أعرابيّ امرأة فقال:
كاد الغزال يكونها، لولا ما تمّ منها ونقص منه لابن الأعرابي في الحلاوة والجمال
والملاحة قال ابن الأعرابيّ: الحلاوة في العينين، والجمال في الأنف، والملاحة في
الفم.
قال أعرابيّ يصف امرأةً:
خزاعّية الأطراف مرّية الحشا |
|
فزاريّة العينين طائّية الـفـم |
المقنع الكندي كان المقّنع الكندي من أجمل الناس وكان يتقنع لأنه كان متى سفر لقع" أي أصيب بعينٍ" ، وهو القائل:
وفي الظّعائن والأحداج أملح من |
|
حلّ العراق وحلّ الشام واليمنا |
جنيّةٌ من نساء الإنس أحسن من |
|
شمس النهار وبدر الليل لو قرنا |
الحكم بن صخر وجارية الحكم بن صخر الثّقفيّ قال: خرجت حاجّاً مختفياً، فلمّا كنت ببعض الطريق أتتني جاريتان من بني عقيل لم أر أحسن منهما وجوهاً، ولا أظرف ألسنةً ولا أكثر علماً وأدباً، فقصّرت بهما يومي فكسوتهما. ثم حججت من قابلٍ ومعي أهلي، وقد أصابتني علّةٌ فنصل لها خضابي، فلمّا صرت إلى ذلك الموضع فإذا أنا بإحداهما، فدخلت عليّ، فسألت مسألة منكر فقلت: فلانة! قالت: فدىً لك أبي وأمي! تعرفني وأنكرك?! قلت: أنا الحكم بن صخر. قالت: إني رأيتك عاماً أوّل شابّاً سوقةً وأراك العام ماكاً شيخاً، وفي دون هذا ينكر المرء صاحبه. قلت: ما فعلت أختك? قالت: تزوجها ابن عمٍّ لها وخرج بها إلى نجد فذلك حيث يقول:
إذا ما قفلنا نحو نجـدً وأهـلـه |
|
فحسبي من الدّنيا قفولٌ إلى نجد |
فقلت: لو أدركتها لتزوّجتها. فقالت: ما يمنعك من شقيقتها في حسبها، ونظيرتها في جمالها? - تعني نفسها - قلت: يمنعني من ذلك ما قال كثيّر:
إذا وصلتنا خلّةٌ كي تزيلنا |
|
أبينا وقلنا الحاجبيّة أوّل |
فقالت: فكثيّر بيني وبينك، أليس هو القائل:
هل وصل عزّة إلا وصل غانـيةٍ |
|
في وصل غانيةٍ من وصلها خلف |
فسكت عيّاً عن جوابها.
أبو حازم المدني وامرأة حسناء التقاها في موسم الحج قل أبو حازم المدنيّ: بينا أنا
أرمي الجمار رأيت امرأة سافرةً من أحسن الناس وجهاً ترمي الجمار، فقلت: يا أمة
اللّه، أما تتقين اللّه! تسفرين في هذا الموضع فتفتنين الناس! قالت: أنا واللّه يا
شيخ من اللواتي قل فيهنّ الشاعر:
من اللاّء لم يحججن يبغين حسبة |
|
ولكن ليقتلن لبريء المغـفّـلا |
قلت: فإنّي أسأل اللّه ألاّ يعذّب هذا الوجه بالنار.
شعر لأعرابي، ولآخرين قال أعرابيّ:
يا زين من ولدت حوّاء من ولدٍ |
|
لولاك لم تحسن الدنيا ولم تطب |
أنت التي من أراه اللّه صورتها |
|
نال الخلود فلم يهرم ولم يشب |
وقال أعرابيّ:
إذا هنّ أبدين الخدود وحسّرت |
|
ثغورٌ عن الأفواه كي تتبسّما |
أجاد القضاة العادلون قضاءهم |
|
لهنّ بلا وهمٍ وإن كنّ أظلما |
"وقال عروة بن أذينة":
إنّ التي زعمت فؤادك مـلّـهـا |
|
خلقت هواك كما خلقت هوىً لها |
فإذا وجدت لها وساوس سـلـوةٍ |
|
شفع الفؤاد إلى الضمير فسلّهـا |
بيضاء باكرها النعيم فصاغـهـا |
|
بلبـاقةٍ فـأدقّـهـا وأجـلّـهـا |
وقال أعرابيّ يرقص ابناً لـه: |
|
|
يا ربّ ربّ مالكٍ بارك فيه |
|
بارك لـمـن يحـبّـه ويدينـه |
ذكرني لمّا نـظـرت فـي فـيه |
|
أجزع نـورٍ غـربـت أواخـيه |
والوجه لما أشرقـت نـواحـيه |
|
دينـار عـينٍ بـيدٍ تـبـــريه |
لابن شبرمة وقال ابن شبرمة: ما رأيت
لباساً على رجل أزين من فصاحةٍ، ولا رأيت لباساً على امرأةٍ أزين من شحمٍ.
لأعرابي حسن الكدنة قيل لأعرابيّ: إنك لحسن الكدنة فقال: ذلك عنوان نعمة اللّه
عندي.
للحجاج قال الحجّاج: لا يحسن نحر المرأة حتى يعظم ثدياها.
شعر للمرار العدوي وقال المرّار العدويّ:
صلته الخدذ طويلٌ جيدها |
|
ضخمة الثّدي ولمّا ينكسر |
لعلي بن أبي طالب وقال عليّ بن أبي طالب
عليه السلام: لا تحسن المرأة حتى تروي الرضيع، وتدفىء الضّجيع.
بين أسدي وامرأة عن رجل من بني أسدٍ قال: أضللت إبلاً لي، فخرجت في طلبهنّ، فهبطت
وادياً وإذا أنا بفتاةٍ أعشى نور وجهها نور بصري؛ فقالت لي: يا فتى، ما لي أراك
مدلّها? فقلت: أضللت إبلاً لي فأنا في طلبها. قالت: أفأدلّك على من هي عنده وإن
شاء أعطاكها? قلت: نعم ولك أفضلهنّ. قالت: الذي أعطاكهنّ أخذهنّ وإن شاء ردهنّ،
فسله من طريق اليقين لا من طريق الإختبار. فأعجبني ما رأيت من جمالها وحسن كلامها،
فقلت: ألك بعلٌ? قالت: قد كان، ودعي فأجاب فأعيد إلى ما خلق منه. قلت: فما قولك في
بعل تؤمن بوائقه، ولا تذمّ خلائقه? فرفعت رأسها وتنفّست وقالت:
كنّا كغصنين في أصلٍ غذاؤهما |
|
ماء الجداول في روضات جنّات |
فاجتثّ خيرهما من جنب صاحبه |
|
دهرٌ يكرّ بترحاتٍ وفـرحـات |
وكان عاهدني إن خانني زمـنٌ |
|
ألاّ يضاجع أنثى بعد مثـواتـي |
وكنت عاهدته إن خانـه زمـنٌ |
|
ألاّ أبوء ببعل طول محـياتـي |
فلم نزل هكذا والوصل شيمتنـا |
|
حتى توفّي قريباً مذ سـنـيّات |
فاقبض عنانك عمّن ليس يردعه |
|
عن الوفاء خلافٌ بالتـحـيّات |
بين متمّم بن نويرة وعمر بن الخطاب قال
أبو اليقظان: دخل متمّم بن نويرة على عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه فقال له عمر: ما
أرى في أصحابك مثلك! قال: يا أمير المؤمنين، أما واللّه إنّي مع ذلك لأركب الجمل
الثّفال، وأعتقل الرّمحٍ الشّطون، وألبس الشّملة الفلوت. ولقد أسرني بنو تغلب في
حديث، فأطلقوني له بغير فداءٍ.
كان يقال: المنظر محتاجٌ إلى القبول، والحسب محتاجٌ إلى الأدب، والسّرور محتاجٌ
إلى الأمن، والقرابة محتاجة إلى المودّة، والمعرفة محتاجة إلى التّجارب، والشرف
محتاج إلى التّواضع، والنجدة محتاجةٌ إلى الجدّ.
قال الحسن بن وهب:
ما لمن تمّت محـاسـنـه |
|
أن يعادي طرف من نظرا |
لك أن تبدي لنا حـسـنـاً |
|
ولنا أن نعمل البـصـرا |
باب القبح والدّمامة
لأمير
من أمراء العراق في امرأة قبيحة أخبرنا بعض أشياخ البصرة أنّ رجلاً وامرأته اختصما
إلى أمير من أمراء العراق، وكانت المرأة حسنة المنتقب قبيحة المسفر، وكان لها
لسانٌ، فكأن العامل مال معها، فقال: يعمد أحدكم إلى المرأة الكريمة فيتزوّجها ثم
يسيء إليها. فأهوى الزوج فألقى النّقاب عن وجهها، فقال العامل: عليك اللعنة، كلام
مظلوم ووجه ظالم.
لرجل من البصرة تزوج ومنع من الخروج
أبو زيد الكلابيّ: قدم رجلٌ منّا البصرة فتزوّج امرأةً، فلمّا دخل بها وأرخيت
السّتور وأغلقت الأبواب عليه، ضجر الأعرابيّ وطالت ليلته، حتى إذا أصبح وأراد
الخروج منع من ذلك وقيل له: لا ينبغي لك أن تخرج إلا بعد سبعة أيام؛ فقال:
أقول وقد شدّوا عليها حجابـهـا |
|
ألا حبّذا الأرواح والبلد القـفـر |
ألا حبّذا سيفي ورحلي ونمرقـي |
|
ولا حبّذا منها الوشاحان والشّذر |
أتوني بها قبل المحـاق بـلـيلةٍ |
|
فكان محاقاً كلّه ذلك السـهـر |
وما غرّني إلاّ خضابٌ بكفّـهـا |
|
وكحلٌ بعينيها وأثوابها الصّفـر |
تسائلني عن نفسها هل أحبّـهـا |
|
فقلت ألا لا والذي أمره الأمـر |
تفوح رياح المسك والعطر عندها |
|
وأشهد عند اللّه ما ينفع العطـر |
لبعض الشعراء يصف امرأة قبيحة وقال آخر:
أعوذ باللّه مـن زلاّء فـاحـشةٍ |
|
كأنما نيط ثوباها عـلـى عـود |
لا يمسك الحبل حقواها إذا انتطقت |
|
وفي الذّنابي وفي العرقوب تحديد |
أعوذ باللّه من ساقٍ لهـا حـنـبٌ |
|
كأنها من حديد القـين سـفّـود |
وقال أخر:
موتّرة العـلـبـاء الـقـفـا |
|
لها ندبٌ من حكّها غير دارس |
إذا ضحكت حالت غضونٌ كأنها |
|
غباب حرباءٍ تحوّز شـامـس |
كأن وريديها رشـاء مـحـالةٍ |
|
مغاران من جلدٍ من القدّ يابس |
وقال آخر:
يا عجبا والدّهـر ذو تـعـاجـيب |
|
هل يصلح الخلخال في رجل الذّيب |
اليابس الكعب الحديد العـرقـوب |
|
|
لأخر في عجوز تزوّجها وقال آخر:
لهـا جـسـم بـرغـوثٍ وسـاقـا بـعـــوضةٍ |
|
ووجـهٌ كـوجـه الـقـرد بـل هـو أقـبــح |
وتـبـرق عـينـاهـا إذا مــا رأيتـــهـــا |
|
وتعـبـس فـي وجـه الـضّـجـيع وتـكـلـح |
وتفتحلا كانت فماً لو رأيتهتوهّمته باباً من النار يفتح |
|
|
فما ضحكت في الناس إلا ظننتها |
|
أمـامـهـم كـلـبـاً يهـــرّ وينـــبـــح |
إذا عـاين الـشـيطـان صـورة وجـهـهـــا |
|
تعـوّذ مـنـهـا حـين يمـسـي ويصـبـــح |
وقد أعجـبـتـهـا نـفـسـهـافـتـمـلّـحـت |
|
بأيّ جـمـال لـيت شـعـري تـمـــلـــحّ |
لأعرابي في امرأة كالغول رأى أعرابيّ امرأة في شارةٍ وهيئة، فظّن بها جمالاً، فلما سفرت فإذا هي غولٌ؛ فقال:
فأظهرها ربيّ بـمـنّ وقـدرةٍ |
|
عليّ ولولا ذاك متّ من الكرب |
فلمّا بدت سبّحت من قبح وجههـا |
|
قلت لها السّاجور خيرٌ من الكلب |
بين سعيد بن بيان والأخطل كان سعيد بن بيانٍ التغّلبيّ سيدّ بني تغلب، وكانت تحته برّة وكانت من أجمل النساء، فقدم الأخطل الكوفة على بشر بن مروان، فدعاه سعيد بن بيانٍ واحتفل ونجّد بيوته واستجاد طعامه وشرابه، فلما شرب الأخطل جعل ينظر إلى وجه برّة وجمالها، وإلى وجه سعيد وقبحه، فقال له سعيد: يا أبا مالك، أنت رجل تدخل على الخلفاء والملوك فأين ترى هيئتنا من هيئتهم! فقال الأخطل: ما لبيتك عيبٌ غيرك. فقال سعيد: أنا واللّه أحمق منك يا نصرانيّ حين أدخلك منزلي. وطرده فخرج الأخطل وهو يقول:
وكيف يداويني الطبيب من الجوى |
|
وبرّة عند الأعـور ابـن بـيان |
فهلاّ زجرت الطّير إذ جاء خاطباً |
|
بضيقة بين النّجـم والـدّبـران |
عبد بني الحساس يذكر قبحه قال عبد بني الحسحاس يذكر قبحه:
أتيت نساء الحارثيّين غدوةً |
|
بوجهٍ براه اللّه غير جميل |
فشبّهنني كلباً ولست بفوقه |
|
ولا دونه إن كان غير قليل |
بين الأحنف ورجل عابه بقبحه قال رجل
للأحنف: "تسمع بالمعتديّ لا أن تراه"؛ فقال: ما ذممت منّي يابن أخي?
قال: الدّمامة وقصر القامة. قال: لقد عبت عليّ ما لم أؤامر فيه.
قبح الأحنف قال عبد الملك بن عمير: قدم علينا الأحنف الكوفة مع مصعب بن الزّبير،
فما رأيت خصلةً تذمّ إلا وقد رأيتها في الأحنف: كان صعل الرأس، متراكب الأسنان،
أشدق، مائل الذّقن، ناتىء الوجه، غائر العين، خفيف العارض، أحنف الرّجل، ولكنه إذا
تكلّم جلا عن نفسه.
شعر لهبنّقة في قبح محارش أبو اليقظان قال: كان المحارش قبيحاً فقال فيه هبنّقة:
لو كان وجهي مثل وجه محارشٍ |
|
إذاً ما قربت الدّهر باب أمـير |
قال:وأخذ محارش قذاةً عن عبيد اللّه بن
زياد؛ فقال: صرف عنك السّوء؛ فقال جلساؤه: إذاً يصرف عنه وجهه.
سئل مدنيّ عن حلية رجلٍ، فقال: حليته محجمه.
المأمون ومحمد بن الجهم قال المأمون لمحمد بن الجهم: أنشدني يبتاً حسناً أولّك به
كورةً؛ فقال:
قبحت مناظرهم فحين خبرتهم |
|
حسنت مناظرهم لقبح المخبر |
فاستزاده، فأنشده:
أرادوا ليخفوا قبره عـن عـدوّه |
|
فطيب تراب القبر دلّ على القبر |
فولاّه الدّينور وهمذان.
لأعرابي في امرأته قال أعرابيّ في امرأته:
ولا تستطيع الكحل من ضيق عينها |
|
فإن عالجته صار فوق المحاجـر |
وفي حاجبيهـا حـرّةٌ لـغـرارةٍ |
|
فإن حلقا كانـا ثـلاث غـرائر |
وثديان أمّـا واحـدٌ فـكـمـوزةٍ |
|
وآخر فيه قـربةٌ لـمـسـافـر |
بين إسحاق الموصلي وقريبة ابن سيابة وقال
إسحاق الموصليّ: رأت قريبة ابن سيلبة مولى ابن أأسد عندي، فقلت لها: يا أمّ
البهلول كيف ترين هذا? قالت: ما له قبّحه "اللّه" عامّةً??! لو كان داءً
ما بريء منه.
شعر فاتك في سعيد بن مسلم وقال فاتكٌ في سعيد بن سلم:
وإنّ من غاية حرص الفتى |
|
طلابه المعروف في باهله |
كبيرهم وغدٌ ومولـودهـم |
|
تلعنه من قبحه القـابـلة |
الأسعر الجعفي يذكر قوماً قال الأسعر الجعفيّ يهجو قوماً:
زعانف سودٌ كخبث الحدي |
|
يد يكفي الثلاثة شقّ الإزار |
أبو نواس يذكر امرأة وقال أبو نواس يذكر امرأةً:
وقائلةٍ لها في وجه نصحٍ |
|
علام قتلت هذا المستهاما |
فكان جوابها في حسن سرٍّ |
|
أأجمع وجه هذا والحراما |
من أخبار المغيرة بن شعبة كان المغيرة بن
شعبة قبيحاً أعور، فخطب امرأةً، فأبت أن تتزّوجه، فبعث إليها: إن تزوّجتيني ملأت
بيتك خيراً، ورحمك أيراً. فتزوّجت به.
وسئلت عنه امرأةٌ طلّقها فقالت: عسلٌ يمانيةُ في ظرف سوء.
شعر لدعبل، ولغيره أنشدنا دعبل:
بليت بزمّردةٍ كالـعـصـا |
|
ألصّ وأسرق من كنـدش |
لها شعر قـردٍ إذا ازّينـت |
|
ووجه كبيض القطا الأبرش |
كأنّ الثاليل في وجـهـهـا |
|
إذا سفرت بدد الكشـمـش |
وقال أعرابيّ:
جزى اللّه البراقع من ثيابٍ |
|
عن الفتيان شراًّ ما بقينـا |
يوارين الملاح فلا نراهـا |
|
ويزهين القباح فيزّهينـا |
وقال آخر:
رأوه فازدروه وهو حرّ |
|
وينفع أهله الرجل القبيح |
ذو الرمة وميّة كان ذو الرّمّة يشبّب بميّة، وكانت من أجمل النساء ولم تره قطّ، فجعلت للّه عليها بدنةً حين تراه، فلما رأته رأته رجلاً دميماً أسود، فقالت: واسوءتاه! وابؤساه! فقال ذو الرّمة:
على وجه ميٍّ مسحةٌ من ملاحةٍ |
|
وتحت الثياب الشّين لو كان باديا |
ألم تر الماء يخبـث طـعـمـه |
|
وإن كان لون الماء أبيض صافيا |
أعرابية تصف حمدونة بنت الرشيد إسحاق
الموصليّ قال: دخلت أعرابية على حمدونة بنت الرشيد، فلما خرجت سئلت عنها، فقالت:
وما حمدونة! واللّه لقد رأيتها وما رأيت طائلاً، كأنّ بطنها قربة، وكأنّ ثديها
دبةّ، وكأن استها رقعة، وكأن وجهها وجه ديكٍ قد نفش عفريته يقاتل ديكاً.
أعرابي يصف امرأة ذكر أعرابيّ امرأةً حسناء اللفظ قبيحة الوجه، فقال: ترخي ذيلها
على عرقوبي نعامة، وتسدل خمارها على وجه كالجعالة "وهي الخرقة التي تنزل بها
القدر عن النار" شعر لدعبل في كاتب وقال دعبل في كاتبٍ:
تمّت مقـابـح وجـهـه فـكـأنـه |
|
طللٌ تحمّل ساكـنـوه فـأوحـشـا |
لو كان لاستك ضيق صدرك أو لصـد |
|
رك رحب دبرك كنت أكمل من مشى |
لبعض المعلمين كان بعض المعلّمين يقعد
أبناء المياسير والحسان الوجوه في الظلّ، ويقعد الآخرين في الشّمس، ويقول: يا أهل
الجنة، ابزقوا في وجوه أهل النار.
لرجل من أبناء المهاجرين وقال رجل من أبناء المهاجرين: أبناء هذه الأعاجم كأنهم
نقبوا الجنّة وخرجوا منها، وأولادنا كأنهم مساجر التّنانير.
بين أبي المهلهل وميّ
أبو المهلهل الحدائيّ قال: ارتحلت إلى الرمل في طلب ميّ صاحبة ذي الرّمّة، فما زلت
أطلب موضعها حتى أرشدت إليه، فإذا خيمةٌ كبيرة على بابها عجوزٌ هتماء، فسلّمت
عليها ثم قلت: أين منزل ميّ? قالت: أنا ميّ؛ فتعجّبت وقلت: عجباً من ذي الرمّة
وكثرة قوله فيك! قالت: لا تعجبنّ فإني سأقوم بعذره عندك، ثم قالت: يا فلانة، فخرجت
من الخيمة جاريةٌ ناهدة عليها برقع فقالت: اسفري؛ فلما سفرت تحيّرت لما رأيت من
جمالها وبراعتها؛ فقالت: علقني ذو الرمّة وأنا في سنّها. فقلت: عذره اللّه ورحمه،
فاستنشدتها فجعلت تنشد وأنا أكتب.
أبو نواس في الرقاشي وقال أبو نواسٍ في الرّقاشيّ:
قل للـرّقـاشـيّ إذا جـئتـه |
|
لو متّ يا أخرق لم أهجـكـا |
دونك عرضي فاهجه راشـداً |
|
لا تدنس الأعراض من شعركا |
واللّه لو كنت جـريراً لـمـا |
|
كنت بأهجى لك من وجهكـا |
باب السّواد
لمدّني
في السواد الأصمعيّ قال: قيل لمدنيّ: ما رغبتكم في السّواد? قال: لو وجدنا بيضاء
لسفدناها.
شعر لأبي حازم المدني يتغزل بالسود وكان أبو حازم المدنيّ ينشد:
ومن يك معجباً ببنات كسرى |
|
فإنّي معجبٌ ببنـات حـام |
لأبي حنش، وغيره، في وصف السود وقال أبو حنش:
رأيت أبا الحجناء في الناس حائراً |
|
ولون أبي الحجناء لون البهـائم |
تراه على ما لاحه مـن سـواده |
|
وأن كان مظلوماً له وجه ظالـم |
وقال آخر في وصف أسود:
كأنما وجهك ظلّ من حجر |
وقال آخر:
كأنما قمّص من ليط جعل |
وقال آخر في وصف سوداء:
كأنها والكحل في مرودها |
|
تكحل عينيها ببعض جلدها |
لبعضهم في سوداء نظر رجل إلى سوداء عليها
معصفرٌ، فقال: بعرة عليها رعاف.
الأصمعيّ قال: قيل لرجل: أيّ الرجال أخفّ أرواحاً? قال: الذين أعرقت فيهم
السّودان.
لعلي بن أبي طالب وقال عليّ بن أبي طالب عليه السّلام: من تزوّج سمراء فطلّقها
فعليّ مهرها.
يقال: قالت: الخنفساء لأمّها: يا أمّاه، ما أمرّ بأحدٍ إلابزق عليّ. فقالت: يا
بنيّة تعوّذين.
عبد الملك ووفد أهل الكوفة وفد على عبد الملك وفد أهل الكوفة، فلما دخلوا عليه
وكلّهم، رأى فيهم أدلم عالي الجسم، فلما كلّمه راقه بيانه، فلما تولّى تمثّل عبد
الملك بقول عمرو بن شأسٍ:
فإن عراراً إن يكن غير واضـحٍ |
|
فإنّي أحبّ الجون ذا المنكب العمم |
فالتفت الأدلم إلى عبد الملك وضحك؛ فقال:
عليّ به. "فلما جيء به قال": ما الذي أضحكك? فقال: أنا واللّه عرارٌ من
بني بني أثرى. فقدّمه وسامره حتى خرج.
لبعض الشعراء في جارية سوداء قال رجل من الشعراء في جاريةٍ سوداء:
أشبهك المسك وأشبهته |
|
قائمةً في لونه قاعده |
لا شكّ إذ لونكما واحد |
|
أنكما من طينةٍ واحدة |
وقال جرير:
ترى التّيميّ يزحف كالقرنبي |
|
إلى تيميّةٍ كعصا المـلـيل |
تشين الزعفران عروس تـيم |
|
وتمشي مشية الجعل الدّحول |
يقول المجتلون عروس تـيم |
|
شوى أمّ الحبين ورأس فيل |
وقال آخر:
أحبّ لحبّها السّودان حتى |
|
أحبّ لحبّها سود الكلاب |
باب العجز والمشايخ
لرجل
خاصم امرأته إلى زياد الأصمعيّ قال: خاصم رجلٌ امرأته إلى زيادٍ، فكأن زياداً شددّ
عليه، فقال الرجل: أصلح اللّه الأمير، إنّ خير نصفي الرجل آخرهما، يذهب جهله ويثوب
حلمه ويجتمع رأيه، وإن شرّ نصفي المرأة آخرهما، يسوء خلقها ويحدّ لسانها وتعقم
رحمها؛ فقال: اسفع بيدها.
لبعض الأعراب في عجوز وقال بعض الأعراب:
لا تنكحنّ عجوزاً إن دعوك لها |
|
وإن حبوك على تزويجها الذّهبا |
وإن أتوك وقالوا إنها نـصـفٌ |
|
فإنّ أطيب نصفيها الذي ذهبـا |
لأعرابي ضجر من امرأته وقد شاخت الأصمعيّ قال: ضجر أعرابيّ بطول حياة امرأته، فقال:
ثلاثين حـولاً لا أرى مـنـك راحةً |
|
لهنّك في الدنيا لباقـية الـعـمـر |
فإن أنفلت من حبل صـعـبة مـرّةً |
|
أكن من نساء الناس في بيضة العقر |
أبو الأسود في امرأته وقال أبو الأسود في امرأته أمّ عوف:
أبي القلب إلا أمّ عوف وحبّهـا |
|
عجوزاً ومن يحبب عجوزاً يفنّد |
كسحق اليماني قد تقادم عهـده |
|
ورقعته ما شئت في العين واليد |
لبعضهم يشبب بعجوز وقال آخر يشبب بعجوزٍ:
عجوزٌ عليها كرةٌ ومـلاحة |
|
وقاتلتي يا للرّجال عـجـوز |
عجوزٌ لو أن الماء ملك يمينها |
|
لما تركتنا بالمـياه نـجـور |
كانت لرجل من الأعراب امرأة عجوز، وكانت تشتري العطر بالخبز؛ فقال:
عجوزٌ ترجّى أن تـكـون فـتـيّةً |
|
وقد غارت العينان واحدودب الظهر |
تدسّ إلى العطّار سلـعة أهـلـهـا |
|
ولن يصلح العطّار ما أفسد الدّهـر |
بين أبي الجندي وامرأته طلّق أبو الجنديّ امرأته؛ فقلت له: بعد صحبة خمسين سنة! فقال: ما لك عندي ذنبٌ غيره لبعض الأعراب وقال بعض الأعراب:
لا بارك اللّه في لـيل يقـربـنـي |
|
إلى مضاجعةٍ كالدّلك بـالـمـسـد |
لقد لمست معرّاها فمـا وقـعـت |
|
فيما لمست يدي إلا عـلـى وتـد |
وكلّ عضو لها قرنٌ تـصـلّ بـه |
|
جسم الضّجيع فيضحي واهي الجسد |
للطائي، وغيره، في أحلى الرجال عند النساء وقال الطائي:
أحلى الرجال من النساء مواقعاً |
|
من كان أشبههم بهنّ خـدودا |
وقال امرؤ القيس:
أراهنّ لا يحببن من قلّ مالـه |
|
ولا من رأين الشيب فيه وقوّسا |
وقال علقمة بن عبدة:
فإن تسألوني بالنساء فـإنـنّـي |
|
خبيرٌ بأدواء النسـاء طـبـيب |
إذا شاب رأس المرء أو قلّ ماله |
|
فليس له في ودّهنّ نـصـيب |
يردن ثراء المال حيث علمنـه |
|
وشرخ الشباب عندهنّ عجـيب |
وقال آخر:
أرى شيب الرجال من الغواني |
|
كموضع شيبهنّ من الرجـال |
وقال آخر:
أيا عجباً للخود يجري وشاحـهـا |
|
تزفّ إلى شيخ من القوم تنـبـال |
دعـاهـا إلـيه أنـه ذو قـرابةٍ |
|
فويل الغواني من بني العمّ والخال |
وقال ذو الرّمة بخلاف قول الأول:
وما الفقر أزرى عندّهن بوصلنـا |
|
ولكن جرت أخلاقهن على البخل |
وقال المّرار في مثله:
وليس الغواني للجفاء ولا الذي |
|
له عن تقاضي دينهنّ همـوم |
ولكنّما يستنجز الوعد تـابـعٌ |
|
مناهنّ حلاّفٌ لـهـنّ أثـيم |
وما جعلت ألبابهن لذي لغنـى |
|
فييأس من ألبابـهـنّ عـديم |
عثمان بن عفان رضي اللّه عنه وزوجته بنت
الفرافصة كن عثمان بن عفّان رضي اللّه عنه تزوّج نائلة بنت الفرافصة الكلبيّ -
والفرافصة يومئذٍ نصرانيّ - وكان وليّها مسلماً وهو أخوها، فحملها الفرافصة. فلما
قدمت على عثمان وضع لها سريراً وله آخر، فقال لها عثمان: إمّا أن تقومي إليّ وإمّا
ان أقوم إليك. فقالت: ما تجشّمت إليك من عرض السّماوة أبعد ممّا بيننا، بل أقوم
أنا. فقامت حتى جلست معه على السرير، فوضع قلنسوته فإذا هو أصلع، فقال: يا بنة
الفراقصة، لا يهولنّك ما ترين من صلعتي، فإن وراء ذلك ما تحبيّن. قالت: إني لمن
نسوة أحبّ بعولتهن إليهنّ الكهول الصّلع. فقال: اطرحي درعك؛ ثم قال: اطرحي إزارك.
قالت: ذك إليك. ومسح رأسها ودعا لها بالبركة؛ فكانت أحبّ نسائه إليه، وولدت منه
جاريةً يقال لها مريم.
لخنساء بنت عمرو في دريد الصمة وقد خطبها بن الكلبيّ قال: خطب دريد بن الصّمةّ
خنساء بنت عمرو، فبعث جاريتها فقالت: أنظري إذا بال أيقعي أم يبعثر? فقالت لها الجارية:
وهويبعثر. فقالت: لا حاجة لي فيه.
لرجل تزوج عجوزاً الاصمعيّ قال: تزوّج رجل امرأة بالمدينة فقالوا له: إنها شابةٌ
طريةٌ من أمرها ومن مرها؛ ويدلسون له عجوزاً، فلما دخل بها زع نعليه، وهم يظنون
أنه يضربها، فقلدها إياهما وقال: لبيك اللهم لبيك، هذه بدنةٌ؛ فأسكتوه وافتدوا
منه.
أطوار عمر المرأة عن عبد الله بن محمد بن عمران القاضي عن أبيه قال: شباب المرأة
من خمس عشرة سنة إلى ثلاثين سنةً، وفيها من الثلاثين إلى الأربعين مستمتعٌ، وإذا
اقتحمت العقبة الأخرى حسلت.
شعر لجهم في عجوز تزوجها
تزوج جمهمٌ امرأة من بني فقعسٍ وباع إبلاً له ومهرها، فلما دخل بها إذا هي عجوز،
فقال:
وما لمت نفسي مذ فطمت بـلـحـيةٍ |
|
كما لمت نفسي في عجوز بني شمس |
وبنت ولم أغبن غداة اشـتـريتـهـا |
|
وبعت تلاد المال بالثمن الـبـخـس |
فإن مات جهمٌ غيلةً فاقـتـلـوا بـه |
|
قمامة إن النفس تقتل بـالـنـفـس |
لبعض الشعرء:
كفاك بالشيب ذنباً عند غانيةٍ |
|
وبالشباب شفيعاً أيها الرجل |
خبر الحارث بن سليل الأسدي وزوجته خطب الحارث بن سليل الأسدي إلى علقمة بن حفصة الطائي وكان شيخاً، فقال لأم الجارية: أريدي ابنتك على نفسها. فقالت: أي بنية. أي الرجال أحب إليك: الكهل الجحجاح، الواصل المنّاح، أم الفتى الوضّاح، الذهول الطماح? قالت: يا أمتاه.
إن الفتاة تحب الفـتـى |
|
كحبّ الرعاء أنيق الكلا |
فقالت: يا بنية، إن الشباب شديد الحجاب،
كثير العتاب. قالت: يا أمتاه، أخشى من الشيخ أن يدنس ثيابي، ويبلي شبابي، ويشمت بي
أترابي. فلم تزل بها حتى غلبتها على رأيها؛ فتزوج به الحارث ثم رحل بها إلى قومه؛
فإنه لجالس يوماً بفناء لمظلته وهي إلى جانبه، إذ أقبل شباب من بني أسد يعتلجون،
فتنفست ثم بكت؛ فقال لها: ما يبكيك? قالت: ما لي وللشيوخ الناهضين كالفروخ!؛ فقال:
ثكلتك أمك "تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها"- فذهبت مثلاً-. أما وأبيك لرب
غارةٍ شهدتها؛ فالحقي بأهلك، ولا حاجة لي فيك.
بين رجل وزوجته أراد أن يغيرها الرياشي قال: خرج رجل إلى الغزو فأصاب جارية وضيئة،
وكان يغزو على فرسه ويرجع إليها، فوجد يوماً فضلاً من القول فقال:
ألا لا أبالي اليوم ما فعلت هنـد |
|
إذا بقيت عندي الحمامة والورد |
شديد مناط المنكبـين إذا جـرى |
|
وبيضاء صنهاجيةٌ زانها العقـد |
فهـذا لأيام الـحـروب وهـذه |
|
لحاجة نفسي حين ينصرف الجند |
فنمي الشعر إليها فقالت:
ألا أقره مني السـلام وقـل لـه |
|
غينا وأغنتنا غطـارفة الـمـرد |
بحمد أمير المؤمـنـين أقـرّهـم |
|
شباباً وأغزاكم حواقلة الـجـنـد |
إذا شئت غناني رفـلٌ مـرجّـلٌ |
|
ونازعني في ماء معتصـر ورد |
وإن شاء منهم ناشئ مـد كـفـه |
|
على كتدٍ ملساء أو كفـل نـهـد |
فما كنتم تقضون حاجة أهـلـكـم |
|
شهوداً فتقضوها على النأي والبعد |
فلما بلغه الشعر أتاها، وقال: أكنت
فاعلةً? فقالت: الله أجلّ في عيني، وأنت أهون علي.
لأبي عمرو بن العلاء في الشباب قال أبو عمرو بن العلاء: ما بكت العرب شيئاً ما بكت
الشباب، وما بلغت ما هو أهله.
لبعض الأعراب وقد أسن كانت لبعض الأعراب امرأة لا تزال تشارّه وقد كان أسن وامتنع
من النكاح، فقال له رجل: ما يصلح بينكما أبداً? فقال: لا، إنه قد مات الذي كان
يصلح بيننا "يعني ذكره".
شعر رجل لصديق له تزوج عجوزاً قال رجلٌ لصديقٍ له:
أعنّست نفسـك حـتـى إذا |
|
أتيت على الخمس والأربعينا |
تزوّجتها شـارفـاً فـخـمةً |
|
فلا بالرّفاء ولا بالبـنـينـا |
فلا ذات مال تزوّجـتـهـا |
|
ولا ولد ترتجي أن يكـونـا |
بها أبداً فالتمـس غـيرهـا |
|
لعلّك تعطى بغثٍّ سمـينـا |
لأنو شروان قال أنوشروان: كنت أخاف إذا
أنا شخت لا تريدي النساء، فإذا أنا لا أريدهنّ.
شعر لأعرابي في العجوز قل أعرابيّ:
إنّ العجوز فاركٌ ضجيعها |
|
تسيل من غير بكىً دموعها |
تمدّد الوجه فلا يطيعـهـا |
|
كأنّ م يضيفها يضيعـهـا |
لأبي النجم في أم الخيار وقال أبو النجم:
قد زعمت أمّ الـخـيار أنّـي |
|
شبت وحنّى ظهري المحنّي |
وأعرضت فعل الشّموس عنّي |
|
فقلت مـا داؤك إلا سـنّـي |
"لن تجمعي ودّي وأن تضنّي" في الشيب والخضاب قال يزيد بن الحكم بن "أبي" العاص:
فما منك الشّباب ولست منه |
|
إذا سألتك لحيتك الخضابـا |
وما يرجو الكبير من الغواني |
|
إذا ذهبت شبيبتـه وشـابـا |
وقال آخر:
" " فـالـغـوانـي |
|
وافر عن ملاحظة القتير |
|
||
فقلت لها المشيب نذير عمري |
|
ولست مسوّداً وجه الـنّـذير |
|||
لسعد بن أبي وقاص، لآخرين في الخضاب كان سعد بن أبي وقاص يخضب بالسّواد، ويقول:
أسوّد أعلاها وتأبى أصولـهـا |
|
فيا ليت ما يسودّ مها هو الأصل |
وقال أسود بن دهيم:
لما رأيت الشّيب عيب بياضه |
|
تشببت وابتعت الشباب بدرهم |
وقال محمود الورّاق:
يا خاضب الشّيب الذي |
|
في كلّ ثالثةٍ يعـود |
إنّ النّصـول إذا بـدا |
|
فكأنه شـيبٌ جـديد |
ولـه بـديهة روعةٍ |
|
مكروهها أبداً عتـيد |
فدع المشيب كما أرا |
|
د فلن يعود كما تريد |
لابن الأعرابي، ولغيره في الشيب أنشد ابن الأعرابيّ:
ولقد أقول لشيبةٍ أبصـرتـهـا |
|
في مفرقي فمنحتها إعراضـي |
عنّي إليك فلست من خير ولـو |
|
عمّمت منك مفارقي بـبـياض |
ولقلّما أرتاع مـنـك وإنـنـي |
|
فيما ألذّ وإن فزعت لمـاضـي |
فعليك ما اسطعت الظهور بلمّتي |
|
وعليّ أن ألقاك بالمـقـراض |
وقال الفرزدق:
تفاريق شيبٍ في السّواد لوامعٌ |
|
وما خير ليل ليس فيه نجـوم |
وقال غيلان بن سلمة:
الشّيب إن يظهر فـإنّ وراءه |
|
عمراً يكون خلاله متنفّـس |
لم ينتقص منّي المشيب قلامةً |
|
ولنحن حين بدا ألبّ وأكيس |
وقال الطائي:
ابدت أسىً أن رأتني مخلس القصب |
|
وآل ما كان من عجبٍ إلى عجـب |
لا تنكري منه تخـديداً تـخـلّـلـه |
|
فالسيف لا يزدرى أن كان ذا شطب |
ولا يؤرقك إيماض الـقـتـير بـه |
|
فإنّ ذاك ابتـسـام الـرأي والأدب |
وقال آخر:
يقولون هل بعد الثلاثين ملـعـبٌ |
|
فقلت وهل قبل الثلاثين ملعـب |
لقد جلّ قدر الشّيب إن كان كلّمـا |
|
بدت شيبةٌ يعرى من اللّهو مركب |
باب الخلق
الطول والقصر
للنبي
صلى اللّه عليه وسلم عن عمرو بن شعيب: أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم رأى رجلاً
قصيراً - و شديد القصر - فسجد. عن سالم بن عبد اللّه عن أبيه عن جدّه قال: قال
رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " من رأى منكم مبتلى فقال الحمد للّه الذي
عافاني مما ابتلاك به وفضّلني على كثيرٍ ممن خلقه تفضيلاً عافاه اللّه من ذلك
البلاء كائناً ما كان".
لبعض الشعرء وقال بعض الشعراء:
من تعادر من يسامح |
|
من تطاول بـزياد |
من تباراني نسينـي |
|
ببـعـيد مـن إياد |
إسحاق الموصلي في غلامه وقال إسحاق الموصليّ في غلامه:
ذهبت سماجةً وذهبت طولاً |
|
كأنك من فراسخ دير سعد |
ليزيد بن الحكم وقل أبو اليقظان: كان يعلى بن الحكم بن "أبي" العاص يعّير أخاه يزيد بالقصر؛ فقال يزيد:
همّ الرّجال العلا أخذاً بذروتها |
|
وإنما همّ يعلى الطول والقصر |
مما قيل في القصار وقال أبو حاتم:
يكاد خليلي من تقارب شخصه |
|
يعضّ القراد باسته وهو قائمٌ |
وقال آخر وكان قصيراً:
فإلاً يكن عظمي طويلاً فإننـيّ |
|
له بالخصال الصالحات وصول |
وقال أوفى بن مولةٍ في مثل ذلك:
فإن أك قصداً في الرجال فإننّي |
|
إذا حلّ أمرٌ ساحتي لجـسـيم |
وقال آخر:
ولمّا التقى الصّفان واختلف القنا |
|
نهالاً وأسباب المنايا نهالـهـا |
تبينّ لـي أنّ الـقـمـاءة ذلةً |
|
وأنّ أشداءّ الرّجال طوالـهـا |
وقال الغطمّش الضّبيّ:
ولو وجدوا نعل الغطمّش لا حتذوا |
|
لأرجلهم منها ثمـانـي أنـعـل |
كان جرير بن عبد اللّه يثفل إلى ذروة البعير من طوله، وكانت نعله ذراعًا الأصمعيّ قال: دخل المغيرة بن شعبة على معاوية، فقال معاوية:
إذا راح فـي قـوهـيّةٍ مـتـلـبـسـاً |
|
تقل جعلّ يستنّ فـي لـبـنٍ مـحـض |
وأقسم لو خرّت مـن اسـتـك بـيضةٌ |
|
لما انكسرت من قرب بعضك من بعض |
اللحى
لبعض
الحكماء فيمن لا لحية له قال بعض الحكماء: لا تصافين من لا شعر على عرضيه وإن كانت
الدنيا خراباً إلاّ منه
لعائشة رضي اللّه عنها كانت عائشة ربّما قالت: والذّي زيّن الرجال باللحى وقال بعض
المحدثين:
يا لحيةً طالت على نوكهـا |
|
كأنها لـحـية جـبـريل |
لو كان ما يقطر من دهنها |
|
ليلاً لوفّى ألف قـنـديل |
ولو تراها وهي قد سرّحت |
|
حسبتها بنداً على الـفـيل |
لبعض مجانين الكوفة قال رجل لبعض مجانين
الكوفة: ما هذه اللّحية? - وكانت كبيرةً - فقال: "والبلد الطّيب يخرج نباته
بإذن ربّه والذي خبث لا يخرج إلا نكداً".
لابن أبي حفصة في لحية رباح وقال مروان بن أبي حفصة:
لقد كانت مجالسنا فساحاً |
|
فضيّقتها بلحيته ربـاح |
مبعثرة الأسافل والأعالي |
|
لها في كلّ زويةٍ جناح |
وقال آخر:
أنفّش لحيةً عرضـت وطـالـت |
|
من الهدبات تملأ عرض صدري |
أكاد إذا قـعـدت أبـول فـيهـا |
|
إذا أنا لم أعقّصها بـظـفـري |
وقال أعرابي:
لا تفخـرنّ بـلـحـيةٍ |
|
عظمت جوانبها طويله |
تجري بمفرقهـا الـر |
|
ياح كأنها ذنب الحسيله |
العيون
بين
إبراهيم النخعي والأعمش قال إبراهيم النّخعيّ لسليمان الأعمش وأراد أن يماشيه: إن
الناس إذا رأونا معاً قالوا: أعور وأعمش. قال: ما عليك أن يأثموا ونؤجر. قال: ما
عليك أن يسلموا ونسلم.
لابن عباس لما كفّ بصره وقال ابن عباس بعد ما كفّ بصره:
إن يأخذ اللّه من عينيّ نورهـمـا |
|
ففي فؤادي وسمعي منهما نـور |
قلبي ذكيّ وعرضي غير ذي دخلٍ |
|
وفي فمي صارمٌ كالسيف مأثور |
للخريميّ فأخذ الخريميّ هذا المعنى فقال:
فإن تك عيني خبـا نـورهـا |
|
فكم قبلها نور عـينٍ خـبـا |
فلم يعم قلبـي ولـكـنـمّـا |
|
أرى نور عيني إليه سـرى |
فأسرج فـيه إلـى ضـوئه |
|
سراجاً من العلم يشفي العمى |
وقال الخريميّ أيضاً:
أصغي إلى قائدي ليخبرنـي |
|
إذا التقيا عمـن يحـيّينـي |
أريد أن أعدل السّـلام وأن |
|
أفصل بين الشّريف والدّون |
أسمع ما لا أرى فأكـره أن |
|
أخطئ والسّمع غير مأمون |
للّه عيني التي فجعت بهـا |
|
لو أن دهراً بها يواتـينـي |
لو كنت خيّرت، ما خذت بها |
|
تعمير نوحٍ في ملك قارون |
لأعور وتماشى أعوران، فقال أحدهما:
ألم ترني وعمراً حين نمشي |
|
نريد السوق ليس لنا نظير |
أماشيه على يمـنـى يديه |
|
وفيما بيننا رجلٌ ضـرير |
شعر في طاهر بن الحسين وقال قائلٌ في طاهر بن الحسين:
يا ذا اليمينين وعينٍ واحده |
|
نقصان عينٍ ويمينٌ زئده |
لأعور أصيبت عينه الصحيحة وقال الأصمعيّ:
جاءت رجلاً أعور نشّابةٌ فأصابت عينه الصحيحة، فقال: يا ربّ وأنا يضاً على محمل.
لأبي الأسود في جارية حولاء شترى أبو الأسود جاريةً حولاء فغار امرأته أمّ عوفٍ،
وكانت ابنة عمّه، وكانت تشارّه في كلّ يوم وتقول: من يشتري حولاء؛ فلمّا كثرت عليه
قال:
يعيبونها عندي ولا عيب عنـدهـا |
|
سوى أنّ في العينين بعض التأخّر |
فإن يك في العينين سوءٌ فإنـهـا |
|
مهفهفة لأعلى رداح المـؤخّـر |
هشام بن عبد الملك وأبي النجم أنشد بو النجم هشام بن عبد الملك ارجوزته التي أوّلها: الحمد للّه الوهوب المجزل فلم يزل هشام يصفّق بيديه استحساناً لها، حتى إذا بلغ قوله في صفة الشمس
فهي في الأفق كعين الأحول |
|
صغواء قد كادت ولمّا تفعل |
أمر بوجء رقبته وإخراجه. وكان هشام أحول.
لبعض الشعراء في زرقة العيون وقال آخر:
يقولون نـصـرانـيّةٌ أمّ خـالـدٍ |
|
فقلت دعوها كلّ نفسٍ ودينـهـا |
فإن تك نـصـرانـيّةً أمّ خـالـدٍ |
|
فقد صوّرت في صورةٍ لا تشينها |
أحبك أن قالوا بـعـينـك زرقةٌ |
|
كذاك عتاق الطير زرقاً عيونهـا |
من كتاب الآيين وقرأت في الآيين أن الرجل
إذا اجتمع فيه قصر وسبوطة وحولٌ وعسم وشدقٌ ... كان لا يستعمل في دار الملك، ويحال
بينه وبين التصدير للملك، وكذلك المرأة البرشاء والبرصاء.
لبعض الشعراء في رجل من المعمرين وقال بعض الشعراء في صحة البصر مع الهرم:
إن معاذ بـن مـسـلـمٍ رجـلٌ |
|
ليس يقـينـاً لـعـمـره أمـد |
قل لمـعـاذٍ إذا مـررت بـه |
|
قد ضجّ من طول عمرك الأبد |
قد شاب رأس الزمان واكتهل الدّ |
|
هر وأثـواب عـمـره جـدد |
يا نسر لقمان كم تعـيش وكـمٍ |
|
تسحب ذيل الـحـياة يا لـبـد |
قد أصبـحـت دار آدمٍ طـلـلاً |
|
وأنت فيهـا كـأنـك الـوتـد |
تسأل غربانهـا إذا حـجـلـت |
|
كيف يكون الصداع والـرمـد |
الأنوف
لأعرابي
عظيم الأنف عن أبي زيد قال: "رأيت" أعرابياً أنفه كأنه كورٌ من عظمه،
فرآنا نضحك فقال: ما يضحككم! والله لقد كنا في قوم ما يسمّوننا إلا الأفيطس.
بين عقيل بن أبي طالب وامرأته عن الوليد بن بشار أن امرأة عقيل بن أبي طالب، وهي
بنت عتبة بن ربيعة، قالت: يا بني هاشم لا يحبّكم قلبي أبداً، إنّ أبي وابن عمي أبو
فلان بن فلان كان أعناقهم أباريق فضةٍ، ترد أنوفهم قبل شفاههم. فقال لها عقيلٌ:
إذا دخلت النار فخذي على يسارك.
لبعض الشعراء في كبر الأنف قال بعض الشعراء يذكر الكبر:
أرى شعراتٍ على حاجبـيّ |
|
بيضاً نبتن جميعـاً تـؤامـا |
ظللت أهاهي بهـنّ الـكـلا |
|
ب أحسبهنّ صياراً قـيامـا |
وأحسب أنفي إذا ما مـشـي |
|
ت شخصاً أمامي رآني فقاما |
وقال بعض المحدثين:
إذا أنت أقبلت فـي حـاجةٍ |
|
إليه فكلّمه من خـلـفـه |
فإن أنت واجهته في الكـلا |
|
م لم يسمع الصوت من أنفه |
وقال آخر:
إن عيسى أنف أنفـه |
|
أنفه ضعفٌ لضعفـه |
وهو لو يستنشق الثـو |
|
ب بقرنيه وظلـفـه |
لثوى في منخـرٍ يس |
|
تغرق الخلق بنصفه |
لو تراه راكباً والـت |
|
يه قد مال بعطـفـه |
لرأيت الأنف في السر |
|
ج وعيسى ردف أنفه |
وقال قنعب في الوليد بن عبد الملك:
فقدت الوليد وأنـفـاً لـه |
|
كمثل المعين أبى أن يبولا |
أتيت الوليد فـألـفـيتـه |
|
كما يعلم الناس وخماً ثقيلا |
البخر والنتن
في
شدة بخر عبد الملك بن مروان قال أبو اليقظان: كان يقال لعبد الملك بن مروان: أبو
الذّبّان لشدة بخره. يريدون أن الذباب يسقط إذا قارب فاه من شدّة رائحته. قال:
ونبذ إلى امراةٍ له تفّاحةً قد عضّها، فأخذت سكّيناً؛ فقال لها: ما تصنعين? قالت:
أميط عنها الأذى، فطلقها.
وقال مسلمٌ:
أنت تفسو إذا نطقت ومن سبّ |
|
ح من فسوفاك إثمـاً وزورا |
وقال آخر:
لا تدن فاك من الأمير ونحّه |
|
حتى يداوي ما بأنفك أهرن |
إن كان للظّربان جحرٌ منتنٌ |
|
فلجحر أنفك يا محمد أنتن |
شقيق بن السليك لامرأته وقال شقيق بن السليك العامريّ لامرأته:
إذا ما نكحت فلا بالرّفـاء |
|
وإما أتيت فلا بالبـنـينـا |
تزوّجت أصلع في غـربةٍ |
|
تجنّ الحليلة منه جنـونـا |
إذا ما نقلت إلـى بـيتـه |
|
أعدّ لجنبيك سوطاً متينـا |
كأنّ المساوك في شـدقـه |
|
إذا هنّ أكرهن يقلعن طينا |
كأن توالـي أضـراسـه |
|
وبين ثناياه غسلاً لجـينـا |
الحكم بن عبدل يهجو محمد بن حسان وقال الحكم بن عبدل لمحمد بن حسّان بن سعد:
فما يدنو إلى فمه ذبـابٌ |
|
ولو طليت مشافره بقنـد |
يرين حلاوةً ويخفن موتاً |
|
وشيكاً إذا هممن له بورد |
لأعرابي، ثم لعبد الرحمن بن عائشة وقال أعرابي:
كأن إبطيّ وقد طال الـمـدى |
|
نفحة خرءٍ من كواميخ القرى |
وقال عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن بن عائشة:
من يكن إبطه كآباط ذا الخل |
|
ق فإبطاي في عدا الفقاح |
لي إبطان يرميان جليسـي |
|
بشبيه السلاح أو بالسـلاح |
فكأني من نتن هـذا وهـذا |
|
جالسٌ بين مصعبٍ وصباح |
يعني مصعب بن عبد الله بن مصعب، وصباح بن خاقان الأهتمي.
البرص
برص بلعاء بن قيس كان بلعاء بن قيس برص؛ فقال له قائل: ما هذا بك يا بلعاء? فقال:
سيف الله جلاه.
شعر لابن حبناء، ثم لأبي مسهر وقال لابن حبناء:
إني امرؤٌ حنظليٌّ حين تنسبني |
|
لا ملعتيك ولا أخوالي العوق |
لا تحسبنّ بياضاً فيّ منقـصةً |
|
إن اللهاميم في أقرابها بلـق |
لأبي مسهر وقال أبو مسهرٍ:
أيشتمني زيدٌ بأن كنت أبرصاً |
|
فكلّ كريمٍ لا أبا لك أبرص |
لبعض النهشليين في البرص وقال بعض النهشليين:
نفرت سودة مـنّـي إذا رأت |
|
صلع الرأس وفي الجلد وضح |
قلت يا سـودة هـذا والـذي |
|
يفرج الكربة عنّا والـكـلـح |
هو زينٌ لي في الوجه كـمـا |
|
زيّن الطّرف تحاسين القـزح |
وقال آخر:
يا كأس لا تستنكري نحولـي |
|
ووضحاً أوفى على خصيلي |
فإنّ نعت الفرس الـرّحـيل |
|
يكمل بالعزة والتحـجـيل |
وقال آخر:
يا أخت سعدٍ لا تعيبي بالـزّرق |
|
لا يضرر الطّرف تواليع البهق |
إذا جرى في حلبة الخيل سبق |
|
|
لبيد يهجو الربيع بن زياد العبسي ونساء بني عبس لما أنشد لبيدٌ النعمان بن المنذر قوله في الربيع بن زيادٍ العبسي:
مهلاً أبيت اللعن لا تأكل معه |
|
إن استه من برصٍ ملمّعـه |
قال الربيع: أبيت اللعن! والله لقد نكت
أمّه! فقال لبيدٌ: إن كنت فعلت لقد كانت يتيمةً في حجرك ربّيتها، وإلا تكن فعلت ما
قلت فما أولاك بالكذب! وإن كانت هي الفاعلة فإنها من نسوةٍ فعّلٍ لذلك. يعني أنّ
نساء بني عبسٍ فواجر.
لزياد الأعجم، ومثله لكثير وقال زيادٌ الأعجم:
ما إن يدبّح منهم خـارىءٌ أبـداً |
|
إلا رأيت على باب استه القمرا |
يعني أنهم برص الأستاه.
وقال كثيّر في نحو ذلك:
ويحشر نور المسلمين أمامهـم |
|
ويحشر في أستاه ضمرة نورها |
بشر بن مروان وأيمن بن خريم الأبرص
المدائني قال: كان أيمن بن خريمٍ أبرص وكان أثيراً عند العزيز بن مروان، فعتب عليه
أيمن يوماً فقال له: أنت طرفٌ ملولة. فقال له: أنا ملولة وأنا أؤاكلك مذ كذا!.
فلحق ببشر بن مروان فأكرمه واختصّه ولم يكن يؤاكله. فدخل عليه يوماً وبين يديه لبن
قد وضع؛ فقال له: قد حدّثت نفسي البارحة بالصوم، فلما أصبحت أتوني بهذا وهم لا
يعلمون، ولا أرى أحداً أحقّ به منك، فدونكه.
برص أبي عزة الجحمي وشفاءه منه عن أبي جعدة قال: أصاب أبا عزّة الجحميّ وضحٌ، فكان
لا يجالس، فأخذ شفرة وطعن في بطنه فمارت الشفرة وخرج ماءٌ أصفر وبرىء، فقال:
لا هـمّ ربّ وائل ونـهـــد |
|
وربّ من يرعى بياض لحدي |
أصبحت عبداً لك وابن عـبـد |
|
أبرأتني من وضحٍ بجـلـدي |
مع ما طعنت اليوم في معدّي |
|
|
العرج
لشاعر أعرج في دولة العرجان كان عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أعرج وولي شرطة الكوفة، والقعقاع بن سويد كان أعرج، فقال بعض الشعراء وكان أعرج:
ألق العصا ودع التناوش والتمس |
|
عملاً فهذي دولة العـرجـان |
لأميرنا وأمير شرطتنـا مـعـاً |
|
يا قومنا لكلـيهـمـا رجـلان |
شعر لرجل أعرج، ولغيره وقال رجل من العُرج:
وما بي من عيب الفتى غير أنني |
|
ألفت قناتي حين أوجعني ظهري |
وقال آخر:
وما بي من عيب الفتى غير أننـي |
|
جعلت العصا رجلاً أقيم بها رجلي |
وقال أبو زياد الكلابي:
ألفت عصا الطرفاء حتى كأنـمـا |
|
أرى بعصا الطرفاء إحدى النجائب |
وقال أبو الخطاب النّهدليّ:
قد صرت أمشي بثلااث أرجل |
وقال آخر:
قد كنت أمشي على رجلين معتمـدا |
|
فاليوم أمشي على أخرى من الشجر |
وقال الأعشى:
إذا كان هادي الفتى في البلا |
|
د صدر القناة أطاع الأميرا |
الأدر
لأحدب
صار آدراً قال أبو الخطاب: كان عندنا رجل أحدب، فسقط في بئر فذهبت حدبته فصار آدر،
فدخلوا يهنئونه، فقال: الذي جاء شرٌ من الذي ذهب.
شعر لطرفة وقال طرفة:
ما ذنبنا في أن أداءات خصاكـم |
|
وأن كنتم في قومكم معشراً أدرا |
|
||
إذا جلسوا خيّلت تحت ثيابـهـم |
|
خرانق توفي بالضّغيب لها نذرا |
|||
الجعدي يصف آدراً وقال الجعدي:
كذي داءٍ بإحدى خصيتـيه |
|
وأخرى لم توجّع من سقام |
فضمّ ثيابه من غير بـرءٍ |
|
على شعراء تنقض بالبهام |
الجذام
للنبيصلى
الله عليه وسلم عن أبي محيريز قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
وفرّوا من المجذوم كالفرار من الأسد" وفي حديث آخر: " لا تديموا النظر
إلى المجذومين فإذا كلّمتموهم فليكن بينكم وبيهم حجاب قيد رمح".
عن قتادة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ادهن بدأ بحاجبه الأيمن ثم
قال: "باسم الله".
وقال: "نبات الشعر في الأنف أمانٌ من الجذام" عبد اللّه بن الحارث
ومجذوم وعن قتادة: أنّ مجذوماً دخل على عبد اللّه بن الحارث فقال: أخرجوه قالوا: ولم?
قال: بلغني أنه ملعون.
إحراق سليمان بن عبد الملك للمجذومين أبو الحسن قال: مرّ سليمان بن عبد الملك
بالمجذومين في طريق مكة، فأمر بإحراقهم، وقال: لو كان اللّه يريد بهؤلاء خيراً ما
ابتلاهم بهذا البلاء.
عن إبراهيم قال: اشمأزّ رجلٌ من رجل به بلاء، فما مات حتى ابتلي بمثل ذلك البلاء.
باب المهور
مهر
أم سليم ملحان الأنصارية إسحاق بن عبد اللّه بن أبي طلحة قال: خطب جدّي أبو طلحة
أمّ سليم فأبت أن تتزوجّه حتى يسلم وكان مشركاً وقالت: إذا أسلم فهو صداقي فأسلم
فكان صداقها إسلامه.
عن المطّلب بن أبي وداعة السّهمي قال: زوّج سعيدٌ ابنته على درهمين.
صداق فاطمة بنت النبي صلى اللّه عليه وسلم أخبرنا محمد بن عليّ بن أبي طالب أنّ
عليّاً أصدق فاطمة بنت النبّي صلى اللّه عليه وسلم بدناً من حديد. قال محمد:
وأخبرني ابن أبي نجيح قال: بلغني أنا البدن الذي تزوّج عليه فاطمة كان ثمنه
ثلثمائة درهم.
عن ابن أبي عيينة عن ابن أبي نجيح عن أبيه أنّ عليّاً عليه السلام قال: أتيت رسول
اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالدّرع فباعها بأربعمائة وثمانين درهماً وزوّجني
عليها.
للنبي صلى اللّه عليه وسلم عن مجاهد عن ابن عبّاس أنّ النبّي صلى اللّه عليه وسلم
قال: "أعظم النّكاح بركةً أيسره موؤنة" وقال في الحديث الآخر:
"اللّهم أذهب ملك غسّان وضع مهور كندة" لجارية من العرب أخبرنا بعض
أصحاب الأخبار "قال" : قالت جارية من العرب لبنات عمّ لها: السعيدة التي
يتزوجهاّ ابن عمها فيمهرها بتيسين وكلبين وعيرين فينبتّ التيّسان وبنبح الكلبان
وينهق العيران، والشقّية التي يتزوّجها الحضرّي فيطعمها الخمير، ويلبسها الحرير،
ويحملها ليلة الزّفاف على عودٍ؛ "تعني إكافاً أو سرجاً" ما بذله خاطب
كمهر ويقال: جاء خاطبٌ إلى قوم فقال: أنا فلان بن فلان، وأنتم لا تسألون عنّي أعلم
بي منكم. قالوا: فما تبذل? فأنشأ يقول:
ألا بلغ لديك بـنـي يزيدٍ |
|
بأنّي لا أريد إلى النسـاء |
سوى ودّي لهنّ وأنّ عندي |
|
ثريداً بالغداة وبالعـشـاء |
فقال شيخ منهم: أقم كفيلاً بالقصعتين وصل
به. فبقي عاراً عليهم إلى اليوم ما أصدق به عمرو بن الخطاب وابنه وابن سيري قال
بعض نقلة الأخبار: أصدق عمر بن الخطّاب أمّ كلثوم بنت عليّ أربعين ألفاً، وأصدق
عبد اللّه بن عمر ابنة أبي عبيد أخت المختار عشرة آلاف درهم، وأصدق محمد بن سيرين
امرأته السّدوسيّة عشرة آلاف درهم.
لأعرابي في المهور قال أعرابيّ:
يقولون تزويجٌ وأشـهـد أنـه |
|
هو البيع إلا أنّ من شاء يكذب |
أوقات عقد النكاح
عن
ضمرة بن حبيب أنه قال: كان أشياخنا يستحبّو يوم الجمعة سبب اختيار آخر النهار على
أوله في النكاح وقال بعض العلماء: سمعت من يخبر عن اختيار الناس آخر النهار على
أوّله في النّكاح، قال: ذهبوا إلى تأويل القرآن واتّباع السنّة في الفأل، لأن اللّ
سمّى الليل في كتابه سكناً وجعل النهار نشوراً؛ وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه
وسلم في الطيّرة: "أصدقها الفأل"؛ فأثر الناس استقبال الليل لعقدة
النّكاح تيمّناً بما فيه من الهدوء والإجتماع، على صدر النهار لما فيه من التفرّق
والإنتشار.
النكاح في شوال
قال: وأما كراهية الناس للنكاح في شوّال، فإن أهل الجاهليّة كانوا يطيّرون منه
ويقولون: إنه يشول بالمرأة فعلقه الجهّال منهم، وأبطله اللّه بالنبي صلى اللّه
عليه وسلم، لأنه نكح عائشة رضي اللّه عنها في شوّال.
خطب النكاح
من
خطب خالد القسري في النكاح قال: حدّثني محمد بد داود قال: حدّثنا أبو غسّان مالك
عبد الواحد عن معتمر عن خالد القسريّ قال - وكان جمع الخطب فكا يستحسن هذه ويذكرها
-: ذكرتم أمراً حسناً جميلاً، وعد اللّه فيه الغني والسّعة، فلا خلف لموعود اللّه
ولا رادّ لقضاء اللّه، إذا أراد جماع أمرٍ فلا فرقة له، وإذا أراد فرقة أمر فلا
جماع له. عرضت كذا، فإذا قال: نعم. قال: قد نكحت.
لعمر بن عبد العزيز وخطب محمد بن الوليد "بن" عتبة إلى عمر بن عبد
العزيز أخته؛ فقال: الحمد للّه العزّة والكبرياء وصلى اللّه على محمد خاتم
الأنبياء. أما بعد، فقد حسن ظنّ من أودعك حرمته واختارك ولم يختره عليك؛ وقد
زوّجناك على ما في كتاب اللّه: إمساكٌ بعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ.
لبلال الحبشي خطب بلالٌ على أخيه امرأةً من بني حسل من قريش فقال: نحن من قد
عرفتم، كنّا عبدين فأعتقنا اللّه، وكنّا ضاليّن فهدانا اللّه، وفقيرين فأغنانا
اللّه، وأنا أخطب على أخي خالدٍ فلانة، فإن تنكحوه فالحمد للّه، وإن تردوه فاللّه
أكبر، فأقبل بغضهم على بعضٍ فقالوا: هو بلالٌ، وليس مثله يدفع، فزوّجوا أخاه. فلما
نصرفا قال خالد لبلالٍ: يغفر اللّه لك! ألا ذكرت سوابقنا ومشاهدنا مع رسول اللّه
صلى اللّه عليه وسلم! قال بلال: مه! صدقت فأنكحك الصّدق.
خطبة الحسن البصري كان الحسن البصريّ يقول في خطبة النّكاح بعد حمد اللّه والثناء
عليه: أما بعد، فإن اللّه جمع بهذا النكاح الأرحام المتقطعة، والأسباب المتفرّقة،
وجعل ذلك في سنّةٍ من دينه ومنهاج واضح من أمره؛ وقد خطب إليكم فلان وعليه من
اللّه نعمة، وهو يبذل من الصّداق كذا، فاستخيروا اللّه وردّوا خيراً "يرحمكم
اللّه".
للأصمعي في رجالات قريش قال الأصمعيّ: كان رجالات قريشٍ من العرب تستحبّ من الخاطب
الإطالة، ومن المخطوب إليه الإيجاز.
لعمر بن عبد العزيز وأتى رجلٌ عمر بن عبد العزيز يخطب أخته، فتكلّم بكلام جاز الحفظ؛
فقال عمر: الحمد للّه ذي الكبرياء وصلى اللّه عللى خاتم الأنبياء؛ أما بعد، فإن
الرّغبة منك دعت إلينا، والرغبة فيك أجابت منا؛ وقد زوّجناك على ما في كتاب اللّه:
إمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ.
لسّوار القاضي العتبيّ قال: لما زوج شيبٌ ابنه سوّارٍ القاضي قلنا: اليوم يعبّ
عبابه. فلمّا اجتمعوا فقال: الحمد للّه، وصلى اللّه على رسول اللّه. أما بعد، فإنّ
المعرفة منا ومنكم وبنا وبكم تمنعنا من الإكثار، وإنّ فلاناً ذكر فلانة.
لابن الفقير العتبيّ قال: حدّثني رجل قال: حضرت ابن الفقير يخطب على نفسه امرأةً
من باهلة فقال:
فما حسنٌ أن يمدح المرء نفسه |
|
ولكن أخلاقاً تـذمّ وتـمـدح |
"وإن فلانة ذكرت
لي" لأبي عثمان يذكر إجابة خاطب قال: وحدّثني أبو عثمان قال: مررت بحاضر وقد
اجتمع فيه، فسألت بعضهم: ما جمعهم? فقالوا: هذا سيّد الحيّ يريد أن يتزوّج منّا
فتاةً. فوقفت أنظر، فتكلّم الشيخ فقال: الحمد للّه، وصلى اللّه على رسول اللّه،
أما بعد ذلك، ففي غير ملالةٍ من ذكره والصلاة على رسوله؛ فإن اللّه جعل المناكحة
التي رضيها فعلاً وأنزلها وحياً سبباً للمناسبة. وإن فلاناً ذكر فلانة وبذل لها من
الصذداق كذا، وقد زوّجته إيّاها، وأوصيته اللّه لها. ثم قال للفتيان على رأسه:
هاتوا نثاركم. فقلبي على رؤؤسنا غرائر التّمر.
خطبة أعرابي قال: وقال شبّة بن عقّال: ما تمنّيت أن لي بقليلٍ من كلامي كثيراً من
كلام غيري إلا يوماً واحداً، فإنّا خرجنا مع صاحب لنا نريد أن زوّجه، فمررنا
بأعرابيٍّ فأتبعنا، فتكلّم القوم فجاء بخطبةٍ فيها ذكر السموات والأرض والجبال؛
فلما فرغ قلنا: من يجيبه? قال الأعرابيّ: أنا.
فجثا لركبته ثم أقبل على القوم فقال: واللّه ما أدري ما تحتاطك وتلصاقك منذ اليوم!
ثم قال: الحمد للّه ربّ العالمين وصلى اللّه على مجمدٍ خير المرسلين. أمّا بعد فقد
توسّلت بحرمةٍ، وذكرت حقّاً وعظمت عظيماً، فحبلك موصول، وفرضك مقبول؛ وقد زوّجناها
إيّاك وسلمّناها لك؛ هاتوا خبيصكم.
لسلم بن قتيبة قال ابن عائشة: زوّج سلم بن قتيبة ابنته من يعقوب بن الفضل فقال:
الحمد للّه، قد ملكت باسم اللّه.
للمأمون حضر المأمون إملاكاً وهو أمير، فسأاله بعض من حضر أن يخطب، فقال: المحمود
اللّه والمصطفى رسول اللّه، وخير ما عمل به كتاب اللّه؛ قال اللّه تعالى:
"وأنكحوا الأيامى منكم والصّالحين من عبادكم وإمائكم" ولم يكن في
المناكحة آيةٌ منزلّة ولا سنةٌ متبّعةٌ إلا ما جعل اللّه في ذلك من تألف البعيد وبرّ
القريب، وليسلرع إليها الموّفق ويبادر إليها العاقل اللّبيب وفلانٌ من قد عرفتموه
في نسب لم تجهلوه خطب إليكم فلانة فتاتكم وقد بذل لها من الصّداق كذا، فشفّعوا
شافعنا وأنكحوا خاطبنا، وقولوا خيراً تحمدوا عليه وتؤجروا؛ أقول قولي هذا، وأستغفر
اللّه لي ولكم.
وصايا الأولياء للنساء عند الهداء
لعامر
بن الظرب العتبيّ قال: حدّثنا إبراهيم العامريّ قال: زوّج عامر بن الظّرب ابنته من
ابن أخيه، فلما أراد تحويلها قال لأمّها: مري ابنتك ألاّ تنزل مفازةً إلا ومعها
ماءٌ فإنه للأعلى جلاءٌ وللأسفل نقاء؛ ولا تكثر مضاجعته، فإنه إذا ملّ البدن ملّ
القلب؛ ولا تمنعه شهوته، فإن الحظوة في الموافقة. فلم تلبث إلا شهراً حتى جاءته
مشجوجةً؛ فقال لابن أخيه: يا بنيّ ارفع عصاك عن بكرتك، فإن كانت نفرت من غير أن
تنفّر فذلك الداء الذي ليس له دواء، وإن لم يكن بينكما وفاقٌ، ففراق الخلع أحسن من
الطلاق؛ ولن تترك مالك وأهلك. فردّ عليه صداقه وخلعها؛ فهو أوّل من خلع من العرب.
وصية الفرافصة الكلبي لابنته، ومثله للزبرقان قال الفرافصة الكلبيّ لابنته حين
جهّزها إلى عثمان رضي اللّه عنه: يا بنيّة إنك تقدمين على نساء قريشٍ وهنّ أقدر
على الطّيب منك، فلا تغلبي على خصلتين: الكحل والماء، تطهّري حتى يكون ريحك ريح
شنّ أصابه المطر.
كان الزّبرقان بن بدر إذا زوّج ابنةً له دنا من خدرها وقال: أتسمعين? لا أعرّفنّ
ما طلبت، كوني له أمةً يكن لك عبداً.
امرأة لابنتها أبو الحسن: قالت امرأةٌ لابنتها عند هدائها: اقلعي زجّ رمحه فإن أقرّ
فاقلعي سنانه، فإن أقرّ فاكسري العظام بسيفه، فإن أقرّ فاقطعي اللّحم على ترسه،
فإن أقرّ فضعي الإكاف على ظهره فإنما هو حمار.
وصية أبو الأسود الدؤلي لابنته قال أبو الأسود لابنته: إيّاك والغيرة فإنها مفتاح
الطّلاق، وعليك بالزينة، وأزين الزينة الكحل؛ وعليك بالطّيب، وأطيب الطّيب إسباغ
الوضوء؛ وكوني كما قلت لأمك في بعض الأحايين:
خذي العفو مني تستديمي مـودّتـي |
|
ولا تنطقي في سورتي حي أغضب |
فإني وجدت الحبّ في الصدر والأذى |
|
إذا اجتمعتا لم يلبث الحـبّ يذهـب |
باب سياسة الّنساء ومعاشرتهنّ
للنبي
صلى الله عليه وسلم عيسى بن يونس قال: حدّثنا شيخٌ لنا قال: سمعت سمرة بن جندبٍ
يقول على منبرٍ البصرة: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:"إنما المرأة
خلقت من ضلع عوجاء فإن تحرص على إقامتها تكسرها فدارها تعش بها".
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
هي الضّلع العوجاء لست تقيمها |
|
ألا إنّ تقويم الضلوع انكسارها |
أتجمع ضعفاً واقتداراً على الفتى |
|
ألبس عجيباً ضعفها واقتدارهـا |
لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه عن الحسن
قال: قال عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه: النساء عورةٌ فاستروها بالبيوت، وداووا
ضعفهنّ بالسكوت.
وفي حديث آخر لعمر: لا تسكنوا نساءكم الغرف، ولا تعلّموهنّ الكتاب، واستعينوا
عليهنّ بالعري، وأكثروا لهنّ من قول، فإنّ نعم تغريهنّ على المسألة.
من غيرة عقيل بن علفة قال الأصمعيّ: قيل لعقيل بن علّفة وكان غيوراً: من خلّفت في
أهلك? فقال: الحافظين، العري والجوع. يعني أنه يجيعهنّ فلا يمزحن، ويعريهنّ فلا
يمرحن.
شعر لكثير وقال كثيّر:
وكنت إذا ما جئت أجللن مجلسي |
|
وأبدين منّي هيبةً لا تجهّـمـا |
|
||
يحاذرن منّي غيرةً قد علمنها |
|
قديماً فما يضحكن إلاّ تبسّمـا |
|||
تراهنّ إلاّ أن يؤدّين نـظـرةً |
|
بمؤخر عينٍ أو يقلّبن معصما |
|||
كواظم لا ينطقن إلاّ محـورةً |
|
رجيعة قول بعد أن تتفهّمـا |
|||
وكنّ إذا ما قلن شـيئاً يسـرّه |
|
أسرّ الرّضا في نفسه وتحرّما |
|||
لابن المقفع في سياسة النساء وقال ابن
المقفّع: إيّاك ومشاورة النساء، فإن رأيهنّ إلى أفنٍ، وعزمهنّ إلى وهنٍ. واكفف
عليهنّ من أبصارهنّ بحجابك إيّاهنّ، فإنّ شدّة الحجاب، خيرٌ لك من الارتياب. وليس
خروجهنّ بأشدّ من دخول من لا تثق به عليهنّ، فإن استطعت ألاّ يعرفن عليك فافعل.
ولا تمّلكنّ امرأةً ما جاوز نفسها، فإن ذلك أنعم لحالها وأرخى لبالها؛ وأدوم
لجمالها، وإنما المرأة ريحانة وليست بقهرمانة، فلا تعد بكرامتها نفسها، ولا تعطها
أن تشفع عندك لغيرها. ولا تطل الخلوة مع النساء فيمللنك وتملّهنّ؛ واستبق من نفسك
بقيّةً، فإنّ إمساكك عنهنّ وهنّ يردنك باقتدار، خير من أن يهجمن عليك على انكسار.
وإيّاك والتغاير في غير موضع غيرة، فإنّ يدعو الصحيحة منهنّ إلى السّقم.
المأمون في الغيرة كان المأمون يقول: الغيرة بهيميّة. وقال أيضاً: هي ضرب من
البخل.
شعر الخريمي في الغيرة أنشدني محمد بن عمر للخريميّ:
ما أحسن الغيرة في حينـهـا |
|
وأقبح الغيرة في غير حـين |
من لم يزل متهمـاً عـرسـه |
|
متّبعاً فيها لقول الـظّـنـون |
يوشك أن يغـريهـا بـالـذي |
|
يخاف أن يبرزها للـعـيون |
حسبك من تحصينها وضعهـا |
|
منك إلى عرضٍ صحيح ودين |
لا يطلعن منـك عـلـى ريبةٍ |
|
فيتبع المقرون حبل القـرين |
للشنفرى، ولآخرين وقال الشنفرى:
إذا أصبحت بين جبـال قـوٍّ |
|
وبيضا القرى لم تحذرينـي |
وإما أن تؤذينـي وتـرعـى |
|
أمانتكم وإما أن تـخـونـي |
إذا ما جئت ما أنهاك عـنـه |
|
ولم أنكر عليك فطلّقـينـي |
فأنت البعل يومئذٍ فقـومـي |
|
بسوطك لا أبا لك فاضربيني |
أنشدني عبد الرحمن عن عمه للرخيم العبدي:
كنا ولا تعصي الحليلة بعلـهـا |
|
فاليوم تضربه إذا ما هو عصى |
ويقلن بعداً للشـيوخ سـفـاهةً |
|
والشيخ أجدر أن يهاب ويتقـى |
وقال آخر:
وإني لأخلي للفتاة خـبـاءهـا |
|
كثيراً فترعى نفسها أو تضيعها |
وإني لعفٌّ عن مطاعـم جـمةٍ |
|
إذا زيّن الفحشاء للنفس جوعها |
قال جران العود:
ولكن سمعن الشيخ قد قال قـولةً |
|
عليكم إذا ما ربنكم بالـضـرائر |
ولا تأمنوا مكر النساء وأمسكـوا |
|
عرى المال عن أبنائهن الأصاغر |
فإنك لم ينذرك أمـراً تـخـافـه |
|
إذا كنت منه جاهلاً مثل خابـر |
لجعفر
بن سليمان الأصمعيّ عن جعفر بن سليمان قال: منعني علمي بالنساء كثيراً منهن، فقد
غشيت ألف امرأة. وإن الله لو يحلّ لرجل ابنته لم تنفعه أو تعزبه.
الحجاج ونسائه أبو الحسن قال: قيل للحجاج: أيمازح الأمير أهله? قال: ما تروي إلا
شيطاناً! والله لربّما قبّلت أخمص إحداهنّ.
لرجل من العرب في حسن المعاشرة قيل لرجل من العرب كان يجمع الضرائر: كيف تقدر على
جمعهنّ? قال: كان لنا شبابٌ يصابرهنّ علينا، ثم كان لنا مالٌ يصبّرهنّ لنا، ثم بقي
خلق حسن، فنحن نتعاشر به ونتعايش.
للنبي صلى الله عليه وسلم عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: :
"كلّ شيء يلهو به الرجل باطلٌ إلا تأديبه فرسه، ورميه عن قوسه، وملاعبته
أهله".
في الأولاد والعيال ويقال: العيال سوس المال.
للكسائي في ترك التزوج عوتب الكسائي في ترك التزوج، فقال: وجدت مكابدة العزبة أيسر
من مكابدة العيال.
لعمارة بن حمزة عن عمارة بن حمزة قال: يخبز في بيتي كلّ يومٍ ألف رغيفٍ، كلهم
يأكله حلالاً غيري. وكان يأكل رغيفاً واحداً. ويقولون: فلانٌ ربّ البيت، وإنما هو
كلب البيت.
لعيسى بن عليّ عن عيسى بن علي قال في مرضٍ مرضه بمدينة السلام للناس: إن في قصري
الساعة لألف محمومةٍ.
للنبي صلى الله عليه وسلم في الإنفاق على الأهل
عن مجاهد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "دينار أعطيته
مسكيناً ودينار أعطيته في رقبةٍ ودينار أعطيته في سبيل الله ودينار أنفقته على
أهلك هو أعظم أجراً".
محادثة النساء
لبشار في محادثة النساء قال بشار:
وحديثٍ كأنه قـطـع الـرو |
|
ض وفيه الصفراء والبيضاء |
مثله لابن الأعرابي وغيره وأنشد ابن الأعرابي:
وحديثها كالغيث يسمعـه |
|
راعي سنين تتابعت جدبا |
فأصلح مستمعاً لـدرّتـه |
|
ويقول من فرحٍ هيا ربّا |
وقال القطامي:
وهنّ ينبذن من قول يصبـن بـه |
|
مواقع الماء م ذي الغلة، الصادي |
وقال الأخطل:
قد تكون بها سلمى تحـدّثـنـي |
|
تساقط الحلي حاجاتي وأسراري |
شبه كلامها بعقدٍ انقطع فتساقط لؤلؤه.
وقال جران العود:
حديث لو أن اللحم يصلى بحـره |
|
غريضاً أتى أصحابه وهو منضج |
وقال بشّار وذكر امرأة: "كأن حديثها سكر الشّراب" وقال أعرابيّ:
ونازعتنا ضـحـياً خـفـيّاً كـأنـه |
|
على المجتنى الريحان أمرغ خاضله |
بوحي لو أن العصم تسمع رجـعـه |
|
تقضّض من أعلى أبانٍ عواقـلـه |
وقال بشار:
وكأنّ تحـت لـسـانـهـا |
|
هاروت ينفث فيه سحـرا |
وكأن رجـع حـديثـهـا |
|
قطع الرّياض كسين زهرا |
لأعرابي أحمق وقال بعض الأعراب الحمقى:
حديثك أشهى حين آتيك طارقاً |
|
من الماء والدّوشاب يمتزجان |
كأنّ على عينيك تسعين جـلّةً |
|
كثيراً من االبرنيّ والصّرفان |
آخر:
كأنّ على فيها وما ذقت طعمه |
|
لبا نعجةٍ سوّطتـه بـدقـيق |
رمتني بسهمٍ نصلـه قـرويةّ |
|
وفوقاه سمنٌ والنضيّ سويق |
لذي الرّمة والحسن في هذا قول ذي الرّمّة:
ولما تلاقينا جرت من عيونـنـا |
|
دموعٌ كففنا ماءها بالأصـابـع |
ونلنا سقاطاً من حـديث كـأنـه |
|
جنى النحل مموزجاً بماء الوقائع |
وقال آخر:
أنخ فاختبر قرصاً إذا اعترك الهوى |
|
بزيتٍ لكي يكفيك فقد الحـبـائب |
إذا اجتمع الجوع المبّرح والهـوى |
|
نسيت وصال الغانيات الكواعـب |
فدع عنك تطلاب الغواني وحبّهـا |
|
وراجع تمـر مـع لـبـأ ورائب |
باب النظر
للمسيح عليه السلام في النظر قال المسيح عليه السلام: لا يزني فرجك ما غضضت بصرك في الأحتفاظ من العين وقال رجلٌ لأخيه: احتفظ من العين، فإنها أنمّ عليك من اللسان وقال بشار:
على النفس من عينها شاهدٌ |
|
فكاتم حـديثـك أونـمّـه |
وقال الفرزدق:
فلا تدخل بيوت بني كليبٍ |
|
ولا تقرب لهم أبداً رحالا |
فإنّ بها لوامع مبـرقـاتٍ |
|
يكدن ينكن بالحدق الرجالا |
بين أشعب وابنه نظر أشعب يوماً إلى ابنه
وهو يديم النظر إلى امرأة، فقال: يا بنيّ نظرك هذا يحبل.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء في هذا المعنى:
ولي نظرةٌ لو كان يحبل ناظرٌ |
|
بنظرته أثنى لقد حبلت منّي |
ذو الرمة وقال ذو الرّمة - وذكر الظبية وخشفها - :
وتهجره إلاّ اختلاساً بطـرفـهـا |
|
وكم من محبٍ رهبة العين هاجر |
لأعرابية في بني نمير مرّت أعرابيّةٌ بقوم من بني نمير، فأداموا النظر إليها، فقالت: يا بني نمير، واللّه ما أخذتم بواحدةٍ من اثنتين: لا بقول اللّه: "قل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم". ولا بقول جرير:
فغضّ الطّرف إنك من نميرٍ |
|
فلا كعباً بلغت ولا كلابـا |
فاستحيا القوم من كلامها وأطرقوا.
للطائي وقال الطائيّ:
مريب الحزن في القلوب |
|
وناصر العزم في الذنوب |
ما شئت من منطق أريبٍ |
|
فيه ومن منظرٍ عجـيب |
لمّا رأى رقبة الأعـادي |
|
على مغنّى بـه كـئيب |
جرّد لي من هواه طرفـاً |
|
صار رقيباً على الرقيب |
فصاحة الطرف ويقال: ربّ طرفٍ أفصح من
لسانٍ.
وقال الشاعر:
ومراقبين يكتّمان هواهـمـا |
|
جعلا الصدور لما تجنّ قبورا |
|
||
يتلاحظان تلاحظاً فكأنـمـا |
|
يتناسخان من الجفون سطورا |
|||
وقال أعرابيّ:
إن كاتمونا القلى نمّـت عـيونـهـم |
|
والعين تظهر ما في القلب أو تصف |
وقال آخر في مثله:
إذا القلوب أظهرت غير ما |
|
تضمره أنبتك عنها العيون |
وقال آخر:
أما تبصر في عينيّ |
|
عنوان الذي أبدي |
وقالت أعرابيةّ:
ومودّع يوم الفراق بلحظـه |
|
شرقٍ من العبرات ما يتكلّم |
وقال أعرابيّ:
وما خاطبتها مقلتاي بنـظـرةٍ |
|
فتفهم نجوانا العيون النواظر |
ولكن جعلت الوهم بيني وبينها |
|
رسولاً فأدّى ما تجنّ الضمائر |
ونحوه قول أبي العتاهيّة:
أما والذي لو شاء لم يخلـق الـنـوى |
|
لئن غبت عن عيني لما غبت عن قلبي |
يوهّمنيك الشوق حـتّـى كـأنـنـي |
|
أناجيك عن قربٍ وما أنت في قربـي |
وقال أحمد بن صالح بن أبي فنن:
دعا طرفه فأقبل مـسـرعـاً |
|
فأثّر في خدّيه فاقتصّ من قلبي |
شكوت إليه ما ألاقي من الهوى |
|
فقال على رغمٍ فتنت فما ذنبي |
في
أربع لا يشبعن من أربع كان يقال: أربعٌ لا يشبعن من أربع: عينٌ من نظر، واثنى من
ذكر، وأرضٌ من مطر، وأذنٌ من خبر.
بين إسحاق بن أحمد ورجل حدّثني إسحاق بن أحمد بن أبي نهيك قال: رأيت رجلاً في طريق
مكة وعديله جاريةٌ في المحمل وقد شدّ عينيها وكشف الغطاء؛ فقلت له في ذلك؛ فقال:
إنما أخاف عليها عينيها لا عيون الناس.
وكان عند بعض القرشّيين امرأةٌ عربيّةٌ، ودخل عليها خصيّ لزوجها وهي واضعةٌ
خمارها، فحلقت رأسها وقالت: ما كان ليصحبني شعرٌ نظر إليه غير ذي محرمٍ.
باب القيان والعيدان والغناء
بين جعفريّ وجارية يهواها قال إسحاق بن إبراهيم: كان رجلٌ من آل جعفر بن أبي طالب، يهوى جاريةً، فطال ذلك به، فقال للزّبيريّ: قد شغلتني هذه عن ضيعتي وعن كل أمري فاذهب بنا حتى نكاشفها، فقد وجدت بعض السّلوّ. فأتيناها؛ فلما أتيناها قال لها الجعفريّ أتغنيّن:
وكنت أحبّكم فسلوت عنكم |
|
عليكم في دياركم السلام |
فقالت: لا، ولكني أغنّي:
تحمّل أهلها منها فبـانـوا |
|
على آثار من ذهب العفاء |
فاستحيا وأطرق ساعةً وازداد كحلفاً، ثم قال: أتغنيّن:
وأخنع للعتبى إذا كنت ظالمـاً |
|
وإن ظلمت كنت الذي أتنصّل |
قالت: نعم، وأغنيّ:
فإن تقبلوا بالودّ نقبل بمـثـلـه |
|
وإن تدبروا أدبر على حال باليا |
فتقاطعا في بيتين، وتواصلا في بيتين، ولم
يشعر بهما أحدٌ.
وقال أحمد بن صالح بن أبي فنن:
أعددت للحرب شرب كأسٍ |
|
وميل سمـعٍ إلـى قـيان |
تظلّ أوتارهنّ تـحـكـي |
|
فصاحةً منطق اللـسـان |
ما بين يمنى وبين يسـرى |
|
وحي بنانٍ إلـى بـنـان |
ضمير قلب بقـرع كـفٍّ |
|
أبداه بمّـان نـاطـقـان |
لبعض الكتاب في العود وقال بعض الكتّاب وذكر العود:
وناطق بلسان لا ضـمـير لـه |
|
كأنه فخذٌ نيطـت إلـى قـدم |
يبدي ضمير سواه في الكلام كما |
|
يبدي ضمير سواه منطقٌ لفـم |
لشاعر يذكر مغنية وقال آخر يذكر مغنيّة:
ألم ترها لا يبعـد الـلّـه دارهـا |
|
إذا رجّعت في صوتها كيف تصنع |
تمدّ نـظـام الـقـول ثـم تـردّه |
|
إلى صلصل في حلقها يتـرجّـع |
شعر في القيان وقال بعض المحدثين في القيان:
إذا رأين الـقـيان أحـمـــق ذا |
|
مالٍ يقلّبـن نـحـوه الـحـدقـا |
وبالتـغـنّـي وبـالـتـدلّـل يس |
|
لبن فـؤاداً بـحـبّـه عـلـقـا |
حتى إذا ما سـلـخـن جـلـدتـه |
|
سلخـاً رفـيقـاً وبـدّد الـورقـا |
قلن ادخلوا، ذا الطّوير قد طرح الرّ |
|
يش، وشدّوا من دونه الـغـلـقـا |
فبتـن يرعـين فـي دراهـمـه |
|
وبات يرعى الهـمـوم والأرقـا |
للقاسم بن محمد في الغناء
ذكر عند القاسم بن محمد الغناء والسّلو عنه، فقال لهم: أخبروني، إذا ميّز أهل
الحقّ وأهل الباطل ففي أيّ الفريقين يكون الغناء? قالوا: في فريق الباطل. قال: فلا
حاجة لي فيه.
بين سكينة بنت الحسين والغريض ومعبد قدمت سكينة بنت الحسين مكة، فأتاها الغريض
ومعبد فغنياها:
عوجي علينا ربّة الهودج |
|
إنك إن لم تفعلي تحرجي |
فقالت: والله ما لكما مثلٌ: إلا الجديين
الحار والبارد لا يدرى أيها أطيب.
في إجادة الغناء والإساءة فيه قال بعضهم: ليس يخلو أحدٌ في بيته ولا في سفره إلا
وهو يشدو، فإن هو أساء في ذلك ستر الله عليه، وإن هو أحسن فضحه الله.
لشريح قال الهيثم: خرج شريحٌ إلى مكة فشيّعه قوم، فانصرف بعضهم من النجف بعد
السفرة، ومضى معه قوم، فلما أرادوا أن يودعوه، قال: أما أصحاب النجف فقد قضينا
حقّهم بالطعام، وأما أنتم فأغنّيكم، ورفع عقيرته وغنّى:
إذا زينب زارها أهـلـهـا |
|
حشدت وأكرمت زوّارهـا |
وإن هي زارتهم زرتـهـا |
|
وإن لم يكن لي هوىً دارها |
خبر القاص بمرو عن عليّ بن هشام قال: كان عندنا بمرو قاصٌّ يقصّ فيبكينا، ثم يخرج بعد ذلك طنبوراً صغيراً من كمّه فيضرب ويغني ويقول:
يا إين تيمار بايد أندكي شادي |
معناه: ينبغي مع هذا الغم قليل فرحٍ.
ابن عيينة ومجيب له عن ابن جامع قدم ابن جامع مكة بخيرٍ كثير، فقال ابن عيينة:
علام تعطيه الملوك هذه الأموال ويحبونه هذا الحباء? قالوا: يغنيهم. قال: ما يقول?
فاندفع رجل يحكيه وقال:
أطوّف بالبيت فيمن يطوف |
|
وأارفع من مئزري المسبل |
قال: أحسنت، هيه! فقال:
وأسجد بالليل حتى الصبـا |
|
ح أتلو من المحكم المنزل |
فقال: جزاه الله عن نفسه خيراً! هيه! فقال:
عسى كاشف الكرب عن يوسفٍ |
|
يسخر لي ربّة الـمـحـمـل |
فقال: آه! أمسك أمسك، قد علمت ما نحا الخبيث، اللهم لا تسخرها له!.
التقبيل
من
أخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن ابن أسد قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا
اختلى مع نسائه أقعى وقبّل.
بين أم البنين وعزّة قالت أمّ البنين لعزّة صاحبة كثير: أخبريني عن قول كثير:
قضى كلّ ذي دينٍ فوفّى غريمه |
|
وعزّة ممطولٌ مغنّى غريمهـا |
أخبريني ما ذلك الدّين? قالت: وعدته قبلةً
فحرجت منها. قالت أم البنين: أنجزيها وعليّ إثمها.
بين رجل وأعرابي في معنى الزنا قال رجل لأعرابيّ: ما الزنا عندكم? قال: القبلة
والضّمة. قال: ليس هذا زنا عندنا. قال فما هو? قال: أن يجلس بين شعبها الأربع ثم
يجهد نفسه. فقال الأعرابي: ليس هذا زنا، هذا طالب ولد.
لبعض الشعراء في التقبيل وقال" آخر" :
فدخلت مختفياً أصرّ بـبـيتـهـا |
|
حتى ولجت على خفيّ المولـج |
قالت وعيش أخي ونعمة والـدي |
|
لأنبّهنّ الحيّ إن لـم تـخـرج |
فخرجت خيفة قولها فتبسـمـت |
|
فعلمت أن يمينها لـم تـحـرج |
فلثمت فاها قابضاً بقـرونـهـا |
|
شرب النزيف ببرد ماء الحشرج |
فتناولت رأسي لتعرف مـسـه |
|
بمخضّب الأطراف غير مشنـج |
وقال بعض الشعراء:
وما نلت منها محرماً غير أنني |
|
أقبّل بساماً من الثغر أبلـجـا |
وألثم فاها تارةً بـعـد تـارةٍ |
|
وأترك حاجات النفوس تحرّجا |
وقال آخر:
لعمري إني ما صبوت وما صبت |
|
وإنّي إليها من صبـاً لـحـلـيم |
سوى قبلةٍ أستغفر الله ذنـبـهـا |
|
وأطعم مسكيناً بـهـا وأصـوم |
لأبي نواس وقال أبو نواس:
وعاشقين التفّ خدّاهمـا |
|
عند التثام الحجر الأسود |
فاشتفيا من غير أن يأثما |
|
كأنما كانا على موعـد |
لولا دفاع الناس إيّاهمـا |
|
لما استفاقا آخر المسند |
بين المتوكل وبختيشوع قال المتوكل، أو غيره من الخلفاء، لبختيشوع: ما أخفّ النقل على النبيذ? فقال له: نقل أبي نواس. فقال: ما هو? فأنشده:
ما لي في الناس كلهم مثل |
|
مائي خمرٌ ونفلي القبـل |
وقال بعض المحدثين:
غضبت من قبلةٍ بالكره وجدت بها |
|
فهاك قد جئت فاقتصيه أضعافـا |
|
||
لم يأمر الله إلا بالقصاص فلا |
|
تستجوري ما رآه الله إنصافا |
|||
الدخول بالنساء والجماع
ابن عباس والمتعة عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: ما تقول في متعة النساء? - قال: قد أكثر الناس فيها حتى الشاعر:
قد قلت للشيخ لما طال مجـلـسـه |
|
يا صاح هل لك في فتوى ابن عباس |
هل لك في رخصة الأطراف آنـسةٍ |
|
تكون مثواي حتى رجعة الـنـاس |
- قال: فنهاني عنها وكرهها.
للأصمعي الأصمعي: أن رجلاً قعد من امرأة مقعد النكاح ثم قال: أبكرٌ أنت أم ثيّبٌ?
قالت: "وأنت على المجرّب".
بين الحجاج وابن شماخ قال الحجاج لأكتل بن شمّاخ العكلي: ما عندك للنساء? قال: إني
لأطيل الظمأ وأورد فلا أشرب.
لمدني في النكاح وقيل لمدني: ما عندك في النكاح? قال: إن منعت غضبت، وإن تركت
عجزت.
للأحنف قال الأحنف: إذا أردتم الحظوة عند النساء فأفحشوا في النكاح وحسنوا
الأخلاق.
لمعاوية قال معاوية: ما رأيت منهوماً بالسناء إلا رأيت ذلك في منّته.
قال آخر: لذة المرأة على قدر شهوتها، وغيرتها على قدر محبتها.
لعيسى بن موسى دعا عيسى بن موسى بجاريةٍ له، فلم يقدر على غشيانها، فقال:
القلب يطمع والأسباب عاجـزةٌ |
|
والنفس تهلك بين العجز والطمع |
مقاتل بن طلبة قال مقاتل بن طلبة بن قيس بن عاصم:
رأيت سحيماً فاقد الله بينها |
|
تنيك بأيديها وتعيا أيورها |
وقال آخر:
ويبعث يوم الحشر أما لسانه |
|
فعيٌّ وأما أيره فخطـيب |
وقال آخر:
ويعجبني منك عند الجماع |
|
حياة اللسان وموت النظر |
لامرأة في الحارث بن ظالم المدائني قال:
أسرت عنزة الحارث بن ظالم، فمرت به امرأةٌ منهم فرأت كمرةً سوداء، فقالت: احتفظوا
بأسيركم فإنه ملكٌ وخدن ملك. قالوا: وكيف عرفت ذلك? "قالت:" رأيت حشفةً
سوداء من فروم النساء.
والفرم: ما تضيّق المرأة به رحمها م رامكٍ أو عجم زبيب أو غيره.
وكتب عبد الملك ب مروان إلى الحجاج: يابن المستفرمة بعجم الزبيب.
بين امرئ القيس وامرأة قال الهيثم: كان امرؤ القيس مفرّكاً، فبينما هو يوماً مع
امرأة قالت له: قم يا خير الفتيان قد أصبحت. فلم يقم، فكررت عليه، فقام فوجد الليل
بحاله، فرجع إليها فقال لها: ما حملك على ما صنعت? قالت: حملني عليه أنّك ثقيل
الصدرن خفيف العجز، سريع الإراقة.
بين أبي عبيدة وجارية له قال أبو عبيدة لجاريةٍ له: اصدقيني عمّا تكره النساء مني.
قالت: يكرهن منك "أنك" إذا عرقت فحت بريح كلبٍ. قال: أنت صدقتيني، إن
أهلي كاوا أرضعوني بلبن كلبةٍ.
بين رجل وامرأته قال الأصمعي: غاضبت امرأة زوجها، فجال عليها يجامعها؛ فقالت: لعنك
الله! كلما وقع بيني وبينك شرٌّ جئتني بشفيعٍ لا أقدر على ردّه!.
زواج عبيد الله بن زياد بهند بنت أسماء بن خارجة الهيثم عن ابن عيّاش قال: كتب
عبيد الله بن زياد إلى أسماء بن خارجة ووالي البصرة يخطب إليه هند بنت أسماء
فزوّجه؛ فلقيه عمرو بن حارثة ومحمد بن الأشعث بن قيس ومحمد بن عمير، فقالوا: خطب
إليك وليس له عليك سلطانٌ فزوجته وقد عرفته! فقال: قد كان ما كان. فقال عقيبة
الأسديّ:
جزاك الله يا أسمـاء خـيراً |
|
كما أرضت فيشلة الأمـير |
بصدرعٍ قد يفوح المسك منه |
|
عظيم مثل كركرة البـعـير |
لقد زوجتها حسنـاء بـكـراً |
|
تجيد الرهز من فوق السرير |
فبلغ الخبر عبيد الله بن زياد، فلما
استعمل على الكوفة تزوج عاشة بنت محمد بن الأشعث، وزوّج أخاه سلم بن زيادٍ بنت
عمرو بن الحارث بن حريثٍ، وزوّج أخاه عبد الله بن زيادٍ ابنة محمد بن عميرٍ. قال
ابن عيّاش: فاشتركوا والله في اللوم جميعاً.
لابن المبارك
قال ابن المبارك: ألستم تعلمون أنّي قد أرميت على المائة! وينبغي لمن كان كذلك أن
يكون في وهن الكرّة وموت الشّهوة وانقطاع ينبوع النّطفة، وأن قد يكون قد مال جبينه
إلى النساء وبفكره إلى الغزل. قالوا: صدقت. قال: وينبغي أن يكون عوّد نفسه تركهن،
وهذا والتخلي بهّ دهراً أن تكون العادة وتمرين الطبيعة وتوطين النفس قد حطّ من ثقل
منازعة الشهوة ودواعي الباه، وقد علمت أنّ العادة قد تستحكم ببعضٍ عمن ترك ملابسة
النساء. قالوا: صدقت. قال: وينبغي أن يكون لمن لم يذق طعم الخلوة بهنّ ولم
يجالسهنّ متبذّلاتٍ ولم يسمع خلابتهن للقلوب واستمالتهن للأهواء، ولم يرهنّ
متكشّفاتٍ ولا عارياتٍ أن يكون إذا تقدّم له ذلك مع طول الترك ألاّ يكون بقي معه
من دواعيهنّ شيء. قالوا: صدقت. قال: وينبغي لمن علم أنّه مجبوبٌ وأن سببه إلى
خلاطهن محسوم أن يكون اليأس من أمتن أسبابه إلى الزهد والسّلوة وإلى موت الخاطر.
قالوا: صدقت. قال: وينبغي لمن دعاه الزّهد في الدنيا إلى أن خصى نفسه ولم يكرهه
على ذلك أبٌ ولا عدوٌّ ولا سباه ساب أن يكون مقدار ذلك الزّهد يميت الذكر وينسي
العزم. قالوا: صدقت. قال: وينبغي لمن سخت نفسه عن الشكر وعن الولد وعن أن يكون
مذكوراً بالعاقب الصالح أن يكون قد نسي هذا الباب إن كان مرّةً منه على ذكره،
وأنتم تعلمون أني سملت عيني يوم خصيت نفسي "و" قد نسيت كيفية الصّور.
قالوا: صدقت. قال: أوليس لو لم أكن هرماً ولم يكن هاهنا اجتناب وكانت الآلة قائمة
- إلا أني لم أذق لحماً منذ ثلاثين سنة ولم تمتلىء عروقي من الشّراب مخافة الزيادة
في الشّهوة - لكان في ذلك ما يقطع الدواعي ويسكّن حركةً إن هاجت. قالوا: صدقت.
قال: فإن بعد ما وصفت لكم لا أسمع نغمةً لامرأة إلا أظن أنّ عقلي قد اختلس،
ولربّما تراءى فؤادي عن ضحك إحداهن حتى أظنّ أنه قد خرج من فمي، فكيف ألوم عليهنّ
غيري!.
"بين ابن سيرين ورجل" قال رجل لابن سيرين: إذا خلوت بأهلي أتكلّم بكلام
أستحي منه. قال: أفحشته اللّذة.
للموصلي في شراعة بن الزندبوذ إسحاق بن إبراهيم الموصليّ قال: كان شراعة بن
الزّندبوذ لا يأتي النساء، وكان يقال: إنه عنّينٌ؛ فقال:
قالوا شراعة عنّين فقلت لـهـم |
|
اللّه يعلم أنّـي غـير عـنّـين |
فإن ظننتم بي الظنّ الذي زعموا |
|
فقرّبوني إلى بيت ابن رامـين |
وكان ابن رامين صاحب قيانٍ، وكانت الزرقاء
جاريته.
بين إسحاق وابن كناسة قال إسحاق: أنشدني ابن كناسة:
لقد كان فيها للأمانة موضعٌ |
|
وللسّرّ كتمانٌ وللعين منظر |
قلت: ما بقي شيء. قال: فأين الموافقة!.
بين الهيثم وصالح بن حسان في أفقه الناس الهيثم قال: قال لي صالح بن حسّان: من
أفقه الناس? قلت: اختلف في ذلك. قال: أفقه الناس وضّاح اليمن حيث يقول:
إذا قلت هاتي نوّليني تبـسّـمـت |
|
وقالت معاذ اللّه من فعل ما حرم |
فما ناولت حتى تضرّعت عندهـا |
|
وأنبأتها ما رخّص اللّهفي اللّمـم |
بين هشام والأبرش في نساء كلب قال هشام بن
عبد الملك للأبرش الكلبيّ: زوّجني امرأة من كلب. فزوّجه؛ فقال له ذات يوم يهزل
معه: وتزوّجنا إلى كلب فوجدنا في نسائهم سعة. فقال الأبرش: يا أمير المؤمنين، إن
نساء كلبٍ خلقن لرجال كلبٍ.
لكندي في نساء كندة قال: وسمع رجلٌ من كندة رجلاً يقول: وجدنا في نساء كندة سعةً؛
قال الكنديّ: إن نساء كندة مكاحل فقدت مراودها.
بين أعرابي وامرأته تزوّج أعرابيّ امرأةً، فلما دخل بها عابثها فضرطت فخرجت غضبي
إلى أهلها، وقالت: لا أرجع حتى يفعل مثل ما فعلت؛ فقال لها: عودي لأفعل. فعادت
ففعل؛ فبينما هو يداعبها إذ حبقت أخرى؛ فقال الأعرابي:
طالبتني ديناً فلـم أقـضـك |
|
واللّه حتى زدت في قرضك |
فلا تلوميني على مـطـلـه |
|
إن كان ذا دأبك لم أقضـك |
لأعرابية عجز عنها زوجها تزوّج رجلٌ
أعرابيّة فعجز عنها؛ فقيل لها في ذلك، فقالت: نحن لنا صدوع في صفاً، ليس لعاجزٍ
فينا حظّ.
أبو سفيان بن حرب يذكر زوجته صعبة بعدما طلقها
الهيثم عن ابن عياش قال: كانت صعبة أمّ طلحة بن عبيد اللّه من بنات فارس، تزوّجها
أبو سفيان بن حربٍ فلم تزل به هندٌ حتى طلّقها، فتزوّج بها عبيد اللّه؛ وتتبّعتها
نفس أبي سفيان فقال:
إنا وصعـبة فـيمـا تـرى |
|
بعـيدان والـودّ قــريب |
فإلاّ يكن نـسـبٌ ثـاقـبٌ |
|
فعند الفتاة جمـالٌ وطـيب |
لها عند سرّي بها نـخـرةٌ |
|
يزول بها يذبلٌ أو عسـيب |
فيا لقصيٍّ ألا فاعـجـبـوا |
|
فللوبر صار الغزال الربيب |
لأعرابية جلس أعرابيٌ إلى أعرابيّةٍ، وعلمت أنه إنما جلس إليها لينظر ابنتها، فضربت بيدها على جنبها وقالت:
وما لك منها غير أنك ناكحٌ |
|
بعينيك عينيها فهل ذاك نافع |
لأيمن بن خريم وقال أيمن بن خريم:
لقيت من الغانيات العـجـابـا |
|
لو ادرك منّي العذارى الشّبابا |
ولكنّ جمع العذارى الحسـان |
|
عناء شديد إذا المـرء شـابـا |
يرضن بكـل عـصـا رائضٍ |
|
ويصبحن كلّ غداةٍ صعـابـا |
علام يكحلنّ حـور الـعـيون |
|
ويحدثن بعد الخضاب الخضابا |
ويبرزن إلا لما تـعـلـمـون |
|
فلا تحرموا الغانيات الضّرايا |
إذا لم يخالطـن كـلّ الـخـلا |
|
ط أصبحن مخرنطماتٍ غضابا |
يميت العتاب خلاط النـسـاء |
|
ويحيي اجتناب الخلاط العتابـا |
العرجيّ في يوم غاب عذّاله واعد العرجيّ امرأة من الطائف فجاء على حمار ومعه غلام، وجاءت المرأة على أتان ومعها جارية؛ فوثب العرجيّ على المرأة، والغلام على الجارية، والحمار على الأتان؛ فقال العرجيّ: هذا يومٌ غاب عذّاله.
باب القيادة
لعائشة
رضي اللّه عنها عن الواصلة عن ابن الأشوع: أنه سئل عن الواصلة فقال: إنك لمنقّر،
قالت عائشة رضي اللّه عنها: ليست الواصلة بالتي تعنون، وما بأسٌ إذا كانت المرأة
زعراء أن تصل شعرها، ولكن الواصلة أن تكون بغيّاً في شبيبتها، فإذا أسنت وصلته
بالقيادة.
خبر ظلمة القوادة قالوا: كانت ظلمة التي يضرب بها المثل في القيادة صبيةً في
الكتّاب، فكانت تضرب دويّ الصبيان وأقلامهم، فلما شبت زنت، فلما أسنت قادت، فلما
قعدت اشترت تيساً تنزّيه على العنز.
للمدائني وذكر المدائنيّ: أنّ رجلاً من السلطان كان لا يزال يأخذ قوّادة فيحبسها
ثم يأتيه من يشفع فيها فيخرجها؛ فأمر صاحب شرطته فكتب في قصّتها: فلانة القوّادة
تجمع بين الرجال والنساء لا يتكلّم فيها إلا زانٍ؛ فكان إذا كلّم فيها قال: أخرجوا
قصّتها، فإذا قرئت قام الشفيع مستحيياً.
شعر لجران العود وقال جران العود:
يبلّغهنّ الحـاج كـلّ مـكـاتـب |
|
طويل العصا أو مقعدٍ يتـزّحـف |
ومكمونةٍ رمداء لا يحـذرونـهـا |
|
مكاتبةٍ ترمي الكلاب وتـحـذف |
رأت ورقاً بيضاً فشدّت حزيمهـا |
|
لها فهي أمضى من سليكٍ وألطف |
للفرزدق وقال الفرزدق:
يبلّغهنّ وحي القول منّـي |
|
ويدخل رأسه تحت القرام |
لحميد بن ثور وقال حميد بن ثور:
خليليّ إني أشتكي ما أصـابـنـي |
|
لتستيقنا ما قد لقيت وتـعـلـمـا |
|
||
فلا تفشيا سرّي ولا تـخـذلا أخـاً |
|
أبثّكما منه الحديث المـكـتـمّـا |
|
||
وقولا إذا جاوزتما أرض عـامـرٍ |
|
وجاوزتما الحيّين نهداً وخثعـمـا |
|
||
نزيعان من جرم بن ربّـان إنـهـم |
|
أبوا أن يريقوا في الهزاهز محجما |
|
||
وخبّا على نضوين مكتفـلـيهـمـا |
|
ولا تحملا إلا زنـاداً وأسـهـمـا |
|
||
وزاداً غريضاً خفّفاه عـلـيكـمـا |
|
ولا تبديان سرّاً ولا تحمـلا دمـا |
|
||
وإن كان ليلٌ فالويا نسـبـيكـمـا |
|
وإن خفتما أن تعرفا فتـلّـثـمـا |
|
||
وقولا خرجنا تاجرين فـأبـطـأت |
|
ركابٌ تركناها بثـلـيث قـوّمـا |
|
||
ولو قد أتانـا بـزّنـا ودقـيقـنـا |
|
تموّل منكم من رأيناه مـعـدمـا |
|
||
ومدّا لهم في السّوم حتى تمـكّـنـا |
|
ولا تستلجّا صفق بيع فـيلـزمـا |
|
||
فإن أنتما اطمأننتما فـأمـنـتـمـا |
|
وخلّيتما ما شئتمـا فـتـكـلّـمـا |
|
||
وقولا لها ما تأمرين بصاحبٍ |
|
لنا قد تركت القلب منه متيّما |
|||
أبيني لنا إنّا رحلنا مـطـيّنـا |
|
إليك وما نرجوك إلا توهّما |
|||
المأمون لرسول بعث به وقال المأمون لرسول بعث به:
بعثتك مرتاداً ففـزت بـنـظـرة |
|
وأخلفتني حتى أسأت بك الظّـنـا |
وناجيت من أهوى وكنت مقـرّبـاً |
|
فيا ليت شعري عن دنوّك ما أغنى |
وردّدت طرفاً في مجالس وجههـا |
|
ومتّعت باستسماع نغمتـهـا أذنـا |
أرى أثراً منها بعينـيك لـم يكـن |
|
لقد سرقت عيناك من وجهها حسنا |
وقال بعض المحدثين:
يا سوء منقلب الرّسـو |
|
ل مخبراً بخلاف ظنيّ |
إنّي أعـيذك أن تـكـو |
|
ن شغلتني وشغلت عنّي |
شعر زيد بن عمرو في أمته وقال زيد بن عمرو في أمته:
إذا طمثت قادت وإن طهرت زنت |
|
فهي أبداً يزني بـهـا وتـقـود |
باب الزنا والفسوق
العتبي،
قال: قيل لرجل في امرأته وكانت لا ترّد يد لامسٍ: علام تحسبها مع ما تعرف منها?
فقال: إنها جميلة فلا تفرك وأمّ عيال فلا تترك.
لبعض الأعراب وقال بعض الأعراب:
ألمّا على دارٍ لواسـعة الـحـبـل |
|
ألوفٍ تسوّي صالح القوم بالـرّذل |
يبيت بها الحدّاث حتـى كـأنـمّـا |
|
يبيتون فيها من مدافع من نـخـل |
ولو شهدت حجّاج مكة كـلّـهـم |
|
لراحوا وكلّ القوم منها على وصل |
بين الفرزدق وسليمان بن عبد الملك أنشد الفرزدق لسليمان بن عبد الملك القصيدة التي تقول فيها:
ثلاثٌ واثنتان فـهـنّ خـمـسٌ |
|
وسادسة تمـيل إلـى شـمـام |
فبتن بجانبـي مـصـرعـات |
|
وبتّ أفضّ أغلاق الـخـتـام |
كأن مفالق الـرّمـان فـيهـا |
|
وجمر غضّى قعدن عليه حامي |
فقال سليمان: أحللت نفسك يا فرزدق: أقررت
عندي بالزنا وأنا إمامٌ، ولا بدّ لي من إقامة الحدّ عليك فقال: بم أوجبت ذلك عليّ
يا أمير المؤمنين، فقال: بكتاب اللّه قال: فإن كتاب اللّه يدرأ عنيّ، قال اللّه
جلّ ثناؤه: "والشعراء يتبّعهم الغاوون ألم تر أنهّم في كلّ وادٍ يهيمون.
وأنهّم ماالا يفعلون" فإنا قلت ما لم أفعل.
أبو الطمحان القيني وليلة الدير قيل لأبي الطّمحان القينيّ: خبّرنا عن أدنى ذنوبك.
قال: ليلة الدير. قالوا: وما ليلة الدير? قال: نزلت على ديرانيةّ فأكلت طفيشلاً
لها بلحم الخنزيرٍ، وشربت من خمرها وزينت بها وسرقت كساءها ومضيت شعر لعمر بن أبي
ربيعة وقال عمر بن أبي ربيعة:
يقصد الناس للطواف احتسابـاً |
|
وذنوبي مجموعةٌ في الطواف |
لجرير في الفرزدق وقال جريرٌ في الفرزدق:
لقد ولدت أمّ الفرزدق فـاجـراً |
|
فجاءت بوزوازٍ قصير القـوائم |
يوصّل حبلـيه إذا جـنّ لـيلـه |
|
ليرقى إلى جاراته بالـسّـلالـم |
وما كان جارٌ للفرزدق مسـلـمٌ |
|
ليأمن قرداً لـيلـه غـير نـائم |
أتيت حدود اللّه إذ كنت يافـعـاً |
|
وشبت فما ينهاك شيب اللّهـازم |
تتبّع في الماخـور كـلّ مـريبةٍ |
|
ولست بأهل المحصنات الكرائم |
هو الرجس يأهل المدينة فاحذروا |
|
مداخل رجسٍ بالخبيثات عـالـم |
لقد كان إخراج الفرزدق عنكـم |
|
طهوراً لما بين المصلّى وواقـم |
تدلّيت تزني من ثمـانـين قـامة |
|
وقصّرت عن باع العلا والمكارم |
لإسماعيل بن غزوان في امرأة العزيز وقال
عمرو بن بحر: قرأ قارىء "قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحقّ" إلى قوله
تعالى: "ذلك ليعلم أنّي لم أخنه بالغيب"، قال إسماعيل بن غزوان: لا
واللّه ما سمعت بأغزل من هذه الفاسقة.
وسمع بكثرة مراودتها يوسف عنها فقال إسماعيل: أما واللّه بي تمرست.
لأعرابيّ بات ضيفاً على حضريّ بات أعرابيّ ضيفاً لبعض الحضر فرأى امرأةً فهمّ أن
يخالف إليها في أولّ الليل فمنعه الكلب ثم أراد ذلك نصف الليل فمنعه ضوء القمر ثم
أراد ذلك في السّحر فإذا عجوزٌ قائمة تصلّي، فقال:
لم يخلق اللّه شيئاً كنت أكـرهـه |
|
غير العجوز وغير الكلب والقمر |
|
||
هذا نبوحٌ وهذا يستضاء به |
|
وهذه شيخةٌ قوامة السحر |
|||
عمر بن أبي ربيعة وامرأة من كلب في موسم الحج المنصور عن أبيه محمد بن عليّ، قال: حججت فرأيت امرأةً من كلبٍ شريفةً قد حجّت فرأها عمر بن أبي ربيعة فجعل يكلّمها ويتبعها كلّ يومٍ، فقالت لزوجها ذات يوم: إني أحبّ أن أتوكأ عليك إذا رحت إلى المسجد. فراحت متوكئة على زوجها فلما أبصرها عمو ولّى فقال: على رسلك يا فتى:
تعدو الذئاب على من لا كلاب له |
|
وتتّقي مربض المستأسدة الحامي |
بين أبي ذؤيب وخالد بن زهير الرّياشي قال: كان أبو ذؤيب يهوى امرأة من قومه، وكان رسوله إليها رجلاً يقال له: خالد بن زهير، فخانه فيها، فقال أبو ذؤيب:
تريدين كيما تجمعـينـي وخـالـداً |
|
وهل يجمع السّيفان ويحك في غمد |
أخالد ما راعـيت مـنّـي قـرابةً |
|
فتحفظني بالغيب أو بعض ما تبدي |
وكان أبو ذؤيب خان فيها ابن عمّ له يقال له: مالك بن عويمر، فأجابه خالدٌ:
ولا تعجبن من سيرةٍ أنت سرتها |
|
وأوّل راض سنّةً من يسيرهـا |
ألم تتنقّذها من ابـن عـويمـرٍ |
|
وأنت صفيّ نفسه ووزيرهـا |
سألت امرأةٌ زوجها الحجّ فأذن لها وبعث معها أخاه، فلما انصرفا عنه سأله عنها، فقال:
وما علمت لها عيباً أخـبّـره |
|
إلا اتّهامي فيها صاحب الإبل |
كنا نهاراً إذا ما السّير جدّ بنا |
|
يغيّران وما بالرحل من مثل |
ويخلفون كثيراً في منازلـنـا |
|
فلا نزال نرى آثار مغتسـل |
فاللّه أعلم ما كانت سرائرهم |
|
واللّه أعلم بالنيّات والعمـل |
بين الفرزدق ورجل قال رجلٌ للفرزدق: متى
عهدك يا أبا فراسٍ بالزّنا? فقال: مذ ماتت العجوز.
لقيط في سوق يحيى ببغداد رمي ببغداد في سوق يحيى قمطرةٌ فيها صبيٌ وتحته مضرّبات
حرير، وعند رأسه كيسٌ فيه مائة دينار ورقعةٌ فيها: هذا الشقيّ ابن الشقيّة، ابن
السّكباح والقليّة، ابن القدح والرّطلية؛ رحم اللّه من اشترى له بهذا الذهب جاريةً
تربيه؛ وفي آخر الرّقعة: هذا جزاء من عضل ابنته.
أعرابي يذكر ماجناً ذكر أعرابيّ رجلاً ماجناً فقال: لو أبصرت فلاناً العيدان
لتحّركت أوتارها ولو رأته مومسة لسقط خمارها.
لبعض الأعراب قال بعض الأعراب:
ماذا يظن بليلي إذا ألـمّ بـهـا |
|
مرجّل الرأس ذو بردين مزّاح |
حلوٌ فكاهته خزّ عمـامـتـه |
|
في كفهّ من رقى إبليس مفتاح |
أيضاً أعرابيّ يذكر ماجناً ذكر أعرابيّ
رجلاً ماجناً فقال: هو أكثر ذنوباً من الدّهر، تفد إليه مواكب الضّلالة، ويرجع من عنده
مدوّن الأيام.
لآخر يذكر قوماً وذكر آخر قوماً فقال: هم أقلٌ الناس إلى أعدائهم وأكثرهم تجرماً
على أصدقائهم يصومون عن المعروف، ويفطرون على الفحشاء.
بين الأصمعي وأمة قال الأصمعيّ: قلت لأمةٍ ظريفة: هل في يديك عملٌ? قالت: لا! ولكن
في رجليّ.
بين أبي نواس وقيان قالت جوارٍ من القيان لأبي نواس بناتك! فقال أبو
نواس......................
شعر لأبي المهند في راهب قال أبو المهند:
وأفجر من راهبٍ يدعدّعـي |
|
بأنّ النسـاء عـلـيه حـرام |
يحرّم بيضـاء مـمـكـورةً |
|
ويغنيه في البضع عنها الغلام |
إذا ما مشى غضّ من طرفه |
|
وفي اللّيل بالدّير منه عـرام |
ودير العذارى فضـوحٌ لـه |
|
وعند اللّصوص حديث الأنام |
هؤلاء اللصوص نزلوا العذارى ليلاً، فأخذوا
القسّ فشدّوه وثاقاً، ثم أخذ كلّ رجل منهم جاريةً،، فوجدوهنّ مفتضّاتٍ قد افتضهنّ
القسّ كلّهنّ.
لسهل بن هارون في مخنّث قال سهل بن هارون:
إذا نزل المخنّث في رباعٍ |
|
تحرّك كل ذي خنثٍ إلـيه |
وصارت دونهم مأوىالخبايا |
|
وصار الرّبع مدلولاً عليه |
لآخر وقال آخر:
أقول لها لما أتتـنـي تـدلّـنـي |
|
على امرأةٍ موصوفةٍ بجـمـال |
أصبت لها واللّه زوجاً كما اشتهت |
|
إن اغتفرت فيه ثلاث خـصـال |
فمنهنّ فـسـقُ لا ينـادي ولـيده |
|
ورقّة إسـلامٍ وقـلّة مـــال |
الأصمعي وابن روح المهلبي
قال الأصمعيّ: دخلت على ابن روح بن حاتم المهلّبيّ وحضر الإذن وهو عاكفّ على غلام،
فقلت له: عمدت إلى الموضع الذي كان أبوك يضرب فيه الأعناق ويعطي فيه اللّهى، وتركب
فيه ما تركب! فقال:
ورثنا المجد عن آباء صـدقٍ |
|
أسأنا في ديارهم الصّنيعـا |
إذا الحسب الرفيع تواكلتـه |
|
بنات السّوء يوشك أن يضيعا |
باب مساوئ النساء
لوهب
بن منبه عن وهب بن منبّه قال: عاقب اللّه المرأة بعشر خصال: شدّة النّفاس،
وبالحيض، وبالنجاسة في بطنها وفرجها، وجعل ميراث امرأتين ميراث رجل واحد، وشهادة
امرأتين كشهادة رجل، وجعلها ناقصة العقل والدّين لا تصلي أيام حيضها، ولا يسلّم
على النساء، وليس عليهنّ جمعة ولا جماعةٌ، ولا يكون منهنّ نبيّ، ولا تسافر إلا
بوليّ.
وكان يقال: ما نهيت امرأة قطّ عن شيء إلا أتته.
وقال طفيل في هذا المعنى:
إن النساء كأشجارٍ نبتـن مـعـاً |
|
منها المرار وبعض المرّ مأكول |
إنّ النساء متى ينهين عن خلـقٍ |
|
فإنّه واقـعٌ لا بـدّ مـفـعـول |
لمعاذ في النساء عن رجاء بن حيوة قال: قال
معاذ: إنكم ابتليتم بفتنة الضّرّاء فصبرتم، وإني أخاف عليكم فتنة السّرّاء، وإن من
أشدّ من ذلكم عندي النساء، إذا تحلّين الذّهب ولبسن ريط الشأم وعصب اليمن، فأتبعن
الغنيّ، وكلّفن الفقير ما لا يجد.
لبعض الشعراء قال بعض الشعراء:
تمتّع بها ما ساعفتك ولا تـكـن |
|
عليك شجاً يؤذيك حـين تـبـين |
وإن هي أعطتك اللّيان فـإنّـهـا |
|
لغيرك من خلاّنهـا سـتـلـين |
وإن حلفت لا ينقصن النأى عهدها |
|
فليس لمخضوب البنـان يمـين |
خبر عاتكة بنت زيد أبو عليّ الأمويّ قال: كانت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، عند عبد اللّه بن أبي بكر الصدّيق رضي اللّه عنه، وكانت قد غلبته في كثيرٍ من أمره؛ فقال له أبوه: طلّقها. فطلّقها وأنشأ يقول:
لها خلقٌ سهلٌ وحسنٌ ومنصبٌ |
|
وخلقٌ سويٌ ما يعاب ومنطق |
فرمي يوم الطائف بسهم؛ فلما مات قال ترثيه:
وآليت لا تنفـكّ عـينـي سـخـينةً |
|
عليك ولا ينفكّ جـلـدي أغـبـرا |
فللّه عينٌ ما رأت مـثـلـه فـتـىً |
|
أعزّ وأحمى في الهياج وأصـبـرا |
إذا شرعت فيه الأسنّة خـاضـهـا |
|
إلى الموت حتى يترك الرّمح أحمرا |
ثم خطبها عمر بن الخطّاب، فلما أولم قال عبد الرحمن بن أبي بكر: ياأمير المؤمنين اتأذن لي أن أدخل رأسي على عاتكة? قال: نعم، يا عاتكة استتري. فأدخل رأسه فقال:
وآليت لا تنفكّ عيني قـريرةً |
|
عليك ولا ينفكذ جلدي أصفرا |
فنشجت نشجاً عالياً؛ فقال عمر: ما أردت
إلى هذا! كلّ النساء يفعلن هذا! غفر اللّه لك. ثم تزوّجها الزّبير بعد عمر وقد خلا
من سنّها، فكانت تخرج باللّيل إلى المسجد ولها عجيزةٌ ضخممة؛ فقال لها الزّبير: لا
تخرجي؛ فقالت: لا أزال أخرج أو تمنعني. وكان يكره أن يمنعها، لقول النبيّ صلى
اللّه عليه وسلم: "لا تمنعوا إماء اللّه مساجد اللّه"، فقعد لها الزّبير
متنكراً في ظلمة اللّيل، فلما مرّت به قرص عجيزتها؛ فكانت لا تخرج بعد ذلك؛ فقال
لها: ما لك لا تخرجين? فقالت: كنت أخرج والناس ناسٌ، وقد فسد الناس فبيتي أوسع لي.
لرجل من العرب يخاطب امرأته قال المدائنيّ: احتضر رجلٌ من العرب وله ابن يدبّ بين
يديه؛ وأم الصّبيّ جالسةٌ عند رأسه؛ واسم الصبيّ معمر فقال:
وإنّي لأخشى أن أموت فتنكحـي |
|
ويقذف في أيدي المراضع معمر |
وترخى سـتـورٌ دونـه وقـلائدٌ |
|
ويشغلكم عنه خلوقٌ ومجـمـر |
فما لبث أن مات، ثم تزوّجت، ثم صار معمرٌ
إلى ما ذكر.
عمر بن الخطاب وشاب قتل يهودياً كان عند امرأة أخيه عن الحسن: أنّ شابّين كانا
متآخيين على عهد عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، فأغزى أحدهما، فأوصى أخاه بأهله؛
فانطلق في ليلةٍ ذات ريح وظلمةٍ إلى أهل أخيه يتعهّدهم، فإذا سراجٌ في البيت يزهر،
وإذا يهوديٌّ في البيت مع أهله وهو يقول:
وأشعث غرّه الإسلام منّي |
|
خلوت بعرسه ليل التّمـام |
|
||
أبيت على ترائبها ويضحي |
|
على جرداء لاحقة الحزام |
|
||
كأنّ مجامع الرّبلات منها |
|
فئامٌ ينهضون إلى فـئام |
|||
فرجع الشابّ إلى أهله، فاشتمل السيف حتى
دخل على أهل أخيه فقتله ثم جرّه وألقاه في الطريق؛ فأصبح اليهود وصاحبهم قتيلٌ لا
يدرون من قتله، فأتوا عمر بن الخطاب فدخلوا عليه وذكروا ذلك له، فنادى عمر في
الناسّ: الصلاة جامعةً، فاجتمع الناس فصعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه، ثم قال:
أنشد اللّه رجلاً علم من هذا القتيل علماً إلا أخبرني به. فقامالشابّ فأنشده الشعر
وأخبره خبره؛ فقال عمر: لا يقطع اللّه يدك، وهدر دمه لابن عباس في مثل المرأة
السوء كان ابن عباس يقول: مثل المرأة السّوء: كان قبلكم رجلٌ صالح له امرأة سوءٍ
فعرض له رجل فقال: إني رسول اللّه إليك بأنهّ قد جعل لك ثلاث دعوات فسل ما شئت من
دنيا أو آخره ثم نهض. فرجع الرجل إلى منزله؛ فقلت له امرأته: ما لي أراك مفكراً
محزوناً? فأخبرها؛ فقلت: ألست امرأتك وفي صحبتك وبناتك منيّ! فاجعل لي دعوة. فأبى
فأقبل عليه ولده وقلن: أمنّا، فلم يزلن به حتى قال: لك دعوةٌ؛ فقلت: اللهم اجعلني
أحسن الناس وجهاً. فصارت كذلك، وجعلت توطىء فراشها وهو يعظها فلا تتّعظ، فغضب
يوماً فقال: اللهمّ اجعلها خنزيرةً فتحوّلت كذلك؛ فلما رأين بناته م نزل بأمهنّ
بكين وضربن وجوههن ونتفن شعورهن، فرّق لهن قلبه فقال: اللّهم أعدها كما كانت
أولاً؛ فذهبت دعواته الثلاث فيها.
بين عبد اللّه بن عكرمة وامرأة عبد الرحمن بن الحارث قال عبد اللّه بن عكرمة: دخلت
على عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزوميّ أعوده، فقلت: كيف تجدك? فقال: أجدني
واللّه بالموت، وما موتي بأشدّ عليّ من تمتّع "أمّ" هشام، أخاف أن
تتزوّج - يعني امرأته - . فحلفت له وآلت ألا تتزوّج بعده، فغشي وجه نورٌ، ثم قال:
شأن الموت أن ينزل متى شاء. ثم مات. فتزوّجت بعمر بن عبد العزيز؛ فقلت:
فإن لقيت خيراً فلا يهنئنّها |
|
وإن تعست فلليدين وللفم |
فبلغها، فكتبت إليّ: قد بلغني بيتك الذي تمثلّت به، وما مثلي ومثل أخيك إلاّ كما قال الشاعر:
وهل كـنـت إلا والـهـاً ذات تـرحةٍ |
|
قضت نحبها بعد الحنـين الـمـرجّـع |
متى تسل عنـه تـدّكـر بـعـد طـيّةٍ |
|
من الأرض أو تقنع بألفٍ فـتـربـع |
فدع عنك من قد وارت الأرض شخصه |
|
وفي غير من قد وارت الأرض فاطمع |
فبلغ ذلك منّي كلّ غيظٍ، واحتسبت حسابها،
وإذا هي قد أعجلت عدّتها، وقد بقي عليها أربعة أيّام، فدخلت على عمر فأخبرته بذلك،
فنقض النّكاح وعزل عن المدينة.
صخر بن الشريد وزوجته وأمه كان صخر بن الشّريد أخو الخنساء خرج في غزوةٍ فقاتل
فيها قتالاً شديداً فأصابه جرحٌ رغيبٌ ،فمرض فطال مرضه وعاده قومه، فقال عائدٌ من
عوّاده يوماً لامرأته سلمى: كيف أصبح صخرٌ اليوم? قالت: لا حيّا فيرجى ولا ميتاً
فينسى. فسمع صخرٌ كلامها فشقّ عليه، وقال لها: أنت القائلة كذا وكذا? قالت: نعم
غير معتذرةٍ إليك. ثم قال عائدٌ آخر لأمّه: كيف أصبح صخرٌ اليوم? فقالت: أصبح بحمد
اللّه صالحاً ولا يزال بحمد اللّه بخيرٍ ما رأينا سواده بيننا. فقال صخر:
أرى أمّ صخرٍ ما تملّ عيادتـي |
|
وملّت سليمى مضجعي ومكاني |
وما كنت أخشى أن أكون جنازةً |
|
عليك ومن يغترّ بالـحـدثـان |
فأيّ امرئٍ ساوى بـأمٍّ حـلـيلةً |
|
فلا عاش إلاّ في أذى وهـوان |
أهمّ بأمر الحزم لو أستطـيعـه |
|
وقد حيل بين العير والنّـزوان |
لعمري لقد أنبهت من كان نائماً |
|
وأسمعت من كانت لـه أذنـان |
فلما أفاق عمد إلى سلمى فعلّقها بعمود
الفسطاط حتى فاضت نفسها، ثم نكس من طعنته فمات.
أردشير وابنة ملك لسواد وقرأت في سير العجم أنّ أردشير سار إلى الخضر، وكان ملك
السّواد متحصناً فيها، وكان من أعظم ملوك الطوائف، فحاصره فيها زماناً لا يجد إليه
سبيلاً، حتى رقيت ابنة ملك السّواد يوماً، فرأت أردشير فعشقته فنزلت وأخذت نشابةً
وكتبت عليها: إن أنت شرطت لي أن تتزوّجني دللتك على موضع تفتتح منه هذه المدينة
بأيسر حيلةٍ وأخفّ مؤونةٍ. ثم رمت بالنشّابة
نحو أردشير؛ فكتب الجواب في نشّابةٍ: لك الوفاء بما سألت. ثم ألقاه إليها؛ فكتبت
إليه تدلّه على الموضع؛ فأرسل إليه أردشير فافتتحه ودخل هو وجنوده، وأهل المدينة
غارّون، فقتلوا ملكها وأكثر مقاتلتها وتزوّجها؛ فبينما هي ذات ليلةٍ على فراشه
أنكرت مكانها حتى سهرت لذلك عامّة ليلتها، فنظروا في الفراش فوجدوا تحت المحبس
ورقةً من ورق الآس قد أثّرت في جلدها، فسألها أردشير عند ذلك عما كان أبوها يغذوها
به؛ فقالت: كان أكثر غذائي الشهد والزّبد والمخّ. فقال أردشير: ما أحدٌ ببالغٍ لك
في الحباء والإكرام مبلغ أبيك، ولئن كان جزاؤه عدك على جهد إحسانه مع لطف قرابته
وعظم حقّه جهد إساءتك، ما أنا بأمنٍ لمثله منك. ثم أمر بأن تعقد قرونها بذنب فرسٍ
شديد المراح جموحٍ ثم يجرى؛ ففعل ذلك حتى تساقطت عضواً عضواً.
بين أخوين وزوجة أحدهما العتبي: سمعت أبي يحدّث ع ناسٍ من أهل الشأم: أن أخوين كان
لأحدهما زوجة وكان يغيب ويخلفه"الآخر" في أهله، فهويته امرأة الغائب،
فأرادته على نفسها فامتع؛ فلما قدم أاخوه سألها عن حالها، فقالت: ما حال امرأة
تراود في كلّ حينٍ! فقال: أخي وابن أميّ!وإني لا أفضحه! ولكن للّه عليّ ألاّ
أكلمهّ أبداً. ثم حجّ وحجّ أخوه والمرأة فلما كانوا بوادي الدّوم هلك الأخ ودفوه
وقضوا حجّهم ورجعوا؛ فمرّوا بذلك الوادي ليلاً فسمعوا هاتفاً يقول:
أجدّك تمضي الدّوم ليلاً ولا ترى |
|
عليك لاأهل الدّوم أن تتكلـمـا |
وبالدّوم ثاوٍ لو ثويت مـكـانـه |
|
ومرّ بوادي الدّوم حيّاً لسّلـمـا |
فظنتّ المرأة أنّ النداء من السماء، فقلت لزوجها: هذا مقام العائذ كان من أخيك ومنيّ كيت وكيت. فقال: واللّه لو حلّ قتلك لوجدتني سريعاً. ففارقها وضرب خيمةً على قبر أخيه وقال:
هجرتك في طول الحياة وأبتغي |
|
كلامك لما صرت رمساًوأعظما |
ذكرت ذنوباً فيك كنت اجترمتها |
|
أنا منك فيها كنت أسوا وأظلمـا |
ولم يزل مقيماً حتى مات ودفن بجنب أخيه،
فالقبران معروفان.
شعر للأخطل وقال الأخطل:
المهديات لمن هوين مـسـبةً |
|
والمحسنات لمن قلين مقـالا |
يرعين عهدك ما رأيناك شاهداً |
|
وإذا مذلت يكنّ عنك مـذالا |
وإذا وعدنك نائلاً أخلـفـنـه |
|
ووجدت دون عداتهن مطـالاً |
وإذا دعونك عمهّـن فـإنـه |
|
نسبٌ يزيدك عندهن خـبـالاً |
قرشيّ وامرأته عن يحيى بن طفيلٍ الجشميّ قال: كان عند رجلٍ من قريش امرأة يحبّها، فسافر عنها، فقالت له: أشيعكّ، فشيعتهّ ثلاث مراحل؛ فلما مضى قالت لخادمها: ناولني بعرةً وروثةً وحصاةً. فناولها، فألقت الروثة وقالت: راث خبرك؛ وألقت البعرة وقالت: وعر سفرك؛ وألقت الحصاة وقالت: حصّ أثرك. فسمعها رجل على الماء فلحقه، فقال له: ما هذه منك? قال: امرأتي وأعزّ الناس إليّ. فأخبره بالخبر، فقام على الماء، فلما أمسى أقبل نحو منزله فوجد معها رجلاً، فقتلهما جميعاً.
باب الولادة والولد
بين
أبي الأسود وزوجته عند زياد في ولدهما خاصمت أمّ عوفٍ- امرأة أبي الأسود الدؤلي-
أبا الأسود قبل أن تضعه. فقالت أمّ عوفٍ وضعته شهوةً ووضعته كرهاً، وحملته خفاً
وحملته ثقلاً. فقال زياد: صدقت أنت أحقّ به فدفعه إليها.
للرياشي أنشدنا الرّياشي:
غلبت أمّه أباه عـلـيه |
|
فهو كالكابليّ أشبه خاله |
وقال آخر:
واللّه ما أشبهني عـصـام |
|
لالاخلق منـه ولا قـوام |
نمت وعرق الخال لا ينام |
|
|
لبعض بني أسد وقال بعض بني أسدٍ- والقيافة
فيهم: لا يخطىء الرجل من أبيه خلةً من ثلاثٍ: رأسه أو صوته أو مشيته.
قيل لرجل: ما أشبه ولدك بك! قال: من ترك وأهله أشبهه ولده قال رجل للجمان: ولدت
امرأتي لستة أشهر؛ فقال الجمان: كان أبوها ضارباً للفرزدق وقد عيّرته زوجته بعدم
الإنجاب عيّرت نوار- امرأة الفرزدق- الفرزدق بأنه لا ولدّ له؛ فقال الفرزدق:
وقالت أراه واحداً لا أخـا لـه |
|
يورّثه في الورثين الأبـاعـدا |
لعلّك يوماً أن تريني كـأنـمـا |
|
بنيّ حواليّ الأسود الـحـوارد |
فإنّ تميماً قبل أن يلد الحصـى |
|
أقام زماناً وهو في الناس واحد |
الفرزدق وشيخ من بني مضر عن عيسى بن عمر
قال: شكا الفرزدق امرأته، فقال له شيخ من بي مضر كان أسنّ منه: أفلا تكسعها
بالمحرجات! "يعني الطلاق"؛ فقال: قاتلك اللّه! ما أعلمك من شيخ!.
لخالد بن صفوان
قال خالد بن صفوان: ما بتّ ليلةً أحبّ إليّ من ليلةٍ طلّقت فيها نسائي، فأرجع
والستور قد هتكت، ومتاع البيت قد نقل، فتبعث إليّ إحداهن بسليلةٍ مع بنتي فيها
طعامي، وتبعث لي الأخرى بفراشٍ أنام عليه.
لامرأة كانت تطلّق كثيراً قيل لامرأة كانت تطلّق كثيراً: ما بالك تطلّقين? قالت:
يريدون التّضييق علينا، ضيق اللّه عليهم!.
لرجل طلق امرأته طلّق رجل امرأته؛ فقيل له: ما صنعت? قال: طلّقتها والأرض من
ورائها. أي لا أقرب ناحيةً هي بها.
قول أعرابي لامرأتهد وقال أعرابيّ لامرأته:
أنوّهت باسمي في العالمين |
|
وأفنيت عمري عاماً فعاما |
فأنت الطلاق وأنت الطلاق |
|
وأنت الطلاق ثلاثاً تمامـا |
بين رجل وأبي حازم الأصمعيّ قال: أتى رجلٌ أبا حازم فقال: إنّ الشيطان قد أولع بي يوسوس لي ويحدّثني أني طلّقت امرأتي. فقال له: وأنا أحدّثك أنك قد طلقتها، أو مافعلت? فقال: سبحان اللّه يا أبا حازم! أفتكذّبني وتصدّق الشيطان! شعر لأعرابي طلق امرأته وقال أعرابيّ وقد طلق امرأته:
وما أنا إذ فارقت أسمـاء طـائعـاً |
|
بخيرٍ من السّكران رأيا ولا عقـلا |
وما زال صرف الدهر حتى رأيتني |
|
أبيت بها ضيفاً كأن لم أكن بعـلا |
وقال آخر:
لئن كان يهدي برد أنيابها العلا |
|
لأفقر منّي إننـي لـفـقـير |
لقد كثر الأخبار أن قد تزوّجت |
|
فهل يأتينّي بالطلاق بـشـير |
باب العشّاق سوى عشّاق الشعراء
بين محمد بن قيس ويزيد بن عبد الملك في عاشقين محمد بن قيس الأسديّ قال: وجّهني عامل المدينة إلى يزيد بن عبد الملك وهو خليفة فخرجت، فلما قربت المدينة بليلتين أو ثلاث وإذا أنا بامرأةٍ قاعدةٍ على قارعة الطريق، وإذا رجلٌ رأسه في حجرها كلّما سقط رأسه أسندته، فسلّمت فردّت ولم يردّ الشاب؛ ثم تأمّلتني فقالت: يا فتى، هل لك في أجرٍ لا مرزئة فيه? قلت: سبحان اللّه! وما أحبّ الأجر أليّ وإن رزئت فيه! فقالت: هذا ابني، وكان إلفاً لابنة عمّ له تربيّا جميعاً، ثم حجبت عنه، فكان يأتي الموضع والخباء، ثم خطبها إلى أبيها فأبى عليه أن يزوّجها؛ ونحن نرى عيباً أن تزوّج المرأة من رجل كان بها مغرماً، وقد خطبها ابن عمّ لها وقد زوّجت منذ ثلاثٍ، فهو على ما ترى لا يأكل ولا يشرب ولا يعقل، فلو نزلت إليه فوعظته! فنزلت إليه فوعظته؛ فأقبل عليّ وقال:
ألا ما للحـبـيبة لا تـعـود |
|
أبخلٌ بالحبـيبة أم صـدود |
مرضت فعادني قومي جميعاً |
|
فما لك لم تري فيمن يعـود |
فقدت حبيبتي فبلـيت وجـداً |
|
وفقد الإلف يا سكنى شـديد |
وما استبطأت غيرك فاعلميه |
|
وحولي من بني عمّي عديد |
فلو كنت السّقيمة جئت أسعى |
|
إليك ولم ينهنهني الـوعـيد |
قال: ثم سكن عند آخر كلمته؛ فقالت العجوز: فاضت واللّه نفسه ثلاثاً! فدخلني أمرٌ لا يعلمه إلاّ اللّه، فاغتممت وخفت موته لكلامي. فلما رأت العجوز ما بي قالت: هوّن عليك! مات بأجله واستراح ممّا كان فيه، وقدم على ربّ كريم؛ فهل لك في استكمال الأجر? هذه أبياتي منك غير بعيدة، تأتيهم فتنعاه إليهم وتسألهم حضورهم. فركبت فأتيت أبياتاً منها على قدر ميلٍ، فنعيته إليهم وقد حفظت الشعر، فجعل الرجل يسترجع. فبينما أنا أدور إذا امرأة قد خرجت من خبائها تجرّ رداءه ناشرةً شعرها، فقالت: أيها النّاعي، بفيك الكثكث، بفيك الحجر! م تنعى? قلت: فلان بن فلان. فقالت: بالذي أرسل محمداً واصطفاه، هل مات? قلت: نعم. قالت: فماذا الذي قال قبل موته? فأنشدتها الشعر، فو اللّه ما تنهنهت أن قالت:
عداي أن أزورك يا حبـيبـي |
|
معاشر كلّهم واشٍ حـسـود |
أشاعوا ما سمعت من الدواهي |
|
وعابونا وما فـيهـم رشـيد |
وأمّا إذ ثويت الـيوم لـحـداً |
|
فدور الناس كلّهـم لـحـود |
فلا طابت لي الدنـيا فـواقـا |
|
ولا لهم ولا أثرى الـعـبـيد |
ثم مضت معي ومع القوم تولول حتى انتهينا إليه، فغسّلناه وكفّنّاه وصلّينا عليه،
فأكبّت على قبره؛ وخرجت لطيّتي حتى أتيت يزيد بن عبد الملك، وأوصلت إليه الكتاب؛
فسألني عن أمورالناس، قال: هل رأيت في طريقك شيئاً? قلت:نعم، رأيت واللّه
عجباً.وحدّثته الحديث؛ فاستوى جالساً، ثم قال: للّه أنت يا محمد بن قيس! امض
الساعة قبل أن تعرف جواب ما قدمت له، حتى تمرّ بأهل الفتى وبني عمّه، وتمرّ بهم
إلى عامل المدينة، وتأمره أن يثبتهم في شرف العطاء، وإن كان أصابها ما أصابه،
فافعل ببني عمّها ما فعلت ببني عمه ثم ارجع إليّ حتى تخبرني بالخبر، وتأخذ جواب ما
قدمت له. فمررت بموضع القبر، فرأيت إلى جانبه قبراً آخر، فسألت عنه فقيل: قبر
المرأة، أكبّت على قبره، ولم تذق طعاماً ولا شراباً، ولم ترفع عنه إلى ثلاثة أيام
"إلا" ميتةً. فجمعت بني عمّها وبني عمّه، وأثبتّهم في شرف العطاء
جميعاً.
لرجل من بني تميم في عاشقين ماتا عشقاً عن هشام بن حسّان عن رجل من بني تميم قال:
خرجت في طلب ناقةٍ لي، حتى وردت على ماءٍ من مياه طيءٍ، فإذا أنا بعسكرين بينهما
دعوة فإذا أنا بفتى شابٍّ وجاريةٍ في العسكر، وإذا هو قد سمع نبرةً من كلامها وهو
مريض، فرفع عقيرته وقال:
ألا ما للمـلـيحة لا تـعـود |
|
أبخلٌ بالمـلـيحة أم صـدود |
فلو كنت المريضة كنت أسعى |
|
إليك ولم ينهنهنـي الـوعـيد |
فسمعتصوته فخرجت تعدو، فأمسكها النساء،
وأبصرها فأقبل ينشد، فأمسكه الرجال فأفلت وأفلتت، فاعتنقا وخرّا ميتين؛ فخرج شيخ
من تلك الأخبية حتى وقف عليهما، فاسترجع لهما، ثم قال: أما واللّه لئن كنتما لم
تجتمعا حييّن لأجمعنّ بينكما ميّتين. قال: فقلت: من هذا? قال: هذا ابن أخي، وهذه
ابنتي. فدفنهما في قبر ولحد.
عبد اللّه بن عجلان عن ابن سيرين قال: قال عبد اللّه بن عجلان صاحب هند التي عشقها
وكانت تحبّه فطلّقها:
ألا إنّ هنداً أصبحت لك محرماً |
|
وأصبحت من أدنى حموتّها حما |
وأصبحت كالمقمور جفن سلاحه |
|
يقلّب بالكفّين قوساً وأسهـمـا |
ومدّ بها صوته ثم مات. قال الأصمعيّ: فيه قال الشاعر:
إن متّ من الـحـبّ |
|
فقد مات ابن عجلان |
لأعرابي من العذريين قيل لأعرابيّ من
العذريينّ: ما بال قلوبكم كأنها قلوب طيرٍ تنماث كما ينماث الملح في الماء! أما تجلدونّ?
فقال: إننا ننظر إلى محاجر أعينٍ لا تنظرون إليها.
وقيل لأعرابيّ: ممنّ أنت? فقال: من قوم إذا أحبواّ ماتوا. فقالت جارية سمعته:
عذّريّ وربّ الكعبة!.
لعبد الملك بن عمير في أخوين من بني كنّة عن عبد الملك بن عمير قال: كان أخوان من
بني كنّة من ثقيف، أحدهما ذو أهل، والآخر عزبٌ، وكان ذو الأهل إذا غاب خلفه العزب
في أهله؛ فغاب غيبةً له؛ فجاء العزب يوماً فطلعت عليه امرأة الأخ، وهي لا تعلم
بمكانه، وعليها درع يشفّ، فسترت وجهها بذراعيها، فوقعت في قلبه، وجعل يذوب حتى صار
كأنه خيطٌ، فقدم أخوه فقال: يا أخي، ما لك? قال: لا أدري. واستحيا أن يذكر ما به؛
فانطلق أخوه إلى الحارث بن كلدة طبيب العرب، فوصفه له؛ فقال: احمله إليّ. فلما نظر
إليه قال: أمّا العينان فصحيحتان وأما الجسم فذائب ولا أظن أخاك إلا عاشقاً قال:
ترى أخي بالموت وتزعم أنه عاشق! قال: هو ما أقول لك فاسقه الشراب فسقاه الخمر،
فقال الشعر ولم يكن الشعر من شأنه فقال:
ألمّا بي إلـى الأبـيا |
|
ت بالخيف أزر هنّه |
غزال ما رأيت اليو |
|
م في دور بني كنّه |
غزال أكحل العـين |
|
وفي منطقه غنّـه |
فقال أخوه: واللّه ما أراه إلا كما قال ولكن لا أدري من عني فسقاه شربةً أخرى فقال:
أيها الحيّ اسلـمـوا |
|
اسلموا ثمت اسلموا |
لا تولوا وتعرضـوا |
|
واربعوا كي تكلموا |
خرجت مزنة من ال |
|
بحر ريا تحـحـم |
هي ما كنّتي وتـز |
|
عم أني لهـا حـم |
قال: يا أخي هي طالقٌ ثلاثاً، فإن شئت
فتزوجها. قال: وهي طالقٌ إن تزوجتها. قال غيره. فلما أفاق ذهب على وجهه حياءً ولم
يرجع، فهو فقيد ثقيف.
خبر عباس والجارية التي هويها
عن أبي مسكين قال: خرج أناس من بني حنيفة يتنزهون إلى جبل لهم، فبصر فتى منهم يقال
له عباس بجاريةٍ فهويها، وقال لأصحابه: والله لا أنصرف حتى أرسل إليها. فطلبوا
إليه أن يكفّ وأن ينصرف معهم فأبى، وأقبل يراسل الجارية حتى وقع في نفسها، فأقبل
في ليلةٍ إضحيانةٍ متنكباً قوسه وهي بين إخوتها نائمةٌ، فأيقظها؛ فقالت: انصرف
وإلا أيقظت إخوتي فقتلوك! فقال: والله للموت أيسر مما أنا فيه، ولكن الله عليّ إن
أعطيتني يدك حتى أضعها على فؤادي أن أنصرف. فأمكنته من يدها، فوضعها على فؤاده ثم
انصرف؛ فلما كان من القابلة أتاها وهي في مثل حالها، فقالت له مثل مقالتها، وردّ
عليها وقال: إن أمكنتيني من شفتيك أرشفهما انصرفت ثم لا أعود إليك. فأمكنته من
شفتيها فرشفهما ثم انصرف؛ فوقع في قلبها منه مثل النار؛ ونذر به الحي، فقالوا: ما
لهذا الفاسق في هذا الجبل! انهضوا بنا إليه حتى نخرجه منه. فأرسلت إليه: إن القوم
يأتونك الله فاحذر، فلما أمسى قعد على مرقب ومعه قوسع وأسهمه، وأصاب الحي من آخر
النهار مطرٌ وندىً فلهوا عنه؛ فلما كان في آخر الليل وذهب السحاب وطلع القمر، خرجت
وهي تريده وقد أصابها الطل، فنشرت شعرها وأعجبتها نفسها ومعها جاريةٌ من الحي،
فقالت: هل لك في عباسٍ? فخرجتا تمشيان، ونظر إليهما وهو على المرقب، فظن أنهما ممن
يطلبه، فرمى بسهم أخطأ فما قلب الجارية ففلقه! وصاحت الأخرى، فانحدر من الجبل وإذا
هو بالجارية في دمها؛ فقال:
نعب الغراب بما كره |
|
ت ولا إزالة للقـدر |
تبكي وأنت قتلتـهـا |
|
فاصبر وإلا فانتحر |
ثم وجأ في أوداجه بمشاقصه، وجاء الحي
فوجدوهما مقتولين فدفنوهما!.
خبر القس وسلامة المغنية قال خلاد الأرقط: سمعت مشايخنا من أهل مكة يذكرون أن
القس، وهو مولى لبني مخزوم، كان عند أهل مكة بمنزلة عطاء بن أبي رباح، وأنه مرّ
يوماً بسلامة وهي تغني، فوقف يسمع؛ فرآه مولاها فدنا منه فقال: هل لك
"في" أن تدخل وتستمع? فأبى، ولم يزل به فقال: أقعدك في موضع لا تراها
ولا تراك. ففعل، ثم غنت فأعجبته؛ فقال: هل لك "في" أن أحوّلهاإليك?
فتأبّي. ثم أجاب، فلم يزل "به" حتى شغف بها وشغفت به. وعلم ذلك أهل مكة.
فقالت له يوماً وقد خلوا: أنا والله أحبك؛ فقال: وأنا والله أحبك. قالت: فأنا أحب
أن أضع فمي على فمك؛ قال: وأنا والله. قالت: وأنا والله أحب أن أضع صدري على صدرك؛
قال: وأنا والله. قالت فما يمنعك? والله إن الموضع لخال! فأطرق ساعةً، ثم قال: إني
سمعت الله يقول: "الأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعضٍ عدواً إلا المتقين"، وأنا
والله أكره أن تكون خلّة ما بيني وبينك عداوةً يوم القيامة. ونهض وعاد إلى طريقته
التي كان عليها. وفيه قيل:
لقد فتنت ريا وسلا الـقـسـا |
|
ولم تتركا للقس عقلاً ولا نفسا |
ومن شعره فيها:
أهابك أن أقول بذلت نفسي |
|
ولو أني أطيع القلب قـالا |
حياءً منك حتى شفّ جسمي |
|
وشق عليّ كتماني وطـالا |
وهو القائل:
قد كنت أعذل في السفاهة أهلها |
|
فأعجب لما تـأتـي بـه الأيام |
فاليوم أرحمهم وأعلـم أنـمـا |
|
سبل الغواية والهدى أقـسـام |
وهو القائل:
ألم ترها لا يبعـد الـلـه دارهـا |
|
إذا مرحت في صوتها كيف تصنع |
تمد نـظـام الـقـول ثـم تـرده |
|
إلى صلصل في حلقها فتـرجـع |
كتاب
منية إلى قابوس ورده عليها كتبت منية إلى قابوس: من سن سنة فليرض بأن يحكم عليه
بها. ومن سأل مسألة فليرض من العطية بقدر بذله. لكل عملٍ ثوابٌ، ولكل فعل جزاء. ومن
بدأ بالظلم كان أظلم. ومن انتصر فقد أنصف. والعفو أقرب إلى العقل. وغير مسيءٍ من
أعتب. وغير مذنبٍ من طوّل. "مع" المخض تبدو الزبدة. عند تناهي البلاء
يكون الفرج. كل ذي قرحٍ يشتهي دواء قرحه. كل مطمع منتظر. كل آتٍ قريب. مع كل فرحةٍ
ترحةٌ. من خبث سنخه غلظ كبده ونام حقده. الموت أروح من الهوى. اليأس أول سبب
الراحة. السحر أنفذ من الشعر. دواء كل محب حبيبه. مع اليوم غدٌ. وكما تدين تدان.
استشف الله لما بك، واسأله المدافعة عنك. فأجابها:
من الكرام تكون الرحمة، ومن اللئام تكون القسوة. من كرم أصله لان قلبه ورق وجهه.
ومن عاقب بالذنوب ترك الفضل. ومن ترك الفضل أخطأ الحظ. وم لم يغفر لم يغفر له. ومن
حقد واضطغن اكتسب الأعداء. أولى الناس بالرحمة من احتاج إليها فحرمها. لكل كربٍ
فرجٌ، ولكل عمل ثوابٌ. من أحب رقّ لكل محب. لا داء أدوى من الهوى، ولا أوهن منه
لذي القوى. لا ملكة أكرم من ملكة كريم، ولا قدرة ألأم من قدرة لئيم. ملكت فأسجحي:
قدرت فاعفي. ويلٌ للشجي من الخلي. من كان في نعمةٍ لم يدر قدر البلية. من سها عقله
فسد عيشه، ومن فسد عيشه كان الموت راحته. الآمال مبسوطة، والآجال معدودة. والمتوقع
الموت. وحسرة الموت من مات بغصةٍ. خير الخير أعجله. من أراد معروفاً فلا يتطول.
الحب أثقل محمول.
وكتب إليها أيضاً: قلّ من حبيبٍ كتاب، وعظم من محب مصاب. لكل آخر أوّل، مرقاةٌ إلى
مرقاة. قد ينمو القليل فيكثر، ويضمحل الكثير فيذهب. من طلب وجد. ومن أدمن
الاستفتاح فتحت له الأغلاق. أولى الأمور بالنجاح المواظبة. قد يتبع الظفر البصر،
ويتبع البصر التغير والاستثقال، ويتبع الاستثقال الاستبدال؛ ولن يدوم شيء على حال.
ولكل همّ فرجٌ. والعناء مقرونٌ بالرجاء. قد يستخرج بالكلمة الحية، وتنشأ من الحبة
الشجرة. وفي اللقاء شفاء الغليل، وتنفس الهموم. ارتاد امرءٌ قبل حلوله، وتثبت قبل
إقدامه. مع العجلة تكون الندامة، وفي التثبت تكون السلامة. العاقل من ابتدأ عملاً
في غير حينه فبلغ في حين وقته. لا ينال بغير دواء شفاء. الصعب يمكن بعد منع. الرفق
سبب القدرة. الخرق مفتاح الحرمان. من أسر أسراره دامت له لذاته. ربّ أكلةٍ تمنع
أكلات، ولقيه تصدّ عن لقيات.
أبياتٌ في الغزل حسانٌ
يقر بعيني أن أرى من مكـانـه |
|
ذرى عقدات الأبرق المتقـاود |
وأن أراد الماء الذي شربت بـه |
|
سليمى فقد ملّ السرى كل واخد |
وألصق أحشائي بـرد تـرابـه |
|
وإن كان مخلوطاً بسم الأسـاود |
لأبي صخر الهذلي قال أبو صخر الهذلي:
أما والذي أبكى وأضـحـك والـذي |
|
أمات وأحيا والـذي أمـره الأمـر |
لقد تركتني أحسد الـوحـش أن أرى |
|
أليقين منها لا يروعهمـا الـذعـر |
فيا هجر ليلى قد بلغت بي الـمـدى |
|
وذرت على ما لم يكن بلغ الهجـر |
ويا حبّها زدنـي جـوىً كـل لـيلةٍ |
|
ويا سلوة الأيام موعدك الـحـشـر |
وصلتك حتى قيل لا يعرف القـلـى |
|
وزرتك حتى قلت ليس له صـبـر |
جبت لسعي الدهر بينـي وبـينـهـا |
|
فلما انقضى ما بيننا سكن الـدهـر |
إذا ذكرت يرتاح قلبي لـذكـرهـا |
|
كما انتفض العصفور بلّله القطـر |
هل الوجد إلا أن قلـبـي لـو دنـا |
|
من الجمر قيد الرمح لاحترق الجمر |
وقال آخر:
أيا خلّة النفس التي ليس دونهـا |
|
لنا من أخلاء الصفاء خـلـيل |
ويا من كتمنا حبّه لم يطع بـه |
|
عدوٌّ ولم يؤمن علـيه دخـيل |
أما من مقامٍ أشتكي غربة النوى |
|
وجور العدا فيه إليك سـبـيل |
وكنت إذا ما جئت جئت بعـلةٍ |
|
فأفنيت علاتي فـأيش أقـول |
وما كلّ يومٍ لي بأرضك حاجةٌ |
|
وما كل يوم لي إليك رسـول |
المجنون وقال المجنون:
وإني لأستغشي وما بي نـعـسةٌ |
|
لعل خيلاً منك يلقـى خـيالـيا |
وأخرج من بين الجلوس لعلنـي |
|
أحدّث عنك النفس في السر خاليا |
وقال أيضاً:
فأدنيتني حتى إذا ما ملكتـنـي |
|
بقول يحلّ العصم سهل الأباطح |
تجافيت عني حين لا لي حـيلةٌ |
|
وخلفت ما خلفت بين الجوانـح |
للعباس بن الأحنف ونحوه قول العباس بن الأحنف:
أشكو الذين أذاقـونـي مـودّتـهـم |
|
حتى إذا أيقظوني في الهوى رقدوا |
واستنهضوني فلما قمت منتهـضـاً |
|
من ثقل ما حمّلوني في الهوى قعدوا |
لبعض المحدثين وقال بعض المحدثين:
من كان يبكي لما بـي |
|
من طول وجدٍ رسيس |
فالآن قبـل وفـاتـي |
|
"لا عطر بعد عروس" |
للعباس بن جرير، ولآخرين
وقال العباس بن جرير من ولد خالد بن عبد الله:
ظلّت الأحزان تكحلـنـي |
|
مضضاً طالت له سنتـي |
من هوى ظبيٍ كـأن لـه |
|
أرباً بالصد في تـرتـي |
قد حمى عيني محاسـنـه |
|
وحمى تقبيله شـفـتـي |
شركت عينـاه ظـالـمة |
|
في دمي قد عظم ما جنت |
لابن الطثرية وقال ابن الطثرية:
وإن كنتم ترجون أن يذهب الهـوى |
|
يقيناً ونروى بالشراب فنـنـقـعـا |
فردّوا هبوب الريح أو غيّروا الجوى |
|
إذا حلّ ألواذ الحشا فـتـمـنـعـا |
تلفتّ نحو الحيّ حتى وجـدتـنـي |
|
وجعت من الإصغاء ليتاً وأخدعـا |
وقال ابن ميادة:
بنفسي وأهلي من إذا عرضوا له |
|
ببعض الأذى لم يدر كيف يجيب |
ولم يعتذر عذر البريء ولم يزل |
|
له سكتةٌ حتـى يقـال مـريب |
وقال عليّ بن الجهم في رقعة أتته بخطّ جاريةٍ:
ما رقعةٌ جاءتك مثـنـية |
|
كأنها خـدٌّ عـلـى خـدّ |
نبذ سوادٍ في بياضٍ كـمـا |
|
ذرّ فتيت المسك في الورد |
ساهمة الأسطر مصروفةٌ |
|
عن ملح الهزل إلى الجدّ |
يا كاتباً أسلمني عـتـبـه |
|
إليه حسبي منك ما عندي |
وقال جريرٌ:
أتجمع قلباً بالعراق فريقـه |
|
ومنه بأظلال الأراك فريق |
أوانس أما من أردن عنـاءه |
|
فعانٍ ومن أطلقن فهو طليق |
دعون الهوى ثم ارتمين قلوبنا |
|
بأسهم أعداءٍ وهنّ صـديق |
وقال آخر:
لذان تضنيهما للبـين فـرقـتـه |
|
ولا يملان طول الدهر ما اجتمعا |
مستقبلان بساهٍ من شبـابـهـمـا |
|
إذا دعا دعوة الداعي الهوى شمعا |
لا يعجبان لقول الناس عن عرضٍ |
|
بل يعجبان لما قالا وما سمـعـا |
لأعرابي وقال أعرابيّ:
وقلن لها سـرّاً وقـينـاك لا يقـم |
|
صحيحاً فإن لم تقتليه فألـمـمـي |
فأذرت قناعاً دونه الشمس واتّقـت |
|
بأحسن موصولين كفّ ومعـصـم |
فراح وما أدري أفي طلعة الضّحى |
|
يروّخ أم داجٍ من الليل مـظـلـم |
وقال آخر:
يا أحسن الناس من قرن إلى قدم |
|
لم ألق مثلك في حلّ ولا حرم |
يا من تلبّس حسن الغانيات بـه |
|
قد خطّ قبلك فيما خطّ بالقـلـم |
لذي الرمة وقال ذو الرمةّ:
وقد كنت أبكي والنّوى مطمـئنةٌ |
|
بنا وبكم من علم ما البين صانع |
وأشفق من هجرانكم ويشفّـنـي |
|
مخافة وشك البين والشمل جامع |
وأهجركم هجر البغيض وحبّكـم |
|
على كبدي منه شؤونٌ صـوادع |
وقال أيضاً:
وقد كنت أخفي حبّ ميّ وذكرها |
|
رسيس الهوى حتى كأنّ لا أريدها |
ما زال يغلو حبّ ميّة عـنـدنـا |
|
ويزداد حتى لم نجد مـا يزيدهـا |
وقال:
وما زلت أطوي النفس حتى كأنهـا |
|
بذي الرّمث لم تخطر على بال ذاكر |
حياءٌ وإشفاقاً من الـركـب أن يروا |
|
دليلاً على مستودعات الضـمـائر |
وقال آخر:
قل لحادي المطيّ روّح قليلاً |
|
نجعل العيس سيرهنّ ذمـيلاً |
لا تفقها على السبيل ودعهـا |
|
يهدها شوق من عليها السّبيلا |
وقال آخر:
فإن يرتحل صحبي بجثمان أعظمـي |
|
يقم قلبي المحزون في منزل الرّكب |
ونحوه:
جسدٌ مقـيمٌ فـي الـدّيا |
|
ر وروحه في الطاعنين |
وقال آخر:
لعمر أبي المحضير أيّام نلتـقـي |
|
بما لا نلاقيها من الدّهر أكـثـر |
يعدّون يوماً واحـداً إن أتـيتـهـا |
|
وينسون ما كانت من الدهر تهجر |
لحميد بن ثور وقال حميد بن ثور:
وقلن لها قومي فدنياك فاركبي |
|
فأومت بلا لا غير ما أن تكلّما |
|
||
يهادينها حتى لوت بـزمـامـه |
|
بناناً كهدّاب الدّمقس ومعصمـا |
|
||
من البيض عاشت بين أمّ عزيزةٍ |
|
وبين أبٍ برّ أطاع وأكـرمـا |
|
||
منعّمةٌ لو يصبح الـذّر سـارياً |
|
على جلدها نضت مدارجه دما |
|
||
فما ركبت حتى تـطـاول يومـهـا |
|
وكانت لها الأيدي إلى الحدب سلّمـا |
|||
فجرجر لما كان في الخدر نصفـهـا |
|
ونصفٌ على دأياته مـا تـحـرّمـا |
|||
وما كاد لمّا أن عـلـتـه يقـلّـهـا |
|
بنهضته حتى اطمـأنّ وأعـصـمـا |
|||
وحتى تداعت بالنّـقـيص حـبـالـه |
|
وهمّت بواني زوره أن تحـطـمـا |
|||
وأثّر في صمّ الصّـفـا نـفـثـاتـه |
|
ورّمت سليمى أمره ثـم صـمّـمـا |
|||
فسبّحن واستهـلـلـن لـمـا رأينـه |
|
بها ربذاً سهل الأراجيح مـرجـمـا |
|||
من البيض مكسالٌ إذا ما تلـبّـسـت |
|
بحبل امرىء لم ينج منها مسـلّـمـا |
|||
رقودٌ الضّحى لا تقرب الجيرة القصى |
|
ولا الجيرة الأذنين إلا تـجـشّـمـا |
|||
وليست من اللاّتي يكون حـديثـهـا |
|
أمـام بـيوت الـحـيّ إنّ وإنّـمـا |
|||
لقيس بن ذريح وقال قيس بن ذريح:
تعلّق روحي قبـل خـلـقـنـا |
|
ومن بعد ما كنّا نطافاً وفي المهد |
فزاد كما زدنا فأصبـح نـامـياً |
|
فليس وإن متنا بمنفصم العـهـد |
ولـكـنّـه بـاقٍ كـلّ حـادثٍ |
|
وزائرنا في ظلمة القب واللّحـد |
يكاد حباب الماء يخدش جلـدهـا |
|
إذا اغتسلت بالماء من رقّة الجلد |
ولو لبست ثوباً من الورد خالصاً |
|
لخدّش منها جلدها ورق الـورد |
يثقّلها لبس الحرير لـلـينـهـا |
|
وتشكو إلى جارتها ثقل العـقـد |
وأرحم خدّيها إذا ما لحظـتـهـا |
|
حذاراً للحظي أن يؤثر في الخد |
تم كتاب النساء،وهو الكتاب العاشر من عيون
الأخبار، لابن قتيبة رحمة اللّه عليه، وتمّ بتمامه كتاب عيون الأخبار. وكتبه
الفقير إلى رحمة اللّه تعالى إبراهيم بن عمر ابن محمد بن عليّ الواعظ الجزريّ، في
شهور سنة أربع وتسعين وخمسمائة.
والحمد للّه رب العالمين وصلاته وسلامه على خير خلقه ومظهر حقّه محمد وآله أجمعين "جاء
في أوّل الجزء العاشر على ظهر الصفحة الأولى من النسخة الخطية التي نقل عنها الأصل
الفتوغرافي "أ." ما يأتي"
قال لي قائل وقد لاح في فـو |
|
ديّ مستشرقاً بياض القـتـير |
لم يعرف البياض بيض الغواني |
|
قلت علمي وأنت عين الخبير |
ليس كره النساء للـشّـيب إلا |
|
أنـه مـنـذرٌ بـنـوم الأيور |
لعلي عليه السلام في صفة الجماع روي عن عليّ عليه السلام أنه سئل عن صفة الجماع فقال: عوراتٌ تجتمع وحياءٌ يرتفع، إذا ظهر للعيون كان أشبه بالجنون. الإقامة عليه هرم، والإفاقة منه ندم؛ ثمرة حلاله الولد، إن عاش أفتن، وإن مات أحزن:
إذا لم يكن في منزل المرء حرّةٌ |
|
مدبرةٌ ضاعـت مـروءة داره |
بين عبد الملك بن مروان وجماعة من الشعراء وقيل: اجتمع جماعةٌ من الشعراء عند عبد الملك بن مروان فتذاكروا بيت نصيب وهو قوله:
أهيم بدعدٍ ما حييت فإن أمت |
|
أوكّل بدعدٍ من يهيم بها بعدي |
فما في القوم إلا من عابه وأزرى على نصيب فيه، فقال عبد الملك: فما كنتم تقولون أنتم? فقال واحد منهم: كنت أقول يا أمير المؤمنين:
أهيم بدعدٍ مـا حـييت وإن مـت |
|
فيا ليت شعري من يهيم بها بعدي |
فقال له عبد الملك: أنت أسوأ رأياً من نصيب. فقالوا: فماذا كنت تقول أنت يا أمير االمؤمنين? قال: كنت أقول:
أهيم بدعدٍ ما حييت وإن أمـت |
|
فلا صلحت دعدٌ لذي خلّةٍ بعدي |
فقالوا: أنت واللّه أشعر الثلاثة يا أمير المؤمنين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق