الخميس، 11 مايو 2023

ج7.وج8. الفروق أو أنوار البروق في أنواء الفروق



ج7.وج8. الفروق أو أنوار البروق في أنواء الفروق (مع الهوامش )

أبو العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي

سنة الولادة بلا/ سنة الوفاة 684هـ

الفرق الثالث والتسعون والمائة بين قاعدة المجهول وقاعدة الغرر اعلم أن العلماء قد يتوسعون في هاتين العبارتين فيستعملون إحداهما موضع الأخرى وأصل الغرر هو الذي لا يدرى هل يحصل أم لا كالطير في الهواء والسمك في الماء

وأما ما علم حصوله وجهلت صفته فهو المجهول كبيعه ما في كمه فهو يحصل قطعا لكن لا يدرى أي شيء هو فالغرر والمجهول كل واحد منهما أعم من الآخر من وجه وأخص من وجه فيوجد كل واحد منهما مع الآخر وبدونه أما وجود الغرر بدون الجهالة فكشراء العبد الآبق المعلوم قبل الإباق لا جهالة فيه وهو غرر لأنه لا يدري هل يحصل أم لا والجهالة بدون الغرر كشراء حجر يراه لا يدري أزجاج هو أم ياقوت مشاهدته تقتضي القطع بحصوله فلا غرر وعدم معرفته تقتضي الجهالة به

وأما اجتماع الغرر والجهالة فكالعبد الآبق المجهول الصفة قبل الإباق ثم الغرر والجهالة يقعان في سبعة أشياء في الوجود كالآبق قبل الإباق والحصول إن علم الوجود كالطير في الهواء وفي الجنس كسلعة لم يسمها وفي النوع كعبد لم يسمه وفي المقدار كالبيع إلى

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

وقيل يمتنع بيعه نظرا لتعذر الترجيح هذا فإن مذهب الشافعي رضي الله عنه لنا أن لفظ الشرع يحمل على عرفه فإن تعذرت حكمت فيه العوائد كالأيمان والوصايا وغيرهما كما تقدم ا ه

والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق الثالث والتسعون والمائة بين قاعدة المجهول وقاعدة الغرر الغرر لغة قال القاضي عياض رحمه الله هو ما له ظاهر محبوب وباطن مكروه ولذلك سميت الدنيا متاع الغرور قال وقد يكون من الغرارة وهي الخديعة ومنه الرجل الغر بكسر الغيرة للخداع ويقال للمخدوع أيضا ومنه قوله عليه السلام المؤمن غر كريم ا ه

والمجهول لغة ضد المعلوم كما في المختار والغرر اصطلاحا ما لا يدري هل يحصل أم لا جهلت صفته أم لا كالطير في الهواء والسمك في الماء والمجهول اصطلاحا ما علم حصوله وجهلت صفته كبيع الشخص ما في كمه فهو يحصل قطعا لكنه لا يدري أي شيء هو فكل واحد من الغرر والمجهول اصطلاحا أعم من الآخر من وجه وأخص من وجه فيجتمعان في نحو شراء العبد الآبق المجهول قبل إباقه صفته فهو مجهول الصفة وغرر لأنه لا يدري أيحصل أم لا ويوجد الغرر بدون الجهالة في نحو شراء العبد الآبق المعلوم قبل إباحة صفته فهو معلوم قبل الإباق لا جهالة فيه وهو غرر لأنه لا يدري هل يحصل أم لا وتوجد الجهالة بدون الغرر في نحو شراء حجر يراه لا يدري أهو زجاج أم ياقوت فمشاهدته تقتضي القطع بحصوله فلا غرر وعدم معرفته تقتضي الجهالة به نعم قد يتوسع العلماء فيهما فيستعملون أحدهما موضع الآخر نظرا إلى أن الغرر يوجد في المبيعات من جهة الجهل بأحد سبعة أشياء الأول الجهل بتعيين العقد أي الجهل بوجود المعقود به عليه كالآبق قبل الإباق والثاني الجهل بتعيين المعقود عليه كثوب من ثوبين مختلفين

____________________

(3/432)

مبلغ رمي الحصاة وفي التعيين كثوب من ثوبين مختلفين وفي البقاء كالثمار قبل بدو صلاحها فهذه سبعة موارد للغرور والجهالة ثم الغرر والجهالة ثلاثة أقسام كثير ممتنع

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

والثالث الجهل بجنسه كسلعة لم يسمها والرابع الجهل بنوعه كعبد لم يسمه الخامس الجهل بالحصول إن علم الوجود كالطير في الهواء والسادس الجهل بالمقدار كالبيع إلى مبلغ رمي الحصاة والسابع الجهل بالبقاء كالثمار قبل بدو صلاحها وبقي الجهل بالأجلي إن كان هناك أجل والجهل بالصفة فهذه تسعة موارد للغرر من جهة الجهالة وهي ترجع إلى ثلاثة أقسام للغرر من جهة الجهالة الأول كثير ممتنع إجماعا كالطير في الهواء ومن ذلك جميع البيوع التي نهي عنها صلى الله عليه وسلم كبيع حبل الحبلة لأنه إما عبارة عن بيع يؤجلونه إلى أن تنتج الناقة ما في بطنها ثم ينتج ما في بطنها والغرر في هذا من جهة جهل الأجل بين وإما عبارة عن بيع جنين الناقة وهذا من باب النهي عن بيع المضامين والملاقيح والمضامين هي ما في بطون الحوامل والملاقيح ما في ظهور الفحول وكبيع ما لم يخلق وبيع الملامسة وكانت صورته في الجاهلية أن يلمس الرجل الثوب ولا ينشره أو يبتاعه ليلا ولا يعلم ما فيه وسبب تحريمه الجهل بالصفة وكبيع المنابذة وصورته أن ينبذ كل واحد من المتبايعين إلى صاحبه الثوب من غير أن يعين أن هذا بهذا بل كانوا يجعلون ذلك راجعا إلى الاتفاق وكبيع الحصاة وصورته أن يقول المشتري أي ثوب وقعت عليه الحصاة التي أرمي بها فهو لي وقيل أيضا إنهم كانوا يقولون إذا وقعت الحصاة من يدي فقد وجب البيع

وهذا قمار فهذه ونحوها كلها بيوع جاهلية متفق على تحريمها وهي محرمة لكثير الغرر الحاصل من جهات الجهالة المذكورة والقسم الثاني قليل جائز إجماعا كأساس الدار وقطن الجبة والقسم الثالث متوسط اختلف فيه هو يلحق بالأول أو الثاني فلارتفاعه عن القليل ألحق بالكثير ولانحطاطه عن الكثير ألحق بالقليل

وهذا هو سبب اختلاف العلماء في فروع الغرر والجهالة هذا خلاصة ما في الأصل وسلمه ابن الشاط بزيادة من بداية الحفيد قال ومن البيوع التي توجد فيها هذه الضروب من الغرر بيوع منطوق بها وبيوع مسكوت عنها والمنطوق به أكثره متفق على تحريمه وبعضه اختلفوا فيه ومنه ما جاء عنه عليه الصلاة والسلام من النهي عن بيع السنبل حتى يبيض والعنب حتى يسود وذلك أن العلماء اتفقوا على أنه لا يجوز بيع الحنطة في سنبلها دون السنبل لأنه بيع ما لم تعلم صفته ولا كثرته واختلفوا في بيع السنبل نفسه مع الحب فجوز ذلك جمهور العلماء مالك وأبو حنيفة وأهل المدينة وأهل الكوفة

وقال الشافعي لا يجوز بيع السنبل نفسه وإن اشتد فإنه من باب الغرر وقياسا على بيعه مخلوطا بتبنه بعد الدرس وحجة الجمهور ما روي عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع النخيل حتى تزهي وعن السنبل حتى تبيض وتؤمن العاهة نهي البائع والمشتري وهي زيادة على ما

رواه مالك من هذا الحديث والزيادة إذا كانت من الثقة مقبولة وروي عن الشافعي أنه لما وصلته

____________________

(3/433)

إجماعا كالطير في الهواء وقليل جائز إجماعا كأساس الدار وقطن الجبة ومتوسط اختلف فيه هل يلحق بالأول أو الثاني فلارتفاعه عن القليل ألحق بالكثير ولانحطاطه عن الكثير ألحق بالقليل وهذا هو سبب اختلاف العلماء في فروع الغرر والجهالة

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

هذه الزيادة رجع عن قوله وذلك أنه لا يصح عنده قياس مع وجود الحديث

ثم قال وأما المسائل المسكوت عنها في هذا الباب المختلف فيها بين فقهاء الأمصار فكثيرة لكن نذكر منها أشرها لتكون كالقانون للمجتهد النظار وهي خمسة مسائل المسألة الأولى المبيعات نوعان مبيع حاضر مرئي فهذا لا خلاف في بيعه ومبيع غائب أو متعذر الرؤية فهنا اختلف العلماء فقال قوم بيع الغائب لا يجوز بحال من الأحوال لا وصف ولا لم يوصف وهذا أشهر قول الشافعي وهو المنصور عند أصحابه أعني أن بيع الغائب على الصفة لا يجوز وقال مالك وأكثر أهل المدينة يجوز بيع الغائب على الصفة إذا كانت غيبته مما يؤمن أن تتغير فيه قبل القبض صفته

وقال أبو حنيفة يجوز بيع العين الغائبة من غير صفة ثم له إذا رآها الخيار فإن شاء نفذ البيع وإن شاء رده وكذلك المبيع على الصفة من شرطه عندهم خيار الرؤية وإن جاء على الصفة وعند مالك إنه إن جاء على الصفة فهو لازم وعند الشافعي لا ينعقد البيع أصلا في الموضعين وقد قيل في المذهب يجوز بيع الغائب من غير صفة على شرط الخيار خيار الرؤية وقع ذلك في المدونة وأنكره عبد الوهاب وقال هو مخالف لأصولنا وسبب الخلاف هل نقصان العلم المتعلق بالصفة عن العلم المتعلق بالحس هو جهل مؤثر في بيع الشيء فيكون من الغرر الكثير أم ليس بمؤثر وإنه من الغرر اليسير

وأما أبو حنيفة فإنه رأى أنه إذا كان له خيار الرؤية إنه لا غرر هناك وإن لم تكن له رؤية وأما مالك فرأى أن الجهل المقترن بعدم الصفة مؤثر في انعقاد البيع ولا خلاف عند مالك أن الصفة إنما تنوب عن المعاينة لمكان غيبة المبيع أو لمكان المشقة التي في نشره وما يخاف أن يلحقه من الفساد بتكرار النشر عليه ولهذا أجاز البيع على البرنامج على الصفة ولم يجز عنده بيع السلاح في جرابه ولا الثوب المطوي في طيه حتى ينشر أو ينظر إلى ما في جرابها واحتج أبو حنيفة بما روي عن ابن المسيب إنه قال قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وددنا أن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف تبايعا حتى نعلم أيهما أعظم جدا في التجارة فاشترى عبد الرحمن من عثمان بن عفان فرسا بأرض له أخرى بأربعين ألفا أو أربعة آلاف فذكر تمام الخبر وفيه بيع الغائب مطلقا ولا بد عند أبي حنيفة من اشتراط الجنس ويدخل البيع على الصفة أو على خيار الرؤية من جهة ما هو غائب غرر آخر وهو هل هو موجود وقت العقد أو معدوم ولذلك اشترطوا فيه أن يكون قريب الغيبة إلا أن يكون مأمونا كالعقار ومن هاهنا أجاز مالك بيع الشيء برؤية متقدمة أعني إذا كان من القرب بحيث يؤمن أن تتغير فيه فاعلمه المسألة الثانية أجمعوا على أنه لا يجوز بيع الأعيان إلى أجل وإن من شرطها تسليم المبيع إلى المبتاع بأثر عقد الصفة إلا أن مالكا وربيعة وطائفة من أهل المدينة أجازوا بيع الجارية الرفيعة على شرط المواضعة ولم يجيزوا فيها كما لم يجزه مالك في بيع الغائب وإنما منع ذلك الجمهور لما يدخله من الدين بالدين ومن عدم التسليم ويشبه أن يكون بيع الدين بالدين من هذا الباب أعني لما يتعلق بالغرر من عدم التسليم من الطرفين لا من باب الربا ومن هذا الباب ما كان

____________________

(3/434)

فائدة أصل الغرر لغة قال القاضي عياض رحمه الله هو ما له ظاهر محبوب وباطن مكروه ولذلك سميت الدنيا متاع الغرور قال وقد يكون من الغرارة وهي الخديعة ومنه الرجل الغر بكسر الغين للخداع ويقال للمخدوع أيضا ومنه قوله عليه السلام المؤمن غر كريم

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

يرى ابن القاسم أنه لا يجوز أن يأخذ الرجل من غريمه في دين له عليه ثمرا قد بدا صلاحه ويراه من باب الدين بالدين وكان أشهب يجتز ذلك ويقول إنما الدين بالدين ما لم يشرع في قبض شيء منه أعني أنه كان يرى أن قبض الأوائل من الأثمان يقوم مقام قبض الأواخر وهو القياس عند كثير من المالكين وهو قول الشافعي وأبي حنيفة

المسألة الثالثة أجمع فقهاء الأمصار على بيع التمر الذي يثمر بطنا واحدا يطيب بعضه وإن لم تطب جملته معا واختلفوا فيما يثمر بطونا مختلفة وتحصيل مذهب مالك في ذلك أن البطون المختلفة لا تخلو أن تتصل أو لا تتصل فإن لم تتصل لم يكن بيع ما لم يخلق منها داخلا فيما خلق كشجر التين يوجد فيه الباكور والعصير ثم إن اتصلت فلا يخلو أن تتميز البطون أو لا تتميز فمثال المتميز جز القصيل الذي يجز مدة بعد مدة ومثال المتميز المباطخ والمقاثي والباذنجان والقرع ففي الذي يتميز عنه وينفصل روايتان إحداهما الجواز والأخرى المنع وفي الذي يتصل ولا يتميز قول واحد وهو الجواز وخالفه الكوفيون وأحمد وإسحاق والشافعي في هذا كله فقالوا لا يجوز بيع بطن منها بشرط آخر وحجة مالك فيما لا يتميز أنه لا يمكن حبس أوله على آخره فجاز أن يباع ما لم يخلق منها مع ما خالق وبدا صلاحه أصله جواز بيع ما لم يطب من الثمر مع ما طاب لأن الغرر في الصفة شبهه بالغرر في عين الشيء وكأنه رأى أن الرخصة هاهنا يجب أن تقاس على الرخصة في بيع الثمار أعني ما طاب مع ما لم يطب لموضع الضرورة والأصل عنده أن من الغرر ما يجوز لموضع الضرورة ولذلك منع على إحدى الروايتين عنده بيع القصيل بطنا أكثر من واحد لأنه لا ضرورة هناك إذا كان متميزا وأما وجه الجواز في القصيل فتشبيها له بما لا يتميز وهو ضعيف وأما الجمهور فإن هذا كله عندهم من بيع ما لم يخلق ومن باب النهي عن بيع الثمار معاومة المسألة الرابعة بيع اللفت والجزر والكرنب جائز عند مالك إذا بدا صلاحه وهو استحقاقه للأكل ولم يقلع ولم يجزه الشافعي إلا مقلوعا لأنه من باب بيع المغيب ومن هذا الباب بيع الجوز واللوز والباقلا في قشره أجازه مالك ومنعه الشافعي والسبب في اختلافهم هل هو من الغرر المؤثر في البيوع أم ليس من المؤثر وذلك أنهم اتفقوا على أن الغرر ينقسم بهذين القسمين وإن غير المؤثر هو اليسير الذي تدعو إليه الضرورة أو ما جمع الأمرين المسألة الخامسة اختلفوا أيضا في بيع السمك في الغدير أو البركة فقال أبو حنيفة يجوز ومنعه مالك والشافعي فيما أحسب وهو الذي تقتضي أصوله ومن ذلك الآبق أجازه قوم بإطلاق ومنعه قوم بإطلاق

____________________

(3/435)

الفرق الرابع والتسعون والمائة بين قاعدة ما يسد من الذرائع وقاعدة ما لا يسد منهما اعلم أن الذريعة هي الوسيلة للشيء وهي ثلاثة أقسام منها ما أجمع الناس على سده ومنها ما أجمعوا على عدم سده ومنها ما اختلفوا فيه فالمجمع على عدم سده كالمنع من زراعة العنب خشية الخمر والتجاور في البيوت خشية الزنا فلم يمنع شيء من ذلك ولو كان وسيلة للمحرم وما أجمع على سده كالمنع من سب الأصنام عند من يعلم أنه يسب الله تعالى حينئذ وكحفر الآبار في طرق المسلمين إذا علم وقوعهم فيها أو ظن وإلقاء السم في أطعمتهم إذا علم أو ظن أنهم يأكلونها فيهلكون والمختلف فيه كالنظر إلى المرأة لأنه ذريعة للزنا وكذلك الحديث معها ومنها بيوع الآجال عند مالك رحمه الله ويحكى عن المذهب المالكي اختصاصه بسد الذرائع وليس كذلك بل منها ما أجمع عليه كما تقدم وحينئذ يظهر عدم فائدة استدلال الأصحاب على الشافعية في سد الذرائع بقوله تعالى ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم الأنعام

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

ومنهم الشافعي

وقال مالك إن كان معلوم الصفة معلوم الموضع عند البائع والمشتري جاز وأظنه اشترط أن يكون معلوم الإباق ويتواضعان أعني أنه لا يقبضه البائع حتى يقبضه المشتري لأنه يتردد عند العقد بين بيع وسلف وهذا أصل من أصوله يمنع به النقد في بيع المواضعة وفي بيع الغائب غير المأمون وفيما كان من هذا الجنس وممن قال بجواز بيع الآبق والبعير والشارد عثمان البتي والحجة للشافعي حديث شهر بن حوشب عن سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن شراء العبد الآبق

وعن شراء ما في بطون الإماء حتى تضع وعن شراء ما في ضروعها وعن شراء الغنائم حتى تقسم وأجاز مالك بيع لبن الغنم أياما معدودة إذا كان ما يحلب منها معروفا في العادة ولم يجز ذلك في الشاة الواحدة

وقال سائر الفقهاء لا يجوز ذلك إلا بكيل معلوم بعد الحلب ومن هذا الباب منع مالك بيع اللحم في جلده ومن هذا الباب بيع المريض أجازه مالك إلا أن يكون ميئوسا منه ومنعه الشافعي وأبو حنيفة وهي رواية أخرى عنه ومن هذا الباب بيع تراب المعدن والصواغين فأجاز مالك بيع تراب المعدن بنقد يخالفه أو يعرض ولم يجز بيع تراب الصاغة ومنع الشافعي البيع في الأمرين جميعا وأجازه قوم في الأمرين جميعا وبه قال الحسن البصري ا ه

محل الحاجة من البداية والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق الرابع والتسعون والمائة بين قاعدة ما يسد من الذرائع وقاعدة ما لا يسد منها الذريعة بالذال المعجمة الوسيلة إلى الشيء وأصلها عند العرب ما تألفه الناقة الشاردة من الحيوان لتضبط به ثم نقلت إلى البيع الجائز صورة المتخيل به على ما لا يجوز وهو السلف الجار نفعا وكذا غير البيع على وجه التخيل به على ما لا يجوز من كل شيء كان وسيلة لشيء ما عدا المعنى الحقيقي كأن يكرم بائع من أريد الشراء منه لأجل أن يغره بالبيع له بثمن مرتفع أو نحو ذلك على طريق

____________________

(3/436)

108 وبقوله تعالى ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فذمهم لكونهم تذرعوا للصيد يوم السبت المحرم عليهم بحبس الصيد يوم الجمعة وبقوله عليه السلام لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها وبإجماع الأمة على جواز البيع والسلف مفترقين وتحريمهما مجتمعين لذريعة الربا ولقوله عليه السلام لا يقبل الله شهادة خصم ولا ظنين خشية الشهادة بالباطل ومنع شهادة الآباء للأبناء والعكس فهذه وجوه كثيرة يستدلون بها وهي لا تفيد فإنها تدل على اعتبار الشرع سد الذرائع في الجملة وهذا مجمع عليه وإنما النزاع في الذرائع خاصة وهي بيوع الآجال ونحوها فينبغي أن تذكر أدلة خاصة لمحل النزاع وإلا فهذه لا تفيد وإن قصدوا القياس على هذه الذرائع المجمع عليها فينبغي أن يكون حجتهم القياس خاصة ويتعين حينئذ عليهم إبداء الجامع حتى يتعرض الخصم لدفعه بالفارق ويكون دليلهم شيئا واحدا وهو القياس وهم لا يعتقدون أن مدركهم هذه النصوص وليس كذلك فتأمل ذلك بل يتعين أن يذكروا نصوصا أخر خاصة بذرائع بيوع الآجال خاصة ويقتصرون عليها نحو ما في الموطإ أن أم ولد زيد بن أرقم قالت لعائشة رضي الله عنها يا أم المؤمنين إني بعت من

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

الاستعارة التصريحية بتشبيه كل شيء كان وسيلة لشيء غير المعنى الحقيقي بالمعنى الحقيقي بجامع مطلق التوسل في كل ثم صارت حقيقة عرفية وانقسمت ثلاثة أقسام القسم الأول ما أجمع الناس على عدم سده أي على إلغاء حكمه كالمنع من زراعة العنب خشية الخمر والمنع من التجاور في البيوت خشية الزنى فلم يمنع شيء من ذلك ولو كان وسيلة وسببا للمحرم القسم الثاني ما أجمعوا على سده أي إعمال حكمه كالمنع من سب الأصنام عند من يعلم أنه يسب الله تعالى حينئذ والمنع من حفر الآبار في طريق المسلمين إذا علم وقوعهم فيها أو ظن والمنع من إلقاء السم في أطعمة المسلمين إذا علم أو ظن أنهم يأكلونها فيهلكون والمنع من البيع والسلف مجتمعين خشية الربا وحوارهما مفترقين لقوله تعالى ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم وقوله تعالى ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت حيث ذمهم لكونهم تذرعوا للصيد يوم السبت المحرم عليهم بحبس الصيد يوم الجمعة وقوله عليه الصلاة والسلام لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها

وقوله عليه الصلاة والسلام لا يقبل الله شهادة خصم ولا ظنين خشية الشهادة بالباطل ومنع صلى الله عليه وسلم شهادة الآباء للأبناء والعكس فقد اعتبر الشرع سد الذرائع في الجملة وليس المذهب المالكي مختصا بسدها كما يحكى ذلك عنه القسم الثالث ما اختلفوا فيه كالنظر إلى المرأة الأجنبية من حيث إنه ذريعة للزنى قال العدوي على الخرشي أي بغير شهوة فمالك يجيزه وغيره يمنعه

____________________

(3/437)

زيد بن أرقم عبدا بثمانمائة درهم إلى العطاء واشتريته بستمائة نقدا فقالت عائشة رضي الله عنها بئس ما شريت وبئس ما اشتريت أخبري زيد بن أرقم أنه أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب قالت أرأيتني إن أخذته برأس مالي فقالت عائشة رضي الله عنها فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله فهذه هي صورة النزاع وهذا التغليظ العظيم لا تقوله رضي الله عنها إلا عن توقيف فتكون هذه الذرائع واجبة السد وهو المقصود سؤال زيد بن أرقم من خيار الصحابة والصحابة رضي الله عنهم كلهم عدول سادة أتقياء فكيف يليق به فعل ما يقال فيه ذلك جوابه قال صاحب المقدمات أبو الوليد بن رشد هذه المبايعة كانت بين أم ولد زيد بن أرقم ومولاها قبل العتق فيتخرج قول عائشة رضي الله عنها على تحريم الربا بين السيد وعبده مع القول بتحريم هذه الذرائع ولعل زيد بن أرقم لا يعتقد تحريم الربا بين السيد وعبده قال ولا يحل لمسلم أن يعتقد في زيد أنه وطئ أم ولده على شراء الذهب بالذهب متفاضلا إلى أجل سؤال إذا قلنا بالتحريم على رأي عائشة رضي الله عنها فما معنى إحباط الجهاد وإحباط الأعمال لا يكون إلا بالشرك جوابه أن الإحباط إحباطان إحباط

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

أما بشهوة فمتفق على منعه ا ه

وكالتحدث مع الأجنبية من حيث ما ذكر قال العدوي أيضا فمذهبنا يجوز ذلك بغير شهوة على المعتمد خلافا لمن يقول إن صوتها عورة وإن ذكره بعض الشراح ا ه

أي شراح خليل وكبيوع الآجال فمذهب مالك منعها بخمسة شروط أحدهما أن تكون البيعة الأولى لأجل ثانيها أن يكون المشتري ثانيا هو البائع أو لا أو من تنزل منزلته وثالثها أن يكون البائع ثانيا هو المشتري أو لا أو من تنزل منزلته والمنزل منزلة كل واحد وكيله سواء علم الوكيل أو الموكل بيع الآخر وشراءه أو جهلا وعبد كل إن كان غير مأذون له أو مأذونا له وهو يتجر للسيد كوكيله ورابعها أن يكون المشتري ثانيا هو المبيع أولا وخامسها أن يكون الشراء الثاني من صفة ثمنه الذي باع به أولا لأنها وإن كانت على صورة بيع جائز في الظاهر إلا أنها لما كثر قصد الناس التوصل إلى ممنوع في الباطن كبيع بسلف وسلف بمنفعة منعت قياسا على الذرائع المجمع على منعها بجامع أن الأغراض الفاسدة في كل هي الباعثة على عقدها لأنه المحصل لها بخلاف نحو بيع السيف من نحو قاطع الطريق فإنه ليس محصلا لقطع الطريق حتى يقال إن الفساد في قطع الطريق أعظم من سلف جر نفعا لما فيه من ذهاب النفوس والأموال إذ الفساد ليس مقصودا من البيع بالذات حتى يكون باعثا على عقده كصورة النزاع فافهم قال الحفيد في البداية والصور التي يعتبرها مالك في الذرائع في هذه البيوع هي أن يتذرع منها إلى أنظرني أزدك أو إلى بيع ما لا يجوز متفاضلا أو بيع ما لا يجوز نساء أو إلى بيع وسلف أو إلى ذهب وعرض بذهب أولى ضع وتعجل أو بيع الطعام قبل أن

____________________

(3/438)

إسقاط وهو إحباط الكفر للأعمال الصالحة فلا يفيد شيء منها معه وإحباط موازنة وهو وزن العمل الصالح بالسيئ فإن رجح السيئ فأمه هاوية والصالح فهو في عيشة راضية كلاهما معتبر غير أنه يعتبر أحدهما بالآخر ومع الكفر لا عبرة ألبتة فالإحباط في الأثر إحباط موازنة بقي كيف يحبط هذا الفعل جملة ثواب الجهاد قلت له معنيان أحدهما أن المراد المبالغة في الإنكار لا التحقيق وثانيها أن مجموع الثواب المتحصل من الجهاد ليس باقيا بعد هذه السببية بل بعضه فيكون الإحباط في المجموع من حيث هو مجموع وظاهر الإحباط والتوبة أنه معصية أما يترك التعلم لحال هذا العقد قبل القدوم عليه لأنه اجتهد فيه ورأت أن اجتهاده مما يجب نقضه وعدم إقراره فلا يكون حجة له أو هو ممن يقتدى به فخشيت أن يقتدي به الناس فينفتح باب الربا بسببه فيكون ذلك في صحيفته فيعظم الإحباط في حقه ومن هذا الباب في الإحباط قوله عليه السلام من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله أي بالموازنة ووافقنا أبو حنيفة وابن حنبل في سد ذرائع بيوع الآجال التي هي صورة النزاع وإن خالفنا في تفصيل بعضها

وقال أبو حنيفة يمتنع بيع السلعة من أب البائع بما تمتنع به من البائع

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

يستوفى أو بيع وصرف قال هذه هي أصول الربا ا ه

ومما يدل على منع صورة النزاع حديث العالية عن عائشة رضي الله عنها أنها سمعتها وقد قالت لها امرأة كانت أم ولد لزيد بن أرقم يا أم المؤمنين إني بعت من زيد عبدا إلى العطاء بثمانمائة فاحتاج إلى ثمنه فاشتريته من قبل محل الأجل بستمائة أي نقدا فقالت عائشة بئسما شريت وبئسما اشتريت أبلغي زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب قالت أرأيت إن تركت وأخذت الستمائة دينار قالت نعم وفي رواية الموطإ قالت أرأيتني إن أخذته برأس مالي فقالت عائشة رضي الله عنها فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله فهذا التغليظ العظيم لا تقوله رضي الله عنها إلا عن توقيف فتكون هذه الذرائع واجبة السد وهو المقصود قال صاحب المقدمات أبو الوليد بن رشد هذه المبايعة كانت بين أم ولد زيد بن أرقم ومولاها قبل العتق فيتخرج قول عائشة رضي الله عنها على تحريم الربا بين السيد وعبده مع القول بتحريم هذه الذرائع ولعل زيد بن أرقم لا يعتقد تحريم الربا بين السيد وعبده قال ولا يحل لمسلم أن يعتقد في زيد أنه واطأ أم ولده على شراء الذهب بالذهب متفاضلا إلى أجل ا ه

فاندفع ما يقال كيف يليق بزيد بن أرقم وهو من خيار الصحابة فعل ما يقال فيه ذلك والصحابة كلهم رضي الله عنهم عدول سادة أتقياء والإحباط إحباط إن أحدهما إحباط إسقاط وهو إحباط الكفر للأعمال الصالحة فلا يفيد شيء منها معه وثانيها إحباط موازنة وهو وزن العمل الصالح السيئ فإن رجح السيئ فأمه هاوية أو الصالح فهو في عيشة راضية كلاهما معتبر غير أنه يعتبر أحدهما بالآخر ومع الكفر لا عبرة ألبتة والإحباط في حديث عائشة إحباط موازنة كالإحباط في قوله عليه السلام من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله أي بالموازنة ومرادها رضي الله عنها إما المبالغة في الإنكار لا التحقيق

____________________

(3/439)

وخالفنا الشافعي رضي الله عنه واحتج بقوله تعالى وأحل الله البيع وحرم الربا وبما جاء في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بتمر جنيب فقال أتمر خيبر كله هكذا فقالوا إنا نبتاع الصاع بالصاعين من تمر الجمع فقال عليه السلام لا تفعلوا هذا ولكن بيعوا تمر الجمع بالدراهم واشتروا بالدراهم جنيبا فهو بيع صاع بصاعين وإنما توسط بينهما عقد الدراهم فأبيح والجواب عن الأول أن ما ذكرناه خاص وما ذكرتموه عام والخاص مقدم على العام على ما تقرر في علم الأصول وعن الثاني إنا إنما امتنع أن يكون العقد الثاني من البائع الأول وليس ذلك مذكورا في الخبر مع أن بيع النقد إذا تقابضا فيه ضعفت التهمة وإنما المنع حيث تقوى واحتج أيضا بأن العقد المقتضي للفساد لا يكون فاسدا إذا صحت أركانه كبيع السيف من قاطع الطريق والعنب من الخمار مع أن الفساد في قطع الطريق أعظم من سلف جر نفعا لما فيه من ذهاب النفوس والأموال وجوابه أن الفساد ليس مقصودا للقصد بالذات بخلاف عقود صور النزاع فإن تلك الأعراض الفاسدة هي الباعثة على العقد لأنه المحصل لها والبيع ليس محصلا لقطع الطريق وعمل الخمر

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

وأما الإحباط في مجموع المتحصل من الجهاد من حيث هو مجموع فيكون الباقي بعد هذه السيئة بعضه وظاهر الإحباط والتوبة أنه معصية إما بترك التعلم لحال هذا العقد قبل القدوم عليه لأنه اجتهد فيه رأت أن اجتهاده مما يجب نقضه وعدم إقراره فلا يكون حجة له أو هو ممن يقتدى به فخشيت أن يقتدي به الناس فينفتح باب الربا بسببه فيكون ذلك في صحيفته فيعظم الإحباط في حقه

قال اللخمي اختلف في وجه المنع في بيوع الآجال قال أبو الفرج لأنها أكثر معاملات أهل الربا

وقال ابن مسلمة بل سدا لذرائع الربا فعلى الأول من علم من عادته تعمد الفساد حمل عقده عليه وإلا أمضي فإن اختلف العادة منع الجميع وإن كان من أهل الدين والفضل وعليه يحمل قول عائشة رضي الله عنها فإن زيدا من أبعد الناس عن قصد الربا قال في الجواهر وضابط هذا الباب أن المتعاقدين إن كانا يقصدان إظهار ما يجوز ليتوصلا به إلى ما لا يجوز فينفسخ العقد إذا كثر القصد إليه اتفاقا من المذهب كبيع وسلف جر نفعا فإن بعدت التهمة بعض البعد وأمكن القصد به كدفع الأكثر مما فيه ضمان وأخذ الأقل إلى أجل فقولان مشهوران فأما مع ظهور ما يبرئ من التهمة لكن فيه صورة المتهم عليه كما لو تصور العين بالعين غير يد بيد وتظهر البراءة بتعجيل الأكثر فجائز لانتفاء التهمة وقيل يمتنع حماية للذريعة والأصل أن ينظر ما خرج من اليد وما خرج إليها فإن جاء العامل به صح وإلا فلا ولا تعتبر أقوالهما بل أفعالهما فقط ا ه

ووافقنا أبو حنيفة وابن حنبل في سد ذرائع بيوع الآجال التي هي صورة النزاع وإن خالفنا أبو حنيفة في تفصيل البعض وقال يمتنع بيع السلعة من أب البائع بما تمتنع به من البائع وفي الإقناع من شرحه

ومن باع سلعة بنسيئة أي بثمن مؤجل أو بثمن حال

____________________

(3/440)

تنبيه قال اللخمي اختلف في وجه المنع في بيوع الآجال أبو الفرج لأنها أكثر معاملات أهل الربا

وقال ابن مسلمة بل سدا لذرائع الربا فعلى الأول من علم من عادته تعمد الفساد حمل عقده عليه وإلا أمضي فإن اختلفت العادة منع الجميع وإن كان من أهل الدين والفضل وعليه يحمل قول عائشة رضي الله عنها فإن زيدا من أبعد الناس عن قصد الربا قال في الجواهر وضابط هذا الباب أن المتعاقدين إن كانا يقصدان إظهار ما

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

لم يقبضه صح الشراء حيث لا مانع وحرم عليه أي على بائعها شراؤها ولم يصح منه شراؤها نصا بنفسه أو بوكيله بنقد من جنس الأول أقل مما باعها به بنقد أي حال أو نسيئته ولو بعد حل أجلها أي أجل الثمن الأول نصا نقله ابن القاسم وسند لما روي عن شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأته العالية قالت دخلت أنا وأم ولد ابن زيد بن أرقم على عائشة إلخ ولأنه ذريعة إلى الربا ليستبيح بيع ألف بنحو خمسمائة إلى أجل والذرائع معتبرة في الشرع بدليل منع القاتل من الإرث بها إلا أن تتغير صفتها لما ينقصها كعبد قطعت يده أو يقبض ثمنها بأن باع السلعة وقبض ثمنها ثم اشتراها فيصح لأنه لا توسل به إلى الربا وإن اشتراها أبوه أو ابنه ونحوهما كغلامه أو مكاتبه أو زوجته ولا حيلة جاز وصح لأن كل واحد منهما كالأجنبي بالنسبة إلى الشراء أو اشتراها بائعها من غير مشتريها كما لو اشتراها من وارثه أو ممن انتقلت إليه منه بتبيع أو نحوه جاز لعدم المانع أو اشتراها بائعها بمثل الثمن الأول أو بنقد آخر غير الذي باعها به أو اشتراها بعوض أو باعها بعوض ثم اشتراها بنقد صح الشراء ولم يحرم لانتفاء الربا المتوسل إليه به وإن قصد بالعقد الأول العقد الثاني بطلا أي العقدان قاله الشيخ

وقال هو قول أحمد وأبي حنيفة ومالك قال في الفروع ويتوجه أنه مراد من أطلق لأن العلة التي لأجلها بطل الثاني وهو كونه ذريعة للربا موجودة إذن في الأول وهذه المسألة تسمى مسألة العينة لأن مشتري السلعة إلى أجل يأخذ بها عينا أي نقدا حاضرا قال الشاعر أنعتان أم ندان أم ينبري لنا فتى مثل نقل السيف ميزت مضاربه ومعنى نعتان نشتري عينة كما وصفنا

وروى أبو داود عن ابن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم ا ه

وخالفنا الشافعي فقال هو وأصحابه لا يثبت حديث عائشة على أن زيدا قد خالفها وإذا اختلفت الصحابة فمذهبنا القياس واحتجوا بثلاثة أمور أحدها قوله تعالى وأحل الله البيع وحرم الربا وجوابه أن هذا عام وما ذكرناه خاص والخاص مقدم على العام على ما تقرر في علم الأصول الأمر الثاني ما جاء في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بتمر جنيب فقال أتمر خيبر كله هكذا فقالوا إنا نبتاع الصاع بالصاعين من تمر الجمع فقال عليه السلام لا تفعلوا هذا ولكن بيعوا تمر الجمع بالدراهم واشتروا بالدراهم جنيبا فهو بيع صاع بصاعين وإنما توسط بينهما عقد الدراهم فأبيح وجوابه إنا إنما نمنع أن يكون العقد الثاني من البائع الأول وليس ذلك مذكورا في الخبر مع أن بيع النقد إذ تقابضا فيه ضعف التهمة وإنما المنع حيث تقوى

____________________

(3/441)

يجوز ليتوصلا به إلى ما لا يجوز فيفسخ العقد إذا كثر القصد إليه اتفاقا من المذهب كبيع وسلف جر نفعا فإن بعدت التهمة بعض البعد وأمكن القصد إليه كدفع الأكثر مما فيه ضمان وأخذ الأقل منه إلى أجل فقولان مشهوران فأما مع ظهور ما يبرئ من التهمة لكن فيه صورة المتهم عليه كما لو تصور العين بالعين غير يد بيد وتظهر البراءة بتعجيل الأكثر فجائز لانتفاء التهمة وقيل يمتنع حماية للذريعة والأصل أن ينظر ما خرج من اليد وما خرج إليها فإن جاز التعامل به صح وإلا فلا ولا تعتبر أقوالهما بل أفعالهما فقط فهذا هو تلخيص الفرق بين الذرائع التي يجب سدها والذرائع التي لا يجب سدها والخلاف فيه والوفاق والمدرك في ذلك

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

الأمر الثالث إن العقد المقتضي للفساد لا يكون فاسدا إذا صحت أركانه كبيع السيف من قاطع الطريق والعنب من الخمار مع أن الفساد في قطع الطريق أعظم من سلف جر نفعا لما فيه من ذهاب النفوس والأموال وجوابه أن محل ذلك إذا لم يكن الأغراض الفاسدة هي الباعثة على العقد وإلا منع كما في عقود صور النزاع كما تقدم توضيحه قال الحفيد في البداية وروي مثل قول الشافعي عن ابن عمر ا ه

هذا توضيح ما في الأصل من الفرق بين الذرائع التي يجب سدها والذرائع التي لا يجب سدها والخلاف فيه والوفاق والمدارك في ذلك وسلمه ابن الشاط مع زيادة من الخرشي وحاشيته والبداية وغيرها لكن رأيت في حاشية العطار على محلى جمع الجوامع أن صاحب جمع الجوامع قال وقد أطلق القرافي هذه القاعدة أي قاعدة سد الذرائع على أعم منها ثم زعم أن كل أحد يقول ببعضها مع أن الشافعي لا يقول بشيء منها كما سيتضح وأن ما ذكر أن الأمة أجمعت عليه ليس من مسمى سد الذرائع في شيء نعم حاول ابن الرفعة تخريج قول الشافعي رضي الله عنه في باب إحياء الموات من الأم عند النهي عن منع الماء أيمنع به الكلأ إن كان ذريعة إلى منع ما أحل الله لم يحل وكذا ما كان ذريعة إلى إحلال ما حرم الله ا ه فقال في هذا ما يثبت أن الذرائع إلى الحرام والحلال تشبه معاني الحلال والحرام ا ه

ونازعه الشيخ الإمام الوالد يعني والده تقي الدين السبكي وقال إنما أراد الشافعي رحمه الله تعالى تحريم الوسائل لا سد الذرائع والوسائل تستلزم المتوسل إليه ومن هذا منع الماء فإنه يستلزم منع الكلأ الذي هو حرام ونحن لا ننازع فيما يستلزم من الوسائل ولذلك نقول من حبس شخصا ومنعه من الطعام والشراب فهو قاتل له وما هذا من سد الذرائع في شيء قال الشيخ الإمام وكلام الشافعي في نفي الذرائع لا في سدها وأصل النزاع بيننا وبين المالكية إنما هو في سدها ا ه

فتنبه والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(3/442)

الفرق الخامس والتسعون والمائة بين قاعدة الفسخ وقاعدة الانفساخ فالفسخ قلب كل واحد من العوضين لصاحبه والانفساخ انقلاب كل واحد من العوضين لصاحبه فالأول فعل المتعاقدين أو الحاكم إذا ظفروا بالعقود المحرمة والثاني صفة العوضين فالأول سبب شرعي والثاني حكم شرعي فهذان فرعان فالأول من جهة الموصوفات والثاني من جهة الأسباب والمسببات وبتحريم هذا الفرق رددنا على أبي حنيفة رضي الله عنه في جعل الخلع فسخا لعدم تعيين انقلاب الصداق لباذله بل يجوز بغير الصداق إجماعا فحقيقة الفسخ منتفية

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

الفرق الخامس والتسعون والمائة بين قاعدة الفسخ وقاعدة الانفساخ وهو من جهتين الجهة الأولى أن الفسخ فعل المتعاقدين أو الحاكم إذا ظفروا بالعقود المحرمة والانفساخ صفة العوضين الجهة الثانية أن الفسخ سبب شرعي والانفساخ حكم شرعي مسبب عنه وذلك أن الفسخ قلب كل واحد من العوضين لصاحبه والانفساخ انقلاب كل واحد من العوضين لصاحبه فالأول من مقولة الفعل والثاني من مقولة الانفعال وبتحرير هذا الفرق يعلم أن حقيقة الفسخ منتفية عن الخلع لعدم تعيين انقلاب الصداق لباذله بل يجوز بغير الصداق إجماعا وبذلك يتضح وجه الرد على من جعل الخلع فسخا كما في الأصل وسلمه ابن الشاط قال الحفيد في بدايته جمهور العلماء على أن الخلع طلاق وبه قال مالك وسوى أبو حنيفة بين الطلاق والفسخ

وقال الشافعي هو فسخ وبه قال أحمد وداود ومن الصحابة ابن عباس وقد روي عن الشافعي أنه كناية فإن أراد به الطلاق كان طلاقا وإلا كان فسخا وقد قيل عنه في قوله الجديد أنه طلاق وفائدة الفرق هل يعتد به في التطليقات أم لا وجمهور من رأى أنه طلاق يجعله بائنا لأنه لو كان للزوج في العدة منه الرجعة عليها لم يكن لافتدائها معنى وقال أبو ثور إن لم يكن بلفظ الطلاق لم يكن له عليها رجعة وإن كان بلفظ الطلاق كان له عليها الرجعة احتج من جعله طلاقا بأن الفسوخ إنما هي التي تقتضي الفرقة الغالبة للزوج في الفراق مما ليس يرجع إلى اختياره

وهذا راجع إلى اختيار فليس بفسخ واحتج من لم يره طلاقا بأن الله تبارك وتعالى ذكر في كتابه الطلاق فقال الطلاق مرتان ثم ذكر الافتداء ثم قال فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فلو كان الافتداء طلاقا لكان الطلاق الذي لا تحل له فيه إلا بعد زوج هو الطلاق الرابع وعند هؤلاء إن الفسوخ تقع بالتراضي قياسا على فسوخ البيع أعني الإقالة وعند المخالف أن الآية إنما تضمنت حكم الافتداء على أنه شيء يلحق جميع أنواع الطلاق لا أنه شيء غير الطلاق فسبب الاختلاف هل اقتران العوض بهذه الفرقة يخرجها من نوع فرقة الطلاق إلى نوع فرقة الفسخ أم ليس يخرجها ا ه

كلامه بلفظه وقد علمت أن

____________________

(3/443)

الفرق السادس والتسعون والمائة بين قاعدة خيار المجلس وقاعدة خيار الشرط المجلس عند من قال به هو من خواص عقد البيع وما في معناه من غير شرط بل هو من اللزوم وخيار الشرط عارض عند اشتراطه وينتفي عند انتفاء الاشتراط واعلم أن الأصل في العقود اللزوم لأن العقود أسباب لتحصيل المقاصد من الأعيان والأصل ترتيب المسببات على أسبابها وخيار المجلس عندنا باطل والبيع لازم بمجرد العقد تفرقا أم لا وقاله أبو حنيفة

وقال الشافعي وابن حنبل رضي الله عنهما بعدم لزوم العقد وخيار المجلس حتى يتفرقا أو يختار الإمضاء وحكاه أبو الطاهر عن ابن حبيب منا وكذلك الإجارة والصرف والسلم والصلح على غير جنس الحق وهو حطيطة لا بيع وكذلك القسمة بناء على أنها بيع واعتمد مالك وأبو حنيفة على الأصل المتقدم أن الأصل في العقود اللزوم لذوي الحاجات من الأعواض فإن العقد لا يقع إلا لحاجة ولا تندفع الحاجة إلا بالتخيير واحتج الشافعي ومن وافقه بما في البخاري وغيره

هامش أنوار البروق

قال الفرق السادس والتسعون والمائة بين قاعدة خيار المجلس وقاعدة خيار الشرط إلى قوله عند انتفاء الاشتراط قلت ما قاله حكاية قول ولا كلام في ذلك قال واعلم أن الأصل في العقود اللزوم إلى قوله ولا تندفع الحاجة إلا بالتخيير واللزوم قلت يقال بموجب ذلك الأصل بعد خيار المجلس لا قبله

هامش إدرار الشروق

لوجه عدم الإخراج إذ الإخراج ينافي الإجماع على جوازه بغير الصداق فافهم والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق السادس والتسعون والمائة بين قاعدة خيار المجلس وقاعدة خيار الشرط أما عند من قال بخيار المجلس كالشافعي وابن حنبل رضي الله عنهما وحكاه أبو الطاهر عن ابن حبيب منا فهو أن خيار المجلس من خواص عقد البيع وما في معناه كالإجارة والصرف والسلم والصلح على غير جنس الحق وهو حطيطة لا بيع وكالقسمة بناء على أنها بيع ومن اللوازم له بحيث يحصل بمجرد حصول ذلك من غير شرط وخيار الشرط عارض يحصل عند اشتراطه وينفى عند انتفاء الاشتراط

وأما عند من لا يقول بخيار المجلس كمالك وأبي حنيفة رضي الله عنهما فهو إن خيار المجلس مشتمل على الغرر ومخالفة القواعد والأدلة وغير ذلك وخيار الشرط ليس كذلك أما اشتمال خيار المجلس على الغرر فلأن الأصل في العقود اللزوم لذوي الحاجات من الأعواض فإن العقد لا يقع إلا لحاجة إذ العقود أسباب لتحصيل المقاصد من الأعيان والأصل ترتيب المسببات على أسبابها حتى تندفع بذلك الحاجة لأنها إنما تندفع بالتخيير وللزوم ثبوت خيار المجلس إذ لا يدري كل

____________________

(3/444)

قال صلى الله عليه وسلم المتعاقدان بالخيار ما لم يتفرقا إلا ببيع الخيار أو يقول أحدهما للآخر اختر ولنا عنه عشرة أجوبة الأول حمل المتبايعين على المتشاغلين بالبيع مجازا يدل عليه ما سيأتي من الأدلة ويكون الافتراق بالأقوال الثاني أن أحد المجازين لازم في الحديث لنا إن حملنا المتبايعين على حالة المبايعة كان حقيقة لأن اسم الفاعل لا يصدق حقيقة الإحاطة الملابسة وبكون المجاز في الافتراق فإن أصله في الأجسام نحو افتراق الخشبة وفرق البحر ويستعمل مجازا في الأقوال نحو قوله تعالى وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وقوله صلى الله عليه وسلم افترقت بنو إسرائيل على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق أمتي الحديث

أي بالأقوال والاعتقادات وإن حملنا المتبايعين على من تقدم منه البيع كان مجازا كتسمية الإنسان نطفة ثم يكون الافتراق في الأجسام حقيقة ثم في هذا المقام يمكننا الاقتصار على

هامش أنوار البروق

قال واحتج الشافعي إلى قوله أو بقول أحدهما للآخر اختر قلت تلك حجة قوية والعادة غالبا أن لا يطول مجلس المتبايعين طولا يفوت المقصود من العوضين كيف وقد قال صلى الله عليه وسلم أو يقول أحدهما للآخر اختر أي اختر الإمضاء قال ولنا عنه عشرة أجوبة الأول حمل المتبايعين على المتشاغلين بالبيع مجازا إلى آخره قلت يأتي جوابه عند ذكر دليله قال الثاني أن أحد المجازين لازم في الحديث إلى قوله لأن اسم الفاعل لا يصدق حقيقة الإحالة الملابسة قلت ذلك صحيح إذا أريد بالحقيقة كون الفاعل ملابسا لما صدر منه أو وصف به لا إذا أريد

هامش إدرار الشروق

واحد منهما ما يحصل له من الثمن والمثمن فيحصل الغرر ولا تندفع الحاجة فافهم

وأما اشتماله على مخالفة القواعد والأدلة فهو أن ما في البخاري وغيره من أنه صلى الله عليه وسلم قال المتعاقدان بالخيار ما لم يتفرقا إلا ببيع الخيار أو يقول أحدهما للآخر اختر وإن احتج الشافعي ومن وافقه بظاهره على ثبوت خيار المجلس إلا أن مقتضى البناء على ثلاث قواعد أنه يدل على بطلان خيار المجلس عكس ما تدعيه الشافعية القاعدة الأولى أن اسم الفاعل حقيقة في الحال مجاز إذا مضى معناه على الأصح القاعدة الثانية أن ترتيب الحكم على الوصف يقتضي عليه ذلك الوصف لذلك الحكم نحو اقتلوا الكافر وارجموا الزاني واقطعوا السارق ونحوها فإن ترتيب هذه الأحكام على هذه الأوصاف يقتضي عليه تلك الأوصاف المتقدمة لهذه الأحكام القاعدة الثالثة أن عدم العلة علة لعدم المعلوم فعدم الإسكار علة لعدم التحريم وعدم الكفر علة لعدم إباحة الدماء والأموال وعدم الإسلام في الردة علة لعدم العصمة وهو كثير وذلك أن المتبايعين حقيقة في حالة الملابسة عملا بالقاعدة الأولى ووصف المبايعة هو علة عدم الخيار عملا بالقاعدة الثانية

____________________

(3/445)

هذا الفرق ونقول ليس أحدهما أولى من الآخر فيكون الحديث مجملا فيسقط به الاستدلال ولنا ترجيح المجاز الأول لكونه معضودا بالقياس والقواعد

الثالث قوله صلى الله عليه وسلم في بعض الطرق في أبي داود والدارقطني المتبايعان كل واحد منهما بالخيار ما لم يفترقا إلا أن يكون صفقة خيار ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله فلو كان خيار المجلس مشروعا لم يحتج للإقالة فإن من توجهت نفسه يختار الفسخ ولما صرح بما يقتضي احتياجه للآخر وهو الإقالة دل على بطلان خيار المجلس بعد العقد وإنما هو ثابت قبل العقد وإن المتبايعين هما المتشاغلان بالبيع كما تقدم في الوجه الأول وهذا دليل ذلك المجاز

الرابع المعارضة بنهيه عليه الصلاة والسلام عن بيع الغرر وهذا من الغرر ولأن كل واحد منهما لا يدري ما يحصل له من الثمن والمثمن الخامس قوله تعالى أوفوا بالعقود والأمر للوجوب المنافي للخيار السادس لو صح خيار المجلس لتعذر تولي واحد طرفي العقد كشراء الأب لابنه الصغير

هامش أنوار البروق

بالحقيقة كون لفظ متبايعين موضوعا لمحاولي البيع والابتياع فإنه لا دليل على ما ذهب إليه في ذلك هو وغيره من أن اسم الفاعل لا يكون حقيقة إلا في حال الملابسة قال ويكون المجاز في الافتراق قلت ذلك مذهبه قال فإن أصله في الأجسام نحو افتراق الخشبة وفرق البحر قلت ذلك مسلم قال ويستعمل مجازا في الأقوال إلى قوله أي بالأقوال والاعتقادات

هامش إدرار الشروق

فإذا انقطعت أصوات الإيجاب والقبول انقطعت المبايعة فتكون العلة قد عدمت فيعدم الخيار المرتب عليها فلا يبقى خيار بعدها عملا بالقاعدة الثالثة وهو المطلوب على أن لنا عشرة أوجه تسقط دلالة الخبر على ثبوت خيار المجلس الوجه الأول حمل المتبايعين على المتفاعلين بالبيع أي المتساومين مجازا وذلك لأن هذه القواعد كما دلت على عدم خيار المجلس فهي تدل على تعين الحمل المذكور فإن الخيار على هذا التقدير لا يثبت إلا في هذه الحالة وينقطع بعدها ويكون الافتراق الأقوال مجازا أيضا الوجه الثاني أن أحد المجازين المذكورين لازم في الحديث وذلك أن المتبايعين إذا لم يحملا على المعنى المجازي المذكور بل على الحقيقي وهو حالة المبايعة لأن اسم الفاعل حقيقة حالة الملابسة لزم حمل الافتراق على معناه المجازي وهو الافتراق في الأقوال نحو قوله تعالى وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته

وقوله صلى الله عليه وسلم افترقت بنو إسرائيل على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق أمتي الحديث أي بالأقوال والاعتقادات لا على معناه الحقيقي وهو الافتراق في الأجسام نحو افتراق الخشبة وفرق البحر وإذا حملنا المتبايعين على المعنى المجازي المذكور أعني من تقدم

____________________

(3/446)

والوصي والحاكم لأن ذلك مجمع عليه فيلزم ترك العمل بالدليل وعلى قولنا لا يلزم كذلك يلزم فيما يسرع إليه الفساد من الأطعمة كالهرائس والكنائف السابع أن نقول خيار المجلس مجهول العاقبة فيبطل كخيار الشرط المجهول العاقبة أو النهاية في الزمان فإن خيار المجلس ليس له ضابط إلا الافتراق وقد يطول وقد يقصر ومثل ذلك مجمع على بطلانه في خيار الشرط الذي صرح به فأولى أن يقتضي بطلان ما لم يصرح به في العقد الثامن عقد وقع الرضى به فيبطل خيار المجلس فيه كما بعد الإمضاء التاسع يحمل الحديث على ماذا قال المشتري بعني فيقول البائع بعتك فإن أبا يوسف قال له الخيار ما دام في المجلس وهذه صورة تفرد بها الحنفية فلا بد أن يقول عندهم اشتريت وإن كان قد استدعى البيع وحملوا عليه قوله عليه الصلاة والسلام في البخاري في آخر الحديث أو يقول أحدهما للآخر اختر أي اختر الرجوع عن الإيجاب أو الاستدعاء ونحن نحمله على اختيار شرط الخيار فيكون معنى الحديث المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا فلا خيار أو يقول أحدهما لصاحبه اختر فلا تنفع الفرقة

هامش أنوار البروق

قلت الآية والحديث يحتمل أن يراد بهما الأقوال كما قال ويحتمل أن يراد بهما الأفعال التابعة لتلك الأقوال

قال وإن حملنا المتبايعين على من تقدم منه البيع كان مجازا كتسمية الإنسان نطفة ثم يكون الافتراق في الأجسام حقيقة إلى قوله معضود بالقياس قلت ما قاله في ذلك مبني على أن اسم الفاعل لا يكون حقيقة إلا عند الملابسة وذلك ليس بصحيح بل اسم الفاعل حقيقة في الماضي وفي الحال وفي الاستقبال من حيث إنه مستعمل في

هامش إدرار الشروق

منه البيع كتسمية الإنسان نطفة لزم كون الافتراق في الأجسام حقيقة وحينئذ فإما أن نقول ليس أحدهما أولى من الآخر فيكون الحديث مجملا فيسقط به الاستدلال وإما أن ترجح المجاز الأول أعني في المتبايعين لكونه معضودا بالقياس والقواعد الوجه الثالث قوله صلى الله عليه وسلم في بعض الطرق في أبي داود والدارقطني المتبايعان كل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن يكون صفقة خيار ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله فلو كان المجلس مشروعا لم يحتج للإقالة فإن من توجهت نفسه يختار الفسخ فلما صرح بما يقتضي احتياجه للآخر وهو الإقالة دل على بطلان خيار المجلس بعد العقد وإنما هو ثابت قبل العقد وأن المتبايعين هما المتشاغلان بالبيع كما تقدم في الوجه الأول وهذا دليل ذلك المجاز أيضا الوجه الرابع المعارضة بنهيه عليه الصلاة والسلام عن بيع الغرر وهذا من الغرر كما علمت الوجه الخامس قوله تعالى أوفوا بالعقود والأمر للوجوب المنافي للخيار الوجه السادس لو صح خيار المجلس لتعذر تولي طرفي العقد كشراء الأب لابنه الصغير والوصي

____________________

(3/447)

ولذلك لم يرد إلا بيع الخيار مع هذه الزيادة العاشر عمل أهل المدينة وهو مقدم على خبر الواحد فإن تكرر البيع عندهم مع الأنفاس فعدم المجلس بين أظهرهم يدل على عدم مشروعية دلالة قاطعة والقطع مقدم

هامش أنوار البروق

الأزمان الثلاثة في اللسان والأصل الحقيقة والمجاز على خلاف الأصل فلا بد له من دليل ولا دليل لمن ادعى ذلك فيما أعلمه غير ما يتوهم من أن الحقيقة اللغوية تلزم الحقيقة الوجودية وليس الأمر كذلك فإن الحقيقة اللغوية المراد بها أن اللفظ موضوع للمعنى لا لعلاقة بين ذلك المعنى ومعنى آخر وضع له ذلك اللفظ قبل هذا والحقيقة الوجودية المراد بها كون الصفة بالموصوف موجودة فالمعنيان متغايران لا ملازمة بينهما بوجه قال الثالث قوله عليه الصلاة والسلام في بعض الطرق في أبي داود والدارقطني المتبايعان كل واحد منهما بالخيار ما لم يفترقا إلا أن تكون صفقة خيار ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله فلو كان خيار المجلس مشروعا لم يحتج إلى الإقالة إلى آخر ما قاله في الجواب الثالث قلت لا دلالة للفظ الإقالة على بطلان خيار المجلس إنما هي بالضمن لا بالصريح على تقدير أن

هامش إدرار الشروق

والحاكم لكن ذلك غير متعذر بل مجمع عليه فيلزم على صحة خيار المجلس ترك العمل بالدليل ولا يلزم على عدم صحته ذلك وكذلك يلزم على الصحة ذلك فيما يسرع إليه الفساد من الأطعمة كالهرائس والكنائف ولا يلزم على عدمها فيه ذلك الوجه السابع أن خيار المجلس مجهول العاقبة إذ ليس له ضابط إلا الافتراق وقد يطول وقد يقصر وكل مجهول العاقبة أو النهاية في الزمان من خيار الشرط الذي صرح به مجمع على بطلانه فأولى أن يقتضي بطلان ما لم يصرح به في العقد من خيار المجلس الوجه الثامن عقد وقع الرضى به فيبطل خيار المجلس فيه كما بعد الإمضاء الوجه التاسع أن الحديث يحمل على ما إذا قال المشتري بعني فيقول البائع بعتك فإن أبا يوسف قال له الخيار ما دام في المجلس وهذه صورة تفرد بها الحنفية فلا بد أن يقول عندهم اشتريت وإن كان قد استدعى البيع وحملوا عليه قوله عليه الصلاة والسلام في البخاري في آخر الحديث أو يقول أحدهما للآخر اختر أي اختر الرجوع عن الإيجاب أو الاستدعاء ونحن نحمله على اختيار شرط الخيار فيكون معنى الحديث المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا فلا خيار أو يقول أحدهما لصاحبه اختر فلا تنفع الفرقة ولذلك لم يرو إلا بيع الخيار مع هذه الزيادة الوجه العاشر عمل أهل المدينة وهو مقدم على خبر الواحد فإن تكرر البيع عندهم مع الأنفاس فعدم المجلس بين أظهرهم يدل على عدم مشروعيته دلالة قطعية والقطع مقدم على الظن هذا ما رجح به الأصل قول مالك ومن وافقه بعدم صحة خيار المجلس ولم يرتض ابن الشاط من الأوجه العشرة في إسقاط دلالة الخبر إلا العاشر فقد قال ليس للمالكية كلام يقوى غير هذا أي الوجه العاشر فإذا ثبت عمل أهل المدينة رجح على خبر الواحد قال

وأما كون الأصل في العقود اللزوم إلخ فيقال بموجبه بعد خيار المجلس لا قبله

____________________

(3/448)

على الظن فهذه عشرة أوجه تسقط دلالة الخبر ثم نذكر وجها حادي عشر يقتضي الدلالة بالخبر على بطلان خيار المجلس عكس ما تدعيه الشافعية وذلك مبني على ثلاث قواعد القاعدة الأولى أن اسم الفاعل حقيقة في الحال مجاز إذا مضى معناه على الأصح

هامش أنوار البروق

لفظ الإقالة حقيقة لا مجاز ويلزم عن ذلك مخالفة آخر الكلام أوله فإن أول الكلام يقتضي صريحا ثبوت خيار المجلس

ويلزم عن ذلك أيضا أن مقتضى الحديث التأكد لما هو مقرر من أن المتبايعين أو المتساومين بالخيار وذلك مرجوح فإن حمل كلام الشارع على التأسيس إذا احتمله أولى ويلزم عن ذلك أيضا عدم الفائدة في الاستثناء بقوله إلا أن تكون صفقة خيار فإنه لا شك أن المتساومين أو المعتادين للبيع والابتياع ما لم يقع بينهما العقد بالخيار في كل حال من أحوالهما وفي صفقة الخيار وغيرها وبالجملة ففي حمل لفظ المتبايعين على المجاز وحمل لفظ الإقالة على الحقيقة ضروب من ضعف الكلام وتعارضه وعدم الفائدة وكل ذلك غير لائق بفصاحة صاحب الشرع وفي حمل الإقالة على المجاز وإن المراد بها اختيار الفسخ وحمل المتبايعين على المتعاقدين قوة الكلام واستقامته وثبوت فائدته والله تعالى أعلم قال الرابع المعارضة بنهيه عليه السلام عن بيع الغرر إلى آخره

هامش إدرار الشروق

واحتجاج الشافعي بالخبر المذكور قوي والعادة غالبا لا يطول مجلس المتبايعين طولا يفوت المقصود من العوضين كيف وقد قال صلى الله عليه وسلم أو يقول أحدهما للآخر اختر أي اختر الإمضاء ويأتي جواب الوجه الأول عند ذكر دليله أي الذي هو الوجه الثالث والوجه الثاني صحيح إذا أريد بالحقيقة كون الفاعل ملابسا لما صدر منه أو وصف به لا إذا أريد بالحقيقة كون لفظ متبايعين موضوعا لمحاولي البيع والابتياع فإنه لا دليل على ما ذهب إليه في ذلك هو وغيره من أن اسم الفاعل لا يكون حقيقة إلا في حال الملابسة وقوله وإن حملنا المتبايعين على من تقدم من البيع إلى قوله معضودا بالقياس والقواعد مبني على ذلك الذي ذهب إليه وهو ليس بصحيح بل الصحيح أن اسم الفاعل حقيقة في الماضي وفي الحال وفي الاستقبال من حيث إنه مستعمل في الأزمان الثلاثة في اللسان

والأصل الحقيقة والمجاز على خلاف الأصل فلا بد له من دليل ولا دليل لمن ادعى ذلك فيما أعلمه غير ما يتوهم من أن الحقيقة اللغوية تلزم الحقيقة الوجودية وليس الأمر كذلك فإن الحقيقة اللغوية المراد بها أن اللفظ موضوع للمعين لا لعلاقة بين ذلك المعنى ومعنى آخر وضع له ذلك اللفظ قبل هذا والحقيقة الوجودية المراد بها كون الصفة بالموصوف موجودة فالمعنيان متغايران لا ملازمة بينهما بوجه ا ه

قلت والذي حققه ابن قاسم في آياته على محلى جمع الجوامع أخذا من كلام التقي السبكي هو أن مقتضى كلام علماء المعاني كالشيخ عبد القاهر وغيره أن أصل مدلول الوصف كاسم الفاعل ذات ما متصفة بمعنى المشتق منه من غير اعتبار زمان أو حدوث في ذلك المدلول فإذا أطلق بهذه الحالة كان متناولا حين الإطلاق حقيقة لا مجازا لكل ذات ثبت لها ذلك الاتصاف باعتبار قيام تلك الصفة بالذات بالفعل وإن تأخر الاتصاف عن الإطلاق أو تقدم لأن الزمان غير معتبر في مدلوله ولا يتناول ذاتا لم يثبت لها ذلك الاتصاف أي حين الإطلاق باعتبار عدم ثبوته لها وإن سبق الاتصاف الإطلاق أو تأخر عنه والمراد لا يتناولها على سبيل الحقيقة

وإن تناولها على سبيل المجاز باعتبار ما كان أو يكون إن ثبت لها ذلك الاتصاف سابقا أو لاحقا فإذا قيل الزاني عليه الحد كان تعلق وجوب

____________________

(3/449)

القاعدة الثانية أن ترتيب الحكم على الوصف يقتضي عليه ذلك الوصف لذلك الحكم نحو اقتلوا الكافر وارجموا الزاني واقطعوا السارق ونحوها فإن ترتيب هذه الأحكام على هذه الأوصاف تقتضي عليه تلك الأوصاف المتقدمة لهذه الأحكام

هامش أنوار البروق

قلت هذا من الغرر المعفو عنه فإنه ليس مما يعظم فإن المجلس في غالب العادة لا يطول طولا يقتضي ذلك قال الخامس قوله تعالى أوفوا بالعقود إلى آخره قلت الآية مطلقة فتحمل على ما بعد الخيار جمعا بين الأدلة قال السادس لو صح خيار المجلس لتعذر تولي طرفي العقد إلى آخره قلت إنما خرج كلام الشارع في خيار المجلس على الغائب وحيث لا يتعذر قال السابع أن نقول خيار المجلس مجهول العاقبة إلى آخره قلت هو مضبوط بالاعتبار وما يلزمه غالبا من التفاوت معفو عنه بخلاف ما نظر به من خيار الشرط لمجهول الزمان قال الثامن عقد وقع الرضى به فيبطل خيار المجلس فيه كما بعد الإمضاء

هامش إدرار الشروق

الحد بكل ذات اتصفت بالزنى باعتبار اتصافها به وإن تأخر اتصافها به عن النطق بهذا الكلام أو تقدم عليه فيدخل فيه زيد المتصف بالزنى حال النطق باعتبار اتصافه به الآن والمتصف به قبله أو بعده باعتبار اتصافه به السابق أو اللاحق ويكون معنى قولهم اسم الفاعل حقيقة في الحال إنه حقيقة باعتبار حال التلبس أي الاتصاف بالوصف سواء كان ذلك الاتصاف سابقا على التلفظ أو مقارنا له أو لاحقا ولا يتناول ذاتا لم تتصف به حال النطق أو قبله أو بعده حقيقة بل إذا لوحظ نحو زيد باعتبار عدم اتصافه به حين النطق بهذا الكلام وجعل الإطلاق بذلك الاعتبار لكن بسبب أنه ذو حالة أخرى سابقة أو لاحقة كان داخلا فيه مجازا لعلاقة ما كان أو ما يكون ومثل هذا ما إذا لوحظ زيد باعتبار عدم اتصافه به في الماضي وجعل الإطلاق بذلك الاعتبار لكن بسبب أنه ذو حالة أخرى وهي اتصافه به الآن وفي المستقبل

فيكون داخلا فيه مجازا لعلاقة ما يكون وما إذا لوحظ باعتبار عدم اتصافه به في المستقبل وجعل الإطلاق بذلك الاعتبار لكن بسبب أنه ذو حالة أخرى وهي اتصافه به في الماضي أو الآن فيكون داخلا فيه مجازا لعلاقة ما كان وإنما كان ما ذكر مجازا لعلاقة ما يكون أو ما كان لما قالوه من أن السبق واللحوق المعتبر في المجاز باعتبار ما كان عليه وباعتبار ما يئول إليه بالنظر إلى ثبوت الحكم المنسوب لا بالنظر إلى الإخبار بذلك الحكم كما حققه في التلويح ومقتضى كلام علماء النحو أن اسم الفاعل ونحوه يقصد به الحدوث أي حدوث معنى المشتق منه من تلك الذات بمعونة القرائن فهو وإن لم يجز أن يقصد به الحدوث بالوضع كالفعل يجوز قصد الحدوث بالقرائن لأنها باعتبار الوضع لا يقصد بها إلا مجرد الثبوت أي الحصول دون الحدوث وباعتبار القرائن لا يقصد بها إلا مجرد الدوام مع الثبوت دون الحدوث

ولم يقصد بها الحدوث مع القرائن فإذا أطلق اسم الفاعل ونحوه بهذه الحالة أعني أن يقصد به الحدوث في زمن مخصوص كان الزمان ملحوظا فيه ومدلولا له التزاما فإذا قيل الزاني وجب حده فإن أريد الذي حدث زناه في الزمان الحاضر لم يتناول لفظا من لم

____________________

(3/450)

القاعدة الثالثة أن عدم العلة علة المعلول لعدم الإسكار علة لعدم التحريم وعدم الكفر علة لعدم إباحة الدماء والأموال وعدم الإسلام في الردة علة لعدم العصمة هو كثير إذا تقررت هذه القواعد فنقول الحديث يدل على عدم خيار المجلس لا على ثبوته

هامش أنوار البروق

قلت هذا قياس فاسد الوضع فإنه في معارضة النص قال التاسع يحمل الحديث على ما إذا قال المشتري للبائع بعني فيقول بعتك إلى آخره قلت لا خفاء بضعف هذا الوجه من وجوه أيسرها كونه بني على مذهب الغير قال العاشر عمل أهل المدينة إلى آخره قلت ليس للمالكية كلام يقوى غير هذا فإذا ثبت عمل أهل المدينة رجح على خبر الواحد والله تعالى أعلم قال ثم نذكر وجها حادي عشر إلى آخره ما قال قلت ما قاله في ذلك لا يصح لأنه مبني على القاعدة الأولى وهي فاسدة فكل ما بني عليها فاسد والله تعالى أعلم وجميع ما قال في الثلاثة الفروق بعده صحيح المسألة الثانية قال الحفيد أيضا في مدة الخيار عند من قالوا بجوازه خلاف فرأى مالك أن ذلك ليس له قدر محدود في نفسه وأنه إنما يتقدر بقدر الحاجة إلى اختلاف المبيعات وذلك يتفاوت بتفاوت المبيعات قال فمثل اليوم واليومين في اختيار الثوب والجمعة والخمسة الأيام في اختيار الجارية والشهر ونحوه في اختيار الدار وبالجملة فلا يجوز عنده الأجل الطويل الذي فيه فضل عن اختيار المبيع

وقال الشافعي وأبو حنيفة أجل الخيار ثلاثة أيام لا يجوز أكثر من ذلك

وقال أحمد وأبو يوسف ومحمد بن الحسن يجوز الخيار لأي مدة اشترطت وبه قال داود واختلفوا في الخيار المطلق دون المقيد بمدة معلومة فقال الثوري والحسن بن جني وجماعة بجواز اشتراط الخيار مطلقا ويكون له الخيار أبدا وقال مالك يجوز الخيار المطلق ولكن السلطان يضرب فيه أجل مثله وعمدة أصحابه هو أن المفهوم من الخيار هو اختيار المبيع وإذا كان ذلك كذلك وجب أن يكون ذلك محدودا بزمان إمكان اختيار المبيع وذلك يختلف بحسب مبيع فكان النص إنما ورد عندهم تنبيها على هذا المعنى فهو عندهم من باب الخاص أريد به العام وقال أبو حنيفة والشافعي لا يجوز بحال الخيار المطلق ويفسد المبيع

واختلف أبو حنيفة والشافعي إن وقع الخيار في الثلاثة الأيام جاز وإن مضت الثلاثة أيام فسد البيع وعمدته هو أن الأصل أن لا يجوز الخيار فلا يجوز منه إلا ما ورد فيه في حديث منقذ بن حبان أو حبان بن منقذ لأنه من باب الخاص أريد به الخاص وذلك كسائر الرخص المستثناة من الأصول مثل استثناء العرايا من المزابنة وغير ذلك قالوا وقد جاء تحديد الخيار بالثلاث في حديث المصراة وهو قوله صلى الله عليه وسلم من اشترى مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام

وأما حديث منقذ فأشبه طرقه المتصلة ما

رواه محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمنقذ وكان يخدع في المبيع إذا بعت فقل لا خلابة وأنت بالخيار ثلاثا وقال الشافعي بل هو فاسد على كل حال ودليله ما تقدم فهذه هي أقاويل فقهاء الأمصار في مدة الخيار وحاصلها هل يجوز مطلقا أو مقيدا وإن جاز مقيدا فكم مقداره وإن لم يجز مطلقا فهل من شرط ذلك أن لا يقع الخيار في الثلاث أم لا يجوز بحال وإن وقع في الثلاث ا ه المسألة الثالثة قال الحفيد أيضا في جواز اشتراط النقد فيه وعدم جوازه قولان والقول بعد الجواز عند مالك وجميع أصحابه لتردده عندهم بين السلف والبيع وفيه ضعف ا ه

المسألة السادسة قال الحفيد أيضا اتفقوا على صحة خيار المتبايعين واختلفوا في اشتراط خيار الأجنبي فقال مالك يجوز ذلك والبيع صحيح

وقال الشافعي في أحد قوليه لا يجوز إلا أن يوكله الذي جعل له الخيار ولا يجوز الخيار عنده على هذا القول لغير العاقد وهو قول أحمد وللشافعي قول آخر مثل قول مالك وبقول مالك قال أبو حنيفة واتفق المذهب على أن الخيار للأجنبي إذا جعله اختلف له المتبايعان وإن قوله لازم لهما واختلف المذهب إذا جعله أحدهما فاختلف البائع ومن جعل له البائع الخيار وهو المشتري ومن جعل له المشتري الخيار فقيل القول في الإمضاء والرد قول الأجنبي سواء اشترط خياره البائع والمشتري

وقال عكس هذا القول من جعل خياره هنا كالمشورة وقيل بالفرق بين البائع والمشتري أي إن القول في الإمضاء والرد قول البائع دون الأجنبي وقول الأجنبي دون المشتري إن كان المشتري هو مشترط الخيار وقيل القول قول من أراد منهما الإمضاء فإن أراد البائع الإمضاء وأراد الأجنبي الذي اشترط البائع أو المشتري خياره الرد ووافقه المشتري فالقول قول البائع الرد وأراد الأجنبي المذكور الإمضاء ووافقه المشتري فالقول قول المشتري وقيل بالفرق في هذا بين البائع والمشتري أي إن اشترطه البائع فالقول قول من أراد الإمضاء منهما وإن اشترطه المشتري فالقول قول الأجنبي وهو ظاهر ما في المدونة وهذا كله ضعيف ا ه

المسألة السابعة قال الحفيد أيضا اختلفوا فيمن اشترط من الخيار ما لا يجوز مثل أن يشترط أجلا مجهولا أو خيارا فوق الثلاث عند من لا يجوز الخيار فوق الثلاث أو خيار رجل بعيد الموضع بعينه أعني أجنبيا فقال مالك والشافعي لا يصح البيع وإن أسقط الشرط الفاسد وقال أبو حنيفة يصح البيع مع إسقاط الشرط الفاسد فأصل الخلاف هو الفساد الواقع في البيع من قبل الشرط يتعدى إلى العقد أم لا يتعدى وإنما هو في الشرط فقط فمن قال يتعدى أبطل البيع وإن أسقطه ومن قال لا يتعدى قال البيع يصح إذا أسقط الشرط الفاسد لأنه يتبقى العقد صحيحا ا ه

والله سبحانه وتعالى أعلم

هامش إدرار الشروق

يحدث زناه في ذلك الزمان ولو باعتبار اتصافه فالزنا في غيره على سبيل الحقيقة وإنما يتناوله على سبيل المجاز وكذا يقال إذا أريد الذي حدث زناه في الزمان الماضي أو المستقبل ويوضح ذلك ما في شرح المنهاج لابن السبكي مما حاصله أنه إذا استعمل الوصف في الزمان فإن أريد به ذات ثبت لها هذا الوصف في ذلك الزمان كان حقيقة كما نريدها غدا أو أمس إذا أريد بضارب ذات يقع منها الضرب غدا أو وقع منها الضرب أمس وإن أريد به ذات ثبت لها الوصف الآن أي متصفة الآن بهذا الوصف الذي سيقع أو وقع كان مجازا هو يعني أنه إذا أريد بالوصف ذات ثبت لها الآن وقوع الحدث منها في الاستقبال أو في الماضي كما إذا قيل زيد ضارب الآن وأريد أنه متصف الآن بأنه يضرب غدا أو ضرب أمس وهو غير ضارب الآن كان مجازا لأنه حينئذ لم يرد به ما وضع له وهو أنه يحصل منه الحدث الآن إذ وصف الذات في هذا الزمن الحال بوقوع الحدث منها إنما هو باعتبار ما يكون أو ما كان ومثل هذا ما إذا أريد بالوصف ذات ثبت لها في الماضي وقوع الحدث الآن أو في المستقبل فإنه مجاز باعتبار ما يكون وما إذا أريد به ذات ثبت لها في المستقبل وقوع الحدث في الماضي أو الآن فإنه مجاز باعتبار ما كان هذا خلاصة ما في بيانية الصبان والأنبابي عليها قال الأنبابي ويمكن أن يجمع بين مقتضى كلامي علماء المعاني وعلماء النحو بأن للوصف استعمالين أحدهما وهو الأكثر ما قاله أهل المعاني

والثاني وهو الأقل ما قاله أهل النحو كما يشعر بذلك قول السيد وقد يقصد به الحدوث بمعونة القرائن انتهت باختصار لكن في كلام الرضا التصريح بأن اسم الفاعل موضوع للحدوث والحدوث فيه أغلب قال ولهذا اطرد تحويل الصفة المشبهة إن قصد بها الحدوث إلى صيغته كحاسن وضائف إلى أن يكون ذلك منه أخذ بظاهر كلام مصنفه ابن الحاجب حيث اعتبر في اسم الفاعل كونه بمعنى الحدوث فقال اسم الفاعل ما اشتق من فعل لمن قام به بمعنى الحدوث ا ه والله أعلم ا ه

فإذا علمت هذا ظهر لك أن كلام الأصل مبني على

____________________

(3/451)

بيانه وذلك أن المتبايعين حقيقة في حالة الملابسة عملا بالقاعدة الأولى ووصف المبايعة هو علة عدم الخيار عملا بالقاعدة الثانية فإذا انقطعت أصوات الإيجاب والقبول انقطعت المبايعة فتكون العلة قد عدمت فيعدم الخيار المرتب عليها فلا يبقى خيار بعده عملا بالقاعدة الثالثة وهو المطلوب وهذه القواعد كما دلت على عدم خيار المجلس فهي تدل

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

الاستعمال الأكثر في الوصف الذي لا يفتقر للقرائن بخلاف ما اختاره ابن الشاط فإنه مبني على الاستعمال الأقل المفتقر للقرائن ولا يتم قوله بفساد القاعدة الأولى من القواعد الثلاث التي قال الأصل إن مقتضى البناء عليها أن حديث المتعاقدان بالخيار ما لم يتفرقا يدل على بطلان خيار المجلس عكس ما يدعيه الشافعية فيسقط ا ه

قول ابن الشاط أن ما قاله في ذلك لا يصح لأنه مبني على القاعدة الأولى وهي فاسدة فكل ما بني عليها فاسد ا ه

وحينئذ فلا يتجه قوله والأصل الحقيقة والمجاز على خلاف الأصل فلا بد له من دليل فتأمل بإنصاف

وقال ابن الشاط في الجواب عن الوجه الثالث ما نصه لا دلالة للفظ الإقالة على بطلان خيار المجلس إنما هي بالضمن لا بالصريح على تقدير أن لفظ الإقالة حقيقة لا مجاز ويلزم عن ذلك مخالفة آخر الكلام أوله فإن أول الكلام يقتضي صريحا ثبوت خيار المجلس ويلزم عن ذلك أيضا أن مقتضى الحديث التأكيد لما هو مقرر من أن المتبايعين أو المتساومين بالخيار وذلك مرجوح فإن حمل كلام الشارع عن التأسيس إذا تحمله أولى ويلزم عن ذلك أيضا عدم الفائدة في الاستثناء بقوله إلا أن تكون صفقة خيار فإنه لا شك أن المتساومين أو المتعاقدين للبيع والابتياع ما لم يقع بينهما العقد بالخيار في كل حال من أحوالهما وفي صفقة الخيار وغيرها وبالجملة ففي حمل لفظ المتبايعين على المجاز وحمل لفظ الإقالة على الحقيقة ضروب من ضعف الكلام وتعارضه وعدم الفائدة وكل ذلك غير لائق بفصاحة صاحب الشرع وفي حمل الإقالة على المجاز وأن المراد بها اختيار الفسخ وحمل المتبايعين على المتعاقدين قوة للكلام أو استقامته وثبوت فائدته والله تعالى أعلم ا ه بلفظه

وقال في جواب الوجه الرابع أن الغرر المعفو عنه فإنه ليس مما يعظم فإن المجلس وغالب العادة لا يطول طولا يقتضي ذلك وفي جواب الوجه الخامس الآية مطلقة فتحمل على ما بعد الخيار جمعا بين الأدلة وفي جواب الوجه السادس إنما خرج كلام الشارع في خيار المجلس على الغائب

وحيث لا يتعذر أي لا مطلقا حتى يرد هذا الوجه وفي جواب الوجه السابع خيار المجلس مضبوط بالاعتبار وما يلزمه غالبا من التفاوت معفو عنه بخلاف ما نظر به من خيار الشرط المجهول الزمان وفي جواب الوجه الثامن هذا قياس فاسد الوضع فإنه في معارضة النص وفي جواب الوجه التاسع لا خفاء بضعف هذا الوجه من وجوه أيسرها كونه بني على مذهب الغير ا ه

قلت ولا يخفاك أن البناء على مذهب الغير الموافق للمذهب في أصل الدعوى من بطلان خيار المجلس وجعل الرد على المخالف القائل بعدم بطلان خيار المجلس من جهة مذهب ذلك الغير لا من جهة مذهبنا لا يقتضي ضعف هذا الوجه أصلا فافهم وصل يتعلق بالنظر في أصول باب الخيار أي خيار الشرط سبع مسائل المسألة الأولى قال الحفيد في البداية في جوازه وعدم جوازه قولان وعلى الجواز الجمهور وعمدتهم حديث حبان بن منقذ وفيه ولك الخيار ثلاثا وما روي في حديث ابن عمر البيعان بالخيار ما لم يفترقا إلا بيع الخيار والثوري وابن أبي شبرمة من أهل الظاهر على عدم الجواز وعمدتهم أنه غرر وأن الأصل

____________________

(3/452)

على أن المتبايعين يتعين حملهما على المتساومين فإن الخيار على هذا التقدير لا يثبت إلا في هذه الحالة وينقطع بعدها وهو يؤكد الوجه الأول وهذه نبذة حسنة في هذا الفرق بين

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

هو اللزوم في البيع إلا أن يقوم دليل على جواز البيع على الخيار من كتاب الله أو سنة ثابتة أو إجماع قالوا وحديث حبان إما أنه ليس بصحيح وإما أنه لما شكي إليه صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيوع قالوا وأما حديث ابن عمر وقوله فيه إلا بيع الخيار فقد فسر المعنى المراد بهذا اللفظ وهو ما ورد فيه من لفظ آخر وهو أن يقول أحدهما لصاحبه اختر ا ه

المسألة الثانية قال الحفيد أيضا في مدة الخيار عند من قالوا بجوازه خلاف فرأى مالك أن ذلك ليس له قدر محدود في نفسه وأنه إنما يتقدر بقدر الحاجة إلى اختلاف المبيعات وذلك يتفاوت بتفاوت المبيعات قال فمثل اليوم واليومين في اختيار الثوب والجمعة والخمسة الأيام في اختيار الجارية والشهر ونحوه في اختيار الدار وبالجملة فلا يجوز عنده الأجل الطويل الذي فيه فضل عن اختيار المبيع

وقال الشافعي وأبو حنيفة أجل الخيار ثلاثة أيام لا يجوز أكثر من ذلك

وقال أحمد وأبو يوسف ومحمد بن الحسن يجوز الخيار لأي مدة اشترطت وبه قال داود واختلفوا في الخيار المطلق دون المقيد بمدة معلومة فقال الثوري والحسن بن جني وجماعة بجواز اشتراط الخيار مطلقا ويكون له الخيار أبدا وقال مالك يجوز الخيار المطلق ولكن السلطان يضرب فيه أجل مثله وعمدة أصحابه هو أن المفهوم من الخيار هو اختيار المبيع وإذا كان ذلك كذلك وجب أن يكون ذلك محدودا بزمان إمكان اختيار المبيع وذلك يختلف بحسب مبيع فكان النص إنما ورد عندهم تنبيها على هذا المعنى فهو عندهم من باب الخاص أريد به العام وقال أبو حنيفة والشافعي لا يجوز بحال الخيار المطلق ويفسد المبيع

واختلف أبو حنيفة والشافعي إن وقع الخيار في الثلاثة الأيام جاز وإن مضت الثلاثة أيام فسد البيع وعمدته هو أن الأصل أن لا يجوز الخيار فلا يجوز منه إلا ما ورد فيه في حديث منقذ بن حبان أو حبان بن منقذ لأنه من باب الخاص أريد به الخاص وذلك كسائر الرخص المستثناة من الأصول مثل استثناء العرايا من المزابنة وغير ذلك قالوا وقد جاء تحديد الخيار بالثلاث في حديث المصراة وهو قوله صلى الله عليه وسلم من اشترى مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام

وأما حديث منقذ فأشبه طرقه المتصلة ما

رواه محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمنقذ وكان يخدع في المبيع إذا بعت فقل لا خلابة وأنت بالخيار ثلاثا وقال الشافعي بل هو فاسد على كل حال ودليله ما تقدم فهذه هي أقاويل فقهاء الأمصار في مدة الخيار وحاصلها هل يجوز مطلقا أو مقيدا وإن جاز مقيدا فكم مقداره وإن لم يجز مطلقا فهل من شرط ذلك أن لا يقع الخيار في الثلاث أم لا يجوز بحال وإن وقع في الثلاث ا ه المسألة الثالثة قال الحفيد أيضا في جواز اشتراط النقد فيه وعدم جوازه قولان والقول بعد الجواز عند مالك وجميع أصحابه لتردده عندهم بين السلف والبيع وفيه ضعف ا ه

المسألة الرابعة قال الحفيد أيضا اختلفوا في ضمان المبيع في مدة الخيار ممن يكون مالك وأصحابه والليث والأوزاعي مصيبته من البائع والمشتري أمين سواء كان الخيار لهما أو لأحدهما وعمدتهم أنه عقد غير لازم فلم ينتقل الملك عن البائع كما لو قال بعتك ولم يقل المشتري قبلت وقد قيل

____________________

(3/453)

قاعدة خيار الشرط وخيار المجلس من جهة ما اشتمل عليه خيار المجلس من الغرر ومخالفة القواعد والأدلة وغير ذلك

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

في المذهب إنه إن كان هلك بيد البائع فلا خلاف في ضمانه إياه وإن كان هلك بيد المشتري فالحكم كالحكم في الرهن والعارية إن كان مما يغلب عليه فضمانه منه وإن كان مما لا يغلب عليه فضمانه من البائع وقال أبو حنيفة إن كان شرط الخيار لكليهما أو للبائع وحده فضمانه من البائع والمبيع على ملكه لأنه هو المشترط وحده ومع المشتري

وأما إن كان شرطه المشتري وحده فقد خرج المبيع عن ملك البائع ولم يدخل في ملك المشتري وبقي معلقا حتى ينقضي بالخيار لأنه لما لم يشترط البائع خيارا كان خارجا عن ملكه ولم يلزم أن يدخل في ملك المشتري لأنه بشرط الخيار في رد الآخر له ولكن هذا القول يمانع الحكم فإنه لا بد أن تكون مصيبة من أحدهما وقد قيل عنه المشتري الثمن

وهذا يدل على أنه قد دخل عنده في ملك المشتري ووجهه أنه لما كان هو المشترط فقط كان البائع قد صرفه عن ملكه وأبانه فوجب أن يدخل في ملك المشتري وللشافعي قولان أشهرهما أن الضمان من المشتري لأيهما كان الخيار تشبيها لبيع الخيار بالبيع اللازم وهو ضعيف لقياسه موضع الخلاف على موضع الاتفاق وهذا الخلاف آيل إلى أن الخلاف هل هو مشترط لإيقاع الفسخ في البيع أو لتتميم البيع فإذا قلنا بفسخ البيع فقد خرج من ضمان البائع وإذا قلنا بتتميمه فهو في ضمانه ا ه

المسألة الخامسة قال الحفيد أيضا هل يورث خيار البيع أم لا فقال مالك والشافعي وأصحابهما يورث وإنه إذا مات صاحب الخيار فلورثته من الخيار مثل ما كان له وقال أبو حنيفة وأصحابه يبطل الخيار بموت من له الخيار ويتم البيع وهكذا عنده خيار الشفعة وخيار قبول الوصية وخيار الإقالة وسلم لهم أبو حنيفة خيار الرد بالعيب أعني أنه قال يورث

وكذلك خيار استحقاق الغنيمة قبل القسم وخيار القصاص وخيار الرهن وسلم لهم مالك خيار رد الأب ما وهبه لابنه أعني أنه لم ير لورثة الميت من الخيار في رد ما وهبه لابنه ما جعل الشرع من ذلك له أي للأب الميت وكذلك خيار الكتابة والطلاق واللعان ومعنى خيار الطلاق أن يقول الرجل لرجل آخر طلق امرأتي متى شئت فيموت الرجل المجعول له الخيار فإن ورثته لا يتنزلون منزلته عند مالك وسلم الشافعي ما سلمت المالكية للحنفية من هذه الخيارات وسلم زائد خيار الإقالة والقبول قال لا يورثان وموضع الخلاف هل الأصل أن تورث الحقوق كالأموال أو أن تورث الأموال دون الحقوق فكل واحد من الفريقين يشبه من هذا ما لم يسلمه له خصمه منها بما يسلمه منها له ويحتج على خصمه فالمالكية والشافعية تحتج على أبي حنيفة وراثة خيار الرد بالعيب ويشبه سائر الخيارات التي يورثها به والحنفية تحتج أيضا على المالكية والشافعية بما تمنع من ذلك وكل واحد منهم يروم أن يعطي فارقا يختلف فيه

قوله ومشابها فيما يتفق فيه قوله ويروم في قوله خصمه بالضد أعني أن يعطي فارقا فيما يمنعه الخصم متفقا ويعطي اتفاقا فيما يضعه الخصم متباينا مثلا

____________________

(3/454)

الفرق السابع والتسعون والمائة بين قاعدة ما ينتقل إلى الأقارب من الأحكام غير الأموال وبين قاعدة ما لا ينتقل من الأحكام اعلم أنه يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من مات عن حق فلورثته وهذا اللفظ ليس

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

تقول المالكية إنما قلنا إن خيار الأب في رد هبته لا يورث لأن ذلك خيار راجع إلى صفة في الأب لا توجد في غيره وهي الأبوة فوجب أن لا تورث إلى لا صفة في العقد وهذا هو سبب اختلافهم في خيار أعني أنه من انقدح له في شيء منها أنه صفة للعقد ورثه ومن انقدح له أنه صفة خاصة بذي الخيار لم يورثه هو سيأتي توضيح هذه المسألة في الفرق الذي تلو هذا الفرق فترقب المسألة السادسة قال الحفيد أيضا اتفقوا على صحة خيار المتبايعين واختلفوا في اشتراط خيار الأجنبي فقال مالك يجوز ذلك والبيع صحيح

وقال الشافعي في أحد قوليه لا يجوز إلا أن يوكله الذي جعل له الخيار ولا يجوز الخيار عنده على هذا القول لغير العاقد وهو قول أحمد وللشافعي قول آخر مثل قول مالك وبقول مالك قال أبو حنيفة واتفق المذهب على أن الخيار للأجنبي إذا جعله اختلف له المتبايعان وإن قوله لازم لهما واختلف المذهب إذا جعله أحدهما فاختلف البائع ومن جعل له البائع الخيار وهو المشتري ومن جعل له المشتري الخيار فقيل القول في الإمضاء والرد قول الأجنبي سواء اشترط خياره البائع والمشتري

وقال عكس هذا القول من جعل خياره هنا كالمشورة وقيل بالفرق بين البائع والمشتري أي إن القول في الإمضاء والرد قول البائع دون الأجنبي وقول الأجنبي دون المشتري إن كان المشتري هو مشترط الخيار وقيل القول قول من أراد منهما الإمضاء فإن أراد البائع الإمضاء وأراد الأجنبي الذي اشترط البائع أو المشتري خياره الرد ووافقه المشتري فالقول قول البائع الرد وأراد الأجنبي المذكور الإمضاء ووافقه المشتري فالقول قول المشتري وقيل بالفرق في هذا بين البائع والمشتري أي إن اشترطه البائع فالقول قول من أراد الإمضاء منهما وإن اشترطه المشتري فالقول قول الأجنبي وهو ظاهر ما في المدونة وهذا كله ضعيف ا ه

المسألة السابعة قال الحفيد أيضا اختلفوا فيمن اشترط من الخيار ما لا يجوز مثل أن يشترط أجلا مجهولا أو خيارا فوق الثلاث عند من لا يجوز الخيار فوق الثلاث أو خيار رجل بعيد الموضع بعينه أعني أجنبيا فقال مالك والشافعي لا يصح البيع وإن أسقط الشرط الفاسد وقال أبو حنيفة يصح البيع مع إسقاط الشرط الفاسد فأصل الخلاف هو الفساد الواقع في البيع من قبل الشرط يتعدى إلى العقد أم لا يتعدى وإنما هو في الشرط فقط فمن قال يتعدى أبطل البيع وإن أسقطه ومن قال لا يتعدى قال البيع يصح إذا أسقط الشرط الفاسد لأنه يتبقى العقد صحيحا ا ه

والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق السابع والتسعون والمائة بين قاعدة ما ينتقل إلى الأقارب من الأحكام غير الأموال وبين قاعدة ما لا ينتقل من الأحكام قد علمت من كلام الحفيد في المسألة الخامسة من مسائل خيار الشرط أنه لا خلاف في انتقال الأموال إلى الأقارب ومن الخلاف بين فقهاء الأمصار في الحقوق

____________________

(3/455)

على عمومه بل من الحقوق ما ينتقل إلى الوارث ومنها ما لا ينتقل فمن حق الإنسان أن يلاعن عند سبب اللعان وأن يفيء بعد الإيلاء وأن يعود بعد الظهار وأن يختار من نسوة إذا أسلم عليهن وهن أكثر من أربع وأن يختار إحدى الأختين إذا أسلم عليهما وإذا جعل المتبايعان له الخيار فمن حقه أن يملك إمضاء البيع عليهما وفسخه ومن حقه ما فوض إليه من الولايات والمناصب كالقصاص والإمامة والخطابة وغيرهما وكالأمانة والوكالة فجميع هذه الحقوق لا ينتقل للوارث منها شيء وإن كانت ثابتة للمورث بل الضابط لما ينتقل إليه ما كان متعلقا بالمال أو يدفع ضررا عن الوارث في عرضه بتخفيف ألمه وما كان متعلقا بنفس المورث وعقله وشهواته لا ينتقل للوارث والسر في الفرق أن الورثة يرثون المال فيرثون ما يتعلق به تبعا له ولا يرثون عقله ولا شهوته ولا نفسه فلا يرثون ما يتعلق بذلك وما لا يورث لا يرثون ما يتعلق به فاللعان يرجع إلى أمر يعتقده لا يشاركه فيه غيره غالبا والاعتقادات ليست من باب المال والفيئة شهوته والعود إرادته واختيار الأختين والنسوة إربه وميله وقضاؤه على المتبايعين عقله وفكرته ورأيه ومناصبه وولاياته وآراؤه واجتهاداته وأفعاله الدينية فهو دينه ولا ينتقل شيء من ذلك للوارث لأنه لم يرث مستنده وأصله وانتقل للوارث خيار الشرط في البيعات

وقاله الشافعي رحمه الله تعالى وقال أبو حنيفة وأحمد بن حنبل لا ينتقل إليه وينتقل للوارث خيار الشفعة عندنا وخيار التعيين

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

وذلك أنه

وإن روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من مات عن حق فلورثته إلا أن الحقوق لما لم تكن كلها بمعنى واحد بل منها ما يتعلق بالمال كخيار الشفعة وخيار الشرط في البياعات وخيار الرد في البيع وخيار تعدد الصفقة وخيار التعيين كأن يشتري عبدا من عبدين على أن يختار وخيار الوصية إذا مات الموصى له بعد موت الموصي وخيار الإقالة والقبول ومنها ما يدفع ضررا عن الوارث في عرضه بتخفيف ألمه كحد القذف وقصاص الأطراف والجراح والمنافع في الأعضاء ومنها ما يتعلق بنفس الموروث وعقله وشهوته كالولايات والمناصب والأمانة والوكالة واللعان والفيئة والعود واختيار إحدى الأختين ونحو ذلك لم يبقوا لفظ الحديث المذكور على عمومه بل خصوه بما ينتقل منها للوارث وضابطه أنه كل ما كان متعلقا بالمال أو يدفع ضررا عن الوارث في عرضه بتخفيف ألمه

وأما ما لا ينتقل إلى الوارث منها فلا يشمله لفظ الحديث وضابطه أنه كل ما كان متعلقا بنفس الموروث والسر في الفرق أن الورثة يرثون المال فيرثون ما يتعلق به تبعا له ولا يرثون عقل مورثهم ولا شهوته ولا نفسه فلا يرثون ما يتعلق بذلك ضرورة أن ما لا يورث لا يورث كما ما يتعلق به لحما أنهم لا يرثون كل ما يخرج عن حقوق الأموال إلا صورتين إحداهما القذف وثانيتها قصاص الأطراف والجراح والمنافع فإن هاتين الصورتين وإن خرجتا عن حقوق الأموال تنتقلان للوارث لأجل شفاء غليله بما دخل على عرضه من قذف مورثه والجناية عليه ولما لم يثبت للمجني عليه قبل موته قصاص النفس وإنما ثبت للوارث ابتداء لأن استحقاقه فرع زهوق النفس لم يكن قصاص النفس مما ينتقل للوارث لأنه لا يقع

____________________

(3/456)

إذا اشترى مورثه عبدا من عبدين على أن يختار وخيار الوصية إذا مات الموصى له بعد موت الموصي وخيار الإقالة والقبول إذا أوجب البيع لزيد فلوارثه القبول والرد

وقال ابن المواز إذا قال من جاءني بعشرة فغلامي له فمتى جاء أحد بذلك إلى شهرين لزمه وخيار الهبة وفيه خلاف ومنع أبو حنيفة خيار الشفعة وسلم خيار الرد بالعيب وخيار تعدد الصفقة وحق القصاص وحق الرهن وحبس المبيع وخيار ما وجد من أموال المسلمين في الغنيمة فمات ربه قبل أن يختار أخذه بعد القسمة ووافقناه نحن على خيار الهبة في الأب للابن بالاعتصار وخيار العتق واللعان والكتابة والطلاق بأن يقول طلقت امرأتي متى شئت فيموت المقول له وسلم الشافعي جميع ما سلمناه وسلم خيار الإقالة والقبول ومدارك المسألة على أن الخيار عندنا صفة للعقد فينتقل مع العقد فإن آثار العقد انتقلت للوارث وعند أبي حنيفة صفة للعاقد لأنها مشيئته واختياره فتبطل بموته كما تبطل سائر صفاته ولأن الأجل في الثمن لا يورث فكذلك في الخيار ولأن البائع رضي بخيار واحد وأنتم تثبتونه لجماعة لم يرض بهم وهم الورثة فوجب أن لا يتعدى الخيار من اشترط له كما لا يتعدى الأجل من اشترط له

والجواب عن الأول أن اختياره صفته ولكن صفة متعلقة بالمال فينتقل كاختياره الأكل والشرب وأنواع الانتفاع في المال فإن جميع ذلك ينتقل تبعا للمال وعن الثاني أن الأجل معناه تأخير المطالبة والوارث لا

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

إلا للوارث بعد موت المورث فمن هنا لما كان اللعان يرجع إلى أمر يعني الموروث لا يشاركه فيه غيره غالبا والاعتقادات ليست من باب المال وكانت الفيئة شهوته والعود إرادته

وكان اختيار نحو إحدى الأختين متعلقا بنفسه لأن النسوة إربه وميله وكان قضاؤه على المتبايعين عقله وفكرته ورأيه وكذا سائر مناصبه وولاياته وآرائه واجتهاداته وكانت أفعاله الدينية هي دينه لم يكن شيء من هذه الحقوق وإن كانت للموروث بمنتقل لوارثه عند فقهاء الأمصار إذ من حقوق الإنسان أن يلاعن عند سبب اللعان وأن يفيء بعد الإيلاء وأن يعود بعد الظهار وأن يختار من نسوة إذا أسلم عليهن وهن أكثر من أربع وأن يختار إحدى الأختين إذا أسلم عليهما ومن حقه إذا جعل المتبايعان له الخيار أن يملك إمضاء البيع عليهما وفسخه ومن حقه ما فوض إليه من الولايات والمناصب كالقصاص والإمامة والخطابة والإفتاء وغيرها وكالأمانة والوكالة ومن حقه جميع أفعاله الدينية فلا ينتقل شيء من ذلك للوارث لأنه لم يرث مستنده وأصله وكذلك خيار الهبة في الأب للابن بالاعتصار وخيار العتق والكتابة والطلاق بأن يقول طلق امرأتي متى شئت فيموت المقول له ولما كان نحو خيار الرد بالعيب وخيار تعدد الصفقة وحق القصاص وحق الرهن وحبس المبيع وخيار ما وجد من أموال المسلمين في الغنيمة فمات ربه قبل أن يختار أخذه بعد القسمة من حقوق الموروث المتعلقة بالمال قطعا كان عند الأئمة من الحقوق المنتقلة للوارث قطعيا ولما كان خيار الشرط في المبيعات ونحوه مما يتردد بين كونه صفة للعقد أو صفة للعاقد اختلف الأئمة في

____________________

(3/457)

مطالبة عليه بل هو صفة للدين لا جرم لما انتقل الدين للوارث انتقل مؤجلا وكذلك ها هنا تنتقل الصفة لمن انتقل إليه الموصوف فهذا لنا لا علينا وعن الثالث أنه ينتقض بخيار التعيين وبشرط الخيار للأجنبي وقد أثبتوه للوارث وبما إذا جنى فإنه ينتقل إلى الولي ما لم يرض به البائع فهذا تلخيص مدرك الخلاف ويعضدنا في موطن الخلاف قوله تعالى ولكم نصف ما ترك أزواجكم وهو عام في الحقوق فيتناوله صورة النزاع ولم يخرج عن حقوق الأموال إلا صورتان فيما علمت حد القذف وقصاص الأطراف والجرح والمنافع في الأعضاء فإن هاتين الصورتين تنتقلان للوارث وهما ليستا بمال لأجل شفاء غليل الوارث بما دخل على عرضه من قذف مورثه والجناية عليه وأما قصاص النفس فإنه لا يورث فإنه لم يثبت للمجني عليه قبل موته وإنما ثبت للوارث ابتداء لأن استحقاقه فرع زهوق النفس فلا يقع إلا للوارث بعد موت المورث فهذا تلخيص هذا الفرق ببيان سره ومداركه والخلاف فيه

الفرق الثامن والتسعون والمائة بين قاعدة ما يجوز بيعه قبل قبضه وقاعدة ما لا يجوز بيعه قبل قبضه قال صاحب الجواهر لا يتوقف شيء من التصرفات على القبض إلا البيع فيمتنع بيع

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

انتقاله للوارث وعدم انتقاله فذهب مالك والشافعي رضي الله عنهما إلى انتقاله لأنه صفة العقد وأثر من آثاره فينتقل معه للوارث وذهب أبو حنيفة وأحمد بن حنبل رضي الله عنهما إلى عدم انتقاله لثلاثة وجوه الوجه الأول أنه صفة للعاقد لأنها مشيئته واختياره فتبطل بموته كما تبطل سائر صفاته وجوابه إن اختياره وإن كانت صفته إلا أنها صفة متعلقة بالمال كاختياره الأكل والشرب وأنواع الانتفاع في المال فينتقل كما ينتقل جميع ذلك تبعا للمال الوجه الثاني إن الأجل في الثمن لا يورث فكذلك في الخيار وجوابه إن الأجل معناه تأخير المطالبة وتأخير المطالبة صفة للدين فلا جرم أن الدين لما انتقل للوارث انتقل مؤجلا ضرورة أن الصفة تنتقل لمن انتقل إليه الموصوف وكذلك هاهنا فهذا لنا لا علينا الوجه الثالث أن البائع رضي بخيار واحد فكيف تثبتونه أنتم لجماعة لم يرض بهم وهم الورثة مع أن الواجب أن لا يتعدى الخيار من اشترط له كما لا يتعدى الأجل من اشترط له وجوابه أنه ينتقض بخيار التعيين وبشرط الخيار للأجنبي وقد أثبتوه للوارث وبما إذا جنى فإنه ينتقل إلى الولي ما لم يوص به البائع هذا تهذيب ما في الأصل من تلخيص هذا الفرق ببيان سره ومداركه والخلاف فيه وسلمه الإمام ابن الشاط والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق الثامن والتسعون والمائة بين قاعدة ما يجوز بيعه قبل قبضه وقاعدة ما لا يجوز بيعه قبل قبضه قال الحفيد في البداية يتحصل في اشتراط قبض المبيع ومنع البيع قبل قبضه سبعة أقوال

____________________

(3/458)

الطعام قبل قبضه لقوله عليه السلام في الصحيح من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه فيمتنع فيما فيه حق توفية من كيل أو وزن أو عدد إلا في غير المعارضة كالقرض أو البدل ثم لا يجوز لمن صار إليه هذا الطعام بيعه قبل قبضه

وأما ما بيع جزافا فيجوز قبل النقل إذا خلى البائع بينه وبينه لحصول الاستيفاء ومنع الشافعي وأبو حنيفة بيعه قبل نقله لقول ابن عمر رضي الله عنهما ما كنا نبتاع الطعام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيبعث علينا من يأمرنا بنقله من المكان الذي نبتاعه فيه إلى مكان سواه وقال عمر رضي الله عنه كنا إذا ابتعنا الطعام جزافا لم نبعه حتى نحوله من مكانه والمشهور اختصاص المنع بالطعام وتعميمه فيه يتعدى لما فيه حق توفية لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن خرجه الترمذي وقال الشافعي وأبو حنيفة يمتنع التصرف في البيع قبل قبضه مطلقا واستثنى أبو حنيفة العقار لأن العقد لا يخشى انفساخه بهلاكه قبل قبضه ووافق المشهور ابن حنبل

واحتج الشافعي وأبو حنيفة رضي الله عنهما بحديث الترمذي المتقدم ولأنه عليه الصلاة والسلام لما بعث عتاب بن أسيد أميرا على مكة أمره أن ينهاهم عن بيع ما لم يقبضوا أو ربح ما لم يضمنوا وبالقياس على الطعام والجواب عن الأول والثاني أن هذه الأحاديث المراد بها نهيه عليه السلام عن بيع ما ليس عندك فينهى الإنسان عن بيع ملك غيره ويضمن تخليصه لأنه غرر ودليله قوله عليه

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

الأول والثاني روايتان عن مالك رضي الله عنه أشهرهما اشتراطه في الطعام بإطلاق فيمتنع بيعه قبل قبضه والرواية الأخرى اشتراطه في الربوي فقط فيجوز بيع غير الربوي من الطعام قبل قبضه الثالث لأحمد وأبي ثور اشتراطه في الطعام المكيل والموزون أي والمعدود الرابع لأبي حنيفة اشتراطه في كل شيء ينقل أما المبيعات التي لا تنتقل ولا تحول وهي الدور والعقار فيجوز فيها البيع قبل القبض الخامس للشافعي والثوري اشتراطه في كل شيء ولو كان مما لا ينقل وهو مروي عن جابر بن عبد الله وابن عباس

السادس لأبي عبيد وإسحاق اشتراطه في المكيل والموزون فكل شيء لا يكال ولا يوزن فلا بأس ببيعه قبل قبضه السابع لابن حبيب وعبد العزيز بن أبي سلمة وربيعة اشتراطه في المكيل والموزون والمعدود ا ه

محل الحاجة منه نعم يؤخذ تقييد أشهر الروايتين عن مالك بما إذا كان في الطعام حق توفية من كيل أو وزن أو عدد من قوله بعد ورخص مالك فيما بيع من الطعام جزافا أن يباع قبل القبض وأجازه ا ه

فتكون هذه الرواية عين القول الثالث لابن حنبل وتكون الأقوال ستة لا سبعة وبالتقييد وموافقة قول ابن حنبل صرح الأصل حيث قال قال صاحب الجواهر يمتنع أي في مشهور مالك بيع الطعام قبل قبضه إذا كان فيه حق توفية من كيل أو وزن أو عدد لقوله عليه الصلاة والسلام في الصحيح من ابتاع طعاما فلا يبعه

____________________

(3/459)

السلام الخراج بالضمان والغلة للمشتري فيكون الضمان منه فما باع إلا مضمونا فما يتناول الحديث محل النزاع وعن الثالث الفرق بأن الطعام أشرف من غيره لكونه سبب قيام البنية وعماد الحياة فشدد الشرع على عاداته في تكثير الشروط فيما عظم شرفه كاشتراط الولي والصداق في

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

حتى يستوفيه فلا يجوز لمن صار إليه هذا الطعام بيعه قبل قبضه

وأما ما بيع جزافا فيجوز أي لمبتاعه بيعه قبل نقله إذا خلى البائع بينه لحصول الاستيفاء ووافق مشهور مالك هذا ابن حنبل رضي الله عنه ومنع الشافعي وأبو حنيفة رضي الله عنهما بيعه قبل نقله واحتجا بقول ابن عمر رضي الله عنهما كنا نبتاع الطعام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيبعث علينا من يأمرنا بنقله من المكان الذي نبتاعه فيه إلى مكان سواه وقول عمر رضي الله عنه كنا إذا ابتعنا الطعام جزافا لم نبعه حتى نحوله من مكانه وجوابه وأن مالكا روى حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن نافع بدون ذكر الجزاف وهو مقدم في حفظ حديث نافع على غيره فرواية جماعة وجود الجزاف عن عبد الله بن عمر وغيره لا ترد على مذهبه على أن الجزاف عند المالكية ليس فيه حق توفية فهو عندهم من ضمان المشتري بنفس العقد نعم هذا من قبيل تخصيص العموم بالقياس المظنون للعلة فافهم وقال الشافعي وأبو حنيفة رضي الله عنهما يمتنع التصرف في المبيع قبل قبضه مطلقا إلا أن أبا حنيفة استثنى العقار لأن العقد لا يخشى انفساخه بهلاكه قبل قبضه واحتجا أولا بأربعة أحاديث أحدها قوله عليه الصلاة والسلام ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك وثانيها حديث حكيم بن حزام قال قلت يا رسول الله إني أشتري بيوعا فما يحل لي منها وما يحرم فقال يا ابن أخي إذا اشتريت بيعا فلا تبعه حتى تقبضه قال أبو عمر وحديث حكيم بن حزام

رواه يحيى بن أبي كثير عن يوسف بن ماهك أن عبد الله بن عصمة حدثه أن حكيم بن حزام قال ويوسف بن ماهك وعبد الله بن عصمة لا أعرف لهما جرحة إلا أنه لم يرو عنه إلا رجل واحد فقط وذلك في الحقيقة ليس بجرحة وإن كرهه جماعة من المحدثين وثالثها ما أخرجه الترمذي من نهيه صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن ورابعها ما روي من أنه صلى الله عليه وسلم لما بعث عتاب بن أسيد أميرا على مكة أمره أن ينهاهم عن بيع ما لم يقبضوا أو ربح ما لم يضمنوا وثانيا بقياس غير الطعام على الطعام وجواب الأول أن هذه الأحاديث المراد بها نهيه عليه الصلاة والسلام عن بيع ما ليس عندك فينهى الإنسان عن بيع ملك غيره ويضمن تخليصه لأنه غرر ودليله قوله عليه الصلاة والسلام الخراج بالضمان والغلة للمشتري

فيكون الضمان منه فما باع إلا مضمونا فلم يتناول الحديث محل النزاع وجواب الثاني أنه قياس مع الفارق فإن الطعام أشرف من غيره لكونه سبب قيام البنية وعماد الحياة فشدد فيه النزاع على عادته في تكثير الشروط فيما عظم شرفه كاشتراط الولي والصداق والشهود في عقد النكاح دون عقد البيع وشرطه في منصب القضاء ما لم يشترطه في منصب الشهادة قيل ويتأكد ما ذكرناه معاشر المالكية بمفهوم نهيه عليه الصلاة والسلام عن بيع الطعام حتى يستوفى فإن مفهومه أن غير الطعام يجوز بيعه قبل أن يستوفى وبقوله تعالى وأحل الله البيع لكن يرد على تأكيده بمفهوم الحديث أن الحديث خاص بالطعام والأحاديث الأربعة التي استدل بها

____________________

(3/460)

عقد النكاح دون عقد البيع وشرط في القضاء ما لم يشترطه في منصب الشهادة ثم يتأكد ما ذكرناه بمفهوم نهيه عليه السلام عن بيع الطعام حتى يستوفي ومفهومه أن غير الطعام يجوز بيعه قبل أن يستوفى وقوله تعالى وأحل الله البيع فإن قلت أدلة الخصوم عامة في

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

الخصوم أعني الشافعية والأحناف عامة في الطعام وغيره والقاعدة الأصولية أن اللفظ العام لا يخصص بذكر بعضه إذ من شرط المخصص أن يكون منافيا ولا منافاة بين الجزء والكل ولا يستقيم الاعتماد في تخصيص تلك الأحاديث على عمل أهل المدينة لأن الخصم لا يسلم أنه حجة فضلا عن أن يكون مخصصا للأدلة ويرد على تأكيده بالآية أن الآية أعم من الأحاديث الأربعة والقاعدة الأصولية أن الخاص مقدم على العام عند التعارض قال الأصل وهما إيرادان صحيحان متجهان لا يحضرني عنهما جواب فتأمل عسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده هذا ما يتعلق باشتراط القبض في خصوص البيع

وأما غيره من سائر التصرفات فقال صاحب الجواهر لا يتوقف شيء من التصرفات على القبض إلا البيع ا ه

وقال العبدي يجوز الطعام قبل قبضه في خمسة مواضع الهبة والميراث والاستهلاك والقرض والصكوك وهي أعطيات الناس من بيت المال واختلف في طعام أهل الصلح ووقعت الرخصة في الشركة في الطعام قبل قبضه والإقالة والتولية تنزيلا للثاني منزلة الأول المشتري على وجه المعروف بشرط أن لا يفترق العقدان في أجل أو مقدار أو غيرهما لأن ذلك يشعر بالمكايسة ومنع الشافعي وأبو حنيفة وأحمد رضي الله عنهم الجميع نظرا للنقل والمعاوضة ا ه

وقال الحفيد في البداية والعقود تنقسم إلى قسمين قسم يكون بغير معاوضة كالهبات والصدقات وقسم يكون بمعاوضة وهو ينقسم ثلاثة أقسام أحدها يختص بقصد المغابنة والمكايسة وهي البيوع والإجارات والمهور والصلح والمال المضمون بالتعدي وغيره والقسم الثاني لا يختص بقصد المغابنة وإنما يكون على جهة الرفق وهو القرض والقسم الثالث ما يصح أن يقع على الوجهين جميعا أعني على قصد المغابنة وعلى قصد الرفق كالشركة والإقالة والبتولية وتحصيل أقوال العلماء في هذه الأقسام أن ما كان بيعا وبعوض فلا خلاف في اشتراط القبض فيه وذلك في الشيء الذي يشترط فيه القبض واحد من العلماء وأن ما كان خالصا للرفق أعني القرض فلا خلاف أيضا أن القبض ليس شرطا في بيعه أعني أنه يجوز للرجل أن يبيع القرض قبل أن يقبضه واستثنى أبو حنيفة مما يكون بعوض المهر والخلع والجعل فقال يجوز بيعها قبل القبض وأن العقود التي تتردد بين قصد الرفق والمغابنة وهي التولية والشركة والإقالة إذا وقعت على وجه الرفق من غير أن يكون الإقالة أو التولية بزيادة أو نقصان فلا خلاف أعلمه في المذهب أن ذلك جائز قبل القبض وبعده

وقال أبو حنيفة والشافعي لا تجوز الشركة ولا التولية قبل القبض وتجوز الإقالة عندهما لأنها قبل القبض فسخ بيع لا بيع فعمدة من اشترط القبض في جميع المعاوضات أنها في معنى البيع المنهي عنه وإنما استثنى مالك من ذلك التولية والإقالة والشركة للأثر والمعنى أما الأثر فما

رواه من مرسل سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى

____________________

(3/461)

الطعام وغيره والقاعدة الأصولية أن اللفظ العام لا يخصص بذكر بعضه فالحديث الخاص بالطعام لا يخصص تلك العمومات فإن من شرط المخصص أن يكون منافيا ولا منافاة بين الجزء والكل والقاعدة أيضا أن الخاص مقدم على العام عند التعارض وقوله تعالى وأحل الله البيع عام وتلك الأحاديث خاصة فتقدم على الآية والاعتماد في تخصيص تلك الأدلة على عمل أهل المدينة لا يستقيم لأن الخصم لا يسلم أنه حجة فضلا عن تخصيص الأدلة

قلت أسئلة صحيحة متجهة الإيراد لا يحضرني عنها جواب نظائر قال العبد يجوز بيع الطعام قبل قبضه في خمسة مواضع الهبة والميراث على اختلاف والاستهلاك والقرض والصكوك وهي أعطيات الناس من بيت المال واختلف في طعام أهل الصلح ووقعت الرخصة في الشركة في الطعام قبل قبضه والإقالة والتولية تنزيلا للثاني منزلة الأول المشتري على وجه المعروف بشرط أن لا يفترق العقدان في أجل أو مقدار أو غيرهما لأن ذلك يشعر بالمكايسة ومنع الشافعي وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم الجميع نظرا للنقل والمعاوضة فهذا تلخيص الفرق بين القاعدتين

الفرق التاسع والتسعون والمائة بين قاعدة ما يتبع العقد عرفا وقاعدة ما لا يتبعه قال صاحب الجواهر وغيره إذا قال أشركتك معي في السلعة يحمل على النصف

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

يستوفيه إلا ما كان من شركة أو تولية أو إقالة

وأما من طريق المعنى فإن هذه إنما يراد بها الرفق لا المغابنة ما لم تدخلها زيادة أو نقصان وإنما استثنى من ذلك أبو حنيفة الصداق والخلع والجعل لأن العوض في ذلك ليس بينا إذا لم يكن عينا ا ه

هذا تنقيح ما في الأصل من تلخيص الفرق بين القاعدتين وبيان الخلاف ومداركه وسلمه ابن الشاط مع زيادة من البداية والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق التاسع والتسعون والمائة بين قاعدة ما يتبع العقد عرفا وقاعدة ما لا يتبعه وهو أن الألفاظ التي حكمت العوائد بأنها تتبع بشيء إذا وقع العقد عليها ثمانية لفظ الشركة ولفظ الأرض ولفظ البناء ولفظ الدار ولفظ المرابحة ولفظ الشجر ولفظ الثمار ولفظ العبد ويتعلق ببيان ما يتبعها والخلاف في البعض ثمان مسائل المسألة الأولى لفظ الشركة قال صاحب الجواهر وغيره إذا قال أشركتك معي في السلعة يحمل على النصف المسألة الثانية لفظ الأرض قال صاحب الجواهر وغيره بيع الأرض يندرج تحته الأشجار والبناء دون الزرع الظاهر كمأبور الثمار فإن كان كامنا في الأرض اندرج على إحدى الروايتين كما تندرج الحجارة

____________________

(3/462)

وبيع الأرض يندرج تحته الأشجار والبناء دون الزرع الظاهر كما بور الثمار فإن كان كامنا في الأرض اندرج على إحدى الروايتين كما تندرج الحجارة المخلوقة فيها دون المدفونة إلا على القول بأن من ملك ظاهر الأرض ملك باطنها وقال الشافعي رضي الله عنه لا يندرج في الأرض البناء الكثير ولا الغرس وعندنا يندرج في لفظ الدار الخشب المسمر والسلم المستقل ويندرج المعدن في لفظ الأرض دون الكنز لأن المعدن من الأجزاء فليس من هذا الباب

وقال ابن حنبل يندرج في الأرض البناء والغرس وفي لفظ الدار الأبواب والخوابي المدفونة والرفوف المسمرة وما هو من مصالحها دون الحجر المدفون لأنه كالوديعة وتندرج الحجارة المخلوقة فيها والمعدن دون الكنز وعندنا إذا باع البناء يندرج فيه الأرض كما اندرج في لفظ الدار التوابيت ومرافق البناء كالأبواب والرفوف والسلم المثبت دون المنقولات ولفظ العبد يتبعه ثيابه التي عليه إذا أشبهت مهنته دون ماله ولفظ الشجر تتبعه الأرض واستحقاق البناء مغروسا والثمرة غير الموبرة دون الموبرة وقال ابن حنبل لا تندرج الأرض في لفظ الشجر ووافقنا الشافعي وابن حنبل في الثمار

وقال أبو حنيفة هي للبائع مطلقا وفي الموطإ

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

المخلوقة فيها دون المدفونة إلا على القول بأن من ملك ظاهر الأرض ملك باطنها وقال الشافعي رضي الله عنه لا يندرج في الأرض البناء الكثير ولا الغرس وعندنا يندرج المعدن في لفظ الأرض دون الكنز لأن المعدن من الأجزاء فليس من هذا الباب وقال ابن حنبل يندرج في الأرض البناء والغرس المسألة الثالثة لفظ البناء قال صاحب الجواهر وغيره إذا باع البناء يندرج فيه عندنا الأرض المسألة الرابعة لفظ الدار قال صاحب الجواهر وغيره يندرج في لفظ الدار عندنا الخشب المسمر والتوابيت ومرافق البناء كالأبواب والرفوف والسلم المثبت دون المنقولات وقال ابن حنبل يندرج في لفظ الدار الأبواب والخوابي المدفونة والرفوف المسمرة وما هو من مصالحها دون الحجر المدفون لأنه كالوديعة وتندرج الحجارة المخلوقة فيها والمعدن دون الكنز المسألة الخامسة لفظ المرابحة قال صاحب الجواهر وغيره لفظ المرابحة عندنا يقتضي أن كل صنعة قائمة كالصبغ والخياطة والكماد والطرز والفتل والغسل يحسب ويحسب له ربح إذا لم يتول ذلك بنفسه وإلا لم يحسب ولا يحسب له ربح لأنه كمن وصف ثمنا على سلعة باجتهاده وما ليس له عين قائمة ولا يسمى السلعة ذاتا ولا سوما لا يحسب ولا يحسب له ربح لأنه لم ينتقل للمشتري ولا يقابل بشيء فهذه الأحكام عندنا تتبع قوله بعتك هذه السلعة مرابحة للعشرة أحد عشرة أو بوضيعة للعشرة أو عشرة يقول للعشرة عشرة وضيعة أو مرابحة فإذا قال للعشرة اثنا عشر كان معناه في الوضيعة ينقص السدس وفي المرابحة يزيد السدس لأن الاثنين سدس اثني عشر وإذا قال للعشرة عشرة كان معناه يضاف للعشرة عشرة فيكون الزيادة أو النقصان النصف لأن إخراج عشرة من عشرة محال قال الأصل

____________________

(3/463)

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع ومفهومه يقتضي أنها إذا لم توبر للمبتاع لأنه عليه السلام إنما جعلها للبائع بشرط الإبار فإذا انتفى الشرط انتفى المشروط فالأول مفهوم الصفة والثاني مفهوم الشرط وهذا ضعيف من جهة أن الحنفية لا يرون المفهوم حجة فلا يحتج عليهم به بل نقيس الثمرة على الجنين إذا خرج لم يتبع وإلا اتبع أو نقيسها على اللبن قبل الحلاب واستتار الثمار في الأكمام كاستتار الأجنة في الأرحام واللبن في الضروع أو نقيسها على الأغصان والورق ونوى التمر

وهذه الأقيسة أقوى من قياسهم بكثير لقوة جامعها وأما قياسهم غير المؤبر على المؤبر ففارقه ظاهر وجامعه ضعيف ولفظ إطلاق الثمار في رءوس النخل يقتضي عندنا التبقية بعد الزهو

وقاله الشافعي وقال أبو حنيفة يقتضي القطع كسائر المبيعات ولما فيه من الجهالة والجواب أن العقد معارض بالعادة ومثل هذه الجهالة لا تقدح في العقود كما لو اشترى طعاما كثيرا فإنه يؤخره زمانا طويلا لقبضه وتحويله ويبيع الدار فيها الأمتعة الكثيرة لا يمكن خلوها إلا في زمان طويل ولفظ المرابحة عندنا يقتضي أن كل صنعة قائمة كالصبغ والخياطة والكماد والطرز والفتل والغسل يحسب ويحسب له ربح وما ليس له عين قائمة ولا يسمى السلعة ذاتا ولا سوقا

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

وهذا الكلام مع بقية تفاريع هذا الباب كلها مبنية على العوائد أي القديم وإلا فمن أين لنا ما يحسب ويحسب ربحه وعكسه ولولا العوائد القديمة لكان هذا تحكما صرفا وبيع المجهول والغرر في الثمن غير جائز إجماعا فلذا لو أطلق هذا اللفظ في زماننا لم يصح به بيع لعدم فهم المقصود منه لغة ولا عرفا المسألة السادسة لفظ الشجر قال صاحب الجواهر وغيره لفظ الشجر تتبعه الأرض واستحقاق البناء مغروسا والثمرة غير المؤبرة دون المؤبرة وقال ابن حنبل لا تندرج الأرض في لفظ الشجر ووافقنا الشافعي وابن حنبل في الثمار وقال أبو حنيفة هي للبائع مطلقا وفي الموطإ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع ومفهومه يقتضي أنه إذا لم تؤبر للمبتاع لأنه عليه السلام إنما جعلها للبائع بشرط الإبار فإذا انتفى الشرط انتفى المشروط فالأول مفهوم الصفة والثاني مفهوم الشرط وهذا ضعيف من جهة أن الحنفية لا يرون المفهوم حجة فلا يحتج عليهم به بل نحتج عليهم أولا بقياس الثمرة على الجنين إذا خرج لم يتبع وإلا اتبع وثانيا بقياس الثمرة على اللبن قبل الحلاب فإن استتار الثمار في الأكمام كاستتار الأجنة في الأرحام واللبن في الضروع وثالثا بقياس الثمرة على الأغصان والورق ونوى التمر فهذه الأقيسة أقوى من قياسهم بكثير لقوة جامعها وأما قياسهم غير المؤبرة على المؤبرة ففارقه ظاهر وجامعه ضعيف وفي بداية الحفيد جمهور الفقهاء على أن من باع نخلا فيها ثمر قبل أن يؤبر فإن الثمر للمشتري وإذا كان البيع بعد الإبار فالثمر للبائع إلا أن يشترطه المبتاع إلا والثمار كلها في هذا المعنى في معنى النخيل

وقال أبو حنيفة وأصحابه هي للبائع قبل الإبار وبعده وقال ابن أبي ليلى سواء أبر أو لم يؤبر إذا بيع الأصل فهو للمشتري اشترطها أو لم يشترطها وسبب الخلاف في هذه المسألة بين أبي حنيفة والشافعي ومالك ومن قال بقولهم معارضة دليل

____________________

(3/464)

لا يحسب ولا يحسب له ربح لأنه لم ينتقل للمشتري ولا يقابل بشيء وإن كان متولي هذا الطرز والصبغ بنفسه لم يحسب ولا يحسب له ربح لأنه كمن وصف ثمنا على سلعة باجتهاده وهذه الأحكام عندنا تتبع قوله بعتك هذه السلعة مرابحة للعشرة أحد عشر أو بوضيعة للعشرة أحد عشر أو يقول للعشرة عشرة وصيغة أو مرابحة ومعنى هذا الكلام إذا قال للعشرة اثنا عشر أي ينقص السدس في الوضيعة أو يزيد السدس في الزيادة لأن اثنين سدس اثني عشر وللعشرة عشرة معناه يضاف للعشرة عشرة فيكون الزيادة أو النقصان النصف لأن إخراج عشرة من عشرة محال وهذا الكلام مع بقية تفاريع هذا الباب كلها مبنية على العوائد وإلا فمن أين لنا ما يحسب ويحسب ربحه وعكسه

ولولا العوائد لكان هذا تحكما صرفا وبيع المجهول والغرر في الثمن جائز إجماعا ولو أطلق هذا اللفظ في زماننا لم يصح به بيع لعدم فهم المقصود منه لغة ولا عرفا فجميع هذه المسائل وهذه الأبواب التي سردتها مبنية على العوائد غير مسألة الثمار المؤبرة بسبب أن مدركها النص والقياس وما عداها مدركة العرف والعادة فإذا تغيرت العادة أو بطلت بطلت هذه الفتاوى وحرمت الفتوى بها لعدم مدركها فتأمل ذلك بل تتبع الفتاوى هذه العوائد كيفما تقلبت كما تتبع النقود في كل عصر وحين وتعيين المنفعة من الأعيان المستأجرة إذا سكت

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

الخطاب لدليل مفهوم الأخرى والأولى وهو الذي يسمى فحوى الخطاب في حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من باع نخلا قد أبرت إلخ فقال مالك والشافعي وابن حنبل ومن قال بقولهم لما حكم صلى الله عليه وسلم بالثمر للبائع بعد الإبار علمنا بدليل الخطاب أي مفهوم المخالفة أنها للمشتري قبل الإبار بلا شرط وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا وجبت للبائع بعد الإبار فهي بالأحرى أن تجب له قبل الإبار وشبهوا خروج الثمر بالولادة قالوا فكما أن من باع أمة لها ولد فولدها للبائع إلا أن يشترطه المبتاع كذلك الأمر في الثمر لكن مفهوم الأحرى هاهنا ضعيف

وإن كان في الأصل أقوى من دليل الخطاب وأما سبب مخالفة ابن أبي ليلى لهم فمعارضة القياس للسماع لأنه رأى أن الثمر جزء من المبيع فرد الحديث بالقياس ولا معنى لذلك إلا إن كان لم يثبت عنده الحديث هذا والإبار عند العلماء أن يجعل طلع ذكور النخل في طلع إناثها وفي سائر الشجر أن تنور وتعقد والتذكير في شجر التين التي تذكر في معنى الإبار وإبار الزرع مختلف فيه في المذهب فروى ابن القاسم عن مالك أن إباره أن يفرك قياسا على سائر الثمر وهل الموجب لهذا الحكم هو الإبار أو وقت الإبار قيل الوقت وقيل الإبار وعلى هذا ينبني الاختلاف إذا أبر بعض النخل ولم يؤبر البعض هل يتبع ما لم يؤبر ما أبر أو لا يتبعه واتفقوا فيما أحسبه على أنه إذا بيع ثمر وقد دخل وقت الإبار فلم يؤبر أن حكمه حكم المؤبر ا ه

بتلخيص المسألة السابعة لفظ الثمار قال صاحب الجواهر وغيره لفظ إطلاق الثمار في رءوس النخل يقتضي عندنا التبقية بعد الزهو وقاله الشافعي وقال أبو حنيفة يقتضي القطع كسائر المبيعات ولما فيه من الجهالة

____________________

(3/465)

عنها فتنصرف بالعادة للمنفعة المقصودة منها عادة لعدم اللغة في البابين وكل ما صرح به في العقد واقتضته اللغة فهذا هو الذي لا يختلف باختلاف العوائد ولا يقال إن العرف

هامش أنوار البروق

صفحة فارغة آليا

هامش إدرار الشروق

والجواب أن العقد معارض بالعادة ومثل هذه الجهالة لا تقدح في العقود كما لو اشترى طعاما كثيرا فإنه يؤخره زمانا طويلا لقبضه وتحويله وكبيع الدار فيها الأمتعة الكثيرة لا يمكن خلوها إلا في زمان طويل المسألة الثامنة لفظ العبد قال صاحب الجواهر وغيره لفظ العبد يتبعه ثيابه التي عليه إذا أشبهت مهنته دون ماله ا ه

وفي بداية الحفيد في كون مال العبد يتبعه في البيع والعتق ثلاثة أقوال أحدها للشافعي والكوفيين أن ماله في البيع والعتق لسيده وكذلك في المكاتب والثاني لمالك والليث أنه تبع له في العتق لا في البيع إلا أن يشترطه المبتاع أي المشتري فوافق الأول في البيع وحجتهما حديث ابن عمر المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من باع عبدا وله مال فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع وخالفه في العتق حيث جعله فيه تابعا للعبد تغليبا للقياس على السماع على أنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من أعتق فماله له إلا أن يستثنيه سيده وجعله الأول فيه للسيد قياسا على البيع كما خالفه فيما إذا اشترط ماله المشتري فقال في الموطإ الأمر المجتمع عليه عندنا أن المبتاع إذا اشترط مال العبد فهو له نقدا كان أو عرضا أو دينا فيجوز عند مالك أن يشتري العبد وماله بدراهم وإن كان مال العبد دراهم أو فيه دراهم وقال أبو حنيفة والشافعي إذا كان مال العبد نقدا وقالوا العبد وماله كان بمنزلة من باع شيئين فلا يجوز فيهما إلا ما يجوز في سائر البيوع نعم اختلف أصحاب مالك في اشتراط المشتري لبعض مال العبد في صفقة البيع فقال ابن القاسم لا يجوز ووجهه تشبيهه بثمر النخل بعد الإبار وقال أشهب جائز أن يشترط بعضه ووجهه تشبيهه الجزء بالكل وفرق بعضهم فقال إن كان ما اشتري به العبد عينا وفي مال العبد عين لم يجز ذلك لأنه يدخله دراهم بعرض ودراهم وإن كان ما اشتري به عروضا أو لم يكن في مال العبد دراهم جاز القول الثالث لداود وأبي ثور أن ماله تبع له في البيع والعتق وهو مبني على كون العبد مالكا عندهم وهي مسألة اختلف العلماء فيها اختلافا كثيرا أعني هل يملك العبد أو لا يملك ويشبه أن يكون هؤلاء إنما غلبوا القياس على السماع لأن حديث ابن عمر هو حديث خالف فيه نافع سالما لأن نافعا

رواه عن ابن عمر عن عمر وسالم

رواه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ا ه

بتلخيص قال الأصل فجميع هذه المسائل وهذه الأبواب التي سردتها ما عدا مسألة الثمار المؤبرة وغير المؤبرة مبنية على العوائد فمدركها العرف والعادة فإذا تغيرت العادة أو بطلت بطلت هذه الفتاوى وحرمت الفتوى بها لعدم مدركها بل تتبع الفتاوى هذه العوائد كيفما تقبلت كما تتبع النقود في كل عصر وحين وتعيين المنفعة من الأعيان المستأجرة إذا سكت عنها فتنصرف بالعادة للمنفعة المقصودة منها عادة لعدم اللغة في البابين

وأما مسألة الثمار المؤبرة وغير المؤبرة فبسبب أن مدركها النص والقياس لا تتبع العوائد ولا تختلف باختلافها ولا يقال إن العرف اقتضاه ككل ما صرح به في العقد واقتضته اللغة هذا تنقيح ما في الأصل من تلخيص هذا الفرق وسلمه ابن الشاط مع زيادة من البداية

تتمة قال الحفيد في البداية من مشهور مسائلهم في هذا الباب الزيادة والنقصان اللذان يقعان في الثمن الذي انعقد عليه البيع بعد البيع مما يرضى به المتبايعان أعني أن يزيد المشتري البائع بعد البيع على الثمن الذي انعقد عليه البيع أو يحط منه البائع هل يتبع حكم

____________________

(3/466)

اقتضاه فهذا تلخيص هذا الفرق وقد اشتمل على ستة ألفاظ لفظ الشركة ولفظ الأرض ولفظ البناء ولفظ الدار ولفظ المرابحة ولفظ الثمار هذه الألفاظ كلها حكمت فيها العوائد الفرق المائتان بين قاعدة ما يجوز من السلم وبين قاعدة ما لا يجوز منه السلم الجائز ما اجتمع فيه أربعة عشر شرطا الأول تسليم جميع رأس المال حذرا من الدين بالدين الثاني السلامة من السلف بزيادة فلا تسلم شاة في شاتين متقاربتي المنفعة الثالث السلامة من الضمان بجعل فلا يسلم جذع في نصف جذع من جنسه الرابع السلامة من النساء في الربوي فلا يسلم النقدان في تراب المعادن الخامس أن يكون المسلم فيه يمكن ضبطه بالصفات فيمتنع سلم خشبة في تراب المعادن

هامش أنوار البروق

قال الفرق المائتان بين قاعدة ما يجوز من السلم وبين قاعدة ما لا يجوز منه إلى منتهى قوله وفي الشروط ست مسائل قلت ما قاله في ذلك صحيح

الفرق المائتان بين قاعدة ما يجوز من السلم وبين قاعدة ما لا يجوز منه وهو أن السلم يجوز إذا اجتمع فيه شروط الجواز ويمتنع إذا انخرم فيه شرط منها وشروط جوازه أوصلها الأصل إلى أربعة عشرة وقال ولم أر من أوصلها للعشرة وسلمه ابن الشاط

قال المسألة الأولى إلى قوله وهو بيع الدين بالدين قلت ما قاله في ذلك صحيح

هامش إدرار الشروق

الثمن أم لا وفائدة الفرق أن من قال هي من الثمن أوجب ردها في الاستحقاق وفي الرد بالعيب وما أشبه ذلك وأيضا من جعلها في حكم الثمن الأول إن كانت فاسدة فسد البيع ومن لم يجعلها من الثمن أعني الزيادة لم يوجب شيئا من هذا فذهب أبو حنيفة إلى أنها من الثمن إلا أنه قال لا تثبت الزيادة في حق الشفيع ولا في بيع المرابحة بل الحكم للثمن الأول وبه قال مالك وقال الشافعي لا تلحق الزيادة والنقصان بالثمن أصلا وهو في حكم الهبة واستدل من ألحق الزيادة بالثمن بقوله عز وجل ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة قالوا وإذا لحقت الزيادة في الصداق لحقت في البيع بالثمن واحتج الفريق الثاني باتفاقهم على أنها لا تلحق في الشفعة وبالجملة من رأى أن العقد الأول قد تقرر قال الزيادة هبة ومن رأى أنها فسخ للعقد الأول وعقد ثان عدها من الثمن ا ه

بلفظه والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق المائتان بين قاعدة ما يجوز من السلم وبين قاعدة ما لا يجوز منه وهو أن السلم يجوز إذا اجتمع فيه شروط الجواز ويمتنع إذا انخرم فيه شرط منها وشروط جوازه أوصلها الأصل إلى أربعة عشرة وقال ولم أر من أوصلها للعشرة وسلمه ابن الشاط

قال الشرط الأول تسليم جميع رأس المال حذرا من بيع الدين بالدين قال الحفيد في البداية اتفقوا على أنه لا يجوز تأخير نقد

____________________

(3/467)

السادس أن يقبل النقل حتى يكون في الذمة فلا يجوز السلم في الدور السابع أن يكون معلوم المقدار فلا يسلم في الجزاف الثامن ضبط الأوصاف التي تختلف المالية باختلافها نفيا للغرر التاسع أن يكون مؤجلا فيمتنع السلم الحال العاشر أن يكون الأجل معلوما نفيا للغرر الحادي عشر أن يكون الأجل زمن وجود المسلم فيه فلا يسلم في فاكهة الصيف ليأخذها في الشتاء الثاني عشر أن يكون مأمون التسليم عند الأجل نفيا للغرر فلا يسلم في البستان الصغير

هامش أنوار البروق

قال فائدة إلى قوله وورود النهي قبل الوقوع قلت ما قاله من أن اسم الفاعل مجاز لأنه أطلق باعتبار المستقبل ليس بصحيح لأن اسم الفاعل حقيقة في حال الماضي والحال والاستقبال وما قاله أيضا من أن الكلاءة لا تحصل حال العقد ليس بصحيح بل تحصل حالة العقد وتستمر لأن العقد هو سببها والمسبب يحصل عند حصول سببه قال فإذا حصل الدين في السلم فيه فقط جاز بشروطه إلى آخر المسألة قالت ما قاله من أن السلم من الرتبة الثالثة ليس بصحيح عندي كيف وقد قال أنه من تمام المعاش والمعاش كله للإنسان ابتداؤه وتمامه من الضروريات في حق نفسه ومن الحاجيات في حق

هامش إدرار الشروق

الثمن في المدة الكثيرة مطلقا لا باشتراط ولا بدونه واختلفوا في اشتراط تأخير نقده اليومين والثلاثة فأجاز مالك كما أجاز تأخيره بلا شرط أي اليومين والثلاثة وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أن من شرطه التقابض في المجلس كالصرف ا ه

نعم قال عبق على المختصر مع المتن وجاز السلم على أن يكون رأس المال ملتبسا بمنفعة معين كسكنى دار وقبضت ولو تأخر استيفاؤها عن قبض المسلم فيه بناء على أن قبض الأوائل كقبض الأواخر ا ه

قال الرهوني يعني ولو تأخر عن قبض المسلم فيه بعد حلول أجله إذ هذا هو المتوهم وبه يلغز قال المواق وعند القراءة على هذا الموضع أنشدني بعض الحاضرين لنفسه وما سلم قبض المسلم قبل أن يوفي الذي يعطي المسلم جائز أجب إن علم الفقه روض ودوحة جنى ذاك في الأوراق ذخر وناجز قال الرهوني والأحسن في جوابه إذا نفع دار شهرا أسلم في كذا لأدنى فمعطى ذاك بالقبض فائز فهذا جواب ما سألت وقس تصب وأخلص فبالإخلاص يغبط حائز

والأصل في منع بيع الدين بالدين نهيه عليه الصلاة والسلام عن بيع الكالئ بالكالئ وسره قاعدة أن مطلوب صاحب الشرع صلاح ذات العين البين وحسم مادة الفساد والفتن حتى بالغ في ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام لن تدخلوا الجنة حتى تحابوا وإذا اشتملت المعاملة على شغل الذمتين توجهت المطالبة

____________________

(3/468)

الثالث عشر أن يكون دينا في الذمة فلا يسلم في معين لأنه معين يتأخر قبضه فهو غرر الرابع عشر تعيين مكان القبض باللفظ أو العادة نفيا للغرر فمتى انخرم شرط من هذه الشروط فهو السلم الممنوع وبضبطها يحصل الفرق بين البابين ولم أر أحدا وصلها للعشرة وهي أربعة عشر كما ترى وفروع المدونة شاهدة لها وفي الشروط ست مسائل

المسألة الأولى الحذر من بيع الدين بالدين وأصله نهيه عليه السلام عن بيع الكالئ بالكالئ وها هنا قاعدة وهي أن مطلوب صاحب الشرع صلاح ذات البين وحسم مادة الفساد والفتن حتى بالغ في ذلك بقوله عليه السلام لن تدخلوا الجنة حتى تحابوا وإذا اشتملت المعاملة على شغل الذمتين توجهت المطالبة من الجهتين فكان ذلك سببا لكثرة الخصومات والعداوات فمنع الشرع ما يقضي لذلك وهو بيع الدين بالدين

هامش أنوار البروق

عياله ومن التماميات في حق أقاربه فإطلاقه القول بأنه من التماميات ليس بصحيح والله تعالى أعلم

المسألة الثانية في بيان علة تحريم جر السلف النفع للمسلف وذلك أن الله تعالى شرع السلف قربة للمعروف ولذلك استثناه من الربا المحرم فيجوز دفع دينار ليأخذ عوضه دينارا إلى أجل قرضا ترجيحا لمصلحة الإحسان على مفسدة الربا قلت ما قاله من أن القرض مستثنى من الربا المحرم ليس بمسلم ولا بصحيح فإن الربا لغة الزيادة ولا زيادة في المثال الذي ذكره والربا شرعا الممنوع والقرض ليس بممنوع وإنما وقع الخلل من جهة اعتقاد أن دينارا بدينار إلى أجل ممنوع مطلقا والأمر ليس كذلك بل

هامش إدرار الشروق

من الجهتين فكان ذلك سببا لكثرة الخصومات والعداوات فمنع الشرع ما يفضي لذلك وهو بيع الدين بالدين والكالئ بالكالئ في الحديث

أما اسم فاعل باق على معناه من الكلاءة التي هي الحراسة فيكون إما راجعا للبائع والمشتري بتقدير مضاف أي نهى عن بيع مال الكالئ بمال الكالئ لأن الرجلين لا يباع أحدهما بالآخر بل يراقب كل واحد منهما صاحبه لأجل ما له عنده وإما راجعا للدينين على أنه اسم لهما لأن كل دين يحفظ صاحبه عند الفلس عن الضياع فيستغنى حينئذ عن الحذف لقبولهما البيع وإما اسم فاعل بمعنى اسم المفعول كالماء الدافق بمعنى المدفوق وحينئذ يستثنى عن الحذف أيضا وعلى التقادير الثلاثة ففي كون الوصف مجازا لأنه إطلاق اسم الفاعل الذي هو حقيقة في حال التلبس بالحدث باعتبار المستقبل لأمرين أحدهما أن الكلاءة لا تحصل حالة العقد وثانيهما أن ورود النهي قبل الوقوع فإذا حصل الدين في المسلم فيه فقط جاز بشروطه الأربعة عشر لأن لنا قاعدة وهي أن المصالح ثلاثة أقسام كما تقرر في أصول الفقه ضرورية كنفقة الإنسان على نفسه وحاجية كنفقة الإنسان على زوجاته وتمامية كنفقة الإنسان على أقاربه لأنها تتمة مكارم الأخلاق والرتبة الأولى مقدمة على الثانية عند التعارض والثانية مقدمة على الثالثة والسلم من المصالح التمامية لأنه من تمام المعاش وكذلك المساقاة وبيع الغائب وفي كونه أي وصف كالئ في الحديث حقيقة لأن اسم الفاعل حقيقة

____________________

(3/469)

فائدة الكالئ من الكلاءة التي هي الحراسة فهو اسم فاعل إما للبائع أو للمشتري لأن كل واحد منهما عواقب صاحبه ويحفظه لأجل ماله عنده فيكون في الكلام حذف تقديره نهي عن بيع مال الكالئ لأن الرجلين لا يباع أحدهما بالآخر وإما أن يكون اسما للمدينين لأن كل دين يحفظ صاحبه عند الفلس عن الضياع ويستغنى عن الحذف أيضا لقبولهما البيع أو يكون اسم الفاعل بمعنى اسم المفعول كالماء الدافق بمعنى المدفوق ويستغنى عن الحذف أيضا وعلى التقادير الثلاثة فهو مجاز لأنه إطلاق اسم الفاعل باعتبار المستقبل فإن الكلاءة لا تحصل حالة العقد وورد النهي قبل الوقوع فإذا حصل الدين في المسلم فيه فقط جاز بشروطه لأن لنا قاعدة وهي أن المصالح ثلاثة أقسام كما تقرر في أصول الفقه ضرورية كنفقة الإنسان على نفسه وحاجية كنفقة الإنسان على زوجاته وتمامية كنفقة الإنسان على أقاربه لأنها تتمة مكارم الأخلاق

هامش أنوار البروق

ذلك ممنوع على وجه البيع الذي شأنه عادة وعرفا المكايسة والمغابنة وليس بممنوع على وجه القرض الذي شأنه المسامحة والمكارمة فهما أصلان كل واحد منهما قائم بنفسه وليس أحدهما أصلا للآخر فيكون مستثنى منه قال وهذا من الصور التي قدم الشرع فيها المندوبات على المحرمات قلت ما قاله في ذلك مبني على ذلك الاعتقاد فهو غير صحيح قال ومن الصور التي مصلحتها تقتضي الإيجاب لكن ترك الشرع ترتيب الإيجاب عليها رفقا بالعباد إلى قوله وقد تقدم منه نبذة في هذا الكتاب

هامش إدرار الشروق

في حال الماضي والحال والاستقبال على أن الصحيح أن الكلاءة تحصل حال العقد وتستمر لأن العقد هو سببها والمسبب يحصل عند حصول سببه وأن السلم وإن سلم أنه من تمام المعاش إلا أن المعاش كله للإنسان ابتداؤه وتمامه من الضروريات في حق نفسه ومن الحاجيات في حق عياله ومن التماميات في حق أقاربه فلا يصح إطلاق القول بأنه من التماميات قولان للأصل وابن الشاط فافهم

الشرط الثاني السلامة من السلف بزيادة فلا يجوز أن تسلم شاة في شاتين متقاربي المنفعة لأن الله عز وجل شرع السلف قربة للمعروف والإحسان حتى صار أصلا قائما بنفسه غير البيع بحيث اندفع دينار لأخذ عوضه دينارا لأجل إن كان على وجه القرض كان من شأنه عادة وعرفا المسامحة والمكارمة فلا يكون ممنوعا وإن كان على وجه البيع كان من شأنه عادة وعرفا المكايسة والمغابنة فيكون ممنوعا فإذا دخل السلف غرض انتفاع المسلف بطلت حقيقته التي هي قصد المعروف والإحسان قربة لله تعالى وآل الآمر إلى حقيقة قصد المكايسة والمغابنة فيترتب عليها التحريم وضابط هذا الشرط ما قاله أبو الطاهر من أن المسلم فيه إن خالف الثمن جنسا ومنفعة جاز لبعد التهمة أو اتفقا امتنع إلا أن يسلم الشيء في مثله فيكون قرضا بلفظ السلم فيجوز وإذا كانت المنفعة للدافع امتنع اتفاقا وإن دارت بين الاحتمالين فكذلك لعدم تعين مقصود الشارع فإن تمحضت للقابض فالجواز وهو ظاهر والمنع لصورة المبايعة وللمسلف رد العين وهاهنا اشترط الدافع رد المثل فهو غرض له وإن اختلف الجنس دون المنفعة فقولان

____________________

(3/470)

والرتبة الأولى مقدمة على الثانية عند التعارض والثانية مقدمة على الثالثة والسلم من المصالح التمامية لأنه من تمام المعاش وكذلك من المساقات وبيع الغائب

المسألة الثانية في بيان علة تحريم جر السلف النفع للمسلف وذلك أن الله عز وجل شرع السلف قربة للمعروف ولذلك استثناه من الربا المحرم فيجوز دفع دينار ليأخذ عوضه دينارا إلى أجل قرضا ترجيحا لمصلحة الإحسان على مفسدة الربا وهذا من الصور التي قدم الشرع فيها المندوبات على المحرمات ومن الصور التي مصلحتها تقتضي الإيجاب لكن ترك الشرع ترتيب الإيجاب عليها رفقا بالعباد كمصلحة السواك فقال عليه السلام لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك وقد بسطت هذه المسألة في كتاب اليواقيت في أحكام المواقيت وقد تقدم منه نبذة في هذا الكتاب يدلك على أن مصلحة السلف تقتضي الوجوب معارضتها للمحرم ومعارضة مفسدة التحريم تقتضي أن يكون مصلحة إيجاب بل

هامش أنوار البروق

قلت ما قاله من أن مصلحة السواك تقتضي الإيجاب مشعر بأن المصالح والمفاسد أوصاف ذاتية للموصوف بها وذلك رأي الفلاسفة والمعتزلة وليس رأي الأشعرية وأهل السنة فإن أراد ذلك فهو خطأ وإن كان أراد غير ذلك فلفظه غير موافق لمراده

قال ويدلك على أن مصلحة السلف تقتضي الوجوب معارضتها للمحرم ومعارضة مفسدة التحريم تقتضي أن تكون مصلحة إيجاب بل أعظم من أصل الإيجاب فإن المحرم يقدم على الواجب عند التعارض على الصحيح فتقديم هذه المصلحة عظمها على أصل الوجوب

هامش إدرار الشروق

الجواز للاختلاف والمنع لأن مقصود الأعيان منافعها وإن اختلفت المنفعة دون الجنس جاز لتحقق المبايعة

الشرط الثالث السلامة من الضمان بجعل فلا يجوز أن يسلم جذع في نصف جذع من جنسه وسره قاعدة أن الأشياء ثلاثة أقسام قسم اتفق الناس على أنه قابل للمعاوضة كالبر والأنعام وقسم اتفق الناس على عدم قبوله للمعاوضة كالدم والخنزير ونحوهما من الأعيان والقبل والتعانق والنظر إلى المحاسن ونحوها من المنافع ولذلك لم نوجب فيها شيئا عند الجناية عليها لأنها غير متقومة شرعا ولو كانت تقبل القيمة الشرعية لوجب فيها شيء عند الجناية عليها كسائر المنافع الشرعية وقسم اختلف الناس فيه هل يقبل المعاوضة أم لا كالأزبال وأرواث الحيوان من الأعيان وكالأذان والإمامة من المنافع فمن العلماء من أجازه ومنهم من منعه وذلك أن الضمان في الذمم وإن كان منفعة مقصودة للعقلاء إلا أن المعاوضة فيها لا تصح لأن صحة المعاوضة حكم شرعي يتوقف على دليل شرعي ولم يدل دليل عليه فوجب نفيه وأما لأنها كالقبلة وأنواع الاستمتاع مما هو مقصود للعقلاء ولا تصح المعاوضة عليه الشرط الرابع السلامة من النساء في الربوي فلا يجوز أن يسلم النقدان في تراب المعادن قال الحفيد في البداية لا خلاف في امتناع السلم فيما لا يجوز فيه النساء وذلك إما اتفاق المنافع على ما يراه مالك رحمه الله وإما اتفاق الجنس على ما يراه أبو حنيفة

____________________

(3/471)

أعظم من أصل الإيجاب فإن المحرم يقدم على الواجب عند التعارض على الصحيح فتقديم هذه المصلحة يقتضي عظمها على أصل الوجوب فإذا وقع القرض ليجر نفعا بطلت مصلحة الإحسان بالمكايسة فتبقى مفسدة الربا سليمة عن المعارض فيما يحرم فيه الربا فيترتب عليها التحريم ووجه آخر وهو أنهما خالفا مقصود الشارع وواقعا ما لله لغير الله وهو وجه تحريم ما لا ربا فيه كالعروض وهو دون الأول في التحريم

المسألة الثالثة في الشرط الثاني قال أبو الطاهر في ضبط هذا الشرط المسلم فيه إن خالف الثمن جنسا ومنفعة جاز لبعد التهمة أو اتفقا امتنع إلا أن يسلم الشيء في مثله فيكون قرضا بلفظ السلم فيجوز وإذا كانت المنفعة للدافع امتنع اتفاقا وإن دارت بين

هامش أنوار البروق

قلت قد تبين أن لا معاوضة لأنها أصلان متغايران وعلى تقدير المعارضة فقوله أن المعارضة هنا تدل على أن مصلحة السلف تقتضي الوجوب دعوى ولا حجة عليها إلا ما يتوهم من أن المصالح أوصاف ذاتية وما قاله من أن تلك المصلحة أعظم مما يقتضي الإيجاب من فحش الخطأ ويا ليت شعري ما تقتضي المصلحة التي هي فوق ما يقتضي الإيجاب وهل فوق الإيجاب رتبة هي أعلى منه هذا كله تخليط وفي مهواة الاعتزال والتفلسف توريط

قال فإذا وقع القرض ليجر نفعا بطلت مصلحة الإحسان بالمكايسة فتبقى مفسدة الربا سليمة عن المعارض فيما يحرم به الربا فيترتب عليها التحريم قلت إذا دخل غرض انتفاع المسلف بطلت حقيقة السلف كما قال ولا مدخل للمعارضة هنا لأنهما أصلان متغايران على ما سبق

هامش إدرار الشروق

وإما اعتبار الطعم مع الجنس على ما يراه الشافعي في علة النساء ا ه

وإما على ما يراه ابن حنبل رحمه الله ففي الإقناع مع شرحه كل شيئين من جنس أو جنسين ليس أحدهما نقدا علة ربا الفضل وهو الكيل والوزن كما تقدم فيهما واحدة كمكيل بمكيل من جنسه أو غيره بأن باع مد بر جنسه أي يبرأ وباع مد بر بشعير ونحوه كباقلا وعدس وأرز وموزون بموزون بأن باع رطل حديد بجنسه أي بحديد أو باع رطل حديد بنحاس ونحوه كرصاص وقطن وكتان لا يجوز النساء فيهما بغير خلاف نعلمه ا ه محل الحاجة منه

الشرط الخامس أن يكون المسلم فيه يمكن ضبطه بالصفات فيمتنع سلم خشبة في تراب المعادن نعم سيأتي عن الحفيد في البداية أن الضبط باتحاد النوع يقوم مقام الضبط بالصفات واعلم أن هذا الشرط لا يغني عن الشرط السابع الآتي لا سيما إذا أريد الإمكان العام لقول صاحب سلم العلوم ولو استقريت علمت أن الممكنة العامة أعم القضايا والممكنة الخاصة أعم المركبات والمطلقة العامة أعم الفعليات والضرورية المطلقة أخص البسائط والمشروطة الخاصة أخص المركبات على وجه ا ه

ولا شك أن الشرط السابع يتضمن الإطلاق العام والأعم لا يستلزم الأخص فافهم الشرط السادس أن يقبل أي المسلم فيه النقل حتى يكون في الذمة فلا يجوز السلم في الدور قال الحفيد في البداية اتفقوا على امتناع السلم فيما لا يثبت في الذمة وهي

____________________

(3/472)

الاحتمالين فكذلك لعدم تعين مقصود الشارع فإن تمحضت للقابض فالجواز وهو ظاهر والمنع لصورة المبايعة وللمسلف رد العين وها هنا اشترط الدافع رد المثل فهو غرض له وإن اختلف الجنس دون المنفعة فقولان الجواز للاختلاف والمنع لأن مقصود الأعيان منافعها وإن اختلفت دون الجنس جاز لتحقق المبايعة

المسألة الرابعة في الشرط الثالث وهو الضمان بجعل في بيان سره وذلك بيان قاعدة وهي أن الأشياء ثلاثة أقسام قسم اتفق الناس على أنه قابل للمعاوضة كالبر والأنعام وقسم اتفق الناس على عدم قبوله للمعاوضة كالدم والخنزير ونحوهما من الأعيان والقبلة والتعانق من المنافع وكذلك النظر إلى المحاسن ولذلك لا نوجب فيها عند الجناية عليها شيئا لأنها غير متقومة شرعا ولو كانت تقبل القيمة الشرعية لوجبت عند الجناية عليها كسائر المنافع الشرعية ومنها ما اختلف فيه هل يقبل المعاوضة أم لا كالأزبال وأرواث

هامش أنوار البروق

قال ووجه آخر وهو أنهما خالفا مقصود الشارع وأوقعا ما لله لغير الله وهو وجه تحريم ما لا ربا فيه كالعروض وهو دون الأول في التحريم قلت في ذلك نظر وما قاله في المسألة الثالثة حكاية أقوال وتقسيم لا كلام معه فيه وما قاله بعدها إلى آخر الفرق صحيح وكذلك ما قاله في الفرق بعده

هامش إدرار الشروق

الدور والعقار وعلى جوازه في كل ما يكال أو يوزن لما روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلمون الثمار السنتين والثلاث فقال من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم متفق عليه

وأما سائر ذلك من العروض والحيوان فاختلفوا فيها فمنع ذلك داود وطائفة من أهل الظاهر مصيرا إلى ظاهر هذا الحديث والجمهور على أنه جائز في العروض التي تنضبط بالصفة والعدد واختلفوا من ذلك فيما ينضبط مما لا ينضبط بالصفة فمن ذلك الحيوان والرقيق فذهب مالك والشافعي والأوزاعي والليث إلى أن السلم فيهما جائز وهو قول ابن عمر من الصحابة

وقال أبو حنيفة والثوري وأهل العراق لا يجوز السلم في الحيوان وهو قول ابن مسعود وعن عمر في ذلك قولان وعمدة أهل العراق في ذلك ما روي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السلف في الحيوان وهذا الحديث ضعيف عند الفريق الأول وربما احتجوا بنهيه أيضا عليه الصلاة والسلام عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة وعمدة من أجاز السلم في الحيوان ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشا فنفدت الإبل فأمره أن يأخذ على قلاص الصدقة فأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة

وحديث أبي رافع أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف بكرا قالوا وهذا كله يدل على ثبوته في الذمة فسبب اختلافهم شيئان أحدهما تعارض الآثار في هذا المعنى والثاني تردد الحيوان بين أن يضبط بالصفة أو لا يضبط فمن نظر إلى تباين الحيوان في الخلق والصفات وبخاصة صفات النفس قال لا تنضبط ومن نظر إلى تشابهها قال تنضبط ومن ذلك اختلافهم في البيض والدر وغير ذلك فلم يجز أبو حنيفة السلم في البيض وأجازه مالك بالعدد وكذلك في اللحم أجازه مالك والشافعي ومنعه أبو حنيفة وكذلك في الرءوس والأكارع أجازه مالك

____________________

(3/473)

الحيوان من الأعيان والأذان والإمامة من المنافع فمن العلماء من أجازه ومنهم من منعه إذا تقررت هذه القاعدة فالضمان في الذمم من قبيل ما منع الشرع المعاوضة فيه وإن كان منفعة مقصودة للعقلاء كالقبلة وأنواع الاستمتاع مقصودة للعقلاء ولا تصح المعاوضة عليها فإن صحة المعاوضة حكم شرعي يتوقف على دليل شرعي ولم يدل دليل عليه فوجب نفيه أو يستدل بالدليل النافي لانتفاء الدليل المثبت وهو القياس على تلك الصور

المسألة الخامسة في الشرط التاسع وهو منع السلم الحال ومنعه أبو حنيفة وابن حنبل وجوزه الشافعي رضي الله عنهم أجمعين احتج الشافعي رضي الله عنه بقوله تعالى وأحل الله البيع ولأنه عليه السلام اشترى جملا من أعرابي بوسق من تمر الذخيرة فلما دخل البيت لم يجد التمر فقال للأعرابي إني لم أجد التمر فقال الأعرابي واغدراه فاستقرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وسقا وأعطاه فجعل الجمل قبالة وسق في الذمة وهو السلم الحال وبالقياس على غيره من البيوع وبالقياس على الثمن في البيوع لا يشترط

هامش إدرار الشروق

ومنعه أبو حنيفة واختلف في ذلك قول الشافعي وكذلك في الدر والغصوص أجازه مالك ومنعه الشافعي ا ه

الشرط السابع أن يكون معلوم المقدار فلا يسلم في الجزاف قال الحفيد في البداية أجمعوا على اشتراط أن يكون أي المسلم فيه مقدرا لا جزافا ثم قال واختلفوا في اشتراط أن يكون الثمن مقدرا لا جزافا والتقدير في السلم يكون بالكيل فيما يمكن فيه الكيل وبالوزن فيما يمكن فيه الوزن وبالذرع فيما يمكن فيه الذرع وبالعدد فيما يمكن فيه العدد وما لا يمكن فيه أحد هذه التقريرات انضبط بالصفات المقصودة من الجنس مع ذكر الجنس إن كان أنواعا مختلفة أو مع تركه إن كان نوعا واحدا فاشترط ذلك أي التقدير في الثمن أبو حنيفة ولم يشترط فيه الشافعي ولا صاحبا أبي حنيفة أبو يوسف ومحمد قالوا وليس يحفظ عن مالك في ذلك نص إلا أنه يجوز عنده بيع الجزاف إلا فيما يعظم الغرر فيه

وعند ابن حنبل رحمه الله تعالى في كشاف القناع السلم عوض يثبت في الذمة فاشتراط العلم به كالثمن وطريقه الرؤية أو الصفة والأول يمتنع فتعين الوصف ا ه

الشرط الثامن ضبط الأوصاف التي تختلف المالية باختلافها نفيا للغرر أي أوصاف المسلم فيه التي تختلف بها الأثمان عند المتبايعين اختلافا يتغابن الناس في مثله عادة كالنوع أي الصنف كرومي وحبشي والجودة والرداءة والتوسط في كل مسلم فيه واللون في الحيوان والثوب والعسل ومرعاه وفي التمر والحوت والناحية والقدر وفي البر وجدته وملئه إن اختلف الثمن بهما وسمراء ومحمولة ببلدهما به ولو بالحمل بخلاف مصرفا لمحمولة والشام فالسمراء ونفي الغلت وفي الحيوان وسنه والذكورة والسن وضديهما وفي اللحم وخصيا وراعيا ومعلوفا لا من كجنب وفي الرقيق والقد والبكارة واللون وكالدعج وتكلثم الوجه وفي الثوب والرقة والصفاقة وضديهما وفي الزيت المعصر منه وبما يعصر انظر خليلا وشراحه وبهذا قال الإمام أحمد بن حنبل كما في الإقناع وشرحه

الشرط التاسع أن يكون مؤجلا فيمتنع السلم الحال عند أبي حنيفة بلا خلاف عنه في ذلك

____________________

(3/474)

فيها الأجل ولأن السلم إذا جاز مؤجلا فليجز منجزا بطريق الأولى لأنه أنفى للغرر والجواب عن الأول أنه مخصوص بقوله عليه السلام من أسلم فليسلم إلى أجل معلوم وهو أخص من الآية فيقدم عليها وهو أمر والأمر للوجوب وعن الثاني إن صح فليس يسلم بل وقع العقد على تمر معين موصوف فلذلك قال لم أجد شيئا والذي في الذمة لا يقال فيه ذلك لتيسره بالشراء لكن لما رأى رغبة البدوي في التمر اقترض له تمرا آخر ولأنه أدخل الباء على التمر فيكون ثمنا لا مثمونا لأن الباء من خصائص الثمن وعن الثالث أن البيع موضوع للمكايسة والتعجيل يناسبها والسلم موضوعه الرفق والتأجيل يناسبه والتعجيل ينافيه ويبطل مدلول الاسم بالحلول في السلم ولا يبطل مدلول البيع بالتأجيل فلذلك صحت مخالفة قاعدة البيع في المكايسة بالتأجيل ولم تصح مخالفة السلم بالتعجيل وهو الجواب عن الرابع وعن الخامس أن الأولوية فرع الشركة ولا شركة ها هنا بل التباين لأنه أجازه مؤجلا للرفق والرفق لا يحصل بالحلول فكيف يقال بطريق الأولى بل ينتفي ألبتة سلمنا أن بينهما مشتركا لكن لا نسلم عدم الغرر مع الحلول بل الحلول في السلم غرر لأنه إن كان عنده فهو قادر على بيعه معينا حالا فعدوله إلى

هامش إدرار الشروق

وكذا عند ابن حنبل وعلى ظاهر مذهب مالك والمشهور عنه وقد قيل إنه يتخرج من بعض الروايات عنه جواز السلم الحال وبه قال الشافعي محتجا رضي الله عنه أولا بقوله تعالى وأحل الله البيع وثانيا بأنه عليه الصلاة والسلام اشترى جملا من أعرابي بوسق من تمر الذخرة

فلما دخل البيت لم يجد التمر فقال للأعرابي إني لم أجد التمر فقال الأعرابي واغدراه فاستقرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وسقا وأعطاه فجعل الجمل قبالة وسق في الذمة وهو السلم الحال وثالثا بالقياس على غيره من البيوع ورابعا بالقياس على الثمن في البيوع لا يشترط فيها الأجل وخامسا بأن السلم إذا جاز مؤجلا فليجز منجزا بطريق الأولى لأنه أنفى للغرر وجواب الأول أن قوله عليه الصلاة والسلام من أسلم فليسلم إلى أجل معلوم أخص من الآية فيقدم عليها وهو أمر والأمر للوجوب وجواب الثاني إنا لا نسلم أنه سلم كيف وقد وقع العقد على تمر معين موصوف إذ لا يقال في الذي في الذمة لم أجد شيئا لتيسره بالشراء لكن لما رأى رغبة البدوي في التمر اقترض له تمرا آخر على أنه أدخل الباء على التمر فيكون ثمنا لا مثمونا لأن الباء من خصائص الثمن وجواب الثالث والرابع والخامس أن الثابت فيها التباين لا الشركة ولا يصح قياس بدونها أما في الثالث والرابع فبوجهين الوجه الأول موضوع البيع المكايسة والتعجيل يناسبها وموضوع السلم الرفق والتأجيل يناسبه والوجه الثاني أن التعجيل ينافي موضوع السلم وبه يبطل مدلول الاسم والتأجيل لا ينافي موضوع البيع ولا يبطل به مدلول الاسم فلذلك صحت مخالفة قاعدة البيع في المكايسة بالتأجيل ولم تصح مخالفة قاعدة السلم في الرفق بالتعجيل

وأما في الخامس فلأن الأولوية فرع الشركة والرفق الذي يحصل بالتأجيل لا يحصل بالحلول فكيف يقول بطريق الأولى على أنا وإن سلمنا حصول الرفق بالحلول أيضا لا نسلم عدم الغرر مع الحلول بل

____________________

(3/475)

السلم قصد للغرر وإن لم يكن عنده فالأجل يعينه على تحصيله والحلول يمنع ذلك ويعين الغرر وهذا هو الغالب لأن ثمن المعين أكثر فلو كان عنده لعينه لتحصيل فضل الثمن فيندرج الثمن الحال في الغرر فيمتنع قوله أن جوازه بطريق الأولى وهذا الكلام في هذا القياس عزيز فإن الشافعية يظنون بهذا القياس أنه قطعي وأنه يقتضي الجواز بطريق الأولى ويحكون هذه العبارة عن الشافعي رضي الله عنه فقد ظهر بهذا البحث انعكاسه عليهم وظهر أنه غرر لا أنه أنفى للغرر أوجد للغرر ثم نقول أحد العوضين في السلم فلا يقع إلا على وجه واحد كالثمن

المسألة السادسة في الشرط الثاني عشر يجوز السلم فيما ينقطع في بعض الأجل وقاله الشافعي وابن حنبل رضي الله عنهما ومنعه أبو حنيفة رضي الله عنه واشترط استمرار وجود المسلم فيه من حين العقد إلى حين القبض محتجا بوجوده الأول احتمال موت البائع فيحمل السلم بموته فلا يوجد المسلم فيه

هامش إدرار الشروق

الحلول في السلم غرر لأنه إن كان فهو قادر على بيعه معينا حالا فعدوله إلى السلم قصد للغرر وإن لم يكن عنده فالأجل بعينه على تحصيله والحلول يمنع ذلك ويعين الغرر وهذا هو الغالب لأن ثمن المعين أكثر فلو كان عنده لعينه لتحصيل فضل الثمن فيندرج الثمن الحال في الغرر فيمتنع قوله أن جوازه بطريق الأولى وهذا الكلام في هذا القياس عزيز فإن الشافعية يظنون بهذا القياس أنه قطعي أنه يقتضي الجواز بطريق الأولى ويحكون هذه العبارة عن الشافعي رضي الله عنه وقد ظهر بهذا البحث انعكاسه عليهم وظهر أنه غرر لا أنه أنفى للغرر بل أوجد للغرر ثم نقول هو أحد العوضين في السلم فلا يقع إلا على وجه واحد كالثمن على أنه إذا لم يشترط فيه الأجل كان من باب بيع ما ليس عند البائع المنهي عنه نعم وذهب اللخمي من أصحابنا إلى التفصيل في ذلك فقال إن السلم في المذهب يكون على ضربين سلم حال وهو الذي يكون ممن شأنه بيع تلك السلعة وسلم مؤجل وهو الذي يكون ممن ليس من شأنه بيع تلك السلعة واختلفوا في الأجل في موضعين أحدهما هل يقدر بغير الأيام والشهور مثل الجذاذ والقطاف والحصاد والموسم والثاني في مقدار زمن الأيام وتحصيل مذهب مالك في مقداره من الأيام أن المسلم فيه على ضربين ضرب يقتضي بلد المسلم فيه وضرب يقتضي بغير البلد الذي وقع فيه السلم فإن اقتضاه في البلد المسلم فيه فقال ابن القاسم إن المعتبر في ذلك أجل تختلف فيه الأسواق وذلك خمسة عشر يوما أو نحوها وروى ابن وهب عن مالك أنه يجوز لليومين والثلاثة وقال ابن عبد الحكم لا بأس به إلى اليوم الواحد

وأما ما يقتضى ببلد آخر فإن الأجل عندهم فيه هو قطع المسافة التي بين البلدين قلت أو كثرت وقال أبو حنيفة لا يكون أقل من ثلاثة أيام فمن جعل الأجل شرطا غير معلل اشترط منه أقل ما ينطلق عليه الاسم ومن جعله شرطا معللا باختلاف الأسواق اشترط من الأيام ما تختلف فيه الأسواق غالبا

وأما الأجل إلى الجذاذ والحصاد وما أشبه ذلك فأجازه مالك ومنعه أبو حنيفة والشافعي فمن رأى أن الاختلاف الذي يكون في أمثال هذه الآجال يسير جاز ذلك إذ الغرر اليسير معفو عنه في الشرع وشبهه

____________________

(3/476)

الثاني إذا كان معدما قبل الأجل وجب أن يكون معدما عنده عملا بالاستصحاب فيكون غررا فيمتنع إجماعا الثالث أنه معدوم وعند العقد فيمتنع في المعدوم كبيع الغائب على الصفة إذا كان معدوما الرابع أن المعدوم أبلغ في الجهالة فيبطل قياسا عليها بطريق الأولى لأن المجهول الموجود له ثبوت من بعض الوجوه بخلاف المعدوم هو نفي محض الخامس أن ابتداء العقود آكد من انتهائها بدليل اشتراط الولي وغيره في ابتداء النكاح ومنافاة اشتراط أجل معلوم فيه وهو المتعة فينافي التحديد أوله دون آخره

هامش إدرار الشروق

بالاختلاف الذي يكون في الشهور من قبل الزيادة والنقصان ومن رأى أنه كثير وإنما كثر من الاختلاف الذي يكون من قبل نقصان الشهور لم يجزه هذا ما في الأصل والبداية وقيد ابن حنبل الأجل بقيدين أحدهما أن يكون معلوما وثانيهما أن يكون له وقع في الثمن عادة كالشهر كما في الإقناع قال وفي الكافي أو نصفه أو نحوه ه وفي شرحه وفي المغني والشرح وما قارب الشهر قال الزركشي وكثير من الأصحاب يمثل بالشهر والشهرين فمن ثم قال بعضهم أقله شهر الشرط العاشر أن يكون الأجل معلوما نفيا للغرر قال الخرشي واشترط في الأجل أن يكون معلوما ليعلم منه الوقت الذي يقع فيه قضاء المسلم فيه فالأجل المجهول غيره مقيد بل مفسد للعقد ا ه

وفي الإقناع مع شرحه وأن شرطه إلى العيد أو إلى ربيع أو إلى جمادى أو إلى النفر من منى ونحوهما مما يشترك فيه شيئان لم يصح السلم حتى يعين أحدهما للجهالة ا ه

وقد علمت الخلاف في تقديره بغير الأيام مثل الجذاذ والحصاد ونحوهما فأجازه مالك ومنعه أبو حنيفة الشافعي وكذا أحمد كما هو مقتضى كلام الإقناع المتقدم الشرط الحادي عشر أن يكون الأجل زمن وجود المسلم فيه فلا يسلم في فاكهة الصيف ليأخذها في الشتاء قال الخرشي الشرط وجوده أي المسلم فيه عند حلول أجله ولو انقطع في أثناء الأجل بل ولو انقطع في الأجل ما عدا وقت القبض بل ولو انقطع عند حلول الأجل نادرا خلافا لأبي حنيفة ا ه بزيادة من العدوي عليه

وقال الحفيد في البداية لم يشترط مالك الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور أن يكون جنس المسلم فيه موجودا حين عقد السلم وقالوا يجوز السلم في غير وقت إبانه

وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي لا يجوز السلم إلا في إبان الشيء المسلم فيه وحجة من لم يشترط الإبان ما ورد في حديث ابن عباس أن الناس كانوا يسلمون في الثمر السنتين والثلاث فأقر ذلك ولم ينهوا عنه وعمدة الحنفية ما روي من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تسلموا في النخل حتى يبدو صلاحها وكأنهم رأوا أن الغرر يكون فيه أكثر إذا لم يكن موجودا في حال العقد وكأنه يشبه بيع ما لم يخلق أكثر وإن كان ذلك معينا وهذا في الذمة وبهذا فارق السلم بيع ما لم يخلق ا ه

وقال الأصل السلم فيما ينقطع في بعض الأجل وأجازه مالك والشافعي وابن حنبل رضي الله عنهم ومنعه أبو حنيفة رضي الله عنه واشترط استمرار وجود المسلم فيه من حين العقد إلى حين القبض محتجا بوجوه

____________________

(3/477)

وكذلك البيع يشترط أن يكون المبيع معلوما مع شروط كثيرة ولا يشترط ذلك بعد فكلما ينافي أوله ينافي آخره من غير عكس والعدم ينافي آخر الأجل فينافي أول العقد بطريق الأولى والجواب عن الأول أنه لو اعتبر لكان الأجل في السلم مجهولا لاحتمال الموت فيلزم بطلان كل سلم وكذلك البيع بثمن إلى أجل بل الأصل عدم تغير ما كان عند العقد بقاء الإنسان إلى حين التسليم فإن وقع الموت وقفت التركة إلى الإبان فإن الموت لا يفسد البيع وعن الثاني أن الاستصحاب معارض بالغالب فإن الغالب وجود الأعيان في إبانها وعن الثالث أن الحاجة تدعو إلى العدم في السلم بخلاف بيع الغائب لا ضرورة تدعو إلى ادعاء وجوده

هامش إدرار الشروق

الأول احتمال موت البائع فيحل السلم بموته فلا يوجب المسلم وفيه جوابه أنه لو اعتبر لكان الأجل في السلم مجهولا لاحتمال الموت فيلزم بطلان كل سلم وكذلك البيع بثمن إلى أجل بل الأصل عدم تغيير ما كان عند العقد وبقاء الإنسان إلى حين التسليم فإن وقع الموت وقفت التركة إلى الإبان فإن الموت لا يفسد البيع الوجه الثاني أنه إذا كان معدوما قبل الأجل وجب أن يكون معدوما عنده عملا بالاستصحاب فيكون غررا فيمتنع إجماعا وجوابه أن الاستصحاب معارض بالغالب فإن الغالب وجود الأعيان في إبانها الوجه الثالث أنه معدوم عند العقد فيمتنع كبيع الغائب على الصفة إذا كان معدوما وجوابه أن الحاجة تدعو إلى العدم في السلم إذ لا يحصل مقصود الشارع من الرفق في السلم إلا مع العدم وإلا فالموجود يباع بأكثر من ثمن السلم ولا يلزم من ارتكاب الغرر للحاجة ارتكابه لغير حاجة كما في بيع الغائب إذ لا ضرورة تدعو إلى ادعاء وجوده بل نجعله سلما فقياس بيع السلم على بيع الغائب قياس مع الفارق فلا يصح الوجه الرابع أن المعدوم أبلغ في الجهالة من المجهول الموجود لأن المجهول الموجود له ثبوت من بعض الوجوه بخلاف المعدوم فإنه نفي محض وبيع المجهول الموجود باطل قطعا فيبطل بطريق الأولى بيع المعدوم وجوابه أن المالية منضبطة مع العدم بالصفات وهي مقصود عقود التهمة بخلاف الجهالة على أن الإجارة تمنعها الجهالة دون العدم فينتقض بذلك ما ذكره الوجه الخامس أن ابتداء العقود آكد من انتهائها بدليل اشتراط الولي وغيره في ابتداء النكاح ومنافاة اشتراط أجل معلوم فيه وهو المتعة فينافي التحديد أوله دون آخره وكذلك البيع يشترط أن يكون المبيع معلوما مع شروط كثيرة ولا يشترط ذلك بعد فكلما ينافي أوله ينافي آخره من غير عكس لغوي والعدم ينافي آخر الأجل فينافي أول العقد بطريق الأولى وجوابه إنا نسلم أن ابتداء العقود آكد من استمرار آثارها ونظيره هاهنا بعد القبض ألا ترى أن كل ما يشترط من أسباب المالية عند العقد يشترط في المعقود عليه عند التسليم وعدم المعقود عليه عند العقد مع وجوده عند التسليم لا مدخل له في المالية ألبتة بل المالية مصونة بوجود المعقود عليه عند التسليم فهذا العمل حينئذ طردي فلا يعتبر في الابتداء ولا في الانتهاء مطلقا

بل يتأكد مذهبنا بالحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجدهم يسلمون في الثمار السنة والسنتين والثلاث فقال عليه

____________________

(3/478)

بل نجعله سلما فلا يلزم من ارتكاب الغرر للحاجة ارتكابه لغير حاجة فلا يحصل مقصود الشارع من الرفق في السلم إلا مع العدم وإلا فالموجود يباع بأكثر من ثمن السلم وعن الرابع أن المالية منضبطة مع العدم بالصفات وهي مقصود عقود التهمة بخلاف الجهالة ثم ينتقض ما ذكرتم بالإجارة تمنعها الجهالة دون العدم وعن الخامس إنا نسلم أن ابتداء العقود آكد في نظر الشرع لكن آكد من استمرار آثارها ونظيره ها هنا بعض القبض وإلا فكل

هامش إدرار الشروق

الصلاة والسلام من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم وهذا يدل لنا من وجوه أحدها أن ثمر السنين معدوم وثانيها أنه عليه السلام أطلق ولم يفرق وثالثها أن الوجود لو كان شرطا لبينه عليه السلام لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع أو نقول إنه لم يجعله وقت المتعاقدان محلا للمسلم فيه فلا يعتبر وجوده كما بعد الأجل لأن القدرة على على التسليم إنما تطلب في وقت اقتضائه أما ما لا يقتضيه فيستوي فيه قبل الأجل لتوقع الموت وبعده لتعذر الوجود فيتأخر القبض فكما أن أحدهما ملغى إجماعا فكذلك الآخر وقياسا على بيوع الآجال قبل محلها ا ه

بتصرف وسلمه ابن الشاط

الشرط الثاني عشر أن يكون مأمون التسليم عند الأجل نفيا للغرر فلا يسلم في البستان الصغير لا يقال يغني عن هذا الشرط ما بعده لأن صورة المسألة الشخص إذا اشترى ثمر حائط معين فإن كان بلفظ السلم اشترط فيه ستة شروط أحدها الإزهاء للنهي عن بيع الثمر قبله والزهو في كل شيء بحسبه وثانيها سعة الحائط لإمكان استيفاء القدر المشترى منه وانتفاء الغرر وثالثها كيفية قبضه متواليا أو متفرقا وقدر ما يؤخذ منه كل يوم لا ما شاء ورابعها أن يسلم لمالكه إذ قد لا يجيز بيعه المالك فيتعذر التسليم وخامسها شروعه في الأخذ حين العقد أو بعد أيام يسيرة نحو خمسة عشر يوما لا أكثر بشرط أن لا يستلزم أجل الشروع صيرورته تمرا وإلا فسد وسادسها أن يشترط أخذه لكل ما اشتراه حال كونه بسرا أو رطبا ويأخذه بالفعل كذلك فيفسد إن شرط تتمر الرطب وأبقاه بالفعل على أصوله حتى يتتمر لبعد ما بينهما وبين التمر فيدخله الخطر

وأما إن كان بلفظ البيع فيشترط فيه ما عدا كيفية قبضه من الشروط الستة المذكورة على قول بعض القرويين واعتمده ابن يونس وأبو الحسن كما في الخرشي والبناني وسلمه الرهوني وكنون لأنا نقول التفرقة المذكورة لما لم تكن نظرا لحقيقة السلم بل كانت نظرا للفظه وإلا فهو على كل بيع في الحقيقة لأن الغرض أن الحائط معين كما في الخرشي وحقيقة السلم لا تكون في معين كما سيأتي لم يكن الشرط الذي بعد هذا مغنيا عنه نعم قد يقال إنه على هذا ليس شرطا خاصا بلفظ السلم ولا يعد من شروط الشيء إلا ما كان خاصا به وشرط كيفية القبض وإن كان خاصا بلفظ السلم إلا أنه ربما يؤخذ منه أنه لا يصح أخذه حالا مع أنه يصح كما في العدوي على الخرشي فافهم الشرط الثالث عشر أن يكون أي المسلم فيه دينا في الذمة فلا يسلم في معين لأنه سلم في معين بتأخر قبضه فهو غرر قال العدوي على الخرشي وذلك أن المسلم حين أسلم في معين صار الضمان منه

____________________

(3/479)

ما يشترط من أسباب المالية عند العقد يشترط في المعقود عليه عند التسليم وعدم المعقود عليه عند العقد مع وجود المعقود عليه عند التسليم لا مدخل له في المالية ألبتة بل المالية مصونة بوجود المعقود عليه عند التسليم فهذا العمل حينئذ طردي فلا يعتبر في الابتداء ولا في الانتهاء مطلقا بل يتأكد مذهبنا بالحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجدهم يسلمون في الثمار السنة والسنتين والثلاث فقال عليه السلام من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم وهذا يدل من وجوه أحدها أن ثمر السنين معدوم وثانيها أنه عليه السلام أطلق ولم يفرق وثالثها أن الوجود لو كان شرطا لبينه عليه السلام لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع أو نقول إنه وقت لم يجعله المتعاقدان محلا للسلم فيه فلا يعتبر وجوده كما بعد الأجل لأن القدرة على التسليم إنما تطلب في وقت اقتضاء العقد لها أما ما لا يقتضيه فيستوي فيه قبل الأجل لتوقع الموت وبعده لتعذر الوجود فيتأخر القبض فكما أن أحدهما ملغى إجماعا فكذلك الآخر وقياسا على أثمان بيوع الآجال قبل محلها

هامش إدرار الشروق

لكونه معينا ولما شرط تأخيره فقد نقل الضمان إلى البائع المسلم إليه ورأس المال حينئذ بعضه في مقابلة المسلم فيه ثمنا وبعضه في مقابلة الضمان جعالة قال وهذا إذا كان المعين عند المسلم إليه أما إذا كان عند غيره ففيه بيع معين ليس عنده ا ه

قال الحفيد في البداية ولم يختلفوا أن السلم لا يكون إلا في الذمة وإنه لا يكون في معين نعم أجاز مالك السلم في قرية معينة إذا كانت مأمونة وكأنه رآها مثل الذمة ا ه وفي عبق على المختصر قال الشيخ أحمد قيل هذا الشرط يغني عنه ما تقدم من تبيين صفاته ولا تبيين في الحاضر المعين فتعين أن التبيين إنما هو لما في الذمة فكان ينبغي الاستغناء عنه بما قبله والجواب أن التبيين قد يكون في غائب معين موجود عند المسلم إليه فلهذه احتيج لهذا الشرط ا ه الشرط الرابع عشر تعيين مكان القبض باللفظ أو العادة نفيا للغرر قال الحفيد في البداية اختلفوا في اشتراط مكان دفع المسلم فيه فاشترطه أبو حنيفة تشبيها بالزمان ولم يشترط الأكثر وقال القاضي أبو محمد الأفضل اشتراطه وقال ابن المواز ليس يحتاج إلى ذلك ا ه

فاقتصر الأصل على اشتراطه معتمدا قول القاضي أبي محمد وسلمه ابن الشاط والله سبحانه وتعالى أعلم والحمد لله وكفى وسلام على عباده الذي اصطفى والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الرسل الكرام وعلى آله وأصحابه السادة القادة الأعلام هذا ما يسره الله من إتمام الجزء الثالث من تهذيب الفروق والقواعد السنية على ما يرام وأسأل الله بوجاهة وجه نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم أن يبلغني إكمال الجزء الرابع ليكمل بكماله المقصود بحسن الختام والفوز برضا المولى الكريم المتفضل بجزيل الإنعام إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة لما يؤمله الآمل من فضله حقيق وجدير

____________________

(3/480)

@ 3 الفرق الحادي والمائتان بين قاعدة القرض وقاعدة البيع اعلم أن قاعدة القرض خولفت فيها ثلاث قواعد شرعية قاعدة الربا إن كان في الربويات كالنقدين والطعام وقاعدة المزابنة وهي بيع المعلوم بالمجهول من جنسه إن كان في الحيوان ونحوه من غير المثليات وقاعدة بيع ما ليس عندك في المثليات وسبب مخالفة هذه القواعد مصلحة المعروف للعباد فلذلك متى خرج عن باب المعروف امتنع إما لتحصيل منفعة المقرض أو لتردده بين الثمن والسلف لعدم تعين المعروف مع تعين المحذور وهو مخالفة القواعد

سؤال العارية معروف كالقرض وإذا وقعت إلى أجل بعوض جازت وإن خرجت بذلك عن المعروف فلم لا يكون القرض كذلك إذا خرج بالقصد إلى نفع المقرض عن المعروف يجوز

جوابه إذا وقعت العارية بعوض صارت إجارة والإجارة لا يتصور فيها الربا ولا تلك المفاسد الثلاث والقرض بالعوض بيع فيتصور فيه الربا وكذلك إذا وقع القرض في العروض هو ربا فيحرم للآية إلا ما خصه الدليل

هامش إدرار الشروق

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله على نعمائه المزهرة الرياض وآلائه المترعة الحياض والصلاة والسلام على سيدنا محمد الموضح محجة الدين بأبين حجة وعلى آله وأصحابه المهتدين إلى تشييد قواعد الحق وقمع كل لجة أما بعد فأسأل الله بوجاهة وجه نبيه الكريم أن يسهل لي تكميل هذا الجزء كما يسر لي تكميل ما قبله على أحسن تقويم

الفرق الحادي والمائتان بين قاعدة القرض وقاعدة البيع القرض في اللغة القطع وسمي المدلول الشرعي قرضا لأنه قطعة من مال المقرض أي ذو قطعة منه وفي الشرع قال المناوي تمليك شيء على أن يرد بدله وقال ابن عرفة دفع متمول في عوض غير مخالف له لا عاجلا تفضلا فقط لا يوجب إمكان عارية لا تحل متعلق بالذمة ا ه

قال الرهوني وكنون تبعا للشيخ على المسناوي الأولى أن يقول تمليك متمول إلخ لأن القرض يوجد قبل الدفع لأنه يلزم بالقول ا ه قال الخرشي وأخرج بقوله متمول ما ليس بمتمول أي كقطعة نار إذ دفعه ليس بقرض إذ لا يقرض مثل ذلك وقوله في عوض أخرج به دفعه هبة وقوله غير مخالف له أي لذلك المتمول وقوله لا عاجلا أخرج به المبادلة المثلية فإنه يصدق الحد عليها كما يصدق على القرض الفاسد لولا أن يخص الصحيح بزيادة قوله تفضلا فقط إلخ أي حال كون الدفع تفضلا بأن يقصد المسلف نفع المتسلف فقط لا نفعه ولا نفعهما ولا نفع أجنبي بأن يقصد بالدفع لزيد نفع عمرو ولكون عمرو يعود عليه منفعة من ذلك القرض كأن يكون لعمرو دين على زيد فيقرض زيدا لأجل أن يدفع

____________________

(4/3)

فارغة

هامش إدرار الشروق

لعمرو دينه لأن ذلك سلف فاسد فاندفع تنظير البناني في الحد بأنه لا يشمل الصور الفاسدة وشأن التعريف شمول الصحيح والفاسد ا ه

فافهم وقوله لا يوجب إلخ أي حال كون الدفع لا يوجب إمكان نفس العارية التي لا تحل احترازا من قرض يوجب إمكان العارية التي لا تحل فلا يجوز قرض جارية تحل للمستقرض لما في ذلك من عارية الفروج ا ه

بزيادة من العدوي عليه وفي الرهوني وكنون قال الحطاب ويستثنى من منع قرض جارية تحل إلخ ما لو أمرت شخصا يبتاع لك عبد فلان مثلا بجاريته هذه ويكون عليك مثلها وكذا لو أمرته أن يقضي عنك دينا بها ويكون عليك مثلها إذ لا يتأتى فيها غاية الفروج لأنها لا تصل ليد المستقرض قال أبو الحسن وربما ألغزت فيقال أين يجوز قرض الجارية من غير المحرم منها فيقال في مثل هذه الصورة أي الأولى أو تقضي عنه في الدين ا ه

أي التي هي الصورة الثانية قال البناني في التوضيح أجاز ابن عبد الحكم في الحمديسية قرضهن أي الجواري إذا اشترط عليه أن لا يرد عينها وإنما يرد مثلها ثم قال وعلى هذا وهو نفل الموثوق بهم لا تبعد موافقته للمشهور ا ه

ونحوه لابن عبد السلام ا ه

قال الخرشي وقوله متعلق بالذمة صفة لمتمول فيجوز جره ونصبه مراعاة للفظ متمول ولمحله ا ه قال العدوي عليه والأولى زور بما يقدم قوله متعلق على قوله لا عاجلا ويقرأ بالجر ا ه وبالجملة قال البناني على عبق إن كل ما يصح أن يسلم فيه إلا الجواري يصح أن يقرض وكل ما يصح أن يقرض يصح أن يسلم فيه غير أن هذا العكس لا يحتاج معه إلى استثناء شيء ولا يصح بكل اعتبار القول بأن جلد الميتة المدبوغ يصح قرضه ولا يصح أن يسلم فيه كما في التوضيح ويؤيده قول ابن عرفة دفع متمول إلخ

وأما مسألة قرض بمكيال مجهول على أن يرد مثله ومسألتنا قرض ويبات وحفنات فغير واردة لأن الطعام مثلا من حيث ذاته يجوز قرضه والسلم فيه والاختلاف من حيث الوصف لا يضر ا ه

قال كنون وقال البناني ويؤيده قول ابن عرفة إلخ لأنه جعله معاوضة وهذا هو الذي رجحه أبو علي قائلا والقرض نفس بيع كما ذكره غير واحد إلا أنه مبني على غير المكايسة فكيف يقرض ما لا يجوز بيعه ولا المبادلة فيه أي كلحم الأضحية ا ه

ولا يرد على قول خليل يجوز قرض ما يسلم فيه فقط إلا جارية تحل للمستقرض ا ه العين لأنه يسلم فيها عند عبد الوهاب وعياض والباجي خلافا لابن عرفة ا ه

وعلى هذا قول الأصل وسلمه ابن الشاط القرض وإن كان نفس بيع إلا أنه خولف فيه ثلاث قواعد شرعية القاعدة الأولى الربا إن كان في الربويات كالنقدين والطعام والقاعدة الثانية المزابنة وهي بيع المعلوم بالمجهول من جنسه إن كان في الحيوان ونحوه من غير المثليات والقاعدة الثالثة بيع ما ليس عندك في المثليات وسبب مخالفة هذه القواعد مصلحة المعروف ا ه

حتى قال صلى الله عليه وسلم كما أخرجه البيهقي عن أنس قرض شيء خير من صدقته وقال صلى الله عليه وسلم كما أخرجه ابن ماجه والبيهقي عن أنس أيضا رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة مكتوبا الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر وعزاه في الجامع الصغير للطبراني في الكبير عن أبي أمامة ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلت الجنة فوجدت على بابها الصدقة بعشر والقرض بثمانية عشر فقلت يا جبريل كيف صارت الصدقة بعشرة والقرض بثمانية عشر قال الصدقة في يد الغني والفقير والقرض لا يقع إلا في يد من يحتاج إليه قال المناوي في شرحه فيه أن درهم القرض بدرهمين صدقة

____________________

(4/4)

الفرق الثاني والمائتان بين قاعدة الصلح وغيره من العقود اعلم أن الصلح في الأموال دائر بين خمسة أمور البيع إذا كانت المعاوضة عن أعيان والصرف إن كان فيه أحد النقدين عن الآخر والإجارة إن كان عن منافع ودفع الخصومة إن لم يتعين شيء من ذلك والإحسان وهو ما يعطيه المصالح من غير الجاني

فمتى تعين أحد هذه الأبواب روعيت فيه شروط ذلك الباب لقوله عليه السلام الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا ويجوز عندنا وعند أبي حنيفة رضي الله عنه على الإقرار والإنكار وقال الشافعي رضي الله عنه لا يجوز على الإنكار واحتج بوجوه الأول أنه أكل المال بالباطل لأنه ليس عن مال لعدم ثبوته ولا عن اليمين وإلا

هامش أنوار البروق

قال الفرق الثاني و المائتان بين قاعدة الصلح و عيره من العقود فلت ما قاله قيه غير صحيح لأنه لم يبد فرقا بين الصلح وغيره ولكنه تكلم على حكم الصلح وكلامه في ذلك صحيح

هامش إدرار الشروق

وذلك لأن فيه تنفيس كربة وإنظارا إلى قضاء حاجته ورده ففيه عبادتان فكان بمنزلة درهمين وهما بعشرين حسنة فالتضعيف ثمانية عشر وهو الباقي فقط لأن القرض يسترد ومن ثم لو أبرئ منه كان له عشرون ثواب الأصل والمضاعفة وتمسك به من فضل القرض على الصدقة ا ه

أفاده الرهوني قال الأصل فلذلك متى خرج عن باب المعروف امتنع إما لتحصيل منفعة المقرض أو لتردد بين الثمن والسلف لعدم تعين المعروف مع تعين المحذور وهو مخالفة القواعد أي الثلاثة المذكورة وكون العارية معروفا كالقرض إلا أنها تفارقه في أنها تجوز إذا وقعت إلى أجل بعوض بخلاف القرض وذلك أن العارية بعوض إجارة والإجارة لا يتصور فيها الربا ولا تلك المفاسد الثلاث والقرض بالعوض بيع فيتصور فيه الربا وكذلك إذا وقع القرض في العروض هو ربا فيحرم للآية إلا ما خصه الدليل ا ه والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق الثاني والمائتان بين قاعدة الصلح وقاعدة غيره من العقود وهو كما يشير له كلام الأصل أن غيره من العقود إما معاوضة في أعيان فقط وهو البيع إن لم يكن فيه أحد النقدين عن الآخر أو الصرف إن كان فيه ذلك ولكل واحد منها شروط تخصه موضحة في كتب الفقه وإما معاوضة في منافع فقط معينة أو مضمونة وهو الإجارة ولها شروط تخصها موضحة كذلك في كتب الفقه وإما إحسان وهو الهبة ولها شروط تخصها موضحة

____________________

(4/5)

لجازت إقامة البينة بعده ولجاز أخذ العقار بالشفعة لأنه انتقل بغير مال ولا هو من الخصومة وإلا لجاز عن النكاح والقذف

الثاني أنه عاوض عن ملكه فيمتنع كشراء ماله من وكيله

الثالث أنها معاوضة فلا تصح مع الجهل كالبيع

والجواب عن الأول أنه أخذ المال بحق ولا يلزم من عدم ثبوته عدمه

نعم من علم أنه على باطل حرم عليه أخذ ذلك المال وأما إقامة البينة بعدة فقال الشيخ أبو الوليد تتخرج على الخلاف فيمن حلف خصمه وله بينة فله إقامتها عند ابن القاسم مع العذر وعند أشهب مطلقا

وأما القذف فلا مدخل للمال فيه ولا يجوز فيه الصلح مع الإقرار فكذلك مع الإنكار ونلتزم الجواز في النكاح قال الشيخ أبو الوليد قال أصحابنا إذا أنكرت المرأة الزوجية أن من الناس من يوجب عليها اليمين فتفتدي بيمينها ونلتزم الشفعة وعن الثاني بالفرق بأنه مع وكيله متمكن من ماله بخلاف صورة النزاع فإنها لدرء مفسدة الخصومة وعن الثالث أن الضرورة هنا تدعوا

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

كذلك في كتب الفقه وهكذا وأما الصلح في الأموال فقد قال عياض هو معاوضة على دعوى ا ه قال كنون أي ثابتة أم لا ا ه

فالدعوى الثابتة كان ثبوتها بإقرار أو بسكوت بناء على المشهور وهو قول مالك وابن القاسم معا من أن حكم السكوت حكم الإقرار ورجحه عياض إما أن تكون المعاوضة عليها ببعض المدعى به فيكون الصلح حينئذ هبة وإما أن تكون بغيره وحينئذ فالمدعى به إما أعيان وإما منافع فإن كان أعيانا فغيره المصالح به إما أعيان فيكون الصلح بيعا إن لم يكن فيه أحد النقدين عن الآخر وصرفا إن كان فيه أحد النقدين عن الآخر وإما منافع فيكون إجارة وإن كان أي المدعى به منافع فإن وقع الصلح عليها بغيرها مطلقا قبل أن يستوفيها المدعى عليه فالصلح إجارة أيضا وإن وقع بعد أن استوفاها المدعى عليه كانت الدعوى في عوض المنافع وهو في الغالب عين فيكون الصلح بغيره بيعا إن لم يكن فيه أحد النقدين عن الآخر وصرفا إن كان فيه ذلك وببعضه هبة والدعوى الغير الثابتة لا تكون على المشهور إلا عن إنكار المدعى عليه ويدخل فيه الافتداء بمال عن يمين توجهت على المدعى عليه ولو علم براءة نفسه كما هو ظاهر المدونة ابن ناجي وهو المعروف خلافا لمن منعه حيث علم براءة نفسه قال البناني يجري في المعاوضة عليها بالنظر للمدعى به ما جرى على الصلح على الإقرار أي ولو حكما من كونه إما هبة وإما بيعا وإما صرفا وإما إجارة إلا أن المعاوضة على غير الثابتة تنفرد عن صلح الإقرار بشروط ثلاثة كما سيأتي ا ه

بزيادة قد سلمه الرهوني وكنون وعليه فلا يكون الصلح في الأموال على كل إلا دائرا بين أربعة أمور البيع إن كانت المعاوضة عن أعيان والصرف إن كان فيه أحد النقدين عن الآخر والإجارة إن كان عن منافع والإحسان إن كان عن بعض المدعى به وهو ما يسقطه المدعي عن المدعى عليه ويفهم من كلام الأصل وبه صرح عبق أن المعاوضة على غير الثابتة لا يتعين

____________________

(4/6)

للجهل بخلاف البيع قال أبو الوليد لو ادعى عليه ميراثا من جهة مورث صح الصلح فيه مع الجهل والعجب من الشافعي رضي الله عنه أنه يقول للمدعي أن يدخل دار المدعى عليه بالليل ويأخذ قدر حقه فكيف يمنع مع الموافقة من الخصم على الأخذ ويتأكد قولنا بقوله تعالى وأصلحوا ذات بينكم وغيره من الكتاب والسنة ولأنا أجمعنا على بذل المال بغير حق في فداء الأسارى والمخالعة والظلمة والمحاربين والشعراء فكذلك ها هنا لدرء الخصومة ولأنه قاطع للمطالبة فيكون مع الإقرار والإنكار كالإبراء ويجوز مع عدم المال من الجهتين كالصلح على دم العمد ولأنه يصح فيه مع الإنكار فصح الصلح عليه قياسا عليها

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

فيها شيء مما ذكر من بيع أو صرف أو إجارة أو هبة بل هو دفع عن الخصومة نظرا إلى أن مالكا رحمه الله تعالى خصه بثلاثة شروط الأول أن يكون الصلح جائزا على دعوى المدعي والثاني أن يكون جائزا على دعوى المدعى عليه أي على تقدير أن المنكر يقر والثالث أن يكون جائزا على ظاهر الحكم قال البناني أي على ظاهر ما يطرأ بينهما في المخاصمة ومجلس الفصل وسلمه الرهوني وكنون واعتبر ابن القاسم الشرطين الأولين فقط وأصبغ أمرا واحدا وهو أن لا تتفق دعواهما على فساد انظر شراح المختصر فلذا قال الأصل إن الصلح في الأموال دائر بين خمسة أمور البيع إن كانت المعاوضة عن أعيان والصرف إن كان فيه أحد النقدين عن الآخر والإجارة إن كان عن منافع ودفع الخصومة إن لم يتعين شيء من ذلك والإحسان وهو ما يعطيه المصالح من غير الجاني فمتى تعين أحد هذه الأبواب روعيت فيه شروط ذلك الباب لقوله عليه الصلاة والسلام الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا ا ه

منه بلفظه يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم ضبط شروط الصلح المختلفة بهذا الحديث قال العدوي على الخرشي والمراد بالجواز الإذن فلا ينافي قول ابن عرفة الصلح في حد ذاته مندوب ا ه

إذا علمت هذا علمت أنه لا يظهر وجه لقول الإمام ابن الشاط ما قاله أي الأصل فيه أي في هذا الفرق غير صحيح لأنه لم يبد فرقا بين الصلح وغيره ولكنه تكلم على حكم الصلح وكلامه في ذلك صحيح ا ه بلفظه فتأمله لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا وصل قال الحفيد في البداية اتفق المسلمون على جواز الصلح على الإقرار واختلفوا في جوازه على الإنكار فقال مالك وأبو حنيفة يجوز على الإنكار وقال الشافعي لا يجوز على الإنكار ا ه محل الحاجة منه واحتج الشافعي بوجوه ثلاثة الوجه الأول أن الصلح على الإنكار من أكل المال بالباطل لأنه ليس عن مال لعدم ثبوته ولا عن اليمين وإلا لجازت إقامة البينة بعده ولجاز أخذ العقار والمصالح به بالشفعة وقد انتقل بغير مال ولا هو عن الخصومة وإلا لجاز عن النكاح والقذف وجوابه إنا لا نسلم أنه ليس عن مال إذ لا يلزم من عدم ثبوته عدمه نعم من علم أنه على باطل حرم عليه أخذ ذلك المال سلمنا أنه ليس عن مال لكن لا نسلم أنه من أكل المال بالباطل حينئذ بل نقول هو عوض إما عن اندفاع اليمين عنه ونلتزم جواز إقامة البينة بعده قال الشيخ أبو الوليد تتخرج إقامة البينة بعده على الخلاف فيمن حلف خصمه وله بينة فله إقامتها عند ابن القاسم مع العذر وعند أشهب مطلقا ا ه

وإما عن سقوط الخصومة عنه ونلتزم الجواز في النكاح قال الشيخ أبو الوليد قال أصحابنا إذا أنكرت المرأة الزوجية أن من الناس من يوجب عليها اليمين فتفتدي بيمينها ا ه

ونلتزم الشفعة

____________________

(4/7)

فارغة

هامش أنوار البروق

فارغه

هامش إدرار الشروق

وأما القذف فلا مدخل للمال فيه ولا يجوز فيه الصلح مع الإقرار فكذلك مع الإنكار والوجه الثاني أنه عاوض عن ملكه فيمتنع كشراء ماله من وكيله وجوابه بالفرق بأنه مع وكيله متمكن من ماله بخلاف صورة النزاع فإنها لدرء مفسدة الخصومة

والوجه الثالث أنها معاوضة فلا تصح مع الجهل كالبيع وجوابه أن الضرورة هنا تدعو للجهل بخلاف البيع قال أبو الوليد لو ادعى عليه ميراثا من جهة مورث صح الصلح فيه مع الجهل ا ه

والعجب من الشافعي رضي الله عنه أنه يقول للمدعي أن يدخل دار المدعى عليه بالليل ويأخذ قدر حقه فكيف يمنع مع الموافقة من الخصم على الأخذ على أن قولنا يتأكد بوجوه الوجه الأول ما ورد من الكتاب والسنة في الصلح فمن الكتاب قوله تعالى والصلح خير وقوله تعالى وأصلحوا ذات بينكم وقوله تعالى لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن السنة حديث ألا أنبئكم بصدقة يسيرة يحبها الله تعالى قالوا بلى يا رسول الله قال إصلاح ذات البين إذا تقاطعوا وما روي عن الحسن عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال أفضل الناس عند الله يوم القيامة المصلحون بين الناس وما رواه الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم قال ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصدقة قالوا بلى يا رسول الله قال إصلاح ذات البين وعن بعض الصحابة رضي الله عنهم أنه قال من أراد فضل العابدين فليصلح بين الناس وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال من أصلح بين اثنين أعطاه الله بكل كلمة عتق رقبة وما أحسن قول القائل إن الفضائل كلها لو جمعت رجعت بأجمعها إلى ثنتين تعظيم أمر الله جل جلاله والسعي في إصلاح ذات البين قال الشبرخيتي ومن أجل ما في الصلح من الصدقة على المتخاصمين لوقايتهما ما يترتب على الخصام من قبيح الأقوال والأفعال جاز الكذب فيه مبالغة في وقوع الألفة لئلا تدوم العداوة ا ه

وقال الفشني ويجوز الكذب في الصلح الجائز وهو ما لا يحل حراما ولا يحرم حلالا مبالغة في وقوع الألفة بين المسلمين قيل تمنى جبريل عليه السلام أن يكون في الأرض يسقي الماء ويصلح بين المسلمين ا ه كما في حاشية كنون على عبق

قلت فإذا جاز الكذب الذي قال الله تعالى فيه إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون للمصلح من أجل ما في الصلح من الصدقة إلخ فكيف لا يجوز فيه دفع أحد المتخاصمين للآخر المال بغير حق مع الجهل لدرء مفسدة الخصومة ولا يخفاك أنه يؤخذ من هنا فرق آخر غير ما مر بين الصلح وغيره من العقود وهو أن الصلح يجوز فيه دفع المال بغير حق مع الجهل بخلاف غيره من العقود فافهم

الوجه الثاني أنا أجمعنا على بذل المال بغير حق في فداء الأسارى والمخالعة والظلمة والمحاربين والشعراء فكذلك ها هنا لدرء الخصومة

الوجه الثالث أنه قاطع للمطالبة فيكون مع الإقرار والإنكار كالإبراء فكما يصبح الإبراء مع الإنكار كذلك يصح الصلح عليه قياسا ولا يرد أن الإبراء بغير مال من الجهتين إذ الصلح أيضا يجوز مع عدم المال من الجهتين كالصلح على دم العمد والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(4/8)

الفرق الثالث والمائتان بين قاعدة ما يملك من المنفعة بالإجارات وبين قاعدة ما لا يملك منها بالإجارات فأقول متى اجتمعت في المنفعة ثمانية شروط ملكت بالإجارة ومتى انخرم منها شرط لا تملك الأول الإباحة احترازا من الغناء وآلات الطرب ونحوهما

الثاني قبول المنفعة للمعاوضة احترازا من النكاح

الثالث كون المنفعة متقومة احترازا من التافه الحقير الذي لا يقابل بالعوض واختلف في استئجار الأشجار لتجفيف الثياب فمنعه ابن القاسم

الرابع أن تكون مملوكة احترازا من الأوقاف على السكنى كبيوت المدارس والخوانق

الخامس أن لا يتضمن استيفاء عين احترازا من إجارة الأشجار لثمارها أو الغنم لنتاجها واستثني من ذلك إجارة المرضع للبنها للضرورة في الحضانة

السادس أن يقدر

هامش أنوار البروق

قال الفرق الثالث والمائتان بين قاعدة ما يملك من المنفعة بالإجارات وبين قاعدة ما لا يملك منها بالإجارات إلى قوله نعم يختص ذلك بالقضاء بالملك والشفعة في الأرضين فإنها ثابتة قلت ما قاله في ذلك صحيح قال أو نقول قول مالك رحمه الله تعالى إن البلد الفلاني فتح عنوة هذا ليس بفتيا يقلد فيها إلى قوله أو أخبر عن وقوع ذلك السبب فهو شهادة قلت لا يتعين كونه شهادة بل يتعين أن يكون غير شهادة لأن الشهادة من شرطها أن تكون خبرا يقصد المخبر به أن يترتب عليه فصل قضاء وقول مالك إنها فتحت عنوة لا إشعار فيه بذلك القصد فهو نوع من الخبر غير الشهادة قال وإن المذهب الذي يقلد فيه الإمام خمسة إلى قوله فليس كل ما يقوله الإمام هو مذهب له بل تلك الخمسة خاصة قلت ما قاله في ذلك صحيح

هامش إدرار الشروق

الفرق الثالث والمائتان بين قاعدة ما يملك من المنفعة بالإجارات وبين قاعدة ما لا يملك منها بالإجارات وهو أن المنفعة متى اجتمعت فيها ثمانية شروط ملكت بالإجارة ومتى انخرم منها شرط من الثمانية لا تملك والمنفعة قال ابن عرفة ما لا تمكن الإشارة إليه حسا دون إضافة يمكن استيفاؤه غير جزء مما أضيف إليه فتخرج الأعيان ونحو العلم والقدرة ونصف العبد ونصف الدابة مشاعا وهي ركن لأنها المشتراة ا ه

وباقي أركانها أربعة كما في شراح خليل المؤجر والمستأجر والعوض والصيغة

الشرط الأول إباحة المنفعة وذكر المنفعة احتراز من الغناء وآلات الطرب ونحوهما أي كالإجارة على إخراج الجان والدعاء وحل المربوط ونحو ذلك لعدم تحقيق المنفعة كما في الخرشي قال العدوي يفيد أنه لو تحقق المنفعة جاز فقد قال الأبي

____________________

(4/9)

على تسليمها احترازا من استئجار الأخرس للكلام

السابع أن تحصل للمستأجر احترازا من العبادات والإجارة عليها كالصوم ونحوه

الثامن كونها معلومة احترازا من المجهولات من المنافع كمن استأجر آلة لا يدري ما يعمل بها أو دارا مدة غير معلومة فهذه الشروط إذا اجتمعت جازت المعاوضة وإلا امتنعت

تنبيه قال الشيخ أبو الوليد ابن رشد في كراء دور مكة أربع روايات المنع وهو المشهور وقاله أبو حنيفة لأنها فتحت عنوة والجواز وقاله الشافعي لأنها عنده فتحت صلحا أو من بها على أهلها عندنا على هذه الرواية ولا خلاف عن مالك وأصحابه أنها فتحت عنوة والكراهة لتعارض الأدلة وتخصيصها بالموسم لكثرة الناس واحتياجهم للوقف لأن العنوة عندنا وقف واتفق مالك والشافعي وغيرهما رضي الله عن الجميع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة مجاهدا بالأسلحة ناشرا للألوية باذلا للأمان لمن دخل دار أبي سفيان وهذا لا يكون إلا في العنوة قطعا

هامش أنوار البروق

قال ولو قال إمام زيد زنى لم نوجب الرجم بل نقول هذه شهادة هو فيها أسوة جميع العدول إلى آخر قوله أو نقول هذه شهادة لا بد فيها من آخر مع الشافعي يشهد بالخلع فينبغي له أن يفعل هنا كذلك قلت ما قاله في ذلك كلام لا دليل عليه ولا حاجة إليه وما الحامل له على دعوى أن ذلك من مالك شهادة حتى يحتاج في ذلك إلى آخر معه هذا كلام مبني على توهم كون قول مالك شهادة وذلك لتوهم وهم لا شك فيه قال وقد بسطت هذه المسائل في كتاب الأحكام في الفرق بين الفتاوى والأحكام وتصرف القاضي والإمام وهو كتاب نفيس فيه أربعون مسألة من هذا النوع قلت إن كانت تلك المسائل من هذا النوع من كل وجه فليس ذلك الكتاب بنفيس

هامش إدرار الشروق

وأما ما يؤخذ على حل المعقود فإن كان يرقيه بالرقية العربية جاز وإن كان بالرقى العجمية لم يجز وفيه خلاف وكان الشيخ أي ابن عرفة يقول إن تكرر منه النفع جاز انتهى ا ه وقال خليل في المختصر عاطفا على ما لا يجوز من الإجارة ولا تعليم غناء أو دخول حائض لمسجد أي لخدمته أو دار لتتخذ كنيسة كبيعها لذلك ا ه

قال عبق ومثل تعليم الغناء تعليم آلات الطرب كالعود والمزمار لأن ثبوت الملك على العوض فرع ثبوته على ملك المعوض ولخبر أن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه ا ه

وقال العدوي على الخرشي قضية أن حكم الغناء المجرد عن مقتضى التحريم الكراهة أن تكون الإجارة على تعليم الغناء مكروهة لا حراما ا ه

وقال الحفيد في البداية أجمعوا على إبطال كل منفعة كانت لشيء محرم العين وكذلك كل منفعة كانت محرمة بالشرع مثل أجر النوائح وأجر المغنيات ا ه

أي ومثل الاستئجار على صنعة آنية من نقد كما في شراح المختصر

الشرط الثاني قبول المنفعة للمعاوضة احترازا من النكاح كذا في الأصل وسلمه ابن الشاط ولا يظهر إلا إذا أراد نكاح المتعة ففي بداية الحفيد المجتهد ابن رشد أكثر الصحابة وجميع فقهاء الأمصار على تحريمها

____________________

(4/10)

وإنما روي أن خالد بن الوليد قتل قوما فوداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو دليل الصلح

وجوابه يجب أن يعتقد أنه أمن تلك الطائفة وعصم دماءهم جمعا بين الأدلة

سؤال اعلم أن مقتضى هذه المباحث والنقول أن يحرم كراء دور مصر وأراضيها لأن مالكا قد صرح في الكتاب وغيره أنها فتحت عنوة ويلزم على ذلك تخطئة القضاء في إثبات الأملاك وعقود الإجارات والأخذ بالشفعات ونحو ذلك

جوابه إن أراضي العنوة اختلف العلماء فيها هل تصير وقفا بمجرد الاستيلاء وهو الذي حكاه الطرطوشي في تعليقه عن مالك أو للإمام قسمتها كسائر الغنائم أو هو مخير في ذلك والقواعد المتفق عليها أن مسائل الخلاف إذا اتصل ببعض أقوالها قضاء حاكم تعين القول به وارتفع الخلاف فإذا ما حكم بثبوت ملك في أرض العنوة ثبت الملك وارتفع الخلاف ويتعين ما حكم به الحاكم وهذا التقرير يطرد في مكة ومصر وغيرهما والقول بأن الدور وقف إنما يتناول الدور التي صادفها الفتح

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

لأن الأخبار تواترت بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما اختلفت في الوقت الذي وقع فيه التحريم ففي بعض الروايات أنه حرمها يوم خيبر وفي بعضها يوم الفتح وفي بعضها في غزوة تبوك وفي بعضها في حجة الوداع وفي بعضها في عمرة القضاء وفي بعضها عام أوطاس ا ه محل الحاجة منه بتصرف

وأما إجارة الفحول من الإبل والبقر والدواب للنزو ففي البداية أيضا أجاز مالك أن يكري الرجل فحله على أن ينزو أكواما معلومة ولم يجز ذلك أبو حنيفة ولا الشافعي وحجة من لم يجز ذلك ما جاء من النهي عن عسيب الفحل ومن أجازه شبهه بسائر المنافع وهذا ضعيف لأنه تغليب القياس على السماع ا ه المحتاج منه

وأما الإجارة فيما حكى الله تعالى عن نبيه شعيب مع موسى عليهما الصلاة والسلام إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإنها وإن قلنا إن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ ولم يرد هنا ناسخ إلا أنها إجارة عين أجلها وسمى عوضها وهو عقده على إحدى ابنتيه وكثير من المفسرين أنها الصغرى التي أرسلها في طلبه وقيل الكبرى ولا يرد عدم تبعيض البضع إذ لا يلزم تبعيض العوض فلذا زاد ابن عرفة لفظة بعضه في تعريف الإجارة بقوله بيع منفعة ما أمكن نقله غير سفينة ولا حيوان لا يعقل بعوض غير ناشئ عنها بعضه يتبعض بتبعضها ا ه

ونمنع كون الانتفاع بالبضع ليس متمولا بدليل أن من غصب امرأة ووطئها يلزمه مهرها كما في الخرشي والعدوي عليه فتأمل بإمعان

الشرط الثالث كون المنفعة متقومة احترازا من التافه الحقير الذي لا يقابل بالعوض أي بالمال في نظر الشرع كاستئجار نار ليوقد منها سراجا وقد نص ابن يونس أن من قال ارق هذا الجبل ولك كذا أنه لا شيء له كما في الحطاب قال وقد اختلف في فروع نظرا إلى أن المنفعة هل هي متقومة أم لا كالمصحف والأشجار للتجفيف كما في البناني على عبق قال الخرشي يجوز استئجار المصحف لمن يقرأ فيه لجواز بيعه خلافا لابن حبيب في منعه إجارته ا ه

قال العدوي عليه أي لأن إجارته كأنها ثمن القرآن

____________________

(4/11)

أما إذا انهدمت تلك الأبنية وبنى أهل الإسلام دورا غير دور الكفار فهذه الأبنية لا تكون وقفا إجماعا وحيث قال مالك لا تكرى دور مكة يريد ما كان في زمانه باقيا من دور الكفار التي صادفها الفتح واليوم قد ذهبت تلك الأبنية فلا يكون قضاء الحاكم بذلك

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

بخلاف بيعه فإنه ثمن للورق والخط فابن حبيب يوافق على جواز بيعه ويخالف في إجارته فقد بيعت المصاحف في أيام عثمان رضي الله عنه فلم ينكر أحد من الصحابة ذلك فكان إجماعا ا ه

وفي الأصل واختلف في استئجار الأشجار لتجفيف الثياب فمنعه ابن القاسم ا ه أي وأجزأه ابن عبد السلام نظرا إلى أن الانتفاع به على هذا الوجه مما يتأثر الشجر به وينقص منفعة كثيرة منه فهي منفعة تتقوم كما في عبق وفي الخرشي قال في التوضيح والخلاف فيها خلاف في حال هل هذه منفعة متقومة أم لا ا ه

الشرط الرابع أو تكون أي المنفعة مملوكة احترازا من الأوقاف على السكنى كبيوت المدارس والخوانق وكذا كل بلاد فتحها المسلمون عنوة وقد وقع الخلاف في مكة فذهب الشافعي إلا أنها فتحت صلحا محتجا بما روي أن خالد بن الوليد قتل قوما فوداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو دليل الصلح ولا خلاف عن مالك وأصحابه أنها فتحت عنوة محتجين باتفاق الأئمة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة مجاهدا بالأسلحة ناشرا للألوية باذلا للأمان لمن دخل دار أبي سفيان وهذا لا يكون إلا في العنوة قطعا قالوا ويجب أن يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ودى الطائفة الذين قتلهم خالد بن الوليد لكونه صلى الله عليه وسلم أمنهم وعصم دماءهم جميعا بين الأدلة وكان مقتضى اتفاق المالكية على أن مكة فتحت عنوة أن لا يقولوا بجواز كراء دورها لا سيما ومشهور مذهب مالك أن أرض العنوة تصير وقفا بمجرد الاستيلاء عليها سواء كانت أرض زراعة أو أرض دور كما في تحفة المريد السالك للبناني المكي لكن قال الشيخ أبو الوليد ابن رشد في كراء دور مكة أربع روايات عن مالك

الأولى المنع وهو المشهور قال الشيخ محمد البناني المكي في رسالته تحفة المريد السالك وإليه ذهب جماعة من أهل المذهب وهو سماع ابن القاسم عن مالك ا ه

وقاله أبو حنيفة والثانية الجواز قال الشيخ محمد البناني المكي أيضا وفي مقدمات ابن رشد أن الظاهر من مذهب ابن القاسم إجازة ذلك وهو مروي عن مالك أيضا كما في تبصرة اللخمي ثم قال وهو أشهر الروايات وهو المعتمد الذي به الفتوى وعليه جرى العمل من أئمة الفتوى والقضاة بمكة المشرفة قال وبه قال عمرو بن دينار وطاوس والشافعي وأحمد وأبو يوسف وابن المنذر كما في شرح العيني على البخاري ا ه

والثالثة الكراهة قال البناني المكي في تحفة المريد السالك ومن أهل المذهب من ذهب إلى كراهة بيع دور مكة وكرائها وهو مروي عن مالك أيضا ثم قال فيها أيضا قال في الموازنة وقد سمعت أن مالكا ا يكره كراء بيوت مكة ثم قال فإن قصد بالكراء الآلات والأخشاب جاز وإن قصد فيه البقعة فلا خير فيه ا ه

قال الحطاب وظاهره أن الكراهة على بابها أي للتنزيه ا ه

والرابعة تخصيصها أي الكراهة بالموسم لكثرة الناس واحتياجهم للوقف قال البناني المكي أيضا قال ابن رشد في المقدمات وحكى الداودي عنه أي عن مالك أنه كره كراءها في أيام الموسم خاصة انتهى وهكذا حكاه اللخمي عنه أيضا ا ه

وذلك لأمرين

____________________

(4/12)

خطأ نعم يختص ذلك بالقضاء بالملك والشفعة في الأرضين فإنها باقية أو نقول قول مالك رحمه الله تعالى إن البلد الفلاني فتح عنوة ليس هذا بفتيا يقلد فيها ولا مذهبا له يجب على مقلديه اتباعه فيه بل هذه شهادة وكذا لو قال مالك فلان أخذ ماله غصبا أو

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الأمر الأول أنهم استثنوا في مشهورهم المذكور مكة نظرا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد من بها على أهلها بأنفسهم وأموالهم فلا يقاس عليها غيرها فتكون أرض مكة ودورها ملكا لأهلها قال السهيلي في شرح البردة إنها فتحت عنوة غير أنه صلى الله عليه وسلم من على أهلها أنفسهم وأموالهم ولا يقاس عليها غيرها فأرضها إذا ودورها لأهلها ولكن أوجب الله عليهم التوسيع على الحجاج إذا قدموها فلا يأخذوا منهم كراء في مساكنها فهذا حكمها فلا عليك بعد هذا فتحت عنوة أو صلحا وإن كانت ظواهر الأحاديث أنها فتحت عنوة انتهى كما في تحفة المريد للبناني المكي الأمر الثاني قال الأصل ومثله لسند في الذخيرة كما في تحفة المريد السالك للبناني المكي اختلف العلماء في أرض العنوة هل تصير وقفا بمجرد الاستيلاء عليها وهو الذي حكاه الطرطوشي في تعليقه عن مالك أو للإمام قسمها كسائر الغنائم أو هو مخير في ذلك والقاعدة المتفق عليها أن مسائل الخلاف إذا اتصل ببعض أقوالها قضاء حاكم تعين القول به وارتفع الخلاف وتعين ما حكم به الحاكم وبهذا يجاب أيضا عما قيل إن مقتضى أن أرض العنوة لا تملك أنه يحرم كراء دور مصر وأراضيها فإن مالكا رحمه الله صرح في الكتاب أي في كتاب المدونة وغيره بأنها فتحت عنوة ويلزم على ذلك تخطئة القضاة في إثبات الأملاك وعقود الإجارات والأخذ بالشفعاء ونحو ذلك فيها وكذا في كل ما قيل إنها فتحت عنوة كمكة زاد الأصل على أن القول بأن الدور وقف إنما يتناول الدور التي صادفها الفتح أما إذا انهدمت تلك الأبنية وبنى أهل الإسلام دورا غير دور الكفار فهذه الأبنية لا تكون وقفا إجماعا وحيث قال مالك لا تكرى دور مكة مثلا يريد ما كان في زمانه باقيا من دور الكفار التي صادفها الفتح واليوم قد ذهبت تلك الأبنية فلا يكون قضاء الحاكم بذلك خطأ نعم يختص ذلك أي تخطئة القضاء بالقضاء بالملك والشفعة في الأرضين فإنها باقية ثابتة ا ه

كلام الأصل قال ابن الشاط ما قاله في ذلك أي هذا الجواب صحيح وأما جوابه عن الإيراد المذكور بأنا لا نسلم أنه يلزم على قول مالك أنها فتحت عنوة تخطئة القضاة فيما ذكر إلا إذا سلمنا أن قوله ذلك فتيا يقلد فيها ومذهب له يجب على مقلده اتباعه فيه ونحن لا نقول إلا أن قوله ذلك شهادة منه رحمه الله بمنزلة قوله فلان أخذ ماله غصبا وخالع امرأته وذلك أن المذهب الذي يقلد فيه الإمام مشروط بشرطين الأول أن يكون أحد خمسة أمور لا سادس لها أحدها الأحكام كوجوب الوتر وثانيها الأسباب كالمعاطاة وثالثها الشروط كالنية في الوضوء ورابعها الموانع كالدين في الزكاة

____________________

(4/13)

خالع امرأته لم يكن ذلك فتيا بل شهادة والقاعدة أن كل إمام أخبر عن حكم بسبب اتبع فيه وكان فتيا ومذهبا أو أخبر عن وقوع ذلك السبب فهو شهادة وأن المذهب الذي يقلد فيه الإمام خمسة أمور لا سادس لها الأحكام كوجوب الوتر والأسباب كالمعاطاة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وخامسها الحجاج كشهادة الصبيان والثاني أن يختص بالقول بأحد هذه الخمسة ويخالفه غيره فيه إذ لا يفهم من مذهب الإنسان في العادة إلا ما اختص به كقولك هذه طريق زيد إذا اختص به أو هذه عادته إذا اختصت به أما إذا انتفى الاختصاص بأن اتفق الجميع على شيء منها فإنه لا يكون مذهبا لأحد فلا يقال إن وجوب رمضان مذهب مالك ولا غيره بل ذلك ثابت بالإجماع

وأما ما عدا هذه الخمسة فلا يقال إنها مذهب يقلد فيه بل هو إما رواية أو شهادة أو غيرهما بل هو بمنزلة قول إمام زيد زنى فكما لا نوجب الرجم بذلك بل نقول هذه شهادة هو فيها أسوة جميع العدول إن كمل النصاب بشروطه رجمناه وإلا فلا كذلك قول مالك فتحت مصر أو مكة عنوة شهادة وإذا كانت شهادة وهو لم يباشر الفتح تعين أحد أمرين الأول أن يقال إنه نقل هذه الشهادة عن غيره وحينئذ لا يدرى هل أذن له ذلك الغير في النقل عنه أم لا وإن سلمنا أنه أذن له فقد عارضت هذه البينة بينة أخرى وهي أن الليث بن سعد والشافعي وغيرهما قالوا الفتح وقع صلحا فهل يمكن أن يقال إن أحد البينتين أعدل فتقدم أو يقال هذا لا سبيل إليه إذ العلماء أجل من أن نفاوت نحن بين عدالتهم ولو سلمنا الهجوم عليهم في ذلك فالمذهب أنه لا يقضى بأعدل البينتين إلا في الأموال وليس العنوة والصلح من هذا الباب فلم قلتم إنه يقضى فيه بأعدل البينتين والأمر الثاني أن يقال إنه لم ينقل هذه الشهادة عن أحد بل هي استقلال وحينئذ لا يتأتى أن يقال مستندها السماع لأن الأصحاب عدوا المسائل التي تجوز فيها الشهادة بالسماع خمسا وعشرين ليست هذه منها وسلمنا أنها منها لكن حصل المعارض المانع من الحكم بهذه الشهادة وإذا ثبت بهذا أن قوله رحمه الله إنها فتحت عنوة شهادة لا مذهب له حتى يقلد فيه فتجري مجرى الشهادات ظهر تخطئة من أفتى بتحريم البيع والإجارة والشفعة في هذه البقاع بناء على قوله فيها ذلك وكذلك يظهر تخطئة من يفتي من الشافعية بإباحة البيع والإجارة والشفعة في هذه البقاع بناء على قول الشافعي إنها فتحت صلحا ويجعلون هذا مما يقلد فيه وإنما هو شهادة لا بد فيها من آخر مع الشافعي يشهد بذلك ألا ترى أن الشافعي رحمه الله لو جاء حاكما شافعيا فقال له إن فلانا صالح امرأته على ألف دينار نقدا وقد صارت خلعا منه هل يقضي بقوله وحده فيخرق الإجماع أو يقول هذه شهادة لا بد فيها من آخر مع الشافعي يشهد بالخلع فكما يقول في مثل هذا ذلك ينبغي أن يقوله هنا كذلك وقد بسطت هذه المسائل في كتاب الأحكام في الفرق بين الفتاوى والأحكام وتصرف القاضي والإمام وهو كتاب نفيس فيه أربعون مسألة من هذا النوع ا ه

بتصرف فقد تعقبه ابن الشاط بما ملخصه أن قول مالك إنها فتحت عنوة لا يتعين كونه

____________________

(4/14)

والشروط كالنية في الوضوء والموانع كالدين في الزكاة والحجاج كشهادة الصبيان والشاهد واليمين فهذه الخمسة إن اتفق على شيء منها فليس مذهبا لأحد بل ذلك للجميع فلا يقال إن وجوب رمضان مذهب مالك ولا غيره بل ذلك ثابت بالإجماع فإنه

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

شهادة إذ من شرط الشهادة أن تكون خبرا يقصد المخبر به أن يترتب عليه فصل قضاء ولا إشعار في قول مالك المذكور بذلك القصد فتعين أن يكون نوعا من الخبر غير الشهادة فما بسطه في كتاب الأحكام في الفرق بين الفتاوى والأحكام من المسائل إن كانت من نوع ما قاله هنا مما لا دليل عليه ولا حاجة إليه فليس ذلك الكتاب بنفيس ا ه

قلت وفي الحواشي الشربيني على محلى جمع الجوامع أن خبر الواحد مع القرائن المنفصلة يفيد العلم الضروري كالمتواتر إلا أن حصوله في المتواتر بواسطة ما لا ينفك التعريف عنه عادة من القرائن المتصلة فكأنه من نفس الخبر بخلاف الواحد المذكور فحصوله فيه بواسطة القرائن المنفصلة ا ه

ولا شك أن قول مالك أن مكة فتحت عنوة كذلك لما تقدم من أن مالكا والشافعي وغيرهما قد اتفقوا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة مجاهدا بالأسلحة ناشرا للألوية باذلا للأمان لمن دخل دار أبي سفيان وهذا لا يكون إلا في العنوة قطعا على أن في جمع الجوامع أن خبر الواحد بدون تلك القرائن يجب العمل به إجماعا في سائر الأمور الدينية سمعا ا ه

قال المحلي أي لا عقلا بشرطه لأنه صلى الله عليه وسلم كان يبعث الآحاد إلى القبائل والنواحي لتبليغ الأحكام كما هو معروف فلولا أنه يجب العمل بخبرهم لم يكن لبعثهم فائدة ا ه

قال العطار عن زكريا وشروطه عدالة وسمع وبصر وغيره مما هو معروف في محله ا ه

فتعين الجواب الأول عن الإيراد المذكور فتأمل بدقة وسبب الخلاف في كراء دور مكة أمران الأول ما مر من الخلاف في أنها فتحت عنوة أو صلحا وعلى الأول فهل ينظر إلى أنه قد من على أهلها بأنفسهم وأموالهم مطلقا أم لا مطلقا أم ينظر إليه في غير أيام الموسم

والأمر الثاني تعارض الأدلة قال الشيخ محمد البناني المكي في رسالته تحفة المريد السالك فاستدل القائل بالمنع بالكتاب والسنة أما الكتاب فقوله تعالى إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد قالوا المراد بالمسجد الحرام مكة لما روى ابن حاتم وغيره عن ابن عباس وابن عمر وعطاء ومجاهد أن المسجد الحرام في هذه الآية الحرم كله وقد وصفه الله تعالى بقوله الذي جعلناه للناس سواء أي المؤمنين جميعا ثم قال سواء العاكف فيه والباد أي سواء المقيم في الحرم ومن دخل مكة من غير أهلها أو المقيم فيه والغريب سواء فدلت هذه الآية على منع بيع دور مكة وإجارتها لأن الله عز وجل جعلها للناس سواء فلا يختص أحد بملك فيها دون أحد قال القسطلاني على البخاري في قوله تعالى والمسجد الحرام ما نصه وأوله أبو حنيفة بمكة واستشهد له بقوله تعالى الذي جعلناه للناس سواء على عدم جواز بيع دورها وإجارتها ثم قال في موضع آخر وذهب ابن عباس وابن جبير وقتادة وغيرهم إلى أن التسوية بين البادي والعاكف في منازل مكة وهو مذهب أبي حنيفة

وقال محمد بن الحسن فليس المقيم بها أحق بالمنزل من القادم عليها انتهى وقال العيني في شرحه على البخاري وممن ذهب إلى عدم جواز بيع دور مكة وإجارتها أبو حنيفة ومحمد والثوري

____________________

(4/15)

إنما يفهم من مذهب الإنسان في العادة ما اختص به كقولك هذا طريق زيد إذا اختص به أو هذه عادته إذا اختصت به وإذا اختلف في شيء من ذلك نسب إلى القائل به وما عدا هذه الخمسة لا يقال إنها مذهب يقلد فيه بل هو إما رواية أو شهادة أو غيرهما كما

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وعطاء بن أبي رباح ومجاهد ومالك وإسحاق انتهى وأما السنة فأحاديث منها ما أخرجه الطحاوي عن علقمة بن فضلة الكناني قال كانت الدور على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ما تباع ولا تكرى ولا تدعى إلا السواد لم تبع رباعها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبي بكر ولا عمر فمن احتاج سكن ومن استغنى أسكن ومنها ما أخرجه الطحاوي من طريق مجاهد عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحل بيع بيوت مكة ولا إجارتها ومنها ما رواه عبد الرزاق عن منصور عن مجاهد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال يا أهل مكة لا تتخذوا لدوركم أبوابا لينزل البادي حيث شاء ومنها ما رواه الطحاوي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر نهى أهل مكة أن يغلقوا أبواب دورهم دون الحجاج ومنها ما أخرجه الطحاوي أيضا عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال من أكل كراء بيوت أهل مكة فإنما يأكل نارا في بطنه واستدل القائل بالجواز بما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه قال يا رسول الله أين تنزل غدا في دارك بمكة فقال هل ترك لنا عقيل من رباع أو دور وكان عقيل ورث أبا طالب هو وطالب لم يرثه جعفر ولا علي شيئا وكان عقيل وطالب كافرين فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يرث المؤمن الكافر قال الفاكهي هذه الدار كانت لهاشم بن عبد مناف ثم صارت لابنه عبد المطلب فقسمها بين ولده فمن ثم صار للنبي صلى الله عليه وسلم حق أبيه عبد الله وفيها ولد النبي صلى الله عليه وسلم ا ه

قال القسطلاني وظاهر قوله وهل ترك لنا عقيل من رباع أنها كانت ملكه فأضافها إلى نفسه ثم قال وكان قد استولى عليها طالب وعقيل على الدار كلها باعتبار ما ورثاه من أبيهما لكونهما كانا لم يسلما وباعتبار ترك النبي صلى الله عليه وسلم لحقه منها بالهجرة وفقد طالب ببدر فباع عقيل الدار كلها

وقال العيني كان أبو طالب أكبر ولد عبد المطلب احتوى على أملاكه وحده على عادة الجاهلية من تقديم الأسن فتسلط عليها عقيل بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم فباعها وقال الداودي باع عقيل ما كان للنبي صلى الله عليه وسلم ولمن هاجر من بني عبد المطلب كما كانوا يفعلون بدور من هاجر من المؤمنين وإنما أمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم تصرفات عقيل إما كرما وجودا وإما استمالة لعقيل وإما تصحيحا لتصرفات الجاهلية كما أنه يصح أنكحة الكفار ا ه

حكى الفاكهي أن هذه الدار لم تزل بيد أولاد عقيل إلى أن باعوها لمحمد بن يوسف أخي الحجاج بمائة ألف دينار ا ه

كما في العيني والقسطلاني ووجه الدلالة من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أجاز بيع عقيل الدور التي ورثها دل ذلك على جواز بيعها قال الخطابي احتج بهذا الحديث على جواز بيع دور مكة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز بيع عقيل الدور التي ورثها وكان عقيل وطالب ورثا أباهما لأنهما إذ ذاك كانا كافرين فورثاها ثم أسلم عقيل فباعها ا ه

وأما ما استدل به على المنع فقد أجابوا عنه فأما عن حديث عبد الله بن

____________________

(4/16)

لو قال مالك أنا جائع أو عطشان فليس كل ما يقوله الإمام هو مذهب له بل تلك الخمسة خاصة ولو قال إمام زيد زنى لم نوجب الرجم بقوله بل نقول هذه شهادة هو فيها أسوة جميع العدول إن كمل النصاب بشروطه رجمناه وإلا فلا فكذلك قول مالك

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

عمرو المار فهو لأنه يقاوم حديث أسامة هذا في صحته لأن في سنده إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر وضعفه يحيى والنسائي والأصل في باب المعارضة التساوي ولئن سلمنا المساواة على تقدير فرض صحة حديث عبد الله بن عمرو فلا يكتفى بها بل يكشف عن وجه ذلك من طريق النظر فوجدنا أن ما يقضي به حديث أسامة أولى وأصوب من حديث عبد الله بن عمرو وذاك أن المسجد الحرام وغيره من المساجد وجميع المواضع التي لا تدخل في ملك أحد لا يجوز لأحد أن يبني فيها بناء ولا يحجر موضعا منها ألا ترى أن موضع الوقوف بعرفة لا يجوز أن ينبني فيه بناء وكذلك منى لا يجوز لأحد أن يبني فيها دارا لحديث عائشة رضي الله عنها قالت قلت يا رسول الله ألا تتخذ لك بمنى بيتا أو بناء يظلك قال لا يا عائشة إنها مناخ لمن سبق فقال أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه والطحاوي ووجدنا مكة على خلاف ذلك لأنه قد أجيز فيها البناء وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم دخل مكة في غزوة الفتح من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن دخل داره فهو آمن فأثبت لأبي سفيان ملك داره

وأثبت لهم أملاكهم على دورهم حيث أضافا إليهم فهذا يدل على أن مكة مما يبنى فيها الدور ومما يغلق عليها الأبواب فإذا كان كذلك تكون صفتها صفة المواضع التي تجري عليها الأملاك وتقع فيها المواريث فحينئذ يجوز بيع الدور التي فيها وتجوز إجارتها قال ابن قدامة أضاف النبي صلى الله عليه وسلم الدار لأبي سفيان إضافة ملك بقوله من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ولأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانت لهم دور بمكة دار لأبي بكر وللزبير بن العوام وحكيم بن حزام وغيرهم مما يكثر تعدادهم فبعض بيع وبعض في يد أعقابهم إلى اليوم وإن عمر رضي الله عنه اشترى من صفوان بن أمية دارا بأربعة آلاف درهم واشترى معاوية من حكيم بن حزام دارين بمكة إحداهما بستين ألف درهم والأخرى بأربعين ألف درهم وهذه قصص اشتهرت فلم تنكر فصارت إجماعا ولأنها أرض حية لم ترد عليها صدقة محرمة فجاز بيعها كسائر الأراضي ا ه

كما في العيني قال الحطاب في حاشيته على منسك خليل قال القاضي تقي الدين الفاسي والقول بمنع ذلك فيه نظر لأن غير واحد من علماء الصحابة وخلفائهم عملوا بخلافه في أوقات مختلفة ثم ذكر وقائع من ذلك عن عمر وعثمان وابن الزبير ومعاوية رضي الله عنهم قال الحطاب وعلى القول بجواز البيع والكراء اقتصر ابن الحاج فإنه قال في مناسكه واختلف أهل العلم في كراء بيوت مكة وبيعها فذكر الخلاف بين العلماء ثم قال وأباحت طائفة من أهل العلم بيع رباع مكة وكراء منازلها منهم طاوس وعمرو بن دينار وهو قول مالك والشافعي ثم ذكر حجج كل قول وقال والدليل على صحة قول مالك ومن قال بقوله قول الله عز وجل الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم وقوله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن دخل داره فهو آمن فأثبت لأبي سفيان ملك داره وأثبت لهم أملاكهم على دورهم

وقوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع هل ترك لنا عقيل منزلا يدل على أنها ملك لأربابها وأن عمر ابتاع دارا بأربعة آلاف درهم وأن دور أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بأيدي أعقابهم منهم أبو بكر والزبير بن العوام وحكيم بن حزام وعمرو بن العاص وغيرهم

____________________

(4/17)

فتحت مصر عنوة أو مكة شهادة وإذا كانت شهادة فهو لم يباشر الفتح فيتعين أنه نقل هذه الشهادة عن غيره ولا يدري هل أذن له ذلك الغير في النقل عنه أم لا وإن سلمنا أنه أذن له فقد عارضت هذه البينة بينة أخرى

وهي أن الليث وابن مسعود والشافعي وغيرهما قالوا الفتح وقع صلحا

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وقد بيع بعضها وتصدق ببعضها ولم يكونوا يفعلون ذلك إلا في أملاكهم وهم أعلم بالله ورسوله ممن بعدهم ا ه

وأما عن قوله تعالى والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس الآية فهو أن المراد بالمسجد المسجد الذي يكون فيه النسك والصلاة لا سائر دور مكة قال ابن خزيمة إذ لو كان المسجد الحرام واقعا على جميع الحرم لما جاز حفر بئر ولا قبر ولا التغوط ولا البول ولا إلقاء الجيف والنتن ولا دخول الجنب والحائض الحرم والجماع فيه ولا نعلم عالما منع من ذلك ولا كره لجنب وحائض دخول الحرم ولا الجماع فيه ولو كان كذلك لجاز الاعتكاف في دور مكة وحوانيتها ولا يقول بذلك أحد كما في القسطلاني وأما عن حديث علقمة بن فضلة الكناني الذي أخرجه الطحاوي والبيهقي فهو أنه منقطع لأن علقمة ليس بصحابي والمنقطع لا تقوم به حجة كما قامت بحديث أسامة المسند الصحيح وأما عن حديث عبد الله بن عمر فهو أنه موقوف على ابن عمر والموقوف لا يقاوم حديث أسامة المرفوع وأما عما رواه عبد الرزاق عن منصور عن مجاهد والطحاوي عن عبد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما فهو أن المراد منهما كراهة الكراء رفقا بالوفود ولا يلزم من ذلك منع البيع والشراء والإجارة فيها ألا ترى أن عمر رضي الله عنه اشترى من صفوان بن أمية داره بأربعة آلاف درهم كما تقدم فلو كان بيع دور مكة حراما لما اشتراها منه فدل شراؤه رضي الله عنه على الجواز ا ه

كلام الشيخ محمد البناني المكي في تحفة المريد بتصرف وزيادة ما تنبيه في المدونة قال مالك أكره البنيان الذي أحدثه الناس بمنى قال سند وجملة ذلك أن منى لا ملك لأحد فيها وليس لأحد أن يحجر فيها موضعا يحوزه له إلا أن ينزل منها منزلا فيختص به حتى يفرغ من منسكه ويخرج منها والأصل في ذلك ما روته عائشة رضي الله عنها قالت قلنا يا رسول الله ألا تبني لك موضعا يظلك بمنى قال لا منى مناخ لمن سبق خرجه الترمذي والنسائي وهذا يمنع أن يحجر أحد فيها بنيانا إلا أن يكون نازلا بالبنيان الذي بها ثم وإن كان بها كره له أيضا قال مالك في الموازية لأنه تضييق على الناس وكره إجارة البنيان الذي بها والله أعلم أفاده البناني المكي في تحفة المريد

الشرط الخامس أن لا يتضمن استيفاء عين احترازا عن إجارة الأشجار لثمارها والغنم لنتاجها قاله الأصل وسلمه ابن الشاط ومثله في مختصر خليل إلا أنه زاد قيد قصد حيث قال بلا استيفاء عين قصد فقال بهرام احترز به من إجارة الثياب ونحوها فإن بعضها وإن ذهب بالاستعمال لكن بحكم التبع ولم يقصد بخلاف الثمرة والشاة والحاصل أن محط الفائدة قوله قصد

____________________

(4/18)

فهل يمكن أن يقال إن أحد البينتين أعدل فتقدم أو يقال هذا لا سبيل إليه والعلماء أجل من أن نفاوت نحن بين عدالتهم ولو سلمنا الهجوم عليهم في ذلك فالمذهب أنه لا يقضى بأعدل البينتين إلا في الأموال والعنوة والصلح ليسا من هذا الباب فلم قلتم إنه يقضى فيه

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وذلك لأن في الإجارة استيفاء عين لكن لا قصدا أفاده العدوي على الخرشي

وقال تبعا لعبق لا يخفى أن إطلاق الإجارة عليهما أي على الأشجار والغنم لما ذكر مجاز لأنه ليس فيهما بيع منفعة وإنما فيهما بيع ذات كما علم من كلامه فلا يحتاج لذكرهما في محترز هذا الشرط نعم يصح جعلهما محترزه إن استأجر الشجر لأمرين التجفيف عليها وأخذ ثمرتها والشاة للانتفاع بها في شيء يجوز الانتفاع بها فيه ولأخذ لبنها ا ه

وسلمه محشوا عبق قال الأصل واستثني من ذلك أي من منع ما يتضمن استيفاء عين إجارة المرضع للبنها للضرورة في الحضانة ا ه

قال الخرشي ولنص القرآن سواء كانت أجرة الظئر نقدا أو طعاما ولا يكون من باب بيع الطعام بالطعام إلى أجل للعلة السابقة ولو كان الرضيع محرم الأكل أي كجحش صغير أو مهر صغير أو غيرهما فيجوز أن تكرى له حمارة ترضعه للضرورة ا ه

قال العدوي عليه فالولد الصغير إذا لم يجد امرأة ترضعه يرضع على الحمار قاله شيخنا عبد الله ا ه

الشرط السادس أن يقدر على تسليمها احترازا من استئجار الأخرس للكلام والأعمى للخط قال الخرشي من شروط المنفعة التي تحصل للمستأجر أن يكون مقدورا على تسليمها للمستأجر حسا فلا تجوز إجارة الأعمى للخط والأخرس للكلام وشرعا فلا تجوز الإجارة على إخراج الجان والدعاء وحل المربوط ونحو ذلك لعدم تحقق المنفعة ولا على تعليم الغناء ودخول الحائض المسجد ا ه

وكتب العدوي على قوله وشرعا ما نصه قد يقال يستغنى عن ذلك بقول المصنف ولا حظر كما في عبق ا ه

الشرط السابع أن تحصل للمستأجر احترازا من العبادات كالصوم ونحوه أي مما لا يقبل النيابة سواء كان واجبا عينا كصلاة الفرض أو كفائيا كصلاة الجنازة أو كان سنة كصلاة الوتر أو رغيبة كركعتي الفجر أو نفلا كأربع قبل الظهر وبعده

وقبل العصر قال البناني وأما الصلاة والصوم من سائر المندوبات كقراءة القرآن وسائر الأذكار فتجوز الإجارة عليها قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب بعد ذكر قول ابن عبد السلام ولا يلزم من تعين العبادة وجوبها لأن أكثر مندوبات الصلاة أي والصوم متعينة كصلاة الفجر والوتر وصيام عاشوراء وعرفة فهذه يمنع الاستئجار عليها وإن لم تكن واجبة على المكلف ومعنى تعينها على المكلف أنه لا يصح وقوعها من غير من خوطب بها فلو أجيز الاستئجار عليها لأدى ذلك إلى أكل المال بالباطل ا ه

قالوا هذا حكم الصلاة والصوم الواجب من ذلك والمندوب وأما قراءة القرآن فالإجارة عليها مبنية على وصول ثواب القراءة للميت ثم استدل على أن الراجح وصول ذلك له بكلام ابن رشد وغيره انظر مصطفى الرماصي ا ه

كلام البناني قال وقد نص ابن عبد السلام وغيره على منع الاستئجار على صلاة الجنازة

____________________

(4/19)

بأعدل البينتين ولا يمكن أن يقال هذه الشهادة ليست نقلا عن أحد بل هي استقلال ومستندها السماع لأنا نمنع أن هذه المسألة مما تجوز فيه الشهادة بالسماع وقد عد الأصحاب مسائل السماع خمسة وعشرين مسألة ليست هذه منها ولو سلمنا أنها منها لكن

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

قال ابن فرحون فإن قلت صلاة الجنازة عبادة لا يتعين فعلها على أحد ولا يجوز الاستئجار عليها قلت لما كانت عبادة من جنس الصلاة المتميزة بصورتها للعبادة والصلاة لا تفعل لغير العبادة منع الاستئجار عليها

وأما الغسل فيكون للعبادة والنظافة وغير ذلك وكذا الحمل للميت شاركه في الصورة أشياء كثيرة فلم يتمحض بصورته للعبادة في جميع أنواعه بخلاف صلاة الجنازة فألحقت بما أشبهته ا ه

انظر مصطفى الرماصي

ا ه

قال العدوي على الخرشي وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يمكن الاستئجار فيه كما أفاده في حاشية اللقاني ا ه

أي لأن كلا منهما لما لم يفعل لغير العبادة منع الاستئجار عليه وفي بداية الحفيد واتفقوا على إبطال كل منفعة كانت فرض عين على الإنسان بالشرع مثل الصلاة وغيرها واختلفوا في إجارة المؤذن على الأذان فقوم لم يروا فيه بأسا وقوم كرهوا ذلك محتجين بما روي عن عثمان بن أبي العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذوا مؤذنا لا يتخذ على أذانه أجرا والمبيحون قاسوه على الأفعال غير الواجبة وهذا هو سبب الاختلاف في أنه هل هو واجب أم ليس بواجب واختلفوا أيضا في الاستئجار على تعليم القرآن فأجازه قوم محتجين بما روي عن خارجة بن الصامت عن عمه قال أقبلنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتينا على حي من أحياء العرب فقالوا إنكم جئتم من عند هذا الحبر فهل عندكم دواء أو رقية فإن عندنا معتوها في القيود فقلنا لهم نعم فجاءوا به فجعلت أقرأ عليه فاتحة الكتاب ثلاثة أيام غدوة وعشية أجمع بزاقي ثم أتفل عليه فكأنما نشط من عقال فأعطوني جعلا فقلت لا حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته فقال كل لعمري من أكل برقية باطل فلقد أكلت برقية حق وبما روي عن أبي سعيد الخدري أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا في غزاة فمروا بحي من أحياء العرب فقالوا هل عندكم من راق فإن سيد الحي قد لدغ أو قد عرض له قال فرقى رجل بفاتحة الكتاب فبرئ فأعطي قطيعا من الغنم فأبى أن يقبلها فسأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بم رقيته قال بفاتحة الكتاب قال وما يدريك أنها رقية قال ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوها واضربوا لي معكم فيها بسهم

وكرهوه أي حرمه قوم آخرون قائلين هو من باب الجعل على تعليم الصلاة قالوا ولم يكن الجعل المذكور في الإجارة على تعليم القرآن وإنما كان على الرقي والاستئجار والرقي عندنا جائز سواء كان بالقرآن أو غيره لأنه كالعلاجات وليس واجبا على الناس وأما تعليم القرآن فهو واجب على الناس ا ه بتصرف فافهم

الشرط الثامن كونها معلومة احترازا من المجهولات من المنافع كمن استأجر آلة لا يدري ما يعمل بها أو دارا لمدة غير معلومة وذلك أن شرط الإجارة التي هي عقد من العقود أن تكون صادرة من عاقد كالعاقد الصادر منه البيع

____________________

(4/20)

حصل المعارض المانع من الحكم بهذه الشهادة وبهذا التقرير يظهر لك أن من أفتى بتحريم البيع والإجارة والشفعة في هذه البقاع بناء على قول مالك إنها فتحت عنوة خطأ وأن هذا ليس مذهبا لمالك بل هي شهادة لا يقلد فيها بل تجري مجرى الشهادات وكما

هامش أنوار البروق

فارغه

هامش إدرار الشروق

وأن تكون بأجر كالأجر الذي مراد به العوض الذي هو الثمن وأما المثمن وهو المنافع فلما كان من شأنها أن تكون وقت العقد معدومة كان في العقد عليها غرر وبيع لما لم يخلق حتى حكي عن الأصم وابن علية منع الإجارة لذلك إلا أن جميع فقهاء الأمصار والصدر الأول قالوا بجوازها نظرا إلى أنها وإن كانت معدومة لكنها مستوفاة في الغالب والشرع إنما لحظ من هذه المنافع ما يستوفى في الغالب أو يكون استيفاؤه وعدم استيفائه على السواء ولا يتحقق ما يستوفى إلا بتعينه واستدلوا على جوازها من الكتاب بقوله تعالى فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وقوله تعالى إني أريد أن أنكحك الآية ومن السنة الثابتة ما خرجه البخاري عن عائشة قالت استأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلا من بني الديل هاديا خريتا وهو على دين كفار قريش فدفعا إليه راحلتيهما ووعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما وحديث جابر أنه باع من النبي صلى الله عليه وسلم بعيرا وشرط ظهره إلى المدينة وما جاز استيفاؤه بالشرط جاز استيفاؤه بالأجر كما في بداية الحفيد والله أعلم

تنبيه ما تقدم عن الأصل من أن الأصحاب عدوا المسائل التي تجوز فيها الشهادة بالسماع خمسا وعشرين هو بحسب ما عنده وحضره وإلا فهي تزيد على ذلك وفي حاشية الصاوي على شرح أقرب المسالك أنهى بعضهم مسائل ما تجوز فيه شهادة السماع لاثنتين وثلاثين مسألة وقد جمعت في أبيات ونصها أيا سائلي عما ينفذ حكمه ويثبت سمعا دون علم بأصله ففي العزل والتجريح والكفر بعده وفي سفه أو ضد ذلك كله وفي البيع والأحباس والصدقات والرضاع وخلع النكاح وحله وفي قسمة أو نسبة وولاية وموت وحمل والمضر بأهله ومنها الهبات والوصية فاعلمن وملك قديم قد يضن بمثله ومنها ولادات ومنها حرابة ومنها الإباق فليضم لشكله وقد زيد فيها الأسر والفقد والملا ولوث وعتق فاظفرن بنقله فصارت لدي عد ثلاثين اتبعت بسنتين فاطلب نصها في محله ا ه

وفي شرح التاودي على نظم ابن عاصم جملة ما ذكره الناظم من مسائل ما تجوز فيه شهادة السماع تسعة عشر وعدها ابن العربي إحدى وعشرين فقال أيا سائلي إلى آخر البيت الرابع وزاد ولده ستة فقال منها الهبات إلى قوله فليضم لشكله فدونكها عشرين من بعد سبعة تدل على حفظ الفقيه ونبله أبي نظم العشرين من بعد واحد فأتبعتها ستا تماما لفعله وزاد ابن عبد السلام خمسة ونظمها بعضهم فقال

____________________

(4/21)

يرد هذا السؤال على المالكية في العنوة يرد على الشافعية في قول الشافعي إنها فتحت صلحا ويبنون على ذلك الفتيا بالإباحة ويجعلون هذا مما يقلد فيه وإنما هو شهادة أيضا بالصلح وليت شعري لو أن حاكما شافعيا جاءه الشافعي فقال له إن فلانا صالح امرأته على ألف دينار نقدا وقد صارت خلعا منه هل يقضي بقوله وحده فيخرق الإجماع أو نقول هذه شهادة لا بد فيها من آخر مع الشافعي يشهد بالخلع فينبغي له أن يفعل هنا كذلك وقد بسطت هذه المسائل في كتاب الأحكام في الفرق بين الفتاوى والأحكام وتصرف القاضي والإمام

وهو كتاب نفيس فيه أربعون مسألة من هذا النوع

الفرق الرابع والمائتان بين قاعدة ما للمستأجر أخذه من ماله بعد انقضاء الإجارة وبين قاعدة ما ليس له أخذه الفرق بين هاتين القاعدتين مبني على قاعدة وهي أن الشرع لا يعتبر من المقاصد إلا ما تعلق به غرض صحيح محصل لمصلحة أو دارئ لمفسدة لذلك لا يسمع الحاكم الدعوى في الأشياء التافهة الحقيرة التي لا يتشاح العقلاء فيها عادة كالسمسمة ونحوها فلهذه القاعدة أيضا لا يقبل قول المستأجر في قلع الأشياء التي لا قيمة لها بعد القلع وإن كانت

هامش أنوار البروق

قال الفرق الرابع والمائتان بين قاعدة ما للمستأجر أخذه من ماله بعد انقضاء الإجارة وبين قاعدة ما ليس له أخذه قلت فيه نقل أقوال ولكن في ذلك كله نظر فإن تقدير بناء أو شجر ونحو ذلك لا تكون له قيمة بعد القلع بخلافه

هامش إدرار الشروق

وقد زيد فيها إلى قوله فاطلب نصها في محله ونظمها أيضا العبدوسي وذيله ابن غازي بما زاده عليه إلى أن قال في آخره لولا التداخل بعد ذي في الزائد لبلغت عشرين دون واحد ا ه بإصلاح البيت الأخير والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق الرابع والمائتان بين قاعدة ما للمستأجر أخذه من ماله بعد انقضاء الإجارة وبين قاعدة ما ليس له أخذه وهو أن ما لا قيمة له من الزرع بعد القلع ومن البناء بعد الهدم وإن عظمت قيمته قبل القلع والهدم لا يقبل في قلعه أو هدمه قول المستأجر بل يتعين عليه إبقاؤه في الأرض المستأجرة ينتفع به صاحب الأرض ويحصل له بسببه تلك المالية العظيمة وكذلك المستحق منه والغاصب ونحوهما لأن قلعه أو هدمه بمجرد الفساد لا لحصول مصلحة تستحصل للقالع والهادم ولا لدرء مفسدة عنه والقاعدة أن الشرع لا يعتبر من المقاصد إلا ما تعلق به غرض صحيح محصل لمصلحة أو دارئ لمفسدة

____________________

(4/22)

عظيمة المالية قبل القلع وكذلك البناء العظيم الذي لا قيمة له بعد الهدم وإن عظمت قيمته قبل الهدم وكذلك المستحق منه والغاصب ونحوهما الجميع في ذلك سواء لأن قلعه لمجرد الفساد لا لحصول مصلحة تحصل للقالع ولا لدرء مفسدة عنه فيتعين بقاؤه في الأرض المستأجرة ينتفع به صاحب الأرض ويحصل له بسببه تلك المالية العظيمة ويعطيه له بغير شيء فإنه مستحق الإزالة شرعا وعلى تقدير الإزالة تبطل تلك المالية فهي مالية مستهلكة على واضعها شرعا والمستهلك شرعا لا يجب فيه قيمة ويؤيد ذلك نهيه عليه السلام عن إضاعة المال وهدم مثل هذا البناء

وقلع مثل هذا الشجر إضاعة للمال فوجب المنع منه فلهذه القاعدة أجمع الناس على أن العروض تتعين بالتعيين وكذلك الحيوان والطعام لأن لهذه الأشياء من الخصوصيات والأوصاف ما تتعلق به الأغراض الصحيحة وتميل إليه العقول السليمة والنفوس الخالصة لما في تلك المعنيات من الملاذ الخاصة في تلك الأعيان ومقتضى هذه القاعدة أنه إذا عين صاعا من صبرة وباعه أنه لا يتعين لأن

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

ولذلك لا يسمع الحاكم الدعوى في الأشياء التافهة الحقيرة التي لا يتشاح العقلاء فيها عادة كالسمسمة ونحوها وإذا أعطى المستأجر أو المستحق منه أو الغاصب ونحوهم لصاحب الأرض ما ذكر من الزرع أو البناء اللذين لا قيمة لهما بعد الإزالة بالقلع أو الهدم فهو يعطيه له بغير شيء ضرورة أنه مستحق الإزالة شرعا وعلى تقدير الإزالة تبطل تلك المالية فهي مالية مستهلكة على واضعها شرعا والمستهلك شرعا لا يجب فيه قيمة

ويؤيد ذلك نهيه عليه السلام عن إضاعة المال وهدم مثل هذا البناء وقلع مثل هذا الشجر إضاعة للمال فوجب المنع منه وأما ما له قيمة من الزرع بعد القلع ومن البناء بعد الهدم فيقبل في قلعه أو هدمه قول المستأجر وكذلك المستحق منه والغاصب ونحوهما لأن قلعه أو هدمه لحصول مصلحة تحصل للقالع والهادم لا لمجرد الفساد كذا قال الأصل وفي فصل الاستحقاق من مختصر خليل مع شرح عبق وإن زرع غاصب أرض أو منفعتها فاستحقت الأرض أي أقام مالكها فإن لم ينتفع بالزرع قبل ظهوره أو بعده أخذ بلا شيء في مقابلة بذره أو أجرة حرثه أو غيره أي قضي للمستحق بأخذه إن شاء مجانا ونص التوضيح إن أقام رب الأرض بعد الحرث وقبل الزراعة ففي اللخمي وغيره أنه يأخذه بغير شيء وإن كان قيامه بعد الزراعة وقبل ظهور الزرع أو بعد ظهوره وقبل أن ينتفع به فله أن يأمره بقلعه أو يأخذه ابن القاسم وأشهب بغير ثمن ولا ذريعة ا ه

وليس له إبقاؤه وأخذ كراء الأرض لأنه يؤدي إلى بيع الزرع قبل بدو صلاحه كما يأتي نحوه عن ابن يونس وإلا بأن بلغ أن ينتفع به ولو لرعي البهائم فله أي للمستحق به قلعه أي أمره بذلك وبتسوية الأرض وذكر شرطا في قوله أخذ بلا شيء وقوله فله قلعه فقال إن لم يفت أي إبان ما أي زرع تراد له مما زرع فيها كما حمل عبد الحق وغيره

____________________

(4/23)

الأغراض الصحيحة مستوية في أجزاء الصبرة غير أني لا أعلم أحدا قال بعدم التعين

واختلفوا في الدنانير والدراهم إذا عينت هل تتعين أم لا ثلاثة أقوال ثالثها إن عينها

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

المدونة عليه وهو الذي يدل عليه كلام التوضيح وابن عرفة ونص العتبية ومن تعدى فزرع أرض رجل فقام عليه بعد إبان الزرع وقد كبر الزرع واشتد فأراد قلع الزرع وقال أريد أكريها مقثأة أو أزرعها بقلا وهي أرض سقي يمكنه الانتفاع بها فليس له ذلك وليس له بعد إبان الزرع إلا كراؤه وإن كانت أرض سقي ينتفع بها لما ذكرت وإنما له ذلك إن لم يفت إبان الزرع الذي فيها ولا حجة له أنه يريد قلبها والكراء له عوض من ذلك ا ه

وأشار لقسيم قوله فله قلعه وهو الشق الثاني من التخيير بقوله وله أي لرب الأرض أخذه بقيمته على المختار مقلوعا تقديرا ويبقيه في الأرض ويسقط من قيمته مقلوعا عنه كلفة قلعه أن لو قلع حيث كان الغاصب شأنه أن لا يتولاها بنفسه أو خدمه على ما لابن المواز في بناء الغاصب وغرسة وهو المعول عليه هناك فينبغي أن يعول عليه هنا أيضا فإذا كان شأنه توليه بنفسه أو خدمه أخذه بقيمته مقلوعا من غير إسقاط كلفة قلعه لو قلع وكما له أخذه بقيمته مقلوعا له إبقاؤه لزارعه وأخذ كراء السنة منه في الفرض المذكور أي بلغ أن ينتفع به ولم يفت وقت ما ترد له دون القسم الأول في المصنف وهو ما إذا لم ينتفع به فليس له إبقاؤه وأخذ كرائها منه وفرق ابن يونس أي وابن المواز بأنه فيه يؤدي إلى بيع الزرع قبل بدو صلاحه لأن مالك الأرض لما مكنه الشرع من أخذه بلا شيء وإبقاء لزارعه بكراء فكان ذلك الكراء عوضا عنه في المعنى فهو بيع له على التبقية وهو مبني على أن من خير بين أمرين عد منتقلا كما قال المازري وإلا بأن فات وقت ما ترد له فكراء مثلها في السنة لازم للغاصب واعتمد المصنف في هذا على ما نقله في التوضيح عن اللخمي ونصه وإن كان قيامه بعد الإبان فقال مالك الزرع للغاصب وعليه كراء الأرض وليس لربه قلعه اللخمي وهو المعروف من قوله وذكر رواية أخرى أن للمستحق أن يقلعه ويأخذ أرضه بقوله صلى الله عليه وسلم ليس لعرق ظالم حق وروي عن مالك أيضا أن الزرع للمغصوب منه الأرض وإن طاب وحصد واختار هذه الرواية الثالثة غير واحد لما في الترمذي من زرع أرضا لقوم بغير إذنهم فالزرع لرب الأرض وعليه نفقته ا ه

وذكر ابن يونس في الرواية الثانية أنها أصح كما في المواق فظهر ترجيح كل من الروايات الثلاث لكن الثالثة شاذة عن الإمام وقد بحث ابن عرفة في الفتوى بها بذلك وأجيب كما في المعيار بأن التشديد على الظلمة والمحدثين من أهل البغي والفساد مألوف من الشرع وقواعد المذهب وهل فوات الإبان بالنظر إلى زمن الخصام أو إلى يوم الحكم والظاهر أنه يجري فيه القولان اللذان ذكرهما ابن عرفة في ذي الشبهة ومال إلى يوم الحكم إن كانت المخاصمة بما له وجه انظر الرهوني ا ه

مع اقتصار على ما عول عليه البناني والرهوني وكنون وزيادة منهم نعم انظر ابن الشاط في كلام الأصل بأن تقدير بناء أو شجر ونحو ذلك لا تكون له قيمة بعد القلع كفرض محال والله تعالى أعلم ا ه بلفظه

____________________

(4/24)

الدافع تعينت لأنه أملك بها وهو مالكها وإن عينها القابض لا تتعين إلا أن تختص بصفة حلي أو سكة رائجة أو غير ذلك تعينت اتفاقا وهذه الأقوال الثلاثة عندنا وبالتعيين قال الشافعي والمشهور عندنا عدم التعيين فبهذه القاعدة يظهر الفرق بين ما للمستأجر أن يأخذه من ماله وما لا يأخذه منه

الفرق الخامس والمائتان بين قاعدة ما يضمن بالطرح من السفن وبين قاعدة ما لا يضمن قال مالك إذا طرح بعض الحمل للهول شارك أهل المطروح من لم يطرح لهم شيء في متاعهم وكان ما طرح وسلم لجميعهم في نمائه ونقصه بثمنه يوم الشراء إن اشتروا من موضع واحد بغير محاباة لأنهم صانوا بالمطروح ما لهم والعدل عدم اختصاص أحدهم بالمطروح إذ ليس أحدهم بأولى من الآخر وهو سبب سلامة جميعهم فإن اشتروا من مواضع أو اشترى بعض أو طال زمان الشراء حتى تغيرت الأسواق اشتركوا بالقيم يوم الركوب دون يوم الشراء لأنه وقت الاختلاط

وسواء طرح الرجل متاعه أو متاع غيره بإذنه أم لا قال ابن أبي زيد ولا يشارك من لم يرم بعضهم بعضا لأنه لم يطرأ سبب يوجب ذلك

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

فائدة قال الأصل القاعدة أن الشرع لا يعتبر من المقاصد إلا ما تعلق به غرض صحيح إلخ أجمع الناس على أن العروض تتعين بالتعيين وكذلك الحيوان والطعام لأن لهذه الأشياء من الخصوصيات والأوصاف ما تتعلق به الأغراض الصحيحة وتميل إليه العقول السليمة والنفوس الخالصة لما في تلك المعينات من الملاذ الخاصة في تلك الأعيان ومقتضى هذه القاعدة أنه إذا عين صاعا من صبرة وباعه أنه لا يتعين لأن الأغراض الصحيحة مستوية في أجزاء الصبرة غير أني لا أعلم أحدا قال بعدم التعيين واختلفوا في الدنانير والدراهم إذا عينت هل تتعين أم لا ثلاثة أقوال ثالثها إن عينها الدافع تعينت لأنه أملك بها وهو مالكها وإن عينها القابض لا تتعين إلا أن تختص بصفة حلي أو سكة رائجة أو غير ذلك تعينت اتفاقا وهذه الأقوال الثلاثة عندنا وبالتعيين قال الشافعي والمشهور عندنا عدم التعيين ا ه

والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق الخامس والمائتان بين قاعدة ما يضمن بالطرح من السفن وبين قاعدة ما لا يضمن وهو أنه يرجع بضمان ما يطرح منها للهول من أموال التجارة فيما سلم منها لا فيما سلم من غيرها ضرورة أن المقصود من ركوب البحر إنما هو مال التجارة لا نفس المركب ولا صاحبه ولا النواتية ولو عبيدا أو لا ما يراد للنفقة أو للقنية أما أولا فلأن هذه كلها وسائل ولا يرجع بالمقاصد إلا في المقاصد

____________________

(4/25)

بخلاف المطروح له مع غيره قال ابن حبيب وليس على صاحب المركب ولا النواتية ضمان كانوا أحرارا أو عبيدا إلا أن يكونوا للتجارة فتحسب قيمتهم ولا على من لا متاع له لأن هذه كلها وسائل والمقصود من ركوب البحر إنما هو مال التجارة ويرجع بالمقاصد في المقاصد ومن معه دنانير كثيرة يريد بها التجارة فكالتجارة بخلاف النفقة وما يراد للقنية وقال ابن بشير لا يلزم في العين شيء من المطروح لأنه لا يحصل الغرق بسببها لخفتها وقال سحنون يدخل المركب في قيمة المطروح لأنه مما سلم بسبب الطرح

وقال أبو محمد إن خيف عليه بصدم قاع البحر فطرح لذلك دخل في القيمة وقال أهل العراق يدخل المركب وما فيه للقنية أو التجارة من عبيد وغيرهم لأن أثر المطروح سلامة الجميع وجوابهم أن شأن المركب أن يصل برجاله سالما إلى البر وإنما يغرقه ما فيه عادة وإزالة السبب المهلك لا يوجب شركة بل فعل السبب المنجي وهو فرق حسن فتأمله فإن فاعل الضرر شأنه أن يضمن فإذا زال ضرره ناسب أن لا يضمن لعدم سبب

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وأما ثانيا فلأن شأن المركب أن يصل برجاله سالما إلى البر وإنما يغرقه ما فيه عادة وإزالة السبب المهلك لا يوجب شركة بل فعل السبب المنجي هو الذي يوجبه ألا ترى أن فاعل الضرر شأنه أن يضمن فإذا زال ضرره ناسب أن لا يضمن لعدم سبب الضمان وفاعل النفع محصل لعين المال فناسب أن يستحقه أو بعضه لأن موجد الشيء شأنه أن يكون له وهو فرق حسن

وعليه قال مالك إذا طرح بعض الحمل للهول شارك أهل المطروح من لم يطرح له شيء في متاعهم وما طرح وسلم لجميعهم في تمامه ونقصه بثمنه يوم الشراء إن اشتروا من موضع واحد بغير محاباة لأنهم صانوا بالمطروح ما لهم والعدل عدم اختصاص أحدهم بالمطروح إذ ليس أحدهم بأولى من الآخر وهو سبب سلامة جميعهم فإن اشتروا من مواضع أو اشترى بعض دون بعض أو طال زمان الشراء حتى تغيرت الأسواق اشتركوا بالقيم يوم الركوب دون يوم الشراء لأنه وقت الاختلاط وسواء طرح الرجل متاعه أو متاع غيره بإذنه أم لا قال ابن أبي زيد ولا يشارك من لم يرم بعضهم بعضا لأنه لم يطرأ سبب يوجب ذلك بخلاف المطروح له مع غيره ا ه قال ابن حبيب وليس على صاحب المركب ولا النواتية ضمان كانوا أحرارا أو عبيدا إلا أن يكونوا للتجارة فتحسب قيمتهم ولا على من لا متاع له لأن هذه كلها وسائل والمقصود من ركوب البحر إنما هو مال التجارة ويرجع بالمقاصد في المقاصد ومن معه دنانير كثيرة يريد بها التجارة فكالتجارة بخلاف النفقة وما يراد للقنية ا ه

قال الأصل فإن صالحوا صاحب المطروح بدنانير ولا يشاركهم جاز إذا عرفوا ما يلزمهم في القضاء ا ه

وبالفرق المذكور يجاب عن قول ابن بشير لا يلزم في العين شيء من المطروح لأنه لا يحصل الغرق بسببها لخفتها ا ه

____________________

(4/26)

الضمان وفاعل النفع محصل لعين المال فناسب أن يستحقه أو بعضه لأن موجد الشيء شأنه أن يكون له فإن صالحوا صاحب المطروح بدنانير ولا يشاركهم جاز إذا عرفوا ما يلزمهم في القضاء فإن خرج بعد الطرح من البحر سالما فهو له

وتزول الشركة أو خرج وقد نقص نصف قيمته انتقص نصف الصلح ويرد نصف ما أخذ

سؤال إذا وجدت الدابة المصالح عليها في التعدي أو العارية تكون لمن صالح عليها وها هنا المصالح عليه لصاحبه فما الفرق جوابه التعدي ينقل المتعدى عليه للذمة بالقيمة فيكون له لأن القيمة للمتعدى عليه فلا يجمع له بين العوض والمعوض عنه والبحر شيء توجبه الضرورة فلا يحصل الصلح فيه بيعا لا ينتقض وإن لم يكن في السفينة غير الآدميين لم يجز رمي واحد منهم لطلب نجاة الباقين وإن كان ذميا قال الطرطوشي في تعليقه ويبدأ بطرح الأمتعة ثم البهائم لشرف النفوس قال وهذا الطرح عند الحاجة واجب ولا يجري فيه القولان اللذان للعلماء في دفع الداخل عليك البيت لطلب النفس أو المال ولا من اضطر إلى أكل الميتة ففيهما قولان أحدهما يجب الدفع والأكل

وثانيهما لا يجبان لقصة ابني آدم ولقوله عليه السلام كن عبد الله المقتول ولا تكن

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وعن قول سحنون أيدخل المركب في قيمة المطروح لأنه مما سلم بسبب الطرح ا ه

وعن قول أبي محمد إن خيف عليه بصدم قاع البحر فطرح لذلك دخل في القيمة ا ه

وعن قول أهل العراق يدخل المركب وما فيه للقنية أو التجارة من عبيد وغيرهم لأن أثر المطروح سلامة الجميع ا ه

فتأمل بإمعان والله أعلم وصل في ثلاث مسائل تتعلق بهذا الفرق المسألة الأولى إن خرج المطروح بعد الطرح من البحر سالما فهو لمالكه وتزول شركته لمن لم يطرح لهم شيء أو خرج وقد نقص نصف قيمته انتقص نصف الصلح ويرد نصف ما أخذ والفرق بين المطروح المصالح عليه ها هنا إذا خرج يكون لصاحبه وبين الدابة المصالح عليها في التعدي والعارية إذا وجدت تكون لمن صالح عليها لا لصاحبها هو أن التعدي ينقل المتعدى عليه للذمة بالقيمة فيكون له لأن القيمة للمتعدى عليه فلا يجمع له بين العوض والمعوض عنه والطرح في البحر شيء توجبه الضرورة فلا يحصل الصلح فيه بيعا لا ينتقض المسألة الثانية إن لم يكن في السفينة غير الآدميين لم يجز رمي واحد منهم لطلب نجاة الباقين وإن كان ذميا قال الطرطوشي في تعليقه ويبدأ بطرح الأمتعة ثم البهائم لشرف النفوس قال وهذا الطرح عند الحاجة واجب ولا يجري القولان اللذان للعلماء في دفع الداخل عليك البيت لطلب النفس أو المال ولا من اضطر إلى أكل الميتة فإن فيهما قولين أحدهما يجب الدفع والأكل وثانيهما

____________________

(4/27)

عبد الله القاتل وعليه اعتمد عثمان رضي الله عنه في تسليم نفسه والفرق أن التارك للقتل والأكل هنالك تارك لئلا يفعل محرما وها هنا لبقاء المال

واقتناؤه ليس واجبا وأكل الميتة وسفك الدم محرم وما وضع المال إلا وسيلة لبناء النفس ولم يوضع قتل الغير وأكل الميتة وسيلة لذلك ولا يضمن الطارح هنا ما طرحه اتفاقا ولمالك في أكل مال الغير للمجاعة قولان بالضمان وعدمه ولا يضمن بدفع الفحل إذا قتله لأنه كان يجب على صاحبه قتله صونا للنفس فقد قام عن صاحبه بواجب

وقال أبو حنيفة والشافعي رضي الله عنهما لا يضمن أحد من أهل السفينة إلا الطارح إن طرح مال غيره وإن طرح مال نفسه فمصيبته منه ولو استدعى غيره منه ذلك ووافقونا إذا قال اقض عني ديني فقضاه وفي اقتراض المرأة على زوجها الغائب واقتراض الوصي لليتيم فإنه يأخذ من ماله نظرا له قلنا القياس على هذه الصورة بجامع السعي في القيام عن الغير بواجب لأنهم أجمعين يجب عليهم حفظ نفوسهم وأموالهم فمن بادر منهم قام بذلك الواجب احتجوا بأن السلامة بالطرح غير معلومة بخلاف الصائل وبالقياس على الآدميين وأموال القنية

هامش أنوار البروق

فارغه

هامش إدرار الشروق

لا يجبان لقصة ابني آدم لقوله عليه السلام كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل وعليه اعتمد عثمان رضي الله عنه في تسليم نفسه والفرق بينهما وبين ما هنا من وجهين الأول أن التارك للقتل والأكل فيهما تارك لئلا يفعل محرما وهو أكل الميتة وسفك الدم وليس طرح المال ها هنا إلا لبقاء المال واقتناؤه ليس واجبا فافهم

الوجه الثاني أن المال ما وضع إلا لبقاء النفس ولم يوضع قتل الغير وأكل الميتة وسيلة لذلك المسألة الثالثة لا يضمن الطارح هنا ما طرحه عند مالك اتفاقا كما لا يضمن إذا قتل الفحل بدفعه لأنه كان يجب على صاحبه قتله صونا للنفس فقد قام عن صاحبه بواجب وفي ضمان مال الغير إذا أكل للمجاعة وعدم ضمانه قولان عنده

وقال أبو حنيفة والشافعي رضي الله عنهما لا يضمن أحد من أهل السفينة إلا الطارح إن طرح مال غيره وإن طرح مال نفسه فمصيبة منه ولو استدعى غيره منه ذلك ووافقونا إذا قال اقض عني فقضاه وفي اقتراض المرأة على زوجها الغائب واقتراض الوصي لليتيم فإنه يأخذ من ماله نظرا له وحجتنا القياس على الصورة المذكورة كما تقدمت الإشارة إليه بجامع السعي في القيام عن الغير بواجب لأنهم أجمعين يجب عليهم حفظ نفوسهم وأموالهم فمن بادر منهم قام بذلك الواجب وحجتهم أمران الأمر الأول أن السلامة بالطرح غير معلومة بخلاف الصائل الأمر الثاني القياس على الآدميين وأموال القنية

والجواب عن الأول أنه ينتقض بطعام المضطر فإن المضطر يضمن مع احتمال هلاكه بما أكل بل يعتمد

____________________

(4/28)

الجواب عن الأول أنه ينتقض بطعام المضطر فإن المضطر يضمن مع احتمال هلاكه بما أكل بل يعتمد في ذلك على العادة فقط وقد شهدت بأن ذلك سبب السلامة فيهما مع احتمال النقيض وعن الثاني ما تقدم أول المسألة من الفرق مع أن الطرطوشي قال القياس التسوية بين القنية والتجارة لأن العلة صون الأموال والكل يثقل السفينة الفرق السادس والمائتان بين قاعدة من عمل من الأجراء النصف مما استؤجر عليه يكون له النصف وبين قاعدة من عمل النصف لا يكون له النصف اعلم أنه قد وقع في الإجارات أن من استأجر رجلا على أن يخيط له ثوبين أو يبني له دارين أو نحو ذلك ففعل أحدهما وهو النصف استحق النصف وهو ظاهر ووقع فيها أيضا أن من استأجر رجلا على أن يحفر له بئرا عشرة في عشرة تكون مربعة من كل جهة عشرة ويكون عمقها عشرة فعمل خمسة في خمسة أو استؤجر على أن يعمل صندوقا عشرة في عشرة فعمل خمسة في خمسة مقتضى ما تقدم من القاعدة أن لهذين نصف

هامش أنوار البروق

قال الفرق السادس والمائتان بين قاعدة من عمل من الأجراء النصف مما استؤجر عليه أن يكون له النصف وبين قاعدة من عمل النصف لا يكون له النصف قلت هذا الفرق فاسد الوضع فاحش الخطأ فإنه قاعدة واحدة لا غير وكل من عمل النصف فله النصف لا محالة وإنما يجري الوهم على الأغبياء فيظنون أن من استؤجر على عشرة في عشرة فعمل ذلك فقد عمل جميع ما استؤجر عليه وذلك صحيح وأنه متى استؤجر على ذلك فعمل خمسة في خمسة أنه عمل النصف وذلك غير صحيح بل عمل الثمن مما استؤجر عليه كيف وقد بين المؤلف

هامش إدرار الشروق

في ذلك على العادة فقط وقد شهدت العادة بأن ذلك سبب السلامة فيهما مع احتمال النقيض

وعن الثاني ما تقدم من الفرق بين ما يضمن بالطرح من السفن وما لا يضمن مع أن الطرطوشي قال القياس التسوية بين القنية والتجارة لأن العلة صون الأموال والكل يثقل السفينة والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق السادس والمائتان بين قاعدة من عمل من الأجراء النصف مما استؤجر عليه يكون له النصف وبين قاعدة من عمل النصف لا يكون له النصف

قال العلامة ابن الشاط ما خلاصته هذا الفرق فاسد الوضع فاحش الخطأ بسبب بنائه على توهم الأغبياء أن من استؤجر على أن يحفر بئرا عشرة في عشرة تكون مربعة من كل جهة عشرة ويكون عمقها عشرة أو على أن يعمل صندوقا عشرة في عشرة فعمل فيهما خمسة في خمسة فقد عمل النصف وهو غير صحيح

____________________

(4/29)

الأجرة لأنهما قد عملا خمسة وهي نصف العشرة لكن قال الفضلاء له في مسألة البئر الثمن وفي مسألة الصندوق الربع فلم يجروا في ذلك على قاعدة الإجارة ولم يجروا أيضا في المخالفة على نمط واحد ووجه صحة ما قالوه أن البئر كلما نزل فيها ذراعا فقد شال من التراب بساطا مساحته عشرة في عشرة وذلك مائة فكل ذراع ينزله في البئر حينئذ مائة ذراع والأذرع عشرة وعشرة في مائة بألف فالمستأجر عليه ألف ذراع فلما عمل خمسة في خمسة شال في الذراع الأول تراب خمسة في خمسة وذلك خمسة وعشرون فكل ذراع من هذا المعمول خمسة وعشرون والأذرع المعمولة خمسة وخمسة في خمسة وعشرين بمائة وخمسة عشرين وذلك ما عمله ونسبته إلى الألف نسبة الثمن فيستحق الثمن

وأما الصندوق فليس فيه بقر وإلا استوت المسألتان بل ألواح يلفقها فهو استأجره على ستة ألواح كل منها عشرة وذلك دائره أربعة وقعره وغطاؤه فكل لوح عشرة في عشرة فهو مائة ذراع والألواح ستة فالمستأجر عليه ستمائة عمل ستة في خمسة فيكون كل لوح منها خمسة وعشرين المتحصلة من ضرب خمسة في ستة وعشرون في ستة بمائة وخمسين ونسبتها إلى ستمائة كنسبة الربع فله الربع فتأمل ذلك فإنها من أبدع ما يلقى في

هامش أنوار البروق

ذلك بعد هذا في أثناء الكلام في هذا الفرق والعجب منه كيف ظن أن الترجمة صحيحة مع علمه بأنه لم يعمل النصف ولكن الغفلة لازمة لمن لم يعصم من البشر ولكن هذه الغفلة لا يعذر صاحبها والله أعلم وما قاله في حكاية الفروق الخمسة صحيح

هامش إدرار الشروق

بل إنما عمل في المسألة الأولى أعني مسألة البئر الثمن وفي المسألة الثانية أعني مسألة الصندوق الربع وذلك أن البئر كلما نزل فيها ذراعا فقد شال من التراب بساطا مساحته عشرة في عشرة وذلك مائة فكل ذراع ينزله في البئر حينئذ مائة ذراع والأذرع عشرة وعشرة في مائة بألف فالمستأجر عليه ألف ذراع فلما عمل خمسة في خمسة شال في الذراع الأول تراب خمسة في خمسة وذلك خمسة وعشرون فكل ذراع من هذا المعمول خمسة وعشرون والأذرع المعمولة خمسة وخمسة في خمسة وعشرين بمائة وخمسة وعشرين وذلك ما عمله ونسبته إلى الألف نسبة الثمن فيستحق الثمن

وأما الصندوق فمن حيث إنه ليس فيه نقر يكون قد استؤجر على ستة ألواح وذلك دائره أربعة وقعره وغطاؤه وكل لوح منها عشرة في عشرة فهو مائة ذراع والألواح ستة فالمستأجر عليه ستمائة ذراع عمل ستة في خمسة فيكون كل لوح منها خمسة وعشرين المتحصلة من ضرب خمسة في خمسة وخمسة وعشرون في ستة بمائة وخمسين ونسبتها إلى ستمائة كنسبة الربع فيستحق الربع فظهر بهذا بطلان أن هناك قاعدة إن عمل النصف لا يكون له النصف وأنه لم يكن ثم إلا قاعدة واحدة وهي أن كل من عمل النصف فله النصف لا محالة ا ه

قال الأصل وهاتان المسألتان أعني مسألتي البئر والصندوق من أبدع ما يلقى في مسائل المطارحات على الفقهاء فتأملهما

____________________

(4/30)

مسائل المطارحات على الفقهاء وكم يخفى على الفقيه والحاكم الحق في المسائل الكثيرة بسبب الجهل بالحساب والطب والهندسة فينبغي لذوي الهمم العلية أن لا يتركوا الاطلاع على العلوم ما أمكنهم فلم أرى في عيوب الناس شيئا كنقص القادرين على التمام الفرق السابع والمائتان بين قاعدة ما يضمنه الأجراء إذا هلك وبين قاعدة ما لا يضمنونه اعلم أن الهلاك خمسة أقسام ما هلك بسبب حامله من عثار أو ضعف حبل لم يغرر به أو ذهاب دابة أو سفينة بما فيهما فلا ضمان ولا أجرة ولا عليه أن يأتي بمثله ليحمله

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

فكم يخفى على الفقيه والحاكم الحق في المسائل الكثيرة بسبب الجهل بالحساب والطب والهندسة فينبغي لذوي الهمم العلية أن لا يتركوا الاطلاع على العلوم ما أمكنهم فلم أر في عيوب الناس شيئا كنقص القادرين على التمام ا ه

والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق السابع والمائتان بين قاعدة ما يضمنه الأجراء إذا هلك وبين قاعدة ما لا يضمنونه وهو أن الهلاك خمسة أقسام يضمن الأجراء المهلوك في قسمين أحدهما ما غرروا فيه بضعف حبل يضمنون قيمته بموضع الهلاك لأنه موضع أثر التفريط ولهم من الكراء بحسابه وقيل بموضع الحمل لأنه منه ابتداء التعدي وثانيهما ما هلك بقولهم من الطعام لا يصدقون فيه لقيام التهمة ولهم الكراء كله لأن شأن الطعام امتداد الأيدي إليه لأنهم استحقوه بالعقد ولا يضمنونه في ثلاث أقسام أحدها ما هلك بسبب حامله من عثار أو ضعف حبل لم يغرر به أو ذهاب دابة أو سفينة بما فيها فلا ضمان ولا أجرة ولا عليه أن يأتي بمثله ليحمله قاله مالك وقال غيره ما هلك بعثار كالهالك بأمر سماوي

وقال ابن نافع لرب السفينة بحساب ما بلغت وثانيها ما هلك بأمر سماوي بالبينة فله الكراء كله وعليه حمل مثله من موضع الهلاك لأن أجزاء المنفعة مضمونة عليه وثالثها ما هلك بأيديهم من العروض يصدقون فيه لعدم التهمة ولهم الكراء كله وعليهم حمل مثله من موضع الهلاك لأنهم لما صدقوا أشبه ما هلك بأمر سماوي

وقال ابن حبيب لهم من الكراء بحسب ما بلغوا ويفسخ الكراء لأنه لما كان لا يعلم إلا من قولهم أشبه ما هلك بعثار وفي بداية المجتهد لحفيد ابن رشد أن الضمان عند الفقهاء على وجهين أحدهما ما كان بالتعدي وهو أن مالكا جعل عثار الدابة لو كانت عثورا تعديا من صاحب الدابة يضمن بها الحمل وكذلك إن كانت الحبال رثة

____________________

(4/31)

قاله مالك وقال غيره ما هلك بعثار كالهالك بأمر سماوي وقال ابن نافع لرب السفينة بحساب ما بلغت

الثاني ما غر فيه بضعف حبل يضمن القيمة بموضع الهلاك لأنه موضع التفريط وله من الكراء بحسابه وقيل بموضع الحمل لأنه منه ابتداء التعدي

الثالث ما هلك بأمر سماوي بالبينة فله الكراء كله وعليه حمل مثلهم من موضع الهلاك لأن أجزاء المنفعة مضمونة عليه

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وثانيهما ما كان لمكان المصلحة وحفظ الأموال وهو ضمان الصناع وذلك أنه لا خلاف عندهم أن الأجير ليس بضامن لما هلك عنده مما استؤجر عليه إلا أن يتعدى ما عدا حامل الطعام والطحان فإن مالكا ضمنه ما هلك عنده إلا أن تقوم له بينة على هلاكه من غير سببه ومشهور مالك في صاحب الحمام أنه لا يضمن

وقد قيل يضمن وشذ أشهب فضمن الصناع ما قامت البينة على هلاكه عندهم من غير تعد منهم ولا تفريط وأما ما ادعوا هلاكه من المصنوعات المدفوعة إليهم فإنهم اختلفوا في تضمينهم فقال مالك وابن أبي ليلى وأبو يوسف يضمنون ما هلك عندهم

وقال أبو حنيفة لا يضمن من عمل بغير أجر ولا الخاص ويضمن المشترك ومن عمل بأجر وللشافعي قولان في المشترك والخاص عندهم هو الذي يعمل في منزل المستأجر وقيل هو الذي لم ينتصب للناس وهو مذهب مالك في الخاص وهو عنده غير ضامن وتحصيل مذهب مالك على هذا أن الصانع المشترك يضمن سواء عمل بأجر أو بغير أجر وبتضمين الصناع قال علي وعمر وإن كان قد اختلف عن علي في ذلك وعمدة من لم ير الضمان عليهم أنه شبه الصانع بالمودع عنده والشريك والوكيل وأجير الغنم ومن ضمنه فلا دليل له إلا النظر إلى المصلحة وسد الذريعة

وأما من فرق بين أن يعملوا بأجر أو لا يعملوا بأجر فلأن العامل بغير أجر إنما قبض المعمول لمنفعة صاحبه فقط فأشبه المودع وإذا قبضها بأجر فالمنفعة لكليهما فغلبت منفعة القابض فأشبه القرض والعارية عند الشافعي وكذلك أيضا من ينصب نفسه لم يكن في تضمينه سد ذريعة ولا خلاف أن الصناع لا يضمنون ما لم يقبضوا في منازلهم واختلف أصحاب مالك إذا قامت البينة على هلاك المصنوع وسقط الضمان عنهم هل تجب لهم الأجرة أم لا إذا كان هلاكه بعد إتمام الصنعة أو بعد تمام بعضها فقال ابن القاسم لا أجرة لهم

وقال ابن المواز لهم الأجرة ووجه ما قال ابن المواز أن المصيبة إذا نزلت بالمستأجر فوجب أن لا يمضي عمل الصانع باطلا ووجه ما قال ابن القاسم أن الأجرة إنما استوجبت في مقابلة العمل فأشبه ذلك إذا هلك بتفريط من الأجير

وقول ابن المواز أقيس وقول ابن القاسم أكثر نظرا إلى المصلحة لأنه رأى أن يشتركوا في المصيبة ومن هذا الباب اختلافهم في ضمان صاحب السفينة فقال مالك لا ضمان عليه وقال أبو حنيفة عليه إلا من الموج

____________________

(4/32)

الرابع ما هلك بقولهم من الطعام لا يصدقون فيه لقيام التهمة ولهم الكراء كله لأن شأن الطعام امتداد الأيدي إليه لأنهم استحقوه بالعقد

الخامس ما هلك بأيديهم من العروض يصدقون فيه لعدم التهمة ولهم الكراء كله وعليهم حمل مثله من موضع الهلاك لأنهم لما قصدوا أشبه ما هلك بأمر سماوي وقال ابن حبيب لهم من الكراء بحسب ما بلغوا ويفسخ الكراء لأنه لما كان لا يعلم إلا من قولهم أشبه ما هلك بعثار الفرق الثامن والمائتان بين قاعدة ما يمنع فيه الجهالة وبين قاعدة ما يشترط فيه الجهالة بحيث لو فقدت فيه الجهالة فسد أما ما تفسده الجهالة فهو البياعات كما تقدم وكثير من الإجارات ومن الإجارات قسم

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وأصل مذهب مالك أن الصناع يضمنون كل ما أتى على أيديهم من خرق أو كسر في المصنوع أو قطع إذا عمله في حانوته وإن كان صاحبه قاعدا معه إلا فيما كان فيه تغرير من الأعمال مثل ثقب الجوهر ونقش الفصوص وتقويم السيوف واحتراق الخبز عند الفران والطبيب يموت العليل من معالجته وكذلك البيطار إلا أن يعلم أنه تعدى فيضمن حينئذ

وأما الطبيب وما أشبهه إذا أخطأ في فعله وكان من أهل المعرفة فلا شيء عليه في النفس والدية على العاقلة فيما فوق الثلث وفي ماله فيما دون الثلث وإن لم يكن من أهل المعرفة فعليه الضرب والسجن والدية قيل في ماله وقيل على العاقلة ومسائل هذا الباب كثيرة ا ه

المحتاج إليه منه مع بعض إصلاح والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق الثامن والمائتان بين قاعدة ما يمنع فيه الجهالة وبين قاعدة ما يشترط فيه الجهالة بحيث لو فقدت فيه الجهالة فسد اعلم أن الأصل في الشريعة أن الوصف يبعد اقتضاؤه للضدين أو النقيضين فإذا ناسب حكما نافى ضده وقد يناسب الوصف الإثبات والنفي أو الضدين ويترتبان عليه في الشريعة وهو وإن كان قليلا في الفقه إلا أنهم جعلوه قاعدة شرعية تعرف عندهم بجمع الفرق وضابطها أن كل معين يوجب مصلحة أو مفسدة في محل وباعتبار نسبة ويوجب نقيضها في محل آخر وباعتبار نسبة أخرى فإنه يوجب الضدين وسمي بجمع الفرق لأنه يجمع المفرقات وهي الأضداد وله نظائر منها الحجر فإنه عبارة عن صون مال المحجور عليه على مصالحه وهو يقتضي رد تصرفاته في حالة حياته وتنفيذها بوصاياه لأنا لو رددنا الوصايا لحصل المال للوارث ولم ينتفع به المحجور عليه ومنها القرابة للمكلف توجب برهم بدفع ماله لهم إذا كان غير زكاة وتوجب منعهم من دفع ماله إذا كان زكاة فيحرموا إياها وتعطى لغيرهم بسبب القرابة ومنها أقرباء رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب برهم بسد خلاتهم بالمال إذا كان غير زكاة ويحرم دفع المال إليهم إذا كان زكاة فصار قربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجب دفع المال ومنع المال باعتبار مالين ونسبتين ومنها الجهالة وجودها يوجب في البياعات

____________________

(4/33)

لا يجوز تعيين الزمان فيه بل يترك مجهولا وهو الأعمال في الأعيان كخياطة الثياب ونحوها لا يجوز أن يعين زمان الخياطة بأن يقول له اليوم مثلا فتفسد لأن ذلك يوجب الغرر بتوقع تعذر العمل في ذلك اليوم بل مصلحته ونفي الغرر عنه أن يبقى مطلقا وكذلك الجعالة لا يجوز أن يكون العمل فيها محددا معلوما لأن ذلك يوجب الغرر في العمل بأن لا يجد الآبق في ذلك الوقت ولا بذلك السفر المعلوم بل نفي الغرر عن الجعالة بحصول الجهالة فيها والجهالة في هذين القسمين شرط وإن كانت في غيرهما مانعا وها هنا قاعدة شرعية تعرف بجمع الفرق وهي أن يكون المعنى المناسب يناسب

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وأكثر أنواع الإجارات الإخلال بمصالح العقود فكانت في ذلك مانعة ويوجب في قسم من الإجارات وهو الأعمال في الأعيان كخياطة الثياب ونحوها

وفي الجعالة تحصيل مصلحة عقد ذلك القسم من الإجارات وعقد الجعالة فكانت في ذلك شرطا بحيث لو فقدت فيه فسد فلا يجوز أن يعين زمان الخياطة بأن يقول له اليوم مثلا بل يفسد العقد بذلك لأنه يوجب الغرر بتوقع تعذر العمل في ذلك اليوم بل مصلحته ونفي الغرر عنه أن يبقى مطلقا ولا يجوز أن يكون العمل في الجعالة محدودا معلوما لأن ذلك يوجب الغرر في العمل وذلك لأنا إذا قيدنا عليه العمل وقدرناه معلوما فإذا فعل ذلك العمل المعلوم ولم يجد الآبق في ذلك الوقت ولا بذلك السفر المعلوم ذهب عمله مجانا فضاعت مصلحة العقد فلذا كان نفي الغرر عن الجعالة بحصول الجهالة فيها وبالجملة فالجعالة في هذين القسمين شرط وإن كانت في غيرهما مانعا قال التسولي عند قول ابن عاصم في فصل ولا يحد بزمان لائق ما نصه أي لا يجوز أن يؤجل عمل الجعل بأجل ولا يقدر بزمن كيوم أو عشرة مثلا لأنه لا ينقضي الأجل قبل تمام العمل فيذهب سعيه باطلا قال خليل في مختصره بلا تقدير زمن إلا بشرط ترك متى شاء فيجوز حينئذ ضرب الأجل فيه كما مر وذلك لأنه مع عدم الشرط دخل على التمام فقوي الغرر بسبب ذلك مع ضرب الأجل بخلاف ما إذا شرط الترك متى شاء مع الأجل فقد دخل على التخيير فخف بذلك الغرر

وقال فيما مر فالجعالة تفارق الإجارة من وجوه فمنها إن ضرب الأجل يفسدها إلا أن يشترط المجهول الترك متى شاء بخلاف الإجارة فلا تصح بدون أجل ومنها أنها عقد غير لازم بخلاف الإجارة فإنها تلزم بالعقد ومنها أنه لا شيء له إلا بتمام العمل بخلاف الإجارة فإن له فيها بحساب ما عمل ا ه

المحتاج إليه منه

وقال عند قوله في فصل أحكام الإجارة العمل المعلوم من تعيينه يجوز فيه الأجر مع تبيينه وللأجير أجرة مكمله إن تم أو بقدر ما قد عمله إن العمل المعلوم من أجل تعين حده بالعمل أو بالأجل وذكر صفته فالأول كقوله أؤاجرك على صبغ هذا الثوب أو دبغ هذا الجلد أو خياطة هذا الثوب وبين له صفة الصبغ والدبغ والخياطة والثاني كقوله أؤاجرك على بناء يوم أو خياطة شهر أو حراثة يومين ونحو ذلك فالعمل الذي هو الدبغ والصبغ ونحوهما لا بد أن يكون معلوما لهما ولا بد أيضا أن يكون محدودا

____________________

(4/34)

الإثبات والنفي أو يناسب الضدين ويترتبان عليه في الشريعة وهو قليل في الفقه فإن الوصف إذا ناسب حكما نافى ضده أما اقتضاؤه لهما فبعيد كما تقدم بيانه في الجعالات والإجارات ومن ذلك أيضا الحجر يقتضي رد التصرفات وإطلاق التصرفات في حالة الحياة صونا لمال المحجور عليه على مصالحه وتنفذ وصاياه صونا لماله على مصالحه لأنا لو رددنا الوصايا لحصل المال للوارث ولم ينتفع به المحجور عليه فصار صون المال على المصالح يقتضي تنفيذ التصرفات ورد التصرفات وكذلك القرابة توجب البر بدفع المال وتوجب المنع من دفع المال إذا كان زكاة فيحرموا إياها وتعطى لغيرهم بسبب القرابة وكذلك أقرباء رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب برهم بسد خلاتهم بالمال ويحرم دفع المال إليهم إذا كان زكاة فصار قربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجب دفع المال ومنع المال باعتبار مالين ونسبتين وكذلك كل معنى يوجب مصلحة أو مفسدة ويوجب نقيضها في محل آخر وباعتبار نسبة أخرى فإنه يوجب الضدين وهو ضابط جمع الفرق وسمي بذلك لأنه يجمع المفرقات وهي الأضداد فكذلك الجهالة توجب الإخلال بمصالح العقود في البياعات وأكثر أنواع الإجارات فكانت مانعة ووجودها يوجب تحصيل مصلحة عقد الجعالة حتى يبقى المجعول له على طلبه فيجد الآبق فلا يذهب عمله المتقدم مجانا فإذا قيدنا عليه العمل وقدرناه معلوما فإذا فعل ذلك العمل المعلوم ولم يجد الآبق ذهب عمله مجانا فضاعت مصلحة العقد

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

إما بالفراغ منه كخياطة ثوب وطحن إردب وإما بضرب أجل كخياطة يوم أو صبغه أو دبغه أو طحنه فالمصنوعات إما أن تحدد بالفراغ أو بالأجل وغيرها كالرعاية والخدمة المعروفة ونحوهما يحد بضرب الأجل لا غير فإن جمع بين الأجل والعمل كقوله خط هذا الثوب في هذا اليوم بدرهم أو أكتري منك دابتك لتركبها إلى محل كذا في هذا اليوم أو أؤاجرك لتوصل الكتاب لمحل كذا في هذا اليوم أو الشهر بدرهم فهل تفسد مطلقا أو إنما تفسد إن كان الأجل مساويا للعمل أو أنقص منه لا إن كان الأجل أكثر من العمل فلا تفسد فيه خلاف خليل وهل تفسد إن جمعهما وتساوي أو مطلقا خلاف ومن ذلك الاستئجار على بيع ثوب مثلا لكن لما لم يكن البيع في مقدور الأجير كان جعالة إن حده بالعمل وهو تمام العمل وإجارة إن حده بالزمن ويستحق أجره بمضي الزمن حينئذ وإن لم يبع ا ه

المحتاج إليه منه والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(4/35)

الفرق التاسع والمائتان بين قاعدة ما مصلحته من العقود في اللزوم وبين قاعدة ما مصلحته عدم اللزوم اعلم أن الأصل في العقد اللزوم لأن العقد إنما شرع لتحصيل المقصود من المعقود به أو المعقود عليه ودفع الحاجات فيناسب ذلك اللزوم دفعا للحاجة وتحصيلا للمقصود غير أن مع هذا الأصل انقسمت العقود قسمين أحدهما كذلك كالبيع والإجارة والنكاح والهبة والصدقة وعقود الولايات فإن التصرف المقصود بالعقد يحصل عقيب العقد والقسم الآخر لا يستلزم مصلحته مع اللزوم بل مع الجواز وعدم اللزوم وهو خمسة عقود الجعالة والقراض والمغارسة والوكالة وتحكيم الحاكم ما لم يشرع في الحكومة وأن الجعالة لو شرعت لازمة مع أنه قد يطلع على فرط بعد مكان الآبق أو عدمه مع دخوله على الجهالة بمكانه فيؤدي ذلك لضرورة فجعلت جائزة لئلا تجتمع الجهالة بالمكان واللزوم وهما متنافيان وكذلك القراض حصول لربح فيه مجهول فقد يتصل به أن السلع متعذرة أو لا يحصل فيها ربح فإلزامه بالسفر مضرة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الفرق التاسع والمائتان بين قاعدة ما مصلحته من العقود في اللزوم وبين قاعدة ما مصلحته منها في عدم اللزوم اعلم أن الأصل في العقد اللزوم لأنه إنما شرع لتحصيل المقصود من المعقود به أو المعقود عليه ودفع الحاجات والمناسب لذلك هو اللزوم إلا أن العقود مع هذا الأصل بالنسبة إلى لزومها بالقول وعدم لزومها به على ثلاثة أقسام ما يلزم اتفاقا أو على الراجح وهو أربعة النكاح والبيع والكراء والمساقاة وما لا يلزم به وهو أربعة الجعل والقراض والتوكيل والتحكيم وما هو مختلف فيه هل يلزم به أم لا وفي ذلك يقول ابن غازي أربعة بالقول عقدها فرا بيع نكاح وسقاء وكرا لا الجعل والقراض والتوكيل والحكم بالفعل بها كفيل لكن في الغراس والمزارعه والشركات بينهم منازعه وفرا آخر الشطر الأول بالفاء بمعنى قطع ومنه فرى الأوداج أي قطعها كما في شرح التاودي والتسولي على العاصمية فالقسم الأول جرى على الأصل المذكور اتفاقا كما في غير المساقاة من الأربعة المذكورة في نظم ابن غازي وعلى الراجح كما في المساقاة قال ابن عرفة وفيما يلزم به أربعة أقوال الأول العقد وهو نقل الأكثر عن المذهب ومذهب المدونة والثاني الشروع وهو قول أشهب والمتيطي والصقلي والثالث حوز المساقى فيه وهو ما حكاه الباجي عن بعض القرويين من أنه لو مات قبل الحوز بطلت المساقاة وليس كالعقود اللازمة

____________________

(4/36)

بغير حكمة ولا يحصل مقصود العقد الذي هو الربح وكذلك المغارسة مجهولة العاقبة في نبات الشجر وجودة الأرض ومئونات الأسباب على معاناة الشجر مع طول الأيام فقد يطلع على تعذر ذلك أو فرط بعده فإلزامه بالعمل ضرر من غير حصول المقصود وكذلك

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وإن لم تقبض ولعله تعلق بما روي في عين السقي تغور إن كان قبل العمل فلا شيء على رب الحائط وإن كان بعده لزمه أن ينفق بقدر ما يقع له من الثمرة قلت ظاهره إن غارت بعد العمل لزم رب الحائط أن ينفق بقدر حظه وهو خلاف قولها في أكرية الدور من أخذ نخلا مساقاة فغار ماؤها بعد أن سقى فله أن ينفق فيها بقدر حظ رب النخل من ثمرته تلك السنة وهذا إنما هو بالعمل لا بالجواز والرابع أولها لازم وآخرها كالجعل إذا عجز وترك قبل تمامها فلا شيء له وهو قول سحنون كما حكاه عنه اللخمي لكن هذا حكم العجز على القول الأول لا قول غير الأول وإن كان هو مقتضى كلام اللخمي ا ه

كلام ابن عرفة بتصرف قال الرهوني وكنون فالمسلم عنده إنما هو القول الأول والثاني ا ه

قال الأصل وهذا القسم كالبيع والإجارة والنكاح والهبة والصدقة وعقود الولايات فإن التصرف المقصود بالعقد عقيب العقد ا ه

والقسم الثاني قال الأصل لا يستلزم مصلحة مع اللزوم بل مع الجواز وعدم اللزوم وهو خمسة عقود الجعالة والقراض والمغارسة والوكالة وتحكيم الحاكم ما لم يشرع في الحكومة فاشترك الجميع في عدم انضباط العقد بحصول مقصوده فكان الجميع على الجواز

أما الجعالة فلأنها لو شرعت لازمة مع أنه قد يطلع على فرط بعد مكان الآبق أو عدمه مع دخوله على الجهالة بمكانه فيؤدي ذلك لضرورة فجعلت جائزة لئلا تجمع الجهالة بالمكان واللزوم وهما متنافيان

وأما القراض فلأن حصول الربح فيه مجهول فقد يتصل به أن السلع متعذرة أو لا يحصل فيه ربح فإلزامه بالسفر مضرة بغير حكمة ولا يحصل مقصود العقد الذي هو الربح وأما المغارسة وهي كما في التوضيح أن يعطي الرجل أرضه لمن يغرس فيها عددا من الأشجار فإذا بلغت كذا وكذا كانت الأرض والأشجار بينهما ا ه

فلأنها مجهولة العاقبة في ثبات الشجر وجودة الأرض ومؤنات الأسباب على مؤنات الشجر مع طول الأيام فقد يطلع على تعذر ذلك أو فرط بعده فإلزامه بالعمل ضرر من غير حصول المقصود وأما الوكالة فقد يطلع فيما وكل عليه على تعذر أو ضرر فجعلت على الجواز وأما تحكيم الحاكم فلأنه خطر على المحكوم عليه لما فيه من اللزوم إذا حكم وقد يطلع الخصمان على سوء العاقبة في ذلك فنفيا للضرر عنهما لم يشرع اللزوم في حقيهما ا ه

كلام الأصل بزيادة والقسم الثالث أهمله الأصل بل عد المغارسة التي جعلها ابن غازي منه وتبعه التاودي والتسولي من القسم الثاني وحصره في خمسة عقود المغارسة مع الأربعة التي في نظم ابن غازي ولم يحصر القسم الأول في الأربعة التي حصره فيها ابن غازي بل زاد عليها الهبة والصدقة وعقود الولايات وأدخل بالكاف المزارعة والشركات كما أدخل بها المساقاة وصحح العلامة ابن الشاط كلامه حتى صار مقتضى كلامهما أن الذي ترجح عندهما من المنازعة في المغارسة قول بعدم اللزوم بالقول وفي المزارعة والشركات القول باللزوم بالقول وكذلك في الهبة والصدقة وعقود الولايات فإن مفاد كلام

____________________

(4/37)

الوكالة قد يطلع فيما وكل عليه على تعذر أو ضرر فجعلت على الجواز وتحكيم الحاكم خطر على المحكوم عليه لما فيه من اللزوم إذا حكم فقد يطلع الخصمان على سوء العاقبة في ذلك فلا يشرع اللزوم في حقيهما نفيا للضرر عنهما واشترك الجميع في عدم انضباط العقد بحصول مقصوده فكان الجميع على الجواز الفرق العاشر والمائتان بين قاعدة ما يرد من القراض الفاسد إلى قراض المثل وبين قاعدة ما يرد منه إلى أجرة المثل اعلم أن الأصل الرد إلى قراض المثل كسائر أبواب الفقه ولأنه العمل الذي دخل عليه قال القاضي عياض في التنبيهات مذهب المدونة أن الفاسد من القراض يرد إلى أجرة مثله إلا في تسع مسائل القراض بالعروض وإلى أجل وعلى الضمان والمبهم وبدين يقتضيه من أجنبي وعلى شرك في المال وعلى أنه لا يشتري إلا بالدين فاشترى بالنقد وعلى أنه لا يشتري إلا سلعة معينة لما لا يكثر وجوده فاشترى غيرها وعلى أن يشتري عبد فلان بمال القراض ثم يبيعه ويتجر بثمنه وألحق بالتسعة عاشرة من غير

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

التاودي والتسولي أنها من القسم الثالث لتصريحهما بحصر الأول وكذا الثاني في أربعة دون الثالث فتأمل ذلك والله أعلم

الفرق العاشر والمائتان بين قاعدة ما يرد من القراض الفاسد إلى قراض المثل وبين قاعدة ما يرد منه إلى أجرة المثل القراض قال ابن عرفة هو تمكين مال لمن يتجر به بجزء من ربحه لا بلفظ إجارة قال ابن عاصم والنقد والحضور والتعيين من شرطه ويمنع التضمين ولا يسوغ جعله إلى أجل وفسخه مستوجب إذا نزل ولا يجوز شرط شيء ينفرد به من الربح وإن يقع يرد قال التسولي في شرحه عليه ذكر الناظم من شروط القراض ثلاثة النقد والحضور والتعيين ومن الموانع ثلاثة الضمان والأجل واشتراط شيء ينفرد به أحدهما والشرط ما يطلب وجوده والمانع ما يطلب عدمه

وقد بقي عليه شروط أخر وموانع أخر انظرها في خليل وغيره ا ه

والأصل في فاسده الرد إلى قراض المثل كسائر أبواب الفقه ولأنه العمل الذي دخل عليه إلا أن صاحب القبس حكى فيه خمسة أقوال الأول عن مالك الرد إلى قراض المثل مطلقا جريا على الأصل المذكور الثاني عن الشافعي وأبي حنيفة وعبد الملك الرد إلى الأجرة مطلقا نظرا لاستيفاء العمل بغير عقد صحيح وإلغاء الفاسد بالكلية والثالث عن ابن القاسم إن كان الفساد في العقد فقراض المثل أو لزيادة فأجرة المثل الرابع عن محمد بن المواز الأقل من قراض المثل والمسمى

والخامس تفصيل ابن القاسم الذي ذكره عياض في التنبيهات حيث قال مذهب المدونة إن الفاسد من القراض يرد إلى أجرة مثله إلا في تسع مسائل القراض بالعروض وإلى أجل وعلى الضمان والمبهم وبدين يقتضيه من أجنبي وعلى شرك في

____________________

(4/38)

الفاسد ففي الكتاب إذا اختلفا وأتيا بما لا يشبه له قراض المثل والضابط كل منفعة اشترطها أحدهما على صاحبه ليست خارجة عن المال ولا خالصة لمشترطها ومتى كانت خارجة عن المال أو كانت غررا حراما فأجرة المثل فعلى هذه الأمور الثلاثة تدور المسائل وعن مالك قراض المثل مطلقا

وقال الشافعي وأبو حنيفة وعبد الملك بالأجرة مطلقا نظرا لاستيفاء العمل بغير عقد صحيح وإلغاء الفاسد بالكلية قال صاحب القبس فيها خمسة أقوال ثالثها لابن القاسم إن كان الفساد في العقد فقراض المثل أو لزيادة فأجرة المثل ورابعها لمحمد الأقل من قراض المثل المسمى وخامسها تفصيل ابن القاسم وقد نظم بعضهم مسائل ابن القاسم فقال وأجرة مثل في القراض تعينت سوى تسعة قد خالف الشرع حكمه قراض عروض واشتراط ضمانه وتحديد وقت والتباس يعمه وإن شرطا في المال شركا لعامل وأن يشترى بالدين فاختل رسمه وأن يشترى غير المعين للشرا وأعط قراض المثل من حال غرمه وأن يقتضي الدين الذي عند غيره ويتجر فيه عاملا لا يذمه

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

المال وعلى أنه لا يشتري إلا بالدين فاشترى بالنقد وعلى أنه لا يشتري إلا سلعة معينة لما لا يكثر وجوده فاشترى غيرها وعلى أن يشتري عبد فلان بمال القراض ثم يبيعه ويتجر بثمنه قال الأصل ولحق بالتسعة عاشرة من غير الفاسد ففي الكتاب أي المدونة إذا اختلفا أي في الربح وأتيا بما لا يشبه له قراض المثل والضابط كل منفعة اشترطها أحدهما على صاحبه ليست خارجة عن المال ولا خالفته فهي لمشترطها ومتى كانت خارجة عن المال أو كانت غررا حراما فأجرة المثل فعلى هذه الأمور الثلاثة تدور المسائل قال وقال بعض الأصحاب وضابطها كل ما يشترط فيه رب المال على العامل أمرا قصره به على نظره أو يشترط زيادة لنفسه أو شرطها العامل لنفسه فأجرة المثل وإلا فقراض المثل

ومنشأ الخلاف أمران أحدهما أن المستثنيات من العقود إذا فسدت هل ترد إلى صحيح أنفسها وهو الأصل كفاسد البيع أو إلى صحيح أصلها لأن المستثنى إنما استثني لأجل مصلحته الشرعية المعتبرة في العقد الصحيح فإذا لم توجد تلك المصلحة بطل الاستثناء ولم يبق إلا الأصل فيرد إليه والشرع لم يستثن الفاسد فهو مبني على العدم وله أصل يرجع إليه وسر الفرق بينه وبين البيع أن البيع ليس له أصل آخر يرجع إليه بخلاف القراض الأمر الثاني أن أسباب الفساد إذا تأكدت في القراض أو غيره بطلت حقيقة المستثنى بالكلية فتتعين الإجارة وإذا لم تتأكد اعتبرنا القراض ثم بقي النظر بعد ذلك في المفسد هل هو متأكد أم لا نظرا في تحقيق المناط قال

وقد نظم بعضهم مسائل ابن القاسم فقال وأجرة مثل في القراض تعينت سوى تسعة قد خالف الشرع حكمه قراض عروض واشتراط ضمانه وتحديد وقت والتباس يعمه

____________________

(4/39)

وأن يشتري عبدا لزيد يبيعه ويتجر فيما ابتاعه ويلمه قال بعض الأصحاب وضابطها كل ما يشترط فيه رب المال على العامل أمرا قصره به على نظره أو يشترط زيادة لنفسه أو شرطها العامل لنفسه فأجرة المثل وإلا فقراض المثل

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وأن شرطا في المال شركا لعامل وأن يشتري بالدين فاختل رسمه وأن يشتري غير المعين للشرا وأعط قراض المثل من حال غرمه وأن يقتضي الدين الذي عند غيره ويتجر فيه عاملا لا يذمه وأن يشتري عبدا لزيد يبيعه ويتجر فيما ابتاعه ويلمه ا ه

كلام الأصل قال التاودي في شرحه على العاصمية وفيما يجب لعامل القراض عند فساده ثلاث روايات كما في ابن الحاجب عن مالك فروى عنه أشهب أن الواجب قراض المثل وروى غيره أجرة المثل والفرق بين أجرة المثل وقراض المثل من جهتين الأولى أجر المثل في الذمة وقراض المثل في الربح فإن لم يكن فلا شيء والثانية أجرة المثل يحاصص بها الغرماء وقراض المثل يقدم فيه عليهم والثالثة بالتفصيل بين ما يرد لأجرة المثل وما يرد لقراض المثل به ثم اختلف فقيل التفصيل بالحد وقيل بالعد وعليه اقتصر خليل في مختصره وفي القراض بالعروض أو من وكل على دين أو ليصرف ثم يعمل فأجرة مثله في توليه ثم قراض مثله في ربحه كلك شرك ولا عادة أو مبهم أو أجل أو اشتر سلعة فلان ثم اتجر في ثمنها أو بدين أو ما يقل كاختلافهما في الربح وادعيا ما لا يشبه وفيما فسد غيره أجرة مثله في الذمة ونظم ذلك بعضهم فقال لكل قراض فاسد أجر مثله سوى تسعة قد فصلت ببيان قراض بدين أو بعرض ومبهم وبالشرك والتأجيل أو بضمان ولا يشتري إلا بدين فيشتري بنقد وأن يبتاع عقد فلان ويتجر في أثمانه بعد بيعه فهذي إن عدت تمام ثمان ولا يشتري ما لا يقل وجوده فيشري سواه اسمع لحسن بيان كذا ذكر القاضي عياض وإنه خبير بما يروي فصيح لسان وزيدت عاشرة فقال ابن غازي والحق بها ترك الشراء لبلدة بقيد به أضحى مقود جران يشير به لقول مالك في المدونة أيعطيه المال ويقود كما يقود البعير ا ه

كلام التاودي ببعض تصرف ويتحصل من كلامه وكلام الأصل أمور الأول أن القول الأول الذي حكاه في القبس عن مالك هو رواية أشهب عنه والثاني الذي حكاه عن الشافعي وأبي حنيفة وعبد الملك هو مروي عن مالك أيضا وأن الثالث والخامس هما رواية ابن القاسم عن مالك التفصيل وإما بالحد أو بالعد وأن الربع لم يرو عن مالك بل حكاه في القبس عن محمد الأمر الثاني أن المعتمد في المذهب من الأقوال الخمسة المذكورة هو رواية ابن القاسم عن مالك التفصيل لكن بخصوص العد لأنه الذي اقتصر عليه خليل في مختصره وسلمه من كتب عليه من المحققين وإن اقتصر ابن عاصم على القولين الأولين حيث قال

____________________

(4/40)

ومنشأ الخلاف أمران أحدهما المستثنيات من العقود إذا فسدت هل ترد إلى صحيح أنفسها وهو الأصل كفاسد البيع أو إلى صحيح أصلها لأن المستثنى إنما استثني لأجل مصلحته الشرعية المعتبرة في العقد الصحيح فإذا لم توجد تلك المصلحة بطل الاستثناء ولم يبق إلا الأصل فيرد إليه والشرع لم يستثن الفاسد فهو مبني على العدم وله أصل يرجع إليه وسر الفرق بينه وبين البيع أن البيع ليس له أصل آخر يرجع إليه الأمر الثاني أن أسباب الفساد إذا تأكدت في القراض أو غيره بطلت حقيقة المستثنى بالكلية فتتعين الإجارة وإذا لم تتأكد اعتبرنا القراض ثم يبقى النظر بعد ذلك في المفسد هل هو متأكد أم لا نظرا في تحقيق المناط

الفرق الحادي عشر والمائتان بين قاعدة ما يرد إلى مساقات المثل في المساقات وبين ما يرد إلى أجرة المثل قال أبو الطاهر في كتاب النظائر يرد العامل إلى أجرة المثل إلا في خمس مسائل فله مساقات المثل إذا ساقاه على حائط فيه تمر قد أطعم وإذا شرط العمل معه واجتماعها مع

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وأجر مثل أو قراض مثل لعامل عند فساد الأصل الأمر الثالث أن المسألة العاشرة التي ألحقها الأصل بالتسعة غير العاشرة التي ألحقها ابن غازي بها فإن عاشرة الأصل من غير الفاسد وهي ما في قول خليل كاختلافهما في الربح وادعيا ما لا يشبه وعاشر ابن غازي من الفاسد وعليه فالملحق مسألتان وجملة المسائل التي يجب فيها للعامل قراض المثل إحدى عشرة وما عداها يجب فيه له أجرة المثل

وقد نظمت عاشرة الأصل بقولي والحق بهذي الاختلاف بربحه وما ادعيا شبها جرى بزمان وفي شرح التسولي على العاصمية نصه ما ذكر ابن مغيث وصاحب النهاية أن العمل جرى بقراض المثل في أربعة فقط وهي القراض بالعروض أو بالجزء المبهم أو إلى أجل أو بضمان ويجمعها قولك ضمن العروض إلى أجل مبهم وما عدا هذه لأربع فيه أجرة المثل وذكر البرزلي عن ابن يونس أن كل ما يرجع لقراض المثل يفسخ ما لم يشرع في العمل فيمضي وكذا المساقاة وكل ما يرجع إلى أجر المثل بفسخ أبدا ا ه

بلفظه والله سبحانه وتعالى أعلم الفرق الحادي عشر والمائتان بين قاعدة ما يرد من المساقاة الفاسدة إلى قراض المثل وبين ما يرد منها إلى أجرة المثل المساقاة قال ابن عرفة هي عقد على عمل مؤنة النبات بقدر لا غير غلته لا بلفظ بيع أو إجارة أو جعل فيدخل قولها لا بأس بالمساقاة على أن كل الثمرة للعامل ومساقاة البعل ا ه

وهي مستثناة من المخابرة أي كراء الأرض بما يخرج منها عياض ولا تنعقد عند ابن القاسم إلا بلفظها خليل بساقيتك سحنون بما يدل ا ه

تاودي على العاصمية وفي التسولي على العاصمية قال أبو الحسن المساقاة تجوز بثمانية شروط أولها أنها لا تصح إلا في أصل بثمر أو ما في معناه من ذوات الأزهار والأوراق المنتفع بها كالورد والآس يعني الريحان ثانيها

____________________

(4/41)

البيع ومساقاة سنتين على جزأين مختلفين وإذا اختلفا وأتيا بما لا يشبه فحلفا على دعواهما أو نكلا وقد نظمها بعضهم فقال وأجرة مثل في المساقاة عينت سوى خمسة قد خالف الشرع حكمها

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

أن تكون قبل طيب الثمرة وجواز بيعها وثالثها أن تكون إلى مدة معلومة ما لم تطل جدا أو إلى الجذاذ إذا لم يؤجلا رابعها أن تكون بلفظ المساقاة لأن الرخص تفتقر إلى ألفاظ تختص بها خامسها أن تكون بجزء مشاع لا على عدد من آصع أو أوسق سادسها أن يكون العمل كله على العامل سابعها أن لا يشترط أحدهما من الثمرة ولا من غيرها شيئا معينا خاصا بنفسه ثامنها أن لا يشترط على العامل أشياء خارجة عن الثمار أو متعلقة بالثمرة ولكن تبقى بعد الثمرة مما له قدر وبال ا ه

وزاد بعضهم تاسعا وهو أن يكون الشجر مما لا يخلف ا ه

وقد تقدم عن التاودي ما في الشرط الرابع من الخلاف والأصل في فاسدها الرد إلى مساقاة المثل كما مر في القراض إلا أنهم خصوا هذا الأصل بمسائل قال أبو الطاهر في كتاب النظائر يرد العامل إلى أجرة المثل إلا في خمس مسائل فله مساقاة المثل إذا ساقاه على حائط فيه ثمر قد أطعم وإذا شرط العمل معه واجتماعها مع البيع ومساقاة سنتين على جزأين مختلفين وإذا اختلفا وأتيا بما لا يشبه فحلفا على دعواهما أو نكلا وقد نظمها بعضهم فقال وأجرة مثل في المساقاة عينت سوى خمسة قد خالف الشرع حكمها مساقاة إبان بدو صلاحها وجزءان في عامين شرط يعمها وإن شرط الساقي على مالك له مساعدة والبيع معها يضمها وإن حلفا في الخلف من غير شبهة أو اجتنبا الأيمان والجزم ذمها كما في الأصل ونص خليل في مختصره وفسخت فاسدة بلا عمل أو في أثنائه أو بعد سنة من أكثر إن وجبت أجرة المثل وبعده أجرة المثل إن خرجا عنها كأن ازداد عينا أو عرضا وإلا فمساقاة المثل ا ه

يعني أن المساقاة إذا وقعت فاسدة لأجل خلل بركن أو شرط أو وجود مانع فإن عثر عليها قبل شروع العامل في العمل وجب فسخها مطلقا وإن عثر عليها في أثناء العمل أو بعد سنة من أكثر منها فإنها تفسخ ويكون للعامل أجرة المثل فيما عمل أي له بحساب ما عمل كالإجارة الفاسدة إن وجبت له أجرة المثل أما إن وجب له مساقاة المثل فإنما يفسخ ما لم يعمل فإذا فات بابتداء العمل بما له بال لم تفسخ المساقاة إلى انقضاء أمدها وكان فيما بقي من الأعوام على مساقاة مثله للضرورة لأنه لا يدفع للعامل نصيبه إلا من الثمرة فلو فسخت لزم أن لا يكون له شيء لما علمت أن المساقاة كالجعل لا تستحق إلا بتمام العمل وإن اطلع على فسادها بعد الفراغ من العمل فإن خرجا عن المساقاة إلى الإجارة الفاسدة أو إلى بيع الثمرة قبل بدو صلاحها كأن زاد رب الحائط عينا أو عرضا من عنده وجب للعامل أجرة المثل وإن لم يخرجا عنها إلى ذلك وجب له مساقاة المثل ثم ذكر خليل المسائل التي تجب فيها له مساقاة المثل وعدها تسعا فقال كمساقاة مع ثمر أطعم أو مع بيع أو اشترط عمل ربه أو دابة أو غلام وهو صغير أو حمله لمنزله أو يكفيه مؤنة آخر أو اختلف الجزء

____________________

(4/42)

مساقاة إبان بدو صلاحها وجزءان في عامين شرط يعمها وإن شرط الساقي على مالك له مساعدة والبيع معها يضمها

هامش أنوار البروق

فارغه

هامش إدرار الشروق

بسنين أو حوائط ا ه

المسألة الأولى أن يساقيه على حائطين أحدهما قد أطعم ثمره والآخر لم يطعم أو يساقيه على حائط واحد فيه ثمر قد أطعم وفيه ثمر لم يطعم وليس تبعا لأنه بيع ثمر مجهول بشيء مجهول لا يقال أصل المساقاة كذلك لأنا نقول خرجت من أصل فاسد لا يتناول هذا فبقي على أصله

المسألة الثانية أن تجتمع مع بيع كأن يبيعه سلعة مع المساقاة ومثل البيع الإجارة وما أشبه ذلك مما يمتنع اجتماعه مع المساقاة قاله بعضهم بلفظ ينبغي

المسألة الثالثة إذا اشترط العامل على رب الحائط أن يعمل معه في الحائط لجولان يده على حائطه وأما لو كان المشترط رب الحائط ففيه أجرة المثل

المسألة الرابعة إذا اشترط العامل عمل دابة رب الحائط والحال أن الحائط صغير المسألة الخامسة إذا اشترط العامل عمل غلام رب الحائط والحال أن الحائط صغير لأنها حينئذ زيادة على رب الحائط ويجوز ذلك إذا كان الحائط كبيرا وفي شرح الشبرخيتي والظاهر الفساد في الرابعة والخامسة ولو أسقط الشرط المسألة السادسة إذا اشترط رب الحائط على العامل عند عقد المساقاة أن يحمل ما يخصه من الثمرة من الأندر إلى منزله للعلة السابقة وهذا إذا كان فيه بعد ومشقة وإلا جاز وكذلك لو اشترط العامل على رب الحائط أن يحمل ما يخصه إلى منزله أو اشترط رب الحائط على العامل ذلك كان له مساقاة مثله ما لم تكن أكثر من الجزء الذي شرط عليه إن كان الشرط للمساقى بفتح القاف أو أقل وإن كان الشرط للمساقي بكسر القاف كما في المقدمات المسألة السابعة إذا اشترط رب الحائط على العامل أن يكفيه مؤنة حائط آخر بأن يعمل نفسه بغير عوض أو بكراء فإن وقع وفات بالعمل فللعامل مساقاة مثله وفي الحائط الآخر أجرة مثله المسألة الثامنة إذا ساقاه على حائط واحد سنين معلومة سنة على النصف وسنة على الثلث وسنة على الربع ولعل المراد بالجمع ما زاد على سنة واحدة المسألة التاسعة إذا ساقاه على حوائط صفقة واحدة حائط على النصف وآخر على الثلث مثلا لاحتمال أن يثمر أحدهما دون الآخر وأما في صفقات فتجوز المساقاة ولو مع اختلاف الجزء ولعل المراد بالجمع ما فوق الواحد ثم ألحق بالتسعة عاشرة المساقاة فيها صحيحة مشبها لها في الرجوع إلى مساقاة المثل فقال كاختلافهما ولم يشبها ا ه

والمعنى أنهما إذا اختلفا بعد العمل في الجزء المشترط للعامل فقال دخلنا على النصف مثلا وقال رب الحائط بل على الربع مثلا والحال أنهما لم يشبه واحد منهما فإنهما يتحالفان أي يحلف كل على ما يدعيه مع نفي دعوى صاحبه ويرد العامل لمساقاة مثله ومثله إذا نكلا ويقضى للحالف على الناكل فإن أشبها معا فالقول للعامل مع يمينه فإن انفرد رب الحائط بالشبه فالقول قوله مع يمينه وأما إن اختلفا قبل فإنهما يتحالفان ويتفاسخان ولا ينظر لشبه ولا عدمه ونكولهما كحلفها وهذا بخلاف القراض فإنه لا تحالف فيه بل العامل يرد المال لأن القراض عقد جائز غير لازم ا ه

خرشي بتلخيص وزيادة من العدوي عليه وقد نظمت المسائل التسع وألحقت العاشرة بها فقلت وأجرة مثل في المساقاة إن عرا فساد سوى تسع ففيها تقررا

____________________

(4/43)

وإن حلفا في الخلف من غير شبهة أو اجتنبا الأيمان والحزم ذمها وسر الفرق ما تقدم في القراض بعينه والقواعد واحدة فيهما

الفرق الثاني عشر والمائتان بين الأهوية وبين قاعدة ما تحت الأبنية اعلم أن حكم الأهوية تابع لحكم الأبنية فهواء الوقف وقف وهواء الطلق طلق وهواء الموات موات وهواء المملوك مملوك وهواء المسجد له حكم المسجد فلا يقربه الجنب ومقتضى هذه القاعدة أن يمنع بيع هواء المسجد والأوقاف إلى عنان السماء لمن أراد غرز خشب حولها ويبني على رءوس الخشب سقف عليه بنيان ولم يخرج عن هذه القاعدة إلا فرع قال صاحب الجواهر يجوز إخراج الرواشن والأجنحة على الحيطان إلى طريق

هامش أنوار البروق

قال الفرق الثاني عشر والمائتان بين قاعدة الأهوية وبين قاعدة ما تحت الأبنية إلى قوله سقف عليه بنيان قلت ما قاله في ذلك حكاية للمذهب فلا كلام معه فيه قال ولم يخرج عن هذه القاعدة إلا فرع قال صاحب الجواهر ويجوز إخراج الروشن إلى قوله هذا تفصيل أحوال الأهوية قلت تعليله بقاء أهوية الطرق غير المستدة على حالها من قبولها للإحياء بعدم الضرورة الملجئة إليها مشعر بنقيض ما حكاه عن المذهب من أن حكم الهواء إلى عنان السماء حكم البناء فإنه لا

هامش إدرار الشروق

مساقاة مثل إن مع البيع أو ثمر غدا مطعما عقد المساقاة قررا وإن يك شرطا صنع رب بحائط كذا من غلام في صغير تحررا كذلك إن من دابة في صغيرة غدا الشرط أو حملا لمنزله جرى كذا إن غدا شرطا كفاية آخر أو الخلف في جزء بعامين صورا كذا إن جرى في حائطين بصفقة والحق بذي أن يحلفا عندما انبرا بلا شبهة خلف بجزء لعامل أو اجتنبا الأيمان في ذا بلا مرا قال في الأصل وسر الفرق أي بين ما يرد لأجرة المثل وما يرد لمساقاة المثل ما تقدم في القراض أي من الضابطين الذي ذكره هو والذي حكاه عن بعض الأصحاب ومن الأمرين اللذين ذكرهما في منشأ الخلاف قال والقواعد واحدة بينهما أي بين الفرض أو المساقاة فافهم والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق الثاني عشر والمائتان بين قاعدة الأهوية وبين قاعدة ما تحت الأبنية قال العلامة المحقق ابن الشاط ما خلاصته إن الصحيح أنه لا فرق بين الأمرين والدليل على ذلك أمور منها ما هو معلوم لا شك فيه من أن من ملك موضعا له أن يبني فيه ويرفع فيه البناء ما شاء ما لم يضر

____________________

(4/44)

المسلمين إذا لم تكن مستدة فإذا كانت مستدة امتنع إلا أن يرضى أهلها كلهم وسبب خروج الرواشن عن هذه القاعدة أن الأفنية هي بقية الموات الذي كان قابلا للإحياء فمنع الإحياء فيه لضرورة السلوك وربط الدواب وغير ذلك ولا ضرورة في الهواء فيبقى على حاله مباحا في السكة النافذة

وأما المستدة فلا لحصول الاختصاص وتعين الضرر عليهم

هذا تفصيل أحوال الأهوية وأما ما تحت الأبنية الذي هو عكس الأهوية إلى جهة السفل فظاهر المذهب أنه مخالف لحكم الأبنية فقد نص صاحب الطراز على أن المسجد إذا حفر تحته مطمورة يجوز أن يعبرها الجنب والحائض

وقال لو أجزنا الصلاة في الكعبة وعلى ظهرها لم نجزها في مطمورة تحتها فهذا تصريح بمخالفة الأهوية لما تحت الأبنية وكذلك اختلفوا فيمن ملك أرضا هل يملك ما فيها وما تحتها أم لا ولم يختلفوا في ملك ما فوق البناء من الهواء على ما علمت وقد

هامش أنوار البروق

ضرورة تلجئ إلى ذلك فمقتضى ذلك الاقتصار على ما تلجئ الضرورة إليه والمحكم في ذلك العادة فهذا موضع نظر

قال وأما ما تحت الأبنية إلى قوله وقد نص أصحابنا على بيع هواء لمن ينتفع به قلت ما قاله حكاية أقوال لا كلام فيه قال وسر الفرق بين القاعدتين أن الناس شأنهم توفر دواعيهم على العلو في الأبنية إلى قوله

ولو كان البناء على جبل أو أرض صلبة استغنوا عنه قلت ما قاله من أنه لا تتوفر الدواعي في بطن الأرض على أكثر مما يتمسك به البناء من الأساسات ليس بصحيح كيف وقد توفرت عليه دواعي كثير من الناس كحفر الأرض للجبوب والمصانع والآبار

هامش إدرار الشروق

بغيره وأن له أن يحفر فيه ما شاء ويعمق ما شاء إن لم يضر بغيره وإذا كانت القاعدة الشرعية أن لا يملك إلا ما فيه الحاجة فإن قيل لا حاجة فيما تحت الأبنية من تخوم الأرض فلا يشرع فيه الملك قلنا أي حاجة في البلوغ إلى عنان السماء وإن قيل إن البلوغ إلى عنان السماء مما فيه الحاجة فيملك بخلاف ما تحت الأبنية من تخوم الأرض فإن الدواعي لا تتوفر فيه على أكثر مما يتمسك به البناء من الأساسات فلا يملك إلا ما ألجأت الضرورة إليه قلنا ليس بصحيح كيف

وقد توفرت دواعي كثير من الناس على أكثر مما ذكر كحفر الأرض للجبوب والمصانع والآبار العميقة فما المانع من ملك ما تحت البناء لنحو ما ذكر من حفر بئر يعمقها حافرها ما شاء ومنها أن من أراد أن يحفر مطمورة تحت ملك غيره يتوصل إليها من ملك نفسه يمنع من ذلك بلا ريب ولا خلاف فلو كان ما تحت الأبنية ليس له حكم الأبنية بل هو باق على حكم قبوله للإحياء لما منع من ذلك ومنها أن فيما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من غصب شبرا من أرض طوقه من سبع أرضين بلا ريب إشعارا بملك ما تحت الشبر من الأرضين من جهة أن القاعدة أن العقوبة تكون بقدر الجناية وما قيل من أنه لا يلزم من العقوبة به أن يكون مملوكا لغير الله تعالى لا يدفع ذلك الإشعار نعم ظاهر المذهب أن ما تحت الأبنية الذي هو عكس الأهوية إلى جهة السفل مخالف لحكم الأبنية

____________________

(4/45)

نص أصحابنا على بيع الهواء لمن ينتفع به وسر الفرق بين القاعدتين أن الناس شأنهم توفر دواعيهم على العلو في الأبنية للاستشراف والنظر إلى المواضع البعيدة من الأنهار ومواضع الفرح والتنزه والاحتجاب عن غيرهم بعلو بنائهم وغير ذلك من المقاصد ولا تتوفر دواعيهم في بطن الأرض على أكثر مما يستمسك به البناء من الأساسات خاصة ولو كان البناء على جبل أو أرض صلبة استغنوا عنه والشرع له قاعدة وهو أنه إنما يملك لأجل الحاجة وما لا حاجة فيه لا يشرع فيه الملك فلذلك لم يملك ما تحت الأبنية من تخوم الأرض بخلاف الهواء إلى عنان السماء فهذا هو الفرق والمساجد والكعبة لما كانت بيوتا كانت المقاصد فيها لمن يدخلها متعلقة بهوائها دون ما تحت بنائها كالمملوكات فإن قلت ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من غصب شبرا من أرض طوقه

هامش أنوار البروق

العميقة هذه غفلة منه شديدة والذي يقتضيه النظر الصحيح أن حكم ما تحت الأبنية كحكم الأهوية ومما يدل على ذلك أن من أراد أن يحفر مطمورة تحت ملك غيره يتوصل إليها من ملك نفسه يمنع من ذلك بلا ريب ولا خلاف فلو كان ما تحت الأبنية ليس له حكم الأبنية بل هو باق على حكم قبوله للإحياء لما منع من ذلك والله أعلم

قال والشرع له قاعدة وهو أنه إنما يملك لأجل الحاجة وما لا حاجة فيه لا يشرع فيه الملك فلذلك لم يملك ما تحت الأبنية من تخوم الأرض بخلاف الهواء إلى عنان السماء قلت إذا كانت القاعدة الشرعية أن لا يملك إلا ما فيه الحاجة وأي حاجة في البلوغ إلى عنان

هامش إدرار الشروق

أما أولا فلأن صاحب الطراز قد نص على أن المسجد إذا حفر تحته مطمورة يجوز أن يعبره الجنب والحائض وقال لو أجزنا الصلاة في الكعبة وعلى ظهرها لم نجزها في مطمورة تحتها ا ه

وأما ثانيا فلأنهم اختلفوا فيمن ملك أرضا هل يملك ما فيها وما تحتها أم لا وأما الأهوية فقد اتفقوا فيها على قاعدة أن حكمها تابع لحكم الأبنية فهواء الوقف وقف وهواء الطلق طلق وهواء الموات موات وهواء المملوك مملوك وهواء المسجد له حكم المسجد فلا يقربه الجنب والحائض ومن ثم لم يختلفوا في ملك ما فوق البناء من الهواء اختلافهم في ملك ما تحته من تخوم الأرض بل قد نص أصحابنا على بيع الهواء لمن ينتفع به ومقتضى هذه القاعدة أن يمنع بيع هواء المسجد والأوقاف إلى عنان السماء لمن أراد غرز خشب حولها ليجعل على رءوس الخشب سقفا عليه بناء وأن يمنع إخراج الرواشن والأجنحة على الحيطان إلى طريق المسلمين وإن لم تكن مستدة إلا أن يرضى أهلها كلهم أو يقتصر على ما تلجئ الضرورة إليه والمحكم في ذلك العادة فيكون قول صاحب الجواهر يجوز إخراج الرواشن والأجنحة على الحيطان إلى طريق المسلمين إذا لم تكن مستدة فإذا كانت مستدة امتنع إلا أن يرضى أهلها كلهم ا ه

موضع نظر فهذا كله لا شك تصريح بمخالفة الأهوية لما تحت الأبنية وأن بينهما فرقا إلا أن سره الذي ذكره الشهاب لم يظهر بل بقي سرا كما كان ا ه

فتأمل بإمعان لعلك تظفر بسره والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(4/46)

من سبع أرضين وهذا يدل على ملك ما تحت ذلك الشبر إلى الأرض السابعة قلت تطويقة ذلك إنما كان عقوبة لا لأجل ملك صاحب الشبر إلى الأرض السابعة ولا يلزم من العقوبة بالشيء أن يكون مملوكا لغير الله عز وجل الفرق الثالث عشر والمائتان بين قاعدة الأملاك الناشئة عن الإحياء وبين قاعدة الأملاك الناشئة عن غير الإحياء اعلم أن هذا الموضع مشكل على مذهبنا في ظاهر الأمر فإن الإحياء عندنا إذا ذهب

هامش أنوار البروق

السماء وإذا كانت القاعدة أنه يملك مما فيه الحاجة فما المانع من ملك ما تحت البناء لحفر بئر يعمقها حافرها ما شاء فما ذكر من سر الفرق لم يظهر وبقي سرا كما كان فالصحيح أنه لا فرق بين الأمرين ومن الدليل على ذلك ما هو معلوم لا شك فيه من أن من ملك موضعا له أن يبني فيه ويرفع فيه البناء ما شاء ما لم يضر بغيره وأن له أن يحفر فيه ما شاء ويعمق ما شاء ما لم يضر بغيره قال فإن قلت ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من غصب شبرا من أرض طوقه من سبع أرضين إلى آخر ما قاله في الجواب قلت لا شك أن في الحديث إشعارا بملك ما تحت الشبر من الأرضين من جهة أن القاعدة أن العقوبة تكون بقدر الجناية وما قاله من أنه لا يلزم من العقوبة بأن يكون مملوكا لغير الله تعالى لا يدفع ذلك الإشعار والله أعلم

قال الفرق الثالث عشر والمائتان بين قاعدة الأملاك الناشئة عن الإحياء وبين قاعدة الأملاك الناشئة عن غير الإحياء إلى منتهى قوله وهذا مساو للمسألة في العود للحالة السابقة قلت ما قاله حكاية أقوال واحتجاج ولا كلام في ذلك قال والجواب عن الأول أن الحديث يدل لنا بسبب أن القاعدة أن ترتيب الحكم على الوصف يدل على علية ذلك الوصف لذلك الحكم وقد رتب الملك على وصف الإحياء فيكون الإحياء سببه وعلته والحكم ينتفي لانتفاء علته وسببه فيبطل الملك بهذا الحديث لهاتين القاعدتين

هامش إدرار الشروق

الفرق الثالث عشر والمائتان بين قاعدة الأملاك الناشئة عن الإحياء وبين قاعدة الأملاك الناشئة عن غير الإحياء بناء على مذهبنا في الإحياء من أنه إذا ذهب الملك وصار مواتا كما كان وكان لغير من أحياه أولا أن يحييه فهو عندنا مخالف لغيره من أسباب الملك القولية فإنها لا يبطل الملك ببطلان أصواتها وانقطاعها وذلك أن الإحياء لما كان من الأسباب الفعلية التي لا ترد إلا على غير ملك سابق ضرورة أنه سبب تملك به المباحات من الأرض كان ضعيفا يذهب الملك الناشئ عنه بذهابه كما يبطل تملك الصيد الحاصل بالاصطياد بتوحشه وتملك السمك برجوعه في النهر وتملك الماء باختلاطه بالنهر وتملك الطير والنحل بانفلاته وتوحشه

____________________

(4/47)

ذهب الملك وكان لغيره أن يحييه ويصير مواتا كما كان

وقال سحنون والشافعي رضي الله عنهما لا يزول الملك بزوال الإحياء لوجوه الأول قوله صلى الله عليه وسلم من أحيا أرضا ميتة فهي له فجعل صلى الله عليه وسلم له الملك والأصل عدم إبطاله واستصحابه الثاني قياس الإحياء على البيع والهبة وسائر أسباب التمليك

الثالث القياس على من تملك لقطة ثم ضاعت منه فإن عودها إلى حال الالتقاط لا يسقط ملك متملكها وهذا مساو للمسألة في العود للحالة السابقة

والجواب عن الأول أن الحديث يدل لنا بسبب أن القاعدة أن ترتيب الحكم على الوصف يدل على علية ذلك الوصف لذلك الحكم وقد رتب الملك على وصف الإحياء فيكون الإحياء سببه وعلته والحكم ينتفي لانتفاء علته وسببه فيبطل الملك بهذا الحديث لهاتين القاعدتين سلمنا أنه لا يدل لنا غير أن قوله عليه السلام فهي له لفظ يقتضي مطلق الملك فإن لفظ له ليس من صيغ العموم بل ذلك على أصل ثبوت الملك ونحن حينئذ نقول بموجبه فإنا نثبت مطلق الملك من الإحياء

وإنما يحصل مقصودا الخصم أن لو

هامش أنوار البروق

قلت أما القاعدتان فمسلمتان صحيحتان ولكن لا يلزم ما قاله من بطلان هذا الحكم لأن الإحياء قد ثبت فترتب عليه مسببه ولم يرتفع الإحياء ولا يصح ارتفاعه لأن ذلك من باب ارتفاع الواقع وهو محال وإنما مغزاه أن الإحياء لم يستمر وذلك غير لازم في الأسباب كلها فإن الملك المرتب على الشراء أو على الإرث أو على الهبة لم تستمر أسبابه فكان يلزم على قياس قوله متى غفل الإنسان عن تجديد شراء مشتراه أن يبطل ملكه عليه وذلك باطل قطعا فجوابه هذا غير صحيح قال سلمنا أنه لا يدل لنا غير أن قوله عليه الصلاة والسلام فهي له لفظ يقتضي مطلق الملك إلى آخر قوله بوصف العموم على وجه الدوام وليس كذلك

هامش إدرار الشروق

وأما غير الإحياء من الأسباب القولية فإنه لما كان يرد غالبا على مملوك قد تأصل فيه الملك قبله قويت إفادته للملك لاجتماع إفادته مع إفادة ما قبله حتى إن الملك الحاصل به لا ينقض بعد بطلان أصوات تلك الأسباب القولية وانقطاعها

ونظير ذلك أمران الأول ما إذا ورد البيع على الإحياء فإن الملك الحاصل به لا ينتقض بعد ذلك لتظافر الأسباب والثاني تملك الملتقط فإنه لما ورد على ما تقدم فيه الملك وتقرر قوي بحيث لا ينتقض بعود اللقطة إلى حال الالتقاط ويؤكد لك ذلك أن الأسباب القولية ونحوها ترفع ملك الغير كالبيع ونحوه فهي في غاية القوة

وأما الفعل بمجرده فليس له قوة رفع ملك الغير بل يبطل ذلك الفعل كمن بنى في ملك غيره فلذلك ذهب أثره بذهابه والإقطاع وإن كان سببا قوليا واردا على مملوك للمسلمين إلا أنه بدون الإحياء حكم بدون سبب أو علة فلذا لا يملك بيعه فهو عكس النقيض للذي ادعيناه وهو إبداء العلة التي هي الإحياء بدون حكمها الذي هو استمرار الملك وعدم قصوره لضعفها وعدم بطلان ملك الإقطاع إذا أحيا فيه ببطلان إحيائه إنما هو لتحقق سبب غير الإحياء حينئذ وهو أن الإقطاع حكم من أحكام الأئمة فلا ينقض لأن أحكام الأئمة تصان عن النقض والملك الذي جعله صلى الله عليه وسلم للمحيي بقوله من أحيا أرضا ميتة فهي له مرتب على وصف

____________________

(4/48)

اقتضى الحديث الملك بوصف العموم على وجه الدوام وليس كذلك وعن الثاني الفرق بأن الإحياء سبب فعلي تملك به المباحات من الأرض وأسباب تلك المباحات الفعلية ضعيفة لورودها على غير ملك سابق بخلاف أسباب الملك القولية لا يبطل الملك ببطلان أصواتها وانقطاعها لأنها ترد على مملوك غالبا فلتأصل الملك قبلها قويت إفادتها للملك لاجتماع إفادتها مع إفادة ما قبلها وكذلك إذا ورد البيع على الإحياء لم ينتقض الملك بعد ذلك لتظاهر الأسباب فلهذا المعنى قلنا إذا تملك الصيد بالاصطياد ثم توحش بطل الملك فيه والسمك إذا انفلت في النهر يبطل ملكه والماء إذا حير ثم اختلط بالنهر أو الطير أو النحل أبين من ذلك كله إذا انفلت وتوحش بطل الملك فيه نظرا لهذه العلة فإن قلت الإقطاع سبب قولي وارد على مملوك للمسلمين ومع ذلك لا يملك بيعه

هامش أنوار البروق

قلت ما قاله من أن الحديث لا يقتضي الملك بوصف الدوام صحيح ولكن هنا قاعدة شرعية وهي أن الملك يدوم بعد ثبوت سببه إلا أن يلزمه ما يناقضه قال وعن الثاني الفرق بأن الإحياء سبب فعلي تملك به المباحات من الأرض وأسباب تملك المباحات الفعلية ضعيفة لورودها على غير ملك سابق قلت ما قاله دعوى يقابل بمثلها بأن يقال بأن الأسباب القولية هي الضعيفة لورودها على ملك سابق فيعارض الملكان السابق واللاحق وأما المملوك بالإحياء فلم يسبقه ما يعارضه فهو أقوى قال بخلاف أسباب الملك القولية لا يبطل الملك ببطلان أصواتها وانقطاعها لأنها ترد على مملوك غالبا إلى منتهى قوله نظرا لهذه العلة

هامش إدرار الشروق

الإحياء والقاعدة أن ترتب الحكم على الوصف يدل عليه ذلك الوصف لذلك الحكم فيكون الإحياء سببه وعليته

والقاعدة أن الحكم ينتفي بانتفاء علته وسببه فهذا الحديث لهاتين القاعدتين إنما يقتضي الملك عند ذلك كما يدعي الخصم على أن قوله صلى الله عليه وسلم فهي له لفظ يقتضي مطلق الملك لأن لفظ له ليس من صيغ العموم بل ذلك على أصل ثبوت الملك ولا داع في ثبوت مطلق الملك بالإحياء بل نحن نقول بموجبه أيضا ولا يقتضي الملك بوصف الدوام حتى يحصل به مقصود الخصم إذا علمت هذا ظهر لك اندفاع الإشكال الوارد على مذهبنا في ظاهر الأمر وأنه فقه حسن على القواعد وأن مقابله لم يكن أقوى منه إلا في بادئ الرأي فتأمل كذا قال الأصل

وأما على مقابل مذهبنا وهو قول سحنون والشافعي رضي الله عنهما لا يزول الملك بزوال الإحياء لوجوه الأول أنه صلى الله عليه وسلم جعل له في الحديث السابق الملك والأصل عدم إبطاله واستصحابه والثاني قياس الإحياء على البيع والهبة وسائر أسباب التمليك والثالث القياس على من تملك لقطة ثم ضاعت منه فإن عودها إلى حال الالتقاط لا يسقط ملك متملكها فلا يسلم الفرق بين الإحياء وغيره من أسباب التمليك قال العلامة ابن الشاط ما خلاصته ومذهب الشافعي أقوى من مذهبنا على الإطلاق لا في بادئ الرأي فقط كما زعم الشهاب لوجهين الأول أن ما قاله في الفرق بينهما مجرد دعوى يقابل

____________________

(4/49)

قلت هذا سؤال عكس لأنا ادعينا قصور الإحياء وأنتم أبديتم حكم القصور بدون الإحياء وإبداء الحكم بدون سبب أو علة عكس وهو عكس النقيض وهو إبداء العلة بدون حكمها فإن قلت فإذا أحيا في الإقطاع لم لا يبطل ملكه ببطلان إحيائه قلت ذلك لسبب غير الإحياء وهو أن الإقطاع حكم من أحكام الأئمة لا ينقض وتصان أحكام الأئمة عن النقض وعن الثالث أن تملك الملتقط ورد على ما تقدم فيه الملك وتقرر فكان تأثير السبب فيه أقوى لما تقدم ويؤكده أن الأسباب القولية ونحوها ترفع ملك الغير كالبيع ونحوه فهي في غاية القوة وأما الفعل بمجرده فليس له قوة رفع ملك الغير بل يبطل ذلك الفعل كمن بنى في ملك غيره فلذلك ذهب أثره بذهابه

وهذا فقه حسن على القواعد

هامش أنوار البروق

قلت كل ذلك دعوى وهو عين المذهب أو مرتبة عليه وقد سبق جوابه

قال فإن قلت الإقطاع سبب قولي وارد على مملوك للمسلمين ومع ذلك لا يملك بيعه قال قلت هذا سؤال عكس إلى قوله وهو إبداء العلة بدون حكمها قلت إذا كان سؤال عكس فلم لا يكون واردا وقادحا قال فإن قلت فإذا أحيا في الإقطاع لم لا يبطل ملكه ببطلان إحيائه قلت ذلك لسبب غير الإحياء إلى آخر جوابه قلت جوابه هنا صحيح قال وعن الثالث أن تملك الملتقط ورد على ما تقدم فيه الملك إلى آخر قوله وهذا فقه حسن على القواعد فليتأمل قلت جوابه هنا مبني على دعواه قوة الأسباب القولية فجوابه ما سبق قال ومذهب الشافعي رضي الله عنه في بادئ الرأي أقوى وأظهر إلى آخر قوله في هذا الفرق قلت قد تبين أن مذهب الشافعي أقوى على الإطلاق والله تعالى أعلم قال

هامش إدرار الشروق

بمثلها بأن يقال إن الأسباب القولية هي الضعيفة لورودها على ملك سابق فيتعارض الملكان السابق واللاحق

وأما المملوك بالإحياء فلم يسبقه ما يعارضه فهو أقوى الوجه الثاني أن ما قاله في الجواب عن الحديث السابق من أنه يدل بسبب القاعدتين المذكورتين على بطلان الملك بذهاب الإحياء غير صحيح فإن القاعدتين وإن كانتا صحيحتين مسلمتين لكن لا يلزمهما ما قاله من بطلان هذا الحكم لأن الإحياء قد ثبت فترتب عليه مسببه ولم يرتفع الإحياء بل لا يصح ارتفاعه لأن ذلك من باب الارتفاع الواقع وهو محال وإنما مغزاه أن الإحياء لم يستمر وذلك غير لازم في الأسباب كلها فإن الملك المرتب على الشراء أو على الإرث أو على الهبة لم تستمر أسبابه فكان يلزم على قياس قوله أنه متى غفل الإنسان عن تجديد شراء مشتراه أن يبطل ملكه عليه ذلك باطل قطعا وما قاله من أن الحديث لا يقتضي الملك بوصف الدوام وإن كان صحيحا إلا أن هنا قاعدة شرعية وهي أن الملك يدوم بعد ثبوت سببه إلا أن يلزمه ما يناقضه ا ه

فتأمل والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(4/50)

فليتأمل ومذهب الشافعي رضي الله عنه في بادئ الرأي أقوى وأظهر وبهذه المباحث ظهر الفرق بين القاعدتين من جهة القوة والضعف كما تقدم بسطه وتقريره

الفرق الرابع عشر والمائتان بين قاعدة الكذب وقاعدة الوعد وما يجب الوفاء به منه وما لا يجب قال الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون والوعد إذا أخلف قول لم يفعل فيلزم أن يكون كذبا محرما وأن يحرم إخلاف الوعد مطلقا

وقال عليه السلام من علامة المنافق ثلاث إذا اؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا وعد أخلف فذكره في سياق الذم دليل على التحريم ويروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال وعد المؤمن واجب أي وعده واجب الوفاء به

هامش أنوار البروق

الفرق الرابع عشر والمائتان بين قاعدة الكذب وقاعدة الوعد وما يجب الوفاء به منه وما لا يجب إلى آخر قوله وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال وأي المؤمن واجب أي وعده واجب الوفاء به قلت ما قاله صحيح ولا كلام فيه قال وفي الموطإ قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أكذب لامرأتي فقال صلى الله عليه وسلم لا خير في الكذب فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أعدها وأقول لها فقال عليه الصلاة والسلام لا جناح عليك فمنعه من الكذب المتعلق بالمستقبل فإن رضى النساء إنما يحصل به قلت ما قاله من أنه منعه من الكذب المتعلق بالمستقبل غير مسلم وهي دعوى لم يأت عليها بحجة ولعله أراد بالكذب لها أن يخبرها عن فعله مع غيرها من النساء بما لم يفعله أو من غير ذلك مما يكون فيه تغييظها بزوجته فلم يتعين أن المراد ما ذكره كيف وأن ما ذكره هو عين الوعد فإنه لا

هامش إدرار الشروق

@ 51 الفرق الرابع عشر والمائتان بين قاعدة الكذب وقاعدة الوعد وما يجب الوفاء به منه وما لا يجب اعلم أن الأدلة الشرعية على قسمين القسم الأول ما ظاهره الفرق بين قاعدة الكذب وقاعدة الوعد كحديث الموطإ قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أأكذب لامرأتي فقال صلى الله عليه وسلم لا خير في الكذب فقال يا رسول الله أعدها وأقول لها فقال عليه الصلاة والسلام لا جناح عليك وحديث أبي داود قال عليه الصلاة والسلام إذا وعد أحدكم أخاه ومن نيته أن يفي فلم يف فلا شيء عليه ونحو ذلك من الأدلة التي تقتضي عدم الوفاء بالوعد وأن ذلك مباح والكذب ليس بمباح فلا يدخل الكذب في الوعد والقسم الثاني ما ظاهره عدم الفرق بينهما كقوله عز وجل يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون فإن الوعد إذا أخلف قول لم يفعل فيلزم أن يكون كذبا محرما وأن يحرم إخلاف الوعد مطلقا

وقوله عليه الصلاة والسلام من علامة المنافق ثلاث

____________________

(4/51)

وفي الموطإ قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أكذب لامرأتي فقال صلى الله عليه وسلم لا خير في الكذب فقال يا رسول الله أفأعدها وأقول لها فقال عليه السلام لا جناح عليك فمنعه من الكذب المتعلق بالمستقبل فإن رضى النساء إنما يحصل به ونفى الجناح على الوعد وهو يدل على أمرين أحدهما أن إخلاف الوعد لا يسمى كذبا لجعله قسيم الكذب وثانيها أن إخلاف الوعد لا حرج فيه ولو كان المقصود الوعد الذي يفي به لما احتاج للسؤال عنه ولما ذكره مقرونا بالكذب ولكن قصده إصلاح حال امرأته بما لا يفعله فتخيل الحرج في ذلك فاستأذن عليه وفي أبي داود قال عليه السلام إذا وعد أحدكم أخاه ومن نيته أن يفي فلم يف فلا شيء عليه فهذه الأدلة تقتضي عدم الوفاء بالوعد وأن ذلك مباح والكذب ليس بمباح فلا يكون الوعد يدخله الكذب عكس الأدلة الأول واعلم أنا إذا فسرنا الكذب بالخبر الذي لا يطابق لزم دخول الكذب في الوعد بالضرورة مع

هامش أنوار البروق

بد أن يكون ما يخبرها عن وقوعه في المستقبل متعلقا بها وإلا فلا حاجة لها هي فيما يتعلق بغيرها

وما معنى الحديث عندي إلا أنه صلى الله عليه وسلم منعه من أن يخبرها بخبر كذب يقتضي تغييظها به وسوغ له الوعد لأنه لا يتعين فيه الإخلاف لاحتمال الوفاء به سواء كان عازما عند الوعد على الوفاء أو على الإخلاف أو مضربا عنهما ويتخرج ذلك في قسم العزم على الإخلاف على الرأي الصحيح المنصور عندي من أن العزم على المعصية لا مؤاخذة به إذ معظم دلائل الشريعة يقتضي المنع من الإخلاف والله أعلم

قال ونفي الجناح عن الوعد وهو يدل على أمرين أحدهما أن إخلاف الوعد لا يسمى كذبا لجعله قسيم الكذب قلت قد تبين أنه لم يجعله قسيم الكذب من حيث هو كذب وإنما جعله قسيم الخبر عن غير المستقبل الذي هو كذب فكان قسيمه من جهة كونه مستقبلا وذلك غير مستقبل أو من جهة كونه

هامش إدرار الشروق

إذا اؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا وعد أخلف فذكره في سياق الذم دليل على التحريم وما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال وأي المؤمن واجب أي وعده واجب الوفاء به فلما كان ظاهر القسم الأول معارضا لظاهر القسم الثاني حين صار بحيث لو أخذ به وقيل بالفرق بينهما وأن الوعد لا يدخله الكذب لزم مخالفة ظاهر القسم الثاني بل

وقوله تعالى وعدكم وعد الحق وصدق الله وعده الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء هل وجدتم ما وعد ربكم حقا إلى غير ذلك من النصوص الدالة على دخول الصدق في وعد الله تعالى ووعيده والأصل في الاستعمال الحقيقة وكان ظاهر الثاني كذلك معارضا لظاهر الأول حتى صار بحيث لو أخذ به وقيل بعدم الفرق بينهما وأن الوعد يدخله الكذب لزم مخالفة ظاهر الأول وتعين الجمع بين هذه الظواهر المتعارضة اختلف الفقهاء فيما يقرب أن يؤخذ به منهما وما يؤول على قولين

____________________

(4/52)

أن ظاهر الحديث يأباه وكذلك التأثيم فمن الفقهاء من قال الكذب يختص بالماضي والحاضر والوعد إنما يتعلق بالمستقبل فلا يدخله الكذب وسيأتي الجواب عن الآية ونحوها إن شاء الله تعالى ومنهم من يقول لم يتعين عدم المطابقة في المستقبل بسبب أن المستقبل زمان يقبل الوجود والعدم ولم يقع فيه بعد وجود ولا عدم فلا يوصف الخبر عند الإطلاق بعدم المطابقة ولا بالمطابقة لأنه لم يقع بعد ما يقتضي أحدهما وحيث قلنا الصدق القول المطابق والكذب القول الذي ليس بمطابق ظاهر في وقوع وصف المطابقة أو عدمها بالفعل وذلك مختص بالحال والماضي

وأما المستقبل فليس فيه إلا قبول المطابقة وعدمها ونحن متى حددنا بوصف نحو قولنا في الإنسان الحيوان الناطق أو نحوه إنما نريد الحياة والنطق بالفعل لا بالقوة وإلا لكان كله إنسانا لأنه قابل للحياة والنطق وهذا التعليل يؤيد القول الأول ومنهم من يقول الكل يدخله الكذب وإنما سومح في الوعد تكثيرا للعدة بالمعروف فعلى هذا القول لا فرق بين

هامش أنوار البروق

قد تعين أنه كذب والوعد لا يتعين كونه كذبا

قال وثانيهما أن إخلاف الوعد لا حرج فيه قلت بل فيه الحرج بمقتضى ظواهر الشرع إلا حيث يتعذر الوفاء قال ولو كان المقصود الوعد الذي يفي به لما احتاج للسؤال عنه ولما ذكره مقرونا بالكذب قلت لم يقصد الوعد الذي يفي فيه على التعيين ومن أين له العلم بذلك وإنما قصد الوعد على الإطلاق وسأل عنه لأن الاحتمال في عدم الوفاء اضطرارا أو اختيارا قائم ورفع النبي صلى الله عليه وسلم عنه الجناح لاحتمال الوفاء ثم إنه إن وفى فلا جناح وإن لم يف مضطرا فكذلك وإن لم يف مختارا فالظواهر المتظاهرة قاضية بالحرج والله أعلم

قال ولكن قصده إصلاح حال امرأته بما لا يفعله فتخيل الحرج في ذلك فاستأذن في ذلك

هامش إدرار الشروق

القول الأول تمسك بعضهم بظاهر القسم الأول وتأويل ظاهر القسم الثاني والفرق بين وعد الله تعالى ووعيده وبين وعد غيره تعالى قال الكذب يختص بالماضي والحاضر والوعد إنما يتعلق بالمستقبل

وذلك لأن قولنا الصدق القول المطابق للواقع والكذب القول الذي ليس بمطابق للواقع ظاهر في وقوع وصف المطابقة وعدمها بالفعل وذلك مختص بالحال والماضي

وأما المستقبل فليس فيه إلا قبول المطابقة وعدمها أما أولا فلأنا إذا حددنا بوصف بأن قلنا في الإنسان مثلا الحيوان الناطق إنما نريد الحياة والنطق بالفعل لا بالقوة وإلا كان الجماد والنبات كله إنسانا لأنه قابل للحياة والنطق

وأما ثانيا فلأن حديث الموطإ يدل على أمرين أحدهما أن إخلاف الوعد لا يسمى كذبا لجعله قسيم الكذب وثانيهما أن إخلاف الوعد لا حرج فيه إذ لو كان المقصود الوعد الذي يفي به لما احتاج للسؤال عنه ولما ذكره مقرونا بالكذب ولكن قصده إصلاح حال امرأته بما لا يفعله فتخيل الحرج في ذلك فاستأذن عليه

____________________

(4/53)

الكذب والوعد والأول هو الذي ظهر لي لعدم تعين المطابقة وعدمها اللذين هما ضابطا الصدق والكذب وعلى ذلك يقع الفرق بينه وبين الكذب وبين الصدق فلا يوصف بواحد منهما ويختص بالماضي والحاضر فإن قلت يلزم ذلك في وعد الشرائع ووعيدها فلا يوصفان بواحد منهما وليس كذلك لقوله تعالى وعدكم وعد الحق وصدق الله وعده الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء هل وجدتم ما وعد ربكم حقا إلى غير ذلك من النصوص الدالة على دخول الصدق في وعد الله تعالى ووعيده والأصل في الاستعمال الحقيقة قلت الله تعالى يخبر عن معلوم وكل ما تعلق به العلم تجب مطابقته بخلاف واحد من البشر إنما ألزم نفسه أن يفعل مع تجويز أن يقع ذلك منه وأن لا يقع فلا تكون

هامش أنوار البروق

قلت ما قاله غير صحيح ومن أين يعلم أنه لا يفعله وعلى أن يكون في حال الوعد غير متمكن مما وعد به من أين يعلم عدم تمكنه منه في المستقبل وإذا تعذر علمه بذلك تعين أن يكون سؤاله لاحتمال عدم الوفاء أو العزم على عدم الوفاء فسوغ له صلى الله عليه وسلم ذلك لأن عدم الوفاء لا يتعين أو لأن العزم على عدم الوفاء على تقدير أن عدم الوفاء معصية ليس بمعصية

قال وفي أبي داود قال صلى الله عليه وسلم إذا وعد أحدكم أخاه ومن نيته أن يفي فلم يف فلا شيء عليه إلى قوله عكس الأدلة الأول قلت تحمل هذه على أنه لم يف مضطرا جمعا بين الأدلة مع بعد تأويل تلك الأدلة وقرب تأويل هذه قال واعلم أنا إذا فسرنا الكذب بالخبر الذي لا يطابق لزم دخول الكذب في الوعد بالضرورة

هامش إدرار الشروق

وكذلك حديث أبي داود يقتضي أن عدم الوفاء بالوعد مباح عكس ظاهر الآية ونحوها فظهر الفرق بينهما أولا باختصاص الوعد بالمستقبل والكذب بالماضي والحال

وثانيا بعدم التأثيم في الأول والتأثيم في الثاني كما هو ظاهر حديثي الموطإ وأبي داود السابقين والجواب عن ظاهر الآية ونحوها أما أولا فلأنه محمول إما على أن الموعد أدخل الموعود في سبب يلزمه بوعده كما لمالك وابن القاسم وسحنون أما مالك وابن القاسم فقالا إذا سألك أن تهب له دينارا فقلت نعم ثم بدا لك لا يلزمك ولو كان افتراق الغرماء عن وعد وإشهاد لأجله لزمك لإبطاله مغرما بالتأخير

وأما سحنون فقال الذي يلزم من الوعد قوله اهدم دارك وأنا أسلفك ما يبنى به أو اخرج إلى الحج وأنا أسلفك أو اشتر سلعة أو تزوج امرأة وأنا أسلفك لأنك أدخلته بوعدك في ذلك أما مجرد الوعد فلا يلزمك الوفاء به بل الوفاء به من مكارم الأخلاق ا ه

وأما على أنه وعده مقرونا بذكر السبب كما لأصبغ حيث قال يقضى عليك به تزوج الموعود أم لا وكذا أسلفني لأشتري سلعة كذا لزمك تسبب في ذلك أم لا والذي لا يلزم من ذلك أن تعده من غير ذكر سبب فيقول لك أسلفني كذا فتقول نعم بذلك قضى عمر بن عبد العزيز رحمه الله وإن وعدت غريمك بتأخير الدين لزمك

____________________

(4/54)

المطابقة وعدمها معلومين ولا واقعين فانتفيا بالكلية وقت الإخبار واعلم أن الفقهاء اختلفوا في الوعد هل يجب الوفاء به شرعا أم لا قال مالك إذا سألك أن تهب له دينارا فقلت نعم ثم بدا لك لا يلزمك ولو كان افتراق الغرماء عن وعد وإشهاد لأجله لزمك لإبطالك مغرما بالتأخير قال سحنون الذي يلزم من الوعد قوله اهدم دارك وأنا أسلفك ما تبني به أو اخرج إلى الحج وأنا أسلفك أو اشتر سلعة أو تزوج امرأة وأنا أسلفك لأنك أدخلته بوعدك في ذلك أما مجرد الوعد فلا يلزم الوفاء به بل الوفاء من مكارم الأخلاق

وقال أصبغ يقضى عليك به تزوج الموعود أم لا وكذا أسلفني لأشتري سلعة كذا لزمك تسبب في ذلك أم لا والذي لا يلزم من ذلك أن تعده من غير ذكر سبب فيقول لك أسلفني كذا فتقول

هامش أنوار البروق

قلت ما قاله في ذلك صحيح

قال مع أن ظاهر الحديث يأباه وكذلك عدم التأثيم قلت يلزم تأويل ذلك قال فمن الفقهاء من قال الكذب يختص بالماضي والحاضر والوعد إنما يتعلق بالمستقبل فلا يدخله الكذب وسيأتي الجواب عن الآية ونحوها قلت قولهم ذلك دعوى يكذبها دخول عدم المطابقة في الوعد وفي كل مستقبل سواه قال ومنهم من يقول لم يتعين عدم المطابقة في المستقبل بسبب أن المستقبل زمان يقبل الوجود والعدم ولم يقع فيه بعد وجود ولا عدم فلا يوصف الخبر عند الإطلاق بعدم المطابقة ولا بالمطابقة لأنه لم يقع بعدما يقتضي أحدهما وحيث قلنا الصدق القول المطابق والكذب القول الذي ليس بمطابق ظاهر في وقوع وصف المطابقة أو عدمها بالفعل وذلك مختص بالحال والماضي وأما المستقبل فليس فيه إلا قبول المطابقة وعدمها قلت هؤلاء الذين قالوا هذا القول لم يخالفوا الأول في كون الكذب لا يدخل الوعد ولكنهم عينوا السبب في ذلك وبسطوه ومساق المؤلف لقول هؤلاء مفصولا عن قول أولئك يشعر باعتقاده أنه قول غير الأول وليس كذلك بل هو القول الأول بعينه

هامش إدرار الشروق

لأنه إسقاط لازم للحق سواء قلت له أؤخرك أو أخرتك وإذا أسلفته فعليك تأخيره مدة تصلح لذلك ا ه

وأما ثانيا فلأنه قد قيل إن الآية نزلت في قوم كانوا يقولون جاهدنا وما جاهدوا وفعلنا أنواعا من الخيرات وما فعلوه ولا شك أن هذا محرم لأنه كذب وتسميع بطاعة وكلاهما محرم ومعصية اتفاقا وما ذكر من الإخلاف في صفة المنافق معناه أنه سجية له ومقتضى حاله الإخلاف ومثل هذه السجية يحسن الذم بها كما يقال سجية تقتضي البخل والمنع فمن كان صفته تحث على الخير مدح أو تحث على الشر ذم شرعا وعرفا والفرق بين وعد الله تعالى ووعيده وبين وعد غيره هو أن الله تعالى يخبر عن معلوم وكل ما تعلق به العلم تجب مطابقته بخلاف واحد من البشر فإنه إنما ألزم نفسه أن يفعل مع تجويز أن يقع ذلك منه وأن لا يقع فلا تكون المطابقة وعدمها معلومين ولا واقعين فانتفيا بالكلية وقت الإخبار

واختار هذا القول الأصل فقال هذا هو الذي ظهر لي لأنه أقرب الطرق في الجمع بين هذه الظواهر المتعارضة والقول الثاني تمسك بعضهم بظاهر القسم الثاني وتأويل ظاهر القسم الأول قال يفسر الكذب

____________________

(4/55)

نعم بذلك قضى عمر بن عبد العزيز رحمه الله وإن وعدت غريمك بتأخر الدين لزمك لأنه إسقاط لازم للحق سواء قلت له أؤخرك أو أخرتك وإذا أسلفته فعليك تأخيره مدة تصلح لذلك وحينئذ نقول وجه الجمع بين الأدلة المتقدمة التي يقتضي بعضها الوفاء به وبعضها عدم الوفاء به أنه إن أدخله في سبب يلزم بوعده لزم كما قال مالك وابن القاسم وسحنون أو وعده مقرونا بذكر السبب

هامش أنوار البروق

قال ونحن متى حددنا بوصف نحو قولنا في الإنسان الحيوان الناطق أو نحوه إنما نريد الحياة والنطق بالفعل لا بالقوة وإلا لكان الجماد والنبات كله إنسانا لأنه قابل للحياة والنطق وهذا التعليل يؤيد القول الأول قلت ما قاله هذا القائل في حد الإنسان مشعر بجهله بالحدود وقصد أربابها فإنهم لا يريدون حصول الوصف بالفعل فإن الطفل الرضيع عندهم إنسان مع أن النطق الذي هو العقل فيه مفقود فيه بالفعل وما قاله هذا القائل حيث قال وإلا لكان الجماد والنبات كله إنسانا لأنه قابل للحياة مشعر بجهله بمذهب أرباب الحدود وهم الفلاسفة في الحقائق وأنها مختلفة بصفاتها الذاتية فلا تقبل حقيقة منها صفة الأخرى فالحيوان لا يقبل أن يكون جمادا والجماد لا يقبل أن يكون حيوانا وما قاله من أن هذا التعليل يؤيد القول الأول يشعر باعتقاده أنهما قولان وليس الأمر كذلك قلت وإذا كان الأمر في الحدود لا يستلزم أن تكون الأوصاف فيها بالفعل بطل كل ما قاله هؤلاء من أن الوعد لا يدخله الكذب لأنه مستقبل وصح قول من يقول يدخله بمعنى أنه قابل لذلك وهذا هو القول الذي لا يصح سواه والله أعلم

قال ومنهم من يقول الكل يدخله الكذب وإنما سومح في الوعد تكثيرا للعدة بالمعروف فعلى هذا القول لا فرق بين الكذب والوعد والأول هو الذي ظهر لي لعدم تعين المطابقة وعدمها اللذين

هامش إدرار الشروق

بالخبر الذي لا يطاق الواقع وكل من المستقبل والماضي والحال يدخله وصف المطابقة وعدمها وليس الوقوع بالفعل شرطا فيدخل الكذب في الكل ويلزم دخول الكذب في الوعد بالضرورة وإنما سومح في الوعد تكثيرا للعدة بالمعروف فلا فرق بين الكذب والوعد قال العلامة ابن الشاط ما خلاصته وهذا القول هو الصحيح لوجوه الوجه الأول أنا لا نسلم أن الحدود تستلزم أن تكون الأوصاف فيها بالفعل إذ لو استلزمت ذلك لخرج الطفل الرضيع عن الإنسان ضرورة أن النطق الذي هو العقل مفقود فيه بالفعل مع أنه عند أرباب الحدود وهم الفلاسفة إنسان ودعوى أنه إذا لم تستلزم ذلك كان الجماد والنبات كله إنسانا لأنه قابل للحياة والنطق جهل بمذهب أرباب الحدود وهم الفلاسفة في الحقائق وأنها مختلفة بصفاتها الذاتية فلا تقبل حقيقة منها صفة الأخرى فالحيوان لا يقبل أن يكون جمادا والجماد لا يقبل أن يكون حيوانا وإذا كان الأمر في الحدود لا يستلزم أن تكون الأوصاف فيها بالفعل بطل كل ما قاله هؤلاء من أن الوعد لا يدخله الكذب لأنه مستقبل وصح قول من يقول يدخله بمعنى أنه قابل لذلك وهذا هو القول الذي لا يصح سواه

الوجه الثاني أنه لا معنى لحديث الموطإ عندي إلا أنه صلى الله عليه وسلم منع السائل له من أن يخبر زوجته بخبر يقتضي تغيظها به كأن

____________________

(4/56)

كما قاله أصبغ لتأكد العزم على الدفع حينئذ ويحمل عدم اللزوم على خلاف ذلك مع أنه قد قيل في الآية إنها نزلت في قوم كانوا يقولون جاهدنا وما جاهدوا وفعلنا أنواعا

هامش أنوار البروق

هما ضابطا الصدق والكذب وعلى ذلك يقع الفرق بينه وبين الكذب وبين الصدق فلا يوصف بواحد منهما ويختص بالماضي والحاضر قلت الصحيح نقيض مختاره وأنه لا فرق هنا والله أعلم

قال فإن قلت يلزم ذلك في وعد الشرائع ووعيدها فلا يوصفان بواحد منهما وليس كذلك إلى قوله فانتفيا بالكلية وقت الإخبار قلت السؤال وارد لازم والجواب ساقط من حيث إن الحقائق لا تتغير بحسب الأحوال المخبر بها عنها ولا بحسب حال دون حال فالخبر القابل للصدق أو الكذب قابل لهما والخبر القابل لأحدهما دون الآخر كذلك والله تعالى أعلم

قال واعلم أن الفقهاء اختلفوا في الوعد هل يجب الوفاء به شرعا أم لا إلى آخر الفرق قلت الصحيح عندي القول بلزوم الوفاء بالوعد مطلقا فيتعين تأويل ما يناقض ذلك ويجمع بين الأدلة على خلاف الوجه الذي اختاره المؤلف والله تعالى أعلم وما قاله بعد هذا في الفروق التسعة صحيح أو نقل وترجيح

فائدتان الأولى القول بالموجب بفتح الجيم ما يقتضيه الدليل وبكسرها الدليل وهو عند الأصوليين تسليم مقتضى الدليل مع بقاء النزاع بأن يظهر عدم استلزامه الدليل لمحل النزاع وشاهده أي الدال على اعتباره قوله تعالى ولله العزة ولرسوله في جواب ليخرجن الأعز منها الأذل المحكي عن المنافقين أي صحيح ذلك لكن هم الأذل والله ورسوله الأعز وقد أخرجاهم فقد سلم موجب الدليل ومقتضاه مع بقاء النزاع في الأعز من هو والأذل من هو وليس هو تلقي المخاطب بغير ما يترقب فقط الذي اصطلح عليه أرباب المعاني كما في جمع الجوامع وشرح المحلي وعطاره وكذا قوله تعالى كونوا قوامين بالقسط مسلم مقتضاه وهو وجوب القيام بالقسط أي العدل مع بقاء النزاع في كون الحكم بالعلم منه أم لا وهو الذي نقوله لأنه محرم عندنا فتنبه قال العطار على محلى جمع الجوامع وجعل الأصوليون القول بالموجب من القوادح لأنه لا ينافي تسليمه ليس المراد تسليم الدليل على مدعي المستدل بل تسليم صحته على خلافه فهو قادح في العلة ا ه

بتوضيح الثانية في شرح التسولي على العاصمية مثل التجريح والتعديل في جواز الحكم بعلمه تأديب من أساء عليه وضرب خصم له إلخ فما يستند فيه لعلمه جنس تحته أنواع ا ه فافهم والله تعالى أعلم

هامش إدرار الشروق

يخبرها عن فعله مع غيرها من النساء بما لم يفعله أو من غير ذلك مما يكون فيه تغيظا بزوجته وسوغ له الوعد لأنه لا يتعين فيه الإخلاف لاحتمال الوفاء به سواء كان عازما عند الوعد على الوفاء أو على الإخلاف أو مضربا عنهما ويتخرج ذلك في قسم العزم على الإخلاف على الرأي الصحيح المتصور عندي من أن العزم على المعصية لا مؤاخذة به إذ معظم دلائل الشريعة يقتضي المنع من الإخلاف وأن السائل له صلى الله عليه وسلم إنما قصد الوعد على الإطلاق وسأل عنه لأن الاحتمال في عدم الوفاء إضرارا أو اختيارا قائم ورفع صلى الله عليه وسلم عنه الجناح لاحتمال الوفاء ثم إنه إن وفى فلا جناح وإن لم يف مضطرا فكذلك وإن لم يف مختارا فالظواهر المتضافرة قاضية بالحرج فتبين أنه صلى الله عليه وسلم لم يجعل الوعد قسيما للكذب من حيث هو كذب وإنما جعله قسيما للخبر عن غير المستقبل الذي هو كذب فكان قسيمه من جهة كونه مستقبلا وذلك غير مستقبل أو من جهة كونه قد تعين أنه كذب والوعد لا يتعين أنه كذب

وما قيل من أنه صلى الله عليه وسلم منع السائل من الكذب المتعلق بالمستقبل فمجرد دعوى لم تقم عليها حجة ولا يتعين أن المراد ما قاله كيف وأن ما قاله هو عين الوعد فإنه لا بد أن يكون ما يخبرها عن وقوعه في المستقبل متعلقا بها وإلا فلا حاجة لها فيما يتعلق بغيرها وما قيل إن السائل لم يقصد الوعد الذي نفى به بل قصد الوعد الذي لا نفي فيه على التعيين فمجرد دعوى كذلك إذ من أين يعلم أنه لا يفعله وعلى أن يكون في حال الوعد غير متمكن مما وعد به من أين يعلم عدم تمكنه منه في المستقبل وإذا تعذر علمه بذلك تعين أن يكون سواه لاحتمال عدم الوفاء أو العزم على عدم الوفاء فسوغ له صلى الله عليه وسلم ذلك وأن عدم الوفاء لا يتعين أو لأن العزم على عدم الوفاء على تقدير أن عدم الوفاء معصية ليس بمعصية

الوجه الثالث أن في حمل حديث الموطإ على ما ذكر وحمل حديث أبي داود على أنه لم يف مضطرا قربا وفي حمل الآية ونحوها على ما قاله الشهاب بعدا أما أولا فلأن النصوص الدالة على دخول الصدق في وعده تعالى ووعيده وأن الأصل في الاستعمال

____________________

(4/57)

من الخيرات وما فعلوها ولا شك أن هذا محرم لأنه كذب ولأنه تسميع بطاعة الله تعالى وكلاهما محرم ومعصية اتفاقا

وأما ما ذكر من الإخلاف في صفة المنافق فمعناه أنه سجية له ومقتضى حاله الإخلاف ومثل هذه السجية يحسن الذم بها كما يقال سجيته

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الحقيقة وارد لازم على ما اختاره الشهاب والجواب عنه ساقط من حيث إن الحقائق لا تتغير بحسب الأحوال المخبر بها عنها ولا بحسب حال دون حال فالخبر القابل للصدق والكذب قابل لهما والخبر القابل لأحدهما دون الآخر كذلك

وأما ثانيا فلأن الصحيح عندي القول بلزوم الوفاء بالوعد مطلقا أي ولو لم يدخله في سبب يلزم بوعده أو لم يكن مقرونا بذكر السبب فيتعين تأويل ما يناقض ذلك ويجمع بين الأدلة على خلاف الوجه الذي اختاره الشهاب والله تعالى أعلم ا ه

قلت وفي قول العلامة ابن الشاط رحمه الله تعالى إذ لو استلزمت ذلك لخرج ذلك الطفل الرضيع عن حد الإنسان ضرورة إلخ نظر إذ يلزم من كون النطق هو العقل دخول الملائكة والجن في حد الإنسان لقولهم العقلاء ثلاثة الإنسان والملائكة والجن فيكون غير مانع والحق كما في شرح الزلفى وغيره أن المراد بالناطق في حد الإنسان ما هو مبدأ النطق والتكلم أو الإدراك المخصوص الذي هو الصورة النوعية الإنسانية ا ه

وهذه الصورة جوهر عند المشائين محمول على الإنسان في مرتبة لا يشترط شيء على ما حقق في محله ولا توجد في غير الإنسان كما في رسالتي السوانح الجازمة في التعاريف اللازمة وحينئذ فالصواب أن يقول إذ لو استلزمت ذلك لخرج ما لم يتحقق فيه النطق بمعنى الصورة النوعية بالفعل من أفراد الإنسان التي لم توجد مع أن من شرط عند أرباب علم المنطق وهم الحكماء لأنه إما جزء من الحكمة أو مقدمة لها كما قالوا أن يكون جامعا لجميع أفراد الماهية ما تحقق منها في الخارج وما لم يتحقق فمن تراهم بعد تعريفهم الكلي بما يمنع نفس تصور مفهومه من حيث إنه متصور وقوع الشركة فيه بحيث يصح حمله على كل فرد من أفراده يقولون سواء وجدت أفراده في الخارج وتناهت كالكوكب فإن أفراده السيارة والثوابت والسيارة سبعة مجموعة في قول بعضهم زحل شر مريخه من شمسه فتزاهرت لعطارد الأقمار وعدد المرصود من الثوابت ذكر في الهيئة والسيارة كل واحد في تلك والثوابت كلها في الفلك الثامن كما حقق في علم الهيئة أم وجدت فيه ولم تتناه ككمال الله تعالى فإن أفراده موجودة قديمة لا تتناهى ولم يقم دليل على استحالة عدم التناهي في القديم أم لم توجد فيه أما مع امتناعها كالجمع بين الضدين

وأما مع إمكانها كجبل من ياقوت وبحر من زئبق أم وجد منها فرد واحد فقط أما مع امتناع وجود غيره كالإله عند من يفسره بالمعبود بحق وأنه في الأصل صفة ثم غلبت عليها العلمية إذ الدليل الخارجي قطع عنه عرق الشريك لكنه عند العقل لم يمتنع صدقه على كثيرين وإلا لم يفتقر إلى دليل الوحدانية وأما مع إمكان وجود غيره كالشمس أي الكوكب النهاري المضيء منها إذ الموجود منها واحد ويمكن أن يوجد منها شموس كثيرة كما في شرح

____________________

(4/58)

تقتضي البخل والمنع فمن كانت صفاته تحث على الخير مدح أو تحث على الشر ذم شرعا وعرفا واعلم أنه لا بد في هذا الفرق من مخالفة بعض الظواهر إن جعلنا الوعد يدخله الكذب بطل لقوله عليه السلام للسائل لما قال له أأكذب لامرأتي قال لا خير في الكذب وأباح له الوعد وهو ظاهر في أنه ليس بكذب ولا يدخله الكذب ولأن الكذب حرام إجماعا فيلزم معصيته فيجب الوفاء به نفيا للمعصية وليس كذلك

وإن قلنا إن الكذب لا يدخله ورد علينا ظواهر وعد الله ووعيده فلا بد من الجمع بينهما وما ذكرته أقرب الطرق في ذلك

الفرق الخامس عشر والمائتان بين قاعدة ما يقبل القسمة وقاعدة ما لا يقبلها الذي يقبل القسمة ما عري عن أربعة أشياء الغرر كمشروعية القرعة في المختلفات فإن الغرر يعظم الثاني الربا كقسمة الثمار بشرط التأخير إلى الطيب بما يدخله من بيع الطعام بالطعام غير معلوم التماثل لأن القسمة بيع فإن تباين الجنس الواحد بالجودة والرداءة ففي جوازه بالقرعة قولان حكاهما اللخمي الثالث إضاعة المال كالياقوتة

الرابع لحق آدمي كقسم الدار اللطيفة والحمام

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

شيخ الإسلام على أيسا غوجي المنطق وحاشية العطار عليه فتأمل بإنصاف ولا تأخذ الحق بالرجال بل الرجال بالحق كما هو أدب أهل الكمال والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق الخامس عشر والمائتان بين قاعدة ما يقبل القسمة وقاعدة ما لا يقبلها القسمة قال التسولي على العاصمية تصيير مشاع مملوك لمالكين فأكثر معينا بقرعة أو تراض بل ولو باختصاص تصرف فيه وقوله معينا مفعول ثان لتصيير وقوله بقرعة أو تراض متعلق به وقوله بل ولو باختصاص إلخ مبالغة عليه يعني هي أن يصير القاسم المشاع المملوك لمالكين فأكثر معينا باختصاص في الرقاب بقرعة أو تراض بل ولو كان التعيين باختصاص في المنافع فقط أي بقرعة أو تراض مع بقاء الأصل مشاعا كسكنى دار وخدمة عبد هذا شهرا وهذا شهرا

قال ثم هي ثلاثة أنواع الأول قسمة قرعة بعد تعديل وتقويم وهي بيع عند مالك وصوبه اللخمي والأصح عند عياض وابن رشد أنها تمييز حق وعليه عول خليل إذ قال في مختصره وهي تمييز حق النوع الثاني قسمة مراضاة بعد تعديل وتقويم كذلك وهي بيع على المشهور النوع الثالث قسمة مراضاة من غير تعديل ولا تقويم وهي بيع بلا خلاف ا ه

المراد بتصرف وزيادة وفي شرح عبد الباقي على مختصر خليل عند قوله ومراضاة فكالبيع ما حاصله أن قوله فكالبيع أفاد أمرين الأول أنه يجوز هنا بالتراضي ما لا يجوز في البيع ولذلك نظائر منها ما عارض به ابن رشد قولهم إنها بيع وسلمه في التوضيح من مسألة وفي قفيز أخذ أحدهما ثلثه والآخر ثلثيه نعم قال الرماصي إن مسألة القفيز صبرة واحدة

وقد قالوا إن قسمة

____________________

(4/59)

والخشبة والثوب والمصراعين ولذلك يجوز هذا القسم بالتراضي لأن للآدمي إسقاط حقه بخلاف حق الله تعالى في إضاعة المال وغيره ومنع أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الصبرة الواحدة ليست حقيقة لاتحاد الصفة والقدر انظره ومنها أنه يجوز قسمة ما أصله أن يباع مكيلا مما يجوز فيه التفاضل مع ما أصله أن يباع جزافا مع خروج كل منهما عن أصله كأن يقتسما فدانا من الزعفران مزارعة ما فيه من الزعفران فقد قسم الزعفران جزافا وأصله الوزن والأرض كيلا وأصلها الجزاف ولا يجوز جمعهما في البيع ومنها أنه يجوز قسم ما زاد غلته على الثلث ولم يجيزوا بيعه

الأمر الثاني أنه يجوز بالتراضي ما لا يجوز ولذلك نظائر منها أن قسمة التراضي تكون فيها تماثل أو اختلاف جنس ومنها أنها تكون في المكيل والموزون وفي غيره ومنها أنه لا يقام فيها بالغبن حيث لم يدخلا مقوما ومنها أنه لا يجبر عليها أباه ومنها أنها لا تحتاج لتعديل وتقويم ومنها أنه يجمع فيها بين حظ اثنين فأكثر بخلاف القرعة في الجميع على خلاف منافع في البعض كما سيأتي ا ه

ببعض إصلاح من البناني فالمقسوم نوعان الأول رقاب الأموال والثاني الرقاب وهما إما قابلان للقسمة بالقرعة وإما غير قابلين لها فما لا يقبلها أحد أربعة أمور الأول ما في قسمة الغرر كمشروعية القرعة في المختلفات فإن الغرر يعظم والمختلفات إما من الرباع وإما من العروض وإما مما يكال أو يوزن فإن كانت من الرباع فقال حفيد ابن رشد في بدايته لا خلاف في أنه لا يجمع بين أنواع الرباع المختلفة مثل أن يكون منها دور ومنها حوائط ومنها أرض في القسمة بالسهمة وإن كانت من العروض فقال التسولي على العاصمية وليس لهم أن يجعلوا البقر مثلا في ناحية العقار أو الإبل التي تعادلها في القيمة في ناحية ويقترعون لأن القرعة لا يجمع فيها بين جنسين ولا بين نوعين على المشهور لما في ذلك من الغرر ا ه

محل الحاجة منه وقال حفيد ابن رشد في البداية وإذا كانت أكثر من جنس واحد اتفق العلماء على قسمتها على التراضي واختلفوا في قسمتها بالتعديل والسهمة فمنعها مالك في غير الصنف الواحد وذهب ابن حبيب إلا أنه يجمع في القسمة ما تقارب من الصنفين مثل القز والحرير والقطن والكتان وأجاز أشهب جمع صنفين في القسمة بالسهمة مع التراضي وذلك ضعيف لأن الغرر لا يجوز بالتراضي وإن كانت مما يكال أو يوزن فقال الحفيد أيضا أما ما كان منها صبرتين فإن كان ذلك مما لا يجوز فيه التفاضل فعلى جهة الجمع لا تجوز قسمتها على مذهب مالك إلا بالكيل المعلوم فيما يكال وبالوزن بالصنجة المعروفة فيما يوزن لأن أصل مذهبه أنه يحرم التفاضل في الصنفين إذا تقاربت منافعها مثل القمح والشعير وإذا كانت بمكيال مجهول لم يدر كم يحصل فيه من الكيل المعلوم من الصنف الواحد منهما

وإن كان ذلك مما يجوز فيه التفاضل فعلى جهة الجمع تجوز قسمتها على الاعتدال والتفاضل البين المعروف بالكيل المعلوم أو الصنجة المعروفة وهذا الجواز كله في المذهب على جهة الرضاء

وأما في واجب الحكم فلا تنقسم كل صبرة إلا على حدة بالمكيال المعلوم والمجهول ا ه بتلخيص وإصلاح

الأمر الثاني ما في قسمة الربا كقسم الثمار بشرط التأخير إلى الطيب بما يدخله من بيع الطعام بالطعام غير معلوم التماثل لأن القسمة إما بيع باتفاق أو على الخلاف كما علمت فإن تباين الجنس الواحد بالجودة والرداءة ففي جوازه

____________________

(4/60)

قسم ما فيه ضرر أو تغيير نوع المقسوم

ومنع أبو حنيفة قسم الرقيق وأجازه الشافعي احتج أبو حنيفة بأن منافعه مختلفة بالعقل والشجاعة وغيرهما فلا يمكن فيه التعديل

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

بالقرعة قولان حكاهما اللخمي كما في الأصل وفي بداية حفيد ابن رشد لا تجوز القرعة في المكيل والموزون باتفاق إلا ما حكى اللخمي ا ه

فمفاد الأصل أن القولين بجواز القرعة ومنعها حكاهما اللخمي عن المذهب في خصوص ما إذا تباين الجنس الواحد بالجودة والرداءة بلا ترجيح لأحدهما ومفاد الحفيد أن القول بمنعها في المكيل والموزون مطلقا اتفق عليه أهل المذهب وأن القول بجوازها في ذلك ضعيف حكاه اللخمي مخالفا لإجماعهم وسيأتي عن البناني على عبق ما سلم له الرهوني وكنون من أن القولين في المكيل والموزون مطلقا بلا ترجيح لأحدهما وأن القول بالجواز أخذه اللخمي وأبو الحسن من كلام المدونة مقيدا بما إذا استوى الوزن والقيمة فإن اختلفت القيمة منعت القرعة فانظر ذلك الأمر الثالث ما كان في قسمه إضاعة المال لحق الله تعالى كقسم الياقوتية الأمر الرابع ما كان في قسمه إضاعة المال لحق آدمي كقسم الدار اللطيفة والحمام والخشبة والثوب والمصراعين قال الأصل ولكون إضاعة المال في هذا الأمر لحق آدمي يجوز عندنا قسمه بالتراضي لأن للآدمي إسقاط حقه بخلاف حق الله تعالى في إضاعة المال وغيره ومنع أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل قسم ما فيه ضرر أو تغير نوع المقسوم ا ه

بتوضيح ما وفي بداية المجتهد لحفيد ابن رشد اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز قسمة واحد من الحيوان والعروض للفساد الداخل في ذلك ا ه

وظاهره أن اتفاقهم على منع قسمة ذلك لمطلق الفساد كان لحق الله أو لحق آدمي ولكن الأولى حمله على الفساد لحق الله فقط كما في الأصل فافهم قال الحفيد واختلفوا إذا تشاح الشريكان في العين الواحدة منهما وإن لم يتراضيا بالانتفاع بها على الشياع وأراد أحدهما أن يبيع صاحبه معه فقال مالك وأصحابه يجبر على ذلك فإن أراد أحدهما أن يأخذه بالقيمة التي أعطى فيها أخذه

وقال أهل الظاهر لا يجبر لأن الأصول تقتضي أن لا يخرج ملك أحد من يده إلا بدليل من كتاب أو سنة أو إجماع وحجة مالك أن في ترك الإجبار ضررا وهذا من باب القياس المرسل وقد قلنا في غير ما موضع أنه لا يقول به أحد من فقهاء الأمصار إلا مالك ولكنه كالضروري في بعض الأشياء ا ه

قلت ولعل مراده بالقياس المرسل المصلحة المرسلة وقد حققت في رسالتي انتصار الاعتصام وجهها وأن مالكا لم يختص بالقول بها فانظرها إن شئت

وأما ما يقبل القسمة بالقرعة فهو ما عري عن هذه الأمور الأربعة وتوضيح الكلام فيه أن المقسوم كما مر إما رقاب أموال وإما منافع الرقاب وأقسام الرقاب ثلاثة لأنها إما أن تنقل وتحول أم لا والثاني هو الرباع والأصول والأول إما مكيل أو موزون وإما غير مكيل ولا موزون وهو الحيوان والعروض أما الحيوان والعروض فقال حفيد ابن رشد في بدايته اتفق الفقهاء على جواز قسمة المتعدد منهما على التراضي واختلفوا في قسمته بالتعديل والسهمة

____________________

(4/61)

وجوابه لو امتنع تعديله لامتنع بيعه وتقويمه لأنهما مبنيان على معرفة القيم وليس كذلك

وقال أبو حنيفة والشافعي وابن حنبل لا يجوز أن يجمع بين دارين في القسم وإن تقاربتا

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

فأجازها مالك وأصحابه في الصنف الواحد ومنع من ذلك عبد العزيز بن أبي سلمة وابن الماجشون واختلف أصحاب مالك في تمييز الصنف الواحد الذي تجوز فيه السهمة من الذي لا تجوز فيه فاعتبر أشهب بما لا يجوز تسليم بعضه في بعض

وأما ابن القاسم فاضطرب فمرة أجاز القسم بالسهمة فيما لا يجوز تسليم بعضه في بعض فجعل القسمة أخف من السلم ومرة منع القسمة فيما منع فيه السلم وقد قيل إن مذهبه أن القسمة في ذلك أخف وأن مسائله التي يظن من قبلها أن القسمة عنده أشد من السلم تقبل التأويل على أصله الثاني ا ه

محل الحاجة منه وقال التسولي على العاصمية ولا بد فيما تفاوتت أجزاؤه من التقويم فتجمع الدور على حدتها والأقرحة أي الفدادين على حدتها والأجنات على حدتها والبقر صغيرها وكبيرها على حدتها والإبل كذلك على حدتها والرقيق كذلك على حدتها والحمير صغيرها وكبيرها على حدته والبغال كذلك وهكذا ثم يجزأ المقسوم من كل نوع بالقسمة على أقلهم نصيبا ويقترعون ا ه

بلفظه وقال الأصل منع أبو حنيفة قسم الرقيق وأجازه الشافعي وحجة أبي حنيفة أن منافعه مختلفة بالعقل والشجاعة وغيرهما فلا يمكن فيه التعديل وجوابه أنه لو امتنع تعديله لامتنع بيعه وتقويمه لأنهما مبنيان على معرفة القيمة وليس كذلك ا ه

وأما المكيل والموزون فإما أن يقع قسمهما بالكيل أو الوزن المعلوم أو المجهول أو جزافا بلا تحر أو بتحر فما وقع بالكيل أو الوزن المعلوم أو المجهول يجوز بالتراضي بلا خلاف كانا مما يجوز فيه التفاضل أم لا قال الرماصي وما في الحطاب من منع المراضاة فيما فيه التفاضل محمول على قسم ما ليس صبرة واحدة كقمح وشعير أو محمولة وسمراء أو مغلوت وغيره لأنه مبادلة ا ه

وفي جوازه بالقرعة ومنعه بها قولان الأول للخمي في قول المدونة ومن هلك وترك متاعا وحليا قسم المتاع بين الورثة بالقيمة والحلي بالوزن فإنه قال يريد أو يتراضيان أحدهما هذا والآخر هذا أو بالقرعة إذا استوى الوزن والقيمة فإن اختلفت القيمة لم يجز بالقرعة ا ه

وقال أبو الحسن عقب كلام المدونة المذكورة يقوم منه جواز القرعة في الوديعة إذا استوت في الوزن والقيمة وكذلك في جميع المدخرات ا ه

والثاني لابن رشد والباجي كما قال ابن عرفة قال وعزاه ابن زرقون لسحنون ا ه

عليه اقتصر صاحب المعين وصاحب التحفة ووجه المنع أنه إذا كيل أو وزن فقد استغنى عن القرعة فلا معنى لدخولها وما وقع جزافا بلا تحر قال في البداية لا يجوز يعني كان بالتراضي أو بالقرعة كما يفيده تفصيل ابن رشد الآتي فتنبه وما وقع بالتحري قد تقدم عن عبد الباقي ما يفيد جوازه بالتراضي فلا تغفل وقد حكى البناني على عبق في جوازه بالقرعة أقوالا الجواز مطلقا عن الباجي قال فقد سئل سيدي عيسى بن علال عن صفة قسمة الوزيعة بالقرعة التي جرى بها العرف عندنا فقال كان شيخنا سيدي موسى العبدوسي يقول إن قسمت وزنا فإن شاءوا اقترعوا أو تركوا على ما قاله اللخمي في قسمة الحلي وإن قسمت تحريا فهذا موضع القرعة ثم قال قال الباجي في قسمة الثمار في رءوس النخل بالتحري عندي أنها لا تجوز إلا بالقرعة وهو ظاهر قول أصحابنا لأنها تمييز حق ا

____________________

(4/62)

لأن الشفعة تكون في إحداهما دون الأخرى فكذلك تكون القسمة ولأن الجمع بينهما يفضي إلى كثرة الغرر لأن كل واحد منهما يزول ملكه عن كل واحدة من الدارين بغير

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

ه

والمنع مطلقا عن ابن زرقون فقد قال ومثل ما قسم بالكيل والوزن في منع القرعة عندي ما قسم بالتحري لأن ما يتساوى في الجنسين والجودة والقدر لا يحتاج إلى سهم كالدنانير والدراهم ا ه

قال العبدوسي والظاهر ما قاله الباجي والوزيعة تجري عليه ا ه

نقله في تكميل التقييد وعن ابن رشد القول بالتفصيل بين القسم بالكيل أو الوزن فيجوز التفاضل أو بالتحري فيجوز أي التفاضل في الموزون دون المكيل أو بدونهما فيمتنع مطلقا للمزابنة قال وذلك التفصيل إنما هو في الصبرة الواحدة كما صرح به ابن رشد لأن قسم الصبرة الواحدة غير حقيقي لاتحاد الصفة والقدر ا ه

بتلخيص وسلمه الرهوني وأن ما وكنو الرباع والأصول فقال حفيد ابن رشد في بدايته اتفق أهل العلم اتفاقا مجملا على جواز قسمة الرباع والأصول بالتراضي سواء كانت بعد تقويم وتعديل أو بدون ذلك كانت الرقاب متفقة أو مختلفة لأنها بيع من البيوع فلا يحرم فيها إلا ما يحرم فيها في البيوع وكذا على جوازها بالسهمة إذا عدلت بالقيمة لكنهم اختلفوا في محل ذلك وشروطه فأما بيانه في محله أن القسمة لا تخلو من أن تكون في محل واحد أو في محال كثيرة فإذا كانت في محل واحد فإن انقسمت إلى أجزاء متساوية بالصفة ولم تنقص بالانقسام منفعة الأجزاء فلا خلاف في جوازها ويجبر الشريكان على ذلك

وإن انقسمت على ما لا منفعة فيه فقال مالك إنها تقسم بينهم إذا دعا أحدهما لذلك ولو لم يصر لواحد منهم إلا ما لا منفعة فيه مثل قدر القدم وبه قال ابن كنانة من أصحابه فقط وهو قول أبي حنيفة والشافعي وعمدتهم في ذلك قوله تعالى مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا

وقال ابن القاسم لا يقسم إلا أن يصير لكل واحد في حظه ما ينتفع به من غير مضرة داخلة عليه في الانتفاع من قبل القسمة وإن كان لا يراعي في ذلك نقصان الثمن وقال ابن الماجشون يقسم إذا صار لكل واحد منهم ما ينتفع به وإن كان من غير جنس المنفعة التي كانت في الاشتراك أو كانت أقل

وقال مطرف من أصحابه إن لم يصر في حظ كل واحد ما ينتفع به لم يقسم وإن صار في حظ بعضهم ما ينتفع به وفي حظ بعضهم ما لا ينتفع به قسم وجبروا على ذلك سواء دعا إلى ذلك صاحب النصيب القليل أو الكثير وقيل يجبر إن دعا صاحب النصيب القليل ولا يجبر إن دعا صاحب النصيب الكثير وقيل بعكس هذا وهو ضعيف هذا وبقي ما إذا انتقلت منفعة المقسوم إلى منفعة أخرى مثل الحمام فقال مالك يقسم إذا طلب كأحد الشريكين وبه قال أشهب وعمدتهما ذلك قوله تعالى مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا

وقال ابن القاسم لا يقسم وهو قول الشافعي وعمدتهما قوله صلى الله عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار وحديث جابر عن أبيه لا تعضية على أهل الميراث إلا ما حمل القسم والتعضية التفرقة يقول لا قسمة بينهم

وأما إذا كانت القسمة في أكثر من محل واحد فإن كانت المحال مختلفة الأنواع كأن يكون منها دور ومنها حوائط ومنها أرض فقد تقدم حكمها وإن كانت متفقة الأنواع قسمت بالتقويم والتعديل والسهمة عند مالك لأنه أقل للضرر الداخل على الشركاء من القسمة نعم اختلف أصحابه فيما إذا اختلف الأنواع المتفقة في النفاق وإن تباعدت مواضعها على ثلاثة أقوال

وقال أبو حنيفة والشافعي بل يقسم كل عقار على حدة لأن كل عقار قائم بنفسه لأنه تتعلق به الشفعة ا ه

كلام الحفيد في البداية بتصرف وفي

____________________

(4/63)

رضاه والجواب عن الأول أن الشركة إذا عمت فيهما والبيع عمت الشفعة فنقيس القسم على الشفعة فينقلب الدليل عليكم ولأن استقلال كل واحد منهما بإحداهما أتم في الانتفاع من الانتفاع ببعض دار وعن الثاني المعارضة والنقض بالاختلاف في الدار الواحدة بل ها هنا أولى لأنا إنما نجمع المتقارب وهنالك نجمع المختلف

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

@ 64 الأصل وقال أبو حنيفة والشافعي وابن حنبل لا يجوز أن يجمع بين دارين في القسم وإن تقاربتا لأمرين الأول أن الشفعة تكون في إحداهما دون الأخرى فكذلك تكون القسمة الثاني أن الجمع بينهما يفضي إلى كثرة الغرر لأن كل واحد منهما يزول ملكه عن كل واحدة من الدارين بغير رضاه

والجواب عن الأول أن الشركة إذا عمت فيهما والبيع عمت الشفعة فنقيس القسم على الشفعة فينقلب الدليل عليكم ولأن استقلال كل واحد منهما بإحداهما أتم في الانتفاع من الانتفاع ببعض دار وعن الثاني المعارضة والنقض بالاختلاف في الدار الواحدة بل ها هنا أولى لأنا إنما نجمع المتقارب وهنالك نجمع المختلف ا ه

وأما بيان الخلاف في الشروط فهو أن من شرط قسمة الحوائط المثمرة أن لا تقسم مع الثمرة إذا بدا صلاح باتفاق في المذهب لأنه يكون بيع الطعام بالطعام على رءوس الشجر وذلك مزابنة

وأما قسمتها قبل بدو الصلاح فاختلف فيه أصحاب مالك فابن القاسم لا يجيز ذلك قبل الإبان بحال من الأحوال ويعتل لذلك بأنه يؤدي إلى بيع طعام بطعام متفاضلا ولذلك زعم أن مالكا لم يجز شراء الثمر الذي لم يطب بالطعام لا نسيئة ولا نقدا

وأما إن كان ذلك بعد الإبان فإنه لا يجوز عنده إلا بشرط أن يشترط أحدهما على الآخر أن ما وقع من الثمر في نصيبه فهو داخل في نصيبه وما لم يدخل فهو فيه على الشركة والعلة في ذلك عنده أنه يجوز اشتراط المشتري الثمر بعد الإبان ولا يجوز قبل الإبان فكان أحدهما اشترط حظ صاحبه من جميع الثمرات التي وقعت في القسمة بحظه من الثمرات التي وقعت لشريكه واشترط الثمر وصفة القسم بالقرعة أن تقسم الفريضة وتحقق وتضرب إن كان في سهامها كسر إلى أن تصح السهام ثم يقوم كل موضع منها وكل نوع من غراساتها ثم يعدل على أقل السهام بالقيمة فربما عدل جزء من موضع ثلاث أجزاء من موضع آخر على قيم الأرضين ومواضعها فإذا قسمت على هذه الصفات وعدلت كتبت في بطائق أسماء الاشتراك وأسماء الجهات فمن خرج اسمه على جهة أخذ منها فإن كان أكثر من ذلك السهم ضوعف له حتى يتم حظه فهذه هي حال قرعة السهمة في الرقاب كما في بداية المجتهد لحفيد ابن رشد وأما قسمة منافع الرقاب فقال الحفيد أيضا هي عند الجميع بالمهايأة والمهايأة إما أن تكون بالأزمان بأن ينتفع كل واحد منهما بالعين مدة مساوية لمدة انتفاع صاحبه وتجوز فيما لا ينقل ولا يحول في المدة البعيدة والأجل البعيد عند مالك وأصحابه

____________________

(4/64)

الفرق السادس عشر والمائتان بين قاعدة ما يجوز التوكيل فيه وبين قاعدة ما لا يجوز التوكيل فيه اعلم أن الأفعال قسمان منها ما لا تحصل مصلحته إلا للمباشر فلا يجوز التوكيل فيها لفوات المصلحة بالتوكيل كالعبادة فإن مصلحتها الخضوع وإظهار العبودية لله تعالى فلا يلزم من خضوع الوكيل خضوع الموكل فتفوت المصلحة ومصلحة الوطء والإعفاف وتحصيل ولد ينسب إليه وذلك لا يحصل للموكل بخلاف عقد النكاح لأن مقصوده تحقيق

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

ولا تجوز فيما ينتقل ويحول إلا في المدة اليسيرة واختلف فيها أما في الاغتلال فقيل اليوم الواحد ونحوه وقيل لا يجوز ذلك في الدابة والعبد

وأما في الانتفاع فقيل مثل الخمسة أيام وقيل الشهر وأكثر من الشهر قليلا وإما أن تكون بالأعيان بأن يستعمل هذا دارا مدة من الزمان وهذا دارا تلك المدة بعينها فقيل تجوز في سكنى الدار وزراعة الأرضين ولا يجوز ذلك في الغلة والكراء وقيل يجوز على قياس التهايؤ بالأزمان وكذلك القول في استخدام العبد والدواب يجري على الاختلاف في قسمتها بالزمان ا ه

ملخصا وفي شرح عبد الباقي على مختصر خليل عند قوله القسمة تهايؤ كخدمة عبد شهرا وسكنى دار سنين كالإجارة ما نصه فهم من التشبيه أي بالإجارة أن المهايأة إنما تكون بتراض وهو كذلك لأن الإجارة كالبيع فلا يجبر عليها من أباها ولا ينافي ذلك جعل المصنف قسمة المراضاة قسيما لها لأنه باعتبار تعلقها بملك الذات والمهايأة متعلقة بملك المنافع مع بقاء الذات بينهما ا ه

بلفظه وفي الرهوني وكنون وقسيم قسمة المنافع هو قسمة الذوات وأما المراضات والقرعة فتكونان في كل منهما ا ه

محل الحاجة منهما بلفظهما

فائدة في بداية حفيد ابن رشد إنما جعل الفقهاء السهمة في القسمة تطييبا لنفوس المتقاسمين وهي موجودة في الشرع في مواضع منها قوله تعالى فساهم فكان من المدحضين وقوله تعالى وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ومن ذلك الأثر الثابت الذي جاء فيه أن رجلا أعتق ستة أعبد عند موته فأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم فأعتق ثلث ذلك الرقيق ا ه

والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق السادس عشر والمائتان بين قاعدة ما يجوز التوكيل فيه من الأفعال وبين قاعدة ما لا يجوز التوكيل فيه منها كتب العلامة ابن الشاط فيما مر عند قول الأصل الفرق الحادي والسبعون والمائة إلخ أن هذا الفرق بين هاتين القاعدتين قريب من الفرق العاشر والمائة بين قاعدة ما تصح فيه النيابة

وقاعدة ما لا تصح النيابة فيه أو هو هو ا ه قلت وأوفى كلامه لحكاية الخلاف ففي شرح عبق على خليل والبناني عليه ما

____________________

(4/65)

سبب الإباحة وهو يتحقق من الوكيل ومقصود الأيمان كلها واللعان إظهار الصدق فيما ادعى وحلف زيد ليس دليلا على صدق عمرو وكذلك الشهادات مقصودها الوثوق بعدالة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

خلاصته وسلمه الرهوني وكنون أن قول خليل في مختصره صحت الوكالة في قابل النيابة إلخ أي شرعا وهو ما لا يتعين فيه المباشرة أي ما تجوز فيه النيابة تصح فيه الوكالة وما لا تجوز فيه النيابة لا تصح فيه الوكالة مبني على ما لابن رشد وعياض من مساواة النيابة للوكالة كما نقل ابن عرفة عنهما من جعلهما نيابة الأمراء وكالة لا على أن النيابة أعم الذي هو مقتضى تعريف ابن عرفة للوكالة بقوله نيابة ذي حق غير ذي إمرة ولا عبادة لغيره فيه غير مشروطة بموته فتخرج نيابة إمام الطاعة أميرا أو قاضيا أو صاحب شرطة أو إمام الصلاة والوصي ا ه

قال البناني ولو أسقط ذي من قوله ذي إمرة وجعل غير نعتا لحق لكان تعريفه شاملا لتوكيل الإمام في حق له قبل شخص تأمل ا ه

قال واعلم أنه وقع في كلام ابن عرفة هنا أنه ذكر أن شرط النيابة بمقتضى دلالة الاستقراء والاستعمال استحقاق جاعلها فعل ما وقعت النيابة فيه قال فإذا جعل الإنسان غيره فاعلا أمرا فإن كان يمتنع أن يباشره أو لا حق له في مباشرته فهو أمر وإن صحت مباشرته وكان له فيه حق فهو نيابة فجعل الإنسان غيره يقتل رجلا عمدا عدوانا هو أمر لا نيابة وجعله يقتله قصاصا نيابة ووكالة ا ه

ورد بهذا على ابن هارون الذي أبطل طرد تعريف ابن الحاجب الوكالة بأنها نيابة فيما لا تتعين المباشرة بالنيابة في المعاصي كالسرقة والغصب وقتل العدوان ثم ناقض ابن عرفة كلامه بما ذكره بعد من أن الوكالة التي هي أخص من النيابة تعرض لها الحرمة بحسب متعلقها ومثل ذلك بالبيع الحرام وهو ممنوع المباشرة فتأمله قاله الشيخ المناوي ا ه

وقد تقدم في الفرق العاشر والمائة توضيح الفرق بين ما تصح النيابة فيه وبين ما لا تصح النيابة فيه وفي الفرق الحادي والسبعين والمائة ما يوضحه من المسائل وبقي هنا مسألة وهي أنه قد تقدم أن ما كان من العبادة كالصلاة العينية من حيث إن مصلحتها الخضوع والخشوع وإجلال الرب سبحانه وتعالى وإظهار العبودية له لا تصح النيابة فيها لذاتها فرضا أو سنة أو رغيبة أو مندوبة لعدم سقوطها عن المستنيب إذا فعلها النائب عنه لفوات المصلحة التي طلبها الشارع حينئذ إذ لا يلزم من خضوع الوكيل خضوع الموكل وقال عبق على خليل وأما النيابة على إيقاعها بمكان وزمن مخصوصين فتصح كالقارئ مطلقا وكنيابة في أذان وإمامة ونحوهما كقراءة بمصحف بمكان مخصوص لضرورة ا ه

المراد قال البناني وفي التوضيح في باب الحج لما ذكر أن أجير الحج لا يجوز له أن يصرف ما أخذه من الأجرة إلا في الحج ولا يقضي بها دينه ويسأل الناس وأن ذلك جناية منه لأن ذلك خلاف غرض الميت الموصي كما أشار إليه في مختصره بقوله وجنى إن وفى دينه ومشى ما نصه وكان شيخنا يعني المنوفي رحمه الله تعالى يقول ومثل هذا المساجد ونحوها يأخذها الوجيه بوجاهته ثم يدفع من مرتباتها شيئا قليلا لمن ينوب عنه فأرى أن الذي أبقاه لنفسه حرام لأنه اتخذ عبادة الله متجرا ولم يوف بقصد صاحبها إذ مراده التوسعة ليأتي الأجير بذلك مشروح الصدر قال رحمه الله تعالى وأما إن اضطر إلى شيء من الإجارة على ذلك فإني أعذره لضرورته ا ه

فكلام المنوفي هذا صريح في

____________________

(4/66)

المتحمل وذلك فائت إذا أدى غيره ومقصود المعاصي إعدامها فلا يشرع التوكيل فيها لأن شروع التوكيل فيها فرع تقريرها شرعا فضابط الفرق أن مقصود الفعل متى كان يحصل

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

أمرين الأول أن النائب مع الضرورة ليس له إلا ما اتفق عليه مع المنوب عنه من قليل أو كثير

الثاني أن النائب مع عدم الضرورة مستحق لجميع الخراج وصريح كلام القرافي الموافقة للمنوفي في الأمر الأول ومخالفته في الأمر الثاني وأن الاستنابة إذا وقعت مع عدم الغدر لم يكن للنائب ولا للمنوب عنه شيء من خراج الوقف حيث قال في الفرق الخامس عشر والمائة ما نصه إذا وقف الواقف على من يقوم بوظيفة الإمامة أو الأذان أو الخطابة أو التدريس فلا يجوز لأحد أن يتناول من ريع ذلك شيئا إلا إذا قام بذلك الشرط على مقتضى ما شرطه الواقف فإن استناب غيره في هذه الحالة عنه في غير أوقات الأعذار فإنه لا يستحق واحد منهما شيئا من ريع ذلك الوقف أما النائب فلأن من شرط استحقاقه صحة ولايته وهي مشروطة بأن تكون ممن له النظر وهذا المستنيب ليس له نظر إنما هو إمام أو مؤذن أو خطيب أو مدرس فلا تصح الولاية الصادرة منه وأما المستنيب فلا يستحق شيئا أيضا بسبب أنه لم يقم بشرط الواقف فإن استناب في أيام الأعذار جاز له تناول ريع الوقف وأن يطلق لنائبه ما أحب من ذلك الريع ا ه

وسلمه أبو القاسم بن الشاط وأبو عبد الله القوري ا ه

كلام البناني بتصرف وفي حاشية كنون قال الشيخ المسناوي رحمه الله تعالى ويبقى النظر فيما يعد عذرا ويعتبر في ذلك شرعا فإن الأسباب العارضة للمرء منها ما تتعذر معه مباشرة الوظيفة عادة كالمرض الشديد والحبس والغيبة الجبرية ومنها ما تمكن المباشرة معه بترك ذلك العارض غير أن في تركه فوات منفعة أو ترتيب مضرة كخروج من لا كافي له إلى مطالعة ضيعته أو تفقد بعض شئونه أو شهود وليمة دعي إليها في وقت الوظيفة أو تشييع جنازة قريب أو صديق أو غيرهما وما أشبه ذلك ومنها ما تمكن معه أيضا مع عدم ترتب شيء من ذلك كقصد الاستراحة وكتعاطي أسباب غير حاجيته والظاهر أن المراد القسمان الأولان دون الثالث كما يدل له ما نقله في آخر نوازل الصلاة من المعيار عن إمامي المتأخرين من الشافعية عز الدين بن عبد السلام ومحيي الدين النووي من قول الأول ولا يستنيب إلا لعذر جرت العادة بالاستنابة فيه كالمرض والحبس وقول الثاني لعذر لا يعد بسببه مقصرا وما نقله أيضا في أثناء نوازل الحبس عن أبي محمد عبد الله العبدوسي من تمثيله للعذر بالخروج إلى الضيعة وانظر السفر للزيارة هل هو من القسم الثالث كما هو المتبادر أو من الثاني لجريان العادة به في الجملة ا ه

واعلم أن متولي الوظيفة إذا عطلها رأسا بأن لم يباشر القيام بها بنفسه ولا استناب فيها من يقوم مقامه لا يخلو حاله من أن يكون ذلك لعذر أو لغيره وفي كل إما أن تكون المدة كثيرة أو يسيرة والحكم أنه لا يستحق المرتب المجعول لمتوليها إلا في صورة واحدة وهي أن يكون عدم قيامه بها لعذر لا يعد بسببه مقصرا عادة والمدة مع ذلك يسيرة عرفا كما أفاده السيد عبد الله العبدوسي في جواب له مذكور في المعيار ونصه قال علماؤنا كل من جعل له مرتب على قراءة أو غيرها ثم لم يقم بذلك لعذر من مرض أو خوف أو لغير عذر فإنه لا يستحق ذلك

____________________

(4/67)

من الوكيل كما يحصل من الموكل وهو مما يجوز الإقدام عليه جازت الوكالة فيه وإلا فلا

الفرق السابع عشر والمائتان بين قاعدة ما يوجب الضمان وبين قاعدة ما لا يوجبه أسباب الضمان ثلاثة فمتى وجد واحد منها وجب الضمان ومتى لم يوجد واحد منها لم يجب الضمان

أحدها التفويت مباشرة كإحراق الثوب وقتل الحيوان وأكل الطعام ونحو ذلك

وثانيها التسبب للإتلاف كحفر بئر في موضع لم يؤذن فيه ووضع السموم في الأطعمة ووقود النار بقرب الزرع أو الأندر ونحو ذلك مما شأنه في العادة أن يفضي غالبا للإتلاف

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

المرتب كالأجير على شيء لا يقوم بحق المنفعة المستأجر عليها فإنه لا يستحق الأجرة إلا أن يكون ما عطل مدة يسيرة كخروجه إلى ضيعته وتفقد شئونه أو يمرض المدة اليسيرة فإنه لا يحرم الأجرة ا ه

ومثل للمدة اليسيرة في جواب له آخر مذكور فيه أيضا بالجملة ونحوها وكذا نقل ابن عرفة عن ابن فتوح انظر القول الكاشف ا ه

بلفظها وقد قدمت في الفرق الخامس عشر والمائة عن الشيخ منصور الحنبلي في شرحه على الإقناع أن مذهبهم جواز استنابة الأجير في مثل تدريس وإمامة وخطابة ونحوها جائزة ولو نهى الواقف عن ذلك إذا كان النائب مثل مستنيبه في كونه أهلا لما استنيب فيه فلا تغفل والله سبحانه وتعالى أعلم

فائدة في حاشية الرهوني على عبق ما نصه ابن يونس الأصل في جواز الوكالة قوله تعالى فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة وقوله فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم والأوصياء كالوكلاء ومن السنة حديث فاطمة بنت قيس حين طلقها زوجها وجعل وكيله ينفق عليها وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلا أن يشتري له أضحية بدينار فاشترى شاتين بدينار فباع واحدة بدينار فأتاه بشاة ودينار فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة والإجماع على جواز الوكالة للمريض والغائب والحاضر مثل ذلك ا ه منه بلفظه ا ه

الفرق السابع عشر والمائتان بين قاعدة ما يوجب الضمان وبين قاعدة ما لا يوجبه أقول هذا الفرق مكرر مع ما تقدم من الفرق الحادي عشر والمائة بين قاعدة ما يضمن وبين قاعدة ما لا يضمن

وقد وضحته هناك أتم توضيح وضممت ما زاده هذا على ما ذكره هناك مع زيادة من بداية المجتهد وغيره لكنه ذكر هنا مسألتين تتعلق بهذا الفرق ولم أذكرها هناك

المسألة الأولى مشهور مذهبنا الذي حكاه اللخمي عن مالك وابن القاسم أن الضمان على الغاصب يوم الغصب دون ما بعده وأن صداق المثل يجب للموطوءة في وطء الشبهة أول يوم الشبهة دون ما بعده

____________________

(4/68)

وثالثها وضع اليد غير المؤتمنة فيندرج في غير المؤتمنة يد الغاصب والبائع يضمن المبيع الذي يتعلق به حق توفية القبض فإن ضمان المبيع الذي هذا شأنه منه لأن يده غير مؤتمنة ويد المتعدي بالدابة في الإجارة ونحوها ويخرج بهذا القيد يد المودع وعامل القراض ويد المساقي ونحوهم فإنهم أمناء فلا يضمنون وإنما يندرج فيه الغاصب ونحوه وحد السبب ما يقال عادة حصل الهلاك به من غير توسط والتسبب ما يحصل الهلاك عنده بعلة أخرى إذا كان السبب هو المقتضي لوقوع الفعل بتلك العلة كحفر البئر في محل عدوانا فيتردى فيها بهيمة أو غيرها فإن أرادها غير الحافر فالضمان عليه دون الحافر تقديما للمباشر على المتسبب ويضمن المكره على إتلاف المال لأن الإكراه سبب وفاتح القفص بغير إذن ربه فيطير ما فيه حتى لا يقدر عليه والذي يحل دابة من رباطها أو عبدا مقيدا خوف الهرب فيهرب لأنه متسبب سواء كان الطيران أو الهرب عقيب الفتح والحل أم لا وكذلك السارق يترك الباب مفتوحا وما في

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

ووافقنا أبو حنيفة وحجتنا في الغصب أمور ثلاثة الأمر الأول القاعدة الأصولية وهي أن ترتيب الحكم على الوصف يدل على علية ذلك الوصف لذلك الحكم ورسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله على اليد ما أخذت حتى ترده قد رتب الضمان على الأخذ باليد فيكون الأخذ باليد هو سبب الضمان

وقوله صلى الله عليه وسلم ما أخذت قرينة تدل على ذلك كما يدل قولنا على الزاني الرجم وعلى السارق القطع على سببية هذين الوصفين فمن ادعى أن غير الأخذ باليد سببا بعد ذلك فعليه الدليل لأن الأصل عدم سببية غير ما دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم ما ذكر

الأمر الثاني القاعدة الأصولية الفقهية وهي أن الأصل ترتب المسببات على أسبابها من غير تراخ فيترتب حين وضع اليد لا ما بعد ذلك والمضمون لا يضمن لأنه تحصيل الحاصل

الأمر الثالث القياس على حوالة الأسواق فإنها كما لا تضمن عند الشافعية كذلك لا يضمن المغصوب بعد يوم الغصب وحجتنا في وطء الشبهة إما القياس على الغصب لأنه لا قائل بالفرق بينهما وإما لأن الصداق ترتب في ذمته بالوطأة الأولى

والأصل عدم انتقاله وما قال أحد بوجوب صداقين وخالفنا الشافعي فيهما فقال تعتبر في المغصوب الأحوال كلها ويضمن الغاصب أعلى القيم ويعتبر في وطء الشبهة أعلى الرتب فيجب لها صداق المثل في أشرف أحوالها كما يجب أعلى القيم في الغصب ووافقه في تضمين أعلى القيم أحمد بن حنبل وجماعة من أصحابنا إلا أن الجماعة من الأصحاب اعتبروا الأخذ بأرفع القيم في حوالة الأسواق حكى اللخمي عن أشهب وعبد الملك أخذ أرفع القيم إذا حالت الأسواق والشافعي لم يعتبر التضمين بحوالة الأسواق كما علمت وقد يفرق له بين حوالة الأسواق وزيادة صفات السلع بأن الحوالة والأسواق رغبات الناس وهي بين الناس خارجة عن السلع فلا تضمن بخلاف زيادة صفاتها وتظهر فائدة الخلاف في مسائل منها ما إذا غصبها ضعيفة مشوهة معيبة بأنواع من العيوب فزالت تلك العيوب عنده فعندنا القيمة الأولى وعند الشافعي الثانية لأنها أعلى وعلى

____________________

(4/69)

الدار أحد

وقال الشافعي رضي الله عنه إن طار الحيوان عقيب الفتح ضمن وإلا فلا لأن الحيوان طار حينئذ بإدارته لا بالفتح

وقال أبو حنيفة رضي الله عنه لا يضمن إلا في الرق إذا حله فيتبدد ما فيه لنا أن هذه الأمور سبب الإتلاف عادة فتوجب بالضمان كسائر صور التسبب المجمع عليها ولقوله تعالى فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم سقط خصوص التسبب بقي الغرم وبالقياس على ما إذا فتح مراحه فخرجت ماشيته فأفسدت الزرع فإنه يضمنه احتجوا بأنه إذا اجتمع التسبب والمباشرة اعتبرت المباشرة دونه والطير مباشر باختياره لحركة نفسه كمن حفر بئرا عدوانا فأردى فيها غيره إنسانا فإن المردي يضمن دون الأول والحيوان قصده معتبر بدليل جوارح الصيد إن أمسكت لأنفسها لا يؤكل الصيد أو للصائد أكل والجواب لا نسلم أن الطائر كان مختارا للطيران ولعله كان مختارا للإقامة لانتظار العلف أو خوف الجوارح الكواسر وإنما طار خوفا من الفاتح وإذا احتمل واحتمل والسبب معلوم فيضاف الضمان إليه كحافر البئر يقع فيها حيوان مع إمكان اختياره لنزولها لفزع

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

مذهبه لو تعلم العبد صنعة ثم نسيها ضمنها الغاصب واحتج الشافعي وموافقوه بوجوه الأول بأن الغاصب في كل وقت مأمور بالرد فهو مأمور برد الزيادة فما لم يردها يكون غاصبا لها فيضمنها

الثاني أن الزيادة نشأت عن ملكه وفي ملكه فتكون ملكه ويد العدوان عليها فتكون مغصوبة فيضمن كالعين المغصوبة

الثالث أنه في الحالة الثانية ظالم والظلم علة الضمان فيضمن

والجواب أن الوجوه الثلاثة وإن كانت مسلمة إلا أنا لا نسلم أنها سبب الضمان فلا يلزم من الأمر ولا من الظلم ولا من غيرهما الضمان لعدم نصبها شرعا سببا له والأسباب الشرعية تفتقر إلى نصب شرعي ولفظ صاحب الشرع إنما اقتضى سببية وضع اليد ومفهومه أن غيره ليس بسبب فلا بد لسببية غيره من دليل ولم يوجد وضع اليد في أثناء الغصب بل استصحابها واستصحاب الشيء لا يلزم أن يقوم مقامه بدليل نظائر منها أن استصحاب النكاح لا يقوم مقام العقد الأول لصحته مع الاستبراء والعقد لا يصح مع الاستبراء

ومنها أن الطلاق يوجب ترتب العدة عقيبه واستصحابه لا يوجب عدة

ومنها وضع اليد عدوانا يوجب التفسيق والتأثيم ولو جن بعد ذلك وهي تحت يده لم يأثم حينئذ ولم يفسق

ومنها ابتداء العبادة يشترط فيها النيات وغيرها من التكبير ونحوه ودوامها لا يشترط فيه ذلك فعلمنا أن استصحاب الشيء لا يلزم أن يقوم مقامه لا سيما وسبب الضمان هو الأخذ عدوانا ولا يصدق عليه بعد زمن الأخذ أنه أخذ الآن إلا على سبيل المجاز لأن حقيقة الأخذ تجري مجرى المناولة والحركات الخاصة لا يصدق شيء منها مع الاستصحاب فعلم أن سبب الضمان منفي في زمن الاستصحاب قطعا ونحن إنما نضمنه الآن بسبب متقدم لا بما هو حاصل الآن فاندفع ما ذكروه وأن القيمة إنما هي يوم الغصب زادت العين أو نقصت المسألة الثانية اختلفت المذاهب وتشعبت الآراء وطرق الاجتهاد فيما إذا ذهب جل منفعة العين كقطع

____________________

(4/70)

خلفه أو غير ذلك ولا نسلم أن الصيد لا يؤكل إذا أكل منه الجارح سلمناه لكن الضمان متعلق بالسبب الذي توصل به الطائر لمقصده كمن أرسل بازيا على طائر غيره فقتله البازي باختياره فإن المرسل يضمن

وهذه المسألة تقتضي اختيار الحيوان ولا نسلم أن الفتح سبب مجرد بل هو في معنى المباشرة لما في طبع الطائر من النفور من الآدمي وأما إلقاء غير الحافر للبئر إنسانا وإلقاؤه هو نفسه في البئر فالفرق أن قصد الطائر ونحوه ضعيف لقوله صلى الله عليه وسلم جرح العجماء جبار والآدمي يضمن قصد أو لم يقصد فهذا هو تقرير قاعدة ما يوجب الضمان وقاعدة ما لا يوجبه وهاهنا مسألتان المسألة الأولى إذا قلنا بالضمان فالضمان على الغاصب يوم الغصب دون ما بعده وعند الشافعي تعتبر الأحوال كلها فيضمنه أعلى القيم وتظهر فائدة الخلاف إذا غصبها ضعيفة مشوهة معيبة بأنواع من العيوب فزالت تلك العيوب عنده فعندنا القيمة الأولى

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

ذنب بغلة القاضي ونحو ذلك فعندنا يضمن الجميع في جميع صور ذلك

وقال الشافعي وابن حنبل رضي الله عنهما ليس له في جميع صور ذلك إلا ما نقص لأن الأصل بقاء ما بقي على ملكه وقال أبو حنيفة رضي الله عنه في العبد والثوب كقولنا في الأكثر في أنه إذا ذهب النصف أو الأقل باعتبار المنفعة عادة فليس له إلا ما نقص وقال فإن قلع عين البهيمة فربع القيمة استحسانا والقياس عندهم أن لا يضمن إلا النقص واختلفوا في تعليل هذا القول فمنهم من قال لأنه ينتفع بالأكل والركوب معا وعليه فيتعدى الحكم للإبل والبقر دون البغال والحمير ومنهم من قال بالركوب فقط وعليه فيتعدى الحكم للبغال والحمير أيضا فيضمن ربع القيمة فإذا قطع يدي العبد أو رجليه فأبو حنيفة يوافقنا في تخيير السيد بين تسليم العبد وأخذ القيمة كاملة وبين إمساكه ولا شيء

وقال الشافعي رضي الله عنه تتعين القيمة كاملة ولا يلزم تسليم العبد على خلاف قوله في المسألة الأولى أعني مسألة قطع ذنب بغلة القاضي ومنشأ الخلاف خلافهم في الملك هل يضاف للضمان وسببه معا وهو قول المخالف فلذا قال الضمان الذي سببه عدوان لا يوجب ملكا لأنه سبب للتغليط لا سبب للرفق أو يضاف للضمان فقط لا لسببه وهو قولنا وعليه فالضمان قدر مشترك بين العدوان وغيره وبسط ذلك في المسألة الأولى لنا وجوه الأول أن نقول إنه أتلف المنفعة المقصودة فيضمن كما لو قتلها أما أنه أتلف المنفعة المقصودة فلأن ذا الهيئة إذا قطع ذنب بغلته لا يركبها بعد والركوب هو المقصود وأما قياس ذلك على قتلها فلأنه إذا قتلها ضمنها اتفاقا مع بقاء انتفاعه بإطعامها لكلابه وبزاته وبدبغ جلدها فينتفع به أو بغير دباغ إلى غير ذلك من المنافع غير المقصودة عادة فلما لم يمنع ذلك من الضمان علمنا أن الضمان مضاف للقدر المشترك بينهما منها وهو ذهاب المقصود فيستويان في الحكم عملا باشتراكهما في الموجب

الوجه الثاني أنه لو غصب عسلا وشيرجا ونشا فعقد الجميع فالوذجا ضمن عندهم مع بقاء منافع كثيرة من المالية فكذلك ها هنا

الوجه الثالث أنه لو غصب عبدا فأبق أو حنطة فبلها بللا فاحشا ضمن عندهم مع

____________________

(4/71)

وعنده الثانية لأنها أعلى وكذلك خالفنا في وطء الشبهة فعندنا أول يوم الشبهة وعنده يعتبر أعلى الرتب فيوجب لها صداق المثل في أشرف أحوالها كما يوجب أعلى القيم في الغصب

لنا قاعدة أصولية وهي أن ترتيب الحكم على الوصف يدل على علية ذلك الوصف لذلك الحكم ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد رتب الضمان على الأخذ باليد فيكون الأخذ باليد هو سبب الضمان فمن ادعى أن غيره سبب فعليه الدليل لأن الأصل عدم سببية غير ما دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم على اليد ما أخذت حتى ترده فهذه قرينة تدل على سببية الأخذ كقولنا على الزاني الرجم

وعلى السارق القطع فإنه يدل على سببية هذه الأوصاف وهو في أثناء مدة الغصب لا يصدق عليه أنه أخذ الآن بل أخذ فيما مضى فوجب أن يختص السبب بما مضى وفي وطء الشبهة وجب أن يكون كذلك لأنه لا قائل بالفرق أو لأن الصداق ترتب في ذمته بالوطأة الأولى

والأصل عدم انتقاله وما قاله أحد بوجوب صداقين أو بالقياس على الغصب ولنا قاعدة أخرى أصولية فقهية وهي أن الأصل ترتب المسببات على

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

بقاء التقرب في الأول بالعتق وبقاء المالية في الثاني لكن جل المقصود ذهب فكذلك ها هنا وكما أنه في الآبق حال بينه وبين جميع العين وفي الحنطة أفسدها عليه ناجزا بالبلل لتداعي الفساد إليها به كذلك صورة النزاع حال بينه وبين مقصوده وأفسده عليه ناجزا مع إمكان تجفيف الحنطة وعملها سويقا وغير ذلك من المنافع وأما ما احتجوا به من الأمرين الأول قوله تعالى فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم والاعتداء حصل في البعض فتلزمه قيمة البعض

والثاني أن مقتضى أن تقويم المتلفات لا يختلف باختلاف الناس بل إنما يختلف باختلاف البلاد والأزمان أن تكون الجنابة في بغلة القاضي أو الأمير مثلها في غيرها كما لو جنى على عبده أو داره في عدم لزوم قيمة الجميع بل البعض ويؤيد ذلك أنه لو قطع ذنب حمار التراب أو خرق ثوب الحطاب لم يلزمه جميع القيمة مع تعذر بيع ذلك من الأمير والقاضي فإنهما لا يلبسان ذلك الثوب بسبب ذلك القطع اليسير وأنه لو قطع أذن الأمير نفسه أو أنف القاضي لما اختلفت الجناية فكيف بدابته مع أن شين القاضي بقطع أنفه أشد فالجواب عن الأول بأحد ثلاثة وجوه الأول أن ظاهر الآية يقتضي أن يعور فرس الجاني كما عور فرسه وهذا الظاهر متروك إجماعا

الثاني أنها وردت في الدماء لا في الأموال

الثالث أن قوله تعالى عليكم أي أنفسكم إنما تناول أنفسنا لأنه ضمير الأنفس وعن الثاني بثلاثة وجوه الأول أن الدار جل مقصودها حاصل بخلاف الفرس

الثاني أنا لا نسلم قولهم لا يختلف التقويم باختلاف الناس بل باختلاف البلاد والأزمان ألا ترى أن الدابة الصالحة للخاصة والعامة كالقضاة والخطباء أنفس قيمة لعموم الأغراض فيها ولتوقع المنافسة في المزايدة فيها أكثر من التي لا تصلح إلا لأحد الفريقين

____________________

(4/72)

أسبابها من غير تراخ فيترتب الضمان حين وضع اليد لا ما بعد ذلك والمضمون لا يضمن لأنه تحصيل الحاصل وقياسا على حوالة الأسواق فإنها لا تضمن عندهم وقد حكى اللخمي ذلك عن مالك وابن القاسم وحكي عن أشهب وعبد الملك أخذ أرفع القيم إذا حالت الأسواق والفرق للكل أن حوالة الأسواق رغبات الناس وهي بين الناس خارجة عن السلع فلا تضمن بخلاف زيادة صفاتها ووافق الشافعي في تضمين أعلى القيم أحمد بن حنبل وجماعة من أصحابنا ووافق مشهورنا أبو حنيفة وعلى الأول لو تعلم العبد صنعة ثم نسيها ضمنها الغاصب احتجوا بوجوه الأول بأن الغاصب في كل وقت مأمور بالرد فهو مأمور برد الزيادة وما ردها فيكون غاصبا لها فيضمنها

الثاني أن الزيادة نشأت عن ملكه وفي ملكه فتكون ملكه ويد العدوان عليها فتكون مغصوبة فيضمن كالعين المغصوبة ولأنه في الحالة الثانية ظالم والظلم علة الضمان فيضمن والجواب عن الأول والثاني والثالث أنها مسلمة ولا نسلم أنها سبب الضمان فلا

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الثالث أن القياس على أذن الأمير وأنف القاضي باطل لأن القاعدة أن المعتبر في باب الدماء مزايا الأموال لا مزايا الرجال فإن دية أشجع الناس وأعلمهم كدية أجبن الناس وأجهلهم فأين أحد البابين من الآخر

وبالجملة فالنقص عند العلماء ثلاثة أقسام الأول ما تذهب به العين بالكلية فيوجب طلب القيمة اتفاقا

والثاني ما لا يبطل المقصود فلا تلزم به القيمة اتفاقا

والثالث ما يخل بالمقصود فهو محل الخلاف المذكور ولذلك قال الشيخ أبو الحسن اللخمي في مذهبنا إن التعدي في مذهب مالك أربعة أقسام يسير لا يبطل الغرض المقصود به ويسير يبطله وكذلك كثير لا يبطل المقصود وكثير يبطله فهذه أربعة أقسام متقابلة أما القسم الأول وهو اليسير الذي لا يبطل المقصود فلا يضمن العين وكذلك الكثير الذي لا يبطل المقصود وهو القسم الثالث وأما القسم الرابع وهو الكثير الذي يبطل المقصود فيخير فيه كما تقدم وعلى القول بتضمينه القيمة لو أراد به أخذه وما نقصه فذلك له عند مالك وابن القاسم

وقال محمد لا شيء له لأنه ملك أن يضمنه فامتنع فذلك رضى بنقصه وأما القسم الثاني وهو اليسير الذي يبطل المقصود فقاعدة مالك تقتضي تضمينه كما تقدم في ذنب بغلة القاضي قال وتستوي في ذلك المركوبات والملبوسات هذا هو المشهور وعن مالك لا يضمنه بذلك وفرق ابن حبيب بين الذنب فيضمن وبين الأذن فلا يضمن لاختلاف الشين فيهما واتفقوا في حوالة الأسواق على عدم التضمين لأنها رغبات الناس فالنقص في رغبات الناس لا في المغصوب هذا تهذيب ما في الأصل وسلمه أبو القاسم ابن الشاط وفي بداية المجتهد لحفيد ابن رشد والنقصان الطارئ على المغصوب إما من قبل المخلوق وإما من قبل الخالق كأن يكون بأمر من السماء وليس له في الثاني إلا أن يأخذه

____________________

(4/73)

يلزم من الأمر ولا من الظلم ولا من غيرهما الضمان فإن الأسباب الشرعية تفتقر إلى نصب شرعي ولفظ صاحب الشرع اقتضى سببية وضع اليد ومفهومه أن غيره ليس بسبب فلا بد لسببية غيره من دليل

ولم يوجد وضع اليد في أثناء الغصب بل استصحابها واستصحاب الشيء لا يلزم أن يقوم مقامه بدليل أن استصحاب النكاح لا يقوم مقام العقد الأول لصحته مع الاستبراء والعقد لا يصح مع الاستبراء وكذلك الطلاق يوجب ترتب العدة عقيبه

واستصحابه لا يوجب عدة ووضع اليد عدوانا يوجب التنسيق والتأثيم ولو جن بعد ذلك وهي تحت يده لم يأثم حينئذ ولم يفسق وابتداء العبادات يشترط فيها النيات وغيرها من التكبير ونحوه ودوامها لا يشترط فيه ذلك فعلمنا أن استصحاب الشيء لا يلزم أن يقوم مقامه لا سيما وسبب الضمان هو الأخذ عدوانا ولا يصدق عليه بعد زمن الأخذ أنه أخذ الآن إلا على سبيل المجاز لأن حقيقة الأخذ تجري مجرى المناولة والحركات الخاصة لا يصدق شيء منها مع الاستصحاب فعلم أن سبب الضمان منفي في زمن الاستصحاب قطعا

ونحن إنما نضمنه الآن بسبب متقدم لا بما هو حاصل الآن فاندفع ما ذكروه وأن القيمة إنما هو يوم الغصب زادت العين أو نقصت المسألة الثانية إذا ذهبت جل منفعة العين كقطع ذنب بغلة القاضي ونحو ذلك فعندنا يضمن الجميع وهو فرع اختلفت فيه المذاهب وتشعبت فيه الآراء وطرق الاجتهاد فقال أبو حنيفة رضي الله عنه في العبد والثوب كقولنا في الأكثر فإذا ذهب النصف أو الأقل باعتبار المنفعة عادة فليس له إلا ما نقص فإن قلع عين البهيمة فربع القيمة استحسانا والقياس عندهم أن لا يضمن إلا النقص واختلفوا في تعليل هذا القول فقيل لأنه ينتفع بالأكل والركوب فعلى هذا يتعدى الحكم للإبل والبقر دون البغال والحمير ومنهم من قال الركوب فقط فيتعدى الحكم للبغال والحمير فيضمن أيضا ربع القيمة

وقال الشافعي وابن حنبل رضي الله عنهما ليس له في جميع ذلك إلا ما نقص لأن الأصل بقاء ما بقي على ملكه فإن قطع يدي العبد أو رجليه فوافقنا أبو حنيفة في تخيير السيد تسليم العبد وأخذ القيمة كاملة وبين إمساكه ولا شيء له وقال الشافعي رضي الله عنه تتعين القيمة كاملة ولا يلزمه تسليم العبد خلاف قوله في المسألة الأولى

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

ناقصا أو يضمنه قيمته يوم الغصب وقيل إن له أن يأخذه ويضمن الغاصب قيمة العيب

وأما الأول فإما أن يكون بجناية الغاصب وإما أن يكون بجناية غيره عليه وهو عنده فالمغصوب في الأول مخير في المذهب بين أن يضمنه القيمة يوم الغصب أو يأخذه وما نقصته الجناية يوم الجناية عند ابن القاسم وعند سحنون ما نقصته الجناية يوم الغصب وذهب أشهب إلى أنه مخير بين أن يضمنه القيمة أو

____________________

(4/74)

وأصل هذا الفقه أن الضمان الذي سببه عدوان لا يوجب ملكا لأنه سبب للتغليط لا سبب للرفق وعندنا الملك مضاف للضمان لا لسببه وهو قدر مشترك بين العدوان وغيره وبسط ذلك في المسألة الأولى لنا وجوه الأول أن تقول إنه أتلف المنفعة المقصودة فيضمن كما لو قتلها أما إنه أتلف المنفعة المقصودة فلأن ذا الهيئة إذا قطع ذنب بغلته لا يركبها بعد والركوب هو المقصود

وأما قياس ذلك على قتلها فلأن إذا قتلها ضمنها اتفاقا مع بقاء انتفاعه بإطعامها لكلابه وبزاته وبدبغ جلدها فينتفع به أو بغير دباغ إلى غير ذلك من المنافع غير المقصودة عادة ولما لم يمنع ذلك من الضمان علمنا أن الضمان مضاف للقدر المشترك بينهما منها وهو ذهاب المقصود فيستويان في الحكم عملا باشتراكهما في الموجب

الثاني أنه لو غصب عسلا وشيرجا ونشا فعقد الجميع فالوذجا ضمن عندهم مع بقاء منافع كثيرة من المالية فكذلك ها هنا وثالثها أنه لو غصب عبدا فأبق أو حنطة فبلها بللا فاحشا ضمن عندهم مع بقاء التقرب في الأول بالعتق وبقاء المالية في الثاني لكن جل المقصود ذهب فكذلك ها هنا ولا يقال في الآبق حال بينه وبين جميع العين وفي الحنطة بتداعي الفساد إليها بالبلل لأنا نقول في صورة النزاع حال بينه وبين مقصوده وأفسده عليه ناجزا مع إمكان تجفيف الحنطة وعملها سويقا وغير ذلك من المنافع واحتجوا بأمرين الأول قوله تعالى فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم والاعتداء حصل في البعض فتلزمه قيمة البعض وثانيهما أن هذه الجناية لو حصلت في غير بغلة القاضي أو الأمير لم تلزمه القيمة فكذلك ها هنا كما لو جنى على عبده أو داره لأن تقويم المتلفات لا يختلف باختلاف الناس إنما يختلف باختلاف البلاد والأزمان ويؤكده أنه لو قطع ذنب حمار التراب أو خرق ثوب الحطاب لم يلزمه جميع القيمة مع تعذر بيعه من الأمير والقاضي لأنهما لا يلبسانه بسبب ذلك القطع اليسير ولو قطع أذن الأمير نفسه أو أنف القاضي لما اختلفت الجناية فكيف بدابته مع أن شين القاضي بقطع أنفه أشد والجواب عن الأول أنه متروك الظاهر لاقتضائه أن يعور فرس الجاني كما عور فرسه وليس كذلك إجماعا

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

يأخذه ناقصا ولا شيء له في الجناية كالذي يصاب بأمر من السماء وإليه ذهب ابن المواز وسبب إلا في اختلاف الخلاف جعل ما حصل في المغصوب من نماء ونقصان كأنه حدث في ملك صحيح فتجب للغاصب الغلة

ولا يلزمه شيء في النقصان سواء كان من سببه أو من عند

____________________

(4/75)

وقيل إن الآية وردت في الدماء لا في الأموال ولأن قوله تعالى عليكم أي أنفسكم إنما تناول أنفسنا لأنه ضمير الأنفس وعن الثاني أن الدار جل مقصودها حاصل بخلاف الفرس

وأما قولهم لا يختلف التقويم باختلاف البلاد بل يختلف فإن الدابة الصالحة للخاصة والعامة كالقضاة والخطباء أنفس قيمة لعموم الأغراض فيها ولتوقع المنافسة في المزايدة فيها أكثر من التي لا تصلح إلا لأحد الفريقين وأما أذن الأمير وأنف القاضي فإن القاعدة أن مزايا الرجال غير معتبرة في باب الدماء ومزايا الأموال متغيرة فدية أشجع الناس وأعلمهم كدية أجبن الناس وأجهلهم فأين أحد البابين من الآخر

تمهيد تحصل أن النقص عند العلماء ثلاثة أقسام تارة تذهب العين بالكلية فله طلب القيمة اتفاقا وتارة يكون النقص يسيرا فليس له إلزام القيمة اتفاقا وتارة يكون الذاهب مخلا بالمقصود فهو محل الخلاف ولذلك قال الشيخ أبو الحسن اللخمي في مذهبنا إن التعدي في مذهب مالك أربعة أقسام يسير لا يبطل الغرض المقصود به ويسير يبطله وكذلك كثير لا يبطل المقصود منه وكثير يبطله فهذه أربعة أقسام متقابلة أما القسم الأول وهو اليسير الذي لا يبطل المقصود لا يضمن العين وكذلك الكثير الذي لا يبطل المقصود وهو القسم الثالث وأما القسم الرابع فيخير كما تقدم وعلى القول بتضمينه القيمة لو أراد ربه أخذه وما نقصه فذلك عند مالك وابن القاسم وقال محمد لا شيء له لأنه ملك أن يتضمنه فامتنع فذلك رضى

وأما القسم الثاني وهو اليسير الذي يبطل المقصود فقاعدة مالك تقتضي تضمينه كما تقدم في ذنب بغلة القاضي قال وتستوي في ذلك المركوبات والملبوسات هذا هو المشهور وعن مالك لا يضمنه بذلك وفرق ابن حبيب بين الذنب فيضمن والأذن فلا يضمن لاختلاف الشين فيهما واتفقوا في حوالة الأسواق على عدم التضمين لأنها رغبات الناس فالنقص في رغبات الناس لا في المغصوب

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الله وهو قياس قول من يضمنه قيمته يوم الغصب فقط كأبي حنيفة وسحنون أو جعل المغصوب مضمونا على الغاصب في كل حال وهو قياس قول أشهب وابن المواز أو أنه إن كانت يده عليه أخذه بأرفع القيم وأوجب عليه رد الغلة وضمان النقصان سواء كان من فعله أو من عند الله وهو قول الشافعي أو قياس قوله أو أن جناية الغاصب على الشيء الذي غصبه هو غصب ثان متكرر منه كما لو جنى عليه وهو في ملك صاحبه وهو قياس الشبه الذي هو عمدة مشهور مذهب مالك من التفرقة بين الجناية التي تكون من الغاصب وبين الجناية التي تكون بأمر من السماء والمغصوب في الثاني وهو ما إذا كان نقص الشيء الذي غصب منه بجناية غير الغاصب عليه وهو عند الغاصب مخير بين أن يضمن الغاصب القيمة يوم الغصب ويتبع الغاصب الجاني وبين أن يترك الغاصب ويتبع الجاني بحكم

____________________

(4/76)

الفرق الثامن عشر والمائتان بين قاعدة ما يوجب استحقاق بعضه إبطال العقد في الكل وبين قاعدة ما لا يقتضي إبطال العقد في الكل إذا استحق بعض ما اشتريته أو صالحت عليه أو وجدت به عيبا فله أحوال لأنه إما أن يكون مثليا أو مقوما وإما أن يكون معينا أو شائعا فأما المثلي فهو المكيل والموزون فإن كان المستحق منه قليله لزمك باقيه لأن القليل لا يخل بمقصود العقد والأصل لزوم العقد لك وإن استحق كثيره فإنك تخير بين حبس الباقي بحصته من الثمن لأنه حقك في العقد وبين رده لذهاب المقصود وهو جل المعقود عليه فقد ذهب مقصود العقد في المعنى

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الجنايات فهذا حكم الجنايات على العين في يد الغاصب

وأما الجنايات على العين من غير أن يغصبها غاصب فإنها تنقسم عند مالك إلى قسمين جناية تبطل يسيرا من المنفعة والمقصود من الشيء باق فهذا يجب فيه ما نقص يوم الجناية وذلك بأن يقوم صحيحا ويقوم بالجناية فيعطي ما بين القيمتين وجناية تبطل الغرض المقصود فصاحبه يكون مخيرا إن شاء أسلمه للجاني وأخذ قيمته وإن شاء أخذ قيمة الجناية وقال الشافعي وأبو حنيفة ليس له إلا قيمة الجناية وسبب الاختلاف الالتفات إلى الحمل على الغاصب وتشبيه إتلاف أكثر المنفعة بإتلاف العين ا ه

بتخليص فتأمل ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق الثامن عشر والمائتان بين قاعدة ما يوجب استحقاق بعضه إبطال العقد في الكل وبين قاعدة ما لا يقتضي إبطال العقد في الكل وهو أن ما اشتريته أو صالحت عليه إذا استحق بعضه أو وجدت به عيبا فله ستة أحوال تنقسم إلى ثلاثة أقسام القسم الأول ما يقتضي فيه ذلك تخييرك في التماسك والرجوع بحصة البعض المستحق أو المعيب من الثمن وفي رده وذلك في ثلاث حالات الحالة الأولى أن يكون البعض المستحق أو المعيب شائعا مما لا ينقسم وليس من رباع الغلة فيخير فيما ذكر لأن حصة ذلك البعض معلومة بغير تقويم فيستصحب العقد بحسب الإمكان ولضرر الشركة سواء استحق الأقل أو الأكثر

الحالة الثانية أن يكون ذلك البعض معينا مثليا وهو الأكثر فتخير فيما ذكر لذهاب مقصود العقد في المعنى

الحالة الثالثة أن يكون ذلك البعض شائعا مما ينقسم أو من المتخذ للغلة وهو الثلث فتخير فيما ذكر أيضا لأن حصته من الثمن معلومة قبل الرضا به

القسم الثاني ما لا يقتضي فيه ذلك إبطال العقد في الكل بل لزوم التمسك بالباقي وذلك في حالتين

____________________

(4/77)

وأما المقوم غير المثلي إن استحق أقلها إن كانت ثيابا ونحوها رجعت بحصته من الثمن لبقاء جل المعقود عليه فلم يختل مقصود العقد وإن استحق وجه الصفقة انتقصت كلها ويرد باقيها لفوات مقصود العقد ويحرم التمسك بما بقي بحصته من الثمن لأن حصته لا تعرف حتى تقوم فهو بيع بثمن مجهول هذا في استحقاق المعين وكذلك في العيب إذا وجدته بها وأما الجزء الشائع إذا استحق مما لا ينقسم فيخير في التمسك بالباقي بحصته من الثمن لأن حصته معلومة بغير تقويم فاستصحب العقد بحسب الإمكان فهذه خمسة أحوال والفرق بينهما قد ظهر

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الحالة الأولى أن يكون ذلك البعض شائعا مما ينقسم أو متخذا لغلة وهو دون الثلث فيجب التمسك والرجوع بحصة ذلك البعض من الثمن

الحالة الثانية أن يكون ذلك البعض معينا وهو الأقل سواء كان من مقوم كالعروض والحيوان أو من مثلي أي مكيل أو موزون فيجب التمسك والرجوع في المقوم بحصة ذلك البعض بالقيمة لا بالقسمة وفي المثلي بحصة ذلك البعض من الثمن قال الأصل لأن القليل لا يخل بمقصود العقد لبقاء جل المعقود عليه والأصل لزوم العقد لك

القسم الثالث ما يقتضي تعين رد الباقي وذلك في حالة واحدة وهي أن يكون ذلك البعض معينا من المقوم وهو وجه الصفقة فيتعين حينئذ إبطال العقد في الكل ويرد الباقي لفوات مقصود العقد ويحرم التمسك بما بقي بحصته من الثمن لأن حصته لا تعرف حتى تقوم فهو بيع بثمن مجهول ففي حاشية البناني على عبق عند قول خليل في مختصره من فصل الاستحقاق وإن استحق بعض فكالبيع أي المعيب ما نصه حاصل استحقاق البعض أن تقول لا يخلو إما أن يكون شائعا أو معينا فإن كان شائعا مما لا ينقسم وليس من رباع الغلة خير المشتري في التماسك والرجوع بحصة المستحق من الثمن وفي رده لضرر الشركة سواء استحق الأقل أو الأكثر وإن كان مما ينقسم أو كان متخذا لغلة خير في استحقاق الثلث ووجب التمسك فيما دونه وإن استحق جزء معين فإن كان خصوصا كالعروض والحيوان رجع بحصة البعض المستحق بالقيمة لا بالتسمية وإن استحق وجه الصفقة تعين رد البناني

ولا يجوز التمسك بالأقل وإن كان مثليا فإن استحق الأقل رجع بحصته من الثمن وإن استحق الأكثر خير في التمسك والرجوع بحصته من الثمن وفي الرد وكذلك يخير في التمسك والرد في جزء شائع مما لا ينقسم لأن حصته من الثمن معلومة قبل الرضا به انظر الحطاب ا ه

كلام البناني بلفظه وسلمه الرهوني وكنون وهو عين ما في الأصل وسلمه ابن الشاط إلا أنه زاد على ما في الأصل بيان حكم حالتي البعض الشائع إن كان مما ينقسم أو كان متخذا لغلة وهو ثلث أو دونه فلذا عولت عليه في بيان الفرق لا على ما في الأصل فتنبه والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(4/78)

الفرق التاسع عشر والمائتان بين قاعدة ما يجب التقاطه وبين قاعدة ما لا يجب التقاطه قال الشيخ أبو الحسن اللخمي الالتقاط قد يكون واجبا ومستحبا ومحرما ومكروها بحسب حال الملتقط وحال الزمان الحاضر وأهله ومقدار اللقطة فإن كان الواحد مأمونا ولا يخشى السلطان إذا أشهرها وهي بين قوم أمناء لا يخشى عليها منهم ولها قدر فأخذها وتعريفها مستحب وهذه صورة السائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال خذها ولأنه أحوط لصاحبها خوف أن يأخذها من ليس بمأمون ولا ينتهي إلى الوجوب لأنه بين قوم أمناء وبين غير الأمناء يجب الالتقاط لأن حرمة المال كحرمة النفس ولنهيه عليه السلام عن إضاعة المال وإن كان السلطان غير مأمون إذا أشهرها أخذها أو الواجد غير أمين حرم عليه أخذها لأنه تسبب لضياع مال المسلم وإن كانت حقيرة كره أخذها لأن الغالب عدم المبالغة في تعريف الحقير وعدم الاحتفال به والحقير كالدرهم ونحوه قال الشيخ أبو الوليد في المقدمات في لقطة المال ثلاثة أقوال الأفضل تركها من غير تفصيل لأن ابن عمر كان يمر باللقطة فلا يأخذها والأفضل أخذها لأن فيه صون مال الغير الثالث أخذ الجليل أفضل وترك الحقير أفضل وهذا إذا كانت بين قوم مأمونين وإمام عدل أما بين الخونة ولا يخشى السلطان إذا عرفت فالأخذ واجب اتفاقا وبين خونة ويخشى

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الفرق التاسع عشر والمائتان بين قاعدة ما يجب التقاطه وبين قاعدة ما لا يجب التقاطه وهو أن الالتقاط بحسب حال الملتقط بكسر القاف وحال الزمان الحاضر وأهله ينقسم كما في التوضيح ثلاثة أقسام إجمالا وأربعة تفصيلا الأول أن يعلم من نفسه الخيانة فيحرم التقاطها

الثاني أن يخاف ولا يتحقق أي بأن يشك فيكره

الثالث أن يتيقن أمانة نفسه وهو ينقسم إلى قسمين إما أن يخاف عليها الخونة أم لا فإن خاف وجب عليه الالتقاط وإن لم يخف فثلاثة أقوال لمالك الاستحباب والكراهة والاستحباب فيما له بال والترك لغيره أفضل ا ه

باختصار أفاده البناني على عبق يعني أن الترك لغير ما له بال أفضل من الالتقاط فهو مكروه لأن الغالب عدم المبالغة في تعريف الحقير وعدم الاحتفال به والحقير كالدرهم ونحوه كما سيأتي عن اللخمي قال البناني واختار التونسي من هذه الأقوال الكراهة أي مطلقا كما في الجواهر وإليه أشار المصنف يعني الشيخ خليلا بقوله الخيانة فيما إذا علم خيانة على الأحسن واستظهر ابن عبد السلام وجوب الالتقاط عليه وتركه نفسه أي وهو القسم الأول الذي قال في التوضيح فيه بحرمة التقاطها وفيما إذا شك فيها أنه هو القسم الثاني الذي قال في التوضيح فيه بكراهته ولا يكون ذلك عذرا يسقط عنه ما وجب عليه من حفظ مال الغير قال الحطاب وما قاله حسن ا ه

والله أعلم ا ه

كلام البناني وسلمه الرهوني وكنون ويتحصل من هذا أن وجوب الالتقاط على كلام التوضيح

____________________

(4/79)

من الإمام يخير بين أخذها وتركها بحسب ما يغلب على ظنه أي الخوفين أشد ويستثنى لقطة الحاج فلا يجري فيها هذا الخلاف كله لأنها بالترك أولى لأن ملتقطها يرحل إلى قطره وهو بعيد فلا يحصل مقصود التعريف

قاعدة خمس اجتمعت الأمم مع الأمة المحمدية عليها وهي وجوب حفظ النفوس والعقول فتحرم المسكرات بإجماع الشرائع وإنما اختلفت في شرب القدر الذي لا يسكر

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

في قسم واحد من الأقسام الأربعة وهو ما تحقق فيه أمران الأول أن يتيقن أمانة نفسه والثاني أن يخاف على اللقطة الخونة وأن عدم الوجوب فيما عداه فيحرم في قسم وهو ما إذا علم خيانة نفسه ويكره جزما في قسم وهو ما إذا شك في خيانة نفسه ويكره على الأحسن من الأقوال الثلاثة في قسم وهو ما تحقق فيه أمران الأول أن يتيقن أمانة نفسه والثاني أن لا يخاف على اللقطة الخونة

وأما وجوب الالتقاط على ما استظهره ابن عبد السلام واستحسنه الحطاب ففي ثلاثة أقسام الأول ما تحقق فيه أمران تيقن أمانة نفسه وخوف الخونة على اللقطة والثاني والثالث ما إذا علم خيانة نفسه أو شك فيها ولا يكون علم الخيانة أو الشك فيها عذرا بل يجب عليه تركها وعدم وجوب الالتقاط في قسم واحد وهو ما تحقق فيه أمران تيقن أمانة نفسه وعدم خوف الخونة على اللقطة ففي كراهته ثالثها إن كانت حقيرة كالدرهم ونحوه والمختار الأول

وانظر وجه عدم استحسانه وجوب الالتقاط في هذا القسم أيضا فإنه لم يظهر حتى فيما إذا كانت حقيرة ضرورة أن كون الغالب عدم المبالغة في تعريف الحقير وعدم الاحتفال به ليس أولى من تيقن خيانة نفسه التي أوجب عليه تركها فليتأمل بإمعان وهذا التفصيل إنما يجري على أحد الأقوال الثلاثة التي ذكرها الشيخ أبو الوليد في المقدمات حيث قال في الأصل في لقطة المال ثلاثة أقوال الأفضل تركها من غير تفصيل لأن ابن عمر كان يمر باللقطة فلا يأخذها والأفضل أخذها لأن فيه صون مال الغير الثالث أخذ الجليل أفضل وترك الحقير أفضل وهذا إذا كان بين قوم مأمونين والإمام عدل أما بين الخونة ولا يخشى السلطان إذا عرفت فالأخذ واجب اتفاقا وبين خونة ويخشى من الإمام يخير بين أخذها وتركها بحسب ما يغلب على ظنه أي الخوفين أشد ويستثنى لقطة الحاج فلا يجري فيها هذا الخلاف كله لأنها بالترك أولى لأن ملتقطها يرحل إلى قطره وهو بعيد فلا يحصل مقصود التعريف ا ه

بلفظه نعم التفصيل في القول الثالث في كلام أبي الوليد غيره في كلام صاحب التوضيح وإنما يقرر منه في كلام صاحب التوضيح التفصيل في قول اللخمي الالتقاط قد يكون واجبا ومستحبا ومحرما ومكروها بحسب حال الملتقط وحال الزمان الحاضر وأهله ومقدار اللقطة فإن كان الواجد مأمونا ولا يخشى السلطان إذا أشهرها وهي بين قوم أمناء لا يخشى عليها منهم ولها قدر فأخذها وتعريفها مستحب وهذه صورة السائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال خذها ولأنه أحوط لصاحبها خوف أن يأخذها من ليس بمأمون ولا ينتهي إلى الوجوب لأنه بين قوم أمناء وبين غير الأمناء يجب الالتقاط لأن حرمة المال كحرمة النفس ولنهيه عليه الصلاة والسلام عن إضاعة المال وإن كان السلطان غير مأمون إذا أشهرها أخذها أو الواجد غير أمين حرم عليه أخذها لأنه تسبب لضياع مال المسلم وإن كانت حقيرة كره أخذها لأن الغالب عدم المبالغة في تعريف الحقير وعدم الاحتفال به والحقير كالدرهم ونحوه كما في الأصل

تنبيهات الأول قال الأصل ولم أر أحدا فصل

____________________

(4/80)

فحرم في هذه الملة تحريم الوسائل وسد الذريعة بتناول القدر المسكر وأبيح في غيرها من الشرائع لعدم المفسدة وحفظ الأعراض فيحرم القذف وسائر السباب ويجب حفظ الأنساب فيحرم الزنى في جميع الشرائع والأموال يجب حفظها في جميع الشرائع فتحرم السرقة ونحوها ويجب حفظ اللقطة عن الضياع لهذه القاعدة وقد تقدم بيان قاعدة فرض الكفاية وفرض الأعيان والفرق بينهما بأن فرض الكفاية ما لا تتكرر مصلحته بتكرره كإنقاذ الغريق فتكرير فعل النزول بعد شيل الغريق لا يحصل مصلحة بعد ذلك وفرض الأعيان هو ما تتكرر مصلحته بتكرره كالصلوات الخمس مصلحتها الإجلال والتعظيم لله تعالى وهو يتكرر حصوله بتكرر الصلاة وحينئذ يظهر أن أخذ اللقطة من فروض الكفاية

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وقسم أخذ اللقطة إلى الأحكام الخمسة إلا أصحابنا بل كلهم أطلقوا فقال الشافعي رحمه الله تعالى بالوجوب والندب كما قال بهما مالك قياسا على الوديعة بجامع حفظ المال فيلزم الندب أو قياسا على إنقاذ المال الهالك فيلزم الوجوب وقال أبو حنيفة أخذها مندوب إلا عند خوف الضياع فيجب وعند أحمد بن حنبل رضي الله عنه الكراهة لما في الالتقاط من تعريض نفسه لأكل الحرام وتضييع الواجب من التعريف فكان تركه أولى كتولي مال اليتيم وتخليل الخمر وقد ذم الله تعالى الدخول في التكاليف لقوله تعالى إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا أي ظلوما لنفسه بتوريطها وتعريضها للعقاب وجهولا بالعواقب والحزم فيها والأمانة قال العلماء هي ها هنا التكاليف ا ه

التنبيه الثاني قال الأصل أيضا وجوب حفظ اللقطة عن الضياع لقاعدة أن خمسا أجمعت الأمم مع الأمة المحمدية عليها وهي وجوب حفظ النفوس فيحرم القتل بإجماع الشرائع ويجب فيه القصاص ووجوب حفظ العقول فتحرم المسكرات بإجماع الشرائع ويجب فيها الحد وإنما اختلفت في شرب القدر الذي لا يسكر فحرم في هذه الملة تحريم الوسائل وسد الذريعة بتناول القدر المسكر وأبيح في غيرها من الشرائع لعدم المفسدة فيه ووجوب حفظ الأعراض فيحرم القذف وسائر السباب ويجب في ذلك الحد أو التعذير ووجوب حفظ الأنساب فيحرم الزنا في جميع الشرائع ويجب فيه إما الرجم أو الحد ووجوب حفظ الأموال في جميع الشرائع فتحرم السرقة ويجب فيها القطع أو التعزير وكذا نحوها ا ه بزيادة من محلى جمع الجوامع وزاد في جمع الجوامع سادسا وهو وجوب حفظ الدين المشروع له قتل الكفار وعقوبة الداعين إلى البدع ا ه

مع شرح المحلى فافهم

التنبيه الثالث قال الأصل أيضا أن ما تقدم في بيان الفرق بين قاعدتي فرض الكفاية وفرض العين بأن فرض الكفاية ما لا يتكرر مصلحته بتكرره كإنقاذ الغريق فإن تكرير فعل النزول بعد شيل الغريق لا يحصل مصلحة بعد ذلك وفرض الأعيان ما تتكرر مصلحته بتكرره كالصلوات الخمس فإن مصلحتها الإجلال والتعظيم لله تعالى وهو يتكرر حصوله بتكرر الصلاة وحينئذ يظهر منه أن أخذ اللقطة من فروض الكفاية ا ه

والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(4/81)

وقال الشافعي رحمه الله بالوجوب والندب كما قال بهما مالك قياسا على الوديعة بجامع حفظ المال فيلزم الندب أو قياسا على إنقاذ المال الهالك فيلزم الوجوب وقال أبو حنيفة أخذها مندوب إلا عند خوف الضياع فيجب وعند أحمد بن حنبل رضي الله عنه الكراهة لما في الالتقاط من تعريض نفسه لأكل الحرام وتضييع الواجب من التعريف فكان تركه أولى كتولي مال اليتيم وتخليل الخمر وقد ذم الله تعالى الدخول في التكاليف بقوله تعالى إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا أي ظلوما لنفسه بتوريطها وتعريضها للعقاب وجهولا بالعواقب والحزم فيها والأمانة قال العلماء هي ها هنا التكاليف ولم أر أحدا فصل وقسم أخذ اللقطة إلى الأحكام الخمسة إلا أصحابنا بل كلهم أطلقوا

الفرق العشرون والمائتان بين قاعدة ما يشترط فيه العدالة وبين قاعدة ما لا يشترط فيه العدالة قد تقرر في أصول الفقه أن المصالح إما في محل الضروريات أو في محل الحاجيات أو في محل التتمات وإما مستغنى عنه بالكلية إما لعدم اعتباره وإما لقيام غيره مقامه والفرق ها هنا مبني على هذه القاعدة فإن اشتراط العدالة في التصرفات مصلحة لحصول الضبط بها وعدم الانضباط مع الفسقة ومن لا يوثق به فاشتراط العدالة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الفرق العشرون والمائتان بين قاعدة ما يشترط فيه العدالة وبين قاعدة ما لا تشترط فيه العدالة وهو مبني على القاعدة الأصولية وهي أن المصالح التي منها اشتراط العدالة في التصرفات لحصول الضبط بها ضرورة أنه لا انضباط مع الفسقة ومن لا يوثق به أربعة أقسام القسم الأول أن تكون في محل الضروريات فينعقد الإجماع اشتراطها فيه ولهذا هنا نظائر منها الشهادات فإن الضرورة تدعو لحفظ دماء الناس وأموالهم وأبضاعهم وأعراضهم عن الضياع فلو قبل فيها قول الفسقة ومن لا يوثق به لضاعت هذه الأمور

وقد تقدم أنها مما أجمعت الأمم مع الأمة المحمدية على وجوب حفظه ومنها الولايات كالإمامة والقضاء وأمانة الحكم فإن هذه الولايات وغيرها مما في معنى هذه لو فوضت لمن لا يوثق به لحكم بالجور وانتشر الظلم وضاعت المصالح وكثرت المفاسد نعم لم يشترط بعضهم في الإمامة العظمى العدالة لغلبة الفسوق على ولاتها فلو اشترطت لتعطلت

____________________

(4/82)

إما في محل الضرورات كالشهادات فإن الضرورة تدعو لحفظ دماء الناس وأموالهم وأبضاعهم وأعراضهم عن الضياع فلو قبل فيها قول الفسقة ومن لا يوثق به لضاعت

وكذلك الولايات كالإمامة والقضاء وأمانة الحكم وغير ذلك من الولايات مما في معنى هذه لو فوضت لمن لا يوثق به لحكم بالجور وانتشر الظلم وضاعت المصالح وكثرت المفاسد ولم يشترط بعضهم في الإمامة العظمى العدالة لغلبة الفسوق على ولاتها فلو اشترطت لتعطلت التصرفات الموافقة للحق في تولية من يوثق به من القضاة والسعاة وأخذ ما يأخذونه وبذل ما يبذلونه وفي هذا ضرر عظيم أقبح من فوات عدالة السلطان ولما كان تصرف القضاة أعم من تصرف الأوصياء وأخص من تصرف الأئمة اختلف في إلحاقهم بهم أو بالأوصياء على الخلاف في عدالة الوصي وإذا نفذت تصرفات البغاة بالإجماع مع القطع بعدم ولايتهم فأولى نفوذ تصرفات الولاة والأئمة مع غلبة الفجور عليهم مع قدرة البغاة وعموم الضرورة للولاة وأما محل الحاجات كإمامة الصلاة فإن الأئمة شفعاء

والحاجة داعية لإصلاح حال الشفيع عند المشفوع عنده وإلا لا تقبل شفاعته فيشترط فيهم العدالة وكذلك المؤذنون الذين يعتمد على أقوالهم في دخول الأوقات وإيقاع الصلوات أما من يؤذن لنفسه من غير أن يعتمد على قوله فلا يشترط فيه عدالة كسائر الأذكار وتلاوة القرآن فيصح جميع ذلك من البر والفاجر وإنما تشترط العدالة لأجل الاعتماد على

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

التصرفات الموافقة للحق في تولية من يوثق به من القضاة والسعاة وأخذ ما يأخذونه وبذل ما يبذلونه وفي هذا ضرر عظيم فلذا أفسح من فوات عدالة السلطان ولما كان تصرف القضاة أعم من تصرف الأوصياء وأخص من تصرف الأئمة اختلف في إلحاقهم بالأئمة أو بالأوصياء فيجري فيهم الخلاف في عدالة الوصي وإذا نفذت تصرفات القضاة بالإجماع مع القطع بعدم ولايتهم فأولى نفوذ تصرفات الولاة والأئمة مع غلبة الفجور عليهم ومع قدرة البغاة وعموم الضرورة للولاة

القسم الثاني أن تكون في محل الحاجيات فيجري الخلاف في اشتراطها نظرا لداعية الحاجة أو عدم اشتراطها نظرا لما يعارض داعيتها إن كان ولهذا هنا نظائر منها إمامة الصلاة فإن الأئمة شفعاء والحاجة داعية لإصلاح حال الشفيع عند المشفوع عنده وإلا لا تقبل شفاعته فيشترط فيهم العدالة لكن عند مالك وجماعة معه نظرا لما ذكر وأن صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الإمام وأن فسقه يقدح في صحة الربط ولم يشترطها الشافعي رحمه الله نظرا إلى أن الفاسق تصح صلاته في نفسه إجماعا وكل مصل يصلي لنفسه عنده فلم تدعه حاجة لصلاح حال الإمام

ومنها المؤذنون الذين يعتمد على أقوالهم في دخول الأوقات وإيقاع الصلوات فإن حاجة الاعتماد على قول المؤذن فقط تدعو إلى اشتراط عدالته إذ لو كان المؤذن غير موثوق به حتى يؤذن قبل الوقت لتعدى خلله للصلاة فإن الصلاة قبل وقتها باطلة

____________________

(4/83)

قوله فقط ولم أر في هذا القسم خلافا بخلاف الإمامة اختلف العلماء في اشتراط العدالة فيها فاشترطها مالك وجماعة معه ولم يشترطها الشافعي رحمه الله والصلاة مقصد والأذان وسيلة والعناية بالمقاصد أولى من الوسائل غير أن الفرق عنده أن الفاسق تصح صلاته في نفسه إجماعا وكل مصل يصلي لنفسه عند الشافعي فلم تدعه حاجة لصلاح حال الإمام ومالك يرى أن صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الإمام وأن فسقه يقدح في صحة الربط فهذا منشأ الخلاف

وأما الأذان فلا خلاف أنه لو كان المؤذن غير موثوق به حتى يؤذن قبل الوقت تعدى خلله للصلاة فإن الصلاة قبل وقتها باطلة ولو كان الإمام الفاسق غير متطهر أو أخل بشرط باطن لا يطلع عليه المأموم لم يقدح عنده في صلاة المأموم لأن المأموم حصل ذلك الشرط فلا يقدح عنده تضييع غيره له

وإن أخل بركن ظاهر كالركوع والسجود ونحوهما فالاطلاع عليه ضروري فلا يحتاج إلى العدالة فيه لأن العلم الظاهر ناب عن العدالة في ضبط المصلحة فاستغنى عنها فظهر الفرق بين الإمامة والأذان وأما محل التتمات فكالولاية في النكاح فإنها تتمة وليست بحاجية بسبب أن الوازع الطبيعي في الشفقة على المولى عليها يمنع من الوقوع في العار والسعي في الإضرار فقرب عدم اشتراط العدالة كالإقرارات لقيام الوازع الطبيعي فيها غير أن الفاسق قد يوالي

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

فلذا لم يختلف العلماء في اشتراط العدالة في الأذان وهو وسيلة واختلفوا في إمامة الصلاة وهي مقصد والعناية بالمقاصد أولى من الوسائل لأنه لو كان الإمام الفاسق غير متطهر وأخل بشرط باطن لا يطلع عليه المأموم لم يقدح عنده في صلاة المأموم لأن المأموم حصل ذلك الشرط فلا يقدح عنده تضييع غيره له وإن أخل بركن ظاهر كالركوع والسجود ونحوهما فالاطلاع عليه ضروري فلا يحتاج إلى العدالة فيه لأن العلم الظاهر ناب عن العدالة في ضبط المصلحة فاستغنى عنها فظهر الفرق بين الإمامة والأذان وأما من يؤذن لنفسه من غير أن يعتمد على قوله فلا يشترط فيه عدالة كسائر الأذكار وتلاوة القرآن فإن جميع ذلك يصح من البر والفاجر

القسم الثالث أن تكون في محل التتمات فيجري الخلاف في اشتراطها وعدم اشتراطها لتعارض شائبتين فيه ولهذا نظائر هنا أيضا منها الولاية في النكاح فإنها تتمة وليست بحاجية بسبب أن الوازع الطبيعي في الشفقة على المولى عليها يمنع من الوقوع في العار ومن السعي في الإضرار فقرب ذلك عدم اشتراط العدالة فيها كالإقرارات لقيام الوازع الطبيعي فيها إلا أن الفاسق لما كان قد يوالي أهل شيعته فيؤثرهم بتوليته كأخته وابنته ونحو ذلك فيحصل لها المفسدة العظيمة فاشترطت العدالة تتمة لأجل تعارض هاتين الشائبتين

____________________

(4/84)

أهل شيعته فيؤثرهم بولايته كأخته وابنته ونحو ذلك فيحصل لها المفسدة العظيمة فاشترطت العدالة وكان اشتراطها تتمة لأجل تعارض هاتين الشائبتين وهذا التعارض بين

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

ولهذا التعارض وقع الخلاف بين العلماء في اشتراط العدالة في ولاية النكاح وهل تصح ولاية الفاسق أم لا وفي مذهب مالك قولان ومنها الأوصياء لأن الغالب على الإنسان أنه لا يوصي على ذريته إلا من يثق بشفقته فوازعه الطبيعي يحصل مصلحة الوصية إلا أنه لما كان قد يولي أهل شيعته من الفسقة فتحصل المفاسد من ولايتهم في المعاملات والتزويج تعارضت هاتان الشائبتان فكان تعارضهما سببا في كون اشتراط العدالة في الأوصياء تتمة كما تقدم في ولاية النكاح وفي الخلاف بين العلماء في اشتراط العدالة في الأوصياء القسم الرابع أن تكون فيما خرج عن الأقسام الثلاثة الضرورة والحاجة والتتمة فينعقد الإجماع على عدم اشتراطها فيه ولذلك نظائر هنا منها الإقرار لأنه على خلاف الوازع الطبيعي فإنه إنما يقر على نفسه في ماله أو نفسه أو أعضائه أو نحو ذلك والطبع يمنع من المسامحة بذلك من غير سبب يقتضيه بل هو مع السبب المقتضي له شأن الطباع جحده فلا يعارض الطبع هنا موالاته لأهل شيعته فإن الإنسان مطبوع على تقديم نفسه على غيره كان من أهل شيعته وأصدقائه أم لا فلذا انعقد الإجماع على عدم اشتراطها فيه ولم ينعقد في ولاية النكاح والوصية لما علمت من أن الولي والوصي يتصرفان لغيرهما فيمكن فيهما مراعاة الأصدقاء في ذلك على غيرهم لأنه ترجيح لأحد الغيرين على الآخر

ومنها الدعاوى فإن المدعي وإن كان إنما يدعي لنفسه فدعواه على وفق طبعه عكس الأقارير إلا أن إلزامه البينة على وفق دعواه أو اليمين مع شاهد أو مع نكول على الخلاف في صحة القضاء بالشاهد مع اليمين أو النكول لأنهما يبعدان التهمة عن الدعوى ويقر بأنها من الصحة قائم مقام العدالة لرجحان الصدق على الكذب حينئذ كما ترجح بالعدالة وقس على هذه النظائر في هذه الأقسام الأربعة ما هو في معناها فيحصل لك الفرق بين ما يشترط فيه العدالة إجماعا إذا كان من الضرورة أو على الخلاف إذا كان من الحاجة وثم معارض وإلا فلا خلاف أو كان من التتمة لتعارض الشائبين فيه وبين ما لا يشترط فيه العدالة إذا كان مما خرج عن الثلاثة كما في الأصل وسلمه أبو القاسم بن الشاط والله أعلم

تنبيهان الأول قال العلامة الشربيني عند قوله في جمع الجوامع وليس منه أي من المرسل أي المطلق عن الاعتبار والإلغاء المعبر عنه بالمصلحة المرسلة مصلحة ضرورية كلية قطعية لأنها مما دل الدليل على اعتبارها فهي حق قطعا واشترطها الغزالي للقطع بالقول به لا لأصل القول به قال والظن القريب من القطع كالقطع ا ه

ما خلاصته نقلا عن السعد في التلويح أن الإمام الغزالي قسم المصالح إلى ثلاثة أقسام القسم الأول ما شهد الشرع باعتباره وهي أصل في القياس وحجة وهي المحافظة على مقصود الشرع من المحافظة على الخمسة الضرورية أي التي هي حفظ الدين والنفس والعقل والنسب والمال فكل ما يتضمن حفظ هذه

____________________

(4/85)

هاتين الشائبتين هو سبب الخلاف بين العلماء في اشتراط العدالة في ولاية النكاح وهل تصح ولاية الفاسق أم لا وفي مذهب مالك قولان وكذلك اشتراط العدالة في الأوصياء تتمة لأن الغالب على الإنسان أنه لا يوصي على ذريته إلا من يثق بشفقته فوازعه الطبيعي يحصل مصلحة الوصية غير أنه قد يوالي أهل شيعته من الفسقة فتحصل المفاسد من ولايتهم

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الخمسة الضرورية وكل ما يقويها فهي مصلحة ودفعها مفسدة وإذا أطلقنا المعين المخيل والمناسب في باب القياس أردنا به هذا الجنس

القسم الثاني ما شهد الشرع ببطلانه كنفي الصوم في كفارة الملك أي السلطان

القسم الثالث ما لم يشهد له الشرع بالاعتبار ولا بالبطلان وهذا في محل النظر وهي المصالح الحاجية والتحسينية فلا يجوز الحكم بمجردها ما لم تعضد بشهادة الأصول لأنه يجري مجرى وضع الشرع بالرأي وإذا اعتضد بأصل فهو قياس ا ه

وما مشي عليه في هذا القسم المسمى بالمرسل وبالمصلحة المرسلة هو أحد أقوال ذكرها الإمام أبو إسحاق الشاطبي في كتابه الاعتصام وعزى هذا القول إلى القاضي وطائفة من الأصوليين

والثاني وهو اعتبار ذلك وبناء الأحكام عليه على الإطلاق لمالك والثالث وهو اعتبار ذلك بشرط قربه من معاني الأصول للشافعي ومعظم الحنفية قال هذا ما حكى الإمام الجويني ا ه

ومن نظائر هذا القسم رمي بعض المسلمين من السفينة في البحر لنجاة الباقين فعند أصحابنا يقرع بينهم من غير تفرقة بين الحر والرقيق لأجل نجاة الباقين لكن بعد رمي الأموال غير الرقيق وقال المحلي لا يجوز رمي البعض بالقرعة لأن القرعة لا أصل لها في الشرع في ذلك لأن نجاة الباقين ليس كليا أي متعلقا بكل الأمة ا ه

وفي العطار عليه ذكر الصلاح الصفدي أن مركبا كان في البحر وفيه مسلمون وكفار فأشرفوا على الغرق وأرادوا ليرموا بعضهم إلى البحر لتخف المركب وينجو الباقي فقالوا نقترع ومن وقعت عليه القرعة ألقيناه فقال الريس نعد الجماعة فكل من كان تاسعا في العدد ألقيناه فارتضوا بذلك فلم يزل يعدهم ويلقي التاسع فالتاسع إلى أن ألقى الكفار أجمعين وسلم المسلمون وكان وضعهم على هيئة مخصوصة بأن وضع أربعة مسلمين وخمسة كفارا ثم مسلمين ثم كافرا إلى آخر ذلك ووضع لهم ضابطا وهو قول بعضهم الله يقضي بكل يسر ويرزق الضعيف حيث كانا فمهمل الحروف للمسلمين ومعجمها للكفار والابتداء بالمسلمين والسير إلى جهة الشمال بالعدد فتأمل ذلك وفيه أيضا قبل ذلك عن اللغز والصحيح أن الاستدلال بالمرسل في الشرع لا يتصور حتى يتكلم فيه بنفي أو إثبات إذ الوقائع لا حصر لها وكذا المصالح وما من مسألة تعرض إلا وفي الشرع دليل عليها إما بالقبول أو بالرد فإنا نعتقد استحالة خلو واقعة عن حكم الله تعالى فإن الدين قد كمل

وقد استأثر الله برسوله وانقطع الوحي

____________________

(4/86)

في المعاملات والتزويج فكان الاشتراط تتمة كما تقدم في ولاية النكاح وتعارض الشائبتين هو سبب الخلاف بين العلماء في اشتراط العدالة في الأوصياء

وأما ما خرج عن الأقسام

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

ولم يكن ذلك إلا بعد كمال الدين قال تعالى اليوم أكملت لكم دينكم والذي يدل على عدم تصوره أن أحكام الشرع تنقسم إلى مواقع التعبدات والمتبع فيها النصوص وما في معناها وما لم ترشد النصوص إليه فلا تعبد به

وإلى ما ليس من التعبدات وهو ينقسم إلى ما يتعلق بالألفاظ كالأيمان والمعاملات والطلاق وقد أحالها الشرع في موجباتها إلى قضايا العرف فيها بنفي أو إثبات إلا ما استثناه الشارع عليه الصلاة والسلام كالاكتفاء بالعثكال الذي عليه مائة شمروخ إذا حلف أن يضرب مائة لما ورد في قصة أيوب عليه السلام ولم ينسخ في شرعنا وإلى ما يتعلق بغير الألفاظ وهو منقسم إلى ما ينضبط في نفسه كالنجاسات والمحظورات وطرق تلقي الملك فهذه الأقسام منضبطة ومستنداتها معلومة وإلى ما لا ينضبط إلا بالضبط في مقابله كالأشياء الطاهرة والأفعال المباحة تنضبط بضبط النجاسة والحظر وكذلك الأملاك منتشرة تنضبط بضبط طرق النقل والإيذاء محرم على الاسترسال من غير ضبط وينضبط بضبط ما استثنى الشرع في مقابلته فالوقائع إن وقعت في جانب الضبط ألحقت به وإن وقعت في الجانب الآخر ألحقت به وإن ترددت بينهما وتجاذبها الطرفان ألحقت بأقربهما ولا بد وأن يلوح الترجيح لا محالة فخرج منه أن كل مصلحة تتخيل في كل واقعة محبوسة بالأصول المتعارضة لا بد أن تشهد الأصول بردها أو قبولها ا ه

وفي التلويح عنه أنه قال وأما المصلحة الضرورية فلا بعد في أن يؤدي إليها رأي مجتهد وإن لم يشهد له أصل معين ولها نظائر منها رمي الكفار المتترسين بأسرى المسلمين في الحرب المؤدي إلى قتل الترس معهم إذا قطع أو ظن ظنا قريبا من القطع بأنهم إن لم يرموا استأصلوا المسلمين بالقتل الترس وغيره وإن رموا سلم غير الترس فيجوز رميهم لحفظ باقي الأمة فإنا نعلم قطعا بأدلة خارجة عن الحصر أن تعليل القتل مقصود للشارع كمنعه بالكلية لكن قتل من لم يذنب غريب لم يشهد له أصل معنا ونحن إنما نجوز عند القطع أو ظن قريب من القطع وبهذا الاعتبار تخصص الحكم من العمومات الواردة في المنع عن القتل بغير حق لما نعلم قطعا أن الشرع يؤثر الحكم الكلي على الجزئي وأن حفظ أصل الإسلام أهم من حفظ دم مسلم واحد وهذا وإن سميناه مصلحة مرسلة لكنها راجعة إلى الأصول الأربعة لأن مرجح المصلحة إلى حفظ مقاصد الشرع المعلومة بالكتاب والسنة والإجماع ولأن كون هذه المعاني عرفت لا بدليل واحد بل بأدلة كثيرة لا حصر لها من الكتاب والسنة وقرائن الأحوال وتفاريق الأمارات سميناها مصلحة مرسلة لا قياسا إذ القياس أصل معين

ا ه بتوضيح من المحلي قال الشربيني فعلم من قوله ونحن إنما نجوزه إلخ أنه هو لا يقول به أي المرسل عند فقد الشروط

____________________

(4/87)

الثلاثة الضرورة والحاجة والتتمة فالإقرار يصح من البر والفاجر والمسلم والكافر إجماعا لأن الإقرار على خلاف الوازع الطبيعي فإنه إنما يقر على نفسه في ماله أو نفسه أو أعضائه

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

أما غيره فيجوز أن يقول به عند الفقد كما يؤخذ من قوله قبل ذلك فلا بعد في أن يؤدي إليها رأي مجتهد ومن قوله ولأن كون هذه المعاني إلخ أنه إنما جعل هذه من المصالح المرسلة لعدم تعين الدليل وإن رجعت إلى الأصول الأربعة لا لعدم الدليل كما في غيرهما من المصالح المرسلة فإطلاق المرسل عليها بطريق المشابهة في عدم تعين الدليل وإن كان في غيرها لا لعدمه فليتأمل ا ه

وفي حاشية العطار عنه في المنخول أنه ذكر من نظائرها أنا لو فرضنا انقلاب أموال العالم بجملتها محرمة لكثرة المعاملات الفاسدة واشتباه الغصوب بغيرها عسر الوصول إلى الحلال المحض

وقد وقع فنبيح لكل محتاج أن يأخذ مقدار كفايته من كل مال لأن تحريم التناول يفضي إلى الهلاك وتخصيصه بمقدار سد الرمق يكف الناس عن معاملاتهم الدينية والدنيوية ويتداعى ذلك إلى فساد الدنيا وخراب العالم فلا يتفرغون وهم على حالتهم مشرفون على الموت إلى صناعتهم وأشغالهم والشرع لا يرضى بمثله قطعا فنبيح لكل غني من ماله مقدار كفايته من غير سرف ولا اقتصار على سد الرمق ونبيح لكل مقتر في مال من فضل منه هذا القدر مثله ويشهد له قاعدة وهو أن الشخص الواحد إذا اضطر إلى طعام غيره أو إلى ميتة يباح له مقدار الاستقلال محافظة على الروح فالمحافظة على الأرواح أولى وأحق ا ه

قال العطار

وقول الغزالي وقد وقع أي هذا حصل في عصره وأما العصر الذي نحن فيه الآن فالحال أقوى وأشد نسأل الله العافية والسلامة فالتمسك بما قاله الغزالي فيه أحرى سيما وقد ذكر صاحب جمع الجوامع في كتابه توشيح الترشيح كلاما يقرب مما قاله الغزالي حيث نقل عن والده الإمام تقي الدين السبكي في ذكر المسائل التي انفرد بها واستخرجها قال من جاءه شيء من المال وهو غير مشرف ولا سائل يأخذه حراما كان أم حلالا ثم إن كان حلالا لا تبعة فيه تموله وإلا رده في مرده إن عرف مستحقه وإلا فهو كالمال الضائع قال وهذا هو ظاهر الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم ما أتاك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وإلا فلا تتبعه نفسك قال وليس في قوله صلى الله عليه وسلم هذا ما يدفع ما نقوله لأنا على القطع بأنه لم يعن خصوص ذلك المال الذي دفعه هو صلى الله عليه وسلم فلم يبق إلا أعم منه من كل حلال أو الأعم مطلقا من كل مال قال وهذا هو الراجح المتبادر إلى الذهن ا ه

المراد وفي حاشية كنون على عبق وبنان أول باب البيوع قال القلشاني اختلف في تعريف الحلال فقيل هو ما لم يعرف أنه حرام وقيل ما عرف أصله والأول أرفق بالناس لا سيما في هذا الزمان قال بعض الأئمة وعندي في هذا الزمان أن من أخذ قدر الضرورة لنفسه وعياله من غير سرف ولا زيادة على ما يحتاج إليه لم يأكل حراما ولا شبهة وقد قال القاسم بن محمد لو كانت الدنيا حراما لما كان لك بد من العيش ألا ترى أنه يحل أكل الميتة ومال الغير للمضطر فما ظنك بما ظاهره الإباحة هذا مما لا يكاد يختلف فيه والحاصل أنه يطلب الأشبه فالأشبه بحسب الإمكان ا ه

ومراده ببعض الأئمة الفاكهاني كما في ابن ناجي ا ه

____________________

(4/88)

ونحو ذلك والطبع يمنع من المسامحة بذلك من غير سبب يقتضيه بل هو مع السبب المقتضي له شأن الطباع جحده فلا يعارض الطبع هنا احتمال موالاته لأهل شيعة فإن

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

المراد وفيه غير ذلك فانظره وأما القسم الثاني في كلام الغزالي وهو ما شهد الشرع ببطلانه فهو الغريب لبعده عن الاعتبار كما في المحلي وإلى تمثيل الغزالي له بقوله كنفي الصوم إلخ يشير إلى قول أبي إسحاق الشاطبي في كتابه الاعتصام حكى ابن بشكوال أن الحكم أمير المؤمنين أرسل في الفقهاء وشاورهم في مسألة نزلت به فذكر لهم عن نفسه أنه عمد إلى إحدى كرائمه أي عقائل نسائه الحرائر ووطئها في رمضان فأفتوا بالإطعام وإسحاق بن إبراهيم ساكن فقال له أمير المؤمنين ما يقول الشيخ في فتوى أصحابه فقال له لا أقول بقولهم وأقول بالصيام فقيل له أليس مذهب مالك الإطعام فقال لهم تحفظون مذهبه إلا أنكم تريدون مصانعة أمير المؤمنين إنما أمر مالك بالإطعام لمن له مال وأمير المؤمنين لا مال له إنما هو بيت مال المسلمين فأخذ بقوله أمير المؤمنين وشكر له عليه ا ه وهو صحيح ا ه

أي لأن إفتاءه بغير الصوم مع ذلك مما شهد الشرع ببطلانه كما أن إفتاءه بالصوم نظرا إلى أنه يرتدع به إذ يسهل بذل المال في شهوة الفرج كذلك مما شهد الشرع ببطلانه كما في المحلي قال أبو إسحاق الشاطبي أيضا حكى ابن بشكوال أنه اتفق لعبد الرحمن بن الحكم مثل هذا في رمضان فسأل الفقهاء عن توبته من ذلك وكفارته فقال يحيى أي ابن يحيى المغربي الأندلسي تصوم شهرين متتابعين ولما سئل عن حكمة مخالفته لإمام مذهبه الإمام مالك وهو التخيير بين العتق والصيام والإطعام فقال لو فتحنا له هذا الباب سهل عليه أن يطأ كل يوم ويعتق فحملته على أصعب الأمور عليه وهو الصوم قال أبو إسحاق فإن صح هذا عن يحيى رحمه الله وكان كلامه على ظاهره كان مخالفا للإجماع ا ه

نعم قال القرافي إفتاء يحيى له بالصوم هو الأوفق بكون مشروعية الكفارات للزجر ولم يفته يحيى على أنه أمر لا يجوز غيره ا ه

أي حتى يكون مخالفا للإجماع فاحتفظ على هذا التحقيق

التنبيه الثاني نظم الشيخ إبراهيم الرياحي التونسي نظائر الصلاة التي تفسد على الإمام دون المأموم بقوله وأي صلاة للإمام فسادها تبين فالمأموم في ذاك تابع سوى عدة ساوت كواكب يوسف وها أنا مبديها إليك وجامع ففي حدث ينسي الإمام وسبقه وقهقهة والخوف في العد رابع وإعلام مأموم يفوز إمامه بتنجيسه والبعض فيه منازع وقطع إمام حين كشف لعورة على ما لسحنون وقد قيل واسع ومستخلف لفظا لغير ضرورة لأجل رعاف وهي في العد سابع ومستخلف بالفتح لم ينو ثم من بتسليمه فات التدارك تابع وتارك قبلي الثلاث وطال إن همو فعلوا لكن به الخلف واقع ومنحرف لا يستجاز انحرافه وهذا غريب بالتمتمة طالع

____________________

(4/89)

الإنسان مطبوع على تقديم نفسه على غيره كان من أهل شيعته وأصدقائه أم لا هذا هو الفرق بين الإقرار وولاية النكاح والوصية أن الوالي والوصي يتصرفان لغيرهما فأمكن مراعاة الأصدقاء في ذلك لأنه ترجيح لأحد الغيرين على الآخر وأما ها هنا فهو ينصرف في الإقرار لنفسه فلا يقدم عليه أحدا وهو سبب انعقاد الإجماع في الإقرار دونهما ومن هذا القسم الدعاوى تصح من البر والفاجر والمسلم والكافر وإن كانت على وفق الطبع فإن المدعي إنما يدعي لنفسه فدعواه على وفق طبعه عكس الأقارير غير أن ها هنا في الدعاوى ما يغني عن العدالة ويقوم مقامها في حق المدعي وهو إلزامه على وفق دعواه أو اليمين مع شاهد أو مع نكول على الخلاف في صحة القضاء بالشاهد واليمين والنكول لأنهما يبعدان التهمة من الدعوى وبقربانها من الصحة فقام ذلك مقام العدالة لرجحان الصدق على الكذب حينئذ كما ترجح بالعدالة

وقس على هذه النظائر في هذه الأقسام الأربعة ما هو في معناه فيحصل لك الفرق بين ما يشترط فيه العدالة وبين ما لا يشترط فيه الفرق الحادي والعشرون والمائتان بين قاعدة ما يشترط فيه اجتماع الشروط والأسباب وانتفاء الموانع وقاعدة ما لا يشترط فيه مقارنة شروطه وأسبابه وانتفاء موانعه اعلم أن الإنشاءات كلها كالبياعات والإجارات والنكاح والطلاق والعتق وغير ذلك فجميع ما ينشأ من ذلك يشترط فيه حالة إنشائهن مقارنة ما هو معتبر فيه حالة الإنشاء فهذه شأن الإنشاءات كلها بخلاف الإقرارات لا يشترط فيها حضور ما هو معتبر في المقربة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وذا في صلاة ما الجماعة شرطها وإلا فبطلان على الكل شائع والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق الحادي والعشرون والمائتان بين قاعدة ما يشترط فيه اجتماع الشروط والأسباب وانتفاء الموانع وقاعدة ما لا يشترط فيه مقارنة شروطه وأسبابه وانتفاء موانعه وهو أن ما كان سببا في معاملة يشترط حال وقوعه مقارنة ما هو معتبر فيما ينشأ منه من اجتماع الشروط والأسباب وانتفاء الموانع وما كان دليل تقدم سبب لمعاملة لا يشترط حال وقوعه مقارنة شروط ذلك المسبب وأسبابه وانتفاء موانعه والأول هو الإنشاءات كلها كالبياعات والإجارات والنكاح والطلاق والعتق وغير ذلك فشأن الإنشاءات كلها أنه يشترط في جميع ما ينشأ منها مقارنة ما هو معتبر فيه حالة الإنشاء

والثاني هو الإقرارات فلا يشترط فيها حضور ما هو معتبر في المقر به حالة الإقرار لأن الإقرار

____________________

(4/90)

حالة الإقرار لأن الإقرار ليس سببا في نفسه بل هو دليل السبب لاستحقاق المقربة في زمن سابق فيحمل على أن السبب مع ما هو معتبر فيه قد تقدم على الوجه المعتبر الشرعي فمن قال هو يستحق علي دينارا من ثمن دابة حملنا هذا الإقرار على تقدم بيع صحيح على الأوضاع الصحيحة في ذات تقبل البيع لا خمر ولا خنزير على ما هو معتبر في البيع ولذلك قال العلماء رضي الله عنه لا إذا باعه بدينار وفي البلد نقود مختلفة السكة تعين الغالب منها هنا لأن التصرف محمول على الغالب ولو أقر بدينار في بلد وفيها نقد غالب لا يتعين الغالب لأن الإقرار دليل على تقدم السبب لاستحقاق الدينار فلعل السبب وقع في بلد آخر وزمان متقدم تقدما كثيرا يكون الواقع حينئذ سكة غير هذا الغالب وتكون هي الغالبة في ذلك الوقت وفي ذلك البلد والاستحقاق يتبع زمن وقوع السبب لا زمن الإقرار به

ويكون هذا الغالب متجددا بعد تجدد ذلك الغالب وناسخا له فما تعين هذا الغالب الحاضر الآن فيحمل الإقرار عليه كما تعين الغالب الموجود حالة الإقرار فيقبل تفسيره في إقراره بأي سكة ذلك الدينار وكذلك لو أقر المجنون الآن أو سكران أو مغمى عليه بدينار من ثمن بيع قبل إقراره وحمل على أن ذلك البيع وقع من المجنون حالة عقله ومن السكران حالة صحوه ومن المغمى عليه حالة إفاقته

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

ليس سببا لاستحقاق المقر به بل هو دليل تقدم السبب لاستحقاقه في زمن سابق فيحمل على أن السبب مع ما هو معتبر فيه قد تقدم على الوجه المعتبر الشرعي فمن قال هو يستحق علي دينارا من ثمن دابة حملنا هذا الإقرار على تقدم بيع صحيح على الأوضاع الصحيحة في ذات تقبل البيع لا خمر ولا خنزير على ما هو معتبر في البيع لأن التصرف محمول على الغالب وعلى مقتضى هذا الفرق تتفرع مسألتان

المسألة الأولى قال العلماء رضي الله عنهم إذا باعه بدينار وفي البلد نقود مختلفة السكة تعين الغالب منها هنا لأن التصرف محمول على الغالب ولو أقر بدينار في بلد وفيها نقد غالب لا يتعين الغالب بل يقبل تفسيره في إقراره بأي سكة ذلك الدينار لأن الإقرار دليل على تقدم السبب لاستحقاق الدينار فلعل السبب واقع في بلد آخر في زمان متقدم تقدما كثيرا والغالب حينئذ في ذلك الوقت وفي ذلك البلد سكة غير هذا الغالب المتجدد ناسخا لذلك الغالب الواقع قبله والاستحقاق يتبع زمن وقوع السبب لا زمن الإقرار به وهكذا جميع النظائر التي تكون الشروط فيها فائتة حالة الإقرار ويمكن اعتبارها في الزمن الماضي الذي هو زمن وقوع السبب كما لو أقر المجنون الآن أو سكران الآن أو مغمى عليه الآن بدينار من ثمن بيع قبل إقراره فيحمل على أن ذلك البيع وقع من المجنون حالة عقله ومن السكران حالة صحوه ومن المغمى عليه حالة إفاقته وأن شروط البيع الآن مفقودة في حقهم وكما لو أقر أنه يستحق عليه ثمن بيع هذه الدار الموقوفة الآن فيصح إقراره ويحمل على حالة تكون فيه هذه الدار طلقا وأما النظائر التي تتعذر فيها الشروط في الماضي والحاضر كما لو أقر بدينار من ثمن

____________________

(4/91)

وأن شروط البيع الآن مفقودة في حقهم وكذلك لو أقر أنه يستحق عليه ثمن بيع هذه الدار الموقوفة الآن صح إقراره وحمل على حالة تكون فيها هذه الدار طلقا وكذلك جميع هذه النظائر التي تكون الشروط فيها فائتة حالة الإقرار ويمكن اعتبارها في الزمن الماضي أما لو علم التعذر في الماضي والحاضر بطل الإقرار كما لو قال من ثمن هذا الخنزير فإن الخنزير لا يكون في الماضي غير خنزير والوقف يمكن أن يكون طلقا وكذلك بقية النظائر تتخرج على هذا الأسلوب ومقتضى هذا الفرق وهذه القاعدة أن تشترط المقارنة إذا أوصى لجنين أو ملكه ويشترط التقدم فيما إذا أقر له لتقدم السبب على الإقرار فإن حصل الشك في تقدم الجنين لم يلزم الإقرار لأنا شككنا في المحل القابل للملك وهو شرط والشك في الشرط يمنع ترتب المشروط على ما تقدم في أول الفروق

الفرق الثاني والعشرون والمائتان بين قاعدة الإقرار الذي يقبل الرجوع عنه وبين قاعدة الإقرار الذي لا يقبل الرجوع عنه الأصل في الإقرار اللزوم من البر والفاجر لأنه على خلاف الطبع كما تقدم فضابط ما لا يجوز الرجوع عنه من الإقرار هو الرجوع الذي ليس له فيه عذر عادي وضابط ما يجوز الرجوع عنه أن يكون له في الرجوع عنه عذر عادي وفي الفرق مسائل

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

هذا الخنزير فإن الخنزير لا يكون في الماضي غير خنزير فيبطل الإقرار في ذلك

المسألة الثانية إذا أوصى لجنين أو ملكه فالشرط المقارنة وإذا أقر له فالشرط تقدم السبب على الإقرار فإن حصل الشك في تقدم الجنين لم يلزم الإقرار لأنا شككنا في المحل القابل للملك وهو شرط والشك في الشرط يمنع ترتب المشروط على ما تقدم في أول الفروق أفاده الأصل وسلمه أبو القاسم بن الشاط والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق الثاني والعشرون والمائتان بين قاعدة الإقرار الذي يقبل الرجوع عنه وبين قاعدة الإقرار الذي لا يقبل الرجوع عنه وهو أنه وإن كان الأصل في الإقرار اللزوم من البر والفاجر لأنه على خلاف الطبع كما تقدم ولذا قال ابن عرفة الإقرار خبر يوجب حكم صدقه على قائله فقط بلفظه أو لفظ نائبه لكنه من حيث إنه قد يكون للمقر في الرجوع عنه عذر عادي وقد لا يكون له ذلك انقسم قسمين الأول ما لا يجوز الرجوع عنه وضابطه ما ليس للمقر في رجوعه عنه عذر عادي وهذا هو الغالب إلا أن في نفوذه تفصيلا أشار له ابن عاصم بقوله ومالك لأمره أقر في صحته لأجنبي اقتفي وما لوارث ففيه اختلفا ومنفذ له لتهمة نفى ورأس متروك المقر ألزما وهو به في فلس كالغرما وإن يكن لأجنبي في المرض غير صديق فهو نافذ الغرض

____________________

(4/92)

المسألة الأولى إذا أقر الوارث للورثة أن ما تركه أبوه ميراث بينهم على ما عهد في الشريعة وما تحمل عليه الديانة ثم جاء شهود أخبروه أن أباه أشهدهم أنه تصدق عليه في صغره بهذه الدار وحازها له أو أقر أنه ملكها عليه بوجه شرعي فإنه إذا رجع عن إقراره بأن التركة مورثة إلا هذه الدار المشهود بها له دون الورثة واعتذر بإخبار البينة له وأنه لم يكن عالما بذلك بل أقر بناء على العادة ومقتضى ظاهر الشريعة فإنه يسمع دعواه وعذره ويقيم بينته ولا يكون إقراره السابق مكذبا للبينة وقادحا فيها لأن هذا عذر عادي تسمع مثله

المسألة الثانية في الجواهر إذا قال له علي مائة درهم إن حلف أو حتى يحلف أو مع يمينه فحلف المقر له فنكل المقر وقال ما ظننت أنه يحلف لا يلزمه شيء لأن العادة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

ولصديق أو قريب لا يرث يبطل ممن بكلالة ورث وقيل بل يمضي بكل حال وعندما يؤخذ بالإبطال قيل بإطلاق ولابن القاسم يمضي من الثلث بحكم جازم إلخ وخلاصته أن المالك لأمره تارة يقر في صحته وتارة في مرضه وفي كل منهما إما أن يكون المقر له وارثا أو أجنبيا انظر شروح العاصمية والقسم الثاني ما يجوز الرجوع عنه وضابطه ما للمقر عذر عادي في رجوعه عنه ومثل له الأصل بثلاث مسائل فقال

المسألة الأولى إذا أقر الوارث للورثة أن ما تركه أبوه ميراث بينهم على ما عهد في الشريعة وما تحمل عليه الديانة ثم جاء شهود أخبروه أن أباه أشهدهم أنه تصدق عليه في صغره بهذه الدار وحازها له أو أن والده أقر أنه ملكها عليه بوجه شرعي فإنه يقبل رجوعه عن إقراره وأنه كان بناء على العادة ومقتضى ظاهر الشريعة وعذره بأنه لم يكن عالما بما أخبرته البينة به من أن التركة كلها موروثة إلا هذه الدار المشهود بها له دون الورثة لأنه عذر عادي يسمع مثله فيقيم بينته ولا يكون إقراره السابق مكذبا للبينة وقادحا فيها ا ه

وسلمه أبو القاسم بن الشاط وفي شرح التسولي على العاصمية ما نصه قال أبو العباس الملوي اعتمد ما للقرافي غير واحد من الحفاظ المتأخرين وتلقوه بالقبول منهم أبو سالم إبراهيم اليزناسني ا ه

وبه يعلم ضعف ما في الحطاب عن سحنون من أن إقراره الأول مكذب للبينة فلا ينتفع بها نقله في بابي الإقرار والقسمة بعد أن نقل عن المازري أنه أفتى بمثل ما للقرافي وبالجملة فالمعتمد ما للقرافي وبه كنت أفتيت انظر شرحنا للشامل ويؤيده ما مر أول الاستحقاق ا ه

بلفظه وما مر أول الاستحقاق هو ما نقله عن ابن عرفة من أن حكم الاستحقاق الوجوب عند تيسر أسبابه في الربع والعقار بناء على عدم يمين مستحقه وعلى يمينه هو مباح كغير العقار والربع لأن الحلف مشقة ا ه

قال ومراد ابن عرفة إذا لم تسمح نفسه بذلك لما فيه حينئذ من إطعام الحرام لغيره مع القدرة على منعه منه وقد قال عليه السلام لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه

وقال انصر أخاك وإن

____________________

(4/93)

جرت بأن هذا الاشتراط يقضي عدم اعتقاد لزوم ما أقر به

وقال ابن عبد الحكم إن قال له علي مائة إن حلف أو ادعاها أو مهما حلف بالعتق أو إن استحل ذلك أو إن كان يعلم أنها له أو إن أعارني داره فأعاره أو إن شهد عليها فلان فشهد عليه بها لا يلزمه في هذا كله شيء لأن العادة جرت على أن هذا ليس بإقرار فإن قال إن حكم بها على فلان فحكم بها عليه لزمته لأن الحكم سبب فيلزمه عند سببها والأول كله شروط لا أسباب بل استبعادات محضة مخلة بالإقرار

المسألة الثالثة إذا أقر فقال له عندي مائة من ثمن خمر أو ميتة لم يلزمه شيء لأن الكلام بآخره والقاعدة أن كل كلام لا يستقل بنفسه إذا اتصل بكلام مستقل بنفسه صيره غير مستقل بنفسه وقوله من ثمن خمر لا يستقل بنفسه فيصير الأول

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

ظالما ونصره أن تمنعه عن ظلمه فالمستحق حينئذ آثم بعدم قيامه بالاستحقاق لأنه ترك واجبا عليه فهو راجع إلى تغيير المنكر وهو واجب على كل من قدر عليه والمستحق من ذلك القبيل وهذا عام سواء كان الاستحقاق من ذي الشبهة أو من غاصب لأن المستحق يجب عليه أن يعلم ذا الشبهة بأنه لا ملك له فيه وأنه يستحقه منه وإن لم تسمح نفسه به ويطلعه على بيان ملكه للشيء المستحق وإذا لم يعلمه كان قد ترك واجبا عليه آثما بذلك وهو معنى وجوب قيامه بالاستحقاق خلافا لما للشيخ الرهوني من أنه لا يظهر وجوبه بالنسبة لذي الشبهة ا ه انتهى المراد بلفظه وقال الأصل

المسألة الثانية في الجواهر إذا قال له علي مائة درهم إن حلف أو إذا حلف أو متى حلف أو حتى يحلف أو مع يمينه أو بعد يمينه فحلف المقر له فنكل المقر وقال ما ظننت أنه يحلف لا يلزمه شيء لأن العادة جرت بأن هذا الاشتراط يقتضي عدم اعتقاد لزوم ما أقر له

وقال ابن عبد الحكم إن قال له علي مائة إن حلف أو دعاها أو مهما حلف بالعتق أو إن استحق ذلك أو إن كان يعلم أنها له أو إن أعارني داره فأعاره أو إن شهد علي بها فلان فشهد عليه بها لا يلزمه في هذا كله شيء لأن العادة جرت على أن هذا ليس بإقراره فإن قال إن حكم بها على فلان فحكم بها عليه لزمته لأن الحكم سبب فيلزمه عند سببها والأول كله شروط لا أسباب بل استبعادات محضة مخلة بالإقرار ا ه

المسألة الثالثة إذا أقر فقال له عندي مائة من ثمن خمر أو ميتة لم يلزمه شيء لأن الكلام بآخره والقاعدة أن كل كلام لا يستقل بنفسه إذا اتصل بكلام مستقل بنفسه صيره غير مستقل بنفسه وقوله من ثمن خمر لا يستقل بنفسه فيصير الأول المستقل غير مستقل وكذلك الصفة والاستثناء والغاية والشرط ونحوها مما لا يستقل بنفسه ا ه

كلام الأصل وسلمه أبو القاسم بن الشاط والله سبحانه وتعالى أعلم

فائدة قال التسولي على العاصمية والمراد بالكلالة هنا الفريضة التي لا ولد فيها ذكرا أو أنثى وإن سفل بأن كان فيها أبوان أو زوجة أو عصبة وأما الكلالة في باب الميراث فهي الفريضة التي لا ولد ولا والد وفيها يقول القائل ويسئلونك عن الكلاله هي انقطاع النسل لا محاله لا والد يبقى ولا مولود فانقطع الأبناء والجدود ا ه بلفظه

____________________

(4/94)

المستقل غير مستقل وكذلك الصفة والاستثناء والغاية والشروط ونحوها الفرق الثالث والعشرون والمائتان بين قاعدة ما ينفذ من تصرفات الولاة والقضاة وبين قاعدة ما لا ينفذ من ذلك وهو خمسة أقسام القسم الأول ما لم تتناوله الولاية بالأصالة اعلم أن كل من ولي ولاية الخلافة فما دونها إلى الوصية لا يحل له أن يتصرف إلا بجلب مصلحة أو درء مفسدة لقوله تعالى ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ولقوله عليه السلام من ولي من أمور أمتي شيئا ثم لم يجتهد لهم ولم ينصح فالجنة عليه حرام فيكون الأئمة والولاة معزولين عما ليس فيه بذل الجهد والمرجوح أبدا ليس بالأحسن بل الأحسن ضده وليس الأخذ به بذلا للاجتهاد بل الأخذ بضده فقد حجر الله تعالى على الأوصياء التصرف فيما هو ليس بأحسن مع قلة الفائت من المصلحة في ولايتهم لخستها بالنسبة إلى الولاة والقضاة فأولى أن يحجر على الولاة والقضاة في ذلك ومقتضى هذه النصوص أن يكون الجميع معزولين عن المفسدة الراجحة والمصلحة المرجوحة والمساوية وما لا مفسدة فيه ولا مصلحة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الفرق الثالث والعشرون والمائتان بين قاعدة ما ينفذ من تصرفات الولات والقضاة وبين قاعدة ما لا ينفذ من ذلك وهو أن ما نفذ من ذلك ولا ينقض هو ما اجتمع فيه خمسة أمور الأول ما تتناوله الولاية بالأصالة مما دل قوله تعالى ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن وقوله عليه الصلاة والسلام من ولي من أمر أمتي شيئا ثم لم يجتهد لهم ولم ينصح فالجنة عليه حرام على أن كل من ولي ولاية الخلافة فما دونها إلى الوصية لا يحل له أن يتصرف إلا بما هو أحسن أو ما فيه بذل الجهد وعلى أن قاعدة الولاية أنها إنما تتناول واحدا من أربعة أمور هي جلب المصلحة الخالصة أو الراجحة ودرء المفسدة الخالصة أو الراجحة

والثاني الموافقة لدليل الحكم والثالث الموافقة لسببه وحجته وقد تقدم الفرق بين الأسباب والأدلة والحجاج وأن القضاة يعتمدون الحجاج والمجتهدين يعتمدون الأدلة وأن المكلفين يعتمدون الأسباب والرابع انتفاء التهمة فيه والخامس وقوعه على الأوضاع الشرعية كان مجمعا عليه أو مختلفا فيه وأما ما لا ينفذ من ذلك وينقض فهو ما انتفى فيه واحد من هذه الخمسة المذكورة فلذا انقسم خمسة أقسام القسم الأول ما لا تتناوله الولاية بالأصالة وهو نوعان النوع الأول ما دلت النصوص المتقدمة على أن كل من ولي ولاية الخلافة فما دونها إلى الوصية يكون معزولا عنها إذا أجراه في ولايته

____________________

(4/95)

لأن هذه الأقسام الأربعة ليست من باب ما هو أحسن وتكون الولاية إنما تتناول جلب المصلحة الخالصة أو الراجحة ودرء المفسدة الخالصة أو الراجحة فأربعة معتبرة وأربعة ساقطة ولهذه القاعدة قال الشافعي رضي الله عنه لا يبيع الوصي صاعا بصاع لأنه لا فائدة في ذلك ولا يفعل الخليفة ذلك في أموال المسلمين ويجب عليه عزل الحاكم إذا ارتاب فيه دفعا لمفسدة الريبة عن المسلمين

ويعزل المرجوح عند وجود الراجح تحصيلا لمزيد المصلحة للمسلمين واختلف في عزل أحد المساويين بالآخر فقيل يمتنع لأنه ليس أصلح للمسلمين ولأنه يؤذي المعزول بالعزل والتهم من الناس ولأن ترك الفساد أولى من تحصيل الصلاح للمتولى

وأما الإنسان في نفسه فيجوز له ذلك فيما يختص به حصلت مصلحة أم لا فللإنسان أن يبيع صاعا بصاع وما يساوي ألفا بمائة فإن قلت تجويز ذلك يوجب أن يلتبس من يحجر عليه بمن لا يحجر عليه ويلتبس الرشيد بالسفيه لأن السفيه هو الذي يفعل ذلك قلت لا نسلم أنا نحجر على من يفوت المصلحة كيف كانت بل ضابط ما يحجر به أن كل تصرف خرج عن العادة ولم يستجلب به حمدا شرعيا وقد تكرر منه فإنه يحجر به والقيد الثاني احتراز من استجلاب حمد الشراب والمساخر والثالث احتراز عن رمي درهم في البحر فإنه لا يحجر عليه

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وذلك كل ما ليس هو بأحسن وليس فيه بذل الجهد مما خرج عن قاعدة الولاية المذكورة وصار واحدا من الأربعة الساقطة التي هي المفسدة الراجحة والمصلحة المرجوحة والمساوية وما لا مصلحة فيه ولا مفسدة فمن هنا قال الشافعي رضي الله عنه لا يبيع الوصي صاعا بصاع لأنه لا فائدة في ذلك ولا يفعل الخليفة ذلك في أموال المسلمين ويجب عليه عزل الحاكم إذا ارتاب فيه دفعا لمفسدة الريبة عن المسلمين ويعزل المرجوح عند وجود الراجح تحصيلا لمزيد المصلحة للمسلمين

واختلف في عزل أحد المتساويين بالآخر فقيل يمتنع لأنه ليس أصلح للمسلمين لأنه يؤذي المعزول بالعزل والتهم من الناس ولأن ترك الفساد أولى من تحصيل الصلاح للمتولى

وأما الإنسان في نفسه فيجوز له ذلك أي بيع صاع بصاع وما يساوي ألفا بمائة فيما يختص به حصلت مصلحة أم لا وضابط ما يحجر به أن كل تصرف خرج عن العادة ولم يستجلب به المتصرف حمدا شرعيا وقد تكرر منه فإنه يحجر به فخرج بالقيد الأول ما فوت مصلحة لم تخرج عن العادة كما هنا وبالثاني ما استجلب به حمد الشراب والمساخر وبالثالث ما لم يتكرر كمن رمى درهما في البحر فإنه لا يحجر عليه حتى يتكرر ذلك منه تكررا يدل على سفهه وعدم اكتراثه بالمال النوع الثاني القضاء من القاضي بغير عمله فإنه لا تتناوله الولاية لأن صحة التصرف إنما يستفاد من عقد الولاية وعقد الولاية إنما يتناول منصبا معينا فكان معزولا عما عداه لا ينفذ فيه حكمه وعلى هذا

____________________

(4/96)

حتى يتكرر ذلك منه تكررا يدل على سفهه وعدم اكترائه بالمال إذا تقرر هذا القسم الذي لا ينفذ لعدم تناول الولاية له فيلحق به القضاء من القاضي بغير عمله فإنه لا تتناوله الولاية لأن صحة التصرف إنما يستفاد من عقد الولاية وعقد الولاية إنما يتناول منصبا معينا وبلدا معينا فكان معزولا عما عداه لا ينفذ فيه حكمه وقاله أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم

وما علمت فيه خلافا وفي الجواهر إن شافه قاض قاضيا لم يكف في ثبوت ذلك الحكم لأن أحدهما بغير عمله فلا يؤثر إسماعه وسماعه إلا إذا كانا قاضيين ببلدة واحدة أو تجاذبا في ذلك في طرفي ولايتهما فيكون ذلك أقوى من الشهادة على كتاب القاضي فيعتمد وفي هذا القسم فروع في كتب الفقه

القسم الثاني ما تتناوله الآية لكن حكم فيه بمستند باطل فهذا ينقض لفساد المدرك لا لعدم الولاية فيه وهو الحكم الذي خالف أحد أربعة أمور إذا حكم على خلاف الإجماع ينقض قضاؤه أو خلاف النص السالم عن المعارض أو

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

أصحابنا ففي الجواهر إن شافه قاض قاضيا لم يكف في ثبوت ذلك الحكم لأن أحدهما بغير عمله فلا يؤثر إسماعه وسماعه إلا إذا كانا قاضيين ببلدة واحدة أو تجاذبا في ذلك في طرفي ولايتهما فيكون ذلك أقوى من الشهادة على كتاب القاضي فيعتمد ا ه

وقاله أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم قال الأصل وما علمت فيه خلافا وفي هذا القسم فروع في كتب الفقه

القسم الثاني ما تتناوله الولاية لكن حكم بمستند باطل بأن حكم فيه على خلاف أحد أربعة أمور الإجماع السالم عن المعارض والنص السالم عن المعارض والقياس الجلي السالم عن المعارض

وقاعدة من القواعد السالمة عن المعارض فلا بد في نقض الحكم المخالف لواحد من جميع هذه الأربعة من اشتراط السلامة عن المعارض أي المعارض الراجح فإن خالفه وثم معارض أرجح لم ينقض قضاؤه ولكل من المخالفة لواحد منها مع المعارض الراجح أو مع عدمه نظائر

أما الأول فمن نظائره أنه لو قضى في عقد الربا بالفسخ لم ينقض قضاؤه على خلاف قوله تعالى وأحل الله البيع لأنه عورض بالنصوص الدالة على تحريم الربا ومنها أنه لو قضى في لبن المصراة بالثمن لم ينقض قضاؤه وإن كان على خلاف قاعدة إتلاف المثليات أنه يجب جنسها لأجل ورود النص في ذلك

وأما الثاني فعلى أربعة أنواع الأول ما قضى فيه بمدرك شاذ مخالف لمدرك إمامه الذي لم يثبت عند جميع أصحابه له معارض راجح ومن نظائره أنه لو قضى بصحة نكاح بلا ولي فسخناه لكونه على خلاف قوله عليه الصلاة والسلام أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل ومنها أنه لو قضى باستمرار عصمة من لزمه الطلاق أي الثلاثة بناء على المسألة السريجية نقضناه لكون شرط السريجية لم يجتمع مع مشروطه أبدا فإن تقدم الثلاث لا يجتمع مع لزوم الطلاق بعدها

____________________

(4/97)

القياس الجلي السالم عن المعارض أو قاعدة من القواعد السالمة عن المعارض ولا بد في الجميع من اشتراط السلامة عن المعارض أي المعارض والراجح فإنه لو قضي في عقد الربا بالفسخ لم ينقض قضاؤه وإن كان قضاؤه على خلاف قوله تعالى وأحل الله البيع لأنه عورض بالنصوص الدالة على تحريم الربا وكذلك لو قضي في لبن المصراة بالثمن لم ينقض قضاؤه وإن كان على خلاف قاعدة إتلاف المثليات أن يجب جنسها لأجل ورود النص في ذلك نعم لو قضى بصحة نكاح بغير ولي فسخناه لكونه على خلاف قوله عليه السلام أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل ولو قضى باستمرار عصمة من لزمه الطلاق بناء على المسألة السريجية نقضناه لكونه على خلاف قاعدة أن الشرط قاعدته صحة اجتماعه مع المشروط وشرط السريجية لا يجتمع مع مشروطه أبدا فإن تقدم الثلاث لا يجتمع مع لزوم الطلاق بعدها ونحو ذلك وكذلك لو حكم حدسا وتخمينا من غير مدرك شرعي ينقض إجماعا وهو فسق ممن فعله قاله ابن محرز من أصحابنا

ونقل ابن يونس عن عبد الملك أنه قال ينتقض عند مالك قضاء القاضي لمخالفة السنة كالقضاء باستسعاء العبد لعتق بعضه فإن الحديث ورد بأنه لا يستسعى وكالشفعة للجار بعد القسمة لقوله عليه السلام الشفعة فيما لم يقسم أو يحكم بشهادة النصراني لقوله تعالى ذوا عدل منكم أو بميراث العمة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

فكان على خلاف قاعدة صحة اجتماع الشرط مع مشروطه

والنوع الثاني ما قضى فيه بالشاذ المخالف لمدرك إمامه الذي لم يثبت عند جمهور أصحابه له معارض راجح ومن نظائره ما نقله ابن يونس عن عبد الملك أنه قال ينقض عند مالك قضاء القاضي لمخالفة السنة كالقضاء باستسعاء العبد لعتق بعضه فإن الحديث ورد بأنه لا يستسعى وكالشفعة للجار أو بعد القسمة لقوله عليه السلام الشفعة فيما لم يقسم أو يحكم بشهادة النصراني لقوله تعالى ذوا عدل منكم أو بميراث العمة والخالة والمولى الأسفل لقوله عليه السلام ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فلأولى عصبة ذكر وكل ما هو على خلاف عمل أهل المدينة ولم يقل به إلا شذوذ العلماء فإن جمهور الأصحاب على نقضه وخالفهم ابن عبد الحكم

وقال لا تنقض شفعة الجار وما ذكر معه من الفروع لضعف موجب النقض عنده

والنوع الثالث ما قضي فيه بنقض ما لم ينقض ففي النوادر لأبي محمد قال محمد مما ينقض نقض ما لا ينقض فإذا قضى قاض بأن ينقض حكم الأول وهو مما لا ينقض نقض الثالث حكم الثاني لأن نقضه خطأ ويقر الأول وكذلك لو تصرف السفيه الذي تحت حجر القاضي بالبيع والنكاح وغيرهما فرده فجاء قاض ثان فأنفذه نقض الثالث هذا التنفيذ وأقر الأول وكذلك لو فسخ الثاني الحكم بالشاهد واليمين رده الثالث لأن النقض في مواطن الاجتهاد خطأ

____________________

(4/98)

والخالة والمولى الأسفل لقوله عليه السلام ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فلأولى عصبة ذكر وكل ما هو على خلاف عمل المدينة ولم يقل به إلا شذوذ العلماء وخالف ابن عبد الحكم

وقال لا تنقض شفعة الجار وما ذكر معه من الفروع لضعف موجب النقص عنده وجمهور الأصحاب على خلافه وفي النوادر لأبي محمد قال محمد مما ينقض نقض ما لا ينقض فإذا قضى قاض بأن ينقض حكم الأول وهو مما لا ينقض نقض الثالث حكم الثاني لأن نقضه خطأ ويقر الأول وكذلك لو تصرف السفيه الذي تحت حجر القاضي بالبيع والنكاح وغيرهما فرده فجاء قاض ثان فأنفذه نقض الثالث هذا التنفيذ وأقر الأول وكذلك لو فسخ الثاني الحكم بالشاهد واليمين رده الثالث لأن النقض في مواطن الاجتهاد خطأ ونقض الخطأ متعين

القسم الثالث ما حكم به على خلاف السبب والقسم المتقدم على خلاف الدليل وقد تقدم الفرق بين الأسباب والأدلة والحجاج وأن القضاة يعتمدون الحجاج والمجتهدين يعتمدون الأدلة وأن المكلفين يعتمدون الأسباب فإذا قضى القاضي بالقتل على من لم يقتل أو للبيع على من لم يبع أو الطلاق على من لم يطلق أو الدين على من لم يستدن فهذا قضاء على خلاف الأسباب فإذا اطلع على ذلك وجب نقضه عند الكل إلا قسما منه خالف فيه أبو حنيفة رضي الله عنه وهو ما كان فيه عقد وفسخ فيجعل حكم الحاكم كالعقد فيما لا عقد فيه أو كالفسخ فيما لا فسخ فيه فإذا شهد عنده شاهدا

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

ونقض الخطأ متعين والنوع الرابع ما لو حكم حدسا وتخمينا من غير مدرك شرعي فإنه ينقض إجماعا وهو فسق ممن فعله قاله ابن محرز من أصحابنا

القسم الثالث ما حكم به على خلاف السبب فإذا قضى القاضي بالقتل على من لم يقتل أو بالبيع على من لم يبع أو الطلاق على من لم يطلق أو الدين على من لم يستدن كان قضاء على خلاف الأسباب فإذا اطلع عليه وجب نقضه عند الكل إلا أن أبا حنيفة رضي الله عنه خالف في قسم منه وهو ما كان فيه عقد أو فسخ فيجعل حكم الحاكم كالعقد فيما لا عقد فيه أو كالفسخ فيما لا فسخ فيه فإذا شهد عنده شاهدا زور بطلاق امرأة فحكم بطلاقها جاز لذلك الشاهد أن يتزوجها مع علمه بكذب نفسه لأن حكم الحاكم فسخ لذلك النكاح وإذا شهدا عنده ببيع جارية فحكم ببيعها جاز لكل واحد منهما أن يشتريها ممن حكم له بها ويطأها مع علمه بكذب نفسه لأن حكم الحاكم تنزل منزلة البيع لمن حكم له وهكذا كل ما فيه عقد أو فسخ ووافقنا فيما لا عقد فيه ولا فسخ من الديون وما يجري مجراها فقال إنه باق على ما كان عليه قبل الحكم

وقال إذا قضى بنكاح أخت المقضي له أو ذات محرم فلا تحل له لفوات قبول المحل للنكاح بالمحرمية

وقال إذا تبين أن الشهود عبيد والحكم في عقد نكاح لم ينزل حكمه منزلة العقد لأن الشهادة هنا شرط بخلاف الأموال ولأن الحاكم لم يحكم بالملك بل بالتسليم وهو لا يوجب الملك وهذا هو معنى قول

____________________

(4/99)

زور بطلاق امرأة فحكم بطلاقها جاز لذلك الشاهد أن يتزوجها مع علمه بكذب نفسه لأن حكم الحاكم فسخ لذلك النكاح وكذلك إذا شهد عنده ببيع جارية فحكم ببيعها جاز لكل واحد من تلك البينة أن يشتريها ممن حكم له بها ويطأها هذا الشاهد مع علمه بكذب نفسه لأن حكم الحاكم تنزل منزلة البيع لمن حكم له وكذلك كل ما فيه عقد أو فسخ

وأما الديون وما يجري مجراها مما لا عقد فيه ولا فسخ فيوافقنا فيه وأنه باق على ما كان عليه قبل الحكم وهذا هو معنى قول المالكية والشافعية والحنابلة حكم الحاكم لا يحل حراما ولا يحرم حلالا في نفس الأمر خلافا لأبي حنيفة ووافقنا أبو حنيفة أيضا فيما إذا قضى بنكاح أخت المقضي له أو ذات محرم فإنه لا تحل له لأن المقضي له لو تزوجها لم تحل له ففات قبول المحل

وكذلك وافقنا إذا تبين أن الشهود عبيد والحكم في عقد النكاح وفرق بأن الشهادة شرط ولم توجد في الأموال ولم يحكم الحاكم بالملك بل بالتسليم وهو لا يوجب الملك ولنا قوله عليه السلام أنما أنا بشر مثلكم وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقتطع له قطعة من النار وهو عام في جميع الحقوق وقياسا على الأموال بطريق الأولى لأن الأموال أضعف فإذا لم يؤثر فيها فأولى الفروج احتجوا بقضية هلال بن أمية في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم حين فرق بينه وبين امرأته باللعان قال فإن جاءت به على صفة كذا فهو لشريك فجاءت به على تلك الصفة وتبين الأمر على ما قال

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

المالكية والشافعية والحنابلة حكم الحاكم لا يحل حراما ولا يحرم حلالا في نفس الأمر خلافا لأبي حنيفة وحجتنا أمران الأول قوله عليه السلام إنما أنا بشر مثلكم وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقتطع له قطعة من النار وهو عام في جميع الحقوق

والثاني القياس على الأموال بطريق الأولى لأن الأموال أضعف فإذا لم يؤثر فيها فأولى الفروج وحجتهم خمسة أمور الأول قضية هلال بن أمية في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم حين فرق بينه وبين امرأته باللعان قال فإن جاءت به على صفة كذا فهو لشريك فجاءت به على تلك الصفة وتبين الأمر على ما قال هلال وأن الفرقة لم تكن موجودة ومع ذلك لم يفسخ تلك الفرقة وأمضاها فدل ذلك على أن حكم الحاكم يقوم مقام الفسخ والعقد وجوابه أن الفرقة في اللعان ليست بسبب صدق الزوج بدليل أنه لو قامت البينة بصدقه لم تعد إليه وإنما كانت بسبب أنهما وصلا إلى أسوأ الأحوال في المقابحة بالتلاعن فلم ير الشارع اجتماعهما بعد ذلك لأن الزوجية مبناها السكون والمودة وما تقدم من اللعان يمنع ذلك فعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكذب كالبينة إذا قامت والثاني ما روي عن علي رضي الله عنه أنه ادعى عنده رجل نكاح امرأة وشهد له شاهدان فقضى بينهما بالزوجية فقالت والله يا أمير المؤمنين ما تزوجني فاعقد بيننا عقدا حتى أحل له فقال شاهداك زوجاك فدل ذلك على أن النكاح

____________________

(4/100)

هلال وأن الفرقة لم تكن موجودة ومع ذلك لم يفسخ تلك الفرقة

وأمضاها فدل ذلك على أن حكم الحاكم يقوم مقام الفسخ والعقد وعن علي رضي الله عنه أنه ادعى عنده رجل نكاح امرأة وشهد له شاهدان فقضى بينهما بالزوجية فقالت والله يا أمير المؤمنين ما تزوجت فاعقد بيننا عقدا حتى أحل له فقال شاهداك زوجاك فدل ذلك على أن النكاح ثبت بحكمه ولأن اللعان يفسخ به النكاح وإن كان أحدهما كاذبا فالحكم أولى لأن للحاكم ولاية عامة على الناس في العقود ولأن الحاكم له أهلية العقد والفسخ بدليل أنه لو أوقع العقد على وجه لو فعله المالك نفذ ولأن المحكوم عليه لا يجوز له المخالفة ويجب عليه التسليم فصار حكم الله تعالى في حقه ما حكم به الحاكم

وإن علم خلافه فكذلك غيره قياسا عليه والجواب عن الأول أن الفرقة في اللعان ليست بسبب صدق الزوج بدليل أنه لو قامت البينة بصدقه لم تعد إليه وإنما كانت بسبب أنهما وصلا إلى أسوأ الأحوال في المقابحة بالتلاعن فلم ير الشارع اجتماعهما بعد ذلك لأن الزوجية مبناها السكون والمودة وما تقدم من اللعان يمنع ذلك فعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذب وكالبينة إذا قامت وعن الثاني إن صح فلا حجة فيه

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

ثبت بحكمه وجوابه أنه وإن صح فلا حجة له لأنه رضي الله عنه أضاف التزوج للشهود لا لحكمها ومنعها من العقد لما فيه من الطعن على الشهود فأخبرها بأنه زوجها ظاهرا ولم يتعرض للفتيا وما النزاع إلا فيها

والثالث القياس على اللعان فإنه يفسخ به النكاح وإن كان أحدهما كاذبا فالحكم أولى لأن للحاكم ولاية عامة على الناس في العقود وجوابه أن كذب أحدهما لم يتعين باللعان ولم يختص به أما عدم تعيينه فلأنه قد يكون مستنده في اللعان كونه لم يطأها بعد حيضتها مع أن الحامل قد تحيض أو قرائن حالية مثل كونه رأى رجلا بين فخذيها مع أن القرائن قد تكذب كأن يكون ذلك الرجل لم يولج أو أولج وما أنزل وأما عدم اختصاصه باللعان فلأن المتداعيين في النكاح أو غيره قد يكون أحدهما كاذبا فاجرا يطلب ما يعلم خلافه ولا نسلم أن الحكم يقوم مقام الفسخ والعقد بل لما بينا أن التلاعن يمنع الزوجية والرابع أن الحاكم له أهلية العقد والفسخ بدليل أنه لو أوقع العقد على وجه لو فعله المالك نفذ وجوابه أن صاحب الشرع إنما جعل للحاكم العقد للغائب والمحجور عليهم ونحوهم بطريق الوكالة لتعذر المباشرة منهم وها هنا لا ضرورة لذلك والأصل أن يلي كل واحد مصالح نفسه ولا يترك الأصل عند عدم المعارض والخامس أن المحكوم عليه لا يجوز له المخالفة ويجب عليه التسليم فصار حكم الله تعالى في حقه ما حكم له الحاكم وإن علم خلافه فكذلك غيره قياسا عليه وجوابه أن المحكوم عليه إنما حرمت عليه المخالفة لما فيها من مفسدة مشاقة الحكام وانخرام النظام وتشويش نفوذ المصالح

____________________

(4/101)

لأنه رضي الله عنه أضاف التزوج للشهود لا لحكمه ومنعها من العقد لما فيه من الطعن على الشهود فأخبرها بأنه زوجها ظاهرا ولم يتعرض للفتيا وما النزاع إلا فيها وعن الثالث أن كذب أحدهما لم يتعين باللعان ولم يختص به أما عدم تعيينه فلأنه قد يكون مستنده في اللعان كونه لم يطأها بعد حيضتها مع أن الحامل قد تحيض أو قرائن حالية مثل كونه رأى رجلا بين فخذيها وقد يكون الرجل لم يولج أو أولج وما أنزل وبالجملة فالقرائن قد تكذب

وأما عدم اختصاصه باللعان فلأن المتداعيين في النكاح أو غيره قد يكون أحدهما كاذبا فاجرا يطلب ما يعلم خلافه ولا نسلم أن الحكم يقوم مقام الفسخ والعقد بل لما بينا أن التلاعن يمنع الزوجية

وعن الرابع أن صاحب الشرع إنما جعل للحاكم العقد للغائب والمحجور عليهم ونحوهم بطريق الوكالة لتعذر المباشرة منهم وها هنا لا ضرورة لذلك والأصل أن يلي كل واحد مصالح نفسه فلا يترك الأصل عند عدم المعارض

وعن الخامس أن المحكوم عليه إنما حرمت عليه المخالفة لما فيها من مفسدة مشاقة الحكام وانخرام النظام وتشويش نفوذ المصالح وإما مخالفة بحيث لا يطلع عليه حاكم ولا غيره فجائزة القسم الرابع ما تتناوله الولاية وصادف فيه الحجة والدليل والسبب غير أنه متهم فيه

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وأما مخالفته بحيث لا يطلع عليه حاكم ولا غيره فجائزة

القسم الرابع ما تتناوله الولاية وصادف فيه الحجة والدليل والسبب غير أنه متهم فيه كقضائه لنفسه فإنه يفسخ لأن القاعدة أن التهمة تقدح في التصرفات إجماعا من حيث الجملة وإلا فالتهمة على ثلاث مراتب أعلاها كقضائه لنفسه معتبر إجماعا وأدناها كقضائه لجيرانه وأهل صقعه وقبيلته مردود إجماعا والمتوسط منها مختلف فيه هل يلحق بالأول أو بالثاني وأصلها أي القاعدة المذكورة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين أي متهم قال ابن يونس في الموازية كل من لا تجوز شهادته له لا يجوز حكمه له

وقاله أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم لأن حكم الحاكم لازم للمقضي عليه فهو أولى بالرد من الشهادة لأن فوق الشاهد من ينظر عليه فيضعف الإقدام على الباطل فتضعف التهمة قال ولا يحكم لعمه إلا أن يكون مبرزا وجوزه أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم

وقال عبد الملك لا يحكم لولده الصغير أو يتيمه أو امرأته ويجوز لغير هؤلاء الثلاثة كالأب والابن الكبير وإن امتنعت الشهادة فإن منصب القضاء أبعد عن التهم لوفور جلالة القاضي دون الشاهد

وقال أصبغ إن قال ثبت عندي ولا نعلم أثبت أم لا ولم يحضره الشهود لم ينفذ فإن حضر الشهود وكانت شهادة ظاهرة بحق بين جاز فيما عدا الثلاثة المتقدمة أعني حكمه لولده الصغير أو يتيمه أو امرأته لأن اجتماع هذه الأمور أي حضور الشهود وكون الشهادة ظاهرة وبحق بين تضعف التهمة وهو الفرق بينه وبين الشهادة وعن أصبغ الجواز في الولد والزوجة والأخ والمكاتب والمدبر والمديان إن كان من أهل القيام بالحق وصح الحكم

____________________

(4/102)

كقضائه لنفسه فإنه يفسخ لأن القاعدة أن التهمة تقدح في التصرفات إجماعا من حيث الجملة وهي مختلفة المراتب فأعلى رتب التهمة معتبر إجماعا كقضائه لنفسه وأدنى رتب التهم مردود إجماعا كقضائه لجيرانه وأهل صقعه وقبيلته والمتوسط من التهم مختلف فيه هل يلحق بالأول أو بالثاني وأصلها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين أي متهم قال ابن يونس في الموازية كل من لا تجوز شهادته له لا يجوز حكمه له

وقاله أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم لأن حكم الحاكم لازم للمقضي عليه فهو أولى بالرد من الشهادة لأن فوق الشاهد من ينظر عليه فيضعف الإقدام على الباطل فتضعف التهمة قال ولا يحكم لعمه إلا أن يكون مبرزا وجوزه أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم

وقال عبد الملك لا يحكم لولده الصغير أو يتيمه أو امرأته ويجوز لغير هؤلاء الثلاثة كالأب والابن الكبير وإن امتنعت الشهادة فإن منصب القضاء أبعد عن التهم لوفور جلالة القاضي دون الشاهد

وقال أصبغ فإن قال ثبت عندي ولا نعلم أثبت أم لا ولم يحضره الشهود لم ينفذ فإن حضر الشهود وكانت شهادة ظاهرة بحق بين جاز فيما عدا الثلاثة المتقدمة لأن

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وقد يحكم للخليفة وهو فوقه وتهمته أقوى ولا ينبغي له القضاء بين أحد من عشيرته وخصمه وإن رضي الخصم بخلاف رجلين رضيا بحكم رجل أجنبي فينفذ ذلك عليهما ولا يقضي بينه وبين غيره وإن رضي الخصم بذلك فإن فعل فيشهد على رضاه ويجتهد في الحق فإن قضى لنفسه أو لمن يمتنع قضاؤه له فليذكر القصة كلها ورضي خصمه وشهادة من شهد برضى الخصم

وإذا فعل ذلك في مواطن خلاف العلماء ورأى أفضل منه فالأحسن فسخه فإن مات أو عزل فلا يفسخه غيره إلا في الخطأ البين فإن اجتمع في القضية حقه وحق الله عز وجل كالسرقة قال محمد يقطعه

وقال ابن عبد الحكم يرفعه لمن فوقه وأما ما له فلا يحكم له

القسم الخامس ما اجتمع فيه أنه تناولته الولاية وصادف السبب والدليل والحجة وانتفت التهمة فيه غير أنه اختلف فيه من جهة الحجة هل هي حجة أم لا وفيه مسألتان المسألة الأولى اتفق جميع الأئمة على جواز حكم الحاكم بعلمه في التجريح والتعديل واختلفوا في منعه فيما عداهما مطلقا وهو مذهبنا ومذهب ابن حنبل وجوازه في ذلك مطلقا وهو مشهور مذهب الشافعي رضي الله عنه

وقال أبو حنيفة لا يحكم في الحدود بما شاهده من أسبابها إلا في القذف ولا في حقوق الآدميين فيما علمه قبل الولاية لنا سبعة وجوه الأول قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أنا بشر مثلكم وإنكم

____________________

(4/103)

اجتماع هذه الأمور تضعف التهمة وهو الفرق بينه وبين الشهادة وعن أصبغ الجواز في الولد والزوجة والأخ والمكاتب والمدبر والمديان إن كان من أهل القيام بالحق وصح الحكم وقد يحكم للخليفة وهو فوقه وتهمته أقوى ولا ينبغي له القضاء بين أحد من عشيرته وخصمه وإن رضي الخصم بخلاف رجلين رضيا بحكم رجل أجنبي فينفذ ذلك عليهما ولا يقضي بينه وبين غيره وإن رضي الخصم بذلك فإن فعل فيشهد على رضاه ويجتهد في الحق فإن قضى لنفسه أو لمن يمتنع قضاؤه فليذكر القصة كلها ورضى خصمه وشهادة من شهد برضى الخصم

وإذا فعل ذلك في مواطن خلاف العلماء ورأى أفضل منه فالأحسن فسخه فإن مات أو عزل فلا يفسخه غيره إلا في الخطأ البين فإن اجتمع في القضية حق الله عز وجل كالسرقة قال محمد يقطعه وقال ابن عبد الحكم يرفعه لمن فوقه وأما ما له فلا يحكم له القسم الخامس ما اجتمع فيه أنه تناولته الولاية وصادف السبب والدليل والحجة وانتفت التهمة فيه غير أنه اختلف فيه من جهة الحجة هل هي حجة أم لا وفيه مسألتان المسألة الأولى القضاء بعلم الحاكم عندنا وعند ابن حنبل يمتنع وقال أبو حنيفة لا يحكم في الحدود بما شاهده من أسبابها إلا في القذف ولا في حقوق الآدميين فيما علمه قبل الولاية ومشهور مذهب الشافعي رضي الله عنه جواز الحكم في الجميع واتفق الجميع على جواز حكمه بعلمه في التجريح والتعديل لنا وجوه

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع الحديث فدل ذلك على أن القضاء يكون بحسب المسموع لا بحسب المعلوم الثاني قوله صلى الله عليه وسلم شاهداك أو يمينه ليس لك إلا ذلك فحصر الحجة في البينة واليمين دون علم الحاكم وهو المطلوب

الثالث ما رواه أبو داود من أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا جهم على الصدقة فلاحاه رجل في فريضة فوقع بينهما شجاج فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاهم الأرش ثم قال أفأخطب فأعلم الناس برضاكم قالوا نعم فخطب فأعلم فقالوا ما رضينا فأرادهم المهاجرون والأنصار فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا ونزل فجلسوا إليه فأرضاهم فقال أأخطب الناس فأعلمهم برضاكم قالوا نعم فخطب فأعلم الناس فقالوا رضينا وهو نص في عدم الحكم بالعلم

الرابع ما جاء في الصحيحين في قصة هلال وشريك من قوله صلى الله عليه وسلم إن جاءت به كذا فهو لهلال يعني الزوج وإن جاءت به كذا فهو لشريك ابن سحماء يعني المقذوف فجاءت به على النعت المكروه فقال صلى الله عليه وسلم لو كنت راجما أحدا بغير بينة لرجمتها فدل ذلك على أنه لا يقضي في الحدود بعلمه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقول إلا حقا

وقد وقع ما قال فيكون العلم حاصلا له ومع ذلك ما رجم وعلل بعدم البينة الخامس قوله تعالى والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة فأمر بجلدهم عند عدم البينة وإن علم صدقهم

السادس أن الحاكم غير معصوم فيتهم بالقضاء بعلمه فلعل المحكوم له ولي أو المحكوم عليه صديق ولا نعلم نحن ذلك فحسمنا المادة صونا لمنصب القضاء عن

____________________

(4/104)

الأول قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أنا بشر مثلكم وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع الحديث فدل ذلك على أن القضاء يكون بحسب المسموع لا بحسب المعلوم

الثاني قوله صلى الله عليه وسلم شاهداك أو يمينه ليس لك إلا ذلك فحصر الحجة في البينة واليمين دون علم الحاكم وهو المطلوب الثالث روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا جهم على الصدقة فلاحاه رجل في فريضة فوقع بينهما شجاج فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاهم الأرش ثم قال أفأخطب الناس فأعلمهم برضاكم قالوا نعم فخطب فأعلم فقالوا ما رضينا فأرادهم المهاجرون والأنصار فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا ونزل فجلسوا إليه فأرضاهم فقال أأخطب الناس فأعلمهم برضاكم قالوا نعم فخطب فأعلم الناس فقالوا رضينا وهو نص في عدم الحكم بالعلم

الرابع جاء في الصحيحين في قصة هلال وشريك إن جاءت به كذا فهو لهلال يعني الزوج وإن جاءت به كذا فهو لشريك ابن سحماء يعني المقذوف فجاءت به على النعت المكروه

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

المتهم

السابع أن أبا عمر بن عبد البر قال في الاستذكار اتفقوا على أن القاضي لو قتل أخاه لعلمه بأنه قاتل أنه كالقاتل عمدا لا يرث منه شيئا للتهمة واحتجوا بتسعة وجوه أحدها ما في مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى على أبي سفيان بالنفقة بعلمه فقال لهند خذي لك ولولدك ما يكفيك بالمعروف ولم يكلفها البينة وجوابه أن قصة هند فتيا لا حكم لأنه الغالب من تصرفاته صلى الله عليه وسلم لأنه مبلغ عن الله تعالى والتبليغ فتيا لا حكم والتصرف بغيرها قليل فيحمل على الغالب ولأن أبا سفيان كان حاضرا في البلد ولا خلاف أنه لا يقضى على حاضر من غير أن يعرف

وثانيها ما رواه الاستذكار أن رجلا من بني مخزوم ادعى على أبي سفيان عند عمر رضي الله عنه أنه ظلمه حدا في موضع فقال عمر رضي الله عنه إني لأعلم الناس بذلك فقال عمر انهض إلى الموضع فنظر عمر رضي الله عنه إلى الموضع فقال يا أبا سفيان خذ هذا الحجر من ها هنا فضعه ها هنا فقال والله لا أفعل فقال والله لتفعلن فقال لا أفعل فعلاه عمر بالدرة وقال خذه لا أم لك وضعه هنا فإنك ما علمت قديم الظلم فأخذه فوضعه حيث قال واستقبل عمر رضي الله عنه القبلة فقال اللهم لك الحمد إذ لم تمتني حتى غلبت أبا سفيان على رأيه وأذللته لي بالإسلام فاستقبل القبلة أبو سفيان فقال اللهم لك الحمد إذ لم تمتني حتى جعلت في قلبي ما ذللت به لعمر وجوابه أنه من باب إزالة المنكر الذي يحسن من آحاد الناس لا من باب القضاء فلم قلتم إنه من باب القضاء على أنا لو سلمنا أنها واقعة مترددة بين الأمرين لكانت مجملة فلا يستدل بها

وثالثها قوله تعالى كونوا قوامين بالقسط وقد علم القسط فيقوم به وجوابه القول بالموجب فلم قلتم إن الحكم

____________________

(4/105)

فقال صلى الله عليه وسلم لو كنت راجما أحدا بغير بينة لرجمتها فدل ذلك على أنه لا يقضي في الحدود بعلمه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقول إلا حقا وقد وقع ما قال فيكون العلم حاصلا له ومع ذلك ما رجم وعلل بعدم البينة

الخامس قوله تعالى والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة فأمر بجلدهم عند عدم البينة وإن علم صدقهم

السادس أن الحاكم غير معصوم فيتهم بالقضاء بعلمه فلعل المحكوم له ولي أو المحكوم عليه صديق ولا نعلم نحن ذلك فحسمنا المادة صونا لمنصب القضاء عن التهم

السابع قال أبو عمر بن عبد البر في الاستذكار اتفقوا على أن القاضي لو قتل أخاه لعلمه بأنه قاتل أنه كالقتل عمدا لا يرث منه شيئا للتهمة في الميراث فنقيس عليه بقية الصور بجامع التهمة احتجوا بوجوه أحدها ما في مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى على أبي سفيان بالنفقة بعلمه فقال لهند خذي لك ولولدك ما يكفيك بالمعروف ولم يكلفها البينة وثانيها ما رواه صاحب الاستذكار أن رجلا من بني مخزوم ادعى على أبي سفيان عند عمر رضي الله عنه أنه ظلمه حدا في موضع فقال عمر رضي الله عنه إني لأعلم الناس بذلك فقال عمر انهض إلى الموضع فنظر عمر رضي الله عنه إلى الموضع فقال يا أبا سفيان خذ هذا الحجر من ها هنا فضعه ها هنا فقال والله لا أفعل

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

بالعلم من القسط بل هو عندنا محرم

ورابعها أنه إذا جاز أن يحكم بالظن الناشئ عن قول البينة فالعلم أولى ومن العجب جعل الظن خيرا من العلم وجوابه أن العلم أفضل من الظن إلا أن استلزامه للتهمة وفساد منصب القضاء أوجب مرجوحيته لأن الظن في القضاء يخرق الأبهة ويمنع من نفوذ المصالح

وخامسها أن التهمة قد تدخل عليه من قبل البينة فيقبل من لا يقبل وجوابه أن التهمة مع مشاركة الغير أضعف بخلاف ما يستقل به وقد تقدم أن التهم كلها ليست معتبرة بل بعضها

وسادسها أن العمل واجب بما نقلته الرواة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فما سمعه المكلف أولى أن يعمل به ويحكم به بطريق الأولى لأن الفتيا تثبت شرعا عاما إلى يوم القيامة والقضاء في فرد لا يتعدى لغيره فخطره أقل وجوابه أن الرواية والسماع والرؤية استوى الجميع لعدم المعارض الذي تقدم ذكره في العلم بخلاف الحكم

وسابعها أنه لو لم يحكم بعلمه لفسق في صور منها أن يعلم ولادة امرأة على فراش رجل فتشهد البينة أنها مملوكته فإن قبل البينة مكنه من وطئها وهي ابنته وهو فسق وإلا حكم بعلمه وهو المطلوب

ومنها أن يعلم قتل زيد لعمرو فتشهد البينة بأن القاتل غيره فإن قبلها وقتله قتل البريء وهو فسق وإلا حكم بعلمه وهو المطلوب

ومنها لو سمعه يطلق ثلاثا فأنكر فشهدت البينة بواحدة فإن قبل البينة مكن من الحرام وهو فسق وإلا حكم بعلمه وهو المطلوب وجوابه أن تلك الصور لم يحكم فيها بعلمه بل ترك الحكم وتركه عند العجز عنه ليس فسقا

____________________

(4/106)

فقال والله لتفعلن فقال لا أفعل فعلاه عمر بالدرة وقال خذه لا أم لك وضعه هنا فإنك ما علمت قديم الظلم فأخذه فوضعه حيث قال فاستقبل عمر رضي الله عنه القبلة فقال اللهم لك الحمد إذ لم تمتني حتى غلبت أبا سفيان على رأيه وأذللته لي بالإسلام فاستقبل القبلة أبو سفيان فقال اللهم لك الحمد إذ لم تمتني حتى جعلت في قلبي ما ذللت لعمر وثالثها قوله تعالى كونوا قوامين بالقسط وقد علم القسط فيقوم به ورابعها أنه إذا جاز أن يحكم بالظن الناشئ عن قول البينة فالعلم أولى ومن العجب جعل الظن خيرا من العلم

وخامسها أن التهمة قد تدخل عليه من قبل البينة فيقبل قول من لا يقبل سادسها أن العمل واجب بما نقلته الرواة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فما سمعه المكلف أولى أن يعمل به ويحكم به بطريق الأولى لأن الفتيا تثبت شرعا عاما إلى يوم القيامة والقضاء في فرد لا يتعدى لغيره فخطره أقل

وسابعها أنه لو لم يحكم بعلمه لفسق في صور منها أن يعلم ولادة امرأة على فراش

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وترك الحكم ليس بحكم وثامنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى فرسا فجحده البائع فقال عليه السلام من يشهد لي فقال خزيمة يا رسول الله أنا أشهد لك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تشهد ولا حضرت فقال خزيمة يا رسول الله تخبرنا عن خبر السماء فنصدقك أفلا نصدقك في هذا فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الشهادتين فهذا وإن استدل به المالكية على عدم القضاء بالعلم فهو يدل لنا من جهة حكمه عليه السلام لنفسه فيجوز أن يحكم لغيره بعلمه لأنه أبعد في التهمة من القضاء لنفسه بالإجماع وجوابه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حكم لنفسه وليس في الحديث أنه أخذ الفرس قهرا من الأعرابي فقد اختلف هل حكم أم لا وهل جعل شهادة خزيمة بشهادتين حقيقة أو مبالغة فما تعين ما ذكرتموه

وقد ذكر الخطابي أنه عليه السلام إنما سمى خزيمة ذا الشهادتين مبالغة لا حقيقة

وتاسعها القياس على التجريح والتعديل وجوابه أنه قياس مع الفارق لأنه في التجريح أو التعديل يحكم بعلمه نفيا للتسلسل الحاصل إذا لم يحكم به لأنه يحتاج إلى بينة تشهد بالجرح أو التعديل وتحتاج البينة بينة أخرى وهكذا بخلاف صورة النزاع على أن القاضي قال في المعونة قد قيل هذا ليس حكما وإلا لم يتمكن غيره من نقضه بل لغيره ترك شهادته وتفسيقه وإذا لم يكن حكما لا يقاس عليه المسألة الثانية وهي مرتبة على الأولى قال الشيخ أبو الحسن اللخمي إذا حكم بما كان عنده من العلم قبل الولاية أو بعدها في غير مجلس الحكومة أو فيه فللقاضي الثاني نقضه فإن أقر

____________________

(4/107)

رجل فيشهد أنها مملوكته فإن قبل البينة مكنه من وطئها وهي ابنته وهو فسق وإلا حكم بعلمه وهو المطلوب ومنها أن يعلم قتل زيد لعمرو فتشهد البينة بأن القاتل غيره فإن قتله قتل البريء وهو فسق وإلا حكم بعلمه وهو المطلوب ومنها لو سمعه يطلق ثلاثا فأنكر فشهدت البينة بواحدة إن قبل البينة مكن من الحرام وإلا حكم بعلمه وثامنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى فرسا فجحده البائع فقال عليه السلام من يشهد لي فقال خزيمة يا رسول الله أنا أشهد لك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تشهد ولا حضرت فقال خزيمة يا رسول الله تخبرنا عن خبر السماء فنصدقك أفلا نصدقك في هذا فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الشهادتين فهذا وإن استدل به المالكية على عدم القضاء بالعلم فهو يدل لنا من جهة حكمه عليه السلام لنفسه فيجوز أن يحكم لغيره بعلمه لأنه أبعد في التهمة من القضاء لنفسه بالإجماع وتاسعها القياس على التجريح والتعديل والجواب عن الأول أن قصة هند فتيا لا حكم لأنه الغالب من تصرفاته عليه السلام لأنه مبلغ عن الله تعالى والتبليغ فتيا لا حكم والتصرف بغيرها قليل فيحمل على الغالب ولأن أبا سفيان كان حاضرا في البلد ولا خلاف أنه لا يقضى على حاضر من غير أن يعرف وعن الثاني أنه من باب إزالة المنكر الذي يحسن من آحاد الناس لا من باب القضاء فلم قلتم إنه من باب القضاء ويؤيده أنها

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الخصم بعد جلوسهما للحكومة ثم أنكر فقال مالك وابن القاسم لا يحكم به

وقال سحنون وابن الماجشون يحكم به فلو جحد أحدهما ثم أقر في موضع يقبل ما رجع إليه من حجة أو غيرها بعد الجحود عند مالك وله ذلك عند ابن الماجشون وسحنون قال اللخمي والأول أحسن ولا أرى أن يباح هذا اليوم لأحد من القضاة واختلف إذا حكم فقال محمد أرى أن ينقض حكمه هو نفسه ما كان قاضيا لم يعزل فأما غيره من القضاة فلا أحب له نقضه قال ومعنى قوله ينقضه هو إذا تبين له خلاف القول الأول من رأيه وقيل لا ينقضه لأنه ينتقل من رأي إلى رأي فإن كان ليس من أهل الاجتهاد لم يكن حكمه الأول شيئا وينظر إلى من يقلده فإن كان ممن يرى الحكم بمثل الأول لم ينقضه إلا أن يتبين له أن مثل ذلك يؤدي مع فساد حال القضاة اليوم إلى القضاء بالباطل لأن كلهم حينئذ يدعي العدالة فينقضه لما في ذلك من الذريعة فهذا ضرب من الاجتهاد ا ه

قال الأصل فقد صرح بأن القضاء بالعلم ينقض وإن كان مدركا مختلفا فيه فإن كان المدرك في النقض كونه مدركا مختلفا فيه فالذي ينقض به لا يعتقده فالحكم وقع عنده بغير مدرك والحكم بغير مدرك ينقض فنقضه لذلك فيلزم على هذا نقض الحكم إذا وقع بالشاهد واليمين عند من لا يعتقده

وقد نص على نقضه أبو حنيفة رضي الله عنه وقال هو بدعة أول من قضى به معاوية رضي الله عنه

____________________

(4/108)

واقعة غير مترددة بين الأمرين فتكون مجملة فلا يستدل بها وعن الثالث القول بالموجب فلم قلتم إن الحكم بالعلم من القسط بل هو عندنا محرم وعن الرابع أن العلم أفضل من الظن إلا أن استلزامه للتهمة وفساد منصب القضاء أوجب مرجوحيته لأن الظن في القضاء يخرق الأبهة ويمنع من نفوذ المصالح وعن الخامس أن التهمة مع مشاركة الغير أضعف بخلاف ما يستقل به وقد تقدم أن التهم كلها ليست معتبرة بل بعضها وعن السادس أن الرواية والسماع والرؤية استوى الجميع لعدم المعارض الذي تقدم ذكره في العلم بخلاف الحكم وعن السابع أن تلك الصور لم يحكم فيها بعلمه بل ترك الحكم وتركه عند العجز عنه ليس فسقا وترك الحكم ليس بحكم وعن الثامن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حكم لنفسه وليس في الحديث أنه أخذ الفرس قهرا من الأعرابي فقد اختلف هل حكم أم لا وهل جعل شهادة خزيمة بشهادتين حقيقة أو مبالغة فما تعين ما ذكرتموه وقد ذكر الخطابي أنه عليه السلام إنما سمي خزيمة ذا الشهادتين مبالغة لا حقيقة وعن التاسع أنه يحكم فيه بالعلم نفيا للتسلسل لأنه يحتاج إلى بينة تشهد بالجرح أو التعديل وتحتاج البينة بينة أخرى إلا أن يقبل بعلمه بخلاف صورة النزاع مع أن القاضي قال في المعونة قد قيل هذا ليس حكما وإلا يتمكن غيره من نقضه بل لغيره ترك شهادته وتفسيقه وإذا لم يكن حكما لا يقاس عليه المسألة الثانية وهي مرتبة على الأولى

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وليس الأمر كما قال بل أكثر العلماء على القضاء به وكذلك شهادة امرأتين فإن الشافعي لا يجيز الحكم إلا بأربع نسوة والحكم الواقع بشهادة الصبيان عند الشافعي وغيره فإنها مدرك ضعيف مختلف فيه فيتطرق النقض لجميع هذه الأحكام لأن الحكم عند المخالف بغير مدرك وإن كان المستند في نقض القضاء بالعلم ليس كونه مدركا مختلفا فيه وأنا لا نعتقده مدركا بل مستندا لنفي التهمة كما ينقضه إذا حكم لنفسه فلا يشاركه في النقض جميع غيره من المدارك المختلف فيها من هذا الوجه مع أني قد ترجح عندي فيما وضعته في كتاب الأحكام في الفرق بين الفتاوى والأحكام أن القضاء بالمدرك المختلف فيه يرفع الخلاف فيه ويعينه لأن الخلاف في ذلك المدرك موطن اجتهاد فيتعين أحد الطرفين بالحكم فيه كما يتعين أحد الطرفين بالاجتهاد في المسألة نفسها المختلف فيها ا ه

كلام الأصل بلفظه وسلمه وسائر ما قاله في هذا الفرق أبو القاسم بن الشاط ويوضحه قول التسولي على العاصمية إن حكم في مسألة اجتهادية تتقارب فيها المدارك لأجل مصلحة دنيوية فحكمه إنشاء رفع للخلاف فإذا قضى المالكي مثلا بلزوم الطلاق في التي علق طلاقها على نكاحها فقضاؤه إنشاء نص خاص وارد من قبله سبحانه وتعالى في خصوص هذه المرأة المعينة فليس للشافعي أن يفتي فيها بعدم لزوم الطلاق استنادا لدليله العام الشامل لهذه الصورة ولغيرها لأن حكم الحاكم جعله الله تعالى نصا خالصا واردا من

____________________

(4/109)

قال الشيخ أبو الحسن اللخمي إذا حكم بما كان عنده من العلم قبل الولاية أو بعدها في غير مجلس الحكومة أو فيه فللقاضي الثاني نقضه فإن أقر الخصم بعد جلوسهما للحكومة ثم أنكر فقال مالك وابن القاسم لا يحكم به

وقال سحنون وابن الماجشون يحكم به فلو جحد أحدهما ثم أقر في موضع يقبل ما رجع إليه من حجة أو غيرها بعد الجحود عند مالك وله ذلك عند ابن الماجشون وسحنون قال اللخمي والأول أحسن ولا أرى أن يباح هذا اليوم لأحد من القضاة واختلف إذا حكم فقال محمد أرى أن ينقض حكمه هو نفسه ما كان قاضيا لم يعزل فأما غيره من القضاة فلا أحب له نقضه قال ومعنى قوله ينقضه هو إذا تبين له خلاف القول الأول من رأيه وقيل لا ينقضه لأنه ينتقل من رأي إلى رأي فإن كان ليس من أهل الاجتهاد لم يكن حكمه الأول شيئا وينظر إلى من يقلده فإن كان ممن يرى الحكم بمثل الأول لم ينقضه إلا أن يتبين له أن مثل ذلك يؤدي مع فساد حال القضاء اليوم إلى القضاء بالباطل لأن كلهم حينئذ يدعي العدالة فينقضه لما في ذلك من الذريعة فهذا ضرب من الاجتهاد قلت فقد صرح بأن القضاء بالعلم ينقض

وإن كان مدركا مختلفا فيه فإن كان المدرك في النقض كونه مدركا مختلفا فيه فالذي ينقض به لا يعتقده فالحكم وقع عنده بغير مدرك والحكم بغير مدرك ينقض فينقضه لذلك فيلزم على هذا نقض الحكم إذا وقع

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

قبله رفعا للخصومات وقطعا للمشاجرة والقاعدة الأصولية إذا تعارض خاص وعام قدم الخاص نعم للشافعي أن يفتي ويحكم في غيرها بمقتضى دليله كذا لو حكم الشافعي في الصورة المذكورة باستمرار الزوجية بينهما خرجت عن دليل المالكي ولزمه أن يفتي فيها بلزوم النكاح ودوامه وفي غيرها بلزوم الطلاق وهكذا حكمه في مواطن الخلاف كان داخل المذهب أو خارجه وهو معنى قول خليل ورفع الخلاف إلخ قلت وهذا في المجتهد أو المقلد الذي معه في مذهب إمامه من النظر ما يرجح به أحد الدليلين على الآخر

وأما غيرهما فمحجر عليه الحكم بغير المشهور أو الراجح أو ما به العمل فحكمه بذلك إخبار وتنفيذ محض نعم إذا تساوى القولان في الترجيح فحكمه إنشاء رفع للخلاف وخرج باجتهادية حكم حكمه في مواضع الإجماع فإنه إخبار محض لا إنشاء فيه لتعيين الحكم بذلك وثبوته ويقيد التقارب إلخ المدرك الضعيف كالشفعة للجار واستسعاء المعتق بعضه فالحكم بسقوطهما إخبار محض والحكم بثبوتهما ينقض لضعف المدرك عند القائل به ويقيد المصلحة الدنيوية العبادات وتحريم السباع وطهارة الأواني والمياه ونحو ذلك مما اختلف فيه أهل الاجتهاد لا للدنيا بل للآخرة فهذه تدخلها الفتوى فقط إذ ليس للحاكم أن يحكم بأن هذه الصلاة صحيحة أو باطلة بخلاف المنازعة في الأملاك والأوقاف والرهون ونحوها مما اختلفت فيها المصلحة الدنيا

____________________

(4/110)

بالشاهد واليمين عند من لا يعتقده وقد نص على نقضه أبو حنيفة رضي الله عنه

وقال هو بدعة أول من قضى به معاوية رضي الله عنه وليس الأمر كما قال بل أكثر العلماء على القضاء به وكذلك بشهادة امرأتين فإن الشافعي لا يجيز الحكم إلا بأربع نسوة والحكم الواقع بشهادة الصبيان عند الشافعي وغيره فإنها مدرك ضعيف مختلف فيه فيتطرق النقض لجميع هذه الأحكام لأن الحكم عند المخالف بغير مدرك وإن كان المستند في نقض القضاء بالعلم ليس كونه مدركا مختلفا فيه وأنا لا نعتقده مدركا بل مستندا لنفي التهمة كما ننقضه إذا حكم لنفسه فلا يشاركه في النقض غيره من المدارك المختلف فيها من هذا الوجه مع أني قد ترجح عندي فيما وضعته في كتاب الأحكام في الفرق بين الفتاوى والأحكام أن القضاء بالمدرك المختلف فيه يرفع الخلاف فيه ويعينه لأن الخلاف في ذلك المدرك موطن اجتهاد فيتعين أحد الطرفين بالحكم فيه كما يتعين أحد الطرفين بالاجتهاد في المسألة نفسها المختلف فيها فهذه الأقسام الخمسة هي ضابط ما ينتقض من قضاء القاضي وما خرج عن هذه الخمسة لا ينقض وهو ما اجتمع فيه تناول الولاية له والدليل والسبب والحجة وانتفت فيه التهمة ووقع على الأوضاع الشرعية كان مجمعا عليه أو مختلفا فيه

هامش أنوار البروق

فارغه

هامش إدرار الشروق

وكذا أخذه للزكاة في مواطن الخلاف فهو حكم من جهة أنه تنازع بين الفقراء والأغنياء لا إن أخبر عن نصاب اختلف فيه أنه يوجب الزكاة ففتوى فقط ا ه

المراد بتوضيح ما هو عين ما يأتي للأصل في الفرق بين الفتوى والحكم ويأتي فيه ما لأبي القاسم بن الشاط من البحث فترقب

فائدتان الأولى القول بالموجب بفتح الجيم ما يقتضيه الدليل وبكسرها الدليل وهو عند الأصوليين تسليم مقتضى الدليل مع بقاء النزاع بأن يظهر عدم استلزامه الدليل لمحل النزاع وشاهده أي الدال على اعتباره قوله تعالى ولله العزة ولرسوله في جواب ليخرجن الأعز منها الأذل المحكي عن المنافقين أي صحيح ذلك لكن هم الأذل والله ورسوله الأعز وقد أخرجاهم فقد سلم موجب الدليل ومقتضاه مع بقاء النزاع في الأعز من هو والأذل من هو وليس هو تلقي المخاطب بغير ما يترقب فقط الذي اصطلح عليه أرباب المعاني كما في جمع الجوامع وشرح المحلي وعطاره وكذا قوله تعالى كونوا قوامين بالقسط مسلم مقتضاه وهو وجوب القيام بالقسط أي العدل مع بقاء النزاع في كون الحكم بالعلم منه أم لا وهو الذي نقوله لأنه محرم عندنا فتنبه قال العطار على محلى جمع الجوامع وجعل الأصوليون القول بالموجب من القوادح لأنه لا ينافي تسليمه ليس المراد تسليم الدليل على مدعي المستدل بل تسليم صحته على خلافه فهو قادح في العلة ا ه

بتوضيح الثانية في شرح التسولي على العاصمية مثل التجريح والتعديل في جواز الحكم بعلمه تأديب من أساء عليه وضرب خصم له إلخ فما يستند فيه لعلمه جنس تحته أنواع ا ه فافهم والله تعالى أعلم

____________________

(4/111)

الفرق الرابع والعشرون والمائتان بين قاعدة الفتوى وقاعدة الحكم وينبني على الفرق تمكين غيره من الحكم بغير ما قال في الفتيا في مواضع الخلاف بخلاف الحكم اعلم أن العبادات كلها على الإطلاق لا يدخلها الحكم ألبتة بل الفتيا فقط فكل ما وجد فيها من الإخبارات فهي فتيا فقط فليس لحاكم أن يحكم بأن هذه الصلاة صحيحة أو باطلة ولا أن هذا الماء دون القلتين فيكون نجسا فيحرم على المالكي بعد ذلك استعماله بل ما يقال في ذلك إنما هو فتيا إن كانت مذهب السامع عمل بها وإلا فله تركها والعمل بمذهبه ويلحق بالعبادات أسبابها فإذا شهد بهلال رمضان شاهد واحد فأثبته حاكم

هامش أنوار البروق

قال الفرق الرابع والعشرون والمائتان قاعدة الفتوى وقاعدة الحكم إلى قوله وإلا فله تركها والعمل بمذهبه قلت ما قاله في ذلك صحيح قال ويلحق بالعبادات أسبابها فإذا شهد بهلال رمضان واحد فأثبته حاكم شافعي ونادى في المدينة بالصوم لا يلزم ذلك المالكي لأن ذلك فتيا لا حكم قلت فيما قاله في ذلك نظر إذ لقائل أنه يقول إنه حكم يلزم جميع أهل ذلك البلد قال وكذلك إذا قال حاكم ثبت عندي أن الدين يسقط الزكاة أو لا يسقطها أو ملك نصاب من الحلي المتخذ لاستعمال مباح سبب وجوب الزكاة فيه أو أنه لا يوجب الزكاة إلى قوله لا في عبادة ولا في سببها ولا شرطها ولا مانعها قلت لقائل أن يقول إنه يلزم غير ذلك الحاكم ممن يخالف مذهبه مذهبه ما بني على ذلك الثبوت كما إذا ثبت عنده أن الدين لا يسقط الزكاة وأراد أخذها ممن يخالف مذهبه مذهبه أنه لا يسوغ له الامتناع من دفعها لا له وكذلك ما أشبه ذلك قال وبهذا يظهر أن الإمام لو قال لا

هامش إدرار الشروق

الفرق الرابع والعشرون والمائتان بين قاعدة الفتوى وقاعدة الحكم وهو أن كلا منهما وإن كان خبرا عن الله تعالى ويجب على السامع اعتقاد ذلك ويلزم ذلك المكلف من حيث الجملة إلا أن بينهما فرقا من جهتين الجهة الأولى أن الفتوى محض إخبار عن الله تعالى في إلزام أو إباحة والحكم إخبار ما له الإنشاء والإلزام أي التنفيذ والإمضاء لما كان قبل الحكم فتوى فالمفتي مع الله تعالى كالمترجم مع القاضي ينقل عنه ما وجده عنده واستفاده منه بإشارة أو عبارة أو فعل أو تقرير أو ترك والحاكم مع الله تعالى كنائب الحاكم ينفذ ويمضي بين الخصوم ما كان قبل ذلك فتوى وليس بناقل ذلك عن مستنيبه بل مستنيبه قال له أي شيء حكمت به على القواعد فقد جعلته حكمي فكما أن كلا من المترجم عن القاضي ونائب القاضي موافق للقاضي ومطيع له وساع في تنفيذ مراده غير أن

____________________

(4/112)

شافعي ونادى في المدينة بالصوم لا يلزم ذلك المالكي لأن ذلك فتيا لا حكم وكذلك إذا قال حاكم قد ثبت عندي الدين يسقط الزكاة أو لا يسقطها أو ملك نصاب من الحلي المتخذ باستعمال المباح سبب وجوب الزكاة فيه أو أنه لا يوجب الزكاة أو غير ذلك من أسباب الأضاحي والعقيقة والكفارات والنذور ونحوها من العبادات المختلف فيها أو في أسبابها لا يلزم شيء من ذلك من لا يعتقده بل يتبع مذهبه في نفسه

ولا يلزمه قول ذلك القائل لا في عبادة ولا في سببها ولا شرطها ولا مانعها وبهذا يظهر أن الإمام لو قال لا تقيموا الجمعة إلا بإذني لم يكن ذلك حكما وإن كانت مسألة مختلفا فيها هل تفتقر الجمعة إلى إذن السلطان أم لا وللناس أن يقيموا بغير إذن الإمام إلا أن يكون في ذلك

هامش أنوار البروق

تقيموا الجمعة إلا بإذني لم يكن ذلك حكما إلى قوله وقد قاله بعض الفقهاء وليس بصحيح قلت بل هو صحيح كما قال ذلك الفقيه لأنه حكم حاكم اتصل بأمر مختلف فيه فتعين الوقوف عند حكمه والله أعلم

قال بل حكم الحاكم إنما يؤثر إذا أنشأه في مسألة اجتهادية تتقارب فيها المدارك لأجل مصلحة دنيوية فاشتراطي قيد الإنشاء احتراز من حكمه في مواقع الإجماع فإن ذلك إخبار وتنفيذ محض قلت ليس ما قاله من أنه إخبار بصحيح بل هو تنفيذ محض وهو الحكم بعينه إذ لا معنى للحكم إلا التنفيذ ومما يوضح ذلك أنه لو أن حاكما ثبت عنده بوجه الثبوت أن لزيد عند عمرو مائة دينار فأمره أن يعطيه إياها أن ذلك الأمر لا يصح بوجه أن يكون إخبارا وهذا الموضع وما أشبهه من مواقع الإجماع فلا يصح قوله إن مواقع الإجماع لا يدخلها الحكم بل الإخبار بوجه أصلا قال وفي مواقع الخلاف ينشئ حكما وهو إلزام أحد القولين اللذين قيل بهما في المسألة قلت إلزامه أحد القولين هو تنفيذ الحكم وإمضاؤه بعينه قال ويكون إنشاؤه إخبارا خاصا عن الله تعالى في تلك الصورة من ذلك الباب قلت وكيف يكون إنشاء ويكون مع ذلك خبرا وقد تقدم له الفرق بين الإنشاء والخبر هذا ما لا يصح بوجه قال وجعل الله تعالى إنشاءه في مواطن الخلاف نصا ورد من قبله في خصوص تلك الصورة إلى قوله فهذا هو معنى الإنشاء

هامش إدرار الشروق

أحدهما ينقل نقلا محضا من غير اجتهاد له في التنفيذ والإمضاء بين الخصوم والآخر ينفذ ويمضي ما يجتهد فيه من الأحكام على وفق القواعد بين الخصوم كذلك المفتي والحاكم كلاهما مطيع لله تعالى قابل لحكمه غير أن المفتي مخبر محض والحاكم منفذ وممض هذا وتقرير هذه الجهة على ما ذكر هو ما صححه أبو القاسم بن الشاط رحمه الله تعالى قال التسولي على العاصمية ومن قوله ويجب على السامع اعتقاد ذلك إلخ قال قاض لخصمه اتهمه في حكمه أي وهو موافق للقواعد الشرعية لست بمؤمن فقال وبم كفرتني قال له قال تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ا ه

الجهة الثانية أن كل ما يتأتى فيه الحكم تتأتى فيه الفتوى ولا عكس وذلك أن العبادات كلها على الإطلاق لا يدخلها الحكم ألبتة بل إنما تدخلها الفتيا فقط فكل ما وجد بها من الإخبارات فهي فتيا فقط فليس لحاكم أن

____________________

(4/113)

صورة المشاقة وخرق أبهة الولاية وإظهار العناد والمخالفة فتمنع إقامتها بغير أمره لأجل ذلك لا لأنه موطن خلاف اتصل به حكم حاكم وقد قاله بعض الفقهاء

وليس بصحيح بل حكم الحاكم إنما يؤثر إذا أنشأه في مسألة اجتهادية تتقارب فيها المدارك لأجل مصلحة دنيوية فاشتراطي قيد الإنشاء احتراز من حكمه في مواقع الإجماع فإن ذلك إخبار وتنفيذ محض وفي مواقع الخلاف ينشئ حكما وهو إلزام أحد القولين اللذين قيل بهما في المسألة ويكون إنشاؤه إخبارا خاصا عن الله تعالى في تلك الصورة من ذلك الباب وجعل الله تعالى إنشاءه في مواطن الخلاف نصا ورد من قبله في خصوص تلك الصورة كما لو قضى في امرأة علق طلاقها قبل الملك بوقوع الطلاق فيتناول هذه الصورة الدليل الدال على عدم لزوم الطلاق عند الشافعي وحكم المالكي بالنقض ولزوم الطلاق نص خاص

هامش أنوار البروق

قلت لا كلام أشد فسادا من كلامه في هذا الفصل

وكيف يكون إنشاء الحاكم الحكم في مواقع الخلاف نصا خاصا من قبل الله تعالى وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا اجتهد أحدكم فأصاب فله أجران وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد وكيف يصح الخطأ فيما فيه النص من قبل الله تعالى هذا كلام بين الخطأ بلا شك فيه وما تخيل هو أو غيره من ذلك لا يصح ولا حاجة إليه وإنما هو يعين في القضية المعينة أحد القولين أو الأقوال إذا اتصل به حكم الحاكم لما في ذلك من المصلحة في نفوذ الحكم وثباته ولما فيه من المفسدة لو لم ينفذ لا لما قاله من أنه إنشاء من الحاكم موضوع كنص خاص من قبل الله تعالى والله أعلم قال وقولي في مسألة اجتهادية احتراز من موقع الإجماع فإن الحكم هنالك ثابت بالإجماع فيتعذر فيه الإنشاء لتعينه وثبوته إجماعا قلت هذا كلام ساقط أيضا وكما أن الحكم في مواقع الإجماع ثابت بالإجماع فالحكم في مواقع الخلاف ثابت بالخلاف فعلى القول بالتصويب كلاهما حق وحكم الله تعالى وعلى القول بعدم التصويب أحدهما حق وحكم الله تعالى ولكن ثبت العذر للمكلف في ذلك وما أوقعه فيما وقع فيه إلا الاشتراك الذي في لفظ الحكم فإنه يقال الحكم في الطلاق المعلق على النكاح اللزوم للمقلد المالكي ويقال

هامش إدرار الشروق

يحكم أن هذه الصلاة صحيحة أو باطلة ولا أن هذا الماء دون القلتين فيكون بحلول قليل نجاسة فيه لم تغيره نجسا فيحرم على المالكي بعد ذلك استعماله بل ما يقال في ذلك إنما هو فتيا إن كانت مذهب السامع عمل بها وإلا فله تركها والعمل بمذهبه قاله الأصل وصححه ابن الشاط رحمه الله تعالى قال الأصل ويلحق بالعبادات أسبابها فإذا شهد بهلال رمضان شاهد واحد فأثبته حاكم شافعي ونادى في المدينة بالصوم لا يلزم ذلك المالكي لأن ذلك فتيا لا حكم وكذلك إذا قال حاكم قد ثبت عندي أن الدين يسقط الزكاة أو لا يسقطها أو ملك نصاب من الحلي المتخذ لاستعمال مباح سبب لوجوب الزكاة فيه أو أنه لا يوجب الزكاة أو غير ذلك من أسباب الأضاحي والعقيقة والكفارات والنذور ونحوها من العبادات المختلف فيها أو في أسبابها لا يلزم شيء من ذلك من لا يعتقده بل يتبع مذهبه في نفسه

____________________

(4/114)

تختص به هذه المرأة المعينة وهو نص من قبل الله تعالى فإن الله تعالى جعل ذلك للحاكم رفعا للخصومات والمشاجرات وهذا النص الوارد من هذا الحاكم أخص من ذلك الدليل العام فيقدم عليه لأن القاعدة الأصولية أنه إذا تعارض الخاص والعام قدم الخاص على العام فلذلك لا يرجع الشافعي يفتي بمقتضى دليله العام الشامل لجملة هذه القاعدة في هذه الصورة منها لتناولها نص خاص بها مخرج لها عن مقتضى ذلك الدليل العام ويفتي الشافعي بمقتضى دليله العام فيما عدا هذه الصورة من هذه القاعدة

وكذلك لو حكم الشافعي باستمرار الزوجية بينهما خرجت هذه الصورة عن دليل المالكي وأفتى فيه بلزوم النكاح ودوامه وفي غيرها بلزوم الطلاق لأجل ما أنشأه الشافعي من الحكم تقديما للخاص على العام فهذا هو معنى

هامش أنوار البروق

الحكم الذي حكم به الحاكم الفلاني على فلان معلق الطلاق لزوم الطلاق والمراد بالحكم الأول لزوم الطلاق لكل معلق للطلاق من مالكي أو مقلد لمالكي والمراد بالحكم الثاني لزوم الطلاق بإلزام الحاكم المحكوم عليه من مالكي أو غير المالكي والله أعلم

قال وقولي تتقارب مداركها احتراز من الخلاف الشاذ المبني على المدرك الضعيف فإنه لا يرفع الخلاف بل ينقض في نفسه إذا حكم بالفتوى المبنية على المدرك الضعيف قلت للكلام في القول الشاذ والمدرك الضعيف مجال ليس هذا موضعه قال وقولي لأجل مصالح الدنيا احتراز من العبادات كالفتوى بتحريم السباع وطهارة الأواني وغير ذلك مما يكون اختلاف المجتهدين فيه لا للدنيا إلى قوله لا ننقضها وإن كانت الفتوى عندنا على خلافها قلت ما قاله في ذلك صحيح قال ويصير حينئذ مذهبنا قلت لا يصير مذهبنا ولكنا لا ننقضه لمصلحة الأحكام قال ويظهر بهذا التقرير أيضا سر قول الفقهاء إن حكم الحاكم في مسائل الاجتهاد لا ينقض وأنه يرجع إلى القاعدة الأصولية إلى قوله وغيرها من المستثنيات قلت لا رجوع هنا للقاعدة الأصولية إن كان يعني قاعدة الخاص والعام ولكن يرجع إلى قاعدة

هامش إدرار الشروق

ولا يلزمه قول ذلك القائل لا في عبادة ولا في سببها ولا شرطها ولا مانعها وبهذا يظهر أن الإمام لو قال لا تقيموا الجمعة إلا بإذني لم يكن ذلك حكما وإن كانت مسألة مختلفا فيها هل تفتقر الجمعة إلى إذن السلطان أم لا وللناس أن يقيموها بغير إذن الإمام إلا أن يكون في ذلك صورة المشاقة وخرق أبهة الولاية وإظهار العناد والمخالفة فتمتنع إقامتها بغير أمره لأجل ذلك لا لأنه موطن خلاف اتصل به حكم حاكم وقد قاله بعض الفقهاء وليس بصحيح ا ه بلفظه

قال أبو القاسم بن الشاط رحمه الله تعالى وفيما قاله في ذلك نظر إذ لقائل أن يقول إن حكم الشافعي بثبوت هلال رمضان بشهادة شاهد واحد حكم يلزم جميع أهل البلد وكذلك يلزم غير ذلك الحاكم ممن يخالف مذهبه مذهبه ما بني على ذلك الثبوت كما إذا ثبت عنده أن الدين لا يسقط الزكاة وأراد أخذها ممن يخالف مذهبه مذهبه أنه لا يسوغ له الامتناع من دفعها له

____________________

(4/115)

الإنشاء وقولي في مسألة اجتهادية احتراز من مواقع الإجماع فإن الحكم هنالك ثابت بالإجماع فيتعذر فيه الإنشاء لتعينه وثبوته إجماعا وقولي تتقارب مداركها احتراز من الخلاف الشاذ المبني على المدرك الضعيف فإنه لا يرفع الخلاف بل ينقض في نفسه إذا حكم بالفتوى المبنية على المدرك وقولي لأجل مصالح الدنيا احتراز من العبادات كالفتوى بتحريم السباع وطهارة الأواني وغير ذلك مما يكون اختلاف المجتهدين فيه لا للدنيا بل للآخرة بخلاف الاختلاف في العقود والأملاك والرهون والأوقاف ونحوها إنما ذلك لمصالح الدنيا وبهذا يظهر أن الأحكام الشرعية قسمان منها ما يقبل حكم الحاكم مع الفتيا فيجمع الحكمان ومنها لا يقبل إلا الفتوى ويظهر لك بهذا أيضا تصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وقع هل هو من باب الفتوى أو من باب القضاء والإنشاء وأيضا يظهر أن

هامش أنوار البروق

فقهية وهي أن الحكم إذا نفذ على مذهب ما لا ينقض ولا يرد وذلك لمصلحة الأحكام ورفع التشاجر والخصام قال ويظهر بهذا أيضا أن التقريرات من الحكام ليست أحكاما إلى قوله فهو موكول إلى من يأتي من الحكام والفقهاء قلت ذلك صحيح وأكثره أو كله نقل لا كلام فيه غير أن قول ابن القاسم هو الصحيح عندي والله أعلم

هامش إدرار الشروق

وكذلك ما أشبه وحينئذ فقول الإمام لا تقيموا الجمعة إلا بإذني حكم حاكم اتصل بأمر مختلف فيه فيتعين الوقوف عند حكمه كما قاله ذلك الفقيه فهو الصحيح والله أعلم ا ه

قلت وخالفه ابن فرحون في تبصرته في قوله وحينئذ فقول الإمام إلخ حيث وافق ما نقله عن الشيخ سراج الدين عمر البلقيني رحمه الله تعالى من قوله ولقد عجبت من قاض حضر عند سلطان ووقع الكلام في صحة إقامة الجمعة في جامع بناه ذلك السلطان فلما تكلموا في الخلاف في ذلك قال القاضي نحكم بصحة إقامة الجمعة فيه وهذا الكلام باطل إذ لا يتصور أن يدخل ذلك ولا نحوه تحت الحكم استقلالا ولا تضمنا على الإطلاق لكن يدخل بالنسبة إلى واقعة خاصة من تعليق الطلاق أو غيره على صحة إقامة الجمعة في هذا المكان بالنسبة إلى إلزام الشخص لا مطلقا ا ه

وأما ما يتأتى فيه حكم الحاكم فضبطه الأصل بأربعة قيود فقال إنما يؤثر حكم الحاكم إذا أنشأه في مسألة اجتهادية تتقارب في المدارك لأجل مصلحة دنيوية قال فقيد الإنشاء احتراز من حكمه في مواقع الإجماع فإن ذلك إخبار وتنفيذ محض وأما في مواضع الخلاف فهو ينشئ حكما وهو إلزام أحد القولين اللذين قيل بهما في المسألة ويكون إنشاؤه إخبارا خاصا عن الله تعالى في تلك الصورة من ذلك الباب قد جعل الله تعالى في مواطن الخلاف نصا ورد من قبله في خصوص تلك الصورة فإذا قضى المالكي فيمن مس ذكره بعد وضوءه بنقض وضوئه أو قضى في امرأة علق طلاقها قبل الملك بوقوع الطلاق تناول هذه الصورة الدليل الدال على عدم نقض الوضوء وعدم لزوم الطلاق عند الحنفي والشافعي وكان حكم

____________________

(4/116)

إخبار الحاكم عن نصاب اختلف فيه أنه يوجب الزكاة فتوى وأما أخذه للزكاة في مواطن الخلاف فحكم وفتوى من جهة أنه تنازع بين الفقراء

والأغنياء في المال الذي هو مصلحة دنيوية ولذلك أن تصرفات السعاة والجباة في الزكاة أحكام لا ننقضها وإن كانت الفتوى عندنا على خلافها ويصير حينئذ مذهبنا ويظهر بهذا التقرير أيضا سر قول الفقهاء إن حكم الحاكم في مسائل الاجتهاد لا ينقض وأنه يرجع إلى القاعدة الأصولية وتصير هذه الصورة مستثناة من تلك الأدلة العامة كاستثناء المصراة والعرايا والمساقاة وغيرها من المستثنيات ويظهر بهذا أيضا أن التقريرات من الحكام ليست أحكاما فتبقى الصورة قابلة لحكم جميع تلك الأقوال المنقولة فيها قال صاحب الجواهر ما قضى به من نقل الأملاك وفسخ العقود فهو حكم فإن لم

هامش أنوار البروق

قال فظهر أيضا من هذه الفتاوى والمباحث أن الفتوى والحكم كلاهما إخبار عن حكم الله تعالى ويجب على السامع اعتقادهما وكلاهما يلزم المكلف من حيث الجملة لكن الفتوى إخبار عن الله تعالى في إلزام أو إباحة والحكم إخبار معناه الإنشاء والإلزام من قبل الله تعالى قلت كيف يكون الإخبار إنشاء وقد فرق هو قبل هذا في أول كتابه بينهما وكيف يكون الحكم إلزاما من قبل الله

هامش إدرار الشروق

المالكي بالنقض ولزوم الطلاق نصا خاصا تختص به هذه المرأة المعينة وهو نص من قبل الله تعالى فإن الله جعل ذلك للحكام رفعا للخصومات والمشاجرات وهذا النص الوارد من هذا الحكم أخص من ذلك الدليل العام فيقدم عليه ويصير حكم المالكي مثلا مذهبا لغيره لأن القاعدة الأصولية تقديم الخاص على العام إذا تعارضا فلذلك لا يرجع الشافعي يفتي بمقتضى دليله العام الشامل لجملة هذه القاعدة في هذه الصورة منها لأنها قد تناولها نص خاص بها مخرج لها عن مقتضى ذلك الدليل العام وإنما يفتي الشافعي بمقتضى دليله العام فيما عدا هذه الصورة من هذه القاعدة

وكذلك إذا حكم الشافعي باستمرار الزوجية بينهما خرجت هذه الصورة عن دليل المالكي ولزمه أن يفتي بها بلزوم النكاح ودوامه وفي غيرها بلزوم الطلاق لأجل ما أنشأه الشافعي من الحكم تقديما للخاص على العام فهذا هو معنى الإنشاء وقيد في مسألة اجتهادية احترازا عن مواقع الإجماع فإن الحكم هنالك ثابت بالإجماع فيتعذر فيه الإنشاء لتعينه وثبوته إجماعا وقيد تتقارب مداركها احترازا من الخلاف الشاذ المبني على المدرك الضعيف فإنه لا يرفع الخلاف بل ينقض في نفسه إذا حكم بالفتوى المبنية على المدرك الضعيف وقيد لأجل مصالح الدنيا احترازا من العبادات كالفتوى بتحريم السباع وطهارة الأواني وغير ذلك مما يكون اختلاف المجتهدين فيه لا للدنيا بل للآخرة بخلاف الاختلاف في العقود والأملاك والرهون والأوقاف ونحوها مما لا يكون إلا لمصالح الدنيا

____________________

(4/117)

يفعل أكثر من تقرير الحادثة لما رفعت إليه كامرأة زوجت نفسها بغير إذن وليها فأقره وأجازه ثم عزل وجاء قاض بعده قال عبد الملك ليس بحكم ولغيره فسخه

وقال ابن القاسم هو حكم لأنه أمضاه والإقرار عليه كالحكم بإجازته فلا ينقض واختاره ابن محرز وقال إنه حكم في حادثة باجتهاده ولا فرق بين أن يكون حكمه فيه بإمضائه أو فسخه أما لو رفع إليه هذا النكاح فقال أنا لا أجيز هذا النكاح بغير ولي من غير أن يحكم بفسخ هذا النكاح بعينه فهذه فتوى وليست بحكم أو رفع إليه حكم بشاهد ويمين فقال أنا لا أجيز الشاهد واليمين فهو فتوى ما لم يقع حكم على عين الحكم قال ولا أعلم في هذا الوجه خلافا قال وإن حكم بالاجتهاد فيما طريقه التحريم والتحليل وليس بنقل ملك لأحد

هامش أنوار البروق

تعالى وهو ممكن الخطأ على ما نص عليه النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي تقدم ذكره هذا ما لا يصح والله أعلم قال وبيان ذلك بالتمثيل أن المفتي مع الله كالمترجم مع القاضي بنقل ما وجده عن القاضي واستفاده منه بإشارة أو عبارة أو فعل أو تقرير أو ترك والحاكم مع الله تعالى كنائب الحاكم ينشئ الأحكام والإلزام بين الخصوم إلى آخر الفرق قلت ما قاله صحيح وما مثل به كذلك إن كان يريد بالإنشاء التنفيذ والإمضاء لما كان قبل الحكم فتوى وإلا فلا والله أعلم

هامش إدرار الشروق

وبهذا يظهر أن الأحكام الشرعية قسمان الأول ما يقبل حكم الحاكم مع الفتوى فيجتمع الحكمان والثاني ما لا يقبل إلا الفتوى ويظهر لك بهذا أيضا تصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وقع هل هو من باب الفتوى أو من باب القضاء والإنشاء وأيضا يظهر أن إخبار الحاكم عن نصاب اختلف فيه أنه يوجب الزكاة فتوى وأما أخذه للزكاة في مواطن الخلاف فحكم وفتوى من جهة أنه تنازع بين الفقراء والأغنياء في المال الذي هو مصلحة دنيوية ولذلك أن تصرفات السعاة والجباة في الزكاة أحكام لا ننقضها وإن كانت الفتوى عندنا على خلافها ا ه

ووافقه على هذا الضابط العلامة التسولي في شرحه على العاصمية إلا أنه جعل القيود ثلاثة مستغنيا عن قيد الإنشاء بقيد في مسألة اجتهادية لاتحاد المخرج بكل منهما كما ترشد لذلك عبارة الأصل

وقد تقدمت عبارة التسولي في الفرق الذي قبل هذا فلا تغفل وخالفه العلامة ابن فرحون في تبصرته أولا في كون غير العبادات يدخلها الحكم مطلقا كانت من مواطن الخلاف أو الإجماع فقال إن دخول الحكم في النكاح وتوابعه بالصحة والموجب استقلال واضح وكذا سائر المعاوضات من البيع والقراض والرهن والإجارة والمساقات والقسمة والشفعة والعارية

____________________

(4/118)

الخصمين إلى الآخر ولا فصل خصومة بينهما ولا إثبات عقد ولا فسخه مثل رضاع كبير فيحكم بأنه رضاع محرم

ويفسخ النكاح لأجله فالفسخ حكم والتحريم في المستقبل لا يثبت بحكمه بل هو معرض للاجتهاد أو رفعت إليه امرأة تزوجت في عدتها ففسخ

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الوديعة والحبس والوكالة والحوالة والحمالة والضمان وغير ذلك من أبواب المعاوضات كلها يدخلها الحكم بالصحة وبالموجب فلا نطول بالتمثيل ومنها الصيد فإذا تنازع اثنان في صيد وترافعا إلى الحاكم وتصادقا على فعلين صدرا منهما على الترتيب مثلا أو قامت البينة على ذلك وكان مقتضى مذهب الحاكم أنه للأول أو للثاني فحكم له بأنه المالك كان ذلك حكما مستقلا صحيحا وثابتا في العبادات فقسمها باعتبار دخول الحكم إلى ثلاثة أقسام الأول ما يدخله الحكم استقلالا وهو الزكاة والصوم قال أما الزكاة فيدخلها الحكم استقلالا وذلك مثل ما لو حكم حاكم يرى جواز إخراج القيمة في الزكاة بصحة الإخراج أو بموجبه عنده وهو سقوط الفرض بذلك كان الحكم بالصحة والموجب في ذلك سواء وليس للساعي إذا كان ذلك الحكم مخالفا لمذهبه أن يطالب المالك بإخراج الواجب عنده سواء حكم بالصحة أو حكم بالموجب

وأما الصوم فيدخله أيضا وذلك إذا صام الولي الوارث عن الميت وطلب الوصي أن يخرج الطعام فامتنع الوارث منه وترافعا إلى حاكم يرى صحة الصوم عن الميت فحكم بصحته أو بموجبه فليس للوصي أن يخرج الطعام حينئذ ولا أن يطالب الوارث بذلك بخلاف ما قبل الحكم

والثاني ما لا يدخله الحكم استقلالا بل بطريق التضمن فقط وهو الطهارة والصلاة والأضحية قال أما الطهارة فلا يدخلها شيء من الحكم بالصحة ولا بالموجب استقلالا لكن يدخلها الحكم بطريق التضمن كتعليق عتق أو طلاق على طهارة ماء أو نجاسة فإذا ثبت عند الحاكم وقوع الطلاق لوجود الصفة فحكم بصحة الطلاق أو بموجب ما صدر من المعلق لوجود صفته كان ذلك متضمنا للحكم بالنجاسة أو بالطهارة

وأما الصلاة فيدخلها الحكم بالتضمن مثل من صلى المكتوبة بوضوء خال عن النية أو مع وجود مس الذكر لاعتقاده صحة الصلاة مع ذلك فإذا حكم حاكم بعدالة من فعل ذلك والحاكم معتقد صحة ذلك كان حكمه متضمنا صحة وضوءه وعلى هذا قياس الصلاة الخالية عن قراءة الفاتحة وعن الطمأنينة ونحو ذلك وأما الأضحية فهي عبادة لا يدخلها الحكم استقلالا وقد يدخلها بطريق التضمن في التعليق كما تقدم

والثالث ما يدخله الحكم استقلالا وتضمنا وهو الاعتكاف والحج قال أما الاعتكاف فيدخله استقلالا في مسائل منها أنه يقضي للمكاتب على سيده بالاعتكاف اليسير ومنها من اعتكفت بغير إذن زوجها فله منعها وكذلك العبد وكذا لو اعتكف المديان هروبا من أداء الحق فإن الحاكم يرى فيه رأيه ومنها إذا وطئ المعتكف أدبه الحاكم ويدخله تضمنا كما تقدم في الطهارة والصلاة أي مثل ما إذا حكم حاكم بعدالة من اعتكف بدون صوم والحاكم معتقد صحة ذلك الاعتكاف كان حكمه بعدالته متضمنا صحة اعتكافه

____________________

(4/119)

نكاحها وحرمها على زوجها ففسخه حكم دون تحريمها في المستقبل وحكمه بنجاسة ماء أو طعام أو تحريم بيع أو نكاح أو إجارة فهو فتوى ليس حكما على التأبيد وإنما يعتبر من ذلك ما شهده وما حدث بعد ذلك فهو موكول لمن يأتي من الحكام والفقهاء فظهر أيضا من هذه الفتاوي والمباحث أن الفتوى والحكم كلاهما إخبار عن حكم الله تعالى

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وأما الحج فيدخله استقلالا في نحو ما لو فسخ حنبلي حجه إلى عمرة حيث يسوغ عنده ذلك وله زوجة ليس معتقدها ذلك فامتنعت من تمكينه بعد التحلل فارتفعا إلى حاكم حنبلي فحكم عليها بصحة ما فعل زوجها الحنبلي أو بموجب ذلك عنده فهما مستويان ويدخله تضمنا فيما إذا حكم عليها بالتمكين لتضمنه الحكم بصحة ما فعله الزوج وهو نفس الموجب ا ه

قلت ومخالفته في غير العبادات سيتضح لك وجهها وأما مخالفته له في العبادة فلم يظهر وجهها ويخلق ما لا تعلمون وقد صرح بتلخيص بعض كلامه في العبادات وغيرها من كلام البلقيني الشافعي رحمه الله تعالى وبعضه من كلام أهل المذهب فلعل مما لخصه من كلام البلقيني مخالفته للأصل في العبادات فافهم

وأما العلامة المحقق أبو القاسم بن الشاط فنظر في كلامه في مواضع الأول قوله إن مواقع الإجماع لا يدخلها الحكم بل الإخبار حيث قال إنه لا يصح بوجه أصلا إذ لا معنى للحكم إلا التنفيذ ومما يوضح ذلك أن الحاكم لو ثبت عنده بوجه الثبوت أن لزيد عند عمرو مائة دينار فأمره أن يعطيه إياها أن ذلك الأمر لا يصح بوجه أن يكون إخبارا وهذا الموضع وما أشبهه من مواقع الإجماع قال وتفريقه بين الحكم في مواقع الإجماع وفي مواقع الخلاف بتعذر الإنشاء في الأول لتعينه وثبوته إجماعا بخلاف الثاني ساقط إذ كما أن الحكم في مواقع الإجماع ثابت بالإجماع فالحكم في مواقع الخلاف ثابت بالخلاف فعلى القول بالتصويب كلاهما حق وحكم الله تعالى وعلى القول بعدم التصويب أحدهما حق وحكم الله تعالى ولكن ثبت العذر للمكلف في ذلك وما أوقعه فيما وقع فيه إلا الاشتراك الذي في لفظ الحكم فإنه يقال الحكم في الطلاق المعلق على النكاح اللزوم للمقلد المالكي ويقال الحكم الذي حكم به الحاكم الفلاني على فلان معلق الطلاق لزوم الطلاق والمراد بالحكم الأول لزوم الطلاق لكل معلق للطلاق من مالكي أو مقلد لمالكي والمراد بالحكم الثاني لزوم الطلاق بإلزام الحاكم المحكوم عليه من مالكي أو غير مالكي ا ه

قلت ويوافقه إطلاق ابن فرحون أن غير العبادات يدخله الحكم مطلقا كما تقدم الموضع الثاني قوله ويكون إنشاؤه إخبارا خاصا عن الله تعالى في تلك الصورة من ذلك الباب حيث قال إنه لا يصح بوجه إذ كيف يكون إنشاء ويكون مع ذلك خبرا وقد تقدم له الفرق بين الإنشاء والخبر الموضع الثالث قوله قد جعل الله تعالى إنشاءه في مواطن الخلاف نصا ورد من قبله في خصوص تلك الصورة إلى قوله فهذا معنى الإنشاء حيث قال لا كلام أشد فسادا من قوله هذا في هذا الفصل إذ كيف يكون إنشاء الحاكم الحكم في مواقع الخلاف نصا خاصا من قبل الله تعالى وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا اجتهد أحدكم فأصاب فله

____________________

(4/120)

ويجب على السامع اعتقادهما وكلاهما يلزم المكلف من حيث الجملة لكن الفتوى إخبار عن الله تعالى في إلزام أو إباحة والحكم إخبار معناه الإنشاء والإلزام من قبل الله تعالى وبيان ذلك بالتمثيل أن المفتي مع الله تعالى كالمترجم مع القاضي ينقل ما وجده عن القاضي واستفاده منه بإشارة أو عبارة أو فعل أو تقرير أو ترك والحاكم مع الله تعالى

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

أجران وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد وكيف يصح الخطأ فيما فيه النص من قبل الله تعالى هذا بين الخطأ بلا شك فيه وما تخيل هو أو غيره من ذلك لا يصح ولا حاجة إليه وإنما هو يعين في القضية المعينة أحد القولين أو الأقوال إذا اتصل به حكم الحاكم لما في ذلك من المصلحة في نفوذ الحكم وثباته ولما فيه من المفسدة لو لم ينفذ لا لما قاله من أنه إنشاء من الحاكم موضوع كنص خاص من قبل الله تعالى وحينئذ فلا يصير حكم الشافعي مثلا مذهبا لنا ولغيرنا من الأحناف والحنابلة ولكنا لا ننقضه ولا رجوع هنا للقاعدة الأصولية التي هي قاعدة الخاص والعام ولكن ما هنا يرجع إلى قاعدة فقهية وهي أن الحكم إذا نفذ على مذهب ما لا ينتقض ولا يرد وذلك لمصلحة الأحكام ورفع التشاجر والخصام قال وللكلام في القول الشاذ والمدرك الضعيف مجال ليس هذا موضعه ا ه

قال وما قاله في الاحتراز بقيد لأجل مصالح الدنيا إلى قوله لا ننقضها وإن كانت الفتوى عندنا على خلافها صحيح ا ه كلام ابن الشاط وحاصله أن ضابط الفتيا أنها مجرد إخبار عن حكم الله تعالى المتعلق بمصالح الآخرة والدنيا يختص لزومه بالمقلد للمذهب المفتى به وضابط الحكم إخبار عن حكم الله المتعلق بمصالح الدنيا وما في معناها من إسناد العبادات فقط وتنفيذ له سواء كان من مواقع الإجماع أو من مواقع الخلاف بحيث لا يخص لزومه بمقلد أي مذهب من المذاهب لكن لا للقاعدة الأصولية من تقديم الخاص على العام إذا تعارضا بل للقاعدة الفقهية وهي أن الحكم إذا نفذ على مذهب لا ينتقض إلخ فالفتيا أعم من الحكم موقعا وأخص لزوما والحكم بالعكس ثم هل يترتب حكمه على قوله حكمت فإذا لم يفعل أكثر من تقرير الحادثة أو سكوته لم يكن حكما وهو قول ابن الماجشون أو لا يتوقف فإذا لم يفعل أكثر من تقرير الحادثة أو سكوته كان حكما وهو قول ابن القاسم قال صاحب الجواهر ما قضي به من نقل الأملاك وفسخ العقود فهو حكم فإن لم يفعل أكثر من تقرير الحادثة لما رفعت إليه كامرأة زوجت نفسها بغير إذن وليها فأقره وأجازه ثم عزل وجاء قاض بعده فقال عبد الملك ليس بحكم ولغيره فسخه

وقال ابن القاسم هو حكم لأنه أمضاه والإقرار عليه كالحكم بإجازته فلا ينقض واختاره ابن محرز وقال إنه حكم في حادثة باجتهاده ولا فرق بين أن يكون حكمه فيها بإمضائه أو فسخه أما لو رفع إليه هذا النكاح فقال أنا لا أجيز هذا النكاح بغير ولي من غير أن يحكم بفسخ هذا النكاح بعينه فهو فتوى وليس بحكم أو رفع إليه حكم بشاهد ويمين فقال أنا لا أجيز الشاهد واليمين فهو فتوى ما لم يقع حكم على عين الحكم قال ولا أعلم في هذا الوجه خلافا قال وإن حكم بالاجتهاد فيما طريقه التحريم والتحليل وليس بنقل ملك لأحد الخصمان إلى الآخر ولا فصل خصومة بينهما

____________________

(4/121)

كنائب الحاكم ينشئ الأحكام والإلزام بين الخصوم وليس بناقل ذلك عن مستنيبه بل مستنيبه قال له أي شيء حكمت به على القواعد فقد جعلته حكمي فكلاهما موافق للقاضي ومطيع له وساع في تنفيذ مواده غير أن أحدهما ينشئ والآخر ينقل نقلا محضا من غير

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وإلاثبات عقد ولا فسخه مثل رضاع كبير فيحكم بأنه رضاع محرم ويفسخ النكاح لأجله فالفسخ حكم والتحريم في المستقبل لا يثبت بحكمه بل هو معرض للاجتهاد أو رفعت إليه امرأة تزوجت في عدتها ففسخ نكاحها وحرمها على زوجها ففسخه حكم دون تحريمهما في المستقبل وحكمه بنجاسة ماء أو طعام أو تحريم بيع أو نكاح أو إجارة فهو فتوى ليس حكما على التأبيد وإنما يعتبر من ذلك ما شاهده وما حدث بعد ذلك فهو موكول لمن يأتي من الحكام والفقهاء ا ه

قال الأصل وقد وضعت في هذا المقصد كتابا سميته الإحكام في الفتاوى والأحكام وتصرف القاضي والإمام وفيه أربعون مسألة في هذا المعنى وذكرت فيه نحو ثلاثين نوعا من تصرفات الحكام ليس فيها حكم ولنقتصر هنا على هذا القدر في هذا الفرق ا ه

قلت وقول ابن محرز أما لو رفع إليه هذا النكاح فقال أنا لا أجيز هذا النكاح إلى قوله ولا أعلم في هذا الوجه خلافا هو قول ابن شاس وتبعه غيره وقال ابن عرفة الظاهر أنه حكم فليس لغيره نقضه قال التسولي على العاصمية وقول ابن عرفة هو الموافق لما مر لأن قوله أنا لا أجيز النكاح بغير ولي إخبار عن رأيه ومعتقده ولا يلزم من ذلك فسخه وإذا لم يلزم بقي ساكتا عنه والسكوت تقرير له وهو حكم عند ابن القاسم لا عند ابن الماجشون ا ه

المراد وظاهر قول الأصل أن التقريرات من الحكام ليست أحكاما فتبقى الصورة قابلة لحكم جميع تلك الأقوال المنقولة فيها أنه اختار قول ابن الماجشون وقال ابن الشاط وقول ابن القاسم هو الصحيح عندي ا ه

فتحصل مما ذكر في هذا الفرق واختاره ابن الشاط أمور الأمر الأول الفرق بين الفتوى والحكم بأن الفتوى أعم موقعا وأخص لزوما والحكم بالعكس

الأمر الثاني الفرق بين ما يدخله الحكم من أبواب الفقه كالنكاح وتوابعه وسائر المعاوضات وما لا يدخله كالعبادات بأن ما كان متعلقا بمصالح الآخرة لا يدخله بخلاف ما كان متعلقا بمصالح الدنيا فيدخله

الأمر الثالث الفرق بين ألفاظ الحكم التي جرت بها عادة الحكام وبين ما لم تجر به عادتهم لكن على قول ابن الماجشون

وأما على قول ابن القاسم فقال التسولي على العاصمية التي جرت بها عادتهم نحو قوله حكمت بثبوت العقد وصحته فيلزم ذلك وقفا كان العقد أو بيعا أو غيرهما والتي لم تجر بها نحو قوله أسفل الرسم أو على ظهره ورد علي هذا الكتاب فقبلته قبول مثله وألزمت العمل بموجبه أو بمضمونه فليس بحكم لاحتمال عود الضمير في موجبه ومضمونه على الكتاب وأن ما تضمنه من إقرار أو إنشاء ليس بزور مثلا فيكون مراده تصحيح الكتاب وإثبات الحجة فلمن بعده النظر فيه فإن قال حكمت بموجب الإقرار أو الوقف الذي تضمنه الكتاب فهو حكم بصحة ذلك ا ه

وخلاصته أن ما كان نصا في الحكم بصحة الإقرار والإنشاء فهو لفظ الحكم الذي جرت به عادتهم فيلزم وما كان محتملا لصحة مضمون الإقرار ونحوه وصحة مضمون الكتاب

____________________

(4/122)

اجتهاد له في الإنشاء كذلك المفتي والحاكم كلاهما مطيع لله تعالى قابل لحكمه غير أن الحاكم منشئ والمفتي مخبر محض وقد وضعت في هذا المقصد كتابا سميته الإحكام في الفتاوى والأحكام وتصرف القاضي والإمام وفيه أربعون مسألة في هذا المعنى وذكرت فيه نحو ثلاثين نوعا من تصرفات الحاكم ليس فيها حكم ولنقتصر هنا على هذا القدر في هذا الفرق

هامش أنوار البروق

فارغه

هامش إدرار الشروق

فليس بلفظ الحكم الذي جرت به عادتهم فلا يلزم بل لمن بعده النظر فيه والله سبحانه وتعالى أعلم فائدة قال التسولي على العاصمية علما القضاء والفتوى أخص من العلم بالفقه لأن متعلق الفقه كلي من حيث صدق كليته على جزئيات فحال الفقيه من حيث هو فقيه كحال عالم بكبرى قياس الشكل الأول فقط وحال القاضي والمفتي كحال عالم بها مع علمه بصغراه ولا خفاء أن العلم بها أشق وأخص وأيضا فقها القضاء والفتوى مبنيان على إعمال النظر في الصور الجزئية وإدراك ما استملت عليه من الأوصاف الكائنة فيها فيلغي طرديها ويعمل معتبرها قاله ابن عرفة فقوله وأيضا فقها إلخ هو بيان وجه كونهما بعد أن بينه بالمثال

وقوله طرديها أي الأوصاف الطردية التي لا تنبني على وجودها أو فقدها ثمرة وهذا وجه تخطئة المفتين والقضاة لبعضهم بعضا فقد يبني القاضي والمفتي حكمه وفتواه على الأوصاف الطردية المختلفة بالنازلة ويغفل عن أوصافها المعتبرة وأصل ما ذكره ابن عرفة لابن عبد السلام ونصه وعلم القضاء وإن كان أحد أنواع علم الفقه ولكنه يتميز بأمور لا يحسنها كل الفقهاء وربما كان بعض الناس عارفا بفصل الخصام وإن لم يكن له باع في غير ذلك من أبواب الفقه كما أن علم الفرائض كذلك ولا غرابة في امتياز علم القضاء عن غيره من أنواع الفقه وإنما الغرابة في استعمال كليات الفقه وتطبيقها على جزئيات الوقائع وهو عسير فتجد الرجل يحفظ كثيرا من العلم ويفهم ويعلم غيره وإذا سئل عن واقعة ببعض العوام من مسائل الأيمان ونحوها لا يحسن الجواب عنها وللشيوخ في ذلك حكايات نبه ابن سهل أول كتابه على بعضها ا ه

وبه تعلم أن معنى قول خليل في التوضيح وعلم القضاء وإن كان أحد أنواع الفقه لكنه يتميز بأمور لا يحسنها كل الفقهاء وقد يحسنها من لا باع له في الفقه ا ه

هو أنه من لا باع له في حفظ مسائل الفقه لكن معه من الفطنة ما يدخل به الجزئيات تحت كلياتها بخلاف غيره فهو وإن كان كثير الحفظ لمسائله لكن ليس معه من تلك الفطنة شيء كما يرشد إليه كلام ابن عبد السلام ولذلك نقلته برمته وكثير من الحمقاء اغتر بظاهر كلام التوضيح حتى قال إن القضاء صناعة يحسنه من لا شيء معه من الفقه وجرى ذلك على ألسنة كثير منهم واحتجوا بقول ابن عاصم ويستحب العلم فيه والورع مع كونه الحديث للفقه جمع وهو احتجاج ساقط قال ابن رشد ليس العلم الذي هو الفقه في الدين بكثرة الرواية والحفظ إنما هو نور يضعه الله حيث شاء والله أعلم ا ه قلت ومن هذا تعلم حقيقة القاضي التي هي أحد أركان القضاء الستة الآتية فتنبه

____________________

(4/123)

الفرق الخامس والعشرون والمائتان بين قاعدة الحكم وقاعدة الثبوت اختلف فيهما هل هما بمعنى واحد أو الثبوت غير الحكم والعجب أن الثبوت يوجب في العبادات المواطن التي لا حكم فيها بالضرورة إجماعا فيثبت هلال شوال وهلال رمضان وتثبت طهارة المياه ونجاستها ويثبت عند الحاكم التحريم بين الزوجين بسبب الرضاع والتحليل بسبب العقد ومع ذلك لا يكون شيء من ذلك حكما

وإذا وجد الثبوت بدون الحكم كان أعم من الحكم والأعم من الشيء غيره بالضرورة ثم الذي يفهم من الثبوت هو نهوض الحجة كالبينة وغيرها السالمة من المطاعن فمتى وجد شيء من ذلك يقال في عرف الاستعمال ثبت عند القاضي ذلك وعلى هذا التقدير يوجد الحكم بدون الثبوت أيضا كالحكم بالاجتهاد فيكون كل واحد منهما أعم من الآخر من وجه وأخص من وجه ثم ثبوت الحجة مغاير للكلام النفساني والإنشائي الذي هو الحكم فيكونان غيرين بالضرورة ويكون الثبوت نهوض الحجة والحكم إنشاء كلام في النفس هو إلزام أو إطلاق يترتب على هذا الثبوت وهذا فرق آخر من جهة أن الثبوت يجب تقديمه على الحكم ومن قال بأن الحكم هو الثبوت لم يتحقق له معنى ما هو الحكم

هامش أنوار البروق

قال الفرق الخامس والعشرون والمائتان بين قاعدة الحكم وقاعدة الثبوت

قلت ما قاله صحيح وقد يطلق على الثبوت حكم فالأمر في ذلك لفظي والله تعالى أعلم

هامش إدرار الشروق

الفرق الخامس والعشرون والمائتان بين قاعدة الحكم وقاعدة الثبوت وهو من وجهين الأول أن الثبوت نهوض الحجة كالبينة وغيرها السالمة من المطاعن يعني في ظنه واعتقاده لأنه يستند لعلمه في ذلك قاله التسولي فمتى وجد شيء من ذلك يقال في عرف الاستعمال ثبت عند القاضي ذلك والحكم إنشاء كلام في النفس هو إلزام أو إطلاق يترتب على هذا الثبوت أعني نهوض الحجة فالثبوت مقدم على الحكم فهو غيره قطعا قال التسولي على العاصمية وتعلم منه أن قول القاضي أعلم بثبوته أو باستقلاله أو ثبت عندي ونحوه يكون بعد كمال البينة وقبل الإعذار فيها لأن الإعذار فرع ثبوتها وقبولها فلا يعذر للخصم في شيء لم يثبت عنده وفعله جهل إذ الإعذار سؤال الحاكم من توجه عليه الحكم هل له ما يسقطه ويمتنع سؤاله قبل الأداء والقبول والثبوت ا ه

الوجه الثاني أن كل واحد منهما أعم من الآخر من وجه وأخص من وجه والأعم من الشيء كذلك غيره بالضرورة وذلك أن الثبوت بالمعنى المذكور يوجد في العبادات والمواطن التي لا حكم فيها بالضرورة إجماعا فيثبت هلال شوال وهلال رمضان وتثبت طهارة المياه ونجاستها ويثبت عند الحاكم التحريم بين الزوجين بسبب الرضاع والتحلل بسبب العقد ومع ذلك لا يكون شيء من ذلك حكما والحكم أيضا يوجد بدون الثبوت كالحكم بالاجتهاد ويجتمعان فيما عدا ما ذكر قاله الأصل قال

____________________

(4/124)

الفرق السادس والعشرون والمائتان بين قاعدة ما يصلح أن يكون مستندا في التحمل وبين قاعدة ما لا يصلح أن يكون مستندا قال صاحب المقدمات كل من علم شيئا بوجه من الوجوه الموجبة للعلم يشهد به

هامش أنوار البروق

قال الفرق السادس والعشرون والمائتان بين قاعدة ما يصلح أن يكون مستندا في التحمل وبين قاعدة ما لا يصلح أن يكون إلى قوله فهذا مدرك التنازع قلت أكثر ما قال نقل وما قاله فيه صحيح قال تنبيهه إلى آخر الفرق قلت ما قاله من أن الشاهد في أكثر الشهادات لا يشهد إلا بالظن

هامش إدرار الشروق

أبو القاسم بن الشاط ما قاله صحيح نعم قد يطلق على الثبوت حكم فالخلاف فيهما هل هما بمعنى واحد أو الثبوت غير الحكم لفظي والله تعالى أعلم ا ه

بتوضيح قلت وقوله نعم قد يطلق إلخ أي بناء على قول ابن القاسم بأن تقريره الحادثة أو سكوته ونحو ذلك حكم كما تقدم فافهم

تتمة التنفيذ غير الثبوت والحكم وذلك أنه إن كان تنفيذ حكم غيره فإما أن يوافقه في المذهب ويقول في تنفيذ حكمه ثبت عندي أنه ثبت عند فلان من الحكم كذا فهذا ليس حكما من المنفذ ألبتة وكذا إذا قال ثبت عندي أن فلانا حكم بكذا وكذا ألا ترى أنه يصح منه أن يقول ذلك ولو اعتقد أن ذلك على خلاف الإجماع لأن التصرف الفاسد والحرام قد يثبت عند الحاكم ليرتب عليه موجب ذلك وحينئذ فلا يعتد بكثرة الإثبات عند الحكام فهو كله كحكم واحد وهو راجع إلى الحاكم الأول إلا أن يقول الثاني حكمت بما حكم به الأول وألزمت بموجبه ومقتضاه وإما أن يخالفه في المذهب ففي كونه يقف عن تنفيذه وإبطاله لأنه إن نفذه وألزم المحكوم عليه ما فيه ألزمه ما لا يرى أنه الحق عنده أو كونه ينفذه ويلزم المحكوم عليه ما تضمنه الحكم لأن توقفه عن إنفاذه كإبطاله

وقد قلنا إنه ممنوع من نقض الأحكام المجتهد فيها وإن كان تنفيذ حكم نفسه كان معناه الإلزام بالحبس وأخذ المال بيد القوة ودفعه لمستحقه وتخليص سائر الحقوق وإيقاع الطلاق على من يجوز له إيقاعه عليه ويجوز ذلك وهو غير الثبوت والحكم فالثبوت هو الرتبة الأولى والحكم هو الرتبة الوسطى والتنفيذ هو الرتبة الثالثة وليس كل الحكام لهم قوة التنفيذ لا سيما للحاكم الضعيف القدرة على الجبابرة فهو ينشئ الإلزام ولا يخطر له تنفيذه لتعذر ذلك عليه فالحاكم من حيث هو حاكم ليس له إلا الإنشاء وأما قوة التنفيذ فأمر زائد على كونه حاكما ألا ترى أن المحكم ليس له قوة التنفيذ ا ه

ملخصا من ابن فرحون والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق السادس والعشرون والمائتان بين قاعدة ما يصلح أن يكون مستندا في التحمل وبين قاعدة ما لا يصلح أن يكون مستندا وهو أن ما يصلح أن يكون مستندا في التحمل أحد أمرين الأمر الأول العلم واليقين قال صاحب المقدمات كل من علم شيئا بوجه من الوجوه الموجبة للعلم يشهد به قال ومدارك العلم أربعة العقل

____________________

(4/125)

فلذلك صحت شهادة هذه الأمة لنوح عليه السلام ولغيره على أممهم بإخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وصحت شهادة خزيمة

ولم يحضر شراء الفرس ومدارك العلم أربعة العقل وأحد الحواس الخمس والنقل المتواتر والاستدلال فتجوز الشهادة بما علم بأحد هذه الوجوه وشهادة خزيمة كانت بالنظر والاستدلال ومثله شهادة أبي هريرة أن رجلا قاء خمرا فقال له عمر تشهد أنه شربها قال أشهد أنه قاءها فقال عمر رضي الله عنه ما هذا التعمق فلا وربك ما قاءها حتى شربها ومنها شهادة الطبيب بقدم العيب والشهادة بالتواتر كالنسب وولاية القاضي وعزله وضرر الزوجين والأصل في الشهادة العلم واليقين لقوله وما شهدنا إلا بما علمنا وقوله

هامش أنوار البروق

الضعيف غير صحيح وإنما يشهد بأن زيدا ورث الموضع الفلاني مثلا أو اشتراه جازما بذلك لا ظانا واحتمال كونه باع ذلك الموضع لا تتعرض له شهادة الشاهد بالجزم لا في نفيه ولا في إثباته ولكن تتعرض له بنفي العلم ببيعه أو خروجه عن ملكه على الجملة فما توهم أنه مضمن الشهادة ليس كما توهم فهذا التنبيه غير صحيح والله تعالى أعلم

هامش إدرار الشروق

وإحدى حواس الخمس والنقل المتواتر والاستدلال فتجوز الشهادة بما علم بأحد هذه الوجوه قال وشهادة هذه الأمة لنوح عليه السلام ولغيره على أممهم بإخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك أي فهي من قبيل الشهادة بالنقل المتواتر كشهادة النسب وولاية القاضي وعزله وضرر الزوجين قال وصحت شهادة خزيمة ولم يحضر شراء الفرس أي شراء رسول الله صلى الله عليه وسلم الفرس من خصمه المنكر ذلك لأنها كانت بالنظر والاستدلال كشهادة أبي هريرة أن رجلا قاء خمرا فقال له عمر تشهد أنه شربها

قال أشهد أنه قاءها فقال عمر رضي الله عنه ما هذا التعمق فلا وربك ما قاءها حتى شربها

وكشهادة الطبيب بعدم العيب

الأمر الثاني الظن القريب من اليقين قال صاحب الجواهر ما لا يثبت بالحس بل بقرائن الأحوال كالإعسار يدرك بالخبرة الباطنة بقرائن كالصبر على الجوع والضرر فيكفي فيه الظن القريب من اليقين

وأما اختلاف العلماء في شهادة الأعمى وشهادة البصير على الخط ونحو ذلك فليس خلافا في الشهادة بالظن بل الكلام في ذلك في تحقيق مناط فالمالكية يقولون الأعمى قد يحصل له القطع بتمييز بعض الأقوال فيشهد بها ويحصل للبصير القطع ببعض الخطوط فيشهد بها فما شهد إلا بالعلم والشافعية يقولون لا يحصل العلم في ذلك لالتباس الأصوات وكثرة التزوير في الخطوط فهذا هو مدرك التنازع بينهم قال الأصل والأصل في الشهادة العلم واليقين لقوله تعالى حكاية عن إخوة يوسف عليهم السلام وما شهدنا إلا بما علمنا وقوله تعالى إلا من شهد بالحق وهم يعلمون وقوله عليه السلام على مثل هذا فاشهد أي مثل الشمس فهذا ضابط ما يجوز التحمل في الشهادة به وقد يجوز بالظن والسماع قال صاحب القبس ما اتسع أحد في

____________________

(4/126)

تعالى إلا من شهد بالحق وهم يعلمون وقوله عليه السلام على مثل هذا فاشهد أي مثل الشمس فهذا ضابط ما يجوز التحمل في الشهادة به وقد يجوز بالظن والسماع قال صاحب القبس ما اتسع أحد في شهادة السماع كاتساع المالكية في مواطن كثيرة الحاضر منها على الخاطر خمسة وعشرون موضعا الأحباس الملك المتقادم الولاء النسب الموت الولاية العزل العدالة الجرحة ومنع سحنون ذلك فيهما قال علماؤنا وذلك إذا لم يدرك زمان المجروح والمعدل فإن أدرك فلا بد من العلم الإسلام الكفر الحمل الولادة الترشيد السفه الصدقة الهبة البيع في حالة المتقادم الرضاع النكاح الطلاق الضرر الوصية إباق العبد الحرابة وزاد بعضهم البنوة والأخوة وزاد العبدي في الحرية القسامة فهذه مواطن رأى الأصحاب أنها مواطن ضرورة فيجوز تحمل الشهادة بالظن الغالب

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

شهادة السماع كاتساع المالكية في مواطن كثيرة الحاضر منها على الخاطر خمسة وعشرون موضعا الأحباس الملك المتقادم الولاء النسب الموت الولاية العزل العدالة الجرحة ومنع سحنون ذلك فيهما قال علماؤنا وذلك إذا لم يدرك زمان المجروح والعدل فإن أدرك فلا بد من العلم الإسلام الكفر الحمل الولادة الترشيد السفه الصدقة الهبة البيع في حاله المتقادم الرضاع النكاح الطلاق الضرر الوصية إباق العبد الحرابة وزاد بعضهم البنوة والأخوة وزاد العبدي في الحرية القسامة فهذه مواطن أرى الأصحاب أنها مواطن ضرورة فيجوز تحمل الشهادة بالظن الغالب انتهى بلفظه قال التاودي على العاصمية وترجع شهادة السماع كما في المتيطي للشهادة التي توجب الحق مع اليمين

ابن عرفة هي لقب لما يصرح فيه الشاهد باستناد شهادته لسماع من غير معين فتخرج شهادة البت والنقل أي لأن المنقول عنه في شهادة النقل معين قال ابن فرحون عن ابن رشد وشهادة السماع لها ثلاث مراتب المرتبة الأولى تفيد العلم وهي المعبر عنها بالتواتر كالسماع بأن مكة موجودة فهذه بمنزلة الشهادة بالمروية وغيرها مما يفيد العلم

المرتبة الثانية شهادة الاستفاضة وهي تفيد ظنا يقرب من القطع ويرتفع عن السماع مثل الشهادة بأن نافعا مولى ابن عمر وأن ابن عبد الرحمن هو ابن القاسم والهلال إذا رآه الجم الغفير من أهل البلد واستفاضة العدالة أو الجرح فيستند لذلك ولا يسأل عن عدالة المشهودين المرتبة الثالثة شهادة السماع وهي التي تكلم عليها الفقهاء وهي المرادة هنا والكلام عليها في صفتها وفي محالها وفي شروطها فأما صفتها فقال ابن عرفة والباجي شرط شهادة السماع أن يقولوا سمعنا سماعا فاشيا من أهل العدل وغيرهم وإلا لم تصح قاله ابن حبيب عن الأخوين وقاله محمد قالا ولا يسموا من سمعوا منه فإن سموا خرجت من شهادة السماع إلى الشهادة على الشهادة وقاله ابن القاسم وأصبغ وفي اشتراط العدالة في المسموع ثالثها إلا في الرضاع ا ه وسيقول الناظم وشرطها استفاضة حيث لا يحضر من عنه السماع نقلا مع السلامة من ارتياب يفضي إلى تغليط أو إكذاب ويكتفى فيها بعدلين على ما تابع الناس عليه العملا

____________________

(4/127)

قال صاحب الجواهر ما لا يثبت بالحس بل بقرائن الأحوال كالإعسار يدرك بالخبرة الباطنة بقرائن كالصبر على الجوع والضر فيكفي فيه الظن القريب من اليقين وأما اختلاف العلماء في شهادة الأعمى والشهادة على الخط ونحو ذلك فليس خلافا في الشهادة بالظن بل الكلام في ذلك في تحقيق مناط فالمالكية يقولون الأعمى قد يحصل له القطع بتمييز بعض الأقوال فيشهد بها ويحصل للبصير القطع ببعض الخطوط فيشهد بها فما شهد إلا بالعلم والشافعية يقولون لا يحصل العلم في ذلك لالتباس الأصوات وكثرة التزوير في الخطوط فهذا هو مدرك التنازع بينهم

تنبيه اعلم أن قول العلماء لا تجوز الشهادة إلا بالعلم ليس على ظاهره فإن ظاهره يقتضي أنه لا يجوز أن يؤدي إلا ما هو قاطع به وليس كذلك بل يجوز له الأداء بما عنده من الظن الضعيف في كثير من الصور

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وأما محالها وما تقبل فيه ففيه طرق إحداها لعبد الوهاب أنها مختصة بما لا يتغير حاله ولا ينتقل الملك فيه كالموت والنسب والوقف قال وفي قبولها في النكاح قولان الثانية لابن رشد أن فيها أربعة أقوال تصح في كل شيء ألا تصح في شيء

الثالث تجوز في كل شيء إلا في أربعة أشياء النسب والقضاء والنكاح والموت إذ من شأنها أن تستفيض فيشهد فيها على القطع

الرابع عكسه قال أبو محمد صالح ويجمعها قولك فلان ابن فلان القاضي نكح فمات الطريقة الثالثة لابن شاس وابن الحاجب وغير واحد أنها تجوز في مسائل معدودة وقع النص عليها وإياها سلك الناظم فقال وأعملت شهادة السماع في الحمل والنكاح والرضاع والحيض والميراث والميلاد وحال إسلام أو ارتداد والجرح والتعديل والولاء والرشد والتسفيه والإيصاء وفي تملك لملك بيد يقام فيه بعد طول المدد وحبس من حاز من السنين عليه ما يناهز العشرين وعزل حاكم وفي تقديمه وضرر الزوجين من تتميمه وجملة ما ذكره تسعة عشر وهذا فيما عنده وحضره الآن وعدها ابن العربي إحدى وعشرين فقال أيا سائلي عما ينفذ حكمه ويثبت سمعا دون علم بأصله ففي العزل والتجريح والكفر بعده وفي سفه أو ضد ذلك كله وفي البيع والأحباس والصدقات والرضاع وخلع والنكاح وحله وزاد ولده ستة فقال وفي قسمة أو نسبة أو ولاية وموت وحمل والمقر بأهله ومنها الهبات الوصية فاعلمن وملك قديم قد يظن بمثله ومنها ولادات ومنها حرابة ومنها الإباق فليضم بشكله فدونكما عشرين من بعد سبعة تدل على حفظ الفقيه ونبله

____________________

(4/128)

بل المراد بذلك أن يكون أصل المدرك علما فقط فلو شهد بقبض الدين جاز أن يكون الذي عليه الدين قد دفعه فتجوز الشهادة عليه بالاستصحاب الذي لا يفيد إلا الظن الضعيف وكذلك الثمن في البيع مع احتمال دفعه ويشهد بالملك الموروث لوارثه مع جواز بيعه بعد أن ورثه ويشهد بالإجارة ولزوم الأجرة مع جواز الإقالة بعد ذلك بناء على الاستصحاب

والحاصل في هذه الصور كلها إنما هو الظن الضعيف ولا يكاد يوجد ما يبقى فيه العلم إلا القليل من الصور من ذلك النسب والولاء فإنه لا يقبل النقل فيبقى العلم على حاله ومن ذلك الشهادة بالإقرار فإنه إخبار عن وقوع النطق في الزمن الماضي وذلك لا يرتفع ومن ذلك الوقف إذا حكم به حاكم أما إذا لم يحكم به حاكم فإن الشهادة إنما يحصل فيها الظن فقط إذا شهد بأن هذه الدار وقف لاحتمال أن يكون حاكم حنفي حكم بنقضه فتأمل هذه المواطن فأكثرها إنما

هامش أنوار البروق

فارغه

هامش إدرار الشروق

أبي نظم العشرين من بعد واحد وأتبعتها ستا تماما لفعله وزاد ابن عبد السلام خمسة ونظمها بعضهم فقال وقد زيد فيها الفقر والأسر والملا ولوث وعتق فاظفرن بنقله فصارت لدى عد ثلاثين أتبعت بثنتين فاطلب نصها في محله ونظمها أيضا العبدوسي وذيله ابن غازي بما زاده عليه إلى أن قال في آخره لولا التداخل عند عد الزائد لبلغت خمسين دون واحد ا ه كلام التاودي مع بعض إصلاح

وحذف شرحه لأبيات العاصمية فانظره وأما ما لا يصلح أن يكون مستندا فهو ما عدا الأمرين المذكورين ومنه الظن الضعيف وقول الأصل يجوز للشاهد الأداء بما عنده من الظن الضعيف في كثير من الصور فلو شهد بقبض الدين جاز أن يكون الذي عليه الدين قد دفعه فتجوز الشهادة عليه بالاستصحاب الذي لا يفيد إلا الظن الضعيف وكذلك الثمن في البيع مع احتمال دفعه ويشهد بالملك الموروث لوارثه مع جواز بيعه بعد أن ورثه ويشهد بالإجازة ولزوم الأجرة مع جواز الإقالة بعد ذلك بناء على الاستصحاب فالحاصل في هذه الصور كلها إنما هو الظن الضعيف بل لا يكاد يوجد ما يبقى فيه العلم إلا القليل من الصور ومن ذلك النسب والولاء فإنه لا يقبل النقل فيبقى العلم على حاله ومن ذلك الشهادة بالإقرار فإنه إخبار عن وقوع النطق في الزمن الماضي وذلك لا يرتفع ومن ذلك الوقف إذا حكم به حاكم أما إذا لم يحكم به حاكم فإن الشهادة إنما يحصل فيها الظن فقط إذا شهد بأن هذه الدار وقف لاحتمال أن يكون حاكم حنفي حكم بنقضه فتأمل هذه المواطن فأكثرها إنما فيها الظن فقط وإنما العلم في أصل المدرك لا في دوامه فقول العلماء لا تجوز الشهادة إلا بالعلم ليس على ظاهره أنه لا يجوز أن يؤدي إلا ما هو قاطع به بل المراد بذلك أن يكون أصل المدرك علما فقط ا ه بتصرف

قال المحقق أبو القاسم بن الشاط ما قاله من أن الشاهد في أكثر الشهادات لا يشهد إلا بالظن الضعيف غير صحيح وإنما يشهد بأن زيدا ورث الموضع الفلاني مثلا أو اشتراه جازما بذلك لا ظانا واحتمال كونه باع ذلك

____________________

(4/129)

فيها الظن فقط وإنما العلم في أصل المدرك لا في دوامه فقد تلخص الفرق بين ما هو مدرك للتحمل وما ليس بمدرك مع مسبباته والتنبيه على عدده وأنه لا يقتصر فيه على الحواس فقط كما يعتقده كثير من الفقهاء بل لو أفادت القرائن القطع جازت الشهادة بها في جميع الصور

الفرق السابع والعشرون والمائتان بين قاعدة اللفظ الذي يصح أداء الشهادة به وبين قاعدة ما لا يصح أداؤها به اعلم أن أداء الشهادة لا يصح بالخبر ألبتة فلو قال الشاهد للقاضي أنا أخبرك أيها القاضي بأن لزيد عند عمرو دينارا عن يقين مني وعلم في ذلك لم تكن هذه شهادة بل هذا وعد من الشاهد للقاضي أنه سيخبره بذلك عن يقين فلا يجوز اعتماد القاضي على هذا الوعد ولو قال قد أخبرتك أيها القاضي بكذا كان كذبا لأن مقتضاه تقدم الأخبار

هامش أنوار البروق

قال الفرق السابع والعشرون والمائتان بين قاعدة اللفظ الذي يصح أداء الشهادة به وبين قاعدة ما لا يصح أداؤها به قلت هذا الفرق ليس بجار على مذهب مالك رحمه الله فإنه لا يشترط معينات الألفاظ لا في العقود ولا في غيرها وإنما ذلك مذهب الشافعي رضي الله عنه قال اعلم أن أداء الشهادة لا يصح بالخبر ألبتة قلت قد تقدم له في أول فرق من الكتاب حكاية عن الإمام المازري أن الرواية والشهادة خبران ولم ينكر ذلك ولا رده بل جرى في مساق كلامه على قبول ذلك وصحته قال فلو قال الشاهد للقاضي أنا أخبرك أيها القاضي إلى قوله لم تكن هذه شهادة قلت ذلك لقرينة قوله أخبرك ولم يقل أشهد عندك قال بل هذا وعد من الشاهد للقاضي أنه سيخبره بذلك عن

هامش إدرار الشروق

الموضع لا تتعرض له شهادة الشاهد بالجزم لا في نفيه ولا في إثباته ولكن تتعرض له بنفي العلم ببيعه أو خروجه عن ملكه على الجملة فما توهم أنه مضمن الشهادة ليس كما توهم والله تعالى أعلم ا ه

الفرق السابع والعشرون والمائتان بين قاعدة اللفظ الذي يصح أداء الشهادة به وبين قاعدة ما لا يصح أداؤها به وهو جار على مذهب الشافعي رضي الله عنه من اشتراط ألفاظ معينة في العقود وغيرها لا على مذهب مالك رحمه الله تعالى من عدم اشتراط معينات الألفاظ لا في العقود ولا غيرها وهو على مذهب الشافعي مبني على أن العرف لما وضع في الشهادة المضارع للإخبار الخاص الذي يقصد به فصل القضاء وفي العقود الماضي لإنشائها وفي الطلاق والعتاق الوصف أعني اسمي الفاعل والمفعول لإنشائها صح من الحاكم الاعتماد على المضارع في الشهادة دون غيره لكونه غير صريح فيها عرفا والاعتماد على الصريح هو الأصل ولا يجوز الاعتماد على غير الصريح لعدم تعين المراد منه فلو اتفق أن العوائد تغيرت وصار الماضي موضوعا في الشهادة للإخبار الخاص الذي يقصد به فصل القضاء والمضارع موضوعا في العقود

____________________

(4/130)

منه ولم يقع والاعتماد على الكذب لا يجوز فالمستقبل وعد والماضي كذب وكذلك اسم الفاعل المقتضي للحال كقوله أنا مخبرك أيها القاضي بكذا فإنه إخبار عن اتصافه بالخبر للقاضي وذلك لم يقع في الحال إنما وقع الإخبار عن هذا الخبر فظهر أن الخبر كيفما تصرف لا يجوز للحاكم الاعتماد عليه

وكذلك إذا قال الحاكم للشاهد بأي شيء تشهد قال حضرت عند فلان فسمعته يقر بكذا أو أشهدني على نفسه بكذا أو شهدت بينهما بصدور البيع أو غير ذلك من العقود لا يكون هذا أداء شهادة ولا يجوز للحاكم الاعتماد عليه بسبب أن هذا مخبر عن أمر تقدم فيحتمل أن يكون قد اطلع بعد ذلك على ما منع من الشهادة به من فسخ أو إقالة أو حدوث ريبة للشاهد تمنع الأداء فلا يجوز لأجل هذه الاحتمالات الاعتماد على شيء من ذلك إذا صدر من الشاهد فالخبر كيفما تقلب لا يجوز الاعتماد عليه بل لا بد من إنشاء الأخبار عن الواقعة المشهود بها

هامش أنوار البروق

يقين فلا يجوز اعتماد القاضي على هذا الوعد قلت ومن أين يتعين أنه وعد ولعله إنشاء أخبار فيكون شهادة إذ الشهادة خبر لا سيما إذا كان هنالك قرينة تقتضي ذلك من حضور مطالب وشبه ذلك فما قاله في ذلك غير صحيح قال ولو قال قد أخبرتك أيها القاضي بكذا كان كذبا إلى قوله فالمستقبل وعد والماضي كذب قلت إن كان لم يكن تقدم منه أخبار فذلك كذب كما قال قال وكذلك اسم الفاعل المقتضي للحال كقوله أنا مخبرك أيها القاضي بكذا فإنه إخبار عن اتصافه بالخبر للقاضي وذلك لم يقع في الحال إنما وقع الإخبار عن هذا الخبر

قلت هذا كلام من لا يفهم مقتضى الكلام وكيف لا يكون من يقول للقاضي أنا أخبرك بأن لزيد عند عمرو دينارا مخبرا للقاضي أن لزيد عند عمرو دينارا بل مخبرا بأنه مخبر وهل العبارة عن إخباره عن الخبر إلا عين تلك وهي أنا مخبرك أني مخبرك لا أنا مخبرك بكذا هذا كله تخليط لا يفوه به من يفهم شيئا من مضمنات الألفاظ ومقتضى مساقها قال فظهر أن الخبر كيفما تصرف لا يجوز

هامش إدرار الشروق

لإنشائها جاز للحاكم الاعتماد على ما صار موضوعا في البابين ولا يجوز له الاعتماد على العرف الأول فالفرق بين هذه الألفاظ ناشئ عن العوائد وتابع لها بحيث ينقلب وينفسخ بتغيرها وانتقالها فلا يبقى بعد ذلك خفاء في الفرق بين قاعدة ما يصح أن تؤدى به الشهادة وقاعدة ما لا يصح به أداء الشهادة هذا خلاصة ما صححه أبو القاسم بن الشاط من كلام الأصل هنا وسلمه قلت لكن من حيث جريانه على مذهب الشافعي لا على مذهب مالك رضي الله تعالى عنهما كان على الأصل أن يبدل هذا الفرق بقوله الفرق السابع والعشرون والمائتان بين قاعدة ما يجوز أن يشهد به من النفي وقاعدة ما لا يجوز أن يشهد به منه وهو أنه وإن اشتهر على ألسنة الفقهاء إطلاق عدم قبول الشهادة على النفي إلا أن في قبولها وعدمه تفصيلا يحصل الفرق بين القاعدتين ويظهر به أن قولهم الشهادة على النفي غير مقبولة ليس على عمومه وهو أن النفي ثلاثة أقسام القسم الأول نفي يكون معلوما بالضرورة فتجوز الشهادة به اتفاقا كما لو شهد أنه ليس في هذه البقعة التي بين يديه فرس ونحوه فإنه يقطع بذلك وليس مع القطع مطلب آخر

القسم الثاني نفي يكون معلوما بالظن الغالب الناشئ عن الفحص فتجوز الشهادة به في صور منها

____________________

(4/131)

والإنشاء ليس بخبر ولذلك لا يحتمل التصديق والتكذيب

وقد تقدم الفرق بين البابين فإذا قال الشاهد أشهد عندك أيها القاضي بكذا كان إنشاء ولو قال شهدت لم يكن إنشاء عكسه في البيع لو قال أبيعك لم يكن إنشاء للبيع بل إخبارته لا ينعقد به بيع بل وعد بالبيع في المستقبل ولو قال بعتك كان إنشاء للبيع فالإنشاء في الشهادة بالمضارع وفي العقود بالماضي وفي الطلاق بالماضي واسم الفاعل نحو أنت طالق وأنت حر ولا يقع الإنشاء في البيع والشهادة باسم الفاعل ولو قال أنا شاهد عندك بكذا وأنا بائعك بكذا لم يكن إنشاء وسبب الفرق بين هذه المواطن الوضع العرفي فما وضعه أهل العرف للإنشاء كان إنشاء وما لا فلا فاتفقوا أنهم وضعوا للإنشاء الماضي في العقود والمضارع في الشهادة واسم الفاعل في الطلاق والعتاق ولما كانت هذه الألفاظ موضوعة للإنشاء في هذه الأبواب صح من الحاكم اعتماده على

هامش أنوار البروق

للحاكم الاعتماد عليه قلت لم يظهر ما قاله أصلا ولا يصح بوجه ولا حال قال وكذلك إذا قال الحاكم للشاهد بأي شيء تشهد قال حضرت عند فلان فسمعته يقر بكذا وأشهدني على نفسه بكذا أو شهدت بينهما بصدور البيع أو غير ذلك من العقود لا يكون هذا أداء شهادة إلى قوله فالخبر كيفما تقلب لا يجوز الاعتماد عليه قلت إذا لم يكن قول الشاهد حضرت عند فلان فسمعته يقر بكذا أو أشهدني على نفسه بكذا بعد قول القاضي له بأي شيء تشهد شهادة فلا أدري بأي لفظ تؤدى الشهادة وما هذا كله إلا تخليط ووسواس لا يصح منه شيء ألبتة قال بل لا بد من إنشاء الأخبار عن الواقعة المشهود بها قلت يا للعجب وهل إنشاء الأخبار إلا الإخبار بعينه قال والإنشاء ليس بخبر إلى قوله وقد تقدم الفرق بين البابين قلت من هنا دخل عليه الوهم وهو أنه أطلق لفظ الإنشاء على جميع الكلام ومن جملته الخبر

هامش إدرار الشروق

التفليس وحصر الورثة فإن الحاصل فيه إنما هو الظن الغالب لأنه يجوز عقلا حصول المال للمفلس وهو يكتمه وحصول وارث لا يطلع عليه ومنها قول المحدثين ليس هذا الحديث بصحيح بناء على الاستقراء

ومنها قول النحويين ليس في كلام العرب اسم آخره واو قبلها ضمة ونحو ذلك قلت ومرادهم اسم عربي أصالة ليس منقولا من فعل معتل كيدعو ولا من اسم عجمي كمسمند ووقمدوا فافهم والقسم الثالث نفي يعرى عما ذكر من الضرورة والظن الغالب الناشئ عن الفحص نحو أن زيدا ما وفى الدين الذي عليه أو ما باع سلعته ونحو ذلك فهذا هو محمل ما اشتهر على ألسنة الفقهاء لأنه نفي غير منضبط وإنما يجوز في النفي المنضبط قطعا أو ظنا غالبا كما في الأمثلة المتقدمة وكما في نحو أن زيدا لم يقتل عمرا أمس لأنه كان عنده في البيت أو إنه لم يسافر لأنه رآه في البلد فاعلم ذلك ليظهر لك أن قولهم الشهادة على النفي غير مقبولة ليس على عمومه ويظهر لك الفرق بين قاعدة ما يجوز أن يشهد به من النفي وقاعدة ما لا يجوز أن يشهد به منه وحينئذ فيكون حاصل الشهادة باعتبار قصد النفي منها أو الإثبات أنها ثلاثة أقسام القسم الأول ما عرفته من أن المقصود منها مجرد النفي

____________________

(4/132)

المضارع في الشهادة لأنه موضوع له صريح فيه والاعتماد على الصريح هو الأصل ولا يجوز الاعتماد على غير الصريح لعدم تعين المراد منه فإن اتفق أن العوائد تغيرت

وصار الماضي موضوعا لإنشاء الشهادة والمضارع لإنشاء العقود جاز للحاكم الاعتماد على ما صار موضوعا للإنشاء ولا يجوز له الاعتماد على العرف الأول فتلخص لك أن الفرق بين هذه الألفاظ ناشئ عن العوائد وتابع لها وأنه ينقلب وينتسخ بتغيرها وانتقالها فلا يبقى بعد ذلك خفاء في الفرق بين قاعدة ما يصح أن تؤدى به الشهادة وقاعدة ما لا يصح به أداء الشهادة وفي الفرق أربع مسائل المسألة الأولى الشهادة قسمان تارة يكون مقصدها مجرد الإثبات فيقتصر عليه نحو أشهد أنه باع ونحوه وتارة يكون المقصود الجمع بين النفي والإثبات وهو الحصر فلا بد من التصريح بهما في العبارة

هامش أنوار البروق

وأطلق لفظ الإنشاء على قسيم الخبر ثم تخيل أنه أطلقهما بمعنى واحد فحكم بأن الإنشاء لا يدخله التصديق والتكذيب وما قاله من أنه لا يدخله ذلك صحيح في الإنشاء الذي هو قسيم الخبر وغير صحيح في الإنشاء الذي هو إنشاء الخبر وأن يكون وعدا بأنه يشهد عنده لا أعلم له ما الخبر

قال فإذا قال الشاهد أشهد عندك أيها القاضي بكذا كان إنشاء قلت وما المانع من أن يكون وعدا بأنه سيشهد عنده لا أعلم له مانعا إلا التحكم بالفرق بين لفظ الخبر ولفظ الشهادة وهذا كله تخليط فاحش قال ولو قال شهدت لم يكن إنشاء عكسه في البيع لو قال أبيعك لم يكن إنشاء إلى قوله ولو قال أنا شاهد عندك بكذا أو أنا بائعك بكذا لم يكن إنشاء قلت لقد كلف هذا الرجل نفسه شططا وألزمها ما لم يلزمها كيف وهو مالكي والمالكية يجيزون العقود بغير لفظ أصلا فضلا عن لفظ معين وإنما يحتاج إلى ذلك الشافعية حيث يشترطون معينات الألفاظ قال وسبب الفرق بين هذه

هامش إدرار الشروق

فيقتصر عليه

والقسم الثاني ما كان المقصود منها مجرد الإثبات فيقتصر عليه نحو أشهد أنه باع نعم قال ابن يونس لو شهدوا بالأرض ولم يحدوها وشهد آخرون بالحدود دون الملك قال مالك تمت الشهادة وقضى بهم لحصول المقصود من المجموع قال ابن حبيب شهدوا بغصب الأرض ولم يحدوها قيل للمدعي حدد ما غصب منك واحلف عليه قال مالك وإن شهدت بالحق وقالت لا نعرف عدده قيل للمطلوب قر بحق واحلف عليه فتعطيه ولا شيء عليك غيره فإن جحد قيل للطالب إن عرفته احلف عليه وخذه فإن قال لا أعرفه أو أعرفه ولا أحلف عليه سجن المطلوب حتى يقر بشيء ويحلف عليه فإن لم يحلف أخذ المقر به وحبس حتى يحلف وإن كان الحق في دار حيل بينه وبينها حتى يحلف ولا يحبس لأن الحق في شيء بعينه قال الباجي في المنتقى وعن مالك رد الشهادة بنسيان العدد وجهله لأنه نقص في الشهادة قال الباجي نسيان بعض الشهادة يمنع من أداء ذلك البعض إلا في عقد البيع والنكاح والهبة والحبس والإقرار ونحوه مما لا يلزم الشاهد حفظه بل مراعاة الشهادة في آخره وكذلك سجلات الحاكم لا يلزم حفظها عند الأداء لأنه يشهد بما علم من تقييد الشهادة والقسم

____________________

(4/133)

قال مالك في التهذيب لا يكفي أنه ابن للميت حتى يقولوا في حصر الورثة لا نعلم له وارثا غيره وكذلك هذه الدار لأبيه أو جده حتى يقولوا ولا نعلم خروجها عن ملكه إلى الموت حتى يحكم بالملك في الحال

فإن قالوا هذا وارث مع ورثة آخرين أعطى هذا نصيبه وترك الباقي بيد المدعى عليه حتى يأتي مستحقه لأن الأصل دوام يده ولأن الغائب قد يقر له بها قال سحنون وقد كان يقول غير هذا وعن ملك ينزع من المطلوب

ويوقف لتيقنها أنها لغيره فإن قالوا لا نعرف عدد الورثة لم يقض لهذا بشيء لعدم تعينه ولا ينظر إلى تسمية الورثة وتبقى الدار بيد صاحب اليد حتى يثبت عدد الورثة لئلا يؤدي لنقض القسمة وتشويش الأحكام

المسألة الثانية قال صاحب البيان لا تقبل شهادة من يقول فلان وارث أو هذا العبد له ما باع ولا وهب ولا يدري ذلك لأنه جزم بالنفي في غير موضعه بل يقول لا أعلم له

هامش أنوار البروق

المواطن الوضع العرفي إلى قوله وفي الفرق أربع مسائل قلت ما قاله في ذلك كله مبني على مذهب الشافعي وهو مسلم وصحيح إلا قوله أراد الشهادة بالإنشاء لا بالخبر فإنه قد تقدم أن الشهادة خبر وهو الصحيح وتقدم التنبيه على الموضع الذي دخل عليه منه الغلط والوهم والله تعالى أعلم وما قاله في المسائل الأربع صحيح أو نقل لا كلام فيه وكذلك ما قاله في الفرق بعده نقل وترجيح ولا كلام في ذلك

هامش إدرار الشروق

@ 134 الثالث ما كان المقصود منها الجمع بين النفي والإثبات وهو الحصر فلا بد من التصريح بهما في العبارة قال مالك في التهذيب لا يكفي أنه ابن للميت حتى يقولوا في حصر الورثة لا نعلم له وارثا غيره وكذلك هذه الدار لأبيه أو جده حتى يقولوا ولا نعلم خروجها عن ملكه إلى الموت حتى يحكم بالملك في الحال فإن قالوا هذا وارث مع ورثة آخرين أعطي هذا نصيبه وترك الباقي بيد المدعى عليه حتى يأتي مستحقه لأن الأصل دوام يده ولأن الغائب قد يقر له بها قال سحنون وقد كان يقول غير هذا وعن مالك ينزع من المطلوب ويوقف لتيقنها أنها لغيره فإن قالوا لا نعرف عدد الورثة لم يقض لهذا بشيء لعدم تعينه ولا ينظر إلى تسمية الورثة وتبقى الدار بيد صاحب اليد حتى يثبت عدد الورثة لئلا يؤدي لنقض القسمة وتشويش الأحكام ثم أنه لا بد من الجزم بالنفي في موضعه قال صاحب البيان لا نقبل شهادة من يقول فلان وارث وهذا العبد له ما باع ولا وهب ولا يدري ذلك لأنه جزم بالنفي في غير موضعه نعم قال مالك يكفي أن يقول لا أعلم له وارثا غيره ولا أعلم أنه باع ولا وهب وقال عبد الملك لا يجوز إلا الجزم بأن يقول ما باع ولا وهب لأن الشهادة بغير الجزم لا تجوز قال وقول عبد الملك أظهر

وفي الجواهر لو شهد أنه ملكه بالأمس ولم يتعرض للحال لم يسمع حتى يقول لم يخرج عن ملكه في علمي ولو شهد أنه أقر بالأمس ثبت الإقرار واستصحب موجبه ولو قال للمدعى عليه كان ملكه بالأمس نزع من يده لأنه أخبر عن تحقيق فيستصحب كما لو قال الشاهد هو ملكه بالأمس بشراء من

____________________

(4/134)

وارثا غيره ولا أعلم أنه باع ولا وهب قاله مالك

وقال عبد الملك لا يجوز إلا الجزم بأن يقول ما باع ولا وهب لأن الشهادة بغير الجزم لا تجوز قال وقول عبد الملك أظهر وفي الجواهر لو شهد أنه ملكه بالأمس ولم يتعرض للحال لم يسمع حتى يقول لم يخرج عن ملكه في علمي ولو شهد أنه أقر بالأمس ثبت القرار واستصحب موجبه ولو قال للمدعى عليه كان ملكه بالأمس نزع من يده لأنه أخبر عن تحقيق فيستصحب كما لو قال الشاهد هو ملكه بالأمس بشراء من المدعى عليه ولو شهدوا أنه كان بيد المدعى عليه بالأمس لم يفد حتى يشهدوا أنه ملكه ولو شهدت أنه غصبه جعل المدعي صاحب اليد ولو ادعيت ملكا مطلقا فشهدت بالملك والسبب لم يضر لعدم المنافاة

المسألة الثالثة قال ابن يونس لو شهدوا بالأرض ولم يحدوها وشهد آخرون بالحدود دون الملك قال مالك تمت الشهادة وقضى بهم لحصول المقصود من المجموع قال ابن حبيب إن شهدت بغصب الأرض ولم يحدوها قيل للمدعي حدد ما غصب منك واحلف عليه قال مالك وإن شهدت بالحق وقالت لا نعرف عدده قيل للمطلوب قر بحق

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

المدعى عليه ولو شهدوا أنه كان بيد المدعى عليه بالأمس لم يفد حتى يشهدوا أنه ملكه ولو شهدت أنه غصبه جعل المدعي صاحب اليد ولو ادعيت ملكا مطلقا فشهدت بالملك والسبب لم يضر لعدم المنافاة هذا تهذيب ما قاله الأصل في المسائل الأربع قال أبو القاسم بن الشاط وما قاله فيها صحيح أو نقل لا كلام فيه ا ه

قلت وأما الشهادة باعتبار ما يكفي منها في المشهور فلابن شاس وابن الحاجب وخليل أنها أربعة أقسام وسموها مراتب عدلان عدل وامرأتان أو أحدهما مع اليمين امرأتان وأما باعتبار ما توجبه فللجزيري في وثائقه وتبعه ابن عاصم في نظمه أنها بالاستقراء خمسة أقسام الأول قال في العاصمية تختص أولاها على التعيين أن توجب الحق بلا يمين والثاني قال في العاصمية ثانية توجب حقا مع قسم في المال أو ما آل للمال تؤم والثالث قال فيها ثالثة لا توجب الحق نعم توجب توقيفا به حكم الحكم والرابع قال فيها رابعة ما تلزم اليمينا لا الحق لكن للمطالبينا والخامس قال فيها خامسة ليس عليها عمل وهي الشهادة التي لا تقبل

____________________

(4/135)

واحلف عليه فتعطيه ولا شيء عليك غيره فإن جحد قيل للطالب إن عرفته احلف عليه وخذه فإن قال لا أعرفه أو أعرفه ولا أحلف عليه سجن المطلوب حتى يقر بالشيء ويحلف عليه فإن لم يحلف عليه أخذ المقر به وحبس حتى يحلف وإن كان الحق في دار حيل بينه وبينها حتى يحلف ولا يحس لأن الحق في شيء بعينه قال الباجي في المنتقى

وعن مالك ترد الشهادة بنسيان العدد وجهله لأنه نقض في الشهادة قال الباجي نسيان بعض الشهادة يمنع من أداء ذلك البعض إلا في عقد البيع والنكاح والهبة والحس الإقرار ونحوه مما لا يلزم الشاهد حفظه بل مراعاة الشهادة في آخره وكذلك سجلات الحاكم لا يلزم حفظها عند الأداء لأنه يشهد بما علم من تقييد الشهادة

المسألة الرابعة اشتهر على ألسنة الفقهاء أن الشهادة على النفي غير مقبولة وفيه تفصيل فإن النفي قد يكون معلوما بالضرورة أو بالظن الغالب الناشئ عن الفحص وقد يعرى عنهما فهذه ثلاثة أقسام أما القسم الأول فتجوز الشهادة به اتفاقا كما لو شهد أنه ليس في هذه البقعة التي بين يديه أفرس ونحوه فإنه يقع بذلك وليس مع القطع مطلب آخر والثاني نحو الشهادة في صور منها التفليس وحصر الورثة فإن الحاصل فيه إنما هو الظن الغالب لأنه يجوز عقلا حصول المال للمفلس وهو يكتمه وحصول وارث لا يطلع عليه ومن هاهنا قول المحدثين ليس هذا الحديث بصحيح بناء على الاستقراء ومنها قول النحويين ليس في كلام العرب اسم آخره واو قبلها ضمة ونحو ذلك والقسم الثالث نحو أن زيدا ما وفى الدين الذي عليه أو ما باع سلعته ونحو ذلك فإنه نفي غير منضبط وإنما يجوز في النفي المنضبط قطعا أو ظنا

وكذلك يجوز أن زيدا لم يقتل عمرا أمس لأنه كان عنده في البيت أو أنه لم يسافر لأنه رآه في البلد فهذه كلها شهادة صحيحة بالنفي وإنما يمتنع غير المنضبط فاعلم ذلك وبه يظهر أن قولهم الشهادة على النفي غير مقبولة ليس على عمومه ويحصل الفرق بين قاعدة ما يجوز أن يشهد به من النفي وقاعدة ما لا يجوز أن يشهد به منه

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

انظر العاصمية وشراحها والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(4/136)

لفرق الثامن والعشرون والمائتان بين قاعدة ما يقع به الترجيح بين البينات عند التعارض وقاعدة ما لا يقع به الترجيح قلت يقع الترجيح بأحد ثمانية أشياء وقع في الجواهر منها أربعة فقال يقع الترجيح بزيادة العدالة وقوة الحجة كالشاهدين يقدمان على الشاهد واليمين واليد عند التعادل وزيادة التاريخ

وقال ابن أبي زيد في النوادر وترجح البينة المفصلة على المجملة والنظر في التفصيل والإجمال مقدم على النظر في الأعدلية فإن استووا في التفصيل والإجمال نظر في الأعدلية ومنها شهادة إحداهما بحوز الصدقة قبل الموت وشهدت الأخرى برؤيته يخدمه في مرض الموت فتقدم بينة عدم الحوز إذ لم تتعرض الأخرى لرد هذا القول السادس قال ابن أبي زيد إن اختصت أحدهما بمزيد الاطلاع كشهادة إحداهما بحوز الرهن والأخرى بعدم الحوز لأنها مثبتة للحوز وهي زيادة اطلاع قاله ابن القاسم وسحنون

وقال محمد يقضي به لمن هو في يده

السابع استصحاب الحال والغالب ومنه شهادة إحداهما أنه أوصى وهو صحيح وشهدت الأخرى أنه أوصى وهو مريض

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الفرق الثامن والعشرون والمائتان بين قاعدة ما يقع به الترجيح بين البينات عند التعارض وقاعدة ما لا يقع به الترجيح وهو أن ما خرج عن ضابط قاعدة ترجيح البينات لا يقع به الترجيح وما كان داخلا تحت ذلك الضابط يقع به الترجيح وضابط قاعدة ترجيح البينات أنه كل ما تحقق فيه من البينات أحد ثمانية أوجه ثبت ترجيحه عند تعارضها الوجه الأول زيادة العدالة كما في الجواهر وإن منع أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم الترجيح بها محتجين بثلاثة وجوه الأول أن الشهادة مقدرة في الشرع فلا تختلف بالزيادة كالدية لا تختلف بزيادة المأخوذ فيه فدية الصغير الحقير كدية الكبير الشريف العالم العظيم

والثاني أن الجمع العظيم من الفسقة يحصل الظن أكثر من الشاهدين وهو غير معتبر فعلم أنها تعبد لا يدخلها الاجتهاد وكذلك الجمع من النساء والصبيان إذا كثروا والثالث أنه لو اعتبرت زيادة العدالة وهي صفة لاعتبرت زيادة العدد وهي بينات معتبرة إجماعا فيكون اعتبارها أولى من الصفة والعدد غير معتبر فالصفة غير معتبرة وذلك لأن لنا وجهين الأول أن البينة إنما اعتبرت لما تثيره من الظن والظن في الأعدل أقوى لأن مقيم الأعدل أقرب للصدق فيكون هو المعتبر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أحكم بالظاهر فيقدم حينئذ كأخبار الآحاد إذا رجح أحدهما

والثاني أن الاحتياط مطلوب في الشهادة أكثر من الرواية دون الشهادة فإذا كان الاحتياط

____________________

(4/137)

قال ابن القاسم تقدم بينة الصحة لأن ذلك هو الأصل والغالب

وقال سحنون إذا شهدت بأنه زنى عاقلا وشهدت الأخرى بأنه كان مجنونا إن كان القيام عليه وهو عاقل قدمت بينة العقل وإن كان القيام عليه وهو مجنون قدمت بينة الجنون وهو ترجيح بشهادة الحال وهو الثامن

وقال ابن اللباد يعتبر وقت الرؤية لا وقت القيام فلم يعتبر ظاهرا لحال ونقل عن ابن القاسم في إثبات الزيادة إذا شهدت إحداهما بالقتل أو السرقة أو بالزنا وشهدت الأخرى أنه كان بمكان بعيد أنه تقدم بينة القتل ونحوه لأنها مثبتة زيادة ولا يدرأ عنه الحد قال سحنون إلا أن يشهد الجمع العظيم كالحجيج ونحوهم أنه وقف بهم أو صلى بهم العيد في ذلك اليوم فلا يحد لأن هؤلاء لا يشتبه عليهم أمره بخلاف الشاهدين فهذه الثمانية الأوجه هي ضابط قاعدة ترجيح البينات وما خرج عن ذلك لا يقع به الترجيح ووقع الخلاف في هذه الترجيحات بين العلماء فعندنا يقدم صاحب اليد عند التساوي أو هو مع البينة الأعدل كانت الدعوة أو الشهادة بمطلق الملك أو مضافا إلى سبب نحو هو ملكي نسجته أو ولدته الدابة عندي في ملكي كان السبب المضاف إليه الملك يتكرر كنسج الخز وغرس النخل أم لا

وقاله الشافعي وقال ابن حنبل الخارج أولى ولا تقبل بينة صاحب اليد أصلا وقال أبو حنيفة تقدم بينة الخارج إن

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

مطلوبا أكثر في الشهادة وجب أن لا يعدل عن الأعدل والظن أقوى فيها قياسا على الخبر بطريق الأولى والمدرك في هذا الوجه الاحتياط وفي الوجه الأول الجامع إنما هو الظن وإذا اختلفت الجوامع في القياسات تعددت وأما الوجوه التي احتجوا بها فالجواب عن الأول أن وصف العدالة مطلوب في الشهادة وهو موكول إلى اجتهادنا وهو يتزايد في نفسه فما رجحنا في موطن تقدير وإنما رجحنا في موطن اجتهاد

وعن الثاني إنا لا ندعي أن الظن يعتبر كيف كان بل ندعي أن مزيد الظن معتبر في الترجيح بعد حصول أصل معتبر ألا ترى أن قرائن الأحوال لا تثبت بها الأحكام والفتاوى وإن حصلت ظنا أكثر من البينات والأقيسة وأخبار الآحاد لأن الشرع لم يجعلها مدركا للفتوى والقضاء وأن الأخبار والأقيسة لما جعلت مدركا للفتيا دخلها الترجيح فكذا هنا أصل البينة معتبر بعد العدالة والشروط المخصوصة فاعتبر فيها الترجيح

وعن الثالث أن الترجيح بالعدد يفارق الترجيح بالأعدلية من جهتين الأولى أن الترجيح بالعدد يفضي إلى كثرة النزاع وطول الخصومات ضرورة أنه إذا ترجح أحدهما بمزيد عدد سعى الآخر في زيادة عدد بينته فتطول الخصومة وتعطل الأحكام وليس الأعدلية كذلك إذ ليس في قدرته أن يجعل بينته أعدل فلا يطول النزاع

والثانية أن العدد يمتنع الاجتهاد فيه لأنه لا يختلف ألبتة بخلاف وصف العدالة فإنه يختلف باختلاف الأمصار والأعصار فعدول زماننا لم يكونوا مقبولين في زمن الصحابة رضوان الله عليهم على أنا نلتزم الترجيح بالعدد على أحد القولين عندنا الوجه الثاني قوة الحجة كالشاهدين يقدمان على الشاهد واليمين كما في الجواهر

الوجه الثالث اليد عند التعادل كما في الجواهر قال الأصل فعندنا يقدم صاحب

____________________

(4/138)

ادعى مطلق ملك فإن كان مضافا إلى سبب يتكرر فأعاده كلاهما فكذلك أو لا يتكرر كالولادة وادعياه وشهدت البينة به فقالت كل بينة ولد على ملكه قدمت بينة صاحب اليد لنا على أحمد بن حنبل رضي الله عنه ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تحاكم إليه رجلان في دابة وأقام كل واحد البينة أنها له فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحب اليد ولأن اليد مرجحة كما لو لم يكن لهما ولنا على أبي حنيفة رضي الله عنه ما تقدم والقياس على المضاف إلى سبب لا يتكرر احتجوا بوجوه الأول قوله عليه السلام البينة على من ادعى واليمين على من أنكر وهو يقتضي صنفين مدعيا والبينة حجته ومدعى عليه واليمين حجته فبينته غير مشروعة فلا تسمع كما أن اليمين في الجهة الأخرى لا تفيد شيئا

الثاني ولأنهما لما تعارضتا في سبب لا يتكرر كالولادة شهدت هذه بالولادة والأخرى بالولادة تعين كذبهما فسقطتا فبقيت اليد فلم يحكم له بالبينة فأما ما يتكرر ولم يتعين الكذب فلم تفد بينته إلا ما أفادته يده فسقطت لعدم الفائدة الثالث ولأن صاحب اليد إذا لم يقم الطالب بينة لا تسمع بينته وإذا لم تسمع في هذه

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

اليد عند التساوي أو هو مع البينة الأعدل كانت الدعوى أو الشهادة بمطلق الملك أو مضافا إلى سبب نحو هو ملكي نسجته أو ولدته الدابة عندي في ملكي كان السبب المضاف إليه الملك يتكرر كنسج الخز وغرس النخل أو لا يتكرر كالولادة وقاله الشافعي

وقال ابن حنبل الخارج أولى ولا تقبل بينة صاحب اليد أصلا وقال أبو حنيفة تقدم بينة الخارج إن ادعى مطلق الملك فإن كان إلى سبب يتكرر فادعاه كلاهما فكذلك تقدم بينة الخارج أو لا يتكرر كالولادة وادعياه وشهدت البينة به فقالت كل بينة ولد على ملكه قدمت بينة صاحب اليد

لنا على أحمد بن حنبل رضي الله عنه ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تحاكم إليه رجلان في دابة وأقام كل واحد البينة أنها له فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحب اليد ولأن اليد مرجحة كما لو لم يكن لهما ولنا على أبي حنيفة رضي الله عنه وجهان الأول ما تقدم والثاني القياس على المضاف إلى سبب لا يتكرر واحتجوا بأربعة وجوه الأول قوله عليه الصلاة والسلام البينة على من ادعى واليمين على من أنكر وهو يقتضي صنفين مدعيا والبينة حجته ومدعى عليه واليمين حجته فبينته غير مشروعة فلا تسمع كما أن اليمين في الجهة الأخرى لا تفيد شيئا وجوابه القول بالموجب فإن الحديث جعل بينة المدعى عليه وأنتم تقولون به فتعين أن تكون المراد بها بينة ذي اليد لأنها هي التي عليه سلمنا عدم القول بالموجب لكن المدعي إن فسر بالطالب فصاحب اليد طالب لنفسه ما طلبه الآخر لنفسه فتكون البينة مشروعة في حقه وإن فسر بأضعف المتداعيين سببا فالخارج لما أقام بينة صار الداخل أضعف فوجب أن يكون مدعيا تشرع البينة في حقه سلمنا دلالته أي الحديث المذكور على أن بينة المدعى عليه غير مشروعة لكنه معارض بقوله تعالى إن الله يأمر بالعدل والعدل التسوية في كل شيء حتى يقوم المخصص فلا تسمع بينة أحدهما دون الآخر وبقوله عليه الصلاة والسلام لعلي رضي الله عنه لا تقض

____________________

(4/139)

الحالة وهي أحسن حالتيه فكيف إذا أقام الطالب بينة لا تسمع بطريق الأولى لأنه في هذه الحالة أضعف الرابع إنا إنما أعملنا بينته في صورة النتاج لأن دعواه أفادت الولادة ولم تفدها يده وشهدت البينة بذلك فأفادت البينة غير ما أفادت اليد فقبلت

والجواب عن الأول القول بالموجب فإن الحديث جعل بينة المدعى عليه وأنتم تقولون به فتعين أن يكون المراد بها بينة ذي اليد لأنها هي التي عليه سلمنا عدم القول بالموجب لكن المدعي إن فسر بالطالب فصاحب اليد طالب لنفسه ما طلبه الآخر لنفسه فتكون البينة مشروعة في حقه وإن فسر بأضعف المتداعيين سببا فالخارج لما أقام بينة صار الداخل أضعف فوجب أن يكون مدعيا تشرع البينة في حقه سلمنا دلالته لكنه معارض بقوله تعالى إن الله يأمر بالعدل والعدل التسوية في كل شيء حتى يقوم المخصص فلا تسمع بينة إحداهما دون الآخر وبقوله عليه الصلاة والسلام لعلي رضي الله عنه لا تقض لأحدهما حتى تسمع من الآخر وهو يفيد وجوب الاستماع منهما وأن من قويت حجته حكم بها وأنتم تقولون لا نسمع بينة الداخل وعن الثاني أنه ينتقض بما إذا تعارضتا في دعوى طعام ادعيا زراعته وشهدنا بذلك والزرع لا يزرع مرتين كالولادة ولم يحكموا به لصاحب

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

لأحدهما حتى تسمع من الآخر وهو يفيد وجوب الاستماع منهما وأن من قويت حجته حكم بها وأنتم تقولون لا تسمع بينة الداخل

الثاني أن البينتين لما تعارضتا في سبب لا يتكرر كالولادة شهدت هذه بالولادة والأخرى بالولادة تعين كذبهما فسقطتا فبقيت اليد فلم يحكم له بالبينة فأما ما يتكرر ولم يتعين الكذب فلم تفد ببينته إلا ما أفادته يده فسقطت لعدم الفائدة وجوابه أنه ينتقض بما إذا تعارضتا في دعوى طعام ادعيا زراعته وشهدا بذلك والزرع لا يزرع مرتين كالولادة ولم يحكموا به لصاحب اليد وبالملك المطلق في الحال ولأنه لو حكم باليد دون البينة لما حكم له إلا باليمين لأنه لما حكم له حيث كذبت بينته كان الأولى أن يحكم له إذا لم تكذب بينته ولأن اليد أضعف من البينة بدليل أن اليد لا يقضى بها إلا باليمين والبينة يقضى بها بغير يمين ولو أقام الخارج بينة قدمت على يد الداخل إجماعا فعلمنا أن البينة تفيد ما لا تفيده اليد والثالث أن صاحب اليد إذا لم يقم الطالب بينة لا تسمع بينته وإذا لم تسمع في هذه الحالة وهي أحسن حالتيه فكيف إذا أقام الطالب بينته وهو في هذه الحالة أضعف فعدم سماعها حينئذ بطريق الأولى وجوابه أنه إنما تسمع بينة الداخل عند عدم بينة الخارج لأنه حينئذ قوي باليد والبينة إنما تسمع من الضعيف فوجب سماعها للضعف ولم يتحقق إلا عند إقامة الخارج بينته

والرابع أنا إنما أعلمنا بينته في صورة النتاج لأن دعواه أفادت الولادة ولم تفدها يده وشهدت البينة بذلك فأفادت البينة غير ما أفادت اليد فقبلت

وجوابه أن الدعوى واليد لا يفيدان مطلقا شيئا وإلا لكان مع المدعي حجج اليد والدعوى والبينة يخيره الحاكم بينها أيها شاء أقام كمن شهد له شاهدان وشاهد وامرأتان خير بينهما وبين اليمين مع إحداهما فعلم أن المفيد إنما هو البينة واليد لا تفيد ملكا وإلا لم يحتج معها لليمين كالبينة بل تفيد التبقية عنده حتى تقوم البينة ولأنها لو أفادت وأقام المدعي بينة أنه

____________________

(4/140)

اليد وبالملك المطلق في الحال لاستحالة ثبوته لهما في الحال ولأنه لو حكم له باليد دون البينة لما حكم له إلا باليمين لأنه شأن اليد المنفردة

ولما لم يحتج إلى اليمين علم أنه إنما حكم بالبينة ولأنه لما حكم له حيث كذبت بينته كان أولى أن يحكم به إذا لم تكذبت بينته ولأن اليد أضعف من البينة بدليل أن اليد لا يقضى بها إلا باليمين والبينة يقضى بها بغير يمين ولو أقام الخارج بينة قدمت على يد الداخل إجماعا فعلمنا أن البينة تفيد ما لا تفيده اليد وعن الثالث أنه إنما لم تسمع بينة الداخل عند بينة الخارج لأنه حينئذ قوي باليد والبينة إنما تسمع من الضعيف فوجب سماعها للضعف ولم يتحقق إلا عند إقامة الخارج بينته وعن الرابع أن الدعوى واليد لا يفيدان مطلقا شيئا وإلا لكان مع المدعي حجج اليد والدعوى والبينة يخيره الحاكم بينهما أيها شاء أقام كمن شهد له شاهدان وشاهد وامرأتان خير بينهما وبين اليمين مع إحداهما فعلم أن المفيد إنما هو البينة واليد لا تفيد ملكا وإلا لم يحتج معها لليمين كالبينة بل تفيد التبقية عنده حتى تقوم البينة ولأنها لو أفادت وأقام المدعي بينة أنه اشتراها منه لم يحتج إلى يمين

وأما الأعدلية فمنع أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم الترجيح بها لنا أن البينة إنما اعتبرت لما تثيره من الظن والظن في الأعدل أقوى فيقدم كأخبار الآحاد إذا رجح إحداهما ولأن مقيم الأعدل أقرب للصدق فيكون هو المعتبر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أحكم بالظاهر ولأن الاحتياط مطلوب في الشهادة أكثر من الرواية بدليل جواز العبد والمرأة والمنفرد في الرواية دون الشهادة فإذا كان الاحتياط مطلوبا أكثر في الشهادة وجب أن لا يعدل عن الأعدل والظن أقوى فيها قياسا على الخبر بطريق الأولى والمدرك في هذا الوجه

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

اشتراها منه لم يحتج إلى يمين

الوجه الرابع زيادة التاريخ كما في الجواهر

الوجه الخامس الزيادة بالتفصيل قال ابن أبي زيد في النوادر وترجح البينة المفصلة على المجملة والنظر في التفصيل والإجمال مقدم على النظر في الأعدلية ومنها شهادة أحدهما بحوز الصدقة قبل الموت وشهدت الأخرى برؤيته يخدمه في مرض الموت فتقدم بينة عدم الحوز إذ لم تتعرض الأخرى لرد هذا القول

الوجه السادس الاختصاص بمزيد الاطلاع قال ابن أبي زيد إن اختصت إحداهما بمزيد الاطلاع كشهادة إحداهما بحوز الرهن والأخرى بعدم الحوز لأنها مثبتة للحوز وهي زيادة اطلاع قاله ابن القاسم وسحنون وقال محمد يقضى به لمن هو في يده ومن هذا ما إذا شهدت إحداهما بالقتل أو السرقة أو الزنا وشهدت الأخرى أنه كان بمكان بعيد فنقل عن ابن القاسم أنه تقدم بينة القتل ونحوه لأنها مثبتة زيادة ولا يدرأ عنه الحد قال سحنون إلا أن يشهد الجمع العظيم كالحجيج ونحوهم أنه وقف بهم أو صلى بهم العيد في ذلك اليوم فلا يحد لأن هؤلاء لا يشتبه عليهم أمره بخلاف الشاهدين ا ه

____________________

(4/141)

الاحتياط وفي الوجه الأول الجامع إنما هو الظن

وإذا اختلفت الجوامع في القياسات تعددت

احتجوا بوجوه

الأول أن الشهادة مقدرة في الشرع فلا تختلف بالزيادة كالدية ولا تختلف بزيادة المأخوذ فيه فدية الصغير الحقير كدية الكبير الشريف العالم العظيم

وثانيها أن الجمع العظيم من الفسقة يحصل الظن أكثر من الشاهدين وهو غير معتبر فعلم أنها تعبد لا يدخلها الاجتهاد وكذلك الجمع من النساء والصبيان إذا كثروا وثالثها أنه لو اعتبرت زيادة العدالة وهي صفة لاعتبرت زيادة العدد وهي بينات معتبرة إجماعا فيكون اعتبارها أولى من الصفة والعدد غير معتبر فالصفة غير معتبرة والجواب عن الأول أن وصف العدالة مطلوب في الشهادة وهو موكول إلى اجتهادنا وهو يتزايد في نفسه فما رجحنا إلا في موطن اجتهاد لا في موضع تقدير وعن الثاني أنا لا ندعي أن الظن كيف كان يعتبر بل ندعي أن مزيد الظن بعد حصول أصل معتبر كما أن قرائن الأحوال لا نثبت بها الأحكام والفتاوى وإن حصلت ظنا أكثر من البينات والأقيسة وأخبار الآحاد لأن الشرع لم يجعلها مدركا للفتوى والقضاء ولما جعل الأخبار والأقيسة مدركا للفتيا دخلها الترجيح فكذا هاهنا أصل البينة معتبر بعد العدالة والشروط المخصوصة فاعتبر فيها الترجيح

وعن الثالث أن الترجيح بالعدد يفضي إلى كثرة النزاع وطول الخصومات فإذا ترجح أحدهما بمزيد عدد سعى الآخر في زيادة عدد بينته وتطول الخصومة وتعطل الأحكام وليس في قدرته أن يجعل بينته أعدل فلا يطول النزاع ولأن العدد يعين ما تقدم فيمتنع الاجتهاد فيه بخلاف وصف العدالة ولذلك يختلف باختلاف الأمصار والأعصار فعدول زماننا لم يكونوا مقبولين في زمن الصحابة رضوان الله عليهم وأما العدد فلم يختلف ألبتة مع أنا نلتزم الترجيح بالعدد على أحد القولين عندنا

هامش أنوار البروق

فارغه

هامش إدرار الشروق

قلت ومن هذا الوجه أيضا قول النحويين من حفظ حجة على من لم يحفظ

الوجه السابع استصحاب الحال والغالب ومنه شهادة إحداهما أنه أوصى وشهدت الأخرى أنه أوصى وهو مريض قال ابن القاسم تقدم بينة الصحة لأن ذلك هو الأصل والغالب

الوجه الثالث ظاهر الحال اعتبره سحنون فقال إذا شهدت بأنه زنى عاقلا وشهدت الأخرى بأنه كان مجنونا إن كان القيام عليه وهو عاقل قدمت بينة العقل وإن كان القيام عليه وهو مجنون قدمت بينة الجنون ا ه

ولم يعتبره ابن اللباد فقال يعتبر وقت الرؤية لا وقت القيام ا ه هذا تنقيح ما قاله الأصل في هذا الفرق قال أبو القاسم بن الشاط وما قاله فيه نقل وترجيح ولا كلام في ذلك ا ه والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(4/142)

الفرق التاسع والعشرون والمائتان بين قاعدة المعصية التي هي كبيرة مانعة من قبول الشهادة وقاعدة المعصية التي ليست بكبيرة مانعة من الشهادة اعلم أن إمام الحرمين في أصول الدين قد منع من إطلاق لفظ الصغيرة على شيء من معاصي الله تعالى وكذلك جماعة من العلماء وقالوا لا يقال في شيء من معاصي الله صغيرة بل جميع المعاصي كبائر لعظمة الله تعالى فيكون جميع معاصيه كبائر وقال غيرهم يجوز ذلك واتفق الجميع على أن المعاصي تختلف بالقدح في العدالة وأنه ليس كل معصية يسقط بها العدل عن مرتبة العدالة فالخلاف حينئذ إنما هو في الإطلاق

وقد ورد الكتاب العزيز بالإشارة إلى الفرق في قوله تعالى وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان فجعل للمعصية رتبا ثلاثا كفرا وفسوقا وهو الكبيرة وعصيانا وهي الصغيرة ولو كان المعنى واحدا لكان اللفظ في الآية متكررا إلا بمعنى مستأنف وهو خلاف الأصل إذا تقرر هذا فنقول الصغيرة والكبيرة في المعاصي ليس من جهة من عصى بل من جهة المفسدة الكائنة في ذلك الفعل فالكبيرة ما عظمت مفسدتها والصغيرة ما قلت مفسدتها ورتب المفاسد مختلفة وأدنى رتب المفاسد يترتب عليها

هامش أنوار البروق

قال الفرق التاسع والعشرون والمائتان بين قاعدة المعصية التي هي كبيرة مانعة من قبول الشهادة وقاعدة المعصية التي ليست بكبيرة مانعة من الشهادة إلى قوله وهنا أربع مسائل قلت ما قاله ونقله صحيح إلا ما قاله في ضبط الكبائر والصغائر بالنظر إلى مقادير المفاسد فإنه أصل لا يصح لأنه بناء على قواعد المعتزلة وعلى تقدير أن لا يكون بنى على ذلك بل على أن الشروع فهمنا منه مراعاة المصالح تفضلا فلا يصح أيضا الفرق بالنظر إلى مقادير المفاسد لجهلنا ذلك وعدم وصولنا إلى العلم بحقيقته وإنما الضابط لما ترد به الشهادة ما دل على الجرأة على مخالفته الشارع

هامش إدرار الشروق

الفرق التاسع والعشرون والفرق الثلاثون والمائتان بين قاعدة المعصية التي هي كبيرة مانعة من قبول الشهادة وقاعدة المعصية التي ليست بكبيرة مانعة من الشهادة وبين قاعدة المباح المخل بقبول الشهادة والمباح الذي لا يخل بقبولها اعلم أن لقبول الشهادة ركنين الركن الأول العدالة قال ابن رشد الحفيد في بدايته اتفق المسلمون على عدم قبول شهادة الشاهد بدونها لقوله تعالى ممن ترضون من الشهداء ولقوله تعالى وأشهدوا ذوي عدل منكم واتفقوا على أن شهادة الفاسق لا تقبل لقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ الآية ولم يختلفوا أن الفاسق تقبل شهادته إذا عرفت توبته إلا من كان

____________________

(4/143)

الكراهة ثم كلما ارتقت المفسدة عظمت الكراهة حتى تكون أعلى رتب المكروهات تليها أدنى رتب المحرمات ثم ترتقي رتب المحرمات حتى تكون أعلى رتب الصغائر يليه أدنى الكبائر ثم ترتقي رتب الكبائر بعظم المفسدة حتى تكون أعلى رتب الكبائر يليها الكفر إذا تقرر هذا

وأردنا ضبط ما ترد به الشهادة لعظمه ننظر ما وردت به السنة أو الكتاب العزيز بجعله كبيرة أو أجمعت عليه الأمة أو ثبت فيه حد من حدود الله تعالى كقطع السرقة وجلد الشرب ونحوهما فإنها كلها كبائر قادحة في العدالة إجماعا وكذلك ما فيه وعيد صرح به في الكتاب أو في السنة فنجعله أصلا وننظر فما ساوى أدناه مفسدة أو رجح عليها مما ليس فيه نص ألحقناه به ورددنا به الشهادة وأثبتنا به الفسوق والجرح وما وجدناه قاصرا عن أدنى رتب الكبائر التي شهدت لها الأصول جعلناه صغيرة لا تقدح في العدالة ولا توجب فسوقا إلا أن يصر عليه فيكون كبيرة إن وصل بالإصرار إلى تلك الغاية فإنه لا صغيرة مع إصرار

ولا كبيرة مع استغفار كما قاله السلف ويعنون بالاستغفار التوبة بشروطها لا طلب المغفرة مع بقاء العزم فإن ذلك لا يزيل كبر الكبيرة ألبتة ففي الكتاب فيه ذكر الكبر أو العظم عقب ذكر جريمة وفي السنة في مسلم

هامش أنوار البروق

في أوامره ونواهيه أو احتمل الجرأة فمن دلت قرائن حاله على الجرأة ردت شهادته كمرتكب الكبيرة المعلوم من دلائل الشرع أنها كبيرة أو المصر على الصغيرة إصرارا يؤذن بالجرأة ومن احتمل حاله إن فعل ما فعل من ذلك جرأة أو فلتة توقف عن قبول شهادته وإن دلت دلائل حاله أنه فعل ما فعله من ذلك أعني ما ليس بكبيرة معلومة الكبير من الشرع فلتة غير متصف بالجرأة قبلت شهادته والله تعالى أعلم لأن السبب في رد الشهادة ليس إلا التهمة بالاجتراء على ما ارتكبه من المخالفة فإذا عري من الاتصاف بالجرأة واحتمال الاتصاف بها بظاهر حاله سقطت التهمة والله تعالى أعلم

هامش إدرار الشروق

فسقه من قبل القذف فإن أبا حنيفة يقول لا تقبل شهادته وإن تاب والجمهور يقولون تقبل إذا تاب وسبب الخلاف هل يعود الاستثناء في قوله تعالى ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك إلى أقرب مذكور إليه أو على الجملة إلا ما خصصه الإجماع وهو أن التوبة لا تسقط عند الحد ا ه

قال الباجي قال مالك لا يشترط في قبول توبة القاذف ولا قبول شهادته تكذيبه لنفسه بل صلاح حاله بالاستغفار والعمل الصالح كسائر الذنوب وقال القاضي أبو إسحاق والشافعي لا بد في توبة القاذف من تكذيبه نفسه لأنا قضينا بكذبه في الظاهر وإلا لما فسقناه فلو لم يكذب نفسه لكان مصرا على الكذب الذي فسقناه لأجله في الظاهر وعليه إشكالان أحدهما أنه قد يكون صادقا في قذفه فتكذيبه لنفسه كذب فكيف تشترط المعصية في التوبة وهي ضدها وكيف نجعل المعاصي سبب صلاح العبد وقبول شهادته ورفعته وثانيهما أنه إن كان كاذبا في قذفه فهو فاسق أو صادقا

____________________

(4/144)

قالوا ما أكبر الكبائر يا رسول الله فقال أن تجعل لله شريكا وقد خلقك قلت ثم أي قال أن تقتل ولدك خوفا أن يأكل معك قلت ثم أي قال أن تزاني حليلة جارك وفي حديث آخر اجتنبوا السبع الموبقات قيل وما هي يا رسول الله قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات وأكل الربا وشهادة الزور وفي بعض الطرق وعقوق الوالدين واستحلال بيت الله الحرام وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل القبلة في الأجنبية صغيرة فيلحق بها ما في معناها وهنا أربع مسائل

المسألة الأولى ما حقيقة الإصرار الذي يصير الصغيرة كبيرة وقع البحث فيه مع جماعة من الفضلاء فقال بعضهم هو أن يتكرر الذنب منه سواء كان يعزم على العود أم لا

وقال بعضهم إن تكرر من غير عزم لم يكن إصرارا بأن يفعل الذنب أول مرة وهو لا يخطر له معاودته لداعية متجددة فيفعله كذلك مرارا فهذا ليس إصرارا وتارة يفعل الذنب وهو عازم على معاودته فيعاوده بناء على ذلك العزم السابق فهذا هو الإصرار الناقل للصغيرة لدرجة الكبيرة ولذلك قال الله تعالى ولم يصروا على ما فعلوا ويقال

هامش أنوار البروق

قال المسألة الأولى ما حقيقة الإصرار إلى آخر المسألة قلت الإصرار لغة المقام على الشيء والمعاودة له سواء كان ذلك فعلا أو غيره لا ما قاله المؤلف من أنه العزم والتصميم على الشيء وعلى ذلك فالإصرار المصير للصغيرة كبيرة مانعة من قبول الشهادة إنما هو المعاودة لها معاودة تشعر بالجرأة على المخالفة لا المعاودة المقترنة بالعزم عليها لأن العزم مما لا يتوصل إليه لأنه أمر باطن

فإن قيل الجرأة أمر باطن قلت لم اشترط الجرأة بنفسها وإنما اشترطت الإشعار بها وهو مما يدركه من يتأمل أحوال المواقع للمخالفة والله أعلم قال المسألة الثانية إلى قوله كان هذا الإصرار كبيرة تخل بالعدالة

هامش إدرار الشروق

فهو عاص لأن تعبير الزاني بزناه معصية فكيف ينفعه تكذيب نفسه مع كونه عاصيا بكل حال

والجواب عن الأول أن الكذب لأجل الحاجة جائز كالرجل مع امرأته وللإصلاح بين الناس وهذا التكذيب فيه مصلحة الستر على المقذوف وتقليل الأذية والفضيحة عند الناس وقبول شهادته في نفسه وعوده إلى الولاية التي يشترط فيها العدالة وتصرفه في أموال أولاده وتزويجه لمن يلي عليه وتعرضه للولايات الشرعية وعن الثاني تعيير الزاني بزناه صغيرة لا تمنع الشهادة ا ه وقال في البداية قبل ما ذكر وإنما تردد الفقهاء في مفهوم اسم العدالة المقابلة للفسق فقال الجمهور هي صفة زائدة على الإسلام وهو أن يكون ملتزما لواجبات الشرع ومستحباته مجتنبا للمحرمات والمكروهات وقال أبو حنيفة يكفي في العدالة ظاهر الإسلام وأن لا تعلم منه جرحة ا ه وقال الأصل اتفق العلماء على أن المعاصي تختلف بالقدح في العدالة وأنه ليس كل معصية يسقط بها العدل عن مرتبة

____________________

(4/145)

فلان مصر على العداوة أي مصمم بقلبه عليها وعلى مصاحبتها ومداومتها ولا يفهم في عرف الاستعمال من الإصرار إلا العزم والتصميم على الشيء والأصل عدم النقل والتغيير فوجب أن يكون ذلك معناه لغة وشرعا هذا هو الذي ترجح عندي

المسألة الثانية ما ضابط التكرر في الإصرار الذي يصير الصغيرة كبيرة فإن ذلك ليس فيه نص من الكتاب ولا من السنة قال بعض العلماء ينظر إلى ما يحصل من ملابسة أدنى الكبائر من عدم الوثوق بملابستها في أداء الشهادة والوقوف عند حدود الله تعالى ثم ينظر لذلك التكرر في الصغيرة فإن حصل في النفس من عدم الوثوق ما حصل من أدنى الكبائر كان هذا الإصرار كبيرة تخل بالعدالة وهذا يؤكد أنه لا بد فيه من العزم فإن الفلتات من غير أن تستمر لا تكاد تخل بالوثوق نعم قد تدل كثرة التكرار على فرار العزم في النفس وبهذا الضابط أيضا يعلم المباح المخل بقبول الشهادة كالأكل في الأسواق ونحوه فإن يصدر منه صدورا يوجب عدم الوثوق به في حدود الله تعالى كان ذلك مخلا وذلك يختلف بحسب الأحوال المقترنة والقرائن المصاحبة وصورة الفاعل وهيئة الفعل والمعتمد في ذلك ما يؤدي إلى ما يوجد في القلب السليم عن الهواء المعتدل المزاج والعقل والديانة العارف بالأوضاع

هامش أنوار البروق

قلت ما قاله هذا العالم هو الذي أشرت إليه من الإشعار بالجرأة وهذا كلام صحيح لا ريب فيه قال وهذا يؤكد أنه لا بد فيه من العزم فإن الفلتات من غير أن تستمر لا تكاد تخل بالوثوق قلت إن أراد أن لا بد من معرفتنا بعزمه فذلك غير صحيح وكذلك إن أراد أن الحالة المشعرة بالجرأة لا تخلو عن الإشعار بالعزم لأنه ربما عاود المخالفة من غير عزم على المعاودة تكون حاله هذه مشعرة بجرأته على المخالفة فالعزم لا حاجة إلى اشتراطه بوجه والله أعلم قال وبهذا الضبط أيضا يعلم المباح المخل بقبول الشهادة كالأكل في الأسواق أو نحوه فإن يصدر منه صدورا يوجب عدم الوثوق به في حدود الله تعالى كان ذلك بخلا

هامش إدرار الشروق

العدالة وإنما وقع الخلاف بينهم في الإطلاق فقط فمنع إمام الحرمين في أصول الدين من إطلاق لفظ الصغيرة على شيء من معاصي الله وكذلك جماعة من العلماء وقالوا لا يقال في شيء من معاصي الله صغيرة بل جميع المعاصي كبائر لعظمة الله تعالى فيكون جميع معاصيه كبائر

وقال غيرهم يجوز ذلك وقد ورد الكتاب العزيز بالإشارة إلى الفرق في قوله تعالى وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان فجعل للمعصية رتبا ثلاثا كفرا وفسوقا وهو الكبيرة وعصيانا وهي الصغيرة ولو كان المعنى واحدا لكان اللفظ في الآية متكررا لا بمعنى مستأنف وهو خلاف الأصل ا ه

إذا تقرر هذا فالضابط لما ترد به الشهادة من المعاصي الذي به الفرق بين القاعدتين المذكورتين هو ما دل على الجرأة على مخالفته الشارع في أوامره ونواهيه أو احتمل الجرأة كما اختاره أبو القاسم بن الشاط قال فمن دلت قرائن حاله على الجرأة ردت شهادته كمرتكب

____________________

(4/146)

الشرعية فهذا هو المتعين لوزن هذه الأمور فإن من غلب عليه التساهل في طبعه لا يعد الكبيرة شيئا ومن غلب عليه التشديد في طبعه يجعل الصغيرة كبيرة فلا بد من اعتبار ما تقدم ذكره في العقل الوازن لهذه الاعتبارات ومتى تخللت التوبة الصغائر فلا خلاف أنها لا تقدح في العدالة وكذلك ينبغي إذا كانت من أنواع مختلفة وإنما يحصل الشبه واللبس إذا تقررت من النوع الواحد وهو موضوع النظر الذي تقدم التنبيه عليه المسألة الثالثة المشهور عندنا قبول شهادة القاذف قبل جلده وإن كان القذف كبيرة اتفاقا وقاله أبو حنيفة رضي الله عنه وردها عبد الملك ومطرف والشافعي وابن حنبل رضي الله عنهم لنا أنه قبل الجلد غير فاسق لأنه ما لم يفرغ من جلده يجوز رجوع البينة أو تصديق المقذوف له فلا يتحقق الفسق إلا بعد الجلد والأصل استصحاب العدالة والحالة السابقة احتجوا بوجوه الأول أن الآية اقتضت ترتيب الفسق على القذف وقد تحقق القذف فيتحقق الفسق سواء جلد أم لا

الثاني أن الجلد فرع ثبوت الفسق فلو توقف الفسق على الجلد لزم الدور

الثالث أن الأصل عدم قبول الشهادة إلا حيث تيقن العدالة ولم تتيقن هنا فترد

هامش أنوار البروق

قلت ما قاله هنا ليس بصحيح وأن المباح المخل بقبول الشهادة ربما لا يخل بها من الوجه الذي تخل به المخالفة فإن إخلال المخالفة إنما هو بالعدالة التي هي أحد ركني قبول الشهادة وإخلال المباح إنما هو بالوثوق بالضبط الذي هو الركن الثاني لقبول الشهادة فكيف يكون ضابط الأمرين ضابطا واحدا هذا لا يصح بل الضابط أن مخالفة العادة الجارية من الشاهد في أموره المباحة ربما أشعرت بخلل في عقله فيتطرق الخلل إلى ضبطه وربما لم تشعر وذلك بحسب قرائن الأحوال فإن أشعر بذلك أو احتمل ردت شهادته في قبولها أو توقف وإلا فلا قال وذلك يختلف بحسب الأحوال المقترنة والقرائن المصاحبة إلى آخر المسألة قلت ما قاله

هامش إدرار الشروق

الكبيرة المعلوم من دلائل الشرع أنها كبيرة أو المصر على الصغيرة إصرارا يؤذن بالجرأة ومن احتمل حاله إن فعل ما فعل من ذلك جرأة أو فلتة توقف عن قبول شهادته ومن دلت دلائل حاله أنه فعل ما فعله من ذلك أعني ما ليس بكبيرة معلومة الكبر من الشرع فلتة غير متصف بالجرأة قبلت شهادته وذلك لأن السبب رد الشهادة ليس إلا التهمة بالاجتراء على الكذب كالاجتراء على ما ارتكبه من المخالفة فإذا عري عن الاتصاف بالجرأة واحتمال الاتصاف بها بظاهر حاله سقطت التهمة والله تعالى أعلم ا ه

قال الأصل وصححه ابن الشاط وبالجملة فذلك يختلف بحسب الأحوال المقترنة والقرائن المصاحبة وصورة الفاعل وهيئة الفعل والمعتمد في ذلك ما يؤدي إلى ما يوجد في القلب السليم عن الأهواء المعتدل المزاج والعقل والديانة العارف بالأوضاع الشرعية فهذا هو المتعين لوزن هذه الأمور فإن من غلب عليه التساهل في طبعه لا يعد الكبيرة شيئا ومن

____________________

(4/147)

والجواب عن الأول أن الآية اقتضت صحة ما ذكرناه وبطلان ما ذكرتموه لأن الله تعالى قال فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون فرتب رد الشهادة والفسق على الجلد وترتب الحكم على الوصف يدل على علية ذلك الوصف لذلك الحكم فيكون الجلد هو السبب المفسق فحيث لا جلد لا فسوق

وهو مطلوبنا أو عكس مطلوبكم وعن الوجه الثاني أن الجلد فرع ثبوت الفسق ظاهرا ظهورا ضعيفا لجواز رجوع البينة أو تصديق المقذوف فإذا أقيم الجلد قوي الظهور بإقدام البينة وتصميمها على أذيته وكذلك المقذوف وحينئذ نقول إن مدرك رد الشهادة إنما هو الظهور القوي لأنه المجمع عليه والأصل بقاء العدالة السابقة

المسألة الرابعة قال الباجي قال القاضي أبو إسحاق والشافعي لا بد في توبة القاذف من تكذيبه لنفسه لأنا قضينا بكذبه في الظاهر لما فسقناه فلو لم يكذب نفسه لكان مصرا على الكذب الذي فسقناه لأجله في الظاهر وعليه إشكالان أحدهما أنه قد يكون صادقا في قذفه فتكذيبه لنفسه كذب فكيف تشترط المعصية في التوبة التي هي ضدها ونجعل المعاصي سبب صلاح العبد وقبول شهادته ورفعته

ثانيهما أنه إن كان كاذبا في قذفه فهو فاسق أو صادقا فهو عاص لأن تعيير الزاني

هامش أنوار البروق

في ذلك صحيح وما قاله في المسألتين بعدها نقل وتوجيه ولا كلام فيه وجميع ما قاله في الفروق الستة بعده صحيح أو نقل وترجيح

هامش إدرار الشروق

غلب عليه التشديد في طبعه يجعل الصغيرة كبيرة فلا بد من اعتبار ما تقدم ذكره في العقل الوازن بهذه الاعتبارات ا ه

قال ابن الشاط والإصرار المصير للصغيرة كبيرة مانعة من قبول الشهادة إنما هو المعاودة لها معاودة تشعر بالجرأة على المخالفة لا المعاودة المقترنة بالعزم عليها لأن العزم مما لا يتوصل إليه لأنه أمر باطن كالجرأة نفسها بخلاف الإشعار بها الذي اشترطته فإنه مما يدركه من يتأمل أحوال المواقع للمخالفة كما قال بعض العلماء ينظر إلى ما يحصل من ملابسة أدنى الكبائر من عدم الوثوق بملابستها في أداء الشهادة والوقوف عند حدود الله تعالى ثم ينظر لذلك التكرر في الصغيرة فإن حصل في النفس من عدم الوثوق ما حصل من أدنى الكبائر كان هذا الإصرار كبيرة تخل بالعدالة إلخ ا ه والله أعلم ا ه

قال الأصل ومتى تخللت التوبة الصغائر فلا خلاف أنها لا تقدح في العدالة وكذلك ينبغي إذا كانت من أنواع مختلفة وإنما يحصل الشبه واللبس إذا تكررت من النوع الواحد وهو موضع النظر ا ه الركن الثاني الوثوق بالضبط فلذا اشترطوا البلوغ فيها والحرية ونفي التهمة أما البلوغ فقال في البداية اتفقوا على اشتراطه فيها حيث تشترط العدالة واختلفوا في شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الجراح وفي القتل فردها جمهور فقهاء الأمصار لما قلناه من وقوع الإجماع على أن من شرط الشهادة العدالة ومن شرط العدالة البلوغ ولك ليست في الحقيقة شهادة عند مالك وإنما هي قرينة حال ولذلك اشترط فيها أن لا يتفرقوا لئلا يجنبوا واختلف أصحاب مالك هل تجوز إذا كان بينهم كبير أم

____________________

(4/148)

بزناه معصية فكيف ينفعه تكذيب نفسه مع كونه عاصيا بكل حال والجواب عن الأول أن الكذب لأجل الحاجة جائز كالرجل مع امرأته وللإصلاح بين الناس وهذا التكذيب فيه مصلحة الستر على المقذوف وتقليل الأذية والفضيحة عند الناس وقبول شهادته في نفسه وعوده إلى الولاية التي يشترط فيها العدالة وتصرفه في أموال أولاده وتزويجه لمن يلي عليه وتعرضه للولايات الشرعية وعن الثاني أن تعيير الزاني بزناه صغيرة لا تمنع الشهادة وقال مالك لا يشترط في قبول توبته ولا قبول شهادته تكذيبه لنفسه بل صلاح حاله بالاستغفار والعمل الصالح كسائر الذنوب

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

لا ولم يختلفوا أنه يشترط فيها العدة المشترطة في الشهادة واختلفوا هل يشترط فيها الذكورة أم لا واختلفوا أيضا هل تجوز في القتل الواقع بينهم ولا عمدة لمالك في هذا إلا أنه من باب إجازته قياس المصلحة وإما أنه مروي عن ابن الزبير فقال الشافعي إن ابن عباس قد ردها والقرآن يدل على بطلانها نعم قال بقول مالك ابن أبي ليلى وقوم من التابعين ا ه

بتصرف وأما الحرية ففي البداية أيضا جمهور فقهاء الأمصار على اشتراطها في قبول الشهادة وقال أهل الظاهر تجوز شهادة العبد لأن الأصل إنما هو اشتراط العدالة والعبودية ليس لها تأثير في الرد إلا أن يثبت ذلك من كتاب الله أو سنة أو إجماع وكأن الجمهور رأوا أن العبودية أثر من أثر الكفر فوجب أن يكون لها تأثير في رد الشهادة ا ه

وأما نفي التهمة فأما التهم بالاجتراء على الكذب التي سببها ارتكاب بعض المعاصي فقد تضمنها اشتراط العدالة كما عرفت وأما التهمة التي سببها المحبة والقرابة أو البغضة للعداوة الدنيوية ففي البداية أجمعوا على أنها مؤثرة في إسقاط الشهادة واختلفوا في رد شهادة العدل بالتهمة لموضع المحبة أو البغضة التي سببها العداوة الدنيوية فقال بردها فقهاء الأمصار إلا أنهم اتفقوا في مواضع على أعمال التهمة وفي مواضع على إسقاطها واختلفوا في مواضع فأعملها بعضهم وأسقطها بعضهم ا ه

المراد فانظرها وسيأتي في الفرق بعد توضيح ذلك فترقب وأما التهمة المشعرة بخلل في عقله فبفعل بعض المباح المخل بقبول الشهادة كالأكل في الأسواق ونحوه قال أبو القاسم بن الشاط والضابط أن مخالفة العادة الجارية من الشاهد في أموره المباحة ربما أشعرت بخلل في عقله فيتطرق الخلل إلى ضبطه وربما لم تشعر وذلك بحسب قرائن الأحوال فإن أشعر بذلك أو احتمل ردت شهادته أو توقف في قبولها وإلا فلا ا ه بلفظه

تنبيه قال الأصل المشهور عندنا قبول شهادة القاذف قبل جلده بدون توبته وإن كان القذف كبيرة اتفاقا وقال أبو حنيفة رضي الله عنه وردها عبد الملك ومطرف والشافعي وابن حنبل رضي الله عنهم لنا أنه قبل الجلد غير فاسق لأنه ما لم يفرغ من جلده يجوز رجوع البينة أو تصديق المقذوف له فلا يتحقق الفسق إلا بعد الجلد والأصل استصحاب العدالة والحالة السابقة واحتجوا بثلاثة وجوه الأول أن الآية اقتضت ترتيب الفسق على القذف

وقد تحقق القذف فيتحقق الفسق سواء جلد أم لا وجوابه أن الآية اقتضت صحة ما ذكرناه

____________________

(4/149)

الفرق الثلاثون والمائتان بين قاعدة التهمة التي ترد بها الشهادة بعد ثبوت العدالة وبين قاعدة ما لا ترد به اعلم أن الأمة مجمعة على رد الشهادة بالتهمة من حيث الجملة لكن وقع الخلاف في بعض الرتب وتحرير ذلك أن التهمة ثلاثة أقسام مجمع على اعتبارها لقوتها ومجمع على إلغائها لخفتها ومختلف فيها هل تلحق بالرتبة العليا فتمنع أو بالرتبة الدنيا فلا تمنع فأعلاها شهادة الإنسان لنفسه مجمع على ردها وأدناها شهادة الإنسان لرجل من قبيلته أجمع على اعتبارها وبطلان هذه التهمة ومثال المتوسط بين هاتين الرتبتين شهادته لأخيه أو لصديقه الملاطف ونحو ذلك فوافقنا أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل في عمودي النسب الآباء والأبناء لا يشهد لهم وخالفونا في الأخ والصديق الملاطف ووافقنا ابن حنبل في الزوجين فلا تقبل الشهادة لهما وخالفنا الشافعي فقبل ووافقنا الشافعي وابن حنبل في اعتبار العداوة إلا أن تكون في الدين وقال أبو حنيفة العداوة مطلقا ونحو ذلك من المسائل المتوسطات لنا قوله عليه الصلاة والسلام لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين احتجوا بظاهر قوله تعالى شهيدين من رجالكم وبقوله ذوي عدل منكم الطلاق 2

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وبطلان ما ذكرتموه لأن الله تعالى قال فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون فرتب رد الشهادة والفسق على الجلد وترتيب الحكم على الوصف يدل على علية ذلك الوصف لذلك الحكم فيكون الجلد هو السبب المفسق فحيث لا جلد لا فسوق وهو مطلوبنا وعكس مطلوبكم والوجه الثاني أن الجلد فرع ثبوت الفسق فلو توقف الفسق عليه لزم الدور والوجه الثالث أن الأصل عدم قبول الشهادة إلى حيث تيقن العدالة ولم تتيقن هنا فترد وجوابهم أن كون الجلد فرع ثبوت الفسق ظاهر ظهورا ضعيفا لجواز رجوع البينة أو تصديق المقذوف فإذا أقيم الجلد قوي الظهور بإقدام البينة وتصميمها على أذيته وكذلك المقذوف وحينئذ نقول أن مدرك رد الشهادة إنما هو الظهور القوي لأنه المجمع عليه والأصل بقاء العدالة السابقة ا ه بإصلاح والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق الثلاثون والمائتان بين قاعدة التهمة التي ترد بها الشهادة بعد ثبوت العدالة وبين قاعدة ما لا يرد به قد علمت مما تقدم أن التهمة ثلاثة أقسام الأول تهمة الاجتراء على الكذب التي سببها ارتكاب بعض المعاصي وقد تضمنها الركن الأول من ركني الشهادة والثاني تهمة خلل العقل التي سببها فعل بعض المباحات والثالث تهمة الاجتراء على الكذب التي سببها المحبة بنحو القرابة أو البغضة بالعداوة وقد تضمن

____________________

(4/150)

ونحو ذلك من الظواهر والفقه مع من كانت القواعد والنصوص معه أظهر ومن ذلك من ردت شهادته لفسقه أو كفره أو صغره أو رقه ثم أداها بعد زوال هذه الصفات فإنه يتهم في تنفيذ ما رد فيه منعناها نحن وابن حنبل

وقال الشافعي وأبو حنيفة رضي الله عنهما يقبل الكل إلا الفاسق والفرق أن الفاسق تسمع شهادته ثم ينظر في عدالته فيتحقق الرد بالظهور على الفسق وأولئك لم تسمع شهادتهم لما علم من صفاتهم فلا يتحقق الرد الباعث على التهمة ولنا شهادة العوائد ولأنه مروي عن عثمان رضي الله عنه ولأن العلم بصفاتهم لو وقع قبل الأداء لما وقع الأداء وإنما منعنا حيث وقع الأداء فصفاتهم حينئذ تكون مجهولة فسقط الفرق وعكسه لو حصل البحث عن الفسق قبل الأداء قبلت شهادته إذا لم ترد وصلحت حاله ومنعنا شهادة أهل البادية إذا قصدوا في التحمل دون أهل الحاضرة في البياعات والنكاح والهبة ونحوها لأن العدول إليهم مع إمكان غيرهم تهمة في إبطال ما شهدوا به وقال ابن حنبل لا يقبل بدوي مطلقا على قروي

وقال أبو حنيفة والشافعي تقبل مطلقا لنا الحديث المتقدم وفي أبي داود لا تقبل شهادة بدوي على صاحب قرية وهو محمول عندنا على موضع التهمة جمعا بينه وبين العمومات الدالة على قبول الشهادة التي تقدمت وحملوهم الحديث على من لم تعلم عدالته من الأعراب

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

هذين القسمين الركن الثاني منهما والمراد هنا القسم الثالث والأمة مجمعة على رد الشهادة بتهمة سببها ما ذكر من حيث الجملة إلا أن هذه التهمة ثلاثة أقسام أيضا القسم الأول مجمع على اعتبارها لفوتها كشهادة الإنسان لنفسه وكشهادة الأب لابنه والأم لابنها وبالعكس فقد ذهب شريح وأبو ثور وداود إلى أن شهادة الأب لابنه تقبل فضلا عمن سواه إذا كان الأب عدلا لوجهين الأول قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين فإن الأمر بالشيء يقتضي إجراء المأمور إلا ما خصصه الإجماع من شهادة المرء لنفسه الثاني إن رد الشهادة بالجملة إنما هو لموضع اتهام الكذب وهذه التهمة إنما اعتملها الشرع في الفاسق ومنع إعمالها في العادل فلا تجتمع العدالة مع التهمة والقسم الثاني مجمع على إلغائها لخفتها كشهادة الإنسان لرجل من قبيلته قال في البداية ومنه شهادة الأخ لأخيه ما لم يدفع بذلك عن نفسه عارا على ما قال مالك وما لم يكن منقطعا إلى أخيه يناله بره وصلته فقد اتفقوا على إسقاط التهمة فيها ما عدا الأوزاعي فإنه قال لا يجوز ومفاد كلام الأصل أن التهمة فيها تلغى عند أبي حنيفة والشافعي وابن حنبل وتعتبر عندنا مطلقا وسلمه ابن الشاط فانظر ذلك والقسم الثالث مختلف فيها هل تلحق بالرتبة العليا فتمنع أو بالرتبة الدنيا فلا تمنع ومن أمثلته شهادة الزوجين أحدهما للآخر فإن مالكا وأبا حنيفة وابن حنبل ردوها وأجازها الشافعي وأبو ثور والحسن وقال ابن أبي ليلى تقبل شهادة الزوج لزوجتيه ولا تقبل شهادتها له وبه قال النخعي ومنها شهادة الشاهد لصديقه الملاطف فترد عندنا وتقبل عند أبي حنيفة والشافعي وابن حنبل ومنها شهادة العدو على عدوه فقال أبو حنيفة تقبل مطلقا وقال مالك لا تقبل مطلقا وقال الشافعي لا تقبل إلا أن تكون في الدين

لنا وجوه

____________________

(4/151)

قالوا وهو أولى لقلة التخصيص حينئذ في تلك العمومات في الصحيحين أن أعرابيا شهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم على رؤية الهلال فقبل شهادته على الناس ولأن من قبلت شهادته في الجراح قبلت في غيرها كالحضري ولأن الجراح آكد من المال ففي المال أولى

والجواب عن الأول أن جمعنا أولى لأنه لو كان لأجل عدم العدالة لم يكن لتخصيصه بصاحب القرية فائدة بل للتهمة وعن الثاني نحن نقبله في الهلال لعدم التهمة المتقدم ذكرها وعن الثالث أن الجراح يقصد الخلوات دون المعاملات فكانت التهمة في المعاملات موجودة دون الجراح

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

سقط تكون في الدين لنا وجوه الأول قوله عليه الصلاة والسلام لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين الثاني ما خرجه أبو داود من قوله صلى الله عليه وسلم لا تقبل شهادة بدوي على حضري لقلة شهود البدوي ما يقع في المصر الثالث القياس على ما أجمع الجمهور عليه من تأثير العداوة في الأحكام الشرعية مثل إجماعهم على عدم توريث القاتل المقتول وعلى توريث المبتوتة في المرض وإن كان فيه خلاف واحتجوا بظواهر منها قوله تعالى شهيدين من رجالكم وقوله تعالى ذوي عدل منكم والفقه مع من كانت القواعد والنصوص معه أظهر ومن أمثلة هذا القسم من ردت شهادته لفسقه أو كفره أو صغره أو رقه ثم أداها بعد زوال هذه الصفات فإنه يتهم في تنفيذ ما رد فيه فنحن وابن حنبل منعناها وقال الشافعي وأبو حنيفة رضي الله عنهما يقبل الكل إلا الفاسق والفرق أن الفاسق تسمع شهادته ثم ينظر في عدالته فيتحقق الرد بالظهور على الفسق وأولئك لم تسمع شهادتهم لما علم من صفاتهم فلا يتحقق الرد الباعث على التهمة ولنا وجوه الأول شهادة العوائد الثاني أنه مروي عن عثمان رضي الله عنه

الثالث أن العلم بفسقهم لو وقع قبل الأداء لما وقع الأداء وإنما منعنا حيث وقع الأداء فصفاتهم حينئذ تكون مجهولة فسقط الفرق وعكسه لو حصل البحث عن الفسق قبل الأداء قبلت شهادته إذا لم ترد ومن أمثلة ذلك شهادة أهل البادية إذا قصدوا في التحمل دون أهل الحاضرة فنحن منعناها في البياعات والنكاح والهبة ونحوها لأن العدول إليهم مع إمكان غيرهم تهمة في إبطال ما شهدوا به

وقال ابن حنبل لا تقبل شهادة بدوي على قروي مطلقا وقال أبو حنيفة والشافعي تقبل مطلقا لنا وجهان الأول حديث لا تقبل شهادة خصم إلخ والثاني حمل حديث أبي داود على موضع التهمة جمعا بينه وبين العمومات المتقدمة الدالة على قبول الشهادة وحجتهم من وجوه الأول حمل حديث أبي داود على من لم تعلم عدالته من الأعراب قالوا وهو أولى لقلة التخصيص حينئذ في تلك العمومات وجوابه أن جمعنا أولى لأنه لو كان لأجل عدم العدالة لم يكن لتخصيصه بصاحب القرية بل للتهمة والثاني ما في الصحيحين أن أعرابيا شهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم على رؤية الهلال فقبل شهادته على الناس وجوابه أنا نقبله في الهلال لعدم التهمة المتقدم ذكرها والثالث أن من قبلت شهادته في الجراح قبلت في غيرها كالحضري ولأن الجراح آكد من المال ففي المال أولى وجوابه أن الجراح يقصد لها الخلوات دون المعاملات فكانت التهمة في المعاملات موجودة دون الجراح هذا خلاصة ما قاله الأصل وصححه ابن الشاط مع زيادة من بداية الحفيد والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(4/152)

الفرق الحادي والثلاثون والمائتان بين قاعدة الدعوى الصحيحة وقاعدة الدعوى الباطلة فضابط الدعوى الصحيحة أنها طلب معين أو ما في ذمة معين أو ما يترتب عليه أحدهما معتبرة شرعا لا تكذبها العادة فالأول كدعوى أن السلعة المعينة اشتراها منه أو غصبت منه والثاني كالديون والسلم ثم المعين الذي يدعي في ذمته قد يكون معينا بالشخص كزيد أو بالصفة كدعوى الدية على العاقلة والقتل على جماعة أو أنهم أتلفوا متمولا والثالث كدعوى المرأة الطلاق أو الردة على زوجها فيترتب لها حوز نفسها وهي معينة أو الوارث أن أباه مات مسلما أو كافرا فيترتب له الميراث المعين فهي مقاصد صحيحة وقولنا معتبرة شرعا احتراز من دعوى عشر سمسمة فإن الحاكم لا يسمع مثل هذه الدعوى لأنه لا يترتب عليه نفع شرعي ولهذه الدعوى أربعة شروط أن تكون معلومة محققة لا تكذبها العادة يتعلق بها غرض صحيح وفي الجواهر لو قال لي عليه شيء لم تسمع دعواه لأنها مجهولة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الفرق الحادي والثلاثون والمائتان بين قاعدتي الدعوى الصحيحة والدعوى الباطلة وهو أن الباطلة ما كانت غير معتبرة شرعا بأن اختل منها شرط من شروطها والصحيحة ما كانت معتبرة شرعا بأن استوفت شروطها وشروطها خمسة الشرط الأول بيان المدعي فيه بأن يكون متصورا في ذهن المدعي والمدعى عليه والقاضي بأحد نوعين النوع الأول ببيان عينه كدعوى أن هذا الثوب أو الفرس اشتراه منه أو أن هذه الدراهم غصبت منه أو بيان صفته كلي في ذمته ثوب أو فرس صفتهما كذا أو دراهم يزيدية أو محمدية أو سبني أو شتمني أو قذفني بلفظ كذا إذ ليس كل سب وشتم يوجب الحد والنوع الثاني بيان سبب المدعي فيه المعين كدعوى المرأة الطلاق أو الردة لتحرر نفسها وهي معينة أو بيان سبب ما في ذمة المعين كدعوى المرأة المسيس أو القتل خطأ ليترتب الصداق أو الدية في ذمة الزوج أو العاقلة المعينة بالنوع قال تستوي العاصمية وهذا النوع بمثاليه راجع في المعنى للنوع الأول لأن المدعي يقول فيهما أحرزت نفسي لأنك طلقتني ولي عليك صداق أو دية لأنك مسستني أو قتلت وليي وكذا لو قال بعت لك داري أو أجرتها منك فادفع لي ثمنها أو أجرتها ولذكر السبب في هذا النوع لا يحتاج المدعي فيه لبيان السبب بخلاف النوع الأول فإن في كون بيان السبب فيه كان يقول من تعد أو بيع قال خليل وكفى بعت وتزوجت وحمل على الصحيح وإلا فليسأله الحاكم عن السبب ثم قال وللمدعى عليه السؤال عن السبب ا ه

ليس من تمام صحة الدعوى أو من تمام صحتها خلافان الأول للحطاب قال بدليل قول خليل والمدعى عليه إلخ والثاني الرماحي محتجا بكلام المجموعة وابن عرفة قال التسولي واعتراض بناني عليه بأنه

____________________

(4/153)

وكذلك أظن أن لي عليك ألفا أو لك علي ألف وأظن أني قضيتها لم تسمع لتعذر الحكم بالمجهول إذ ليس بعض المراتب أولى من بعض ولا ينبغي للحاكم أن يدخل في الخطر بمجرد الوهم من المدعي وقالت الشافعية لا يصح دعوى المجهول إلا في الإقرار والوصية لصحة القضاء بالوصية المجهولة كثلث المال والمال غير معلوم وصحة الملك في الإقرار بالمجهول من غير حكم ويلزمه الحاكم بالتعيين وقاله أصحابنا

وقال الشافعية إن ادعى بدين من الأثمان ذكر الجنس دنانير أو دراهم والنوع مصرية أو مغربية والصفة صحاحا أو مكسرة والمقدار والسكة ويذكر في غير الأثمان الصفات المعتبرة في السلم وذكر القيمة مع الصفات أحوط وما لا تضبطه الصفة كالجواهر فلا بد من ذكر القيمة من غالب نقد البلد ويذكر في الأرض والدار اسم الصقع والبلد وفي السيف المحلى بالذهب قيمته فضة وبالفضة قيمته ذهبا أو بهما قومه بما شاء منهما لأنه موضع ضرورة ولا يلزم ذكر سبب ملك المال بخلاف سبب القتل والجراح لاختلاف الحكم هاهنا دون المال بالعمد والخطأ وهل قتله وحده أو مع غيره ولأن إتلافه لا يستدرك بخلاف المال وهذا كله لا يخالفه أصحابنا وقواعدنا تقتضيه غير أن قولهم وقول أصحابنا إن من شرطها أن تكون معلومة فيه نظر فإن الإنسان لو وجد وثيقة في تركة مورثه أو أخبره عدل بحق له فالمنقول جواز الدعوى بمثل هذا والحلف بمجرده عندنا وعندهم مع أن هذه الأسباب لا تفيد إلا الظن فإن أرادوا أن العلم في نفس الأمر عند الطالب فليس كذلك وإن أرادوا أن التصريح بالظن يمنع الصحة والسكوت عنه لا يقدح فهذا مانع لأن عدمه شرط وأيضا فما جاز الإقدام معه لا يكون التصريح به مانعا كما لو شهدوا بالاستفاضة وبالسماع وبالظن في الفلس وحصر الورثة وصرح بمستنده في الشهادة لم يكن ذلك قادحا على الصحيح فكذلك هاهنا وقال بعض الشافعية يقدح تصريح الشاهد بمستنده في ذلك

وليس له وجه فإن ما جوزه الشرع لا يكون النطق به منكرا وهذا مقتضى القواعد وقولي لا تكذبهما العادة سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في مسائل هذا الفرق فهذا هو الفرق بين قاعدة ما يسمع وقاعدة ما لا يسمع من الدعاوى من حيث الجملة ويكمل البيان في ذلك بمسألتين

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

لو كان شرطا لبطلت الدعوى مع عدم ادعاء النسيان ساقط لما علمت من أن هذا إنما هو شرط صحة إذا لم يدع النسيان كما أن الدعوى بالمجهول ساقطة مع القدرة على التفسير عند المازري وغيره كما يأتي ثم قال ويؤيد القول بأن بيان السبب من تمام صحة الدعوى أنه يمكن أن يكون سبب ما يدعيه فاسدا كونه ثمن خمر أو ربا ونحو ذلك

____________________

(4/154)

المسألة الأولى تسمع الدعاوى عندنا في النكاح وإن لم يقل تزوجتها بولي وبرضاها بل يقول هي زوجتي فيكفيه وقاله أبو حنيفة رضي الله عنه وقال الشافعي وابن حنبل رضي الله عنهما لا تسمع حتى يقول بولي وبرضاها وشاهدي عدل بخلاف دعوى المال وغيره لنا القياس على البيع والردة والعدة فلا يشترط التعرض لهما فكذلك غيرهما ولأن ظاهر عقود المسلمين الصحة احتجوا بوجوه الأول أن النكاح خطر والوطء لا يستدرك فأشبه القتل الثاني أن النكاح لما اختص بشروط زائدة على البيع من الصداق وغيره خالفت دعواه الدعاوى قياسا للدعوى على المدعى به

الثالث أن المقصود من جميع العقود يدخله البدل والإباحة بخلافه فكان خطرا فيحتاط فيه والجواب عن الأول أن غالب دعوى المسلم الصحة فالاستدراك حينئذ نادر لا عبرة به

والقتل خطره أعد من حرمة النكاح والنادر وهو الفرق المانع من القياس

وعن الثاني أن دعوى الشيء يتناول شروطه بدليل البيع فلا يحتاج إلى الشروط كالبيع له شروط لا تشترط في دعواه وعن الثالث أن الردة والعدة لا يدخلهما البدل ويكفي الإطلاق فيهما

المسألة الثانية في بيان قولي لا تكذبها العادة والدعاوى ثلاثة أقسام قسم تصدقه العادة كدعوى القريب الوديعة وقسم تكذبه العادة كدعوى الحاضر الأجنبي ملك دار في يد زيد وهو حاضر يراه

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

ولذا قال ابن حارث إذا لم يسأله القاضي عنه أي السبب كان كالخابط خبط عشواء قال فإن سأله الحاكم أو المدعى عليه عنه وامتنع من بيانه لم يكلف المطلوب بالجواب فإن ادعى نسيانه قبل بغير يمين ا ه

قال التسولي وينبني على بيانه أن المطلوب إذا قال في جوابه لا حق لك علي لا يكتفى منه بذلك بل حتى ينفي السبب الذي بينه المدعي ا ه

وفي الأصل قالت الشافعية ولا يلزم ذكر سبب ملك المال بخلاف سبب القتل والجراح لاختلاف الحكم هاهنا بالعمد والخطأ وهل قتله وحده أو مع غيره بخلاف المال ولأن إتلافه لا يستدرك بخلاف المال وهذا لا يخالفه أصحابنا وقواعدنا تقتضيه

وأما قول الشافعي وابن حنبل رضي الله عنهما لا تسمع الدعاوى في النكاح حتى يقول تزوجتها بولي ورضاها وشاهدي عدل بخلاف دعوى المال وغيره محتجين بثلاثة وجوه الأول أن النكاح خطر كالقتل إذ الوطء لا يستدرك

الثاني أن النكاح لما اختص بشروط زائدة على البيع من الصدق وغيره خالفت دعواه

____________________

(4/155)

يهدم ويبني ويؤاجر مع طول الزمان من غير وازع يزعه عن الطلب من رهبة أو رغبة فلا تسمع دعواه لظهور كذبها والسماع إنما هو لتوقع الصدق فإذا تبين الكذب عادة امتنع توقع الصدق

والقسم الثالث ما لم تقض العادة بصدقها ولا بكذبها كدعوى المعاملة ويشترط فيها الخلطة وبيان الخلطة يكون بعد هذا إن شاء الله تعالى في بيان قاعدة من يحلف ومن لا يحلف وأما ما تكذبه العادة فقال مالك في الأجانب سنين ولم يحد بالعشرة

وقال ربيعة عشر سنين تقطع الدعوى للحاضر إلا أن يقيم بينة أنه أكرى أو أسكن أو أعار ولا حيازة على غائب وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من حاز شيئا عشر سنين فهو له ولقوله تعالى وأمر بالعرف فكل شيء يكذبه العرف وجب أن لا يؤمر به بل يؤمر بالملك لحائزه لأنه العرف وقال ابن القاسم الحيازة من الثمانية إلى العشرة

وقال مالك من قامت بيده دار سنين يكري ويهدم ويبني فأقمت بينة أنها لك أو لأبيك أو لجدك وثبتت المواريث وأنت حاضر تراه يفعل ذلك فلا حجة لك فإن كنت غائبا أفادك إقامة البينة والعروض والحيوان والرقيق كذلك وكذلك قال الأصحاب في كتاب الإجارات إذا ادعى بأجرة من سنين لا تسمع دعواه إن كان حاضرا ولا مانع له وكذلك

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الدعاوى قياسا للدعوى على المدعى به الثالث أن المقصود من جميع العقود يدخله البدل والإباحة بخلافه فكان خطرا فيحتاط فيه فهو خلاف مذهبنا من أن الدعوى في النكاح تسمع وإن لم يقل تزوجتها بولي وبرضاها بل يكفيه أن يقول هي زوجتي

وقاله أبو حنيفة رضي الله عنه لنا وجهان الأول القياس على البيع والردة والعدة فلا يشترط التعرض لهما فكذلك غيرهما الثاني أن ظاهر عقود المسلمين الصحة وأما ما احتجوا به فالجواب عن الأول أن غالب دعوى المسلم الصحة كما علمت فالاستدراك حينئذ نادر لا عبرة به والقتل خطره أعظم من حرمة النكاح والنذر وهو الفرق المانع من القياس وعن الثاني أن دعوى الشيء يتناول شروطه بدليل البيع فكما لا يحتاج البيع في دعواه إلى الشروط كذلك النكاح لا يحتاج في دعواه إليها وعن الثالث أن الردة والعدة لا يدخلهما البدل ويكفي الإطلاق فيهما ا ه

قال تسولي العاصمية وخرج بهذا الشرط الدعوى بمجهول العين أو الصفة كلي عليه شيء لا يدري جنسه ونوعه أو أرض لا يدري حدودها أو ثوب لا يدري صفته أو دراهم لا يدري صفتها ولا قدرها ونحو ذلك فلا نسمع لأن المطلوب لو أقر وقال نعم على ما يدعيه أو أنكر وقامت البينة بذلك لم يحكم عليه بهذا الإقرار ولا بتلك الشهادة إذ الكل مجهول والحكم به متعذر فليس الحكم بالهروي بأولى من المروي مثلا ولا باليزيدية بأولى من المحمدية إذ من شرط صحة الحكم تعيين المحكوم به ولا تعيين هاهنا ==ج8.

ج8. الفروق أو أنوار البروق في أنواء الفروق (مع الهوامش )

أبو العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي

سنة الولادة بلا/ سنة الوفاة 684هـ

إذا ادعى بثمن سلعة من زمن قديم ولا مانع من طلبه وعادتها تباع بالنقد وشهدت العادة أن هذا الثمن لا يتأخر وأما في الأقارب فقال مالك الحيازة المكذبة للدعوى في العقار نحو الخمسين سنة لأن الأقارب يتسامحون لبر القرابة أكثر من الأجانب

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وهكذا نقله غير واحد وهو ظاهر على أحد القولين في قول ابن عاصم ومن لطالب بحق شهدا ولم يحقق عند ذاك العدد إلخ وقال المازري تسمع الدعوى بالمجهول البساطي وهو الصواب لقولهم يلزم الإقرار بالمجهول ويؤمر بتفسيره فكذلك هذا يؤمر بالجواب لعله يقر فيؤمر بالتفسير ويسجن له

فإن ادعى المقر الجهل أيضا فانظر ما يأتي عند قوله ومن لطالب بحق شهدا إلخ وانظر شرحنا للشامل أول باب الصلح قال الحطاب مسائل المدونة مريحة في صحة الدعوى بالمجهول المازري وليس منه الدعوى على سمسار دفع إليه ثوبا ليبيعه بدينارين وقيمته دينار ونصف لأن الدعوى هنا تعلقت بأمر معلوم في الأصل ولا يضره كونه لا يدري ما يجب له على السمسار هل الثمن الذي سماه إن باع أو قيمته إن استهلكه أو غيبه إن لم يبع ا ه إلخ

قلت الدعوى هنا إنما هي في الثوب وهو معين فهو يطالبه برده لكن إن استهلك أو باع فيرد الثمن أو القيمة لقيامهما مقامه تأمل

ا ه

كلام التسولي وفي الأصل قالت الشافعية لا يصح دعوى المجهول إلا في الإقرار والوصية لصحة القضاء بالوصية المجهولة كثلث المال والمال غير معلوم وصحة الملك في الإقرار بالمجهول من غير حكم ويلزمه الحاكم بالتعيين وقاله أصحابنا وقالت الشافعية إن ادعى بدين فإن كان من الأثمان ذكر الجنس دنانير أو دراهم والنوع مصرية أو مغربية والصفة صحاحا أو مكسرة والمقدار والسكة وإن كان من غير الأثمان فإن كان مما تضبطه الصفة ذكر الصفات المعتبرة في السلم والأحوط أن يذكر معها القيمة وإن كان مما لا تضبطه الصفة كالجواهر فلا بد من ذكر القيمة من غالب نقد البلد ويذكر في الأرض والدار اسم الصقع والبلد وفي السيف المحلى بالذهب قيمته فضة وبالفضة قيمته ذهبا أو بهما قومه بما يشاء لأنه موضع ضرورة وهذا لا يخالفه أصحابنا وقواعدنا تقتضيه ا ه

الشرط الثاني تحقق الدعوى بالمدعى فيه أي جزمها وقطعها بأن يقول لي عليه كذا احترازا من نحو أشك أو أظن أن لي كذا فإنها لا تسمع قال الأصيل وفي اشتراط أصحابنا والشافعية هذا نظر لأن من وجد وثيقة في تركة موروثه أو أخبره عدل بحق له فلا يفيده ذلك إلا الظن ومع ذلك يجوز له الدعوى به وإن شهد بالظن كما لو شهد بالاستفاضة والسماع والفلس وحصر الورثة وصرح بالظن الذي هو مستنده في الشهادة فلا يكون قادحا فكذلك هاهنا لأن ما جاز الإقدام معه لا يكون النطق به قادحا قال التسولي على العاصمية وأجاب بعضهم بأن الظن هاهنا لقوته نزل منزلة القطع ألا ترى أنه قد جاز له الحلف معه

قال خليل واعتمد الباب على ظن قوي كخطه أو خط أبيه إلخ ثم عدم سماعها في الظن الذي لا يفيد القطع مبني على الفول بأن

____________________

(4/157)

أما لدون هذا القدر من الطول فلا تكون الدعوى كاذبة وخالفنا الشافعي رضي الله عنه وسمع الدعوى في جميع هذه الصور لنا النصوص المتقدمة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

يمين التهمة لا تتوجه أبو الحسن والمشهور توجهها ابن فرحون يريد بعد إثبات كون المدعى عليه ممن تلحقه التهمة ا ه

وعليه فتسمع فيمن ثبتت تهمته وإلا فلا خليل واستحق به بيمين إن حقق ويمين تهمة بمجرد النكول إلخ

وقال ابن عاصم وتهمة إن قويت بها تجب يمين متهوم إلخ قال التسولي ولقائل أن يقول إن الدعوى تسمع هاهنا ولو قلنا بعدم توجه عين التهمة فيؤمر بالجواب لعله يقر فتأمله فلو قال أظن أن لي عليه ألفا فقال الآخر أظن أني قضيته لم يقض عليه بشيء لتعذر القضاء بالمجهول إذ كل منها شاك في وجوب الحق له أو عليه فليس القضاء بقول المدعي بأولى من القضاء بقول الآخر فلو قال المطلوب نعم كان له الألف علي وأظن أني قضيته لزمه الألف قطعا وعليه البينة أنه قضاه ثم قال التاودي والتسولي والتحقق في هذا الشرط راجع للتصديق والعلم والبيان في الشرط الأول راجع للتصور فلا يغني أحدهما عن الآخر كما لابن عبد السلام في كلام ابن الحاجب ا ه

الشرط الثالث كون المدعى فيه ذا غرض صحيح أي يترتب عليه نفع شرعي احتراز من الدعوى بقمحة أو شعيرة أو عشر سمسمة ونحو ذلك ولذا لا يمكن المستأجر للبناء ونحوه من قلع ما لا قيمة له

الشرط الرابع كون المدعي فيه مما لو أقر به المطلوب لقضى عليه به احترازا من الدعوى بأنه قال داري صدقوا بيمين مطلقا أو بغيرها ولم يعين إلخ ومن الدعوى عليه بالوصية للمساكين ومما يؤمر فيه بالطلاق من غير قضاء كقوله إن كنت تحبيني أو تبغضيني ومن الدعوى على المحجور ببيع ونحوه من المعاملات فلا يلزمه ولو ثبت بالنية بخلاف ما إذا ثبت عليه الاستهلاك أو الغصب ونحوهما خليل وضمن ما أفسد إن لم يؤمن عليه ا ه

قال التسولي وظاهر هذا أن المحجور لا تسمع الدعوى عليه في المعاملات ولو نصبه وليه لمعاملات الناس بمال دفعه إليه للتجارة ليختبره وهو كذلك إذ الدين اللاحق لا يلزمه لا فيما دفع إليه ولا فيما بقي ولا في ذمته لأنه لم يخرج بذلك من الولاية قاله في المدونة وقيل يلزمه ذلك في المال المدفوع إليه خاصة وهذا إذا لم يصن به ماله وإلا فيضمن في المال المصون وهو محمول على عدم التصوين وانظر ما يأتي لنا عند قوله وجار للوصي فيما حجرا إعطاء بعض ماله مختبرا قال والظاهر أن هذا الشرط يغني عن الذي قبله ولا يحترز به عن دعوى الهبة والوعد لأنه يؤمر بالجواب فيهما ولو على القول بعدم لزومهما بالقول لاحتمال أن يقر ولا يرجع عن الهبة ولا يخلف وعده ا ه كلام التسولي قلت وأشار بقوله ولا يحترز به إلخ لدفع قول التاودي أنه احتراز من دعوى الهبة على القول الشاذ وهو أنها لا تلزم بالقول ا ه

الشرط الخامس كون العادة لا تكذب الدعوى بالمدعى فيه قال التسولي واحترز به من الدعوى بالغصب والفساد على رجل صالح خليل وأدب مميز كمدعيه على صالح ا ه ومن مسألة الحيازة المعتبرة فإن الدعوى لا تسمع فيها وقيل تسمع ويؤمر المطلوب بجوابها لعله

____________________

(4/158)

فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

يقر أو ينكر فيحلف قاله الحطاب وهو المعتمد ا ه

وفي الأصل أنه احتراز عن الدعوى التي تكذبها العادة كدعوى الحاضر الأجنبي ملك دار في يد زيد وهو حاضر يراه يهدم ويبني ويؤاجر مع طول الزمان من غير وازع يزعه عن الطلب من رهبة أو رغبة فلا تسمع دعواه لظهور كذبها والسماع إنما هو لتوقع الصدق فإذا تبين الكذب عادة امتنع توقع الصدق

واختلفوا في طول الزمان الذي تكذب به العادة دعوى الحاضر الأجنبي فلم يحده مالك بالعشيرة بل قال من أقامت بيده دار سنين يكري ويهدم ويبني فأقمت ببينة أنها لك أو لأبيك أو لجدك وثبتت المواريث وأنت حاضر تراه يفعل ذلك فلا حجة لك فإن كنت غائبا أفادك إقامة البينة والعروض والحيوان والرقيق كذلك وكذلك قال الأصحاب في كتاب الإجارات إذا ادعى بأجرة من سنين لا تسمع دعواه إن كان حاضرا ولا مانع له وكذلك إذا ادعى بثمن سلعة من زمن قديم ولا مانع من طلبه وعادتها تباع بالنقد وشهدت العادة أن هذا الثمن لا يتأخر وقال ربيعة عشر سنين تقطع الدعوى للحاضر إلا أن يقيم ببينة أنه أكرى أو أسكن أو أعار ولا حيازة على غائب وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من حاز شيئا عشر سنين فهو له ولقوله تعالى وأمر بالعرف فكل شيء يكذبه العرف وجب أن لا يؤمر به بل يؤمر بالملك لحائزه لأن العرف

وقال ابن القاسم الحيازة من الثمانية إلى العشرة وأما في الأقارب فقال مالك الحيازة المكذبة للدعوى في العقار نحو الخمسين سنة لأن الأقارب يتسامحون لبر القرابة أكثر من الأجانب إما لدون هذا القدر من الطول فلا تكون الدعوى كاذبة وخالفنا الشافعي رضي الله عنه وسمع الدعوى في جميع هذه الصور لنا النصوص المتقدمة وهذا قسم من أقسام الدعوى الثلاثة ويبقى قسمان داخلان تحت قاعدة الدعوى الصحيحة الأول ما تصدقها العادة كدعوى القريب الوديعة

والثاني ما لم تقض العادة بصدقها ولا بكذبها كدعوى المعاملة ويشترط فيها الخلطة وسيأتي بيانها إن شاء الله تعالى في بيان قاعدتي من يحلف ومن لا ا ه كلام الأصل وصححه ابن الشاط

تنبيهان الأول قال التسولي علم مما مر أن هذه الشروط كلها مبحوث فيها ما عدا الشرط الرابع ا ه فافهم

التنبيه الثاني قال التاودي على العاصمية هذه شروط الدعوى وأما الدعوى نفسها فقال القرافي هي طلب معين كهذا الثوب وما في ذمة معين كالدين والسلم وادعاء ما يترتب عليه أحدهما أي ما يترتب عليه المعين كدعوى المرأة على زوجها الطلاق أو الردة لتحرر نفسها وهي معينة وما يترتب عليه ما في ذمة معين كدعوى المسيس أو القتل ليترتب الصداق والدية في ذمة العاقلة المعينة بالنوع ا ه والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(4/159)

الفرق الثاني والثلاثون والمائتان بين قاعدة المدعي وقاعدة المدعى عليه فإنهما يلتبسان فليس كل طالب مدعيا وليس كل مطلوب منه مدعى عليه ولأجل ذلك وقع الخلاف بين العلماء فيهما في عدة مسائل والبحث في هذا الفرق بحث عن تحقيق قوله عليه السلام البينة على من ادعى واليمين على من أنكر من هو المدعي الذي عليه البينة ومن هو المدعى عليه الذي يحلف فضابط المدعي والمدعى عليه فيه عبارتان للأصحاب إحداهما أن المدعي هو أبعد المتداعيين سببا والمدعى عليه هو أقرب المتداعيين سببا والعبارة الثانية وهي توضح الأولى المدعي من كان قوله على خلاف أصل أو عرف والمدعى عليه من كان قوله على وفق أصل أو عرف وبيان ذلك بالمثل أن اليتيم إذا بلغ وطلب الوصي بما له تحت يده فقال أوصلتك فإنه مدعى عليه والوصي المطلوب مدع

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الفرق الثاني والثلاثون والمائتان بين قاعدتي المدعي والمدعى عليه وفيه اختلفت عبارة العلماء تحقيقا لمن هو المدعي الذي عليه البينة ولمن هو المدعي الذي يحلف في قوله صلى الله عليه وسلم البينة على من ادعى واليمين على من أنكر لأن بينهما التباسا وعلم القضاء يدور على التمييز بينهما لقول سعيد بن المسيب رضي الله عنه من ميز بينهما فقد عرف وجه القضاء كما في تسولي العاصمية فقيل كل طالب فهو مدفوع وكل مطلوب فهو مدعى عليه

وقال ابن المسيب رضي الله عنه كل من قال قد كان فهو مدع وكل من قال لم يكن فهو مدعى عليه ا ه

وللأصحاب فيه عبارتان توضح ثانيهما الأولى أحدهما أن المدعي هو أبعد المتداعيين سببا والمدعى عليه هو أقرب المتداعيين سببا والثانية أن المدعي من كان قوله على خلاف أصل أو عرف أي مجردا عنهما معا فأو هنا بمعنى الواو والمدعى عليه من كان قوله على وفق أصل أو عرف قال التسولي وبمعنى العرف العادة والشبه والغالب كما يعلم مما سيأتي من الأمثلة وأو هنا مانعة خلو فقط فتجوز الجمع ومن أمثلة ما وافق المدعى عليه فيه الأصل وحده وخالفه المدعي من ادعى على شخص دينا أو غصبا أو جناية ونحوهما فإن الأصل عدم هذه الأمور

والقول قول المطلوب منه مع يمينه لأن الأصل يعضده ويخالف الطالب وهذا مجمع عليه ومنها اختلاف اليتيم بعد بلوغه ورشده مع وصية في الدفع فإن اليتيم متمسك بالأصل الذي هو عدم الدفع فهو مدعى عليه وإن كان طالبا فعليه اليمين والوصي مدع وإن كان مطلوبا لأنه غير أمين في الدفع عند التنازع لقوله تعالى فأشهدوا عليهم فعليه البينة ومن أمثلة ما وافق المدعى عليه فيه العرف وحده من ادعى الشراء أو الهبة من حائز للمدعي فيه مدة الحيازة فالحائز مدعى عليه لأنه تقوى جانبه بالحيازة والقائم مدع ومنها جزار ودباغ تداعيا جلدا تحت يدهما ولا يد عليه فالجزار مدعى عليه والدباغ مدع فإن كانت تحت يد أحدهما فالحائز مدعى عليه ومنها قاض وجندي تداعيا رمحا تحت يدهما أو لا يد عليه فالجندي مدعى عليه

____________________

(4/160)

فعليه البينة لأن الله تعالى أمر الأوصياء بالإشهاد على اليتامى إذا دفعوا إليهم أموالهم فلم يأتمنهم على الدفع بل على التصرف والإنفاق خاصة وإذا لم يكونوا أمناء كان الأصل عدم الدفع وهو يعضد اليتيم ويخالف الوصي فهذا طالب واليمين عليه لأنه مدعى عليه والوصي مطلوب وهو مدع وكذلك طالب الوديعة التي سلمها للمودع عند بينة لأنه لم يأتمن المودع عنده لما أشهد عليه فالقول قول صاحب الوديعة مع بينة وإن كان طالبا لأن ظاهر حال المودع عنده لما قبض ببينة أنه لا يعطي إلا ببينة

والأصل أيضا عدم الدفع فاجتمع الأصل والغالب وهما يعضدان صاحب الوديعة ويخالفان القابض لها وكذلك القراض إذا قبض ببينة فإن قبضت الوديعة أو القراض بغير بينة فالقول قول العامل والمودع عنده لأن يدهما يد أمانة صرفة والأمين مصدق ونظائر هذا كثيرة يكون الطالب فيها

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

والقاضي مدع ومنها عطار وصباغ تداعيا مسكا وصبغا فالعطار مدع في الصبغ مدعى عليه في المسك والصباغ بالعكس ومنها اختلاف الزوجين في متاع البيت فللمرأة المعتاد للنساء ما لم يزد على نقد صداقها وهي معروفة بالفقر ومنه النكول ودعوى الشبه عند الاختلاف في الصداق أو البيع أو غيرهما ومنها دعوى العامل في القراض أو المودع عنده الرد حيث قبضا بغير إشهاد فالمدعى عليه في هذه الأمثلة هو من تقوى جانبه بسبب من حيازة أو شبه أو نكول صاحبه أو أمانة أو كون المتنازع فيه مما شأنه أن يكون له والمدعي من تجرد قوله عن ذلك السبب كما في التسولي على العاصمية

ومن أمثلة ما وافق المدعى عليه فيه الأصل والعرف معا طالب الوديعة التي سلمها للمودع عنده ببينة لأنه لو ائتمن المودع عنده لما أشهد عليه فالقول قول صاحب الوديعة بيمينه فهو المدعى عليه وإن كان طالبا والمودع عنده مدع عليه البينة وإن كان مطلوبا لأن ظاهر حاله لما قبض ببينة أنه لا يعطي إلا ببينة والأصل أيضا عدم الدفع فالأصل والغالب معا يعضدان صاحب الوديعة ويخالفان المودع عنده وكذلك القراض إذا قبض ببينة قال التسولي على العاصمية وإذا تمسك كل منهما بالعرف كما إذا أشبها معا فيما يرجع فيه للشبه كتنازع جزار مع جزار في جلد ونحو ذلك ولم يكن بيد أحدهما حلفا وقسم بينهما وإذا تمسك كل منهما بالأصل كدعوى المكتري للرحى أو الدار أنه انهدمت أو انقطع الماء عنها ثلاثة أشهر وقال المكتري شهران فقط اختلف فيمن يكون مدعى عليه منهما فقيل المكتري لأن الأصل براءة ذمته من الغرامة فيستصحب ذلك وقيل المكري لأن عقد الكراء أوجب دينا في ذمة المكتري وهو يدعي إسقاط بعضه فلا يصدق وكذلك لو قبض شخص من رجل دنانير فلما طلبه بها الدافع زعم أنه قبضها من مثلها المرتب له في ذمته فإن اعتبرنا كون الدافع بريء الذمة من سلف هذا القابض كان الدافع مدعى عليه وهو الراجح كما لابن رشد وأبي الحسن وغيرهما وإن اعتبرنا حال القابض وأن الأصل فيه أيضا براءة الذمة فلا يؤاخذ بأكثر مما أقر به جعلناه هو المدعى عليه فافهم فبهذه الوجوه صعب علم القضاء قال وإذا تعارض الأصل والغالب قدم الشافعية الأصل في جميع صور التعارض

وقدم المالكية الغالب لقوله تعالى وأمر بالعرف فكل أصل كذبه العرف كما إذا

____________________

(4/161)

مدعى عليه ويعتمد أبدا الترجيح بالعوائد وظواهر الأحوال والقرائن فيحصل لك من هذا النوع ما لا ينحصر عدده ومن هذا الباب إذا تداعى بزاز ودباغ جلدا كان الدباغ مدعى عليه أو قاض وجندي رمحا كان الجندي مدعى عليه وعليه مسألة الزوجين إذا اختلفا في متاع البيت أن يقول قول الرجل فيما يشبه قماش الرجال والقول قول المرأة فيما يشبه قماش النساء وإذا تنازع عطار وصباغ في مسك وصبغ قدم العطار في المسك والصباغ في الصبغ وقد تقدمت هذه المسألة والخلاف فيها مع الشافعي رضي الله عنه وكذلك خالفنا في هذه المسائل المتقدمة كلها وحجتنا النصوص المتقدمة وأما الأصل وحده من غير ظاهر ولا عرف فمن ادعى على شخص دينا أو غصبا أو جناية ونحوها فإن الأصل عدم هذه الأمور والقول قول المطلوب منه مع يمينه لأن الأصل يعضده ويخالف الطالب وهذا مجمع عليه وإنما الخلاف في الظواهر المتقدمة وظهر لك بهذا قول الأصحاب أن المدعي هو أضعف المتداعيين سببا والمدعى عليه هو أقوى المتداعيين سببا

تنبيه ما ذكرناه من الظواهر ينتقض بما اجتمعت عليه الأمة من أن الصالح التقي الكبير العظيم المنزلة والشأن في العلم والدين بل أبو بكر الصديق أو عمر بن الخطاب لو ادعى على أفسق الناس وأدناهم درهما لا يصدق فيه وعليه البينة وهو مدع والمطلوب مدعى

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

شهدت البينة بدين ونحوه فإن الغالب صدقها والأصل براءة ذمة المشهود عليه وجب أن لا يعمل به إلا في مسألة ما إذا ادعى الصالح التقي الكبير العظيم المنزلة والشأن من العلم والدين بل أبو بكر الصديق أو عمر الفاروق ابن الخطاب على أفسق الناس وأدناهم درهما واحدا فإن الغالب صدقه والأصل براءة الذمة فيقدم الأصل على الغالب في هذه عند المالكية ا ه بتصرف وتوضيح

لكن قال الأصل أن إلغاء الأصل في البينة إذا شهدت بدين ونحوه أجمعت عليه الأمة كما أن إلغاء الغالب في مجرد دعوى الدين ونحوه وإن كان الطالب أصلح الناس وأتقاهم لله تعالى على أفسق الناس بدرهم واحد كذلك أجمعت عليه الأمة فليس في كون الملغى الأصل أو الغالب عند تعرضهما على الإطلاق وبهذا الإجماع احتج الشافعية علينا في تقديم الغالب على الأصل في دعوى المرأة المسيس وعدم الإنفاق ونحوهما مما شهد العرف فيه للمدعي كما مر ويوضحه ما في حاشية العطار على محلي جمع الجوامع قال زكريا وفي قواعد الزركشي تعارض الأصل والغالب فيه قولان ولجريان القولين ثلاثة شروط أحدها أن لا تطرد العادة بمخالفة الأصل وإلا قدمت قطعا ولذا حكم بنجاسة الماء الهارب في الحمام لاطراد العادة بالبول فيه الثاني أن تكثر أسباب الظاهر فإن ندرت لم ينظر إليه قطعا

____________________

(4/162)

عليه والقول قوله مع يمينه وعكسه لو ادعى الطالح على الصالح لكان الحكم كذلك وبهذا يحتج الشافعي علينا ويجيب عما تقدم ذكره بذلك وكما أن هذه الصور حجة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

ولذا اتفق الأصحاب بالأخذ بالوضوء فيمن تيقن الطهارة وغلب على ظنه الحدث مع إجزائهم القولين فيما يغلب على الظن نجاسته هل يحكم بنجاسته وفرق الإمام بأن الأسباب التي تظهر بها النجاسة كثيرة جدا وهي في الأحداث قليلة ولا أثر للنادر والتمسك باستصحاب اليقين أولى

الثالث أن لا يكون مع أحدهما ما يعتضد به وإلا فالعمل بالترجيح متعين والضابط أنه إذا كان الظاهر حجة يجب قبولها شرعا كالشهادة والرواية فهو مقدم على الأصل قطعا وإن لم يكن كذلك بل كان سنده العرف أو القرائن أو غلبة الظن فهذه يتفاوت أمرها فتارة يعمل بالأصل وتارة يعمل بالظاهر وتارة يخرج خلاف فهذه أربعة أقسام الأول ما قطعوا فيه بالظاهر كالبينة الثاني ما فيه خلاف والأصح تقدم الظاهر كما في اختلاف المتعاقدين في الصحة والفساد فالقول لمدعي الصحة على الأظهر لأن الظاهر من العقود الجارية بين المسلمين الصحة وإن كان الأصل عدمها الثالث ما قطعوا فيه بالأصل وإلغاء القرائن الظاهرة كما لو اشتبه محرمة بنسوة قرية كبيرة فإن له نكاح من شاء منهن لأن الأصل الإباحة

الرابع ما فيه خلاف والأصح تقديم الأصل كما في ثياب مدمني النجاسة وطين الشارع الذي يغلب على الظن اختلاطه بالنجاسة والمقابر التي يغلب على الظن نبشها فإن الأصح فيها الطهارة ا ه المراد بتلخيص فافهم

هذا والذي تحصل من بيان ما للأصحاب من الفرقين الأخيرين بين المدعي والمدعى عليه بالأمثلة المذكورة وأنها بمعنى واحد وأنهما مطردان وأن الفرق الأول غير مطرد لنقضه بما تقدم في الوديعة مع الإشهاد واليتيم مع وصية ونحو ذلك كدعوى المرأة المسيس على زوجها في خلوة الاهتداء وادعى هو عدمه فإن كلا منهم طالب مع أنه مدعى عليه فلذا قال الأصل فليس كل طالب مدعيا وليس كل مطلوب منه مدعى عليه ا ه وسلمه ابن الشاط

وأما فرق ابن المسيب فكذلك قيل أنه غير مطرد لنقضه بدعوى المرأة على زوجها الحاضر أنه لم ينفق عليها وقال هو أنفقت وبدعوى المرأة المسيس على زوجها في خلوة الاهتداء وادعى عدمه فهو مدعى عليه في الأولى لشهادة العرف له وهي مدعية وهما في الثانية على العكس وفرق ابن المسيب يقتضي أنها في الأولى مدعى عليها لأنها تقول لم يكن وفي الثانية مدعية لأنها تقول قد كان كما في التسولي على العاصمية قال وأجيب بأن الرد المذكور للتعريفين أي للمدعي والمدعى عليه بما ذكر أي الفرق الأول

وفرق ابن المسيب إنما يتم ولو كان القائل بهما يسلم أن الطالب ومن يقول قد كان فيما ذكر أي من المسائل التي تقضي بها الراد كلا من التعريفين المذكورين مدعى عليه وإلا فقد يقول إنه مدع قام له شاهد من عرف أو أصل ولا يحتج على الإنسان بمذهب مثله واختار هذا الجواب ابن رحال والحاصل على ما يظهر من كلامهم وهو الذي يوجبه النظر أن المتداعيين أن يتمسك أحدهما بالعرف فقط كالاختلاف في متاع البيت ودعوى الشبه واختلاف القاضي والجندي في الرمح والجزار والدباغ في الجلد ونحو ذلك مما لم يتعارض فيه العرف والأصل وأما أن يتمسك بالأصل فقط كالاختلاف في أصل الدين وفي قضائه وفي دعوى الحائز نفسه

____________________

(4/163)

للشافعي فهو نقض على قولنا المدعي من خالف قوله أصلا أو عرفا والمدعى عليه من وافق قوله أصلا أو عرفا فإن العرف في هذه الصور شاهد وكذلك الظاهر وقد ألغيا إجماعا فكان ذلك مبطلا للحدود المتقدمة ونقصا على المذهب فتأمل ذلك

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الحرية ودعوى رب المال والمودع عدم الرد مع دفعهما بإشهاد ودعوى اليتيم عدم القبض ونحو ذلك فالمدعى عليه في هذين أي أمثلة شهادة العرف فقط أو الأصل فقط هو المتمسك بذلك العرف أو الأصل على تعريف الأصحاب وهو المطلوب ومن يقول لم يكن على التعريفين الأولين وإما أن يتمسك أحدهما بالأصل والآخر بالعرف فيأتي الخلاف كدعوى الزوج على سيد الأمة أنه غره بتزويجها فالأصل عدم الغرور وبه قال سحنون والغالب عدم رضا الحر بتزويج الأمة وبه قال أشهب وهو الراجح وكمسألة اختلاف المتراهنين في قدر الدين فإن الرهن شاهد عرفي والأصل براءة ذمة الراهن وكمسألة الحيازة المتقدمة ودعوى عامل القراض والمودع عنده الرد مع عدم الإشهاد لأن الغالب صدق الأمين ودعوى المرأة المسيس وعدم الإنفاق ونحو ذلك فالمدعى عليه في مثل هذا على تعريف الأصحاب هو المتمسك بالعرف لأن قولهم أو عرف أعم من كونه عارضه أصل أم لا وعلى التعريفين الأولين

هو المطلوب ومن يقول لم يكن لكن لما ترجح جانب المدعي فيها بشهادة العرف لأنه أقوى صار المدعي مدعى عليه ويدل لهذا قول ابن رشد ما نصه المعنى الذي من أجله وجب على المدعي إقامة البينة تجرد دعواه من سبب يدل على صدقه فيما يدعيه فإن كان له سبب يدل على صدقه أقوى من سبب المدعى عليه كالشاهد الواحد أو الرهن وما أشبه ذلك من إرخاء الستر وجب أن يبدأ باليمين دون المدعى عليه ا ه

ونقله القلشاني وغيره فتأمل كيف سماه مدعيا وجعل الرهن وإرخاء الستور والشاهد الحقيقي سببا لصيرورته مدعى عليه لكونه في ذلك أقوى من سبب خصمه المتمسك بالأصل وقد اختلف في العرف هل هو شاهد أو كشاهد أن البرزلي القاعدة إحلاف من شهد له العرف فيكون بمثابة الشاهد وقيل هو كالشاهدين ا ه

وقد درج خليل في مواضع على أنه كالشاهد منها قوله في الرهن وهو كالشاهد في قدر الدين وقد عقد في التبصرة بابا في رجحان قول المدعي بالعوائد وقال القرافي أجمعوا على اعتبار الغالب وإلغاء الأصل في البينة إذا شهدت فإن الغالب صدقها والأصل براءة ذمة المشهود عليه ا ه فهذا كله يوضح لك الجواب المتقدم عما ورد على التعريفين الأولين

ويدلك على عدم الفرق بين التعاريف الثلاثة لأن المدعي قد ينقلب مدعى عليه لقيام سبب أقوى من سبب خصمه كان ذلك السبب حقيقيا أو عرفيا إلا أن العرفي لا يقوى عندهم قوة الحقيقي فليست اليمين معه تكملة للنصاب حتى يؤدي ذلك لنفي يمين الإنكار بدليل أنه إذا انضم إليه شاهد حقيقي لا يثبت الحق بدون اليمين كما نقله بعضهم عن المتيطي عند قول خليل وهو كالشاهد إلخ فاعتراض التاودي على الجواب السابق بكونه يؤدي لنفي يمين الإنكار إلخ ساقط ا ه بتوضيح المراد فانهم

تنبيه قال الأصل خولفت قاعدة الدعاوى أي من قبول قول المطلوب دون الطالب في خمس مواطن يقبل فيها قول الطالب أحدها اللعان يقبل فيه قول الزوج لأن العادة أن الرجل ينفي عن زوجه الفواحش

____________________

(4/164)

تنبيه قال بعض العلماء قول الفقهاء إذا تعارضا الأصل والغالب يكون في المسألة قولان ليس على إطلاقه بل اجتمعت الأمة على اعتبار الأصل وإلغاء الغالب في دعوى الدين ونحوه فالقول قول المدعى عليه وإن كان الطالب أصلح الناس وأتقاهم لله تعالى ومن الغالب عليه أن لا يدعي إلا ماله فهذا الغالب ملغى إجماعا واتفق الناس على تقديم الغالب وإلغاء الأصل في البينة إذا شهدت فإن الغالب صدقها والأصل براءة ذمة المشهود عليه وألغي الأصل هنا إجماعا عكس الأول فليس الخلاف على الإطلاق

تنبيه خولفت قاعدة الدعاوى في خمس مواطن يقبل فيها قول الطالب أحدها اللعان يقبل فيه قول الزوج لأن العادة أن الرجل ينفي عن زوجه الفواحش فحيث أقدم على رميها بالفاحشة مع إيمانه أيضا قدمه الشرع وثانيها القسامة يقبل فيها قول الطالب لترجحه باللوث و ثالثها قبول قول الأمناء في التلف لئلا يزهد في قبول الأمانات فتوقف مصالحها المترتبة على حفظ الأمانات ورابعها يقبل قول الحاكم في التجريح والتعديل وغيرهما من الأحكام لئلا تفوت المصالح المترتبة على الولاية للأحكام

وخامسها قبول قول الغاصب في التلف مع يمينه لضرورة الحاجة لئلا يخلد في الحبس ثم الأمين قد يكون أمينا من جهة مستحق الأمانة أو من قبل الشرع كالوصي والملتقط ومن ألقت الريح ثوبا في بيته

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

فحيث أقدم على رميها بالفاحشة مع أيمانه أيضا قدمه الشرع

وثانيها في القسامة يقبل فيها قول الطالب لترجحه باللوث

وثالثها قبول قول الأمناء في التلف لئلا يزهد الناس في قبول الأمانات فتفوت مصالحها المترتبة على حفظ الأمانات والأمين قد يكون أمينا من جهة مستحق الأمانة وقد يكون من جهة الشرع كالوصي والمتلقط ومن ألقت الريح ثوبا في بيته

ورابعها قبول قول الحاكم في التجريح والتعديل وغيرهما من الأحكام لئلا تفوت المصالح المرتبة على الولاية للأحكام

وخامسها قبول قول الغاصب في التلف مع يمينه لضرورة الحاجة لئلا يخلد في الحبس ا ه وسلمه ابن الشاط لكن قال التسولي على العاصمية فتأمل عده اللعان والقسامة والأمانة فإن الظاهر أن ذلك مما قدم فيه الغالب على الأصل كما مر فلم تكن فيه مخالفة وبعضهم يعبر عن الأمين أن الغالب صدقه أي في الرد والتلف وبعد أن ذكرها المكناسي في مجالسه قال ومنها اللصوص إذا قدموا بمتاع وادعى شخص أنه له وأنهم نزعوه منه فيقبل قوله مع يمينه ويأخذه ومنها السمسار إذا ادعى عليه أنه غيب ما أعطى له للبيع وكان معلوما بالعداء وبإنكار الناس فيصدق المدعي بيمينه ويغرم السمسار ومنها السارق إذا سرق متاع رجل وانتهب ماله وأراد قتله وقال المسروق أنا أعرفه فيصدق المسروق بيمينه وهذه المسائل التي زادها لا تحملها الأصول كما لأبي الحسن ولا يخالف ما للمكناسي من قبول قول من ادعى على

____________________

(4/165)

الفرق الثالث والثلاثون والمائتان بين قاعدة ما يحتاج للدعوى وبين قاعدة ما لا يحتاج إليها وتلخيص الفرق أن كل أمر مجمع على ثبوته وتعين الحق فيه ولا يؤدي أخذه لفتنة ولا تشاجر ولا فساد عرض أو عضو فيجوز أخذه من غير رفع للحاكم فمن أخذ عين المغصوب أو وجد عين سلعته التي اشتراها أو ورثها ولا يخاف من أخذها ضررا فله أخذها وما يحتاج للحاكم خمسة أنواع النوع الأول المختلف فيه هل هو ثابت أم لا فلا بد من رفع للحاكم حتى يتوجه ثبوته بحكم الحاكم فهذا النوع من حيث الجملة يفتقر إلى الحاكم في بعض مسائله دون بعض كاستحقاق الغرماء لرد عتق المديان وتبرعاته قبل الحجر عليه فإن الشافعي رضي

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

اللصوص أنهم أخذوا ما قدموا به منه ويأخذه ونحو ذلك قول القرافي الآتي في الفرق بين ما يقدم فيه النادر على الغالب وما لا ما نصه أخذ السراق المنهومين بالتهم وقرائن أحوالهم كما يفعله الأمراء اليوم دون الإقرار الصحيح والبينات المعتبرة الغالب مصادفته للصواب والنادر خطؤه ومع ذلك ألغى الشارع هذا الغالب صونا للأعراض والأطراف عن القطع ا ه

فإنه يفهم منه أنه إنما ألغى الشارع هذا الغالب بالنسبة للأعراض والأطراف لا بالنسبة للغرامة فإنه يغرم فيوافق ما للمكناسي ولهذا درج ناظم العمل على ذلك حيث قال لوالد القتيل مع يمين القول في الدعوى بلا تبيين إذا ادعى دراهما وأنكرا القاتلون ما ادعاه وطرا فلا مفهوم لقوله القتيل بل المدار على كون المدعى عليه معروفا بالغصب والعداء انظر شرحه وانظر ما يأتي في الغصب ولا بد ا ه

وفي الغصب لما ذكر كلام ناظم العمل في شرحه للبيتين ونقله عن ابن النعيم ما نصه الذي جرى به العمل عندنا في هذه النازلة ومثلها أن القول لوالد القتيل مع يمينه أي إذا ادعى دراهم من جملة المنهوب وأنكرها القاتلون والظالم أحق أن يحمل عليه وإن كان المشهور خلافه أي من القول للغاصب في القدر والوصف كما في خليل وكم من مسألة جرى الحكم فيها بخلاف المشهور ورجحها العلماء للمصالح العامة ا ه وعن العربي الفاسي في تأييده ساق بعده كلاما طويلا فراجعه والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق الثالث والثلاثون والمائتان بين قاعدة ما يحتاج للدعوى وقاعدة ما لا يحتاج إليها وهو أن ما لا يحتاج للدعوى ويجوز أخذه من غير رفع إلى الحاكم هو ما اجتمعت فيه خمسة قيود القيد

____________________

(4/166)

الله عنه لا يثبت لهم حقا في ذلك ومالك يثبته فيحتاج لقضاء الحاكم بذلك وقد لا يفتقر هذا النوع للحاكم كمن وهب له مشاع في عقار أو غيره أو اشترى مبيعا على الصفة أو أسلم في حيوان ونحو ذلك فإن المستحق المعتقد لصحة هذه الأسباب يتناول هذه الأمور من غير حاكم وهو كثير والمفتقر منه للحاكم قليل وفي الفرق بين ما يفتقر من هذا النوع وما لا يفتقر عسر

النوع الثاني ما يحتاج للاجتهاد والتحرير فإنه يفتقر للحاكم كتقويم الرقيق في إعتاق البعض على المعتق وتقدير النفقات للزوجات والأقارب والطلاق على المولي بعدم الفيئة فإن فيه تحرير عدم فيئته والمعسر بالنفقة لأنه مختلف فيه فمنعه الحنفية ولأنه يفتقر لتحرير إعساره وتقديره وما مقدار الإعسار الذي يطلق به فإنه مختلف فيه فعند مالك رحمه الله لا يطلق بالعجز عن أصل النفقة والكسوة اللتان يفرضان بل بالعجز عن الضروري المقيم للبينة وإن كنا لا نفرضه ابتداء

النوع الثالث ما يؤدي أخذه للفتنة كالقصاص في النفس والأعضاء يرفع ذلك للأئمة لئلا يقع لسبب تناوله تمانع وقتل وفتنة أعظم من الأولى وكذلك التعزير وفيه أيضا الحاجة للاجتهاد في مقداره بخلاف الحدود في القذف والقصاص في الأطراف

النوع الرابع ما يؤدي إلى فساد العرض وسوء العاقبة كمن ظفر بالعين المغصوبة أو

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الأول أن يكون مجمعا على ثبوته

القيد الثاني أن يتعين الحق فيه بحيث لا يحتاج للاجتهاد والتحرير في تحقيق سببه ومقدار مسببه

القيد الثالث أن لا يؤدي أخذه لفتنة وشحناء

القيد الرابع أن لا يؤدي إلى فساد عرض أو عضو

القيد الخامس أن لا يؤدي إلى خيانة الأمانة ومثل له الأصل بمن وجد عين سلعته التي اشتراها أو ورثها فأخذها أو أخذ عين المغصوب منه وهو لا يخاف من الأخذ ضررا تسولي العاصمية نقلا عن ابن فرحون بتحريم المحرمات المتفق عليها ورد الودائع والغصوب قال ومنه العتق بالقرابة ومن أعتق جزءا في عبد بينه وبين غيره فيكمل من غير حكم على المشهور ا ه وما يحتاج للدعوى ولا يجوز أخذه إلا بعد الرفع للحاكم هو ما خلا عن قيد من القيود الخمسة المذكورة فهو خمسة أنواع النوع الأول ما اختلف في كونه ثابتا أم لا فلا بد فيه من الرفع للحاكم حتى يتوجه بثبوته لعم افتقار هذا النوع إلى الحاكم من حيث الجملة وإلا فالكثير من مسائله لا يفتقر للحاكم منها من وهب له مشاع في عقار أو غيره أو اشترى مبيعا على الصفة أو أسلم في حيوان ونحو ذلك فإن المستحق المعتقد لصحة هذه الأسباب يتناول هذه الأمور من غير حاكم والمفتقر من مسائله للحاكم قليل منها استحقاق الغرماء لرد عتق المديان وتبرعاته قبل الحجر عليه فإن الشافعي رضي الله عنه لا يثبت لهم حقا في ذلك ومالك رضي الله عنه يثبت فيحتاج لقضاء الحاكم بذلك وفي الفرق بين ما يفتقر من مسائله للحاكم وما لا يفتقر منها له

____________________

(4/167)

المشتراة أو الموروثة لكن يخاف من أخذها أن ينسب إلى السرقة فلا يأخذها بنفسه ويرفعها للحاكم دفعا لهذه المفسدة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

عسر النوع الثاني ما يحتاج للاجتهاد والتحرير في تحقيق سببه ومقدار مسببه فإنه يفتقر إلى الحاكم ومن أمثلته الطلاق بالإعسار والطلاق بالإضرار والطلاق على المولي وعلى نحو الغالب والمعترض قال الأصل فإن في الطلاق على المولي تحرير عدم فيئته وعلى المعسر مع قول الحنفية بمنعه تحرير إعساره وتقديره وما مقدار الإعسار الذي يطلق به فإنه مختلف فيه فعند مالك رحمه الله لا يطلق بالعجز عن أصل النفقة والكسوة اللتين تفرضان بل بالعجز عن الضروري المقيم للبينة وإن كنا لا نفرضه ابتداء ا ه

وقال ابن فرحون في التبصرة لأنه يفتقر إلى تحقيق الإعسار وهل هو ممن يلزمه الطلاق بعدم النفقة أم لا كما لو تزوجت فقيرا علمت بفقره فإنها لا تطلق عليه بالإعسار بالنفقة وكذلك تحقيق حاله وهل هو مما يرجى له شيء أم لا وكذلك تحقيق صورة الإضرار وكذلك يمين المولي ينظر هل هي لعذر أو لغير عذر كمن حلف أن لا يطأها وهي مرضع خوفا على ولده فينظر فيما ادعاه فإن كان مقصوده الإضرار طلقت عليه وإن كان لمصلحة لم تطلق عليه وكذلك التطليق على الغائب وكذلك التطليق على المفترض ونحو هؤلاء ثم نقل عن ابن عتاب ما خلاصته أن الحق إذا كان للمرأة خالصا فإنقاذ الطلاق إليها مع إباحة الحاكم لها ذلك بأن يقول للقائمة عنده بعدم النفقة بعد كمال نظره بما يجب إن شئت أن تطلقي نفسك وإن شئت التربص عليه فإن طلقت أشهدت على ذلك وحجة ذلك من السنة حديث بريرة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت أملك بنفسك إن شئت أقمت مع زوجك وإن شئت فارقتيه وقد روي عن ابن القاسم في امرأة المعترض تقول لا تطلقوني وأنا أصبر إلى أجل آخر قال ذلك لها ثم تطلق نفسها متى شاءت بغير سلطان وكذلك الذي يحلف ليقضين فلانا حقه أنه يوقف عن امرأته فإذا جاءت أربعة أشهر قيل له فيء وإلا طلقنا عليك فتقول امرأته أنا أنظره شهرين أو ثلاثة فذلك لها ثم تطلق متى شاءت بغير أمر سلطان ا ه فهذه الرواية ظاهرة في أن المرأة تطلق نفسها ولا اعتراض بما في السؤال من قول المرأة لا تطلقوني لأنها جهلت أن ذلك لها ولأنه أعقب ذلك بالبيان بأنها هي المطلقة بعد التأخير فكذلك تكون هي المطلقة في المسألة السابقة إن أحبت ذلك وكذلك لا اعتراض بقوله في مسألة المولي وإلا طلقنا عليك لأن معناه أنا نجعل ذلك إلى المرأة فتنفذ هي طلاقها إن شاءت وطلاق المولي على قسمين قسم توقعه المرأة وهو في الصورة المتقدمة وقسم يوقعه الحاكم

وهو إذا قال لها إن وطئتك فأنت طالق ثلاثا ففيها أقوال أحدها أنه مول ولا يمكن من وطئها لأن باقي وطئه بعد التقاء الختانين حرام فإذا رفعته إلى الحاكم فإن الحاكم ينجز عليه الطلاق قاله ابن القاسم وإن لم ترفعه ورضيت بالمقام بلا وطء فلها ذلك قال ابن سهل سمعت أبا مروان بن مالك القرطبي يستحسن إيراد هذه المسألة من الشيخ ابن عتاب

____________________

(4/168)

النوع الخامس ما يؤدي إلى خيانة الأمانة إذا أودع عندك من لك عليه حق وعجزت عن أخذه منه لعدم اعترافه أو عدم البينة عليه فهل لك جحد وديعته إذا كانت قدر حقك من جنسه أو من غير جنسه فمنعه مالك لقوله عليه السلام أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

ويقول لو كانت لأحد من المتقدمين لعدت من فضائله قال ابن سهل وفي سماع عيسى عن ابن القاسم فيمن تزوج حرة على أنه حر فإذا هو عبد قال لها أن تختار قبل أن ترفع ذلك إلى السلطان فما طلقت به نفسها جاز عليه وأما المجزوم فلا خيار لها حتى ترفع ذلك إلى السلطان ثم ليس للسلطان أن يفوض إليها أمرها تطلق متى شاءت ولكن على السلطان إذا كرهته وأرادت فراقه أن يفرق بينهما بواحدة إذا يئس من برئه وكذلك المجنون إلا أنه يضرب له أجل سنة كان موسوسا أو يغيب مرة ويفيق أخرى وهذا يوضح المعنى الذي قصده أبو عبد الله بن عتاب من تقسيم الطلاق المحكوم به إلى قسمين قسم توقع المرأة خاصة دون الحاكم وقسم ينفذه الحاكم بغير إذن المرأة وإن كرهت إيقاعه كزواجها بغير ولي وتزويجها ممن ليس بكفء ونكاحها للفاسق ومن تزوجت مع وجود ولدها ولم يستأذنه وليها الذي زوجها على ما فيه من التفصيل وأنواع الأنكحة الفاسدة وهو باب يطول تعدده ا ه كلام ابن فرحون قال ومن أمثلة هذا النوع أيضا تفليس من أحاط الدين بماله وكذا بيع أعتقه المديان لتعارض حق الله تعالى في العتق وحق الغرماء في المالية

وكذلك إذا هرب الجمال وكان الزمان غير معين ولم يفت المقصود فإذا رفع ذلك إلى السلطان نظر في ذلك فيفسخه عنه إن كان في الصبر مضرة ولا ينفسخ بغير حكم الحاكم من كتاب قيد المشكل وحل المعضل لابن ياسين ومنها من أعتق نصف عبده فإنه لا يعتق عليه بقية العبد إلا بالحكم لتعارض حق الله تعالى في العتق وحق السيد في الملك وحق العبد في تخليص الكسب وأيضا لقوة الخلاف في التكميل عليه ومنها تعجيز المكاتب إذا كان له مال ظاهر لا يكون إلا بالحكم فلو رضي بتعجيز نفسه هو وسيده لم يكن لهما ذلك ومنها ما إذا حلف ليضربن عبده ضربا مبرحا فعتقه عليه يفتقر لحكم الحاكم لأنه لا يدري هل ثم جناية تقتضي مثل هذا الضرب أم لا ويحتاج بعد وقوع الضرب من السيد إلى تحقيق كون ذلك الضرب مبرحا بذلك العبد وهل السيد عاص به فيعتق عليه لأن الحلف على المعصية يوجب تعجيل العتق أو ليس عاصيا فلا يلزمه عتق ا ه ومنها كما في الأصل تقدير النفقات للزوجات والأقارب

النوع الثالث ما يؤدي أخذه للفتنة والشحناء قال ابن فرحون في التبصرة ومن أمثلته الحدود فإنها تفتقر إلى حكم الحاكم وإن كانت مقاديرها معلومة لأن تفويضها لجميع الناس يؤدي إلى الفتن والشحناء والقتل وفساد الأنفس والأموال قال ومنها قسمة الغنائم

وإن كانت معلومة المقادير وأسباب الاستحقاقات فلا بد فيها من الحاكم إذ لو فوضت لجميع الناس لدخلهم الطمع وأحب كل إنسان لنفسه من كرائم الأموال ما يطلبه غيره فيؤدي إلى الفتن ومنها جباية الجزية وأخذ الخراجات من أراضي العنوة ولو جعلت للعامة لفسد الحال ا ه ومنها كما في الأصل القصاص في النفس والأعضاء إذ لو لم يرفع للأئمة لأدى بسبب تناوله تمانع وقتل وفتنة أعظم من الأولى

____________________

(4/169)

تخن من خانك وأجازه الشافعي لقوله صلى الله عليه وسلم لهند ابنة عتبة امرأة أبي سفيان لما شكت إليه أنه بخيل لا يعطيها وولدها ما يكفيهما فقال لها عليه السلام خذي لك ولولدك ما يكفيك بالمعروف ومنشأ الخلاف هل هذا القول منه عليه السلام فتيا فيصح

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وكذلك التعزير وفيه أيضا الحاجة للاجتهاد في تحرير مقدار الجناية وحال الجاني والمجني عليه بخلاف الحدود في القذف والقصاص في الأطراف

النوع الرابع ما يؤدي إلى فساد عرض أو عضو كمن ظفر بالعين المغصوبة أو المشتراة أو الموروثة وخاف من أخذها بنفسه أن ينسب إلى السرقة فلا يأخذها إلا بعد رفعها للحاكم دفعا لهذه المفسدة

النوع الخامس ما يؤدي إلى خيانة الأمانة ومن أمثلته ما إذا أودع عندك من لك عليه حق وعجزت عن أخذه منه لعدم اعترافه أو عدم البينة عليه ففي منع جحد وديعته إذا كانت قدر حقك من جنسه أو من غير جنسه لقوله عليه السلام أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك وهو لمالك رحمه الله تعالى وإجازته لقوله صلى الله عليه وسلم لهند ابنة عتبة امرأة أبي سفيان لما شكت إليه أنه بخيل لا يعطيها وولدها ما يكفيهما فقال لها عليه السلام خذي لك ولولدك ما يكفيك بالمعروف بناء على أنه فتيا وهو للشافعي رحمه الله تعالى وأما على أنه قضاء منه عليه السلام فيصح ما قاله مالك قولان ثالثها لبعضهم الجواز إن كان من جنس حقك

والمنع إن كان من غير جنسه هذا توضيح ما قاله الأصل وصححه أبو القاسم بن الشاط بزيادة من تبصرة ابن فرحون وبقي ما اختلف في كونه يحتاج إلى الحاكم أو لا قال ابن فرحون في تبصرته ومن أمثلته قبض المغصوب من الغاصب إذا كان المغصوب منه غائبا أي في افتقاره إلى الحاكم وعدم افتقاره خلاف ومنها من أعتق شركا له في عبد قال ابن يونس اتفق أصحابنا على أن باقيه يعتق بمجرد التقويم من غير حاجة إلى حكم الحاكم وقال غيره يفتقر عتق باقيه إلى الحاكم ومنها عتق القريب إذا ملكه الحر المليء المشهور عدم افتقاره للحكم وقيل لا بد فيه من الحكم ومنها العتق بالمثلة قال مالك رضي الله عنه لا يعتق إلا بالحكم وقال أشهب لا يفتقر ومنها فسخ البيع بعد تخالف المتبايعين يجري فيه الخلاف ومنها فسخ النكاح بعد التخالف فيه الخلاف أيضا

ومنها اليتيم المحجور عليه بوصي من قبل الأب هل يكفي إطلاقه لليتيم من الحجر دون مطالعة الحاكم في ذلك أو لا بد من استئذان الحاكم في ذلك حتى يكون إطلاق الوصي له بإذن الحاكم فيه خلاف ومنها وقوع الفرقة بين المتلاعنين قال مالك وابن القاسم تقع الفرقة بتمام التحالف دون حكم حاكم وقال ابن حبيب لا تقع الفرقة بتمام تلاعنهما حتى يفرق الإمام بينهما

ومنها ما إذا تزوجت الحاضنة فهل يسقط حقها من الحضانة بالدخول أو بالحكم بأخذ الولد منها قولان ومنها ما إذا قال لزوجته إن لم تحيضي فأنت طالق فإنه يحنث على المشهور وعليه فهل يفتقر الطلاق إلى حكم الحاكم أو يقع بمجرد نطقه قولان اختار اللخمي أنه لا يقع إلا بالحكم ومنها السلم المختلف في فساده اختلف هل يفتقر إلى حكم الحاكم أو لا وعلى الأول فهو كالسلم الصحيح حتى يباشره الحكم بالفسخ ومنها ما إذا هرب الجمال وكان الكراء لقصد أمر له أبان يفوت بفواته كالحج والخروج إلى البلاد الشاسعة مع الرفقة العظيمة فجاءه الجمال بالجمال بعد فوات الوقت قيل ينفسخ بفوات ذلك كالزمن المعين وقيل لا ينفسخ لتوقع الحج والسفر في وقت ثان وفي المدونة لا ينفسخ إلا في الحج وحده ولا

____________________

(4/170)

ما قاله الشافعي أو قضاء فيصح ما قاله مالك ومنهم من فصل بين ظفرك بجنس حقك فلك أخذه أو غير جنسه فليس لك أخذه فهذا تلخيص الفرق بين القاعدتين

الفرق الرابع والثلاثون والمائتان بين قاعدة اليد المعتبرة المرجحة لقول صاحبها وقاعدة اليد التي لا تعتبر اعلم أن اليد إنما تكون مرجحة إذا جهل أصلها أو علم أصلها بحق أما إذا شهدت بينة أو علمنا نحن ذلك أنها بغصب أو عارية أو غير ذلك من الطرق المقتضية وضع اليد من غير ملك فإنها لا تكون مرجحة ألبتة

تنبيه اليد عبارة عن القرب والاتصال وأعظمها ثياب الإنسان التي عليه ونعله

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

يختلف أنه إذا رفعه إلى الحاكم ففسخه أنه ينفسخ من كتاب قيد المشكل ومنها القاضي إذا فسق هل ينعزل بمجرد فسقه أو لا حتى يعزله الإمام قولان

ومنها المفلس إذا قسم ماله وحلف أنه لم يكتم شيئا ووافقه الغرماء على ذلك فهل ينفك عنه الحجر ويكون له التصرف فيما يكون بعد ذلك من المال من غير أن يزيل عنه الحاكم حجر التفليس وعليه أكثر نصوصهم واختاره اللخمي أو لا ينفك عنه إلا بحكم حاكم وهو قول القاضي عبد الوهاب والقاضي أبي الحسن بن القصار وتتبع هذا يخرج عن المقصود ا ه كلام ابن فرحون والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق الرابع والثلاثون والمائتان بين قاعدة اليد المعتبرة المرجحة لقول صاحبها وقاعدة اليد التي لا تعتبر وهو أن اليد المرجحة عبارة عن حيازة أي قرب واتصال إما مع جهل أصل الملك لمن هو فيكفي فيها عشرة أشهر فأكثر كان المحوز عقارا أو غيره وأما مع علمنا نحن بأنفسنا أو بالبينة بأن أصل ملكها يحق للحائز فيكفي فيها عشرة سنين فأكثر في العقار وعامان فأكثر في الدواب والعبيد والثياب قلت لكن قد تقدم أن هذا في حق غير القريب فتنبه ولليد مراتب مترتبة فأعظمها ثياب الإنسان التي عليه ومنطقته ويليه البساط الذي هو جالس عليه والدابة التي هو راكبها ويليه الدابة التي هو سائقها أو قائدها ويليه الدار التي هو ساكنها فهي دون الدابة لعدم استيلائه على جميعها قال بعض العلماء فتقدم أقوى اليدين على أضعفهما فراكب الدابة يقدم مع يمينه على السائق عند تنازعهما وإذا تنازع الساكنان الدار سوى بينهما بعد أيمانهما وهو متجه

وأما اليد التي لا تعتبر في الترجيح ألبتة فعبارة عن حيازة أي قرب واتصال علمنا نحن بأنفسنا أو بالبينة أنها بطريق تقتضي عدم الملك بحق كالغصب والعارية هذا تهذيب ما قاله الأصل وصححه أبو القاسم بن الشاط مع زيادة من تسولي العاصمية والله تعالى أعلم وصل في أربع مسائل يتعلق بهذا الفرق

المسألة الأولى قال ابن أبي زيد في النوادر إذا ادعياها في يد ثالث فقال أحدهما آجرته إياها وقال الآخر أودعته إياها صدق من علم سبق كرائه أو إيداعه ويستصحب الحال له والملك إلا أن تشهد بينة

____________________

(4/171)

ومنطقته ويليه البساط الذي هو جالس عليه والدابة التي هو راكبها ويليه الدابة التي هو سائقها أو قائدها ويليه الدار التي هو ساكنها فهي دون الدابة لعدم استيلائه على جميعها قال بعض العلماء فتقدم أقوى اليدين على أضعفهما فلو تنازع الساكنان الدار سوى بينهما بعد إيمانهما ويقدم راكب الدابة مع يمينه على السائق وهو متجه

فرع قال ابن أبي زيد في النوادر إذا ادعياها في يد ثالث فقال أحدهما أجرته إياها وقال الآخر أودعته إياها صدق من علم سبق كرائه أو إيداعه ويستصحب الحال له والملك إلا أن تشهد بينة للآخر أنه فعل ذلك بحيازة عن الأول وحضوره ولم ينكر فيقضى له فإن جهل السبق قسمت بينهما قال أشهب فلو شهدت بينة أحدهما بغصب الثالث منه وبينة الآخر أن الثالث أقر له بالإيداع قضى لصاحب الغصب لتضمين بينة اليد السابقة

فرع قال في النوادر لو كانت دار في يد رجلين وفي يد عبد لأحدهما فادعاها الثلاثة قسمت بينهم أثلاثا إن كان العبد تاجرا وإلا فنصفين لأن العبد في يد مولاه

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

للآخر أنه فعل ذلك بحيازة عن الأول وحضوره ولم ينكر فيقضي له فإن جهل السبق قسمت بينهما قال أشهدت فلو شهدت بينة أحدهما بغصب الثالث منه وبينة الآخر أن الثالث أقر له بالإيداع قضي لصاحب الغصب لتضمين بينته اليد السابقة

المسألة الثانية قال في النوادر لو كانت دار في يد رجلين وفي يد عبد لأحدهما فادعاها الثلاثة قسمت بينهم أثلاثا إن كان العبد تاجرا وإلا فنصفين لأن العبد في يد مولاه أفادهما الأصل

المسألة الثالثة قال تسولي العاصمية لا بد في الشهادة بكل قسم من قسمي الحيازة المرجحة من ذكر اليد وتصرف الحائز تصرف المالك في ملكه والنسبة وعدم المنازع وطول عشرة أشهر في الأولى يعني الحيازة مع جهل أصل الملك لمن هو وعشر سنين في الثانية يعني الحيازة مع علم أصل الملك لمن هو وعدم التفويت في علمهم فإذا فقدت هذه الأمور أو واحد منها لا تقبل شهادة الشاهد على المعمول به إلا إن كان من أهل العلم كما بيناه في حاشية اللامية وهل يشترط زيادة مال من أمواله ابن عرفة وفي لغو شهادة الشاهد في دار بأنها ملك فلان حتى يقول ومال من أمواله وقبولها مطلقا ثالثها إن كان الشهود لهم نباهة ويقظة الأول لابن سهل عن مالك قائلا شاهدت القضاء به

ا ه المسألة الرابعة قال تسولي العاصمية كيفية وثقية ذلك أن تقول يشهد الواضع شكاه أثره بمعرفته لفلان ومعها يشهد بأنه كان بيده وعلى ملكه مالا من أمواله وملكا خالصا من جملة أملاكه جميع كذا المحدود بكذا يعرف فيه تصرف المالك في ملكه وينسبه لنفسه والناس إليه من غير علم منازع ولا معارض مدة من عشرة أشهر أو عشر سنين ولا يعلمون أنها أخرجت عن ملكه إلى الآن أو إلى أن تعتدي عليها فلان أو إلى أن غاب أو إلى أن توفي وتركها لمن أحاط بميراثه إلخ فإذا ثبت هذه الوثيقة هكذا وأعذر فيها للمقوم عليه فلم يجد مطعنا فلا إشكال أنها تدل دلالة ظنية على أن الملك لهذا القائم ولا تفيد القطع لأن الشهادات من حيث هي إنما تفيد غلبة الظن فقط وهو معنى قولهم إنما تقبل فيما جهل أصل ملكه لأن أصل الملك لمن هو مجهول عندنا حتى شهدت به البينة لهذا القائم

وحينئذ فيقضي له به حيث لا مطعن بعد أن يسأل الحائز أو لا هل لك حجة ولعله يقر أن الملك للقائم وأنه دخل بكراء أو

____________________

(4/172)

الفرق الخامس والثلاثون والمائتان بين قاعدة ما تجب إجابة الحاكم فيه إذا دعاه إليه وبين قاعدة ما لا تجب إجابته فيه إن ادعى من مسافة العدوى فما دونها وجبت الإجابة لأنه لا تتم مصالح الأحكام وإنصاف المظلومين من الظالمين إلا بذلك ومن أبعد من المسافة لا تجب الإجابة وإن لم يكن له عليه حق لم تجب الإجابة أو له عليه حق ولكن لا يتوقف على الحاكم لا تجب الإجابة فإن كان قادرا على أدائه لزمه أداؤه ولا يذهب إليه ومتى علم خصمه إعساره حرم عليه طلبه ودعواه إلى الحاكم وإن دعاه وعلم أنه يحكم عليه بجور لم تجب الإجابة وتحرم في الدماء والفروج والحدود وسائر العقوبات الشرعية وإن كان الحق موقوفا على الحاكم كأجل العنين يخير الزوج بين الطلاق فلا تجب الإجابة وبين الإجابة وليس له الامتناع منها وكذلك القسمة المتوقفة على الحاكم يخير بين تمليك حصته لغريمه

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

عارية فإن قال حوزي وملكي وبيدي وأثبت حيازة ذلك عنه عشر سنين في الأصول أو عامين في غيرها بالقيود المذكورة أيضا من اليد والنسبة ودعوى الملك والتصرف وعدم المنازع إلخ والحال أن القائم حاضر ساكت بلا مانع إلخ فقد سقط حق القائم وتبقى الأملاك بيد حائزها ولا يكلف بيان وجه تملكه ولا غير ذلك وبالجملة فمهما ثبتت الحيازة عشرة أشهر فأكثر بالقيود أولا لا تقطعها الحيازة الواقعة بعدها إلا أن تكون عشر سنين فأكثر بالقيود المذكورة أيضا ومهما ثبتت الحيازة عشرة أعوام مع علم أصل الملك لمن هو قطعت حجة القائم مع علم أصل ملكه حيث لم يعلم أصل مدخله أما إذا علم ككونه دخل بكراء من القائم أو إسكان أو مساقات ونحو ذلك فإنها لا تقطعها ولو طالت فأصل الملك وأصل المدخل شيئان متغايران وهما وإن كان كل منهما يشترط جهله لكن الأول شرط في قبول بينة القائم إذ هي لا تقبل إلا إذا لم يعلم أن أصل ذلك لغيره والثاني شرط في أعمال حيازة المقوم عليه إذ لا يعلم بحيازته إلا إذا جهل مدخله

أما إذا علم بإسكان ونحوه فإنها لا تنقطع حجة الأول بل هي حينئذ كالعدم وانظر الكلام على القيود المذكورة من اليد والنسبة وغيرهما في حاشيتنا على اللامية ا ه كلام التسولي بتصرف وستأتي مسائل أخر في الحيازة إن شاء الله تعالى في الفرق بين ما هو حجة وما ليس بحجة عند الحكام فترقب والله سبحانه وتعالى أعلم الفرق الخامس والثلاثون والمائتان بين قاعدة ما تجب إجابة الحاكم فيه إذا دعاه إليه وبين قاعدة ما لا تجب إجابته فيه اعلم أن دعوى المدعي التي يذكرها للحاكم ويوجهها على المطلوب ثلاثة أقسام القسم الأول أن تكون مجردة عما يظهر به صحتها مما مر وعن دليل وشبهة واختلف في هذا القسم هل يجب به الإجابة على من كان على مسافة العدوى فما دونها لأعلى من فوقها وهو ما نقل عن الشافعي وأبي حنيفة وعن أحمد في رواية ولا تجب مطلقا وهو ما ذهب إليه جماعة من أصحابنا ونقل عن أحمد أيضا في رواية أخرى

____________________

(4/173)

وبين الإجابة وليس له الامتناع منها وكذلك الفسوخ الموقوفة على الحاكم وإن دعاه إلى حق مختلف في ثبوته وخصمه يعتقد ثبوته وجبت عليه لأنها دعوى حق أو يعتقد عدم

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وفي الحطاب على المختصر نقلا عن المسائل الملقوطة وهذا أولى لأن الدعوى قد لا تتوجه فيبعث إليه من مسافة العدوى ويحضره لما لا يجب فيه شيء ويفوت عليه كثير من مصالحه وربما كان حضور بعض الناس والدعوى عليه بمجلس الحكام مزرية فيقصد من له غرض فاسد أذى من يريد بذلك من التبصرة ا ه

القسم الثاني أن تكون مع ما تظهر به صحتها مما مر دون أن يأتي بدليل وشبهة وفي هذا القسم قال الأصل إن دعا من مسافة العدوى فما دون وجبت الإجابة لأنه لا تتم مصالح الأحكام وإنصاف المظلومين من الظالمين إلا بذلك ومن أبعد من المسافة لا تجب الإجابة ا ه

وقال ابن الحاجب ويجلب الخصم مع مدعيه بخاتم أو رسول إذا لم يزد على مسافة العدوى فإن زاد لم يجلبه ا ه وقال خليل وجلب الخصم بخاتم أو رسول إن كان على مسافة العدوى لا بأكثر كستين ميلا ا ه يعني أن الخصم إذا كان حاضرا في البلد يرفع بالإرسال إليه لا بالخاتم على ما به العمل كما في اليزناسي وظاهره وظاهر قول ابن أبي زمنين أنه يرفع وإن لم يأت بشبهة ابن عرفة وبه العمل وإذا كان على مسافة العدوى يرفع بكتابة كتاب إليه أن احضر مجلس الحكم ويطيع ويدفع للطالب الآتي بالدعوى المذكورة كما في تسولي العاصمية قال ومسافة العدوى ثمانية وأربعون ميلا فهي مسافة القصر كما في التبصرة الجوهري العدوى طلبك إلى وال ليعديك على من ظلمك أي ينتقم منه يقال استعديت على فلان الأمير فأعداني أي استعنت به فأعانني عليه ا ه

القسم الثالث أن تكون مع ما تظهر به صحتها مما مر ومع الإتيان بدليل وشبهة أي لطخ كجرح أو شاهد أو أثر ضرب ونحو ذلك وفي هذا القسم قال ابن الحاجب فإن زاد أي على مسافة العدوى لم يجلبه ما لم يشهد شاهد فيكتب إليه إما أن يحضر أو يرضى أي خصمه ا ه يعني أنه تجب فيه على المطلوب ولو كان على ما يزيد على مسافة العدوى إما الإجابة أو إرضاء خصمه لكن محل ذلك إذا كان المطلوب الذي على ما يزيد على مسافة العدوى من محل ولاية الحاكم أما إن كان من غير محل ولايته فعلى قول ابن عاصم والحكم في المشهور حيث المدعى عليه في الأصول والمال معا وحيث يلفيه بما في الذمه يطلبه وحيث أصل ثمه وحاصله أن المدعى عليه إذا لم يخرج من بلده فليست الدعوى إلا هنالك كان المتنازع فيه هناك أم لا وإن خرج من بلده فإما أن يلقاه في محل الأصل المتنازع فيه أو يكون المال المعين معه أو لا فيجيبه لمخاصمته هناك في الأول دون الثاني وأما ما في الذمة فيخاصمه حيث ما لقيه كما في شرح التسولي

تنبيه قال الأصل وسلمه ابن الشاط والحطاب متى طولب الشخص بحق وجب عليه على الفور كرد المغصوب ولا يحل له أن يقول لا يدفعه إلا بالحاكم لأن المطل ظلم ووقوف الناس عند الحاكم صعب نعم إذا كان الحق نفقة للأقارب وجب الحضور فيها عند الحاكم لتقديرها فإن كانت النفقة للزوجة أو للرقيق خير بين إبانة الزوجة وعتق الرقيق وبين الإجابة كما يخبر في كل حق موقوف على الحاكم أي أو يمكن فيه التخيير كأجل العنين يخير الزوج بين الطلاق فلا تجب الإجابة

____________________

(4/174)

ثبوته لا تجب لأنه مبطل وإن دعاه الحاكم وجب لأن المحل قابل للحكم والتصرف والاجتهاد ومتى طولب بحق وجب عليه على الفور كرد المغصوب ولا يحل له أن يقول لا أدفعه إلا بالحكم لأن المطل ظلم ووقوف الناس عند الحاكم صعب وأما النفقات فيجب الحضور فيها عند الحاكم لتقديرها إن كانت للأقارب وإن كانت للزوجة أو للرقيق يخير بين إبانة الزوجة وعتق الرقيق وبين الإجابة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وبين الإجابة فليس له الامتناع منها وكالقسمة المتوقفة على الحاكم يخبر بين تمليك حصته لغريمه وبين الإجابة فليس له الامتناع منها وكالفسوخ المتوقفة على الحاكم أما إن كان الحق لا يتوقف على الحاكم فلا تجب الإجابة بل إن كان قادرا على أدائه لزمه أداء ولا يذهب إليه ومتى علم خصمه إعساره حرم عليه طلبه ودعواه إلى الحاكم فإن دعاه وعلم أنه يحكم عليه بحوز لم تجب الإجابة وتحرم في الدماء والفروج والحدود وسائر العقوبات الشرعية

هذا إذا كان الحق متفقا على ثبوته أما إن دعاه إلى حق مختلف في ثبوته فإن كان خصمه يعتقد ثبوته وجبت الإجابة عليه لأنها دعوى حق وإن كان يعتقد عدم ثبوته لم تجب لأنه مبطل نعم إن دعاه الحاكم وجب لأن المحل قابل للحكم والتصرف والاجتهاد وإن لم يكن له عليه حق لم تجب الإجابة ا ه بتصرف قال التسولي على العاصمية ومحل هذا التفصيل والله أعلم إذا كان هناك من يعينه على الحق ويتثبت في أمره وأما إذا فقد ذلك كما في زماننا اليوم فتجب الإجابة في الجميع لئلا يقع فيما هو أعظم ا ه

والله سبحانه وتعالى أعلم

فرق بين قاعدة ما يلزم فيه الأعذار وقاعدة ما لا يلزم فيه الأعذار وهو كما يؤخذ من كلام ابن فرحون في تبصرته أن ما يلزم فيه الأعذار ثلاثة أنواع الأول كل ما قامت عليه بينة بحق من معاملة أو نحوها والنوع الثاني كل من قامت عليه دعوى بفساد أو غضب أو تعد ولم يكن من أهل الفساد الظاهر ولا من الزنادقة المشهورين بما ينسب إليهم النوع الثالث كل من قامت عليه بينة غير مستفيضة بالأسباب القديمة والحديثة وبالموت القديم والحديث وبالنكاحات القديمة والحديثة وبالولاء القديم وبالأحباس القديمة وبالضرر يكون بين الزوجين وأما ما لا يلزم فيه الإعذار فثلاثة أنواع أيضا الأول كل من قامت عليه بينة بغير حق معاملة ونحوها انتفت الظنون والتهمة عنهم ويتحقق بمسائل المسألة الأولى قال إسحاق بن إبراهيم النجيبي ومما لا أعذار فيه استفاضة الشهادات المشهود بها عند الحكام في الأسباب القديمة والحديث وفي الموت القديم والحديث وفي النكاحات القديمة والحديثة وفي الولاء القديم وفي الأحباس القديمة وفي الضرر يكون بين الزوجين وفي أشياء غيرها يطول ذكرها قال ابن فرحون قوله والضرر معناه أنه يسقط الأعذار في الشهادة بالضرر ولهذه الشهادات باب مستوعب يأتي إن شاء الله تعالى المسألة الثانية قال ابن فرحون إذا انعقد في مجلس القاضي مقال بإقرار أو إنكار وشهدت به شهود المجلس عند القاضي أنفذ تلك المقالة على قائلها ولم يعذر إليه في شهادة شهودها لكونها بين يديه وعلمه بها وقطعه بحقيقتها وهذا هو الإجماع من المتقدمين والمتأخرين

____________________

(4/175)

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

قاله أبو إبراهيم إسحق بن إبراهيم النجيبي وقال ابن العطار وبه جرى الحكم والعمل عند الحكام لكن قال ابن سهر ورأيت في غير كتاب ابن العطار أن شهود المجلس إذا كتبوا شهادتهم على مقال مقر أو منكر في مجلس القاضي ولم يشهدوا بها عند القاضي في ذلك المجلس ثم أرادوا في المجلس الذي كان فيه المقال وكذلك لو حفظوها ولم يكتبوها ثم أدوها بعد ذلك إذا طلبوا بها

وكانوا عدولا فإنه يعذر فيها إلى من شهدوا عليه بها ا ه لمسألة الثالثة قال ابن فرحون الشهود الذين يحضرون تطليق المرأة نفسها وأخذها بشرطها في الطلاق في مسائل الشروط في النكاح لا يحتاج إلى تسميتهم لأنه لا أعذار فيهم ا ه والنوع الثاني كل من قامت عليه بغير حق معاملة ونحوها بينة أقامهم الحاكم مقام نفسه ويتضح بمسائل المسالة الأولى قال أبو إبراهيم لا يعذر القاضي فيمن أعذره إلى مشهود عليه من امرأة أو مريض لا يخرجان المسألة الثانية قال أبو إبراهيم لا يعذر في الشاهدين الذين يوجههما الحاك لحضور حيازة الشهود لما شهدوا فيه من دار أو عقار وقال ابن سهل وسألت ابن عتاب عن ذلك فقال لا أعذار فيمن وجه للإعذار

وأما الموجهان للحيازة فيعذر فيهما وقد اختلف في ذلك المسألة الثالثة قال ابن فرحون الشاهدان الموجهان لحضور اليمين لا يحتاج إلى تسميتهم لأنه لا أعذار فيهما في المشهور من القول لأن الحاكم أقامهما مقام نفسه وقيل لا بد من الإعذار فيهما ا ه ومن هذا النوع تعديل السر فلا يعذر القاضي في المعدلين سرا كما تقدم ومنه أيضا حكم الحكمين فيسقط الأعذار فيه قال ابن رشد لأنهما يحكمان في ذلك بما خلص إليهما بعد النظر والكشف وليس حكمهما بالشهادة القاطعة ا ه

والنوع الثالث كل من قامت عليه دعوى بفساد أو غضب أو تعد وهو من أهل الفساد الظاهر أو من الزنادقة المشهورين بما ينسب إليهم فلا يعذر إليهم فيما شهد به عليهم ففي آخر الجزء الثاني من كتاب ابن سهل أن أبا الخير الزنديق لما شهد عليه بما يتعاطاه من القول المصرح بالكفر والانسلاخ من الإيمان وقامت البينة عليه بذلك وكانوا ثمانية عشر شاهدا وكان القاضي يومئذ منذر بن سعيد قاضي الجماعة فأشار بعض العلماء بأن يعذر إليه فيما شهد به عليه وأشار قاضي الجماعة وإسحاق بن إبراهيم النجيبي وصاحب الصلاة أحمد بن مطرف بأنه يقتل بغير أعذار لأنه ملحد كافر وقد وجب قتله بدون ما ثبت عليه فقتل بغير أعذار فقيل لأبي إبراهيم أشرح أصل الفتيا في قتله بغير إعذار الذي اعتمدت عليه فذكر أنه اعتمد في ذلك على قاعدة مذهب مالك رضي الله عنه في قطع الإعذار عمن استفاضت عليه الشهادات في الظلم وعلى مذهبه في السلابة والمغيرين وأشباههم إذا شهد عليهم المسلوبون والمنتهبون بأن تقبل شهادتهم عليهم إذا كانوا من أهل القبول وفي قبولها عليهم سفك دمائهم وفي الرجل يتعلق بالرجل وجرحه يدمي فيصدق عليه وفي التي تتعلق بالرجل في المكان الخالي وقد فضحت نفسها بإصابته لها فتصدق بفضيحة نفسها وفي الذي وجده مالك رضي الله تعالى عنه عند أحد الحكام وهو يضرب بدعوى صبي قد تعلق به وهو يدمي فضربه الحاكم فيما أدعاه عليه من إصابته له فلم يزل يضرب ومالك جالس عنده حتى ضرب ثلثمائة سوط وهو ساكت لا ينكر ذلك مع ما تقدم له من الضرب قبل وصول مالك رضي الله عنه وقد بلغني أنه انتهى به الضرب إلى ستمائة سوط

____________________

(4/176)

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وفي أهل حصن من العدو يأتون مسلمين رجالا ونساء حوامل فيصدقون في أنسابهم ويتوارثون إذا كانوا جماعة لهم عدد قال ابن القاسم والعشرون عندي جماعة فأين الإعذار في هؤلاء كلهم قال وإذا كان مالك يرى في أهل الظلم للناس والسلابين والمحاربين ونحوهم أن يقطع عنهم الإعذار فالظالم لله تعالى ولكتابه ولرسوله صلى الله عليه وسلم أحق بأن يقطع عنه الإعذار فيما ثبت عليه وأني متقرب إلى الله تعالى بإسقاط التوسعة عليه في طلب المخارج له بالإعذار وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الموطأ أنه قال أنا بشر مثلكم يوحي إلي وأنكم تختصمون إلي فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فاقضي له على نحو ما أسمع منه وهذا الحديث هو أم القضايا ولا إعذار فيه

وكذلك كتاب عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة بن الجراح وإلى أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهم وهما أيضا ملاذ الحكام في الأحكام ولا إعذار فيهما ولا إقالة من حجة ولا من كلمة غير أن الإعذار فيما يتحاكم الناس فيه من غير أسباب الديانات استحسان من أئمتنا وأنا على اتباعهم فيه والأخذ به على بصيرة مستحكمة فيما أوجبوا الإعذار فيه من الحقوق والتزم التسليم لما استحسنوه إذ هم القدوة والهداة فأما في إقامة الحدود في الإلحاد والزندقة وتكذيب القرآن والرسول عليه الصلاة والسلام فلم أسمع به ولم أره لأحد ممن وصل إلينا علمه قال فإلى هذه الأمور نزعت في ترك الإعذار إلى هذا الملحد قال ابن سهل لقد أحسن أبو إبراهيم رحمه الله تعالى في هذا التبيين والنصح للمسلمين وإن كان في فصول من كلامه اعتراض على الأصول وفي بعضها اختلاف والحق البين إن من تظاهرت الشهادات عليه في إلحاد أو غيره هذا التظاهر

وكثرت البينة العادلة عليه هذه الكثرة فالإعذار إليه معدوم الفائدة لأنه لا يستطيع تجريح جميعهم ولا يمكنه الإتيان بما يسقط من شهادتهم ومن قال بالإعذار أفاد أصله المتفق عليه عند العلماء والحكام في لزوم الإعذار في الأموال ومن اجتهد أصاب والله الموفق للصواب ا ه

كلام ابن فرحون في تبصرته وكله بنص لفظه إلا النوع الثالث مما يلزم فيه الإعذار فإنه مأخوذ من مفهوم المسألة الأولى من النوع الأول مما لا يلزم فيه الإعذار فافهم قال والإعذار لا يكون إلا بعد استيفاء الشروط وتمام النظر فإن الإعذار في شيء ناقص لا يفيد شيئا قال ابن سهل وفي مفيد الحكام وقد اختلف في وقت الإعذار إلى المحكوم عليه فقيل يحكم عليه وبعد ذلك يعذر إليه والذي به العمل أنه يعذر إليه وحينئذ يحكم عليه ا ه قال ابن الحاجب ويحكم بعد أن يسأله أبقيت لك حجة فيقول لا فإن قال نعم انظره ما لم يتبين لدده والمحكوم عليه أعم من المدعي المدعي عليه والمتبادر الذهن هو المدعى عليه لأنه قد تقوي حجة المدعى عليه فيتوجه الحكم على المدعي بالإبراء أو بغيره من وجوه الحكم ا ه

وإذا حصلت التزكية للشهود فلا بد من الإعذار في المزكي

والمزكي ثم هل يعذر إليه قبل أن يسأله ذلك أبو بعد أن يسأله في المذهب أربعة أقوال قال ابن نافع يقول له دونك فخرج وإلا حكمت عليك وقال مالك في رواية أشهب لا يقول له ذلك وذلك وهن للشاهد وقال أشبه بقوله ذلك إن كان قبولهم بالتزكية ولا يقول في المبرزين قول ابن القاسم يقوله لمن لا يدري ذلك كالمرأة والضعيف ثم حيث قلنا بالإعذار فما الذي يسمع منه قال ابن شاس يسمع في متوسط العدالة القدح فيها

____________________

(4/177)

فارغات

هامش أنوار البروق

فارغه

هامش إدرار الشروق

وأما المبرز المعروف بالصلاح فيسمع فيه القدح بالعدواة والقرابة والهجرة وقال سحنون يمكن أن التجريح ولم يفرق وإذا قلنا بسماع الجرح في المبرز فقال سحنون لا يقبل ذلك إلا من المرز في العدالة وقال ابن الماشجون يجرح الشاهد من هو مثله وفوقه ولا يجرح من دونه إلا بالعداوة والهجرة أما القدح في العدالة فلا وقال مطرف يجرحه من هو مثله وفوقه ودونه بالإسفاه وبالعداوة إذا كان عدلا عارفا فوجوه الجراح واختاره اللخمي وقال عبد الحكم لا يقبل التجريح في المبرز إلا أن يكون المجرحون معروفين بالعدالة منه ويذكرون ما جرحوه به مما يثبت بالكشف وقال ابن القطان لا يجرح الشاهد من دونه بالعداوة وأجازه ابن العطار وفي معين الحكام ويعذر في تعديل العلانية دون تعديل السر فلا يعذر القاضي في المعدلين سرا والأصل في الإعذار قوله تعالى في قصة الهدهد ! 2 < لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين > 2 ! النمل 21 وقوله تعالى ! 2 < وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا > 2 ! الإسراء 15 قوله تعالى ! 2 < ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا > 2 ! طه 134 الآية وقوله تعالى ! 2 < لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل > 2 ! النساء 165 ومثل هذا كثير قال ابن سهل والإعذار المبالغة في العذر ومنه قد أعذر من أنذر أي قد بالغ في الإعذار من تقدم إليك فأنذرك ومنه أعذار القاضي إلى من ثبت عليه حتى يؤخذ منه فتعذر عليه فيمن شهد عليه بذلك ا ه

المراد من التبصرة من مواضع تنبيهان الأول زدت هذا الفرق على ما ذكره الأصل فيما تقدم من أجزاء كيفية القضاء التسعة لتكمل وتتضح بها كيفيته التي هي أحد أركانه الستة التي تستفاد من كلام الأصل المتقدم والآتي وذكرها تستولي العاصمية تبعا لابن فرحون بقوله الأول القاضي والثاني والثالث المدعي والمدعى عليه قال والحكم على كل منهما بأنه مدع أو مدعى عليه فرع تصوره وتعرف حاله فافهم والرابع المدعي فيه والخامس المقضي به يعني من كتاب أو سنة أو إجماع بالنسبة للمجتهد أو المتفق عليه أو المشهور أو الراجح أو ما به العمل بالنسبة فلا يتعقب لأن حكم المجتهد يرفع الخلاف

وأما المقلد فلا يرفع حكمه الخلاف وما ليس بحكم كقوله أنا لا أجيز النكاح بغير ولي أو لا أحدكم بالشاهد واليمين فيتعقب فلمن بعده من حنفي أن يحكم بصحة النكاح أو مالكي أن يحكم بالشاهد واليمين الثاني معرفة ما يفتقر لحكم وما لا يفتقر الثالث معرفة ما يدخله الحكم من أبواب الفقه وما لا يدخله الرابع معرفة الفرق بين ألفاظ الحكم التي جرت بها عادة الحكام وما لم تجر العادة به الخامس معرفة الفرق بين الثبوت والحكم السادس معرفة الدعوى الصحيحة وشروطها السابع معرفة حكم جواب المدعي عليه من إقرار أو إنكار أو امتناع منهما الثامن معرفة كيفية الإعذار التاسع معرفة صفة اليمين ومكانها والتغليظ فيها ا ه المراد بتوضيح ما التنبيه الثاني قال تستولي العاصمية رسالة أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه المعروفة برسالة القضاء هي بسم الله الرحمن الرحيم من عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري سلام عليك

أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة وسنة معينة فأفهم إذا أدلى إليك وانفذ إذا تبين لك فإنه لا ينفع

____________________

(4/178)

الفرق السادس والثلاثون والمائتان بين قاعدة ما يشرع من الحبس وقاعدة ما لا يشرع المشروع من الحبس ثمانية أقسام الأول يحبس الجاني لغيبة المجني عليه حفظا لمحل القصاص الثاني حبس الآبق سنة حفظا للمالية رجاء أن يعرف ربه الثالث يحبس الممتنع عن دفع الحق إلجاء إليه الرابع

هامش أنوار البروق

قال الفرق السادس والثلاثون والمائتان بين قاعدة ما يشرع من الحبس وقاعدة ما لا يشرع قلت ما قاله في هذا الفرق من انحصار الأسباب الموجبة للحبس في ثمانية أقسام كما قال ليس وفي ذلك نظر وما قاله في الفروق الأربعة بعده صحيح أو نقل وترجيح

مسألة في بداية حفيد ابن رشد وفي الأصل وسلمه ابن الشاط اتفقوا على أن الإسلام شرط في قبول الشهادة وأنه لا تجوز شهادة الكافر إلا ما اختلفوا فيه من جوازها في الوصية في السفر أي وعلى أهل ملته فعندنا وعند الشافعي لا تقبل شهادة الكافر على المسلم أو الكافر على أهل ملته ولا غيرها ولا في وصية ميت مات في سفر وإن لم يحضر مسلمون وتمنع شهادة نسائهم في الاستهلال والولادة بل قال أبو زيد من أصحابنا في كتابه النوادر لو رضي الخصم بالحكم بالكافر والمسخوط لم يحكم له به لأنه حق لله تعالى

وقال أبو حنيفة يقبل اليهودي على النصراني والنصراني على اليهودي مطلقا لأن الكفر ملة واحدة وقال أبو حنيفة وأحمد بن حنبل تجوز شهادة أهل الكتاب في الوصية في السفر إذا لم يكن غيرهم وهم ذمة يحلفان بعد العصر ما خانا ولا كتما ولا اشتريا به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين وروي عن قتادة وغيره يقبل الكافر على ملته دون غيرها لنا قوله تعالى وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وقال عليه السلام لا تقبل شهادة عدو على عدوه وقياسا على الفاسق بطريق الأولى وذلك أن الله تعالى أمر بالتوقف في خبر الفاسق وهنا أولى إذ الشهادة آكد من الخبر وقوله تعالى وأشهدوا ذوي عدل منكم وفي الحديث قال عليه السلام لا تقبل شهادة أهل دين على غير أهل دينه إلا المسلمين فإنهم عدول عليهم وعلى غيرهم ولأن من لا تقبل شهادته على المسلم لا تقبل على غيره كالعبد

وأما احتجاجهم بقوله تعالى شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم قالوا فإن معناه من غير المسلمين من أهل الكتاب وروي ذلك عن أبي موسى الأشعري وغيره وقال غير ابن حنبل وإذا جاز على المسلم جازت على الكافر بطريق الأولى فجوابه بوجوبه الأول أن الحسن قال من غير عشيرتكم وعن قتادة قال من غير حلفكم فما تعين ما قالوه

الثاني أن معنى الشهادة التحمل ونحن نجيزه أو اليمين فيقسمان بالله كما قال في اللعان

الثالث أن الله تعالى خير بين المسلمين وغيرهم ولم يقل به أحد فدل على نسخه وأما احتجاجهم بما في الصحيح من أن اليهود جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهم يهوديان فذكرت له عليه السلام أنهما زنيا فرجمهما عليه السلام وظاهره أن رجمهما بشهادتهم وروى الشعبي أنه عليه السلام قال إن شهد منكم أربعة رجمتهما فجوابه بوجوه الأول إنهم لا يقولون به لأن الإحصان من شرط الإسلام

الثاني أنه نقل أنهما اعترفا بالزنا فلم يرجمهما بالشهادة

الثالث أن الصحيح أنه إنما رجمهما بالوحي لأن التوراة لا يجوز الاعتماد عليها لما فيه من التحريف وشهادة الكفار غير مقبولة وقال ابن عمر كان حد المسلمين يومئذ الجلد فلم يبق إلا الوحي الذي يخصهما وأما احتجاجهم بأن الكافر من أهل الولاية لأنه يزوج أولاده فجوابه أن الفسق عندنا لا ينافي الولاية لأن وازعها طبيعي وينافي الشهادة لأن وازعها ديني فافترقا لأن تزويج الكفار عندنا فاسد والإسلام يصححه

وأما احتجاجهم بأنهم يدينون في الحقوق قال تعالى ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك فجوابه أن هذا معارض بقوله تعالى في آخر الآية ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل فأخبر تعالى أنهم يستحلون ما لنا بل جميع أدلتكم معارضة بقوله تعالى أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات وقوله تعالى لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة فنفى تعالى التسوية فلا تقبل شهادتهم وإلا حصلت التسوية قال الأصحاب وناسخ الآية قوله تعالى وأشهدوا ذوي عدل منكم ا ه والله أعلم

هامش إدرار الشروق

تكلم لحق لا نفاذ له وسوء بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك البينة على من ادعى واليمين على من أنكر والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا ولا يمنعك قضاء قضيته بالأمس ثم راجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق ومراجعته خير من الباطل والتمادي فيه الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك مما لم يبلغك في الكتاب والسنة أعرف الأمثال والأشباه

وقس الأمور عند ذلك وأعمد إلى أقربها إلى الله تعالى وأشبهها بالحق فيما ترى واجعل لمن أدعى حقا غائبا أو بينة أمدا ينتهي إليه فإن أحر بينة أخذت له بحقه وإلا أوجبت له القضاء فإن ذلك انفى للشك وأبلغ للعذر الناس عدول بعضهم على بعض إلا مجلودا في حدا أو مجربا عليه شهادة زور أو ظنينا والتأذي بالناس والتنكير عند الخصومات فإن الحق في مواطن الحق يعظم به الأجر ويحسن عليه الذخر فإن من يصلح ما بينه وبين الله تعالى وهو على نفسه يكفه الله ما بينه وبين الناس ومن تزين بما يعلم الله منه غيره شأنه الله فما ظنك بثواب الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته والسلام قال ابن سهل هذه الرسالة أصل فيما تضمنته من فصول الفضاء ومعاني الإحكام قال في التوضيح فينبغي حفظها والإعتناء بها ابن سهل وقوله فيها المسلمون عدول بعضهم على بعض الخ رجع عنه بما رواه مالك في الموطأ قال ربيعة قدم رجل من أهل العراق على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال قد جئتك على أمر لا رأس له ولا ذنب فقال عمر ما هو فقال شهادة الزور ظهرت بأرضنا فقال عمر والله لا يؤسر رجل في الإسلام بغير عدول وهذا يدل على رجوعه عما في هذه الرسالة وأخذ الحسن والليث بن سعيد من التابعين بما في هذه الرسالة من أمر الشهود والأكثر على خلافه لقوله تعالى ^ وأشهدوا ذوي عدل منكم ممن ترضون من الشهداء ^ والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق الثامن والثلاثون والمائتان بين قاعدة ما يشرع من الحبس وقاعدة ما لا يشرع منه الحبس عشرة أقسام بما زاده ابن فرحون على ما اقتصر عليه الأصل الأول حبس الجاني لغيبة المجني عليه حفظا لمحل القصاص الثاني حبس الآبق سنة حفظا للمالية رجاء أن يعرف ربه الثالث حبس

____________________

(4/179)

يحبس من أشكل أمره في العسر واليسر اختبارا لحاله فإذا ظهر حاله حكم بموجبه عسرا أو يسرا الخامس الحبس للجاني تعزيرا وردعا عن معاصي الله تعالى السادس يحبس من امتنع من التصرف الواجب الذي لا تدخله النيابة كحبس من أسلم على أختين أو عشر نسوة أو امرأة وابنتها وامتنع من التعيين السابع من أقر بمجهول عين أو في الذمة وامتنع من تعيينه فيحبس حتى يعينهما فيقول العين هو هذا الثوب أو هذه الدابة ونحوهما أو الشيء الذي أقررت به هو دينار في ذمتي الثامن يحبس الممتنع في حق الله تعالى الذي لا تدخله النيابة عند الشافعية كالصوم وعندنا يقتل كالصلاة وما عدا هذه الثمانية لا يجوز الحبس فيه ولا يجوز الحبس في الحق إذا تملك الحاكم من استيفائه فإن امتنع من دفع الدين ونحن نعرف ماله أخذنا منه مقدار الدين ولا يجوز لنا حبسه وكذلك إذا ظفرنا بماله أو داره أو شيء يباع له في الدين كان رهنا أم لا فعلنا ذلك ولا نحبسه لأن في حبسه استمرار ظلمه ودوام المنكر في الظلم وضرره هو مع إمكان أن لا يبقى شيء من ذلك كله وكذلك إذا رأى الحاكم على الخصم في الحبس من الثياب والقماش ما يمكن استيفاؤه عنه أخذه من عليه قهرا وباعه فيما عليه ولا يحبسه تعجيلا لدفع الظلم وإيصال الحق لمستحقه بحسب الإمكان

سؤال كيف يخلد في الحبس من امتنع من دفع درهم يقدر على دفعه وعجزنا عن أخذه منه لأنها عقوبة عظيمة في جناية حقيرة وقواعد الشرع تقتضي تقدير العقوبات بقدر الجنايات جوابه أنها عقوبة صغيرة بإزاء جناية صغيرة ولم تخالف القواعد لأنه في كل ساعة يمتنع من أداء الحق فتقابل كل ساعة من ساعات الامتناع بساعة من ساعات الحبس فهي جنايات وعقوبات متكررة متقابلة فاندفع السؤال ولم تخالف القواعد

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الممتنع من دفع الحق ولو درهما وهو يقدر عليه دفعه وعجزنا عن أخذه منه إلا به لجاء إليه فلا يطلق حتى يدفعه ولا يقال قواعد الشرع تقتضي تقدير العقوبات بقدر الجنايات وتخليده في الحبس عقوبة عظيمة كيف تكون في جناية حقيرة وهي الامتناع من دفع درهم وجب عليه لأنا نقول لا نسلم أن التخليد عقوبة واحدة عظيمة حتى يرد مخالفة القواعد لم لا يجوز أن تقابل كل ساعة من ساعات الحبس كل ساعة من ساعات الامتناع فهي جنايات وعقوبات متكررة متقابلة فلم تخالف القواعد كما للأصل سلمنا أنه عقوبة واحدة عظيمة لكن لا نسلم أن الامتناع من دفع درهم وجب عليه جناية حقيرة بل هو جناية عظيمة فإن مطل الغني ظلم والإصرار على الظلم والتمادي عليه جناية عظيمة فاستحق ذلك التخليد والظالم أحق أن يحمل عليه كما لابن فرحون في تبصرته الرابع حبس من أشكل أمره في العسر واليسر اختبار لحاله فإذا ظهر حاله حكم بموجبه عسرا أو يسرا

الخامس حبس الجاني تعزيرا أو ردعا عن معاصي الله تعالى

السادس حبس من امتنع من التصرف الواجب الذي لا تدخله النيابة كحبس من

____________________

(4/180)

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

أسلم عن أختين أو عشرة نسوة أو امرأة وابنتها وامتنع من التعيين

السابع حبس من أقر بمجهول عين أو في الذمة وامتنع من تعيينه فيحبس حتى يعينه فيقول المقر به هو هذا الثواب أو هذه الدابة أو الشيء الذي أقررت به في ذمتي هو دينار

الثامن حبس الممتنع من حق الله تعالى الذي لا تدخله النيابة عندنا وعند الشافعي كالصوم والصلاة فيقتل فيه قال ابن فرحون ولا يدخل في ذلك عندنا من امتنع من فعل الحج وإن قلنا أنه على الفور مراعاة للقول بأنه على التراخي وأما ترك السنن فمثاله ترك الوتر قال أصبغ بتأديب تارك الوتر ا ه هذا ما اقتصر عليه الأصل

التاسع من يحبس اختبار لما ينسب إليه من السرقة والفساد

العاشر حبس المتداعي فيه قال تسولي العاصمية وحاصله أن الطالب إما أن يأتي بعدلين أو بعدل أو بمجهول مرجو تزكيته أو بمجهولين كذلك أو بلطخ أو بمجرد الدعوى فالتوقيف في الأول ليس إلا للإعذار ما لا خراج له من العقار بالغلق وما له خراج يوقف خراجه وغير العقار من العروض والثمار والحبوب بالوضع تحت يد أمين وبيع ووضع ثمنه عنده في الثمار إن كان مما يفسد وفي الثاني للإعذار فيه أو لإقامة ثان إن لم يرد أن يحلف معه لرجاء شاهد آخر فالمنع من التفويت فقط في العقار ولا ينزع من يده لكن يوقف ماله خراج منه وفي غير العقار بالوضع تحت يد أمين وبيع ما يفسد أيضا إلا أن يقول إن لم أجد ثانيا فلا أحلف مع هذا ألبتة فلا يباع حينئذ بل يترك للمطلوب وفي الثالث التزكية والإعذار بعدها وحكمه على ما لابن رشد وأبي الحسن وابن الحاجب حكم الذي قبله في سائر الوجوه قال ابن رحال في شرحه هو كالعدل المقبول في وجوب الإيقاف به إلا أنه لا يحلف معه وفي الرابع التزكية والإعذار أيضا وحكمه كالذي قبله إلا في بيع ما يفسد فيباع على كل حال

وفي الخامس ولا يتأتى إلا في غير العقار بالوضع عند أمين ما لم يكن مما يفسد فيخلي بينه وبين حائزه فيما يظهر لأنه كالعدل الذي لا يريد صاحبه الحلف معه وفي السادس لا عقل أي لا حبس أصلا إذ لا يعقل على أحد بشيء بمجرد دعوى الغير فيه على المنصوص وجرى العمل بالإيقاف بمجرد الدعوى في غير العقار قال ناظمه وكل مدع للاستحقاق مكن من الإثبات بالإطلاق لكن حكى ابن ناجي الاتفاق على أن هذا إن صح مستنده ففيه ما لا يخفى من الإخلال بحق والمحافظة على حق الطالب فإن كان ولا بد فينبغي أن يضع قيمة كرائها في أيام الذهاب والإيقاف زيادة على قيمتها فإن لم يثبت شيئا أخذه المطلوب لأن هذا قد اعترض مال غيره وعطله عن منافعه من غير أن يستند إلى لطخ بخلاف ما إذا استند له فلا يضمن الكراء الشبهة ولم أر ذلك منصوصا لأحد ممن قال بهذا العمل وقد حكى كثير من الناس أنهم كانوا إذا تعذر عليهم المعاش يذهبون للفنادق فيعترضون دواب الواردين حتى يصالحوهم بقليل أو كثير ولا سيما إن كان رب الدابة مزعوجا يريد الخروج في الحين وقد شاهدنا من ذلك العجب العجاب وقد قال في الذخيرة إذا التزم المدعى عليه إحضار المدعي فيه لتشهد البينة على عينه فإن ثبت الحق فالمؤنة على المدعى عليه لأنه مبطل وإلا فعلى المدعي لأنه مبطل في ظاهر الشرع

ولا تجب أجرة تعطيل المدعى به في مدة الإحضار انتهى فتأمل قوله لأنه مبطل في ظاهر الشرع إلخ

____________________

(4/181)

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

مع أن ما قاله من وجوب الإحضار إنما هو مع قيام اللطخ انتهى المراد من كلام التسولي هذا ما زاده ابن فرحون في تبصرته على ما اقتصر عليه الأصل من حصر الأسباب الموجبة للحبس في الأقسام الثمانية الأول فلذا قال أبو القاسم بن الشاط ليس كما قاله وفي ذلك نظر أهو ما عدا هذه الأقسام العشرة لا يجوز الحبس فيه

قال الأصل ولا يجوز الحبس في الحق إذا تمكن الحاكم من استيفائه مثل أن يمتنع من دفع الدين ونحن نعرف ماله فإنا نأخذ منه مقدار الدين ولا يجوز لنا حبسه وكذلك إذ ظفرنا بداره أو بشيء يباع له في الدين كان هنا أم لا فإنا نفعل ذلك ولا نحبسه فإن في حبسه استمرار ظلمه ودوام المنكر من المطل وضرره هو مع إمكان أن يبقى شيء من ذلك كله قال وكذلك إذا رأى الحاكم على الخصم في الحبس من الثياب والقماش ما يمكن استيفاؤه عنه أخذه من عليه قهرا وباعه فيما عليه ولا يحبسه تعجيلا ابن المناصف في تنبيه الحكام على مأخذ الأحكام وإذا ضرب الأجل للطالب في إثبات ما ادعاه قبل المطلوب فسأل أن يأخذ من المطلوب كفيلا بوجهه لأجل الخصومة فعليه ذلك فإن عجز عن الكفيل لم يحبس ولم يلزمه شيء وقيل للطالب لازمه إن شئت وفي المدونة فيمن ادعى على رجل دينا أو شيئا مستهلكا وسأل القاضي أن يأخذ له منه كفيلا بذلك الحق فإنه إن كان للمدعي بينة على المخالطة والمعاملة

وما يوجب اللطخ وهم حضور فإنه يوكل بالمطلوب حتى يأتي بذلك اللطخ فيما قرب من يومه وشبهه انظر تمامها في التهذيب أفاده ابن فرحون في التبصرة وقد عقد فصلا لأمثلة الأقسام العشرة مع تقسيمه القسم الثالث وهو حبس الممتنع من دفع الحق إلى ثلاثة أقسام حبس تضييق وتنكيل وحبس تعزير وتنكيل وحبس تعزير وتأديب وحبس ملوم واختيار وبيان من لكل قسم وأمثلته وفصلا لبيان أن قدر مدة الحبس يختلف باختلاف أسبابه وموجباته فانظر

فائدة قال ابن فرحون في التبصرة في وثائق ابن الهندي أن السجن مشتق من الحصر قال الله تعالى وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا أي سجنا وحبسا قال أو السجن وإن كان أسلم العقوبات فقد تأول بعضهم قوله تعالى إلا أن يسجن أو عذاب أليم أن السجن من العقوبات البليغة لأنه سبحانه وتعالى قرنه مع العذاب الأليم وقد عد يوسف عليه الصلاة والسلام الانطلاق من السجن إحسانا إليه في قوله وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن ولا شك أن السجن الطويل عذاب وقد حكى الله تعالى عن فرعون إذ أوعد موسى لأجعلنك من المسجونين ونسأل الله العافية ولما استخلف مروان بن الحكم ابنه على بعض المواضع أوصاه أن لا يعاقب في حين الغضب وحضه على أن لا يسجن حتى يسكن غضبه ثم يرى رأيه وكان يقول إن أول من اتخذ السجن كان حليما ولم يرد مروان طول السجن وإنما أراد السجن الخفيف حتى يسكن غضبه وقال ابن قيم الجوزية الحنبلي اعلم أن الحبس الشرعي ليس هو السجن في مكان ضيق وإنما هو تعويق الشخص ومنعه من التصرف بنفسه حيث شاء سواء كان في بيت أو في

____________________

(4/182)

فارغات

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

مسجد أو كان يتوكل نفس الغريم أو وكيله عليه وملازمته له

ولهذا أسماه النبي صلى الله عليه وسلم أسيرا ففي سنن أبي داود وابن ماجه عن الهرماس بن حبيب عن أبيه عن جده قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لغريم لي فقال الزمه ثم قال لي يا أخا بني تميم ما تريد أن تفعل بأسيرك وفي رواية ابن ماجه مر بي آخر النهار فقال ما فعل أسيرك يا أخا بني تميم وهذا كان هو الحبس في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه ولم يكن له حبس معد لحبس الخصوم فلما انتشرت الرعية في زمن عمر رضي الله عنه ابتاع بمكة دارا وجعلها سجنا يحبس فيها وجاء أنه اشترى من صفوان بن أمية دارا بأربعة آلاف درهم وجعلها حبسا وفي هذا دليل على جواز اتخاذ الحبس ا ه

وقال أبو عبد الله محمد بن الفرج المعروف بابن الطلاع الأندلسي المالكي في كتابه المسمى بأحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفت الآثار هل سجن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله تعالى عنه أحدا أم لا فذكر بعضهم أنه لم يكن لهما سجن ولا سجنا أحدا وذكر بعضهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجن في المدينة في تهمة دم رواه عبد الرزاق والنسائي في مصنفيهما وفي غير المصنف أنه صلى الله عليه وسلم حبس في تهمة ساعة من نهار ثم خلى عنه

ووقع في أحكام ابن زياد عن الفقيه أبي صالح عن أيوب بن سليمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجن رجلا أعتق شركا له في عبد فأوجب عليه استتمام عتقه قال في الحديث حتى باع غنيمة له

وقال ابن شعبان في كتابه وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حكم بالضرب والسجن فثبت بهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم سجن وإن لم يكن ذلك في سجن متخذ لذلك وثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه كان له سجن وأنه سجن الحطيئة على الهجو وسجن ضبعا على سؤاله عن الذاريات والمرسلات والنازعات وشبههن وأمره الناس بالتفقه في ذلك وضربه مرة بعد مرة ونفاه إلى العراق وقيل إلى البصرة وكتب أن لا يجالسه أحد قال المحدث فلو جاءنا ونحن مائة لتفرقنا عنه ثم كتب أبو موسى إلى عمر أنه قد حسنت توبته فأمره عمر رضي الله تعالى عنه فخلى بينه وبين الناس وسجن عثمان رضي الله تعالى عنه صابئ بن حارث وكان من لصوص بني تميم وفتاكهم حتى مات في الحبس وسجن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه في الكوفة وسجن عبد الله بن الزبير في مكة وسجن أيضا في سجن عارم محمد بن الحنفية إذ امتنع من بيعته ا ه والله أعلم

____________________

(4/183)

الفرق السابع والثلاثون والمائتان بين قاعدة من يشرع إلزامه بالحلف وقاعدة من لا يلزمه الحلف فالذي يلزمه الحلف كل من توجهت عليه دعوى صحيحة مشبهة فقولنا صحيحة احتراز من المجهولة أو غير المحررة وما فات فيه شرط من الشروط المتقدمة في هذه القاعدة وقولنا مشبهة احتراز من التي يكذبها العرف وقد تقدم أن الدعوى على ثلاثة أقسام ما يكذبها العرف وما يشهد بها وما لم يتعرض لتكذبيها وتصديقها فما شهد لها كدعوى سلعة معينة بيد رجل أو دعوى غريب وديعة عند جاره أو مسافر أنه أودع أحد رفقائه

وكالدعوى على الصانع المنتصب أنه دفع إليه متاعا ليصنعه أو على أهل السوق المنتصبين للبيع أنه اشترى من أحدهم أو يوصي في مرض موته أن له دينا عند رجل فيشرع التحليف هاهنا بغير شرط وتتفق الأئمة فيها والتي شهد بأنها غير مشبهة فهي كدعوى دين ليس على من تقدم فلا يستخلف إلا بإثبات خلطته له قال ابن القاسم وهي أن يسالفه أو يبايعه مرارا وإن تقابضا في ذلك الثمن أو السلعة وتفاضلا قبل التفرق

وقال سحنون لا بد من البيع والشراء بين المتداعيين وقال الأبهري هي أن تكون الدعوى تشبه أن يدعي مثلها على المدعى عليه وإلا فلا يحلف إلا أن يأتي المدعي بلطخ وقال القاضي أبو الحسن بن القصار لا بد أن يكون المدعى عليه يشبه أن يعامل المدعي فهذه أربعة أقوال في تفسير الخلطة التي هي شرط في هذا القسم

وقال الشافعي وأبو حنيفة يحلف على كل تقدير لنا ما رواه سحنون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال البينة على من ادعى واليمين على من أنكر إذا كانت بينهما خلطة وزيادة العدل مقبولة وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لا يدعي الحاكم على الخصم إلا أن يعلم أن بينهما معاملة ولم يرو له مخالف من الصحابة فكان إجماعا ولأن عمل المدينة كذلك ولأنه لولا ذلك لتجرأ السفهاء على ذوي الأقدار بتبذيلهم عند الحاكم بالتحليف وذلك شاق على ذوي الهيئات وربما التزموا ما لا يلزمهم من الجمل العظيمة من المال فرارا من الحلف كما فعله عثمان رضي الله عنه

وقد يصادفه عقب الحلف مصيبة فيقال هي بسبب الحلف فيتعين حسم الباب

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الفرق السابع والثلاثون والمائتان بين قاعدة من يشرع إلزامه بالحلف وقاعدة من لا يلزمه الحلف وهو أن الدعوى الصحيحة المستكملة لشروطها المتقدمة إما أن تثبت بدون الشاهدين وإما أن لا تثبت إلا بشاهدين فهي قسمان وفي القسم الثاني قال أبو عمرو بن الحاجب كل دعوى لا تثبت إلا بشاهدين فلا يمين بمجردها ولا ترد كالقتل العمد والطلاق والعتق والنسب والولاء

____________________

(4/184)

إلا عند قيام مرجح لأن صيانة الأعراض واجبة والقواعد تقتضي درء مثل هذه المفسدة احتجوا بالحديث السابق بدون زيادة وهو عام في كل مدعى عليه فيسقط اعتبار ما ذكرتموه من الشرط ولقوله عليه السلام شاهداك أو يمينه ولم يذكر مخالطة ولأن الحقوق قد تثبت بدون الخلطة فاشتراطها يؤدي إلى ضياع الحقوق وتختل حكمه الحكام والجواب عن الأول أن مقصود الحديث بيان من عليه البينة ومن عليه اليمين لا بيان حال من تتوجه عليه والقاعدة أن اللفظ إذا ورد لمعنى لا يحتج به في غيره لأن المتكلم معرض عن ذلك الغير ولهذه القاعدة وقع الرد على أبي حنيفة في استدلاله على وجوب الزكاة في الخضراوات بقوله

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

والرجعة وألحق ابن فرحون في تبصرته بهذه أمثلة كثيرة وقال وهذا باب واسع وسيأتي كثير منه في باب القضاء بقول المدعي والمدعى عليه ا ه فانظره

وفي القسم الأول قال الأصل وسلمه ابن الشاط كل من توجهت عليه دعوى صحيحة أي مستكملة لشروطها المتقدمة التي منها أن لا يكذبها العرف وكانت مما تثبت بدون الشاهدين نوعان الأول ما يشهد بها العرف فيشرع التحليف بمجردها بلا شرط خلطة ونحوها وتتفق الأئمة فيها وحصر أبو عمر هذا النوع في خمس مواطن الموطن الأول أهل التهم والعداء والظلم لكل من كان متهما بما ادعى عليه من المعاملات

الموطن الثاني الصناع فيما ادعى عليه من أعمالهم أنهم استصنعوهم والتجار لمن تاجرهم وأهل الأسواق وأهل الحوانيت فيما ادعى عليهم أنهم باعوه مما يريدونه ويتجرون فيه بخلاف غير ما يريدونه ويتجرون فيه فلا يمين فيه إلا بشبهة

الموطن الثالث القائل عند موته لي عند فلان دين أو تدعي ورثة المتوفى على رجل بأن لمورثهم مالا عليه من وجه نصوه لأن من ادعى بسبب متوفى فهو بخلاف الحي عند أهل العلم

الموطن الرابع المتضيف عند الرجل فيدعي عليه

الموطن الخامس العارية الوديعة كأن ينزل الغريب المدينة فيدعي أنه استودع رجلا مالا وزاد في التبصرة موطنا سادسا وهو القاتل يدعي أن ولي المقتول عفا عنه ففي أحكام ابن سهل عن مالك رضي الله عنه أنه يحلف وأنكره أشهب وموطنا سابعا وهو من باع سلعة رجل وادعى أنه أمره ببيعها وأنكره صاحبها وهي قائمة بعينها فإنه يحلف ويأخذها وموضعا ثامنا وهو من ادعى على من لقيه بقية كراء حلف المدعى عليه أنه ما اكترى منه شيئا وكذلك إن كان المدعى عليه هو صاحب الدابة حلف إن كان منكرا

النوع الثاني ما لم يتعرض العرف لتكذيبها ولا تصديقها فلا يشرع فيها التحليف إلا بإثبات خلطة مشهور الدعوى دين على غير من تقدم في المواطن المذكورة وكما إذا ادعى على الرجل المبرز من ليس من شكله ولا نمطه لم تجب له اليمين عليه إلا بثبوت الخلطة كما في التبصرة عن وثائق ابن الهندي ولأصحابنا في الخلطة التي اشترطت في هذا النوع على مشهور المذهب أربعة أقوال الأول لابن القاسم هي أن يسالفه أو يبايعه مرارا وإن تقابضا في ذلك الثمن أو السلعة وتفاصلا قبل التفرقة

والثاني لسحنون لا بد من البيع بين المتداعيين

والثالث للأبهري هي أن تكون الدعوى تشبيه أن يدعي مثلها على المدعى عليه وإلا فلا يحلف إلا أن يأتي المدعي بلطخ

____________________

(4/185)

عليه السلام فيما سقت السماء العشر أن مقصود الحديث بيان الجزء الواجب في الزكاة لا بيان ما تجب فيه الزكاة

وعن الأول أيضا جواب آخر وهو أن العام في الأشخاص غير عام في الأحوال والأزمنة والبقاع والمتعلقات كما تقرر في علم الأصول فيكون الحديث مطلقا في أحوال الحالفين فيحمل على الحالة المحتملة المتقدمة وهي الحالة التي فيها الخلطة لأنها المجمع عليها فلا يحتج به في غيرها وإلا لكان عاما في الأحوال

وليس كذلك والجواب عن الثاني أن مقصوده بيان الحصر وبيان ما يختص به منهما لا بيان شرط ذلك ألا ترى أنه أعرض عن شرط البينة من العدالة وغيرها أو نقول ليس هو عاما في الأشخاص لأن المخالطة للشخص الواحد لا تعم فيحمل على الحالة التي ذكرناها والحديث الذي رويناه وعن الثالث أنه معارض بما ذكرناه من تسلط الفسقة السفلة على

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

والرابع للقاضي أبي حسن بن القصار لا بد أن يكون المدعى عليه يشبه أن يعامل المدعى عليه كما في الأصل قال ابن فرحون في التبصرة وفي المتيطية وفسر أصبغ الخلطة فلم ير الذين يصلون في مسجد واحد ولا الجلساء في الأسواق ولا الجيران خلطة ولم يرها إلا بتكرر المبايعة وأن يبيع منه بالنسيئة ا ه

قلت والظاهر أن هذا هو مراد سحنون فافهم قال ابن فرحون وفائدة اشتراط كل من تكرار المبايعة والنسيئة أنه لو بايعه مرة بالنقد وقبض الثمن وتفاصلا لم يكن ذلك خلطة لأنه لم يبق بينهما بقية توجب اليمين قال ووقع في كلام ابن راشد التفرقة بين خلطة المبايعة وبين خلطة المصاحبة والمؤاخاة فإنه بعد قوله في المدونة عن ابن القاسم إذا ادعى رجل على رجل كفالة فقال ابن القاسم لا بد من الخلطة قال يريد خلطة صحبة ومؤاخاة لا خلطة مبايعة قال ابن محرز ظاهر المدونة أن الخلطة تعتبر بصحبة مدعي الدين والمدعى عليه بالحمالة والصواب عندي أنه يراعي ذلك من الغريم والمدعى عليه الحمالة

ووجه ابن يونس ظاهر المدونة بأن الذي له الدين يقول إنما وثقت بمبايعة من لا أعرف لكفالتك إياه فلذلك توجهت له عليه اليمين ا ه

قلت والظاهر أن هذا قول خامس في الخلطة ومقابل المشهور قول ابن نافع أن الخلطة لا تشترط في هذا النوع كما في تبصرة ابن فرحون قال وفي المتيطية عن ابن عبد الحكم مثله وأن اليمين تجب على المدعى عليه دون خلطة وبه أخذ ابن لبابة وغيره من المتأخرين لقوله صلى الله عليه وسلم البينة على المدعي واليمين على من أنكر ا ه

وفي الأصل وبه قال الشافعي وأبو حنيفة لنا ما رواه سحنون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال البينة على من ادعى واليمين على من أنكر إذا كانت بينهما خلطة وزيادة العدل مقبولة وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لا يدعي الحاكم على الخصم إلا أن يعلم أن بينهما معاملة ولم يرو له مخالف من الصحابة فكان إجماعا ولأن عمل المدينة كذلك ولأنه لولا ذلك لتجرأ السفهاء على ذوي الأقدار بتبذيلهم عند الأحكام بالتحليف وذلك شاق على ذوي الهيئات وربما التزموا ما لا يلزمهم من الجمل العظيمة من المال فرارا من الحلف كما فعله عثمان رضي الله عنه وقد يصادفه عقب الحلف مصيبة فيقال هي بسبب الحلف فيتعين حسم الباب إلا عند قيام مرجح لأن صيانة الأعراض واجبة والقواعد تقتضي درء مثل هذه المفسدة

____________________

(4/186)

الأتقياء الأخيار بالتحليف عند القضاة وأنه يفتح باب دعوى أحد العامة على الخليفة أو القاضي أنه استأجره أو أعيان العلماء أنه قاوله وعاقده على كنس مرحاضه أو خياطة قلنسوته ونحو ذلك مما يقطع بكذبه فيه فطريق الجميع بين النصوص والقواعد ما ذكرناه من اشتراط الخلطة فهذا هو المنهج القويم وهاهنا ثلاث مسائل المسألة الأولى أن الخلطة حيث اشترطت قال في الجواهر فثبت بإقرار الخصم والشاهدين والشاهد واليمين لأنها أسباب الأموال فتلحق بها في الحجاج وقال ابن لبابة تثبت بشهادة رجل واحد وامرأة وجعله من باب الخبر وروي عن ابن القاسم

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وأما احتجاجهم بالحديث السابق بدون زيادة من جهة أنه عام في كل مدعى عليه فيسقط اعتبار ما ذكر من الشرط فجوابه من جهتين الأولى أن مقصود الحديث بيان من عليه البينة ومن عليه اليمين لا بيان حال من تتوجه عليه والقاعدة أن اللفظ إذا ورد لمعنى لا يحتج به في غيره لأن المتكلم معرض عن ذلك الغير ولهذه القاعدة وقع الرد على أبي حنيفة في استدلاله على وجوب الزكاة في الخضراوات بقوله عليه السلام فيما سقت السماء العشر بأن مقصود الحديث بيان الجزء الواجب في الزكاة لا بيان ما تجب فيه الزكاة

الجهة الثانية أن العام في الأشخاص غير عام في الأحوال والأزمنة والبقاع والمتعلقات كما تقرر في علم الأصول فيكون الحديث مطلقا في أحوال الحالفين المحتملة على الحالة المحتملة وهي المتقدمة التي فيها الخلطة لأنها المجمع عليها فلا يحتج به في غيرها وإلا لكان عاما في الأحوال وليس كذلك وأما احتجاجهم بقوله عليه السلام شاهداك أو يمينه ولم يذكر مخالطة فجوابه من جهتين أيضا الأولى أن مقصوده بيان الحصر وبيان ما يختص به منهما لا بيان شرط ذلك ألا ترى أنه أعرض عن شرط البينة من العدالة وغيرها الجهة الثالثة أنه ليس عاما في الأشخاص لأن المخالطة للشخص الواحد لا تعم فيحمل على الحالة التي ذكرناها للحديث الذي رويناه وأما احتجاجهم بأن الحقوق قد تثبت بدون الخلطة فاشتراطها يؤدي إلى ضياع الحقوق وتختل حكمة الحكام فجوابه أنه معارض بما ذكرناه من تسلط الفسقة السفلة على الأتقياء الأخيار عند القضاة وأنه يفتح باب دعوى أحد العامة على الخليفة أو القاضي أنه استأجره أو على أعيان العلماء أنه قاوله وعاقده على كنس مرحاضه أو خياطة قلنسوته ونحو ذلك مما يقطع بكذبه فيه فما ذكرناه من اشتراط الخلطة هو المنهج القويم في الجمع بين النصوص والقواعد وسلمه ابن الشاط والله أعلم

وصل في مسائل تتعلق بهذا الفرق المسألة الأولى قال في الجواهر تثبت الخلطة حيث اشترطت بإقرار الخصم والشاهدين والشاهد واليمين لأنها أسباب الأموال فتلحق بها في الحجاج وفي كتاب ابن المواز من أقام بالخلطة شاهدا واحدا حلف معه وتثبت الخلطة ثم يحلف المطلوب حينئذ وقاله ابن نافع وابن كنانة وفي أحكام ابن بطال أن المدعي إذا حضر خط المدعى عليه وثبت أنه خطه فهو كثبوت إقراره تجب به الخلطة

وقال ابن لبابة تثبت بشهادة رجل واحد وامرأة وجعله من باب الخبر وروي عن ابن القاسم وقول ابن لبابة هو المشهور قال ابن كنانة أيضا تثبت الخلطة بشهادة رجل

____________________

(4/187)

المسألة الثانية إذا دفع الدعوى بعداوة والمشهور أنه لا يحلف لأن العداوة مقتضاها الإضرار بالتحليف والبذلة عند الحاكم وقيل يحلف لظاهر الخبر المسألة الثالثة قال أبو عمر أن خمس مواطن لا تشترط فيها الخلطة الصانع والمتهم بالسرقة والقائل عند موته لي عند فلان دين والمتضيف عند الرجل فيدعي عليه والعارية الوديعة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

واحد وامرأة واحدة بغير يمين قال ابن رشد وقول ابن كنانة أحسن وهو مروي عن ابن القاسم لأن المراد إثبات لطخ الدعوى وذلك يحصل بالمرأة ا ه من الأصل وابن فرحون في التبصرة المسألة الثانية في التبصرة ثبوت الخلطة يوجب اليمين على المطلوب في دعوى السلف الوديعة أو المقارضة أو الشركة أو ما أشبه ذلك إن كانت هذه الدعوى بعد المدة التي يحدها الشهود ولذلك يحتاج إلى تحديدها ويعقد في إثبات الخلط شهد من يسمى أسفل هذا العقد من الشهداء أنهم يعرفون فلانا وفلانا معرفة صحيحة تامة بعينهما واسمهما ويعرفون فلانا مخالطا لفلان ابن فلان ومداخلا له من كذا وكذا عاما ولا يعلمون ذلك انقطع بينهما في علمهم إلى حين إيقاع شهادتهم في تاريخ كذا ويذكر فيه تعريف الشاهدين بهما إن لم يكن القاضي يعرفهما وفائدة التحديد بالتاريخ أن تكون الدعوى داخلة في هذا التحديد فلو كانت قبلها لم تجب اليمين إلا بثبوت الخلطة وهذه المسألة من جملة المسائل التي لا بد من تحديد الأمد فيها وكذلك شهادة السماع في الحبس وشهادة الضرر للاختلاف في مدة الحيازة في ذلك وإن قال إن ذلك كان في مدة الأمد الذي تحده الشهود للخلطة لم يجب اليمين فيه إلا بثبوت الخلطة في مدة الدعوة ولا تجب بمثل هذه الخلطة يمين في دعوى مبايعة في عقار أو متاع أو عبيد أو حيوان أو عروض ا ه

المسألة الثالثة في التبصرة قال ابن سهل قال غير واحد من المتأخرين إنما تراعى الخلطة فيما يتعلق بالذمم من الحقوق وأما الأشياء المعينة التي يقع التداعي فيها بينهما فاليمين لاحقة من غير خلطة وقيل لا تجب اليمين إلا بالخلطة في الأشياء المعينة وغيرها قال عبد الحق وهذا أبين عندي لأن الخلطة إنما رآها العلماء للمضرة الداخلة لو سمع مع كل مدع ا ه

المسألة الرابعة في التبصرة اختلف إذا شهد عليه شاهدان فدفعهما بدعوى العداوة هل تجب له عليه يمين بغير خلطة أم لا قولان المشهور لا يجب ا ه قال الأصل لأن العداوة مقتضاها الإصرار بالتحليف والبذلة عند الحكام ا ه والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(4/188)

الفرق الثامن والثلاثون والمائتان بين قاعدة ما هو حجة عند الحكام وقاعدة ما ليس بحجة عندهم قد تقدم الفرق بين الأدلة والأسباب والحجاج وأن الأدلة شأن المجتهدين والحجاج شأن القضاة والمتحاكمين والأسباب تعتمد المكلفين والمقصود هاهنا إنما هو الحجاج فنقول وبالله نستعين الحجاج التي يقضي بها الحاكم سبع عشرة حجة الشاهدان الشاهدان واليمين والأربعة في الزنا والشاهد واليمين والمرأتان واليمين والشاهد والنكول والمرأتان والنكول واليمين والنكول وأربعة أيمان في اللعان وخمسون يمينا في القسامة والمرأتان فقط في العيوب المتعلقة بالنساء واليمين وحدها بأن يتحالفا ويقسم بينهما فيقضي لكل واحد منهما بيمينه والإقرار وشهادة الصبيان والقافة وقمط الحيطان وشواهدها واليد فهذه هي الحجاج التي يقضي بها الحاكم وما عداه لا يقضي به عندنا وفيها شبهات واختلاف بين العلماء أنبه عليه فأذكر ما اختلف فيه حجة حجة بانفرادها وأورد الكلام فيها إن شاء الله تعالى الحجة الأولى الشاهدان والعدالة فيهما شرط عندنا وعند الشافعي وأحمد بن حنبل وقال أبو حنيفة العدالة حق للخصم فإن طلبها فحص الحاكم عنها وإلا فلا وعندنا هي حق الله تعالى يجب على الحاكم أن لا يحكم حتى يحققها وقال متأخرو الحنفية إنما كان قول المجهول مقبولا في أول الإسلام حيث كان الغالب العدالة فألحق النادر بالغالب فجعل الكل عدولا

وأما اليوم فالغالب الفسوق فيلحق النادر بالغالب حتى تثبت العدالة والمنقول عن أبي حنيفة هو الأول واستثنى الحدود فلا يكتفي فيها بمجرد الإسلام بل لا بد من العدالة لأن الحدود حق لله تعالى وهو ثابت فتطلب العدالة وإذا كان المحكوم به حقا لآدمي يجرحها وجب البحث عنهما لنا إجماع الصحابة فإن رجلين شهدا عند عمر فقال لا أعرفكما ولا يضركما أن لا أعرفكما فجاء رجل فقال أتعرفهما قال نعم قال له أكنت معهما

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الفرق الثامن و الثلاثون والمائتان بين قاعدة ما هو حجة عند الحكام وقاعدة ما ليس بحجة عندهم وهو أن الحجة واحد الحجاج التي هي شأن القضاة والمتحاكمين بخلاف الأدلة فشأن المجتهدين وبخلاف الأسباب فإنها تعتمد المكلفين كما تقدم في الفرق بينها فلا تغفل والحجاج التي يقضي بها الحاكم منحصرة عندنا في سبع عشرة حجة الأولى الأربعة الشهود الثانية الشاهدان الثالثة الشاهدان واليمين الرابعة الشاهد واليمين الخامسة المرأتان واليمين السادسة الشاهد والنكول السابعة المرأتان

____________________

(4/189)

في سفر يتبين عن جواهر الناس قال لا قال فأنت جارهما تعرف صباحهما ومساءهما قال لا قال أعاملتهما بالدراهم والدنانير التي تقطع بينهما الأرحام قال لا فقال ابن أخي ما تعرفهما ائتياني بمن يعرفكما وهذا بحضرة الصحابة لأنه لم يكن يحكم إلا بحضرتهم ولم يخالفه أحد فكان إجماعا والظاهر أنه ما سأل عن تلك الأسباب من السفر وغيره إلا وقد عرف إسلامها لأنه لم يقل أتعرفهما مسلمين وليس ذلك استحبابا لأن تعجيل الحكم واجب على الفور عند وجود الحجة لأن أحد الخصمين على منكر غالبا وإزالة المنكر واجب على الفور والواجب لا يؤخر إلا لواجب ولقوله تعالى وأشهدوا ذوي عدل منكم مفهومه أن غير العدل لا يستشهد وقوله منكم إشارة إلى المسلمين فلو كان الإسلام كافيا لم يبق في لتقييد فائدة

والعدل مأخوذ من الاعتدال في الأقوال والأفعال والاعتقاد فهو وصف زائد على الإسلام وغير معلوم بمجرد الإسلام وقوله تعالى ممن ترضون من الشهداء ورضاء الحاكم بهم فرع معرفتهم وبالقياس على الحدود وبالقياس على طلب الخصم العدالة فإن فرقوا بأن العدالة حق للخصم فإذا طلبها تعينت وأن الحدود حق لله تعالى وهو ثابت عن الله منعنا أن العدالة حق لآدمي بل حق لله تعالى في الجميع فيتجه القياس ويندفع الفرق بالمنع احتجوا بقوله تعالى واستشهدوا شهيدين من رجالكم ولم يشترط العدالة وبقول عمر رضي الله عنه المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا محدودا في حد وقبل النبي صلى الله عليه وسلم شهادة الأعرابي بعد أن قال له أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فلم يعتبر غير الإسلام ولأنه لو أسلم كافر بحضرتنا جاز قبول قوله مع أنه لم يتحقق منه إلا الإسلام ولأن البحث لا يؤدي إلى تحقق العدالة وإذا كان المقصود الظاهر فالإسلام كاف في ذلك لأنه أتم وازع ولأن صرف الصدقة يجوز بناء على ظاهر الحال من غير بحث وعمومات النصوص والأوامر تحمل على ظاهرها من غير بحث فكذلك هاهنا يتوضأ بالمياه ويصلي بالثياب بناء على الظواهر من غير بحث فكذلك هاهنا قياسا عليها والجواب عن الأول أنه مطلق فيحمل على المقيد وهو قوله ذوي عدل منكم فقيد بالعدالة وإلا لضاعت الفائدة في هذا القيد وقيد أيضا برضاء الحاكم

وهو مشروط

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

والنكول الثامنة اليمين والنكول التاسعة أربعة أيمان العاشرة خمسون يمينا الحادية عشرة المرأتان فقط الثانية عشرة اليمين وحدها الثالثة عشرة الإقرار الرابعة عشرة شهادة الصبيان الخامسة عشرة القافة السادسة عشرة قمط الحيطان وشواهدها السابعة عشرة اليد وما عدا هذه السبع عشرة لا يقضى به عندنا وبيان كل حجة من السبع عشرة بانفرادها بتوضيح ما تكون فيه وما فيها من اشتباه واختلاف بين العلماء يستدعي أبوابا ووصولا ليحصل بذلك تمام الفائدة إن شاء الله تعالى

الباب الأول في بيان ما تكون فيه الحجة الأولى ودليلها وشروطها وفيه وصلان الوصل الأول تكون هذه الحجة في عشرة

____________________

(4/190)

بالبحث ولأن الإسلام لا يكفي فيه ظاهر الدار فكذلك لا يكفي الإسلام في العدالة وعن الثاني أنه يدل على اعتبار وصف العدالة بقوله عدول فلو لم يكن معتبر السكت عنه وهو معارض بقوله في آخر الأمر لا يؤمر مسلم بغير العدول والمتأخر ناسخ للمتقدم ولأن ذلك كان في صدر الإسلام حيث العدالة غالبة بخلاف غيره وعن الثالث أن السؤال عن الإسلام لا يدل على عدم سؤاله عن غيره فلعله سأل أو كان غير هذا الوصف معلوما عنده وعن الرابع أنا لا نقبل شهادته حتى نعلم سجاياه وعدم جرأته على الكذب وإن قبلناه فذلك لأجل تيقننا عدم ملابسته ما ينافي العدالة بعد إسلامه وعن الخامس أنه باطل بالإسلام فإن البحث عنه لا يؤدي إلى يقين ويحكم الحاكم في القضية التي لا نص فيها ولا إجماع فإن بحثه لا يؤدي إلى يقين

وأما الفقر فلا بد من البحث عنه ولأن الأصل هو الفقر بخلاف العدالة بل وزانه هاهنا أن تعلم عدالته في الأصل فإنا لا نبحث عن مزيلها وكذلك أصل الماء الطهارة فلا يخرج عن ذلك إلا بتغير لونه أو طعمه أو ريحه وذلك معلوم بالقطع فلا حاجة إلى البحث ولأن الأصل الطهارة بخلاف العدالة وأما العمومات والأوامر فإنا لا نكتفي بظاهرها بل لا بد من البحث عن الصارف المخصص وغيره ولأن الأصل بقاؤها على ظاهرها

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

مواضع كما في تبصرة ابن فرحون الأول الزنا فلا بد فيها من أربعة لقوله تعالى والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون وهي على أربعة أوجه الأول على معاينته وهو المتفق على أنه لا بد فيه من أربعة شهود

الوجه الثاني على الإقرار به ولو مرة خلافا لمن يشترط الإقرار به أربع مرات واختلف هل لا بد في الشهادة على الإقرار به أربعة لأنها تئول إلى إقامة الحد فساوت الشهادة على المعاينة لتساوي موجبها أو يكفي فيها رجلان كما هو الأصل في الشهادات على الإقرارات إجراء للإقرار بالزنا على ذلك الأصل الوجه الثالث على الشهادة به واختلف هل يكفي اثنان على شهادة كل واحد من الأربعة الذين شهدوا على المعاينة أي فتكون ثمانية أو لا بد من أربعة على كل من الأربعة فتكون ستة عشر أو يكفي أربعة فقط يشهدون على كل واحد من الأربعة الوجه الرابع على كتاب القاضي بثبوته والحكم به واختلف أيضا في ذلك هل يكفي اثنان أو لا بد من أربعة

الموضع الثاني الملاعنة بين الزوجين فإن المذهب أن أقل من يحضر لعان الزوجين أربعة شهود الموضع الثالث شهادة الأبدان في النكاح وهي كما في المختصر أن ينكح الرجل ابنته البكر من رجل ولم يحضرهما شهود بل إنما عقد النكاح وتفرقا وقال كل واحد منهما لصاحبه أشهد من لاقيت فلا تتم الشهادة إلا بأربعة شاهدان على الأب وشاهدان على الزوج فإن أشهد كل منهما الشهود الذين أشهدهم صاحبه لم تسم هذه أبدادا فلو كانت

____________________

(4/191)

مسألة لا تقبل عندنا شهادة الكافر على المسلم أو الكافر على أهل ملته ولا غيرها ولا في وصية ميت مات في السفر وإن لم يحضره مسلمون وتمنع شهادة نسائهم في الاستهلال والولادة ووافقنا الشافعي

وقال ابن حنبل تجوز شهادة أهل الكتاب في الوصية في السفر إذا لم يكن غيرهم وهم ذمة ويحلفان بعد العصر ما خانا ولا كتما ولا اشتريا به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين واختلف العلماء في هذه الآية فمنهم من حملها على التحمل دون الأداء ومنهم من قال المراد بقوله تعالى من غيركم أي من غير عشيرتكم وقيل الشهادة في الآية هي اليمين ولا تقبل في غير هذا عند أحمد بن حنبل

وقال أبو حنيفة يقبل اليهودي على النصراني والنصراني على اليهودي مطلقا لأن الكفر ملة واحدة وعن قتادة وغيره يقبل على ملته دون غيرها لنا قوله تعالى وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وقال عليه السلام لا تقبل شهادة عدو على عدوه وقياسا على الفاسق بطريق الأولى ولأن الله تعالى أمر بالتوقف في خبر الفاسق وهذا أولى إذ الشهادة آكد من الخبر وقوله تعالى وأشهدوا ذوي عدل منكم

وفي الحديث قال عليه السلام لا تقبل شهادة أهل دين على غير أهل دينه إلا المسلمون فإنهم عدول عليهم وعلى غيرهم ولأن من لا تقبل شهادته على المسلم لا تقبل على غيره كالعبد وغيره احتجوا بقوله تعالى شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم معناه من غير المسلمين من أهل الكتاب وروي ذلك عن أبي موسى الأشعري وغيره وإذا جازت على المسلم جازت على الكافر بطريق الأولى وفي الصحيح أن اليهود جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهم يهوديان فذكرت له عليه السلام أنهما زنيا فرجمهما عليه السلام وظاهره أن رجمهما بشهادتهم وروى الشعبي أنه عليه السلام قال إن شهد منكم أربعة رجمتهما ولأن الكافر من أهل الولاية لأنه يزوج أولاده ولأنهم يتدينون في الحقوق قال تعالى ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك والجواب عن الأول أن الحسن قال من غير عشيرتكم وعن قتادة قال من غير حلفكم

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الزوجة مالكة أمر نفسها لم تكمل الشهادة على النكاح إلا بستة اثنان على الناكح واثنان على المنكح واثنان على الزوجة

الموضع الرابع شهادة جلد حد الزنا لمن قذفه شخص فلا تنفع القاذف إلا إذا كان الشهود بذلك أربعة نعم قال ابن رشد في البيان والقياس أنه يدخل الخلاف في هذه المسألة من اختلافهم في كتاب القاضي بثبوت الزنا أنه يكفي فيه اثنان وقد تقدم ذلك الموضع الخامس شهادة عقوبة الزاني فلا أقل من أربعة شهود يحضرونه

الموضع السادس شهادة السماع في الأحباس وغيرهما فلا يجزي فيها أقل من أربعة على قول ابن الماجشون نعم المشهور أنه يجزئ فيها اثنان

الموضع السابع الشهادة في باب

____________________

(4/192)

فما تعين ما قلتموه ومعنى الشهادة التحمل ونحن نجيزه أو اليمين لقوله تعالى فيقسمان بالله كما قال في اللعان أو لأن الله تعالى خير بين المسلمين وغيرهم ولم يقل به أحد فدل على نسخه وعن الثاني أنهم لا يقولون به لأن الإحصان من شرطه الإسلام مع أنه نقل أنهما اعترفا بالزنا فلم يرجمهما بالشهادة مع أن الصحيح أنه إنما رجمهما بالوحي لأن التوراة لا يجوز الاعتماد عليها لما فيها من التحريف وشهادة الكفار غير مقبولة وقال ابن عمر كان حد المسلمين يومئذ الجلد فلم يبق إلا الوحي الذي يخصهما وعن الثالث أن الفسق

وإن نافى الشهادة عندنا فإنه لا ينافي الولاية لأن وازعها طبيعي بخلاف الشهادة وازعها ديني فافترقا لأن تزويج الكفار عندنا فاسد والإسلام يصححه

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الاسترعاء فأقلهم أربعة أيضا على قول ابن الماجشون والمشهور اثنان

الموضع الثامن من الشهادة في الترشيد والتسفيه قال ابن الماجشون وغيره من أصحاب مالك يشترط فيهم الكثرة وأقلهم أربعة شهود والمشهور أنه يجزئ في ذلك اثنان

الموضع التاسع شهادة من قطع اللصوص عليهم الطريق قال تقبل شهادتهم عليهم إذا كانوا كثيرا وأقل الكثير أربعة وقال ابن الماجشون والمغيرة وابن دينار لا يجزئ في ذلك أقل من أربعة وقال مطرف وابن القاسم يجوز عدلان

الموضع العاشر الشهادة في الرضاع قال ابن عبد السلام حكى بعضهم عن أبي بكر بن الجهم من أصحابنا أنه لا يقبل فيه أقل من أربعة والمشهور أنه يثبت بشاهدين وبامرأتين ا ه المراد من التبصرة فانظرها الوصل الثاني في تبصرة ابن فرحون يشترط في الشهادة على الزنا أن يكونوا أربعة رجال ذكور عدول يشهدون بزنا واحد مجتمعين في أداء الشهادة غير مفترقين بأنه أدخل فرجه في فرجها كالمرود في المكحلة وظاهر المذهب جواز النظر إلى الفرج قصدا للتحمل وللحاكم أن يسألهم كما يسأل الشهود في السرقة ما هي ومن أين وإلى أين وفروع هذا الباب مشهورة في محالها ا ه بلفظه

وقال الأصل في نظائر أبي عمران يشترط اجتماع الشهود عند الأداء في الزنا والسرقة ولا يشترط في غيرهما وصعب على دليل يدل على ذلك وقد تقدم أن المناسبات بمجردها لا تكفي في اشتراط الشروط بل لا بد من قياس صحيح أو نص وأما قولنا ذلك أبلغ في طلب الستر على الزناة وحفظ الأعضاء عن الضياع فهذا لا يكفي في هذا الشرط وإلا لأمكن على هذا السياق أن يشترط التبريز في العدالة أو أن يكون الشاهد من أهل العلم والولاية وغير ذلك من المناسبات أيضا وهي على خلاف الإجماع فلم يبق إلا اتباع موارد النصوص والأدلة الصحيحة وغير ذلك صعب جدا ا ه وسلمه ابن الشاط فافهم والله أعلم

الباب الثاني في بيان ما تكون فيه الحجة الثانية وشروطها وفيه وصلان الوصل الأول في التبصرة القضاء بشاهدين لا يجزئ غيرهما في النكاح والرجعة والطلاق والخلع

____________________

(4/193)

وعن الرابع أنه معارض بقوله تعالى في آخر الآية ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل فأخبر تعالى أنهم يستحلون ما لنا وجميع أدلتكم معارضة بقوله تعالى أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات فنفى تعالى التسوية فلا تقبل شهادتهم وإلا لحصلت التسوية وكقوله تعالى لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة قال الأصحاب وناسخ الآية قوله تعالى وأشهدوا ذوي عدل منكم فرع مرتب قال ابن أبي زيد في النوادر لو رضي الخصم بالحكم بالكافر أو المسخوط لم يحكم له به لأنه حق الله تعالى

الحجة الثانية الشاهدان واليمين ما علمت عندنا ولا عند غيرنا خلافا في قبول شهادة شاهدين مسلمين عدلين في الدماء والديون

وقال مالك إن شهدا له بعين في يد أحد لا يستحقها حتى يحلف ما باع ولا وهب ولا خرجت عن يده بطريق من الطرق المزيلة للملك وهو الذي عليه الفتوى والقضاء وعلله الأصحاب بأنه يجوز أن يكون باعها لهذا المدعى عليه أو لمن اشتراها هذا المدعى عليه منه ومع قيام الاحتمال لا بد من اليمين وهذا مشكل بالديون فإنه يجوز أن يكون أبرأه من الدين أو دفعه له أو عاوضه عليه

ومع ذلك فلا اعتبار بهذه الاحتمالات فكذلك هاهنا لا سيما وجل الشهادات في الدماء وغيرها الاستصحاب وإذا قبلناهما في القتل ويقتل بهما مع جواز العفو فلأن يقضي بهما في الأموال بطريق الأولى وبالجملة فاشتراط اليمين مع الشاهدين ضعيف ولقوله عليه السلام شاهداك أو يمينه ولقوله تعالى شهيدين من رجالكم وظاهر هذه النصوص أنهما حجة تامة وما علمت أنه ورد حديث صحيح في اشتراط اليمين وإثبات المشروط بمجرد المناسبات والاحتمالات صعب فلو قال قائل لا نقبل في الدماء من في طبعه خور أو خوف من القتل مع تبريزه في العدالة لأن ذلك يبعثه على حسم مادة القتل ولا يقبل في الدماء وأحكام الأبدان الشبان من العدول بل الشيوخ لعظم الخطر في أحكام الأبدان ونحو ذلك من المسببات والمناسبات كان هذا

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

والتمليك والمبارأة والعتق والإسلام والردة والولاء والنسب والكتابة والتدبير والبلوغ والعدة والجرح والتعديل والشرب والقذف والحرابة والشركة والإحلال والإحصان وقتل العمد وكذلك الوكالة والوصية عند أشهب وفي التنبيه لابن المناصف واختلف في الشاهد الواحد على التوكيل بالمال عن غائب هل يحلف الوكيل معه ليثبت التوكيل أو لا الأشهر المنع واستحسنه اللخمي إلا أن يتعلق بذلك التوكيل حق للوكيل مثل أن يكون على الغائب دين أو لأنه يقر المال في يده قراضا وما أشبه ذلك فيحلف ويستحق ا ه المراد الوصل الثاني في التبصرة هذه الأحكام لا تثبت إلا بشاهدين ذكرين حرين عدلين قاله ابن رشد وغيره ا ه

____________________

(4/194)

مروقا من القواعد ومنكرا من القول لا سيما والقياس على الدين يمنع من ذلك والفرق في غاية العسر وإثبات شرط بغير حجة خلاف الإجماع وإن ثبت الفرق فمذهب الشافعي وغيره عدم هذا الشرط وهو الصحيح

الحجة الثالثة الأربعة في الزنا لقوله تعالى والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون تنبيه في نظائر أبي عمران يشترط اجتماع الشهود عند الأداء في الزنا والسرقة ولا يشترط في غيرهما وصعب على دليل يدل على ذلك وقد تقدم أن المناسبات بمجردها لا تكفي في اشتراط الشروط بل لا بد من قياس صحيح أو نص صريح وأما قولنا ذلك أبلغ في طلب الستر على الزناة وحفظ الأعضاء عن الضياع فهذا لا يكفي في هذا الشرط فيمكن أيضا على هذا السياق أن نشترط التبريز في العدالة لو يكون الشاهد من أهل العلم والولاية وغير ذلك المناسبات وهي على خلاف الاجتماع فلم يبق إلا اتباع موارد النصوص والأدلة الصحيحة وغير ذلك صعب جدا

الحجة الرابعة الشاهد واليمين قال به مالك والشافعي وابن حنبل وقال أبو حنيفة ليس بحجة وبالغ في نقض الحكم أن حكم به قائلا هو بدعة وأول من قضى به معاوية وليس كما قال بل أكثر العلماء قال به والفقهاء السبعة وغيرهم لنا وجوه الأول ما في الموطإ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد وروي في المسانيد بألفاظ متقاربة وقال عمرو بن دينار رواية عن ابن عباس ذلك في الأموال الثاني إجماع الصحابة على ذلك وروي ذلك عن أبي بكر وعمر وعلي وأبي بن كعب وعدد كثير من غير مخالف روى ذلك النسائي وغيره الثالث ولأن اليمين تشرع في حق من ظهر صدقه وقوي جانبه وقد ظهر لك في حقه بشاهده الرابع أنه أحد المتداعيين فتشرع اليمين في حقه إذا رجح جانبه كالمدعى عليه

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وفي الأصل والعدالة فيهما شرط عندنا وعند الشافعي وأحمد بن حنبل وهي حق لله تعالى عندنا يجب على الحاكم أن لا يحكم حتى يحققها والمنقول عن أبي حنيفة أن العدالة حق للخصم فإن طلبها فحص الحاكم عنها وإلا فلا وقال متأخرو الحنفية إنما كان قول المجهول مقبولا في أول الإسلام حيث كان الغالب العدالة فألحق النادر بالغالب فجعل الكل عدولا وأما اليوم فالغالب الفسوق فيلحق النادر بالغالب حتى تثبت العدالة نعم استثنى أبو حنيفة الحدود

____________________

(4/195)

الخامس قياسا للشاهد على اليد السادس ولأن اليمين أقوى من المرأتين لدخولها في اللعان دون المرأتين وقد حكم بالمرأتين مع الشاهد فيحكم باليمين السابع ولقوله عليه السلام البينة على من ادعى واليمين على من أنكر وهي مشتقة من البيان والشاهد واليمين يبين الحق الثامن قوله تعالى إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا وهذا ليس بفاسق فوجب أن يقبل قوله مع اليمين لأنه لا قائل بالفرق احتجوا بوجوه الأول قوله تعالى واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان فحصر المشروع عند عدم الشاهدين في الرجل والمرأتين والشاهد واليمين زيادة في النص والزيادة نسخ وهو لا يقبل في الكتاب بخبر الواحد الثاني قوله عليه السلام لحضرمي ادعى على كندي شاهداك أو يمينه ولم يقل شاهدك ويمينك الثالث قوله عليه السلام البينة على من ادعى واليمين على من أنكر فحصر البينة في جهة المدعى واليمين في جهة المنكر لأن المبتدأ محصور في خبره واللام للعموم فلم تبق يمين في جهة المدعي الرابع أنه لما تعذر نقل البينة للمنكر تعذر نقل اليمين للمدعي الخامس القياس على أحكام الأبدان السادس أن اليمين لو كان كالشاهد لجاز تقديمه على الشاهد كأحد الشاهدين مع الآخر ولجاز إثبات الدعوى بيمين والجواب عن الأول أنا لا نسلم أنه زيادة سلمناه لكن تمنع أنه نسخ لأن النسخ الرفع ولم يرتفع شيء وارتفاع الحصر يرجع إلى أن غير المذكور غير مشروع وكونه غير مشروع يرجع إلى البراءة الأصيلة والبراءة الأصيلة ترجع بخبر الواحد اتفاقا لأن الآية واردة في التحمل دون الأداء لقوله تعالى إذا تداينتم بدين

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

فقال لا يكتفى فيها بمجرد الإسلام بل لا بد فيها من العدالة لأن الحدود حق لله تعالى وهو ثابت فتطلب العدالة وإذا كان المحكوم به حقا لآدمي وجب بجرحها البحث عنها لنا أربعة وجوه الأول إجماع الصحابة وذلك أن رجلين شهدا عند عمر فقال لا أعرفكما ولا يضركما فجاء رجل فقال أتعرفهما قال نعم قال له أكنت معهما في سفر يتبين عن جواهر الناس قال لا قال فأنت جارهما تعرف صباحهما ومساءهما قال لا قال أعاملتهما بالدراهم والدنانير التي تقطع بهما الأرحام قال لا قال ابن أخي ما تعرفهما ائتياني بمن يعرفكما

____________________

(4/196)

إلى أجل مسمى فاكتبوه والشرط للاستقبال فهو للتحمل ولقوله تعالى أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى واليمين مع الشاهد لا تدخل في التحمل فالحصر في التحمل باق ولا نسخ على التقديرين ولأن اليمين تشرع في حق من ادعى رد الوديعة وجميع الأمناء والقسامة واختلاف المتبايعين وينتقض ما ذكرتموه بالنكول وهو زيادة في حكم الآية وعن الثاني أن الحصر ليس مرادا بدليل الشاهد والمرأتين ولأنه قضاء يخص باثنين لخصوص حالهما فيعم ذلك النوع ونحن نقول كل من وجد في حقه تلك الصفة لا يقبل منه إلا شاهدان وعليكم أن تبينوا تلك الحالة مما قلنا نحن فيها بالشاهد واليمين وعن الثالث أن اليمين التي على المنكر لا تتعداه لأن اليمين التي عليه هي اليمين الدافعة واليمين مع الشاهد هي الجالبة فهي غيرها فلم يبطل الحصر وهو الجواب عن قولكم لما لم تتحول البينة لم تتحول اليمين فإنا لم نحول تلك اليمين بل أثبتنا يمينا أخرى بالسنة مع أن التحويل واقع غير منكر لأنه لو ادعى عليه فأنكر لم يكن للمنكر إقامة البينة ولو ادعى القضاء كان له إقامة البينة مع أنها بينة ثابتة في

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وهذا بحضرة الصحابة لأنه لم يكن يحكم إلا بحضرتهم ولم يخالفه أحد فكان إجماعا والظاهر أنه ما سأل عن تلك الأسباب من السفر وغيره إلا وقد عرف إسلامهما لأنه لم يقل أتعرفهما مسلمين وليس ذلك استحبابا لأن تعجيل الحكم واجب على الفور عند وجود الحجة لأن أحد الخصمين على منكر غالبا وإزالة المنكر واجب على الفور والواجب لا يؤخر إلا لواجب

الوجه الثاني قوله وأشهدوا ذوي عدل منكم فإن مفهومه أن غير العدل لا يستشهد وقوله منكم إشارة إلى المسلمين فلو كان الإسلام كافيا لم يبق في التقييد فائدة والعدل مأخوذ من الاعتدال في الأقوال والأفعال والاعتقاد فهو وصف زائد على الإسلام وغير معلوم بمجرد السلام الوجه الثالث قوله تعالى ممن ترضون من الشهداء ورضاء الحاكم بهم فرع معرفتهم

الوجه الرابع القياس على الحدود وعلى طلب الخصم العدالة فإن فرقوا بأن العدالة حق للخصم فإذا طلبها تعينت وأن الحدود حق لله وهو ثابت عن الله منعنا أن العدالة حق لآدمي بل لله تعالى في الجميع فيتجه القياس ويندفع الفرق وأما احتجاجهم بقوله تعالى واستشهدوا شهيدين من رجالكم ولم يشترط العدالة فجوابه أنه مطلق فيحمل على المقيد وهو قوله ذوي عدل منكم فقيد بالعدالة وإلا لضاعت الفائدة في هذا التقييد وأيضا برضاء الحاكم وهو مشروط بالبحث ولأن الإسلام لا يكفي فيه ظاهر الدار فكذلك لا يكفي الإسلام في العدالة

وأما احتجاجهم بقول عمر رضي الله عنه المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا محدودا في حد فجوابه أن قوله عدول يدل على اعتبار وصف العدالة إذ لو لم يكن معتبرا لسكت عنه على أنه معارض بقوله في آخر الأمر لا يؤسر مسلم بغير العدول والمتأخر ناسخ للمتقدم ولأن ذلك كان في صدر الإسلام حيث العدالة غالبة بخلاف غيره وأما احتجاجهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قبل شهادة الأعرابي بعد أن قال له أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول

____________________

(4/197)

الحالين وعن الرابع بأن أحكام الأبدان أعظم ولذلك لا يقبل فيها النساء وعن الخامس الفرق بأن الشاهدين معناهما مستويان فلا مزية لأحدهما على الآخر في التقديم وأما اليمين فإنما تدخل لتقوية جهة الشاهد فقبله لا قوة فلا تدخل ولا تشرع والشاهدان شرعا لأنهما حجة مستقلة مع الضعف تنبيه وافقنا أبو حنيفة في أحكام الأبدان وخالفنا الشافعي فيحلف المدعى عليه قبل قيام شاهد فإن نكل حلف المدعي لنا وجوه الأول قوله عليه السلام لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل فأخبر عليه السلام أنه لا يثبت إلا بهما فمن قال باليمين مع النكول فعليه الدليل الثاني قوله تعالى وأشهدوا ذوي عدل منكم وإنما أمر بهذه الشهادة لأنها سبب الثبوت فينحصر الثبوت فيها وإلا لزم البيان في تأسيس القواعد وهو خلاف الأصل وعملا بالمفهوم

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الله فلم يعتبر غير الإسلام فجوابه أن السؤال عن الإسلام لا يدل على عدم سؤاله من غيره فلعله سأل أو كان غير هذا الوصف معلوما عنده

وأما احتجاجهم بأن الكافر لو أسلم بحضرتنا جاز قبول قوله مع أنه لم يتحقق منه إلا الإسلام فجوابه أنا لا نقبل شهادته حتى نعلم سجاياه وعدم جرأته على الكذب أو أنا قبلناه لأجل تيقننا عدم ملابسته ما ينافي العدالة بعد إسلامه وأما احتجاجهم بأن البحث لا يؤدي إلى تحقق العدالة وإذا كان المقصود الظاهر فالإسلام كاف في ذلك لأنه أتم وازع ولأن صرف الصدقة يجوز بناء على ظاهر الحال من غير بحث وعمومات النصوص والأوامر تحمل على ظاهرها من غير بحث فكذلك هاهنا يتوضأ بالمياه ويصلي بالثياب بناء على الظواهر من غير بحث فلذلك هاهنا قياسا عليها فجوابه أن البحث كما لا يؤدي إلى تحقق العدالة كذلك لا يؤدي إلى تحقق الإسلام والقضية التي لا نص فيها ولا إجماع يحكم الحاكم فيها مع أن بحثه لا يؤدي إلى يقين ويفرق بين الفقر والماء والثوب وبين العدالة بأن العدالة ليست هي الأصل بل إذا علمت عدالته في الأصل فلا تبحث عن مزيلها لأن الأصل عدمه

وأما الفقر فهو الأصل فلا بد من البحث عنه وأما الماء فأصله الطهارة ولا يخرج عن ذلك إلا بتغير لونه أو طعمه أو ريحه وذلك معلوم بالقطع فلا يحتاج إلى البحث وكذلك أصل الثوب الطهارة فيحمل عليها ولا يبحث عن مزيلها ولا نسلم الاكتفاء بظاهر العمومات والأوامر بل لا بد من البحث عن الصارف المخصص وغيره لأن الأصل بقاؤها على ظاهرها

مسألة في بداية حفيد ابن رشد وفي الأصل وسلمه ابن الشاط اتفقوا على أن الإسلام شرط في قبول الشهادة وأنه لا تجوز شهادة الكافر إلا ما اختلفوا فيه من جوازها في الوصية في السفر أي وعلى أهل ملته فعندنا وعند الشافعي لا تقبل شهادة الكافر على المسلم أو الكافر على أهل ملته ولا غيرها ولا في

____________________

(4/198)

الثالث أن الشاهد والمرأتين أقوى من اليمين والنكول لأنها حجة من جهة المدعي ولم يثبت فيها فلا يثبت بالآخر الرابع ما ذكروه يؤدي إلى استباحة الفروج بالباطل لأنه إذا أحبها ادعى عليها فتنكر فيحلفها فتنكل فيحلف ويستحقها بتواطؤ منهما الخامس أن المرأة قد تكره زوجها فتدعي عليه في كل يوم فتحلفه وكذلك الأمة تدعي العتق وهذا ضرر عظيم احتجوا بوجوه أحدها قضية عبد الرحمن بن سهل وهي في الصحاح وقال فيها عليه السلام تحلف لكم يهود خمسين يمينا الثاني أن كل حق توجهت اليمين فيه على المدعى عليه فإذا نكل ردت على المدعي قياسا على المال الثالث القياس على اللعان فإن المرأة تحد بيمين الزوج ونكولها من اليمين الرابع قوله عليه السلام البينة على من ادعى واليمين على من أنكر وهو عام يتناول صورة النزاع

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وصية ميت مات في سفر وإن لم يحضر مسلمون وتمنع شهادة نسائهم في الاستهلال والولادة بل قال أبو زيد من أصحابنا في كتابه النوادر لو رضي الخصم بالحكم بالكافر والمسخوط لم يحكم له به لأنه حق لله تعالى

وقال أبو حنيفة يقبل اليهودي على النصراني والنصراني على اليهودي مطلقا لأن الكفر ملة واحدة وقال أبو حنيفة وأحمد بن حنبل تجوز شهادة أهل الكتاب في الوصية في السفر إذا لم يكن غيرهم وهم ذمة يحلفان بعد العصر ما خانا ولا كتما ولا اشتريا به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين وروي عن قتادة وغيره يقبل الكافر على ملته دون غيرها لنا قوله تعالى وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وقال عليه السلام لا تقبل شهادة عدو على عدوه وقياسا على الفاسق بطريق الأولى وذلك أن الله تعالى أمر بالتوقف في خبر الفاسق وهنا أولى إذ الشهادة آكد من الخبر وقوله تعالى وأشهدوا ذوي عدل منكم وفي الحديث قال عليه السلام لا تقبل شهادة أهل دين على غير أهل دينه إلا المسلمين فإنهم عدول عليهم وعلى غيرهم ولأن من لا تقبل شهادته على المسلم لا تقبل على غيره كالعبد

وأما احتجاجهم بقوله تعالى شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم قالوا فإن معناه من غير المسلمين من أهل الكتاب وروي ذلك عن أبي موسى الأشعري وغيره وقال غير ابن حنبل وإذا جاز على المسلم جازت على الكافر بطريق الأولى فجوابه بوجوبه الأول أن الحسن قال من غير عشيرتكم وعن قتادة قال من غير حلفكم فما تعين ما قالوه

الثاني أن معنى الشهادة التحمل ونحن نجيزه أو اليمين فيقسمان بالله كما قال في اللعان

الثالث أن الله تعالى خير بين المسلمين وغيرهم ولم يقل به أحد فدل على نسخه

____________________

(4/199)

الخامس أنه عليه السلام قال لركانة لما طلق امرأته ألبتة ما أردت بالبتة قال واحدة فقال له عليه السلام والله ما أردت إلا واحدة فقال والله ما أردت إلا واحدة فحلفه بعد دعوى امرأته الثلاث والجواب عن الأول أن الأيمان تثبت بعد اللوث وهو وجوده مطروحا بينهم وهم أعداؤه وغلظت خمسين يمينا بخلاف صورة النزاع في المقيس ولأن القتل نادر وفي الخلوات حيث يتعذر الإشهاد فغلظ أمره لحرمة الدماء وعن الثاني أن المدعى عليه هاهنا لا يحلف بمجرد الدعوى فانحسمت المادة وعن الثالث أن اللعان مستثنى للضرورة ولا ضرورة هاهنا فجعلت الأيمان مقام الشهادة لتعذرها وضرورة الأزواج لنفي العار وحفظ النسب وعن الرابع أنه مخصوص بما ذكرناه من الضرورات وخطر الباب وعن الخامس وإن صح الفرق أن أصل الطلاق يثبت بلفظ صالح بل ظاهر للثلاث ودعوى المرأة أصل الطلاق ليس فيه ظهور بل مرجوح باستصحاب العصمة تنبيه قال العبدي يثبت بالشاهد واليمين في مذهب مالك أربعة الأموال والكفالة والقصاص في جراح العمد والخلطة التي هي شرط في التحليف في بعض الأموال والذي لا يثبت بالشاهد واليمين ثلاثة عشر النكاح والطلاق والعتاق والولاء والأحباس والوصايا لغير المعين وهلال رمضان وذي الحجة والموت والقذف والإيصاء وترشيد السفيه ونقل الشهادة والمختلف فيها هل نثبت بهما أم لا خمسة الوكالة ونكاح امرأة قد ماتت والتجريح والتعديل

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وأما احتجاجهم بما في الصحيح من أن اليهود جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهم يهوديان فذكرت له عليه السلام أنهما زنيا فرجمهما عليه السلام وظاهره أن رجمهما بشهادتهم وروى الشعبي أنه عليه السلام قال إن شهد منكم أربعة رجمتهما فجوابه بوجوه الأول إنهم لا يقولون به لأن الإحصان من شرط الإسلام

الثاني أنه نقل أنهما اعترفا بالزنا فلم يرجمهما بالشهادة

الثالث أن الصحيح أنه إنما رجمهما بالوحي لأن التوراة لا يجوز الاعتماد عليها لما فيه من التحريف وشهادة الكفار غير مقبولة وقال ابن عمر كان حد المسلمين يومئذ الجلد فلم يبق إلا الوحي الذي يخصهما وأما احتجاجهم بأن الكافر من أهل الولاية لأنه يزوج أولاده فجوابه أن الفسق عندنا لا ينافي الولاية لأن وازعها طبيعي وينافي الشهادة لأن وازعها ديني فافترقا لأن تزويج الكفار عندنا فاسد والإسلام يصححه

وأما احتجاجهم بأنهم يدينون في الحقوق قال تعالى ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك فجوابه أن هذا معارض بقوله تعالى في آخر الآية ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل

____________________

(4/200)

تنبيه قبول مالك رحمه الله الشاهد واليمين في القصاص في جراح العمد اعتمادا على أنها يصالح عليها بالمال في بعض الأحوال مشكل جدا فإنه إلغاء للأصل واعتبار للطوارئ البعيدة وذلك لازم له في النفس أيضا وهو خلاف الإجماع ويشكل عليه أيضا بأنه لم يقل بهما في الأحباس مع أنها منافع ولا في الولاء ومآله إلى الإرث وهو مال والوصايا وهي مال وترشيد السفيه يئول لصحة البيع وغيره وهو مال والمال في هذه الصور أقرب من المال في جراح العمد لا سيما وهو يبيح القصاص بذلك ومتى يقع الصلح فيها فهي مشكلة وعدم قبوله هذه الحجة في الأحباس وما ذكر معها مشكل مع أن قاعدة المذهب أن الوكالة إذا كانت تئول إلى مال تثبت بالشاهد واليمين وكذلك كل ما مآله إلى المال عكسه لا يثبت بالشاهد واليمين فتأمل ذلك إلا أن يريد في الحبس على غير المعين فإنه يتعذر الحلف من غير المعين كالوصية لغير المعين وهو الذي تقتضيه قواعد المذهب

الحجة الخامسة المرأتان واليمين هي حجة في الأموال يحلف مع المرأتين ويستحق وقاله أبو حنيفة ومنعه الشافعي وابن حنبل ووافقنا في الشاهد واليمين لنا وجوه الأول أن الله تعالى أقام المرأتين مقام الرجل فيقضي بهما مع اليمين كالرجل ولما علل عليه السلام نقصان عقلهن قال عدلت شهادة امرأتين بشهادة رجل ولم يخص موضعا دون موضع

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

فأخبر تعالى أنهم يستحلون ما لنا بل جميع أدلتكم معارضة بقوله تعالى أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات وقوله تعالى لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة فنفى تعالى التسوية فلا تقبل شهادتهم وإلا حصلت التسوية قال الأصحاب وناسخ الآية قوله تعالى وأشهدوا ذوي عدل منكم ا ه والله أعلم

الباب الثالث في بيان ما تكون الحجة الثالثة وشروطها اليمين زيادة على شروط الشاهدين المذكورة والمدرك وفيه وصول الوصل الأول في التبصرة قال ابن رشد ويمين القضاء متوجهة على من يقوم أي بالنية التامة على الميت أو على الغائب أو على اليتيم أو على الإحباس أو على المساكين وعلى كل وجه من وجوه البر وعلى بيت المال وعلى من استحق شيئا من الحيوان ولا يتم الحكم إلا بها ا ه

قال الباجي في مفيد الحكام أجمع من علمت من أصحاب مالك أنه لا يتم لمستحق غير الرباع والعقار حكم إلا بعد يمينه قال ورأى بعض مشايخنا ذلك لازما في العقار والرباع وبعضهم لم ير في ذلك يمينا ا ه

وفي معين الحكام اختلف فيمن استحق شيئا من الرباع أو الأصول هل عليه يمين أم لا وهذا الثاني هو الذي ذهب إليه مالك وجرى عليه العمل ووجهه أن الرباع مما جرت العادة بكتب الوثائق فيها عند انتقال الملك عليها والإعلان بالشهادة فيها فإذا لم يكن عند المدعى عليه شيء من العقود والمكاتب وقامت البينة للطالب قويت حجته واكتفي بالبينة عن إحلافه بخلاف سائر المتمولات التي يخفى وجه انتقالها ويقل حرص الناس على المشاحنة في كتب الوثاق فيها فتوجهت اليمين لذلك وعلى أن عليه

____________________

(4/201)

الثاني أنه يحلف مع نكول المدعى عليه فمع المرأتين أقوى الثالث أن المرأتين أقوى من اليمين لأنه لا يتوجه عليه يمين معهما ويتوجه مع الرجل وإذا لم يعرج على اليمين إلا عند عدمهما كانتا أقوى فيكونان كالرجل فيحلف معهما احتجوا بوجوه الأول أن الله تعالى إنما شرع شهادتهن مع الرجل فإذا عدم الرجل العيب الثاني أن البينة في المال إذا خلت عن رجل لم تقبل كما لو أشهد أربع نسوة فلو أن امرأتين كالرجل لتم الحكم بأربع ويقبلن في غير المال كما يقبل الرجل ويقبل في غير المال رجل وامرأتان

الثالث أن شهادة النساء ضعيفة فتقوى بالرجل واليمين ضعيفة فيضم ضعيف إلى ضعيف والجواب عن الأول أن النص دل على أنهما يقومان مقام الرجل ولم يتعرض لكونهما لا يقومان مقامه مع اليمين فهو مسكوت عنه وقد دل عليه الاعتبار المتقدم كما دل الاعتبار على اعتبار القمط في البنيان والجذوع وغيرها وعن الثاني أنا قد بينا أن المرأتين أقوى من اليمين وإنما لم يستقل النسوة في أحكام الأبدان لأنها لا يدخلها الشاهد واليمين ولأن تخصيص الرجال بموضع لا يدل على قوتهم لأن النساء قد خصصن بعيوب الفرج وغيرها ولم يدل ذلك على رجحانهن على الرجال وهو الجواب عن الثالث

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

يمينا مطلقا وهو قول ابن وهب وابن القاسم في كتاب الاستحقاق من العتبية لا بد من يمين من استحق شيئا من ذلك أنه ما باع وما وهب كالعروض والحيوان

واتفقوا في غير الأصول أنه لا يقضي لمستحق شيئا من ذلك حتى يحلف أو ليس على من أقام بينة في أرض أو حيوان أو سلعة يمين إلا أن يدعي الذي ذلك في يديه أمرا يظن بصاحبه أنه قد فعله فيحلف ما فعله ويأخذ وهو قول ابن كنانة

وقال بعض المتأخرين هذا إذا استحقت من يد غير غاصب وأما إن استحقت من يد غاصب فلا يمين على مستحقها إذا ثبت ملكها له ا ه

قال ابن فرحون ومما يحكم فيه باليمين مع الشاهدين كما في الطرر من شهد له شاهدان على خط غريمه بما ادعاه عليه والغريم جاحد فلا يحكم له بمجرد الشهادة على خطه حتى يحلف معهما فإذا حلف أنه لحق وما اقتضيت شيئا مما كتب به خطه أعطى حقه ومن ذلك شهادة السماع قال ابن محرز لا يقضي لأحد بشهادة السماع إلا بعد يمينه لاحتمال أن يكون أصل السماع من شاهد واحد والشاهد الواحد لا بد معه من اليمين ومن ذلك أيضا إذا جعل الزوج لزوجته إن غاب عنها أكثر من سنة مثلا فأمرها بيدها وأشهد على ذلك وغاب فأرادت الأخذ بشرطها عند الأجل وأثبت عند الحاكم الزوجية والغيبة واتصالها والشرط بذلك فلا بد أن تحلف أنها ما تركت ما جعله بيدها وأنه غاب أكثر من المدة التي شرطها وهذه يمين استبراء ومن ذلك إذا أقامت للغريم المجهول الحال بأنه معدم فلا بد من يمينه أنه ليس له مال ظاهر ولا باطن

وإن وجد مالا ليؤدين حقه عاجلا لأن البينة إنما شهدت على الظاهر ولعله غيب مالا ومن ذلك المرأة

____________________

(4/202)

الحجة السادسة الشاهد والنكول حجة عندنا خلافا للشافعي لنا وجوه الأول أن النكول سبب مؤثر في الحكم فيحكم به مع الشاهد كاليمين من المدعي وتأثيره أن يكون المدعى عليه ينقل اليمين للمدعي

الثاني أن الشاهد أقوى من يمين المدعي بدليل أنه يرجع لليمين عند عدم الشاهد

الثالث أن الشاهد يدخل في الحقوق كلها بخلاف اليمين احتجوا بوجوه الأول بأن السنة إنما وردت بالشاهد واليمين وهو تعظيم الله تعالى والنكول لا تعظيم فيه

وثانيها أن الحنث فيه يوجب الكفارة ويذر الديار بلاقع إذا أقدم عليها غموسا وليس كذلك النكول الثالث أن النكول لا يكون أقوى حجة من جحده أصل الحق وجحده لا يقضى به مع الشاهد فإنه يكون قضاء بالشاهد وحده وهو خلاف الإجماع فكذلك النكول والجواب عن الأول أن التعظيم لا مدخل له هاهنا بدليل أنه لو سبح وهلل ألف مرة لا يكون حجة مع الشاهد وإنما الحجة في إقدامه على موجب العقوبة على تقدير الكذب وهذا كما هو وازع ديني فالنكول فيه وازع طبيعي لأنه إذا قيل له إن حلفت برئت وإن

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

تدعي على زوجها الغائب النفقة وتقيم البينة بإثبات الزوجية والغيبة واتصالها وأنهم ما علموه ترك لها نفقة فلا بد من يمينها على ما هو مذكور في محله وضابط هذا الباب أن كل بينة شهدت بظاهر فإنه يستظهر بيمين الطالب على باطن الأمر قاله في التوضيح في باب التفليس ا ه الوصل الثاني يمين المستحق على البت أنه ما باع ولا وهب ويمين الورثة على العلم أنه ما خرج عن ملك مورثهم بوجه من الوجوه كلها وأن ملك جميعهم يعني الورثة باق إلى حين يمينهم وهذه التتمة في اليمين تكون على البت قال ابن سهل وإذا شهد لرجل شاهدان على دين لأبيه حلف أنه لا يعلم أن أباه اقتضى من ذلك شيئا وإن كان شيئا معينا فاستحقه بشاهدين حلف أنه ما يعلم أن أباه ما باع ولا وهب ولا خرج من يده بوجه من وجوه الملك واليمين في ذلك على من يظن به علم ذلك ولا يمين على من لا يظن به علم ذلك ولا على صغير ومن نكل ممن يلزمه اليمين منهم سقط من الدين حصته فقط قال في رواية يحيى بعد يمين الذي عليه الحق من ابن يونس من قوله واليمين في ذلك قال ابن سهل ولا يكلف الورثة أن يزيدوا في يمينهم أن الشيء المستحق كان في ملك مورثهم لأن البينة قد شهدوا بذلك وقطعوا به

وقد أنكر هذا على بعض القضاة لما فعله فلا ينبغي للحاكم أن يحكم إلا فيما لا بد منه فينبغي التحفظ في هذه الزيادة وشبهها وفي المدونة من أقام ببينة على حاضر بدين فلا يحلف مع بينته على إثبات الحق ولا على أنه ما قبض منه حتى يدعي المطلوب أنه دفعه إليه أو دفعه عنه دافع من وكيل أو غيره فحينئذ يحلف ا ه من تبصرة ابن فرحون الوصل الثالث في تبصرة ابن فرحون يمين

____________________

(4/203)

نكلت غرمت فإذا نكل كان ذلك على خلاف الطبع والوازع الطبيعي أقوى عندنا إثارة للظنون من الوازع الشرعي بدليل أن الإقرار يقبل من البر والفاجر لكونه على خلاف الوازع الطبيعي والشهادة لا تقبل إلا من العدل لأن وازعها شرعي فلا يؤثر إلا في المتقين من الناس وعن الثاني أن الكفارة قد تكون أولى من الحق المختلف فيه المجتلب وهو الغالب فتقدم عليه اليمين الكاذبة لأن الوازع حينئذ إنما هو الوازع الشرعي وقد تقدم أنه دون الوازع الطبيعي وعن الثالث أن مجرد الجحد لا يقضى به عليه فلا يخافه والنكول يقضى به عليه بعد تقدم اليمين فخافه طبعه فظهر أن النكول أقوى من اليمين وأقوى من الجحد الحجة السابعة المرأتان والنكول عندنا خلافا للشافعي رضي الله عنه والمدرك هو ما تقدم سؤالا وجوابا وعمدته أنه قياس على اليمين بطريق الأولى كما تقدم تقريره

الحجة الثامنة اليمين والنكول وصورته أن يطالب المطلوب باليمين الدافعة فينكل فيحلف الطالب ويستحق بالنكول واليمين فإن جهل المطلوب ردها فعلى الحاكم أن يعلمه بذلك ولا يقضي حتى يردها فإن نكل الطالب فلا شيء له وقاله الشافعي

وقال أبو حنيفة وابن حنبل يقضي بالنكول ولا ترد اليمين على الطالب وقال أبو حنيفة إن كانت الدعوى في مال كرر عليه ثلاثا فإن لم يحلف لزمه الحق ولا ترد اليمين وإن

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

القضاء لا نص على وجوبها لعدم الدعوى على الحالف بما يوجبها إلا أن أهل العلم رأوا ذلك على سبيل الاستحسان نظرا للميت والغائب وحياطة عليه وحفظا لماله للشك في بقاء الدين عليه ا ه فمن هنا قال الأصل قول مالك رضي الله عنه لو شهد الشاهدان لشخص بعين في يد واحد لا يستحقها حتى يحلف ما باع ولا وهب ولا خرجت عن يده بطريق من الطرق المزيلة للملك وهو الذي عليه الفتوى والقضاء وإن علله الأصحاب بأنه يجوز أن يكون باعها لهذا المدعى عليه أو لمن اشتراها هذا المدعى عليه منه ومع قيام الاحتمال لا بد من اليمين مشكل بأنا لا نعلم عندنا ولا عند غيرنا خلافا في قبول شهادة شاهدين مسلمين عدلين في الدماء والديون مع أنه يجوز أن يكون أبرأه من الدين أو دفعه له أو عارضه عليه ويجوز أيضا العفو عن القاتل الذي يقتل بهما فكما لا اعتبار بهذه الاحتمالات في الدماء والديون لا سيما وجل الشهادات في الدماء وغيرها الاستصحاب كذلك لا اعتبار بها في الأموال فكان الشأن أن يقضي بمجرد الشاهدين في الأموال بطريق الأولى من القضاء بمجردها في الدماء والديون

وبالجملة فاشتراط اليمين مع الشاهدين ضعيف مخالف لظاهر النصوص كقوله عليه السلام شاهداك أو يمينه وقوله تعالى شهيدين من رجالكم ونحو ذلك مما ظهره أنهما حجة تامة وما علمت أنه ورد حديث صحيح في اشتراط اليمين

وإثبات شرط بغير حجة بل بمجرد الاحتمالات والمسببات والمناسبات سواء كان في الأموال أو في الدماء كأن يقال لا نقبل في الدماء من في طبعه خور أو خوف من القتل مع تبريزه في العدالة لأن ذلك يبعثه على حسم مادة القتل ولا يقبل في الدماء وأحكام الأبدان

____________________

(4/204)

كانت في عقد فلا يحكم بالنكول بل يحبس حتى يحلف أو يعترف وفي النكاح والطلاق والنسب وغيره لا مدخل لليمين فيه فلا نكول وقال ابن أبي ليلى يحبس في جميع ذلك حتى يحلف لنا وجوه الأول قوله تعالى ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم ولا يمين بعد يمين إلا ما ذكرناه غير أن ظاهره يقتضي يمينا بعد يمين وهو خلاف الإجماع فتعين حمله على يمين بعد رد يمين على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه لأن اللفظ إذا ترك من وجه بقي حجة في الباقي

الثاني ما روي أن الأنصار جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت إن اليهود قتلت عبد الله وطرحته في نقير فقال عليه السلام تحلفون وتستحقون دم صاحبكم قالوا لا قال فتحلف اليهود قالوا كيف يحلفون وهم كفار فجعل عليه السلام اليمين في جهة الخصم خرجه صاحب الموطإ وغيره والثالث ما روي أن المقداد اقترض من عثمان سبعة آلاف درهم فلما كان وقت القضاء جاء بأربعة آلاف درهم فقال عثمان أقرضتك سبعة آلاف درهم فترافعا إلى عمر فقال المقداد يحلف عثمان فقال عمر لعثمان لقد أنصفك

فلم يحلف

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الشبان من العدول في الشيوخ لعظم الخطر في أحكام الأبدان ونحو ذلك خلاف الإجماع ومروق من القواعد ومنكر من القول لا سيما والقياس على الدين يمنع من ذلك والفرق في غاية العسر وإن ثبت الفرق فمذهب الشافعي وغيره عدم هذا الشرط وهو الصحيح ا ه كلام الأصل وسلمه ابن الشاط

قلت لكن في قوله وإن ثبت الفرق إلخ نظر فإنه إذا ثبت الفرق ظهر وجه اشتراط هذا الشرط في الأموال دون الدماء والديون لا سيما عند من يقول بالاستحسان كما يشهد لذلك كلام الإمام أبي إسحاق الشاطبي في كتابه الاعتصام حيث قال إن الاستحسان يراه معتبرا في الأحكام مالك وأبو حنيفة بخلاف الشافعي فإنه منكر له جدا حتى قال من استحسن فقد شرع والذي يستقري من مذهبهما أنه يرجع إلى العمل بأقوى الدليلين هكذا قال ابن العربي قال فالعموم إذا استمر

والقياس إذا اطرد فإن مالكا وأبا حنيفة يريان تخصيص العموم بأي دليل كان من ظاهر أو معنى قال ويستحسن مالك أن يختص بالمصلحة ويستحسن أبو حنيفة أن يخص بقول الواحد من الصحابة الوارد بخلاف القياس قال ويريان معا تخصيص القياس ونقص العلة ولا يرى الشافعي لعلة الشرع إذا ثبتت تخصيصا

وقال في موضع آخر الاستحسان إيثارك مقتضى الدليل على طريق الاستثناء والترخص لمعارضة ما يعارض به في بعض مقتضياته وقسمه أقساما عد منها أربعة أقسام وهي ترك الدليل للعرف وتركه للمصلحة وتركه لليسير لرفع المشقة وإيثار التوسعة وحده غير ابن العربي من أهل المذهب بأنه عند مالك استعمال مصلحة جزئية في مقابلة قياس كلي قال فهو تقويم الاستدلال المرسل على القياس وعرفه ابن رشد فقال الاستحسان الذي يكثر استعماله حتى يكون

____________________

(4/205)

عثمان فنقل عمر اليمين إلى المدعي ولم يختلف في ذلك عمر وعثمان والمقداد ولم يخالفهم غيرهم فكان إجماعا

الرابع القياس على النكول في باب القود والملاعنة لا تحد بنكول الزوج

الخامس لو نكل عن الجواب في الدعوى لم يحكم عليه مع أنه نكول عن اليمين والجواب فاليمين وحده أولى بعدم الحكم

السادس أن البينة حجة المدعي واليمين حجة المدعى عليه في النفي ولو امتنع المدعي من إقامة البينة لم يحكم عليه بشيء فكذلك المدعى عليه إذا امتنع من اليمين لم يحكم عليه

السابع أن المدعي إذا امتنع من إقامة البينة كان للمدعى عليه إقامتها فكذلك المدعى عليه إذا امتنع من اليمين فيكون للآخر فعلها

الثامن أن النكول إذا كان حجة تامة كالشاهدين وجب القضاء به في الدماء أو ناقصة كالشاهد والمرأتين أو يمين وجب استغناؤه عن التكرار أو كالاعتراف يقبل في القود بخلافه فالاعتراف لا يفتقر إلى تكرار بخلافه احتجوا بوجوه الأول قوله تعالى إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

أعم من القياس هو أن يكون طرحا لقياس يؤدي إلى علو في الحكم ومبالغة فيه فعدل عنه في بعض المواضع لمعنى يؤثر في الحكم يختص به ذلك الموضع وهذه تعريفات قريب بعضها من بعض وإذا كان هذا معناه عن مالك وأبي حنيفة فليس بخارج عن الأدلة ألبتة لأن الأدلة يقيد بعضها ويخصص بعضها كما في الأدلة السنية مع القرآنية ولا يرد الشافعي مثل هذا أصلا كيف وقد جاء عن مالك أن الاستحسان تسعة أعشار العلم ورواه أصبغ عن ابن القاسم عن مالك وقال أصبغ في الاستحسان قد يكون أغلب من القياس وجاء عن مالك أن الفرق في القياس يكاد يفارق السنة ا ه

المراد بلفظه مع تقديم وتأخير وقول ابن السبكي في جمع الجوامع بتوضيح من المحلي وفسر الاستحسان بعدول عن الدليل إلى العادة للمصلحة

ورد بأنه إن ثبت أنها أي العادة حق لجريانها في زمنه عليه الصلاة والسلام أو بعده من غير إنكار منه ولا من غيره فقد قام دليل من السنة والإجماع فيعمل بها قطعا وإلا ثبتت حقيقتها ردت قطعا أي فلا تصح محلا للنزاع لم يسلمه العلامة العطار بل قال فيه أن من القواعد أن الضرورات تبيح المحظورات وإذا ضاق الأمر اتسع فالحق أن هذا مما يجري فيه الخلاف بلفظه ا ه ولم يتعقبه العلامة الشربيني فتأمله بإنصاف والله سبحانه وتعالى أعلم

الباب الرابع في بيان ما تكون فيه الحجة الرابعة والخلاف في قبولها ودليله وفيه وصلان الوصل الأول في التبصرة قال الرعيني في كتاب الدعوى والإنكار ويحكم بالشاهد واليمين في كل حق يدعيه على صاحبه من بيع أو شراء من أي

____________________

(4/206)

آلعمران 77 فمنع سبحانه أن يستحق بيمينه على غيره حقا فلا ترد اليمين لئلا يستحق بيمينه مال غيره الثاني الملاعن إذا نكل حد بمجرد النكول الثالث أن ابن الزبير ولى ابن أبي مليكة قضاء اليمن فجاء إلى ابن عباس فقال إن هذا الرجل ولاني هذا البلد وإنه لا غناء لي عنه فقال له ابن عباس اكتب لي بما يبدو لك قال فكتب إليه في جاريتين جرحت إحداهما الأخرى في كفها فكتب إليه ابن عباس احبسها إلى بعد العصر واقرأ عليها إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا قال ففعل ذلك واستحلفها فأبت فألزمها ذلك الرابع قوله صلى الله عليه وسلم البينة على من ادعى واليمين على من أنكر فجعل اليمين في جهة المدعى عليه فلم يبق يمين تجعل في جهة المدعي وجعل حجة المدعي البينة وحجة المدعى عليه اليمين ولما لم يجز نقل حجة المدعى عليه إلى جهة المدعى عليه لم يجز أيضا نقل جهة المدعى عليه إلى جهة المدعي

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

السلع كان من دور أو أرضين أو حيوان أو رقيق أو ثياب أو طعام أو كراء أو إجارة أو شركة أو معاوضة أو مساقاة أو مقارضة أو جعل أو صناعة أو تسلف أو وديعة أو غصب أو سرقة أو عتق أو هبة لله تعالى أو للثواب أو صدقة أو نحلة أو عطية أو بضاعة أو عارية أو حبس أي على معينين أو سكنى أو خدام أو صداق أو صلح من إقرار أو إنكار في عمد وخطأ أو جراحة عمدا أو خطأ أو جراحة عمدا أو خطأ أو تولية أو إقالة أو خيار أو تبر من عيب أو رضي به بعد العلم من غير تبر أو وكالة في شيء مما ذكرناه مما يكون مالا أو يئول إلى مال فإذا أقام المدعي على شيء مما تقدم شاهدا واحدا عدلا وحلف معه أخذا ما يدعي ويثبت في القتل عمده وخطؤه إلا أنه مع القسامة ا ه

قال ابن فرحون اليمين مع الشاهد إنما تكون في الأموال كما تقدم وتكون في المشاتمة ما عدا الحدود في الفرية والسرقة والشرب والنكاح والرجعة والطلاق والعتاق وما تقدم أنه لا يثبت إلا بشاهدين وكذلك لا يكون اليمين مع الشاهد الواحد في الشهادة على شهادة الشاهد واختلف في الوكالة بالمال والوصية به هل يجوز فيها الشاهد واليمين والرجل والمرأتان وهو قول مالك وابن وهب أو لا يجوز فيها ذلك وهو قول أشهب وابن الماجشون قال ابن راشد ومنشأ القولين فيهما أن الشهادة فيهما باشرت ما ليس بمال لكنها تئول إلى المال فاعتبر مالك وابن القاسم وابن وهب المال فأجازوا في ذلك الشاهد واليمين فلذلك شهره ابن الحاجب واعتبر أشهب وابن الماجشون ما ليس بمال فلم يجيزا ذلك فيهما وفي المتيطية وإن شهد على غائب في وكالة شاهد فروى أنه يحلف الوكيل وتثبت وكالته والأكثر والذي جرى عليه العمل أنه لا يحلف معه

____________________

(4/207)

الخامس قوله عليه السلام شاهداك ويمينه ولم يقل أو يمينك السادس أن البينة للإثبات ويمين المدعى عليه للنفي فلما تعذر جعل البينة للنفي تعذر أيضا جعل اليمين للإثبات والجواب عن الأول أن معنى الآية أن لا تنفذ اليمين الكاذبة ليقطع بها مال غيره وهذه ليست كذلك ومجرد الاحتمال لا يمنع وإلا منع المدعى عليه من اليمين الدافعة لئلا يأخذ بها مال غيره بل يحكم بالظاهر وهو الصدق وعن الثاني أن الموجب لحد الملاعن قذفه وإنما أيمانه مسقطة فإذا فقد المانع عمل بالمقتضى والنكول عندكم مقتضى فلا جامع بينهما وعن الثالث أنه روى عن ابن أبي مليكة أنه قال اعترفت فألزمتها ذلك ولعله برأيه لا برأي ابن عباس فإن ابن عباس لم يأمره بالحكم عليها بذلك والتابعي لا حجة في فعله وعن الرابع أنه ورد لمن توجه عليه اليمين ابتداء ونحن نقول به وأما ما نحن فيه فلم يتعرض له الحديث ألا ترى أن المنكر قد يقيم البينة إذا ادعى وفاء الدين فكذلك اليمين قد توجد في حق المدعي في الرتبة الثانية وعن الخامس أنه لبيان من يتوجه عليه اليمين ابتداء في الرتبة الأولى كما تقدم

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

قال ابن فرحون يلزم من أجاز شهادة للنساء على الوكالة في المال أن يجيز شاهدا أو يمينا على الوكالة في المال لأنها تئول إلى المال

وزاده القرافي فيما نقله عن العبدي من أن ما يثبت بالشاهد واليمين في مذهب مالك أربعة الأموال والكفالة والقصاص في جراح العمد والخلطة التي هي شرط في التحليف في بعض الأحوال وأن ما لا يثبت بهما ثلاثة عشر النكاح والطلاق والعتاق والولاء والأحباس والوصايا لغير المعين وهلال رمضان وذي الحجة واللوث والقذف والإيصاء وترشيد السفيه ونقل الشهادة قال والمواضع المختلف فيها خمسة الوكالة بالمال والوصية به والتجريح والتعديل ونكاح امرأة قد ماتت يعني أنه إذا شهد على النكاح بعد موت المرأة شاهد أو أن أحد الوارثين مات قبل الآخر فهل يحلف مع الشاهد

ويثبت الميراث أو لا وكذا لو شهد بذلك رجل وامرأتان قال ابن القاسم يورث مع الشاهد واليمين والشاهد والمرأتين وأشهب يمنع لترتيب ثبوت النكاح على ذلك قال ويتوجه الإشكال على موضعين من مذهب مالك في ذلك الأول قبوله الشاهد واليمين في القصاص في جراح العمد اعتمادا على أنها يصالح عليها بالمال في بعض الأحوال فإنه إلغاء للأصل واعتبار للطوارئ البعيدة وذلك لازم له في النفس أيضا وهو خلاف الإجماع فهو مشكل جدا

والموضع الثاني عدم قبوله هذه الحجة في الأحباس مع أنها منافع ولا في الولاء ومآله إلى الإرث وهو مال ولا في الوصايا وهي مال ولا في ترشيد السفيه الذي يئول لصحة البيع وغيره وهو مال بل المال في هذه الصور أقرب من المال في جراح العمد لا سيما وهو يبيح القصاص بذلك وهو الغالب إذ متى يقع الصلح فيها وقاعدة المذهب أن كل ما مآله إلى المال يثبت بهذه الحجة وكل ما لا يئول إلى المال لا يثبت بها فعدم قبولها في هذا الموضع مشكل كقبولها في الموضع الأول فتأمل ذلك إلا أن يريد في الحبس على غير المعين فإنه يتعذر الحلف من غير المعين

____________________

(4/208)

تقريره وعن السادس أنا لم نجعل اليمين وحدها للإثبات بل اليمين مع النكول ثم إن البينة قد تكون للنفي كما تقدم تقريره مثل بينة القضاء فإنه نفي

الحجة التاسعة أيمان اللعان وهي متفق عليها أيضا فيما علمت من حيث الجملة

الحجة الحادية عشرة المرأتان فقط أما شهادة النساء فوقع الخلاف فيها في ثلاث مسائل المسألة الأولى قال مالك والشافعي وابن حنبل لا يقبلن في أحكام الأبدان وقال أبو حنيفة يقبل في أحكام الأبدان شاهد وامرأتان إلا في الجراح الموجبة للقود في النفوس والأطراف لنا وجوه الأول قوله تعالى في مسائل المداينات فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان فكان كل ما يتعلق بالمال مثله ومفهومه أنه لا يجوز في غيره فلا تجوز في أحكام الأبدان الثاني قوله في الطلاق والرجعة وأشهدوا ذوي عدل منكم الآية وهو حكم بدني فكانت الأحكام البدنية كلها كذلك إلا موضع لا يطلع عليه الرجال للضرورة في ذلك

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وهو الذي تقتضيه قواعد المذهب ا ه نعم قال ابن فرحون الولاء

وإن كان لا يثبت إلا بشاهدين إلا أنه لو أقام شاهدا واحدا على ميت أنه مولاه وأنه أعتقه فكان ابن القاسم يقول أنه يحلف مع شاهده ويستحق المال ولا يستحق الولاء وقال أشهب لا يستحق المال ولا الولاء لأنه لم يثبت الولاء الذي يستحق به المال فلا يستحق المال قبل أن يستحق الولاء قال وقد تكون الشهادة بهذه الحجة على ما هو مال تئول إلى الشهادة على غير المال فيثبت بها تبعا

وذلك في مسائل منها قال مالك رضي الله تعالى عنه قد تكون الشهادة في المال تؤدي إلى الطلاق مثل أن يقيم شاهدا واحدا أنه اشترى امرأته من سيدها فيحلف معه ويستحقها ويكون فراقا ومنها أن يقيم المكاتب شاهدا على أداء الكتابة فإنه يحلف معه ويتم العتق ومنها ما لو ثبت على رجل دين بشهادة رجل ويمين المدعي فإنه يرد بهذه الشهادة العتق الذي وقع به الدين ومنها أن يقذف رجل رجلا ظاهر الحرية فيجب عليه فيأتي من يستحق رقبة المقذوف بشاهد ويمين فيسقط عن القاذف الحد ومنها أن يقذف رجل مكاتبا فيأتي المكاتب بشاهد أنه أدى كتابته فيحلف معه فيجب الحد لتمام العتق ا ه المراد من كلام ابن فرحون يتصرف وزيادة من الأصل فانظره

تنبيهان الأول في تبصرة ابن فرحون حيث قلنا يحكم باليمين مع الشاهد فهل ذلك منسوب إلى الشاهد فقط واليمين كالاستظهار واليمين كشهادتان فيه خلاف ويظهر أثر ذلك الخلاف إذا رجع الشاهد هل يغرم الحق كله أو نصفه ا ه بلفظه

التنبيه الثاني حيث يحكم باليمين مع الشاهد فإن كانت الدعوى على يهودي أو نصراني أو مجوسي أو عبد مملوك أو أمة لك يكن عليه إلا يمينه بالله تعالى وإن كانت الدعوى لواحد من هؤلاء فإنه يحلف مع شاهده ويستحق ما حلف عليه ا ه بإصلاح

الوصل الثاني القضاء باليمين مع الشاهد قال به مالك والشافعي

____________________

(4/209)

الثالث قوله عليه السلام لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل وهو حكم بدني فكانت الأحكام البدنية كلها كذلك احتجوا بوجوه الأول قوله تعالى واستشهدوا شهيدين من رجالكم الآية فأقام المرأتين والرجل مقام الرجلين في ذلك أما عند عدم الشاهدين فهو باطل لجوازهما مع وجود الشاهدين إجماعا فتعين أنهما يقومان مقامهما في التسوية فيكونان مرادين بقوله عليه السلام وشاهدي عدل لوجود الاسم

الثاني قوله تعالى فرجل وامرأتان أطلق وما خص موضعا فيعم

الثالث أنهما أمور لا تسقط بالشبهات فتقبل فيها النساء كالأموال

الرابع أن النكاح والرجعة عقد منافع فيقبل فيهما النساء كالإجارات

الخامس أن الخيار والآجال ليست أموالا ويقبل فيها النساء فكذلك بقية صور النزاع

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وابن حنبل وقال أبو حنيفة ليس بحجة وبالغ في نقض الحكم أن حكم به قائلا هو بدعة وأول من قضى به معاوية وليس كما قال بل أكثر العلماء قال به والفقهاء السبعة وغيرهم لنا وجوه الأول ما في الموطإ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد وروي في المسانيد بألفاظ متقاربة وقال عمرو بن دينار رواية عن ابن عباس ذلك في الأموال

الوجه الثاني إجماع الصحابة على ذلك فقد قضى به جماعة من الصحابة ولم يرو أحد منهم أنه أنكره فقد روى النسائي وغيره ذلك عن أبي بكر وعمر وعلي وأبي بن كعب وعدد كثير من غير مخالف

الوجه الثالث أن اليمين تشرع في حق من ظهر صدقه وقوي جانبه وقد ظهر ذلك في حقه بشاهده

الوجه الرابع أنه أحد المتداعيين فتشرع اليمين في حقه إذا رجح جانبه كالمدعى عليه

الوجه الخامس قياس الشاهد على اليد

الوجه السادس أن أبا حنيفة حكم بالمرأتين مع الشاهد فيحكم باليمين معه لأن اليمين أقوى من المرأتين لدخولها في اللعان دون المرأتين

الوجه السابع قوله عليه السلام البينة على من ادعى واليمين على من أنكر وذلك أن البينة مشتقة من البيان والشاهد واليمين يبين الحق

الوجه الثامن قوله تعالى إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا وهذا ليس بفاسق فوجب أن يقبل قوله مع اليمين لأنه لا قائل بالفرق وأما الوجوه التي احتجوا بها فالأول قوله تعالى واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان فحصر المشروع عند عدم الشاهدين في الرجل والمرأتين والشاهد واليمين زيادة في النص والزيادة نسخ وهو لا يقبل في الكتاب بخبر الواحد وجوابه أنا لا نسلم أنه زيادة سلمناه لكن تمنع أنه نسخ لأمور الأول النسخ الرفع ولم يرتفع شيء وارتفاع الحصر يرجع إلى أن غير المذكور غير مشروع

____________________

(4/210)

السادس أن الطلاق رافع لعقد سابق فأشبه الإقالة

السابع أنه يتعلق به تحريم كالرضاع

الثامن أن العتق إزالة ملك كالبيع والجواب عن الأول أن معنى الآية أنهما يقومان مقام الرجل في الحكم بدليل الرفع في لفظ رجل وامرأتين ولو كان المراد ما ذكرتم لقال فرجلا وامرأتين بالنصب لأنه خبر كان ويكون التقدير فإن لم يكن الشاهد إن رجلين فيكونا رجلا وامرأتين فلما رفع على الابتداء كان تقديره رجل وامرأتان يقومان مقام الشاهدين بحذف الخبر وعن الثاني أن آخر الآية مرتبط بأولها وأولها إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ثم قال تعالى وأشهدوا إذا تبايعتم على أن العموم لو سلمناه خصصناه بالقياس على جراح القود بجامع عدم قبولهن منفردات ولأن الحدود أعلاها الزنا وأدناه السرقة ولم يقبل في أحدهما ما يقبل في الآخر فكذلك الأبدان أعلى من الأموال فلا يقبل فيها ما يقبل في الأموال ولأن القتل وحد القطع في السرقة وحد الخمر ليس ثابتا بالنص ولا بالقياس على الزنا لعدم اشتراط أربعة فيه ولا بالقياس على الأموال لأنها تثبت بالنساء فتعين قياسها على الطلاق وعن الثالث الفرق أن أحكام الأبدان أعظم رتبة لأن الطلاق ونحوه لا يقبلن فيه منفردات فلا يقبلن فيه مطلقا كالقصاص ولأنا وجدنا النكاح آكد من الأموال لاشتراط الولاية ولم يدخله الأجل

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وكونه غير مشروع يرجع إلى البراءة الأصلية والبراءة الأصلية ترجح بخبر الواحد اتفاقا

الثاني أن الآية واردة في التحمل دون الأداء إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه والشرع للاستقبال فهو للتحمل ولقوله تعالى أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى واليمين مع الشاهد لا تدخل في التحمل فالحصر في التحمل باق ولا نسخ على التقديرين

الثالث أن اليمين تشرع في حق من ادعى رد الوديعة وجميع الأمناء والقسامة واختلاف المتبايعين وينتقض ما ذكرتموه بالنكول وهو زيادة في حكم الآية والوجه الثاني قوله عليه السلام لحضرمي ادعى على كندي شاهداك أو يمينه ولم يقل شاهداك ويمينك وجوبه أن الحصر ليس مرادا بدليل الشاهد والمرأتين ولأنه قضاء يختصر باثنين لخصوص حالهما فيعم ذلك النوع ونحن نقول كل من وجد في حقه تلك الصفة لا يقبل منه إلا شاهدان وعليكم أن تبينوا أن تلك الحالة مما قلنا نحن فيها بالشاهد واليمين

والوجه الثالث قوله عليه السلام البينة على من ادعى واليمين على من أنكر فحصر البينة في جهة المدعي واليمين في جهة المنكر لأن المبتدئ محصور في خبره واللام للعموم فلم تبق يمين في جهة المدعي

والوجه الرابع أنه لما تعذر نقل البينة للمنكر تعذر نقل اليمين للمدعي وجوابهما أن اليمين التي على المنكر لا تتعداه لأن اليمين التي عليه هي اليمين الدافعة واليمين مع الشاهد هي الجالبة فهي غيرها فلم يبطل الحصر ولم يكن قولنا بيمين المدعي مع الشاهد تحويلا من يمين المنكر بل إثبات ليمين أخرى بالسنة فلا يرد أنه لما تتحول البينة لم تتحول اليمين مع أن التحويل واقع غير منكر لأنه لو ادعى عليه فأنكر لم يكن للمنكر إقامة البينة ولو ادعى القضاء كان له إقامة البينة مع أنها بينة ثابتة في الحالين

والوجه الخامس أن اليمين لو كان كالشاهد لجاز تقديمه على الشاهد كأحد الشاهدين مع الآخر ولجاز إثبات الدعوى بيمين

____________________

(4/211)

والخيار والهبة وعن الرابع أن المقصود من الإجارة المال وعن الخامس أن مقصوده أيضا المال بدليل أن الأجل والخيار لا يثبتان إلا في موضع فيه المال وعن السادس أن حل عقد لا يثبت بالنساء والنكول أيضا مقصود الطلاق غير المال ومقصود الإقالة المال وعن السابع أن الرضاع يثبت بالنساء منفردات بخلاف الطلاق وهو الجواب عن الثامن ولأن العتق ماله إلى غير ملك بخلاف البيع المسألة الثانية خالفنا أبو حنيفة في قبول النساء منفردات في الرضاع ولنا أنه معنى لا يطلع عليه الرجال غالبا فتجوز منفردات كالولاد والاستهلال المسألة الثالثة خالفنا الشافعي في قبول المرأتين فيما ينفردان فيه

وقال لا بد من أربع وقال أبو حنيفة إن كانت الشهادة ما بين السرة والركبة قبلت فيه واحدة وقبل أحمد بن حنبل واحدة مطلقا فيما لا يطلع عليه الرجال وعندنا لا بد من اثنتين مطلقا ويكفيان لنا وجوه الأول أن كل جنس قبلت شهادته في شيء على الانفراد كفى منه اثنان ولا يكفي منه واحد كالرجل في سائر الحقوق

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وجوابه الفرق بأن الشاهدين معناهما متساويان فلا مزية لأحدهما على الآخر في التقديم وأما اليمين فإنما تدخل لتقوية جهة الشاهد فقبله لا قوة فلا تدخل ولا تشرع وشرع الشاهدان لأنهما حجة مستقلة مع الضعف

والوجه السادس القياس على أحكام الأبدان وجوابه أن أحكام الأبدان أعظم ولذلك لا يقبل فيها النساء ولا نثبت باليمين مع النكول عندنا وعند أبي حنيفة خلافا للشافعي حيث قال بحلف المدعى عليه قبل قيام شاهد فإن نكل حلف المدعي لنا وجوه الأول قوله عليه السلام لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل فأخبر عليه السلام أنه لا يثبت إلا بهما فمن قال باليمين مع النكول فعليه البيان

والوجه الثاني قوله تعالى وأشهدوا ذوي عدل منكم وإنما أمر بهذه الشهادة لأنها سبب الثبوت فينحصر الثبوت فيها عملا بالمفهوم وإلا لزم تأخير البيان في تأسيس القواعد وهو خلاف الأصل والوجه الثالث أن الشاهدين والمرأتين أقوى من اليمين مع النكول لأنها حجة من جهة المدعي ولم تثبت أحكام الأبدان بها فلا تثبت باليمين مع النكول

والوجه الرابع أن ما ذكروه يؤدي إلى استباحة الفروج بالباطل لأنه إذا أحبها ادعى عليها فتنكر فيحلفها فتنكل فيحلف ويستحقها بتواطؤ منهما

والوجه الخامس أن المرأة قد تكره زوجها فتدعي عليه في كل يوم فتحلفه وكذلك الأمة تدعي العتق وهذا ضرر عظيم

وأما الوجوه التي احتجوا بها فالوجه الأول قضية حويصة ومحيصة في قضية عبد الرحمن بن سهل وهي في الصحاح وقال فيها عليه السلام تحلف لكم يهود خمسين يمينا وجوابه والأيمان تثبت بعد اللوث وهو وجوده مطروحا بينهم وهو أعداؤه وغلظت خمسين يمينا بخلاف صورة النزاع في المقيس ولأن القتل نادر في الخلوات حيث يتعذر الإشهاد فغلظ أمره لحرمة الدماء

والوجه الثاني أن كل حق توجهت اليمين فيه على المدعى عليه

____________________

(4/212)

الثاني أن شهادة الرجال أقوى وأكثر ولم يكف واحد فالنساء أولى احتجوا بوجوه الأول ما روى عقبة بن الحارث قال تزوجت أم يحيى بنت أبي إيهاب فأتت أم سورة فقالت أرضعتكما فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فأعرض عني ثم أتيته فقلت يا رسول الله إنها كاذبة قال كيف وقد علمت وزعمت ذلك متفق على صحته

الثاني عن علي أنه قبل شهادة القابلة وحدها في الاستهلال

الثالث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في الرضاع شهادة امرأة واحدة تجزئ

الرابع القياس على الرواية والجواب عن الأول أنه حجة لنا لأن المرأة الواحدة لو كفت لأمره بالتفريق من أول مرة كما شهد عدلان لأن التنفيذ عند كمال الحجة واجب على الفور لا سيما في استباحة الفروج فلا يدل ذلك على أن الواحدة كافية في الحكم بل معناه من قاعدة أخرى وهي أن من غلب على ظنه تحريم شيء بطريق من الطرق كان ذلك الطريق يفضي به إلى الحكم أم لا فإن ذلك الشيء يحرم عليه فمن غلب على ظنه طلوع الفجر في رمضان حرم عليه الأكل أو الطعام نجس حرم عليه أكله ونحو ذلك وإخبار الواحدة يفيد الظن فأمره عليه السلام بطريق الفتيا لا بطريق الحكم والإلزام وعن الثاني أنه معارض بأدلتنا المتقدمة أو بحمله على الفتيا جمعا بين الأدلة وعن الثالث كذلك أيضا وعن الرابع الفرق أن الرواية تثبت حكما عاما

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

فإذا نكل ردت على المدعي قياسا على المال وجوابه أن المدعى عليه هاهنا لا يحلف بمجرد الدعوى فانحسمت المدة

والوجه الثالث القياس على اللعان فإن المرأة تحد بيمين الزوج ونكولها عن اليمين وجوابه أن اللعان مستثنى للضرورة فجعلت الأيمان مقام الشهادة لتعذرها وضرورة الأزواج لنفي العار وحفظ النسب ولا ضرورة هاهنا

الوجه الرابع قوله عليه السلام البينة على من ادعى واليمين على من أنكر وهو عام يتناول صورة النزاع وجوابه أنه مخصوص بما ذكرناه من الضرورات وخطر الباب

والوجه الخامس أنه عليه السلام قال لركانة لما طلق امرأته ألبتة ما أردت بالبتة قال واحدة فقال له عليه السلام الله ما أردت إلا واحدة فقال الله ما أردت إلا واحدة فحلفه بعد دعوى امرأته الثلاث وجوابه الفرق بين دعوى المرأة الثلاث ودعواها أصل الطلاق بأن الثاني ليس فيه ظهور بل مرجوح باستصحاب العصمة بخلاف الأول فإنه يثبت بلفظ صالح بل ظاهر فيه قاله الأصل وصححه أبو القاسم بن الشاط والله أعلم

الباب الخامس في بيان ما تكون فيه الحجة الخامسة والخلاف في قبولها وفيه وصلان الوصل الأول في تبصرة ابن فرحون القضاء بامرأتين ويمين المدعي يجري فيما يجري فيه الشاهد واليمين من الأموال على ما تقدم في باب الشاهد واليمين وكذا الوراثة كما لو ولدت امرأة ثم ماتت هي وولدها فشهدت امرأتان أن الأم ماتت قبل ولدها فإن الأب يحلف أو أورثته على ذلك ويستحقون ما يرث عن أمه لأنه ماله قاله ابن القاسم واختلف في مسائل منها لو شهد النساء في طلاق ودين شهادة واحدة جازت مع اليمين في الدين دون الطلاق ومنها ما إذا شهدت امرأتان على ميت أنه أوصى لرجل قال في المدونة لا تجوز شهادتهما إن كان في

____________________

(4/213)

في الأمصار والأعصار لا على معين فليست مظنة العداوة فلا يشترط فيها العدد فتقبل الواحدة في الرواية ولا تقبل في الشهادة اتفاقا

الحجة الثانية عشرة اليمين الواحدة إذا تنازعا دارا ليست في أيديهما أو في أيديهما قسمت بينهما بعد أيمانهما فيقضي لكل واحد بمجرد يمينه

وقال الشافعي رضي الله عنه وهي أقل حجة في الشريعة بسبب أنا لم نجد مرجحا عند الاستواء إلا اليمين وكذلك إذا استوت البينتان والأيدي أو البينتان من غير يد بل هي في يد ثالث قسمت بينهما بعد أيمانهما لوجود الترجيح باليمين ويدل على ذلك قوله عليه السلام أمرت أن أقضي بالظاهر والله متولي السرائر وهذا قد صار ظاهرا باليمين فيقضي به لصاحبه ولأنهما إن كانت في أيديهما فكل واحد يده على النصف فدفع عنه يمينه كسائر من ادعى عليه وإن كانت في يد ثالث فأقر لهما على نسبة اتفقا عليها قسم بينهما بغير يمين وإن تنازعا والثالث يقول هي لا تعدوهما فهي كما لو كانت بأيديهما بسبب إقراره لهما وإن قال الثالث لا أعلم هي لهما أم لغيرهما فهو موضع نظر وتوقف وعلى هذا التقدير تكون الأيمان في هذه الصور دافعة لا جالبة ولا يقضي فيها بملك بل بالدفع كمن ادعى عليه فأنكر وحلف وكثير من الفقهاء يعتقد أنها جالبة وأنها تقضي بالملك وليس كذلك وعلى هذا التقدير أيضا تندرج هذه اليمين في قوله عليه السلام البينة على من ادعى

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الوصية عتق وإبضاع النساء يريد نكاح البنات فأبطل الوصية كلها قال ابن رشد وقد اختلف في هذا الأصل وهو ما إذا اشتملت الشهادة على ما تجيزه السنة وما لا تجيزه والمشهور جواز ما أجازته السنة دون ما لم تجزه وقيل يرد الجميع ا ه الوصل الثاني في الأصل المرأتان واليمين هي حجة عندنا وقاله أبو حنيفة ومنعه الشافعي وكذا ابن حنبل ووافقنا في الشاهد واليمين لنا وجوه الأول أن الله تعالى أقام المرأتين مقام الرجل فيقضي بها مع اليمين كالرجل ولما علل عليه السلام نقصان عقلهن قال عدلت شهادة امرأتين بشاهدة رجل ولم يخص موضعا دون موضع الثاني أنه يحلف مع نكول المدعى عليه فمع المرأتين أقوى

الثالث أن المرأتين أقوى من اليمين لأنه لا يتوجه عليه يمين معهما ويتوجه مع الرجل وإذا لم تعرج على اليمين إلا عند عدمهما كانتا أقوى فيكونان كالرجل فيحلف معهما وأما الوجوه التي احتجوا بها فالأول أن الله تعالى إنما شرع شهادتين مع الرجل فإذا عدم الرجل ألغيت وجوابه أن النص دل على أنهما يقومان مقام الرجل ولم يتعرض لكونهما لا يقومان مقامه مع اليمين فهو مسكوت عنه وقد دل عليه الاعتبار المتقدم كما دل الاعتبار على اعتبار القمط في البنيان والجذوع وغيرها

والوجه الثاني أن في المال إذا خلت عن رجل لم تقبل كما لو شهد أربع نسوة فلو أن امرأتين كالرجل لتم الحكم بأربع ويقبلن في غير المال كما يقبل الرجل ويقبل في غير المال رجل وامرأتان

والوجه الثالث أن شهادة النساء ضعيفة فتقوى بالرجل واليمين ضعيفة فيضم ضعيف إلى ضعيف وجوابهما إن قد بينا أن امرأتين أقوى وإنما لم يستقل النسوة في أحكام الأبدان لأنها لا يدخلها

____________________

(4/214)

واليمين على من أنكر وقال عليه السلام شاهداك أو يمينه لأن المراد في هذه الأحاديث اليمين الدافعة وهي هذه بعينها فتندرج

الحجة الثالثة عشرة الإقرار من أقر لغيره بحق أو عين قضى عليه بإقراره كان المقر برا أو فاجرا فإن كان المقر به في الذمة كالدين أو عينا أقر بها من سلم أخذت منه وقضى في جميع ذلك بالملك للمقر له وإن كان المقر به عينا قضى على المقر بتسليمها للمقر له إن كانت في يد المقر ولا يقضي بالملك بل بإلزام التسليم لاحتمال أن يكون لثالث وإن كان المقر به بيد الغير لم يقض به وإنما يؤثر الإقرار فيما في يد المقر أو ينتقل بيده يوما من الدهر فيقضي عليه حينئذ بموجب إقراره

الحجة الرابعة عشرة شهادة الصبيان بعضهم على بعض في القتل والجراح خاصة ولقبولها عشرة شروط الأول العقل ليفهموا ما رأوا الثاني الذكورية لأن الضرورة لا تحصل في اجتماع الإناث وروي عن مالك تقبل شهادتهن اعتبارا لهن بالبالغات لوثا في القسامة

الثالث الحرية لأن العبد لا يشهد

الرابع الإسلام لأن الكافر لا يقبل في قتال ولا جراح لأن الضرورة إنما دعت لاجتماع الصبيان لأجل الكفار وقيل تقبل في الجراح لأنها شهادة ضعيفة فاقتصر فيها على أضعف الأمرين الخامس أن يكون ذلك بينهم لعدم ضرورة مخالطة الكبير لهم السادس أن يسمع ذلك منهم قبل التفرق لئلا

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الشاهد واليمين ولأن تخصيص الرجال بموضع لا يدل على قولهم لأن النساء قد خصصن بعيوب الفرج وغيرها وإن لم يدل ذلك على رجحانهن على الرجال ا ه وسلمه ابن الشاط والله أعلم

الباب السادس في بيان ما تكون فيه الحجة السادسة والسابعة والخلاف في قبولها ودليله وفيه وصلان الوصل الأول في تبصرة ابن فرحون الشاهد والنكول يجري في كل موضع يقبل فيه الشاهد واليمين والمرأتان واليمين صورة ذلك أن يشهد على المدعى عليه شاهد وامرأتان فإذا توجهت اليمين على المدعي وردها على المدعى عليه فإن نكل عن اليمين قضي عليه بنكوله وليس له أن يردها على المدعي لأن اليمين المردودة لا ترد قال فينبغي للحاكم أن يبين للمدعى عليه حكم النكول إن كانت الدعوى في مال بل وحكمه أيضا إن كانت في طلاق أو عتق فقد اختلف في القضاء بالشاهد والنكول في الطلاق والعتاق فعن مالك في ذلك روايتان وقال قبل بأوراق إذا ادعى العبد أو الأمة العتق وأقام أحدهما شاهدا حلف السيد فإن نكل فقيل يعتق عليه وقيل يسجن حتى يحلف وقيل يخلى من السجن إذا طول والطول سنة قال وإن أقامت المرأة شاهدا بالطلاق وأنكر الزوج حلف وخلى بينه وبينها وإن نكل سجن حتى يحلف أو يطول أمره والطول في ذلك سنة وقيل يسجن أبدا حتى يحلف أو يطلق وقيل يطلق عليه لتمام أربعة أشهر لمشابهته الإيلاء ا ه

الوصل الثاني في الأصل الشاهد والنكول حجة عندنا خلافا للشافعي لنا وجوه الأول أن النكول سبب مؤثر في الحكم فيحكم به مع الشاهد كاليمين من المدعي وتأثيره أن يكون المدعى عليه ينقل اليمين للمدعي الثاني أن الشاهد أقوى من يمين المدعي بدليل

____________________

(4/215)

يلقنوا الكذب السابع اتفاق أقوالهم لأن الاختلاف يخل بالثقة الثامن أن يكونوا اثنين فصاعدا لأنهم لا يكون حالهم أتم من الكبار هذا هو نقل القاضي في المعونة وزاد ابن يونس التاسع أن لا يحضر كبار فمتى حضر كبار فشهدوا سقط اعتبار شهادة الصبيان كان الكبار رجالا أو نساء لأن شهادة النساء تجوز في الخطأ وعمد الصبي كالخطأ

العاشر رأيت بعض المعتبرين من المالكية يقول لا بد من حضور الجسد المشهود بقتله وإلا فلا تسمع ونقله صاحب البيان عن جماعة من الأصحاب قالوا لا بد من شهادة العدول على رؤية البدن مقتولا تحقيقا للقتل ومنع أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وأشهب من أصحابنا وجماعة من العلماء شهادة الصبيان وقال بقبولها علي وابن الزبير وعمر بن الخطاب ومعاوية وخالفهم ابن عباس لنا قوله تعالى وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة واجتماع الصبيان للتدريب على الحرب من أعظم الاستعداد ليكونوا كبارا أهلا لذلك ويحتاجون في ذلك لحمل السلاح حيث لا يكون معهم كبير فلا يجوز هدر دمائهم فتدعو الضرورة لقبول شهادتهم على الشروط المتقدمة والغالب مع تلك الشروط الصدق وندرة الكذب فتقدم المصلحة الغالبة على المفسدة النادرة لأنه دأب صاحب الشرع كما جوز الشرع شهادة النساء منفردات في الوضع الذي لا يطلع عليه الرجال للضرورة ولأنه قول الصحابة احتجوا بوجوه الأول قوله تعالى واستشهدوا

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

أنه يرجع لليمين عند عدم الشاهد الثالث أن الشاهد يدخل في الحقوق كلها بخلاف اليمين

وأما الوجوه التي احتجوا بها فالأول أن السنة إنما وردت بالشاهد واليمين وهو تعظيم الله تعالى ولا تعظيم في النكول وجوابه أن التعظيم لا مدخل له هنا بدليل أنه لو سبح وهلل ألف مرة لا يكون حجة مع الشاهد وإنما الحجة في إقدامه على موجب العقوبة على تقدير الكذب وهذا كما هو وازع ديني أما النكول ففيه وازع طبيعي لأنه إذا قيل له إن حلفت برئت وإن نكلت غرمت فإذا نكل كان ذلك على خلاف الوزاع الطبيعي والوزاع الطبيعي أقوى ألا ترى أن الشهادة لا تقبل إلا من العدل لأن وازعها شرعي فلا يؤثر إلا في المتقين من الناس والوجه الثاني أن الحنث في اليمين يوجب الكفارة ويذر الديار بلاقع إذا أقدم عليها غموسا وليس كذلك النكول وجوابه أن الكفارة قد تكون أولى من الحق المختلف فيه والمجتلب وهو الغالب فقدم عليه اليمين الكاذبة لأن الوازع حينئذ إنما هو الوازع الشرعي وقد تقدم أنه دون الوزاع الطبيعي والوجه الثالث أن النكول لا يكون أقوى حجة من جحده أصل الحق وجحده لا يقضي به مع الشاهد وإلا كان قضاء مع الشاهد وحده وهو خلاف الإجماع فكذلك النكول وجوابه أن مجرد الجحد لا يقضي به عليه فلا يخافه والنكول يقضي به عليه بعدم تقدم اليمين فيخافه طبعه فظهر أن النكول أقوى من اليمين وأقوى من الجحد قال الأصل والمرأتان والنكول عندنا أيضا خلافا للشافعي رضي الله عنه والمدرك هو ما تقدم سؤالا وجوابا وعمدته أنه قياس على اليمين بطريق الأولى كما تقدم تقريره ا ه وسلمه أبو القاسم بن الشاط والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(4/216)

شهيدين من رجالكم وهو يمنع شهادة غير البالغ الثاني قوله تعالى وأشهدوا ذوي عدل منكم والصبي ليس بعدل الثالث قوله تعالى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا وهو نهي ولا يتناول النهي الصبي فدل على أنه ليس من الشهداء الرابع أنه لا يعتبر إقراره فلا تعتبر شهادته كالمجنون الخامس أن الإقرار أوسع من الشهادة لقبوله من البر والفاجر فإذا كان لا يقبل فلا تقبل الشهادة السادس القياس على غير الجراح السابع لو قبلت لقبلت إذا افترقوا كالكبار وليس كذلك الثامن أنها لو قبلت لقبلت في تخريق ثيابهم في الخلوات أو لجازت شهادة النساء بعضهن على بعض في الجراح والجواب عن الأول إنما نمنع الإناث لاندراج الصبيان مع الرجال في قوله تعالى وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين ولأن الأمر بالاستشهاد إنما يكون في المواضع التي يمكن إنشاء الشهادة فيها اختيارا لأن من شرط النهي الإمكان وهذا موضع ضرورة تقع فيه الشهادة بغتة فلا يتناوله الأمر فيكون مسكوتا عنه

وهو الجواب عن الآية الثانية وعليه تحمل الآية الثالثة في الشهداء الذين استشهدوا اختيارا مع أن هذه الظواهر عامة ودليلنا خاص فيقدم عليها وعن الرابع أن إقرار الصبي إن كان في المال فنحن نسويه بالشهادة فإنهما لا يقبلان في المال أو في الدماء إن كانت عمدا خطأ فيئول إلى الدية فيكون إقرارا على غيره فلا يقبل كالبالغ وهو الجواب عن

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الباب السابع في بيان ما تكون فيه الحجة الثامنة والخلاف في قبولها ودليله وفيه وصلان الوصل الأول اليمين من المدعي بعد نكول المدعى عليه عن اليمين الرافعة للدعوى فيستحق ما ادعى به تكون فيما إذا ادعى رجل على رجل حقا وليس له بينة على ذلك فينكر المدعى عليه فتتوجه عليه اليمين على نفي ما ادعى به عليه وهي اليمين الرافعة للدعوى فينكل عنها فتنقلب اليمين على الطالب وهي اليمين المنقلبة فيحلف ويستحق فإن جهل المطلوب ردها فإنه يجب على الحاكم أن يعلمه بذلك ولا يقضي حتى يردها فإن نكل الطالب فلا شيء له قال في مختصر الواضحة فإن حلف المدعي حين نكل المدعى عليه وأخذ ما ادعاه ثم إن المدعى عليه وجد بينة ببراءته من ذلك نفعه ذلك واستعاد ما أخذه من المدعي ا ه وتكون أيضا فيما إذا ادعى المطلوب العدم وقال إن المدعي عالم بذلك فله أخذ اليمين الرافعة للدعوى فإن نكل المدعي فلا مقال وحلف المطلوب أنه ليس له مال ظاهر ولا باطن وهذه اليمين تسمى اليمين المصححة والمدعي في هذه الصورة مدعى عليه انظر المتيطية أفاده ابن فرحون في التبصرة والله أعلم الوصل الثاني في الأصل اليمين والنكول حجة عندنا وعند الشافعي وقال أحمد بن حنبل يقضي بالنكول ولا ترد اليمين على الطالب وقال أبو حنيفة إن كانت الدعوى في مال كرر عليه ثلاثا فإن لم يحلف لزمه الحق ولا ترد اليمين وإن كانت في عقد فلا يحكم بالنكول بل يحبس حتى يحلف أو يعترف وفي النكاح والطلاق والنسب وغيره لا مدخل لليمين فيه فلا نكول

وقال ابن أبي ليلى يحبس في جميع ذلك حتى يحلف لنا وجوه الأول قوله تعالى ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم ولا يمين بعد يمين وهو خلاف الإجماع فتعين حمله على يمين بعد رده يمين على

____________________

(4/217)

الخامس وعن السادس أن الفرق تعظيم حرمة الدماء بدليل قبول القسامة ولا يقسم على درهم وعن السابع أن الافتراق يحتمل التعليم والتغيير والصغير إذا خلي وسجيته الأولى لا يكاد يكذب والرجال لهم وازع شرعي إذا افترقوا بخلاف الصبيان وعن الثامن التفريق لعظم حرمت الدماء ولأن اجتماعهم ليس لتخريق ثيابهم بخلاف الضرب والجراح وأما النساء فلا يجتمعن للقتال ولا هو مطلوب منهن

الحجة الخامسة عشرة القافة حجة شرعية عندنا في القضاء بثبوت الأنساب ووافقنا الشافعي وأحمد بن حنبل

وقال أبو حنيفة الحكم بالقافة باطل قال ابن القصار وإنما يجيزه مالك في ولد الأمة يطؤها رجلان في طهر واحد وتأتي بولد يشبه أن يكون منهما والمشهور عدم قبوله في ولد الزوجة وعنه قبوله وأجازه الشافعي فيهما لنا ما في الصحيحين قالت عائشة رضي الله عنها دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم تبرق أسارير وجهه فقال ألم تري إلى مجزز المدلجي نظر إلى أسامة وزيد عليهما قطيفة قد غطيا رءوسهما وبدت أقدامهما فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض وسبب ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان تبنى زيد بن حارثة وكان أبيض وابنه أسامة أسود فكان المشركون يطعنون في نسبه فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكانته منه

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه لأن اللفظ إذا ترك من وجه بقي حجة في الباقي الثاني ما روي أن الأنصار جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت إن اليهود قتلت عبد الله وطرحته في قفير أي بئر فقال عليه السلام أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم قالوا لا قال فتحلف لكم اليهود قالوا كيف يحلفون وهم كفار فجعل عليه السلام اليمين في جهة الخصم أخرجه صاحب الموطإ وغيره الثالث ما روي أن المقداد اقترض من عثمان سبعة آلاف درهم فلما كان وقت القضاء جاء بأربعة آلاف درهم فقال عثمان أقرضتك سبعة آلاف درهم فترافعا إلى عمر فقال المقداد يحلف عثمان فقال عمر لعثمان لقد أنصفك فلم يحلف عثمان فنقل عمر اليمين إلى المدعي ولم يختلف في ذلك عمر وعثمان والمقداد ولم يخالفهم غيرهم فكان إجماعا الرابع القياس على النكول في باب القود والملاعنة لاتحد بنكول الزوج الخامس لو نكل عن الجواب في الدعوة لم يحكم عليه مع أنه نكول عن اليمين والجواب فاليمين وحده أولى بعدم الحكم السادس أو البينة حجة المدعي واليمين حجة المدعى عليه في النفي ولو امتنع من إقامة البينة لم يحكم عليه بشيء فكذلك المدعى عليه إذا امتنع من اليمين لم يحكم عليه السابع أن المدعي إذا امتنع من إقامة البينة كان للمدعى عليه إقامتها فكذلك المدعى عليه إذا امتنع من اليمين فيكون للآخر فعلها الثامن أن النكول إذا كان حجة تامة كالشاهدين وجب القضاء به في الدماء أو ناقصة كالشاهدين والمرأتين أو كالشاهد ويمين وجب استغناؤه عن التكرار أو كالاعتراف يقبل في القود ولا يفتقر أي إلى تكرار بخلافه النكول

____________________

(4/218)

فلما قال مجزز ذلك سر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدل من وجهين أحدهما أنه لو كان الحدس باطلا شرعا لما سر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه عليه السلام لا يسر بالباطل

وثانيها أن إقراره عليه السلام على الشيء من جملة الأدلة على المشروعية وقد أقر مجززا على ذلك فيكون حقا مشروعا لا يقال النزاع إنما هو في إلحاق الولد وهذا كان ملحقا بأبيه في الفراش فما تعين محل النزاع وأيضا سروره عليه السلام لتكذيب المنافقين لأنهم كانوا يعتقدون صحة القيافة وتكذيب المنافقين سار بأي سبب كان لقوله عليه السلام إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر فقد يفضي الباطل للخير والمصلحة

وأما عدم إنكاره عليه السلام فلأن مجززا لم يتعين أنه أخبر بذلك لأجل القيافة فلعله أخبر به بناء على القرائن لأنه يكون رآهما قبل ذلك لأنا نقول مرادنا هاهنا ليس أنه ثبت النسب بمجزز إنما مقصودنا أن الشبه الخاص معتبر وقد دل الحديث عليه وأما سروره عليه السلام بتكذيب المنافقين فكيف يستقيم السرور مع بطلان مستند التكذيب كما لو أخبر عن كذبهم رجل كاذب وإنما يثبت كذبهم إذا كان المستند حقا فيكون الشبه حقا وهو المطلوب وبهذا التقرير يندفع قولكم إن الباطل قد يأتي بالحسن والمصلحة فإنه على هذا التقدير ما أتى بشيء

وأما قولكم أخبر به لرؤية سابقة لأجل الفراش فالناس كلهم يشاركونه في ذلك فأي

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وأما الوجوه التي احتجوا بها فالأول قوله تعالى إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا يمنع سبحانه أن يستحق بيمينه على غيره حقا فلا ترد اليمين لئلا يستحق بيمينه مال غيره وجوابه أن معنى الآية أن لا تنفذ اليمين الكاذبة ليقطع بها مال غيره ليست كذلك ومجرد الاحتمال لا يمنع وإلا لمنع المدعى عليه في اليمين الدافعة لئلا يأخذ بها مالا بل يحكم بالظاهر وهو الصدق والوجه الثاني الملاعن إذا نكل حد بمجرد النكول وجوابه أن الموجب لحد الملاعن قذفه وإنما أيمانه مسقطة فإذا فقد المانع عومل بالمقتضى والنكول عندكم مقتضى فلا جامع بينهما والوجه الثالث أن ابن الزبير ولى ابن أبي مليكة قضاء اليمن فجاء إلى ابن عباس فقال إن هذا الرجل ولاني هذا البلد وأنه لا غناء لي عنه فقال له ابن عباس اكتب لي بما يبدو لك فكتب إليه في جاريتين جرحت أحدهما الأخرى في كفها فكتب إليه ابن عباس احبسها إلى بعد العصر واقرأ عليها إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا قال ففعل ذلك واستحلفها فأبت فألزمها ذلك وجوابه أنه روي عن ابن أبي مليكة أنه قال اعترفت فألزمتها ذلك ولعله برأيه لا برأي ابن عباس فإن ابن عباس لم يأمره بالحكم عليها بذلك والتابعي لا حجة في فعله والوجه الرابع قوله صلى الله عليه وسلم البينة على من ادعى واليمين على من أنكر فجعل اليمين في حجة المدعى عليه فلم يبق يمين تجعل في جهة المدعي وجعل حجة المدعي البينة وحجة المدعى عليه اليمين ولما لم يجز نقل حجة المدعي إلى حجة المدعى عليه لم يجز أيضا نقل حجة المدعى عليه إلى جهة المدعى عليه وجوابه أنه ورد لمن توجه عليه اليمين ابتداء ونحن نقول به وأما ما نحن فيه فلم يتعرض له الحديث ألا ترى أن المنكر قد يقيم البينة إذا ادعى الدين

____________________

(4/219)

فائدة في اختصاص السرور بقوله لولا أنه حكم بشيء غير الذي كان طعن المشركين ثابتا معه ولا كان لذكر الأقدام فائدة وحديث العجلاني قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إن جاءت به على نعت كذا وكذا فأراه قد كذب عليها وإن أتت به على نعت كذا وكذا فهو لشريك فلما أتت به على النعت المكروه قال عليه السلام لولا الأيمان لكان لي ولها شأن فصرح عليه السلام بأن وجود صفات أحدهما في الآخر يدل على أنهما من نسب واحد ولا يقال إن إخباره عليه السلام كان من جهة الوحي لأن القيافة ليست في بني هاشم إنما هي في بني مدلج ولا قال أحد إنه عليه السلام كان قائفا ولأنه عليه السلام لم يحكم به لشريك وأنتم توجبون الحكم بما أشبه أيضا لم تحد المرأة فدل ذلك على عدم اعتبار الشبه لأنا نقول إن جاء الوحي بأن الولد ليس يشبهه فهو مؤسس لما يقوله وصار الحكم بالشبه أولى من الحكم في الفراش لأن الفراش يدل عليه من ظاهر الحال والشبه يدل على الحقيقة وأما كونه عليه السلام لم يعط علم القيافة فممنوع لأنه عليه السلام أعطي علم الأولين والآخرين سلمناه لكن أخبر عن ضابط القائفين أن الشبه متى كان كذا فهم يحكمون بكذا إلا أنه ادعى علم القيافة كما نقول يقول الإنسان الأطباء يداوون المحموم بكذا وإن لم يكن طبيبا ولم يحكم بالولد لشريك لأنه زان وإنما يحكم بالولد في وطء الشبهة وإنما وطئ

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

فكذلك قد توجد في حق المدعي في الرتبة الثانية والوجه الخامس قوله عليه السلام شاهداك أو يمينه ولم يقل أو يمينك وجوابه أنه لبيان من تتوجه عليه اليمين ابتداء في الرتبة الأولى كما تقدم تقريره والوجه السادس أن البينة للإثبات ويمين المدعى عليه للنفي فلما تعذر جعل البينة للنفي تعذر أيضا جعل اليمين للإثبات وجوابه أنا لم نجعل اليمين وحدها للإثبات بل اليمين مع النكول على أن البينة قد تكون للنفي كما تقدم تقريره مثل بينة القضاء فإنه نفي ا ه وسلمه ابن الشاط والله أعلم الباب الثامن في بيان ما تكون فيه الحجة التاسعة وفي صفتها وفيه وصلان الوصل الأول في تبصرة ابن فرحون لا يحكم باللعان إلا بعد ثبوت الحمل بشاهدة امرأتين وثبوت الزوجية إن كانا من أهل المصر والأمكنة من اللعان قبل ثبوت الزوجية والحمل ولا يحده بخلاف ما إذا كانا من أهل المصر فإنه يحد إذا لم يثبت ذلك بحال ولا يكون اللعان إلا بمجلس الحاكم أو في مجلس رجل من أعيان الفقهاء بأمر الحاكم وقال قيل ويجب أن يكون في أشرف أمكنة البلد عند المنبر في المدينة وعند الركن بمكة وعند المحراب في غيرهما في الجامع الأعظم والمختار أن يكون بعد صلاة العصر وتحلف الذمية في كنيستها لا في المسجد والمريض بموضعه ويكون ذلك بحضور جماعة أقلها أربعة قال وحقيقة اللعان يمين الزوج على زوجته بزنا أو نفي حملها أو ولدها ويمين الزوجة على تكذيبه وسميت أيمانهما لعانا لأن فيها ذكر اللعن ولكونها سببا في بعد كل واحد من صاحبه ا ه وفي الأصل وسلمه ابن الشاط وأيمان اللعان متفق عليها فيما علمت من حيث الجملة ا ه الوصل الثاني صفة اللعان أنه إن لاعن من دعوى الزنا

____________________

(4/220)

البائع والمشتري الأمة في طهر واحد وأما عدم الحد فلأن المرأة قد تكون من جهتها شبهة أو مكرهة أو لأن اللعان يسقط الحد لقوله تعالى ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله الآية أو لأنه عليه السلام لا يحكم بعلمه وبالجملة فحديث المدلجي يدل دلالة قوية على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استدل بالشبه على النسب ولو كان بالوحي لم يحصل فيه ترديد في ظاهر الحال بل كان يقول هي تأتي به على نعت كذا وهو لفلان فإن الله تعالى بكل شيء عليم فلا حاجة إلى الترديد الذي لا يحسن إلا في مواطن الشك وإنما يحسن هذا بالوحي إذا كان لتأسيس قاعدة القيافة وبسط صورها بالأشباه وذلك مطلوبنا فالحديث يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سر إلا بسبب حق وهو المطلوب ويؤيده أيضا قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة في الحديث تربت يداك ومن أين يكون الشبه فأخبر أن المني يوجب الشبه فيكون دليل النسب ولنا أيضا أن رجلين تداعيا ولدا فاختصما لعمر فاستدعى له القافة فألحقوه بهما فعلاهما بالدرة واستدعى حرائر من قريش فقلن خلق من ماء الأول وحاضت على الحمل فاستخشف الحمل فلما وطئها الثاني انتعش بمائه فأخذ شبها منها فقال عمر الله أكبر وألحق الولد بالأول ولأنه علم عند القافة من باب الاجتهاد فيعتمد عليه كالتقويم في المتلفات ونفقات الزوجات وخرص الثمار في

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

واعتمد على الرؤية قال أربع مرات أشهد بالله وقال محمد يزيد الذي لا إله إلا هو إني لمن الصادقين لرأيتها تزني كالمرود في المكحلة ثم يقول في الخامسة لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ثم تقول المرأة أربع مرات أشهد بالله الذي لا إله إلا هو أنه لمن الكاذبين وما رآني أزني ثم تقول في الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين وإن لاعن من دعوى لنفي الحمل واعتمد على الرؤية وحدها على أحد الأقوال زاد في الأربع وما هذا الحمل متى وتزيد المرأة وأن هذا الحمل منه ويقول في اللعان إذا اعتمد على الاستبراء وحده على أحد القولين إني لمن الصادقين لقد استبرأتها من كذا فاعتمد عليها مع ذكرهما معا في الأربع الأيمان وإن لاعن من دعوى الغصب قال أشهد بالله الذي لا إله إلا هو ما هذا الحمل مني وأني لمن الصادقين

وقال في الخامسة وأن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين وتقول المغتصبة إذا التعنت لنفي الولد أشهد بالله الذي لا إله إلا هو ما زنيت ولا أطعت وتقول في الخامسة إن غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيتعين لفظ الشهادة ولفظ اللعن والغضب بعدها وفي معين الحكام والحرة المسلمة التي لم تبلغ المحيض وقد جومعت تلاعن زوجها لأن من قذفها يحد والمشهور قول مالك وابن القاسم أن الفرقة تقع بينهما بتمام التحالف دون حكم حاكم وقال ابن حبيب لا تقع حتى يفرق الإمام بينهما

وقال ابن نافع يستحب له أن يطلقها ثلاثا عند فراغه من اللعان فإن لم يفعل أجريا على سنة المتلاعنين أنهما لا يتناكحان أبدا

وقال ابن لبابة إن لم يفعل طلقها الإمام ثلاثا ولم يمنعه من مراجعتها بعد زوج وفي كتاب ابن شعبان وفرقة المتلاعنين ثلاثا ويتزوجها بعد زوج آخر وفي الجلاب فرقة المتلاعنين فسخ بغير طلاق أفاده ابن فرحون في التبصرة والله أعلم

____________________

(4/221)

الزكوات وتحرير جهة الكعبة في الصلوات وجزاء الصيد وكل ذلك تخمين وتقريب

ولما لم يعتبر أبو حنيفة الشبه ألحق الولد بجميع المتنازعين ويرد عليه قوله تعالى إنا خلقناكم من ذكر وأنثى فالأب واحد وقوله تعالى وورثه أبواه فلم يجعل له آباء

وعارض أبو حنيفة حديث العجلاني بوجوه الأول بما في الصحاح أن رجلا حضر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وادعى أن امرأته ولدت ولدا أسود فقال له عليه السلام هل في إبلك من أورق فقال له نعم قال له ما ألوانها قال سود فقال ما السبب فقال الرجل لعل عرقا نزع فلم يعتبر الشبه

الثاني بقوله عليه السلام الولد للفراش ولم يفرق

الثالث أن خلق الولد مغيب عنا فجاز أن يخلق من رجلين وقد نص عليه بقراط في كتاب سماه الحمل على الحمل

الرابع ولأن الشبه لو كان معتبرا مع أنه قد يقع من الولد وجماعة لوجب إلحاقه بهم بسبب الشبه ولم يقولوا به

الخامس ولأن الشبه لو كان معتبرا لبطلت مشروعية اللعان واكتفي به

السادس أنه لا حكم له مع الفراش فلا يكون معتبرا عند عدمه كغيره

السابع أن القيافة لو كانت علما لأمكن اكتسابه كسائر العلوم والصنائع

الثامن أنه حزر وتخمين فوجب أن يكون باطلا كأحكام النجوم والجواب عن الأول أن تلك الصورة ليست صورة النزاع لأنه كان صاحب فراش وإنما سأله عن اختلاف اللون فعرفه عليه السلام السبب ولأنا لا نقول

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الباب التاسع في بيان ما فيه تكون القسامة وصفتها وفيه وصلان الوصل الأول قال ابن رشد القسامة موجبة مع اللوث للقتل في العمد والدية في الخطأ ولا قسامة في الأطراف ولا في الجراح ولا في العبيد ولا في الكفار قال ابن فرحون اللوث بثاء مثلثة المراد الوجوه التي يقع بها التلويث والتلطيخ في الدماء وهي كثيرة ومع كثرتها لا يتوصل بها إلى التمكن من الدماء لعظم خطرها ورفيع قدرها فوجب الإعراض عنها إلا لمن فيها ماله قوة لأجل ما أضيف به من القرائن الحاملة على صدق مدعيه ولذلك اختلف العلماء في تعيين ما يقبل من ذلك فعند مالك رضي الله تعالى عنه عنه أن اللوث هو الشاهد العدل على معاينة القتل ووجه ذلك أن يقوي جهة المدعيين ولا تأثير في نقل اليمين إلى جهة المدعيين وأخذ ابن القاسم بما قاله مالك ووافقه ابن وهب وابن عبد الحكم وذكر ابن المواز عن ابن القاسم أن شهادة المرأتين لوث يوجب القسامة ولا يوجب ذلك شهادة امرأة واحدة وروى ابن المواز وأشهب أنه يقسم مع الشاهد غير العدل ومع المرأة قال ابن المواز عن أشهب ولم يختلف قول مالك وأصحابه أن العبد والذمي ليس بلوث

ووجهه رواية أشهب وهو اختياره أنه لوث فلم يعتبر فيه العدالة كالذي يقول دمي عند فلان فلا يشترط فيه العدالة بل يقبل قوله في العمد والخطأ ولو كان فاسقا وفي تنبيه الحكام لابن المناصف وروى أشهب عن مالك أن القسامة تجب بشهادة امرأة واحدة عدل وقيل تقسم مع جماعة النساء والصبيان والقوم ليسوا بعدول فإذا وقعت القسامة بشيء من هذا على القول فيه بالجواز استحق أولياء المقتول الدم قال ووجه ذلك أن القود إنما يجب بمجرد القسامة عند مالك ولا حكم للشاهد الواحد في

____________________

(4/222)

إن القيافة هي اعتبار الشبه كيفما كان والمناسبة كيف كانت بل شبه خاص ولذلك ألحقوا أسامة بن زيد مع سواده بأبيه الشديد البياض بل حقيقتها شبه خاص ولا معارضة بين الألوان وغيرها ولذلك لم يعرج مجزز على اختلاف الألوان وهذا الرجل لم يذكر إلا مجرد اللون فليس فيه شرط القيافة حتى يدل إلغاؤه على إلغاء القيافة وعن الثاني أنه محمول على العادة والغالب وعن الثالث أنه خلاف العوائد وظواهر النصوص المتقدمة تأباه والشرع إنما يبني أحكامه على الغالب وبقراط تكلم على النادر فلا تعارض وعن الرابع أن الحكم ليس مضافا لما يشاهد من شبه الإنسان لجميع الناس وإنما يضاف لشبه خاص يعرفه أهل القيافة وعن الخامس أن القيافة إنما تكون من حيث يستوي الفراشان واللعان يكون لما يشاهد الزوج فهما بابان متباينان لا يسد أحدهما مسد الآخر وعن السادس الفرق بأن وجود الفراش وحده سالما عن المعارض يقتضي استقلاله بخلاف تعارض الفراشين وعن السابع أنه قوة في النفس وقوى النفس وخواصها لا يمكن اكتسابها كالعين التي يصاب بها فتدخل الجمل القدر والرجل القبر وغير ذلك مما دل الوجود عليه من الخواص فالقيافة كذلك حتى يتعذر اكتسابها

وعن الثامن أنه لو ثبتت أحكام النجوم كما ثبتت القيافة وأن الله تعالى ربط بها أحكاما لاعتبرت في تلك الأحوال المرتبطة بها كما اعتبرت الشمس في الفصول ونضج الثمار وتجفيف الحبوب

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

ثبوت القود وإن كان عدلا لأنه من حقوق الأبدان التي لا تستحق بالشاهد واليمين وإنما الواحد لوث ولطخ بقوى الدعوى في إباحة القسامة لا على جهة الشاهد واليمين الذي في حقوق الأموال ولذلك لا يقبل في قسامة العمد إلا رجلان فصاعدا أو لا مدخل فيها لنساء ولا حكم للواحد لأنهما أقيما في ثبوت الحق بإثباتهما مقام الشاهدين بخلاف القسامة في الخطأ لأنه مال فإذا أثبت أن شهادة الواحد في ذلك لوث لأنصف شهادة تكمل باليمين فكذلك قد يكون اللوث بغير العدل وباللفيف من النساء والصبيان لأنه لطخ لا شهادة والقسامة في هذا الباب أصل مخصص لنفسه لا يعترض عليه بغيره على ما وردت به السنة بخلاف سائر الحقوق

والأصح أن لا تجب القسامة بشيء من ذلك ولا يراق دم مسلم بغير العدول وذكر القاضي أبو محمد في المعونة أن من أصحابنا من يجعل شهادة العبيد والصبيان لوثا وبه قال ابن ربيعة ويحيى بن سعيد وهذا حكم القتل على غير وجه الغيلة أما قتل الغيلة فقال ابن المواز إن شهد عدل أنه قتله غيلة لم يقسم مع شهادته ولا يقبل في هذا إلا شاهدان نعم قال أبو محمد رأيت ليحيى بن عمر أن يقسم معه من المنتقى للباجي ا ه المراد

الوصل الثاني في التبصرة صفة القسامة أن يحلف الأولياء خمسين يمينا أن فلانا قتل ولينا فلانا أو أنه ضربه ومن ضربه مات إن كان قد عاش بعد ذلك ويقتصر على قوله بالله الذي لا إله غيره

وقال المغيرة يزيد الرحمن الرحيم ويحلفون في المدينة النبوية عند المنبر وفي غيرها بالجامع قياسا دبر الصلاة بمحضر الناس ويؤتى إلى المساجد الثلاثة من مسيرة عشرة أيام وإلى سائر الأمصار من مسيرة عشرة أميال ويحلف في العمد من له القصاص من الرجال المكلفين وفي الخطأ المكلفون من الورثة

____________________

(4/223)

والكسوفات وأوقات الصلوات وغير ذلك مما هو معتبر من أحكام النجوم وإنما ألغي منها ما هو كذب وافتراء على الله تعالى من ربط الشقاوة والسعادة والأمانة والإحياء بمثلثها وتربيعها أو غير ذلك مما لم يصح فيها ولو صح لقلنا به والقيافة صحت بما تقدم من الأحاديث والآثار

الحجة السادسة عشرة القمط وشواهد الحيطان قال بها مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وجماعة من العلماء وفيه مسألتان المسألة الأولى قال ابن أبي زيد في النوادر قال أشهب إذا تداعيا جدارا متصلا ببناء أحدهما وعليه جذوع للآخر فهو لمن اتصل ببنائه

ولصاحب الجذوع موضع جذوعه لأنه جوزه ويقضي بالجدار لمن إليه عقود الأربطة وللآخر موضع جذوعه وإن كان لأحدهما عليه عشر خشبات وللآخر خمس خشبات ولا ربط ولا غير ذلك فهو بينهما نصفان لا على عدد الخشب وبقيت خشباتهما بحالها وإذا انكسرت خشب أحدهما رد مثل ما كان ولا يجعل لكل واحد ما تحت خشبه منه ولو كان عقده لأحدهما من ثلاثة مواضع وللآخر من موضع قسم بينهما على عدد العقود وإن لم يعقد لواحد ولأحدهما عليه خشب معقودة بعقد البناء أو مثقوبة فعقد البناء يوجب ملك الحائط لأنه في العادة إنما يكون للمالك وقيل لا يوجبه وقال في المثقوبة نظر

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

رجالا ونساء على قدر ميراثهم ولا قسامة فيمن ليس له وارث إذ تحليف بيت المال غير ممكن ولا قسامة إلا بنسب أو ولاء ولا يقسم من القبيلة إلا من التقي معه في نسب ثابت ولا يقسم المولى الأسفل ولكن ترد الأيمان على المدعى عليه فيحلف خمسين يمينا فإن نكل سجن أبدا حتى يحلف أو يموت ا ه المراد منها فانظرها في الأصل وأيمان القسامة متفق عليها أيضا من حيث الجملة ا ه وسلمه ابن الشاط والله أعلم الباب العاشر في بيان ما تكون فيه الحجة الحادية عشر والخلاف في قبولها ودليله وفيه وصلان الوصل الأول في التبصرة القضاء بقول امرأتين بانفرادهما فيما لا يطلع عليه إلا النساء كالولادة والبكارة والثيوبة والحيض والحمل والسقط والاستهلال والرضاع وإرخاء الستور وعيوب الحرائر والإماء وفي كل ما تحت ثيابهن ووجه ذلك أنه لما كانت هذه الأمور مما لا يحضرها الرجال ولا يطلعون عليها أقيم فيها النساء مقام الرجال للضرورة قال وتجوز القسامة مع شهادة امرأتين على أحد الأقوال فيما تجوز معه القسامة قال وأما شهادتهن فيما يقع بينهن في المأتم والحمام من الجراح والقتل ففي ذلك خلاف والأصل الجواز للضرورة كالصبيان فيما يقع بينهم من ذلك قال ابن المناصف وكذلك إن لم يكونا عدلين لأنه موضع لا يحضره العدول ورأي اللخمي أن يقسم معهما في القتل ثم يقاد ويحلف في الجراح ثم يقتص قال وإن عدل منهن في ذلك اثنتان قيد في القتل بغير قسامة واقتص في الجراح بغير يمين فنحا بهن منحى الرجال والصحيح أن شهادة النساء بعضهن على بعض في المواضع التي لا يحضرها الرجال كما لحمام العرس والمآتم وما أشبه ذلك ولا تجوز فيما يقع بينهن من الجراح

____________________

(4/224)

لأنها طارئة على الحائط والكوى كعقد البناء توجب الملك وكوى الضوء المنفوذة لا دليل فيها قال ابن عبد الحكم إذا لم يكن لأحدهما عقد وللآخر عليه خشب ولو واحدة فهو له وإن لم يكن إلا كوى غير منفوذة أوجبت الملك وإن لم يكن الأخص القصب لأحدهما والقصب والطوب سواه قلت المدرك في هذه الفتاوى كلها شواهد العادات فمن ثبتت عنده عادة قضى بها وإن اختلفت العوائد في الأمصار والأعصار وجب اختلاف هذه الأحكام فإن القاعدة المجمع عليها أن كل حكم مبني على عادة إذا تغيرت العادة تغير كالنقود ومنافع الأعيان وغيرهما المسألة الثانية قال بعض العلماء إذا تنازعا حائطا مبيضا هل هو منعطف لدارك أو لداره فأمر الحاكم بكشف البياض لينظر إن جعلت الأجرة في الكشف عليه فمشكل لأن الحق قد يكون لخصمك والأجرة ينبغي أن تكون على من يقع له العمل ونفعه ولا يمكن أن تقع الإجارة على من يثبت له الملك لأنكما جزمتما بالملكية فما وقعت الإجارة إلا جازمة

وكذلك القائف لو امتنع إلا بأجر قال ويمكن أن يقال يلزم الحاكم كل واحد منهما باستجارة ويلزم الأجرة في الأخير لمن يثبت له ذلك الحق كما يحلف في اللعان وغيره وأحدهما كاذب

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

والقتل لأن الغالب عدم ضرورتهن إلى الاجتماع في ذلك وقيل تجوز لحاجتهن إلى ذلك قاله ابن رشد قال ولم يزل النساء يجمعهن في الأعراس والمآتم في زمنه صلى الله عليه وسلم وهلم جرا فإذا لم يقبل قول بعضهن على بعض ذهبت دماؤهن وفي الإملاء على الجلاب المقيد عن ابن زيد البرناسي قال وهذا إذا كان في العرس المباح الذي لا يختلط فيه الرجال مع النساء ولم يكن هناك منكر بين وكان دخولهن الحمام بالمئزر في هذه مسألة الخلاف

وأما إذا كن في الحمام بغير مئزر وفي الأعراس التي يمتزج فيه الرجال والنساء فلا يختلف في المذهب أن شهادة بعضهن لبعض لا تقبل وكذلك المأتم لا يحصل حضوره إذا كان فيه نوح وما أشبه ذلك مما حرمه الشارع لأن بحضورهن في هذه المواضع تسقط عدالتهن والله تعالى اشترط العدالة في الرجال والنساء بقوله تعالى ممن ترضون من الشهداء ا ه المراد فانظرها والله أعلم الوصل الثاني في الأصل وقع خلاف الأئمة لنا في قبول شهادة النساء وعدم قبولها في ثلاث مسائل المسألة الأولى خالفنا أبو حنيفة في قبول النساء منفردات في الرضاع ولنا أنه معنى لا يطلع عليه الرجال غالبا فتجوز منفردات كالولادة والاستهلال المسألة الثانية خالفنا الشافعي في قبول المرأتين فيما ينفردان فيه وقال لا بد من أربع وقال أبو حنيفة إن كانت الشهادة ما بين السرة والركبة قبلت فيه واحدة وقبل أحمد بن حنبل واحدة مطلقا فيما لا يطلع عليه الرجال وعندنا لا بد من اثنتين مطلقا ويكفيان لنا وجهان الأول أن كل جنس قبلت شهادته في شيء على الانفراد كفى منه اثنان ولا يكفي منه واحد كالرجل في سائر الحقوق الثاني أن شهادة الرجال أقوى وأكثر ولم يكف واحد فالنساء أولى

____________________

(4/225)

الحجة السابعة عشرة اليد وهي يرجح بها ويبقى المدعي به لصاحبها ولا يقضى له بملك بل يرجح التعدي فقط وترجح إحدى البينتين وغيرهما من الحجاج وهي للترجيح لا للقضاء بالملك فهذه هي الحجج التي يقضي بها الحاكم وما عداها لا يجوز القضاء به في القضاء

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وأما الوجوه التي احتجوا بها فأربعة الأول ما روى عقبة بن الحارث قال تزوجت أم يحيى بنت أبي إيهاب فأتت أم سورة فقالت أرضعتكما فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فأعرض عني ثم أتيته فقلت يا رسول الله إنها كاذبة قال كيف وقد علمت وزعمت ذلك متفق على صحته وجوابه أنه حجة لنا فإن أمره صلى الله عليه وسلم فيه بطريق الفتيا لا بطريق الحكم والإلزام لأمرين الأول أن معناه أن أخبار الواحد يفيد الظن والقاعدة أن من غلب على ظنه تحريم شيء بطريق من الطرق كان ذلك الطريق يفضي إلى الحكم أم لا فإن ذلك الشيء يحرم عليه فمن غلب على ظنه طلوع الفجر في رمضان حرم عليه الأكل أو أن الطعام نجس حرم عليه أكله ونحو ذلك الأمر الثاني أن المرأة الواحدة لو كفت في كمال الحجة لأمره بالتفريق من أول مرة كما لو شهد عدلان لأن التنفيذ عند كمال الحجة واجب على الفور لا سيما في استباحة الفروج فلا يدل ذلك على أن الواحدة كافية في الحكم بل على أن معناه ما علمت الوجه الثاني ما روي عن علي أنه قبل شهادة القابلة وحدها في الاستهلال وجوابه أنه معارض بأدلتنا المتقدمة فيحمل على الفتيا جمعا بين الأدلة الوجه الثالث ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في الرضاع شهادة امرأة واحدة تجزئ وجوابه أنه معارض كذلك بأدلتنا فيحمل على الفتيا إلخ الوجه الرابع القياس على الرواية وجوابه الفرق بينهما بأن الرواية تثبت حكما عاما في الأمصار والأعصار لا على معين فليست مظنة العداوة فلا يشترط فيها العدد فتقبل الواحدة في الرواية ولا تقبل في الشهادة اتفاقا

المسألة الثالثة قال مالك والشافعي وابن حنبل لا يقبل النساء في أحكام الأبدان وقال أبو حنيفة يقبل في أحكام الأبدان شاهد وامرأتان إلا في الجراح الموجبة للقود في النفوس والأطراف لنا وجوه الأول قوله تعالى في مسائل المداينات فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان فكان كل ما يتعلق بالمال مثله ومفهومه أنه لا يجوز في غيره فلا تجوز في أحكام الأبدان الثاني قوله تعالى في الطلاق والرجعة وأشهدوا ذوي عدل منكم الآية وهو حكم بدني فكانت الأحكام البدنية كلها كذلك إلا موضع لا يطلع عليه الرجال للضرورة في ذلك الثالث قوله عليه السلام لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل وهو حكم بدني فكانت الأحكام البدنية كلها كذلك وأما الوجوه التي احتجوا بها فثمانية الأول قوله تعالى واستشهدوا شهيدين من رجالكم الآية فأقام المرأتين والرجل مقام الرجلين في ذلك مطلقا لا عند عدم الشاهدين فقط إذ لا يصح الحمل عليه لجوازهما مع وجود الشاهدين إجماعا فتعين أنهما يقومان مقامهما فيكونان مرادين لقوله صلى الله عليه وسلم وشاهدي عدل لوجود الاسم وجوابه أن معنى الآية أنهما يقومان مقام الرجل في الحكم بدليل الرفع في لفظ رجل وامرأتين وليس معناها ما ذكرتم وإلا لقال فرجلا وامرأتين بالنصب لأنه خبر كان ويكون التقدير فإن لم يكن الشاهدان رجلين يكونا رجلا وامرأتين فلما رفع على الابتداء كان تقديره فرجل وامرأتان يقومان مقام الشاهدين بحذف الخبر الوجه الثاني قوله تعالى فرجل وامرأتان أطلق وما خص موضعا فيعم

____________________

(4/226)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

جوابه أن آخر الآية مرتبط بأولها وأولها إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ثم قال تعالى وأشهدوا إذا تبايعتم على أنا لو سلمنا العموم خصصناه بالقياس على جراح القود بجامع عدم قبولهن منفردات ولأن الحدود أعلاها الزنا وأدناها السرقة ولم يقبل في أحدهما ما يقبل في الآخر فكذلك الأبدان أعلى من الأموال فلا يقبل فيها ما يقبل في الأموال ولأن القتل وحد القطع في السرقة وحد الخمر ليس ثبتا بالنص ولا بالقياس على الزنا لعدم اشتراط أربعة فيه ولا بالقياس على الأموال لأنها لا تثبت بالنساء فتعين قياسها على الطلاق والوجه الثالث أنها أمور لا تسقط بالشبهات فتقبل فيها النساء كالأموال وجوابه الفرق بينهما بأن أحكام الأبدان أعظم رتبة لأن الطلاق ونحوه لا يقبلن فيه منفردات فلا يقبلن فيه مطلقا كالقصاص ولأنا وجدنا النكاح آكد من الأموال لاشتراط الولاية فيه ولم يدخله الأجل والخيار والهبة والوجه الرابع أن النكاح والرجعة عقد منافع فيقبل فيهما النساء كالإجارات وجوابه أن المقصود من الإجارة المال والوجه الخامس أن الخيار والآجال ليست أموالا ويقبل فيهما النساء فكذلك بقية صور النزاع وجوابه أن المقصود منهما أيضا المال بدليل أن الأجل والخيار لا يثبتان إلا في موضع فيه المال والوجه السادس أن الطلاق رافع لعقد سابق فأشبه الإقالة وجوابه أن مقصود الطلاق غير المال ومقصود الإقالة المال على أن حل عقد لا يثبت بالنساء والنكول والوجه السابع أنه أي الطلاق يتعلق به تحريم كالرضاع والوجه الثامن أن العتق إزالة ملك كالبيع وجوابه أن الرضاع يثبت بالنساء منفردات بخلاف الطلاق والعتق وأيضا مآل العتق إلى غير ملك بخلاف البيع ا ه كلام الأصل وسلمه أبو القاسم بن الشاط والله أعلم الباب الحادي عشر في بيان ما تكون فيه الحجة الثانية عشرة وكونها دافعة أو جالبة ودليل قبولها وفيه وصلان الوصل الأول في تبصرة ابن فرحون القضاء بالتحالف من الجهتين فيقضي لكل واحد منهما بيمينه وينقسم المدعى فيه بينهما أو يفسخ عن كل واحد منهما ما لزمه بموجب العقد بيمينه والحكم بالفسخ بينهما يدخل في أبواب كثيرة منهما اختلاف المتبايعين واختلافهما يرجع إلى ثمانية عشر نوعا يقع التحالف في أحد عشر نوعا النوع الأول أن يختلفا في جنس الثمن فيقول أحدهما هذه دنانير ويقول الآخر ثوب فإنهما يتحالفان ويتفاسخان إذ ليس تصديق أحدهما بأولى من الآخر ويرد المبتاع قيمة السلعة عند الفوات نعم في مفيد الحكام القول قول مدعي البيع أو الشراء بالنقد مع يمينه وعلى الآخر البينة لأن الدراهم هي الأثمان وبها يقع البيع النوع الثاني أن يختلفا في نوع الثمن فيقول أحدهما هو قمح ويقول الآخر هو شعير فإنهما يتحالفان ويتفاسخا النوع الثالث أن يختلفا في مقدار الثمن فيقول أحدهما بعشرين ويقول الآخر بعشرة ولا خلاف أنهما يتحالفان ويتفاسخان ما لم يقبض المشتري السلعة إذ لا مزية لأحدهما على الآخر وإذا ترجحت دعوى المشتري بقبض السلعة ففيها أربع روايات أحدهما أن المشتري يصدق في الثمن مع يمينه لقوة اليد الثانية أنهما يتحالفان ويتفاسخان وأن قبضهما ما لم يبن بها ويصدق حينئذ بالبينونة والروايتان لابن وهب الثالثة أنهما يتحالفان ويتفاسخان وإن قبضها وبان بها ما لم تفت بتغير سوق أو بدن فيكون القول قول المشتري وهي رواية ابن القاسم في المدونة وبها أخذ الرابعة أنهما يتحالفان ويتفاسخان وإن فاتت في يد المشتري ويرد القيمة بدل العين وهي رواية أشهب وبها أخذ

وقال المازري وبهذه الرواية كان يفتي شيخنا وأنا أفتي به أيضا قال ابن رشد

____________________

(4/227)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وإنما يرد القيمة ما لم تكن أقل أو أكثر وحيث قلنا بالتحالف فالبداءة بالبائع وقيل بالمشتري وقيل يقرع بينهما فلو تناكلا فقال ابن القاسم يفسخ كما إذا تحالفا

وقال ابن حبيب يمضي العقد بما قال البائع وإذا فرعنا على قول ابن القاسم فهل لأحدهما أن يلزم صاحبه البيع بما ذكر قولان وإذ قلنا بقول ابن حبيب فهل يفتقر البائع إلى يمين أم لا قولان وهل ينفسخ البيع بتمام التحالف أو يفتقر إلى الحكم قولان الأول قول سحنون والثاني قول ابن القاسم وابن عبد الحكم وثمرة الخلاف إن رضي أحدهما بقول الآخر فعلى قول ابن القاسم له ذلك وعلى قول سحنون ليس له ذلك وقال بعض القرويين إن تحالفا بأمر القاضي فلا بد من الحكم وإلا انفسخ بتمام التحالف النوع الرابع إذا اختلفا في تعجيل الثمن وتأجيله فقال البائع بعت بنقد وقال المشتري بل بنسيئة القول قول من ادعى العرف مع يمين فإن لم يكن لتلك السلعة عرف فقال القاسم يتحالفان ويتفاسخان وقال ابن وهب إن كانت السلعة بيد البائع فهو مصدق مع يمين وإن قبضها المبتاع صدق مع يمين وإن ادعى ما يشبه وقيل إن ادعى المبتاع أجلا قريبا يتحالفان ويتفاسخان إن كانت السلعة قائمة ويكون القول قول المشتري مع الفوات وإن ادعى أجلا بعيدا فالقول قول البائع وإن اتفقا على الأجل واختلفا في قدره فالقول قول المبتاع مع الفوات ويتحالفان ويتفاسخان إن كانت السلعة قائمة وإن اتفقا على الأجل واختلفا في انقضائه فالأصل عدم الانقضاء فيكون القول قول مدعيه مع يمين النوع الخامس إذا اختلفا في الخيار والبت فقال ابن القاسم القول قول المدعي البت مع يمين وقال أشهب القول قول مدعي الخيار وقيل يجري فيه الخلاف الذي تقدم اختلافهما في مقدار الثمن فإن ادعى كل واحد منهما أنه اشترط الخيار لنفسه دون الآخر فاختلف هل يتحالفان ويتفاسخان أو يتحالفان ويثبت البيع قولان لابن القاسم النوع السادس اختلافهما في الرهن والحميل وذلك كاختلافهما في قدر الثمن لأن الثمن يزيد مع نقدهما فينقص مع وجودهما النوع السابع إذا اختلفا في عين المبيع فلا يخلو أن يختلفا في ذلك قبل القبض أو بعده فإن اختلفا فيه قبل القبض فقال البائع بعت منك هذا الثوب وقال المبتاع بل هذا تحالفا وتفاسخا وإن اختلفا فيه بعد القبض فالقول في ذلك قول البائع مع يمين وكذلك لو قال رددته عليك بعد التحالف والتفاسخ لأن الأصل أنه من ضمان المبتاع فلا يزال في ضمانه حتى يقر له البائع بالقبض أو تقوم له البينة النوع الثامن إذا اختلفا في قدر المثمون في بيع النقد وفيه الأقوال المتقدمة في اختلافهما في قدر الثمن ذكره المازري النوع التاسع إذا اختلفا في قدر المسلم فيه فحكى ابن يونس عن ابن المواز أنهما إذا اختلفا في القدر بالقرب من عقد السلم تحالفا وتفاسخا وإن اختلفا في ذلك عند حلول الأجل فالقول قول المسلم إليه مع يمينه إن أتى بما لا يشبه وإن أتى بما لا يشبه فالقول قول المسلم إليه فيما يشبه قال محمد فإن أتيا بما لا يشبه حملا على الوسط مما يشبه من سلم الناس النوع العاشر إذا اختلفا في الجودة فقال رب السلم سمراء وقال المسلم إليه محمولة فقال ابن حبيب القول قول المسلم إليه وقال فضل بن سلمة يتحالفان ويتفاسخان النوع الحادي عشر إذا اختلفا في موضع القضاء صدق مدعي موضع العقد فإن لم يدعه واحد منهما فالقول قول المسلم إليه فإن تباعد قولهما وأتيا بما لا يشبه تحالفا وتفاسخا وذلك إذا تباعدت المواضع جدا حتى لا يشبه قول واحد منهما

____________________

(4/228)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

ومما يجري فيه التحالف والتفاسخ اختلاف المتكاريين في الدور والأرضين والدواب في مقدار الأجرة أو في جنسها أو في مدة الإجارة فالحكم في ذلك كاختلاف المتبايعين في التحالف والتفاسخ ومن ذلك اختلاف رب الحائط وعامل المساقات في غلمان الحائط والدواب فقال العامل كانوا فيه وأنكر رب الحائط فإنهما يتحالفان ويتفاسخان وكذلك إذا اختلفا في جزء المساقاة قبل العمل تحالفا وتفاسخا ومن ذلك أيضا اختلاف الدائن والمدين الذي عليه دينان أحدهما برهن والآخر بغير رهن فقضى أحدهما في أن الذي قضاه أي واحد منهما فقال رب الدين هو الذي ليس فيه رهن وقال المطلوب هو الذي فيه الرهن تحالفا وقسم ذلك بين الحقين وهذا إذا ادعيا أنهما بينا ذلك عند دفع الحق وأما لو دفعه المطلوب ولم يذكر شيئا فلم يختلف أنه يقسم إذا كانا حالين أو مؤجلين لاستوائهما وإلا فالقول قول من ادعى أنه من الحال ومن ذلك أيضا اختلاف الزوجين في نوع الصداق وعدده قبل البناء من غير موت ولا طلاق فإنهما يتحالفان ويتفاسخان ووجب صداق المثل ومن ذلك ما إذا تنازعا دارا ليست في أيدهما قسمت بينهما بعد إيمانهم ا ه كلام ابن فرحون بتصرف

وقوله ليست في أيديهما أي بأن كانت في يد ثالث قال هي لا تعدوهما وقوله قسمت بينهما بعد إيمانهما أي في الصورة المذكورة بسبب إقرار الثالث لهما سواء كانت دعوى كل منهما مجردة عن البينات أو مع البينات المستوية وكذا إذا كانت بأيديهما كانت دعوى كل مجردة أو مع البينات المستوية ففي كل صورة من هذه الصور الأربع يقضي لكل بمجرد يمينه لوجود الترجيح باليمين وأما إذا كانت في يد ثالث لم يقل ما ذكر فإن أقر لهما على نسبة اتفقا عليها قسم بينهما بغير يمين وإن قال لا أعلم هي لهما أو لغيرهما فهو موضع نظر وتوقف كما في الأصل

وقاله ابن الشاط والله أعلم الوصل الثاني في الأصل قال الشافعي رضي الله عنه هذه الحجة أقل حجة في الشريعة بسبب أنا لم نجد مرجحا عند الاستواء إلا اليمين فقلنا بالترجيح به لقوله عليه السلام أمرت أن أقضي بالظاهر والله متولي السرائر وهذا قد صار ظاهرا باليمين فيقضى به لصاحبه قال الأصل ولأنها إن كانت في أيديهما أو أقر الثالث بأنها لا تعدوهما كان كل واحد منهما يده على النصف أو له النصف بإقرار الثالث فتدفع عنه بيمينه كما تدفع يمين سائر من ادعى عليه فتندرج هذه اليمين في قوله عليه السلام البينة على من ادعى واليمين على من أنكر

وقوله عليه السلام شاهداك أو يمينه لأن المراد في هذه الأحاديث اليمين الدافعة وهي هذه بعينها وليست هي الجالبة التي تقضي بالملك كما اعتقد كثير من الفقهاء ا ه كلام الأصل وسلمه ابن الشاط وقال ابن فرحون والأصل في جريان التحالف والتفاسخ من المتبايعين في الأنواع المذكورة حديث إذا اختلف المتبايعان تحالفا وتفاسخا ا ه والله سبحانه وتعالى أعلم

الباب الثاني عشر في بيان حقيقة الإقرار وحكمه وأركانه في تبصرة ابن فرحون قال ابن رشد حقيقة الإقرار الإخبار عن أمر يتعلق به حق للغير وحكمه اللزوم وهو أبلغ من الشهادة قال أشهب قول كل أحد على نفسه أوجب من دعواه على غيره

ومن لم يجز إقراره على نفسه من صغير وشبهه لم يجز شهادته على غيره

____________________

(4/229)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وللأول أركان أربعة الصيغة والمقر والمقر له والمقر به فالركن الأول وهي الصيغة نوعان الأول لفظ يدل بلا خفاء على توجه الحق قبل المقر والنوع الثاني ما يقوم مقامه من الإشارة والكتابة والسكوت فأما الإشارة فمن الأبكم ومن المريض فإذا قيل للمريض لفلان عندك كذا فأشار برأسه أن نعم فهذا إقرار إذا فهم عنه مراده وأما الكتابة فهي مثل أن يكتب بمحضر قوم ويقول اشهدوا علي بما فيه فذلك لازم له وإن لم يقرأه عليهم أو يكتب أو على رسالة لرجل غائب بطلاق وغيره كذلك على كذا ويعترف أو تقوم البينة أنه كتبه أو أملاه فيلزمه كل ما فيه من طلاق وغيره خلا الحدود فله أن يرجع عن الحد نعم يؤخذ بغرم السرقة ولا يحد أو يكتب في الأرض لفلان علي كذا ويقول اشهدوا علي بهذا فيلزمه فإن لم يقل اشهدوا لم يلزمه في هذا ويلزمه مطلقا إذا كتب ذلك في صحيفة أو لوح أو خرقة إن شهد أنه خطه وأما السكوت فكالميت تباع تركته وتقسم وغريمه حاضر ساكت لم يقم فلا قيام له إلا أن يكون له عذر قال ابن القاسم وكمن أتى إلى قوم فقال اشهدوا أن لي كذا وكذا على هذا الرجل والرجل ساكت ولم يسأله الشهود عن شيء فلما طولب أنكر قال بل يلزمه سكوته

وأما من سئل عند موته هل لأحد عندك شيء فقال لا قيل له ولا لامرأتك فقال لا والمرأة ساكتة وهي تسمع فقال ابن القاسم إنها تحلف أن حقها عليه تريد إلى الآن وتأخذه إن قامت لها به بينة ولا يضرها سكوتها من المذهب لابن رشد وكذا من قال لرجل فلان الساكن في منزلك لم أسكنته فقال أسكنته بلا كراء والساكن يسمع ولا ينكر ولا يغير ثم ادعى أن المنزل له

قال ابن القاسم لا يقطع بسكوته دعواه إن أقام البينة أن المنزل له ويحلف لأنه يقول ظننته يداعبه فرعان الأول في أحكام ابن سهل قال مالك في الرجل يقر لقوم أن أباهم أسلفه مالا وأنه قد قضاه إياه أنه إن كان أمد ذلك قريبا والزمن غير متطاول لم يصدق إلا ببينة على القضاء وإن تطاول زمان ذلك حلف المقر وكان القول قوله ولم يحد الطول فانظره الفرع الثاني وثائق أبي إسحاق الغرناطي من أقر لرجل أنه لا حق له عليه برئ من الحقوق الواجبة من الضمانات والديون وإن أقر أنه لا حق له عنده أو قبله برئ من الضمانات والأمانات والركن الثاني وهو المقر له ثلاثة أحوال الحالة الأولى أن يقر على نفسه وهو رشيد طائع فإن أقر بمال أو بقصاص لزمه ولا ينفعه الرجوع وإن أقر بما يوجب عليه الحد كالزنا والسرقة فله الرجوع لكن يلزمه الصداق والمال فلو كان مكرها لم يلزمه ولو كان محجورا عليه فإن كان لحق نفسه كالمجنون والصغير لم يلزمه إلا أن يدعي الصغير أنه احتلم في وقت إمكانه إذ لا يعرف إلا من جهته

وإن كان لحق غير كالمفلس والعبد والمريض فأحكام إقرارهم مشهورة مبسوطة في كتب الفقه الحالة الثانية أن يقر على غيره فإن كان سببه منه كقتل الخطأ وجراح الخطأ التي فيها ثلث الدية فإقراره غير لازم أما ما فيها دون ثلثها فتلزمه في ما له وإن لم يكن سببه منه كإقراره في عبد زيد أنه لعمرو فلا يقبل إقراره الحالة الثالثة أن يقر على نفسه وغيره فيقبل في حق نفسه ويكون شاهدا لغيره فلو قال لفلان علي وعلى فلان ألف درهم فعليه النصف ويحلف

____________________

(4/230)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الطالب معه فإن نكل أو كان غير عدل فلا شيء للطالب غير النصف ولم يذكر الأصل إلا الحالة الأولى والثانية وقسم الأولى إلى ما يؤثر فيه الإقرار ويقضي فيه بالملك وما يؤثر ولا يقضي فيه بمجرد التسليم فقال من أقر لغيره بحق أو عين قضى عليه بإقراره كان المقر برا أو فاجرا فإن كان المقر به في الذمة كالدين أو عينا أقر بها من سلم أخذت منه وقضى في جميع ذلك بالملك للمقر له وإن كان المقر به عينا قضى على المقر بتسليمها للمقر له إن كانت في يد المقر ولا يقضى بالملك بل بإلزام التسليم لاحتمال أن تكون الثالث وإن كان المقر به بيد الغير لم يقض به لأنه إنما يؤثر الإقرار فيما في يد المقر وينتقل بيده يوما من الدهر فيقضى عليه حينئذ بموجب إقراره ا ه وسلمه ابن الشاط الركن الثالث وهو المقر له يشترط فيه شرطان أحدهما أن يكون أهلا للاستحقاق فلا يصح الإقرار للجماد والحيوان وثانيهما أن لا يكذب المقر وإلا فلا يصح الإقرار ولو رجع عن تكذيبه لم يفده رجوعه إلا أن يرجع المقر إلى الإقرار والركن الرابع وهو المقر به ضربان نسب ومال فالأول هو الاستلحاق ومسائله مشهورة والثاني مطلق ومقيد فالمطلق ما صدر غير مقترن بما يقيده أو يرفع حكمه أو حكم بعضه والمقيد عشرة أنواع لأنه إما أن يقيد بالمحل أو بالعلم أو بالغاية أو بالخيار أو بالشرط أو بالاستثناء أو بكونه على جهة الشكر أو الذم أو الاعتذار أو بتعقيبه بما يبطله فالمحل كقوله غصبت فلانا ثوبا في منديل فقال سحنون يؤخذ بالثوب والمنديل ويصدق في صفتهما وقال ابن عبد الحكم لا يلزمه المنديل والعلم كقوله له علي ألف درهم فيما أعلم أو فيما أظن أو فيما حسبت أو فيما رأيت فقال سحنون هو إقرار وقال ابن المواز وابن عبد الحكم إذا قال فيما أعلم أو في علمي أو فيما يحضرني فهو شك لا يلزم والغاية كقوله علي ما بين درهم إلى مائتي درهم فيلزمه مائة وتسعة وتسعون وكقوله على ما بين درهم إلى عشر فيلزمه تسعة

وقيل يلزمه عشرة أي بناء على دخول الغاية وكذلك قوله من درهم إلى ثلاثة فيلزمه ثلاثة والخيار كقوله له علي ألف درهم على أني بالخيار يومين أو ثلاثة فقيل يلزمه ويكون الخيار كالأجل وقيل الخيار باطل والشرط كقوله له علي مائة إن حلف أو إذا حلف أو متى حلف فقال المقر ما ظننت أنه يحلف لم يلزمه إقراره إجماعا والاستثناء لقوله له علي ألف إن شاء الله لزمه ولا ينفعه الاستثناء بالمشيئة وقال ابن عبد الحكم لا يلزمه لأنه أدخل ما يوجب الشك وكذا يلزمه إن قال إن قضى الله ذلك قال سحنون وقاله ابن المواز وابن عبد الحكم لا يلزمه ولو قال إلا أن يبدو لي أو إلا أن أرى غير ذلك لزمه

ولو قال له علي مائة إلا شيئا لزمه أحد وتسعون ومسائل هذا النوع مذكورة في محلها فلا نطيل بذكرها

والشكر مثل قوله اشهدوا أني قبضت من فلان مائة دينار كانت لي عليه وأحسن قضائي جزاه الله خيرا فقال الدافع إنما أسلفتها له فالذي قال أسلفتها له مصدق إلا أن يأتي الآخر ببينة أنه كان يتقاضاه في دينه قبل ذلك وقيل هو أي الآخر مصدق وإن كان إقراره بذلك في مجلس القاضي لم يصدق إلا ببينة وإن كان على وجه الحكاية لقوم صدق قال أصبغ عن ابن القاسم سمعت مالكا يقول في الإقرار بالسلف وقضائه على وجه الشكر والثناء لا يلزم المقر وهو مصدق فيما طال زمانه وإن كان فيما وقته قريب أخذ بإقراره

وقال مطرف وابن الماجشون كل من

____________________

(4/231)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

أقر بحق عند قوم في مساق حديث يحدثهم أو شكر شكر به أحدا فأثنى عليه به لما قدم من سلف أو غيره من الحقوق ثم ادعى المقر له ذلك وقال قد أسلفته كما ذكر ولم أقبض وقال الآخر قد قضيته وإنما ذكرت إحسانه إلي وأثنيت عليه به فلا يلزمه ذلك المقر به إذا كان على هذه الجهة ولا ينبغي للقوم أن يشهدوا بذلك فإن جهلوا وشهدوا بذلك على جهته وكان ساقه لم يجز للسلطان أن يأخذ به وهكذا سمعت مالكا يقول وجميع أصحابنا والذم كقوله كان لفلان علي دينار فأساء تقاضي ذلك لا جزاه الله خيرا وقد دفعته له فقال الآخر ما تقاضيت منك شيئا فإن المقر يغرم الدينار قاله ابن القاسم وليس هذا عندي كالمقر على الشكر

وقال ابن الماجشون فيمن قال لقوم أسلفني فلان مائة دينار وقضيته إياها أنه مصدق ولو قالها عند سلطان لم يصدق إلا ببينة قال ابن حبيب إن ما كان من أمر جره الحديث والإخبار عن حال الشكر والذم فلا يأخذ به أحد بخلاف الإقرار في موضع القضاء والاعتذار مثل أن يقول للسلطان في الجارية ولدت مني أو العبد مدبر لئلا يأخذهما منه فلا يلزمه ذلك كذلك لو سأله ابن عمه منزلا فقال هو لزوجتي ثم سأله فيه ثان وثالث من بني عمه وهو يقول ذلك فقامت امرأته بذلك فقال إنما قلته اعتذار قال مالك لا شيء لها

وقد روى ابن القاسم فيمن سئل أن يكري منزله فقال وهو لابنتي حتى أشاورها ثم مات فقامت الابنة فيه قال لا ينفعها ذلك إلا أن تكون حازت ذلك ولها على الصدقة والحيازة بينة قيل له ولو كانت صغيرة قال ليس لها شيء قد يتعذر بهذا يريد منعه وفي وثائق الغرناطي ومن سئل عن شيء فقال هو لفلان لم يلزمه هذا الإقرار بخلاف ما إذا قال وهبته أو بعته من فلان فإنه يلزمه والرافع مثل أن يقر بشيء ثم يعقبه بما يبطله ويرفع حكمه فإنه يبطل إلا أن يخالفه المقر له مثل أن يقول له عندي ألف من ثمن خمر أو خنزير قال ابن شاس لا يلزمه شيء إلا أن يقول المقر له بل هي ثمن بر فيلزم يمين الطالب ا ه كلام ابن فرحون بتصرف وزيادة من الأصل

الباب الثالث عشر في بيان ما تكون فيه شهادة الصبيان والخلاف في قبولها ودليله وفيه وصلان

الوصل الأول في تبصرة ابن فرحون وفي قبول شهادة الصبيان في الجراح والقتل ثلاثة أقوال الجواز لمالك والمنع لابن عبد الحكم والجواز في الجراح دون القتل قاله أشهب وعلى الجواز فإنما تجوز بأحد عشر شرطا الأول أن يكون ممن يعقل الشهادة الثاني أن يكونا حرين قال مالك لا تجوز شهادة الصبيان المماليك بعضهم على بعض لأنهم ليسوا من جنس من يشهد

الثالث أن يكونا ذكرين نعم قد روي عن مالك رضي الله تعالى عنه جواز قبول شهادة إناث الأحرار اعتبارا بالبالغات في كونها لوثا في القسامة على إحدى الروايتين الرابع أن يكون محكوما لهما بالإسلام لأن الكافر لا يقبل في قتال ولا في جراح لأن الضرورة إنما دعت لإجماع الصبيان لأجل الكفار نعم قيل تقبل في الجراح لأنها شهادة ضعيفة فاقتصر فيها على أضعف الأمرين الخامس أن يكون ذلك فيما بين الصبيان لا لكبير على صغير ولا صغير على كبير السادس أن يكون اثنين فصاعدا لأنهم لا يكون حالهم أتم من الكبار السابع أن تكون الشهادة قبل تفرقهم لئلا يلقن الكذب الثامن أن تكون الشهادة متفقة غير مختلفة التاسع أن تكون الشهادة في قتل أو جرح على الخلاف المتقدم لا في الأموال العاشر أن لا يحضر ذلك أحد من الكبار فمتى حضر كبار فشهدوا سقط اعتبار شهادة الصبيان كان الكبار رجالا أو نساء لأن شهادة النساء تجوز

____________________

(4/232)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

في الخطأ وعمد الصبي كالخطأ الحادي عشر قال القرافي رأيت بعض المعتبرين من المالكية يقول لا بد من حضور الجسد المشهود بقتله وإلا فلا تسمع الشهادة ونقل عن ابن عطاء الله مؤلف البيان والقريب عن جماعة من الأصحاب أنه لا بد من شهادة العدول على رؤية الجسد المقتول ولا يلتفت إلى رجوعه عن شهادته بل ولو بلغوا وشكوا أخذ بقولهم الأول نعم إن قالوا لم تكن على وجهها ولم تكن قضى بها لم يقض بها ولا يعتبر في الصبيان العدالة والجرح واختلف في اعتبار القرابة والعدالة قال ابن القاسم لا تجوز شهادة القريب لقريبه قال محمد وعلى مذهبه فلا تجوز شهادة القريب العدو وأجازها عبد الملك وعلى مذهبه فيجوز مع القرابة مسألتان الأولى ستة صبية في البحر غرق واحد منهم فشهد ثلاثة على اثنين واثنان على ثلاثة أنهم غرقوه قال مالك رضي الله تعالى عنه العقل عليهم كلهم لأن كل واحد يدرأ عن نفسه وليس البعض أولى من البعض فلزمت الدية عواقلهم

المسألة الثانية إذا تعارض بينتان من الصبيان في شجة هل شجها فلان أو فلان سقطتا لأن كل فريق ينفي ما يثبته الآخر وأرش الشجة على جماعة الصبيان ا ه بتصرف وزيادة من الأصل الوصل الثاني في التبصرة وفي الأصل ما حاصله أن المنع من شهادة الصبيان هو الأصل وإليه ذهب الشافعي وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل وجماعة من العلماء وابن عباس من الصحابة والجواز لعلة الاضطرار إذ لو أهملوا الأذى ذلك إلى ضرر كبير وهدر جنايات تعظم ودليله وجهان الأول قوله تعالى وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة واجتماع الصبيان للتدريب على الحرب من أعظم الاستعداد ليكونوا كبارا أهلا لذلك ويحتاجون في ذلك لحمل السلاح حيث لا يكون معهم كبير وهدر دمائهم لا يجوز فتدعو الضرورة لقبول شهادتهم على الشروط المتقدمة والغالب مع تلك الشروط الصدق وندرة الكذب فتقدم المصلحة الغالبة على المفسدة النادرة لأنه دأب صاحب الشرع كما جوز الشرع شهادة النساء منفردات في الموضع الذي لا يطلع عليه الرجال ضرورة الوجه الثاني إنه قول جماعة من الصحابة منهم عمر بن الخطاب وعلي وعبد الله بن الزبير وعروة وربيعة ومعاوية رضي الله تعالى عنهم وأما الوجوه التي احتج بها على المنع فثمانية الأول قوله تعالى واستشهدوا شهيدين من رجالكم وهو يمنع شهادة غير البالغ والثاني قوله تعالى وأشهدوا ذوي عدل منكم والصبي ليس بعدل الثالث قوله تعالى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا وهو نهي ولا يتناول النهي الصبي فدل على أنه ليس من الشهداء والجواب عن الثلاثة أن هذه الظواهر عامة ودليلنا خاص فيقدم عليها على أن الأمر بالاستشهاد في الآية الأولى والثانية إنما يكون في المواضع التي يمكن إنشاء الشهادة فيها اختيارا لأن من شرط النهي الإمكان وهذا موضع ضرورة تقع فيه الشهادة بغتة فلا يتناول الأمر فيكون مسكوتا عنه على أن نمنع عدم اندراج الصبيان مع الرجال في الآية الأولى لاندراجهم معهم في قوله تعالى وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين والوجه الرابع أنه لا يعتبر إقراره فلا تعتبر شهادته والوجه الخامس أن الإقرار أوسع من الشهادة لقبوله من البر والفاجر فإذا كان لا يقبل فلا تقبل الشهادة والجواب عنهما أن إقرار الصبي إن كان في المال فنحن نسويه بالشهادة فإنهما لا يقبلان في المال أو في الدماء إن كانت عمدا أو عمد الصبي خطأ فيئول إلى الدية فيكون إقرارا على

____________________

(4/233)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

غيره فلا يقبل كالبالغ

والوجه السادس القياس على غير الجراح وجوابه الفرق بتعظيم حرمة الدماء بدليل قبول القسامة ولا يقسم على درهم والوجه السابع أنها لو قبلت لقبلت إذا افترقوا كالكبار وليس كذلك وجوابه أن الافتراق يحتمل التعليم والتغيير والصغير إذا خلي وسجيته لا يكاد يكذب والرجال لهم وازع شرعي إذا افترقوا بخلاف الصبيان والوجه الثامن أنها لو قبلت لقبلت في تخريق ثيابهم في الخلوات أو لجازت شهادة النساء بعضهن على بعض في الجراح وجوابه الفرق بتعظيم حرمة الدماء وبأن اجتماعهم ليس لتخريق ثيابهم بخلاف الضرب والجراح وأما النساء فلا يجتمعن للقتال ولا هو مطلوب منهن ا ه كلام ابن فرحون والأصل الذي سلمه ابن الشاط والله سبحانه وتعالى أعلم الباب الرابع عشر في بيان ما تكون فيه حجة القافة والخلاف في قبولها ودليله وفيه وصلان الوصل الأول في الأصل القافة حجة شرعية عندنا في القضاء بثبوت الأنساب ووافقنا الشافعي وأحمد بن حنبل قال ابن القصار وإنما يجيزه مالك في ولد الأمة يطؤها رجلان في طهر واحد وتأتي بولد يشبه أن يكون منهما والمشهور عدم قبوله في ولد الزوجة وعنه قبوله وأجازه الشافعي فيهما ا ه

وفي التبصرة ولا تعتمد القافة إلا على أب موجود بالحياة قال بعضهم أو مات ولم يدفن قيل وتعتمد على العصبة قال ولا يحكم بقول القائف إلا في أولاد الإماء من وطء سيدين في طهر واحد دون أولاد الحرائر على المشهور وقيل يقبل في أولاد الحرائر قاله ابن وهب واختاره اللخمي قال ابن يونس وهو أقيس والفرق على المشهور بين الحرائر والإماء ما ذكره الشيخ أبو عمران قال إنما خصت القافة بالإماء لأن الأمة قد تكون بين جماعة فيطئونها في طهر واحد فقال تساووا في الملك والوطء وليس أحدهما بأقوى من الأخرى فراشا فالفراشان مستويان وكذلك الأمة إذا ابتاعها رجل وقد وطئها البائع ووطئها المبتاع في ذلك الطهر لأنهما استويا في الملك وأما الحرة فإنها لا تكون زوجا لرجلين في حالة واحدة فلا يصح فيها فراشان مستويان وأيضا فولد الحرة لا ينتفي إلا باللعان وولد الأمة ينتفي بغير اللعان والنفي بالقافة إنما هو ضرب من اجتهاد فلا ينقل ولد الحرة من يقين إلى الاجتهاد ولما جاز نفي ولد الأمة بمجرد الدعوى جاز نفيه بالقافة ا ه بلفظه والله أعلم الوصل الثاني خالفنا أبو حنيفة في قبول القافة في القضاء بثبوت الأنساب فقال الحكم بالقافة باطل قال الأصل لنا خمسة وجوه الأول ما في الصحيحين قالت عائشة رضي الله عنها دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم تبرق أسارير وجهه فقال ألم تري إلى مجزز المدلجي نظر إلى أسامة وزيد عليهما قطيفة قد غطيا رءوسهما وبدت أقدامهما فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض وسبب ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان تبنى زيد بن حارثة وكان أبيض وابنه أسامة أسود فكان المشركون يطعنون في نسبه فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكانته منه فلما قال مجزز ذلك سر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدل من وجهين أحدهما أنه لو كان الحدس باطلا شرعا لما سر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه عليه السلام لا يسر بالباطل وثانيهما أن إقراره عليه السلام على الشيء من جملة الأدلة على المشروعية وقد أقر مجززا على ذلك فيكون حقا مشروعا لا يقال النزاع إنما هو إلحاق الولد وهذا كان

____________________

(4/234)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

ملحقا بأبيه في الفراش فلم يتعين محل النزاع لأنا نقول مرادنا هاهنا أن الشبه الخاص معتبر وليس مرادنا أن النسب ثبت بمجزز ولا يقال أيضا أن سروره عليه السلام لتكذيب المنافقين لأنهم كانوا يعتقدون صحة القيافة وتكذيب المنافقين حاصل بأي سبب كان بقوله عليه السلام إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر فقد يفضي الباطل للخير والمصلحة وعدم إنكاره صلى الله عليه وسلم هذا الباطل وهو لا يقره لأن مجززا لم يتعين أنه أخبر بذلك لأجل القيافة فلعله أخبر به بناء على القرائن إذ يحتمل أن يكون رآهما قبل ذلك لأنا نقول كيف يستقيم السرور مع بطلان مستند التكذيب كما لو أخبر عن كذبهم رجل كاذب وإنما يثبت كذبهم إذا كان المستند حقا فيكون الشبه حقا وهو المطلوب فاندفع بهذا قولكم أن الباطل قد يأتي بالخير والمصلحة فإنه على هذا التقرير ما أتى بشيء وقولكم أخبر به لرؤية سابقة لأجل القرائن يقتضي أمرين الأول نفي فائدة اختصاص السرور بقوله لأن الناس كلهم يشركونه في ذلك حينئذ الثاني نفي فائدة ذكر الأقدام إذ أنه حكم بشيء غير الذي كان طعن المشركين ثابتا معه لما كان لكل من اختصاص السرور وبقوله وذكر الأقدام فائدة

والوجه الثاني قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث العجلاني إن جاءت به على نعت كذا وكذا فأراه قد كذب عليها وإن أتت به على نعت كذا وكذا فهو لشريك فلما أتت به على النعت المكروه قال عليه السلام لولا الأيمان لكان لي ولها شأن فصرح عليه السلام بأن وجود صفات أحدهما أي الوالد في الآخر أي الولد يدل على أنهما من نسب واحد ومجيء الوحي بأن الولد ليس يشبهه مؤسس لما يقوله والحكم بالشبه أولى من الحكم بكونه في الفراش لأن الفراش يدل عليه من ظاهر الحال والشبه يدل على الحقيقة وكونه عليه السلام لم يعط علم القيافة ممنوع لأنه عليه السلام أعطي علم الأولين والآخرين سلمنا لكن عن ضابط القائفين أن الشبه متى كان كذا فهم يحكمون بكذا لا أنه ادعى علم القيافة بل كما يقول يقول الإنسان الأطباء يداوون المحموم بكذا وإن لم يكن طبيبا وإنما لم يحكم بالولد لشريك لأنه زان والولد إنما يحكم به في وطء البائع والمشتري الأمة في طهر واحد لأن كلا وطء شبهة وأما عدم الحد فلأن المرأة قد تكون من جهتها شبهة أو تكون مكرهة أو لأن اللعان يسقط الحد لقوله تعالى يدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله الآية أو لأنه عليه السلام لا يحكم بعلمه فاندفع ما أوردوه من أن مما يدل على عدم اعتبار الشبهة في حديث المدلجي أو لأن أخباره عليه كان من جهة الوحي لا من جهة القيافة لأنها ليست في بني هاشم وإنما هي في بني مدلج ولم يقل أحد أنه عليه السلام كان قائلها وثانيا أنه عليه السلام لم يحكم به لشريك وأنتم توجبون الحكم بما أشبه وثالثا أن المرأة لم تحد وبالجملة فحديث المدلجي يدل دلالة قوية على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استدل بالشبه على النسب ولو كان بالوحي لم يحصل فيه ترديد في ظاهر الحال بل كان يقول هي تأتي به على نعت كذا وهو لفلان فإن الله تعالى بكل شيء عليم فلا حاجة إلى الترديد الذي لا يحسن إلا في مواطن الشك وإنما يحسن هذا بالوحي إذا كان لتأسيس قاعدة القيافة وبسط صورها بالأشباه وذلك مطلوبنا فالحديث يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سر إلا بسبب حق وهو المطلوب ويؤيده أيضا قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة في الحديث تربت يداك ومن أين يكون الشبه فأخبر أن المني يوجب الشبه فيكون دليل النسب والوجه الثالث أن رجلين تداعيا ولدا فاختصما

____________________

(4/235)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

لعمر فاستدعى له القافة فألحقوه بهما فعلاهما بالدرة واستدعى حرائر من قريش فقلن خلق من ماء الأول وحاضت على الحمل فاستحشف الحمل فلما وطئها الثاني انتعش بمائه فأخذ شبها منهما فقال عمر الله أكبر وألحق الولد بالأول والوجه الرابع أن الشبه علم عند القافة من باب الاجتهاد فيعتمد عليه كالتقويم في المتلفات ونفقات الزوجات وخرص الثمار في الزكوات وتحرير جهة الكعبة في الصلوات والمثل في جزاء الصيد من النعم وكل ذلك تخمين وتقريب والوجه الخامس أنه إذا لم يعتبر الشبه لم يكن إلا إلحاق الولد بجميع المتنازعين كما لأبي حنيفة ولم يجعل الله للولد آباء بل أبا واحدا في قوله تعالى إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وقوله تعالى وورثه أبواه

وأما الوجوه الثمانية التي عارض بها أبو حنيفة حديث العجلاني فالأول ما في الصحاح أن رجلا حضر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وادعى أن امرأته ولدت ولدا أسود فقال له عليه السلام في إبلك من أورق فقال له نعم قال له ما ألوانها قال سود فقال ما السبب فقال الرجل لعل عرقا نزع فلم يعتبر الشبه وجوابه أن تلك الصورة ليست صورة النزاع لأنه كان صاحب فراش وإنما سأله عن اختلاف اللون فعرفه عليه السلام السبب ونحو لا نقول القيافة هي اعتبار الشبه كيف كان والمناسبة كيف كانت بل نقول هي شبه خاص ولذلك ألحق مجزز أسامة بن زيد مع سواده بأبيه الشديد البياض ولم يعرج على اختلاف الألوان إذ لا معارضة بينها وبين غيرها وهذا الرجل لم يذكر مجرد اللون فليس فيه شرط القيافة حتى يدل إلغاؤه على إلغاء القافة والوجه الثاني قوله عليه السلام الولد للفراش ولم يفرق وجوابه أنه محمول على الغالب والعادة والوجه الثالث إن خلق الولد مغيب عنا فجاز أن يخلق من رجلين وقد نص عليه بقراط في كتاب سماه الحمل على الحمل وجوابه أنه خلاف العوائد وظواهر النصوص المتقدمة تأباه والشرع إنما يعني أحكامه على الغالب وبقراط تكلم على النادر فلا تعارض والوجه الرابع أن الشبه لو كان معتبرا مع أنه قد وقع من الولد وجماعة لوجب إلحاقه بهم بسبب الشبه ولم يقولوا به وجوابه أن الحكم ليس مضافا لما يشاهد من شبه الإنسان لجميع الناس وإنما يضاف لشبه خاص يعرفه أهل القيافة والوجه الخامس أن الشبه لو كان معتبرا لبطلت مشروعية اللعان واكتفى به وجوبه أن القيافة إنما تكون حيث يستوي الفراشان واللعان يكون لما يشاهده الزوج فهما بابان متباينان لا يسد أحدهما مسد الآخر والوجه السادس أنه لا حكم له مع الفراش فلا يكون معتبرا مع عدمه كغيره وجوابه الفرق بأن وجود الفراش وحده سالما عن المعارض يقتضي استقلاله بخلاف تعارض الفراشين

الوجه السابع أن القيافة لو كانت علما لأمكن اكتسابه كسائر العلوم والصنائع وجوابه أن قوة في النفس وقوى النفس خواصها لا يمكن اكتسابها كالعين التي يصاب بها فتدخل الجمل القدر والرجل القبر وغير ذلك مما دل الوجود عليه من الخواص فالقيافة كذلك فيتعذر اكتسابها والوجه الثامن أنه حزر وتخمين فوجب أن يكون باطلا كأحكام النجوم وجوابه أنه لو ثبتت أحكام النجوم كما ثبتت القيافة وأن الله تعالى ربط بها أحكاما لاعتبرت في تلك الأحوال المرتبطة بها كما اعتبرت الشمس في الفصول ونضج الثمار وتجفيف الحبوب والكسوفات

____________________

(4/236)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وأوقات الصلوات وغير ذلك مما هو معتبر من أحكام النجوم وإنما ألغي منها ما هو كذب وافتراء على الله تعالى من ربط الشقاوة والسعادة والإماتة والإحياء بتثليثها أو تربيعها أو غير ذلك مما لم يصح فيها ولو صح لقلنا به والقيافة صحت بما تقدم من الأحاديث والآثار فافترقا ا ه كلام الأصل بتهذيب وسلمه أبو القاسم بن الشاط والله أعلم الباب الخامس عشر في بيان ما تكون فيه حجة القمط وشواهد الحيطان والخلاف في قبولها ودليله وفيه وصلان الوصل الأول هذه الحجة من أنواع الأمارات والعلامات التي يحتج بها من العلماء من يرى الحكم بها فيما لا تحضره البينات كما سيأتي عن ابن العربي قال ابن العربي وعلى الناظر أن يلحظ الأمارات والعلامات إذا تعارضت فما ترجح منها قضي بجانب الترجيح وهو قوة التهمة ولا خلاف في الحكم بها وقد جاء بها في مسائل اتفقت عليها الطوائف الأربعة وبعضها قال بها المالكية خاصة وقد ذكر ابن فرحون في فصل بيان عمل فقهاء الطوائف الأربعة بالحكم بالقرائن والأمارات من تبصرته خمسين مسألة منها أن الفقهاء كلهم يقولون بجواز وطء الرجل والمرأة إذا أهديت إليه ليلة الزفاف وإن لم يشهد عنده عدلان من الرجال أن هذه فلانة بنت فلان التي عقدت عليها وإن لم يستنطق النساء أن هذه امرأته اعتمادا على القرينة الظاهرة المنزلة منزلة الشهادة ومنها أن الناس قديما وحديثا لم يزالوا يعتمدون على الصبيان والإماء المرسل معهم الهدايا وأنه مرسلة إليهم فيقبلون أقوالهم ويأكلون الطعام المرسل به ونقل القرافي أن خبر الكافر في ذلك كاف وقال ومنها قولهم في الركاز إذا كان عليه علامة المسلمين سمي كنزا وهو كاللقطة

وإن كان عليه شكل الصليب أو الصور أو اسم ملك من ملوك الروم فهو ركاز فهذا عمل بالعلامات قال ومنها جواز دفع اللقطة لواصف عفاصها ووكائها اعتمادا على مجرد القرينة قال ابن الغرس واختلف أصحابنا في الوديعة والسرقة وشبهها إذا جهل صاحبها هل تقبل في ذلك الصفة كاللقطة أم لا ومنها إذا تنازعا جدارا حكم به لصاحب الوجه ومعاقد القمط والطاقات والجذوع وذلك حكم بالأمارات ا ه المراد فانظر التبصرة

وفي الأصل قال ابن أبي زيد في النوادر قال أشهب إذا تداعيا جدارا متصلا ببناء أحدهما وعليه جذوع للآخر فهو لمن اتصل ببنيانه ولصاحب الجذوع موضع جذوعه لأنه حوزه ويقضى بالجدار لمن إليه عقود الأربطة وللآخر موضع جذوعه وإن كان لأحدهما عليه عشر خشبات وللآخر خمس خشبات ولا ربط لا غير ذلك فهو بينهما نصفان لا على عدد الخشب وبقيت خشباتهما بحالها وإذا انكسرت خشب أحدهما رد مثل ما كان ولا يجعل لكل واحد ما تحت خشبه منه أي من الجدار ولو كان عقده لأحدهما من ثلاثة مواضع وللآخر من موضع قسم بينهما على عدد العقود وإن لم يعقد لواحد ولأحدهما عليه خشب معقودة بعقد البناء متقوية فعقد البناء يوجب ملك الحائط في العادة إنما يكون للمالك وقيل لا يوجبه وقال في المتقوية نظر لأنها طارئة على الحائط والكوة كعقد البناء توجب الملك وكوى الضوء المنفوذة لا دليل فيها قال ابن عبد الحكم إذا لم يكن لأحدهما عقد وللآخر عليه خشب ولو واحدة فهو له وإن لم يكن إلا كوى غير منفوذة أوجبت الملك وإن لم يكن الأخص القصب لأحدهما والقصب والطوب سواء ا ه

قال الأصل المدرك في هذه الفتاوى كلها شواهد العادات فمن ثبتت عنده عادة قضى بها وإن اختلفت العوائد في الأمصار والأعصار وجب اختلاف هذه الأحكام فإن القاعدة

____________________

(4/237)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

المجمع عليها أن كل حكم مبني على عادة إذا تغيرت العادة تغير كالنقود ومنافع الأعيان وغيرها مسألة قال بعض العلماء إذا تنازعا حائطا مبيضا هل هو متعلق لدارك أو لداره فأمر الحاكم بكشف البياض لينظر إن جعلت الأجرة في الكشف عليه فمشكل لأن الحق قد يكون لخصمك والأجرة ينبغي أن تكون على من يقع له العمل وينفعه ولا يمكن أن تقع الإجارة على من يثبت له ملك لأنكما جزمتما بالملكية فما وقعت الإجارة إلا جازمة وكذلك القائف لو امتنع إلا بأجر قال ويمكن أن يقال يلزم الحاكم كل واحدة منهما باستجارة ويلزم الأجرة في الأخير لمن يثبت له ذلك الحق كما يحلف في اللعان وغيره وأحدهما كاذب ا ه

كلام الأصل وسلمه ابن الشاط والله أعلم الوصل الثاني في الأصل قال بالقمط وشواهد الحيطان مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وجماعة من العلماء ا ه

وفي التبصرة ودليل القضاء بما يظهر من قرائن الأحوال والأمارات من الكتاب والسنة أما الكتاب فقوله تعالى تعرفهم بسيماهم فدل على أن السيماء المراد بها حال يظهر على الشخص حتى إذا رأيناه ميتا في دار الإسلام وعليه زنار وهو غير مختون لا يدفن في مقابر المسلمين ويقدم ذلك على حكم الدار في قول أكثر العلماء وقد اختلف في المذهب إن وجد هذا المذكور مخنونا ففي كتاب ابن حبيب أنه لا يصلى عليه لأن النصارى يختتنون

وقال ابن وهب يصلى عليه وقوله تعالى وجاءوا على قميصه بدم كذب الآية وقال عبد المنعم بن الغرس روي أن إخوة يوسف عليه الصلاة والسلام لما أتوا بقميص يوسف إلى أبيهم يعقوب تأمله فلم ير فيه خرقا ولا أثر ناب فاستدل بذلك على كذبهم وقال لهم متى كان الذئب حليما يأكل يوسف ولا يخرق قميصه قال القرطبي في تفسير القرآن العظيم قال علماؤنا لما أرادوا أن يجعلوا الدم علامة صدقهم قرن الله بهذه العلامة تعارضها وهي سلامة القميص من التمزيق إذ لا يمكن افتراس الذئب ليوسف وهو لابس القميص ويسلم القميص

وأجمعوا على أن يعقوب عليه الصلاة والسلام استدل على كذبهم بصحة القميص فاستدل الفقهاء بهذه الآية على إعمال الأمارات في مسائل كثيرة من الفقه وقوله تعالى وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين فلما رأى قميصه قد من دبر إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم

قال ابن الغرس هذه الآية يحتج بها من العلماء من يرى الحكم بالأمارات والعلامات فيما لا يحضره البينات

وكون تلك الشريعة لا تلزمنا لا يسلم لأن كل ما أنزله الله علينا فإنما أنزله لفائدة فيه ومنفعة لنا قال الله تعالى أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده فآية يوسف صلوات الله وسلامه عليه مقتدى بها معمول عليها

وأما ما ورد في السنة النبوية فمواضع منها أنه صلى الله عليه وسلم حكم بموجب اللوث في القسامة وجوز للمدعين أن يحلفوا خمسين يمينا ويستحقوا دم القتيل في حديث حويصة ومحيصة والحديث فيه ذكر العداوة بينهم وأنه قتل في بلدهم وليس فيها غير اليهود أو أنه قد قام من القرائن ما دل على أن اليهود قتلوه ولكن جهلوا عين القاتل ومثل هذا لا يبعد إثباته لوثا فلذلك جرى حكم القسامة فيه ومنها ما ورد في الحديث الصحيح في قصة الأسرى من قريظة لما حكم فيهم سعد أن تقتل المقاتلة وتسبى الذرية فكان بعضهم عدم البلوغ فكان الصحابة يكشفون عن مؤتزرهم فيعلمون بذلك البالغ من غيره

____________________

(4/238)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وذلك من الحكم بالأمارات ومنها أنه صلى الله عليه وسلم أمر الملتقط أن يدفع اللقطة إلى واصفها وجعل وصفه لعفاصها ووكائها قائما مقام البينة ومنها حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه من بعده بالقافة وجعلها دليلا على ثبوت النسب

وليس فيها إلا مجرد الأمارات والعلامات ومنها أن ابنا عفراء تداعيا قتل أبي جهل يوم بدر فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم هل مسحتما سيفيكما قالا لا فقال صلى الله عليه وسلم أرياني سيفيكما فلما نظر فيهما قال لأحدهما هذا قتله وقضى له بسلبه ومنها أنه صلى الله عليه وسلم أمر الزبير بعقوبة الذي اتهمه بإخفاء كنز ابن أبي الحقيق فلما ادعى أن النفقة والحروب أذهبته قال صلى الله عليه وسلم العهد قريب والمال أكثر ومنها أنه صلى الله عليه وسلم فعل بالعرنيين ما فعل بناء على شاهد الحال ولم يطلب بينة بما فعلوا ولا وقف الأمر على إقرارهم ومنه حكم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه والصحابة معه متوفرون برجم المرأة إذا ظهر بها حمل ولا زوج لها وقال بذلك مالك وأحمد بن حنبل اعتمادا على القرينة الظاهرة ومنها ما رواه ابن ماجه وغيره عن جابر بن عبد الله قال أردت السفر إلى خيبر فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جئت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقا فإذا طلب منك آية فضع يدك على ترقوته فأقام العلامة مقام الشهادة ومنها قوله صلى الله عليه وسلم الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر في نفسها وإذنها صماتها فجعل صماتها قرينة على الرضا وتجوز الشهادة عليها بأنها رضيت

وهذا من أقوى الأدلة على الحكم بالقرائن ومنها حكم عمر بن الخطاب وابن مسعود وعثمان رضي الله تعالى عنهم ولا يعلم لهم مخالف بوجوب الحد على من وجد من فيه رائحة الخمر أو قاءها اعتمادا على القرينة الظاهرة وهو مذهب مالك رضي الله تعالى عنه ا ه والله سبحانه وتعالى أعلم

الباب السادس عشر في بيان الحجة السابعة عشرة التي هي اليد قال الأصل وليس هي للقضاء بالملك بل للترجيح فيرجح بها إما أحد الدعوتين المتساويتين مثل أن يدعي كل واحد جميع المدعى به وهو بيد أحدهما ولا بينة لواحد منهما فيبقى المدعى به لصاحب اليد منهما ولا يقضي له بملك بل يرجح التعدي فقط وأما إحدى البينتين وغيرهما من الحجاج كما إذا كان في يد أحدهما وأقام كل واحد منها بينة وتساويتا في العدالة رجح جانب الذي بيده ذلك لكونه حائزا فيحكم له به مع اليمين وهذا معنى قولهم تقدم بينة الداخل على بينة الخارج عند التكافؤ هذا هو المشهور وقال عبد الملك لا ينتفع الحائر ببينته ولا ببينة المدعي أولى لقوله صلى الله عليه وسلم البينة على المدعي فإن نكل الحائز حلف المدعي وحكم له به فإن نكل أقر على يد من هو في يده

وعلى المشهور فإن كانت بينة الخارج أرجح قدمت لأن اليد لا اعتبار لها مع الحجة الضعيفة ثم هل يحلف الخارج لأجل اقتران اليد بالبينة قولان قال القاضي عبد الوهاب وسواء كانت الدعوى في ملك مطلق غير مضاف إلى سبب أو في ملك غير مطلق وهو المضاف إلى سبب يتكرر أو لا يتكرر فالمطلق أن يقيم بينة بأن هذا الشيء له ملكا مطلقا وغير مطلق هو المضاف إلى سبب وهو أن يبين سبب الملك مثل أن يقيم بينة بأن هذا العبد ملكه ولد في ملكه وأن هذه الدابة نتجت في ملكه وأن هذا الثوب ملكه نسج في ملكه ثم هذا السبب على ضربين منه ما يمكن أن يتكرر في الملك مثل الغراس إذا قال كل واحد منهما غرسته في ملكي فهذا يمكن أن يتكرر بأن يغرس دفعتين

____________________

(4/239)

الفرق التاسع والثلاثون والمائتان بين قاعدة ما اعتبر من الغالب وبين ما ألغي من الغالب وقد يعتبر النادر معه وقد يلغيان معا اعلم أن الأصل اعتبار الغالب وتقديمه على النادر وهو شأن الشريعة كما يقدم الغالب في طهارة المياه وعقود المسلمين ويقصر في السفر ويفطر بناء على غالب الحال وهو المشقة ويمنع شهادة الأعداء والخصوم لأن الغالب منهم الحيف وهو كثير في الشريعة لا يحصى كثرة وقد يلغي الشرع الغالب رحمة بالعباد وتقديمه قسمان قسم يعتبر فيه النادر وقسم يلغيان فيه معا

وأنا أذكر من كل قسم مثلا ليتهذب بها الفقيه ويتنبه إلى وقوعها في الشريعة فإنه لا يكاد يخطر ذلك بالبال ولا سيما تقديم النادر على الغالب القسم الأول ما ألغي فيه الغالب وقدم النادر عليه وأثبت حكمه دونه رحمة بالعباد وأنا أذكر منه عشرين مثالا الأول غالب الولد أن يوضع لتسعة أشهر فإذا جاء بعد خمس سنين من امرأة طلقها زوجها دار بين أن يكون زنى وهو الغالب وبين أن يكون تأخر في بطن أمه وهو نادر بالنسبة إلى وقوع الزنا في الوجود ألغى الشارع الغالب وأثبت حكم النادر وهو تأخر الحمل رحمة بالعباد لحصول الستر عليهم وصون أعراضهم عن الهتك

الثاني إذا تزوجت فجاءت بولد لستة أشهر جاز أن يكون من وطء قبل العقد وهو

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وهكذا نسج الثوب الخز على ما يقوله أهل صنعته يمكن أن ينسج دفعتين ومنه ما لا يمكن تكراره كالودة والنتاج ونسج ثوب القطن ا ه كلام الأصل بتوضيح من تبصرة ابن فرحون وقد تقدم الكلام على هذه الحجة في الفرق السادس والثلاثين والمائتين بين اليد المعتبرة المرجحة لقول صاحبها واليد التي لا تعتبر فلا تغفل والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق التاسع و الثلاثون والمائتان بين قاعدة ما اعتبر من الغالب وبين ما ألغي من الغالب أما مع اعتبار النادر أو مع إلغائه أيضا وذلك كما في الأصل وسلمه أبو القاسم بن الشاط أن الفرق بينهما لا يتيسر على المبتدئين ولا على ضعفة الفقهاء بل لا يحصل إلا لمتسع في الفقيهات والموارد الشرعية وذلك أن الأصل اعتبار الغالب وتقديمه على النادر وهو شأن الشريعة وأمثلته لا تحصى كثرة منها تقديم طهارة المياه وعقود المسلمين لأنه الغالب ومنها أنه يقصر في السفر ويفطر بناء على غالب الحال وهو المشقة ومنها أنه يمنع شهادة الأعداء والخصوم لأن الغالب منهم الحيف ولكن جرى على خلاف هذا الأصل أجناس كثيرة استثنيت منه ستتضح لك فإذا وقع لك غالب ولا تدري هل هو من

____________________

(4/240)

الغالب أو من وطء بعده وهو النادر فإن غالب الأجنة لا توضع إلا لتسعة أشهر وإنما يوضع في الستة سقطا في الغالب ألغى الشرع حكم الغالب وأثبت حكم النادر وجعله من الوطء بعد العقد لطفا بالعباد لحصول الستر عليهم وصون أعراضهم

الثالث ندب الشرع النكاح لحصول الذرية مع أن الغالب على الأولاد الجهل بالله تعالى والإقدام على المعاصي وعلى رأي أكثر العلماء من لم يعرف الله تعالى بالبرهان فهو كافر ولم يخالف في هذا إلا أهل الظاهر كما حكاه الإمام في الشامل والإسفراييني ومقتضى هذا أن ينهى من الذرية لغلبة الفساد عليهم فألغى الشرع حكم الغالب واعتبر حكم النادر ترجيحا لقليل الإيمان على كثير الكفر والمعاصي تعظيما لحسنات الخلق على سيئاتهم رحمة بهم

الرابع طين المطر الواقع في الطرقات وممر الدواب والمشي بالأمدسة التي يجلس بها في المراحيض الغالب عليها وجود النجاسة من حيث الجملة وإن كنا لا نشاهد عينها والنادر سلامتها منها ومع ذلك ألغى الشارع حكم الغالب وأثبت حكم النادر توسعة ورحمة بالعباد فيصلي به من غير غسل

الخامس النعال الغالب عليها مصادفة النجاسات لا سيما نعل مشى بها سنة وجلس بها في مواضع قضاء الحاجة سنة ونحوها فالغالب النجاسة والنادر سلامتها من النجاسة ومع ذلك ألغى الشرع حكم الغالب وأثبت حكم النادر فجاءت السنة بالصلاة في النعال حتى قال بعضهم إن قلع النعال في الصلاة بدعة كل ذلك رحمة وتوسعة على العباد

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

قبيل ما ألغي أو من قبيل ما اعتبر فالطريق في ذلك أن تستقري موارد النصوص والفتاوى استقراء حسنا ولا يتأتى لك ذلك إلا إذا كنت حينئذ واسع الحفظ جيد الفهم فإذا تحققت بذلك إلغاؤه فذاك ظاهر وإذا لم يتحقق لك إلغاؤه فاعتقد أنه معتبر والأجناس المستثناة من هذا الأصل على قسمين القسم الأول ما ألغى الشرع فيه الغالب وقدم النادر عليه أي أثبت الشرع فيه حكم النادر دون حكم الغالب رحمة بالعباد والقسم الثاني ما ألغى الشرع فيه الغالب والنادر معا رعاية للضرورة ورحمة بالعباد ولكل واحد من القسمين أمثلة كثيرة في الشريعة تفتقر على التمثيل لكل منهما بعشرين مثالا في الوصلين الاثنين لتجزم بشيئين أحدهما أن قول القائل إذا دار الشيء بين النادر والغالب فإنه يلحق بالغالب ليس على إطلاقه قلت بل مقيد بثلاثة قيود الأول أن يطرد الغالب بمخالفة الأصل الثاني أن تكثر أسبابه الثالث أن لا يكون مع النادر ما يعتضد به وإلا قدم على الغالب عملا بالترجيح لتعينه كما يؤخذ مما نقله العطار على محلي جمع الجوامع عن قواعد الزركشي الثاني أن قول الفقهاء إذا اجتمع الأصل والغالب فهل يغلب الأصل على الغالب أو الغالب على الأصل قولان ليس على عمومه وفي العطار على محلي جمع الجوامع عن قواعد الزركشي بل لجريان القولين ثلاثة شروط الأول أن لا تطرد العادة بمخالفة الأصل وإلا قدم حكم العادة والغالب قطعا ومن ذلك الماء الهارب في الحمام لاطراد العادة بالبول فيه الثاني أن تكثر أسباب الظاهر والغالب

____________________

(4/241)

السادس الغالب على ثياب الصبيان النجاسة لا سيما مع طول لبسهم لها والنادر سلامتها وقد جاءت السنة بصلاته عليه السلام بأمامة يحملها في الصلاة إلغاء لحكم الغالب وإثباتا لحكم النادر لطفا بالعباد

السابع ثياب الكفار التي ينسجونها بأيديهم مع عدم تحرزهم من النجاسات فالغالب نجاسة أيديهم لما يباشرونه عند قضاء حاجة الإنسان ومباشرتهم الخمور والخنازير ولحوم الميتات وجميع أوانيهم نجسة بملابسة ذلك ويباشرون النسج والعمل مع بلة أيديهم وعرقها حالة العمل ويبلون تلك الأمتعة بالنشا وغيره مما يقوي لهم الخيوط ويعينهم على النسج فالغالب نجاسة هذا القماش والنادر سلامته عن النجاسة وقد سئل عنه مالك فقال ما أدركت أحدا يتحرز من الصلاة في مثل هذا فأثبت الشارع حكم النادر وألغى حكم الغالب وجوز لبسه توسعة على العباد

الثامن ما يصنعه أهل الكتاب من الأطعمة في أوانيهم وبأيديهم الغالب نجاسته لما تقدم والنادر طهارته ومع ذلك أثبت الشرع حكم النادر وألغى حكم الغالب وجوز أكله توسعة على العباد

التاسع ما يصنعه المسلمون الذين لا يصلون ولا يستنجون بالماء ولا يتحرزون من النجاسات من الأطعمة الغالب نجاستها والنادر سلامتها فألغى الشارع حكم الغالب وأثبت حكم النادر وجوز أكلها توسعة ورحمة على العباد

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

فإن ندرت لم ينظر إليه قطعا ومن ذلك ما إذا تيقن الطهارة وغلب على ظنه الحدث اتفق أصحاب الشافعي على أن له الأخذ بالوضوء ولم يجروا فيه القولين كما أجروهما فيما يغلب على الظن نجاسته هل يحكم بنجاسته وفرق الإمام الشافعي بأن الأسباب التي تظهر بالنجاسة كثيرة جدا وهي قليلة في الأحداث ولا أثر للنادر والتمسك باستصحاب اليقين أولى الثالث أن لا يكون مع أحدهما ما يعتضد به وإلا فالعمل بالترجيح متعين قال الزركشي فإذا جزمت بذلك علمت أن الضابط فيما يجري قولان فيه وما لا يجريان فيه هو أنه إذا كان الظاهر والغالب حجة يجب قبولها شرعا كالشهادة والرواية والأخبار فهو مقدم الأصل قطعا وإذا لم يكن الظاهر والغالب حجة بل كان سنده العرف أو القرائن أو غلبة الظن فهذه يتفاوت أمرها فتارة يعمل بالأصل قطعا وتارة يعمل بالظاهر والغالب قطعا وتارة يخرج الخلاف هل يقدم الأصل على الصحيح أو لا أو الظاهر والغالب على الصحيح أولا فهذه أربعة أقسام الأول ما قطعوا فيه بالظاهر كالبينة فإن الأصل براءة ذمة المشهود عليه ومع ذلك يلزمه المال المشهود به قطعا لأن الغالب صدق البينة وهي حجة وكاليد في الدعوى فإن الأصل عدم الملك والظاهر من اليد الملك وهو ثابت بالإجماع الثاني ما قطعوا فيه بالأصل وإلغاء القرائن الظاهرة كما لو تيقن الطهارة وشك في الحدث أو ظنه فإنه يبنى على تيقن الطهارة عملا بالأصل أو شك في طلوع الفجر في رمضان فإنه يباح له الأكل حتى يتيقن طلوعه أو اختلط الحرام بالحلال وكان الحرام مغمورا أو اشتبه عليه محرمه بنسوة قرية

____________________

(4/242)

العاشر ما ينسجه المسلمون المتقدم ذكرهم الغالب عليه النجاسة وقد أثبت الشرع حكم النادر وألغى حكم الغالب وجوز الصلاة فيه لطفا بالعباد الحادي عشر ما يصبغه أهل الكتاب الغالب نجاسته وهو أشد مما ينسجونه لكثرة الرطوبات الناقلة للنجاسة وألغى الشارع حكم الغالب وأثبت حكم النادر رفقا بالعباد فجوز الصلاة فيها

الثاني عشر ما يصنعه العوام من المسلمين الذين لا يصلون ولا يتحرزون من النجاسات الغالب نجاسته والنادر سلامته فجوز الشرع الصلاة فيه تغليبا لحكم النادر على الغالب توسعة ولطفا بالعباد الثالث عشر ما يلبسه الناس ويباع في الأسواق ولا يعلم لابسه كافر أو مسلم يحتاط ويتحرز مع أن الغالب على أهل البلاد العوام والفسقة وتراك الصلاة فيها ومن لا يتحرز من النجاسات فالغالب نجاسة هذا الملبوس والنادر سلامته فأثبت الشارع حكم النادر وألغى حكم الغالب لطفا بالعباد

الرابع عشر الحصر والبسط التي قد اسودت من طول ما قد لبست يمشي عليها الحفاة والصبيان ومن يصلي ومن لا يصلي الغالب مصادفتها للنجاسة والنادر سلامتها ومع ذلك قد جاءت السنة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى على حصير قد اسود من طول ما لبس بعد أن نضحه بماء والنضح لا يزيل النجاسة بل ينشرها فقدم الشرع حكم النادر على حكم الغالب

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

كبيرة فإن له نكاح من شاء منهن فإن الأصل الإباحة وأشبهت ميتة بمذكاة بلد أو إناء بول بأواني بلد فله أخذ بعضها بالاجتهاد قطعا الثالث ما فيه خلاف والأصح تقديم الظاهر كما لو شك بعد الصلاة في ترك فرض منها فلا يؤثر على المشهور لأن الظاهر جريانها على الصحة وإن كان الأصل عدم إتيانه به وكذا حكم غيرها من العبادات كالوضوء والصوم والحج وكاختلاف المتعاقدين في الصحة والفساد فالقول لمدعي الصحة على الأظهر لأن الظاهر من العقود الجارية بين المسلمين الصحة وإن كان الأصل عدمها وكما إذا قال أنت طالق أنت طالق أنت طالق ولم يقصد تأكيدا ولا استئنافا بل أطلق فالأظهر يقع ثلاث لأنه موضع الإيقاع اللفظ الأول ولهذا يقال إذا دار الأمر بين التأسيس والتوكيد فالتأسيس أولى وهذا يرجع إلى الحمل على الظاهر ووجه مقابله أن الأصل المتيقن عدم ذلك الرابع ما فيه خلاف والأصح تقديم الأصل ومن أمثلته ما لو شك في صلاة يوم من الأيام الماضية هل صلاها أم لا قال الروياني إن كان مع بعد الزمان لأن الإنسان لا يقدر على ضبط ما يقع منه في الماضي ويغيب عليه تذكره وإن كان مع قرب الزمان كمن شك في آخر الأسبوع في صلاة يوم من أوله وجبت الإعادة قال بعضهم وينبغي حمل كلام الروياني على من كانت عادته مواظبة الصلاة أما من اعتاد تركها أو بعضها فالظاهر وجوب الإعادة عليه وهذا متعين لا بد منه ومنها ثياب مدمني النجاسة وطين الشارع الذي يغلب على الظن اختلاطه

____________________

(4/243)

الخامس عشر الحفاة الغالب مصادفتهم النجاسة ولو في الطرقات ومواضع قضاء الحاجات والنادر سلامتهم ومع ذلك جوز الشرع صلاة الحافي كما جوز له الصلاة بنعله من غير غسل رجليه وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يمشي حافيا ولا يعيب ذلك في صلاته لأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بنعله ومعلوم أن الحفاء أخف من تحمل النجاسة من النعال فقدم الشارع حكم النادر على الغالب توسعة على العباد السادس عشر دعوى الصالح الولي التقي على الفاجر الشقي الغاصب الظالم درهما الغالب صدقه والنادر كذبه ومع ذلك فقدم الشرع حكم النادر على الغالب وجعل الشرع القول قول الفاجر لطفا بالعباد بإسقاط الدعاوى عنهم واندراج الصالح مع غيره سدا لباب الفساد والظلم بالدعاوى الكاذبة

السابع عشر عقد الجزية لتوقع إسلام بعضهم وهو نادر والغالب استمرارهم على الكفر وموتهم عليه بعد الاستمرار فألغى الشارع حكم الغالب وأثبت حكم النادر رحمة بالعباد في عدم تعجيل القتل وحسم مادة الإيمان عنهم

الثامن عشر الاشتغال بالعلم مأمور به مع أن الغالب على الناس الرياء وعدم الإخلاص والنادر الإخلاص ومقتضى الغالب النهي عن الاشتغال بالعلم لأنه وسيلة للرياء ووسيلة المعصية معصية فلم يعتبره الشارع وأثبت حكم النادر التاسع عشر المتداعيان أحدهما كاذب قطعا والغالب أن أحدهما يعلم بكذبه والنادر أن يكون قد وقعت لكل واحد منهما شبهة وعلى التقدير الأول يكون تحليفه سعيا في

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

بالنجاسة والمقابر التي يغلب نبشها فالأصح الطهارة ولطين الشارع أصول يبنى عليها أحدهما ما ذكر من تعرض الأصل والظاهر وهو الذي اقتصر عليه الأصحاب ثانيهما طهارة الأرض بالجفاف والريح والشمس على القديم ثالثها طهارة النجاسة بالاستحالة إذا استهلكت فيها عين النجاسة وصارت طينا وأما الذي يظن نجاسة ولا نتيقن طهارته فقال المتولي والروياني أنه على القولين وخالفهما النووي فقال المختار الجزم بطهارته ومنها ما لو اختلفا في ولد الأمة المبيعة فقال البائع وضعته قبل العقد وقال المشتري بل بعده قال الإمام في آخر النهاية كتب الحليمي إلى الشيخ أبو زيد يسأله عن ذلك فأجاب بأن قول البائع لأن الأصل بقاء ملكه وحكى الدارمي فيها وجهين ا ه ما نقله العطار في حاشيته على محلي جمع الجوامع عن قواعد الزركشي والله سبحانه وتعالى أعلم

الوصل الأول في عشرين مثالا من أمثلة ما ألغي فيه الغالب وقدم عليه النادر المثال الأول غالب الولد أن يوضع لتسعة أشهر فإذا جاء بعد خمس سنين من امرأة طلقها زوجها دار بين أن يكون زنا وهو الغالب وبين أن يكون تأخر في بطن أمه وهو نادر بالنسبة إلى وقوع الزنا في الوجود فألغى الشارع الغالب وأثبت حكم النادر وهو تأخر الحمل رحمة بالعباد لحصول الستر عليهم وصون أعراضهم عن الهتك المثال الثاني إذا تزوجت فجاءت بولد لستة أشهر جاز أن يكون من وطء قبل العقد وهو الغالب أو من وطء

____________________

(4/244)

وقوع اليمين الفاجرة المحرمة فيكون حراما غايته أنه يعارضه أخذ الحق وإلجاؤه إليه وذلك إما مباح أو واجب وإذا تعارض المحرم والواجب قدم المحرم ومع ذلك ألغى الشارع حكم الغالب وأثبت حكم النادر لطفا بالعباد على تخليص حقوقهم وكذلك القول في اللعان الغالب أن أحدهما كاذب يعلم كذبه ومع ذلك يشرع اللعان

العشرون غالب الموت في الشباب قال الغزالي في الإحياء ولذلك الشيوخ أقل يعني أنه لو كان الشبان يعيشون لصاروا شيوخا فتكثر الشيوخ فلما كان الشيوخ في الوجود أقل كان موت الإنسان شابا أكثر وحياته للشيخوخة نادرا ومع ذلك شرع صاحب الشرع التعمير في الغائبين إلى سبعين سنة إلغاء لحكم الغالب وإثباتا لحكم النادر لطفا بالعباد في إبقاء مصالحهم عليهم ونظائر هذا الباب كثيرة في الشريعة فينبغي أن تتأمل وتعلم فقد غفل عنها قوم في الطهارات فدخل عليهم الوسواس وهم يعتقدون أنهم على قاعدة شرعية وهي الحكم بالغالب فإن الغالب على الناس والأواني والكتب وغير ذلك مما يلابسونه النجاسة فيغسلون ثيابهم وأنفسهم من جميع ذلك بناء على الغالب وهو غالب كما قالوا ولكنه قدم النادر الموافق للأصل عليه وإن كان مرجوحا في النفس وظنه معدوم النسبة للظن الناشئ عن الغالب لكن لصاحب الشرع أن يضع في شرعه ما شاء ويستثني من قواعده ما شاء هو أعلم بمصالح عباده فينبغي لمن قصد إثبات حكم الغالب دون النادر أن ينظر هل ذلك الغالب مما ألغاه الشرع أم لا وحينئذ يعتمد عليه وأما مطلق الغالب كيف كان في جميع صوره فخلاف الإجماع

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

بعده وهو النادر فإن غالب الأجنة لا توضع إلا لتسعة أشهر وإنما يوضع في السنة سقطا في الغالب فألغى الشارع على حكم الغالب وأثبت حكم النادر وجعله من الوطء بعد العقد لطفا بالعباد لحصول الستر عليهم وصون أعراضهم المثال الثالث ندب الشرع للنكاح لحصول الذرية مع أن الغالب على الأولاد الجهل بالله تعالى والإقدام على المعاصي وعلى رأي أكثر العلماء أن من لم يعرف الله تعالى بالبرهان فهو كافر لم يخالف في هذا إلا أهل الظاهر كما حكاه الإمام في الشامل والإسفراييني ومقتضى هذا أن ينهى عن الذرية لغلبة الفساد عليهم فألغى الشرع حكم الغالب واعتبر حكم النادر ترجيحا لقليل الإيمان على كثير الكفر والمعاصي تعظيما لحسنات الخلق على سيئاتهم رحمة بهم المثال الرابع طين المطر الواقع في الطرقات وممر الدواب والمشي بالأمدسة التي يجلس بها في المراحيض الغالب عليها وجود النجاسة من حيث الجملة وإن كنا لا نشاهد عينها والنادر سلامتها منها ومع ذلك ألغى الشرع حكم الغالب وأثبت حكم النادر توسعة ورحمة بالعباد فيصلي به من غير غسل المثال الخامس النعال الغالب عليها مصادفة النجاسات لا سيما نعل مشى بها سنة وجلس بها في موضع قضاء الحاجة سنة ونحوها فالغالب عليها النجاسة والنادر سلامتها من النجاسة ومع ذلك ألغى الشرع حكم الغالب وأثبت حكم النادر فجاءت السنة بالصلاة في النعال حتى قال بعضهم إن قلع

____________________

(4/245)

تنبيه ليس من باب تقديم النادر على الغالب حمل اللفظ على حقيقته دون مجازه وعلى العموم دون الخصوص فإنه يمكن أن يقال إنه منه لغلبة المجاز على كلام العرب حتى قال ابن جني كلام العرب كله مجاز وغلبة الخصوصات على العمومات حتى روي عن ابن عباس أنه قال ما من عام إلا وقد خص إلا قوله تعالى والله بكل شيء عليم وإذا غلب المجاز والتخصيص فينبغي إذا ظفرنا بلفظ ابتداء أن نحمله على مجازه تغليبا للغالب على النادر ولا نحمله على حقيقته لأنه النادر ونحمل العموم ابتداء على التخصيص لأنه الغالب ولا نحمله على العموم لأنه نادر فحيث عكسنا كان ذلك تغليبا للنادر على الغالب والجواب عنه أنه ليس من هذا الباب وسببه أن شرط الفرد المتردد بين النادر والغالب فيحمل على الغالب أن يكون من جنس الغالب وإلا فلا يحمل على الغالب بيانه بالمثال أن الشقة إذا جاءت من القصار جاز أن تكون طاهرة وهو الغالب أو نجسة وهو النادر أن يصيبها بول فأر أو غيره من الحيوان فإنا نحكم بطهارتها بناء على الغالب لأن حكمنا بطهارة الثياب المقصورة لأنها خرجت من القصارة وهذا الثوب المتردد بين النادر والغالب خرج من القصارة فكان من جنس الغالب الذي قضينا بطهارته فيلحق به أما لو كنا لا نقضي بطهارة الثياب المقصورة لكونها خرجت من القصارة بل لأنها تغسل بعد ذلك وهذا الثوب المتردد بين النادر والغالب لم يغسل فإنا هنا لا نقضي بطهارته لأجل عدم الغسل بعد القصارة الذي لأجله حكمنا بطهارته فهو حينئذ ليس من جنس

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

النعال في الصلاة بدعة ذلك رحمة وتوسعة على العباد المثال السادس الغالب على ثياب الصبيان النجاسة لا سيما مع طول لبسهم لها والنادر سلامتها وقد جاءت السنة بصلاته عليه السلام بأمامة يحملها في الصلاة إلغاء لحكم الغالب وإثباتا لحكم النادر لطفا بالعباد المثال السابع ثياب الكفار التي ينسجونها بأيديهم مع عدم تحرزهم من النجاسات بل الغالب نجاسة أيديهم لما يباشرونه عند حاجة الإنسان ومباشرتهم الخمور والخنازير ولحوم الميتات وجميع أوانيهم نجسة بملابسة ذلك ويباشرون النسج والعمل مع بلة أيديهم وعرقها حالة العمل ويبلون تلك الأمتعة بالنشاء وغيره مما يقوي لهم الخيوط ويعينهم على النسج فالغالب نجاسة هذا القماش والنادر سلامته من النجاسة وقد سئل عنه مالك فقال ما أدركت أحدا يتحرز من الصلاة في مثل هذا فأثبت الشارع حكم النادر وألغى حكم الغالب وجوز لبسه توسعة على العباد المثال الثامن ما يصنعه أهل الكتاب من الأطعمة في أوانيهم وبأيديهم فالغالب نجاسته لما تقدم والنادر طهارته ومع ذلك أثبت الشرع حكم النادر وألغى حكم الغالب فجوزا كله توسعة على العباد المثال التاسع الغالب على ما يصنعه المسلمون الذين لا يصلون ولا يستنجون بالماء ولا يتحرزون من النجاسات من الأطعمة نجاستها والنادر سلامتها فألغى الشارع حكم الغالب وأثبت حكم النادر وجوز أكلها توسعة ورحمة للعباد المثال العاشر الغالب على ما ينسجه المسلمون المتقدم ذكرهم النجاسة وقد أثبت الشرع حكم النادر وألغى حكم الغائب فجوز الصلاة فيه لطفا بالعباد المثال

____________________

(4/246)

الغالب الذي قضينا بطهارته لأن ذلك مغسول بعد القصارة وهذا الثوب غير مغسول كذلك في الألفاظ فإذا لم نقض على لفظ بأنه مجاز أو مخصوص بمجرد كونه لفظا بل لأجل اقترانه بالقرينة الصادرة عن الحقيقة إلى المجاز واقتران المخصص الصارف عن العموم للتخصيص وهذا اللفظ الوارد ابتداء الذي حملناه على حقيقته دون مجازه والعموم دون الخصوص ليس معه صارف من قرينة صارفة عن الحقيقة ولا مخصص صارف عن العموم فهو حينئذ ليس من جنس ذلك الغالب فلو حملناه على المجاز أو التخصيص لحملناه على غير غالب فإنه لم يوجد لفظ من حيث هو لفظ حمل على المجاز ولا على الخصوص ألبتة فضلا عن كونه غالبا بل هذا اللفظ قاعدة مستقلة بنفسها ليس فيها غالب ونادر بل شيء واحد وهو الحقيقة مطلقا والعموم مطلقا فتأمل ذلك فهو شرط خفي في حمل الشيء على غالبه دون نادره وهو أنه من شرطه أن يكون من جنسه كما تقدم تقريره بالمثال فظهر أن حمل اللفظ على حقيقته دون مجازه ابتداء والعموم دون الخصوص ليس من باب الحمل على النادر دون الغالب ولقد أوردت هذا السؤال على جمع كثير من الفضلاء قديما وحديثا فلم يحصل عنه جواب وهو سؤال حسن وجوابه حسن جدا

القسم الثاني ما ألغى الشارع الغالب والنادر معا فيه وأنا أذكر منه إن شاء الله عشرين مثالا الأول شهادة الصبيان في الأموال إذا كثر عددهم جدا الغالب صدقهم والنادر كذبهم

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الحادي عشر الغالب نجاسته ما يصبغه أهل الكتاب بل هو أشد مما ينسجونه لكثرة الرطوبات الناقلة للنجاسة ومع ذلك ألغى الشرع حكم الغالب وأثبت حكم النادر رفقا بالعباد فجوز الصلاة فيها المثال الثاني عشر الغالب نجاسة ما يصنعه عوام المسلمين الذين لا يصلون ولا يتحرزون من النجاسات والنادر سلامته فجوز الشرع الصلاة فيه تغليبا لحكم النادر على الغالب توسعة ولطفا بالعباد المثال الثالث عشر الغالب نجاسة ما يلبسه الناس ويباع في الأسواق ولا يعلم كون لابسه كافرا أو مسلما يحتاط ويتحرز أو لا وهو الغالب على أهل البلاد فإن غالبهم عوام وفسقة وتراك صلاة ومن لا يتحرز من النجاسات والنادر سلامته فألغى الشرع حكم الغالب وأثبت حكم النادر لطفا بالعباد المثال الرابع عشر الغالب مصادفة الحصر والبسط التي قد اسودت من طول ما قد لبست يمشي عليها الحفاة والصبيان ومن يصلي ومن لا يصلي والنادر سلامتها ومع ذلك قد جاءت السنة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى على حصير قد اسود من طول ما لبس بعد أن نضحه بماء والنضح لا يزيل النجاسة بل ينشرها فقدم الشرع حكم النادر على حكم الغالب المثال الخامس عشر الغالب مصادفة الحفاة النجاسة لا سيما في الطرقات ومواضع قضاء الحاجات والنادر سلامتهم ومع ذلك جوز الشرع صلاة الحافي من غير غسل رجليه كما جوز الصلاة بالنعل فقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يمشي حافيا ولا يعيب ذلك في صلاته لأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بنعله

____________________

(4/247)

ولم يعتبر الشرع صدقهم ولا قضى بكذبهم بل أهملهم رحمة بالعباد ورحمة بالمدعى عليه وأما في الجراح والقتل فقبلهم مالك وجماعة كما تقدم بيانه

الثاني شهادة الجمع الكثير من جماعة النسوان في أحكام الأبدان الغالب صدقهن والنادر كذبهن لا سيما مع العدالة وقد ألغى صاحب الشرع صدقهن فلم يحكم به ولا حكم بكذبهن لطفا بالمدعى عليه

الثالث الجمع الكثير من الكفار والرهبان والأحبار إذا شهدوا الغالب صدقهم والنادر كذبهم فألغى صاحب الشرع صدقهم لطفا بالمدعى عليه ولم يحكم بكذبهم

الرابع شهادة الجمع الكثير من الفسقة الغالب صدقهم ولم يحكم الشرع به لطفا بالمدعى عليه ولم يحكم بكذبهم الخامس شهادة ثلاثة عدول في الزنا الغالب صدقهم ولم يحكم الشرع به سترا على المدعى عليه ولم يحكم بكذبهم بل أقام الحد عليهم من حيث إنهم قذفوه لا من حيث إنهم شهود زور السادس شهادة العدل الواحد في أحكام الأبدان الغالب صدقه والنادر كذبه ولم يحكم الشرع بصدقه لطفا بالعباد ولطفا بالمدعى عليه ولم يكذبه

السابع حلف المدعي الطالب وهو من أهل الخير والصلاح الغالب صدقه والنادر

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

ومعلوم أن الحفاء أخف من تحمل النجاسة من النعل فقدم الشارع حكم النادر على حكم الغالب توسعة على العباد المثال السادس عشر الغالب صدق الصالح الولي التقي في دعواه على الفاجر الشقي الظالم أنه غصب منه درهما والنادر كذبه ومع ذلك جعل الشرع القول قول الفاجر فقدم حكم النادر على الغالب لطفا بالعباد بإسقاط الدعاوى عنهم واندراج الصالح مع غيره سدا لباب الفساد والظلم بالدعاوى الكاذبة المثال السابع عشر الغالب استمرار الكفار على الكفر وموتهم عليه بعد الاستمرار فألغى الشارع حكمه وأثبت حكم النادر وهو توقع إسلام بعضهم فعقد الجزية لذلك التوقع النادر رحمة بالعباد في عدم تعجيل القتل وحسم مادة الإيمان عنهم المثال الثامن عشر الغالب في إشغال الناس بالعلم أن يكون وسيلة للرياء وعدم الإخلاص والنادر أن يكون وسيلة للإخلاص فلم يعتبر الشارع حكم الغالب الذي هو النهي عنه لأن وسيلة المعصية معصية وأثبت حكم النادر فرغب في الاشتغال بالعلم رحمة بالعباد المثال التاسع عشر أحد المتداعيين والمتلاعنين كاذب قطعا والغالب أن يعلم الكاذب منهما بكذبه فيكون تحليفه سعيا في وقوع اليمين الفاجرة المحرمة فيكون حراما غايته أنه يعارضه أخذ الحق وإلجاؤه إليه وذلك إما مباح أو واجب

وإذا تعارض الواجب والمحرم قدم المحرم ومع ذلك ألغى الشارع حكم الغالب وأثبت حكم النادر الذي هو وقوع شبهة لكل واحد من المتداعيين أو المتلاعنين لطفا بالعباد على تخليص حقوقهم والستر عليهم

المثال العشرون غالب الموت في الشباب قال الغزالي في الإحياء

____________________

(4/248)

كذبه ولم يقض الشارع بصدقه فيحكم له بيمينه بل لا بد من البينة ولم يحكم بكذبه لطفا بالمدعى عليه

الثامن رواية الجمع الكثير لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأحبار والرهبان المتدينين المعتقدين لتحريم الكذب في دينهم الغالب صدقهم والنادر كذبهم ولم يعتبر الشرع صدقهم لطفا بالعباد وسدا لذريعة أن يدخل في دينهم ما ليس منه

التاسع رواية الجمع الكثير من الفسقة بشرب الخمر وقتل النفس ونهب الأموال وهم رؤساء عظماء في الوجود كالملوك والأمراء ونحوهم الغالب عند اجتماعهم على الرواية الواحدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقهم فإن أتاهم وازع طبيعي يمنعهم الكذب وغيره لا تدينا ومع ذلك لا تقبل روايته صونا للعباد عن أن يدخل في دينهم ما ليس منه بل جعل الضابط العدالة ولم يحكم بكذب هؤلاء العاشر رواية الجمع الكثير من الجاهلين للحديث النبوي الغالب صدقهم والنادر كذبهم ولم يحكم الشرع بصدقهم ولا بكذبهم

الحادي عشر أخذ السراق المتهمين بالتهم وقرائن أحوالهم كما يفعله الأمراء اليوم دون الإقرار الصحيح والبينات المعتبرة الغالب مصادفته للصواب والنادر خطؤه ومع ذلك ألغاه الشرع صونا للأعراض والأطراف عن القطع الثاني عشر أخذ الحاكم بقرائن الأحوال من التظلم وكثرة الشكوى والبكاء مع كون الخصم مشهورا بالفساد والعناد الغالب مصادفته للحق والنادر خطؤه ومع ذلك منعه الشارع منه وحرمه ولا يضر الحاكم

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

ولذلك الشيوخ أقل يعني أنه لو كان الشباب يعيشون لصاروا شيوخا فتكثر الشيوخ فلما كان الشيوخ في الوجود أقل كان موت الإنسان شابا أكثر وحياته للشيخوخة نادرا ومع ذلك شرع صاحب الشرع التعمير في الغائبين إلى سبعين سنة إلغاء لحكم الغالب وإثباتا لحكم النادر لطفا بالعباد في إبقاء مصالحهم عليهم قال الأصل ونظائر هذا الباب كثيرة في الشريعة فينبغي أن تتأمل وتعلم فقد غفل قوم في الطهارات فدخل عليهم الوسواس وهم يعتقدون أنهم على قاعدة شرعية هي الحكم بالغالب نعم هو غالب كما قالوا من حيث إنهم يعتقد أن الغالب على الناس والأواني والكتب وغير ذلك مما يلابسونه النجاسة فيغسلون ثيابهم وأنفسهم من جميع ذلك بناء على القاعدة الشرعية وهي الحكم بالغالب ولم يفهموا بأن هذا وإن كان هو الغالب كما قالوا لكن الشارع ألغى حكمه وقدم عليه حكم النادر وإن كان مرجوحا في النفس وظنه معدوم بالنسبة للظن الناشئ عن الغالب إذ لصاحب الشرع أن يصنع في شرعه ما شاء ويستثني من قواعده ما يشاء هو الأعلم بمصالح عباده فينبغي لمن قصد إثبات حكم الغالب دون النادر أن لا يعتمد عليه مطلقا كيف كان بل حتى ينظر هل ذلك الغالب مما ألغاه الشرع أم لا إذ الاعتماد على مطلق الغالب كيف كان في جميع صوره خلاف الإجماع ا ه وسلمه ابن الشاط

____________________

(4/249)

ضياع حق لا بينة عليه

الثالث عشر الغالب على من وجد بين فخذي امرأة وهو متحرك حركة الواطئ وطال الزمان في ذلك أنه قد أولج والنادر عدم ذلك فإذا شهد عليه بذلك ألغى الشارع هذا الغالب سترا على عباده ولم يحكم بوطئه ولا بعدمه الرابع عشر شهادة العدل المبرز لولده الغالب صدقه والنادر كذبه وقد ألغاه الشارع وألغى كذبه ولم يحكم بواحد منهما

الخامس عشر شهادة العدل المبرز لوالده الغالب صدقه ولم يحكم الشرع بصدقه ولا بكذبه بل ألغاهما جملة

السادس عشر شهادة العدل المبرز على خصمه الغالب صدقه وقد ألغى الشارع صدقه وكذبه

السابع عشر شهادة الحاكم على فعل نفسه إذا عزل وشهادة الإنسان لنفسه مطلقا إذا وقعت من العدل المبرز الغالب صدقه وقد ألغاه الشارع في صدقه وكذبه الثامن عشر حكم القاضي لنفسه وهو عدل مبرز من أهل التقوى والورع الغالب أنه إنما حكم بالحق والنادر خلافه وقد ألغى الشرع ذلك الحكم ببطلانه وصحته معا التاسع عشر القرء الواحد في العدد الغالب معه براءة الرحم والنادر شغله ولم يحكم الشارع بواحد منهما حتى ينضاف إليه قرءان آخران

العشرون من غاب عن امرأته سنين ثم طلقها أو مات عنها الغالب براءة رحمها والنادر شغله بالولد وقد ألغاهما صاحب الشرع معا وأوجب عليها استئناف العدة بعد الوفاء أو الطلاق لأن وقوع الحكم قبل سببه غير معتد به ونظائر في الشرع كثيرة من الغالب ألغاه صاحب الشرع ولم يعتبره وتارة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

تنبيه قال الأصل وسلمه ابن الشاط حمل اللفظ على حقيقته دون مجازه وعلى العموم دون الخصوص وإن أمكن أن يقال إنه من باب تقديم النادر على الغالب نظرا لغلبة المجاز على الحقيقة في كلام العرب حتى قال ابن جني كلام العرب كله مجاز وغلبة الخصوصات على العمومات حتى روي عن ابن عباس أنه قال ما من عام إلا وقد خص إلا قوله تعالى والله بكل شيء عليم وحينئذ فينبغي إذا ظفرنا بلفظ ابتداء أن نحمله على مجازه تغليبا للغالب على النادر وأن نحمل العموم ابتداء على التخصيص لأنه الغالب فحيث عكسنا وحملنا اللفظ ابتداء على حقيقته والعموم ابتداء على العموم كان ذلك تغليبا للنادر على الغالب إلا أن التحقيق أن ذلك ليس من هذا الباب وذلك لأن شرط الفرد المتردد بين النادر والغالب فيحمل على الغالب أن يكون من جنس الغالب وإلا فلا يحمل على الغالب

وبيانه بالمثال أن الشقة إذا جاءت من القصار جاز أن تكون طاهرة وهو الغالب أو نجسة بأن يصيبها بول فأر أو غيره من الحيوان وهو النادر فإنا لو كنا نحكم بطهارتها بناء على الغالب لأنا قد حكمنا بطهارة الثياب المقصورة لأنها خرجت من القصارة لكان هذا الثوب المتردد بين النادر والغالب الذي خرج من القصارة من جنس الغالب الذي قضينا بطهارته فيحكم به

وأما لو كنا لا نقضي بطهارة الثياب المقصورة لكونها خرجت من القصارة بل نقضي بطهارتها لأنها

____________________

(4/250)

بالغ في إلغائه فاعتبر نادره دونه كما تقدم بيانه فهذه أربعون مثالا قد سردتها في ذلك من أربعين جنسا فهي أربعون جنسا قد ألغيت فإن قلت أنت تعرضت للفرق بين ما ألغي منه وما لم يلغ ولم تذكره بل ذكرت أجناسا ألغيت خاصة فما الفرق وكيف الاعتماد في ذلك قلت الفرق في ذلك المقام لا يتيسر على المبتدئين ولا على ضعفة الفقهاء وكذلك ينبغي أن يعلم أن الأصل اعتبار الغالب وهذه الأجناس التي ذكرت استثناؤها على خلاف الأصل وإذا وقع لك غالب ولا تدري هل هو من قبيل ما ألغي أو من قبيل ما اعتبر فالطريق في ذلك أن تستقري موارد النصوص والفتاوى استقراء حسنا مع أنك تكون حينئذ واسع الحفظ جيد الفهم فإذا لم يتحقق لك إلغاؤه فاعتقد أنه معتبر وهذا الفرق لا يحصل إلا لمتسع في الفقهيات والموارد الشرعية وإنما أوردت هذه الأجناس حتى تعتقد أن الغالب وقع معتبرا شرعا ونجزم أيضا بشيئين

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

تغسل بعد ذلك لم يكن هذا الثوب المتردد بين النادر والغالب الذي لم يغسل بعد ذلك من جنس الغالب الذي قضينا بطهارته فلا نقضي بطهارته لأجل عدم الغسل بعد القصارة الذي لأجله حكمنا بالطهارة وكذا يقال في الألفاظ فإذا لم نقض على لفظ بأنه مجاز أو مخصوص بمجرد كونه لفظا بل نقض عليه بذلك لأجل اقترانه بالقرينة الصادقة من الحقيقة إلى المجاز واقترانه بالمخصص الصارف عن العموم للتخصيص كان هذا اللفظ الوارد ابتداء الذي حملناه على حقيقته دون مجازه والعموم دون الخصوص ليس معه صارف من قرينة صارفة عن الحقيقة

ولا مخصص صارف عن العموم فهو حينئذ ليس من ذلك الغالب فلو حملناه على المجاز أو التخصيص لحملناه على غير غالب فإنه لم يوجد لفظ من حيث هو لفظ حمل على المجاز ولا على الخصوص ألبتة فضلا عن كونه غالبا بل هو اللفظ قاعدة مستقلة بنفسها ليس فيها غالب ونادر بل شيء واحد وهو الحقيقة مطلقا والعموم مطلقا فتأمل ذلك فهو شرط خفي في حمل الشيء على غالبه دون نادره ليظهر لك جليا أن حمل اللفظ على حقيقة دون مجاز ابتداء والعموم دون الخصوص ابتداء ليس من باب الحمل على النادر دون الغالب فهذا سؤال حسن لقد أوردته على جمع كثير من الفضلاء قديما وحديثا فلم يحصل عنه جواب وهذا جوابه حسن جدا ا ه

الوصل الثاني فيه عشرين مثالا من أمثلة ما ألغى الشارع فيه الغالب والنادر معا المثال الأول الغالب صدق شهادة الصبيان في الأموال إذا كثر عددهم جدا والنادر كذبهم فأهملهم الشرع ولم يعتبر صدقهم ولا قضى بكذبهم رحمة بالعباد ولطفا بالمدعى عليه وأما في الجراح والقتل فقبلهم مالك وجماعة للضرورة كما تقدم بيانه المثال الثاني الغالب صدق الجمع الكثير من جماعة النسوان في أحكام الأبدان والنادر كذبهم لا سيما مع العادلة فألغى صاحب الشرع صدقهن ولم يحكم به ولا حكم بكذبهن لطفا بالمدعى عليه المثال الثالث الغالب صدق الجمع الكثير من الكفار والرهبان والأحبار إذا شهدوا والنادر كذبهم فألغى صاحب الشرع صدقهم لطفا بالمدعى عليه ولم يحكم بكذبهم المثال الرابع الغالب صدق شهادة الجمع الكثير من الفسقة والنادر كذبهم فلم يحكم الشرع بصدقهم لطفا بالمدعى عليه ولم يحكم بكذبهم المثال الخامس الغالب صدق شهادة ثلاثة

____________________

(4/251)

أحدهما أن قول القائل إذا دار الشيء بين النادر والغالب فإنه يلحق بالغالب ثانيهما قول الفقهاء إذا اجتمع الأصل والغالب فهل يغلب الأصل على الغالب أو الغالب على الأصل قولان فقد ظهر لك أجناس كثيرة اتفق الناس فيها على تقديم الأقل وألغاه الغالب في القسم الأول الذي اعتبرنا رده فلا تكون تلك الدعوى على عمومها وقد أجمع الناس أيضا على تقديم الغالب على الأول في أمر البينة فإن الغالب صدقها والأصل براءة الذمة ومع ذلك تقدم البينة إجماعا فهو أيضا تخصيص لعموم تلك الدعوى فهذا هو المقصود من بيان هذا الفرق والتنبيه على هذه المواطن

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

عدول في الزنا فلم يحكم الشرع به سترا على المدعى عليه ولم يحكم بكذبهم بل أقام الحد عليهم من حيث إنهم قذفوه لا من حيث إنهم شهود زور المثال السادس الغالب صدق شهادة العدل الواحد في أحكام الأبدان والنادر كذبه فلم يحكم الشرع بصدقه لطفا بالعباد ورحمة بالمدعى عليه ولم يكذبه المثال السابع الغالب صدق حلف المدعي الطالب وهو من أهل الخير والصلاح والنادر كذبه فلم يقض الشارع بصدقه فيحكم له بيمينه بل اشترط في الحكم له البينة ولم يحكم بكذبه لطفا بالمدعى عليه المثال الثامن الغالب صدق الجمع الكثير في الرواية بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأحبار والرهبان المتدينين المعتقدين لتحريم الكذب في دينهم والنادر كذبهم فلم يعتبر الشرع صدقهم لطفا بالعباد وسدا لذريعة أن يدخل في دينه ما ليس منه المثال التاسع الغالب صدق رواية الجمع الكثير من الفسقة بشرب الخمر وقتل النفس ونهبة الأموال وهم رؤساء عظماء في الوجود إذا اجتمعوا على الرواية الواحدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا سيما إن منعوا من الكذب لوازع طبيعي لا تدينا لم يقبل الشرع روايتهم صونا للعباد عن أن يدخل في دينهم ما ليس منه بل جعل الضابط العدالة ولم يحكم بكذبهم المثال العاشر الغالب صدق الجمع الكثير من الجاهلين في روايتهم للحديث النبوي والنادر كذبهم فلم يحكم الشرع بصدقهم ولا بكذبهم لطفا بالعباد المثال الحادي عشر الغالب أن يكون أخذ السراق المتهمين بالتهم وقرائن أحوالهم كما يفعله الأمراء اليوم دون الإقرار الصحيح والبينات المعتبرة مصادفا للصواب والنادر خطؤهم ومع ذلك ألغاه الشرع صونا للأعراض والأطراف عن القطع المثال الثاني عشر الغالب أن يكون أخذ الحاكم بقرائن الأحوال من التظلم وكثرة الشكوى والبكاء مع كون الخصم مشهورا بالفساد والعناد مصادفا للحق والنادر خطؤه ومع ذلك منعه الشارع منه وحرمه إذ لا يضر الحاكم ضياع حق لا بينة عليه المثال الثالث عشر الغالب على من وجد بين فخذي امرأة وهو متحرك حركة الواطئ وطال الزمان في ذلك أنه قد أولج والنادر عدم ذلك فلم يحكم الشارع بوطئه ولا بعدمه إذا شهد عليه بذلك وألغى هذا الغالب سترا على العباد المثال الرابع عشر الغالب صدق شهادة العدل المبرز لولده والنادر كذبه فلم يحكم الشرع بصدقه ولا بكذبه بل ألغاها جملة المثال السادس عشر الغالب صدق شهادة العدل المبرز على خصمه والنادر كذبه فألغى الشارع صدقه وكذبه المثال السابع عشر الغالب صدق شهادة الحاكم على فعل نفسه إذا عزل وصدق شهادة الإنسان لنفسه مطلقا إذا وقعت من العدل المبرز والنادر كذبه فيها فألغى الشارع صدقه وكذبه المثال

____________________

(4/252)

الفرق الأربعون والمائتان بين قاعدة ما يصح الإقراع فيه وبين قاعدة ما لا يصح الإقراع فيه اعلم أنه متى تعينت المصلحة أو الحق في جهة لا يجوز الإقراع بينه وبين غيره لأن في القرعة ضياع ذلك الحق المتعين أو المصلحة المتعينة ومتى تساوت الحقوق أو المصالح فهذا هو موضع القرعة عند التنازع دفعا للضغائن والأحقاد والرضا بما جرت به الأقدار وقضى به الملك الجبار فهي مشروعة بين الخلفاء إذا استوت فيهم الأهلية للولاية والأئمة والمؤذنين إذا استووا والتقدم للصف الأول عند الازدحام وتغسيل الأموات عند تزاحم الأولياء وتساويهم في الطبقات وبين الحاضنات والزوجات في السفر والقسمة والخصوم عند الحكام وفي عتق العبيد إذا أوصى بعتقهم أو بثلثهم في المرض ثم مات ولم يحملهم الثلث عتق مبلغ الثلث منهم بالقرعة ولو لم يدع غيرهم عتق ثلثهم أيضا بالقرعة وقاله الشافعي وابن حنبل رضي الله عنهما وقال أبو حنيفة رضي الله عنه لا

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الثامن عشر الغالب أن حكم القاضي لنفسه وهو عدل مبرز من أهل التقوى والورع إنما يكون بالحق والنادر أن يكون بخلافه فألغى الشرع اعتبار صحة ذلك الحكم وبطلانه معا المثال التاسع عشر الغالب القرء الواحد في العدد براءة الرحم والنادر شغله معه فألغى الشارع اعتبار واحد منهما ولم يحكم ببراءة الرحم معه حتى ينضم إليه قرءان آخران المثال العشرون الغالب براءة رحم من غاب عنها زوجها سنين ثم طلقها أو مات عنها والنادر شغله بالولد فألغى الشرع اعتبار واحد منهما وأوجب عليها استئناف العدة بعد الوفاة أو الطلاق لأن وقوع الحكم قبل سببه غير معتد به قال ونظائر هذا الغالب الذي ألغاه صاحب الشرع ولم يعتبره إما مع المبالغة في إلغائه بعدم اعتبار نادره أيضا كما هنا وإما مع المبالغة في إلغائه باعتبار نادره دونه كما تقدم كثيرة في الشرع وهذه أربعون مثالا قد سردت في ذلك من أربعين جنسا فهي أربعون جنسا ألغيت ا ه والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق الثاني والأربعون والمائتان بين قاعدة ما يصح الإقراع فيه وبين قاعدة ما لا يصح الإقراع فيه وضابطه كما في الأصل وسلمه أبو القاسم بن الشاط أن ما تحقق فيه شرطان الأول تساوي الحقوق والمصالح والثاني قبول الرضا بالنقل فهو موضع القرعة عند الشارع دفعا للضغائن والأحقاد والرضا بما جرت به الأقدار وما فقد فيه أحد الشرطين تعذرت فيه القرعة فمتى تعينت المصلحة أو الحق في جهة لا يجوز الإقراع بينه وبين غيره لأن في القرعة ضياع ذلك الحق المتعين أو المصلحة المتعينة ومتى لم يقبل الشيء الرضا بالنقل كحرية الرقيق حالة الصحة لا يجوز الإقراع فيه كما سيتضح من المباحث والاختلافات والاتفاقات الآتية قال ابن فرحون وهي مشروعة في مواضع أحدهما بين الخلفاء إذا استوت فيهم الأهلية للولاية ثانيهما بين الأئمة للصلاة إذا استووا ثالثها بين المؤذنين في المغرب مع

____________________

(4/253)

تجوز القرعة فيما إذا أوصى بهم ويعتق من كل واحد ثلثه ويستسعى في باقي قيمته للورثة حتى يؤديها فيعتق لنا وجوه الأول ما في الموطإ أن رجلا أعتق عبيدا له عند موته فأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعتق ثلث العبيد قال مالك وبلغني أنه لم يكن لذلك الرجل مال غيرهم الثاني في الصحاح أن رجلا أعتق ستة مماليك له في مرضه لا مال له غيرهم فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم فجزاهم فأقرع بينهم فأعتق اثنين ورق أربعة الثالث إجماع التابعين رضي الله عنهم على ذلك قاله عمر بن عبد العزيز وخارجة بن زيد وأبان بن عثمان وابن سيرين وغيرهم ولم يخالفهم من عصرهم أحد الرابع وافقنا أبو حنيفة رضي الله عنه في قسمة الأرض لعدم المرجح وذلك هنا موجود فثبت قياسا عليه الخامس أن في الاستسعاء مشقة وضررا على العبيد بالإلزام وعلى الورثة بتأخير الحق وتعجيل حق الموصى له والقواعد تقتضي تقديم حق الوارث لأن له الثلثين السادس أن مقصود الوصي كمال العتق في العبد ليتفرغ للطاعات ويجوز الاكتساب والمنافع من نفسه وتجزئة العتق تمنع من ذلك وقد لا يحصل الكمال أبدا احتجوا بوجوه الأول قول النبي صلى الله عليه وسلم لا عتق إلا فيما يملك ابن آدم والمريض مالك الثلث من كل عبد فينفذ عتقه فيه ولأن الحديث المتقدم واقعة عين لا عموم فيها ولأن قوله اثنين يحتمل شائعين لا معينين ويؤكده أن العادة تحصي اختلاف قيم العبيد فيتعذر أن يكون اثنان معينان ثلث ماله

الثاني أن القرعة على خلاف القرآن

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الاستواء أيضا على ما ذكره ابن شاس رابعها في التقدم في الصف الأول عند الزحام خامسها في تغسيل الأموات عند تزاحم الأولياء وتساويهم في الطبقات سادسها في الحضانة ففي التوضيح وتدخل القرعة بين الأب والأم عند إثغار الذكر لحديث ورد في ذلك وهو اختيار ابن القصار وابن رشد وغيرهما انظره في قول ابن الحاجب وحضانة الذكر حتى يحتلم سابعها بين الزوجات عند إرادة السفر ثامنها في باب القسمة بين الشركاء في الأصول والحيوان والعروض والنقود إذا استوى فيه الوزن والقيمة وفي ذلك تفصيل واختلاف محله كتب الفقه تاسعها بين الخصوم في التقدم إلى الحاكم في الحكم عاشرها بين الخصمين فيمين تكون محاكمتها عنده حادي عشرتها إذا ازدحم اثنان على اللقيط فالسابق أولى وإلا فالقرعة ثاني عشرتها إذا اختلف المتبايعان وقلنا أنهما يتحالفان ويتفاسخان واختلفا فيمن يبدأ باليمين ففيه أقوال أحدهما أنه يقرع بينهما والمشهور تقدمة البائع وكذلك الزوجان يختلفان في قدر الصداق فيتحالفان ثالث عشرتها في المتيطية أن كتابة الوثائق والمكاتيب فرض على من يعلمها إذ لم يكن في البلد سواه وإن كانوا جماعة كانت من فروض الكفاية فإن قام بها أحدهم سقط الطلب عن الباقين وإن امتنعوا جميعهم اقترعوا فمن خرج اسمه كتب رابع عشرتها في شرع الجلاب فيمن يبدأ به من الوصايا إذا اجتمع عتق الظهار وعتق كفارة القتل وضاق الثلث فأحد الأقوال في المسألة أنه يقرع بينهما لأنه لا يصح عتق بعض الرقبة فيقرع بينهما فيصح العتق لأحدهما خامس عشرتها إذا انكسرت يمين على الأولياء

____________________

(4/254)

لأنها من الميسر وعلى خلاف القواعد لأن فيه نقل الحرية بالقرعة

الثالث أنه لو أوصى بثلث كل واحد صح فينفذ هاهنا قياسا على ذلك وعلى حال الصحة

الرابع أنه لو باع ثلث كل عبد جاز والبيع يلحقه الفسخ والعتق لا يلحقه الفسخ فهو أولى بعدم القرعة لأن فيها تحويل العتق

الخامس أنه لو كان مالكا لثلثهم فأعتقه لم يجتمع ذلك في اثنين منهم والمريض لم يملك غير الثلث فلا يجتمع لأنه لا فرق بين عدم المالك والمنع من التصرف في نفوذ العتق

السادس أن القرعة إنما تدخل في جميع الحقوق فيما يجوز التراضي عليه لأن الحرية حالة الصحة لما لم يجز التراضي على انتفاضها لم تجز القرعة فيها والأموال يجوز التراضي فيها فدخلت القرعة فيها

والجواب عن الأول أن العتق إنما وقع فيما يملك وما قال العتق في كل ما يملك فإذا نفذ العتق في عبدين وقع العتق فيما يملك

وقولهم إنها قضية عين فنقول هي وردت في تمهيد قاعدة كلية كالرجم وغيره فتعم ولقوله عليه السلام حكمي على الواحد حكمي على الجماعة وقوله أنه يحتمل أن يكون شائعا باطلا بالقرعة لأنها لا معنى لها مع الإشاعة واتفاقهم في القيمة ليس متعذرا عادة لا سيما مع الجلب ووخش الرقيق وعن الثاني أن الميسر هو القمار وتمييز الحقوق ليس قمارا وقد أقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أزواجه وغيرهم واستعملت القرعة في شرائع الأنبياء عليهم السلام لقوله تعالى فساهم فكان من المدحضين الآية و إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وليس فيها نقل الحرية لأن عتق المريض لم يتحقق لأنه إن

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

فالمشهور أنها على أكثرهم نصيبا من الأيمان وقيل أكثرهم نصيبا من الكسر وقيل يقرع بينهم عليها سادس عشرتها إذا تقاربت الأنادر وأرادوا الذرو وكان يختلط نبتهم إذا ذروا جميعا فيقال اقترعوا على الذرو فإن أبوا لم يجبر واحد منهم على قطع أندره ويقال لمن أذرى على صاحبه أتلفت نبتك لا شيء لك من الطرر سابع عشرتها إذا زفت إليه امرأتان في ليلة أقرع بينهما على القول بأن ذلك حق له يختار ثامن عشرتها يقرع الحاكم بين الخصمين إذا تنازعا فيمن هو المدعي منهما وأشكل على الحاكم معرفة المدعي تاسع عشرتها تقسيم الغنيمة خمسة أخماس فإذا اعتدلت ضرب عليها بالقرعة فإذا تعين الخمس أفرد ثم جمعت الأربعة فبيعت وقسم ثمنها أو قسمت الغنيمة بأعيانها بين أهل الجيش على ما في ذلك من الخلاف فانظر شرح الرسالة للتادلي في باب الجهاد الموفي عشرين إذا اجتمعت الجنائز من جنس واحد واستوت الأولياء في الفضل وتشاحوا في التقدم أقرع بينهم الحادي والعشرون إذا اجتمع الخصوم عند القاضي وفيهم مسافرون ومقيمون وخاف المسافرون فوات الرفقة قدموا إلا أن يكثروا كثرة يلحق المقيمين منها ضرر فيقرع بينهم ذكره المازري الثاني والعشرون في عتق العبيد إذا أوصى بعتقهم أو بثلثهم في المرض ثم مات ولم يحملهم الثلث عتق مبلغ الثلث منهم بالقرعة ا ه زاد الأصل ولو لم يدع غيرهم عتق ثلثهم أيضا بالقرعة وقاله الشافعي وابن حنبل رضي الله عنهما

____________________

(4/255)

صح عتق الجميع وإن طرأت ديون بطل وإن مات وهو يخرج من الثلث عتق من الثلث فلم يقع في علم الله تعالى من العتق إلا ما أخرجته القرعة وعن الثالث أن مقصود الهبة والوصية التمليك وهو حاصل في ملك الشائع كغيره ومقصود العتق التخليص للطاعات

والاكتساب ولا يحصل مع التبعيض ولأن الملك شائعا لا يؤخر حق الوارث كما تقدم في الوصية وهاهنا يتأخر بالاستسعاء وعن الرابع أن البيع لا ضرر فيه على الوارث كما تقدم في الوصية ولا يحصل تحويل العتق كما تقدم وعن الخامس أنه إذا ملك الثلث فقط لم يحصل تنازع العتق في ولا حرمان من تناوله لفظ العتق وعن السادس أن الوارث لو رضي بتنفيذ عتق الجميع لصح فهو يدخله الرضا فهذه المباحث وهذه الاختلافات والاتفاقات يتخلص منها الفرق بين قاعدة ما تدخله القرعة وما لا تدخله القرعة وأن ضابطه التساوي مع قبول الرضا بالنقل وما فقد فيه أحد الشرطين تعذرت فيه القرعة والله تعالى أعلم بالصواب

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وقال أبو حنيفة رضي الله عنه لا تجوز القرعة فيما إذا أوصى بهم ويعتق من كل واحد ثلثه ويستسعى في باقي قيمته للورثة حتى يؤديها فيعتق لنا ستة وجوه الأول ما في الموطإ أن رجلا أعتق عبيدا له عند موته فأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعتق ثلث العبيد قال مالك وبلغني أنه لم يكن لذلك الرجل مال غيرهم الثاني ما في الصحاح أن رجلا أعتق ستة مماليك له في مرضه لا مال له غيرهم فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم فجزأهم فأقرع بينهم اثنين ورق أربعة الثالث إجماع التابعين رضي الله عنهم على ذلك قال عمر بن عبد العزيز وخارجة بن زيد وأبان بن عثمان وابن سيرين وغيرهم ولم يخالفهم من مصرهم أحد الرابع القياس على قسمة الأرض التي وافقنا فيها أبو حنيفة رضي الله عنه إذ لا مرجح الخامس أن في الاستسعاء مشقة وضررا على العبيد بالإلزام وعلى الورثة بتأخير الحق وتعجيل حق الموصي له والقواعد تقتضي تقديم حق الوارث لأن له الثلثين السادس أن مقصود الوصي كمال العتق في العبد ليتفرغ للطلعات ويحوز الاكتساب والمنافع من نفسه وتجزئة العتق تمنع من ذلك وقد لا يحصل الكمال أبدا وأما الأوجه الستة التي احتجوا بها فالأول قول النبي صلى الله عليه وسلم لا عتق إلا فيما يملك ابن آدم والمريض مالك الثلث من كل عبد فينفذ عتقه فيه ولأن الحديث المتقدم واقعة عين لا عموم فيها ولأن قوله اثنين يحتمل شائعين لا معينين ويؤكده أن العادة تقتضي اختلاف قيم العبيد فيتعذر أن يكون اثنان معينان ثلث ماله وجوابه أن العتق إنما وقع فيما يملك وما قال العتق في كل ما يملك فإذا نفذ العتق في عبدين وقع العتق فيما يملك وقولهم إنه قضية عين فنقول هي وردت في تمهيد قاعدة كلية كالرجم وغيره فتعم ولقوله عليه السلام حكمي على الواحد حكمي على الجماعة وقوله إنه يحتمل أن يكون شائعا باطل بالقرعة لأنها لا معنى لها مع الإشاعة واتفاقهم في القيمة ليس متعذرا عادة لا سيما مع الجلب ووخش الرقيق والوجه الثاني أن القرعة على خلاف القرآن لأنها من الميسر وعلى خلاف القواعد لأن فيه الحرية بالقرعة وجوابه أن الميسر هو القمار وتمييز الحقوق ليس قمارا وقد أقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أزواجه وغيرهم

____________________

(4/256)

فارغة

هامش أنوار البروق

فارغه

هامش إدرار الشروق

واستعملت القرعة في شرائع الأنبياء عليهم السلام فساهم فكان من المدحضين الآية و إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وليس فيها نقل الحرية لأن عتق المريض لم يتحقق لأنه إن صح عتق الجميع وإن طرأت ديون بطل وإن مات وهو يخرج من الثلث عتق من الثلث فلم يقع في علم الله تعالى من العتق إلا ما أخرجته القرعة والوجه الثالث أنه لو أوصى بثلث كل واحد صح فينفذ هاهنا قياسا على ذلك وعلى حال الصحة وجوابه أن مقصود الهبة والوصية والتمليك وهو حاصل في ملك الشائع كغيره ومقصود العتق التخليص للطاعات والاكتساب ولا يحصل مع التبعيض ولأن الملك شائعا لا يؤخر حق الوارث كما تقدم في الوصية وهاهنا يتأخر بالاستسعاء والوجه الرابع أنه لو باع ثلث كل عبد جاز والبيع يلحقه الفسخ والعتق لا يلحقه الفسخ فهو أولى بعدم القرعة لأن فيها تحويل العتق كما تقدم والوجه الخامس أنه لو كان مالكا لثلثهم فأعتقه لم يجتمع ذلك في اثنين منهم والمريض لم يملك غير الثلث فلا يجمع لأنه لا فرق بين عدم الملك والمنع من التصرف في نفوذ العتق وجوابه أنه إذا ملك الثلث فقط لم يحصل تنازع في العتق ولا حرمان من تناوله لفظ العتق والوجه السادس أن القرعة إنما تدخل في جميع الحقوق فيما يجوز التراضي عليه لأن الحرية حالة الصحة لما لم يجز التراضي على انتقاضها لم يجز القرعة فيها والأموال يجوز التراضي فيها قد خلت القرعة فيها وجوابه أن الوارث لو رضي تنفيذ عتق الجميع لصح فهو يدخله الرضا ا ه كلام الأصل وسلمه أبو القاسم بن الشاط

____________________

(4/257)

الفرق الحادي والأربعون والمائتان بين قاعدة المعصية التي هي كفر وقاعدة ما ليس بكفر اعلم أن النهي يعتمد المفاسد كما أن الأوامر تعتمد المصالح فأعلى رتب المفاسد الكفر وأدناها الصغائر والكبائر متوسطة بين المرتبتين وأكثر التباس الكفر إنما هو بالكبائر فأعلى رتب الكبائر يليها أدنى رتب الكفر وأدنى رتب الكبائر يليها أعلى رتب الصغائر وأصل الكفر إنما هو انتهاك خاص لحرمة الربوبية إما بالجهل بوجود الصانع أو صفاته العلى ويكون الكفر بفعل كرمي المصحف في القاذورات أو السجود للصنم أو التردد للكنائس في أعيادهم بزي النصارى ومباشرة أحوالهم أو جحد ما علم من الدين بالضرورة فقولنا انتهاك خاص احتراز من الكبائر والصغائر فإنها انتهاك وليست كفرا وسيأتي بيان هذا الخصوص بعد هذا إن شاء الله تعالى

وجحد ما علم من الدين بالضرورة كجحد الصلاة والصوم ولا يختص ذلك

هامش أنوار البروق

قال الفرق الحادي والأربعون والمائتان بين قاعدة المعصية التي هي كفر وقاعدة ما ليس بكفر إلى قوله والكبائر متوسطة بين المرتبتين قلت إن أراد المفاسد بمقتضى الشرع فلا شك أن الكفر أعظم المفاسد وما عداه تتفاوت رتبه

قال وأكثر التباس الكفر إنما هو بالكبائر إلى قوله وأدنى رتب الكبائر يليها أعلى رتب الصغائر قلت ما قاله من أن أكثر التباس الكفر إنما هو بالكبائر ليس بصحيح وكيف يلتبس الكفر بالكبائر والكفر أمر اعتقادي والكبائر أعمال وليست باعتقاد سواء كانت أعمالا قلبية أو بدنية

قال وأصل الكفر أنه انتهاك خاص لحرمة الربوبية قلت ليس الكفر انتهاك حرمة الربوبية ولكنه

هامش إدرار الشروق

الفرق الحادي و الأربعون والمائتان بين قاعدة المعصية التي هي كفر وقاعدة ما ليس بكفر الاحتياج للفرق بينهما مبني على ما للأصل من التباس الكفر بالكبائر نظرا لما ادعاه من أن الكفر يشارك مطلق المعصية كبيرة كانت أو صغيرة في أمرين

الأمر الأول في مطلق انتهاك حرمة الربوبية

الأمر الثاني في مطلق المفسدة وذلك أن كلا من الكفر والمعصية منهي عنه والنواهي تعتمد المفاسد كما أن الأوامر تعتمد المصالح ولكن أعلى رتب المفاسد الكفر وأدناها الصغائر والمتوسط بين الرتبتين الكبائر فأعلى رتب الكبائر يليها أدنى رتب الكفر وأدنى رتب الكبائر يليها أعلى رتب الصغائر وحينئذ فأكثر التباس الكفر إنما هو بالكبائر

قال ما تهذيبه والمجال في تحرير الفرق بينهما صعب بل التعرض إلى الحد الذي يمتاز به أعلى رتب الكبائر من أدنى رتب الكفر عسير جدا وذلك أن أصل الكفر إنما هو انتهاك خاص لحرمة الربوبية إما بالجهل بوجود الصانع أو صفاته تعالى

____________________

(4/258)

بالواجبات والقربات بل لو جحد بعض الإباحات المعلومة بالضرورة كفر كما لو قال إن الله تعالى لم يبح التين ولا العنب ولا يعتقد أن جاحد ما أجمع عليه يكفر على الإطلاق بل لا بد أن يكون المجمع عليه مشتهرا في الدين حتى صار ضروريا فكم من المسائل المجمع عليها إجماعا لا يعلمه إلا خواص الفقهاء فجحد مثل هذه المسائل التي يخفى الإجماع فيها ليس كفرا بل قد جحد أصل الإجماع جماعة كبيرة من الروافض والخوارج كالنظام ولم أر أحدا قال بكفرهم من حيث إنهم جحدوا أصل الإجماع وسبب ذلك أنهم بذلوا جهدهم في أدلته فما ظفروا بها كما ظفر بها الجمهور فكان ذلك عذرا في حقهم

كما أن متجدد الإسلام إذا قدم من أرض الكفر وجحد في مبادئ أمره بعض شعائر الإسلام المعلومة لنا من الدين بالضرورة لا نكفره لعذره بعدم الاطلاع وإن كنا نكفر بذلك الجحد غيره وبهذا التقريب نجيب عن سؤال السائل كيف تكفرون جاحد المسائل المجمع عليها ولا تكفرون جاحد أصل الإجماع وكيف يكون الفرع أقوى من الأصل

والجواب بأن نقول إنا لم نكفر بالمجمع عليه من حيث هو مجمع عليه

هامش أنوار البروق

الجهل بالربوبية فلا يصدر عادة ممن يدين بالربوبية

قال أما الجهل بوجود الصانع أو صفاته العلى قلت الجهل بذلك هو الكفر خاصة عند من لا يصحح الكفر عنادا وأما عند من يصححه فالكفر إما الجهل بالله تعالى وإما جحده وانتهاك الحرمة إنما يكون مع الجهل أما مع العلم فيتعذر عادة والله تعالى أعلم

قال ويكون الكفر بفعل كرمي المصحف في القاذورات قلت رمي المصحف في القاذورات لا يخلو أن يكون مع العلم بالله تعالى أو مع الجهل به فإن كان مع الجهل فالكفر هو الجهل لا عين رميه وإن كان مع العلم بالله تعالى فلا يخلو أن يكون مع التكذيب به أو لا فإن كان مع التكذيب به فهو كفر وإلا فهو معصية غير كفر

هامش إدرار الشروق

وإما بالجرأة على الله تعالى بكرمي المصحف في القاذورات أو السجود للصنم أو التردد للكنائس في أعيادهم بزي النصارى ومباشرة أحوالهم أو جحد ما أجمع عليه وعلم من الدين بالضرورة ولو كان ذلك من بعض المباحات فجحد إباحة الله التين والعنب كفر كجحد الصلاة والصوم ومعنى علمه من الدين بالضرورة أن يشتهر في الدين حتى يصير ضروريا فجحد المسائل المجمع عليها إجماعا لا يعلمه إلا خواص الفقهاء بحيث يخفى الإجماع فيها ليس كفرا قال بل قد جحد أصل الإجماع جماعة كبيرة من الروافض والخوارج كالنظام ولم أر أحدا قال بكفرهم من حيث إنهم جحدوا أصل الإجماع

وسبب ذلك أنهم بذلوا جهدهم في أدلته فما ظفروا بها كما ظفر بها الجمهور فكان ذلك عذرا في حقهم كما أن متجدد الإسلام إذا قدم من أرض الكفر وجحد في مبادئ أمره معنى شعائر الإسلام المعلومة لنا من الدين بالضرورة لا نكفره لعذره بعدم الاطلاع وإن كنا نكفر بذلك الجحد غيره فعلم من هذا أنا لا نكفر بالمجمع عليه من حيث هو مجمع عليه حتى يقال كيف تكفرون جاحد المسائل المجمع عليها ولا تكفرون جاحد أصل الإجماع

____________________

(4/259)

بل من حيث الشهرة المحصلة للضرورة فمتى انضافت هذه الشهرة للإجماع كفر جاحد المجمع عليه وإذا لم تنضف لم نكفره وعلى هذا التقرير لم يجعل الفرع أقوى من الأصل وإنما يلزم ذلك أن لو كفرنا به من حيث هو مجمع عليه لا من حيث هو مشتهر فمن جحد إباحة الفرائض لا نكفره من حيث إنه مجمع عليه فإن انعقاد الإجماع فيه إنما يعلمه خواص الفقهاء أو الفقهاء دون غيرهم وألحق الأشعري بالكفر إرادة الكفر كبناء الكنائس ليكفر فيها أو قتل نبي مع اعتقاده صحة رسالته ليميت شريعته ومنه تأخير إسلام من أتى ليسلم على يديك فتشير عليه بتأخير الإسلام لأنه إرادة لبقاء الكفر

ولا يندرج في إرادة الكفر الدعاء بسوء الخاتمة على من تعاديه وإن كان فيه إرادة الكفر لأنه ليس مقصودا فيه انتهاك حرمة الله تعالى بل إذاية المدعو عليه وليس منه أيضا اختيار الإمام عقد الجزية على الأسارى على القتل الموجب لمحو الكفر من قلوبهم وفي عقد الجزية إرادة استمرار الكفر في قلوبهم فهو فيه إرادة الكفر لأن مقصوده توقع الإسلام منهم أو من ذراريهم إذا بقوا أحياء وفي تعجيل القتل عليهم سد باب الإيمان منهم ومن ذريتهم فالمقصود توقع

هامش أنوار البروق

قال والسجود للصنم قلت إن كان السجود للصنم مع اعتقاد كونه إلها فهو كفر وإلا فلا بل يكون معصية إن كان لغيره إكراه أو جائز عند الإكراه قال أو التردد إلى الكنائس في أعيادهم ومباشرة أحوالهم قلت هذا ليس بكفر إلا أن يعتقد معتقدهم

قال أو جحد ما علم من الدين بالضرورة قلت هذا كفر إن كان جحده بعد علمه فيكون تكذيبا وإلا فهو جهل وذلك الجهل معصية لأنه مطلوب بإزالة مثل هذا الجهل على وجه الوجوب

قال فقولنا انتهاك خاص احتراز من الكبائر والصغائر فإنها انتهاك وليست كفرا وسيأتي بيان هذا الخصوص بعد هذا إن شاء الله تعالى قلت ليست الكبائر والصغائر انتهاكا لحرمة الله تعالى وإنما هي جرأة على مخالفة تحمل عليها الأغراض والشهوات

قال وجحد ما علم من الدين بالضرورة إلى قوله وإن كنا نكفر بذلك الجحد غيره قلت ما قاله في ذلك صحيح إلا كونه اقتصر على

هامش إدرار الشروق

وكيف يكون الفرع أقوى من الأصل بل نكفر به من حيث الشهرة المحصلة للضرورة فمن جحد إباحة القراض لا نكفره وإن كان مجمعا عليه لأن انعقاد الإجماع فيه إنما يعلمه خواص الفقهاء أو الفقهاء دون غيرهم فلم يجعل الفرع أقوى من الأصل فافهم وألحق الأشعري بالكفر أي جرأة على الله تعالى إرادة الكفر كبناء الكنائس ليكفر فيها أو قتل نبي مع اعتقاده صحة رسالته ليميت شريعته ومنه تأخير إسلام من أتى ليسلم على يديك فتشير عليه بتأخير الإسلام لأنه إرادة لبقاء الكفر ولا يندرج في إرادة الكفر الدعاء بسوء الخاتمة على من تعاديه وإن كان فيه إرادة الكفر لأنه ليس مقصودا فيه انتهاك حرمة الله بل إذاية المدعو عليه

وليس منه أيضا اختيار الإمام عقد الجزية على الأسارى الموجب لاستمرار الكفر في قلوبهم على قتلهم الموجب لمحو الكفر من قلوبهم لأن مقصوده توقع الإسلام منهم أو من ذريتهم إذا بقوا أحياء وعدم سد باب الإيمان منهم ومن ذريتهم بقتلهم

____________________

(4/260)

الإيمان وحصول الكفر وقع بالعرض فهو مشروع مأمور به واجب عند تعيين مقتضيه ويثاب عليه الإمام والفاعل له بخلاف الدعاء بسوء الخاتمة فهو منهي عنه ويأثم قائله وإن لم يكفر بذلك

واستشكل بعض العلماء الفرق بين السجود للشجرة والسجود للوالد في أن الأول كفر دون الثاني وإن كان الساجد في الحالتين معتقدا ما يجب لله تعالى وما يستحيل وما يجوز عليه وإنما أراد التشريك في السجود وهو يعتقد بذلك التقرب إلى الله تعالى كما يعتقده الساجد للوالد وقد قالت عبدة الأوثان ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى مع أن القاعدة أن الفرق بين الكفر والكبيرة إنما هو بعظم المفسدة وصغرها لاشتراك الجميع في المفسدة والنهي والتحريم وما بين هاتين الصورتين من المفسدة التي نعلمها ما يقتضي الكفر في إحداهما دون الأخرى وقد أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم فسجدوا له ولم يكن قبلة على أحد القولين بل هو المقصود بالتعظيم بذلك السجود ولم يقل أحد إن الله تعالى أمر هنالك بما نهى عنه من الكفر ولا أنه أباح الكفر لأجل آدم ولا أن في السجود لآدم مفسدة تقتضي كفرا

هامش أنوار البروق

اشتراط شهرة ذلك الأمر من الدين بل لا بد من اشتهار ذلك من وصول ذلك إلى هذا الشخص وعلمه به فيكون إذ ذاك مكذبا لله تعالى ولرسوله فيكون بذلك كافرا أما إذا لم يعلم ذلك الأمر وكان من معالم الدين المشتهرة فهو عاص بترك التسبب إلى علمه ليس بكافر والله تعالى أعلم قال وبهذا التقرير نجيب على سؤال السائل إلى قوله الإجماع فيه إنما يعلمه خواص الفقهاء أو الفقهاء دون غيرهم قلت ما قاله في ذلك صحيح إلا ما نقضه من شرط علم هذا الشخص بذلك الأمر المشتهر

قال وألحق الشيخ أبو الحسن الأشعري رضي الله تعالى عنه بالكفر إرادة الكفر كبناء الكنائس ليكفر فيها قلت إن كان بناها الشخص لاعتقاده رجحان الكفر على الإسلام فهو كفر لا شك وإن كان بناها الكافر إرادة التقرب إليه والتودد له بذلك فهو معصية لا كفر

قال أو قتل نبي مع اعتقاده صحة رسالته ليميت شريعته قلت ذلك كفر ولكن لا يتأتى فرضه إلا على قول من يجوز الكفر عنادا

قال ومنه تأخير إسلام من أتى ليسلم على يديك فتشير عليه بتأخير الإسلام لأنه إرادة لبقاء الكفر قلت ذلك قد يكون كفرا إن كان

هامش إدرار الشروق

فحصول الكفر بإبقائهم أحياء وقع بالعرض فهو مشروع مأمور به بل واجب عند تعين مقتضيه ويثاب عليه الإمام الفاعل بخلاف الدعاء بسوء الخاتمة فإنه منهي عنه ويأثم قائله وإن لم يكفر بذلك

قال والانتهاك الخاص المميز للكفر عن الكبائر والصغائر إنما يتبين خصوصه ببيان أقسام الجهل بالله تعالى وبيان ما يتعلق بالجرأة على الله تعالى فأما أقسام الجهل فعشرة

أحدها ما لم نؤمر بإزالته أصلا ولم نؤاخذ ببقائه لأنه لازم لنا لا يمكن الانفكاك عنه وهو جلال الله تعالى وصفاته التي لم تدل عليها الصنعة ولم يقدر العبد على تحصيله بالنظر فعفا عنه لعجزنا عنه وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك وقول الصديق العجز عن درك الإدراك إدراك

وثانيها ما أجمع المسلمون على أنه كفر قال القاضي عياض في

____________________

(4/261)

ولو فعل من غير أمر ربه ولا يمكن أن يقال إن الأمر والنهي عنهما سببا المفاسد والمصالح فإن نهى عن السجود كان مفسدة وإن أمر به كان مصلحة لأن هذا يلزم منه الدور لأن المفسدة تكون حينئذ تابعة للنهي مع أن النهي يتبع المفسدة فيكون كل واحد منهما تابعا لصاحبه فيلزم الدور بل الحق أن المفسدة يتبعها النهي وما لا مفسدة فيه لا يكون منهيا عنه واستقراء الشرائع يدل على ذلك فإن السرقة لما كان فيها ضياع المال نهى عنها ولما كان في القتل فوات الحياة نهى عنه ولما كان في الزنا مفسدة اختلاط الأنساب نهى عنه ولما كان في الخمر ذهاب العقول نهى عنه فلا جرم لما صار الخمر خلا ذهب عنه النهي ولما كان عصيرا لا يفسد العقل لم يكن منهيا عنه فالاستقراء دل على أن المفاسد والمصالح سابقة على الأوامر والنواهي والثواب والعقاب تابع للأوامر والنواهي فما فيه مفسدة ينهى عنه فإذا فعل حصل العقاب وما فيه مصلحة أمر به فإذا فعل حصل الثواب فالثواب والعقاب في الرتبة الأولى فلو علل الأمر والنهي بالثواب والعقاب لزم تقدم الشيء على نفسه برتبتين ولذلك يقول

هامش أنوار البروق

إنما أشار بالتأخير لاعتقاده رجحان الكفر وقد لا يكون كفرا إن كان إنما أراد بالتأخير لكونه لا يريد لهذا الإسلام لحقد له عليه أو نحو ذلك مما يستلزم أن يعتقد المشير رجحان الكفر

قال ولا يندرج في إرادة الكفر الدعاء بسوء الخاتمة على من تعاديه وإن كان فيه إرادة الكفر لأنه ليس مقصودا فيه انتهاك حرمة الله تعالى بل إذاية المدعو عليه قلت هذا الذي قاله هنا موافق لما قلته في مسألة الإشارة بتأخير الإسلام من جهة أنه لم يشر بذلك عليه إلا بقصد إذايته لا لاعتقاده رجحان الكفر

قال وليس منه أيضا اختيار الإمام عقد الجزية على الأسارى على القتل الموجب لمحو الكفر من قلوبهم وفي عقد الجزية إرادة استمرار الكفر في قلوبهم فهو فيه إرادة الكفر لأن مقصوده توقع الإسلام منهم أو من ذراريهم إذا بقوا أحياء وفي تعجيل القتل عليهم سد باب الإيمان منهم ومن ذريتهم فالمقصود توقع الإيمان وحصول الكفر وقع بالعرض قلت ما حام عليه في هذا الفصل كله صحيح وهو أن استبقاء الأسارى وضرب الجزية عليهم

هامش إدرار الشروق

كتاب الشفاء انعقد الإجماع على تكفير من جحد أن الله تعالى عالم أو متكلم أو غير ذلك من صفاته الذاتية فإن جهل الصفة ولم ينفها كفره الطبري وغيره وقيل لا يكفر وإليه رجع الأشعري لأنه لم يصمم على اعتقاد ذلك ويعضده حديث القائل لئن قدر الله علي ليعذبني الحديث وحديث السوداء لما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أين الله قالت في السماء قال ولو كوشف أكثر الناس على الصفات لم يعلمها

قال الأصل فنفي الصفات والجزم بنفيها هو المجمع عليه وليس معناه نفي العلم أو الكلام أو الإرادة ونحو ذلك بل العالم والمتكلم والمريد فالمجمع على كفره هو من نفى أصل المعنى وحكمه وهذا هو مذهب جمع كثير من الفلاسفة والدهرية دون أرباب الشرائع

والثالث ما اختلف في التكفير

____________________

(4/262)

الأغبياء من الطلبة مصلحة هذا الأمر أنه يثاب عليه فيعللون بالثواب والعقاب وهو غلط وأما الجهل بالله تعالى عشرة أقسام أحدها ما لم نؤمر بإزالته أصلا ولم نؤاخذ ببقائه لأنه لازم لنا لا يمكن الانفكاك عنه وهو جلال الله تعالى وصفاته التي لم تدل عليها الصنعة ولم يقدر العبد على تحصيله بالنظر فعفا عنه لعجزنا عنه وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك وقول الصديق العجز عن درك الإدراك إدراك وقسم أجمع المسلمون على أنه كفر قال القاضي عياض في كتاب الشفاء انعقد الإجماع على تكفير من جحد أن الله تعالى عالم أو متكلم أو غير ذلك من صفاته الذاتية فإن جهل الصفة ولم ينفها كفره الطبري وغيره وقيل لا يكفر وإليه رجع الأشعري لأنه لم يصمم على اعتقاد ذلك ويعضده حديث القائل لئن قدر الله علي ليعذبني الحديث

وحديث السوداء لما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أين الله قالت في السماء قال ولو كوشف أكثر الناس على الصفات لم يعلمها قلت فنفي الصفات والجزم بنفيها هو المجمع عليه وليس معناه نفي العلم

هامش أنوار البروق

لا يتعين أنه إيثار لاستمرار الكفر وإذا لم يتعين أن يكون لذلك لم يكن كفرا

قال فهو مشروع مأمور به واجب عند تعيين مقتضيه ويثاب عليه الإمام الفاعل له بخلاف الدعاء بسوء الخاتمة فهو منهي عنه ويأثم قائله وإن لم يكفر بذلك قلت ما قاله من أنه مشروع مأمور به عند تعين مقتضيه كذلك يكون لو تعين المقتضي ومتى يتعين المقتضي عندنا ونحن لا نعلم عاقبة أمر الأسير واستشكل بعض العلماء الفرق بين السجود للشجرة والسجود للوالد في الأول كفر دون الثاني وإن كان الساجد في الحالتين معتقدا ما يجب لله تعالى

وما يستحيل وما يجوز عليه وإنما أراد التشريك في السجود وهو يعتقد بذلك التقرب إلى الله تعالى كما يعتقده الساجد للوالد وقد قالت عبدة الأوثان ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى

هامش إدرار الشروق

به وهو من أثبت الأحكام دون الصفات فقال إن الله تعالى عالم بغير علم ومتكلم بغير كلام ومريد بغير إرادة وحي بغير حياة وهكذا بقية الصفات وهذا هو حقيقة مذهب المعتزلة وللأشعري ومالك وأبي حنيفة والشافعي والباقلاني في تكفيرهم قولان

والرابع ما اختلف أهل الحق فيه هل هو جهل تجب إزالته أم هو حق لا تجب إزالته فعلى القول الأول هو معصية وما رأيت من يكفر به وذلك كالقدم والبقاء فهل يجب أن ينعقد أن الله تعالى باق ببقاء قديم ويعصي من لم يعتقد ذلك أو يجب أن لا يعتقد ذلك بل الله تعالى باق بغير بقاء وقديم بغير قدم واعتقاد خلاف ذلك جهل حرام عكس المذهب الأول والفرق بين البقاء والقدم وغيرهما من الصفات مذكور في كتب أصول الدين

والصحيح هنالك أن البقاء والقدم لا وجود لهما في الخارج بخلاف العلم والإرادة وغيرهما

____________________

(4/263)

أو الكلام أو الإرادة ونحو ذلك بل العالم والمتكلم والمريد فمن نفى أصل المعنى وحكمه هو المجمع على كفره وهذا هو مذهب جمع كثير من الفلاسفة والدهرية دون أرباب الشرائع

القسم الثالث ما اختلف في التكفير به وهو من أثبت الأحكام دون الصفات فقال إن الله تعالى عالم بغير علم ومتكلم بغير كلام ومريد بغير إرادة وحي بغير حياة وكذلك في بقية الصفات فهذا هو حقيقة مذهب المعتزلة وللأشعري ومالك وأبي حنيفة والشافعي والباقلاني في تكفيرهم قولان

القسم الرابع ما اختلف أهل الحق فيه هل هو جهل تجب إزالته أم هو حق لا تجب إزالته فعلى القول الأول هو معصية وما رأيت من يكفر به وذلك كالقدم والبقاء فهل يجب أن يعتقد أن الله تعالى باق ببقاء قديم ويعصي من لم يعتقد ذلك أو يجب أن لا يعتقد ذلك بل الله تعالى باق بغير بقاء وقديم بغير قدم واعتقاد خلاف ذلك جهل حرام عكس المذهب الأول والفرق بين البقاء والقدم وغيرهما من الصفات مذكور في كتب أصول الدين والصحيح هنالك أن البقاء والقدم لا

هامش أنوار البروق

قلت الساجد للشجرة والساجد للوالد إن سجد كل واحد منهما مع اعتقاد أن المسجود له شريك الله تعالى فهو كفر وإن سجد لا مع ذلك الاعتقاد بل تعظيما عاريا عن ذلك الاعتقاد فهو معصية لا كفر وإن سجد الساجد للشجرة مع اعتقاد أنه شريك لله تعالى وسجد الساجد للوالد لا مع ذلك الاعتقاد بل تعظيما فالأول كفر والثاني معصية غير كفر أو بالعكس إلا أن نقول أن مجرد السجود للشجرة كفر لأنها قد عبدت مدة ومجرد السجود للوالد ليس بكفر لأنه لم يعبد مدة فيفتقر ذلك إلى توقيف

قال مع أن القاعدة أن الفرق بين الكفر والكبيرة إنما هو بعظم المفسدة وصغرها لاشتراك الجميع في المفسدة والنهي والتحريم وما بين هاتين الصورتين من المفسدة التي نعلمها ما يقتضي

هامش إدرار الشروق

من صفات المعاني السبعة

والخامس جهل يتعلق بالصفات لا بالذات نحو تعلق قدرة الله تعالى بجميع الكائنات وهو مذهب أهل الحق أو لم يتعلق بأفعال الحيوانات وهو مذهب المعتزلة وكتعلق إرادة الله تعالى بتخصيص جميع الكائنات وهو مذهب أهل الحق أو لم تتعلق بأفعال الحيوانات وهو مذهب المعتزلة وللعلماء في تكفيرهم بذلك قولان والصحيح عدم تكفيرهم

والسادس جهل يتعلق بالذات لا بصفة من الصفات مع الاعتراف بوجودها كالجهل بسلب الجسمية والجهة والمكان وهو مذهب الحشوية ومذهب أهل الحق استحالة جميع ذلك على الله تعالى وفي تكفير الحشوية بذلك قولان والصحيح عدم التكفير

وأما سلب الأبوة والبنوة والحلول والاتحاد ونحو ذلك مما هو مستحيل على الله تعالى من هذا القبيل فأجمع المسلمون على تكفير من يجوز ذلك على الله تعالى بخلاف تجويز غيره من المستحيلات كالجهة ونحوها مما تقدم ذكرها والفرق بين القسمين أن القسم الأول الذي هو الجسمية ونحوها فيه عذر عادي فإن الإنسان ينشأ عمره كله وهو لا يدرك موجودا وهو جسم أو قائم بجسم إلا في جهة

____________________

(4/264)

وجود لهما في الخارج بخلاف العلم والإرادة وغيرهما من الصفات السبعة التي هي الحياة والعلم والإرادة والقدرة والكلام والسمع والبصر

القسم الخامس جهل يتعلق بالصفات لا بالذات نحو تعلق قدرة الله تعالى بجميع الكائنات وهو مذهب أهل الحق أو لم يتعلق بأفعال الحيوانات وهو مذهب المعتزلة وكتعلق إرادة الله تعالى بتخصيص جميع الكائنات وهو مذهب أهل الحق أو لم تتعلق بأفعال الحيوانات وهو مذهب المعتزلة وفي تكفيرهم بذلك للعلماء قولان والصحيح عدم تكفيرهم

القسم السادس جهل يتعلق بالذات لا بصفة من الصفات مع الاعتراف بوجودها كالجهل بسلب الجسمية والجهة والمكان وهو مذهب الحشوية ومذهب أهل الحق استحالة جميع ذلك على الله تعالى وفي تكفير الحشوية بذلك قولان والصحيح عدم التكفير وأما سلب الأبوة والبنوة والحلول والاتحاد ونحو ذلك مما هو مستحيل على الله تعالى من هذا القبيل فأجمع المسلمون على تكفير من يجوز ذلك على الله تعالى بخلاف تجويز غيره من المستحيلات كالجهة ونحوها مما تقدم ذكره

والفرق بين القسمين أن القسم

هامش أنوار البروق

الكفر في إحداهما دون الأخرى وقد أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم فسجدوا له ولم يكن قبلة على أحد القولين بل هو المقصود بالتعظيم بذلك السجود ولم يقل أحد إن الله تعالى أمر هنالك بما نهى عنه من الكفر ولا أنه أباح الكفر لأجل آدم ولا أن في السجود لآدم مفسدة تقتضي كفرا لو فعل من غير أمر ربه ولا يمكن أن يقال إن الأمر والنهي عنهما سببا المفاسد والمصالح فإن نهى عن السجود كان مفسدة وإن أمر به كان مصلحة لأن هذا يلزم منه الدور لأن المفسدة تكون حينئذ تابعة للنهي مع أن النهي يتبع المفسدة فيكون كل واحدة منهما تابعا لصاحبه فيلزم الدور بل الحق أن المفسدة يتبعها النهي وما لا مفسدة فيه لا يكون منهيا عنه واستقراء الشرائع يدل على ذلك فإن السرقة لما كان فيها ضياع المال نهى عنها ولما كان في القتل فوات الحياة نهى عنه ولما كان في الزنا

هامش إدرار الشروق

فكان هذا عذرا عند بعض العلماء ولم يضطر الإنسان في مجاري العادات إلى الأبوة والبنوة والحلول والاتحاد ونحوها فكم من موجود في العالم لم يلد ولم يولد كالأملاك والأفلاك والأرض والجبال والبحار فلما انتفت الشبهة الموجبة للضلال انتفى العذر فلذا انعقد الإجماع على التكفير في هذا القسم واختلف في التكفير في القسم الأول

والسابع الجهل بقدم الصفات لا بوجودها وتعلقها كقول الكرامية بحدوث الإرادة ونحوها وفي التكفير بذلك أيضا قولان الصحيح عدم التكفير

والثامن والتاسع الجهل بما وقع أو يقع من متعلقات الصفات وهو قسمان أحدهما كفر إجماعا وهو المراد هاهنا كجهل الفلاسفة ومن تابعهم بأن الله تعالى أراد بعثة الرسل وأرسلهم لخلقه بالرسائل الربانية وكجهلهم ببعثة الخلائق يوم القيامة وإحيائهم من قبورهم وجزائهم على أعمالهم على التفصيل الوارد في الكتاب والسنة

وثانيهما ما لا خلاف في أنه ليس بمعصية كالجهل بخلق حيوان في العالم أو إجراء نهر أو إماتة حيوان ونحو ذلك

____________________

(4/265)

الأول الذي هو الجسمية ونحوها فيه عذر عادي فإن الإنسان ينشأ عمره كله وهو لا يدرك موجودا إلا في جهة وهو جسم أو قائم بجسم فكان هذا عذرا عند بعض العلماء ولم يضطر الإنسان في مجاري العادات إلى البنوة والأبوة والحلول والاتحاد ونحوها فكم من موجود في العالم لم يلد ولم يولد كالأملاك والأفلاك والأرض والجبال والبحار فلما انتفت الشبهة الموجبة للضلال انتفى العذر فانعقد الإجماع على التكفير فهذا هو الفرق وعليه تدور الفتاوى فمن جوز على الله تعالى ما هو مستحيل عليه يتخرج على هذين القسمين

القسم السابع الجهل بقدم الصفات لا بوجودها وتعلقها كقول الكرامية بحدوث الإرادة ونحوها وفي التكفير بذلك أيضا قولان الصحيح عدم التكفير

القسم الثامن الجهل بما وقع أو يقع من متعلقات الصفات وهو قسمان أحدهما كفر إجماعا وهو المراد هاهنا كالجهل بأن الله تعالى أراد بعثة الرسل وأرسلهم لخلقه بالرسائل الربانية وكالجهل ببعثة الخلائق يوم القيامة وإحيائهم من قبورهم وجزائهم على أعمالهم على

هامش أنوار البروق

مفسدة اختلاط الأنساب نهى عنه ولما كان في الخمر ذهاب العقول نهى عنه فلا جرم لما صار الخمر خلا ذهب النهي عنه ولما كان عصيرا لا يفسد العقل لم يكن منهيا عنه فالاستقراء دل على أن المفاسد والمصالح سابقة على الأوامر والنواهي والثواب والعقاب تابع للأوامر والنواهي فما فيه مفسدة نهى عنه فإذا فعل حصل العقاب وما فيه مصلحة أمر به فإذا فعل حصل الثواب فالثواب والعقاب في الرتبة الثالثة والأمر والنهي في الرتبة الثانية والمفسدة والمصلحة في الرتبة الأولى فلو علل الأمر والنهي بالثواب والعقاب لزم تقدم الشيء على نفسه برتبتين ولذلك يقول الأغبياء من الطلبة مصلحة هذا الأمر أنه يثاب عليه فيعللون بالثواب والعقاب وهو غلط

قلت تبعية الأمر بالمأمور به الواجب مثلا لمصلحته إنما معناها والمراد بها أنه لولا القصد إلى

هامش إدرار الشروق

نعم قد يكلف الشرع بمعرفة بعض الصور من ذلك لأمر يخص تلك الصورة لا لأن الجهل به في حق الله تعالى منهي عنه

والعاشر الجهل بما وقع من متعلقات الصفات وهو تعلقها بإيجاد ما لا مصلحة فيه للخلق هل يجوز هذا على الله تعالى أم لا فأهل الحق يجوزونه وأن يفعل لعباده ما هو الأصلح لهم وأن لا يفعله كل ذلك له تعالى فكل نعمة منه فضل وكل نقمة منه عدل والخلائق دائرون بين فضله وعدله لا يسأل عما يفعل وهم يسألون

والمعتزلة لا يجوزون ذلك ويوجبون عليه تعالى الصلاح والأصلح وفي تكفيرهم بذلك قولان والصحيح عدم تكفيرهم كما تقدم وبتفصيل هذه الأقسام على ما ذكر تبين ما هو كفر منها مما ليس بكفر

وأما ما يتعلق بالجرأة على الله تعالى فهو المجال الصعب في التحرير لأن مخالفة أمر الملك العظيم في جميع المعاصي صغائرها وكبائرها جرأة عليه كيف كان فتمييز ما هو كفر منها مبيح للدم موجب للخلود في النار مما ليس

____________________

(4/266)

التفصيل الوارد في الكتاب والسنة فالجهل بهذا كفر إجماعا وهو مذهب الفلاسفة ومن تابعهم

القسم التاسع الجهل بما وقع من متعلقات الصفات وهو تعلقها بإيجاد ما لا مصلحة فيه للخلق هل يجوز هذا على الله تعالى أم لا فأهل الحق يجوزونه وأن يفعل لعباده ما هو الأصلح لهم وأن لا يفعله كل ذلك له تعالى فكل نعمة منه فضل وكل نقمة منه عدل والخلائق دائرون بين فضله وعدله لا يسأل عما يفعل وهم يسألون وفي تكفير المعتزلة بذلك قولان كما تقدم والصحيح عدم تكفيرهم

القسم العاشر ما وقع من متعلقات الصفات الربانية أو يقع مما لم يكلف به كخلق حيوان في العالم أو إجراء نهر أو إماتة حيوان ونحو ذلك فهذا القسم لا خلاف فيه أنه ليس بمعصية وهو جهل بل قد يكلف بمعرفة ذلك من قبل الشرائع لأمر يخص تلك الصورة لا لأن الجهل به في حق الله منهي عنه وهذا القسم هو أحد القسمين اللذين في القسم الثامن فهذه عشرة أقسام في الجهل المتعلق بذات الله وصفاته العلى ومتعلقات

هامش أنوار البروق

تحصيل المصلحة ما شرع وتبعية المصلحة للأمر إنما معناها والمراد بها أنه لولا شرعية الأمر الباعث على فعل المأمور به ما حصلت فالمأمور به تابع للمصلحة وجوبا والمصلحة تابعة له وجودا ولا غرو أن يكون أحد الشيئين تابعا للثاني من وجه ويكون الثاني تابعا له من وجه آخر كالشجرة والثمرة الشجرة تابعة للثمرة أي لولا المقصد إلى تحصيل الثمرة ما زرعت الشجرة والثمرة تابعة للشجرة أي لولا زرع الشجرة ما حصلت الثمرة وعلى هذين التقريرين يبطل ما ادعاه من الدور ويصح ما قاله الأغبياء من أن الثواب هي المصلحة وهي تابعة وجود الفعل الواجب وفعل الواجب تابع وجوبا لتحصيل المصلحة والموجب لتوهمه الدور الممتنع إنما هو الغفلة عن تغاير جهتي التبعية وقد انزاح الإشكال والحمد لله ذي المن والإفضال

قال وأما الجهل بالله تعالى فهو عشرة أقسام أحدهما ما لم نؤمر بإزالته أصلا ولم نؤاخذ ببقائه

هامش إدرار الشروق

كذلك هو المكان الحرج في التحرير والفتوى فمن هنا استشكل بعض العلماء الفرق بين السجود للشجرة والسجود للوالد بأن الأول كيف يكون كفرا دون الثاني والساجد في الحالين يعتقد ما يجب لله تعالى وما يستحيل وما يجوز عليه وإنما أراد التشريك في السجود وهو يعتقد بذلك التقرب إلى الله تعالى في الحالين وقد قالت عبدة الأوثان ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى

والقاعدة أن الفرق بين الكفر والكبيرة مع اشتراكهما في المفسدة والنهي والتحريم إنما هو بعظم المفسدة وصغرها ولم يظهر عظمها هنا ولا يمكن أن يقال إن الأمر والنهي عن السجود كان مفسدة وإن أمر به كان مصلحة لأن هذا يلزم منه الدور لأن المفسدة حينئذ تكون تابعة للنهي مع أن النهي يتبع المفسدة فيكون كل واحد منهما تابعا لصاحبه فيلزم الدور بل الحق أن المفسدة يتبعها النهي والنهي يتبعه العقاب وما لا مفسدة فيه لا يكون منهيا عنه ولا معاقبا عليه واستقراء الشرائع يدل على النهي عما فيه

____________________

(4/267)

الصفات وبيان الكفر فيها من غيره والمجمع عليه منها من المختلف فيه مفصلا وتبين بذلك ما هو كفر منها مما ليس بكفر هذا ما يتعلق بالجهل وأما ما يتعلق بالجراءة على الله تعالى فهو المجال الصعب في التحرير وذلك أن الصغائر والكبائر وجميع المعاصي كلها جرأة على الله تعالى لأن مخالفة أمر الملك العظيم جراءة عليه كيف كان فتمييز ما هو كفر منها مبيح للدم موجب للخلود هذا هو المكان الحرج في التحرير والفتوى والتعرض إلى الحد الذي يمتاز به أعلى رتب الكبائر من أدنى رتب الكفر عسير جدا بل الطريق المحصل لذلك أن يكثر من حفظ فتاوى المتقدمين المقتدى بهم من العلماء في ذلك وينظر ما وقع له هل هو من جنس ما أفتوا فيه بالكفر أو من جنس ما أفتوا فيه بعدم الكفر فيلحقه بعد إمعان النظر وجودة الفكر بما هو من جنسه فإن أشكل عليه الأمر أو وقعت المشابهة بين أصلين مختلفين أو لم تكن له أهلية النظر في ذلك لقصوره وجب عليه التوفيق ولا يفتي بشيء فهذا هو الضابط لهذا الباب

أما عبارة مانعة جامعة لهذا المعنى فهي من المتعذرات عند من عرف غور هذا الموضع

هامش أنوار البروق

لأنه لازم لنا لا يمكن الانفكاك عنه وهو جلال الله تعالى وصفاته التي لم تدل عليها الصنعة ولم يقدر العبد على تحصيله بالنظر فعفا عنه لعجزنا عنه وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك وقول الصديق رضي الله تعالى عنه العجز عن درك الإدراك إدراك

قلت كلامه هذا يقتضي الجزم بأن هناك صفة زائدة على ما دلت عليه الصنعة لكنا لا نعلمها فإن كان يريد أنه لا نعلمها لا جملة ولا تفصيلا فقد تناقض كلامه إذ مساقه يقتضي الجزم بثبوتها على الجملة وإن كنا لا نعلمها على التفصيل وإن كان يريد أنا لا نعلمها على التفصيل وإن علمناها على الجملة فقوله ذلك دعوى لا دليل عليها وهذا المقام مما اختلف الناس فيه فمنهم من يقتضي كلامه أنه لا صفة وراء ما علمناه

هامش إدرار الشروق

مفسدة وعدم النهي عما لا مفسدة فيه

ألا ترى أن السرقة لما كان فيها ضياع المال نهى عنها وأن القتل لما كان فيه فوات الحياة نهى عنه وأن الزنا لما كان فيه اختلاط الأنساب نهى عنه وأن الخمر لما كان فيه ذهاب العقول نهى عنه وأن العصير لما كان لا يفسد العقل لم يكن منهيا عنه وأن الخمر إذا صار خلا انتفى عنه فساد العقل فذهب عنه النهي ويدل أيضا على أن المفاسد والمصالح سابقة على الأوامر والنواهي وأن الثواب والعقاب تابع للأوامر والنواهي فما فيه مفسدة ينهى عنه فإذا فعل حصل العقاب وما فيه مصلحة أمر به فإذا فعل حصل الثواب فالثواب والعقاب في الرتبة الثالثة والأمر والنهي في الرتبة الثانية والمفسدة والمصلحة في الرتبة الأولى فلو علل الأمر والنهي بالثواب والعقاب لزم تقدم الشيء على نفسه برتبتين فقول الأغبياء من الطلبة مصلحة هذا الأمر أنه يثاب عليه غلط

وحيث علمت ذلك فالطريق المحصل للحد الذي يمتاز به أعلى رتب الكبائر من أدنى رتب الكفر هو أن يكثر من حفظ فتاوى المتقدمين المقتدى بهم من العلماء في ذلك

____________________

(4/268)

سألة

اتفق الناس فيما علمت على تكفير إبليس بقضيته مع آدم عليه السلام وليس مدرك الكفر فيها الامتناع من السجود وإلا لكان كل من أمر بالسجود فامتنع منه كافرا وليس الأمر كذلك ولا كان كفره لكونه حسد آدم على منزلته عند الله تعالى وإلا لكان كل حاسد كافرا ولا كان كفره لعصيانه وفسوقه من حيث هو عصيان وفسوق وإلا كان كل عاص وفاسق كافرا وقد أشكل ذلك على جماعة من الفقهاء وينبغي أن تعلم أن إبليس إنما كفر بنسبة الله تعالى إلى الجور والتصرف الذي ليس بمرضي ظهر ذلك من فحوى قوله أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ومراد أن إلزام العظيم الجليل بالسجود للحقير من التصرف الرديء والجور والظلم فهذا وجه كفره وقد أجمع المسلمون على أن من نسب الله تعالى لذلك فقد كفر لأنه من الجرأة العظيمة

مسألة

أطلق المالكية وجماعة معهم الكفر على الساحر وأن السحر كفر ولا شك أن هذا قريب من حيث الجملة غير أنه عند الفتيا في جزئيات الوقائع يقع فيه الغلط العظيم المؤدي إلى هلاك المفتي والسبب في ذلك أنه إذا قيل للفقيه ما هو السحر وما حقيقته

هامش أنوار البروق

ومنهم من يقتضي كلامه أن هناك صفات لا نعلمها ومنهم من يقتضي كلامه الوقف في ذلك وهو الصحيح ويترتب على ذلك أن لا تكليف بإزالة هذا الجهل ولا مؤاخذة ببقائه كما قال والله تعالى أعلم ولا دليل له في قول النبي صلى الله عليه وسلم لاحتمال أن يريد لا أستطيع المداومة والاستمرار على الثناء عليك للقواطع عن ذلك كالنوم وشبهه ولا في كلام الصديق رضي الله تعالى عنه لاحتمال أن يريد العجز عن الاطلاع على جميع معلومات الله تعالى اطلاع على الفرق بين الرب والمربوب والمالك والمملوك والخالق والمخلوق وذلك هو صريح الإيمان وصحيح الإيقان والله تعالى أعلم

قال وقسم أجمع المسلمون على أنه كفر قال القاضي عياض في كتاب الشفاء انعقد الإجماع على تكفير من جحد أن الله تعالى عالم أو متكلم أو غير ذلك من صفاته الذاتية فإن جهل الصفة ولم ينفها كفره الطبري وغيره وقيل لا يكفر وإليه رجع الأشعري لأنه لم يصمم على اعتقاد ذلك

هامش إدرار الشروق

وينظر ما وقع له من النوازل هل هو من جنس ما أفتوا فيه بالكفر أو من جنس ما أفتوا فيه بعدم الكفر فيلحقه بعد إمعان النظر وجودة الفكر بما هو من جنسه فإن أشكل عليه الأمر أو وقعت المشابهة بين أصلين مختلفين أو لم تكن له أهلية النظر في ذلك لقصوره وجب عليه التوقف ولا يفتي بشيء فهذا هو الضابط لهذا الباب

ويوضحه ثلاث مسائل

المسألة الأولى أن السجود للشجرة إنما اقتضى الكفر دون السجود للوالد لأن فيه من المفسدة التي نعلمها ما يقتضي الكفر دون السجود للوالد إذ الشجرة ليست من المقصود بالتعظيم شرعا وقد عبدت مدة بخلاف الوالد فإنه من المقصود بالتعظيم شرعا ولم يعبد مدة وقد أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم فسجدوا له ولم يكن قبلة على أحد القولين بل هو المقصود بالتعظيم بذلك السجود ولم يقل أحد إن الله تعالى أمر هنالك بما نهى عنه من الكفر ولا أنه أباح الكفر لأجل آدم ولا أن في السجود لآدم مفسدة تقتضي كفرا لو فعل من أمر غير ربه فافهم

المسألة الثانية قال الأصل اتفق الناس فيما علمت على تكفير إبليس بقضيته مع آدم عليه السلام

____________________

(4/269)

حتى يقضى بوجوده على كفر فاعليه يعسر عليه ذلك جدا فإنك إذا قلت له السحر والرقى والخواص والسيميا والهيميا وقوى النفوس شيء واحد وكلها سحر أو بعض هذه الأمور سحر وبعضها ليس بسحر فإن قال الكل سحر يلزمه أن سورة الفاتحة سحر لأنها رقية إجماعا وإن قال بل لكل واحدة من هذه خاصية يختص بها فيقال بين لنا خصوص كل واحد منها وما به تمتاز وهذا لا يكاد يعرفه أحد من المتعرضين للفتيا وأنا طول عمري ما رأيت من يفرق بين هذه الأمور فكيف يفتي أحد بعد هذا بكفر شخص معين أو بمباشرة شيء معين بناء على أن ذلك سحر وهو لا يعرف السحر ما هو ولقد وجد في بعض المدارس بعض الطلبة عنده كراسة فيها آيات للمحبة والبغضة والتهييج والنزيف وغير ذلك من الأمور التي تسميها المغاربة علم المخلاة فأفتوا بكفره وإخراجه من المدرسة بناء على أن الأمور سحر وأن السحر كفر وهذا جهل عظيم وإقدام على شريعة الله بجهل وعلى عباده بالفساد من غير علم فاحذر هذه الخطة الردية المهلكة عند الله وستقف في الفرق الذي بعد هذا على الصواب في ذلك إن شاء الله تعالى

هامش أنوار البروق

ويعضده حديث القائل لئن قدر الله علي ليعذبني الحديث

وحديث السوداء لما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أين الله فقالت في السماء قال ولو كوشف أكثر الناس على الصفات لم يعلمها قال شهاب الدين قلت فنفي الصفات والجزم بنفيها هو المجمع عليه وليس معناه نفي العلم أو الكلام أو الإرادة ونحو ذلك بل العالم والمتكلم والمريد فمن نفى أصل المعنى وحكمه هو المجمع على كفره وهذا هو مذهب كثير من الفلاسفة والدهرية دون أرباب الشرائع قلت أكثر ذلك كله نقل لا كلام فيه إلا الاستدلال بالحديث فإنه موضع لا يكفي في مثله الظواهر مع تعين التأويل في

هامش إدرار الشروق

وليس مدرك الكفر فيها الامتناع من السجود وإلا لكان كل من أمر بالسجود فامتنع منه كافرا وليس الأمر كذلك ولا كان كفره لكونه حسد آدم على منزلته عند الله تعالى وإلا لكان كل حاسد كافرا وليس كذلك ولا كان كفره لعصيانه وفسوقه من حيث هو عصيان وفسوق وإلا لكان كل عاص وفاسق كافرا وليس كذلك

وقد أشكل ذلك على جماعة من الفقهاء بل ينبغي أن تعلم أن مدرك كفره فيها إنما هو بنسبة الله تعالى إلى الجور والتصرف الذي ليس بمرضي كما ظهر ذلك من فحوى قوله أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ومراده أن إلزام العظيم الجليل بالسجود للحقير من التصرف الرديء والجور والظلم وقد أجمع المسلمون على أن من نسب الله تعالى لذلك فقد كفر لأنه من الجرأة العظيمة

المسألة الثالثة قال الأصل أطلق المالكية وجماعة معهم الكفر على الساحر وأن السحر كفر ولا

____________________

(4/270)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

الحديثين من جهة أن حديث لئن قدر الله علي ظاهره ينفي أن الله تعالى قادر واحتمال أن يكون تارة قادرا وتارة غير قادر وليس ظاهره نفي أنه قادر بقدرة وكذلك حديث السوداء ظاهره أن الله تعالى مستقر في السماء استقرار الأجسام وهذا وإن كان غير مجمع على أنه كفر فإنه باطل قطعا لقيام الدليل على ذلك وقد أقرها النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ولا يجوز أن يقر على باطل قطعا فتعين التأويل هنا لأن إقرار النبي صلى الله عليه وسلم على الباطل لا يجوز والله تعالى أعلم

قال شهاب الدين القسم الثالث ما اختلف في التكفير به وهو من أثبت الأحكام دون الصفات إلى آخره قلت ما قاله في ذلك صحيح وهو نقل لا كلام فيه وما قاله في القسم الرابع صحيح غير ما في قول باق بغير بقاء من إيهام التناقض ومراد من عبر بهذه العبارة ليس ظاهرها بل مراده أن البقاء ليس بصفة ثبوتية وما قاله في القسم الخامس صحيح قال القسم السادس جهل يتعلق بالذات لا بصفة من الصفات مع الاعتراف بوجودها كالجهل بسلب الجسمية والجهة والمكان وهو مذهب الحشوية ومذهب أهل الحق استحالة جميع ذلك على الله تعالى وفي تكفير الحشوية بذلك قولان والصحيح عدم تكفيرهم قلت كان الأولى أن يقول جهل بالصفات السلبية لا جهل يتعلق بالذات ولا يحتاج إلى قوله مع الاعتراف بوجودها فإنه في كلامه كالمتناقض مع أن الحشوية ليس مذهبهم الجهل بسلب الجسمية بل مذهبهم إثبات الجسمية وما في معناها إلا أن يطلق على كل مذهب باطل أنه جهل فذلك له وجه

هامش إدرار الشروق

شك أن هذا قريب من حيث الجملة غير أنه عند الفتيا في جزئيات الوقائع يقع فيه الغلط العظيم المؤدي إلى هلاك المفتي والسبب في ذلك أنه إذا قيل للفقيه ما هو السحر وما حقيقته حتى يقضى بوجوده على كفر فاعليه يعسر عليه ذلك جدا فإنك إذا قلت له السحر والرقى والخواص والسيميا والهيميا وقوى النفوس شيء واحد وكلها سحر أو بعض هذه الأمور سحر وبعضها ليس بسحر فإن قال الكل سحر يلزمه أن سورة الفاتحة سحر لأنها رقية إجماعا وإن قال بل لكل واحدة من هذه خاصية تختص بها فيقال بين لنا خصوص كل واحدة منها وما به تمتاز وهذا لا يكاد يعرفه أحد من المعترضين للفتيا وأنا طول عمري ما رأيت من يفرق بين هذه الأمور فكيف يفتي أحد بعد هذا بكفر شخص معين أو بمباشرة شيء معين بناء على أن ذلك سحر وهو لا يعرف السحر ما هو ولقد وجد في بعض المدارس عند بعض الطلبة كراسة فيها آيات للمحبة والبغض والتهيج والنزيف وغير ذلك من هذه الأمور التي تسميها المغاربة علم المخلات فأفتوا بكفره وإخراجه من المدرسة بناء على أن هذه الأمور سحر وأن السحر كفر وهذا جهل عظيم وإقدام على شريعة الله بجهل وعلى عباده بالفساد من غير علم فاحذر هذه الخطة الرديئة المهلكة عند الله وستقف في الفرق الذي بعد هذا على الصواب في ذلك إن شاء الله تعالى

ا ه كلام الأصل وذهب الإمام أبو القاسم بن الشاط إلى عدم صحة قوله بالتباس الكفر بالكبائر قال فإن قوله أن النهي يعتمد المفاسد إن أراد المفاسد بمقتضى الشرع فلا شك أن الكفر أعظم المفاسد وما عداه من المعاصي تتفاوت رتبته على أنه كيف يلتبس بها والكفر أمر اعتقادي والكبائر أعمال

____________________

(4/271)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

قال وأما سلب البنوة والأبوة والحلول والاتحاد ونحو ذلك مما هو مستحيل على الله تعالى فأجمع المسلمون على تكفير من يجوز ذلك على الله تعالى بخلاف تجويز غيره من المستحيلات كالجهة ونحوها مما تقدم ذكره والفرق بين القسمين أن القسم الأول الذي هو الجسمية ونحوها فيه عذر عادي فإن الإنسان ينشأ عمره كله وهو لا يدرك موجودا إلا في جهة وهو جسم أو قائم بجسم فكان عذرا عند بعض العلماء ولم يضطر الإنسان في مجاري العادات إلى البنوة والأبوة والحلول والاتحاد ونحوها فكم من موجود في العالم لم يلد ولم يولد كالأملاك والأفلاك والأرض والجبال والبحار فلما انتفت الشبهة الموجبة للضلال انتفى العذر فانعقد الإجماع على التكفير فهذا هو الفرق وعليه تدور الفتاوى فمن جوز على الله تعالى ما هو مستحيل عليه يتخرج على هذين القسمين قلت ما قاله في ذلك نقل وتوجيه وهو الصحيح

قال شهاب الدين القسم السابع الجهل بقدم الصفات لا بوجودها وتعلقها كقول الكرامية بحدوث الإرادة ونحوها وفي التكفير بذلك أيضا قولان الصحيح عدم التكفير قلت ما قاله نقل وترجيح لا كلام فيه وما قاله في القسم الثامن صحيح أيضا لكن فيه إطلاق لفظ الجهل على المذهب الباطل فإن الفلاسفة مذهبهم الجزم بأن لا بعثة للأجسام وما قاله في القسم التاسع نقل وترجيح قال القسم العاشر ما وقع من متعلقات الصفات الربانية أو يقع ما لم يكلف به كخلق حيوان

هامش إدرار الشروق

وليست باعتقاد سواء كانت أعمال قلبية أو بدنية قال وليس الكفر انتهاك حرمة الربوبية إذ لا يصدر عادة ممن يدين بالربوبية بل يتعذر عادة مع العلم بالله تعالى وإنما يكون مع الجهل به تعالى فالكفر إما الجهل بوجود الصانع أو صفاته خاصة عند من لا يصحح الكفر وإما الجهل بالله تعالى أو جحده عند من يصحح الكفر عنادا قال ولا نسلم أن مجرد رمي المصحف في القاذورات كفر بل رميه فيها إن كان مع الجهل فالكفر هو الجهل لا عين رميه وإن كان مع العلم بالله تعالى فإن كان مع التكذيب به هو كفر وإن لم يكن معه فهو معصية غير كفر

ولا أن مجرد السجود للصنم كفر بل إن كان مع اعتقاد كونه إلها فهو كفر وإلا فلا بل يكون معصية إن كان لغير إكراه وجائزا إن كان للإكراه ولا أن مجرد التردد إلى الكنائس في أعيادهم بزي النصارى ومباشرة أحوالهم كفر بل ليس هو بكفر إلا أن يعتقد معتقدهم قال وجحد المجمع عليه المعلوم من الدين بالضرورة كفر إن كان جحد بعد علمه فيكون تكذيبا وإلا فهو جهل وذلك الجهل معصية لأنه مطلوب بإزالة مثل هذا الجهل على وجه الوجوب وحينئذ فلا يكفي الاقتصار على اشتراط شهرة ذلك الأمر من الدين بل لا بد مع اشتهار ذلك من وصول ذلك إلى هذا الشخص وعلمه به فيكون إذ ذاك مكذبا لله تعالى ولرسوله فيكون بذلك كافرا أما إذا لم يعلم ذلك الأمر وكان من معالم الدين المشتهرة فهو عاص بترك التسبب إلى علمه ليس بكافر بذلك وما يفيده كلام الشهاب من نقص شرط علم الشخص بذلك الأمر المشتهر ليس بصحيح قال ولا نسلم أن الكبائر والصغائر انتهاك لحرمة الله تعالى وإنما هي جرأة على مخالفة تحمل عليها الأغراض والشهوات

قال وبناء الشخص الكنائس ليكفر فيها إن كان الاعتقاد رجحان الكفر على الإسلام فهو كفر لا شك فيه وإن كان لكافر إرادة التقرب إليه والتودد له بذلك فهو معصية لا كفر وقتل الشخص نبيا مع

____________________

(4/272)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

في العالم أو إجراء نهر أو إماتة حيوان ونحو ذلك فهذا القسم لا خلاف أنه ليس بمعصية وهو جهل قلت إن أراد الجهل بأن الله تعالى خلق شيئا من الحيوانات الموجودات المعلوم وجودها فذلك كفر لا شك فيه وإن أراد الجهل بأن الله تعالى خلق حيوانا لا يعلم وجوده فذلك ليس بكفر ولا معصية لأن ذلك الجهل ليس براجع إلى الجهل بتعلق صفات الله تعالى به بل بوجود هذا المتعلق

قال بل قد يكلف بمعرفة ذلك من قبل الشرائع لأمر يخص تلك الصورة لا لأن الجهل به في حق الله تعالى منهي عنه قلت إن أراد مثل السحر الذي يكفر به فذلك وإلا فلا أدري ما أراد

قال وهذا القسم الثاني هو أحد القسمين اللذين في القسم الثامن فهذه عشرة أقسام من الجهل المتعلق بذات الله تعالى وصفاته العلى ومتعلقات الصفات وبيان الكفر فيها من غيره والمجمع عليه منها من المختلف فيه مفصلا وتبين بذلك ما هو كفر منها مما ليس بكفر قلت فيما قاله إن أراد حصر الكفر في ذلك نظر

قال هذا ما يتعلق بالجهل وأما ما يتعلق بالجراءة على الله تعالى فهو المجال الصعب في التحرير وذلك أن الصغائر والكبائر وجميع المعاصي كلها جراءة على الله تعالى لأن مخالفة أمر الملك العظيم جراءة عليه كيف كان فتمييز ما هو كفر منها مبيح للدم موجب للخلود هذا هو المكان الحرج في التحرير والفتوى والتعرض إلى الحدود الذي يمتاز به أعلى رتب الكبائر من أدنى رتب الكفر عسير جدا بل الطريق المحصل لذلك أن يكثر من حفظ

هامش إدرار الشروق

اعتقاده صحة رسالته ليميت شريعته لا يتأتى فرض كونه كفرا إلا على قول من يجوز الكفر عنادا وإشارة الشخص على من أتى ليسلم على يديه بتأخير الإسلام لا تكون كفرا إلا إن كانت لاعتقاده رجحان الكفر أما إن كانت لكونه لا يريد لهذا الشخص الإسلام لحقد له عليه أو نحو ذلك مما لا يستلزم أن يعتقد المشير رجحان الكفر فلا تكون كفرا قال ويوافق قولنا في مسألة الإشارة بتأخير الإسلام من أنها ليست بكفر من أنه جهة لم يشر بذلك عليه إلا لقصد إثباته لا لاعتقاده رجحان الكفر قول شهاب الدين ولا يندرج في إرادة الكفر الدعاء بسوء الخاتمة على من تعاديه وإن كان فيه إرادة الكفر لأنه ليس مقصودا فيه انتهاك حرمة الله تعالى بل إذاية المدعو عليه

وقوله وليس منه أيضا اختيار الإمام عقد الجزية على الأسارى الموجب لاستمرار الكفر في قلوبهم على القتل إلى قوله وقع بالعرض فإن معناه أن استبقاء الأسارى وضرب الجزية عليهم لا يتعين أنه إيثار لاستمرار الكفر وإذا لم يتعين أن يكون لذلك لم يكن كفرا وأما ما قاله من أنه مشروع مأمور به عند تعين مقتضيه فنقول كذلك يكون لو تعين المقتضي ومتى يتعين عندنا ونحن لا نعلم ما عاقبة أمر الأسير

قال وكل واحد من الساجد للشجرة والساجد للوالد إن سجد مع اعتقاد أن المسجود له شريك لله تعالى فهو كفر وإن سجد لا مع ذلك الاعتقاد بل تعظيما عاريا عن ذلك الاعتقاد فهو معصية لا كفر وإن سجد الساجد للشجرة مع اعتقاد أنه شريك لله تعالى وسجد الساجد للوالد لا مع ذلك الاعتقاد بل تعظيما فالأول كفر والثاني معصية غير كفر أو كان الأمر بالعكس فبالعكس

وأما إذا قلنا إن مجرد السجود للشجرة كفر لأنها عبدت مدة ومجرد السجود للوالد ليس بكفر لأنه لم

____________________

(4/273)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

فتاوى المقتدى بهم من العلماء في ذلك وينظر ما وقع له هل هو من جنس ما أفتوا فيه بالكفر أو من جنس ما أفتوا فيه بعدم الكفر فيلحقه بعد إمعان النظر وجودة الفكر بما هو من جنسه فإن أشكل عليه الأمر أو وقعت المشابهة بين أصلين مختلفين أو لم يكن له أهلية النظر في ذلك لقصوره وجب عليه التوقف ولا يفتي بشيء فهذا هو الضابط لهذا الباب

أما عبارة جامعة لهذا المعنى فهي من المتعذرات عند من عرف غور هذا الموضع قلت ليس ما قاله في ذلك بصحيح فإن التكفير لا يصح إلا بقاطع سمعي وما ذكره ليس كذلك فلا معول عليه ولا مستند فيه والله تعالى أعلم

قال مسألة اتفق الناس فيما علمت على تكفير إبليس بقضيته مع آدم عليه السلام وليس مدرك الكفر فيها الامتناع من السجود وإلا لكان كل من أمر بالسجود فامتنع منه كافرا ولا بحسده لآدم لمنزلته عند الله تعالى وإلا لكان كل حاسد كافرا ولا كان كفره لعصيانه وفسوقه من حيث هو عصيان وفسوق وإلا لكان كل عاص وفاسق كافرا

قلت ما قاله من لزوم الكفر لكل ممتنع من السجود ولكل حاسد ولكل عاص ليس بصحيح لأنه لا يمتنع في العقل أن يجعل الله تعالى حسدا ما وامتناعا ما وعصيانا ما دون سائر ما هو من جنسه كفرا إذ كون أمر ما كفرا أو غير كفر أمر وضعي وضعه الشارع لذلك فلا مانع من أن يكون كفره لامتناعه أو لحسده

هامش إدرار الشروق

يعبد مدة قال ذلك يفتقر إلى توقيف قال ومعنى تبعية الأمر بالمأمور به الواجب مثلا لمصلحته والمراد بها أنه لولا القصد إلى حصول المصلحة ما شرع ومعنى تبعية المصلحة للأوامر والمراد بها أنه لولا شرعية الأمر الباعث على فعل المأمور به ما حصلت فالمأمور به تابع للمصلحة وجوبا والمصلحة تابعة له وجودا وحينئذ فلا غرو أن يكون أحد الشيئين تابعا للآخر من وجه ويكون الآخر تابعا له من وجه آخر كما أن الشجرة تابعة للثمرة وجوبا أي لولا القصد إلى تحصيل الثمرة ما زرعت الشجرة والثمرة تابعة للشجرة وجودا أي لولا زرع الشجرة ما حصلت الثمرة فصح ما قاله الأغبياء من الطلبة من أن الثواب هي المصلحة وهي تابعة وجود الفعل الواجب وفعل الواجب تابع وجوبا بالتحيل المصلحة وبطل ما ادعاه الشهاب من الدور الممتنع وإنما الموجب لتوهمه هو الغفلة عن تغاير جهتي التبعية فانزاح الإشكال والحمد لله ذي المن والأفضال قال وكلام الشهاب في القسم الأول من أقسام الجهل العشرة يقتضي الجزم بأن هناك صفة زائدة على ما دلت عليه الصنعة لكننا لا نعلمها فإن أراد أنا لا نعلمها لا جملة ولا تفصيلا فقد تناقض كلامه فإن مساق كلامه يقتضي الجزم بثبوتها على الجملة وإن كنا لا نعلمها على التفصيل وإن أراد أنا لا نعلمها على التفصيل وإن علمناها على الجملة كان قوله ذلك دعوى لا دليل عليها وقوله عليه السلام لا أحصي إلخ يحتمل أن يريد لا أستطيع المداومة والاستمرار على الثناء عليك للقواطع عن ذلك بكالنوم وشبهه قول الصديق العجز إلخ يحتمل أن يريد أن العجز عن الاطلاع على

____________________

(4/274)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

قال وقد أشكل ذلك على جماعة من الفقهاء وينبغي أن يعلم أن إبليس إنما كفر بنسبة الله تعالى إلى الجور والتصرف الذي ليس بمرضي ظهر ذلك من فحوى قوله أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ومراده أن إلزام العظيم الجليل بالسجود للحقير من التصرف الرديء والجور والظلم قلت ما قاله في ذلك محتمل وهو الظاهر مع احتمال أن يكون كفره لامتناعه أو لحسده أو لهما مع ذكره من التجوير أو التجوير خاصة فلا مانع من عقل ولا نقل من ذلك

قال فهذا

هامش إدرار الشروق

جميع معلومات الله تعالى اطلاع على الفرق بين الرب والمربوب والمالك والمملوك والخالق والمخلوق وذلك هو صريح الإيمان وصحيح الإيقان

قال وهذا المقام مما اختلف الناس فيه فمنهم من يقتضي كلامه أنه لا صفة وراء ما علمناه ومنهم من يقتضي كلامه أن هناك صفات لا نعلمها ومنهم من يقتضي كلامه الوقف في ذلك وهو الصحيح ويترتب على ذلك أنه لا تكليف بإزالة هذا الجهل ولا مؤاخذة ببقائه كما قال الشهاب قال وفي الاستدلال بالحديثين على ما نقله في القسم الثاني عن شفاء عياض نظر فإنه موضع قطع لا يكفي في مثله الظواهر مع تعين التأويل في الحديثين من جهة أن ظاهر حديث لئن قدر الله علي ليعذبني بنفي أن الله تعالى قادر ويحتمل أن يكون الله تعالى تارة قادرا أو تارة غير قادر وليس ظاهره نفي أنه قادر بقدرة وكذلك ظاهر حديث السوداء أن الله تعالى مستقر في السماء استقرار الأجسام وهذا وإن كان غير مجمع على أنه كفر إلا أنه باطل قطعا لقيام الدليل على ذلك وقد أقرها النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فتعين التأويل هنا لأن إقرار النبي صلى الله عليه وسلم على الباطل لا يجوز قال وما قاله في القسم الثالث صحيح وكذا ما قاله في القسم الرابع غير أن قوله باق بغير بقاء لم يرد من عبر به ظاهره لما فيه من التناقض بل مراده أن البقاء ليس بصفة ثبوتية وما قاله في القسم الخامس صحيح وكذا ما قاله في السادس إلا أنه كان الأولى له إبدال قوله جهل يتعلق بالذات بقوله جهل بالصفات السلبية وأن يحذف قوله مع الاعتراف بوجودها فإنه في كلامه كالمتناقض مع أن الجهل بسلب الجسمية ليس مذهب الحشوية بل مذهبهم إثبات الجسمية وما في معناها إلا أن يطلق على كل مذهب باطل أنه جهل فذلك له وجه وما قاله في القسم السابع صحيح وكذا ما قاله في الثامن

لكن إطلاق لفظ الجهل على المذهب الباطل لا على خصوص مذهب الفلاسفة وإلا فمذهبهم الجزم بأن لا بعثة للأجسام والجهل في التاسع إن أراد به الجهل بأن الله تعالى خلق شيئا من الحيوانات الموجودات المعلوم وجودها فذلك كفر لا شك فيه وإن أراد به الجهل بأن الله تعالى خلق حيوانا لا يعلم وجوده فذلك ليس بكفر ولا معصية لأن ذلك ليس براجع إلى الجهل لتعلق صفات الله تعالى به بل بوجود هذا المتعلق وبعض الصور التي قد يكلف الشرع بمعرفتها من ذلك لأمر يخصها إن أراد بها مثل السحر الذي يكفر به فذلك وإلا فلا أدري ما أراد وما قاله في العاشر نقل وترجيح وما قاله فيما يتعلق بالجرأة على الله تعالى

____________________

(4/275)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

وجه كفره وقد أجمع المسلمون على أن من نسب الله تعالى لذلك فقد كفر لأنه من الجرأة العظيمة قلت ما قاله من الإجماع صحيح وما قاله من أن ذلك من الجرأة العظيمة ليس بصحيح بل إنما كان ذلك لأنه من الجهل العظيم بجلال الله تعالى وبأنه منزه من التصرف الرديء والجور والظلم وأن ذلك ممتنع في حقه عقلا وسمعا وما قاله في المسألة صحيح إن كان ما بنى عليه كلاما صحيحا

هامش إدرار الشروق

ليس بصحيح فإن التكفير لا يصح إلا بقاطع سمعي وما ذكره ليس كذلك فلا معول عليه ولا مستند فيه فما قاله في المسألة الأولى جوابا عما استشكله بعض العلماء من الفرق بين كون السجود للشجرة كفرا والسجود للوالد ليس بكفر قد تقدم أنه يفتقر إلى توقيف وتقدم ما يدفع الإشكال فلا تغفل وما قاله في المسألة الثانية من لزوم الكفر لكل ممتنع من السجود ولكل حاسد ولكل عاص ليس بصحيح لأنه لا يمنع في العقل أن يجعل الله تعالى حسدا ما وامتناعا وعصيانا ما دون سائر ما هو من جنسه كفرا إذ كون أمر ما كفرا أو غير كفر أمر وضعي وضعه الشارع لذلك فلا مانع من أن يكون كفره لامتناعه أو لحسده وما قاله في مدرك كفر إبليس في قضيته مع آدم هو الظاهر مع احتمال أن يكون كفره لامتناعه أو لحسده أو لهما أو مع ما ذكره من التجوير أو للتجوير خاصة إذ لا مانع من عقل ولا نقل من ذلك وما قاله من الإجماع صحيح لكن لا بما علله به بقوله لأنه من الجرأة العظيمة فإنه ليس بصحيح بل إنما كان ذلك لأنه من الجهل العظيم بجلال الله تعالى وأنه منزه عن التصرف الرديء والجور والظلم وأن ذلك ممتنع في حقه عقلا وسمعا وما قاله في المسألة الثالثة صحيح إن كان ما بنى عليه كلامه صحيحا والله أعلم

ا ه كلامه ملخصا

قلت ومراده بما بنى عليه كلامه قوله فإن قال الكل سحر يلزمه أن سورة الفاتحة سحر وقد علمت مما مر عنه أن هذا اللزوم ونحوه ليس بصحيح إذ لا يمتنع عقلا جعل نوع من الرقى سحرا دون ما عداه بل سيصرح الأصل بالفرق الذي بعد هذا بذلك فافهم والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(4/276)

الفرق الثاني والأربعون والمائتان بين قاعدة ما هو سحر يكفر به وبين قاعدة ما ليس كذلك واعلم أن السحر يلتبس بالهيمياء والسيمياء والطلسمات والأوفاق والخواص المنسوبة للحقائق والخواص المنسوبة للنفوس والرقى والعزائم والاستخدامات فهذه عشر حقائق

الحقيقة الأولى السحر وقد ورد الكتاب العزيز بذمه لقوله تعالى ولا يفلح الساحر حيث أتى وفي السنة أيضا لما عد عليه السلام الكبائر قال والسحر غير أن الكتب الموضوعة في السحر وضع فيها هذا الاسم على ما هو كذلك كفر ومحرم وعلى ما ليس كذلك وكذلك السحرة يطلقون لفظ السحر على القسمين فلا بد من التعرض لبيان ذلك فنقول السحر اسم جنس لثلاثة أنواع

النوع الأول السيمياء وهو عبارة عما يركب من خواص أرضية كدهن خاص أو مائعات خاصة أو كلمات خاصة

هامش أنوار البروق

قال الفرق الثاني والأربعون والمائتان بين قاعدة ما هو سحر يكفر به وبين قاعدة ما ليس كذلك إلى منتهى قوله فهذه أنواع السحر الثلاثة قلت ذلك نقل لا كلام فيه إلا أن السحر على الجملة منه ما هو خارق للعوائد ومنه غير ذلك وجميعه من جملة أفعال الله تعالى الجائزة عقلا فلا غرو أن ينتهي إلى الإحياء والإماتة وغير ذلك اللهم إلا أن يكون هنالك مانع سمعي من وقوع بعض تلك الجائزات وقد سبقت له حكاية إجماع الأمة على أنه لا يصل إلى إحياء الموتى وإبراء الأكمه وفلق البحر وإنطاق البهائم وهذا الإجماع الذي حكاه لا يصح أن يكون مستنده إلا التوقيف ولا أعرف الآن صحة ذلك الإجماع ولا التوقيف الذي استند إليه ذلك الإجماع

هامش إدرار الشروق

@ 277 الفرق الثاني والأربعون والمائتان بين قاعدة ما هو سحر يكفر به وبين ما هو قاعدة ما ليس كذلك وهو أن أنواع السحر أربعة الأول السيمياء وهو عبارة عما يركب من خواص أرضية كدهن خاص أو مائعات خاصة أو كلمات خاصة توجب تخيلات خاصة وإدراك الحواس الخمس أو بعضها لحقائق خاصة من المأكولات والمشمومات والمبصرات والملموسات والمسموعات وقد يكون لذلك وجود حقيقي بخلق الله تعالى تلك الأعيان عند تلك المحاولات وقد لا تكون له حقيقة بل تخيل صرف وقد يستولي ذلك على الأوهام حتى يتخيل الوهم مضي السنين المتداولة في الزمن اليسير وتكرر الفصول وتخيل السن وحدوث الأولاد وانقضاء الأعمار في الوقت المتقارب من الساعة ونحوها

____________________

(4/277)

توجب تخيلات خاصة وإدراك الحواس الخمس أو بعضا لحقائق من المأكولات والمشمومات والمبصرات والملموسات والمسموعات وقد يكون لذلك وجود حقيقي يخلق الله تلك الأعيان عند تلك المحاولات وقد لا تكون له حقيقة بل تخيل صرف وقد يستولي ذلك على الأوهام حتى يتخيل الوهم مضي السنين المتطاولة في الزمن اليسير وتكرر الفصول وتخيل السن وحدوث الأولاد وانقضاء الأعمار في الوقت المتقارب من الساعة ونحوها ويسلب الفكر الصحيح بالكلية ويصير أحوال الإنسان مع تلك المحاولات كحالات النائم من غير فرق ويختص ذلك كله بمن عمل له ومن لم يعمل له لا يجد شيئا من ذلك

النوع الثاني الهيمياء وامتيازها عن السيمياء أن ما تقدم يضاف للآثار السماوية من الاتصالات الفلكية وغيرها من أحوال الأفلاك فيحدث جميع ما تقدم ذكره فخصصوا هذا النوع لهذا الاسم تمييزا بين الحقائق

النوع الثالث بعض خواص الحقائق من الحيوانات وغيرها كما تؤخذ سبع من الحجارة فيرجم بها نوع من الكلاب شأنه إذا

هامش أنوار البروق

قال ثم هذه الأنواع قد تقع بلفظ هو كفر أو اعتقاد هو كفر أو فعل هو كفر إلى آخره قلت ما قاله صحيح والله تعالى أعلم قال الحقيقة الخامسة الطلمسات وحقيقتها نقش أسماء خاصة لها تعلق بالأفلاك والكواكب على زعم أهل هذا العلم في أجسام من المعادن أو غيرها تحدث لها آثار خاصة ربطت بها في مجاري العادات فلا بد في الطلسم من هذه الثلاثة الأسماء المخصوصة وتعلقها ببعض أجزاء الفلك وجعلها في جسم من الأجسام ولا بد من ذلك من قوة نفس صالحة لهذه الأعمال فليس كل النفوس مجبولة على ذلك

قلت ذكر أوصاف الطلسمات ورسمها ولم يذكر حكمها وهي ممنوعة شرعا ثم من اعتقد لها فعلا وتأثيرا فذلك كفر وإلا فعلمها معصية غير كفر إما مطلقا وإما ما يؤدي منها إلى مضرة دون ما يؤدي إلى منفعة والله تعالى أعلم

هامش إدرار الشروق

ويسلب الفكر الصحيح بالكلية وتصير أحوال الإنسان مع تلك المحاولات كحالات النائم من غير فرق ويختص ذلك كله بمن عمل له وأما من لم يعمل له فلا يجد شيئا من ذلك

قال سيدي عبد الله العلوي في شرح رشد الغافل وهذا تخييل لا حقيقة له بخلاف ما يقع لبعض الأولياء فإن له حقيقة خرقا للعادة فقد خرج بعضهم لصلاة الجمعة وارتفع لأرض أخرى سكن بها وتزوج وحصلت له عدة أولاد في عدة بطون من امرأة واحدة ثم قدر له الرجوع إلى ذلك البلد فوجدهم ينتظرونه في تلك الجمعة بعينها وقد قرأ بعضهم عشر ختمات في شوط واحد من الطواف قراءة مرتلة والطائف يسمع ذلك والشوط الواحد قدر ما يقرأ فيه ثمن حزب من القرآن وذلك كثير جدا فإن الله تعالى قد يطول الزمان لبعض الناس دون بعض ا ه بلفظه

النوع الثاني الهيمياء وهي عبارة عما تقدم مضافا للآثار السماوية من الاتصالات الفلكية وغيرها من أحوال الأفلاك

____________________

(4/278)

رمى بحجر عضه وبعض الكلاب لا يعضه فالنوع الأول إذا رمي بهذه السبعة الأحجار فيعضها كلها لقطت بعد ذلك وطرحت في ماء فمن شرب منه ظهرت فيه آثار عجيبة خاصة نص عليها السحرة ونحو هذا النوع من الخواص المغيرة لأحوال النفوس وأما خواص الحقائق المختصة بانفعالات الأمزجة صحة أو سقما نحو الأدوية والأغذية من الجماد والنبات والحيوان المسطورة في كتب الأطباء والعشابين والطبائعيين فليس من هذا النوع بل هذا من علم الطب لا من علم السحر ويختص بالسحر ما كان سلطانه على النفوس خاصة

قال الطرطوشي في تعليقه وقع في الموازية أن من قطع أذنا ثم ألصقها أو أدخل السكاكين في بطنه فقد يكون هذا سحرا وقد لا يكون سحرا اختلف الأصوليون فقال بعضهم لا يكون السحر إلا رقى أجرى الله تعالى عادته أن يخلق عندها افتراق المتحابين وقال الأستاذ أبو إسحاق وقد يقع به التغيير والضنى وربما أتلف وأوجب

هامش أنوار البروق

قال الحقيقة السادسة الأوفاق وهي ترجع إلى مناسبات الأعداد وجعلها على شكل مخصوص إلى آخر ما قاله فيها قلت ما قاله فيها صحيح مع أنه تسامح في قوله أنها ترجع إلى مناسبات الأعداد فإنها ليست كذلك بل هي راجعة إلى المساواة بحسب جمع ما في كل سطر من بيوت مربعاتها وجميع ما في البيوت الواقعة على القطر قال الحقيقة السابعة الخواص المنسوبة إلى الحقائق إلى آخر ما قال في هذه الحقيقة قلت ما قاله فيها صحيح إلا ما قاله من تعيين الآثار التي ذكرها ونسبه إلى بعض الأحجار فذلك شيء سمعناه ولا نعلم صحته من سقمه قال الحقيقة الثامنة خواص النفوس وهو نوع خاص من الخواص المودعة في العالم فطبيعة الحيوانات طبائع مختلفة حتى لا تكاد تتفق إلى آخر ما قاله في هذه الحقيقة

هامش إدرار الشروق

فيحدث جميع ما تقدم ذكره فخصصوا هذا النوع بهذا الاسم تمييزا بين الحقائق

النوع الثالث بعض خواص الحقائق أي الذوات من الحيوانات والنباتات وغيرهما المغيرة لأحوال النفوس كأخذ سبعة أحجار فيرجم بها نوع من الكلاب الذي من شأنه أن يعض ما يرمى به من الأحجار فإذا عضها كلها لقطت وطرحت في ماء فمن شرب منه ظهرت فيه آثار عجيبة خاصة نص عليها السحرة وكجمع مشط بتثليث الميم ومشاطة بضم الميم وتخفيف الشين أي ما سقط من الشعر أو الكتان عند المشط ووعاء طلع الذكر من النخل أو نحو ذلك من العقاقير وجعلها في الأنهار والآبار أو زير الماء أو في قبور الموتى أو في باب يفتح إلى المشرق أو غير ذلك من البقاع ويعتقدون أن الآثار تحدث عند تلك الأمور بخواص نفوسهم التي طبعها الله تعالى على الربط بينهما وبين الآثار عند صدق العزم

النوع الرابع ما يحدث ضررا مما ليس بمشروع من نحو رقى الجاهلية

____________________

(4/279)

الحب والبغض والبله وفيه أدوية مثل المرائر والأكباد والأدمغة فهذا الذي يجوز عادة

وأما طلوع الزرع في الحال أو نقل الأمتعة والقتل على الفور والعمى والصمم ونحوه وعلم الغيب فممتنع وإلا لم يأمن أحد على نفسه عند العداوة وقد وقع القتل والعناد من السحرة ولم يبلغ فيها أحد هذا المبلغ وقد وصل القبط فيه إلى الغاية وقطع فرعون أيديهم وأرجلهم ولم يتمكنوا من الدفع عن أنفسهم والتغيب والهروب وحكى ابن الجويني أن أكثر علمائنا جوزوا أن يستدق جسم الساحر حتى يلج في الكوة ويجري على خيط مستدق ويطير في الهواء ويقتل غيره قال القاضي ولا يقع فيه إلا ما هو مقدور للبشر وأجمعت الأمة على أنه لا يصل إلى إحياء الموتى وإبراء الأكمه وفلق البحر وإنطاق البهائم قلت ووصوله إلى القتل وتغيير الخلق ونقل الإنسان إلى صورة البهائم هو الصحيح المنقول عنهم وقد كان القبط في أيام دلوكا ملكة مصر بعد فرعون وضعوا السحر في البرابي وصوروا فيه عساكر الدنيا فأي عسكر قصدهم وأي شيء فعلوه تخيل ذلك الجيش المصور أو رجاله من قلع

هامش أنوار البروق

قلت في كلامه ذلك تسامح في إطلاق لفظ الخواص وهو يريد مقتضى الأمزجة والطبائع ولفظ الخواص لا يطلقه أهل علم الخواص وهم الطبيعيون على ذلك مطلقا بل على أمر لا ينسبونه إلى الأمزجة والطبائع وما حكاه عن الهند لا أدري صحته من سقمه وما قاله من أن في الحديث الذي ذكره إشارة إلى تباين الأخلاق والخلق والسجايا هو الظاهر منه ويحتمل غير ذلك والله تعالى أعلم وما قاله في الحقيقة التاسعة صحيح والله تعالى أعلم وما ذكره في الحقيقة العاشرة ممكن ولم يذكر حكم العزائم في الشرع وينبغي أن يكون حكمها حكم الرقي إذا تحققت وتحقق أن لا محذور في تلك الألفاظ قال قال الحقيقة الحادية عشرة الاستخدامات إلى آخر ما قاله في هذه الحقيقة قلت لا كلام في ذلك فإنه حكاية وقد ذكر حكمها

هامش إدرار الشروق

والهند وغيرهم بل ربما كان كفرا فهذا النوع من الرقى يقال له السحر ولا يقال عليه لفظ الرقى فمتى وقعت أنواع السحر المذكورة بما هو كفر من أحد ثلاثة أمور

الأول اعتقاد كاعتقاد انفراد الكواكب أو بعضها بالربوبية فيقوم الساحر إذا أراد سحر سلطان لبرج الأسد قائلا خاضعا متقربا له ويناديه يا سيداه يا عظيماه أنت الذي إليك تدين الملوك والجبابرة والأسود أسألك أن تذلل لي قلب فلان الجبار

والثاني لفظ كالسب المتعلق بمن سبه كفر بالله تعالى والأنبياء والملائكة

والثالث فعل كإهانة ما أوجب الله تعظيمه من الكتاب العزيز وغيره كان ذلك السحر كفرا لا مرية فيه ضرورة أنه واقع باعتقاد هو كفر أو بلفظ هو كفر أو بما هو كفر بالفعل كإلقاء شيء من القرآن ولو حرفا بقدر قاله سيدي عبد الله في شرح رشد الغافل ومتى وقعت الأنواع المذكورة بشيء مباح لم يكن ذلك السحر كفرا بل إما محرم إن كان لا يروج ذلك المباح إلا بنحو الزنا واللواط

____________________

(4/280)

الأعين أو ضرب الرقاب وقع بذلك العسكر في موضعه فتحاشيهم العساكر فأقاموا ستمائة سنة والنساء هن الملوك والأمراء بمصر بعد غرق فرعون وجيوشه كذلك حكاه المؤرخون

وأما سحرة فرعون فالجواب عنهم من وجوه

الأول أنهم تابوا فمنعتهم التوبة والإسلام العودة إلى معاودة الكفر الذي تكون به تلك الآثار ورغبوا فيما عند الله ولذلك قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون الثاني لعلهم لم يكونوا مما وصلوا لذلك وإنما قصد من السحرة في ذلك الوقت من يقدر على قلب العصا حية لأجل موسى عليه السلام

الثالث أنه يجوز أن يكون فرعون قد علمه بعض السحرة حجبا وموانع يبطل بها سحر السحرة اعتناء به والحجب والمبطلات فيه مشتهرة عند أهله فاندفع السؤال فهذه أنواع السحر الثلاثة ثم هذه الأنواع قد تقع بلفظ وهو كفر أو اعتقاد هو كفر أو فعل هو كفر فالأول كالسب المتعلق بمن سبه كفر والثاني كاعتقاد انفراد الكواكب أو بعضها

هامش أنوار البروق

قال وهاهنا أربع مسائل المسألة الأولى إلى آخر ما حكاه عن الفخر قلت لا كلام معه في ذلك لأنه نقل وما قاله الفخر يتوقف على الاختبار والتجربة ولا نعلم صحة ذلك من سقمه وما قاله في المسألة الثانية صحيح

قال المسألة الثالثة قال الطرطوشي في تعليقه قال مالك وأصحابه الساحر كافر فيقتل ولا يستتاب سحر مسلما أو ذميا كالزنديق قال محمد إن أظهره قبلت توبته قال أصبغ إن أظهره ولم يتب فقتل فماله لبيت المال وإن استتر فلورثته من المسلمين ولا آمرهم بالصلاة عليه فإن فعلوا فهم أعلم

قال ومن قول العلماء القدماء لا يقتل حتى يثبت أنه من السحر الذي وصفه الله تعالى بأنه كفر قال أصبغ يكشف عن ذلك من يعرف حقيقته ولا يلي قتله إلا السلطان إلى قوله لأن ذلك سعي في الأرض بالفساد قلت ذلك كله نقل لا كلام فيه

هامش إدرار الشروق

وإما مباح إن راج بدون ذلك نعم ويكون كفرا من جهة خارجة كقصد إضراره صلى الله عليه وسلم كما في شرح سيدي عبد الله على رشد الغافل نقلا عن ابن زكري في شرح النصيحة والمباح إما فعل كما تقدم في وضع الأحجار في الماء فإنها مباحة وإما قول مع قوة نفس كقول من يسحر الحيات العظام من السحرة موسى بعصاه محمد بفرقانه يا معلم الصغار علمني كيف آخذ الحية والحوية وكانت له قوة نفس يحصل منها مع هذه الكلمات إقبال الحيات إليه وتموت بين يديه ساعة ثم تفيق ثم يعاود ذلك الكلام فيعود حالها كذلك أبدا فإن هذه الكلمات مباحة ليس فيها كفر وقوة نفسه التي جبل عليها ليست من كسبه فلا يكفر بها كما أن الإنسان لا يعصي بما جبلت عليه نفسه من الإصابة بالعين وتأثيرها في قتل الحيوانات

____________________

(4/281)

بالربوبية والثالث كإهانة ما أوجب الله تعظيمه من الكتاب العزيز وغيره فهذه الثلاثة متى وقع شيء منها في السحر فذلك السحر كفر لا مرية فيه وقد يقع السحر بشيء مباح كما تقدم في وضع الأحجار في الماء فإنها مباحة وكذلك رأيت بعض السحرة يسحر الحيات العظام فتقبل إليه وتموت بين يديه ساعة ثم تفيق ثم يعاود ذلك الكلام فيعود حالها كذلك أبدا وكان في ذلك يقول موسى بعصاه محمد بفرقانه يا معلم الصغار علمني كيف آخذ الحية والحوية وكانت له قوة نفس يحصل منها مع هذه الكلمات هذا الأثر وهذه الكلمات مباحة ليس فيها كفر وقوة نفسه التي جبل عليها ليست من كسبه فلا يكفر بها كما أن الإنسان لا يعصي بما جبلت عليه نفسه من الإصابة بالعين وتأثيرها في قتل الحيوانات وغير ذلك وإنما يأثم بتصديه واكتسابه لذاك حرم الشرع أذيته أو قتله أما لو تصدى صاحب العين لقتل أهل الحرب أو السباع المهلكة كان طائعا لله تعالى بإصابته بالعين التي طبعت عليها نفسه فكذلك هاهنا وكذلك سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسط ومشاقة وكور طلع من

هامش أنوار البروق

قال الطرطوشي ودليل المالكية قوله تعالى وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر أي بتعليمه وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ولأنه لا يتأتى إلا ممن يعتقد أنه يقدر به على تغيير الأجسام والجزم بذلك كفر أو نقول هو علامة الكفر بإخبار الشرع فلو قال الشارع من دخل موضع كذا فهو كافر اعتقدنا كفر الداخل وأن الدخول كفر وإن أخبرنا هو أنه مؤمن لم نصدقه قال فهذا معنى قول أصحابنا إن السحر كفر أي دليل الكفر لا أنه كفر في نفسه كأكل الخنزير وشرب الخمر والتردد للكنائس في أعياد النصارى فنحكم بكفر فاعله وإن لم تكن هذه الأمور كفرا لا سيما وتعلمه لا يتأتى إلا بمباشرته كمن أراد أن يتعلم الزمر أو ضرب العود والسحر لا يتم إلا بالكفر

هامش إدرار الشروق

وغير ذلك وإنما يأثم بتصديه واكتسابه لذلك بما حرم الشرع أذيته أو قتله أما لو تصدى صاحب العين لقتل أهل الحرب أو السباع المهلكة فإنه يكون طائعا لله تعالى بإصابته بالعين التي طبعت عليها نفسه فكذلك هاهنا قال الأصل وأما جمع مشط ومشاق وكور طلع من النخل وجعل الجميع في بئر لسحر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن لم يكن مع هذه الأمور الموضوعة في البئر كلمات أخرى أو شيء آخر فهي أمر مباح إلا من جهة ما يترتب عليه فإنه قد يكون كفرا في صورة كما في قصد إضراره صلى الله عليه وسلم بذلك

وقد تقتضي القواعد الشرعية وجوبه في صورة أخرى أو إن كان مع هذه الأمور الموضوعة في البئر كلمات أخرى أو شيء آخر وهو الظاهر نظر فيه هل يقتضي كفرا أو هو مباح مثلها وللسحرة فصول كثيرة في كتبهم يقطع من قبل الشرع بأنها ليست معاصي ولا كفرا كما أن لهم ما يقطع بأنه كفر فيجب حينئذ التفصيل بما حكاه الطرطوشي عن قدماء أصحابنا أنا لا نكفره حتى يثبت أنه من السحر الذي كفر الله به أو يكون سحرا مشتملا على كفر كما قاله الشافعي رضي الله عنه

____________________

(4/282)

النخل وجعل الجميع في بئر فهذه الأمور في جمعها وجعلها في البئر أمر مباح إلا من جهة ما يترتب عليه وإلا لوجب التفصيل فقد يكون كفرا واجبا في صورة أخرى اقتضت قواعد الشرع وجوبها فإن كان مع هذه الأمور الموضوعة في البئر كلمات أخرى أو شيء آخر وهو الظاهر نظر فيه هل يقتضي كفرا أو هو مباح مثلها وللسحرة فصول كثيرة في كتبهم يقطع من قبل الشرع بأنها ليست معاصي ولا كفرا كما أن لهم ما يقطع بأنه كفر فيجب حينئذ التفصيل كما قاله الشافعي رضي الله عنه أما الإطلاق بأن كل ما يسمى سحرا كفر فصعب جدا فقد تقرر بيان أربعة حقائق من العشرة المتقدمة السحر الذي هو الجنس العام وأنواعه الثلاثة السيمياء والهيمياء والخواص المتقدم ذكرها

الحقيقة الخامسة الطلمسات وحقيقتها نفس أسماء خاصة لها تعلق بالأفلاك والكواكب على زعم أهل هذا العلم في أجسام من المعادن أو غيرها تحدث لها آثار خاصة ربطت بها في مجاري العادات فلا بد في الطلسم من هذه الثلاثة الأسماء

هامش أنوار البروق

كقيامه إذا أراد سحر سلطان لبرج الأسد قائلا خاضعا متقربا له ويناديه يا سيداه يا عظيماه أنت الذي إليك تدين الملوك والجبابرة والأسود أسألك أن تذلل لي قلب فلان الجبار واحتجوا بأن تعلم صريح الكفر ليس بكفر فإن الأصولي يتعلم جميع أنواع الكفر ليتحذر منه ولا يقدح في شهادته ومأخذه فالسحر أولى أن لا يكون كفرا ولو قال إنسان إنما تعلمت كيف يكفر بالله لأجتنبه أو كيف الزنا وأنواع الفواحش لأجتنبها لم يأثم

قال شهاب الدين هذه المسألة في غاية الإشكال على أصولنا فإن السحرة يعتمدون أشياء تأبى قواعد الشرع تكفيرهم بها كفعل الحجارة المتقدم ذكرها قبل هذه المسألة وكذلك يجمعون عقاقير ويجعلونها في الأنهار والآبار أو زير الماء أو قبور الموتى أو في باب يفتح إلى المشرق أو غير ذلك من البقاع ويعتقدون أن الآثار تحدث عند تلك الأمور بخواص نفوسهم التي طبعها الله تعالى على الربط بينها وبين تلك الآثار عند صدق العزم فلا يمكننا تكفيرهم بجمع العقاقير ولا بوضعها في الآبار ولا باعتقادهم حصول تلك الآثار عند ذلك الفعل لأنهم

هامش إدرار الشروق

أما الإطلاق بأن كل ما يسمى سحرا كفر فصعب جدا وإن قال ابن عبد السلام والمذهب أن الساحر كافر وقال الطرطوشي في تعليقه قال مالك وأصحابه الساحر كافر يقتل ولا يستتاب سحر مسلما أو ذميا كالزنديق قال محمد إن أظهره قبلت توبته قال أصبغ إن أظهره ولم يتب فقتل فماله لبيت المال وإن استتر فلورثته من المسلمين ولا آمرهم بالصلاة عليه فإن فعلوا فهم أعلم قال وتعلمه وتعليمه عند مالك كفر قال ودليل المالكية قوله تعالى وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر أي بتعلمه وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ولأنه لا يتأتى إلا ممن يعتقد أنه يقدر على تغيير الأجسام

والجزم بذلك كفر أو نقول هو علامة الكفر بإخبار الشرع فلو قال الشارع من دخل موضع كذا فهو كافر اعتقدنا كفر الداخل وإن لم يكن الدخول كفرا وإن أخبرنا هو أنه مؤمن لم نصدقه قال فهذا معنى قول أصحابنا إن السحر كفر أي دليل الكفر لا أنه كفر في نفسه كأكل الخنزير

____________________

(4/283)

المخصوصة وتعلقها ببعض أجزاء الفلك وجعلها في جسم من الأجسام ولا بد مع ذلك من قوة نفس صالحة لهذه الأعمال فليس كل النفوس مجبولة على ذلك

الحقيقة السادسة الأوفاق وهي التي ترجع إلى مناسبات الأعداد وجعلها على شكل مخصوص مربع ويكون ذلك المربع مقسوما بيوتا فيوضع في كل بيت عدد حتى تكمل البيوت فإذا جمع صف كامل من أضلاع المربع فكان مجموعه عددا وليكن عشرين مثلا فلتكن الأضلاع الأربعة إذا جمعت كذلك ويكون المربع الذي هو من الركن إلى الركن كذلك فهذا وفق فإن كان العدد مائة ومن كل جهة كما تقدم مائة فهذا له آثار مخصوصة أنه خاص بالحروب ونصر من يكون في لوائه وإن كان خمسة عشر من كل جهة فهو خاص بتيسير العسير وإخراج المسجون وأيضا الجنين من الحامل وتيسير الوضع وكل ما هو من هذا المعنى وكان الغزالي يعتني به كثيرا حتى أنه ينسب إليه وضابطه ب ط د ز ه ج و ا ح فكل حرف منها له عدد إذا جمع عدد ثلاثة منها كان مثل عدد الثلاثة الأخر فالباء باثنين والطاء بتسعة والدال بأربعة صار الجميع بخمسة عشر

هامش أنوار البروق

جربوا ذلك فوجدوه لا ينخرم عليهم لأجل خواص نفوسهم فصار ذلك الاعتقاد كاعتقاد الأطباء حصول الآثار عند شرب العقاقير لخواص طبائع تلك العقاقير وخواص النفوس لا يمكن التكفير بها لأنها ليست من كسبهم ولا كفر بغير مكتسب

وأما اعتقادهم أن الكواكب تفعل ذلك بقدرة الله تعالى فهذا خطأ لأنها لا تفعل ولا ربط الله تعالى ذلك بها وإنما جاءت الآثار من خواص نفوسهم التي ربط الله تعالى بها تلك الآثار عند ذلك الاعتقاد فيكون ذلك الاعتقاد في الكواكب خطأ كما إذا اعتقد طبيب أن الله تعالى أودع في الصبر والسقمونيا عقل البطن وقطع الإسهال فإنه خطأ وأما تكفيره بذلك فلا

وإن اعتقدوا أن الكواكب تفعل ذلك والشياطين بقدرتها لا بقدرة الله تعالى فقد قال بعض علماء الشافعية هذا مذهب المعتزلة في استقلال الحيوانات بقدرتها دون قدرة الله تعالى فكما لا نكفر المعتزلة بذلك لا

هامش إدرار الشروق

وشرب الخمر والتردد إلى الكنائس في أعياد النصارى فنحكم بكفر فاعله وإن لم تكن هذه الأمور كفرا لا سيما وتعلمه لا يتأتى إلا بمباشرته كمن أراد أن يتعلم الزمر أو ضرب العود والسحر لا يتم إلا بالكفر كقيامه إذا أراد سحر سلطان لبرج الأسد قائلا خاضعا متقربا له ويناديه يا سيداه يا عظيماه أنت الذي إليك تدين الملوك والجبابرة والأسود أسألك أن تذلل لي قلب فلان الجبار ا ه

وقال الإمام أبو بكر بن العربي في كتابه الأحكام قد بينا في كتاب المشكلين أن من أقسام السحر فعل ما يفرق به بين المرء وزوجه ومنه ما يجمع بين المرء وزوجه ويسمى التولة وكلاهما كفر والكل حرام كفر قاله مالك وقال الشافعي السحر معصية إن قتل به الساحر قتل وإن أضر به أدب على قدر الضرر وهذا باطل من وجهين

أحدهما أنه لم يعلم السحر وحقيقته أنه كلام مؤلف يعظم به غير الله تعالى وتنسب إليه فيه المقادير والكائنات

والثاني أن الله سبحانه وتعالى صرح في كتابه بأنه كفر لأنه تعالى قال واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان أي من السحر وما

____________________

(4/284)

وكذلك تقول الباء باثنين والزاي بسبعة والواو بستة صار الجميع من الضلع الآخر خمسة عشر وكذلك الفطر من الركن إلى الركن تقول الباء باثنين والهاء بخمسة والحاء بثمانية الجميع خمسة عشر وهو من حساب الجمل وعلى هذا المثال وهي الأوفاق ولها كتب موضوعة لتعريف كيف توضع حتى تصير على هذه النسبة من الاستواء وهي كلما كثرت كان أعسر والضوابط الموضوعة لها حسنة لا تنخرم إذا عرفت أعني في الصورة الوضع وأما ما نسب إليها من الآثار قليلة الوقوع أو عديمته

الحقيقة السابعة الخواص المنسوبة إلى الحقائق ولا شك أن الله تعالى أودع في أجزاء هذا العالم أسرارا وخواص عظيمة وكثيرة حتى لا يكاد يعرى شيء عن خاصية فمنها ما هو معلوم على الإطلاق كإرواء الماء وإحراق النار ومنها ما هو مجهول على الإطلاق

هامش أنوار البروق

نكفر هؤلاء ومنهم من فرق بأن الكواكب مظنة العبادة فإذا انضم إلى ذلك اعتقاد القدرة هذه الأمور كفرا قول صحيح أيضا كأكل الخنزير والتردد على الكنائس وقوله ولا سيما وتعلمه لا يتأتى إلا بمباشرته إلى قوله أن تذلل لي قلب فلان الجبار يعني أن تعلمه لتحصيل ثمرته لا لغير ذلك من المقاصد وذلك صحيح من جهة اشتراط أهل السحر ذلك بل الجزم بحصول الأثر على ما ذكره الفخر وقوله واحتجوا إلى قوله لم يأثم قلت تقول المالكية بموجب ذلك ولا يلزم مقصود الحنفية فإن ما ذكره الحنفية تعلم الكفر لا لنفسه بل لتصحيح يقتضيه

قال شهاب الدين هذه المسألة في غاية الإشكال على أصولنا إلى قوله طبائع تلك العقاقير

هامش إدرار الشروق

كفر سليمان أي بقول السحر ولكن الشياطين كفروا أي به وبتعليمه وهاروت وماروت يقولان إنما نحن فتنة فلا تكفر وهذا تأكيد للبيان ا ه

وذلك لأن مسألة إطلاق أن كل ما يسمى سحرا كفر في غاية الإشكال على أصولنا فإن السحرة يعتمدون أشياء تأبى قواعد الشريعة تكفيرهم بها كفعل الحجارة المتقدم ذكرها قبل هذه المسألة وكذلك يجمعون عقاقير ويجعلونها في الأنهار أو الآبار أو زير الماء أو قبور الموتى أو في باب يفتح إلى المشرق أو غير ذلك من البقاع ويعتقدون أن الآثار تحدث عند تلك الأمور بخواص نفوسهم التي طبعها الله تعالى على الربط بينها وبين تلك الآثار عند صدق العزم كما تقدم فلا يمكننا تكفيرهم بجمع العقاقير ولا بوضعها في الآبار ولا باعتقادهم حصول تلك الآثار عن ذلك الفعل لأنهم جربوا ذلك فوجدوه لا ينخرم عليهم لأجل خواص نفوسهم فصار ذلك الاعتقاد كاعتقاد الأطباء حصول الآثار عند شرب العقاقير لخواص طبائع تلك العقاقير وخواص النفوس لا يمكن التكفير بها لأنها ليست من كسبهم ولا كفر بغير مكتسب وأما اعتقادهم أن الكواكب تفعل ذلك بقدرة الله تعالى

____________________

(4/285)

ومنه ما يعلمه الأفراد من الناس كالجحر والمكرم وما يصنع منه الكيمياء ونحو ذلك كما يقال إن بالهند شجرا إذا عمل منه دهن ودهن به إنسان لا يقطع فيه الحديد وشجرا إذا استخرج منه دهن وشرب على صورة خاصة مذكورة عندهم في العمليات استغنى عن الغذاء وامتنعت عليه الأمراض واستقام ولا يموت بشيء من ذلك وطالت حياته أبدا حتى يأتي من يقتله أما موته بهذه الأسباب العادية فلا ونحو ذلك فهذا شيء مودع في أجزاء العالم لا يدخله فعل البشر بل هو ثابت كامل مستقل بقدرة الله تعالى

الحقيقة الثامنة خواص النفوس وهو نوع خاص من الخواص المودعة في العالم فطبيعة الحيوانات طبائع مختلفة حتى لا تكاد تتفق بل نقطع أنه لا يستوي اثنان من الأناسي في مزاج واحد ويدل على ذلك أنك لا تجد أحدا يشبه أحدا من جميع الوجوه ولو عظم الشبه لا بد من فرق بينهما

ومعلوم أن صفات الصور في الوجوه وغيرها تابعة للأمزجة

هامش أنوار البروق

قلت ما قاله من أنه لا يمكن التكفير بجمع العقاقير وغير ذلك من الأفعال صحيح إذا كان ذلك الجمع وسائر تلك الأفعال غير مقصود به اجتلاب الآثار المطلوبة من ذلك وأما إذا كانت مقصودا بها ذلك فهو السحر الذي هو كفر بنفسه لتضمنه اعتقاد تأثير هذه الأمور أو دليل الكفر على مذهب المالكية والله تعالى أعلم

قال شهاب الدين وخواص النفوس لا يمكن التكفير بها لأنها ليست من كسبهم ولا كفر بغير مكتسب

وأما اعتقادهم بأن الكواكب تفعل ذلك بقدرة الله تعالى فهذا خطأ لأنها لا تفعل ذلك بها وإنما جاءت الآثار من خواص نفوسهم التي ربط الله بها تلك الآثار عند ذلك الاعتقاد قلت لا أعرف صحة ما قالوه من ربط تلك الآثار بخواص النفوس

قال فيكون ذلك الاعتقاد خطأ كما إذا اعتقد طبيب أن الله تعالى أودع في الصبر السقمونيا عقل البطن وقطع الإسهال وأما تكفيره بذلك فلا

هامش إدرار الشروق

فهذا خطأ لأنها لا تفعل ذلك ولا ربط الله تعالى ذلك بها وإنما جاءت الآثار من خواص نفوسهم التي ربط الله تعالى بها تلك الآثار عند ذلك الاعتقاد فيكون ذلك الاعتقاد في الكواكب خطأ كما إذا اعتقد طبيب أن الله تعالى أودع في الصبر والسقمونيا عقل البطن وقطع الإسهال فإنه خطأ وأما تكفيره بذلك فلا

وإن اعتقدوا أن الكواكب والشياطين تفعل ذلك بقدرتها لا بقدرة الله تعالى فقد قال بعض علماء الشافعية هذا هو مذهب المعتزلة في استقلال الحيوانات بقدرتها دون قدرة الله تعالى فكما لا تكفر المعتزلة بذلك لا نكفر هؤلاء وتفريق بعضهم بأن الكواكب مظنة العبادة فإن انضم إلى ذلك اعتقاد القدرة والتأثير كان كفرا مدفوع بأن تأثير الحيوان في القتل والضر والنفع في مجرى العادة مشاهد من السباع والآدميين وغير هذا

وأما كون المشترى أو زحل يوجب شقاوة أو سعادة فإنما هو حزر وتخمين من المنجمين لا صحة له وقد عبدت البقر والشجر والحجارة والثعابين فصارت هذا الشائبة مشتركة بين الكواكب وغيرها

____________________

(4/286)

فلما حصل التباين في الصفات على الإطلاق وجب التباين في الأمزجة على الإطلاق فنفس طبعت على الشجاعة إلى الغاية وأخرى على الجبن إلى الغاية وأخرى على الشر إلى الغاية وأخرى على الخير إلى الغاية وأخرى أي شيء عظمته هلك وهذا هو المسمى بالعين وليس كل أحد يؤذي بالعين والذين يؤذون بها تختلف أحوالهم فمنهم من يصيد بالعين الطير في الهوى ويقلع الشجر العظيم من الثرى أخبرني بذلك العدول وغيرهم وآخر لا يصل بعينه إلى ذلك بل التمريض اللطيف ونحو ذلك ومنهم من طبع على صحة الحزر فلا يخطئ الغيب عند شيء مخصوص ولا يتأتى له ذلك في غيره فلذلك تجد بعضهم لا يخطئ في علم الرمل أبدا وآخر لا يخطئ في أحكام النجوم أبدا وآخر لا يخطئ في علم الكتف أبدا وآخر لا يخطئ في علم السير أبدا لأن نفسه طبعت على ذلك ولم يطبع على غيره فمن توجهت نفسه لطلب الغيب عند ذلك الفعل الخاص أدركته بخاصيتها لا لأن النجوم فيها شيء ولا الكتف ولا الرمل ولا بقيتها بل هي خواص نفوس وبعضهم يجد صحة أعماله في ذلك وهو شاب فإذا صار كبيرا فقدها

هامش أنوار البروق

قلت ما قاله في ذلك صحيح

قال وإن اعتقدوا أن الكواكب تفعل ذلك والشياطين بقدرتها لا بقدرة الله تعالى فقد قال بعض الشافعية هذا مذهب المعتزلة في استقلال الحيوانات بقدرتها دون الله تعالى فكما لا نكفر المعتزلة بذلك لا نكفر هؤلاء قلت إن كان المراد أنها تفعل بقدرتها من غير تعلق قدرة الله تعالى بقدرتها فذلك كفر صحيح وإن كان المراد أنها تفعل بقدرتها مباشرة مع تعلق قدرة الله تعالى بقدرتها فهو مذهب المعتزلة

قال ومنهم من فرق بأن الكواكب مظنة العبادة فإن انضم إلى ذلك اعتقاد القدرة والتأثير كان كفرا قلت إن كان ذلك لاعتقاد أن الكواكب مستغنية بقدرتها عن قدرة الله تعالى فذلك كفر صريح

قال وأجيب عن هذا الفرق بأن تأثير الحيوانات في القتل والضر والنفع في مجرى العادة مشاهدة من السباع والآدميين وغيرهم قلت ليس تأثير الحيوان بمشاهد وإنما التأثير لا غير

قال

هامش إدرار الشروق

فهو موضع نظر والذي لا مرية فيه أنه كفر إن اعتقد أنها مستقلة بنفسها لا تحتاج إلى الله تعالى لأن هذا مذهب الصابئة وهو كفر صريح لا سيما إن صرح بنفي ما عداها

وبهذا البحث يظهر ضعف قول الحنفية إن اعتقد أن الشياطين تفعل له ما يشاء فهو كافر وإن اعتقد أنه تخيل وتمويه لم يكفر بل ينبغي لهم أن يفصلوا في هذا الإطلاق فإن الشياطين كانت تصنع لسليمان عليه السلام ما يأمرها به من محاريب وتماثيل وغير ذلك فإن اعتقد الساحر أن الله عز وجل سخر له الشياطين بسبب عقاقيره مع خواص نفسه ضعف القول بتكفيره

وأما قول الأصحاب إنه علامة الكفر فمشكل لأنا نتكلم في هذه المسألة باعتبار الفتيا ونحن نعلم أن حال الإنسان في تصديقه لله تعالى ورسله بعد عمل هذه العقاقير كحاله قبل ذلك والشرع لا يخبر على خلاف الواقع وإن أرادوا الخاتمة فمشكل أيضا لأنا لا نكفر في الحال بكفر واقع

____________________

(4/287)

لأن القوة نقصت عن تلك الحدة التي كانت في الشبوبية وقد ذهبت ومن خواص النفوس ما يقتل ففي الهند جماعة إذا وجهوا أنفسهم لقتل شخص مات ويشق صدره فلا يوجد فيه قلبه بل انتزعوه من صدره بالهمة والعزم وقوة النفس ويجربون بالرمان فيجمعون عليه هممهم فلا توجد فيه حبة وخواص النفوس كثيرة لا تعد ولا تحصى وإليه مع غيره الإشارة بقوله عليه السلام الناس معادن كمعادن الذهب والفضة الحديث إشارة إلى تباين الأخلاق والخلق والسجايا والقوى كما أن المعادن كذلك

الحقيقة التاسعة الرقى وهي ألفاظ خاصة يحدث عندها الشفاء من الأسقام والأدواء والأسباب المهلكة ولا يقال لفظ الرقى على ما يحدث ضررا بل ذلك يقال له السحر وهذه الألفاظ منها ما هو مشروع كالفاتحة والمعوذتين ومنها ما هو غير مشروع كرقى الجاهلية والهند وغيرهما وربما كان كفرا ولذلك نهى مالك وغيره عن الرقى بالعجمية لاحتمال أن يكون فيه محرم وقد نهى علماء مصر عن الرقية التي تكتب في

هامش أنوار البروق

وأما كون المشترى أو زحل يوجب شقاوة أو سعادة فإنما ذلك حزر وتخمين من المنجمين لا صحة له قلت ذلك صحيح

قال وقد عبدت البقر والشجر والحجارة والثعابين فصارت هذه الشائبة مشتركة بين الكواكب وغيرها فهو موضع نظر قلت هو كما قال موضع نظر

قال والذي لا مرية فيه أنه كفر إن اعتقد أنها مستقلة بنفسها لا تحتاج إلى الله تعالى فهذا مذهب الصابئة وهو كفر صريح لا سيما إن صرح بنفي ما عداها قلت ما قاله في ذلك صحيح قال وبهذا البحث يظهر ضعف ما قالته الحنفية من أن أمر الشياطين وغيرهم كفر بل ينبغي لهم أن يفصلوا في هذا الإطلاق فإن الشياطين كانت تصنع لسليمان عليه السلام ما يأمرهم به من محاريب وتماثيل وغير ذلك فإن اعتقد أن الله تعالى سخر له بسبب عقاقيره مع خواص نفسه الشياطين صعب القول بتكفيره قلت الظاهر ما قاله من لزوم التفصيل وأنه إن اعتقد أن ذلك من فعل الله تعالى فلا كفر إلا

هامش إدرار الشروق

في المآل كما أنا لا نجعل من يعبد الأصنام الآن مؤمنا في الحال بإيمان واقع في المآل بل الأحكام الشرعية تتبع أسبابها وتحققها لا توقعها وإن قطعنا بوقوعها كما أنا نقطع بغروب الشمس وغير ذلك من الأسباب ولا تترتب مسبباتها قبلها وأما قول أصحابنا في التردد إلى الكنائس وأكل الخنزير وغيره فإنما قضينا بكفره في القضاء دون الفتيا وقد يكون فيما بينه وبين الله تعالى مؤمنا وأما قول مالك إن تعلمه وتعليمه كفر ففي غاية الإشكال فقد قال الطرطوشي وهو من سادات العلماء أنه إذا وقف لبرج الأسد وحكى القضية إلى آخرها فإن هذا سحر فقد تصوره وحكم عليه بأنه سحر فهذا هو تعلمه فكيف يتصور شيئا لم يعلمه وليس الأمر كما قال أنه لا يتصور التعلم إلا بالمباشرة

____________________

(4/288)

آخر جمعة من شهر رمضان لما فيها من اللفظ الأعجمي ولأنهم يشتغلون بها عن الخطبة ويحصل بها مع ذلك مفاسد

الحقيقة العاشرة العزائم وهي كلمات يزعم أهل هذا العلم أن سليمان عليه السلام لما أعطاه الله تعالى الملك وجد الجان يعبثون ببني آدم ويسخرون بهم في الأسواق ويخطفونهم من الطرقات فسأل الله تعالى أن يولي على كل قبيل من الجان ملكا يضبطهم عن الفساد فولى الله تعالى الملائكة على قبائل الجن فمنعوهم من الفساد ومخالطة الناس وألزمهم سليمان عليه السلام سكنى القفار والخراب من الأرض دون العامر ليسلم الناس من شرهم فإذا عثا بعضهم وأفسد ذكر المعزم كلمات تعظمها تلك الملائكة ويزعمون أن لكل نوع من الملائكة أسماء أمرت بتعظيمها ومتى أقسم عليها بها أطاعت وأجابت وفعلت ما طلب منها فالمعزم يقسم بتلك الأسماء على ذلك الملك فيحضر له القبيل من الجان الذي طلبه أو الشخص منهم فيحكم فيه بما يريد ويزعمون أن هذا

هامش أنوار البروق

أن يكون نفس السحر كفرا كما هو ظاهر الآية فذلك كفر بالوضع والله تعالى أعلم

قال وأما قول الأصحاب أنه علامة الكفر فمشكل إلى قوله خلاف الواقع قلت إذا ثبت دليل شرعي على أن السحر كفر وأنه علامة الكفر فلا إشكال لأنه يكون حينئذ من شرط المؤمن أن لا يعمل سحرا وعند ذلك يصح إيمانه إما ظاهرا وباطنا إن كان السحر بنفسه كفرا وإما ظاهرا إن كان علامة الكفر بحسب الظاهر

قال فإن أرادوا الخاتمة فمشكل أيضا إلى وقوله ولا نرتب مسبباتها قبلها قلت إن أرادوا ذلك فمشكل كما قاله وذلك صحيح

قال وأما قول أصحابنا في التردد إلى الكنائس قلت قوله في ذلك صحيح

قال وأما قول مالك أن تعلمه وتعليمه كفر ففي غاية الإشكال قلت ليس الأمر كما قال فإنه قول مستند إلى ظاهر الآية وما قاله عن الطرطوشي

هامش إدرار الشروق

كضرب العود بل كتب السحر مملوءة من تعليمه ولا يحتاج إلى ذلك بل هو كتعلم أنواع الكفر الذي لا يكفر به الإنسان كما تقول إن النصارى يعتقدون في عيسى عليه السلام كذا والصابئة معتقدون في النجوم كذا ونتعلم مذاهبهم وما هم عليه على وجه حتى نرد عليهم ذلك فهو قربة لا كفر

وقد قال بعض العلماء إن كان تعلم السحر ليفرق بينه وبين المعجزات كان ذلك قربة وكذلك نقول إذا عمل السحر بأمر مباح ليفرق به بين المجتمعين على الزنا أو قطع الطريق بالبغضاء والشحناء أو ليقتل جيش الكفر ملكهم به أو ليوقع به المحبة بين الزوجين أو بين جيش الإسلام وملكهم فهذا كله قربة فتأمل هذه المباحث كلها فالموضع مشكل جدا

وأما قول الطرطوشي إذا قال صاحب الشرع من دخل الدار فهو كافر قضينا بكفره عند دخول الدار فهو فرض محال إذ لا يخبر صاحب الشرع عن إنسان بالكفر إلا إذا كفر وقولهم هو دليل الكفر ممنوع وقولهم لأن صاحب الشرع أخبر بذلك في الكتاب العزيز مسلم إذ لا محال في حمل الآية على ما هو كفر إنما المحال في أنه هل يدخل التخصيص في

____________________

(4/289)

الباب إنما دخله الخلل من جهة عدم ضبط تلك الأسماء فإنها أعجمية لا يدرى وزن كل حرف منها يشك فيه هل هو بالضم أو الفتح أو الكسر وربما أسقط النساخ بعض حروفه من غير علم فيختل العمل فإن المقيم لفظ آخر لا يعظمه ذلك الملك فلا يجيب فلا يحصل مقصود المعزم هذه حقيقة العزائم

الحقيقة الحادية عشرة الاستخدامات وهي قسمان الكواكب والجان فيزعمون أن للكواكب إدراكات روحانية فإذا قوبلت الكواكب ببخور خاص ولباس خاص على الذي يباشر البخور وربما تقدمت منه أفعال خاصة منها ما هو محرم في الشرع كاللواط ومنها ما هو كفر صريح وكذلك الألفاظ التي يخاطب بها الكواكب منها ما هو كفر صريح فيناديه بلفظ الإلهية ونحو ذلك ومنها ما هو غير محرم على قدر تلك الكلمات الموضوعة في كتبهم فإذا حصلت تلك الكلمات مع البخور مع الهيئات المشترطة كانت روحانية ذلك الكواكب مطيعة له متى أراد شيئا فعلته له على زعمهم وكذلك القول في ملوك الجان

هامش أنوار البروق

وقال إن ذلك هو تعلمه لا يريد أن لا تعلم له سواه ليس كما قال بل تعلمه على وجهين أحدهما ليعرف حقيقته خاصة إما لتجنب أو لغير ذلك وهذا ليس بكفر والوجه الثاني أن يتعلمه قاصدا بتعلمه تحصيل أثره متى احتاج إلى ذلك وهذا هو الذي اقتضى ظاهر الكتاب أنه كفر

قال وأما قوله لا يتصور التعلم إلا بالمباشرة كضرب العود فليس كذلك إلى قوله فهو قربة لا كفر قلت مراد الطرطوشي تعلمه لتجربة حصول أثره لا لغير ذلك وقوله قد قال بعض العلماء إن تعلمه ليفرق بينه وبين المعجزة صحيح وقوله فنقول إذا عمل السحر بأمر مباح فيه نظر إذ لقائل أن يقول إن عمل السحر المقصود به تحصيل أثره على أي وجه كان كفرا أو دليل الكفر بوضع الشارع وهو ظاهر الآية كما سبق وتوهم كونه إذا كان أثره أمرا مباحا التباسه في الشرع كان علمه مباحا لا دليل عليه قال فالموضع مشكل جدا قلت إذا صح أن كون أمر ما كفرا أمر وضعي شرعي وثبت

هامش إدرار الشروق

عمومها بالقواعد كما هو الشأن في العمومات وهو ما نقول أو لا يدخل كما يقولون فيلزم التكفير بغير سبب الكفر وهو خلاف القواعد ولا شاهد له في الاعتبار والاستدلال على أن تعلم السحر أو تعلمه لا يكون بالكفر بقوله تعالى ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر خبر مبني على أن قوله يعلمون الناس السحر تفسير لقوله كفروا ونحن نمنع أنه تفسير له بل هو إخبار عن حالهم بعد تقرر كفرهم بغير السحر سلمنا أنه تفسير له لكن يتعين حمله على أن ذلك السحر كان مشتملا على الكفر وكانت الشياطين تعتقد موجب تلك الألفاظ كالنصراني إذا علم المسلم دينه فإنه يعتقد موجبه وأما الأصولي إذا علم تلميذه المسلم دين النصراني ليرد عليه ويتأمل فساد قواعده فلا يكفر المعلم ولا المتعلم وهذا التقييد على وفق القواعد وأما جعل التعلم والتعليم مطلقا كفرا فهو خلاف القواعد ولنقتصر على هذا القدر من التنبيه على غور هذه المسألة هذا خلاصة كلام الأصل

وفي التبصرة قال ابن الغرس قول ابن عبد السلام روى ابن نافع

____________________

(4/290)

على زعمهم إذا عملوا لهم تلك الأعمال الخاصة لكل ملك من الملوك فهذا هو الذي يزعمون بالاستخدام وأنه خاص بروحانيات الكواكب وملوك الجان وشروط هذه الأمور مستوعبة في كتب القوم والغالب عليهم الكفر فلا جرم لا يشتغل بهذه الأمور مفلح وهاهنا قد انتهى العدد إلى أحد عشر وكان أصله عشر بسبب أن أحد بعض الخواص من أنواع السحر فاختلف العدد لذلك

وهاهنا أربع مسائل المسألة الأولى

قال الإمام فخر الدين بن الخطيب في كتابه الملخص السحر والعين لا يكونان من فاضل ولا يقعان ولا يصحان منه أبدا لأن من شرط السحر الجزم بصدور الأثر وكذلك أكثر الأعمال من شرطها الجزم والفاضل المتبحر في العلوم يرى وقوع ذلك من الممكنات التي يجوز أن توجد وأن لا توجد فلا يصح له عمل أصلا وأما العين فلا بد فيها من فرط التعظيم للمرئي والنفوس الفاضلة لا تصل في تعظيم ما تراه إلى هذه

هامش أنوار البروق

بدليل شرعي فلا إشكال

قال وقول الطرطوشي إذا قال صاحب الشرع من دخل الدار إلخ قلت ما قاله الطرطوشي صحيح وليس فرض محال بل يكون ذلك القول إنشاء شرع لا إخبارا عن كفر من لم يكفر فذلك هو المحال

قال وقولهم هو دليل الكفر ممنوع قلت منعه ممنوع وما قاله من شبهة التخصيص هو تقييد المطلق وما قاله من التكفير بغير سبب الكفر فهو خلاف القواعد نقول بموجبه ولا نعلم أحدا قاله وما قاله من أن قوله تعالى يعلمون الناس ليس بتفسير لقوله تعالى كفروا ممنوع وما قاله من أنه إخبار عن حالهم بعد تقرر كفرهم بغير السحر غير لائق بفصاحة الشارع وما قاله من أنه يتعين حمل ذلك على أنه كان ذلك السحر مشتملا على الكفر ليس كذلك لاحتمال أن يكون تعليمه وتعلمه كفرا وهو الظاهر الذي لا معدل عنه وأما قوله من أن معلم الكفر ومتعلمه ليرد عليه ليس بكافر صحيح وما قاله من أن من قال إن التعليم والتعلم مطلقا كفر فهو خلاف القواعد صحيح أيضا

قال المسألة الرابعة الفرق بين المعجزات وبين السحر وغيره مما يتوهم أنه من خوارق العادات

هامش إدرار الشروق

عن مالك في المبسوط في المرأة تقر أنها عقدت زوجها عن نفسها أو عن غيرها من النساء أنها تقتل ولا تنكل قال ولو سحر نفسه لم يقتل بذلك يؤخذ منه مع قول مالك فيمن يعقد الرجال عن النساء يعاقب ولا يقتل ا ه أن ليس كل سحر كفرا والله سبحانه وتعالى أعلم

ا ه بتصرف وأيد الإمام أبو القاسم بن الشاط إبقاء وقوله تعالى وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر على عمومها وأن قوله تعالى يعلمون الناس السحر تفسير لقوله كفروا وتسويغ الطرطوشي القول بأنه علامة على الكفر بوجوه

الوجه الأول أن قاعدة أن كون أمر ما كفرا أي أمر كان ليس من الأمور العلية بل هو من الأمور الوضعية الشرعية فإذا قال الشارع في أمر ما هو كفر فهو كذلك سواء كان ذلك القول إنشاء أم إخبارا يقتضي صحة قول الطرطوشي إن الشارع لو قال من دخل موضع كذا فهو كافر اعتقدنا كفر

____________________

(4/291)

الغاية فلذلك لا يصح السحر إلا من العجائز والتركمان أو السودان ونحو ذلك من النفوس الجاهلة

المسألة الثانية السحر له حقيقة وقد يموت المسحور أو يتغير طبعه وعادته وإن لم يباشره وقال به الشافعي وابن حنبل وقالت الحنفية إن وصل إلى بدنه كالدخان ونحوه جاز أن يؤثر وإلا فلا وقالت القدرية لا حقيقة للسحر لنا الكتاب والسنة والإجماع

أما الكتاب فقوله تعالى يعلمون الناس السحر وما لا حقيقة له لا يعلم ولا يلزم صدور الكفر عن الملائكة لأنه قرء الملكين بكسر اللام أو هما ملكان وأذن لهما في تعليم الناس السحر للفرق بين المعجزة والسحر لأن مصلحة الخلق في ذلك الوقت كانت تقتضي ذلك ثم صعدا إلى السماء وقولهما فلا تكفر أي لا تستعمله على وجه الكفر كما يقال

هامش أنوار البروق

إلخ قلت إن كان يريد أن جميع ما يحدث عن السحر فهو معتاد وليس فيه ما هو خارق فليس ذلك بصحيح وأكثر الأشعرية أو جميعهم يجوزون خرق العوائد على يد الساحر إلا أن يقول بالجواز وعدم الوقوع فلا أدري من يعلم ذلك قال الفرق الأول منهما أن السحر وما يجري مجراه يختص بمن عمل له إلخ قلت إنما يظهر ذلك لمن جربه وتكررت منه التجربة وقل من يجربه

قال الفرق الثاني من الفرقين الظاهرين إلخ قلت ما قاله في هذا الفرق صحيح وهو الفرق بين الولي والساحر وكما هو أعني الاتصاف بالصفات المحمودة دون المذمومة فرق بين الولي والساحر فهو فرق بين النبي وبينه ثم الفرق بين النبي والولي بالتحدي على مذهب من يمنع تحدي الولي بالولاية والتحدي بالنبوة على مذهب من يجيز تحدي الولي بالولاية وجميع ما قاله

هامش إدرار الشروق

الداخل وأن الدخول كفر ويكون ذلك القول إنشاء شريعة أو إخبارا عن إنشاء شرع لا إخبارا عن كفر من لم يكفر حتى يكون محال وصحة قوله أن معنى قول الأصحاب أن السحر كفر أي دليل الكفر إلى قوله وإن تكن هذه الأمور كفرا فهي كأكل الخنزير والتردد إلى الكنائس

الوجه الثاني أن استدلال المالكية بقوله تعالى وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر أي بتعليمه ظاهر واضح لتعذر حمل قوله فلا تكفر على الكفر بغير التعليم لعدم التئام

قوله فلا تكفر مع ما قبله على تقدير أن الكفر المنهي عنه غير التعلم فهو من هذه الجهة وبهذه القرينة نص في أن التعلم هو الكفر ولكن يبقى في ذلك أن الآية إخبار عن واقع قبلنا وخطاب عن غيرنا فلا يتم الاستدلال إلا على القول بأن شرع من قبلنا شرع لنا وهو المشهور المنصوص في المذهب

الوجه الثالث أن قوله تعالى يعلمون الناس السحر لا يليق بفصاحة الشارع أنه إخبار عن حالهم بعد تقرر كفرهم بغير السحر بل اللائق بها أنه تفسير لقوله كفرا ولا نسلم بغير حمله حينئذ على أنه كان ذلك السحر مشتملا على الكفر لاحتمال أن يكون تعليمه وتعلمه كفرا وهو الظاهر الذي لا معدل عنه

الوجه الرابع أن تعلم السحر على وجهين أحدهما ليعرف حقيقته خاصة

____________________

(4/292)

خذ المال ولا تفسق به أو يكون معنى قوله عز وجل يعلمون الناس السحر أي ما يصلح للأمرين وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم سحر فكان يخيل إليه أنه يأتي النساء ولا يأتيهن الحديث وقد سحرت عائشة رضي الله عنها جارية اشترتها وكان السحر وخبره معلوما للصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وكانوا مجمعين عليه قبل ظهور القدرية ولأن الله عز وجل قادر على خلق ما يشاء عقيب كلام مخصوص أو أدوية مخصوصة احتجوا بقوله تعالى يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فهو تخيل لا حقيقة له ولأنه لو كانت له حقيقة لأمكن الساحر أن يدعي به النبوة فإنه يأتي بالخوارق على اختلافها

والجواب عن الأول أنه حجة لنا لأنه تعالى أثبت السحر وإنما لم ينهض بالخيال إلى السعي ونحن لا ندعي أن كل سحر ينهض إلى كل المقاصد وعن الثاني أن إضلال الله تعالى للخلق ممكن لكن الله تعالى أجرى عادته بضبط مصالحهم فما يسر ذلك على الساحر وكم من ممكن يمنعه الله عز وجل من الدخول في العلم لأنواع من الحكم مع أنا سنبين بعد هذه المسألة إن شاء الله تعالى الفرق بين السحر والمعجزات من وجوه فلا يحصل اللبس والضلال

المسألة الثالثة قال الطرطوشي في تعليقه قال مالك وأصحابه الساحر كافر يقتل ولا يستتاب سحر مسلما أو ذميا كالزنديق قال محمد إن أظهره قبلت توبته قال أصبغ إن أظهره ولم يتب فقتل فماله لبيت المال وإن استتر فلورثته من المسلمين ولا آمرهم بالصلاة عليه فإن فعلوا فهم أعلم

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

إما لتجنب أو لغير ذلك وهذا ليس بكفر وثانيهما أن يتعلمه قاصدا بتعلمه تحصيل أثره متى احتاج إلى ذلك وهذا هو الذي اقتضى ظاهر الكتاب أنه كفر وحينئذ فقول الشهاب لا يمكن التكفير بجمع العقاقير وغير ذلك من الأفعال صحيح إذا كان ذلك الجمع وسائر تلك الأفعال غير مقصود بها اجتلاب الآثار المطلوبة من ذلك

وأما إذا كانت مقصودا بها ذلك فهو السحر الذي هو كفر بنفسه لتضمنه اعتقاد تأثير هذه الأمور أو دليل الكفر على مذهب المالكية وقول الطرطوشي لا سيما وتعلمه لا يتأتى إلا بمباشرته إلى قوله أن تذلل لي قلب فلان الجبار يعني أن تعلمه لتحصيل ثمرته لا لغير ذلك من المقاصد وذلك صحيح من جهة اشتراط أهل السحر ذلك بل الجزم بحصول الأثر على ما ذكره الفخر وقوله واحتجوا إلى قوله لم يأثم المالكية تقول بموجبه ولا يلزم مقصود الحنفية فإن ما ذكره الحنفية تعلم الكفر لا لنفسه بل لتصحيح يقتضيه وقول الشهاب إن من قال التعليم والتعلم مطلقا كفر فهو خلاف القواعد صحيح أيضا كقوله إن معلم الكفر ومتعلمه ليرد عليه ليس بكافر قال ابن الشاط وإذا صح أن كون أمر ما كفرا أمر وضعي شرعي وثبت بدليل شرعي أن السحر كفر وأنه علامة الكفر فلا إشكال لأنه يكون حينئذ من شرط المؤمن أن لا يعمل سحرا وعند ذلك يصح إيمانه إما ظاهرا وباطنا إن كان السحر بنفسه كفرا

____________________

(4/293)

قال ومن قول علمائنا القدماء لا يقتل حتى يثبت أنه من السحر الذي وصفه الله عز وجل بأنه كفر قال أصبغ يكشف عن ذلك من يعرف حقيقته ولا يلي قتله إلا السلطان فإن سحر المكاتب أو العبد سيده لم يل سيده قتله بل الإمام ولا يقتل الذمي إلا أن يضر المسلم بسحره فيكون نقضا لعهده فيقتل ولا يقبل منه الإسلام وإن سحر أهل ملته فيؤدب إلا أن يقتل أحدا فيقتل به وقال سحنون يقتل إلا أن يسلم كالساب وهو خلاف قول مالك فإن ذهب لمن يعمل له سحرا ولم يباشر أدب أدبا شديدا لأنه لم يكفر وإنما ركن للكفرة

قال وتعلمه وتعليمه عند مالك كفر وقالت الحنفية إن اعتقد أن الشياطين تفعل له ما يشاء فهو كافر وإن اعتقد أنه تخييل وتمويه لم يكفر وقالت الشافعية يصفه فإن وجدنا فيه ما هو كفر كالتقرب للكواكب ويعتقد أنها تفعل ما يلتمس منها فهو كفر وإن لم نجد فيه كفرا فإن اعتقد إباحته فهو كفر قال الطرطوشي وهذا متفق عليه لأن القرآن نطق بتحريمه قالت الشافعية إن قال سحري يقتل غالبا وقتلت به قتل وإن قال الغالب منه السلامة فعليه الدية مغلظة في ماله لأن العاقلة لا تحمل الإقرار

وقال أبو حنيفة إن قال قتلت بسحري لم يجب عليه القود لأنه لم يقتل بمثقل وإن تكرر ذلك منه قتل لأنه سعى في الأرض بالفساد قال الطرطوشي ودليل المالكية قوله تعالى وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر أي بتعلمه وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ولأنه لا يتأتى إلا ممن يعتقد أنه يقدر به على تغيير الأجسام والجزم بذلك

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وإما ظاهرا فقط إن كان علامة الكفر بحسب الظاهر فسقط قول الشهاب في توجيه الإشكال لأنا نعلم إلى قوله على خلاف الواقع

قال ولا أعرف ما قالوه من ربط الله تلك الآثار بخواص نفوسهم عند اعتقادهم أن الكواكب تفعل ذلك بقدرة الله تعالى قال وقول الشهاب وإن اعتقدوا أن الكواكب والشياطين تفعل ذلك بقدرتها لا بقدرة الله تعالى إلى قوله فكما لا نكفر المعتزلة بذلك لا نكفر هؤلاء إن كان المراد أنها تفعل بقدرتها من غير تعلق قدرة الله تعالى بقدرتها فذلك كفر صريح وإن كان المراد أنها تفعل بقدرتها مباشرة مع تعلق قدرة الله تعالى بقدرتها فهو مذهب المعتزلة قال وقوله وتفريق بعضهم إلى قوله كان كفرا إن كان ذلك لاعتقاد أن الكواكب مستغنية بقدرتها عن قدرة الله تعالى فذلك كفر صريح وليس تأثير الحيوان بمشاهد وإنما المشاهد التأثر لا غير قال وفي قوله وكذلك نقول إذا عمل السحر بأمر مباح نظر إذ لقائل أن يقول إن عمل السحر المقصود به تحصيل أثره على أي وجه كان كفرا أو دليل الكفر بوضع الشارع وهو ظاهر الآية كما سبق وتوهم كونه إذا كان أثره أمرا مباحا التلبس به في الشرع كان عمله مباحا لا دليل عليه هذا ما رده ابن الشاط من كلام الأصل وأما ما عداه فصححه قلت فتحصل أن أقوال أصحابنا في السحر ثلاثة

الأول أنه كفر مطلقا وهو الذي أيده ابن العربي في أحكامه والثاني أنه علامة الكفر مطلقا وهو الذي أيده ابن الشاط وعليهما

____________________

(4/294)

كفر أو نقول هو علامة الكفر بإخبار الشرع فلو قال الشارع من دخل موضع كذا فهو كافر اعتقدنا كفر الداخل وإن لم يكن الدخول كفرا وإن أخبرنا هو أنه مؤمن لم نصدقه قال فهذا معنى قول أصحابنا إن السحر كفر أي دليل الكفر لا أنه كفر في نفسه كأكل الخنزير وشرب الخمر والتردد إلى الكنائس في أعياد النصارى فنحكم بكفر فاعله

وإن لم تكن هذه الأمور كفرا لا سيما وتعلمه لا يتأتى إلا بمباشرته كمن أراد أن يتعلم الزمر أو ضرب العود والسحر لا يتم إلا بالكفر كقيامه إذا أراد سحر سلطان لبرج الأسد قائلا خاضعا متقربا له ويناديه يا سيداه يا عظيماه أنت الذي إليك تدين الملوك والجبابرة والأسود أسألك أن تذلل لي قلب فلان الجبار واحتجوا بأن تعلم صريح الكفر ليس بكفر فإن الأصولي يتعلم جميع أنواع الكفر ليحذر منه ولا يقدح في شهادته ومأخذه فالسحر أولى أن لا يكون كفرا ولو قال إنسان إنما تعلمت كيف يكفر بالله لأجتنبه أو كيف الزنا وأنواع الفواحش لأجتنبها لم يأثم قلت هذه المسألة في غاية الإشكال على أصولنا فإن السحرة يعتمدون أشياء تأبى قواعد الشريعة تكفيرهم بها كفعل الحجارة المتقدم ذكرها قبل هذه المسألة وكذلك يجمعون عقاقير ويجعلونها في الأنهار والآبار أو زير الماء أو في قبور الموتى أو في باب يفتح إلى المشرق أو غير ذلك من البقاع ويعتقدون أن الآثار تحدث عند تلك الأمور بخواص نفوسهم التي طبعها الله تعالى على الربط بينها وبين تلك الآثار عند صدق العزم

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

فيقتل إذا عمل ذلك بنفسه وأما من ليس بمباشر عمله ولكن ذهب إلى من يعمله له ففي الموازية يؤدب أدبا شديدا كما في التبصرة

والثالث أنه كفر إن كان بما هو كفر وغير كفر إن كان بأمر مباح وهو الذي أيده الأصل وفي تعليمه وتعلمه قولان الأول أنهما كفر إن كانا بقصد تحصيل أثره متى احتاج إلى ذلك لا لغير ذلك من المقاصد وهو ما أيده ابن الشاط الثاني أنهما كفر إن كانا بمباشرة ما هو كفر وإلا فقد يكونان قربة وهو ما أيده الأصل وأما القول بأن تعليمه وتعلمه مطلقا كفر فقد علمت اتفاق الأصل وابن الشاط على أنه خلاف القواعد وينبني الخلاف المذكور في السحر على ما حكاه في التبصرة عن ابن الغرس من قوله واختلف السلف هل يجوز أن يسأل الساحر حل السحر عن المسحور أم لا فكره الحسن البصري ذلك لأنه عمل سحر وقال لا يعمل ذلك إلا ساحر ولا يجوز إتيان الساحر لما روي عن ابن مسعود من أتى إلى كاهن أو ساحر فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وأجازه ابن المسيب لأنه رآه نوعا من العلاج فيخصص بذلك في قوله يعلمون الناس السحر ذكره البخاري وأما ما حكاه فيها من قول ابن الغرس وانظر هل يجوز السحر في الإصلاح بين نفسين كالمرأة تبغي إصلاح زوجها واستئلافه وعلى القول بأن السحر كفر فإنما يراد ما شهد الشرع له بأنه كفر ا ه

فمبني على ما أيده الأصل فافهم

مسألة قال ابن فرحون في الطرر لابن عات قال لا يجوز الجعل على حل المربوط والمسحور

____________________

(4/295)

فلا يمكننا تكفيرهم بجمع العقاقير ولا بوضعها في الآبار ولا باعتقادهم حصول تلك الآثار عند ذلك الفعل لأنهم جربوا ذلك فوجدوه لا ينخرم عليهم لأجل خواص نفوسهم فصار ذلك الاعتقاد كاعتقاد الأطباء حصول الآثار عند شرب العقاقير لخواص طبائع تلك العقاقير وخواص النفوس لا يمكن التكفير بها لأنها ليست من كسبهم ولا كفر بغير مكتسب وأما اعتقادهم أن الكواكب تفعل ذلك بقدرة الله تعالى فهذا خطأ لأنها لا تفعل ذلك ولا ربط الله تعالى ذلك بها

وإنما جاءت الآثار من خواص نفوسهم التي ربط الله تعالى بها تلك الآثار عند ذلك الاعتقاد فيكون ذلك الاعتقاد في الكواكب خطأ كما إذا اعتقد طبيب أن الله تعالى أودع في الصبر والسقمونيا عقل البطن وقطع الإسهال فإنه خطأ

وأما تكفيره بذلك فلا وإن اعتقدوا أن الكواكب تفعل ذلك والشياطين بقدرتها لا بقدرة الله تعالى فقد قال بعض العلماء الشافعية هذا هو مذهب المعتزلة في استقلال الحيوانات بقدرتها دون قدرة الله تعالى فكما لا نكفر المعتزلة بذلك لا نكفر هؤلاء ومنهم من فرق بأن الكواكب مظنة العبادة فإن انضم إلى ذلك اعتقاد القدرة والتأثير كان كفرا وأجيب عن هذا الفرق بأن تأثير الحيوان في القتل والضر والنفع في العادة مشاهد من السباع والآدميين وغيرهم وأما كون المشترى أو زحل يوجب شقاوة أو سعادة فإنما هو حزر وتخمين من المنجمين لا صحة له وقد عبدت البقر والشجر والحجارة والثعابين فصارت هي الشائبة مشتركة بين الكواكب وغيرها فهو موضع نظر والذي لا مرية فيه أنه كفر إن اعتقد أنها مستقلة بنفسها لا تحتاج إلى الله تعالى فهذا مذهب الصائبة وهو كفر صريح لا سيما إن صرح بنفي ما عداها وبهذا البحث يظهر ضعف ما قالته الحنفية من أن أمر الشياطين وغيرهم كفر بل ينبغي لهم أن يفصلوا في هذا الإطلاق فإن الشياطين كانت تصنع لسليمان عليه السلام ما يأمرهم به من محاريب وتماثيل وغير ذلك فإن اعتقد الساحر أن الله عز وجل سخر له بسبب عقاقيره مع خواص نفسه الشياطين صعب القول بتكفيره

وأما قول الأصحاب إنه علامة الكفر فمشكل لأنا نتكلم في هذه المسألة باعتبار الفتيا ونحن نعلم أن حال الإنسان في تصديقه لله تعالى ورسله بعد عمل هذه العقاقير كحاله قبل ذلك والشرع لا يخبر على خلاف الواقع فإن أرادوا الخاتمة فمشكل أيضا لأنا لا نكفر في الحال بكفر واقع في المآل كما أنا لا نجعله مؤمنا في الحال بإيمان واقع في المآل وهو

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وكذلك لا يجوز الجعل على إخراج الجان من الرجل لأنه لا تعرف حقيقته ولا يوقف عليه ولا ينبغي لأهل الورع الدخول فيه ونسب نقل ذلك إلى الاستغناء لابن عبد الغفور

ا ه بلفظه

ثم اعلم أن السحر من جهة الخلاف في أن له حقيقة وأنه يلتبس بالمعجزة ونحوها من خوارق العادات وأنه يلتبس بتسع حقائق من علوم الشرع التي جمعها سيدي عبد الله العلوي في نظمه رشد الغافل وشرحها وهي أنواعه الأربعة المذكورة والخواص المنسوبة للنفوس والطلسمات والأوفاق والعزائم والاستخدامات يفتقر إلى توضيح جهاته الثلاث المذكورة في ثلاث مقاصد

المقصد الأول القدرية على أن السحر لا حقيقة له والجمهور على أن له حقيقة واختلف فيه على هذا القول من ثلاث جهات

الجهة الأولى قال الأصل اختلف الأصوليون في السحر فقال بعضهم لا يكون إلا رقى أجرى الله تعالى عادته أن يخلق عندها افتراق المتحابين ا ه

يريد وقال بعضهم الآخر إنه كما يكون بالرقى المذكورة كذلك يكون بغيرها وينبني عليه ما حكاه عن الطرطوشي في تعليقه من أنه وقع في الموازية إن قطع أذنا ثم ألصقها أو أدخل السكاكين في بطنه فقد يكون هذا سحرا وقد لا يكون سحرا ا ه

وعلى القول الثاني كلام الأصل المتقدم وعلى القول الأول ما مر عن ابن العربي من أن حقيقته أنه كلام إلخ

____________________

(4/296)

يعبد الأصنام الآن بل الأحكام الشرعية تتبع أسبابها وتحققها لا توقعها وإن قطعنا بوقوعها كما أنا نقطع بغروب الشمس وغير ذلك ولا نرتب مسبباتها قبلها وأما قول أصحابنا في التردد إلى الكنائس وأكل الخنزير وغيره فإنما قضينا بكفره في القضاء دون الفتيا وقد يكون فيما بينه وبين الله تعالى مؤمنا

فالذي يستقيم في هذه المسألة ما حكاه الطرطوشي عن قدماء أصحابنا أنا لا نكفره حتى يثبت أنه من السحر الذي كفر الله به أو يكون سحرا مشتملا على كفر كما قاله الشافعي وأما قول مالك أن تعلمه وتعليمه كفر ففي غاية الإشكال فقد قال الطرطوشي وهو من سادات العلماء أنه إذا وقف لبرج الأسد وحكى القضية إلى آخرها فإن هذا سحر فقد تصوره وحكم عليه بأنه سحر فهذا هو تعلمه فكيف يتصور شيئا لم يعلمه

وأما قوله لا يتصور التعلم إلا بالمباشرة كضرب العود فليس كذلك بل كتب السحر مملوءة من تعليمه ولا يحتاج إلى ذلك بل هو كتعلم أنواع الكفر الذي لا يكفر به الإنسان كما نقول إن النصارى يعتقدون في عيسى عليه السلام كذا والصابئة يعتقدون في النجوم كذا ونتعلم مذاهبهم وما هم عليه على وجهه حتى نرد عليهم ذلك فهو قربة لا كفر وقد قال بعض العلماء إن كان تعلم السحر ليفرق بينه وبين المعجزات كان ذلك قربة وكذلك نقول إن عمل السحر بأمر مباح ليفرق به بين المجتمعين على الزنا أو قطع الطريق بالبغضاء والشحناء أو يفعل ذلك بجيش الكفر فيقتلون به ملكهم هذا كله قربة أو يصنعه محبة بين الزوجين أو الملك مع جيش

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

إلا أنه خصه بالرقى المكفرة فافهم

الجهة الثانية هل يؤثر في المسحور فيموت أو يتغير طبعه وعادته وإن لم يباشره وهو مذهبنا وبه قال الشافعي وابن حنبل أو يجوز أن يؤثر إن وصل إلى بدنه كالدخان ونحوه وإلا فلا وهو مذهب أبي حنيفة قولان

الجهة الثالثة هل يقع فيه ما ليس مقدورا للبشر كأن يصل إلى إحياء الموتى وإبراء الأكمه وفلق البحر وإنطاق البهائم وقلب الجماد حيوانا وعكسه كما يقع فيه ما هو مقدور للبشر أو لا يقع فيه إلا ما هو مقدور للبشر قولان الثاني لجماعة منهم القاضي قال ولا يقع فيه إلا ما هو مقدور للبشر وأجمعت الأمة على أنه لا يصل إلى إحياء الموتى وإبراء الأكمه وفلق البحر وإنطاق البهائم ومنهم الأستاذ أبو إسحاق قال وقد يقع التغيير به والضني وربما أتلف وأوجب الحب والبغض والبله وفيه أدوية مثل المرائر والأكباد والأدمغة فهذا الذي يجوز عادة وأما طلوع الزرع في الحال أو نقل الأمتعة والقتل على الفور والعمى والصمم ونحوه وعلم الغيب فممتنع وإلا لم يأمن أحد على نفسه عند العداوة وقد وقع القتل والعناد من السحرة ولم يبلغ فيها أحد هذا المبلغ وقد وصل القبط فيه إلى الغاية ولم يتمكن سحرة فرعون من الدفع عن أنفسهم والتغيب والهروب عند قطع فرعون أيديهم وأرجلهم

ومنهم العلقمي قال كما في العزيزي على الجامع الصغير والحق أن لبعض أسباب السحر تأثيرا في القلوب كالحب والبغض وفي البدن بالألم والسقم وإنما المنكر أن الجماد ينقلب حيوانا وعكسه بسحر الساحر ونحو ذلك ا ه

____________________

(4/297)

الإسلام فتأمل هذه المباحث كلها فالموضع مشكل جدا قول الطرطوشي إذا قال صاحب الشرع من دخل الدار فهو كافر قضينا بكفره عند دخول الدار فهو فرض محال ولا يخبر صاحب الشرع عن إنسان بالكفر إلا إذا كفر وقولهم هو دليل الكفر ممنوع وقولهم لأن صاحب الشرع أخبر بذلك في الكتاب العزيز

قلنا حمل الآية على ما هو كفر من السحر لا محال فيه غايته دخول التخصيص في العموم بالقواعد وهذا هو شأننا في العمومات وأما التكفير بغير سبب الكفر فهو خلاف القواعد ولا شاهد له بالاعتبار وأي دليل دلنا على أن تعلم السحر أو تعليمه لا يكون إلا بالكفر

وقوله تعالى ! 2 < ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر > 2 ! البقرة 102 فالجواب عنه قوله يعلمون الناس السحر نمنع أنه تفسير لقوله ^ كفروا بل أخبار عن حالهم بعد تقرر كفرهم بغير السحر وإنما يتم المقصود إذا كانت الجملة الثانية مفسرة للأولى سلمنا أنها مفسرة لها

لكن يتعين حمله على أن ذلك السحر كان مشتملا على الكفر وكانت الشياطين تعتقد موجب تلك الألفاظ كالنصراني إذا علم المسلم دينه فإنه يعتقد بموجبه وأما علم المسلم دين النصراني ليرد عليه ويتأمل فساد قواعده فلا يكفر المعلم ولا المتعلم وهذا التقييد على وفق القواعد وأما جعل التعليم والتعلم مطلقا كفرا فخلاف القواعد واقتصر على هذا القدر من التنييه على غور هذه المسألة

قلت نقلت هذا الفصل بجملته لافتقار الكلام عليه إلى مقدمة لم يتعين تمهيدها وهي أن كون أمر ما كفرا أي أمر كان ليس من الأمور العقلية بل هو من الأمور الوضعية الشرعية

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وحكى ابن الجويني أن أكثر علمائنا جوزوا أن يستدق جسم الساحر حتى يلج في الكوة ويجري على خيط مستدق ويطير في الهواء ويقتل غيره

والقول الأول أيده الإمام أبو القاسم بن الشاط بأن جميع ما هو مقدور للبشر وما هو غير مقدور لهم من جملة أفعال الله تعالى الجائزة عقلا فلا غرو أن ينتهي إلى الإحياء والإماتة وغير ذلك اللهم إلا أن يكون هنالك مانع سمعي من وقوع بعض تلك الجائزات

قال وإجماع الأمة على أنه لا يصل إلى إحياء الموتى وإبراء الأكمه وفلق البحر وإنطاق البهائم الذي حكاه لا يصح أن يكون مستنده إلا التوقيف ولا أعرف الآن صحة ذلك الإجماع ولا التوقيف الذي استند إليه ذلك الإجماع ا ه

وقال الأصل ووصوله إلى القتل وتغيير الخلق ونقل الإنسان إلى صورة البهائم هو الصحيح المنقول عنهم وقد كان القبط في أيام ملكة مصر بعد فرعون المسماة بدلوكا وضعوا السحر في البرايا وصوروا فيه عساكر الدنيا فأي عسكر قصدهم وأي شيء فعلوه من قلع الأعين أو ضرب الرقاب تخيل ذلك الجيش أو رجاله أنه وقع بذلك العسكر في موضعه فتحاشيهم العساكر فأقاموا ستمائة سنة والنساء هن الملوك والأمراء بمصر بعد غرق فرعون وجيوشه كما حكاه المؤرخون

وأما الجواب عن سحرة فرعون فمن وجوه

الأول أنهم تابوا فمنعتهم التوبة والإسلام العودة إلى معاودة الكفر الذي تكون به تلك الآثار ورغبوا فيما عند الله تعالى ولذلك قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون

الثاني أنه يجوز أنهم لم يكونوا ممن وصلوا لذلك وإنما قصد من

____________________

(4/298)

فإذا قال الشارع في أمر ما هو كفر فهو كذلك سواء كان ذلك القول إنشاء أم أخبارا فإذا تمهدت القاعدة فنقول ما قاله الطرطوشي من أن دليل المالكية قوله تعالى ! 2 < وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر > 2 ! البقرة 102 أي بتعلمه قول صحيح واستدلال المالكية بذلك ظاهر واضح لتعذر حمل قوله ! 2 < فلا تكفر > 2 ! على الكفر بغير التعليم لعدم التآم قوله فلا تكفر على تقدير أن الكفر المنهي عنه غير التعلم مع ما قبله فهو من هذه الجهة وبهذه القرينة نص في أن التعلم هو الكفر ولكن يبقى في ذلك أن الآية أخبار عن واقع قبلنا وخطاب عن غيرنا فلا يتم الاستدلال إلا على القول بأنه شرع لنا وهو المشهور المنصور في المذهب وما قاله الطرطوشي أيضا من أن السحر لا يتأتى إلا ممن يعتقد أنه يقدر به على تغيير الأجسام إن أراد أنه لا يظهر له أثر إلا مع ذلك الاعتقاد فهو مثل ما حكاه الشهاب عن الفخر في المسألة الأولى ولا أدري صحة ذلك

وما قاله من أن الجزم بذلك الاعتقاد كفر

قول صحيح لنسبة التأثير لغير قدرة الله تعالى وما قاله من تسويغ القول بأنه علامة على الكفر الداخل صحيح ما قاله من أنه لو قال الشارع من دخل موضع كذا فهو كافر اعتقدنا كفر الداخل وأن الدخول كفر صحيح لما تقدم من أن الكفر من الأمور الوضعية فإذا قال الشارع في أمر ما أنا كفر مخبرا أو منشئا فذلك الأمر كفر وما قاله من أن معنى قول الأصحاب أن السحر كفر أي دليل الكفر إلى قوله وإن لم تكن وخواص النفوس لا يمكن التكفير بها لأنها ليست من كسبهم ولا كفر بغير مكتسب

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

يقدر من السحرة في ذلك الوقت على قلب العصا حية لأجل موسى عليه السلام

الثالث أنه يجوز أن يكون فرعون قد علمه بعض السحرة حجبا وموانع يبطل بها سحر السحرة اعتناء به والحجب والمبطلات فيه مشتهرة عند أهله قال ودليل أن للسحر حقيقة الكتاب والسنة الإجماع أما الكتاب فقوله تعالى يعلمون الناس السحر وما لا حقيقة له لا يعلم ولا يلزم صدور الكفر عن الملائكة لأنه قرئ الملكين بكسر اللام أو هما ملكان وأذن لهما في تعليم الناس السحر للفرق بين المعجزة والسحر لأن مصلحة الخلق في ذلك الوقت كانت تقتضي ذلك ثم صعدا إلى السماء وقولهما فلا تكفر أي لا تستعمله على وجه الكفر كما يقال خذ المال ولا تفسق به أو يكون معنى قوله عز وجل يعلمون الناس السحر أي ما يصلح للأمرين

وأما السنة ففي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم سحر فكان يخيل إليه أنه يأتي النساء ولا يأتيهن الحديث وقد سحرت عائشة رضي الله عنها جارية اشترتها وفي الموطإ أن جارية لحفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم سحرتها وقد كانت دبرتها فأمرت بها فقتلت كما في التبصرة وأما الإجماع فقد كان السحر وخبره معلوما للصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وكانوا مجمعين عليه قبل ظهور القدرية ولأن الله عز وجل قادر على خلق ما يشاء عقب كلام مخصوص أو أدوية مخصوصة

وأما الوجهان اللذان احتجوا بهما

فالأول قوله تعالى يخيل إليه من

____________________

(4/299)

وأما اعتقادهم أن الكواكب تفعل ذلك بقدرة الله تعالى فهذا خطأ

لأنها لا تفعل ذلك ولا ربط الله تعالى ذلك بها وإنما جاءت الآثار من خواص نفوسهم التي ربط الله تعالى بها تلك الآثار عند ذلك الاعتقاد فيكون ذلك الاعتقاد في الكواكب خطأ

كما إذا اعتقد طبيب أن الله تعالى أودع في الصبر والسقمونيا عقل البطن وقطع الإسهال فإنه خطأ وأما تكفيره بذلك فلا وإن اعتقدوا أن الكواكب تفعل ذلك والشياطين بقدرها لا بقدرة الله تعالى فقد قال بعض علماء الشافعية هذا هو مذهب المعتزلة في استقلال الحيوانات بقدرها دون قدرة الله تعالى فإن انضم إلى ذلك اعتقاد القدرة والتأثير كان كفرا وأجيب عن هذا الفرق بأن تأثير الحيوان في القتل والضر والنفع في العادة مشاهدة من السباع والآدميين وغيرهم وأما كون المشتري أو زحل يوجب شقاوة أو سعاد فإنما هو حزر وتخمين من المنجمين لا صحة له وقد عبدت البقر والشجر والحجارة والثعابين فصارت هذه الشائبة مشتركة بين الكواكب وغير ذا فهو موضع نظر والذي لا مرية فيه أنه كفران اعتقد أنها مستقلة بنفسها لا تحتاج إلى الله تعالى فهذا مذهب الصابئة وهو كفر صريح لا سيما إن صرح بنفي ما عداها وبهذا البحث يظهر ضعف ما قالته الحنفية من أن أمر الشيطان وغيرهم كفر بل ينبغي لهم أن يفصلوا في هذا الإطلاق فإن الشياطين كانت تصنع لسليمان عليه السلام ما يأمرهم به من محاريب وتماثيل وغير ذلك فإن اعتقد الساحر أن الله عز وجل سخر له بسبب عقاقيره مع خواص نفسه الشياطين صعب القول بتكفيره

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

سحرهم أنها تسعى فهو تخيل لا حقيقة له وجوابه أنه حجة لنا لأنه تعالى أثبت السحر وإنما لم ينهض بالخيال إلى السعي ونحن لا ندعي أن كل سحر ينهض إلى كل المقاصد

والثاني أنه لو كانت له حقيقة لأمكن الساحر أن يدعي به النبوة فإنه يأتي بالخوارق على اختلافها وجوابه أن إضلال الله تعالى للخلق ممكن لكن الله تعالى أجرى عادته بضبط مصالحهم فما يسر ذلك على الساحر وكم من ممكن يمنعه الله عز وجل عن الدخول في العالم لأنواع من الحكم مع أننا سنبين بعد إن شاء الله تعالى الفرق بين السحر والمعجزات من وجوه فلا يحصل اللبس والضلال

ا ه بزيادة ما

المقصد الثاني السحر على الجملة نوعان الأول ما هو غير خارق للعوائد والثاني ما هو خارق للعوائد قاله ابن الشاط والنوع الثاني هو ما عرفه المناوي على الجامع الصغير بقوله هو مزاولة النفس الخبيثة لأقوال وأفعال يترتب عليها أمور خارقة ا ه

وأشار بقوله مزاولة النفس الخبيثة إلى ما قاله الإمام فخر الدين بن الخطيب في كتابه الملخص السحر والعين لا يكونان من فاضل ولا يقعان ولا يصحان منه أبدا لأن من شرط السحر الجزم بصدور الأثر وكذلك أكثر الأعمال من شرطها الجزم والفاضل المتبحر في العلوم يرى وقوع ذلك من الممكنات التي يجوز أن توجد وأن لا توجد فلا يصح لفاضل أصلا وأما العين فلا بد فيها من فرط التعظيم للمرئي والنفس الفاضلة لا تصل في تعظيم ما تراه إلى هذه الغاية

____________________

(4/300)

وأما قول الأصحاب أنه علامة الكفر فمشكل لأنا نتكلم في هذه المسألة باعتبار الفتيا ونحن نعلم أن حال الإنسان في تصديقه لله تعالى ورسله بعد عمل هذه العقاقير كحاله قبل ذلكن والشرع لا يخبر على خلاف الواقع

فإن أرادوا الخاتمة فمشكل أيضا لأنا لا نكفر في الحال بكفر واقع في المآل كما أنا لا نجعله مؤمنا في الحال بإيمان وقع في المآل وهو يعبد الأصنام الآن بل الأحكام الشرعية تتبع أسبابها وتحققها لا توقعها وإن قطعنا بوقوعها كما أنا نقطع بغروب الشمس وغير ذلك ولا نرتب مسبباتها قبلها

وأما قول أصحابنا في التردد إلى الكنائس وأكل الخنزير وغيره فإنما قضينا بكفره في القضاء دون الفتيا وقد يكون فيما بينه وبين الله تعالى مؤمنا فالذي يستقيم في هذه المسألة ما حكاه الطرطوشي عن قدماء أصحابنا أنا لا نكفره حتى يثبت أنه من السحر الذي كفر الله به أو يكون سحرا مشتملا على كفر كما قاله الشافعي وأما قول مالك أن تعلمه وتعليمه كفر ففي غاية الإشكال

فقد قال الطرشوشي وهو من سادات العلماء أنه إذا وقع لبرج الأسد وحكى القضية إلى آخرها فإن هذا سحر فقد تصوره وحكم عليه بأنه سحر فهذا هو تعلمه فكيف يتصور شيئا لم يعلمه وأما قوله لا يتصور التعلم إلا بالمباشرة كضرب العود فليس كذلك بل كتب السحرة مملوءة من تعليمه ولا يحتاج إلى ذلك بل هو كتعلم أنواع الكفر الذي لا يكفر به الإنسان كما نقول أن النصارى يعتقدون في عيسى عليه السلام كذا والصابئة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

فلذلك لا يصح السحر إلا من العجائز والتركمان أو السودان ونحو ذلك من النفوس الجاهلة

ا ه

لكن قال ابن الشاط وما قاله الفخر يتوقف على الاختبار والتجربة ولا نعلم صحة ذلك من سقمه قال وقول الشهاب في الفرق الواقع في نفس الأمر بين المعجزات في النبوات وبين السحر وأنواعه والطلسمات وغيرها من الحقائق ونحوها أن المعجزة ما خلق الله في العالم عند تحدي الأنبياء بلا سبب في العادة أصلا كفلق البحر وسير الجبال في الهواء فإن الله تعالى لم يجعل في العالم عقارا يفلق البحر أو يسير الجبال في الهواء ونحو ذلك

وأما السحر وأنواعه والطلسمات ونحوها فهي ما خلق الله في العالم بأسباب في العادة تترتب عليها غير أن تلك الأسباب لم تحصل لكثير من الناس بل لقليل منهم فهي كالعقاقير التي تعمل منها الكيمياء أي نقل الشيء من حالة إلى حالة أعلى منها كتصيير النحاس ذهبا أو فضة إلا أنهما دون الخلقة الأصلية نعم ما كان فيه الكبريت الأحمر يكون ذهبه وفضته جيدا كالخلقة وقد رئي الكبريت الأحمر في تركة أيرم أبي زيد القيرواني وتركة أبي عمران الفاسي واستدل بذلك على جواز عمل الكيمياء إذا كان المعمول بها لا يتبدل ولا يتغير كما في شرح رشد الغافل للعلوي والحشائش التي يعمل منها النفط الذي يحرق الحصون والصخور والدهن الذي من ادهن به لم يقطع فيه حديد وكالسمندل الحيوان الذي لا تعدو عليه النار ولا يأوي إلا فيها ونحو ذلك من الأمور الغريبة قليلة الوقوع في العالم

____________________

(4/301)

يعتقدون في النجوم كذا ونتعلم مذاهبهم ما هم عليه على وجهه حتى نرد عليهم ذلك فهو قربة لا كفر وقد قال بعض العلماء إن كان تعلم السحر ليفرق بينه وبين المعجزات كان ذلك قربة وكذلك نقول أن عمل السحر بأمر مباح ليفرق به بين المجتمعين على الزنا أو قطع الطريق بالبغضاء والشحناء أو يفعل ذلك بجيش الكفر فيقتلون به ملكهم هذا كله قربة أو يصنعه محبة بين الزوجين أو مع جيش الإسلام فتأمل هذه المباحث كلها فالموضع مشكل جدا وقول الطرطوشي إذا قال صاحب الشرع عن إنسان بالكفر إلا إذا كفر

وقولهم هو دليل الكفر ممنوع وقولهم لأن صاحب الشرع أخبر بذلك في الكتاب العزيز قلنا حمل الآية على ما هو كفر من السحر لا محال فيه غايته دخول التخصيص في العموم بالقواعد وهذا هو شأننا في العمومات

وأما التكفير بغير سبب الكفر فهو خلاف القواعد ولا شاهد له في الاعتبار وأي دليل دلنا على أن تعلم السحر أو تعليمه لا يكون إلا بالكفر

وقوله تعالى ! 2 < ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر > 2 ! البقرة 102 فالجواب عنه أن قوله ! 2 < يعلمون الناس السحر > 2 ! نمنع أنه تفسير لقوله ! 2 < كفروا > 2 ! بل أخبار عن حالهم بعد تقرر كفرهم بغير السحر وإنما يتم المقصود إذا كانت الجملة الثانية مفسرة للأولى سلمنا أنها مفسرة لها لكن يتعين حمله على أن ذلك السحر كان مشتملا على الكفر وكانت الشياطين تعتقد

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وإذا وجدت أسبابها وجدت على العادة فيها فليس فيها شيء خارق للعادة بل هي عادة جرت من الله بترتيب مسبباتها على أسبابها

ا ه

مع زيادة إن كان يريد أن جميع ما يحدث عن السحر فهو معتاد وليس فيه ما هو خارق فليس ذلك بصحيح فإن أكثر الأشعرية أو جميعهم يجوزون خرق العادة على يد الساحر إلا أن يقول بالجواز وعدم الوقوع فلا أدري من يعلم ذلك ا ه

قلت وهذا الخلاف بين الأصل وابن الشاط في أنه هل يجوز أن يكون منه خارق أو لا بل جميع ما يحدث عنه معتاد مبني على الخلاف المار في أنه هل يقع فيه ما ليس مقدورا للبشر كالمقدور لهم أو لا يقع فيه إلا ما هو مقدور لهم وعلى ما لابن الشاط فلا يصلح فارقا ما ذكر عنه أنه فرق واقع في نفس الأمر بل يتعين الفرقان الباقيان في كلامه اللذان قال أنهما باعتبار الظاهر لكن لا كما قال بل باعتبار نفس الأمر

الفرق الأول أن السحر وما يجري مجراه يختص بمن عمل له حتى أن أهل هذه الحرف إذا استدعاهم الملوك والأكابر ليبينوا لهم هذه الأمور على سبيل التفرج يطلبون منهم أن تكتب أسماء كل من يحضر ذلك المجلس فيصنعون صنعهم لمن يسمى لهم فإن حضر غيرهم لا يرى شيئا مما رآه الذين سموا أولا بخلاف المعجزة فإنها تظهر لمن عملت له ولغيره قال العلماء وإليه الإشارة بقوله تعالى ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين أي كل ناظر ينظر إليها على الإطلاق ا ه

____________________

(4/302)

المسألة الرابعة الفرق بين المعجزات في النبوات وبين السحر وغيره مما يتوهم أنه من خوارق العادات هذه مسألة عظيمة الوقع في الدين وأشكلت على جماعة من الأصوليين والتبست على كثير من الفضلاء المحصلين والفرق بينهما من ثلاثة أوجه فرق في نفس الأمر باعتبار الباطن وفرقان باعتبار الظاهر أما الفرق الواقع في نفس الأمر فهو أن السحر والطلمسات والسيمياء وهذه الأمور ليس فيها شيء خارق للعادة بل هي عادة جرت من الله بترتيب مسبباتها على أسبابها غير أن تلك الأسباب لم تحصل لكثير من الناس بل للقليل منهم كالعقاقير التي تعمل منها الكيمياء والحشائش التي يعمل منها النفط الذي يحرق الحصون والصخور والدهن الذي من ادهن به لم يقطع فيه حديد والسمندل والحيوان الذي لا تعدو عليه النار ولا يأوي إلا فيها هذه كلها ونحوها في العالم أمور غريبة قليلة الوقوع وإذا وجدت أسبابها وجدت على العادة فيها وكذلك إذا وجدت أسباب السحر الذي أجرى الله به العادة حصل وكذلك السيمياء وغيرها كلها جارية على أسباب عادية غير أن الذي يعرف تلك الأسباب قليل من الناس

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

قال ابن الشاط وإنما يظهر ذلك لمن جربه وتكررت منه التجربة وقل من يجربه ا ه

والفرق الثاني أن الظاهر من قرائن الأحوال المفيدة للعلم القطعي الضروري المحتفة بالأنبياء عليهم السلام مفقودة في حق غيرهم فتجد النبي عليه الصلاة والسلام أفضل الناس نشأة ومولدا ومزية وخلقا وخلقا وصدقا وأدبا وأمانة وزهادة وإشفاقا ورفقا وبعدا عن الدناءات والكذب والتمويه الله أعلم حيث يجعل رسالته ثم أصحابه يكونون في غاية العلم والنور والبركة والتقوى والديانة ألا ترى أن أصحاب رسول الله كانوا بحارا في العلوم على اختلاف أنواعها من الشرعيات والعقليات والحسابيات والسياسيات والعلوم الباطنة والظاهرة حتى يروى أن عليا رضي الله عنه جلس عند ابن عباس رضي الله عنهما يتكلم في الباء من بسم الله من العشاء إلى أن طلع الفجر مع أنهم لم يدرسوا ورقة ولا قرءوا كتابا ولا تفرغوا من الجهاد وقتل الأعداء وإنما كانوا على هذه الحالة ببركته صلى الله عليه وسلم حتى قال بعض الأصوليين لو لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم معجزة إلا أصحابه لكفوه في إثبات نبوته

وكذلك ما علم من فرط صدقه الذي جزم به أولياؤه وأعداؤه وكان يسمى في صغره الأمين إلى غير ذلك مما هو مبسوط في موضعه فما من نبي إلا وله من هذه القرائن الحالية والمقالية العجائب والغرائب بحيث إن من وقف عليها وعرفها من صاحبها جزم بصدقه فيما يدعيه جزما قاطعا وجزم أن هذه الدعوى حق

____________________

(4/303)

أما المعجزات فليس لها سبب في العادة أصلا فلا يجعل الله تعالى في العالم عقارا يفلق البحر أو يسير الجبال في الهوى ونحو ذلك فنحن نريد بالمعجزة ما خلق الله تعالى في العالم عند تحدي الأنبياء على هذا الوجه وهنا فرق عظيم

غير أن الجاهل بالأمرين يقول وما يدريني أن هذا لا سبب له من جهة العادة فيقال له الفرقان الأخيران يذهبان عنك هذا اللبس الفرق الأول منهما أن السحر وما يجري مجراه يختص بمن عمل له حتى أن أهل هذه الحرف إذا استدعاهم الملوك والأكابر ليبينوا لهم هذه الأمور على سبيل التفرج يطلبون منهم أن تكتب أسماء كل من يحضر ذلك المجلس فيصنعون صنعهم لمن يسمى لهم فإن حضر غيرهم لا يرى شيئا مما رآه الذين سموا أولا قال العلماء وإليه الإشارة بقوله تعالى ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين ينظر إليها على الإطلاق ففارقت بذلك السحر والسيمياء وهذا فرق عظيم يظهر للعالم والجاهل

الفرق الثاني من الفرقين الظاهر من قرائن الأحوال المفيدة للعلم القطعي الضروري المحتفة بالأنبياء عليهم السلام المفقودة في حق غيرهم فنجد النبي عليه الصلاة والسلام أفضل الناس نشأة ومولدا ومزية وخلقا وخلقا وصدقا وأدبا وأمانة وزهادة وإشفاقا ورفقا وبعدا عن الدناءات والكذب والتمويه الله أعلم حيث يجعل رسالته ثم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا بحارا في العلوم على اختلاف أنواعها من الشرعيات والعقليات والحسابيات والسياسات والعلوم الباطنة والظاهرة حتى يروى أن عليا رضي الله

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

ولذلك لما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر بنبوته قال له الصديق صدقت من غير احتياج إلى معجزة خارقة فنزل فيهما قوله تعالى والذي جاء بالصدق وصدق به أي محمد جاء بالصدق وأبو بكر صدق به

وأما الساحر فعلى العكس من ذلك كله فلا تجده في موضع إلا ممقوتا حقيرا بين الناس ولا نجد أصحابه وأتباعه وأتباع كل مبطل إلا عديمين الطلاوة لا بهجة عليهم بحيث تنفر النفوس منهم ولا فيهم من نوافل الخير والسعادة أثر ا ه

قال ابن الشاط وما قاله في هذا الفرق صحيح وهو الفرق بين الولي والساحر فكما أن الاتصاف بالصفات المحمودة دون المذمومة فرق بين النبي والساحر كذلك هو الفرق بين الولي وبينه ثم الفرق بين النبي والولي بالتحدي مبني على مذهب من يمنع تحدي الولي بالولاية وأما على مذهب من يجيز تحدي الولي بالولاية فيفرق النبي من الولي بالتحدي بالنبوة ا ه

وقال العلقمي كما في العزيزي على الجامع الصغير والفرق أن السحر يكون بمعاناة أقوال وأفعال حتى يتم للساحر ما يريد والكرامة لا تحتاج لذلك بل إنما تقع غالبا اتفاقا وأما المعجزة فتمتاز عن الكرامة بالتحدي أي دعوى الرسالة ا ه

____________________

(4/304)

عنه جلس عند ابن عباس رضي الله عنهما يتكلم في الباء من بسم الله من العشاء إلى أن طلع الفجر مع أنهم لم يدرسوا ورقة ولا قرءوا كتابا ولا تفرغوا من الجهاد وقتل الأعداء ومع ذلك فإنهم كانوا على هذه الحالة ببركته صلى الله عليه وسلم حتى قال بعض الأصوليين لو لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم معجزة إلا أصحابه لكفوه في إثبات نبوته وكذلك ما علم من فرط صدقه الذي جزم به أولياؤه وأعداؤه وكان يسمى في صغره الأمين إلى غير ذلك مما هو مبسوط في موضعه فمن وقف على هذه القرائن وعرفها من صاحبها جزم بصدقه فيما يدعيه جزما قاطعا وجزم بأن هذه الدعوى حق ولذلك لما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر بنبوته قال له الصديق صدقت من غير احتياج إلى معجزة خارقة فنزل فيهما قوله تعالى والذي جاء بالصدق وصدق به أي محمد جاء بالصدق وأبو بكر صدق به فما من نبي إلا وله من هذه القرائن الحالية والمقالية العجائب والغرائب

وأما الساحر فعلى العكس من ذلك كله لا تجده في موضع إلا ممقوتا حقيرا بين الناس وأصحابه وأتباعه وأتباع كل مبطل عديمين للطلاوة لا بهجة عليهم والنفوس تنفر منهم ولا فيهم من نوافل الخير والسعادة أثر فهذه فروق ثلاثة بين البابين وهي في غاية الظهور لا يبقى معها ولله الحمد لبس ولا شك لجاهل ولا عالم

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

والله سبحانه وتعالى أعلم

المقصد الثالث السحر لما كان اسم جنس عبارة عن اعتقاد ولا يكون إلا كفرا أو قول أو فعل ويكونان تارة كفرا وتارة غير كفر وعما هو خارق للعوائد وغير خارق كما علم مما تقدم عن الأصل وابن الشاط وكانت أنواعه الأربعة المتقدمة والحقائق الخمسة الأخر التي هي من علوم الشر وهي الخواص المنسوبة للنفوس والأوفاق والطلسمات والعزائم والاستخدامات كلها تجري مجراه فيما ذكر تحقق التباسه بهذه الحقائق التسع وافتقرت هذه الحقائق إلى أن تميز عنه إما ببيان الخصوص مطلقا وقد علم مما مر في السيمياء والهيمياء من أنواعه الأربعة وإما ببيان الخصوص من جهة كما في النوعين الباقيين من أنواعه والحقائق الخمسة الأخر المذكورة وهو يفتقر إلى سبعة وصول لبيان الحقائق السبع المذكورة

الوصل الأول الخواص المنسوبة للحقائق أي الذوات من الحيوانات وغيرها أسرار عظيمة وكثيرة أودعها الله تعالى في أجزاء العالم حتى لا يكاد يعرى شيء عن خاصيته فلا يدخلها فعل البشر بل هي ثابتة كاملة مستقلة بقدرة الله تعالى منها ما هو معلوم على الإطلاق كإرواء الماء وإحراق النار ومنها ما هو مجهول على الإطلاق ومنها ما يعلمه الأفراد من الناس وهذه إما مغيرة لأحوال النفوس وهي التي قدمنا أنها نوع من أنواع السحر وإما مختصة بانفعالات الأمزجة صحة أو سقما كالأغذية والأدوية من الجماد والنبات والحيوان المسطورة في كتب الأطباء والعشابين والطبائعيين وهذه من علم الطب لا من علم السحر قاله الأصل وسلمه ابن الشاط

الوصل الثاني الرقى ألفاظ خاصة يحدث عندها الشفاء من الأسقام والأدواء والأسباب المهلكة وهذه الألفاظ منها ما هو مشروع كالفاتحة والمعوذتين

____________________

(4/305)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وكقوله تعالى ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها تقرأ سبع مرات عند دخول محل لقضاء حاجة ما وكقوله تعالى ولما سكت عن موسى الغضب إلى يرهبون سبع مرات لتعطيف القلوب وتسكين غضب الملوك ومنها ما هو غير مشروع كرقى الجاهلية والهند وغيرهم لأنه ربما كان كفرا أو محرما ولذلك نهى مالك وغيره عن الرقى بالعجمية وغير المشروع قد يحدث ضررا فيقال له السحر ولا يقال لفظ الرقى عليه كما تقدم قال الأصل وقد نهى علماء العصر عن الرقية التي تكتب في آخر جمعة من شهر رمضان لما فيها من اللفظ الأعجمي ولأنهم يشتغلون بها عن الخطبة ويحصل بها مع ذلك مفاسد ا ه

وفي الاعتصام لأبي إسحاق الشاطبي وإن كان أصل الدعاء والأذكار غير مشروع كالتي يزعم العلماء أنها مبنية على علم الحروف وهو الذي اعتنى به البوني وغيره ممن حذا حذوه أو قاربه فهي بدعة حقيقة مركبة فإن ذلك العلم فلسفة ألطف من فلسفة معلمهم الأول وهو أرسطو طاليس فردوها إلى أوضاع الحروف وجعلوها هي الحاكمة في العالم وربما أشاروا عند العمل بمقتضى تلك الأذكار

وما قصد بها إلى تحري الأوقات والأحوال الملائمة لطبائع الكواكب ليحصل التأثير عندهم وحيا فحكموا العقول والطبائع كما ترى وتوجهوا شطرها وأعرضوا عن رب العقل والطبائع وإن ظنوا أنهم يقصدونه اعتقادا في استدلالهم بصحة ما انتحلوا على وقوع الأمر وفق ما يقصدونه فإذا توجهوا بالذكر والدعاء المفروض على الفرض المطلوب حصل سواء عليهم أنفعا كان أم ضرا وخيرا كان أم شرا ويبنون على ذلك اعتقاد بلوغ النهاية في إجابة الدعاء أو حصول نوع من كرامات الأولياء كلا ليس طريق ذلك التأثير من مرادهم ولا كرامات الأولياء من نتائج أورادهم فلا تلاقي بين الأرض والسماء ولا مناسبة بين النار والماء وحصول التأثير حسبما قصدوا هو في الأصل من قبيل الفتنة التي اقتضاها في الخلق ذلك تقدير العزيز العليم فالنظر إلى وضع الأسباب والمسببات أحكام وضعها الباري تعالى في النفوس يظهر عندها ما شاء الله من التأثيرات على نحو ما يظهر على المعيون عند الإصابة وعلى المسحور عند عمل السحر بل هو بالسحر أشبه لاستمدادها من أصل واحد وشاهده ما جاء في الحديث الصحيح الذي خرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إن الله يقول أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني وفي بعض الروايات أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء وشرح هذه المعاني لا يليق بما نحن فيه ا ه

الوصل الثالث خواص النفوس بمعنى مقتضى الأمزجة والطبائع نوع خاص من الخواص المودعة في العالم فالحيوانات لا تكاد تتفق طبائعها بل نقطع بأنه ولو عظم شبه فرد منها بفرد آخر لا بد من فرق بينهما وذلك أن التباين لما حصل في الصفات على الإطلاق وجب حصوله في الأمزجة على الإطلاق ألا ترى أن نفسا من الأناسي طبعت على الشجاعة إلى الغاية ونفسا على الجبن إلى الغاية ونفسا على الشر إلى الغاية ونفسا على الخير إلى الغاية ونفسا يهلك ما عظمته وهو المسمى بالعين وليس كل أحد يؤذي بالعين وأحوال من يؤذي بها مختلفة فمنهم من يصيد الطير في الهوى ويقلع الشجر العظيم من القرى ومنهم من لا يصل بها إلا إلى

____________________

(4/306)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

التمريض اللطيف ونحوه ونفسا على صحة الحزر بحيث لا يخطئ الغيب عند شيء مخصوص ولا يتأتى له ذلك في غيره فلذلك تجد بعضهم لا يخطئ في علم الرمل أبدا وآخر لا يخطئ في أحكام النجوم أبدا وآخر لا يخطئ في علم الكف أبدا وآخر لا يخطئ في علم السير أبدا لأن نفسه طبعت على ذلك ولم تطبع على غيره فمن توجهت نفسه لطلب الغيب عند ذلك الفعل الخاص أدركته بخاصيتها فقط لا لأن النجوم فيها شيء ولا الكتف ولا الرمل ولا بقيتها بل هي خواص نفوس فقط

ألا ترى أن بعضهم يجد صحة أعماله في ذلك وهو شاب فإذا صار كبيرا فقدها لأن القوة نقصت عن تلك الحدة التي كانت في الشبوبية وقد ذهبت

قلت ثم إن خواص النفوس على قياس ما تقدم في خواص الحقائق منها ما هو معروف على الإطلاق كخواص النفوس المذكورة ومنها ما هو مجهول على الإطلاق ومنها ما يعلمه من الناس الأفراد قال الأصل كجماعة في الهند إذا وجهوا أنفسهم لقتل شخص انتزعوا قلبه من صدره بالهمة والعزم وقوة النفس فإذا مات وشق صدره لا يوجد فيه قلبه ويجربون بالرمان فيجمعون عليه هممهم فلا توجد فيه حبة

ا ه

ومن حيث إن هذا لا يعلمه إلا الأفراد من الناس قال ابن الشاط وما حكاه عن الهند لا أدري صحته من سقمه ا ه

قال الشيخ عبد الله العلوي الشنقيطي في شرحه على نظمه رشد الغافل إن مص دماء القلب أو نزع القلب نفسه منه ما يكون عن طبع كما هو من جماعة في الهند إذا وجه أحدهم نفسه لقتل شخص انتزع قلبه من صدره بالهمة والعزم إلى آخر ما قاله الأصل وحكاه عن ابن زكري في شرح النصيحة قال والغالب حصول المص المذكور والنزع عن كسب وهذا كثير في السودان سواء ولد في أرضهم أو في أرضنا وقال قبل وبعض الناس يسمي المص المذكور والنزع بسغنيا بضم السين المهملة وضم الغين المعجمة ونون ساكنة ومثناة تحتية مفتوحة وبعضهم يسميه بالسلالة بفتح السين وتشديد اللام الأولى فألف فلام مخففة فهاء تأنيث ا ه وسيأتي في وصل الأوفاق ما قاله في شفاء من فعل به ذلك فترقب

قلت وهذا النوع ونحوه من خواص النفوس هو الذي يلتبس به السحر كما لا يخفى قال الأصل وتبعه ابن زكري في شرح النصيحة وخواص النفوس كثيرة لا تعد ولا تحصى وإلى تباين الأخلاق والخلق والسجايا والقوى كما أن المعادن كذلك الإشارة بقوله عليه الصلاة والسلام الناس معادن كمعادن الذهب والفضة ا ه قال ابن الشاط وما قاله من أن في الحديث الإشارة إلى ما ذكره هو الظاهر منه ويحتمل غير ذلك والله تعالى أعلم ا ه

الوصل الرابع الأوفاق وتسمى علم الأشكال وعلم الجداول وتسمى الأشكال والجداول بالمثلث والمربع والمخمس ونحوها أي كمسبع السلالة الآتي وهي من الباطل إذا قصد بها إضرار أو نفع من لا يستحق ذلك شرعا مع ما في ذلك من الجرأة على أسماء الله تعالى والتصرف فيها لأغراض دنيوية ولهذا يقول بعضهم بابن البوني وأشكاله

____________________

(4/307)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

أما إذا أريد بها غرض لا اعتراض للشرع عليه فلا بأس به كمثلث الغزالي أي مملوء الوسط لتيسير العسير وإخراج المسجون وإيضاع الجنين من الحامل وتيسير الوضع وكل ما هو من هذا المعنى ونسب للغزالي لأنه كان يعتني به كثيرا وإلا فقد قال بعضهم إن هذا المثلث بصورته الآتية يسمى بخاتم أبي سعيد ا ه

وكمسبع السلالة الآتي لكنهم ينهون عنها ألبتة سدا للذريعة كما في شرح سيدي عبد الله العلوي على نظمه رشد الغافل بتصرف وزيادة قال الأصل والأوفاق ترجع إلى مناسبات الأعداد وجعلها على شكل مخصوص

ا ه

قال ابن الشاط تسامح في قوله أنها ترجع إلخ فإنها ليست كذلك بل هي راجعة إلى المساواة بحسب جمع ما في كل سطر من بيوت مربعاتها وجميع ما في البيوت الواقعة على القطر

ا ه

والشكل المخصوص إما مثلث كمثلث بدوح يكتب إذا أريد جلب خير في كاغد أو رق غزال هكذا ومثلث أجهز يكتب إذا أريد دفع شر في كاغد أو رق غزال هكذا ثم يعلق في العنق وكمثلث الكلمتين المذكورتين يكتب إذا أريد كل من جلب الخير ودفع الشر ويرقم في خاناته إما حروف الكلمتين هكذا وإما أعداد كل حرف منهما بحساب الجمل الكبير هكذا

وضابطه على اصطلاحهم أنك لو جمعت الحروف المفردة في كل خانة من الخانات الثلاث من أي جهة أفقية أو عمودية أو مستطيلة يكون مجموعها واحدا وهو عدد 15 وأن تكون الأرقام المكتوبة في الأركان الأربعة من الخاتم زوجية وتسمى مزدوجات المثلث والأرقام المكتوبة في الخانات الأخرى فردية وتسمى مفردات المثلث قاله بعضهم والخاتم المرقوم في خاناته كل من حروف الكلمتين أو أعدادها هو خاتم أبي حامد الغزالي مملوء الوسط

قلت وذكر لي بعض الأفاضل أن للغزالي مثلثا أيضا خالي الوسط وبين لي كيفية وضعه وما يبدأ به من خاناته وما يليه وما يختم به برقم واحد على ما يبدأ به واثنين على ما يليه وهكذا إلى ثمانية وأن صورته هكذا وضابطه أنك لو جمعت أعداد الخانات العمودية أو المستطيلة أو الخانتين الأفقية لكان مجموع كل من الخانات والخانتين الأفقية واحدا وهو عدد 66 وإنك تكتب في وسطه الخالي حاجتك التي تريد قضاءها وتبتدئ بعدد 31 وتختم بعدد 35 فافهم

وإما مربع كمربع بدوح الذي ذكره البوني في شمس المعارف

____________________

(4/308)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الكبرى وأنه يكتب في رق طاهر ويعلق على الشخص لتيسير الفهم والحفظ والحكمة ولتعظيم القدر عند الناس وفي العالم العلوي والسفلي وعلى المسجون لإطلاقه من السجن سريعا وعلى الراية لهزم الأعداء من الكفرة والباغين وما في معنى ذلك بإذن الله تعالى وأنه إما أن يرقم بالأعداد هكذا وإما أن يوضع محل الأعداد حروف هكذا وذكر لكتابته شروطا وإما مخمس وإما مسدس وإما مسبع كمسبع السلالة الذي ذكر الشيخ عبد الله العلوي في شرحه على نظمه رشد الغافل أنه يكتب لشفاء من فعل به مص الدم أو نزع القلب المسمى بالسلالة هذه الآيات والجدول المسبع بعدها في ورقتين إحداهما تجعل على النار وتبخر له والأخرى تعلق عليه وصورة كتابة الآيات والجدول هكذا ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون كما يئس الكفار من أصحاب القبور وقد نظم بعضهم ضبطه بقوله وإن ترد لجدول السلالة فخذه بالنظم وع المقالة مجدول مسبع بعد الآيات معمر بذي الحروف بالثبات فج شث ظخز بصدر أول وابدأ بثانيها واختم بأول وانح لذاك النحو حتى تنتهي بيوته فخذ لذا النظم الشهي

قال الأصل وللأوفاق كتب موضوعة لتعريف كيف توضع حتى تصبر على هذه النسبة من الاستواء وهي كلما كثرت كان وضعها أعسر والضوابط الموضوعة لها حسنة نفيسة لا تتخرم إذا عرفت أعني في صورة الوضع وأما ما ينسب إليها من الآثار فقليلة الوقوع أو عديمته ا ه

وقال ابن الشاط ما قاله صحيح وتبعه ابن زكري في شرح النصيحة وكذا الشيخ عبد الله العلوي في شرحه على نظمه رشد الغافل إلا أنه قال بعد

____________________

(4/309)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

ولشفاء من فعل به المص للدم والنزع للقلب المسمى بالسلالة تكتب هذه الآيات والجدول بعدها إلخ وللمعاصر الفاضل الشيخ محمد حبيب الله من أبيات نظمها في مسبع السلالة قوله هذا سبع لسحر دافع وأنه في بابه لنافع يعرف عند علماء السر مسبع السل مفيد الضر وهو مجرب فقد جربته ونفعه إذ ذاك قد وجدته وكيف لا وهو كلام طيب والعلما في أخذه قد رغبوا وفيه أسماء لمولانا علا يحصل نفعها لمن ذا استعملا ونفعه اشتهر في بلادي وطننا من حاضر وبادي وهو مضاف لكلام الله في خمس آيات على تناهي تناسب الدفع لكل شر لا سيما إن كان شر السحر

وأفادني أن شيخ أشياخه سيدي محمد الخليفة ابن الشيخ سيدي المختار الكنتي في كتابه الطرائف اعترض قول الأصل أو عديمته بأنه غير صحيح بالتجربة

قال وأما قوله فقليلة الوقوع فغير بعيد لفقد شرطها في الناس وهو التقوى أما إذا تحقق الشرط فتحقق المشروط ضروري ا ه والله تعالى أعلم

الوصل الخامس الطلسمات حقيقتها نقش أسماء خاصة لها تعلق بالأفلاك والكواكب على زعم أهل الطلاسم في جسم من المعادن أو غيرها تحدث بها آثار خاصة ربطت بها في مجاري العادات ولا بد مع ذلك من قوة نفس صالحة لهذه الأعمال فليس كل النفوس مجبولة على ذلك بل بعض الناس لا تجري الخاصية المذكورة على يده فلا بد في الطلسم من هذه الأربعة الأول الأسماء المخصوصة والثاني تعلقها ببعض أجزاء الفلك

والثالث جعلها في جسم من الأجسام

والرابع قوة النفس الصالحة لهذه الأعمال قاله الأصل

وقال ابن الشاط وهي ممنوعة شرعا ثم من اعتقد لها فعلا وتأثيرا فذلك كفر وإلا فعلمها معصية غير كفر إما مطلقا وإما ما يؤدي منها إلى مضرة دون ما يؤدي إلى منفعة والله تعالى أعلم ا ه بلفظه

الوصل السادس العزائم قال الأصل حقيقتها كلمات وأسماء يزعم أهل هذا العلم أنها تعظمها الملائكة فمتى أقسم عليها بها أطاعت وأجابت وفعلت ما طلب منها فالمعزم يقسم بتلك الأسماء على ذلك الملك فيحضر القبيل من الجان الذي طلبه أو الشخص منهم فيحكم فيه بما يريد وذلك أنهم يزعمون أن سليمان عليه السلام لما أعطاه الله الملك وجد الجان يعبثون ببني آدم ويسخرون بهم في الأسواق ويخطفونهم من الطرقات فسأل الله تعالى أن يولي على كل قبيل من الجان ملكا يضبطهم عن الفساد فولى الله تعالى الملائكة على قبائل الجن فمنعوهم من الفساد ومخالطة الناس وألزمهم سليمان عليه السلام سكنى القفار والخراب من الأرض دون العامر ليسلم الناس من شرهم ويزعمون أيضا أن لكل نوع من الملائكة أسماء أمرت بتعظيمها فإذا عنى القبيل من الجان أو الشخص منهم ذكر المعزم الأسماء التي تعظمها تلك الملائكة ليحضروا له من عنى وأفسد من الجان ليحكم فيه بما يريد ويزعمون أيضا أن هذا الباب إنما دخله الخلل

____________________

(4/310)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

فارغه

هامش إدرار الشروق

من جهة عدم ضبط تلك الأسماء فإنها أعجمية لا يدرى وزن صيغها وأن كل حرف منها يشك فيه هل هو بالضم أو الفتح أو الكسر وربما أسقط النساخ بعض حروف الاسم من غير علم فيختل العمل فإن المقسم به لفظ آخر لا يعظمه ذلك الملك فلا يجيب فلا يحصل مقصود المعزم قاله الأصل وصححه ابن الشاط إلا أنه قال ولم يذكر حكم العزائم في الشرع وينبغي أن يكون حكمها حكم الرقى إذا تحققت وتحقق أن لا محذور في تلك الألفاظ ا ه فافهم

الوصل السابع الاستخدامات لروحانيات الكواكب ولملوك الجان حقيقتها كلمات خاصة موضوعة في كتب أهل هذا العلم يزعمون أنها إذا حصلت مع البخور الخاص واللباس الخاص على الذي يباشر البخور ومع الأفعال الخاصة التي استوعبوا في كتبهم اشتراطها كانت روحانية ذلك الكوكب مطيعة له وكذلك يكون كل ملك من ملوك الجان مطيعا له وذلك أنهم يزعمون أن للكواكب إدراكات روحانية فإذا قوبلت الكواكب أو ملوك الجان ببخور خاص ولباس خاص على الذي يباشر البخور وربما تقدمت منه أفعال خاصة منها ما هو محرم في الشرع كاللواط ومنها ما هو كفر صريح كالسجود للكواكب أو ملك الجن وكذلك الألفاظ التي يخاطب بها الكواكب أو ملك الجن منها ما هو كفر صريح كندائه بلفظ الآلهية ونحو ذلك ومنها ما هو غير محرم على قدر تلك الكلمات الموضوعة في كتبهم والغالب عليهم الكفر فلا جرم لا يشتغل بهذه الأمور مفلح قاله الأصل وسلمه ابن الشاط والله سبحانه وتعالى أعلم

خاتمة أسأل الله حسنها في تبصرة ابن فرحون قال الباجي قد ذكر الناس في أمر العين وجوها أصحها أن يكون الله سبحانه قد أجرى العادة عند تعجب الناظر من أمر ونطقه دون أن يبرك أن يمرض المتعجب منه أو يتلف أو يتغير لأن العائن إذا برك وهو أن يقول بارك الله فيه بطل المعنى الذي يخاف من العين ولم يكن له تأثير فإن لم يبرك أوقع الله ما أجرى به العادة عند ذلك وقد يتلافى ذلك بعد وقوعه بما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ا ه

وقال ابن العربي الباري سبحانه هو الخالق لما في السموات والأرض وليس فيها حركة ولا سكنة ولا كلمة ولا لفظة إلا سبحانه خالقها في العبد وهو مقدرها له هو تعالى رتب أفعاله ورتب أسبابها ورتب العوائد على أسباب

مثال ذلك العين فإن النفس إذا رأت صورة تستحسنها فغلب ذلك عليها واستولى ذلك على القلب فإن لم تنطق بحرف لم يخلق الله شيئا وإن نطقت بالاستحسان والتعجب من الجمال فقد أجرى الله العادة بأنه إذا خلق النطق بالاستحسان والتعجب مثلا من العائن خلق الله تعالى في بدن المعين المرض والهلكة على قدر ما يريد الله عز وجل فلذلك نهى العائن عن القول والباري تعالى وإن كان قد سبق في حكمه الوجود بذلك فقد سبق من حكمته أن العائن إذا برك سقط حكم فعله ولم يظهر له أثر والباري سبحانه يرد قضاءه بقضائه ومن حكمته أن جعل وضوء العائن يسقط أثر عينه وذلك بخاصة لا يعلمها إلا خالق الخاص والعام وكذلك ما يحدث عند قول الساحر وفعله في جسم المسحور أو ماله وضعه الله تعالى في الأرض

____________________

(4/311)

الفرق الثالث والأربعون والمائتان بين قاعدة قتال البغاة وقاعدة قتال المشركين

قال ابن بشير البغاة هم الذين يخرجون على الإمام يبغون خلعه أو منع الدخول في طاعته أو تبغي منع حق واجب بتأويل في ذلك كله وقاله الشافعي وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم وما علمت في ذلك خلافا وبه يمتازون عن المحاربين ويفترق قتالهم من قتال المشركين بأحد عشر وجها أن يقصدوا بالقتال ردعهم لا قتلهم ويكف عن مدبرهم ولا يجهز على جريحهم ولا يقتل أسراهم ولا تغنم أموالهم ولا تسبى ذراريهم ولا يستعان على قتالهم بمشرك ولا نوادعهم على مال ولا تنصب عليهم الرعادات ولا تحرق عليهم المساكين ولا يقطع شجرهم ويمتاز قتالهم عن قتال المحاربين بخمسة يقاتلون مدبرين ويجوز تعمد قتلهم ويطالبون بما استهلكوا من دم أو مال في الحرب وغيرها ويجوز حبس أسراهم لاستبراء أحوالهم وما أخذوه من الخراج والزكاة لا يسقط عمن كان عليه كالغاصب ونقل صاحب الجواهر في هذا الفرع قال إن ولى البغاة قاضيا أو أخذوا الزكاة أو أقاموا حدا نفذ ذلك كله قاله عبد الملك للضرورة مع التأويل ورده ابن القاسم كله لعدم الولاية وبقول عبد الملك قالت الشافعية

هامش أنوار البروق

في الفرق الثالث والأربعين والمائتين إلى آخر الفرق الخامس والأربعين والمائتان صحيح

هامش إدرار الشروق

بمشيئته وحكمته

ومن فصول الشريعة وفضلها وحكمتها البالغة ما وضعه الله تعالى من الرقى من إذهاب الأمراض من الأبدان بها وإبطال سحر الساحر ورد عين العائن عند الاسترقاء بها ودفع كل ضرر بإذن الله تعالى

والبارئ تعالى هو الذي خلق الشفاء عند الاسترقاء كما خلق الشفاء من الداء عند استعمال الدواء ولا حظ للدواء في ذلك ولا يصح في عقل عاقل أن يكون جماد فاعلا وكما أن الله سبحانه يصرف الأعمال الغريبة داخل البدن بالأدوية كذلك يصرفها خارج البدن بالرقى والتعويذ وقد شاهدنا ذلك والشاهد أقوى من الدليل النظري

ا ه والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق الثالث والأربعون والمائتان بين قاعدة قتال البغاة وقاعدة قتال المشركين وكذا بينهم وقتالهم وبين المحاربين وقتالهم فيفرق بينهم وبين المحاربين بوجهين

الأول البغاة قال ابن بشير هم الذين يخرجون على الإمام يبغون خلعه أو منع الدخول في طاعته ومنع حق واجب بتأويل في ذلك كله وقاله الشافعي وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم قال الأصل وما علمت في ذلك خلافا

ا ه

والمحاربون جمع محارب وهو كما في خليل وأقرب المسالك قاطع الطريق لمنع سلوك أو آخذ مال محترم ولو لم يبلغ نصابا والبضع أحرى على وجه يتعذر معه الغوث أو مذهب عقل ولو انفرد ولو ببلد كمسقي نحو سيكران

____________________

(4/312)

الفرق الرابع والأربعون والمائتان بين قاعدة ما هو شبهة تدرأ بها الحدود والكفارات وقاعدة ما ليس كذلك

قاعدة يقع بها الفرق وهي أن الشبهات ثلاثة شبهة في الوطء وشبهة في الموطوءة وشبهة في الطريق فالشبهة الأولى تعم الحدود والكفارات ومثالها اعتقاد أن هذه الأجنبية امرأته ومملوكته أو نحو ذلك ومثال شبهة الموطوءة الأمة المشتركة إذا وطئها أحد الشريكين فما فيها من نصيبه يقتضي عدم الحد وما فيها من ملك غيره يقتضي الحد فيحصل الاشتباه وهي عين الشبهة كما أن اعتقاد الأولى الذي هو جهل مركب وغير مطابق يقتضي عدم الحد من حيث إنه معتقد الإباحة وعدم المطابقة في اعتقاده يقتضي

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

لذلك ومخادع مميز لأخذ ما معه بتعذر غوث وداخل زقاق أو دار ليلا أو نهارا لأخذ مال بقتال

الوجه الثاني نقل صاحب الجواهر عن عبد الملك أن البغاة ولوا قاضيا أو أخذوا الزكاة وأقاموا حدا نفذ ذلك كله للضرورة مع التأويل وبه قالت الشافعية ورده ابن القاسم كله لعدم الولاية وليس كذلك المحاربون ويفرق بين قتالهم وقتال المحاربين بخمسة وجوه

الأول أن المحاربين يقاتلون مدبرين بخلاف البغاة

الثاني أنه يجوز تعمد قتلهم بخلاف البغاة

الثالث أنهم يطالبون بما استهلكوا من دم أو مال في الحرب وغيرها بخلاف البغاة

الرابع أنه يجوز حبس أسراهم لاستبراء أحوالهم بخلاف البغاة

الخامس أن ما أخذوه من الخراج والزكاة لا يسقط عمن كان عليه كالغاصب بخلاف البغاة

ويفرق بين قتالهم وقتال المشركين بأحد عشر وجها الأول أن يقصد بقتالهم ردعهم لا قتلهم بخلاف المشركين

الثاني أن يكف عن مدبرهم بخلاف المشركين

الثالث أن لا يجهز على جريحهم بخلاف المشركين

الرابع أن لا يقتل أسراهم بخلاف المشركين

الخامس أن لا تغنم أموالهم بخلاف المشركين

السادس أن لا تسبى ذراريهم بخلاف المشركين

السابع أن لا يستعان على قتالهم بمشرك بخلاف المشركين

الثامن أن لا ندعهم على مال بخلاف المشركين

التاسع أن لا تنصب عليهم الرعادات بخلاف المشركين

العاشر أن لا تحرق عليهم المساكن بخلاف المشركين

الحادي عشر أن لا يقطع شجرهم بخلاف المشركين قاله الأصل وسلمه ابن الشاط والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق ارابع والأربعون والمائتان بين قاعدة ما هو شبهة تدرأ بها الحدود والكفارات وقاعدة ما ليس كذلك

وهو أن ضابط الشبهة المعتبرة في إسقاط الحدود والكفارات في إفساد صوم رمضان أمران

الأمر الأول أن لا تخرج عن شبهات ثلاث

الأولى الشبهة في الواطئ كاعتقاد أن هذه الأجنبية امرأته أو مملوكته أو نحو ذلك فالاعتقاد الذي هو جهل مركب وغير مطابق يقتضي عدم الحد من حيث إنه معتقد الإباحة وعدم المطابقة في اعتقاده يقتضي الحد فحصل الاشتباه وهي عين الشبهة

الثانية الشبهة في الموطوءة كالأمة المشتركة إذا وطئها أحد الشريكين فما فيها من نصيبه يقتضي عدم الحد وما فيها من ملك غيره يقتضي الحد فحصل الاشتباه وهي عين الشبهة

الثالثة الشبهة في الطريق كاختلاف العلماء

____________________

(4/313)

الحد فحصلت الشبهة من الشبهين ومثال الثالثة اختلاف العلماء في إباحة الموطوءة كنكاح المتعة ونحوه فإن قول المحرم يقتضي الحد وقول المبيح يقتضي عدم الحد فحصلت الشبهة من الشبهتين فهذه الثلاثة هي ضابط الشبهة المعتبرة في إسقاط الحدود والكفارات في إفساد صوم رمضان غير أن لها شرطا وهو اعتقاد مقارنة السبب المبيح

قال مالك في المدونة في كتاب الصيام إذا جامع في رمضان ناسيا فظن أن ذلك يبطل صومه فتعمد الفطر ثانية أو امرأة رأت الطهر في رمضان ليلا فلم تغتسل حتى أصبحت فظنت أنه لا صوم لمن لم يغتسل قبل الفجر فأكلت أو مسافر قدم إلى أهله ليلا فظن أن من لم يدخل نهارا قبل أن يمسي أن صومه لا يجزئه وأن له أن يفطر فأفطر أو عبد بعثه سيده في رمضان يرعى غنما له على مسيرة ميلين أو ثلاثة فظن أن ذلك سفر فأفطر فليس

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

في إباحة الموطوءة كنكاح المتعة ونحوه فإن قول المحرم يقتضي الحد وقول المبيح يقتضي عدم الحد فحصل الاشتباه وهي عين الشبهة

الأمر الثاني تحقق شرطها وهو اعتقاد المقدم مقارنة السبب المبيح وإن أخطأ في حصول السبب وإلى أمثلة ذلك قال مالك في المدونة في كتاب الصيام إذا جامع في رمضان ناسيا فظن أن ذلك يبطل صومه فتعمد الفطر ثانية أو امرأة رأت الطهر في رمضان ليلا فلم تغتسل حتى أصبحت فظنت أنه لا صوم لمن لم يغتسل قبل الفجر فأكلت أو مسافر قدم إلى أهله ليلا فظن أن من لم يدخل نهارا قبل أن يمسي أن صومه لا يجزئه وأن له أن يفطر فأفطر أو عبد بعثه سيده في رمضان يرعى غنما له على مسيرة ميلين أو ثلاثة فظن أن ذلك سفر فأفطر فليس على هؤلاء إلا القضاء بلا كفارة ا ه

وقال الأصل ونظير هذه الأمثلة في الكفارات في الحدود أن يشرب خمرا يعتقد أنه في الوقت الحاضر خل أو يطأ امرأة أجنبية يعتقد أنها امرأته أو جاريته في الوقت الحاضر وضابط الشبهة التي لا تعتبر في إسقاط الحدود والكفارات في فساد صوم رمضان أيضا أمران الأمر الأول الخروج عن الشبهات الثلاث المذكورة كمن تزوج خامسة أو مبتوتة ثلاثا قبل زوج أو أخته من الرضاع أو النسب أو ذات محرم عامدا عالما بالتحريم أو انتهك حرمة رمضان بالفطر

الأمر الثاني أن لا يتحقق الشرط المذكور وإلى أمثلته قال ابن القاسم عقب ما تقدم عن مالك في المدونة في كتاب الصيام وما رأيت مالكا يجعل الكفارة في شيء من هذه الوجوه على التأويل إلا امرأة قالت اليوم أحيض وكان يوم حيضها ذلك فأفطرت أول نهارها وحاضت في آخره والذي يقول اليوم يوم جمادى فيأكل في رمضان متعمدا في أول النهار ولم يمرض في آخره مرضا لا يقدر على الصوم معه فقال عليهما القضاء والكفارة ا ه

وقال الأصل ونظير الحائض والمريض في الكفارات في الحدود أن يشرب خمرا يعتقد أنه سيصير خلا أو يطأ امرأة يعتقد أنه سيتزوجها فإن الحد لا يسقط لعدم اعتقاد مقارنة العلم لسببه

قال ووجه الفرق بين هذه المسائل وبين مسائل تحقق الشرط المتقدمة أن تلك اعتقد فيها المقدم عليها اقتران السبب المبيح فأوقعت الإباحة فيها قبل سببها فالمقدم في هاته مصيب من حيث إن كلا من المرض والحيض وصيرورة الخمر خلا والعقد على الأجنبية مبيح ومخطئ في التقدم للحكم على سببه والمقدم في تلك مخطئ في حصول السبب مصيب في اعتقاده المقارنة وأنه لم يقصد تقديم الحكم على سببه فعذر بالتأويل الفاسد في تلك ولم يعذر في هاته بالتأويل الفاسد وسر الفرق أن تقدم الحكم على سببه بطلانه مشهور غير

____________________

(4/314)

على هؤلاء إلا القضاء بلا كفارة قال ابن القاسم وما رأيت مالكا يجعل الكفارة في شيء من هذه الوجوه على التأويل إلا امرأة قالت اليوم أحيض وكان يوم حيضها ذلك فأفطرت أول نهارها وحاضت في آخره والذي يقول اليوم يوم جمادى فيأكل في رمضان متعمدا في أول النهار ثم يمرض في آخره مرضا لا يقدر على الصوم معه فقال عليهما القضاء والكفارة

ووجه الفرق بين الحائض والمريض وبين ما تقدم من المسائل أن تلك اعتقد فيها المقدم عليها اقتران السبب المبيح وفي هاتين اعتقد أنه سيقع فأوقعا الإباحة قبل سببها فهما مصيبان من حيث إن المرض والحيض مبيحان مخطئان في التقديم للحكم على سببه والأول مخطئون في حصول السبب مصيبون في اعتقاد المقارنة ولم يقصدوا تقديم الحكم على سببه فعذروا بالتأويل الفاسد ولم يعذر الآخران بالتأويل الفاسد وسر الفرق في ذلك أن تقديم الحكم على سببه بطلانه مشهور غير ملتبس في الشريعة فلا صلاة قبل الزوال ولا صوم قبل الهلال ولا عقوبة قبل الجنايات وهو كثير لا يعد ولا يحصى حتى لا يكاد يوجد خلافه ألبتة

وأما اشتباه صورة الأسباب المبيحة وتحقيق شروطها ومقاديرها فلا يعلمه إلا الفقهاء الفحول وتحقيقه عسير على أكثر الناس فكان اللبس فيه عذرا وما هو مشهور لا يكون اللبس فيه عذرا ونظير الحائض والمريض في الكفارات في الحدود أن يشرب خمرا يعتقد أنه سيصير خلا أو يطأ امرأة يعتقد أنه سيتزوجها فإن الحد لا يسقط لعدم اعتقاد مقارنة العلم لسببه بخلاف أن يعتقد أنه في الوقت الحاضر حل أو هي امرأته أو جاريته في الوقت الحاضر فهذا لا حد عليه فيتحصل لك من ذلك الفرق بين مسائل مالك التي اختلف قوله فيها ويتحصل أيضا قيد آخر ينعطف على الشبهة فيكون شرطا فيها وهو أنا نشترط اعتقاد المقارنة في درء الكفارات والحدود فهذا هو ضابط الشبهة المسقطة للحدود والكفارات وما خرج عن هذه الثلاثة فيه الحد والكفارة كمن تزوج خامسة أو مبتوتة ثلاثا قبل زوج أو أخته من الرضاع أو النسب أو ذات محرم عامدا عالما بالتحريم أو انتهك حرمة رمضان بالفطر وما خرج عن هذه الثلاثة ففيه الحد والكفارة

سؤال قلت لبعض الفضلاء الحديث الذي يستدل به الفقهاء وهو ما يروى ادرءوا الحدود بالشبهات لم يصح وإذا لم يكن صحيحا ما يكون معتمدنا في هذه الأحكام

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

ملتبس في الشريعة فلا صلاة قبل الزوال ولا صوم قبل الهلال ولا عقوبة قبل الجنايات وهو كثير لا يعد ولا يحصى حتى لا يكاد يوجد خلافه ألبتة وما هو مشهور لا يكون اللبس فيه عذرا وأما اشتباه صورة الأسباب المبيحة وتحقيق شروطها ومقاديرها فلا يعلمه إلا فحول الفقهاء وتحقيقه عسير على أكثر الناس

____________________

(4/315)

جوابه قال لي يكفينا أن نقول حيث أجمعنا على إقامة الحد كان سالما عن الشبهة وما قصر عن محل الإجماع لا يلحق به عملا بالأصل حتى يدل دليل على إقامة الحد في صور الشبهات وهو جواب حسن

الفرق الخامس والأربعون والمائتان بين قاعدة القذف إذا وقع من الأزواج للزوجات فإن اللعان يتعدد بتعددهن إذا قذف الزوج زوجاته في مجلس أو مجلسين وبين قاعدة الجماعة يقذفهم الواحد فإن الحد يتحد عندنا فإن قام به واحد سقط كل قذف قبله وقاله أبو حنيفة وقال الشافعي إن قذفهم بكلمات متفرقة فعليه لكل واحدة حد وقاله ابن حنبل أو بكلمة واحدة فقولان عند الشافعي وأحمد وبناه الحنفية على أنه حق لله فصح التداخل فيه وبناه الآخرون على أنه حق لآدمي فيتعدد ويلزمنا أن يكون عندنا قولان بناء على أن حد القذف حق لله تعالى أم لا لأن لنا في هذه القاعدة قولين حكاهما العبدي واللخمي وغيرهما لنا أن هلال بن أمية العجلاني رمى امرأته بشريك ابن سحماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم حد في ظهرك أو تلتعن ولم يقل حدان وجلد عمر الشهود على المغيرة حدا واحدا مع أن كل واحد منهم قذف

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

فكان اللبس فيه عذرا

قال وحديث ادرءوا الحدود بالشبهات الذي يستدل به الفقهاء على هذه الأحكام وإن لم يصح إلا أن معتمدنا فيها ما قاله بعض الفضلاء من أنه حيث أجمعنا على إقامة الحد كان سالما عن الشبهة وما قصر عن محل الإجماع لا يلحق به عملا بالأصل حتى يدل بدليل على إقامة الحد في صور الشبهات

ا ه

وهو حسن هذا تهذيب ما في الأصل وصححه ابن الشاط والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق الخامس والأربعون والمائتان بين قاعدة القذف إذا وقع من الزوج الواحد لزوجاته المتعددات يتعدد اللعان بتعددهن قذفهن في مجلس أو مجلسين وبين قاعدة الجماعة يقذفهم الواحد يتحد الحد فيه عندنا

فإن قام به واحد من الجماعة سقط كل قذف قبله وقاله أبو حنيفة أيضا إلا أنه بناه على أن حد القذف حق لله فصح التداخل فيه وقال الشافعي وأحمد بن حنبل إن قذفهم بكلمات متفرقة فعليه لكل واحد حد أو بكلمة واحدة فقولان عندهما وبنيا ذلك على قولهما إن حد القذف حق لآدمي فيتعدد وعندنا في أن حد القذف حق لله تعالى أم لا قولان حكاهما العبدي واللخمي وغيرهما فكان يلزمنا أن يكون عندنا قولان بالتعدد كما قال الشافعي وابن حنبل بناء على أنه حق لآدمي وبالاتحاد كما قلنا نحن وأبو حنيفة بناء على أنه حق لله تعالى إلا أن حجتنا على الاقتصار على الاتحاد وجوه

الوجه الأول أن هلال بن أمية العجلاني رمى امرأته بشريك ابن سحماء فقال له النبي صلى الله عليه وسلم حد في ظهرك أو تلتعن ولم يقل حدان

الوجه الثاني أن عمر رضي الله عنه جلد الشهود على المغيرة حدا واحدا مع أن كل واحد منهم قذف المغيرة والمزني بها

الوجه الثالث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حد قذفة عائشة رضي الله عنها ثمانين ثمانين رواه

____________________

(4/316)

المغيرة والمزني بها وقد حد رسول الله صلى الله عليه وسلم قذفة عائشة رضي الله عنها ثمانين ثمانين رواه أبو داود مع أنهم قذفوا عائشة رضي الله عنها وصفوان بن المعطل وقياسا على حد الزنا احتجوا بوجوه أحدها القياس على الزوجات الأربع فإنه يحتاج للعانات أربع

وثانيها أنه حق لآدمي فلا يدخله التداخل كالغصب وغيره

والثالث أنه لا يسقط بالرجوع فلا يتداخل كالإقرار بالمال والجواب عن الأول وهو الفرق بين القاعدتين أنه أيمان والأيمان لا تتداخل بخلاف الحدود فلو وجب لجماعة أيمان لم تتداخل وعن الثاني أنه لا يتكرر في الشخص الواحد فلو غلب فيه حق لآدمي لم يتداخل في الشخص الواحد كما لم يتداخل الإتلاف وهو الجواب عن الثالث

تنبيه تخيل بعض أصحابنا وجماعة من الفقهاء أن قوله تعالى والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة أن مقابلة جمع المحصنات بجلد ثمانين يقتضي لغة أن حد الجماعة يكون حدا واحدا ويحصل التداخل وهو المطلوب وهذا باطل بسبب قاعدة وهي أن مقابلة الجمع بالجمع في اللغة تارة توزع الأفراد على الأفراد كقوله تعالى ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فلا يصح إلا التوزيع من كل واحد رهن يؤمر به وكقولنا الدنانير للورثة وتارة لا يوزع

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

أبو داود مع أنهم قذفوا عائشة رضي الله عنها وصفوان بن المعطل

الوجه الرابع القياس على حد الزنا

الوجه الخامس أن احتجاجهم بالقياس على قذف الزوج لزوجاته الأربع يحتاج للعانات أربع مدفوع بالفرق بينهما بوجوه

الأول أن اللعان أيمان والأيمان لا تتداخل فلو وجب لجماعة أيمان لم تتداخل بخلاف الحدود

الثاني أن أحكام اللعان لما تعددت واختلفت وهي توجه الحد على المرأة وانتفاء النسب والميراث وتأبد التحريم ووقوع الفرقة أمكن ثبوت براءة هذه دون هذه بحد أو بغير ذلك من الأحكام فناسب إفراد كل واحدة بلعان لتوقع ثبوت بعض تلك الأحكام في بعض دون الباقي والمقصود بحد القذف واحد وهو التشفي وذلك يحصل بجلد واحد

والثالث أن الزوجية مطلوبة للبقاء فناسب التغليظ بالتعدد وليس بين القاذف والمقذوف ما يقتضي ذلك

الوجه السادس أن احتجاجهم بأن حد القذف حق لآدمي فلا يدخله التداخل كالغصب أو غيره وبأنه لا يسقط بالرجوع فلا يتداخل كالإقرار بالمال مدفوعان بأنه لا يتكرر في الشخص الواحد فلو غلب فيه حق الآدمي لم يتداخل في الشخص الواحد كما لم يتداخل الإتلاف

الوجه السابع أن قوله تعالى والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة لا يقتضي لغة من جهة مقابلة جمع المحصنات بجلد ثمانين أن حد الجماعة يكون حدا واحدا ويحصل التداخل وإن تخيله الطرطوشي من أصحابنا وجماعة من الفقهاء وذلك لأن القاعدة أن مقابلة الجمع بالجمع في اللغة تارة توزع الأفراد على الأفراد كقوله ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فلا يصح إلا التوزيع وأن من كل واحد رهنا يؤمر به وكقولنا الدنانير للورثة وتارة لا يوزع الجمع على الجمع بل يثبت أحد الجمعين لكل فرد من الجمع الآخر نحو الثمانون جلد القذف أو

____________________

(4/317)

الجمع بل يثبت أحد الجمعين لكل فرد من الجمع الآخر نحو الثمانين جلد القذف أو جلد القذف ثمانون وتارة يثبت الجمع للجمع ولا يحكم على الأفراد نحو الحدود للجنايات إذا قصد أن المجموع للمجموع وتارة يرد اللفظ محتملا للتوزيع وعدمه كقوله تعالى إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات يحتمل أن يكون لكل واحد من المؤمنين عدد جنات بمعنى بساتين داخل الجنة ومنازل ويحتمل أن توزع فيكون لبعضهم جنة الفردوس ولبعضهم جنة المأوى ولبعضهم أهل عليين وإذا اختلف أحوال المقابلة بين الجمع بالجمع وجب أن يعتقد أنه حقيقة في أحد هذه الأحوال الثلاث لئلا يلزم الاشتراك أو المجاز فيبطل الاستدلال به على مقابلة الجماعة المقذوفة بحد واحد كما تخيله الطرطوشي وغيره فقد تقدم الفرق بين الجماعة المقذوفة والزوجات بأنه أيمان ومن وجه آخر أن أحكام اللعان تعد في توجه الحد على المرأة وانتفاء النسب والميراث وتأبد التحريم ووقوع الفرقة

وأما حد القذف فمقصود واحد وهو التشفي وذلك يحصل بجلد واحد ثم لما اختلفت الأحكام أمكن ثبوت براءة هذه دون هذه أو بحد أو بغير ذلك من الأحكام فناسب إفراد كل واحد بلعان لتوقع ثبوت بعض تلك الأحكام في بعض دون الباقي

ومن وجه آخر أن الزوجية مطلوبة للبقاء فناسب التغليظ بالتعدد وليس بين القاذف والمقذوف ما يقتضي ذلك

هامش أنوار البروق

فارغه

هامش إدرار الشروق

جلد القذفة ثمانون وتارة يثبت الجمع للجمع ولا يحكم على الأفراد نحو الحدود للجنايات إذا قصد أن المجموع للمجموع وتارة يرد اللفظ محتملا للتوزيع وعدمه كقوله تعالى إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات فيحتمل أن يكون لكل واحد من المؤمنين عدد جنات بمعنى بساتين داخل الجنة ومنازل ويحتمل أن توزع فيكون لبعضهم جنة الفردوس ولبعض جنة المأوى ولبعضهم أعلى عليين وإذا اختلفت أحوال مقابلة الجمع بالجمع وجب أن يعتقد أنه حقيقة في أحد هذه الأحوال الثلاث لئلا يلزم الاشتراك أو المجاز فيبطل استدلال الطرطوشي وجماعة الفقهاء به على مقابلة الجماعة المقذوفة بحد واحد هذا تهذيب ما في الأصل وصححه ابن الشاط

قلت وفي نفسي شيء من قول الأصل وجب أن يعتقد أنه حقيقة إلخ وذلك أنه إن أراد حقيقة في أحد هذه الأحوال الثلاث بلا تعيين لذلك الأحد وإنما يتعين بالقرينة كان هذا عين الاشتراك فلا يصح قوله لئلا يلزم الاشتراك وأنه حقيقة في أحدها مع التعيين كان هذا هو الحقيقة والمجاز فلا يصح قوله أو المجاز نعم قد يقال أراد بالحقيقة الماهية الكلية الصادقة على الأفراد الثلاثة كالإنسان على أفراده فيصح قوله لئلا يلزم إلخ بشقيه ويكون استعماله في واحد من الثلاث حقيقة إن كان من حيث كونه فردا ومجازا إن كان من حيث خصوصه على الصحيح والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(4/318)

الفرق السادس والأربعون والمائتان بين قاعدة الحدود وقاعدة التعازير من وجوه عشرة

أحدها أنها غير مقدرة واختلفوا في تحديد أكثره واتفقوا على عدم تحديد أقله فعندنا هو غير محدود بل بحسب الجناية والجاني والمجني عليه وقال أبو حنيفة لا يجاوز به أقل الحدود وهو أربعون حد العبد بل ينقص منه سوط وللشافعي في ذلك قولان لنا إجماع الصحابة فإن معن بن زائدة زور كتابا على عمر رضي الله عنه ونقش خاتما مثل خاتمه فجلد مائة فشفع فيه قوم فقال أذكروني الطعن وكنت ناسيا فجلده مائة أخرى ثم جلده بعد ذلك مائة أخرى ولم يخالفه أحد فكان ذلك إجماعا ولأن الأصل مساواة العقوبات للجنايات احتجوا بما في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تجلدوا فوق عشر في غير حدود الله تعالى والجواب أنه خلاف مذهبهم فإنهم يزيدون على عشر أو لأنه محمول على طباع السلف رضي الله عنهم كما قال الحسن إنكم لتأتون

هامش أنوار البروق

قال الفرق السادس والأربعون والمائتان بين قاعدة الحدود وقاعدة التعازير من وجوه قلت جميع ما قاله في هذا الفرق صحيح لكنه أغفل من الأجوبة عن قوله صلى الله عليه وسلم لا تجلدوا فوق عشر جلدات في غير حد من حدود الله أصحها وأقواها وهو أن لفظ الحدود في لفظ الشرع ليس مقصورا على الزنا وشبهه بل لفظ الحدود في عرف الشرع متناول لكل مأمور به ومنهي عنه فالتعليق على هذا من جملة حدود الله تعالى فإن قيل الحديث يقتضي مفهومه أنه يجلد عشر جلدات فما دونها في غير الحدود فما المراد بذلك فالجواب أن المراد به جلد غير المكلفين كالصبيان والمجانين

هامش إدرار الشروق

الفرق السادس والأربعون والمائتان بين قاعدتي الحدود والتعازير

وهو من عشرة وجوه

الوجه الأول أن الحد مقدر شرعا والتعزير غير مقدر شرعا بل قد اتفقوا على عدم تحديد أقله واختلفوا في تحديد أكثره فعندنا هو غير محدود بل بحسب الجناية والجاني والمجني عليه وفي تبصرة ابن فرحون قال المازري في بعض الفتاوى وأما تحديد العقوبة فلا سبيل إليه عند أحد من أهل المذهب وقال في المعلم ومذهب مالك رحمه الله تعالى أنه يجيز في العقوبات فوق الحد وقال فيه أيضا ومشهور المذهب أنه يزاد على الحدود وقد أمر مالك بضرب رجل وجد مع صبي قد جرده وضمه إلى صدره فضربه أربعمائة فانتفخ ومات ولم يستعظم مالك ذلك

ا ه المراد قال الأصل لنا وجهان

الأول إجماع الصحابة فإن معن بن زائدة زور كتابا على عمر رضي الله عنه ونقش خاتما مثل نقش خاتمه فجلده مائة فشفع فيه قوم فقال أذكرتموني الطعن وكنت ناسيا فجلده مائة أخرى ثم جلده بعد ذلك مائة أخرى ولم يخالفه أحد

____________________

(4/319)

أمورا هي في أعينكم أدق من الشعر إن كنا لنعدها من الموبقات فكان يكفيهم قليل التعزير ثم تتابع الناس في المعاصي حتى زوروا خاتم عمر رضي الله عنه وهو معنى قول عمر بن عبد العزيز تحدث للناس أقضية على قدر ما أحدثوا من الفجور ولم يرد رضي الله عنه نسخ حكم بل المجتهد فيه ينتقل له الاجتهاد لاختلاف الأسباب

وثانيها من الفروق أن الحدود واجبة النفوذ والإقامة على الأئمة واختلفوا في التعزير وقال مالك وأبو حنيفة إن كان لحق الله تعالى وجب كالمحدود إلا أن يغلب على ظن الإمام أن غير الضرب مصلحة من الملامة والكلام وقال الشافعي هو غير واجب على الإمام إن شاء أقامه وإن شاء تركه احتج الشافعي رضي الله عنه بما في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعزر الأنصاري الذي قال له في حق الزبير في أمر السقي أن كان ابن عمتك يعني فسامحته ولأنه غير مقدر فلا يجب كضرب الأب والمعلم والزوج

والجواب عن الأول أنه حق لرسول الله صلى الله عليه وسلم فجاز له تركه بخلاف حق الله تعالى لا يجوز له تركه كقوله تعالى كونوا قوامين بالقسط فإذا قسط فتجب إقامته وعن الثاني

هامش أنوار البروق

والبهائم والله تعالى أعلم

وأغفل أيضا التنبيه على ضعف قول إمام الحرمين أن الجناية الحقيرة تسقط عقوبتها وبيان ضعف ذلك القول بل بطلانه أن قوله العقوبة الصالحة لها لا تؤثر فيها ردعا قول متناف من جهة أنه لا معنى لكون العقوبة صالحة للجناية إلا أنها تؤثر فيها العادة الجارية ردعا فإن كانت بحيث لا تؤثر ردعا فليست بصالحة لها هذا أمر لا خفاء به ولا إشكال والله تعالى أعلم وجميع ما قاله في الفروق الثلاثة بعده صحيح أو نقل وترجيح

المسألة الثانية في قتل مسلم بذمي قولان للأئمة القول الأول لمالك والشافعي وأحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنهم لا يقتل به لما في البخاري لا يقتل مسلم بكافر القول الثاني لأبي حنيفة يقتل به لعموم قوله تعالى ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا وهذا قتل مظلوما فيكون لوليه سلطان وعموم قوله تعالى النفس بالنفس وكذا سائر العمومات والجواب أن ما ذكرنا خاص فيقدم على العمومات على ما تقرر في أصول الفقه

هامش إدرار الشروق

فكان ذلك إجماعا وفي التبصرة قال المازري وضرب عمر رضي الله عنه صبيغا أكثر من الحد أي ولم ينكر عليه أحد من الصحابة وإلا لورد

الثاني أن الأصل مساواة العقوبات للجنايات قال الأصل وقال أبو حنيفة لا يجاوز به أي بالتعزير أقل الحدود وهو أربعون حد العبد بل ينقص منه سوط وللشافعي في ذلك قولان وفي التبصرة وبقول أبي حنيفة قال الشافعي وقال أيضا لا يبلغ عشرين وفيها أيضا ولم يزد أحمد بن حنبل في العقوبات على العشرة قال الأصل واحتجوا بما في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تجلدوا فوق عشر جلدات في غير حد من حدود الله

وأجاب أصحابنا عنه بأجوبة منها قال ابن الشاط وأغفله الشهاب وهو أصحها وأقواها إن لفظ الحدود في لفظ الشرع ليس مقصورا على الزنا وشبهه بل لفظ الحدود في عرف الشرع متناول لكل مأمور به ومنهي عنه فالتعليق على هذا من جملة حدود الله تعالى والمراد بغير حدود الله في الحديث جلد غير المكلفين كالصبيان والمجانين والبهائم فافهم

ا ه

وعبارة المعلم كما في التبصرة وتأول أصحابنا الحديث على أن المراد بقوله في غير حد إلخ أي في غير حق من حقوق الله تعالى وإن لم يكن من المعاصي المقدر حدودها لأن المعاصي كلها من حدود الله تعالى ا ه ومنها أن الحديث مقصور على زمنه عليه الصلاة والسلام لأنه كان يكفي الجاني منه هذا القدر كما في المعلم قال الأصل أي هو محمول على طباع السلف رضي الله عنهم كما قال الحسن إنكم لتأتون أمورا هي في أعينكم أدق من الشعر وإن كنا لنعدها من الموبقات فكان يكفيهم قليل التعزير ثم تتابع الناس في

____________________

(4/320)

أن غير المقدر قد يجب كنفقات الزوجات والأقارب ونصيب الإنسان في بيت المال غير مقدر وهو واجب ولأن تلك الكلمات كانت تصدر لجفاء الأعراب لا لقصد السب

وثالث الفروق أن التعزير على وفق الأصل من جهة اختلافه باختلاف الجنايات وهو الأصل بدليل الزنا مائة وحد القذف ثمانون والسرقة القطع والحرابة القتل وقد خولفت القاعدة في الحدود دون التعازير فسوى الشرع بين سرقة دينار وسرقة ألف دينار وشارب قطرة من الخمر وشارب جرة في الحد مع اختلاف مفاسدها حدا وعقوبة الحر والعبد سواء مع أن حرمة الحر أعظم لجلالة مقداره بدليل رجم المحصن دون البكر لعظم مقداره مع أن العبيد إنما ساوت الأحرار في السرقة والحرابة لتعذر التجزئة بخلاف الجلد واستوى الجرح اللطيف الساري للنفس والعظيم في القصاص مع تفاوتهما وقتل الرجل العالم الصالح التقي الشجاع البطل مع الوضيع

الرابع من الفروق أن التعزير تأديب يتبع المفاسد وقد لا يصحبها العصيان في كثير من الصور كتأديب الصبيان والبهائم والمجانين استصلاحا لهم مع عدم المعصية وجاء في هذا الفرق فرع وهو أن الحنفي إذا شرب النبيذ ولم يسكر قال مالك أحده ولا أقبل شهادته لأن تقليده في هذه المسألة لأبي حنيفة لا يصح لمنافاتها للقياس الجلي على الخمر ومخالفة النصوص الصحيحة ما أسكر كثيره فقليله حرام وقال الشافعي رضي الله عنه أحده وأقبل شهادته أما حده فللمفسدة الحاصلة من التوسل لإفساد العقل وأما قبول

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

المعاصي حتى زوروا خاتم عمر رضي الله عنه وهو معنى قول عمر بن عبد العزيز تحدث للناس أقضية على قدر ما أحدثوا من الفجور ولم يرد رضي الله عنه نسخ حكم بل المجتهد فيه ينتقل له الاجتهاد لاختلاف الأسباب

ومنها أنه لا يوافق ظاهر الحديث إلا مذهب أحمد بن حنبل وأما الأحناف والشافعية فإنهم يزيدون على العشر فظاهر الحديث خلاف مذهبهم

والوجه الثاني من الفروق أن الحدود واجبة النفوذ والإقامة على الأئمة واختلفوا في التعزير فقال مالك وأبو حنيفة رحمهما الله تعالى إن كان لحق الله تعالى وجب كالحدود إلا أن يغلب على ظن الإمام أن غير الضرب من الملامة والكلام مصلحة أي وإن كان لحق آدمي لم يجب وفي تبصرة ابن فرحون فإن تجرد التعزير عن حق آدمي وانفرد به حق السلطنة كان لولي الأمر مراعاة حكم الأصلح في العفو والتعزير وله التشفيع فيه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال اشفعوا إلي ويقضي الله على لسان نبيه ما يشاء قال فلو تعافى الخصمان عن الذنب قبل الترافع إلى ولي الأمر سقط حق الآدمي وفي حق السلطنة والتقويم والأدب وجهان أظهرهما عدم السقوط فله مراعاة الأصلح من الأمرين والأصح أنه لا يسقط التعزير بإسقاط ما وجب بسببه ولو نص على العفو والإسقاط

ويسقط بإسقاطه ضمنا كما إذا عفا مستحق الحد عن الحد قبل بلوغ الإمام إذ ليس للإمام التعزير والحالة هذه لاندراجه في الحد الساقط وقيل لا يسقط إذ وجوب التعزير المقترن بالحد لمجرد حق السلطنة فلا ينبغي سقوطه

____________________

(4/321)

شهادته فإنه لم يعص بناء على صحة التقليد عنده قال والعقوبات تتبع المفاسد لا المعاصي فلا تنافي بين عقوبته وقبول شهادته ويبطل عليه قوله من جهة أن هذا إنما هو في التعازير أما الحدود المقدرة فلم توجد في الشرع إلا في معصية عملا بالاستقراء فالحق مع مالك رحمه الله تعالى الخامس من الفروق أن التعزير قد يسقط وإن قلنا بوجوبه قال إمام الحرمين إذا كان الجاني من الصبيان أو المكلفين قد جنى جناية حقيرة والعقوبة الصالحة لها لا تؤثر فيه ردعا والعظيمة التي تؤثر فيه لا تصلح لهذه الجناية سقط تأديبه مطلقا أما العظيمة فلعدم موجبها وأما الحقيرة فلعدم تأثيرها وهو بحث حسن ما ينبغي أن يخالف فيه

السادس من الفروق أن التعزير يسقط بالتوبة ما علمت في ذلك خلافا والحدود لا تسقط بالتوبة على الصحيح إلا الحرابة لقوله تعالى إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم

سؤال مفسدة الكفر أعظم المفاسد والحرابة أعظم مفسدة من الزنا وهاتان المفسدتان العظيمتان تسقطان بالتوبة والمؤثر في سقوط الأعلى أولى أن يؤثر في سقوط الأدنى وهو سؤال قوي يقوي قول من يقول بسقوط الحدود بالتوبة قياسا على هذا المجمع عليه بطريق الأولى

وجوابه من وجوه أحدها أن سقوط القتل في الكفر يرغب في الإسلام فإن قلت إنه يبعث على الردة قلت الردة قليلة فاعتبر جنس الكفر وغالبه

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

بإسقاط الحد من الأحكام السلطانية قال فلو كان الخصمان المترافعان والدا وولدا فلا حق للولد في تعزير والده نعم يختص تعزيره لحق السلطنة فلولي الأمر فعل أحد الأمرين وتعزير الولد مشترك بين حقي الوالد والسلطنة

ا ه بلفظه

وقال الشافعي رحمه الله تعالى هو غير واجب على الإمام إن شاء أقامه وإن شاء تركه أي مطلقا محتجا بوجهين

الأول ما في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعزر الأنصاري الذي قاله في حق الزبير في أمر السقي أن كان ابن عمتك يعني فسامحته وجوابه أنه حق لرسول الله صلى الله عليه وسلم فجاز له تركه بخلاف حق الله تعالى لا يجوز له تركه كقوله تعالى كونوا قوامين بالقسط فإذا قسط فتجب إقامته على أن تلك الكلمات كانت تصدر لجفاء الأعراب لا لقصد السب

والثاني أنه غير مقدر فلا يجب كضرب الأب والمعلم والزوج وجوابه أن غير المقدر قد يجب كنفقات الزوجات والأقارب ونصيب الإنسان في بيت المال غير مقدر وهو واجب

الوجه الثالث من الفروق أن الحدود وإن جرت على الأصل والقاعدة من اختلاف العقوبات باختلاف الجنايات من جهة أن الشارع جعل حد الزنا مائة وحد القذف ثمانين وحد السرقة القطع وحد الحرابة القتل إلا أنها جرت على خلاف الأصل المذكور في مسائل

منها أن الشرع سوى في الحد بين سرقة دينار وسرقة ألف دينار

ومنها أنه سوى في الحد بين شارب قطرة من الخمر وشارب جرة مع اختلاف مفاسدها حدا

ومنها أنه جعل عقوبة الحر والعبد سواء مع أن حرمة الحر أعظم لجلالة مقداره بدليل رجم المحصن دون البكر لعظم مقداره مع أن العبيد إنما ساوت الأحرار في

____________________

(4/322)

وثانيها أن الكفر يقع للشبهات فيكون فيه عذر عادي ولا يؤثر أحد أن يكفر لهواه قلنا ولا يزني أحد إلا لهواه فناسب التغليظ

وثالثها أن الكفر لا يتكرر غالبا وجنايات الحدود تكرر غالبا فلو أسقطناها بالتوبة ذهبت مع تكررها مجانا وتجرأ عليها الناس في اتباع أهويتهم أكثر وأما الحرابة فلأنا لا نسقطها إلا إذا لم نتحقق المفسدة بالقتل أو أخذ المال أما متى قتل قتل إلا أن يعفو الأولياء عن الدم وإذا أخذ المال وجب الغرم وسقط الحد لأنه حد فيه تخيير بخلاف غيره فإنه محتم والمحتم آكد من المخير فيه

السابع أن التخيير يدخل في التعازير مطلقا ولا يدخل في الحدود إلا في الحرابة إلا في ثلاثة أنواع فقط

تنبيه التخيير في الشريعة لفظ مشترك بين أشياء أحدها الإباحة المطلقة كالتخيير بين أكل الطيبات وتركها

وثانيها الواجب المطلق كتصرفات الولاة ت فمتى قلنا الإمام مخير

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

السرقة والحرابة لتعذر التجزئة بخلاف الجلد

ومنها أنه سوى بين الجرح اللطيف الساري للنفس والعظيم في القصاص مع تفاوتهما

ومنها أنه سوى بين قتل الرجل العالم الصالح التقي الشجاع البطل مع الوضيع

وأما التعزير فهو على وفق الأصل المذكور أبدا فيختلف دائما باختلاف الجنايات قال ابن فرحون في التبصرة ولا يختص بفعل معين ولا قول معين ونذكر من ذلك بعض ما وردت به السنة فما قال ببعضه أصحابنا وبعضه خارج المذهب

فمنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عزر الثلاثة الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن الكريم بالهجر فهجروا خمسين يوما لا يكلمهم أحد وقصتهم مشهورة في الصحاح

ومنها أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضرب صبيغا الذي كان يسأل عن الذاريات وغيرها ويأمر الناس بالتفقه في المشكلات من القرآن ضربا وجيعا ونفاه إلى البصرة أو الكوفة وأمر بهجره فكان لا يكلمه أحد حتى تاب وكتب عامل البلد إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخبره بتوبته فأذن للناس في كلامه

ومنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عزر بالنفي فأمر بإخراج المخنثين من المدينة ونفيهم وكذلك الصحابة من بعده صلى الله عليه وسلم

ومنها أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حلق رأس نصر بن الحجاج ونفاه من المدينة لما تشبب النساء به في الأشعار وخشى الفتنة بها

ومنها ما فعله صلى الله عليه وسلم بالعرنيين

ومنها أمره صلى الله عليه وسلم للمرأة التي لعنت ناقتها أن تخلي سبيلها

ومنها أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه استشار الصحابة في رجل ينكح كما تنكح المرأة فأشاروا بحرقه في النار فكتب أبو بكر رضي الله عنه بذلك إلى خالد بن الوليد رضي الله عنه ثم حرقهم عبد الله بن الزبير في خلافته ثم حرقهم هشام بن عبد الملك وهو رأي ابن حبيب من أصحابنا ذكره في مختصر الواضحة

ومنها أن أبا بكر رضي الله عنه حرق جماعة من أهل الردة

ومنها إباحته صلى الله عليه وسلم سلب الذي يصطاد في حرم المدينة لمن وجده

ومنها أمره صلى الله عليه وسلم بكسر دنان الخمر وشق ظروفها

ومنها أمره صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر رضي الله عنه بتحريق الثوبين المعصفرين

ومنها أمره صلى الله عليه وسلم يوم خيبر بكسر القدور التي طبخ فيها لحم الحمر

____________________

(4/323)

في صرف مال بيت المال أو في أسارى العدو أو المحاربين أو التعزير فمعناه أن ما تعين سببه ومصلحته وجب عليه فعله ويأثم بتركه فهو أبدا ينتقل من واجب إلى واجب كما ينتقل المكفر في كفارة الحنث من واجب إلى واجب غير أن له ذلك يهواه في التكفير والإمام يتحتم في حقه ما أدت المصلحة إليه لا أن هاهنا إباحة ألبتة ولا أنه يحكم في التعازير بهواه وإرادته كيف خطر له وله أن يعرض عما شاء ويقبل منها ما شاء هذا فسوق وخلاف الإجماع بل الصواب ما تقدم ذكره

وثالثها تخيير الساعي بين أخذ أربع حقاق أو خمس بنات لبون في صدقة الإبل فإن الإمام هاهنا يتخير كما يتخير المكفر في كفارة الحنث غير أن الفرق بينهما أن هذا تخيير أدت إليه الأحكام وفي الحنث تخيير متأصل فتأمل هذه التخييرات

الثامن أنه يختلف باختلاف الفاعل والمفعول معه والجناية والحدود لا تختلف باختلاف فاعلها فلا بد في التعزير من اعتبار مقدار الجناية والجاني

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الأهلية ثم استأذنوه في غسلها فأذن لهم فدل على جواز الأمرين لأن العقوبة بالكسر لم تكن واجبة

ومنها هدمه صلى الله عليه وسلم لمسجد الضرار

ومنها أمره صلى الله عليه وسلم بتحريق متاع الذي غل من الغنيمة

ومنها إضعاف الغرم على سارق ما لا قطع فيه من التمر والكسر

ومنها إضعاف الغرم على كاتم الضالة

ومنها أخذه شطر مال مانع الزكاة غرمة من غرامات الرب تبارك وتعالى

ومنها أمره صلى الله عليه وسلم لابس خاتم الذهب بطرحه فطرحه فلم يعرض له أحد

ومنها أمره صلى الله عليه وسلم بقطع نخيل اليهود إغاظة لهم

ومنها تحريق عمر رضي الله عنه للمكان الذي يباع فيه الخمر

ومنها تحريق عمر قصر سعد بن أبي وقاص لما احتجب فيه عن الرعية وصار يحكم في داره ومنها مصادرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عماله بأخذ شطر أموالهم فقسمها بينهم وبين المسلمين

ومنها أنه رضي الله عنه ضرب الذي زور على نقش خاتمه وأخذ شيئا من بيت المال مائة ثم ضربه في اليوم الثاني مائة ثم ضربه في اليوم الثالث مائة

ومنها أن عمر رضي الله تعالى عنه لما وجد مع السائل من الطعام فوق كفايته وهو يسأل أخذ ما معه وأطعمه إبل الصدقة

ومنها أنه رضي الله تعالى عنه أراق اللبن المغشوش وغير ذلك مما يكثر تعداده وهذه قضايا صحيحة معروفة قال ابن قيم الجوزية وأكثر هذه المسائل شائعة في مذهب أحمد رضي الله تعالى عنه وبعضها شائع في مذهب مالك رضي الله تعالى عنه ومن قال إن العقوبة المالية منسوخة فقد غلط على مذاهب الأئمة نقلا واستدلالا وليس بمسلم دعواه نسخها كيف وفعل الخلفاء الراشدين وأكابر الصحابة لها بعد موته صلى الله عليه وسلم مبطل لدعوى نسخها والمدعون للنسخ ليس معهم كتاب ولا سنة ولا إجماع يصحح دعواهم إلا أن يقول أحدهم مذهب أصحابنا لا يجوز فمذهب أصحابه عيار على القبول والرد ا ه

قال ابن فرحون والتعزير بالمال قال به المالكية ولهم فيه تفصيل ذكرت منه في كتاب الحسبة طرفا فمن ذلك مسائل

المسألة الأولى سئل مالك عن اللبن المغشوش أيهراق

قال لا ولكن أرى أن يتصدق به إذا كان هو الذي غشه وقال في الزعفران والمسك المغشوش مثل ذلك وسواء كان ذلك كثيرا أو قليلا وخالفه ابن القاسم في الكثير فقال يباع المسك والزعفران إلى من لا يغش به ويتصدق بالثمن أدبا للغاش

المسألة الثانية أفتى ابن القطان الأندلسي في الملاحم الرديئة النسج بأن تحرق وأفتى ابن عتاب بتقطيعها والصدقة بها خرقا

المسألة الثالثة إذا اشترى عامل القراض من يعتق على رب المال عالما بأنه قريبه فإنه إن

____________________

(4/324)

والمجني عليه

التاسع أن التعزير يختلف باختلاف الأعصار والأمصار فرب تعزير في بلاد يكون إكراما في بلد آخر كقلع الطيلسان بمصر تعزير وفي الشام إكرام وكشف الرأس عند الأندلس ليس هوانا وبالعراق ومصر هوان

العاشر أنه يتنوع لحق الله تعالى الصرف كالجناية على الصحابة أو الكتاب العزيز ونحو ذلك وإلى حق العبد الصرف كشتم زيد ونحوه والحدود لا يتنوع منها حد بل الكل حق لله تعالى إلا القذف على خلاف فيه إما أنه تارة يكون حدا حقا لله تعالى وتارة يكون حقا لآدمي فلا يوجد ألبتة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

كان موسرا عتق العبد وغرم العامل ثمنه وحصة رب المال من الربح إن كان في المال يوم الشراء ربح وولاؤه لرب المال وذلك لتعديه فيما فعل

المسألة الرابعة من وطئ أمة له من محارمه ممن لا يعتق عليه بالملك فإنه يعاقب وتباع عليه وإخراجها عن ملكه كرها من العقوبة بالمال

المسألة الخامسة الفاسق إذا آذى جاره ولم ينته تباع عليه الدار وهو عقوبة في المال والبدن

المسألة السادسة من مثل بأمته عتقت عليه وذلك عقوبة بالمال ا ه

الوجه الرابع من الفروق أن الحدود المقدرة لم توجد في الشرع إلا في معصية عملا بالاستقراء بخلاف التعزير فإنه تأديب يتبع المفاسد وقد لا يصحبها العصيان في كثير من الصور كتأديب الصبيان والبهائم والمجانين استصلاحا لهم مع عدم المعصية قال الأصل ومن هنا يبطل على الشافعي قوله في الحنفي إذا شرب النبيذ ولم يسكر أحده وأقبل شهادته أما حده فللمفسدة الحاصلة من التوسل لإفساد العقل وأما قبول شهادته فلأنه لم يعص بناء على صحة التقليد عنده قال والعقوبات تتبع المفاسد لا المعاصي فلا تنافي بين عقوبته وقبول شهادته

ا ه

لما علمت من أن هذا إنما هو في التعاذير لا في الحدود ويكون الحق فيه قول مالك أحده ولا أقبل شهادته لأن تقليده في هذه المسألة لأبي حنيفة لا يصح لمنافاتها للقياس الجلي على الخمر ومخالفة النصوص الصحيحة ما أسكر كثيره فقليله حرام فافهم

الوجه الخامس من الفروق أن الحدود لا تسقط بحال بخلاف التعزير فإنه قد يسقط وإن قلنا بوجوبه قال إمام الحرمين إذا كان الجاني من الصبيان والمكلفين قد جنى جناية حقيرة والعقوبة الصالحة لها لا تؤثر فيه ردعا والعظيمة التي تؤثر فيه لا تصلح لهذه الجناية سقط تأديبه مطلقا أما العظيمة فلعدم موجبها وأما الحقيرة فلعدم تأثيرها

ا ه

قال الأصل وهو بحث حسن ما ينبغي أن يخالف فيه

ا ه

وقال ابن الشاط وبيان ضعف قول إمام الحرمين أن الجناية الحقيرة تسقط عقوبتها بل بطلانه أن قوله العقوبة الصالحة لها لا تؤثر فيه ردعا قول متناف من جهة أنه لا معنى لكون العقوبة صالحة للجناية إلا أنها تؤثر فيها العادة الجارية ردعا فإن كانت بحيث لا تؤثر ردعا فليست بصالحة لها هذا أمر لا خفاء به ولا إشكال والله تعالى أعلم ا ه

الوجه السادس من الفروق أن التعزير يسقط بالتوبة قال الأصل ما علمت في ذلك خلافا والحدود لا تسقط بالتوبة على الصحيح إلا الحرابة والكفر فإنهما يسقط حدهما بالتوبة إجماعا لقوله تعالى إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم ولقوله تعالى قل للذين كفروا إن ينتهوا الآية لا يقال قياس نحو الزنا من باقي المفاسد الموجبة للحد على هذا المجمع

____________________

(4/325)

فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

عليه بأن يقال مفسدة الكفر أعظم المفاسد والحرابة أعظم مفسدة من الزنا فإذا أثرت التوبة في سقوط هاتين المفسدتين العظيمتين فلأن تؤثر فيما دونهما من المفاسد بطريق الأولى إذ المؤثر في سقوط الأعلى أولى أن يؤثر في سقوط الأدنى يقوي قول من يقول بسقوط الحدود بالتوبة فكيف يكون مقابل الصحيح لأنا نقول القياس المذكور لا يصح أما بالنسبة للكفر فمن وجوه

أحدها أن سقوط القتال في الكفر يرغب في الإسلام وكونه يبعث على الردة مدفوع بأن الردة قليلة فاعتبر جنس الكفر وغالبه

و ثانيها أن الكفر يقع للشبهات فيكون فيه عذر عادي ولا يؤثر أحد أن يكفر لهواه بخلاف نحو الزنا فإنه لا يزني أحد مثلا إلا لهواه فناسب التغليظ

وثالثها أن الكفر لا يتكرر غالبا وجنايات الحدود تتكرر غالبا فلو أسقطناها بالتوبة ذهبت مع تكررها مجانا وتجرأ عليها الناس في اتباع أهويتهم أكثر وأما بالنسبة للحرابة فلأنا لا نسقطها بالتوبة إلا إذا لم تتحقق المفسدة بالقتل أو أخذ المال أما متى قتل قتل إلا أن يعفو الأولياء عن الدم وإذا أخذ المال وجب الغرم وسقط الحد لأنه حد فيه تخيير بخلاف غيره فإنه محتم والمحتم آكد من المخير فيه

الوجه السابع من الفروق أن التخيير يدخل في التعاذير مطلقا ولا يدخل في الحدود إلا في الحرابة إلا في ثلاثة أنواع منها فقط وتلك الثلاثة

أحدها ما في قول أقرب المسالك وتعين قتله إن قتل

وثانيها ما في تبصرة ابن فرحون إن طال أمره وأخذ المال ولم يقتل بحد فقد قال مالك وابن القاسم في الموازية يقتل ولا يختار الإمام فيه غير القتل

ا ه وثالثها ما في التبصرة عن الباجي قال أشهب في الذي أخذ بحضرة ذلك ولم يقتل ولم يأخذ المال هذا الذي قال فيه مالك لو أخذ فيه بأيسر ذلك قال عنه ابن القاسم أحب إلي أن يجلد وينفى ويحبس حيث نفي إليه

ا ه بلفظه

والمراد بالتخيير هاهنا الواجب المطلق بمعنى الانتقال من واجب إلى واجب بشرط الاجتهاد المؤدي إلى ما يتحتم في حق الإمام مما أدت إليه المصلحة لا التخيير بمعنى الإباحة المطلقة إذ لا إباحة هاهنا ألبتة ولا التخيير بمعنى الانتقال من واجب إلى واجب بهواه وإرادته كيف خطر له وله أن يعرض عما شاء ويقبل منها ما شاء فإن هذا هاهنا فسوق وخلاف الإجماع وذلك أن التخيير في الشريعة لفظ مشترك بين شيئين

أحدهما الإباحة المطلقة كالتخيير بين أكل الطيبات وتركها

وثانيهما الواجب المطلق وتحته نوعان

الأول انتقال من واجب إلى واجب بشرط الاجتهاد ليؤدي إلى ما تعين سببه وأدت المصلحة إليه فيجب عليه فعله ويأثم بتركه كتصرفات الولاة فمتى قلنا الإمام مخير في صرف مال بيت المال أو في أسارى العدو أو المحاربين أو في التعزير كان معناه ما تقدم ذكره والنوع الثاني انتقال من واجب إلى واجب بهواه وإرادته كيف خطر له وله أن يعرض عما شاء ويقبل ما شاء من تلك الواجبات وهذا نوعان أيضا

الأول تخير متأصل بمعنى انتقال من واجب إلى واجب بهواه أصالة لا عروضا كما في تخيير المكفر في كفارة الحنث بين أنواعها الواجبة بهواه والثاني تخيير جر إليه الحكم بمعنى انتقال من واجب إلى واجب بهواه لا أصالة بل عروضا بحسب ما جر إليه الحكم كما في تخيير الساعي بين أخذ أربع حقاق أو خمس بنات لبون في صدقة الإبل فإن الإمام هاهنا يتخير كما يتخير المكفر في كفارة الحنث إلا أن هذا تخيير أدت إليه الأحكام وفي الحنث تخيير متأصل فتأمل هذه التخييرات واحتفظ عليها بهذا التفصيل

الوجه الثامن من الفروق أن التعزير يختلف باختلاف الفاعل والمفعول معه والجناية ففي تبصرة ابن فرحون قال ابن قيم الجوزية اتفق

____________________

(4/326)

الفرق السابع والأربعون والمائتان بين قاعدة الإتلاف بالصيال وبين قاعدة الإتلاف بغيره اعلم أن الصيال يختص بنوع من إسقاط اعتبار إتلافه بسبب عداه وعدوانه ويقوى الضمان في غيره على متلفه لعدم المسقط وله خصيصة أخرى وهي أن الساكت عن الدفع عن نفسه حتى يقتل لا يعد آثما ولا قاتلا لنفسه بخلاف لو منع من نفسه طعامها وشرابها حتى مات فإنه آثم قاتل لنفسه ولو لم يمنع عنها الصائل من الآدميين لم يأثم بذلك وبسط ذلك أن كل إنسان أو غيره صال فدفع عن معصوم من نفس أو بضع أو مال دفعا لا يقصد قتله بل الدفع خاصة وإن أدى إلى القتل إلا أن يعلم أنه لا يندفع إلا بالقتل فيقصد قتله ابتداء لتعينه طريقا إلى الدفع فمن خشي شيئا من ذلك فدفعه عن نفسه فهو هدر لا يضمن حتى الصبي والمجنون وكذلك البهيمة لأنه ناب عن صاحبها في

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

العلماء على أن التعزير مشروع في كل معصية ليس فيها حد بحسب الجناية في العظم والصغر وبحسب الجاني في الشر وعدمه

ا ه

أي وبحسب المجني عليه في الشرف وعدمه وفيها أيضا بعد أن التعاذير تختلف بحسب اختلاف الذنوب وما يعلم من حال المعاقب من جلده وصبره على يسيرها أو ضعفه عن ذلك وانزجاره إذا عوقب بأقلها

ا ه

والحدود لا تختلف باختلاف فاعلها

الوجه التاسع من الفروق أن الحدود لا تختلف باختلاف الأعصار والأمصار فرب تعزير في عصر يكون إكراما في عصر آخر ورب تعزير في بلاد يكون إكراما في بلد آخر كقلع الطيلسان بمصر تعزير وفي الشام إكرام وككشف الرأس عند الأندلس ليس هوانا وبالعراق ومصر هوان

الوجه العاشر من الفروق أن التعزير يتنوع إلى حق الله تعالى الصرف كالجناية على الصحابة أو الكتاب العزيز ونحو ذلك وإلى حق العبد الصرف كشتم زيد ونحوه والحدود لا يتنوع منها حد بل الكل حق الله تعالى إلا القذف على خلاف فيه قد تقدم أما أنه تارة يكون حقا لله تعالى وتارة يكون حقا لآدمي فلا يوجد ألبتة هذا تهذيب ما في الأصل وصححه ابن الشاط مع زيادة والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق التاسع والأربعون والمائتان بين قاعدة الإتلاف بالصيال وبين قاعدة الإتلاف بغيره

من نحو ترك الغذاء والشراب حتى يموت من حيث عدم الضمان في الصائل والضمان في غيره ومن حيث ترتب الإثم على ترك الطعام والشراب حتى يموت وعدم ترتب الإثم على ترك الدفع للصائل من الآدميين عن نفسه وهو من وجوه أربعة اثنان باعتبار الضمان وعدمه واثنان باعتبار ترتب الإثم وعدم ترتبه

الوجه الأول من الفروق أن الضمان في غير الصائل لعدم المسقط وعدم الضمان في الصائل لاختصاصه بنوع من إسقاط اعتبار إتلافه بسبب عداه وعدوانه

الوجه الثاني من الفروق وهو أقربها أن الضمان في غير الصائل لعدم تعارض مفسدتين عليا ودنيا فيه وعدم الضمان في الصائل لأنه

____________________

(4/327)

دفعها وهو سر الفرق بين القاعدتين فإن المتلف ابتداء لم ينب عن غيره في القيام بذلك الإتلاف قال القاضي أبو بكر أعظم المدفوع عنه النفس وأمره بيده إن شاء أسلم نفسه أو دفع عنها ويختلف الحال ففي زمن الفتنة الصبر أولى تقليلا لها أو هو يقصد وحده من غير فتنة عامة فالأمر في ذلك سواء وإن عض الصائل يدك فنزعتها من فيه فقلعت أسنانه ضمنت دية الأسنان لأنها من فعلك وقيل لا تضمن لأنه ألجأك لذلك وإن نظر إلى حرم من كوة لم يجز لك أن تقصد عينه أو غيرها لأنه لا تدفع المعصية بالمعصية وفيه القود إن فعلت ويجب تقدم الإنذار في كل موضع فيه دفع ومستند ترك الدفع عن النفس ما في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل ولقصة ابني آدم إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر ثم قال إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك ولم يدفعه عن نفسه لما أراد قتله وعلى ذلك اعتمد عثمان رضي الله عنه على

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

تعارضت فيه مفسدة أن يفعل أو يمكن من القتل التمكين من المفسدة أخف مفسدة من مباشرة المفسدة نفسها والقاعدة سقوط اعتبار المفسدة الدنيا بدفع المفسدة العليا إذا تعارضتا

الوجه الثالث من الفروق أن ترك الغذاء والشراب سبب تام في الموت من غير إضافة شيء آخر إليه وترك دفع الصائل سبب في الموت ناقص لا يتم إلا بإضافة فعل الصائل إليه فلذا ترتب الإثم على الأول دون الثاني فافهم

فإن قلت ما وجه حرمة ترك الغذاء وعدم حرمة ترك الدواء قلت الوجه أن الدواء غير منضبط النفع فإنه قد يفيد وقد لا يفيد ونفع الغذاء ضروري

الوجه الرابع من الفروق أن المانع من نفسه طعامها وشرابها حتى مات يعد قاتلا لنفسه فلذا ترتب عليه الإثم والساكت عن دفع الصائل من الآدميين عن نفسه لا يعد قاتلا لنفسه فلذا لم يترتب عليه الإثم وسر ذلك أن الدافع لصائل إنسانا كان أو غيره عن معصوم من نفس أو بضع أو مال لا يقصد قتله بل الدفع خاصة وإن أدى إلى القتل إلا أن يعلم أنه لا يندفع إلا بالقتل فيقصد قتله ابتداء لتعينه طريقا إلى الدفع فمن خشي شيئا من ذلك فدفعه عن نفسه بالقتل فهو هدر عندنا لا يضمن حتى الصبي والمجنون وكذلك البهيمة لأنه ناب عن صاحبها في دفعها نعم لو قدر المصول عليه على الهروب من غير مضرة تلحقه تعين ولم يجز له الدفع بالجرح ولذا لا يجوز الدفع بالجرح ابتداء لمن يخش شيئا من ذلك لأنه لم ينب عن غيره في القيام بذلك الإتلاف فإن لم يقدر على الهروب من غير ضرر يلحقه فله الدفع بما قدر عليه قال القاضي أبو بكر أعظم المدفوع النفس وأمره بيده إن شاء أسلم نفسه أو دفع عنها ويختلف الحال ففي زمن الفتنة الصبر أولى تقليلا لها وهو يقصد وحده من غير فتنة عامة فالأمر في ذلك سواء وإن عض الصائل يدك فنزعتها من فيه فقلعت أسنانه ضمنت دية الأسنان لأنها من فعلك وقيل لا تضمن لأنه ألجأك لذلك وإن نظر إلى حرم من كوة لم يجز لك أن تقصد عينه أو غيرها لأنه لا تدفع المعصية بالمعصية وفيه

____________________

(4/328)

أحد الأقوال ولأنه تعارضت مفسدة أن يقتل أو يمكن من القتل والتمكين من المفسدة أخف مفسدة من مباشرة المفسدة نفسها فإذا تعارضتا سقط اعتبار المفسدة الدنيا بدفع المفسدة العليا فهذا أقرب الفروق بين القاعدتين

والفرق بين ترك دفع الصائل وبين ترك الغذاء والشراب حتى يموت أن ترك الغذاء هو السبب العام في الموت لم يضف إليه غيره ولا بد أن يضاف فعل الصائل للتمكين والفرق بين ترك الغذاء أنه يحرم وبين ترك الدواء فلا يحرم أن الدواء غير منضبط النفع فقد يفيد وقد لا يفيد والغذاء ضروري النفع ووافقنا الشافعي أنه لا يضمن الفحل الصائل والمجنون والصغير وقال أبو حنيفة يباح له الدفع ويضمن واتفقوا إذا كان آدميا بالغا عاقلا أنه لا يضمن

لنا وجوه الأول أن الأصل عدم الضمان

الثاني القياس على الآدمي

الثالث القياس على الدابة المعروفة بالأذى أنها تقتل ولا تضمن إجماعا ولا يلزمنا إذا غصبه فصال عليه لأنه ضمن هنالك بالغصب لا بالدفع وإلا إذا اضطر له لجوع فأكله فإنه يضمن لأن الجوع القاتل في نفس الجامع لا في نفس الصائل والقتل بالصيال من جهة الصائل احتجوا بوجوه

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

القود إن فعلت ويجب تقدم الإنذار في كل موضع فيه دفع

ومستند ترك الدفع عن النفس وجهان الأول ما في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل

والثاني قصة ابني آدم إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر ثم قال إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك ولم يدفعه عن نفسه لما أراد قتله وعلى ذلك اعتمد عثمان رضي الله عنه على أحد الأقوال ووافقنا الشافعي رضي الله تعالى عنه في أنه لا يضمن الفحل الصائل والمجنون والصغير وقال أبو حنيفة يباح له الدفع ويضمن واتفقوا على أنه لا يضمن إذا كان آدميا بالغا عاقلا

لنا وجوه الأول الأصل عدم الضمان الثاني القياس على الآدمي الثالث القياس على الدابة المعروفة بالأذى أنها تقتل ولا تضمن إجماعا ولا يلزمنا إذا غصبه فصال عليه لأنه ضمن هنالك بالغصب لا بالدفع وإلا إذا اضطر له لجوع فأكله فإنه يضمن لأن الجوع القاتل في نفس الجائع لا في نفس الصائل والقتل بالصيال من جهة الصائل وأما ما احتج به الأحناف من الوجوه الثلاثة

فالأول أن مدرك عدم الضمان إنما يكون هو إذن المالك لا جواز الفعل لأنه لو أذن له في قتل عبده لم يضمن ولو أكله لمجاعة ضمنه وجوابه أن الضمان يتوقف على عدم جواز الفعل بدليل أن العبد إذا صال على محرم لم يضمنه أو صال على العبد سيده فقتله العبد والأب على ابنه فقتله ابنه لا يضمنون لجواز الفعل

والثاني أن الآدمي له قصد واختيار فلذلك لم يضمن والبهيمة لا اختيار لها لأنه لو حفر بئرا فطرح إنسان فيها لم يضمنه ولو طرحت بهيمة نفسها فيها ضمنت وجناية العبد تتعلق برقبته وجناية البهيمة لا تتعلق برقبتها وجوابه أن البهيمة لها اختيار اعتبره الشرع لأن الكلب لو استرسل بنفسه لم يؤكل صيده والبعير الشارد يصير حكمه حكم الصيد على أصلهم وإن فتح قفصا فيه طائر فقعد الطائر ساعة ثم طار لا يضمن لأنه طار باختياره

وأما قولهم في الآدمي لو طرح نفسه في البئر لم يضمن بخلاف البهيمة فيلزمهم أنه لو نصب شبكة فوقعت فيها بهيمة لم يضمنها لأنها لم تختر ذلك وأنه لم يختره

____________________

(4/329)

الأول أن مدرك عدم الضمان إنما هو إذن المالك لا جواز الفعل لأنه لو أذن له في قتل عبده لم يضمن ولو أكله لمجاعة ضمنه

الثاني أن الآدمي له قصد واختيار فلذلك لم يضمن والبهيمة لا اختيار لها لأنه لو حفر بئرا فطرح إنسان نفسه فيها لم يضمنه ولو طرحت بهيمة نفسها فيها ضمنت وجناية العبد تتعلق برقبته وجناية البهيمة لا تتعلق برقبتها

الثالث قوله عليه السلام جرح العجماء جبار فلو لم يضمن لم يكن جبارا كالآدمي والجواب عن الأول أن الضمان يتوقف على عدم جواز الفعل بدليل أن الصيد إذا صال على محرم لم يضمنه أو صال على العبد سيده فقتله العبد أو الأب على ابنه فقتله ابنه لا يضمنون لجواز الفعل وعن الثاني أن البهيمة لها اختيار اعتبره الشرع لأن الكلب لو استرسل بنفسه لم يؤكل صيده والبعير الشارد يصير حكمه حكم الصيد على أصلهم وإن فتح قفصا فيه طائر فقعد الطائر ساعة ثم طار لا يضمن لأنه طار باختياره وأما قولهم في الآدمي لو طرح نفسه في البئر لم يضمن بخلاف البهيمة فيلزمهم أنه لو نصب شبكة فوقعت فيها بهيمة لم يضمنها لأنها لم تختر ذلك وأنه لم يختره

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وأما تعلق الجناية برقبة العبد فتبطل بالعبد الصغير فإنه تتعلق الجناية برقبته مع مساواته للدابة في الضمان

والثالث قوله عليه الصلاة والسلام جرح العجماء جبار فلو لم يضمن لم يكن جبارا كالآدمي وجوابه أن الهدر يقتضي عدم الضمان

مسألة اختلف العلماء في القضاء فيما أفسدته المواشي والدواب على أربعة أقوال

القول الأول لمالك والشافعي رضي الله تعالى عنهما أن الضمان على أرباب البهائم فيما أفسدته إن أرسلت بالليل للرعي كما لو كان صاحبها معها وهو يقدر على منعها فلم يمنعها ولا ضمان عليهم فيما أفسدته إن أرسلت لذلك بالنهار كما لو انفلتت فأتلفت قال في التبصرة والقول بنفي الضمان فيما أفسدته نهارا مقيد بقيدين الأول أن يكون معها راع لا يضيع ولا يفرط الثاني أن لا يكون ذلك إلا في المواضع التي لا يغيب أهلها عنها فإن انتفى قيد منها فربها ضامن لما أفسدت وإذا سقط الضمان عن أرباب المواشي فيما رعته نهارا فضمان ذلك على الراعي إن فرط فإن شذ منها شيء بغير تفريط فلا ضمان

ا ه ملخصا

القول الثاني لأبي حنيفة رضي الله عنه أن كل دابة مرسلة فصاحبها لا يضمن ما أفسدته قال الطحاوي وتحقيق مذهبه أنه لا يضمن إذا أرسلها محفوظة فأما إذا لم يرسلها محفوظة فيضمن وعمدة مالك والشافعي وجوه

الأول قوله تعالى وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم الآية والنفش رعي الليل والهمل رعي النهار ووجه الدليل أن داود عليه السلام قضى بتسليم الغنم لأرباب الزرع قبالة زرعهم وقضى سليمان عليه السلام بدفعها لهم ينتفعون بدرها ونسلها وخراجها حتى يخلف الزرع وينبت زرع الآخر قال حفيد ابن رشد في بدايته وهذا الاحتجاج على مذهب من يرى أنا مخاطبون بشرع من قبلنا

ا ه

الثاني أنه فرط فيضمن كما لو كان حاضرا

الثالث المرسل عن ابن شهاب أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط قوم فأفسدت فيه فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الحوائط بالنهار حفظها وأن ما أفسدته المواشي بالليل ضامن على أهلها أي مضمون وجهه أنه بالنهار يمكن التحفظ دون الليل

الرابع أنكم قد اعتبرتم ذلك في قولكم إن رمت الدابة حصاة كبيرة

____________________

(4/330)

وأما تعليق الجناية برقبة العبد فتبطل بالعبد الصغير فإنه تتعلق الجناية برقبته مع مساواته للدابة في الضمان وعن الثالث أن الهدر يقتضي عدم الضمان مطلقا

مسألة إن أرسلت الماشية بالنهار للرعي أو انفلتت فأتلفت فلا ضمان وإن كان صاحبها معها وهو يقدر على منعها فلم يمنعها ضمن ووافقنا الشافعي وأبو حنيفة رضي الله عنهما وإن انفلتت بالليل وأرسلها مع قدرته على منعها ضمن وقاله الشافعي رضي الله عنه في الزرع وفي غير الزرع اختلاف عندهم وقالوا يضمن أرباب القطط المعتادة للفساد ليلا أفسدت أو نهارا وإن خرج الكلب من داره فجرح ضمن أو الداخل بإذن فوجهان أو بغير إذن لم يضمن وإن أرسل الطير فالتقطت حب الغير لم يضمن ليلا أو نهارا وقال أبو حنيفة رحمه الله لا ضمان في الزرع ليلا كان أو نهارا

لنا وجوه الأول قوله تعالى وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم الآية وجه الدليل أن داود عليه السلام قضى بتسليم الغنم لأرباب الزرع قبالة زرعه وقضى سليمان عليه السلام بدفعها لهم ينتفعون بدرها ونسلها وخراجها حتى يخلف الزرع وينبت زرع الآخر والنفش رعي

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

أصابت إنسانا ضمن الراكب بخلاف الصغيرة فإنه لا يمكنه التحفظ منها والتحفظ من الكبير بالتنكيب عنه وقلتم يضمن ما نفحت بيدها لأنه يمكنه ردها بلجامها ولا يضمن ما أفسدت برجلها وذنبها

وعمدة أبي حنيفة وجوه

الأول قوله عليه السلام جرح العجماء جبار وجوابه أن الجرح عندنا جبار إنما النزاع في غير الجرح واتفقنا على تضمين السائق والراكب والقائد

الثاني القياس على النهار وما ذكرتموه من الفرق بالحراسة بالنهار باطل لأنه لا فرق بين من حفظ ماله فأتلفه إنسان أو أهمله فأتلفه أنه يضمن في الوجهين وجوابه أن القياس على النهار لا يصح لأنا لا نسلم بطلان الفرق المتقدم بالحراسة بالنهار لأن إتلاف المال هاهنا كمن ترك غلامه يصول فيقتل فإنه لا يضمن لأنه بسبب المالك وأما ما ذكرتموه فليس كذلك

الثالث القياس على جناية الإنسان على نفسه وماله وجناية ماله عليه وجنايته على مال أهل الحرب أو أهل الحرب عليه وعكسه جناية صاحب البهيمة وجوابه أنه قياس مخالف للآية لأنه بالليل مفرط وبالنهار ليس بمفرط على أن تلك النقوض لا يمكن فيها التضمين لأن أحدا منهم ليس من أهل الضمان وهاهنا أمكن التضمين

القول الثالث لليث أن كل دابة مرسلة فصاحبها ضامن وعمدته أنه تعد من المرسل والأصول على أن على المتعدي الضمان وجوابه أن محل كونه تعديا من المرسل إذا لم يتسبب المالك في الإتلاف وإلا فالتعدي من المالك لا من المرسل كما يؤخذ مما تقدم فافهم

القول الرابع وهو مروي عن عمر رضي الله عنه وجوب الضمان في غير المنفلت ولا ضمان في المنفلت لأنه لا يملك قال في البداية فسبب الخلاف في هذا الباب معارضة الأصل للسمع ومعارضة السماع بعضه لبعض وذلك أن الأصل يعارض قوله عليه السلام جرح العجماء جبار ويعارض أيضا التفرقة التي في حديث البراء

____________________

(4/331)

الليل والهمل رعي النهار بلا راع

الثاني أنه فرط فيضمن كما لو كان حاضرا

الثالث أنه بالنهار يمكنه التحفظ دون الليل وقد اعتبرتم ذلك في قولكم إن رمت الدابة حصاة كبيرة أصابت إنسانا ضمن الراكب بخلاف الصغيرة لا يمكنه التحفظ منها والتحفظ من الكبيرة بالتنكب عنه وقلتم يضمن ما نفحت بيدها لأنه يمكنه ردها بلجامها ولا يضمن ما أفسدت برجلها وذنبها

احتجوا بوجوه الأول قوله عليه السلام جرح العجماء جبار الثاني القياس على النهار وما ذكرتموه من الفرق بالحراسة بالنهار باطل لأنه لا فرق بين من حفظ ماله فأتلفه إنسان أو أهمله فأتلفه أنه يضمن في الوجهين

الثالث القياس على جناية الإنسان على نفسه وماله وجناية ماله عليه وجنايته على مال أهل الحرب أو أهل الحرب عليه وعكسه جناية صاحب البهيمة

والجواب عن الأول أن الجرح عندنا جبار إنما النزاع في غير الجرح واتفقنا على تضمين السائق والراكب والقائد وعن الثاني أن الفرق المتقدم وما ذكرتموه أن إتلاف المال بسبب المالك هاهنا فهو كمن ترك غلامه يصول فيقتل فإنه لا

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وكذلك التفرقة التي في حديث البراء تعارض أيضا قوله عليه السلام جرح إلخ

ا ه

فافهم

تنبيهان الأول أن قوله تعالى ففهمناها سليمان وإن اقتضى ظاهره أن حكم سليمان عليه السلام كان أقرب للصواب من حكم داود وهو خلاف ما تقتضيه أصول شريعتنا من أن حكم سليمان عليه السلام إيجاب لقيمة مؤجلة ولا يلزم ذلك صاحب الحرث لأن الأصل في القيم الحلول إذا وجبت في الإتلافات ولأنه إحالة على أعيان لا يجوز بيعها وما لا يباع لا يعارض به في القيم فلذا لو وقع حكمه عليه السلام في شرعنا من بعض القضاة ما أمضيناه بخلاف ما لو وقع حكم داود عليه السلام في شرعنا فإننا نمضيه لأن قيمة الزرع يجوز أن يؤخذ فيها غنم لأن صاحبها مفلس مثلا أو غير ذلك وحينئذ فيلزم أحد الأمرين إما أن تكون شريعتنا أتم في المصالح وأكمل الشرائع أو يكون داود عليه السلام فهم دون سليمان عليه السلام وهو خلاف ظاهر الآية إلا أنا إذا قلنا أن اختلاف المصالح في الأزمنة كما اقتضى اعتباره حسن النسخ كذلك يقتضيه هاهنا فيندفع الإشكال وذلك أن المصلحة التي أشار إليها سليمان عليه السلام يجوز أن تكون أتم باعتبار ذلك الزمان بأن تكون مصلحة زمانهم كانت تقتضي أن لا يخرج عين مال الإنسان من يده إما لقلة الأعيان وإما لعدم ضرر الحاجة أو لعدم الزكاة للفقراء بأن تقدم للنار التي تأكل القربان أو لغير ذلك وتكون المصلحة الأخرى باعتبار زماننا أتم فيتغير الحكم بتغير المصلحة

التنبيه الثاني المراد بالشهادة في قوله تعالى وكنا لحكمهم شاهدين العلم لا بمعنى المكافأة كقوله تعالى قد يعلم ما أنتم عليه قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا ونحوه لأن السياق ليس سياق تهديد أو ترغيب حتى يكون المراد ذلك بل بمعناه وفائدة ذكره لا التمدح به لأنه تعالى لا يتمدح بالعلم الجزئي بل الفائدة التمدح بأحكام التصرف في ملكه وضبطه وذلك أن هذه

____________________

(4/332)

يضمن وعن الثالث أنه قياس مخالف للآية لأنه بالليل مفرط بالنهار ليس بمفرط والجواب عن تلك النقوض أن أحدا منهم ليس من أهل الضمان وهاهنا أمكن التضمين

سؤال قوله تعالى ففهمناها سليمان يقتضي أن حكمه كان أقرب للصواب مع أن حكم داود عليه السلام لو وقع في شرعنا أمضيناه لأن قيمة الزرع يجوز أن يؤخذ فيها غنم لأن صاحبها مفلس مثلا أو غير ذلك وأما حكم سليمان عليه السلام لو وقع في شرعنا من بعض القضاة ما أمضيناه لأنه إيجاب لقيمة مؤجلة ولا يلزم ذلك صاحب الحرث لأن الأصل في القيم الحلول إذا وجبت في الإتلافات ولأنه إحالة على أعيان لا يجوز بيعا وما لا يباع لا يعارض به في القيم فيلزم أحد الأمرين إما أن تكون شريعتنا أتم في المصالح وأكمل الشرائع أو يكون داود عليه السلام فهم دون سليمان عليه السلام وظاهر الآية خلافه وهو موضع مشكل يحتاج للكشف والنظر حتى يفهم المعنى فيه

ووجه الجواب أن المصلحة التي أشار إليها سليمان عليه السلام يجوز أن تكون أتم باعتبار ذلك الزمان بأن تكون مصلحة زمانهم كانت تقتضي أن لا يخرج عين مال الإنسان من يده إما لقلة الأعيان وإما لعدم ضرر الحاجة أو لعظم الزكاة للفقراء بأن تقدم للنار التي تأكل القربان أو لغير ذلك وتكون المصلحة الأخرى باعتبار زماننا أتم فيتغير الحكم كما أن النسخ حسن باعتبار اختلاف المصالح في الأزمنة فقاعدة النسخ تشهد لهذا الجواب

سؤال في قوله تعالى وكنا لحكمهم شاهدين المراد بالشهادة هاهنا العلم فما فائدة ذكره والتمدح به هاهنا بعيد فإن الله تعالى لا يمتدح بالعلم الجزئي وليس السياق سياق تهديد أو ترغيب حتى يكون المراد المكافأة كقوله تعالى قد يعلم ما أنتم عليه قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا ونحوه جوابه أن هذه القصص إنما وردت لتقرير أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى في صدر السورة حكاية عن الكفار هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون فبسط الله سبحانه القول في هذه القصص ليبين الله تعالى أنه ليس بدعاء من

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

القصص إنما وردت لتقرير أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى في صدر السورة حكاية عن الكفار هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون فبسط الله سبحانه القول في هذه القصص ليبين الله تعالى به ليس بدعاء من الرسل وأنه يفضل من شاء من البشر وغيره ولا يخرج شيء عن حكمه ولا يفعل ذلك غفلة بل عن علم وكذلك فهم سليمان دون داود عليهما السلام لم يكن غفلة بل نحن عالمون فهو إشارة إلى ضبط التصرف وإحكامه فكما أن الملك العظيم إذا قال عرضت عن زيد وأنا أعلم بحضوره لم يكن مقصوده التمدح بأعلم بل بإحكام التصرف في ملكه

____________________

(4/333)

الرسل وأنه يفضل من شاء من البشر وغيره ولا يخرج شيء عن حكمه ولا يفعل ذلك غفلة بل عن علم ولذلك فهم سليمان دون داود عليهما السلام لم يكن عن غفلة بل نحن عالمون فهو إشارة إلى ضبط التصرف وإحكامه إلى غير ذلك كما يقول الملك العظيم أعرضت عن زيد وأنا عالم بحضوره وليس مقصوده التمدح بالعلم بل بإحكام التصرف في ملكه فكذلك هاهنا

الفرق الثامن والأربعون والمائتان بين قاعدة ما خرج عن المساواة والمماثلة في القصاص وبين قاعدة ما بقي على المساواة

اعلم أن القصاص أصله من القص الذي هو المساواة لأن من قص شيئا من شيء بقي بينهما سواء من الجانبين فهو شرط إلا أن يؤدي إلى تعطيل القصاص قطعا أو غالبا وله مثل أحدها التساوي في أجزاء الأعضاء وسمك اللحم في الجاني لو اشترط لما حصل إلا نادرا بخلاف الجراحات في الجسد وثانيهما التساوي في منافع الأعضاء وثالثها العقول ورابعها الحواس وخامسها قتل الجماعة بالواحد وقطع الأيدي باليد لو اشترطت الواحدة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

كذلك ههنا هذا تهذيب ما في الأصل وصححه ابن الشاط مع زيادة من البداية والتبصرة والله أعلم

الفرق الثامن والأربعون والمائتان بين قاعدة ما خرج عن المساواة والمماثلة في القصاص وبين قاعدة ما بقي على المساواة وهو أن ما خرج القصاص عن المساواة والمماثلة فيه هو ما يؤدي اشتراط المساواة فيه إلى تعطيل القصاص قطعا أو غالبا وله مثل أحدها أجزاء الأعضاء وسمك اللحم في الجاني إذ لو اشترط التساوي فيها لما حصل القصاص إلا نادرا وثانيها منافع الأعضاء وثالثها العقول ورابعها قلت إذ لو اشترط التساوي في هذه الثلاثة لما حصل القصاص أصلا أو لما حصل إلا نادرا وخامسها قتل الجماعة بالواحد وقطع الأيدي باليد الواحدة إذ لو اشترطت الواحدة لتساوي الأعداء ببعضهم وسقط القصاص وسادسها الحياة اليسيرة كالشيخ الكبير مع الشاب ومنفوذ المقاتل على الخلاف وسابعها تفاوت الصنائع والمهارة فيها

قلت إذ لو اشترط التساوي في هذين لما حصل القصاص أصلا أو لما حصل إلا نادرا وما بقي القصاص فيه على المساواة والمماثلة هو ما لا يؤدي اشتراط المساواة فيه إلى ذلك كالجراحات في الجسد فيجري على الأصل في القصاص فإن أصله من القص الذي هو المساواة لأن من قص شيئا من شيء بقي بينهما سواء من الجانبين فمن ثم قال السيد الجرجاني في تعريفاته القصاص هو أن يفعل بالفاعل مثل ما فعل ا ه

وهاهنا ثلاث مسائل

المسألة الأولى في قتل الجماعة بالواحد أربعة أقوال للعلماء القول الأول لمالك والشافعي وأبي حنيفة رضي الله عنهم قتلهم به إذا قتلوه عمدا أو تعاونوا على قتله بالحرابة وغيرها حتى يقتل الناظور

وعمدتهم أمور الأول إجماع الصحابة على قتل عمر سبعة من أهل صنعاء برجل واحد وقال لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به وقتل علي ثلاثة

____________________

(4/334)

لتساوي الأعداد ببعضهم وسقط القصاص السادس الحياة اليسيرة كالشيخ الكبير مع الشاب ومنفوذ المقاتل على الخلاف السابع تفاوت الصنائع والمهارة فيها

وهاهنا ثلاث مسائل

المسألة الأولى قتل الجماعة بالواحد إذا قتلوه عمدا وتعاونوا على قتله بالحرابة أو غيرها حتى يقتل عندنا الناظور ووافقنا الشافعي وأبو حنيفة ومشهور أحمد بن حنبل في قتل الجماعة بالواحد من حيث الجملة وعن أحمد وجماعة من التابعين والصحابة أن عليهم الدية وعن الزهري وجماعة أنه يقتل منهم واحد وعلى الباقي حصصهم من الدية لأن كل واحد مكافئ له فلا يستوي إبدال في مبدل منه واحد كما لا تجب ديات ولقوله تعالى الحر بالحر ولقوله تعالى النفس بالنفس ولأن تفاوت الأوصاف يمنع كالحر والعبد فالعدد أولى بالمنع لنا إجماع الصحابة على قتل عمر سبعة من أهل صنعاء برجل واحد وقال لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به وقتل علي ثلاثة وهو كثير ولم يعرف لهم مخالف في ذلك الوقت ولأنها عقوبة كحد القذف وتفارق

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وهو كثير ولم يعرف مخالف في ذلك الوقت الثاني أنها عقوبة تجب للواحد على الجماعة كما تجب له على الواحد كحد القذف وتفارق الدية فإنها تتبعض دون القصاص والثالث أن الشركة لو أسقطت القصاص كان ذلك ذريعة للقتل القول الثاني وهو مشهور أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه قتلهم به من حيث الجملة ففي الإقناع وتقتل الجماعة بالواحد إذا كان فعل كل واحد منهم صالحا للقتل به وإلا فلا ما لم يتواطئوا على ذلك أي الفعل ليقتلوه به فعليهم القصاص لئلا يتخذ ذريعة إلى درء القصاص ولأنه لو لم يشرع في الجماعة بالواحد لبطلت حكمة مشروعيته التي في قوله تعالى ولكم في القصاص حياة بزيادة من كشاف قناعه

القول الثالث لأحمد وجماعة من الصحابة والتابعين أن عليهم الدية القول الرابع للزهري وجماعة يقتل واحد منهم وعلى الباقي حصصهم من الدية لأن كل واحد مكافئ له فلا يستوي إبدال في مبدل منه واحد كما لا تجب ديات ولقوله تعالى الحر بالحر ولقوله تعالى النفس بالنفس ولأن تفاوت الأوصاف يمنع كالحر والعبد فالعدد أولى بالمنع

المسألة الثانية في قتل مسلم بذمي قولان للأئمة القول الأول لمالك والشافعي وأحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنهم لا يقتل به لما في البخاري لا يقتل مسلم بكافر القول الثاني لأبي حنيفة يقتل به لعموم قوله تعالى ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا وهذا قتل مظلوما فيكون لوليه سلطان وعموم قوله تعالى النفس بالنفس وكذا سائر العمومات والجواب أن ما ذكرنا خاص فيقدم على العمومات على ما تقرر في أصول الفقه

المسألة الثالثة في قتل ممسك المقتول للقاتل مع القاتل أو لا بل القاتل وحده قولان للأئمة الأربعة الأول لمالك رحمه الله تعالى للعمومات المتقدمة ولقول عمر المتقدم وللقياس على الممسك للصيد المحرم فإن عليه الجزاء وعلى المكره قلت وبهذا قال أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى ففي الإقناع وكشاف قناعه وإن أكره مكلف مكلفا على قتل معين فقتله فالقصاص عليهما لأن المكره تسبب إلى قتله بما يفضي إليه غالبا

____________________

(4/335)

الدية فإنها تتبعض دون القصاص لأن الشركة لو أسقطت القصاص كان ذلك ذريعة للقتل

المسألة الثانية وافقنا الشافعي وأحمد بن حنبل في أنه لا يقتل مسلم بذمي وقال أبو حنيفة يقتل المسلم بالذمي لنا ما في البخاري لا يقتل مسلم بكافر احتجوا بوجوه الأول قوله تعالى ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا وهذا قتل مظلوما فيكون لوليه سلطان الثاني قوله تعالى النفس بالنفس وسائر العمومات والجواب عن الأول وما بعده أن ما ذكرنا خاص فيقدم على العمومات على ما تقرر في أصول الفقه

المسألة الثالثة خالفنا الشافعي وأبو حنيفة في قتل الممسك وقالا يقتل القاتل وحده

لنا العمومات المتقدمة وقول عمر المتقدم وقياسا على الممسك للصيد المحرم فإن عليه الجزاء وعلى المكره

الفرق التاسع والأربعون والمائتان بين قاعدة العين وقاعدة كل اثنين من الجسد فيهما دية واحدة كالأذنين ونحوهما

أنه إذا ذهب سمع أحد أذنيه بضربة رجل ثم أذهب سمع الأخرى فعليه نصف الدية وفي عين الأعور الدية كاملة ووافقنا أحمد بن حنبل وقال الشافعي وأبو حنيفة نصف الدية

لنا وجوه الأول أن عمر وعثمان وعليا وابن عمر قضوا بذلك من غير مخالف فكان ذلك إجماعا

الثاني أن العين الذاهبة يرجع ضوءها للباقية لأن مجراها في النور الذي

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وفيهما أيضا وإن أكره سعد زيدا على أن يكره عمرا على قتل بكر فقتله قتل الثلاثة جزم به في الرعاية الكبرى ومعناه في المنتهى المباشر لمباشرته القتل ظلما والآخران لتسببهما إلى القتل لما يفضي إليه غالبا

ا ه المراد فافهم

والثاني للشافعي وأبي حنيفة رحمهما الله تعالى هذا تهذيب ما في الأصل وصححه ابن الشاط مع زيادة والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق التاسع والأربعون والمائتان بين قاعدة العينين وقاعدة كل اثنين من الجسد كالأذنين ونحوهما من حيث إن في عين الأعور الدية كاملة عندنا وعند أحمد بن حنبل وإن أخذ في الأولى نصف الدية وأما إذا أذهب رجل بضربة سمع الأذن الأخرى ممن لم يسمع بأحد أذنيه مثلا فإنه لا يجب عليه إلا نصف الدية وقال الشافعي وأبو حنيفة لا فرق بين عين الأعور ونحو أذن من لم يسمع بأحد أذنيه في أنه لا يجب في كل منهما إلا نصف الدية

لنا أن عمر وعثمان وعليا وابن عمر قضوا بذلك من غير مخالف فكان ذلك إجماعا ووجه الفرق أن العين الذاهبة يرجع ضوءها للباقية لأن مجراهما في النور الذي يحصل به الإبصار واحد كما شهد به علم التسريج

____________________

(4/336)

يحصل به الإبصار واحد كما شهد به علم التشريح ولذلك أن الصحيح إذا غمض إحدى عينيه اتسع ثقب الأخرى بسبب ما اندفع لها من الأخرى وقوي إبصارها ولا يوجد ذلك في إحدى الأذنين إذا سدت الأخرى أو إحدى اليدين إذا ذهبت الأخرى أو قطعت وكذلك جميع أعضاء الجسد إلا العين لما تقدم من اتحاد المجرى فكانت العين الباقية في معنى العينين فوجب فيها دية كاملة

احتجوا بوجوه الأول قوله عليه السلام في العين خمسون من الإبل الثاني قوله عليه السلام في العينين الدية وهو يقتضي أنه لا تجب عليه دية إلا إذا قلع عينين وهذا لم يقلع عينين

الثالث أن ما ضمن بنصف الدية ومعه نظيره ضمن بنصفها منفردا كالأذن واليد

الرابع أنه لو صح القول بانتقال النور الباصر لم يجب على الأول نصف الدية لأنه لم يذهب نصف المنفعة والجواب عن الأول والثاني أنه محمول على العين غير العوراء لأنهما عمومان مطلقان في الأحوال فيقيدان بما ذكرناه من الأدلة وعن الثالث الفرق بانتقال قوة العين الأولى بخلاف الأذن واليد ولو انتقل التزمناه وعن الرابع لا يلزم

هامش أنوار البروق

فارغه

هامش إدرار الشروق

ولذلك فإن الصحيح إذا غمض إحدى عينيه اتسع ثقب الأخرى بسبب ما اندفع لها من الأخرى وقوي إبصارها ولا يوجد ذلك في إحدى الأذنين إذا سدت الأخرى أو إحدى اليدين إذا ذهبت الأخرى أو قطعت وكذلك جميع أعضاء الجسد إلا العين لما تقدر من اتحاد المجرى فكانت العين الباقية في معنى العينين فوجب فيها دية كاملة وأما احتجاجهم بقوله عليه السلام في العين خمسون من الإبل وبقوله عليه السلام في العينين الدية فجوابه حمل الحديثين على العين غير العوراء لأنهما عمومان مطلقان في الأحوال فيقيدان بما ذكرناه من الأدلة وأما احتجاجهم بأن ما ضمن بنصف الدية ومعه نظيره ضمن بنصفها منفردا كالأذن واليد فجوابه الفرق المتقدم بانتقال قوة العين الأولى بخلاف الأذن واليد ولو انتقلت القوة فيهما أيضا التزمناه وأما احتجاجهم بأنه لو صح القول بانتقال النور الباصر لم يجب على الأول نصف الدية لأنه لم يذهب نصف المنفعة فجوابه أنه لا يلزم اطراح الأول إذ لو جنى عليها فاحولتا أو عمشتا أو نقص ضوءهما فإنه يجب عليه العقل لما نقص ولا تنقص الدية عمن جنى ثانيا على قول عندنا وهذا السؤال قوي علينا وكان يلزمنا أن نقلع بعين الأعور عينين اثنين من الجاني

تفريع قال ابن أبي زيد في النوادر فيها أي في عين الأعور ألف وإن أخذ في الأولى ديتها قاله مالك وأصحابه وقال أشهب يسأل عن السمع فإن كان ينتقل فكالعينين وإلا فكاليد وإن أصيب من كل نصف بصرها ثم أصيب باقيهما في ضربة فنصف الدية لأنه ينظر بهما نصف نظرهما فإن أصيب باقي إحداهما فربع الدية فإن أصيب بعد ذلك بقية الأخرى فنصف الدية لأنه أقيم مقام نصف جميع بصره فإن أخذ صحيح نصف دية إحداهما ثم أصيب بنصف الصحيحة فثلث الدية لأنه أذهب من جميع بقية بصره ثلثه وإن أصيب ببقية المصابة فقط فربع الدية فإن ذهب باقيها

____________________

(4/337)

إطراح الأول إذ لو جنى عليهما فاحولتا أو عمشتا أو نقص ضوءها فإنه يجب عليه العقل لما نقص ولا تنقص الدية عمن جنى ثانيا على قول عندنا وهذا السوال قوي علينا وكان يلزمنا أن نقلع بعينيه عينين اثنين من الجاني

تفريع قال ابن أبي زيد في النوادر فيها ألف وإن أخذ في الأولى ديتها قاله مالك وأصحابه وقال أشهب يسأل عن السمع فإن كان ينتقل فكالعينين وإلا فكاليد وإن أصيب من كل عين نصف بصرها ثم أصيب باقيهما في ضربة فنصف الدية لأنه ينظر بهما نصف نظرهما فإن أصيب باقي إحداهما فربع الدية فإن أصيب بعد ذلك بقية الأخرى فنصف الدية لأنه أقيم مقام نصف جميع بصره فإن أخذ صحيح نصف دية أحدهما ثم أصيب بنصف الصحيحة فثلث الدية لأنه أذهب من جميع بقية بصره ثلثه وإن أصيب ببقية المصابة فقط فربع الدية فإن ذهب باقيها والصحيحة بضربة فالدية كاملة أو الصحيحة وحدها فثلثا الدية لأنها ثلثا بصره فإن أصيب بقية المصابة فنصف الدية بخلاف لو أصيبت والصحيحة باقية قاله أشهب وقال ابن القاسم ليس فيما يصاب من الصحيحة إذا بقي من الأولى شيء إلا من حساب نصف الدية

الفرق الخمسون والمائتان بين قاعدة أسباب التوارث وأجزاء أسبابها العامة والخاصة اعلم أن هذا الفرق غريب عجيب نادر بسبب أن كتب الفرائض على العموم فيما رأيت لم يختلف منهم اثنان في أن أسباب التوارث ثلاثة نسب وولاء ونكاح وهو في غاية

هامش أنوار البروق

قال الفرق الخمسون والمائتان بين قاعدة أسباب التوارث وأجزاء أسبابها العامة والخاصة اعلم أن هذا الفرق غريب عجيب نادر بسبب أن كتب الفرائض على العموم فيما رأيت لم يختلف منهم اثنان في أن أسباب التوارث ثلاثة نسب وولاء ونكاح وهو في غاية الإشكال لأن المراد بالثلاثة

هامش إدرار الشروق

والصحيحة بضربة فالدية كاملة أو الصحيحة وحدها فثلثا الدية لأنها ثلثا بصره فإن أصيب بقية المصابة فنصف الدية بخلاف لو أصيبت والصحيحة باقية قاله أشهب وقال ابن القاسم ليس فيما يصاب من الصحيحة إذا بقي من الأولى شيء إلا من حساب نصف الدية ا ه

الفرق الخمسون والمائتان بين قاعدة أسباب التوارث وأجزاء أسبابها العامة والخاصة وهو أن أسباب التوارث التامة هي عبارة عن ماهية كل من القرابة والولاء والنكاح بشرط شيء أعني خصوص كون القرابة بنوة مثلا وخصوص كون الولاء علويا وخصوص كون النكاح زوجة أو زوجا وأجزاؤها العامة هي عبارة عن ماهية كل من الثلاثة المذكورة بشرط لا شيء أعني مطلق القرابة من حيث

____________________

(4/338)

الإشكال لأن المراد بالثلاثة إما الأسباب التامة وإما أجزاء الأسباب والكل غير مستقيم وبيانه أنهم يجعلون أحد الأسباب القرابة والأم لم ترث الثلث في حالة والسدس في أخرى بمطلق القرابة وإلا لكان ذلك ثابتا للابن أو البنت لوجود مطلق القرابة فيهما بل بخصوص كونها أما مع مطلق القرابة وكذلك البنت ترث النصف ليس بمطلق القرابة وإلا لثبت ذلك للجد أو الأخت للأم بل لخصوص كونها بنتا مع مطلق القرابة فحينئذ لكل واحد من الورثة سبب تام يخصه مركب من جزأين من خصوص كونها بنتا أو غيره وعموم القرابة وكذلك للزوج النصف ليس لمطلق النكاح وإلا لكان للزوجة النصف لوجود مطلق النكاح فيها بل لخصوص كونه زوجا مع عموم النكاح كما تقدم فسببه مركب وكذلك الزوجة إذا ظهر هذا فإن أرادوا حصر الأسباب التامة في ثلاثة فهي أكثر من عشرة بالإجماع لما تقدم أو الناقصة التي هي أجزاء أسباب فالخصوصات كما رأيت

هامش أنوار البروق

إما الأسباب التامة أو أجزاء الأسباب والكل غير مستقيم وبيانه أنهم يجعلون أحد الأسباب القرابة والأم لم ترث الثلث في حالة والسدس في أخرى بمطلق القرابة وإلا لكان ذلك ثابتا للابن أو البنت لوجود مطلق القرابة فيهما قلت هذا الفرق ليس بغريب ولا عجيب كما زعم وما توهمه من الإشكال في كلام الفرضيين ليس كما توهم وبيان ذلك أنهم بين أمرين أحدهما تعبيرهم عن تلك الأسباب بلفظ التنكير وثانيهما التعبير عنها بلفظ التعريف فمن عبر منهم بلفظ التنكير لم يرد كل نسب ولا كل نكاح ولا كل ولاء بل أراد نسبا خاصا وولاء خاصا ونكاحا خاصا ولا نكر في التعبير بلفظ النكرة عن

هامش إدرار الشروق

هي مطلق القرابة ومطلق الولاء من حيث هو مطلق الولاء ومطلق النكاح من حيث هو مطلق النكاح وأجزاؤها الخاصة هي عبارة عن ماهية كل من الثلاثة المذكورة لا بشرط شيء أي من إطلاق أو خصوص وهي المشتركات أعني قرابة ما وولاء ما ونكاحا ما وهذه أخص من الأجزاء العامة وأعم من التامة وهي مراد الفرضيين بقولهم إن أسباب التوارث ثلاثة نسب وولاء ونكاح قال ابن الشاط وما توهمه الشهاب من الإشكال في كلامهم هذا ليس كما توهم وبيان ذلك أنهم بين أمرين أحدهما تعبيرهم عن الأسباب بلفظ التنكير وثانيهما التعبير عنها بلفظ التعريف فمن عبر منهم بلفظ التنكير لم يرد كل نسب ولا كل ولاء ولا كل نكاح بل أراد نسبا خاصا وولاء خاصا ونكاحا خاصا ولا نكر في التعبير بلفظ النكرة عن مخصوص فإن اللفظ عليه صادق وله صالح ومن عبر منهم بلفظ التعريف لم يرد أيضا كل نسب ولا كل ولاء ولا كل نكاح بل أراد ما أراده الأول وأحال الأول في تقييد ذلك المطلق على تعيين أصناف الوارثين والوارثات وأحال الثاني في بيان المعهود بالألف واللام على ما أحال عليه الأول وذلك أن أسباب التوارث التامة إجمالا سبعة عشر وتفصيلا ثمانية وعشرون لأن ذكور من ثبت له الميراث عشرة ويتفرعون إلى ثمانية عشر وإناث من ثبت له الميراث سبع ويتفرعن أيضا إلى عشرة نعم ذهب الحنفية إلى توريث ذوي الأرحام وأجزاء الأسباب العامة كلية لا تحقق لها إلا في الذهن قطعا فلا أقسام لها بخصوصها

____________________

(4/339)

كثيرة فلا يستقيم الحصر مطلقا لا في التام ولا في الناقص فتنبه لهذا المعنى فهو حسن لم أر أحدا تعرض له ولا لخصه وحينئذ أقول إن أسباب القرابة وإن كثرت فنحن لا نريدها ولا نريد التامة التي هي الخصوصات بل الناقصة التي هي المشتركات وهي مطلق القرابة ومطلق النكاح ومطلق الولاء والدليل على حصر غير التامة في هذه الثلاث أن الأمر العام بين جميع الأسباب التامة إما أن يمكن إبطاله أو لا فإن أمكن فهو النكاح لأنه يبطل بالطلاق وإن لم يمكن إبطاله فإما أن يقتضي التوارث من الجانبين غالبا أو لا فإن اقتضى التوارث من الجانبين غالبا فهو القرابة وإن لم يقتضه إلا من أحد الجانبين فهو الولاء لأنه يرث المولى الأعلى الأسفل ولا يرث الأسفل الأعلى وقولنا غالبا احتراز من العمة ونحوها فإنه يرثها ابن أخيها ولا ترثه

هامش أنوار البروق

مخصوص فإن اللفظ عليه صادق وله صالح ومن عبر منهم بلفظ التعريف لم يرد أيضا كل نسب ولا كل نكاح ولا كل ولاء بل أراد ما أراده الأول وأحال الأول في تقييد ذلك المطلق على تعيين أصناف الوارثين والوارثات وأحال الثاني في بيان المعهود بالألف واللام على ما أحاله عليه الأول والله أعلم قال بل بخصوص كونها أما مع مطلق القرابة وكذلك البنت ترث النصف ليس بمطلق القرابة وإلا لثبت ذلك للجد أو للأخت للأم بل لخصوص كونها بنتا مع مطلق القرابة فحينئذ لكل واحد من الورثة سبب تام يخصه مركب من جزأين من خصوص كونها بنتا أو غيره وعموم القرابة وكذلك للزوج النصف ليس لمطلق النكاح وإلا لكان للزوجة النصف لوجود مطلق النكاح فيها بل لخصوص كونه زوجا مع عموم النكاح كما تقدم فسببه مركب وكذلك الزوجة

هامش إدرار الشروق

فإنما أقسامها ما تحتها من الأسباب التامة وأجزاؤها الخاصة وأقسامهما فافهم قال الأصل والدليل على حصر الأسباب غير التامة في هذه الثلاث أن الأمر العام بين جميع الأسباب إما أن يمكن إبطاله أو لا فإن أمكن إبطاله فهو النكاح لأنه يبطل بالطلاق وإن لم يمكن إبطاله فإما أن يقتضي التوارث من الجانبين غالبا أو لا فإن اقتضى التوارث من الجانبين غالبا فهو القرابة والاحتراز ب غالبا من العمة ونحوها فإنه يرثها ابن أخيها ولا ترثه وإن لم يقتضه إلا من أحد الجانبين فهو الولاء لأنه يرث المولى الأعلى الأسفل ولا يرث الأسفل الأعلى

ا ه

قال ابن الشاط وما ذكره وإن كان مفيدا للحصر ليس بسديد فإن ما ذكره في النكاح من كونه يمكن إبطاله أجنبي عن كون النكاح سبب الميراث لأنه إنما يكون سببا النكاح الذي لم يلحقه إبطال أما اللاحق به الإبطال فلا يصح أن يكون سببا وما ثبتت سببيته لم ترفع لاستحالة رفع الواقع وما ذكره في القرابة أمر ثان عن كون سبب الإرث ليس مطلق القرابة لأن السببية ثابتة عنه مع عدم اطراده وما ذكر في الولاء وكذلك أمر ثان عن كون سببيته ليست مطلقة والأولى أن يقال إنهم ما حصروها في ثلاثة إلا لكونها أمورا مختلفة ثم لم يوجد سبب الميراث سواها ثم إنها ليست أسبابا على الإطلاق بل مقيدة بتعيين من يرث

ا ه

بل قال ابن عاصم

____________________

(4/340)

فارغة

هامش أنوار البروق

قلت إذا كان سبب الإرث الخاص الوصف الخاص فلا معنى لذكر الوصف العام معه فقوله مع مطلق القرابة لا حاجة إليه فمن المعلوم أن الوصف العام صادق على الخاص لكنه ليس العام سببا من حيث عمومه بل من حيث اشتمل على الخاص والخاص سبب فإذا قال قائل ما سبب وراثة البنت النصف قيل كونها بنتا وهو جواب مستقيم صادق وإن قيل كونها قريبة لم يكن جوابا مستقيما ولا صحيحا وإذا قيل ما سبب وراثة البنت فقيل كونها بنتا كان جوابا مستقيما وصحيحا أيضا وإن قيل كونها قريبة لم يصح أيضا لأن القرابة ليست مختصة بالبنت فالصحيح أن سبب ميراث البنت النصف كونها بنتا على الخصوص وكذلك سبب ميراث كل صنف من أصناف الوارثين والوارثات أسباب ميراثهم خاصة لا عامة وما قاله من أن السبب مركب لا معنى له عند النظر إلى خصوص الميراث كالنصف وشبهه ولا عند النظر إلى عموم الميراث أيضا لأنه جعل العموم مطلق القرابة وليس مطلق القرابة سببا لمطلق الميراث عندنا نعم هو سبب عند الحنفية قال إذا ظهر هذا فإن أرادوا حصر الأسباب التامة في ثلاثة فهي أكثر من عشرة بالإجماع لما تقدم أو الناقصة التي هي أجزاء الأسباب فالخصوصات كما رأيت كثيرة فلا يستقيم الحصر مطلقا لا في التام ولا في الناقص قلت قوله هي أكثر من عشرة إن أراد بذلك ما يخص كل صنف من الوارثين والوارثات على ما جرت به عادة أكثر الفرضيين في عدهم أصناف الوارثين عشرة وأصناف الوارثات سبعة فذلك صحيح وإن أراد بذلك ما يخص كل صنف على ما هو الأولى في ذلك فليس قوله ذلك بصحيح فإنها أكثر من عشرين لا أكثر من عشرة وقوله بالإجماع ليس بصحيح وأي إجماع في ذلك مع توريث الحنفية ذوي الأرحام وقوله أو الناقصة التي هي أجزاء الأسباب فالخصوصات كما رأيت كثيرة إن أراد بالخصوصات مطلق القرابة التي كل خصوص منها أعم من الخصوص الذي تحته من الخصوصات التي عدها الفرضيون فذلك صحيح وإلا فلا أدري ما أراد قال فتنبه لهذا المعنى فهو حسن لم أر أحدا تعرض له ولا لخصه وحينئذ أقول إن أسباب القرابة وإن كثرت فنحن لا نريدها ولا نريد التامة التي هي الخصوصات بل الناقصة التي هي المشتركات وهي مطلق القرابة ومطلق النكاح ومطلق الولاء قلت هذا الكلام الذي ذكره هنا مناقض في ظاهره لقوله إن أسباب القرابة وإن كثرت فنحن لا نريدها لكنه إنما أراد لا نريد مطلق القرابة من حيث هي القرابة لا خصوص كون القرابة بنوة مثلا ولكن نريد ما هو أخص من الأول وأعم من الثاني وهو قرابة ماء ونكاح ماء وولاء ماء ثم بين ذلك بما قرره ضابطا بعد هذا قال والدليل على حصر غير التامة في هذه الثلاثة أن الأمر العام بين جميع

هامش إدرار الشروق

جميعها أركانه ثلاثه مال ومقدار وذو الوراثه قال التسولي أي لا يصح الإرث بالعصمة أو الولاء أو النسب إلا باجتماع هذه الأركان الثلاثة أي معرفة مال متروك عن الميت ومقدار ما يرثه كل وارث ومن يرث ممن لا يرث ومهما اختل واحد منها لم يصح

ا ه

____________________

(4/341)

الفرق الحادي والخمسون والمائتان بين قاعدة أسباب التوارث وقاعدة شروطه وموانعه لم أر أحدا من الفرضيين يذكر إلا أسباب التوارث وموانعه ولا يذكر أحد منهم شروطه قط وله شروط قطعا كسائر أبواب الفقه فإن كانوا قد تركوها لأنها معلومة فأسباب

هامش أنوار البروق

الأسباب التامة إما أن يمكن إبطاله أو لا فإن أمكن فهو النكاح لأنه يبطل بالطلاق وإن لم يمكن إبطاله فإما أن يقتضي التوارث من الجانبين غالبا وهو القرابة أو لا يقتضي إلا من أحد الجانبين وهو الولاء لأنه يرث المولى الأعلى الأسفل ولا يرث الأسفل الأعلى وقولنا غالبا احتراز من العمة ونحوها فإنه يرثها ابن أخيها ولا ترثه قلت ما ذكره من سبب الحصر للأسباب الثلاثة في ثلاثة وإن كان مفيدا للحصر ليس بسديد فإن ما ذكره في النكاح وهو كونه يمكن إبطاله أجنبي عن كون النكاح سبب الميراث فإنه لا يصح أن يكون النكاح اللاحق به الإبطال سببا وإنما يكون سببا النكاح الذي لم يلحقه إبطال فإذا ثبتت سببيته لم ترتفع لاستحالة رفع الواقع وما ذكره في القرابة أمر ثان عن كون سبب الإرث ليس مطلق القرابة لأن السببية ثابتة عنه مع عدم اطراده وما ذكره في الولاء كذلك أمر ثان عن كون سببيته ليست مطلقة والأولى أن يقال إنهم ما حصروها في ثلاثة إلا لكونها أمورا مختلفة ثم لم يوجد سبب الميراث سواها ثم إنها ليست أسبابا على الإطلاق بل مقيدة بتعيين من يرث بها قال الفرق الحادي والخمسون والمائتان بين قاعدة أسباب التوارث وقاعدة شروطه وموانعه قلت ما قاله في صدر هذا الفرق صحيح ثم قال وها أنا أذكرها على هذا الضابط فأقول شروط التوارث ثلاثة كالأسباب تقدم موت الموروث على الوارث واستقرار حياة الوارث بعده كالجنين

هامش إدرار الشروق

قال التاودي على العاصمية وبقي عليه أسباب الملك والإسلام خليل ولسيد المعتق بعضه جميع إرثه وفي الزرقاني أن تسميته إرثا مجاز وإنما هو بالملك والظاهر أن الثاني لا يرد بحال لأنه هو الذي عبر عنه الناظم بقوله وبيت مال المسلمين يستقل البيت

ا ه

والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق الحادي والخمسون والمائتان بين قاعدة أسباب التوارث وقاعدة شروطه وموانعه وهو أن أسباب التوارث هي الثلاثة المتقدمة أعني القرابة والولاء والنكاح بالمعنى المتقدم بيانه لما تقدم أول الكتاب في الفروق أن ضابط السبب ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه ولو شكا العدم وهذه الحقيقة قد وجدت في هذه الثلاثة الأسباب وأما موانعه

____________________

(4/342)

التوارث معلومة أيضا فالصواب استيعاب الثلاثة كسائر أبواب الفقه وإن قالوا لا شروط للتوارث بل أسباب وموانع فقط فضوابط الأسباب والشروط والموانع تمنع من ذلك وقد قال الفضلاء إذا اختلفتم في الحقائق فحكموا الحدود وقد تقدم أول الكتاب في الفروق أن السبب يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم والشرط يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم والمانع ما يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم فبهذه الحدود والضوابط يظهر أن للتوارث شروطا وها أنا أذكرها على هذا الضابط فأقول شروط التوارث ثلاثة كالأسباب تقدم موت الموروث على الوارث واستقرار حياة الوارث بعده كالجنين والعلم بالقرب والدرجة التي اجتمعا فيها احترازا من موت رجل من مضر أو قريش لا يعلم له قريب فإن ميراثه لبيت المال مع أن كل قرشي

هامش أنوار البروق

قلت لا حاجة إلى ذكر الموروث وجعله شرطا وحياة الوارث بعده شرطا آخر ولا يصح أن يكون موت الموروث بنفسه قبل موت الوارث شرطا لامتناع توريث من يتعذر العلم فيهما بالتقدم والتأخر ولصحة التوريث بالتعمير في المفقود بل الصحيح أن شرط الإرث واحد وهو العلم أو الحكم بحياة الوارث بعد موت الموروث وبنسبته ورتبته منه قال والعلم بالقرب وبالدرجة التي اجتمعا فيها احترازا من موت رجل من مضر أو من قريش لا يعلم له قريب فإن ميراثه لبيت المال مع أن كل قرشي ابن عمه ولا ميراث لبيت المال مع ابن عم لكنه فات شرطه الذي هو العلم بدرجته منه فما من قرشي إلا لعل غيره أقرب منه قلت ما قاله في ذلك صحيح غير أنه نقصه الحكم بالقرب والدرجة إذا لم يكن ذلك معلوما ولكنه ثبت نسبه عند الحاكم قال فهذه شروط لا يؤثر وجودها إلا في نهوض الأسباب لترتب مسبباتها عليها يلزم من عدمها العدم ولا يلزم من وجودها من حيث هو وجود ولا عدم بل الوجود إن وقع فهو لوجود الأسباب

هامش إدرار الشروق

فغالب الناس على أنها ثلاثة الكفر والقتل والرق وهو الصحيح لما تقدم أيضا من أن ضابط المانع ما يلزم من وجوده أي يقينا العدم ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم كما لا يلزم من الشك في وجوده العدم بل يترتب الثبوت بناء على السبب وهذه الحقيقة قد وجدت في هذه الثلاثة الموانع وأما ما زاده بعضهم على الثلاثة الموانع المذكورة من الشك في أهل السفينة والردم واللعان وجعل الموانع خمسة فلا يصح لأن الشك المذكور إنما منع من الميراث لأنه من فقدان الشرط وهو العلم أو الحكم بتقدم موت المورث وكذلك اللعان ليس بمانع بل هو سبب في فقدان السبب وهو النسب وقد قال الفضلاء إذا اختلفتم في الحقائق فحكموا الحدود

وقد حكمنا حد المانع المتقدم فلم نجده منطبقا على هذين كما علمت وأما شروطه فذكر الأصل أنها ثلاثة أيضا تقدم موت المورث على الوارث واستقرار حياة الوارث بعده كالجنين والعلم بالقرب والدرجة قال وهذه الثلاثة وإن لم يذكرها أحد من

____________________

(4/343)

ابن عمه ولا ميراث لبيت المال مع ابن عم لكنه فات شرطه الذي هو العلم بدرجته منه فما من قرشي إلا لعل غيره أقرب منه فهذه شروط لا يؤثر وجودها إلا في نهوض الأسباب لترتب مسبباتها عليها يلزم من عدمها العدم ولا يلزم من وجودها من حيث هو وجود ولا عدم بل الوجود إن وقع فهو لوجود الأسباب لا لها وإن وقع العدم عند وجودها فلعدم السبب أو لوجود المانع فهذه حقيقة الشرط قد وجدت في هذه الثلاثة فتكون شروطا وقد تقدم أيضا أول الكتاب أن الشرط إذا شك فيه يلزم من ذلك العدم وكذلك السبب ولا يلزم من الشك في المانع العدم بل يترتب الثبوت بناء على السبب وهذا أيضا يوضح لك شرطية هذه الثلاثة مع أنهم لم يذكروها في الأسباب التي ذكروها ولا في الموانع بل أهملت وذكرها متعين وقد تقدم ذكر الأسباب

هامش أنوار البروق

لا لها وإن وقع العدم عند وجودها فلعدم السبب أو لوجود المانع فهذه حقيقة الشرط قد وجدت في هذه الثلاثة فتكون شروطا قلت قد ثبت أنه شرط واحد وهو العلم بحياة الوارث بعد موت المورث وبقرابته ورتبته منه أو الحكم بذلك قال وقد تقدم أيضا أول الكتاب أن الشرط إذا شك فيه يلزم من ذلك العدم وكذلك السبب ولا يلزم من الشك في المانع العدم بل يترتب الثبوت بناء على السبب وهذا أيضا يوضح لك شرطية هذه الثلاثة مع أنهم لم يذكروها في الأسباب التي ذكروها ولا في الموانع بل أهملت وذكرها متعين قلت قد تبين أنها ليست ثلاثة بل شرط واحد فقط قال وقد تقدم ذكر الأسباب وأما الموانع فأقصى ما ذكر فيها أنها خمسة وغالب الناس على أنها ثلاثة الكفر والقتل والرق وزاد بعضهم الشك احترازا من أهل السفينة أو الردم فإنه لا ميراث بينهم واللعان فإنه يمنع من إرث الأب والإرث منه فقد ظهر الفرق بين القواعد الثلاثة وهو المقصود قلت لا يصح القول بأن الموانع خمسة بل هي ثلاثة فقط فإن الشك في أهل السفينة والردم إنما منع من الميراث لأنه من فقدان الشرط وهو العلم أو الحكم بتقدم موت الموروث وكذلك اللعان ليس بمانع بل هو سبب في فقدان السبب وهو النسب وليت شعري لم لم يحكم هنا الحدود كما ذكره قبل عن الفضلاء وجميع ما ذكره في الفرقين بعد هذا صحيح وكذلك ما قال في الفرق بعدهما وهو

هامش إدرار الشروق

الفرضيين في الأسباب التي ذكروها ولا في الموانع التي ذكروها بل أهملوها بالكلية ولم يذكر أحد منهم شروط التوارث قط مع أن له شروطا قطعا كسائر أبواب الفقه فإن كانوا قد تركوها لأنها معلومة ورد عليهم أن أسباب التوارث كذلك فالصواب استيعاب الثلاثة كسائر أبواب الفقه وإن قالوا لا شروط للتوارث بل أسباب وموانع فقط ورد عليهم أن هذه الثلاثة إنما يصدق عليها ضابط الشرط الذي تقدم أول الكتاب في الفروق من أنه ما يلزم من عدمه ولو شكا العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم فبتحكيم الحدود كما تقدم عن الفضلاء يظهر أن هذه الثلاثة شروط للتوارث لا أسباب ولا موانع وذلك لأن العلم بالقرب والدرجة أي التي اجتمعا فيها مثلا احتراز من موت رجل من مضر أو قريش لا يعلم

____________________

(4/344)

وأما الموانع فأقصى ما ذكر فيها أنها خمسة وغالب الناس على أنها ثلاثة الكفر والقتل والرق وزاد بعضهم الشك احترازا من أهل السفينة أو الردم فإنه لا ميراث بينهم واللعان فإنه يمنع من إرث الأب والإرث منه فقد ظهر الفرق بين القواعد الثلاثة وهو المقصود الفرق الثاني والخمسون والمائتان بين قاعدة ما يحرم من البدع وينهى عنه وبين قاعدة ما لا ينهى عنه منها اعلم أن الأصحاب فيما رأيت متفقون على إنكار البدع نص على ذلك ابن أبي زيد وغيره والحق التفصيل وأنها خمسة أقسام قسم واجب وهو ما تتناوله قواعد الوجوب وأدلته من الشرع كتدوين القرآن والشرائع إذا خيف عليها الضياع فإن التبليغ لمن بعدنا من

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

له قريب فإن ميراثه لبيت المال مع أن كل قرشي ابن عمه ولا ميراث لبيت المال مع ابن عم لكنه لما فقد شرط إرثه الذي هو العلم بدرجته منه إذ ما من قرشي إلا لعل غيره أقرب منه جعل الميراث لبيت المال دونه فعلم أن هذه الشروط لا يؤثر وجودها إلا في نهوض الأسباب لترتب مسبباتها عليها يلزم من عدمها العدم

ولا يلزم من وجودها من حيث هو وجود ولا عدم بل الوجود إن وقع فهو لوجود الأسباب لا لها وإن وقع العدم عند وجودها فلعدم السبب أو لوجود المانع فهذه حقيقة الشرط قد وجدت في هذه الثلاثة فتكون شروطا

ا ه

بتهذيب وتعقبه ابن الشاط أولا بأن الصحيح أن شرط الإرث واحد وهو العلم أو الحكم بحياة الوارث بعد موت الموروث وبنسبته ورتبته منه لوجهين الأول أنه لا حاجة إلى ذكر تقدم موت الموروث وجعله شرطا وحياة الوارث بعده شرطا آخر الثاني أنه لا يصح أن يكون موت الموروث بنفسه قبل موت الوارث شرطا لأمرين أحدهما امتناع توريث من يتعذر العلم فيهما بالتقدم والتأخر وثانيهما صحة التوريث بالتعمير في المفقود وثانيا بأن جعله العلم بالقرب والدرجة التي اجتمعا فيها احتراز من موت رجل إلخ صحيح غير أنه نقضه الحكم بالقرب والدرجة إذا لم يكن ذلك معلوما ولكنه ثبت نسبه عند الحاكم

ا ه

والله سبحانه وتعالى أعلم الفرق الثاني والخمسون والمائتان بين قاعدة ما يحرم من البدع وينهى عنه وبين قاعدة ما لا ينهى عنه منها وهو مبني على أحد الطريقتين في البدع اللتين في قول الأصل الأصحاب فيما رأيت متفقون على إنكار البدع نص على ذلك ابن أبي زيد وغيره والحق التفصيل وأنها خمسة أقسام الأول واجب وهو ما تناولته قواعد الوجوب وأدلته من الشرع كتدوين القرآن والشرائع إذا خيف عليها الضياع فإن التبليغ لمن بعدنا من القرون واجب إجماعا

وإهماله حرام إجماعا الثاني محرم وهو ما تناولتها قواعد التحريم وأدلته من الشرع كالمكوس والمحدثات من المظالم المنافية لقواعد الشريعة كتقديم الجهال على العلماء وتولية المناصب الشرعية من لا يصلح لها بطريق التوارث نظرا لكون المنصب كان لأبيه وهو في نفسه ليس بأهل

____________________

(4/345)

القرون واجب إجماعا وإهمال ذلك حرام إجماعا فمثل هذا النوع لا ينبغي أن يختلف في وجوبه القسم الثاني محرم وهو بدعة تناولتها قواعد التحريم وأدلته من الشريعة كالمكوس والمحدثات من المظالم المنافية لقواعد الشريعة كتقديم الجهال على العلماء وتولية المناصب الشرعية من لا يصلح لها بطريق التوارث وجعل المستند لذلك كون المنصب كان لأبيه وهو في نفسه ليس بأهل القسم الثالث من البدع مندوب إليه وهو ما تناولته قواعد الندب وأدلته من الشريعة كصلاة التراويح وإقامة صور الأئمة والقضاة وولاة الأمور على خلاف ما كان عليه أمر الصحابة بسبب أن المصالح والمقاصد الشرعية لا تحصل إلا بعظمة الولاة في نفوس الناس وكان الناس في زمن الصحابة معظم تعظيمهم إنما هو بالدين وسابق الهجرة ثم اختل النظام وذهب ذلك القرن وحدث قرن آخر لا يعظمون إلا بالصور فيتعين تفخيم الصور حتى تحصل المصالح وقد كان عمر يأكل خبز الشعير والملح ويفرض لعامله نصف شاة كل يوم لعلمه بأن الحالة التي هو عليها لو عملها غيره لهان في نفوس الناس

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الثالث مندوب وهو ما تناولته قواعد الندب وأدلته من الشرع كصلاة التراويح أي الذي عمل بها عمر رضي الله عنه فجمع الناس في المسجد على قارئ واحد في رمضان وقال حين دخل المسجد وهم يصلون نعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل فإنه إنما سماها بدعة باعتبار ما وإلا فقيام الإمام بالناس في المسجد في رمضان سنة عمل بها صاحب السنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما تركها خوفا من الافتراض فلما انقضى زمن الوحي زالت العلة فعاد العمل بها إلى نصابه إلا أن ذلك لم يتأت لأبي بكر رضي الله عنه زمان خلافته لمعارضة ما هو أولى بالنظر فيه وكذلك صدر خلافة عمر رضي الله عنه حتى تأنى النظر فوقع منه لكنه صار في ظاهر الأمر كأنه أمر لم يجر به عمل من تقدمه دائما فسماه بذلك الاسم لأنه أمر على خلاف ما ثبت من السنة كما في الاعتصام لأبي إسحاق الشاطبي قلت وقد جرى على ما عمل عمر رضي الله تعالى عنه من صلاة التراويح بإمام واحد في المسجد عمل الأعصار إلى عصرنا في جميع الأمصار ما عدا مكة والمدينة فإنهما قد ابتدع فيهما شرفهما الله تعالى تعدد الجماعات في صلاة التراويح أسأل الله تعالى أن يوفق أهلها للعمل فيها بالسنة كسائر الأمصار قال الأصل وكإقامة صور الأئمة والقضاة وولاة الأمور على خلاف ما كان عليه أمر الصحابة بسبب أن المصالح والمقاصد الشرعية لا تحصل إلا بعظمة الولاة في نفوس الناس وكان الناس في زمن الصحابة معظم تعظيمهم إنما هو بالدين وسابق الهجرة ثم اختل النظام وذهب ذلك القرن وحدث قرن آخر لا يعظمون إلا بالصور فتعين تفخيم الصور حتى تحصل المصالح وقد كان عمر يأكل خبز الشعير والملح ويفرض لعامله نصف شاة كل يوم لعلمه بأن الحالة التي هو عليها لو عملها غيره لهان في نفوس الناس ولم يحترموه

____________________

(4/346)

ولم يحترموه وتجاسروا عليه بالمخالفة فاحتاج إلى أن يضع غيره في صورة أخرى لحفظ النظام ولذلك لما قدم الشام ووجد معاوية بن أبي سفيان قد اتخذ الحجاب وأرخى الحجاب واتخذ المراكب النفيسة والثياب الهائلة العلية وسلك ما يسلكه الملوك فسأله عن ذلك فقال إنا بأرض نحن فيها محتاجون لهذا فقال له لا آمرك ولا أنهاك ومعناه أنت أعلم بحالك هل أنت محتاج إلى هذا فيكون حسنا أو غير محتاج إليه فدل ذلك من عمر وغيره على أن أحوال الأئمة وولاة الأمور تختلف باختلاف الأعصار والأمصار والقرون والأحوال فلذلك يحتاجون إلى تجديد زخارف وسياسات لم تكن قديما وربما وجبت في بعض الأحوال القسم الرابع بدع مكروهة وهي ما تناولته أدلة الكراهة من الشريعة وقواعدها كتخصيص الأيام الفاضلة أو غيرها بنوع من العبادات ومن ذلك في الصحيح ما خرجه مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن تخصيص يوم الجمعة بصيام أو ليلته بقيام ومن هذا الباب الزيادة في المندوبات المحدودات كما ورد في التسبيح عقيب الصلوات ثلاثة وثلاثين فيفعل مائة وورد صاع في زكاة الفطر فيجعل عشرة آصع بسبب أن الزيادة فيها إظهار الاستظهار على الشارع وقلة أدب معه بل شأن العظماء إذا حددوا شيئا وقف عنده

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وتجاسروا عليه بالمخالفة فاحتاج إلى أن يضع غيره في صورة أخرى لحفظ النظام ولذلك لما قدم الشام ووجد معاوية قد اتخذ الحجاب وأرخى الحجاب واتخذ المراكب النفيسة والثياب الهائلة العلية وسلك ما يسلكه الملوك فسأله عن ذلك فقال إنا بأرض نحن فيها محتاجون لهذا فقال له لا آمرك ولا أنهاك ومعناه أنت أعلم بحالك هل أنت محتاج إلى هذا فيكون حسنا أو غير محتاج إليه فدل ذلك من عمر وغيره على أن أحوال الأئمة وولاة الأمور تختلف باختلاف الأعصار والأمصار والقرون والأحوال فلذلك يحتاجون إلى تجديد زخارف وسياسات لم تكن قديما وربما وجبت في بعض الأحوال الرابع مكروه وهو ما تناولته قواعد الكراهة وأدلتها من الشرع كتخصيص الأيام الفاضلة وغيرها بنوع من العبادات لنهيه صلى الله عليه وسلم عن تخصيص يوم الجمعة بصيام أو ليلته بقيام كما في صحيح مسلم وغيره وكالزيادة في المندوبات المحدودات بأن يجعل التسبيح عقيب الصلوات مائة والوارد فيه ثلاثة وثلاثون والصاع الواحد الوارد في زكاة الفطر عشرة آصع بسبب أن الزيادة فيها إظهار الاستظهار على الشارع وهو قلة أدب معه لأن شأن العظماء إذا حددوا شيئا وقف عنده وعد الخروج عنه قلة أدب وأما الزيادة في الواجب أو عليه فهو حرام لا مكروه لأنه يؤدي إلى أن يعتقد أن الواجب هو الأصل والمزيد عليه وذلك تغيير للشرائع وهو حرام إجماعا ولذلك نهى مالك عن إيصال ست من شوال لئلا يعتقد أنها من رمضان وخرج أبو داود في سننه أن رجلا دخل إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الفرض وقام ليصلي ركعتين فقال عمر بن الخطاب اجلس حتى تفصل بين فرضك ونفلك فبهذا هلك من كان قبلنا فقال له

____________________

(4/347)

والخروج عنه قلة أدب والزيادة في الواجب أو عليه أشد في المنع لأنه يؤدي إلى أن يعتقد أن الواجب هو الأصل والمزيد عليه ولذلك نهى مالك عن إيصال ست من شوال لئلا يعتقد أنها من رمضان وخرج أبو داود في سننه أن رجلا دخل إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه فصلى الفرض وقام ليصلي ركعتين فقال له عمر بن الخطاب اجلس حتى تفصل بين فرضك ونفلك فبهذا هلك من كان قبلنا فقال له عليه السلام أصاب الله بك يا ابن الخطاب يريد عمر أن من قبلنا وصلوا النوافل بالفرائض فاعتقدوا الجميع واجبا وذلك تغيير للشرائع وهو حرام إجماعا القسم الخامس البدع المباحة وهي ما تناولته أدلة الإباحة وقواعدها من الشريعة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

عليه السلام أصاب الله بك يا ابن الخطاب يريد عمر أن من قبلنا وصلوا النوافل بالفرائض فاعتقدوا الجميع واجبا فهلكوا بتغييرهم للشرائع الخامس مباح وهو ما تناولته قواعد المباح وأدلته من الشرع كاتخاذ المناخل للدقيق لأنه أول شيء أحدثه الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الآثار وتليين العيش وإصلاحه من المباحات فوسائله كذلك وبالجملة فالبدعة إنما تنقسم لهذه الأقسام إذا نظر إليها باعتبار ما يتقاضاها ويتناولها من القواعد والأدلة فألحقت بما تناولها من قواعد وأدلة الوجوب أو التحريم أو الندب أو الكراهة أو الإباحة وأما إن قطع النظر عن ذلك ونظر إلى كونها بدعة من حيث الجملة لم تكن إلا مكروهة أي إما تنزيها وإما تحريما فإن الخير كله في الاتباع والشر كله في الابتداع ولبعض السلف الصالح ويسمى أبا العباس الأبياني من أهل الأندلس ثلاث لو كتبن في ظفر لوسعهن وفيهن خير الدنيا والآخرة اتبع ولا تبتدع اتضع ولا ترتفع من تورع لا يتسع

ا ه

كلام الأصل بتهذيب وزيادة فقوله والحق التفصيل إلخ هي الطريقة التي بنى عليها الفرق بين القاعدتين المذكورتين وصححه ابن الشاط وإليها ذهب من المالكية غير واحد كالإمام محمد الزرقاني فقال في شرحه على الموطإ وتنقسم البدعة إلى الأحكام الخمسة وحديث كل بدعة ضلالة عام مخصوص قال والبدعة لغة ما أحدث على غير مثال سبق وتطلق شرعا على مقابل السنة وهي ما لم تكن في عهده صلى الله عليه وسلم ا ه وغير واحد من الشافعية منهم الإمام النووي والعز بن عبد السلام شيخ الأصل ففي العزيزي على الجامع الصغير عن العلقمي قال النووي البدعة بكسر الباء في الشرع هي إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي منقسمة إلى حسنة وقبيحة وقال ابن عبد السلام في آخر القواعد البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرمة ومندوبة ومكروهة ومباحة قال والطريق في ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة أو في قواعد التحريم فهي محرمة أو الندب فمندوبة أو المكروه فمكروهة أو المباح فمباحة وللواجبة أمثلة منها الاشتغال بعلم النحو الذي يفهم كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ومنها حفظ غريب الكتاب والسنة من اللغة ومنها تدريس أصول الفقه ومنها الكلام في الجرح والتعديل وتمييز الصحيح من السقيم ومنها الرد على مذاهب نحو القدرية والجبرية والمرجئة والمجسمة إذ لا يتأتى حفظ الشريعة إلا بما ذكرناه وقد دلت قواعد الشريعة على أن

____________________

(4/348)

كاتخاذ المناخل للدقيق ففي الآثار أول شيء أحدثه الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخاذ المناخل للدقيق لأن تليين العيش وإصلاحه من المباحات فوسائله مباحة فالبدعة إذا عرضت تعرض على قواعد الشريعة وأدلتها فأي شيء تناولها من الأدلة والقواعد ألحقت به من إيجاب أو تحريم أو غيرهما وإن نظر إليها من حيث الجملة بالنظر إلى كونها بدعة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

حفظ الشريعة فرض كفاية فيما زاد على المتعين وللمحرمة أمثلة منها مذاهب القدرية والجبرية والمرجئة والمجسمة وللمندوبة أمثلة منها التراويح والكلام في دقائق التصوف وفي الجدل

ومنها جمع المحافل في الاستدلال على المسائل إن يقصد بذلك وجه الله والمكروهة أمثلة منها زخرفة المساجد وتزويق المصاحف وللمباحة أمثلة منها المصافحة عقب الصبح والعصر ومنها التوسع في اللذيذ من المأكل والمشرب والملابس والمساكن ولبس الطيالسة وتوسيع الأكمام وقد نختلف في بعض ذلك فيجعله بعض العلماء من البدع المكروهة ويجعله آخرون من السنن المفعولة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فما بعده وذلك كالاستعاذة والبسملة في الصلاة

ا ه

بتصرف فمشهور مذهب مالك كراهتهما في الفريضة دون النافلة إذا اعتقد أن الصلاة لا تصح بتركهما ولم يقصد الخروج من خلاف الإمام الشافعي ومذهب الإمام الشافعي سنيتهما في الصلاة مطلقا ومثلهما في كونه بدعة مكروهة أو سنة سجود الشكر ذهب الشافعي إلى أنه سنة مفعولة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب مالك إلى كراهته وأنه ليس بمشروع ففي العتبية وسئل مالك عن الرجل يأتيه الأمر يحبه فيسجد لله عز وجل شكرا فقال لا يفعل هذا مما مضى من أمر الناس قيل له إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه فيما يذكرون سجد يوم اليمامة شكرا لله أفسمعت ذلك قال ما سمعت ذلك وأنا أرى أن قد كذبوا على أبي بكر وهذا من الضلال أن يسمع المرء الشيء فيقول هذا لم تسمعه مني قد فتح الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين بعده أفسمعت أن أحدا منهم فعل مثل هذا إذ ما قد كان في الناس وجرى على أيديهم سمع عنهم فيه شيء فعليك بذلك فإنه لو كان لذكر لأنه من أمر الناس الذي قد كان فيهم فهل سمعت أن أحدا منهم سجد فهذا إجماع

وإذا جاءك أمر لا تعرفه فدعه

ا ه

قال ابن رشد الوجه في ذلك أنه لم يرد مما شرع في الدين يعني سجود الشكر فرضا ولا نفلا إذ لم يأمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ولا فعله ولا أجمع المسلمون على اختيار فعله والشرائع لا تثبت إلا من أحد هذه الأمور قال واستدلاله على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك ولا المسلمون بعده بأن في ذلك لو كان النقل صحيحا إذ لا يصح أن تتوفر الدواعي على ترك نقل شريعة من شرائع الدين وقد أمروا بالتبليغ قال وهذا أصل من الأصول وعليه يأتي إسقاط الزكاة من الخضر والبقول مع وجود الزكاة فيها لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما سقت السماء والعيون والبعل العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر لأنا نزلنا ترك نقل أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الزكاة منها كالسنة القائمة في أن لا زكاة فيها فكذلك نزل ترك نقل السجود عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشكر كالسنة القائمة في أن لا سجود فيها ثم حكي خلاف الشافعي والكلام عليه والمقصود من المسألة توجيه مالك من حيث إنها بدعة لا توجيه أنها بدعة على

____________________

(4/349)

مع قطع النظر عما يتقاضاها كرهت فإن الخير كله في الاتباع والشر كله في الابتداع ولبعض السلف الصالح يسمى أبا العباس الأبياني من أهل الأندلس ثلاث لو كتبن في ظفر لوسعهن وفيهن خير الدنيا والآخرة اتبع ولا تبتدع اتضع ولا ترتفع من تورع لا يتسع

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الإطلاق أفاده الشاطبي في الاعتصام وحاصل هذه الطريقة هو ما أشار إليه العلامة الحفني في حاشيته على الجامع الصغير من أن البدعة بمعنى ما لم يكن في عهده صلى الله عليه وسلم نوعان حقيقية ومشتبهات فالحقيقية هي المقابلة للسنة فالسنة ما فعل في الصدر الأول وشهد له أصل من أصول الشرع والبدعة الحقيقية ما أحدث بعد الصدر الأول ولم يشهد له أصل من أصول الشرع قال زاد الشارح في الكبير وغلبت على ما خالف أصول أهل السنة في العقائد

وهي البدعة المحرمة سواء كفر بها كإنكار علمه تعالى بالجزئيات أو لا كالمجسمة والجهمية على الراجح إن لم تقل الأولى كالأجسام وهي المراد بالبدعة متى أطلقت وإن كانت في الأصل تطلق على المحرمة وغيرها فهي المراد بالحديث الذي خرجه ابن ماجه وابن أبي عاصم في السنة والديلمي عن ابن عباس أبى الله أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته لإيراده في حيز التحذير منها والذم لها والتوبيخ عليها فنفي قبول العمل بمعنى إبطاله ورده إن كانت البدعة مكفرة له وبمعنى نفي الثواب إن كانت لا تكفره مثل ما ورد أن الشخص إذا لبس ثوبا بدراهم منها درهم حرام وصلى فيه لم تقبل صلاته أي لم يثب عليها والمشتبهات تعرض على أصول الشرع فإن وافقت الواجب كانت واجبة أو المندوب كانت مندوبة أو المكروه كانت مكروهة أو المباح كانت مباحة وبالجملة فتقسيم البدعة مع السنة على نحو تقسيم النحويين حرف الجر الأصلي مع الزائد إلى ثلاثة أقسام أصلي وهو ما دل على معنى خاص واحتاج لمتعلق يتعلق به وزائد وهو ما لا يدل على معنى خاص ولا يحتاج لمتعلق وشبيه بهما وهو ما دل على معنى خاص ولم يحتج لمتعلق فكما انقسم حرف الجر إلى هذه الثلاثة كذلك البدعة مع السنة تنقسم على هذه الطريقة إلى ثلاثة سنة وهي ما فعل في الصدر الأول وشهد له أصل من أصول الشرع وبدعة وهو ما لم يفعل في الصدر الأول ولم يشهد له الأصل

ومشتبهات وهو ما لم يفعل في الصدر الأول وشهد له الأصل وتوضيح الفرق بين القاعدتين المذكورتين على هذه الطريقة أن ما يحرم وينهى عنه من البدع هو المراد بالبدعة القبيحة في كلام النووي الصادقة على المحرمة وعلى المكروهة وأن ما لا ينهى عنه منها هو المراد بالبدعة الحسنة الصادقة على الواجبة والمندوبة والمباحة وقول الأصل والأصحاب فيما رأيت متفقون على إنكار البدع إلخ هو طريقة نفي التفصيل في البدع وأنها لا تكون واجبة ولا مندوبة ولا مباحة بل إنما تكون قبيحة منهيا عنها فالكلام عليها من جهتين الجهة الأولى أن أمثلة البدع الواجبة والمندوبة والمباحة التي ذكرها القرافي وشيخه ابن عبد السلام لا تخرج عن كونها مما له أصل في الدين ومن المصالح المرسلة وعن كونها من العاديات وما كان مما له أصل في الدين ومن المصالح المرسلة لا يعد من البدع لأن خاصة البدعة أنها خارجة عما رسمه الشارع إذ هي طريقة في الدين ابتدعت على غير مثال تقدمها تضاهي الشريعة يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد فانفصلت بهذا القيد عن كل ما ظهر لبادئ الرأي أنه مخترع مما هو متعلق بالدين كعلم النحو والتصريف ومفردات اللغة وأصول الفقه وسائر العلوم الخادمة للشريعة فإنها

وإن لم توجد في

____________________

(4/350)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الزمان الأول فأصولها موجودة في الشرع إذ الأمر بإعراب القرآن منقول وعلوم اللسان هادية للصواب في الكتاب والسنة فحقيقتها إذا أنها فقه التعبد بالألفاظ الشرعية الدالة على معانيها كيف تؤخذ وتؤدى وأصول الفقه إنما معناها استقراء كليات الأدلة حتى تكون عند المجتهد نصب عين وعند الطالب سهلة الملتمس وكذلك أصول الدين وهو علم الكلام إنما حاصله تقرير لأدلة القرآن والسنة أو ما ينشأ عنها في التوحيد وما يتعلق به كما كان الفقه تقرير الأدلة في الفروع العبادية وتصنيفها على ذلك الوجه وإن كان مخترعا إلا أن له أصلا في الشرع ففي الحديث ما يدل عليه ولو سلم أنه ليس في ذلك دليل على الخصوص فالشرع بجملته يدل على اعتباره وهو مستمد من قاعدة المصالح المرسلة

وقد تقدم بسطها فعلى القول بإثباتها أصلا شرعيا لا إشكال في أن كل علم خادم للشريعة داخل تحت أدلتها التي ليست بمأخوذة من جزء واحد فليست ببدعة ألبتة وعلى القول بنفيها لا بد أن تكون تلك العلوم مبتدعات وإذا دخلت في علم البدع كانت قبيحة لأن كل بدعة ضلالة من غير إشكال كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى ويلزم من ذلك أن يكون كتب المصحف وجمع القرآن قبيحا وهو باطل بالإجماع فليس إذا ببدعة ويلزم أن يكون له دليل شرعي وليس إلا هذا النوع من الاستدلال وهو المأخوذ من جملة الشريعة وإذا ثبت جزء في المصالح المرسلة ثبت مطلق المصالح المرسلة فعلى هذا لا ينبغي أن يسمى علم النحو أو غيره من علوم اللسان أو علم الأصول أو ما أشبه ذلك من العلوم الخادمة للشريعة بدعة أصلا ومن سماه بدعة فإما على المجاز كما سمى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قيام الناس في ليالي رمضان بدعة وإما جهلا بمواقع السنة والبدعة فلا يكون قول من قال ذلك معتدا به ولا معتمدا عليه وأما ما كان من العاديات كإقامة صور الأئمة وولاة الأمور والقضاة واتخاذ المناخل وغسل اليدين بالأشنان ولبس الطيالس وتوسيع الأكمام وأشباه ذلك من الأمور العادية التي لم تكن في الزمن الفاضل والسلف الصالح فالتمثيل بها لمندوبات البدع ومباحاتها وكذا بالمكوس والمحدثات من المظالم

وتقديم الجهال على العلماء في الولايات العلمية وتولية المناصب الشريفة من ليس لها بأهل بطريق الوراثة لمحرمات البدع مبني على إحدى الطريقتين في العاديات وهي التي مال إليها القرافي وشيخه ابن عبد السلام وذهب إليها بعض السلف كمحمد بن أسلم من أن المخترعات منها تلحق بالبدع وتصير كالعبادات المخترعة الجارية في الأمة لوجوه ثلاثة الوجه الأول أنها أمور جرت في الناس وكثر العمل بها وشاعت وذاعت والوجه الثاني أنه لا فرق بينها وبين العبادات إذ الأمور المشروعة تارة تكون عبادية وتارة تكون عادية فكلاهما مشروع من قبل الشارع فكما تقع المخالفة بالابتداع في أحدهما تقع في الآخر الوجه الثالث أن الشرع جاء بالوعد بأشياء تكون في آخر الزمان هي خارجة عن سنته فتدخل فيما تقدم تمثيله لأنها من جنس واحد ففي الصحيح عن عبد الله رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم سترون بعدي أثرة وأمورا تنكرونها قال فما تأمرنا يا

____________________

(4/351)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

رسول الله قال أدوا إليهم حقهم وسلوا حقكم وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من كره من أمره شيئا فليصبر عليه فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات مات ميتة جاهلية وفي الصحيح أيضا إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظروا الساعة وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يتقارب الزمان ويقبض العلم ويلقى ويظهر الجهل وتظهر الفتن ويكثر الهرج قال يا رسول الله أيما هو قال القتل القتل وعن أبي موسى رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم إن بين يدي لأياما ينزل فيها الجهل ويرتفع فيها العلم ويكثر فيها الهرج والهرج القتل وعن حذيفة رضي الله عنه قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم علموا من القرآن ثم علموا من السنة وحدثنا عن رفعها ثم قال ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل الوكت ثم ينام النومة فتقبض فيبقى أثرها مثل أثر المجل كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبرا وليس فيه شيء ويصبح الناس يتبايعون

ولا يكاد أحد يؤدي الأمانة فيقال إن في بني فلان رجلا أمينا ويقال للرجل ما أعقله وما أظرفه وما أجلده وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان الحديث وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان يكون بينهما مقتلة عظيمة دعواهما واحدة وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم زعم أنه رسول وحتى يقبض العلم ثم قال وحتى يتطاول الناس في البنيان إلى آخر الحديث وعن عبد الله رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تخرج في آخر الزمان أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم يقولون من قول خير البرية يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه عليه السلام قال بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا فيبيع دينه بعرض الدنيا وفسر ذلك الحسن قال يصبح محرما لدم أخيه وعرضه وماله ويمسي مستحلا له كأنه تأوله على الحديث الآخر لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض والله أعلم

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل ويفشو الزنا ويشرب الخمر ويكثر النساء ويقل الرجال حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد

ومن غريب حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء قيل وما هي يا رسول الله قال إذا صار المغنم دولا والأمانة مغنما والزكاة مغرما وأطاع الرجل زوجه وعق أمه وبر صديقه وجفا أباه وارتفعت الأصوات في المساجد وكان زعيم القوم أرذلهم وأكرم الرجل مخافة شره وشربت الخمور ولبس الحرير واتخذت القيان والمعازف ولعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء وزلزلة وخسفا أو مسخا وقذفا

وفي الباب عن أبي هريرة رضي الله عنه قريب هذا وفيه ساد القبيلة فاسقهم وكان زعيم القوم أرذلهم وفيه وظهرت القيان والمعازف وفي آخره فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء وزلزلة وخسفا وآيات تتابع كنظام بال قطع سلكه فتتابع

فهذه الأحاديث وأمثالها مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم أنه يكون في هذه الأمة بعده إنما هو في الحقيقة تبديل الأعمال التي كانوا أحق بالعمل بها فلما عوضوا منها غيرها وفشا فيها كأنه من المعمول

____________________

(4/352)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

به تشريعا كان من جملة الحوادث الطارئة على نحو ما بين في العبادات

والطريقة الثانية وعليها الأكثرون أن العاديات إن كانت كالبيع والنكاح والشراء والطلاق والإجارات والجنايات مما لا بد فيها من التعبدات لكونها مقيدة بأمور شرعية لا خيرة للمكلف فيها كانت اقتضاء أو تخييرا فإن التخيير في التعبدات إلزام كما أن الاقتضاء إلزام حسبما تقر وبرهانه في كتاب الموافقات صح دخول الابتداع فيها كالعبادات

وإلا فلا وهذه هي النكتة التي يدور عليها حكم الباب ويتبين ذلك بالأمثلة فما أتى به القرافي مثالا للبدعة المحرمة من وضع المكوس في معاملات الناس لا يخلو إما أن يكون على قصد حجر التصرفات وقتا ما أو في حالة ما لنيل حطام الدنيا على هيئة غصب الغاصب وسرقة السارق وقطع القاطع للطريق وما أشبه ذلك أو يكون على قصد وضعه على الناس كالدين الموضوع والأمر المحتوم عليهم دائما أو في أوقات محدودة على كيفيات مضروبة بحيث تضاهي المشروع الدائم الذي يحمل عليه العامة ويؤخذون به وتوجه على الممتنع منه العقوبة كما في أخذ زكاة المواشي والحرث وما أشبه ذلك فمن الفرض الثاني يصير تشريعا زائدا وبدعة بلا شك ويصير للمكوس على هذا الفرض نظران نظر من جهة كونها محرمة على الفاعل أن يفعلها كسائر أنواع الظلم ونظر من جهة كونها اختراعا لتشريع يؤخذ به الناس إلى الموت كما يؤخذون بسائر التكاليف فاجتمع فيها نهيان نهي عن المعصية ونهي عن البدعة ومن الفرض الأول إنما يوجد بها النهي من جهة كونها تشريعا موضوعا على الناس أمر وجوب أو ندب إذ ليس فيها جهة أخرى يكون بها معصية بل نفس التشريع هو نفس الممنوع وكذلك تقديم الجهال على العلماء وتولية المناصب الشريفة من لا يصلح لها بطريق التوريث فإن جعل الجاهل في موضع العالم حتى يصير مفتيا في الدين ومعمولا بقوله في الأموال والدماء والأبضاع وغيرها محرم في الدين فقط

وأما كون ذلك يتخذ ديدنا حتى يصير الابن مستحقا لرتبة الأب

وإن لم يبلغ رتبة الأب في ذلك المنصب بطريق الوراثة أو غير ذلك بحيث يشيع هذا العمل ويطرد ويرده الناس كالشرع الذي لا يخالف بأن يعبروا عنه كما يعبر عن القاعدة الشرعية الكلية من مات عن شيء فنصيبه لولده ففيه جهتان جهة كونه بدعة بلا إشكال وجهة كونه قولا بالرأي غير الجاري على العلم هو الذي بينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا وإنما ضلوا وأضلوا لأنهم أفتوا بالرأي إذ ليس عندهم علم وهو بدعة أو سبب البدعة وما أتى به القرافي مثلا للبدعة المندوبة من إقامة صور الأئمة والقضاة وولاة الأمر على خلاف ما كان عليه السلف فإن البدعة لا تتصور فيه إلا بما فيه بعد جدا من تكلف فرض أن يعتقد في ذلك العمل أنه مما يطلب به الأئمة على الخصوص تشريعا خارجا عن قبيل المصالح المرسلة بحيث يعد من الدين الذي يدين به هؤلاء المطلوبون به أو يكون ذلك مما يعد خاصا بالأئمة دون غيرهم كما يزعم بعضهم أن خاتم الذهب جائز لذوي السلطان أو يقول إن الحرير جائز لهم لبسه دون غيرهم

وهذا أقرب من الأول في تصور البدعة في حق هذا القسم ويشبهه على قرب زخرفة المساجد إذ كثير من الناس يعتقد أنها من قبيل ترفيع بيوت الله

____________________

(4/353)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وكذلك تعليق الثريات الخطيرة الأثمان حتى يعد الإنفاق في ذلك إنفاقا في سبيل الله وكذلك إذا اعتقد في زخارف الملوك

وإقامة صورهم أنها من جملة ترفيع الإسلام وإظهار معالمه وشعائره أو قصد ذلك في فعله أو لا أنه ترفيع للإسلام لما لم يأذن الله به

وما حكاه القرافي عن معاوية ليس من قبيل هذه الزخارف بل من قبيل المعتاد في اللباس والاحتياط في الحجاب مخافة من انخراق خرق يتسع فلا يرقع هذا إن صح ما قال وإلا فلا يعول على نقل المؤرخين ومن لا يعتبر من المؤلفين وأحرى في أن ينبني عليه حكم وما أتى به القرافي مثالا للبدعة المباحة من اتخاذ المناخل للدقيق فالمعتاد فيه أن لا يلحقه أحد بالدين ولا بتدبير الدنيا بحيث لا ينفك عنه كالتشريع فلا نطول به وعلى ذلك الترتيب ينظر فيما قاله ابن عبد السلام من غير فرق فتبين مجال البدعة في العاديات من مجال غيرها وقد يقصد بالسلوك المبالغة في التعبد لله تعالى في تعريف البدعة المتقدم ظاهر المعنى على طريقة الأكثرين في العاديات وأما على طريقة القرافي وشيخه وبعض السلف فيها فمعناه أن الشريعة إنما جاءت لمصالح العباد في عاجلتهم وآجلتهم لتأتيهم في الدارين على أكمل وجوهها فهو الذي يقصده المبتدع ببدعته لأن البدعة إما أن تتعلق بالعادات أو العبادات فإن تعلقت بالعبادات فإنما أراد بها أن يأتي تعبده على أبلغ ما يكون في زعمه ليفوز بأتم المراتب في الآخرة في ظنه وإن تعلقت بالعادات فكذلك لأنه إنما وضعها لتأتي أمور دنياه على تمام المصلحة فيها فمن يجعل المناخل في قسم البدع فظاهر أن التمتع عنده بلذة الدقيق المنخول أتم منه بغير المنخول

وكذلك البناءات المشيدة التمتع بها أبلغ منه بالحشوش والخرب ومثله المصادرات في الأموال بالنسبة إلى أولي الأمر

وقد أباحت الشريعة التوسع في التصرفات فيعد المبتدع هذا من ذلك الجهة الثانية أن البدع على أنها إنما تكون قبيحة منهيا عنها هل لها حكم واحد أم متعدد طريقتان ذهب بعضهم إلى الأولى وأنها لا تكون إلا كبائر وأيدها بأن الصغيرة فضلا عن الكراهة وإن ظهرت في المعاصي غير البدع لا تظهر في البدع وذلك لأن البدع ثبت لها أمران أحدهما أنها مضادة للشارع ومراغمة له حيث نصب المبتدع نفسه نصب المستدرك على الشريعة لا نصب المكتفي بما حد له والثاني أن كل بدعة وإن قلت تشريع زائد أو ناقص أو تغيير للأصل الصحيح وكل ذلك قد يكون على الانفراد وقد يكون ملحقا بما هو مشروع فيكون قادحا في المشروع ولو فعل أحد مثل هذا في نفس الشريعة عدا الكفر إذ الزيادة والنقصان فيها أو التغيير قل أو كثر كفر فلا فرق بين ما قل منه وما كثر فمن فعل مثل ذلك بتأويل فاسد أو برأي غالط رآه وألحقه بالمشروع فإذا لم نكفره لم يكن في حكمه فرق بين ما قل منه وما كثر لأن الجميع لا تحملها الشريعة لا بقليل ولا بكثير لا سيما

وعموم الأدلة في ذم البدع من غير استثناء وكلام السلف يدل على عموم الذم فيها فالأقرب أن يقال كل بدعة كبيرة عظيمة بالإضافة إلى مجاوزة حدود الله بالتشريع إلا أنها

وإن عظمت لما ذكرناه تتفاوت رتبها إذا نسب بعضها إلى بعض فيكون منها صغار وكبار أما باعتبار أن بعضها أشد عقابا من بعض فالأشد عقابا أكبر مما دونه

وأما باعتبار فوت المطلوب في المفسدة فكما انقسمت الطاعة باتباع السنة إلى الفاضل والأفضل لانقسام مصالحها إلى الكامل والأكمل

____________________

(4/354)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

انقسمت البدع لانقسام مفاسدها إلى الرذل والأرذل إلى الصغر والكبر من باب النسب والإضافات فقد يكون الشيء كبيرا في نفسه لكنه صغير بالنسبة لما هو أكبر منه فلا ينظر إلى خفة الأمر في البدعة بالنسبة إلى صورتها وإن دقت بل ينظر إلى مصادمتها للشريعة ورميها لها بالنقص والاستدراك وأنها لم تكمل بعد حتى يوضع فيها بخلاف سائر المعاصي فإنها لا تعود على الشريعة بتنقيص ولا غض من جانبها بل صاحب المعصية يتنصل منها مقرا لله بمخالفته لحكمها فحاصل المعصية أنها مخالفة في فعل المكلف لما يعتقد صحته من الشريعة وحاصل البدعة مخالفة في اعتقاد كمال الشريعة ولذلك قال مالك بن أنس من أحدث في هذه الأمة شيئا لم يكن عليه سلفها فقد زعم أن رسول الله خان الرسالة لأن الله يقول اليوم أكملت لكم دينكم إلى آخر الحكاية ومثلها جوابه لمن أراد أن يحرم من المدينة

وقال أي فتنة فيها إنما هي أميال أزيدها فقال وأي فتنة أعظم من أن تظن أنك فعلت فعلا قصر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخر الحكاية فإذا لا يصح أن يكون في البدع ما هو صغيرة بل صار اعتقاد الصغائر فيها يكاد يكون من المتشابهات كما صار اعتقاد نفي الكراهية التنزيه عنها من الواضحات وإلى الطريقة الثانية أعني تعدد حكم البدع مال الإمام أبو إسحاق الشاطبي فقال في كتابه الاعتصام إن البدع

وإن ورد النهي عنها على وجه واحد ونسبته إلى الضلالة واحدة في قوله صلى الله عليه وسلم إياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وهو عام في كل بدعة إلا أنه لا يصح أن يقال إنها على حكم واحد هو التحريم فقط أو الكراهة فقط لوجوه الوجه الأول أنها داخلة تحت جنس المنهيات وهي لا تعد والكراهة والتحريم فالبدع كذلك والوجه الثاني أن البدع إذا تؤمل معقولها وجدت متفاوتة فمنها ما هو كفر صراح كبدعة الجاهلية التي نبه عليها القرآن بنحو قوله تعالى وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا الآية وقوله تعالى وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء وقوله تعالى ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام وكذلك بدعة المنافقين حيث اتخذوا الدين ذريعة لحفظ النفس والمال وما أشبه ذلك مما لا يشك أنه كفر صراح

ومنها ما هو من المعاصي التي ليست بكفر أو يختلف هل هي كفر أم لا كبدعة الخوارج والقدرية والمرجئة ومن أشبههم من الفرق الضالة ومنها ما هو معصية ويتفق على أنها ليست بكفر كبدعة التبتل والصيام قائما في الشمس والخصاء بقصد قطع شهوة النكاح والجماع ومنها ما هو مكروه كما يقول مالك في إتباع رمضان بست من شوال وقراءة القرآن بالإدارة والاجتماع للدعاء عشية عرفة وذكر السلاطين في خطبة الجمعة على ما قاله ابن عبد السلام والشافعي وما أشبه ذلك والوجه الثالث أن المعاصي منها صغائر ومنها كبائر ويعرف ذلك بكونها واقعة في الضروريات أو الحاجيات أو التكميليات فإن ما كانت في الضروريات أعظم الكبائر وما كانت في التحسينات فأدنى رتبة بلا إشكال وما وقعت في الحاجيات فمتوسطة بين الرتبتين ثم إن كل رتبة من هذه الرتب لها مكمل ولا يمكن أن يكون في رتبة المكمل فإن المكمل مع المكمل في نسبة الوسيلة مع المقصد ولا تبلغ الوسيلة رتبة المقصد وأيضا الضروريات إذا تؤملت وجدت على مراتب في التأكيد وعدمه

____________________

(4/355)

ج8. الفروق أو أنوار البروق في أنواء الفروق (مع الهوامش )

أبو العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي

سنة الولادة بلا/ سنة الوفاة 684هـ

إذا ادعى بثمن سلعة من زمن قديم ولا مانع من طلبه وعادتها تباع بالنقد وشهدت العادة أن هذا الثمن لا يتأخر وأما في الأقارب فقال مالك الحيازة المكذبة للدعوى في العقار نحو الخمسين سنة لأن الأقارب يتسامحون لبر القرابة أكثر من الأجانب

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وهكذا نقله غير واحد وهو ظاهر على أحد القولين في قول ابن عاصم ومن لطالب بحق شهدا ولم يحقق عند ذاك العدد إلخ وقال المازري تسمع الدعوى بالمجهول البساطي وهو الصواب لقولهم يلزم الإقرار بالمجهول ويؤمر بتفسيره فكذلك هذا يؤمر بالجواب لعله يقر فيؤمر بالتفسير ويسجن له

فإن ادعى المقر الجهل أيضا فانظر ما يأتي عند قوله ومن لطالب بحق شهدا إلخ وانظر شرحنا للشامل أول باب الصلح قال الحطاب مسائل المدونة مريحة في صحة الدعوى بالمجهول المازري وليس منه الدعوى على سمسار دفع إليه ثوبا ليبيعه بدينارين وقيمته دينار ونصف لأن الدعوى هنا تعلقت بأمر معلوم في الأصل ولا يضره كونه لا يدري ما يجب له على السمسار هل الثمن الذي سماه إن باع أو قيمته إن استهلكه أو غيبه إن لم يبع ا ه إلخ

قلت الدعوى هنا إنما هي في الثوب وهو معين فهو يطالبه برده لكن إن استهلك أو باع فيرد الثمن أو القيمة لقيامهما مقامه تأمل

ا ه

كلام التسولي وفي الأصل قالت الشافعية لا يصح دعوى المجهول إلا في الإقرار والوصية لصحة القضاء بالوصية المجهولة كثلث المال والمال غير معلوم وصحة الملك في الإقرار بالمجهول من غير حكم ويلزمه الحاكم بالتعيين وقاله أصحابنا وقالت الشافعية إن ادعى بدين فإن كان من الأثمان ذكر الجنس دنانير أو دراهم والنوع مصرية أو مغربية والصفة صحاحا أو مكسرة والمقدار والسكة وإن كان من غير الأثمان فإن كان مما تضبطه الصفة ذكر الصفات المعتبرة في السلم والأحوط أن يذكر معها القيمة وإن كان مما لا تضبطه الصفة كالجواهر فلا بد من ذكر القيمة من غالب نقد البلد ويذكر في الأرض والدار اسم الصقع والبلد وفي السيف المحلى بالذهب قيمته فضة وبالفضة قيمته ذهبا أو بهما قومه بما يشاء لأنه موضع ضرورة وهذا لا يخالفه أصحابنا وقواعدنا تقتضيه ا ه

الشرط الثاني تحقق الدعوى بالمدعى فيه أي جزمها وقطعها بأن يقول لي عليه كذا احترازا من نحو أشك أو أظن أن لي كذا فإنها لا تسمع قال الأصيل وفي اشتراط أصحابنا والشافعية هذا نظر لأن من وجد وثيقة في تركة موروثه أو أخبره عدل بحق له فلا يفيده ذلك إلا الظن ومع ذلك يجوز له الدعوى به وإن شهد بالظن كما لو شهد بالاستفاضة والسماع والفلس وحصر الورثة وصرح بالظن الذي هو مستنده في الشهادة فلا يكون قادحا فكذلك هاهنا لأن ما جاز الإقدام معه لا يكون النطق به قادحا قال التسولي على العاصمية وأجاب بعضهم بأن الظن هاهنا لقوته نزل منزلة القطع ألا ترى أنه قد جاز له الحلف معه

قال خليل واعتمد الباب على ظن قوي كخطه أو خط أبيه إلخ ثم عدم سماعها في الظن الذي لا يفيد القطع مبني على الفول بأن

____________________

(4/157)

أما لدون هذا القدر من الطول فلا تكون الدعوى كاذبة وخالفنا الشافعي رضي الله عنه وسمع الدعوى في جميع هذه الصور لنا النصوص المتقدمة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

يمين التهمة لا تتوجه أبو الحسن والمشهور توجهها ابن فرحون يريد بعد إثبات كون المدعى عليه ممن تلحقه التهمة ا ه

وعليه فتسمع فيمن ثبتت تهمته وإلا فلا خليل واستحق به بيمين إن حقق ويمين تهمة بمجرد النكول إلخ

وقال ابن عاصم وتهمة إن قويت بها تجب يمين متهوم إلخ قال التسولي ولقائل أن يقول إن الدعوى تسمع هاهنا ولو قلنا بعدم توجه عين التهمة فيؤمر بالجواب لعله يقر فتأمله فلو قال أظن أن لي عليه ألفا فقال الآخر أظن أني قضيته لم يقض عليه بشيء لتعذر القضاء بالمجهول إذ كل منها شاك في وجوب الحق له أو عليه فليس القضاء بقول المدعي بأولى من القضاء بقول الآخر فلو قال المطلوب نعم كان له الألف علي وأظن أني قضيته لزمه الألف قطعا وعليه البينة أنه قضاه ثم قال التاودي والتسولي والتحقق في هذا الشرط راجع للتصديق والعلم والبيان في الشرط الأول راجع للتصور فلا يغني أحدهما عن الآخر كما لابن عبد السلام في كلام ابن الحاجب ا ه

الشرط الثالث كون المدعى فيه ذا غرض صحيح أي يترتب عليه نفع شرعي احتراز من الدعوى بقمحة أو شعيرة أو عشر سمسمة ونحو ذلك ولذا لا يمكن المستأجر للبناء ونحوه من قلع ما لا قيمة له

الشرط الرابع كون المدعي فيه مما لو أقر به المطلوب لقضى عليه به احترازا من الدعوى بأنه قال داري صدقوا بيمين مطلقا أو بغيرها ولم يعين إلخ ومن الدعوى عليه بالوصية للمساكين ومما يؤمر فيه بالطلاق من غير قضاء كقوله إن كنت تحبيني أو تبغضيني ومن الدعوى على المحجور ببيع ونحوه من المعاملات فلا يلزمه ولو ثبت بالنية بخلاف ما إذا ثبت عليه الاستهلاك أو الغصب ونحوهما خليل وضمن ما أفسد إن لم يؤمن عليه ا ه

قال التسولي وظاهر هذا أن المحجور لا تسمع الدعوى عليه في المعاملات ولو نصبه وليه لمعاملات الناس بمال دفعه إليه للتجارة ليختبره وهو كذلك إذ الدين اللاحق لا يلزمه لا فيما دفع إليه ولا فيما بقي ولا في ذمته لأنه لم يخرج بذلك من الولاية قاله في المدونة وقيل يلزمه ذلك في المال المدفوع إليه خاصة وهذا إذا لم يصن به ماله وإلا فيضمن في المال المصون وهو محمول على عدم التصوين وانظر ما يأتي لنا عند قوله وجار للوصي فيما حجرا إعطاء بعض ماله مختبرا قال والظاهر أن هذا الشرط يغني عن الذي قبله ولا يحترز به عن دعوى الهبة والوعد لأنه يؤمر بالجواب فيهما ولو على القول بعدم لزومهما بالقول لاحتمال أن يقر ولا يرجع عن الهبة ولا يخلف وعده ا ه كلام التسولي قلت وأشار بقوله ولا يحترز به إلخ لدفع قول التاودي أنه احتراز من دعوى الهبة على القول الشاذ وهو أنها لا تلزم بالقول ا ه

الشرط الخامس كون العادة لا تكذب الدعوى بالمدعى فيه قال التسولي واحترز به من الدعوى بالغصب والفساد على رجل صالح خليل وأدب مميز كمدعيه على صالح ا ه ومن مسألة الحيازة المعتبرة فإن الدعوى لا تسمع فيها وقيل تسمع ويؤمر المطلوب بجوابها لعله

____________________

(4/158)

فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

يقر أو ينكر فيحلف قاله الحطاب وهو المعتمد ا ه

وفي الأصل أنه احتراز عن الدعوى التي تكذبها العادة كدعوى الحاضر الأجنبي ملك دار في يد زيد وهو حاضر يراه يهدم ويبني ويؤاجر مع طول الزمان من غير وازع يزعه عن الطلب من رهبة أو رغبة فلا تسمع دعواه لظهور كذبها والسماع إنما هو لتوقع الصدق فإذا تبين الكذب عادة امتنع توقع الصدق

واختلفوا في طول الزمان الذي تكذب به العادة دعوى الحاضر الأجنبي فلم يحده مالك بالعشيرة بل قال من أقامت بيده دار سنين يكري ويهدم ويبني فأقمت ببينة أنها لك أو لأبيك أو لجدك وثبتت المواريث وأنت حاضر تراه يفعل ذلك فلا حجة لك فإن كنت غائبا أفادك إقامة البينة والعروض والحيوان والرقيق كذلك وكذلك قال الأصحاب في كتاب الإجارات إذا ادعى بأجرة من سنين لا تسمع دعواه إن كان حاضرا ولا مانع له وكذلك إذا ادعى بثمن سلعة من زمن قديم ولا مانع من طلبه وعادتها تباع بالنقد وشهدت العادة أن هذا الثمن لا يتأخر وقال ربيعة عشر سنين تقطع الدعوى للحاضر إلا أن يقيم ببينة أنه أكرى أو أسكن أو أعار ولا حيازة على غائب وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من حاز شيئا عشر سنين فهو له ولقوله تعالى وأمر بالعرف فكل شيء يكذبه العرف وجب أن لا يؤمر به بل يؤمر بالملك لحائزه لأن العرف

وقال ابن القاسم الحيازة من الثمانية إلى العشرة وأما في الأقارب فقال مالك الحيازة المكذبة للدعوى في العقار نحو الخمسين سنة لأن الأقارب يتسامحون لبر القرابة أكثر من الأجانب إما لدون هذا القدر من الطول فلا تكون الدعوى كاذبة وخالفنا الشافعي رضي الله عنه وسمع الدعوى في جميع هذه الصور لنا النصوص المتقدمة وهذا قسم من أقسام الدعوى الثلاثة ويبقى قسمان داخلان تحت قاعدة الدعوى الصحيحة الأول ما تصدقها العادة كدعوى القريب الوديعة

والثاني ما لم تقض العادة بصدقها ولا بكذبها كدعوى المعاملة ويشترط فيها الخلطة وسيأتي بيانها إن شاء الله تعالى في بيان قاعدتي من يحلف ومن لا ا ه كلام الأصل وصححه ابن الشاط

تنبيهان الأول قال التسولي علم مما مر أن هذه الشروط كلها مبحوث فيها ما عدا الشرط الرابع ا ه فافهم

التنبيه الثاني قال التاودي على العاصمية هذه شروط الدعوى وأما الدعوى نفسها فقال القرافي هي طلب معين كهذا الثوب وما في ذمة معين كالدين والسلم وادعاء ما يترتب عليه أحدهما أي ما يترتب عليه المعين كدعوى المرأة على زوجها الطلاق أو الردة لتحرر نفسها وهي معينة وما يترتب عليه ما في ذمة معين كدعوى المسيس أو القتل ليترتب الصداق والدية في ذمة العاقلة المعينة بالنوع ا ه والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(4/159)

الفرق الثاني والثلاثون والمائتان بين قاعدة المدعي وقاعدة المدعى عليه فإنهما يلتبسان فليس كل طالب مدعيا وليس كل مطلوب منه مدعى عليه ولأجل ذلك وقع الخلاف بين العلماء فيهما في عدة مسائل والبحث في هذا الفرق بحث عن تحقيق قوله عليه السلام البينة على من ادعى واليمين على من أنكر من هو المدعي الذي عليه البينة ومن هو المدعى عليه الذي يحلف فضابط المدعي والمدعى عليه فيه عبارتان للأصحاب إحداهما أن المدعي هو أبعد المتداعيين سببا والمدعى عليه هو أقرب المتداعيين سببا والعبارة الثانية وهي توضح الأولى المدعي من كان قوله على خلاف أصل أو عرف والمدعى عليه من كان قوله على وفق أصل أو عرف وبيان ذلك بالمثل أن اليتيم إذا بلغ وطلب الوصي بما له تحت يده فقال أوصلتك فإنه مدعى عليه والوصي المطلوب مدع

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الفرق الثاني والثلاثون والمائتان بين قاعدتي المدعي والمدعى عليه وفيه اختلفت عبارة العلماء تحقيقا لمن هو المدعي الذي عليه البينة ولمن هو المدعي الذي يحلف في قوله صلى الله عليه وسلم البينة على من ادعى واليمين على من أنكر لأن بينهما التباسا وعلم القضاء يدور على التمييز بينهما لقول سعيد بن المسيب رضي الله عنه من ميز بينهما فقد عرف وجه القضاء كما في تسولي العاصمية فقيل كل طالب فهو مدفوع وكل مطلوب فهو مدعى عليه

وقال ابن المسيب رضي الله عنه كل من قال قد كان فهو مدع وكل من قال لم يكن فهو مدعى عليه ا ه

وللأصحاب فيه عبارتان توضح ثانيهما الأولى أحدهما أن المدعي هو أبعد المتداعيين سببا والمدعى عليه هو أقرب المتداعيين سببا والثانية أن المدعي من كان قوله على خلاف أصل أو عرف أي مجردا عنهما معا فأو هنا بمعنى الواو والمدعى عليه من كان قوله على وفق أصل أو عرف قال التسولي وبمعنى العرف العادة والشبه والغالب كما يعلم مما سيأتي من الأمثلة وأو هنا مانعة خلو فقط فتجوز الجمع ومن أمثلة ما وافق المدعى عليه فيه الأصل وحده وخالفه المدعي من ادعى على شخص دينا أو غصبا أو جناية ونحوهما فإن الأصل عدم هذه الأمور

والقول قول المطلوب منه مع يمينه لأن الأصل يعضده ويخالف الطالب وهذا مجمع عليه ومنها اختلاف اليتيم بعد بلوغه ورشده مع وصية في الدفع فإن اليتيم متمسك بالأصل الذي هو عدم الدفع فهو مدعى عليه وإن كان طالبا فعليه اليمين والوصي مدع وإن كان مطلوبا لأنه غير أمين في الدفع عند التنازع لقوله تعالى فأشهدوا عليهم فعليه البينة ومن أمثلة ما وافق المدعى عليه فيه العرف وحده من ادعى الشراء أو الهبة من حائز للمدعي فيه مدة الحيازة فالحائز مدعى عليه لأنه تقوى جانبه بالحيازة والقائم مدع ومنها جزار ودباغ تداعيا جلدا تحت يدهما ولا يد عليه فالجزار مدعى عليه والدباغ مدع فإن كانت تحت يد أحدهما فالحائز مدعى عليه ومنها قاض وجندي تداعيا رمحا تحت يدهما أو لا يد عليه فالجندي مدعى عليه

____________________

(4/160)

فعليه البينة لأن الله تعالى أمر الأوصياء بالإشهاد على اليتامى إذا دفعوا إليهم أموالهم فلم يأتمنهم على الدفع بل على التصرف والإنفاق خاصة وإذا لم يكونوا أمناء كان الأصل عدم الدفع وهو يعضد اليتيم ويخالف الوصي فهذا طالب واليمين عليه لأنه مدعى عليه والوصي مطلوب وهو مدع وكذلك طالب الوديعة التي سلمها للمودع عند بينة لأنه لم يأتمن المودع عنده لما أشهد عليه فالقول قول صاحب الوديعة مع بينة وإن كان طالبا لأن ظاهر حال المودع عنده لما قبض ببينة أنه لا يعطي إلا ببينة

والأصل أيضا عدم الدفع فاجتمع الأصل والغالب وهما يعضدان صاحب الوديعة ويخالفان القابض لها وكذلك القراض إذا قبض ببينة فإن قبضت الوديعة أو القراض بغير بينة فالقول قول العامل والمودع عنده لأن يدهما يد أمانة صرفة والأمين مصدق ونظائر هذا كثيرة يكون الطالب فيها

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

والقاضي مدع ومنها عطار وصباغ تداعيا مسكا وصبغا فالعطار مدع في الصبغ مدعى عليه في المسك والصباغ بالعكس ومنها اختلاف الزوجين في متاع البيت فللمرأة المعتاد للنساء ما لم يزد على نقد صداقها وهي معروفة بالفقر ومنه النكول ودعوى الشبه عند الاختلاف في الصداق أو البيع أو غيرهما ومنها دعوى العامل في القراض أو المودع عنده الرد حيث قبضا بغير إشهاد فالمدعى عليه في هذه الأمثلة هو من تقوى جانبه بسبب من حيازة أو شبه أو نكول صاحبه أو أمانة أو كون المتنازع فيه مما شأنه أن يكون له والمدعي من تجرد قوله عن ذلك السبب كما في التسولي على العاصمية

ومن أمثلة ما وافق المدعى عليه فيه الأصل والعرف معا طالب الوديعة التي سلمها للمودع عنده ببينة لأنه لو ائتمن المودع عنده لما أشهد عليه فالقول قول صاحب الوديعة بيمينه فهو المدعى عليه وإن كان طالبا والمودع عنده مدع عليه البينة وإن كان مطلوبا لأن ظاهر حاله لما قبض ببينة أنه لا يعطي إلا ببينة والأصل أيضا عدم الدفع فالأصل والغالب معا يعضدان صاحب الوديعة ويخالفان المودع عنده وكذلك القراض إذا قبض ببينة قال التسولي على العاصمية وإذا تمسك كل منهما بالعرف كما إذا أشبها معا فيما يرجع فيه للشبه كتنازع جزار مع جزار في جلد ونحو ذلك ولم يكن بيد أحدهما حلفا وقسم بينهما وإذا تمسك كل منهما بالأصل كدعوى المكتري للرحى أو الدار أنه انهدمت أو انقطع الماء عنها ثلاثة أشهر وقال المكتري شهران فقط اختلف فيمن يكون مدعى عليه منهما فقيل المكتري لأن الأصل براءة ذمته من الغرامة فيستصحب ذلك وقيل المكري لأن عقد الكراء أوجب دينا في ذمة المكتري وهو يدعي إسقاط بعضه فلا يصدق وكذلك لو قبض شخص من رجل دنانير فلما طلبه بها الدافع زعم أنه قبضها من مثلها المرتب له في ذمته فإن اعتبرنا كون الدافع بريء الذمة من سلف هذا القابض كان الدافع مدعى عليه وهو الراجح كما لابن رشد وأبي الحسن وغيرهما وإن اعتبرنا حال القابض وأن الأصل فيه أيضا براءة الذمة فلا يؤاخذ بأكثر مما أقر به جعلناه هو المدعى عليه فافهم فبهذه الوجوه صعب علم القضاء قال وإذا تعارض الأصل والغالب قدم الشافعية الأصل في جميع صور التعارض

وقدم المالكية الغالب لقوله تعالى وأمر بالعرف فكل أصل كذبه العرف كما إذا

____________________

(4/161)

مدعى عليه ويعتمد أبدا الترجيح بالعوائد وظواهر الأحوال والقرائن فيحصل لك من هذا النوع ما لا ينحصر عدده ومن هذا الباب إذا تداعى بزاز ودباغ جلدا كان الدباغ مدعى عليه أو قاض وجندي رمحا كان الجندي مدعى عليه وعليه مسألة الزوجين إذا اختلفا في متاع البيت أن يقول قول الرجل فيما يشبه قماش الرجال والقول قول المرأة فيما يشبه قماش النساء وإذا تنازع عطار وصباغ في مسك وصبغ قدم العطار في المسك والصباغ في الصبغ وقد تقدمت هذه المسألة والخلاف فيها مع الشافعي رضي الله عنه وكذلك خالفنا في هذه المسائل المتقدمة كلها وحجتنا النصوص المتقدمة وأما الأصل وحده من غير ظاهر ولا عرف فمن ادعى على شخص دينا أو غصبا أو جناية ونحوها فإن الأصل عدم هذه الأمور والقول قول المطلوب منه مع يمينه لأن الأصل يعضده ويخالف الطالب وهذا مجمع عليه وإنما الخلاف في الظواهر المتقدمة وظهر لك بهذا قول الأصحاب أن المدعي هو أضعف المتداعيين سببا والمدعى عليه هو أقوى المتداعيين سببا

تنبيه ما ذكرناه من الظواهر ينتقض بما اجتمعت عليه الأمة من أن الصالح التقي الكبير العظيم المنزلة والشأن في العلم والدين بل أبو بكر الصديق أو عمر بن الخطاب لو ادعى على أفسق الناس وأدناهم درهما لا يصدق فيه وعليه البينة وهو مدع والمطلوب مدعى

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

شهدت البينة بدين ونحوه فإن الغالب صدقها والأصل براءة ذمة المشهود عليه وجب أن لا يعمل به إلا في مسألة ما إذا ادعى الصالح التقي الكبير العظيم المنزلة والشأن من العلم والدين بل أبو بكر الصديق أو عمر الفاروق ابن الخطاب على أفسق الناس وأدناهم درهما واحدا فإن الغالب صدقه والأصل براءة الذمة فيقدم الأصل على الغالب في هذه عند المالكية ا ه بتصرف وتوضيح

لكن قال الأصل أن إلغاء الأصل في البينة إذا شهدت بدين ونحوه أجمعت عليه الأمة كما أن إلغاء الغالب في مجرد دعوى الدين ونحوه وإن كان الطالب أصلح الناس وأتقاهم لله تعالى على أفسق الناس بدرهم واحد كذلك أجمعت عليه الأمة فليس في كون الملغى الأصل أو الغالب عند تعرضهما على الإطلاق وبهذا الإجماع احتج الشافعية علينا في تقديم الغالب على الأصل في دعوى المرأة المسيس وعدم الإنفاق ونحوهما مما شهد العرف فيه للمدعي كما مر ويوضحه ما في حاشية العطار على محلي جمع الجوامع قال زكريا وفي قواعد الزركشي تعارض الأصل والغالب فيه قولان ولجريان القولين ثلاثة شروط أحدها أن لا تطرد العادة بمخالفة الأصل وإلا قدمت قطعا ولذا حكم بنجاسة الماء الهارب في الحمام لاطراد العادة بالبول فيه الثاني أن تكثر أسباب الظاهر فإن ندرت لم ينظر إليه قطعا

____________________

(4/162)

عليه والقول قوله مع يمينه وعكسه لو ادعى الطالح على الصالح لكان الحكم كذلك وبهذا يحتج الشافعي علينا ويجيب عما تقدم ذكره بذلك وكما أن هذه الصور حجة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

ولذا اتفق الأصحاب بالأخذ بالوضوء فيمن تيقن الطهارة وغلب على ظنه الحدث مع إجزائهم القولين فيما يغلب على الظن نجاسته هل يحكم بنجاسته وفرق الإمام بأن الأسباب التي تظهر بها النجاسة كثيرة جدا وهي في الأحداث قليلة ولا أثر للنادر والتمسك باستصحاب اليقين أولى

الثالث أن لا يكون مع أحدهما ما يعتضد به وإلا فالعمل بالترجيح متعين والضابط أنه إذا كان الظاهر حجة يجب قبولها شرعا كالشهادة والرواية فهو مقدم على الأصل قطعا وإن لم يكن كذلك بل كان سنده العرف أو القرائن أو غلبة الظن فهذه يتفاوت أمرها فتارة يعمل بالأصل وتارة يعمل بالظاهر وتارة يخرج خلاف فهذه أربعة أقسام الأول ما قطعوا فيه بالظاهر كالبينة الثاني ما فيه خلاف والأصح تقدم الظاهر كما في اختلاف المتعاقدين في الصحة والفساد فالقول لمدعي الصحة على الأظهر لأن الظاهر من العقود الجارية بين المسلمين الصحة وإن كان الأصل عدمها الثالث ما قطعوا فيه بالأصل وإلغاء القرائن الظاهرة كما لو اشتبه محرمة بنسوة قرية كبيرة فإن له نكاح من شاء منهن لأن الأصل الإباحة

الرابع ما فيه خلاف والأصح تقديم الأصل كما في ثياب مدمني النجاسة وطين الشارع الذي يغلب على الظن اختلاطه بالنجاسة والمقابر التي يغلب على الظن نبشها فإن الأصح فيها الطهارة ا ه المراد بتلخيص فافهم

هذا والذي تحصل من بيان ما للأصحاب من الفرقين الأخيرين بين المدعي والمدعى عليه بالأمثلة المذكورة وأنها بمعنى واحد وأنهما مطردان وأن الفرق الأول غير مطرد لنقضه بما تقدم في الوديعة مع الإشهاد واليتيم مع وصية ونحو ذلك كدعوى المرأة المسيس على زوجها في خلوة الاهتداء وادعى هو عدمه فإن كلا منهم طالب مع أنه مدعى عليه فلذا قال الأصل فليس كل طالب مدعيا وليس كل مطلوب منه مدعى عليه ا ه وسلمه ابن الشاط

وأما فرق ابن المسيب فكذلك قيل أنه غير مطرد لنقضه بدعوى المرأة على زوجها الحاضر أنه لم ينفق عليها وقال هو أنفقت وبدعوى المرأة المسيس على زوجها في خلوة الاهتداء وادعى عدمه فهو مدعى عليه في الأولى لشهادة العرف له وهي مدعية وهما في الثانية على العكس وفرق ابن المسيب يقتضي أنها في الأولى مدعى عليها لأنها تقول لم يكن وفي الثانية مدعية لأنها تقول قد كان كما في التسولي على العاصمية قال وأجيب بأن الرد المذكور للتعريفين أي للمدعي والمدعى عليه بما ذكر أي الفرق الأول

وفرق ابن المسيب إنما يتم ولو كان القائل بهما يسلم أن الطالب ومن يقول قد كان فيما ذكر أي من المسائل التي تقضي بها الراد كلا من التعريفين المذكورين مدعى عليه وإلا فقد يقول إنه مدع قام له شاهد من عرف أو أصل ولا يحتج على الإنسان بمذهب مثله واختار هذا الجواب ابن رحال والحاصل على ما يظهر من كلامهم وهو الذي يوجبه النظر أن المتداعيين أن يتمسك أحدهما بالعرف فقط كالاختلاف في متاع البيت ودعوى الشبه واختلاف القاضي والجندي في الرمح والجزار والدباغ في الجلد ونحو ذلك مما لم يتعارض فيه العرف والأصل وأما أن يتمسك بالأصل فقط كالاختلاف في أصل الدين وفي قضائه وفي دعوى الحائز نفسه

____________________

(4/163)

للشافعي فهو نقض على قولنا المدعي من خالف قوله أصلا أو عرفا والمدعى عليه من وافق قوله أصلا أو عرفا فإن العرف في هذه الصور شاهد وكذلك الظاهر وقد ألغيا إجماعا فكان ذلك مبطلا للحدود المتقدمة ونقصا على المذهب فتأمل ذلك

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الحرية ودعوى رب المال والمودع عدم الرد مع دفعهما بإشهاد ودعوى اليتيم عدم القبض ونحو ذلك فالمدعى عليه في هذين أي أمثلة شهادة العرف فقط أو الأصل فقط هو المتمسك بذلك العرف أو الأصل على تعريف الأصحاب وهو المطلوب ومن يقول لم يكن على التعريفين الأولين وإما أن يتمسك أحدهما بالأصل والآخر بالعرف فيأتي الخلاف كدعوى الزوج على سيد الأمة أنه غره بتزويجها فالأصل عدم الغرور وبه قال سحنون والغالب عدم رضا الحر بتزويج الأمة وبه قال أشهب وهو الراجح وكمسألة اختلاف المتراهنين في قدر الدين فإن الرهن شاهد عرفي والأصل براءة ذمة الراهن وكمسألة الحيازة المتقدمة ودعوى عامل القراض والمودع عنده الرد مع عدم الإشهاد لأن الغالب صدق الأمين ودعوى المرأة المسيس وعدم الإنفاق ونحو ذلك فالمدعى عليه في مثل هذا على تعريف الأصحاب هو المتمسك بالعرف لأن قولهم أو عرف أعم من كونه عارضه أصل أم لا وعلى التعريفين الأولين

هو المطلوب ومن يقول لم يكن لكن لما ترجح جانب المدعي فيها بشهادة العرف لأنه أقوى صار المدعي مدعى عليه ويدل لهذا قول ابن رشد ما نصه المعنى الذي من أجله وجب على المدعي إقامة البينة تجرد دعواه من سبب يدل على صدقه فيما يدعيه فإن كان له سبب يدل على صدقه أقوى من سبب المدعى عليه كالشاهد الواحد أو الرهن وما أشبه ذلك من إرخاء الستر وجب أن يبدأ باليمين دون المدعى عليه ا ه

ونقله القلشاني وغيره فتأمل كيف سماه مدعيا وجعل الرهن وإرخاء الستور والشاهد الحقيقي سببا لصيرورته مدعى عليه لكونه في ذلك أقوى من سبب خصمه المتمسك بالأصل وقد اختلف في العرف هل هو شاهد أو كشاهد أن البرزلي القاعدة إحلاف من شهد له العرف فيكون بمثابة الشاهد وقيل هو كالشاهدين ا ه

وقد درج خليل في مواضع على أنه كالشاهد منها قوله في الرهن وهو كالشاهد في قدر الدين وقد عقد في التبصرة بابا في رجحان قول المدعي بالعوائد وقال القرافي أجمعوا على اعتبار الغالب وإلغاء الأصل في البينة إذا شهدت فإن الغالب صدقها والأصل براءة ذمة المشهود عليه ا ه فهذا كله يوضح لك الجواب المتقدم عما ورد على التعريفين الأولين

ويدلك على عدم الفرق بين التعاريف الثلاثة لأن المدعي قد ينقلب مدعى عليه لقيام سبب أقوى من سبب خصمه كان ذلك السبب حقيقيا أو عرفيا إلا أن العرفي لا يقوى عندهم قوة الحقيقي فليست اليمين معه تكملة للنصاب حتى يؤدي ذلك لنفي يمين الإنكار بدليل أنه إذا انضم إليه شاهد حقيقي لا يثبت الحق بدون اليمين كما نقله بعضهم عن المتيطي عند قول خليل وهو كالشاهد إلخ فاعتراض التاودي على الجواب السابق بكونه يؤدي لنفي يمين الإنكار إلخ ساقط ا ه بتوضيح المراد فانهم

تنبيه قال الأصل خولفت قاعدة الدعاوى أي من قبول قول المطلوب دون الطالب في خمس مواطن يقبل فيها قول الطالب أحدها اللعان يقبل فيه قول الزوج لأن العادة أن الرجل ينفي عن زوجه الفواحش

____________________

(4/164)

تنبيه قال بعض العلماء قول الفقهاء إذا تعارضا الأصل والغالب يكون في المسألة قولان ليس على إطلاقه بل اجتمعت الأمة على اعتبار الأصل وإلغاء الغالب في دعوى الدين ونحوه فالقول قول المدعى عليه وإن كان الطالب أصلح الناس وأتقاهم لله تعالى ومن الغالب عليه أن لا يدعي إلا ماله فهذا الغالب ملغى إجماعا واتفق الناس على تقديم الغالب وإلغاء الأصل في البينة إذا شهدت فإن الغالب صدقها والأصل براءة ذمة المشهود عليه وألغي الأصل هنا إجماعا عكس الأول فليس الخلاف على الإطلاق

تنبيه خولفت قاعدة الدعاوى في خمس مواطن يقبل فيها قول الطالب أحدها اللعان يقبل فيه قول الزوج لأن العادة أن الرجل ينفي عن زوجه الفواحش فحيث أقدم على رميها بالفاحشة مع إيمانه أيضا قدمه الشرع وثانيها القسامة يقبل فيها قول الطالب لترجحه باللوث و ثالثها قبول قول الأمناء في التلف لئلا يزهد في قبول الأمانات فتوقف مصالحها المترتبة على حفظ الأمانات ورابعها يقبل قول الحاكم في التجريح والتعديل وغيرهما من الأحكام لئلا تفوت المصالح المترتبة على الولاية للأحكام

وخامسها قبول قول الغاصب في التلف مع يمينه لضرورة الحاجة لئلا يخلد في الحبس ثم الأمين قد يكون أمينا من جهة مستحق الأمانة أو من قبل الشرع كالوصي والملتقط ومن ألقت الريح ثوبا في بيته

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

فحيث أقدم على رميها بالفاحشة مع أيمانه أيضا قدمه الشرع

وثانيها في القسامة يقبل فيها قول الطالب لترجحه باللوث

وثالثها قبول قول الأمناء في التلف لئلا يزهد الناس في قبول الأمانات فتفوت مصالحها المترتبة على حفظ الأمانات والأمين قد يكون أمينا من جهة مستحق الأمانة وقد يكون من جهة الشرع كالوصي والمتلقط ومن ألقت الريح ثوبا في بيته

ورابعها قبول قول الحاكم في التجريح والتعديل وغيرهما من الأحكام لئلا تفوت المصالح المرتبة على الولاية للأحكام

وخامسها قبول قول الغاصب في التلف مع يمينه لضرورة الحاجة لئلا يخلد في الحبس ا ه وسلمه ابن الشاط لكن قال التسولي على العاصمية فتأمل عده اللعان والقسامة والأمانة فإن الظاهر أن ذلك مما قدم فيه الغالب على الأصل كما مر فلم تكن فيه مخالفة وبعضهم يعبر عن الأمين أن الغالب صدقه أي في الرد والتلف وبعد أن ذكرها المكناسي في مجالسه قال ومنها اللصوص إذا قدموا بمتاع وادعى شخص أنه له وأنهم نزعوه منه فيقبل قوله مع يمينه ويأخذه ومنها السمسار إذا ادعى عليه أنه غيب ما أعطى له للبيع وكان معلوما بالعداء وبإنكار الناس فيصدق المدعي بيمينه ويغرم السمسار ومنها السارق إذا سرق متاع رجل وانتهب ماله وأراد قتله وقال المسروق أنا أعرفه فيصدق المسروق بيمينه وهذه المسائل التي زادها لا تحملها الأصول كما لأبي الحسن ولا يخالف ما للمكناسي من قبول قول من ادعى على

____________________

(4/165)

الفرق الثالث والثلاثون والمائتان بين قاعدة ما يحتاج للدعوى وبين قاعدة ما لا يحتاج إليها وتلخيص الفرق أن كل أمر مجمع على ثبوته وتعين الحق فيه ولا يؤدي أخذه لفتنة ولا تشاجر ولا فساد عرض أو عضو فيجوز أخذه من غير رفع للحاكم فمن أخذ عين المغصوب أو وجد عين سلعته التي اشتراها أو ورثها ولا يخاف من أخذها ضررا فله أخذها وما يحتاج للحاكم خمسة أنواع النوع الأول المختلف فيه هل هو ثابت أم لا فلا بد من رفع للحاكم حتى يتوجه ثبوته بحكم الحاكم فهذا النوع من حيث الجملة يفتقر إلى الحاكم في بعض مسائله دون بعض كاستحقاق الغرماء لرد عتق المديان وتبرعاته قبل الحجر عليه فإن الشافعي رضي

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

اللصوص أنهم أخذوا ما قدموا به منه ويأخذه ونحو ذلك قول القرافي الآتي في الفرق بين ما يقدم فيه النادر على الغالب وما لا ما نصه أخذ السراق المنهومين بالتهم وقرائن أحوالهم كما يفعله الأمراء اليوم دون الإقرار الصحيح والبينات المعتبرة الغالب مصادفته للصواب والنادر خطؤه ومع ذلك ألغى الشارع هذا الغالب صونا للأعراض والأطراف عن القطع ا ه

فإنه يفهم منه أنه إنما ألغى الشارع هذا الغالب بالنسبة للأعراض والأطراف لا بالنسبة للغرامة فإنه يغرم فيوافق ما للمكناسي ولهذا درج ناظم العمل على ذلك حيث قال لوالد القتيل مع يمين القول في الدعوى بلا تبيين إذا ادعى دراهما وأنكرا القاتلون ما ادعاه وطرا فلا مفهوم لقوله القتيل بل المدار على كون المدعى عليه معروفا بالغصب والعداء انظر شرحه وانظر ما يأتي في الغصب ولا بد ا ه

وفي الغصب لما ذكر كلام ناظم العمل في شرحه للبيتين ونقله عن ابن النعيم ما نصه الذي جرى به العمل عندنا في هذه النازلة ومثلها أن القول لوالد القتيل مع يمينه أي إذا ادعى دراهم من جملة المنهوب وأنكرها القاتلون والظالم أحق أن يحمل عليه وإن كان المشهور خلافه أي من القول للغاصب في القدر والوصف كما في خليل وكم من مسألة جرى الحكم فيها بخلاف المشهور ورجحها العلماء للمصالح العامة ا ه وعن العربي الفاسي في تأييده ساق بعده كلاما طويلا فراجعه والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق الثالث والثلاثون والمائتان بين قاعدة ما يحتاج للدعوى وقاعدة ما لا يحتاج إليها وهو أن ما لا يحتاج للدعوى ويجوز أخذه من غير رفع إلى الحاكم هو ما اجتمعت فيه خمسة قيود القيد

____________________

(4/166)

الله عنه لا يثبت لهم حقا في ذلك ومالك يثبته فيحتاج لقضاء الحاكم بذلك وقد لا يفتقر هذا النوع للحاكم كمن وهب له مشاع في عقار أو غيره أو اشترى مبيعا على الصفة أو أسلم في حيوان ونحو ذلك فإن المستحق المعتقد لصحة هذه الأسباب يتناول هذه الأمور من غير حاكم وهو كثير والمفتقر منه للحاكم قليل وفي الفرق بين ما يفتقر من هذا النوع وما لا يفتقر عسر

النوع الثاني ما يحتاج للاجتهاد والتحرير فإنه يفتقر للحاكم كتقويم الرقيق في إعتاق البعض على المعتق وتقدير النفقات للزوجات والأقارب والطلاق على المولي بعدم الفيئة فإن فيه تحرير عدم فيئته والمعسر بالنفقة لأنه مختلف فيه فمنعه الحنفية ولأنه يفتقر لتحرير إعساره وتقديره وما مقدار الإعسار الذي يطلق به فإنه مختلف فيه فعند مالك رحمه الله لا يطلق بالعجز عن أصل النفقة والكسوة اللتان يفرضان بل بالعجز عن الضروري المقيم للبينة وإن كنا لا نفرضه ابتداء

النوع الثالث ما يؤدي أخذه للفتنة كالقصاص في النفس والأعضاء يرفع ذلك للأئمة لئلا يقع لسبب تناوله تمانع وقتل وفتنة أعظم من الأولى وكذلك التعزير وفيه أيضا الحاجة للاجتهاد في مقداره بخلاف الحدود في القذف والقصاص في الأطراف

النوع الرابع ما يؤدي إلى فساد العرض وسوء العاقبة كمن ظفر بالعين المغصوبة أو

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الأول أن يكون مجمعا على ثبوته

القيد الثاني أن يتعين الحق فيه بحيث لا يحتاج للاجتهاد والتحرير في تحقيق سببه ومقدار مسببه

القيد الثالث أن لا يؤدي أخذه لفتنة وشحناء

القيد الرابع أن لا يؤدي إلى فساد عرض أو عضو

القيد الخامس أن لا يؤدي إلى خيانة الأمانة ومثل له الأصل بمن وجد عين سلعته التي اشتراها أو ورثها فأخذها أو أخذ عين المغصوب منه وهو لا يخاف من الأخذ ضررا تسولي العاصمية نقلا عن ابن فرحون بتحريم المحرمات المتفق عليها ورد الودائع والغصوب قال ومنه العتق بالقرابة ومن أعتق جزءا في عبد بينه وبين غيره فيكمل من غير حكم على المشهور ا ه وما يحتاج للدعوى ولا يجوز أخذه إلا بعد الرفع للحاكم هو ما خلا عن قيد من القيود الخمسة المذكورة فهو خمسة أنواع النوع الأول ما اختلف في كونه ثابتا أم لا فلا بد فيه من الرفع للحاكم حتى يتوجه بثبوته لعم افتقار هذا النوع إلى الحاكم من حيث الجملة وإلا فالكثير من مسائله لا يفتقر للحاكم منها من وهب له مشاع في عقار أو غيره أو اشترى مبيعا على الصفة أو أسلم في حيوان ونحو ذلك فإن المستحق المعتقد لصحة هذه الأسباب يتناول هذه الأمور من غير حاكم والمفتقر من مسائله للحاكم قليل منها استحقاق الغرماء لرد عتق المديان وتبرعاته قبل الحجر عليه فإن الشافعي رضي الله عنه لا يثبت لهم حقا في ذلك ومالك رضي الله عنه يثبت فيحتاج لقضاء الحاكم بذلك وفي الفرق بين ما يفتقر من مسائله للحاكم وما لا يفتقر منها له

____________________

(4/167)

المشتراة أو الموروثة لكن يخاف من أخذها أن ينسب إلى السرقة فلا يأخذها بنفسه ويرفعها للحاكم دفعا لهذه المفسدة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

عسر النوع الثاني ما يحتاج للاجتهاد والتحرير في تحقيق سببه ومقدار مسببه فإنه يفتقر إلى الحاكم ومن أمثلته الطلاق بالإعسار والطلاق بالإضرار والطلاق على المولي وعلى نحو الغالب والمعترض قال الأصل فإن في الطلاق على المولي تحرير عدم فيئته وعلى المعسر مع قول الحنفية بمنعه تحرير إعساره وتقديره وما مقدار الإعسار الذي يطلق به فإنه مختلف فيه فعند مالك رحمه الله لا يطلق بالعجز عن أصل النفقة والكسوة اللتين تفرضان بل بالعجز عن الضروري المقيم للبينة وإن كنا لا نفرضه ابتداء ا ه

وقال ابن فرحون في التبصرة لأنه يفتقر إلى تحقيق الإعسار وهل هو ممن يلزمه الطلاق بعدم النفقة أم لا كما لو تزوجت فقيرا علمت بفقره فإنها لا تطلق عليه بالإعسار بالنفقة وكذلك تحقيق حاله وهل هو مما يرجى له شيء أم لا وكذلك تحقيق صورة الإضرار وكذلك يمين المولي ينظر هل هي لعذر أو لغير عذر كمن حلف أن لا يطأها وهي مرضع خوفا على ولده فينظر فيما ادعاه فإن كان مقصوده الإضرار طلقت عليه وإن كان لمصلحة لم تطلق عليه وكذلك التطليق على الغائب وكذلك التطليق على المفترض ونحو هؤلاء ثم نقل عن ابن عتاب ما خلاصته أن الحق إذا كان للمرأة خالصا فإنقاذ الطلاق إليها مع إباحة الحاكم لها ذلك بأن يقول للقائمة عنده بعدم النفقة بعد كمال نظره بما يجب إن شئت أن تطلقي نفسك وإن شئت التربص عليه فإن طلقت أشهدت على ذلك وحجة ذلك من السنة حديث بريرة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت أملك بنفسك إن شئت أقمت مع زوجك وإن شئت فارقتيه وقد روي عن ابن القاسم في امرأة المعترض تقول لا تطلقوني وأنا أصبر إلى أجل آخر قال ذلك لها ثم تطلق نفسها متى شاءت بغير سلطان وكذلك الذي يحلف ليقضين فلانا حقه أنه يوقف عن امرأته فإذا جاءت أربعة أشهر قيل له فيء وإلا طلقنا عليك فتقول امرأته أنا أنظره شهرين أو ثلاثة فذلك لها ثم تطلق متى شاءت بغير أمر سلطان ا ه فهذه الرواية ظاهرة في أن المرأة تطلق نفسها ولا اعتراض بما في السؤال من قول المرأة لا تطلقوني لأنها جهلت أن ذلك لها ولأنه أعقب ذلك بالبيان بأنها هي المطلقة بعد التأخير فكذلك تكون هي المطلقة في المسألة السابقة إن أحبت ذلك وكذلك لا اعتراض بقوله في مسألة المولي وإلا طلقنا عليك لأن معناه أنا نجعل ذلك إلى المرأة فتنفذ هي طلاقها إن شاءت وطلاق المولي على قسمين قسم توقعه المرأة وهو في الصورة المتقدمة وقسم يوقعه الحاكم

وهو إذا قال لها إن وطئتك فأنت طالق ثلاثا ففيها أقوال أحدها أنه مول ولا يمكن من وطئها لأن باقي وطئه بعد التقاء الختانين حرام فإذا رفعته إلى الحاكم فإن الحاكم ينجز عليه الطلاق قاله ابن القاسم وإن لم ترفعه ورضيت بالمقام بلا وطء فلها ذلك قال ابن سهل سمعت أبا مروان بن مالك القرطبي يستحسن إيراد هذه المسألة من الشيخ ابن عتاب

____________________

(4/168)

النوع الخامس ما يؤدي إلى خيانة الأمانة إذا أودع عندك من لك عليه حق وعجزت عن أخذه منه لعدم اعترافه أو عدم البينة عليه فهل لك جحد وديعته إذا كانت قدر حقك من جنسه أو من غير جنسه فمنعه مالك لقوله عليه السلام أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

ويقول لو كانت لأحد من المتقدمين لعدت من فضائله قال ابن سهل وفي سماع عيسى عن ابن القاسم فيمن تزوج حرة على أنه حر فإذا هو عبد قال لها أن تختار قبل أن ترفع ذلك إلى السلطان فما طلقت به نفسها جاز عليه وأما المجزوم فلا خيار لها حتى ترفع ذلك إلى السلطان ثم ليس للسلطان أن يفوض إليها أمرها تطلق متى شاءت ولكن على السلطان إذا كرهته وأرادت فراقه أن يفرق بينهما بواحدة إذا يئس من برئه وكذلك المجنون إلا أنه يضرب له أجل سنة كان موسوسا أو يغيب مرة ويفيق أخرى وهذا يوضح المعنى الذي قصده أبو عبد الله بن عتاب من تقسيم الطلاق المحكوم به إلى قسمين قسم توقع المرأة خاصة دون الحاكم وقسم ينفذه الحاكم بغير إذن المرأة وإن كرهت إيقاعه كزواجها بغير ولي وتزويجها ممن ليس بكفء ونكاحها للفاسق ومن تزوجت مع وجود ولدها ولم يستأذنه وليها الذي زوجها على ما فيه من التفصيل وأنواع الأنكحة الفاسدة وهو باب يطول تعدده ا ه كلام ابن فرحون قال ومن أمثلة هذا النوع أيضا تفليس من أحاط الدين بماله وكذا بيع أعتقه المديان لتعارض حق الله تعالى في العتق وحق الغرماء في المالية

وكذلك إذا هرب الجمال وكان الزمان غير معين ولم يفت المقصود فإذا رفع ذلك إلى السلطان نظر في ذلك فيفسخه عنه إن كان في الصبر مضرة ولا ينفسخ بغير حكم الحاكم من كتاب قيد المشكل وحل المعضل لابن ياسين ومنها من أعتق نصف عبده فإنه لا يعتق عليه بقية العبد إلا بالحكم لتعارض حق الله تعالى في العتق وحق السيد في الملك وحق العبد في تخليص الكسب وأيضا لقوة الخلاف في التكميل عليه ومنها تعجيز المكاتب إذا كان له مال ظاهر لا يكون إلا بالحكم فلو رضي بتعجيز نفسه هو وسيده لم يكن لهما ذلك ومنها ما إذا حلف ليضربن عبده ضربا مبرحا فعتقه عليه يفتقر لحكم الحاكم لأنه لا يدري هل ثم جناية تقتضي مثل هذا الضرب أم لا ويحتاج بعد وقوع الضرب من السيد إلى تحقيق كون ذلك الضرب مبرحا بذلك العبد وهل السيد عاص به فيعتق عليه لأن الحلف على المعصية يوجب تعجيل العتق أو ليس عاصيا فلا يلزمه عتق ا ه ومنها كما في الأصل تقدير النفقات للزوجات والأقارب

النوع الثالث ما يؤدي أخذه للفتنة والشحناء قال ابن فرحون في التبصرة ومن أمثلته الحدود فإنها تفتقر إلى حكم الحاكم وإن كانت مقاديرها معلومة لأن تفويضها لجميع الناس يؤدي إلى الفتن والشحناء والقتل وفساد الأنفس والأموال قال ومنها قسمة الغنائم

وإن كانت معلومة المقادير وأسباب الاستحقاقات فلا بد فيها من الحاكم إذ لو فوضت لجميع الناس لدخلهم الطمع وأحب كل إنسان لنفسه من كرائم الأموال ما يطلبه غيره فيؤدي إلى الفتن ومنها جباية الجزية وأخذ الخراجات من أراضي العنوة ولو جعلت للعامة لفسد الحال ا ه ومنها كما في الأصل القصاص في النفس والأعضاء إذ لو لم يرفع للأئمة لأدى بسبب تناوله تمانع وقتل وفتنة أعظم من الأولى

____________________

(4/169)

تخن من خانك وأجازه الشافعي لقوله صلى الله عليه وسلم لهند ابنة عتبة امرأة أبي سفيان لما شكت إليه أنه بخيل لا يعطيها وولدها ما يكفيهما فقال لها عليه السلام خذي لك ولولدك ما يكفيك بالمعروف ومنشأ الخلاف هل هذا القول منه عليه السلام فتيا فيصح

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وكذلك التعزير وفيه أيضا الحاجة للاجتهاد في تحرير مقدار الجناية وحال الجاني والمجني عليه بخلاف الحدود في القذف والقصاص في الأطراف

النوع الرابع ما يؤدي إلى فساد عرض أو عضو كمن ظفر بالعين المغصوبة أو المشتراة أو الموروثة وخاف من أخذها بنفسه أن ينسب إلى السرقة فلا يأخذها إلا بعد رفعها للحاكم دفعا لهذه المفسدة

النوع الخامس ما يؤدي إلى خيانة الأمانة ومن أمثلته ما إذا أودع عندك من لك عليه حق وعجزت عن أخذه منه لعدم اعترافه أو عدم البينة عليه ففي منع جحد وديعته إذا كانت قدر حقك من جنسه أو من غير جنسه لقوله عليه السلام أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك وهو لمالك رحمه الله تعالى وإجازته لقوله صلى الله عليه وسلم لهند ابنة عتبة امرأة أبي سفيان لما شكت إليه أنه بخيل لا يعطيها وولدها ما يكفيهما فقال لها عليه السلام خذي لك ولولدك ما يكفيك بالمعروف بناء على أنه فتيا وهو للشافعي رحمه الله تعالى وأما على أنه قضاء منه عليه السلام فيصح ما قاله مالك قولان ثالثها لبعضهم الجواز إن كان من جنس حقك

والمنع إن كان من غير جنسه هذا توضيح ما قاله الأصل وصححه أبو القاسم بن الشاط بزيادة من تبصرة ابن فرحون وبقي ما اختلف في كونه يحتاج إلى الحاكم أو لا قال ابن فرحون في تبصرته ومن أمثلته قبض المغصوب من الغاصب إذا كان المغصوب منه غائبا أي في افتقاره إلى الحاكم وعدم افتقاره خلاف ومنها من أعتق شركا له في عبد قال ابن يونس اتفق أصحابنا على أن باقيه يعتق بمجرد التقويم من غير حاجة إلى حكم الحاكم وقال غيره يفتقر عتق باقيه إلى الحاكم ومنها عتق القريب إذا ملكه الحر المليء المشهور عدم افتقاره للحكم وقيل لا بد فيه من الحكم ومنها العتق بالمثلة قال مالك رضي الله عنه لا يعتق إلا بالحكم وقال أشهب لا يفتقر ومنها فسخ البيع بعد تخالف المتبايعين يجري فيه الخلاف ومنها فسخ النكاح بعد التخالف فيه الخلاف أيضا

ومنها اليتيم المحجور عليه بوصي من قبل الأب هل يكفي إطلاقه لليتيم من الحجر دون مطالعة الحاكم في ذلك أو لا بد من استئذان الحاكم في ذلك حتى يكون إطلاق الوصي له بإذن الحاكم فيه خلاف ومنها وقوع الفرقة بين المتلاعنين قال مالك وابن القاسم تقع الفرقة بتمام التحالف دون حكم حاكم وقال ابن حبيب لا تقع الفرقة بتمام تلاعنهما حتى يفرق الإمام بينهما

ومنها ما إذا تزوجت الحاضنة فهل يسقط حقها من الحضانة بالدخول أو بالحكم بأخذ الولد منها قولان ومنها ما إذا قال لزوجته إن لم تحيضي فأنت طالق فإنه يحنث على المشهور وعليه فهل يفتقر الطلاق إلى حكم الحاكم أو يقع بمجرد نطقه قولان اختار اللخمي أنه لا يقع إلا بالحكم ومنها السلم المختلف في فساده اختلف هل يفتقر إلى حكم الحاكم أو لا وعلى الأول فهو كالسلم الصحيح حتى يباشره الحكم بالفسخ ومنها ما إذا هرب الجمال وكان الكراء لقصد أمر له أبان يفوت بفواته كالحج والخروج إلى البلاد الشاسعة مع الرفقة العظيمة فجاءه الجمال بالجمال بعد فوات الوقت قيل ينفسخ بفوات ذلك كالزمن المعين وقيل لا ينفسخ لتوقع الحج والسفر في وقت ثان وفي المدونة لا ينفسخ إلا في الحج وحده ولا

____________________

(4/170)

ما قاله الشافعي أو قضاء فيصح ما قاله مالك ومنهم من فصل بين ظفرك بجنس حقك فلك أخذه أو غير جنسه فليس لك أخذه فهذا تلخيص الفرق بين القاعدتين

الفرق الرابع والثلاثون والمائتان بين قاعدة اليد المعتبرة المرجحة لقول صاحبها وقاعدة اليد التي لا تعتبر اعلم أن اليد إنما تكون مرجحة إذا جهل أصلها أو علم أصلها بحق أما إذا شهدت بينة أو علمنا نحن ذلك أنها بغصب أو عارية أو غير ذلك من الطرق المقتضية وضع اليد من غير ملك فإنها لا تكون مرجحة ألبتة

تنبيه اليد عبارة عن القرب والاتصال وأعظمها ثياب الإنسان التي عليه ونعله

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

يختلف أنه إذا رفعه إلى الحاكم ففسخه أنه ينفسخ من كتاب قيد المشكل ومنها القاضي إذا فسق هل ينعزل بمجرد فسقه أو لا حتى يعزله الإمام قولان

ومنها المفلس إذا قسم ماله وحلف أنه لم يكتم شيئا ووافقه الغرماء على ذلك فهل ينفك عنه الحجر ويكون له التصرف فيما يكون بعد ذلك من المال من غير أن يزيل عنه الحاكم حجر التفليس وعليه أكثر نصوصهم واختاره اللخمي أو لا ينفك عنه إلا بحكم حاكم وهو قول القاضي عبد الوهاب والقاضي أبي الحسن بن القصار وتتبع هذا يخرج عن المقصود ا ه كلام ابن فرحون والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق الرابع والثلاثون والمائتان بين قاعدة اليد المعتبرة المرجحة لقول صاحبها وقاعدة اليد التي لا تعتبر وهو أن اليد المرجحة عبارة عن حيازة أي قرب واتصال إما مع جهل أصل الملك لمن هو فيكفي فيها عشرة أشهر فأكثر كان المحوز عقارا أو غيره وأما مع علمنا نحن بأنفسنا أو بالبينة بأن أصل ملكها يحق للحائز فيكفي فيها عشرة سنين فأكثر في العقار وعامان فأكثر في الدواب والعبيد والثياب قلت لكن قد تقدم أن هذا في حق غير القريب فتنبه ولليد مراتب مترتبة فأعظمها ثياب الإنسان التي عليه ومنطقته ويليه البساط الذي هو جالس عليه والدابة التي هو راكبها ويليه الدابة التي هو سائقها أو قائدها ويليه الدار التي هو ساكنها فهي دون الدابة لعدم استيلائه على جميعها قال بعض العلماء فتقدم أقوى اليدين على أضعفهما فراكب الدابة يقدم مع يمينه على السائق عند تنازعهما وإذا تنازع الساكنان الدار سوى بينهما بعد أيمانهما وهو متجه

وأما اليد التي لا تعتبر في الترجيح ألبتة فعبارة عن حيازة أي قرب واتصال علمنا نحن بأنفسنا أو بالبينة أنها بطريق تقتضي عدم الملك بحق كالغصب والعارية هذا تهذيب ما قاله الأصل وصححه أبو القاسم بن الشاط مع زيادة من تسولي العاصمية والله تعالى أعلم وصل في أربع مسائل يتعلق بهذا الفرق

المسألة الأولى قال ابن أبي زيد في النوادر إذا ادعياها في يد ثالث فقال أحدهما آجرته إياها وقال الآخر أودعته إياها صدق من علم سبق كرائه أو إيداعه ويستصحب الحال له والملك إلا أن تشهد بينة

____________________

(4/171)

ومنطقته ويليه البساط الذي هو جالس عليه والدابة التي هو راكبها ويليه الدابة التي هو سائقها أو قائدها ويليه الدار التي هو ساكنها فهي دون الدابة لعدم استيلائه على جميعها قال بعض العلماء فتقدم أقوى اليدين على أضعفهما فلو تنازع الساكنان الدار سوى بينهما بعد إيمانهما ويقدم راكب الدابة مع يمينه على السائق وهو متجه

فرع قال ابن أبي زيد في النوادر إذا ادعياها في يد ثالث فقال أحدهما أجرته إياها وقال الآخر أودعته إياها صدق من علم سبق كرائه أو إيداعه ويستصحب الحال له والملك إلا أن تشهد بينة للآخر أنه فعل ذلك بحيازة عن الأول وحضوره ولم ينكر فيقضى له فإن جهل السبق قسمت بينهما قال أشهب فلو شهدت بينة أحدهما بغصب الثالث منه وبينة الآخر أن الثالث أقر له بالإيداع قضى لصاحب الغصب لتضمين بينة اليد السابقة

فرع قال في النوادر لو كانت دار في يد رجلين وفي يد عبد لأحدهما فادعاها الثلاثة قسمت بينهم أثلاثا إن كان العبد تاجرا وإلا فنصفين لأن العبد في يد مولاه

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

للآخر أنه فعل ذلك بحيازة عن الأول وحضوره ولم ينكر فيقضي له فإن جهل السبق قسمت بينهما قال أشهدت فلو شهدت بينة أحدهما بغصب الثالث منه وبينة الآخر أن الثالث أقر له بالإيداع قضي لصاحب الغصب لتضمين بينته اليد السابقة

المسألة الثانية قال في النوادر لو كانت دار في يد رجلين وفي يد عبد لأحدهما فادعاها الثلاثة قسمت بينهم أثلاثا إن كان العبد تاجرا وإلا فنصفين لأن العبد في يد مولاه أفادهما الأصل

المسألة الثالثة قال تسولي العاصمية لا بد في الشهادة بكل قسم من قسمي الحيازة المرجحة من ذكر اليد وتصرف الحائز تصرف المالك في ملكه والنسبة وعدم المنازع وطول عشرة أشهر في الأولى يعني الحيازة مع جهل أصل الملك لمن هو وعشر سنين في الثانية يعني الحيازة مع علم أصل الملك لمن هو وعدم التفويت في علمهم فإذا فقدت هذه الأمور أو واحد منها لا تقبل شهادة الشاهد على المعمول به إلا إن كان من أهل العلم كما بيناه في حاشية اللامية وهل يشترط زيادة مال من أمواله ابن عرفة وفي لغو شهادة الشاهد في دار بأنها ملك فلان حتى يقول ومال من أمواله وقبولها مطلقا ثالثها إن كان الشهود لهم نباهة ويقظة الأول لابن سهل عن مالك قائلا شاهدت القضاء به

ا ه المسألة الرابعة قال تسولي العاصمية كيفية وثقية ذلك أن تقول يشهد الواضع شكاه أثره بمعرفته لفلان ومعها يشهد بأنه كان بيده وعلى ملكه مالا من أمواله وملكا خالصا من جملة أملاكه جميع كذا المحدود بكذا يعرف فيه تصرف المالك في ملكه وينسبه لنفسه والناس إليه من غير علم منازع ولا معارض مدة من عشرة أشهر أو عشر سنين ولا يعلمون أنها أخرجت عن ملكه إلى الآن أو إلى أن تعتدي عليها فلان أو إلى أن غاب أو إلى أن توفي وتركها لمن أحاط بميراثه إلخ فإذا ثبت هذه الوثيقة هكذا وأعذر فيها للمقوم عليه فلم يجد مطعنا فلا إشكال أنها تدل دلالة ظنية على أن الملك لهذا القائم ولا تفيد القطع لأن الشهادات من حيث هي إنما تفيد غلبة الظن فقط وهو معنى قولهم إنما تقبل فيما جهل أصل ملكه لأن أصل الملك لمن هو مجهول عندنا حتى شهدت به البينة لهذا القائم

وحينئذ فيقضي له به حيث لا مطعن بعد أن يسأل الحائز أو لا هل لك حجة ولعله يقر أن الملك للقائم وأنه دخل بكراء أو

____________________

(4/172)

الفرق الخامس والثلاثون والمائتان بين قاعدة ما تجب إجابة الحاكم فيه إذا دعاه إليه وبين قاعدة ما لا تجب إجابته فيه إن ادعى من مسافة العدوى فما دونها وجبت الإجابة لأنه لا تتم مصالح الأحكام وإنصاف المظلومين من الظالمين إلا بذلك ومن أبعد من المسافة لا تجب الإجابة وإن لم يكن له عليه حق لم تجب الإجابة أو له عليه حق ولكن لا يتوقف على الحاكم لا تجب الإجابة فإن كان قادرا على أدائه لزمه أداؤه ولا يذهب إليه ومتى علم خصمه إعساره حرم عليه طلبه ودعواه إلى الحاكم وإن دعاه وعلم أنه يحكم عليه بجور لم تجب الإجابة وتحرم في الدماء والفروج والحدود وسائر العقوبات الشرعية وإن كان الحق موقوفا على الحاكم كأجل العنين يخير الزوج بين الطلاق فلا تجب الإجابة وبين الإجابة وليس له الامتناع منها وكذلك القسمة المتوقفة على الحاكم يخير بين تمليك حصته لغريمه

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

عارية فإن قال حوزي وملكي وبيدي وأثبت حيازة ذلك عنه عشر سنين في الأصول أو عامين في غيرها بالقيود المذكورة أيضا من اليد والنسبة ودعوى الملك والتصرف وعدم المنازع إلخ والحال أن القائم حاضر ساكت بلا مانع إلخ فقد سقط حق القائم وتبقى الأملاك بيد حائزها ولا يكلف بيان وجه تملكه ولا غير ذلك وبالجملة فمهما ثبتت الحيازة عشرة أشهر فأكثر بالقيود أولا لا تقطعها الحيازة الواقعة بعدها إلا أن تكون عشر سنين فأكثر بالقيود المذكورة أيضا ومهما ثبتت الحيازة عشرة أعوام مع علم أصل الملك لمن هو قطعت حجة القائم مع علم أصل ملكه حيث لم يعلم أصل مدخله أما إذا علم ككونه دخل بكراء من القائم أو إسكان أو مساقات ونحو ذلك فإنها لا تقطعها ولو طالت فأصل الملك وأصل المدخل شيئان متغايران وهما وإن كان كل منهما يشترط جهله لكن الأول شرط في قبول بينة القائم إذ هي لا تقبل إلا إذا لم يعلم أن أصل ذلك لغيره والثاني شرط في أعمال حيازة المقوم عليه إذ لا يعلم بحيازته إلا إذا جهل مدخله

أما إذا علم بإسكان ونحوه فإنها لا تنقطع حجة الأول بل هي حينئذ كالعدم وانظر الكلام على القيود المذكورة من اليد والنسبة وغيرهما في حاشيتنا على اللامية ا ه كلام التسولي بتصرف وستأتي مسائل أخر في الحيازة إن شاء الله تعالى في الفرق بين ما هو حجة وما ليس بحجة عند الحكام فترقب والله سبحانه وتعالى أعلم الفرق الخامس والثلاثون والمائتان بين قاعدة ما تجب إجابة الحاكم فيه إذا دعاه إليه وبين قاعدة ما لا تجب إجابته فيه اعلم أن دعوى المدعي التي يذكرها للحاكم ويوجهها على المطلوب ثلاثة أقسام القسم الأول أن تكون مجردة عما يظهر به صحتها مما مر وعن دليل وشبهة واختلف في هذا القسم هل يجب به الإجابة على من كان على مسافة العدوى فما دونها لأعلى من فوقها وهو ما نقل عن الشافعي وأبي حنيفة وعن أحمد في رواية ولا تجب مطلقا وهو ما ذهب إليه جماعة من أصحابنا ونقل عن أحمد أيضا في رواية أخرى

____________________

(4/173)

وبين الإجابة وليس له الامتناع منها وكذلك الفسوخ الموقوفة على الحاكم وإن دعاه إلى حق مختلف في ثبوته وخصمه يعتقد ثبوته وجبت عليه لأنها دعوى حق أو يعتقد عدم

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وفي الحطاب على المختصر نقلا عن المسائل الملقوطة وهذا أولى لأن الدعوى قد لا تتوجه فيبعث إليه من مسافة العدوى ويحضره لما لا يجب فيه شيء ويفوت عليه كثير من مصالحه وربما كان حضور بعض الناس والدعوى عليه بمجلس الحكام مزرية فيقصد من له غرض فاسد أذى من يريد بذلك من التبصرة ا ه

القسم الثاني أن تكون مع ما تظهر به صحتها مما مر دون أن يأتي بدليل وشبهة وفي هذا القسم قال الأصل إن دعا من مسافة العدوى فما دون وجبت الإجابة لأنه لا تتم مصالح الأحكام وإنصاف المظلومين من الظالمين إلا بذلك ومن أبعد من المسافة لا تجب الإجابة ا ه

وقال ابن الحاجب ويجلب الخصم مع مدعيه بخاتم أو رسول إذا لم يزد على مسافة العدوى فإن زاد لم يجلبه ا ه وقال خليل وجلب الخصم بخاتم أو رسول إن كان على مسافة العدوى لا بأكثر كستين ميلا ا ه يعني أن الخصم إذا كان حاضرا في البلد يرفع بالإرسال إليه لا بالخاتم على ما به العمل كما في اليزناسي وظاهره وظاهر قول ابن أبي زمنين أنه يرفع وإن لم يأت بشبهة ابن عرفة وبه العمل وإذا كان على مسافة العدوى يرفع بكتابة كتاب إليه أن احضر مجلس الحكم ويطيع ويدفع للطالب الآتي بالدعوى المذكورة كما في تسولي العاصمية قال ومسافة العدوى ثمانية وأربعون ميلا فهي مسافة القصر كما في التبصرة الجوهري العدوى طلبك إلى وال ليعديك على من ظلمك أي ينتقم منه يقال استعديت على فلان الأمير فأعداني أي استعنت به فأعانني عليه ا ه

القسم الثالث أن تكون مع ما تظهر به صحتها مما مر ومع الإتيان بدليل وشبهة أي لطخ كجرح أو شاهد أو أثر ضرب ونحو ذلك وفي هذا القسم قال ابن الحاجب فإن زاد أي على مسافة العدوى لم يجلبه ما لم يشهد شاهد فيكتب إليه إما أن يحضر أو يرضى أي خصمه ا ه يعني أنه تجب فيه على المطلوب ولو كان على ما يزيد على مسافة العدوى إما الإجابة أو إرضاء خصمه لكن محل ذلك إذا كان المطلوب الذي على ما يزيد على مسافة العدوى من محل ولاية الحاكم أما إن كان من غير محل ولايته فعلى قول ابن عاصم والحكم في المشهور حيث المدعى عليه في الأصول والمال معا وحيث يلفيه بما في الذمه يطلبه وحيث أصل ثمه وحاصله أن المدعى عليه إذا لم يخرج من بلده فليست الدعوى إلا هنالك كان المتنازع فيه هناك أم لا وإن خرج من بلده فإما أن يلقاه في محل الأصل المتنازع فيه أو يكون المال المعين معه أو لا فيجيبه لمخاصمته هناك في الأول دون الثاني وأما ما في الذمة فيخاصمه حيث ما لقيه كما في شرح التسولي

تنبيه قال الأصل وسلمه ابن الشاط والحطاب متى طولب الشخص بحق وجب عليه على الفور كرد المغصوب ولا يحل له أن يقول لا يدفعه إلا بالحاكم لأن المطل ظلم ووقوف الناس عند الحاكم صعب نعم إذا كان الحق نفقة للأقارب وجب الحضور فيها عند الحاكم لتقديرها فإن كانت النفقة للزوجة أو للرقيق خير بين إبانة الزوجة وعتق الرقيق وبين الإجابة كما يخبر في كل حق موقوف على الحاكم أي أو يمكن فيه التخيير كأجل العنين يخير الزوج بين الطلاق فلا تجب الإجابة

____________________

(4/174)

ثبوته لا تجب لأنه مبطل وإن دعاه الحاكم وجب لأن المحل قابل للحكم والتصرف والاجتهاد ومتى طولب بحق وجب عليه على الفور كرد المغصوب ولا يحل له أن يقول لا أدفعه إلا بالحكم لأن المطل ظلم ووقوف الناس عند الحاكم صعب وأما النفقات فيجب الحضور فيها عند الحاكم لتقديرها إن كانت للأقارب وإن كانت للزوجة أو للرقيق يخير بين إبانة الزوجة وعتق الرقيق وبين الإجابة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وبين الإجابة فليس له الامتناع منها وكالقسمة المتوقفة على الحاكم يخبر بين تمليك حصته لغريمه وبين الإجابة فليس له الامتناع منها وكالفسوخ المتوقفة على الحاكم أما إن كان الحق لا يتوقف على الحاكم فلا تجب الإجابة بل إن كان قادرا على أدائه لزمه أداء ولا يذهب إليه ومتى علم خصمه إعساره حرم عليه طلبه ودعواه إلى الحاكم فإن دعاه وعلم أنه يحكم عليه بحوز لم تجب الإجابة وتحرم في الدماء والفروج والحدود وسائر العقوبات الشرعية

هذا إذا كان الحق متفقا على ثبوته أما إن دعاه إلى حق مختلف في ثبوته فإن كان خصمه يعتقد ثبوته وجبت الإجابة عليه لأنها دعوى حق وإن كان يعتقد عدم ثبوته لم تجب لأنه مبطل نعم إن دعاه الحاكم وجب لأن المحل قابل للحكم والتصرف والاجتهاد وإن لم يكن له عليه حق لم تجب الإجابة ا ه بتصرف قال التسولي على العاصمية ومحل هذا التفصيل والله أعلم إذا كان هناك من يعينه على الحق ويتثبت في أمره وأما إذا فقد ذلك كما في زماننا اليوم فتجب الإجابة في الجميع لئلا يقع فيما هو أعظم ا ه

والله سبحانه وتعالى أعلم

فرق بين قاعدة ما يلزم فيه الأعذار وقاعدة ما لا يلزم فيه الأعذار وهو كما يؤخذ من كلام ابن فرحون في تبصرته أن ما يلزم فيه الأعذار ثلاثة أنواع الأول كل ما قامت عليه بينة بحق من معاملة أو نحوها والنوع الثاني كل من قامت عليه دعوى بفساد أو غضب أو تعد ولم يكن من أهل الفساد الظاهر ولا من الزنادقة المشهورين بما ينسب إليهم النوع الثالث كل من قامت عليه بينة غير مستفيضة بالأسباب القديمة والحديثة وبالموت القديم والحديث وبالنكاحات القديمة والحديثة وبالولاء القديم وبالأحباس القديمة وبالضرر يكون بين الزوجين وأما ما لا يلزم فيه الإعذار فثلاثة أنواع أيضا الأول كل من قامت عليه بينة بغير حق معاملة ونحوها انتفت الظنون والتهمة عنهم ويتحقق بمسائل المسألة الأولى قال إسحاق بن إبراهيم النجيبي ومما لا أعذار فيه استفاضة الشهادات المشهود بها عند الحكام في الأسباب القديمة والحديث وفي الموت القديم والحديث وفي النكاحات القديمة والحديثة وفي الولاء القديم وفي الأحباس القديمة وفي الضرر يكون بين الزوجين وفي أشياء غيرها يطول ذكرها قال ابن فرحون قوله والضرر معناه أنه يسقط الأعذار في الشهادة بالضرر ولهذه الشهادات باب مستوعب يأتي إن شاء الله تعالى المسألة الثانية قال ابن فرحون إذا انعقد في مجلس القاضي مقال بإقرار أو إنكار وشهدت به شهود المجلس عند القاضي أنفذ تلك المقالة على قائلها ولم يعذر إليه في شهادة شهودها لكونها بين يديه وعلمه بها وقطعه بحقيقتها وهذا هو الإجماع من المتقدمين والمتأخرين

____________________

(4/175)

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

قاله أبو إبراهيم إسحق بن إبراهيم النجيبي وقال ابن العطار وبه جرى الحكم والعمل عند الحكام لكن قال ابن سهر ورأيت في غير كتاب ابن العطار أن شهود المجلس إذا كتبوا شهادتهم على مقال مقر أو منكر في مجلس القاضي ولم يشهدوا بها عند القاضي في ذلك المجلس ثم أرادوا في المجلس الذي كان فيه المقال وكذلك لو حفظوها ولم يكتبوها ثم أدوها بعد ذلك إذا طلبوا بها

وكانوا عدولا فإنه يعذر فيها إلى من شهدوا عليه بها ا ه لمسألة الثالثة قال ابن فرحون الشهود الذين يحضرون تطليق المرأة نفسها وأخذها بشرطها في الطلاق في مسائل الشروط في النكاح لا يحتاج إلى تسميتهم لأنه لا أعذار فيهم ا ه والنوع الثاني كل من قامت عليه بغير حق معاملة ونحوها بينة أقامهم الحاكم مقام نفسه ويتضح بمسائل المسالة الأولى قال أبو إبراهيم لا يعذر القاضي فيمن أعذره إلى مشهود عليه من امرأة أو مريض لا يخرجان المسألة الثانية قال أبو إبراهيم لا يعذر في الشاهدين الذين يوجههما الحاك لحضور حيازة الشهود لما شهدوا فيه من دار أو عقار وقال ابن سهل وسألت ابن عتاب عن ذلك فقال لا أعذار فيمن وجه للإعذار

وأما الموجهان للحيازة فيعذر فيهما وقد اختلف في ذلك المسألة الثالثة قال ابن فرحون الشاهدان الموجهان لحضور اليمين لا يحتاج إلى تسميتهم لأنه لا أعذار فيهما في المشهور من القول لأن الحاكم أقامهما مقام نفسه وقيل لا بد من الإعذار فيهما ا ه ومن هذا النوع تعديل السر فلا يعذر القاضي في المعدلين سرا كما تقدم ومنه أيضا حكم الحكمين فيسقط الأعذار فيه قال ابن رشد لأنهما يحكمان في ذلك بما خلص إليهما بعد النظر والكشف وليس حكمهما بالشهادة القاطعة ا ه

والنوع الثالث كل من قامت عليه دعوى بفساد أو غضب أو تعد وهو من أهل الفساد الظاهر أو من الزنادقة المشهورين بما ينسب إليهم فلا يعذر إليهم فيما شهد به عليهم ففي آخر الجزء الثاني من كتاب ابن سهل أن أبا الخير الزنديق لما شهد عليه بما يتعاطاه من القول المصرح بالكفر والانسلاخ من الإيمان وقامت البينة عليه بذلك وكانوا ثمانية عشر شاهدا وكان القاضي يومئذ منذر بن سعيد قاضي الجماعة فأشار بعض العلماء بأن يعذر إليه فيما شهد به عليه وأشار قاضي الجماعة وإسحاق بن إبراهيم النجيبي وصاحب الصلاة أحمد بن مطرف بأنه يقتل بغير أعذار لأنه ملحد كافر وقد وجب قتله بدون ما ثبت عليه فقتل بغير أعذار فقيل لأبي إبراهيم أشرح أصل الفتيا في قتله بغير إعذار الذي اعتمدت عليه فذكر أنه اعتمد في ذلك على قاعدة مذهب مالك رضي الله عنه في قطع الإعذار عمن استفاضت عليه الشهادات في الظلم وعلى مذهبه في السلابة والمغيرين وأشباههم إذا شهد عليهم المسلوبون والمنتهبون بأن تقبل شهادتهم عليهم إذا كانوا من أهل القبول وفي قبولها عليهم سفك دمائهم وفي الرجل يتعلق بالرجل وجرحه يدمي فيصدق عليه وفي التي تتعلق بالرجل في المكان الخالي وقد فضحت نفسها بإصابته لها فتصدق بفضيحة نفسها وفي الذي وجده مالك رضي الله تعالى عنه عند أحد الحكام وهو يضرب بدعوى صبي قد تعلق به وهو يدمي فضربه الحاكم فيما أدعاه عليه من إصابته له فلم يزل يضرب ومالك جالس عنده حتى ضرب ثلثمائة سوط وهو ساكت لا ينكر ذلك مع ما تقدم له من الضرب قبل وصول مالك رضي الله عنه وقد بلغني أنه انتهى به الضرب إلى ستمائة سوط

____________________

(4/176)

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وفي أهل حصن من العدو يأتون مسلمين رجالا ونساء حوامل فيصدقون في أنسابهم ويتوارثون إذا كانوا جماعة لهم عدد قال ابن القاسم والعشرون عندي جماعة فأين الإعذار في هؤلاء كلهم قال وإذا كان مالك يرى في أهل الظلم للناس والسلابين والمحاربين ونحوهم أن يقطع عنهم الإعذار فالظالم لله تعالى ولكتابه ولرسوله صلى الله عليه وسلم أحق بأن يقطع عنه الإعذار فيما ثبت عليه وأني متقرب إلى الله تعالى بإسقاط التوسعة عليه في طلب المخارج له بالإعذار وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الموطأ أنه قال أنا بشر مثلكم يوحي إلي وأنكم تختصمون إلي فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فاقضي له على نحو ما أسمع منه وهذا الحديث هو أم القضايا ولا إعذار فيه

وكذلك كتاب عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة بن الجراح وإلى أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهم وهما أيضا ملاذ الحكام في الأحكام ولا إعذار فيهما ولا إقالة من حجة ولا من كلمة غير أن الإعذار فيما يتحاكم الناس فيه من غير أسباب الديانات استحسان من أئمتنا وأنا على اتباعهم فيه والأخذ به على بصيرة مستحكمة فيما أوجبوا الإعذار فيه من الحقوق والتزم التسليم لما استحسنوه إذ هم القدوة والهداة فأما في إقامة الحدود في الإلحاد والزندقة وتكذيب القرآن والرسول عليه الصلاة والسلام فلم أسمع به ولم أره لأحد ممن وصل إلينا علمه قال فإلى هذه الأمور نزعت في ترك الإعذار إلى هذا الملحد قال ابن سهل لقد أحسن أبو إبراهيم رحمه الله تعالى في هذا التبيين والنصح للمسلمين وإن كان في فصول من كلامه اعتراض على الأصول وفي بعضها اختلاف والحق البين إن من تظاهرت الشهادات عليه في إلحاد أو غيره هذا التظاهر

وكثرت البينة العادلة عليه هذه الكثرة فالإعذار إليه معدوم الفائدة لأنه لا يستطيع تجريح جميعهم ولا يمكنه الإتيان بما يسقط من شهادتهم ومن قال بالإعذار أفاد أصله المتفق عليه عند العلماء والحكام في لزوم الإعذار في الأموال ومن اجتهد أصاب والله الموفق للصواب ا ه

كلام ابن فرحون في تبصرته وكله بنص لفظه إلا النوع الثالث مما يلزم فيه الإعذار فإنه مأخوذ من مفهوم المسألة الأولى من النوع الأول مما لا يلزم فيه الإعذار فافهم قال والإعذار لا يكون إلا بعد استيفاء الشروط وتمام النظر فإن الإعذار في شيء ناقص لا يفيد شيئا قال ابن سهل وفي مفيد الحكام وقد اختلف في وقت الإعذار إلى المحكوم عليه فقيل يحكم عليه وبعد ذلك يعذر إليه والذي به العمل أنه يعذر إليه وحينئذ يحكم عليه ا ه قال ابن الحاجب ويحكم بعد أن يسأله أبقيت لك حجة فيقول لا فإن قال نعم انظره ما لم يتبين لدده والمحكوم عليه أعم من المدعي المدعي عليه والمتبادر الذهن هو المدعى عليه لأنه قد تقوي حجة المدعى عليه فيتوجه الحكم على المدعي بالإبراء أو بغيره من وجوه الحكم ا ه

وإذا حصلت التزكية للشهود فلا بد من الإعذار في المزكي

والمزكي ثم هل يعذر إليه قبل أن يسأله ذلك أبو بعد أن يسأله في المذهب أربعة أقوال قال ابن نافع يقول له دونك فخرج وإلا حكمت عليك وقال مالك في رواية أشهب لا يقول له ذلك وذلك وهن للشاهد وقال أشبه بقوله ذلك إن كان قبولهم بالتزكية ولا يقول في المبرزين قول ابن القاسم يقوله لمن لا يدري ذلك كالمرأة والضعيف ثم حيث قلنا بالإعذار فما الذي يسمع منه قال ابن شاس يسمع في متوسط العدالة القدح فيها

____________________

(4/177)

فارغات

هامش أنوار البروق

فارغه

هامش إدرار الشروق

وأما المبرز المعروف بالصلاح فيسمع فيه القدح بالعدواة والقرابة والهجرة وقال سحنون يمكن أن التجريح ولم يفرق وإذا قلنا بسماع الجرح في المبرز فقال سحنون لا يقبل ذلك إلا من المرز في العدالة وقال ابن الماشجون يجرح الشاهد من هو مثله وفوقه ولا يجرح من دونه إلا بالعداوة والهجرة أما القدح في العدالة فلا وقال مطرف يجرحه من هو مثله وفوقه ودونه بالإسفاه وبالعداوة إذا كان عدلا عارفا فوجوه الجراح واختاره اللخمي وقال عبد الحكم لا يقبل التجريح في المبرز إلا أن يكون المجرحون معروفين بالعدالة منه ويذكرون ما جرحوه به مما يثبت بالكشف وقال ابن القطان لا يجرح الشاهد من دونه بالعداوة وأجازه ابن العطار وفي معين الحكام ويعذر في تعديل العلانية دون تعديل السر فلا يعذر القاضي في المعدلين سرا والأصل في الإعذار قوله تعالى في قصة الهدهد ! 2 < لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين > 2 ! النمل 21 وقوله تعالى ! 2 < وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا > 2 ! الإسراء 15 قوله تعالى ! 2 < ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا > 2 ! طه 134 الآية وقوله تعالى ! 2 < لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل > 2 ! النساء 165 ومثل هذا كثير قال ابن سهل والإعذار المبالغة في العذر ومنه قد أعذر من أنذر أي قد بالغ في الإعذار من تقدم إليك فأنذرك ومنه أعذار القاضي إلى من ثبت عليه حتى يؤخذ منه فتعذر عليه فيمن شهد عليه بذلك ا ه

المراد من التبصرة من مواضع تنبيهان الأول زدت هذا الفرق على ما ذكره الأصل فيما تقدم من أجزاء كيفية القضاء التسعة لتكمل وتتضح بها كيفيته التي هي أحد أركانه الستة التي تستفاد من كلام الأصل المتقدم والآتي وذكرها تستولي العاصمية تبعا لابن فرحون بقوله الأول القاضي والثاني والثالث المدعي والمدعى عليه قال والحكم على كل منهما بأنه مدع أو مدعى عليه فرع تصوره وتعرف حاله فافهم والرابع المدعي فيه والخامس المقضي به يعني من كتاب أو سنة أو إجماع بالنسبة للمجتهد أو المتفق عليه أو المشهور أو الراجح أو ما به العمل بالنسبة فلا يتعقب لأن حكم المجتهد يرفع الخلاف

وأما المقلد فلا يرفع حكمه الخلاف وما ليس بحكم كقوله أنا لا أجيز النكاح بغير ولي أو لا أحدكم بالشاهد واليمين فيتعقب فلمن بعده من حنفي أن يحكم بصحة النكاح أو مالكي أن يحكم بالشاهد واليمين الثاني معرفة ما يفتقر لحكم وما لا يفتقر الثالث معرفة ما يدخله الحكم من أبواب الفقه وما لا يدخله الرابع معرفة الفرق بين ألفاظ الحكم التي جرت بها عادة الحكام وما لم تجر العادة به الخامس معرفة الفرق بين الثبوت والحكم السادس معرفة الدعوى الصحيحة وشروطها السابع معرفة حكم جواب المدعي عليه من إقرار أو إنكار أو امتناع منهما الثامن معرفة كيفية الإعذار التاسع معرفة صفة اليمين ومكانها والتغليظ فيها ا ه المراد بتوضيح ما التنبيه الثاني قال تستولي العاصمية رسالة أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه المعروفة برسالة القضاء هي بسم الله الرحمن الرحيم من عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري سلام عليك

أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة وسنة معينة فأفهم إذا أدلى إليك وانفذ إذا تبين لك فإنه لا ينفع

____________________

(4/178)

الفرق السادس والثلاثون والمائتان بين قاعدة ما يشرع من الحبس وقاعدة ما لا يشرع المشروع من الحبس ثمانية أقسام الأول يحبس الجاني لغيبة المجني عليه حفظا لمحل القصاص الثاني حبس الآبق سنة حفظا للمالية رجاء أن يعرف ربه الثالث يحبس الممتنع عن دفع الحق إلجاء إليه الرابع

هامش أنوار البروق

قال الفرق السادس والثلاثون والمائتان بين قاعدة ما يشرع من الحبس وقاعدة ما لا يشرع قلت ما قاله في هذا الفرق من انحصار الأسباب الموجبة للحبس في ثمانية أقسام كما قال ليس وفي ذلك نظر وما قاله في الفروق الأربعة بعده صحيح أو نقل وترجيح

مسألة في بداية حفيد ابن رشد وفي الأصل وسلمه ابن الشاط اتفقوا على أن الإسلام شرط في قبول الشهادة وأنه لا تجوز شهادة الكافر إلا ما اختلفوا فيه من جوازها في الوصية في السفر أي وعلى أهل ملته فعندنا وعند الشافعي لا تقبل شهادة الكافر على المسلم أو الكافر على أهل ملته ولا غيرها ولا في وصية ميت مات في سفر وإن لم يحضر مسلمون وتمنع شهادة نسائهم في الاستهلال والولادة بل قال أبو زيد من أصحابنا في كتابه النوادر لو رضي الخصم بالحكم بالكافر والمسخوط لم يحكم له به لأنه حق لله تعالى

وقال أبو حنيفة يقبل اليهودي على النصراني والنصراني على اليهودي مطلقا لأن الكفر ملة واحدة وقال أبو حنيفة وأحمد بن حنبل تجوز شهادة أهل الكتاب في الوصية في السفر إذا لم يكن غيرهم وهم ذمة يحلفان بعد العصر ما خانا ولا كتما ولا اشتريا به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين وروي عن قتادة وغيره يقبل الكافر على ملته دون غيرها لنا قوله تعالى وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وقال عليه السلام لا تقبل شهادة عدو على عدوه وقياسا على الفاسق بطريق الأولى وذلك أن الله تعالى أمر بالتوقف في خبر الفاسق وهنا أولى إذ الشهادة آكد من الخبر وقوله تعالى وأشهدوا ذوي عدل منكم وفي الحديث قال عليه السلام لا تقبل شهادة أهل دين على غير أهل دينه إلا المسلمين فإنهم عدول عليهم وعلى غيرهم ولأن من لا تقبل شهادته على المسلم لا تقبل على غيره كالعبد

وأما احتجاجهم بقوله تعالى شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم قالوا فإن معناه من غير المسلمين من أهل الكتاب وروي ذلك عن أبي موسى الأشعري وغيره وقال غير ابن حنبل وإذا جاز على المسلم جازت على الكافر بطريق الأولى فجوابه بوجوبه الأول أن الحسن قال من غير عشيرتكم وعن قتادة قال من غير حلفكم فما تعين ما قالوه

الثاني أن معنى الشهادة التحمل ونحن نجيزه أو اليمين فيقسمان بالله كما قال في اللعان

الثالث أن الله تعالى خير بين المسلمين وغيرهم ولم يقل به أحد فدل على نسخه وأما احتجاجهم بما في الصحيح من أن اليهود جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهم يهوديان فذكرت له عليه السلام أنهما زنيا فرجمهما عليه السلام وظاهره أن رجمهما بشهادتهم وروى الشعبي أنه عليه السلام قال إن شهد منكم أربعة رجمتهما فجوابه بوجوه الأول إنهم لا يقولون به لأن الإحصان من شرط الإسلام

الثاني أنه نقل أنهما اعترفا بالزنا فلم يرجمهما بالشهادة

الثالث أن الصحيح أنه إنما رجمهما بالوحي لأن التوراة لا يجوز الاعتماد عليها لما فيه من التحريف وشهادة الكفار غير مقبولة وقال ابن عمر كان حد المسلمين يومئذ الجلد فلم يبق إلا الوحي الذي يخصهما وأما احتجاجهم بأن الكافر من أهل الولاية لأنه يزوج أولاده فجوابه أن الفسق عندنا لا ينافي الولاية لأن وازعها طبيعي وينافي الشهادة لأن وازعها ديني فافترقا لأن تزويج الكفار عندنا فاسد والإسلام يصححه

وأما احتجاجهم بأنهم يدينون في الحقوق قال تعالى ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك فجوابه أن هذا معارض بقوله تعالى في آخر الآية ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل فأخبر تعالى أنهم يستحلون ما لنا بل جميع أدلتكم معارضة بقوله تعالى أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات وقوله تعالى لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة فنفى تعالى التسوية فلا تقبل شهادتهم وإلا حصلت التسوية قال الأصحاب وناسخ الآية قوله تعالى وأشهدوا ذوي عدل منكم ا ه والله أعلم

هامش إدرار الشروق

تكلم لحق لا نفاذ له وسوء بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك البينة على من ادعى واليمين على من أنكر والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا ولا يمنعك قضاء قضيته بالأمس ثم راجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق ومراجعته خير من الباطل والتمادي فيه الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك مما لم يبلغك في الكتاب والسنة أعرف الأمثال والأشباه

وقس الأمور عند ذلك وأعمد إلى أقربها إلى الله تعالى وأشبهها بالحق فيما ترى واجعل لمن أدعى حقا غائبا أو بينة أمدا ينتهي إليه فإن أحر بينة أخذت له بحقه وإلا أوجبت له القضاء فإن ذلك انفى للشك وأبلغ للعذر الناس عدول بعضهم على بعض إلا مجلودا في حدا أو مجربا عليه شهادة زور أو ظنينا والتأذي بالناس والتنكير عند الخصومات فإن الحق في مواطن الحق يعظم به الأجر ويحسن عليه الذخر فإن من يصلح ما بينه وبين الله تعالى وهو على نفسه يكفه الله ما بينه وبين الناس ومن تزين بما يعلم الله منه غيره شأنه الله فما ظنك بثواب الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته والسلام قال ابن سهل هذه الرسالة أصل فيما تضمنته من فصول الفضاء ومعاني الإحكام قال في التوضيح فينبغي حفظها والإعتناء بها ابن سهل وقوله فيها المسلمون عدول بعضهم على بعض الخ رجع عنه بما رواه مالك في الموطأ قال ربيعة قدم رجل من أهل العراق على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال قد جئتك على أمر لا رأس له ولا ذنب فقال عمر ما هو فقال شهادة الزور ظهرت بأرضنا فقال عمر والله لا يؤسر رجل في الإسلام بغير عدول وهذا يدل على رجوعه عما في هذه الرسالة وأخذ الحسن والليث بن سعيد من التابعين بما في هذه الرسالة من أمر الشهود والأكثر على خلافه لقوله تعالى ^ وأشهدوا ذوي عدل منكم ممن ترضون من الشهداء ^ والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق الثامن والثلاثون والمائتان بين قاعدة ما يشرع من الحبس وقاعدة ما لا يشرع منه الحبس عشرة أقسام بما زاده ابن فرحون على ما اقتصر عليه الأصل الأول حبس الجاني لغيبة المجني عليه حفظا لمحل القصاص الثاني حبس الآبق سنة حفظا للمالية رجاء أن يعرف ربه الثالث حبس

____________________

(4/179)

يحبس من أشكل أمره في العسر واليسر اختبارا لحاله فإذا ظهر حاله حكم بموجبه عسرا أو يسرا الخامس الحبس للجاني تعزيرا وردعا عن معاصي الله تعالى السادس يحبس من امتنع من التصرف الواجب الذي لا تدخله النيابة كحبس من أسلم على أختين أو عشر نسوة أو امرأة وابنتها وامتنع من التعيين السابع من أقر بمجهول عين أو في الذمة وامتنع من تعيينه فيحبس حتى يعينهما فيقول العين هو هذا الثوب أو هذه الدابة ونحوهما أو الشيء الذي أقررت به هو دينار في ذمتي الثامن يحبس الممتنع في حق الله تعالى الذي لا تدخله النيابة عند الشافعية كالصوم وعندنا يقتل كالصلاة وما عدا هذه الثمانية لا يجوز الحبس فيه ولا يجوز الحبس في الحق إذا تملك الحاكم من استيفائه فإن امتنع من دفع الدين ونحن نعرف ماله أخذنا منه مقدار الدين ولا يجوز لنا حبسه وكذلك إذا ظفرنا بماله أو داره أو شيء يباع له في الدين كان رهنا أم لا فعلنا ذلك ولا نحبسه لأن في حبسه استمرار ظلمه ودوام المنكر في الظلم وضرره هو مع إمكان أن لا يبقى شيء من ذلك كله وكذلك إذا رأى الحاكم على الخصم في الحبس من الثياب والقماش ما يمكن استيفاؤه عنه أخذه من عليه قهرا وباعه فيما عليه ولا يحبسه تعجيلا لدفع الظلم وإيصال الحق لمستحقه بحسب الإمكان

سؤال كيف يخلد في الحبس من امتنع من دفع درهم يقدر على دفعه وعجزنا عن أخذه منه لأنها عقوبة عظيمة في جناية حقيرة وقواعد الشرع تقتضي تقدير العقوبات بقدر الجنايات جوابه أنها عقوبة صغيرة بإزاء جناية صغيرة ولم تخالف القواعد لأنه في كل ساعة يمتنع من أداء الحق فتقابل كل ساعة من ساعات الامتناع بساعة من ساعات الحبس فهي جنايات وعقوبات متكررة متقابلة فاندفع السؤال ولم تخالف القواعد

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الممتنع من دفع الحق ولو درهما وهو يقدر عليه دفعه وعجزنا عن أخذه منه إلا به لجاء إليه فلا يطلق حتى يدفعه ولا يقال قواعد الشرع تقتضي تقدير العقوبات بقدر الجنايات وتخليده في الحبس عقوبة عظيمة كيف تكون في جناية حقيرة وهي الامتناع من دفع درهم وجب عليه لأنا نقول لا نسلم أن التخليد عقوبة واحدة عظيمة حتى يرد مخالفة القواعد لم لا يجوز أن تقابل كل ساعة من ساعات الحبس كل ساعة من ساعات الامتناع فهي جنايات وعقوبات متكررة متقابلة فلم تخالف القواعد كما للأصل سلمنا أنه عقوبة واحدة عظيمة لكن لا نسلم أن الامتناع من دفع درهم وجب عليه جناية حقيرة بل هو جناية عظيمة فإن مطل الغني ظلم والإصرار على الظلم والتمادي عليه جناية عظيمة فاستحق ذلك التخليد والظالم أحق أن يحمل عليه كما لابن فرحون في تبصرته الرابع حبس من أشكل أمره في العسر واليسر اختبار لحاله فإذا ظهر حاله حكم بموجبه عسرا أو يسرا

الخامس حبس الجاني تعزيرا أو ردعا عن معاصي الله تعالى

السادس حبس من امتنع من التصرف الواجب الذي لا تدخله النيابة كحبس من

____________________

(4/180)

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

أسلم عن أختين أو عشرة نسوة أو امرأة وابنتها وامتنع من التعيين

السابع حبس من أقر بمجهول عين أو في الذمة وامتنع من تعيينه فيحبس حتى يعينه فيقول المقر به هو هذا الثواب أو هذه الدابة أو الشيء الذي أقررت به في ذمتي هو دينار

الثامن حبس الممتنع من حق الله تعالى الذي لا تدخله النيابة عندنا وعند الشافعي كالصوم والصلاة فيقتل فيه قال ابن فرحون ولا يدخل في ذلك عندنا من امتنع من فعل الحج وإن قلنا أنه على الفور مراعاة للقول بأنه على التراخي وأما ترك السنن فمثاله ترك الوتر قال أصبغ بتأديب تارك الوتر ا ه هذا ما اقتصر عليه الأصل

التاسع من يحبس اختبار لما ينسب إليه من السرقة والفساد

العاشر حبس المتداعي فيه قال تسولي العاصمية وحاصله أن الطالب إما أن يأتي بعدلين أو بعدل أو بمجهول مرجو تزكيته أو بمجهولين كذلك أو بلطخ أو بمجرد الدعوى فالتوقيف في الأول ليس إلا للإعذار ما لا خراج له من العقار بالغلق وما له خراج يوقف خراجه وغير العقار من العروض والثمار والحبوب بالوضع تحت يد أمين وبيع ووضع ثمنه عنده في الثمار إن كان مما يفسد وفي الثاني للإعذار فيه أو لإقامة ثان إن لم يرد أن يحلف معه لرجاء شاهد آخر فالمنع من التفويت فقط في العقار ولا ينزع من يده لكن يوقف ماله خراج منه وفي غير العقار بالوضع تحت يد أمين وبيع ما يفسد أيضا إلا أن يقول إن لم أجد ثانيا فلا أحلف مع هذا ألبتة فلا يباع حينئذ بل يترك للمطلوب وفي الثالث التزكية والإعذار بعدها وحكمه على ما لابن رشد وأبي الحسن وابن الحاجب حكم الذي قبله في سائر الوجوه قال ابن رحال في شرحه هو كالعدل المقبول في وجوب الإيقاف به إلا أنه لا يحلف معه وفي الرابع التزكية والإعذار أيضا وحكمه كالذي قبله إلا في بيع ما يفسد فيباع على كل حال

وفي الخامس ولا يتأتى إلا في غير العقار بالوضع عند أمين ما لم يكن مما يفسد فيخلي بينه وبين حائزه فيما يظهر لأنه كالعدل الذي لا يريد صاحبه الحلف معه وفي السادس لا عقل أي لا حبس أصلا إذ لا يعقل على أحد بشيء بمجرد دعوى الغير فيه على المنصوص وجرى العمل بالإيقاف بمجرد الدعوى في غير العقار قال ناظمه وكل مدع للاستحقاق مكن من الإثبات بالإطلاق لكن حكى ابن ناجي الاتفاق على أن هذا إن صح مستنده ففيه ما لا يخفى من الإخلال بحق والمحافظة على حق الطالب فإن كان ولا بد فينبغي أن يضع قيمة كرائها في أيام الذهاب والإيقاف زيادة على قيمتها فإن لم يثبت شيئا أخذه المطلوب لأن هذا قد اعترض مال غيره وعطله عن منافعه من غير أن يستند إلى لطخ بخلاف ما إذا استند له فلا يضمن الكراء الشبهة ولم أر ذلك منصوصا لأحد ممن قال بهذا العمل وقد حكى كثير من الناس أنهم كانوا إذا تعذر عليهم المعاش يذهبون للفنادق فيعترضون دواب الواردين حتى يصالحوهم بقليل أو كثير ولا سيما إن كان رب الدابة مزعوجا يريد الخروج في الحين وقد شاهدنا من ذلك العجب العجاب وقد قال في الذخيرة إذا التزم المدعى عليه إحضار المدعي فيه لتشهد البينة على عينه فإن ثبت الحق فالمؤنة على المدعى عليه لأنه مبطل وإلا فعلى المدعي لأنه مبطل في ظاهر الشرع

ولا تجب أجرة تعطيل المدعى به في مدة الإحضار انتهى فتأمل قوله لأنه مبطل في ظاهر الشرع إلخ

____________________

(4/181)

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

مع أن ما قاله من وجوب الإحضار إنما هو مع قيام اللطخ انتهى المراد من كلام التسولي هذا ما زاده ابن فرحون في تبصرته على ما اقتصر عليه الأصل من حصر الأسباب الموجبة للحبس في الأقسام الثمانية الأول فلذا قال أبو القاسم بن الشاط ليس كما قاله وفي ذلك نظر أهو ما عدا هذه الأقسام العشرة لا يجوز الحبس فيه

قال الأصل ولا يجوز الحبس في الحق إذا تمكن الحاكم من استيفائه مثل أن يمتنع من دفع الدين ونحن نعرف ماله فإنا نأخذ منه مقدار الدين ولا يجوز لنا حبسه وكذلك إذ ظفرنا بداره أو بشيء يباع له في الدين كان هنا أم لا فإنا نفعل ذلك ولا نحبسه فإن في حبسه استمرار ظلمه ودوام المنكر من المطل وضرره هو مع إمكان أن يبقى شيء من ذلك كله قال وكذلك إذا رأى الحاكم على الخصم في الحبس من الثياب والقماش ما يمكن استيفاؤه عنه أخذه من عليه قهرا وباعه فيما عليه ولا يحبسه تعجيلا ابن المناصف في تنبيه الحكام على مأخذ الأحكام وإذا ضرب الأجل للطالب في إثبات ما ادعاه قبل المطلوب فسأل أن يأخذ من المطلوب كفيلا بوجهه لأجل الخصومة فعليه ذلك فإن عجز عن الكفيل لم يحبس ولم يلزمه شيء وقيل للطالب لازمه إن شئت وفي المدونة فيمن ادعى على رجل دينا أو شيئا مستهلكا وسأل القاضي أن يأخذ له منه كفيلا بذلك الحق فإنه إن كان للمدعي بينة على المخالطة والمعاملة

وما يوجب اللطخ وهم حضور فإنه يوكل بالمطلوب حتى يأتي بذلك اللطخ فيما قرب من يومه وشبهه انظر تمامها في التهذيب أفاده ابن فرحون في التبصرة وقد عقد فصلا لأمثلة الأقسام العشرة مع تقسيمه القسم الثالث وهو حبس الممتنع من دفع الحق إلى ثلاثة أقسام حبس تضييق وتنكيل وحبس تعزير وتنكيل وحبس تعزير وتأديب وحبس ملوم واختيار وبيان من لكل قسم وأمثلته وفصلا لبيان أن قدر مدة الحبس يختلف باختلاف أسبابه وموجباته فانظر

فائدة قال ابن فرحون في التبصرة في وثائق ابن الهندي أن السجن مشتق من الحصر قال الله تعالى وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا أي سجنا وحبسا قال أو السجن وإن كان أسلم العقوبات فقد تأول بعضهم قوله تعالى إلا أن يسجن أو عذاب أليم أن السجن من العقوبات البليغة لأنه سبحانه وتعالى قرنه مع العذاب الأليم وقد عد يوسف عليه الصلاة والسلام الانطلاق من السجن إحسانا إليه في قوله وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن ولا شك أن السجن الطويل عذاب وقد حكى الله تعالى عن فرعون إذ أوعد موسى لأجعلنك من المسجونين ونسأل الله العافية ولما استخلف مروان بن الحكم ابنه على بعض المواضع أوصاه أن لا يعاقب في حين الغضب وحضه على أن لا يسجن حتى يسكن غضبه ثم يرى رأيه وكان يقول إن أول من اتخذ السجن كان حليما ولم يرد مروان طول السجن وإنما أراد السجن الخفيف حتى يسكن غضبه وقال ابن قيم الجوزية الحنبلي اعلم أن الحبس الشرعي ليس هو السجن في مكان ضيق وإنما هو تعويق الشخص ومنعه من التصرف بنفسه حيث شاء سواء كان في بيت أو في

____________________

(4/182)

فارغات

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

مسجد أو كان يتوكل نفس الغريم أو وكيله عليه وملازمته له

ولهذا أسماه النبي صلى الله عليه وسلم أسيرا ففي سنن أبي داود وابن ماجه عن الهرماس بن حبيب عن أبيه عن جده قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لغريم لي فقال الزمه ثم قال لي يا أخا بني تميم ما تريد أن تفعل بأسيرك وفي رواية ابن ماجه مر بي آخر النهار فقال ما فعل أسيرك يا أخا بني تميم وهذا كان هو الحبس في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه ولم يكن له حبس معد لحبس الخصوم فلما انتشرت الرعية في زمن عمر رضي الله عنه ابتاع بمكة دارا وجعلها سجنا يحبس فيها وجاء أنه اشترى من صفوان بن أمية دارا بأربعة آلاف درهم وجعلها حبسا وفي هذا دليل على جواز اتخاذ الحبس ا ه

وقال أبو عبد الله محمد بن الفرج المعروف بابن الطلاع الأندلسي المالكي في كتابه المسمى بأحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفت الآثار هل سجن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله تعالى عنه أحدا أم لا فذكر بعضهم أنه لم يكن لهما سجن ولا سجنا أحدا وذكر بعضهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجن في المدينة في تهمة دم رواه عبد الرزاق والنسائي في مصنفيهما وفي غير المصنف أنه صلى الله عليه وسلم حبس في تهمة ساعة من نهار ثم خلى عنه

ووقع في أحكام ابن زياد عن الفقيه أبي صالح عن أيوب بن سليمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجن رجلا أعتق شركا له في عبد فأوجب عليه استتمام عتقه قال في الحديث حتى باع غنيمة له

وقال ابن شعبان في كتابه وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حكم بالضرب والسجن فثبت بهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم سجن وإن لم يكن ذلك في سجن متخذ لذلك وثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه كان له سجن وأنه سجن الحطيئة على الهجو وسجن ضبعا على سؤاله عن الذاريات والمرسلات والنازعات وشبههن وأمره الناس بالتفقه في ذلك وضربه مرة بعد مرة ونفاه إلى العراق وقيل إلى البصرة وكتب أن لا يجالسه أحد قال المحدث فلو جاءنا ونحن مائة لتفرقنا عنه ثم كتب أبو موسى إلى عمر أنه قد حسنت توبته فأمره عمر رضي الله تعالى عنه فخلى بينه وبين الناس وسجن عثمان رضي الله تعالى عنه صابئ بن حارث وكان من لصوص بني تميم وفتاكهم حتى مات في الحبس وسجن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه في الكوفة وسجن عبد الله بن الزبير في مكة وسجن أيضا في سجن عارم محمد بن الحنفية إذ امتنع من بيعته ا ه والله أعلم

____________________

(4/183)

الفرق السابع والثلاثون والمائتان بين قاعدة من يشرع إلزامه بالحلف وقاعدة من لا يلزمه الحلف فالذي يلزمه الحلف كل من توجهت عليه دعوى صحيحة مشبهة فقولنا صحيحة احتراز من المجهولة أو غير المحررة وما فات فيه شرط من الشروط المتقدمة في هذه القاعدة وقولنا مشبهة احتراز من التي يكذبها العرف وقد تقدم أن الدعوى على ثلاثة أقسام ما يكذبها العرف وما يشهد بها وما لم يتعرض لتكذبيها وتصديقها فما شهد لها كدعوى سلعة معينة بيد رجل أو دعوى غريب وديعة عند جاره أو مسافر أنه أودع أحد رفقائه

وكالدعوى على الصانع المنتصب أنه دفع إليه متاعا ليصنعه أو على أهل السوق المنتصبين للبيع أنه اشترى من أحدهم أو يوصي في مرض موته أن له دينا عند رجل فيشرع التحليف هاهنا بغير شرط وتتفق الأئمة فيها والتي شهد بأنها غير مشبهة فهي كدعوى دين ليس على من تقدم فلا يستخلف إلا بإثبات خلطته له قال ابن القاسم وهي أن يسالفه أو يبايعه مرارا وإن تقابضا في ذلك الثمن أو السلعة وتفاضلا قبل التفرق

وقال سحنون لا بد من البيع والشراء بين المتداعيين وقال الأبهري هي أن تكون الدعوى تشبه أن يدعي مثلها على المدعى عليه وإلا فلا يحلف إلا أن يأتي المدعي بلطخ وقال القاضي أبو الحسن بن القصار لا بد أن يكون المدعى عليه يشبه أن يعامل المدعي فهذه أربعة أقوال في تفسير الخلطة التي هي شرط في هذا القسم

وقال الشافعي وأبو حنيفة يحلف على كل تقدير لنا ما رواه سحنون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال البينة على من ادعى واليمين على من أنكر إذا كانت بينهما خلطة وزيادة العدل مقبولة وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لا يدعي الحاكم على الخصم إلا أن يعلم أن بينهما معاملة ولم يرو له مخالف من الصحابة فكان إجماعا ولأن عمل المدينة كذلك ولأنه لولا ذلك لتجرأ السفهاء على ذوي الأقدار بتبذيلهم عند الحاكم بالتحليف وذلك شاق على ذوي الهيئات وربما التزموا ما لا يلزمهم من الجمل العظيمة من المال فرارا من الحلف كما فعله عثمان رضي الله عنه

وقد يصادفه عقب الحلف مصيبة فيقال هي بسبب الحلف فيتعين حسم الباب

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الفرق السابع والثلاثون والمائتان بين قاعدة من يشرع إلزامه بالحلف وقاعدة من لا يلزمه الحلف وهو أن الدعوى الصحيحة المستكملة لشروطها المتقدمة إما أن تثبت بدون الشاهدين وإما أن لا تثبت إلا بشاهدين فهي قسمان وفي القسم الثاني قال أبو عمرو بن الحاجب كل دعوى لا تثبت إلا بشاهدين فلا يمين بمجردها ولا ترد كالقتل العمد والطلاق والعتق والنسب والولاء

____________________

(4/184)

إلا عند قيام مرجح لأن صيانة الأعراض واجبة والقواعد تقتضي درء مثل هذه المفسدة احتجوا بالحديث السابق بدون زيادة وهو عام في كل مدعى عليه فيسقط اعتبار ما ذكرتموه من الشرط ولقوله عليه السلام شاهداك أو يمينه ولم يذكر مخالطة ولأن الحقوق قد تثبت بدون الخلطة فاشتراطها يؤدي إلى ضياع الحقوق وتختل حكمه الحكام والجواب عن الأول أن مقصود الحديث بيان من عليه البينة ومن عليه اليمين لا بيان حال من تتوجه عليه والقاعدة أن اللفظ إذا ورد لمعنى لا يحتج به في غيره لأن المتكلم معرض عن ذلك الغير ولهذه القاعدة وقع الرد على أبي حنيفة في استدلاله على وجوب الزكاة في الخضراوات بقوله

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

والرجعة وألحق ابن فرحون في تبصرته بهذه أمثلة كثيرة وقال وهذا باب واسع وسيأتي كثير منه في باب القضاء بقول المدعي والمدعى عليه ا ه فانظره

وفي القسم الأول قال الأصل وسلمه ابن الشاط كل من توجهت عليه دعوى صحيحة أي مستكملة لشروطها المتقدمة التي منها أن لا يكذبها العرف وكانت مما تثبت بدون الشاهدين نوعان الأول ما يشهد بها العرف فيشرع التحليف بمجردها بلا شرط خلطة ونحوها وتتفق الأئمة فيها وحصر أبو عمر هذا النوع في خمس مواطن الموطن الأول أهل التهم والعداء والظلم لكل من كان متهما بما ادعى عليه من المعاملات

الموطن الثاني الصناع فيما ادعى عليه من أعمالهم أنهم استصنعوهم والتجار لمن تاجرهم وأهل الأسواق وأهل الحوانيت فيما ادعى عليهم أنهم باعوه مما يريدونه ويتجرون فيه بخلاف غير ما يريدونه ويتجرون فيه فلا يمين فيه إلا بشبهة

الموطن الثالث القائل عند موته لي عند فلان دين أو تدعي ورثة المتوفى على رجل بأن لمورثهم مالا عليه من وجه نصوه لأن من ادعى بسبب متوفى فهو بخلاف الحي عند أهل العلم

الموطن الرابع المتضيف عند الرجل فيدعي عليه

الموطن الخامس العارية الوديعة كأن ينزل الغريب المدينة فيدعي أنه استودع رجلا مالا وزاد في التبصرة موطنا سادسا وهو القاتل يدعي أن ولي المقتول عفا عنه ففي أحكام ابن سهل عن مالك رضي الله عنه أنه يحلف وأنكره أشهب وموطنا سابعا وهو من باع سلعة رجل وادعى أنه أمره ببيعها وأنكره صاحبها وهي قائمة بعينها فإنه يحلف ويأخذها وموضعا ثامنا وهو من ادعى على من لقيه بقية كراء حلف المدعى عليه أنه ما اكترى منه شيئا وكذلك إن كان المدعى عليه هو صاحب الدابة حلف إن كان منكرا

النوع الثاني ما لم يتعرض العرف لتكذيبها ولا تصديقها فلا يشرع فيها التحليف إلا بإثبات خلطة مشهور الدعوى دين على غير من تقدم في المواطن المذكورة وكما إذا ادعى على الرجل المبرز من ليس من شكله ولا نمطه لم تجب له اليمين عليه إلا بثبوت الخلطة كما في التبصرة عن وثائق ابن الهندي ولأصحابنا في الخلطة التي اشترطت في هذا النوع على مشهور المذهب أربعة أقوال الأول لابن القاسم هي أن يسالفه أو يبايعه مرارا وإن تقابضا في ذلك الثمن أو السلعة وتفاصلا قبل التفرقة

والثاني لسحنون لا بد من البيع بين المتداعيين

والثالث للأبهري هي أن تكون الدعوى تشبيه أن يدعي مثلها على المدعى عليه وإلا فلا يحلف إلا أن يأتي المدعي بلطخ

____________________

(4/185)

عليه السلام فيما سقت السماء العشر أن مقصود الحديث بيان الجزء الواجب في الزكاة لا بيان ما تجب فيه الزكاة

وعن الأول أيضا جواب آخر وهو أن العام في الأشخاص غير عام في الأحوال والأزمنة والبقاع والمتعلقات كما تقرر في علم الأصول فيكون الحديث مطلقا في أحوال الحالفين فيحمل على الحالة المحتملة المتقدمة وهي الحالة التي فيها الخلطة لأنها المجمع عليها فلا يحتج به في غيرها وإلا لكان عاما في الأحوال

وليس كذلك والجواب عن الثاني أن مقصوده بيان الحصر وبيان ما يختص به منهما لا بيان شرط ذلك ألا ترى أنه أعرض عن شرط البينة من العدالة وغيرها أو نقول ليس هو عاما في الأشخاص لأن المخالطة للشخص الواحد لا تعم فيحمل على الحالة التي ذكرناها والحديث الذي رويناه وعن الثالث أنه معارض بما ذكرناه من تسلط الفسقة السفلة على

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

والرابع للقاضي أبي حسن بن القصار لا بد أن يكون المدعى عليه يشبه أن يعامل المدعى عليه كما في الأصل قال ابن فرحون في التبصرة وفي المتيطية وفسر أصبغ الخلطة فلم ير الذين يصلون في مسجد واحد ولا الجلساء في الأسواق ولا الجيران خلطة ولم يرها إلا بتكرر المبايعة وأن يبيع منه بالنسيئة ا ه

قلت والظاهر أن هذا هو مراد سحنون فافهم قال ابن فرحون وفائدة اشتراط كل من تكرار المبايعة والنسيئة أنه لو بايعه مرة بالنقد وقبض الثمن وتفاصلا لم يكن ذلك خلطة لأنه لم يبق بينهما بقية توجب اليمين قال ووقع في كلام ابن راشد التفرقة بين خلطة المبايعة وبين خلطة المصاحبة والمؤاخاة فإنه بعد قوله في المدونة عن ابن القاسم إذا ادعى رجل على رجل كفالة فقال ابن القاسم لا بد من الخلطة قال يريد خلطة صحبة ومؤاخاة لا خلطة مبايعة قال ابن محرز ظاهر المدونة أن الخلطة تعتبر بصحبة مدعي الدين والمدعى عليه بالحمالة والصواب عندي أنه يراعي ذلك من الغريم والمدعى عليه الحمالة

ووجه ابن يونس ظاهر المدونة بأن الذي له الدين يقول إنما وثقت بمبايعة من لا أعرف لكفالتك إياه فلذلك توجهت له عليه اليمين ا ه

قلت والظاهر أن هذا قول خامس في الخلطة ومقابل المشهور قول ابن نافع أن الخلطة لا تشترط في هذا النوع كما في تبصرة ابن فرحون قال وفي المتيطية عن ابن عبد الحكم مثله وأن اليمين تجب على المدعى عليه دون خلطة وبه أخذ ابن لبابة وغيره من المتأخرين لقوله صلى الله عليه وسلم البينة على المدعي واليمين على من أنكر ا ه

وفي الأصل وبه قال الشافعي وأبو حنيفة لنا ما رواه سحنون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال البينة على من ادعى واليمين على من أنكر إذا كانت بينهما خلطة وزيادة العدل مقبولة وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لا يدعي الحاكم على الخصم إلا أن يعلم أن بينهما معاملة ولم يرو له مخالف من الصحابة فكان إجماعا ولأن عمل المدينة كذلك ولأنه لولا ذلك لتجرأ السفهاء على ذوي الأقدار بتبذيلهم عند الأحكام بالتحليف وذلك شاق على ذوي الهيئات وربما التزموا ما لا يلزمهم من الجمل العظيمة من المال فرارا من الحلف كما فعله عثمان رضي الله عنه وقد يصادفه عقب الحلف مصيبة فيقال هي بسبب الحلف فيتعين حسم الباب إلا عند قيام مرجح لأن صيانة الأعراض واجبة والقواعد تقتضي درء مثل هذه المفسدة

____________________

(4/186)

الأتقياء الأخيار بالتحليف عند القضاة وأنه يفتح باب دعوى أحد العامة على الخليفة أو القاضي أنه استأجره أو أعيان العلماء أنه قاوله وعاقده على كنس مرحاضه أو خياطة قلنسوته ونحو ذلك مما يقطع بكذبه فيه فطريق الجميع بين النصوص والقواعد ما ذكرناه من اشتراط الخلطة فهذا هو المنهج القويم وهاهنا ثلاث مسائل المسألة الأولى أن الخلطة حيث اشترطت قال في الجواهر فثبت بإقرار الخصم والشاهدين والشاهد واليمين لأنها أسباب الأموال فتلحق بها في الحجاج وقال ابن لبابة تثبت بشهادة رجل واحد وامرأة وجعله من باب الخبر وروي عن ابن القاسم

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وأما احتجاجهم بالحديث السابق بدون زيادة من جهة أنه عام في كل مدعى عليه فيسقط اعتبار ما ذكر من الشرط فجوابه من جهتين الأولى أن مقصود الحديث بيان من عليه البينة ومن عليه اليمين لا بيان حال من تتوجه عليه والقاعدة أن اللفظ إذا ورد لمعنى لا يحتج به في غيره لأن المتكلم معرض عن ذلك الغير ولهذه القاعدة وقع الرد على أبي حنيفة في استدلاله على وجوب الزكاة في الخضراوات بقوله عليه السلام فيما سقت السماء العشر بأن مقصود الحديث بيان الجزء الواجب في الزكاة لا بيان ما تجب فيه الزكاة

الجهة الثانية أن العام في الأشخاص غير عام في الأحوال والأزمنة والبقاع والمتعلقات كما تقرر في علم الأصول فيكون الحديث مطلقا في أحوال الحالفين المحتملة على الحالة المحتملة وهي المتقدمة التي فيها الخلطة لأنها المجمع عليها فلا يحتج به في غيرها وإلا لكان عاما في الأحوال وليس كذلك وأما احتجاجهم بقوله عليه السلام شاهداك أو يمينه ولم يذكر مخالطة فجوابه من جهتين أيضا الأولى أن مقصوده بيان الحصر وبيان ما يختص به منهما لا بيان شرط ذلك ألا ترى أنه أعرض عن شرط البينة من العدالة وغيرها الجهة الثالثة أنه ليس عاما في الأشخاص لأن المخالطة للشخص الواحد لا تعم فيحمل على الحالة التي ذكرناها للحديث الذي رويناه وأما احتجاجهم بأن الحقوق قد تثبت بدون الخلطة فاشتراطها يؤدي إلى ضياع الحقوق وتختل حكمة الحكام فجوابه أنه معارض بما ذكرناه من تسلط الفسقة السفلة على الأتقياء الأخيار عند القضاة وأنه يفتح باب دعوى أحد العامة على الخليفة أو القاضي أنه استأجره أو على أعيان العلماء أنه قاوله وعاقده على كنس مرحاضه أو خياطة قلنسوته ونحو ذلك مما يقطع بكذبه فيه فما ذكرناه من اشتراط الخلطة هو المنهج القويم في الجمع بين النصوص والقواعد وسلمه ابن الشاط والله أعلم

وصل في مسائل تتعلق بهذا الفرق المسألة الأولى قال في الجواهر تثبت الخلطة حيث اشترطت بإقرار الخصم والشاهدين والشاهد واليمين لأنها أسباب الأموال فتلحق بها في الحجاج وفي كتاب ابن المواز من أقام بالخلطة شاهدا واحدا حلف معه وتثبت الخلطة ثم يحلف المطلوب حينئذ وقاله ابن نافع وابن كنانة وفي أحكام ابن بطال أن المدعي إذا حضر خط المدعى عليه وثبت أنه خطه فهو كثبوت إقراره تجب به الخلطة

وقال ابن لبابة تثبت بشهادة رجل واحد وامرأة وجعله من باب الخبر وروي عن ابن القاسم وقول ابن لبابة هو المشهور قال ابن كنانة أيضا تثبت الخلطة بشهادة رجل

____________________

(4/187)

المسألة الثانية إذا دفع الدعوى بعداوة والمشهور أنه لا يحلف لأن العداوة مقتضاها الإضرار بالتحليف والبذلة عند الحاكم وقيل يحلف لظاهر الخبر المسألة الثالثة قال أبو عمر أن خمس مواطن لا تشترط فيها الخلطة الصانع والمتهم بالسرقة والقائل عند موته لي عند فلان دين والمتضيف عند الرجل فيدعي عليه والعارية الوديعة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

واحد وامرأة واحدة بغير يمين قال ابن رشد وقول ابن كنانة أحسن وهو مروي عن ابن القاسم لأن المراد إثبات لطخ الدعوى وذلك يحصل بالمرأة ا ه من الأصل وابن فرحون في التبصرة المسألة الثانية في التبصرة ثبوت الخلطة يوجب اليمين على المطلوب في دعوى السلف الوديعة أو المقارضة أو الشركة أو ما أشبه ذلك إن كانت هذه الدعوى بعد المدة التي يحدها الشهود ولذلك يحتاج إلى تحديدها ويعقد في إثبات الخلط شهد من يسمى أسفل هذا العقد من الشهداء أنهم يعرفون فلانا وفلانا معرفة صحيحة تامة بعينهما واسمهما ويعرفون فلانا مخالطا لفلان ابن فلان ومداخلا له من كذا وكذا عاما ولا يعلمون ذلك انقطع بينهما في علمهم إلى حين إيقاع شهادتهم في تاريخ كذا ويذكر فيه تعريف الشاهدين بهما إن لم يكن القاضي يعرفهما وفائدة التحديد بالتاريخ أن تكون الدعوى داخلة في هذا التحديد فلو كانت قبلها لم تجب اليمين إلا بثبوت الخلطة وهذه المسألة من جملة المسائل التي لا بد من تحديد الأمد فيها وكذلك شهادة السماع في الحبس وشهادة الضرر للاختلاف في مدة الحيازة في ذلك وإن قال إن ذلك كان في مدة الأمد الذي تحده الشهود للخلطة لم يجب اليمين فيه إلا بثبوت الخلطة في مدة الدعوة ولا تجب بمثل هذه الخلطة يمين في دعوى مبايعة في عقار أو متاع أو عبيد أو حيوان أو عروض ا ه

المسألة الثالثة في التبصرة قال ابن سهل قال غير واحد من المتأخرين إنما تراعى الخلطة فيما يتعلق بالذمم من الحقوق وأما الأشياء المعينة التي يقع التداعي فيها بينهما فاليمين لاحقة من غير خلطة وقيل لا تجب اليمين إلا بالخلطة في الأشياء المعينة وغيرها قال عبد الحق وهذا أبين عندي لأن الخلطة إنما رآها العلماء للمضرة الداخلة لو سمع مع كل مدع ا ه

المسألة الرابعة في التبصرة اختلف إذا شهد عليه شاهدان فدفعهما بدعوى العداوة هل تجب له عليه يمين بغير خلطة أم لا قولان المشهور لا يجب ا ه قال الأصل لأن العداوة مقتضاها الإصرار بالتحليف والبذلة عند الحكام ا ه والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(4/188)

الفرق الثامن والثلاثون والمائتان بين قاعدة ما هو حجة عند الحكام وقاعدة ما ليس بحجة عندهم قد تقدم الفرق بين الأدلة والأسباب والحجاج وأن الأدلة شأن المجتهدين والحجاج شأن القضاة والمتحاكمين والأسباب تعتمد المكلفين والمقصود هاهنا إنما هو الحجاج فنقول وبالله نستعين الحجاج التي يقضي بها الحاكم سبع عشرة حجة الشاهدان الشاهدان واليمين والأربعة في الزنا والشاهد واليمين والمرأتان واليمين والشاهد والنكول والمرأتان والنكول واليمين والنكول وأربعة أيمان في اللعان وخمسون يمينا في القسامة والمرأتان فقط في العيوب المتعلقة بالنساء واليمين وحدها بأن يتحالفا ويقسم بينهما فيقضي لكل واحد منهما بيمينه والإقرار وشهادة الصبيان والقافة وقمط الحيطان وشواهدها واليد فهذه هي الحجاج التي يقضي بها الحاكم وما عداه لا يقضي به عندنا وفيها شبهات واختلاف بين العلماء أنبه عليه فأذكر ما اختلف فيه حجة حجة بانفرادها وأورد الكلام فيها إن شاء الله تعالى الحجة الأولى الشاهدان والعدالة فيهما شرط عندنا وعند الشافعي وأحمد بن حنبل وقال أبو حنيفة العدالة حق للخصم فإن طلبها فحص الحاكم عنها وإلا فلا وعندنا هي حق الله تعالى يجب على الحاكم أن لا يحكم حتى يحققها وقال متأخرو الحنفية إنما كان قول المجهول مقبولا في أول الإسلام حيث كان الغالب العدالة فألحق النادر بالغالب فجعل الكل عدولا

وأما اليوم فالغالب الفسوق فيلحق النادر بالغالب حتى تثبت العدالة والمنقول عن أبي حنيفة هو الأول واستثنى الحدود فلا يكتفي فيها بمجرد الإسلام بل لا بد من العدالة لأن الحدود حق لله تعالى وهو ثابت فتطلب العدالة وإذا كان المحكوم به حقا لآدمي يجرحها وجب البحث عنهما لنا إجماع الصحابة فإن رجلين شهدا عند عمر فقال لا أعرفكما ولا يضركما أن لا أعرفكما فجاء رجل فقال أتعرفهما قال نعم قال له أكنت معهما

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الفرق الثامن و الثلاثون والمائتان بين قاعدة ما هو حجة عند الحكام وقاعدة ما ليس بحجة عندهم وهو أن الحجة واحد الحجاج التي هي شأن القضاة والمتحاكمين بخلاف الأدلة فشأن المجتهدين وبخلاف الأسباب فإنها تعتمد المكلفين كما تقدم في الفرق بينها فلا تغفل والحجاج التي يقضي بها الحاكم منحصرة عندنا في سبع عشرة حجة الأولى الأربعة الشهود الثانية الشاهدان الثالثة الشاهدان واليمين الرابعة الشاهد واليمين الخامسة المرأتان واليمين السادسة الشاهد والنكول السابعة المرأتان

____________________

(4/189)

في سفر يتبين عن جواهر الناس قال لا قال فأنت جارهما تعرف صباحهما ومساءهما قال لا قال أعاملتهما بالدراهم والدنانير التي تقطع بينهما الأرحام قال لا فقال ابن أخي ما تعرفهما ائتياني بمن يعرفكما وهذا بحضرة الصحابة لأنه لم يكن يحكم إلا بحضرتهم ولم يخالفه أحد فكان إجماعا والظاهر أنه ما سأل عن تلك الأسباب من السفر وغيره إلا وقد عرف إسلامها لأنه لم يقل أتعرفهما مسلمين وليس ذلك استحبابا لأن تعجيل الحكم واجب على الفور عند وجود الحجة لأن أحد الخصمين على منكر غالبا وإزالة المنكر واجب على الفور والواجب لا يؤخر إلا لواجب ولقوله تعالى وأشهدوا ذوي عدل منكم مفهومه أن غير العدل لا يستشهد وقوله منكم إشارة إلى المسلمين فلو كان الإسلام كافيا لم يبق في لتقييد فائدة

والعدل مأخوذ من الاعتدال في الأقوال والأفعال والاعتقاد فهو وصف زائد على الإسلام وغير معلوم بمجرد الإسلام وقوله تعالى ممن ترضون من الشهداء ورضاء الحاكم بهم فرع معرفتهم وبالقياس على الحدود وبالقياس على طلب الخصم العدالة فإن فرقوا بأن العدالة حق للخصم فإذا طلبها تعينت وأن الحدود حق لله تعالى وهو ثابت عن الله منعنا أن العدالة حق لآدمي بل حق لله تعالى في الجميع فيتجه القياس ويندفع الفرق بالمنع احتجوا بقوله تعالى واستشهدوا شهيدين من رجالكم ولم يشترط العدالة وبقول عمر رضي الله عنه المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا محدودا في حد وقبل النبي صلى الله عليه وسلم شهادة الأعرابي بعد أن قال له أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فلم يعتبر غير الإسلام ولأنه لو أسلم كافر بحضرتنا جاز قبول قوله مع أنه لم يتحقق منه إلا الإسلام ولأن البحث لا يؤدي إلى تحقق العدالة وإذا كان المقصود الظاهر فالإسلام كاف في ذلك لأنه أتم وازع ولأن صرف الصدقة يجوز بناء على ظاهر الحال من غير بحث وعمومات النصوص والأوامر تحمل على ظاهرها من غير بحث فكذلك هاهنا يتوضأ بالمياه ويصلي بالثياب بناء على الظواهر من غير بحث فكذلك هاهنا قياسا عليها والجواب عن الأول أنه مطلق فيحمل على المقيد وهو قوله ذوي عدل منكم فقيد بالعدالة وإلا لضاعت الفائدة في هذا القيد وقيد أيضا برضاء الحاكم

وهو مشروط

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

والنكول الثامنة اليمين والنكول التاسعة أربعة أيمان العاشرة خمسون يمينا الحادية عشرة المرأتان فقط الثانية عشرة اليمين وحدها الثالثة عشرة الإقرار الرابعة عشرة شهادة الصبيان الخامسة عشرة القافة السادسة عشرة قمط الحيطان وشواهدها السابعة عشرة اليد وما عدا هذه السبع عشرة لا يقضى به عندنا وبيان كل حجة من السبع عشرة بانفرادها بتوضيح ما تكون فيه وما فيها من اشتباه واختلاف بين العلماء يستدعي أبوابا ووصولا ليحصل بذلك تمام الفائدة إن شاء الله تعالى

الباب الأول في بيان ما تكون فيه الحجة الأولى ودليلها وشروطها وفيه وصلان الوصل الأول تكون هذه الحجة في عشرة

____________________

(4/190)

بالبحث ولأن الإسلام لا يكفي فيه ظاهر الدار فكذلك لا يكفي الإسلام في العدالة وعن الثاني أنه يدل على اعتبار وصف العدالة بقوله عدول فلو لم يكن معتبر السكت عنه وهو معارض بقوله في آخر الأمر لا يؤمر مسلم بغير العدول والمتأخر ناسخ للمتقدم ولأن ذلك كان في صدر الإسلام حيث العدالة غالبة بخلاف غيره وعن الثالث أن السؤال عن الإسلام لا يدل على عدم سؤاله عن غيره فلعله سأل أو كان غير هذا الوصف معلوما عنده وعن الرابع أنا لا نقبل شهادته حتى نعلم سجاياه وعدم جرأته على الكذب وإن قبلناه فذلك لأجل تيقننا عدم ملابسته ما ينافي العدالة بعد إسلامه وعن الخامس أنه باطل بالإسلام فإن البحث عنه لا يؤدي إلى يقين ويحكم الحاكم في القضية التي لا نص فيها ولا إجماع فإن بحثه لا يؤدي إلى يقين

وأما الفقر فلا بد من البحث عنه ولأن الأصل هو الفقر بخلاف العدالة بل وزانه هاهنا أن تعلم عدالته في الأصل فإنا لا نبحث عن مزيلها وكذلك أصل الماء الطهارة فلا يخرج عن ذلك إلا بتغير لونه أو طعمه أو ريحه وذلك معلوم بالقطع فلا حاجة إلى البحث ولأن الأصل الطهارة بخلاف العدالة وأما العمومات والأوامر فإنا لا نكتفي بظاهرها بل لا بد من البحث عن الصارف المخصص وغيره ولأن الأصل بقاؤها على ظاهرها

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

مواضع كما في تبصرة ابن فرحون الأول الزنا فلا بد فيها من أربعة لقوله تعالى والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون وهي على أربعة أوجه الأول على معاينته وهو المتفق على أنه لا بد فيه من أربعة شهود

الوجه الثاني على الإقرار به ولو مرة خلافا لمن يشترط الإقرار به أربع مرات واختلف هل لا بد في الشهادة على الإقرار به أربعة لأنها تئول إلى إقامة الحد فساوت الشهادة على المعاينة لتساوي موجبها أو يكفي فيها رجلان كما هو الأصل في الشهادات على الإقرارات إجراء للإقرار بالزنا على ذلك الأصل الوجه الثالث على الشهادة به واختلف هل يكفي اثنان على شهادة كل واحد من الأربعة الذين شهدوا على المعاينة أي فتكون ثمانية أو لا بد من أربعة على كل من الأربعة فتكون ستة عشر أو يكفي أربعة فقط يشهدون على كل واحد من الأربعة الوجه الرابع على كتاب القاضي بثبوته والحكم به واختلف أيضا في ذلك هل يكفي اثنان أو لا بد من أربعة

الموضع الثاني الملاعنة بين الزوجين فإن المذهب أن أقل من يحضر لعان الزوجين أربعة شهود الموضع الثالث شهادة الأبدان في النكاح وهي كما في المختصر أن ينكح الرجل ابنته البكر من رجل ولم يحضرهما شهود بل إنما عقد النكاح وتفرقا وقال كل واحد منهما لصاحبه أشهد من لاقيت فلا تتم الشهادة إلا بأربعة شاهدان على الأب وشاهدان على الزوج فإن أشهد كل منهما الشهود الذين أشهدهم صاحبه لم تسم هذه أبدادا فلو كانت

____________________

(4/191)

مسألة لا تقبل عندنا شهادة الكافر على المسلم أو الكافر على أهل ملته ولا غيرها ولا في وصية ميت مات في السفر وإن لم يحضره مسلمون وتمنع شهادة نسائهم في الاستهلال والولادة ووافقنا الشافعي

وقال ابن حنبل تجوز شهادة أهل الكتاب في الوصية في السفر إذا لم يكن غيرهم وهم ذمة ويحلفان بعد العصر ما خانا ولا كتما ولا اشتريا به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين واختلف العلماء في هذه الآية فمنهم من حملها على التحمل دون الأداء ومنهم من قال المراد بقوله تعالى من غيركم أي من غير عشيرتكم وقيل الشهادة في الآية هي اليمين ولا تقبل في غير هذا عند أحمد بن حنبل

وقال أبو حنيفة يقبل اليهودي على النصراني والنصراني على اليهودي مطلقا لأن الكفر ملة واحدة وعن قتادة وغيره يقبل على ملته دون غيرها لنا قوله تعالى وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وقال عليه السلام لا تقبل شهادة عدو على عدوه وقياسا على الفاسق بطريق الأولى ولأن الله تعالى أمر بالتوقف في خبر الفاسق وهذا أولى إذ الشهادة آكد من الخبر وقوله تعالى وأشهدوا ذوي عدل منكم

وفي الحديث قال عليه السلام لا تقبل شهادة أهل دين على غير أهل دينه إلا المسلمون فإنهم عدول عليهم وعلى غيرهم ولأن من لا تقبل شهادته على المسلم لا تقبل على غيره كالعبد وغيره احتجوا بقوله تعالى شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم معناه من غير المسلمين من أهل الكتاب وروي ذلك عن أبي موسى الأشعري وغيره وإذا جازت على المسلم جازت على الكافر بطريق الأولى وفي الصحيح أن اليهود جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهم يهوديان فذكرت له عليه السلام أنهما زنيا فرجمهما عليه السلام وظاهره أن رجمهما بشهادتهم وروى الشعبي أنه عليه السلام قال إن شهد منكم أربعة رجمتهما ولأن الكافر من أهل الولاية لأنه يزوج أولاده ولأنهم يتدينون في الحقوق قال تعالى ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك والجواب عن الأول أن الحسن قال من غير عشيرتكم وعن قتادة قال من غير حلفكم

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الزوجة مالكة أمر نفسها لم تكمل الشهادة على النكاح إلا بستة اثنان على الناكح واثنان على المنكح واثنان على الزوجة

الموضع الرابع شهادة جلد حد الزنا لمن قذفه شخص فلا تنفع القاذف إلا إذا كان الشهود بذلك أربعة نعم قال ابن رشد في البيان والقياس أنه يدخل الخلاف في هذه المسألة من اختلافهم في كتاب القاضي بثبوت الزنا أنه يكفي فيه اثنان وقد تقدم ذلك الموضع الخامس شهادة عقوبة الزاني فلا أقل من أربعة شهود يحضرونه

الموضع السادس شهادة السماع في الأحباس وغيرهما فلا يجزي فيها أقل من أربعة على قول ابن الماجشون نعم المشهور أنه يجزئ فيها اثنان

الموضع السابع الشهادة في باب

____________________

(4/192)

فما تعين ما قلتموه ومعنى الشهادة التحمل ونحن نجيزه أو اليمين لقوله تعالى فيقسمان بالله كما قال في اللعان أو لأن الله تعالى خير بين المسلمين وغيرهم ولم يقل به أحد فدل على نسخه وعن الثاني أنهم لا يقولون به لأن الإحصان من شرطه الإسلام مع أنه نقل أنهما اعترفا بالزنا فلم يرجمهما بالشهادة مع أن الصحيح أنه إنما رجمهما بالوحي لأن التوراة لا يجوز الاعتماد عليها لما فيها من التحريف وشهادة الكفار غير مقبولة وقال ابن عمر كان حد المسلمين يومئذ الجلد فلم يبق إلا الوحي الذي يخصهما وعن الثالث أن الفسق

وإن نافى الشهادة عندنا فإنه لا ينافي الولاية لأن وازعها طبيعي بخلاف الشهادة وازعها ديني فافترقا لأن تزويج الكفار عندنا فاسد والإسلام يصححه

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الاسترعاء فأقلهم أربعة أيضا على قول ابن الماجشون والمشهور اثنان

الموضع الثامن من الشهادة في الترشيد والتسفيه قال ابن الماجشون وغيره من أصحاب مالك يشترط فيهم الكثرة وأقلهم أربعة شهود والمشهور أنه يجزئ في ذلك اثنان

الموضع التاسع شهادة من قطع اللصوص عليهم الطريق قال تقبل شهادتهم عليهم إذا كانوا كثيرا وأقل الكثير أربعة وقال ابن الماجشون والمغيرة وابن دينار لا يجزئ في ذلك أقل من أربعة وقال مطرف وابن القاسم يجوز عدلان

الموضع العاشر الشهادة في الرضاع قال ابن عبد السلام حكى بعضهم عن أبي بكر بن الجهم من أصحابنا أنه لا يقبل فيه أقل من أربعة والمشهور أنه يثبت بشاهدين وبامرأتين ا ه المراد من التبصرة فانظرها الوصل الثاني في تبصرة ابن فرحون يشترط في الشهادة على الزنا أن يكونوا أربعة رجال ذكور عدول يشهدون بزنا واحد مجتمعين في أداء الشهادة غير مفترقين بأنه أدخل فرجه في فرجها كالمرود في المكحلة وظاهر المذهب جواز النظر إلى الفرج قصدا للتحمل وللحاكم أن يسألهم كما يسأل الشهود في السرقة ما هي ومن أين وإلى أين وفروع هذا الباب مشهورة في محالها ا ه بلفظه

وقال الأصل في نظائر أبي عمران يشترط اجتماع الشهود عند الأداء في الزنا والسرقة ولا يشترط في غيرهما وصعب على دليل يدل على ذلك وقد تقدم أن المناسبات بمجردها لا تكفي في اشتراط الشروط بل لا بد من قياس صحيح أو نص وأما قولنا ذلك أبلغ في طلب الستر على الزناة وحفظ الأعضاء عن الضياع فهذا لا يكفي في هذا الشرط وإلا لأمكن على هذا السياق أن يشترط التبريز في العدالة أو أن يكون الشاهد من أهل العلم والولاية وغير ذلك من المناسبات أيضا وهي على خلاف الإجماع فلم يبق إلا اتباع موارد النصوص والأدلة الصحيحة وغير ذلك صعب جدا ا ه وسلمه ابن الشاط فافهم والله أعلم

الباب الثاني في بيان ما تكون فيه الحجة الثانية وشروطها وفيه وصلان الوصل الأول في التبصرة القضاء بشاهدين لا يجزئ غيرهما في النكاح والرجعة والطلاق والخلع

____________________

(4/193)

وعن الرابع أنه معارض بقوله تعالى في آخر الآية ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل فأخبر تعالى أنهم يستحلون ما لنا وجميع أدلتكم معارضة بقوله تعالى أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات فنفى تعالى التسوية فلا تقبل شهادتهم وإلا لحصلت التسوية وكقوله تعالى لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة قال الأصحاب وناسخ الآية قوله تعالى وأشهدوا ذوي عدل منكم فرع مرتب قال ابن أبي زيد في النوادر لو رضي الخصم بالحكم بالكافر أو المسخوط لم يحكم له به لأنه حق الله تعالى

الحجة الثانية الشاهدان واليمين ما علمت عندنا ولا عند غيرنا خلافا في قبول شهادة شاهدين مسلمين عدلين في الدماء والديون

وقال مالك إن شهدا له بعين في يد أحد لا يستحقها حتى يحلف ما باع ولا وهب ولا خرجت عن يده بطريق من الطرق المزيلة للملك وهو الذي عليه الفتوى والقضاء وعلله الأصحاب بأنه يجوز أن يكون باعها لهذا المدعى عليه أو لمن اشتراها هذا المدعى عليه منه ومع قيام الاحتمال لا بد من اليمين وهذا مشكل بالديون فإنه يجوز أن يكون أبرأه من الدين أو دفعه له أو عاوضه عليه

ومع ذلك فلا اعتبار بهذه الاحتمالات فكذلك هاهنا لا سيما وجل الشهادات في الدماء وغيرها الاستصحاب وإذا قبلناهما في القتل ويقتل بهما مع جواز العفو فلأن يقضي بهما في الأموال بطريق الأولى وبالجملة فاشتراط اليمين مع الشاهدين ضعيف ولقوله عليه السلام شاهداك أو يمينه ولقوله تعالى شهيدين من رجالكم وظاهر هذه النصوص أنهما حجة تامة وما علمت أنه ورد حديث صحيح في اشتراط اليمين وإثبات المشروط بمجرد المناسبات والاحتمالات صعب فلو قال قائل لا نقبل في الدماء من في طبعه خور أو خوف من القتل مع تبريزه في العدالة لأن ذلك يبعثه على حسم مادة القتل ولا يقبل في الدماء وأحكام الأبدان الشبان من العدول بل الشيوخ لعظم الخطر في أحكام الأبدان ونحو ذلك من المسببات والمناسبات كان هذا

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

والتمليك والمبارأة والعتق والإسلام والردة والولاء والنسب والكتابة والتدبير والبلوغ والعدة والجرح والتعديل والشرب والقذف والحرابة والشركة والإحلال والإحصان وقتل العمد وكذلك الوكالة والوصية عند أشهب وفي التنبيه لابن المناصف واختلف في الشاهد الواحد على التوكيل بالمال عن غائب هل يحلف الوكيل معه ليثبت التوكيل أو لا الأشهر المنع واستحسنه اللخمي إلا أن يتعلق بذلك التوكيل حق للوكيل مثل أن يكون على الغائب دين أو لأنه يقر المال في يده قراضا وما أشبه ذلك فيحلف ويستحق ا ه المراد الوصل الثاني في التبصرة هذه الأحكام لا تثبت إلا بشاهدين ذكرين حرين عدلين قاله ابن رشد وغيره ا ه

____________________

(4/194)

مروقا من القواعد ومنكرا من القول لا سيما والقياس على الدين يمنع من ذلك والفرق في غاية العسر وإثبات شرط بغير حجة خلاف الإجماع وإن ثبت الفرق فمذهب الشافعي وغيره عدم هذا الشرط وهو الصحيح

الحجة الثالثة الأربعة في الزنا لقوله تعالى والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون تنبيه في نظائر أبي عمران يشترط اجتماع الشهود عند الأداء في الزنا والسرقة ولا يشترط في غيرهما وصعب على دليل يدل على ذلك وقد تقدم أن المناسبات بمجردها لا تكفي في اشتراط الشروط بل لا بد من قياس صحيح أو نص صريح وأما قولنا ذلك أبلغ في طلب الستر على الزناة وحفظ الأعضاء عن الضياع فهذا لا يكفي في هذا الشرط فيمكن أيضا على هذا السياق أن نشترط التبريز في العدالة لو يكون الشاهد من أهل العلم والولاية وغير ذلك المناسبات وهي على خلاف الاجتماع فلم يبق إلا اتباع موارد النصوص والأدلة الصحيحة وغير ذلك صعب جدا

الحجة الرابعة الشاهد واليمين قال به مالك والشافعي وابن حنبل وقال أبو حنيفة ليس بحجة وبالغ في نقض الحكم أن حكم به قائلا هو بدعة وأول من قضى به معاوية وليس كما قال بل أكثر العلماء قال به والفقهاء السبعة وغيرهم لنا وجوه الأول ما في الموطإ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد وروي في المسانيد بألفاظ متقاربة وقال عمرو بن دينار رواية عن ابن عباس ذلك في الأموال الثاني إجماع الصحابة على ذلك وروي ذلك عن أبي بكر وعمر وعلي وأبي بن كعب وعدد كثير من غير مخالف روى ذلك النسائي وغيره الثالث ولأن اليمين تشرع في حق من ظهر صدقه وقوي جانبه وقد ظهر لك في حقه بشاهده الرابع أنه أحد المتداعيين فتشرع اليمين في حقه إذا رجح جانبه كالمدعى عليه

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وفي الأصل والعدالة فيهما شرط عندنا وعند الشافعي وأحمد بن حنبل وهي حق لله تعالى عندنا يجب على الحاكم أن لا يحكم حتى يحققها والمنقول عن أبي حنيفة أن العدالة حق للخصم فإن طلبها فحص الحاكم عنها وإلا فلا وقال متأخرو الحنفية إنما كان قول المجهول مقبولا في أول الإسلام حيث كان الغالب العدالة فألحق النادر بالغالب فجعل الكل عدولا وأما اليوم فالغالب الفسوق فيلحق النادر بالغالب حتى تثبت العدالة نعم استثنى أبو حنيفة الحدود

____________________

(4/195)

الخامس قياسا للشاهد على اليد السادس ولأن اليمين أقوى من المرأتين لدخولها في اللعان دون المرأتين وقد حكم بالمرأتين مع الشاهد فيحكم باليمين السابع ولقوله عليه السلام البينة على من ادعى واليمين على من أنكر وهي مشتقة من البيان والشاهد واليمين يبين الحق الثامن قوله تعالى إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا وهذا ليس بفاسق فوجب أن يقبل قوله مع اليمين لأنه لا قائل بالفرق احتجوا بوجوه الأول قوله تعالى واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان فحصر المشروع عند عدم الشاهدين في الرجل والمرأتين والشاهد واليمين زيادة في النص والزيادة نسخ وهو لا يقبل في الكتاب بخبر الواحد الثاني قوله عليه السلام لحضرمي ادعى على كندي شاهداك أو يمينه ولم يقل شاهدك ويمينك الثالث قوله عليه السلام البينة على من ادعى واليمين على من أنكر فحصر البينة في جهة المدعى واليمين في جهة المنكر لأن المبتدأ محصور في خبره واللام للعموم فلم تبق يمين في جهة المدعي الرابع أنه لما تعذر نقل البينة للمنكر تعذر نقل اليمين للمدعي الخامس القياس على أحكام الأبدان السادس أن اليمين لو كان كالشاهد لجاز تقديمه على الشاهد كأحد الشاهدين مع الآخر ولجاز إثبات الدعوى بيمين والجواب عن الأول أنا لا نسلم أنه زيادة سلمناه لكن تمنع أنه نسخ لأن النسخ الرفع ولم يرتفع شيء وارتفاع الحصر يرجع إلى أن غير المذكور غير مشروع وكونه غير مشروع يرجع إلى البراءة الأصيلة والبراءة الأصيلة ترجع بخبر الواحد اتفاقا لأن الآية واردة في التحمل دون الأداء لقوله تعالى إذا تداينتم بدين

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

فقال لا يكتفى فيها بمجرد الإسلام بل لا بد فيها من العدالة لأن الحدود حق لله تعالى وهو ثابت فتطلب العدالة وإذا كان المحكوم به حقا لآدمي وجب بجرحها البحث عنها لنا أربعة وجوه الأول إجماع الصحابة وذلك أن رجلين شهدا عند عمر فقال لا أعرفكما ولا يضركما فجاء رجل فقال أتعرفهما قال نعم قال له أكنت معهما في سفر يتبين عن جواهر الناس قال لا قال فأنت جارهما تعرف صباحهما ومساءهما قال لا قال أعاملتهما بالدراهم والدنانير التي تقطع بهما الأرحام قال لا قال ابن أخي ما تعرفهما ائتياني بمن يعرفكما

____________________

(4/196)

إلى أجل مسمى فاكتبوه والشرط للاستقبال فهو للتحمل ولقوله تعالى أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى واليمين مع الشاهد لا تدخل في التحمل فالحصر في التحمل باق ولا نسخ على التقديرين ولأن اليمين تشرع في حق من ادعى رد الوديعة وجميع الأمناء والقسامة واختلاف المتبايعين وينتقض ما ذكرتموه بالنكول وهو زيادة في حكم الآية وعن الثاني أن الحصر ليس مرادا بدليل الشاهد والمرأتين ولأنه قضاء يخص باثنين لخصوص حالهما فيعم ذلك النوع ونحن نقول كل من وجد في حقه تلك الصفة لا يقبل منه إلا شاهدان وعليكم أن تبينوا تلك الحالة مما قلنا نحن فيها بالشاهد واليمين وعن الثالث أن اليمين التي على المنكر لا تتعداه لأن اليمين التي عليه هي اليمين الدافعة واليمين مع الشاهد هي الجالبة فهي غيرها فلم يبطل الحصر وهو الجواب عن قولكم لما لم تتحول البينة لم تتحول اليمين فإنا لم نحول تلك اليمين بل أثبتنا يمينا أخرى بالسنة مع أن التحويل واقع غير منكر لأنه لو ادعى عليه فأنكر لم يكن للمنكر إقامة البينة ولو ادعى القضاء كان له إقامة البينة مع أنها بينة ثابتة في

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وهذا بحضرة الصحابة لأنه لم يكن يحكم إلا بحضرتهم ولم يخالفه أحد فكان إجماعا والظاهر أنه ما سأل عن تلك الأسباب من السفر وغيره إلا وقد عرف إسلامهما لأنه لم يقل أتعرفهما مسلمين وليس ذلك استحبابا لأن تعجيل الحكم واجب على الفور عند وجود الحجة لأن أحد الخصمين على منكر غالبا وإزالة المنكر واجب على الفور والواجب لا يؤخر إلا لواجب

الوجه الثاني قوله وأشهدوا ذوي عدل منكم فإن مفهومه أن غير العدل لا يستشهد وقوله منكم إشارة إلى المسلمين فلو كان الإسلام كافيا لم يبق في التقييد فائدة والعدل مأخوذ من الاعتدال في الأقوال والأفعال والاعتقاد فهو وصف زائد على الإسلام وغير معلوم بمجرد السلام الوجه الثالث قوله تعالى ممن ترضون من الشهداء ورضاء الحاكم بهم فرع معرفتهم

الوجه الرابع القياس على الحدود وعلى طلب الخصم العدالة فإن فرقوا بأن العدالة حق للخصم فإذا طلبها تعينت وأن الحدود حق لله وهو ثابت عن الله منعنا أن العدالة حق لآدمي بل لله تعالى في الجميع فيتجه القياس ويندفع الفرق وأما احتجاجهم بقوله تعالى واستشهدوا شهيدين من رجالكم ولم يشترط العدالة فجوابه أنه مطلق فيحمل على المقيد وهو قوله ذوي عدل منكم فقيد بالعدالة وإلا لضاعت الفائدة في هذا التقييد وأيضا برضاء الحاكم وهو مشروط بالبحث ولأن الإسلام لا يكفي فيه ظاهر الدار فكذلك لا يكفي الإسلام في العدالة

وأما احتجاجهم بقول عمر رضي الله عنه المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا محدودا في حد فجوابه أن قوله عدول يدل على اعتبار وصف العدالة إذ لو لم يكن معتبرا لسكت عنه على أنه معارض بقوله في آخر الأمر لا يؤسر مسلم بغير العدول والمتأخر ناسخ للمتقدم ولأن ذلك كان في صدر الإسلام حيث العدالة غالبة بخلاف غيره وأما احتجاجهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قبل شهادة الأعرابي بعد أن قال له أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول

____________________

(4/197)

الحالين وعن الرابع بأن أحكام الأبدان أعظم ولذلك لا يقبل فيها النساء وعن الخامس الفرق بأن الشاهدين معناهما مستويان فلا مزية لأحدهما على الآخر في التقديم وأما اليمين فإنما تدخل لتقوية جهة الشاهد فقبله لا قوة فلا تدخل ولا تشرع والشاهدان شرعا لأنهما حجة مستقلة مع الضعف تنبيه وافقنا أبو حنيفة في أحكام الأبدان وخالفنا الشافعي فيحلف المدعى عليه قبل قيام شاهد فإن نكل حلف المدعي لنا وجوه الأول قوله عليه السلام لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل فأخبر عليه السلام أنه لا يثبت إلا بهما فمن قال باليمين مع النكول فعليه الدليل الثاني قوله تعالى وأشهدوا ذوي عدل منكم وإنما أمر بهذه الشهادة لأنها سبب الثبوت فينحصر الثبوت فيها وإلا لزم البيان في تأسيس القواعد وهو خلاف الأصل وعملا بالمفهوم

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الله فلم يعتبر غير الإسلام فجوابه أن السؤال عن الإسلام لا يدل على عدم سؤاله من غيره فلعله سأل أو كان غير هذا الوصف معلوما عنده

وأما احتجاجهم بأن الكافر لو أسلم بحضرتنا جاز قبول قوله مع أنه لم يتحقق منه إلا الإسلام فجوابه أنا لا نقبل شهادته حتى نعلم سجاياه وعدم جرأته على الكذب أو أنا قبلناه لأجل تيقننا عدم ملابسته ما ينافي العدالة بعد إسلامه وأما احتجاجهم بأن البحث لا يؤدي إلى تحقق العدالة وإذا كان المقصود الظاهر فالإسلام كاف في ذلك لأنه أتم وازع ولأن صرف الصدقة يجوز بناء على ظاهر الحال من غير بحث وعمومات النصوص والأوامر تحمل على ظاهرها من غير بحث فكذلك هاهنا يتوضأ بالمياه ويصلي بالثياب بناء على الظواهر من غير بحث فلذلك هاهنا قياسا عليها فجوابه أن البحث كما لا يؤدي إلى تحقق العدالة كذلك لا يؤدي إلى تحقق الإسلام والقضية التي لا نص فيها ولا إجماع يحكم الحاكم فيها مع أن بحثه لا يؤدي إلى يقين ويفرق بين الفقر والماء والثوب وبين العدالة بأن العدالة ليست هي الأصل بل إذا علمت عدالته في الأصل فلا تبحث عن مزيلها لأن الأصل عدمه

وأما الفقر فهو الأصل فلا بد من البحث عنه وأما الماء فأصله الطهارة ولا يخرج عن ذلك إلا بتغير لونه أو طعمه أو ريحه وذلك معلوم بالقطع فلا يحتاج إلى البحث وكذلك أصل الثوب الطهارة فيحمل عليها ولا يبحث عن مزيلها ولا نسلم الاكتفاء بظاهر العمومات والأوامر بل لا بد من البحث عن الصارف المخصص وغيره لأن الأصل بقاؤها على ظاهرها

مسألة في بداية حفيد ابن رشد وفي الأصل وسلمه ابن الشاط اتفقوا على أن الإسلام شرط في قبول الشهادة وأنه لا تجوز شهادة الكافر إلا ما اختلفوا فيه من جوازها في الوصية في السفر أي وعلى أهل ملته فعندنا وعند الشافعي لا تقبل شهادة الكافر على المسلم أو الكافر على أهل ملته ولا غيرها ولا في

____________________

(4/198)

الثالث أن الشاهد والمرأتين أقوى من اليمين والنكول لأنها حجة من جهة المدعي ولم يثبت فيها فلا يثبت بالآخر الرابع ما ذكروه يؤدي إلى استباحة الفروج بالباطل لأنه إذا أحبها ادعى عليها فتنكر فيحلفها فتنكل فيحلف ويستحقها بتواطؤ منهما الخامس أن المرأة قد تكره زوجها فتدعي عليه في كل يوم فتحلفه وكذلك الأمة تدعي العتق وهذا ضرر عظيم احتجوا بوجوه أحدها قضية عبد الرحمن بن سهل وهي في الصحاح وقال فيها عليه السلام تحلف لكم يهود خمسين يمينا الثاني أن كل حق توجهت اليمين فيه على المدعى عليه فإذا نكل ردت على المدعي قياسا على المال الثالث القياس على اللعان فإن المرأة تحد بيمين الزوج ونكولها من اليمين الرابع قوله عليه السلام البينة على من ادعى واليمين على من أنكر وهو عام يتناول صورة النزاع

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وصية ميت مات في سفر وإن لم يحضر مسلمون وتمنع شهادة نسائهم في الاستهلال والولادة بل قال أبو زيد من أصحابنا في كتابه النوادر لو رضي الخصم بالحكم بالكافر والمسخوط لم يحكم له به لأنه حق لله تعالى

وقال أبو حنيفة يقبل اليهودي على النصراني والنصراني على اليهودي مطلقا لأن الكفر ملة واحدة وقال أبو حنيفة وأحمد بن حنبل تجوز شهادة أهل الكتاب في الوصية في السفر إذا لم يكن غيرهم وهم ذمة يحلفان بعد العصر ما خانا ولا كتما ولا اشتريا به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين وروي عن قتادة وغيره يقبل الكافر على ملته دون غيرها لنا قوله تعالى وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وقال عليه السلام لا تقبل شهادة عدو على عدوه وقياسا على الفاسق بطريق الأولى وذلك أن الله تعالى أمر بالتوقف في خبر الفاسق وهنا أولى إذ الشهادة آكد من الخبر وقوله تعالى وأشهدوا ذوي عدل منكم وفي الحديث قال عليه السلام لا تقبل شهادة أهل دين على غير أهل دينه إلا المسلمين فإنهم عدول عليهم وعلى غيرهم ولأن من لا تقبل شهادته على المسلم لا تقبل على غيره كالعبد

وأما احتجاجهم بقوله تعالى شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم قالوا فإن معناه من غير المسلمين من أهل الكتاب وروي ذلك عن أبي موسى الأشعري وغيره وقال غير ابن حنبل وإذا جاز على المسلم جازت على الكافر بطريق الأولى فجوابه بوجوبه الأول أن الحسن قال من غير عشيرتكم وعن قتادة قال من غير حلفكم فما تعين ما قالوه

الثاني أن معنى الشهادة التحمل ونحن نجيزه أو اليمين فيقسمان بالله كما قال في اللعان

الثالث أن الله تعالى خير بين المسلمين وغيرهم ولم يقل به أحد فدل على نسخه

____________________

(4/199)

الخامس أنه عليه السلام قال لركانة لما طلق امرأته ألبتة ما أردت بالبتة قال واحدة فقال له عليه السلام والله ما أردت إلا واحدة فقال والله ما أردت إلا واحدة فحلفه بعد دعوى امرأته الثلاث والجواب عن الأول أن الأيمان تثبت بعد اللوث وهو وجوده مطروحا بينهم وهم أعداؤه وغلظت خمسين يمينا بخلاف صورة النزاع في المقيس ولأن القتل نادر وفي الخلوات حيث يتعذر الإشهاد فغلظ أمره لحرمة الدماء وعن الثاني أن المدعى عليه هاهنا لا يحلف بمجرد الدعوى فانحسمت المادة وعن الثالث أن اللعان مستثنى للضرورة ولا ضرورة هاهنا فجعلت الأيمان مقام الشهادة لتعذرها وضرورة الأزواج لنفي العار وحفظ النسب وعن الرابع أنه مخصوص بما ذكرناه من الضرورات وخطر الباب وعن الخامس وإن صح الفرق أن أصل الطلاق يثبت بلفظ صالح بل ظاهر للثلاث ودعوى المرأة أصل الطلاق ليس فيه ظهور بل مرجوح باستصحاب العصمة تنبيه قال العبدي يثبت بالشاهد واليمين في مذهب مالك أربعة الأموال والكفالة والقصاص في جراح العمد والخلطة التي هي شرط في التحليف في بعض الأموال والذي لا يثبت بالشاهد واليمين ثلاثة عشر النكاح والطلاق والعتاق والولاء والأحباس والوصايا لغير المعين وهلال رمضان وذي الحجة والموت والقذف والإيصاء وترشيد السفيه ونقل الشهادة والمختلف فيها هل نثبت بهما أم لا خمسة الوكالة ونكاح امرأة قد ماتت والتجريح والتعديل

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وأما احتجاجهم بما في الصحيح من أن اليهود جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهم يهوديان فذكرت له عليه السلام أنهما زنيا فرجمهما عليه السلام وظاهره أن رجمهما بشهادتهم وروى الشعبي أنه عليه السلام قال إن شهد منكم أربعة رجمتهما فجوابه بوجوه الأول إنهم لا يقولون به لأن الإحصان من شرط الإسلام

الثاني أنه نقل أنهما اعترفا بالزنا فلم يرجمهما بالشهادة

الثالث أن الصحيح أنه إنما رجمهما بالوحي لأن التوراة لا يجوز الاعتماد عليها لما فيه من التحريف وشهادة الكفار غير مقبولة وقال ابن عمر كان حد المسلمين يومئذ الجلد فلم يبق إلا الوحي الذي يخصهما وأما احتجاجهم بأن الكافر من أهل الولاية لأنه يزوج أولاده فجوابه أن الفسق عندنا لا ينافي الولاية لأن وازعها طبيعي وينافي الشهادة لأن وازعها ديني فافترقا لأن تزويج الكفار عندنا فاسد والإسلام يصححه

وأما احتجاجهم بأنهم يدينون في الحقوق قال تعالى ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك فجوابه أن هذا معارض بقوله تعالى في آخر الآية ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل

____________________

(4/200)

تنبيه قبول مالك رحمه الله الشاهد واليمين في القصاص في جراح العمد اعتمادا على أنها يصالح عليها بالمال في بعض الأحوال مشكل جدا فإنه إلغاء للأصل واعتبار للطوارئ البعيدة وذلك لازم له في النفس أيضا وهو خلاف الإجماع ويشكل عليه أيضا بأنه لم يقل بهما في الأحباس مع أنها منافع ولا في الولاء ومآله إلى الإرث وهو مال والوصايا وهي مال وترشيد السفيه يئول لصحة البيع وغيره وهو مال والمال في هذه الصور أقرب من المال في جراح العمد لا سيما وهو يبيح القصاص بذلك ومتى يقع الصلح فيها فهي مشكلة وعدم قبوله هذه الحجة في الأحباس وما ذكر معها مشكل مع أن قاعدة المذهب أن الوكالة إذا كانت تئول إلى مال تثبت بالشاهد واليمين وكذلك كل ما مآله إلى المال عكسه لا يثبت بالشاهد واليمين فتأمل ذلك إلا أن يريد في الحبس على غير المعين فإنه يتعذر الحلف من غير المعين كالوصية لغير المعين وهو الذي تقتضيه قواعد المذهب

الحجة الخامسة المرأتان واليمين هي حجة في الأموال يحلف مع المرأتين ويستحق وقاله أبو حنيفة ومنعه الشافعي وابن حنبل ووافقنا في الشاهد واليمين لنا وجوه الأول أن الله تعالى أقام المرأتين مقام الرجل فيقضي بهما مع اليمين كالرجل ولما علل عليه السلام نقصان عقلهن قال عدلت شهادة امرأتين بشهادة رجل ولم يخص موضعا دون موضع

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

فأخبر تعالى أنهم يستحلون ما لنا بل جميع أدلتكم معارضة بقوله تعالى أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات وقوله تعالى لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة فنفى تعالى التسوية فلا تقبل شهادتهم وإلا حصلت التسوية قال الأصحاب وناسخ الآية قوله تعالى وأشهدوا ذوي عدل منكم ا ه والله أعلم

الباب الثالث في بيان ما تكون الحجة الثالثة وشروطها اليمين زيادة على شروط الشاهدين المذكورة والمدرك وفيه وصول الوصل الأول في التبصرة قال ابن رشد ويمين القضاء متوجهة على من يقوم أي بالنية التامة على الميت أو على الغائب أو على اليتيم أو على الإحباس أو على المساكين وعلى كل وجه من وجوه البر وعلى بيت المال وعلى من استحق شيئا من الحيوان ولا يتم الحكم إلا بها ا ه

قال الباجي في مفيد الحكام أجمع من علمت من أصحاب مالك أنه لا يتم لمستحق غير الرباع والعقار حكم إلا بعد يمينه قال ورأى بعض مشايخنا ذلك لازما في العقار والرباع وبعضهم لم ير في ذلك يمينا ا ه

وفي معين الحكام اختلف فيمن استحق شيئا من الرباع أو الأصول هل عليه يمين أم لا وهذا الثاني هو الذي ذهب إليه مالك وجرى عليه العمل ووجهه أن الرباع مما جرت العادة بكتب الوثائق فيها عند انتقال الملك عليها والإعلان بالشهادة فيها فإذا لم يكن عند المدعى عليه شيء من العقود والمكاتب وقامت البينة للطالب قويت حجته واكتفي بالبينة عن إحلافه بخلاف سائر المتمولات التي يخفى وجه انتقالها ويقل حرص الناس على المشاحنة في كتب الوثاق فيها فتوجهت اليمين لذلك وعلى أن عليه

____________________

(4/201)

الثاني أنه يحلف مع نكول المدعى عليه فمع المرأتين أقوى الثالث أن المرأتين أقوى من اليمين لأنه لا يتوجه عليه يمين معهما ويتوجه مع الرجل وإذا لم يعرج على اليمين إلا عند عدمهما كانتا أقوى فيكونان كالرجل فيحلف معهما احتجوا بوجوه الأول أن الله تعالى إنما شرع شهادتهن مع الرجل فإذا عدم الرجل العيب الثاني أن البينة في المال إذا خلت عن رجل لم تقبل كما لو أشهد أربع نسوة فلو أن امرأتين كالرجل لتم الحكم بأربع ويقبلن في غير المال كما يقبل الرجل ويقبل في غير المال رجل وامرأتان

الثالث أن شهادة النساء ضعيفة فتقوى بالرجل واليمين ضعيفة فيضم ضعيف إلى ضعيف والجواب عن الأول أن النص دل على أنهما يقومان مقام الرجل ولم يتعرض لكونهما لا يقومان مقامه مع اليمين فهو مسكوت عنه وقد دل عليه الاعتبار المتقدم كما دل الاعتبار على اعتبار القمط في البنيان والجذوع وغيرها وعن الثاني أنا قد بينا أن المرأتين أقوى من اليمين وإنما لم يستقل النسوة في أحكام الأبدان لأنها لا يدخلها الشاهد واليمين ولأن تخصيص الرجال بموضع لا يدل على قوتهم لأن النساء قد خصصن بعيوب الفرج وغيرها ولم يدل ذلك على رجحانهن على الرجال وهو الجواب عن الثالث

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

يمينا مطلقا وهو قول ابن وهب وابن القاسم في كتاب الاستحقاق من العتبية لا بد من يمين من استحق شيئا من ذلك أنه ما باع وما وهب كالعروض والحيوان

واتفقوا في غير الأصول أنه لا يقضي لمستحق شيئا من ذلك حتى يحلف أو ليس على من أقام بينة في أرض أو حيوان أو سلعة يمين إلا أن يدعي الذي ذلك في يديه أمرا يظن بصاحبه أنه قد فعله فيحلف ما فعله ويأخذ وهو قول ابن كنانة

وقال بعض المتأخرين هذا إذا استحقت من يد غير غاصب وأما إن استحقت من يد غاصب فلا يمين على مستحقها إذا ثبت ملكها له ا ه

قال ابن فرحون ومما يحكم فيه باليمين مع الشاهدين كما في الطرر من شهد له شاهدان على خط غريمه بما ادعاه عليه والغريم جاحد فلا يحكم له بمجرد الشهادة على خطه حتى يحلف معهما فإذا حلف أنه لحق وما اقتضيت شيئا مما كتب به خطه أعطى حقه ومن ذلك شهادة السماع قال ابن محرز لا يقضي لأحد بشهادة السماع إلا بعد يمينه لاحتمال أن يكون أصل السماع من شاهد واحد والشاهد الواحد لا بد معه من اليمين ومن ذلك أيضا إذا جعل الزوج لزوجته إن غاب عنها أكثر من سنة مثلا فأمرها بيدها وأشهد على ذلك وغاب فأرادت الأخذ بشرطها عند الأجل وأثبت عند الحاكم الزوجية والغيبة واتصالها والشرط بذلك فلا بد أن تحلف أنها ما تركت ما جعله بيدها وأنه غاب أكثر من المدة التي شرطها وهذه يمين استبراء ومن ذلك إذا أقامت للغريم المجهول الحال بأنه معدم فلا بد من يمينه أنه ليس له مال ظاهر ولا باطن

وإن وجد مالا ليؤدين حقه عاجلا لأن البينة إنما شهدت على الظاهر ولعله غيب مالا ومن ذلك المرأة

____________________

(4/202)

الحجة السادسة الشاهد والنكول حجة عندنا خلافا للشافعي لنا وجوه الأول أن النكول سبب مؤثر في الحكم فيحكم به مع الشاهد كاليمين من المدعي وتأثيره أن يكون المدعى عليه ينقل اليمين للمدعي

الثاني أن الشاهد أقوى من يمين المدعي بدليل أنه يرجع لليمين عند عدم الشاهد

الثالث أن الشاهد يدخل في الحقوق كلها بخلاف اليمين احتجوا بوجوه الأول بأن السنة إنما وردت بالشاهد واليمين وهو تعظيم الله تعالى والنكول لا تعظيم فيه

وثانيها أن الحنث فيه يوجب الكفارة ويذر الديار بلاقع إذا أقدم عليها غموسا وليس كذلك النكول الثالث أن النكول لا يكون أقوى حجة من جحده أصل الحق وجحده لا يقضى به مع الشاهد فإنه يكون قضاء بالشاهد وحده وهو خلاف الإجماع فكذلك النكول والجواب عن الأول أن التعظيم لا مدخل له هاهنا بدليل أنه لو سبح وهلل ألف مرة لا يكون حجة مع الشاهد وإنما الحجة في إقدامه على موجب العقوبة على تقدير الكذب وهذا كما هو وازع ديني فالنكول فيه وازع طبيعي لأنه إذا قيل له إن حلفت برئت وإن

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

تدعي على زوجها الغائب النفقة وتقيم البينة بإثبات الزوجية والغيبة واتصالها وأنهم ما علموه ترك لها نفقة فلا بد من يمينها على ما هو مذكور في محله وضابط هذا الباب أن كل بينة شهدت بظاهر فإنه يستظهر بيمين الطالب على باطن الأمر قاله في التوضيح في باب التفليس ا ه الوصل الثاني يمين المستحق على البت أنه ما باع ولا وهب ويمين الورثة على العلم أنه ما خرج عن ملك مورثهم بوجه من الوجوه كلها وأن ملك جميعهم يعني الورثة باق إلى حين يمينهم وهذه التتمة في اليمين تكون على البت قال ابن سهل وإذا شهد لرجل شاهدان على دين لأبيه حلف أنه لا يعلم أن أباه اقتضى من ذلك شيئا وإن كان شيئا معينا فاستحقه بشاهدين حلف أنه ما يعلم أن أباه ما باع ولا وهب ولا خرج من يده بوجه من وجوه الملك واليمين في ذلك على من يظن به علم ذلك ولا يمين على من لا يظن به علم ذلك ولا على صغير ومن نكل ممن يلزمه اليمين منهم سقط من الدين حصته فقط قال في رواية يحيى بعد يمين الذي عليه الحق من ابن يونس من قوله واليمين في ذلك قال ابن سهل ولا يكلف الورثة أن يزيدوا في يمينهم أن الشيء المستحق كان في ملك مورثهم لأن البينة قد شهدوا بذلك وقطعوا به

وقد أنكر هذا على بعض القضاة لما فعله فلا ينبغي للحاكم أن يحكم إلا فيما لا بد منه فينبغي التحفظ في هذه الزيادة وشبهها وفي المدونة من أقام ببينة على حاضر بدين فلا يحلف مع بينته على إثبات الحق ولا على أنه ما قبض منه حتى يدعي المطلوب أنه دفعه إليه أو دفعه عنه دافع من وكيل أو غيره فحينئذ يحلف ا ه من تبصرة ابن فرحون الوصل الثالث في تبصرة ابن فرحون يمين

____________________

(4/203)

نكلت غرمت فإذا نكل كان ذلك على خلاف الطبع والوازع الطبيعي أقوى عندنا إثارة للظنون من الوازع الشرعي بدليل أن الإقرار يقبل من البر والفاجر لكونه على خلاف الوازع الطبيعي والشهادة لا تقبل إلا من العدل لأن وازعها شرعي فلا يؤثر إلا في المتقين من الناس وعن الثاني أن الكفارة قد تكون أولى من الحق المختلف فيه المجتلب وهو الغالب فتقدم عليه اليمين الكاذبة لأن الوازع حينئذ إنما هو الوازع الشرعي وقد تقدم أنه دون الوازع الطبيعي وعن الثالث أن مجرد الجحد لا يقضى به عليه فلا يخافه والنكول يقضى به عليه بعد تقدم اليمين فخافه طبعه فظهر أن النكول أقوى من اليمين وأقوى من الجحد الحجة السابعة المرأتان والنكول عندنا خلافا للشافعي رضي الله عنه والمدرك هو ما تقدم سؤالا وجوابا وعمدته أنه قياس على اليمين بطريق الأولى كما تقدم تقريره

الحجة الثامنة اليمين والنكول وصورته أن يطالب المطلوب باليمين الدافعة فينكل فيحلف الطالب ويستحق بالنكول واليمين فإن جهل المطلوب ردها فعلى الحاكم أن يعلمه بذلك ولا يقضي حتى يردها فإن نكل الطالب فلا شيء له وقاله الشافعي

وقال أبو حنيفة وابن حنبل يقضي بالنكول ولا ترد اليمين على الطالب وقال أبو حنيفة إن كانت الدعوى في مال كرر عليه ثلاثا فإن لم يحلف لزمه الحق ولا ترد اليمين وإن

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

القضاء لا نص على وجوبها لعدم الدعوى على الحالف بما يوجبها إلا أن أهل العلم رأوا ذلك على سبيل الاستحسان نظرا للميت والغائب وحياطة عليه وحفظا لماله للشك في بقاء الدين عليه ا ه فمن هنا قال الأصل قول مالك رضي الله عنه لو شهد الشاهدان لشخص بعين في يد واحد لا يستحقها حتى يحلف ما باع ولا وهب ولا خرجت عن يده بطريق من الطرق المزيلة للملك وهو الذي عليه الفتوى والقضاء وإن علله الأصحاب بأنه يجوز أن يكون باعها لهذا المدعى عليه أو لمن اشتراها هذا المدعى عليه منه ومع قيام الاحتمال لا بد من اليمين مشكل بأنا لا نعلم عندنا ولا عند غيرنا خلافا في قبول شهادة شاهدين مسلمين عدلين في الدماء والديون مع أنه يجوز أن يكون أبرأه من الدين أو دفعه له أو عارضه عليه ويجوز أيضا العفو عن القاتل الذي يقتل بهما فكما لا اعتبار بهذه الاحتمالات في الدماء والديون لا سيما وجل الشهادات في الدماء وغيرها الاستصحاب كذلك لا اعتبار بها في الأموال فكان الشأن أن يقضي بمجرد الشاهدين في الأموال بطريق الأولى من القضاء بمجردها في الدماء والديون

وبالجملة فاشتراط اليمين مع الشاهدين ضعيف مخالف لظاهر النصوص كقوله عليه السلام شاهداك أو يمينه وقوله تعالى شهيدين من رجالكم ونحو ذلك مما ظهره أنهما حجة تامة وما علمت أنه ورد حديث صحيح في اشتراط اليمين

وإثبات شرط بغير حجة بل بمجرد الاحتمالات والمسببات والمناسبات سواء كان في الأموال أو في الدماء كأن يقال لا نقبل في الدماء من في طبعه خور أو خوف من القتل مع تبريزه في العدالة لأن ذلك يبعثه على حسم مادة القتل ولا يقبل في الدماء وأحكام الأبدان

____________________

(4/204)

كانت في عقد فلا يحكم بالنكول بل يحبس حتى يحلف أو يعترف وفي النكاح والطلاق والنسب وغيره لا مدخل لليمين فيه فلا نكول وقال ابن أبي ليلى يحبس في جميع ذلك حتى يحلف لنا وجوه الأول قوله تعالى ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم ولا يمين بعد يمين إلا ما ذكرناه غير أن ظاهره يقتضي يمينا بعد يمين وهو خلاف الإجماع فتعين حمله على يمين بعد رد يمين على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه لأن اللفظ إذا ترك من وجه بقي حجة في الباقي

الثاني ما روي أن الأنصار جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت إن اليهود قتلت عبد الله وطرحته في نقير فقال عليه السلام تحلفون وتستحقون دم صاحبكم قالوا لا قال فتحلف اليهود قالوا كيف يحلفون وهم كفار فجعل عليه السلام اليمين في جهة الخصم خرجه صاحب الموطإ وغيره والثالث ما روي أن المقداد اقترض من عثمان سبعة آلاف درهم فلما كان وقت القضاء جاء بأربعة آلاف درهم فقال عثمان أقرضتك سبعة آلاف درهم فترافعا إلى عمر فقال المقداد يحلف عثمان فقال عمر لعثمان لقد أنصفك

فلم يحلف

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الشبان من العدول في الشيوخ لعظم الخطر في أحكام الأبدان ونحو ذلك خلاف الإجماع ومروق من القواعد ومنكر من القول لا سيما والقياس على الدين يمنع من ذلك والفرق في غاية العسر وإن ثبت الفرق فمذهب الشافعي وغيره عدم هذا الشرط وهو الصحيح ا ه كلام الأصل وسلمه ابن الشاط

قلت لكن في قوله وإن ثبت الفرق إلخ نظر فإنه إذا ثبت الفرق ظهر وجه اشتراط هذا الشرط في الأموال دون الدماء والديون لا سيما عند من يقول بالاستحسان كما يشهد لذلك كلام الإمام أبي إسحاق الشاطبي في كتابه الاعتصام حيث قال إن الاستحسان يراه معتبرا في الأحكام مالك وأبو حنيفة بخلاف الشافعي فإنه منكر له جدا حتى قال من استحسن فقد شرع والذي يستقري من مذهبهما أنه يرجع إلى العمل بأقوى الدليلين هكذا قال ابن العربي قال فالعموم إذا استمر

والقياس إذا اطرد فإن مالكا وأبا حنيفة يريان تخصيص العموم بأي دليل كان من ظاهر أو معنى قال ويستحسن مالك أن يختص بالمصلحة ويستحسن أبو حنيفة أن يخص بقول الواحد من الصحابة الوارد بخلاف القياس قال ويريان معا تخصيص القياس ونقص العلة ولا يرى الشافعي لعلة الشرع إذا ثبتت تخصيصا

وقال في موضع آخر الاستحسان إيثارك مقتضى الدليل على طريق الاستثناء والترخص لمعارضة ما يعارض به في بعض مقتضياته وقسمه أقساما عد منها أربعة أقسام وهي ترك الدليل للعرف وتركه للمصلحة وتركه لليسير لرفع المشقة وإيثار التوسعة وحده غير ابن العربي من أهل المذهب بأنه عند مالك استعمال مصلحة جزئية في مقابلة قياس كلي قال فهو تقويم الاستدلال المرسل على القياس وعرفه ابن رشد فقال الاستحسان الذي يكثر استعماله حتى يكون

____________________

(4/205)

عثمان فنقل عمر اليمين إلى المدعي ولم يختلف في ذلك عمر وعثمان والمقداد ولم يخالفهم غيرهم فكان إجماعا

الرابع القياس على النكول في باب القود والملاعنة لا تحد بنكول الزوج

الخامس لو نكل عن الجواب في الدعوى لم يحكم عليه مع أنه نكول عن اليمين والجواب فاليمين وحده أولى بعدم الحكم

السادس أن البينة حجة المدعي واليمين حجة المدعى عليه في النفي ولو امتنع المدعي من إقامة البينة لم يحكم عليه بشيء فكذلك المدعى عليه إذا امتنع من اليمين لم يحكم عليه

السابع أن المدعي إذا امتنع من إقامة البينة كان للمدعى عليه إقامتها فكذلك المدعى عليه إذا امتنع من اليمين فيكون للآخر فعلها

الثامن أن النكول إذا كان حجة تامة كالشاهدين وجب القضاء به في الدماء أو ناقصة كالشاهد والمرأتين أو يمين وجب استغناؤه عن التكرار أو كالاعتراف يقبل في القود بخلافه فالاعتراف لا يفتقر إلى تكرار بخلافه احتجوا بوجوه الأول قوله تعالى إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

أعم من القياس هو أن يكون طرحا لقياس يؤدي إلى علو في الحكم ومبالغة فيه فعدل عنه في بعض المواضع لمعنى يؤثر في الحكم يختص به ذلك الموضع وهذه تعريفات قريب بعضها من بعض وإذا كان هذا معناه عن مالك وأبي حنيفة فليس بخارج عن الأدلة ألبتة لأن الأدلة يقيد بعضها ويخصص بعضها كما في الأدلة السنية مع القرآنية ولا يرد الشافعي مثل هذا أصلا كيف وقد جاء عن مالك أن الاستحسان تسعة أعشار العلم ورواه أصبغ عن ابن القاسم عن مالك وقال أصبغ في الاستحسان قد يكون أغلب من القياس وجاء عن مالك أن الفرق في القياس يكاد يفارق السنة ا ه

المراد بلفظه مع تقديم وتأخير وقول ابن السبكي في جمع الجوامع بتوضيح من المحلي وفسر الاستحسان بعدول عن الدليل إلى العادة للمصلحة

ورد بأنه إن ثبت أنها أي العادة حق لجريانها في زمنه عليه الصلاة والسلام أو بعده من غير إنكار منه ولا من غيره فقد قام دليل من السنة والإجماع فيعمل بها قطعا وإلا ثبتت حقيقتها ردت قطعا أي فلا تصح محلا للنزاع لم يسلمه العلامة العطار بل قال فيه أن من القواعد أن الضرورات تبيح المحظورات وإذا ضاق الأمر اتسع فالحق أن هذا مما يجري فيه الخلاف بلفظه ا ه ولم يتعقبه العلامة الشربيني فتأمله بإنصاف والله سبحانه وتعالى أعلم

الباب الرابع في بيان ما تكون فيه الحجة الرابعة والخلاف في قبولها ودليله وفيه وصلان الوصل الأول في التبصرة قال الرعيني في كتاب الدعوى والإنكار ويحكم بالشاهد واليمين في كل حق يدعيه على صاحبه من بيع أو شراء من أي

____________________

(4/206)

آلعمران 77 فمنع سبحانه أن يستحق بيمينه على غيره حقا فلا ترد اليمين لئلا يستحق بيمينه مال غيره الثاني الملاعن إذا نكل حد بمجرد النكول الثالث أن ابن الزبير ولى ابن أبي مليكة قضاء اليمن فجاء إلى ابن عباس فقال إن هذا الرجل ولاني هذا البلد وإنه لا غناء لي عنه فقال له ابن عباس اكتب لي بما يبدو لك قال فكتب إليه في جاريتين جرحت إحداهما الأخرى في كفها فكتب إليه ابن عباس احبسها إلى بعد العصر واقرأ عليها إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا قال ففعل ذلك واستحلفها فأبت فألزمها ذلك الرابع قوله صلى الله عليه وسلم البينة على من ادعى واليمين على من أنكر فجعل اليمين في جهة المدعى عليه فلم يبق يمين تجعل في جهة المدعي وجعل حجة المدعي البينة وحجة المدعى عليه اليمين ولما لم يجز نقل حجة المدعى عليه إلى جهة المدعى عليه لم يجز أيضا نقل جهة المدعى عليه إلى جهة المدعي

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

السلع كان من دور أو أرضين أو حيوان أو رقيق أو ثياب أو طعام أو كراء أو إجارة أو شركة أو معاوضة أو مساقاة أو مقارضة أو جعل أو صناعة أو تسلف أو وديعة أو غصب أو سرقة أو عتق أو هبة لله تعالى أو للثواب أو صدقة أو نحلة أو عطية أو بضاعة أو عارية أو حبس أي على معينين أو سكنى أو خدام أو صداق أو صلح من إقرار أو إنكار في عمد وخطأ أو جراحة عمدا أو خطأ أو جراحة عمدا أو خطأ أو تولية أو إقالة أو خيار أو تبر من عيب أو رضي به بعد العلم من غير تبر أو وكالة في شيء مما ذكرناه مما يكون مالا أو يئول إلى مال فإذا أقام المدعي على شيء مما تقدم شاهدا واحدا عدلا وحلف معه أخذا ما يدعي ويثبت في القتل عمده وخطؤه إلا أنه مع القسامة ا ه

قال ابن فرحون اليمين مع الشاهد إنما تكون في الأموال كما تقدم وتكون في المشاتمة ما عدا الحدود في الفرية والسرقة والشرب والنكاح والرجعة والطلاق والعتاق وما تقدم أنه لا يثبت إلا بشاهدين وكذلك لا يكون اليمين مع الشاهد الواحد في الشهادة على شهادة الشاهد واختلف في الوكالة بالمال والوصية به هل يجوز فيها الشاهد واليمين والرجل والمرأتان وهو قول مالك وابن وهب أو لا يجوز فيها ذلك وهو قول أشهب وابن الماجشون قال ابن راشد ومنشأ القولين فيهما أن الشهادة فيهما باشرت ما ليس بمال لكنها تئول إلى المال فاعتبر مالك وابن القاسم وابن وهب المال فأجازوا في ذلك الشاهد واليمين فلذلك شهره ابن الحاجب واعتبر أشهب وابن الماجشون ما ليس بمال فلم يجيزا ذلك فيهما وفي المتيطية وإن شهد على غائب في وكالة شاهد فروى أنه يحلف الوكيل وتثبت وكالته والأكثر والذي جرى عليه العمل أنه لا يحلف معه

____________________

(4/207)

الخامس قوله عليه السلام شاهداك ويمينه ولم يقل أو يمينك السادس أن البينة للإثبات ويمين المدعى عليه للنفي فلما تعذر جعل البينة للنفي تعذر أيضا جعل اليمين للإثبات والجواب عن الأول أن معنى الآية أن لا تنفذ اليمين الكاذبة ليقطع بها مال غيره وهذه ليست كذلك ومجرد الاحتمال لا يمنع وإلا منع المدعى عليه من اليمين الدافعة لئلا يأخذ بها مال غيره بل يحكم بالظاهر وهو الصدق وعن الثاني أن الموجب لحد الملاعن قذفه وإنما أيمانه مسقطة فإذا فقد المانع عمل بالمقتضى والنكول عندكم مقتضى فلا جامع بينهما وعن الثالث أنه روى عن ابن أبي مليكة أنه قال اعترفت فألزمتها ذلك ولعله برأيه لا برأي ابن عباس فإن ابن عباس لم يأمره بالحكم عليها بذلك والتابعي لا حجة في فعله وعن الرابع أنه ورد لمن توجه عليه اليمين ابتداء ونحن نقول به وأما ما نحن فيه فلم يتعرض له الحديث ألا ترى أن المنكر قد يقيم البينة إذا ادعى وفاء الدين فكذلك اليمين قد توجد في حق المدعي في الرتبة الثانية وعن الخامس أنه لبيان من يتوجه عليه اليمين ابتداء في الرتبة الأولى كما تقدم

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

قال ابن فرحون يلزم من أجاز شهادة للنساء على الوكالة في المال أن يجيز شاهدا أو يمينا على الوكالة في المال لأنها تئول إلى المال

وزاده القرافي فيما نقله عن العبدي من أن ما يثبت بالشاهد واليمين في مذهب مالك أربعة الأموال والكفالة والقصاص في جراح العمد والخلطة التي هي شرط في التحليف في بعض الأحوال وأن ما لا يثبت بهما ثلاثة عشر النكاح والطلاق والعتاق والولاء والأحباس والوصايا لغير المعين وهلال رمضان وذي الحجة واللوث والقذف والإيصاء وترشيد السفيه ونقل الشهادة قال والمواضع المختلف فيها خمسة الوكالة بالمال والوصية به والتجريح والتعديل ونكاح امرأة قد ماتت يعني أنه إذا شهد على النكاح بعد موت المرأة شاهد أو أن أحد الوارثين مات قبل الآخر فهل يحلف مع الشاهد

ويثبت الميراث أو لا وكذا لو شهد بذلك رجل وامرأتان قال ابن القاسم يورث مع الشاهد واليمين والشاهد والمرأتين وأشهب يمنع لترتيب ثبوت النكاح على ذلك قال ويتوجه الإشكال على موضعين من مذهب مالك في ذلك الأول قبوله الشاهد واليمين في القصاص في جراح العمد اعتمادا على أنها يصالح عليها بالمال في بعض الأحوال فإنه إلغاء للأصل واعتبار للطوارئ البعيدة وذلك لازم له في النفس أيضا وهو خلاف الإجماع فهو مشكل جدا

والموضع الثاني عدم قبوله هذه الحجة في الأحباس مع أنها منافع ولا في الولاء ومآله إلى الإرث وهو مال ولا في الوصايا وهي مال ولا في ترشيد السفيه الذي يئول لصحة البيع وغيره وهو مال بل المال في هذه الصور أقرب من المال في جراح العمد لا سيما وهو يبيح القصاص بذلك وهو الغالب إذ متى يقع الصلح فيها وقاعدة المذهب أن كل ما مآله إلى المال يثبت بهذه الحجة وكل ما لا يئول إلى المال لا يثبت بها فعدم قبولها في هذا الموضع مشكل كقبولها في الموضع الأول فتأمل ذلك إلا أن يريد في الحبس على غير المعين فإنه يتعذر الحلف من غير المعين

____________________

(4/208)

تقريره وعن السادس أنا لم نجعل اليمين وحدها للإثبات بل اليمين مع النكول ثم إن البينة قد تكون للنفي كما تقدم تقريره مثل بينة القضاء فإنه نفي

الحجة التاسعة أيمان اللعان وهي متفق عليها أيضا فيما علمت من حيث الجملة

الحجة الحادية عشرة المرأتان فقط أما شهادة النساء فوقع الخلاف فيها في ثلاث مسائل المسألة الأولى قال مالك والشافعي وابن حنبل لا يقبلن في أحكام الأبدان وقال أبو حنيفة يقبل في أحكام الأبدان شاهد وامرأتان إلا في الجراح الموجبة للقود في النفوس والأطراف لنا وجوه الأول قوله تعالى في مسائل المداينات فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان فكان كل ما يتعلق بالمال مثله ومفهومه أنه لا يجوز في غيره فلا تجوز في أحكام الأبدان الثاني قوله في الطلاق والرجعة وأشهدوا ذوي عدل منكم الآية وهو حكم بدني فكانت الأحكام البدنية كلها كذلك إلا موضع لا يطلع عليه الرجال للضرورة في ذلك

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وهو الذي تقتضيه قواعد المذهب ا ه نعم قال ابن فرحون الولاء

وإن كان لا يثبت إلا بشاهدين إلا أنه لو أقام شاهدا واحدا على ميت أنه مولاه وأنه أعتقه فكان ابن القاسم يقول أنه يحلف مع شاهده ويستحق المال ولا يستحق الولاء وقال أشهب لا يستحق المال ولا الولاء لأنه لم يثبت الولاء الذي يستحق به المال فلا يستحق المال قبل أن يستحق الولاء قال وقد تكون الشهادة بهذه الحجة على ما هو مال تئول إلى الشهادة على غير المال فيثبت بها تبعا

وذلك في مسائل منها قال مالك رضي الله تعالى عنه قد تكون الشهادة في المال تؤدي إلى الطلاق مثل أن يقيم شاهدا واحدا أنه اشترى امرأته من سيدها فيحلف معه ويستحقها ويكون فراقا ومنها أن يقيم المكاتب شاهدا على أداء الكتابة فإنه يحلف معه ويتم العتق ومنها ما لو ثبت على رجل دين بشهادة رجل ويمين المدعي فإنه يرد بهذه الشهادة العتق الذي وقع به الدين ومنها أن يقذف رجل رجلا ظاهر الحرية فيجب عليه فيأتي من يستحق رقبة المقذوف بشاهد ويمين فيسقط عن القاذف الحد ومنها أن يقذف رجل مكاتبا فيأتي المكاتب بشاهد أنه أدى كتابته فيحلف معه فيجب الحد لتمام العتق ا ه المراد من كلام ابن فرحون يتصرف وزيادة من الأصل فانظره

تنبيهان الأول في تبصرة ابن فرحون حيث قلنا يحكم باليمين مع الشاهد فهل ذلك منسوب إلى الشاهد فقط واليمين كالاستظهار واليمين كشهادتان فيه خلاف ويظهر أثر ذلك الخلاف إذا رجع الشاهد هل يغرم الحق كله أو نصفه ا ه بلفظه

التنبيه الثاني حيث يحكم باليمين مع الشاهد فإن كانت الدعوى على يهودي أو نصراني أو مجوسي أو عبد مملوك أو أمة لك يكن عليه إلا يمينه بالله تعالى وإن كانت الدعوى لواحد من هؤلاء فإنه يحلف مع شاهده ويستحق ما حلف عليه ا ه بإصلاح

الوصل الثاني القضاء باليمين مع الشاهد قال به مالك والشافعي

____________________

(4/209)

الثالث قوله عليه السلام لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل وهو حكم بدني فكانت الأحكام البدنية كلها كذلك احتجوا بوجوه الأول قوله تعالى واستشهدوا شهيدين من رجالكم الآية فأقام المرأتين والرجل مقام الرجلين في ذلك أما عند عدم الشاهدين فهو باطل لجوازهما مع وجود الشاهدين إجماعا فتعين أنهما يقومان مقامهما في التسوية فيكونان مرادين بقوله عليه السلام وشاهدي عدل لوجود الاسم

الثاني قوله تعالى فرجل وامرأتان أطلق وما خص موضعا فيعم

الثالث أنهما أمور لا تسقط بالشبهات فتقبل فيها النساء كالأموال

الرابع أن النكاح والرجعة عقد منافع فيقبل فيهما النساء كالإجارات

الخامس أن الخيار والآجال ليست أموالا ويقبل فيها النساء فكذلك بقية صور النزاع

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وابن حنبل وقال أبو حنيفة ليس بحجة وبالغ في نقض الحكم أن حكم به قائلا هو بدعة وأول من قضى به معاوية وليس كما قال بل أكثر العلماء قال به والفقهاء السبعة وغيرهم لنا وجوه الأول ما في الموطإ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد وروي في المسانيد بألفاظ متقاربة وقال عمرو بن دينار رواية عن ابن عباس ذلك في الأموال

الوجه الثاني إجماع الصحابة على ذلك فقد قضى به جماعة من الصحابة ولم يرو أحد منهم أنه أنكره فقد روى النسائي وغيره ذلك عن أبي بكر وعمر وعلي وأبي بن كعب وعدد كثير من غير مخالف

الوجه الثالث أن اليمين تشرع في حق من ظهر صدقه وقوي جانبه وقد ظهر ذلك في حقه بشاهده

الوجه الرابع أنه أحد المتداعيين فتشرع اليمين في حقه إذا رجح جانبه كالمدعى عليه

الوجه الخامس قياس الشاهد على اليد

الوجه السادس أن أبا حنيفة حكم بالمرأتين مع الشاهد فيحكم باليمين معه لأن اليمين أقوى من المرأتين لدخولها في اللعان دون المرأتين

الوجه السابع قوله عليه السلام البينة على من ادعى واليمين على من أنكر وذلك أن البينة مشتقة من البيان والشاهد واليمين يبين الحق

الوجه الثامن قوله تعالى إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا وهذا ليس بفاسق فوجب أن يقبل قوله مع اليمين لأنه لا قائل بالفرق وأما الوجوه التي احتجوا بها فالأول قوله تعالى واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان فحصر المشروع عند عدم الشاهدين في الرجل والمرأتين والشاهد واليمين زيادة في النص والزيادة نسخ وهو لا يقبل في الكتاب بخبر الواحد وجوابه أنا لا نسلم أنه زيادة سلمناه لكن تمنع أنه نسخ لأمور الأول النسخ الرفع ولم يرتفع شيء وارتفاع الحصر يرجع إلى أن غير المذكور غير مشروع

____________________

(4/210)

السادس أن الطلاق رافع لعقد سابق فأشبه الإقالة

السابع أنه يتعلق به تحريم كالرضاع

الثامن أن العتق إزالة ملك كالبيع والجواب عن الأول أن معنى الآية أنهما يقومان مقام الرجل في الحكم بدليل الرفع في لفظ رجل وامرأتين ولو كان المراد ما ذكرتم لقال فرجلا وامرأتين بالنصب لأنه خبر كان ويكون التقدير فإن لم يكن الشاهد إن رجلين فيكونا رجلا وامرأتين فلما رفع على الابتداء كان تقديره رجل وامرأتان يقومان مقام الشاهدين بحذف الخبر وعن الثاني أن آخر الآية مرتبط بأولها وأولها إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ثم قال تعالى وأشهدوا إذا تبايعتم على أن العموم لو سلمناه خصصناه بالقياس على جراح القود بجامع عدم قبولهن منفردات ولأن الحدود أعلاها الزنا وأدناه السرقة ولم يقبل في أحدهما ما يقبل في الآخر فكذلك الأبدان أعلى من الأموال فلا يقبل فيها ما يقبل في الأموال ولأن القتل وحد القطع في السرقة وحد الخمر ليس ثابتا بالنص ولا بالقياس على الزنا لعدم اشتراط أربعة فيه ولا بالقياس على الأموال لأنها تثبت بالنساء فتعين قياسها على الطلاق وعن الثالث الفرق أن أحكام الأبدان أعظم رتبة لأن الطلاق ونحوه لا يقبلن فيه منفردات فلا يقبلن فيه مطلقا كالقصاص ولأنا وجدنا النكاح آكد من الأموال لاشتراط الولاية ولم يدخله الأجل

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وكونه غير مشروع يرجع إلى البراءة الأصلية والبراءة الأصلية ترجح بخبر الواحد اتفاقا

الثاني أن الآية واردة في التحمل دون الأداء إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه والشرع للاستقبال فهو للتحمل ولقوله تعالى أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى واليمين مع الشاهد لا تدخل في التحمل فالحصر في التحمل باق ولا نسخ على التقديرين

الثالث أن اليمين تشرع في حق من ادعى رد الوديعة وجميع الأمناء والقسامة واختلاف المتبايعين وينتقض ما ذكرتموه بالنكول وهو زيادة في حكم الآية والوجه الثاني قوله عليه السلام لحضرمي ادعى على كندي شاهداك أو يمينه ولم يقل شاهداك ويمينك وجوبه أن الحصر ليس مرادا بدليل الشاهد والمرأتين ولأنه قضاء يختصر باثنين لخصوص حالهما فيعم ذلك النوع ونحن نقول كل من وجد في حقه تلك الصفة لا يقبل منه إلا شاهدان وعليكم أن تبينوا أن تلك الحالة مما قلنا نحن فيها بالشاهد واليمين

والوجه الثالث قوله عليه السلام البينة على من ادعى واليمين على من أنكر فحصر البينة في جهة المدعي واليمين في جهة المنكر لأن المبتدئ محصور في خبره واللام للعموم فلم تبق يمين في جهة المدعي

والوجه الرابع أنه لما تعذر نقل البينة للمنكر تعذر نقل اليمين للمدعي وجوابهما أن اليمين التي على المنكر لا تتعداه لأن اليمين التي عليه هي اليمين الدافعة واليمين مع الشاهد هي الجالبة فهي غيرها فلم يبطل الحصر ولم يكن قولنا بيمين المدعي مع الشاهد تحويلا من يمين المنكر بل إثبات ليمين أخرى بالسنة فلا يرد أنه لما تتحول البينة لم تتحول اليمين مع أن التحويل واقع غير منكر لأنه لو ادعى عليه فأنكر لم يكن للمنكر إقامة البينة ولو ادعى القضاء كان له إقامة البينة مع أنها بينة ثابتة في الحالين

والوجه الخامس أن اليمين لو كان كالشاهد لجاز تقديمه على الشاهد كأحد الشاهدين مع الآخر ولجاز إثبات الدعوى بيمين

____________________

(4/211)

والخيار والهبة وعن الرابع أن المقصود من الإجارة المال وعن الخامس أن مقصوده أيضا المال بدليل أن الأجل والخيار لا يثبتان إلا في موضع فيه المال وعن السادس أن حل عقد لا يثبت بالنساء والنكول أيضا مقصود الطلاق غير المال ومقصود الإقالة المال وعن السابع أن الرضاع يثبت بالنساء منفردات بخلاف الطلاق وهو الجواب عن الثامن ولأن العتق ماله إلى غير ملك بخلاف البيع المسألة الثانية خالفنا أبو حنيفة في قبول النساء منفردات في الرضاع ولنا أنه معنى لا يطلع عليه الرجال غالبا فتجوز منفردات كالولاد والاستهلال المسألة الثالثة خالفنا الشافعي في قبول المرأتين فيما ينفردان فيه

وقال لا بد من أربع وقال أبو حنيفة إن كانت الشهادة ما بين السرة والركبة قبلت فيه واحدة وقبل أحمد بن حنبل واحدة مطلقا فيما لا يطلع عليه الرجال وعندنا لا بد من اثنتين مطلقا ويكفيان لنا وجوه الأول أن كل جنس قبلت شهادته في شيء على الانفراد كفى منه اثنان ولا يكفي منه واحد كالرجل في سائر الحقوق

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وجوابه الفرق بأن الشاهدين معناهما متساويان فلا مزية لأحدهما على الآخر في التقديم وأما اليمين فإنما تدخل لتقوية جهة الشاهد فقبله لا قوة فلا تدخل ولا تشرع وشرع الشاهدان لأنهما حجة مستقلة مع الضعف

والوجه السادس القياس على أحكام الأبدان وجوابه أن أحكام الأبدان أعظم ولذلك لا يقبل فيها النساء ولا نثبت باليمين مع النكول عندنا وعند أبي حنيفة خلافا للشافعي حيث قال بحلف المدعى عليه قبل قيام شاهد فإن نكل حلف المدعي لنا وجوه الأول قوله عليه السلام لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل فأخبر عليه السلام أنه لا يثبت إلا بهما فمن قال باليمين مع النكول فعليه البيان

والوجه الثاني قوله تعالى وأشهدوا ذوي عدل منكم وإنما أمر بهذه الشهادة لأنها سبب الثبوت فينحصر الثبوت فيها عملا بالمفهوم وإلا لزم تأخير البيان في تأسيس القواعد وهو خلاف الأصل والوجه الثالث أن الشاهدين والمرأتين أقوى من اليمين مع النكول لأنها حجة من جهة المدعي ولم تثبت أحكام الأبدان بها فلا تثبت باليمين مع النكول

والوجه الرابع أن ما ذكروه يؤدي إلى استباحة الفروج بالباطل لأنه إذا أحبها ادعى عليها فتنكر فيحلفها فتنكل فيحلف ويستحقها بتواطؤ منهما

والوجه الخامس أن المرأة قد تكره زوجها فتدعي عليه في كل يوم فتحلفه وكذلك الأمة تدعي العتق وهذا ضرر عظيم

وأما الوجوه التي احتجوا بها فالوجه الأول قضية حويصة ومحيصة في قضية عبد الرحمن بن سهل وهي في الصحاح وقال فيها عليه السلام تحلف لكم يهود خمسين يمينا وجوابه والأيمان تثبت بعد اللوث وهو وجوده مطروحا بينهم وهو أعداؤه وغلظت خمسين يمينا بخلاف صورة النزاع في المقيس ولأن القتل نادر في الخلوات حيث يتعذر الإشهاد فغلظ أمره لحرمة الدماء

والوجه الثاني أن كل حق توجهت اليمين فيه على المدعى عليه

____________________

(4/212)

الثاني أن شهادة الرجال أقوى وأكثر ولم يكف واحد فالنساء أولى احتجوا بوجوه الأول ما روى عقبة بن الحارث قال تزوجت أم يحيى بنت أبي إيهاب فأتت أم سورة فقالت أرضعتكما فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فأعرض عني ثم أتيته فقلت يا رسول الله إنها كاذبة قال كيف وقد علمت وزعمت ذلك متفق على صحته

الثاني عن علي أنه قبل شهادة القابلة وحدها في الاستهلال

الثالث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في الرضاع شهادة امرأة واحدة تجزئ

الرابع القياس على الرواية والجواب عن الأول أنه حجة لنا لأن المرأة الواحدة لو كفت لأمره بالتفريق من أول مرة كما شهد عدلان لأن التنفيذ عند كمال الحجة واجب على الفور لا سيما في استباحة الفروج فلا يدل ذلك على أن الواحدة كافية في الحكم بل معناه من قاعدة أخرى وهي أن من غلب على ظنه تحريم شيء بطريق من الطرق كان ذلك الطريق يفضي به إلى الحكم أم لا فإن ذلك الشيء يحرم عليه فمن غلب على ظنه طلوع الفجر في رمضان حرم عليه الأكل أو الطعام نجس حرم عليه أكله ونحو ذلك وإخبار الواحدة يفيد الظن فأمره عليه السلام بطريق الفتيا لا بطريق الحكم والإلزام وعن الثاني أنه معارض بأدلتنا المتقدمة أو بحمله على الفتيا جمعا بين الأدلة وعن الثالث كذلك أيضا وعن الرابع الفرق أن الرواية تثبت حكما عاما

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

فإذا نكل ردت على المدعي قياسا على المال وجوابه أن المدعى عليه هاهنا لا يحلف بمجرد الدعوى فانحسمت المدة

والوجه الثالث القياس على اللعان فإن المرأة تحد بيمين الزوج ونكولها عن اليمين وجوابه أن اللعان مستثنى للضرورة فجعلت الأيمان مقام الشهادة لتعذرها وضرورة الأزواج لنفي العار وحفظ النسب ولا ضرورة هاهنا

الوجه الرابع قوله عليه السلام البينة على من ادعى واليمين على من أنكر وهو عام يتناول صورة النزاع وجوابه أنه مخصوص بما ذكرناه من الضرورات وخطر الباب

والوجه الخامس أنه عليه السلام قال لركانة لما طلق امرأته ألبتة ما أردت بالبتة قال واحدة فقال له عليه السلام الله ما أردت إلا واحدة فقال الله ما أردت إلا واحدة فحلفه بعد دعوى امرأته الثلاث وجوابه الفرق بين دعوى المرأة الثلاث ودعواها أصل الطلاق بأن الثاني ليس فيه ظهور بل مرجوح باستصحاب العصمة بخلاف الأول فإنه يثبت بلفظ صالح بل ظاهر فيه قاله الأصل وصححه أبو القاسم بن الشاط والله أعلم

الباب الخامس في بيان ما تكون فيه الحجة الخامسة والخلاف في قبولها وفيه وصلان الوصل الأول في تبصرة ابن فرحون القضاء بامرأتين ويمين المدعي يجري فيما يجري فيه الشاهد واليمين من الأموال على ما تقدم في باب الشاهد واليمين وكذا الوراثة كما لو ولدت امرأة ثم ماتت هي وولدها فشهدت امرأتان أن الأم ماتت قبل ولدها فإن الأب يحلف أو أورثته على ذلك ويستحقون ما يرث عن أمه لأنه ماله قاله ابن القاسم واختلف في مسائل منها لو شهد النساء في طلاق ودين شهادة واحدة جازت مع اليمين في الدين دون الطلاق ومنها ما إذا شهدت امرأتان على ميت أنه أوصى لرجل قال في المدونة لا تجوز شهادتهما إن كان في

____________________

(4/213)

في الأمصار والأعصار لا على معين فليست مظنة العداوة فلا يشترط فيها العدد فتقبل الواحدة في الرواية ولا تقبل في الشهادة اتفاقا

الحجة الثانية عشرة اليمين الواحدة إذا تنازعا دارا ليست في أيديهما أو في أيديهما قسمت بينهما بعد أيمانهما فيقضي لكل واحد بمجرد يمينه

وقال الشافعي رضي الله عنه وهي أقل حجة في الشريعة بسبب أنا لم نجد مرجحا عند الاستواء إلا اليمين وكذلك إذا استوت البينتان والأيدي أو البينتان من غير يد بل هي في يد ثالث قسمت بينهما بعد أيمانهما لوجود الترجيح باليمين ويدل على ذلك قوله عليه السلام أمرت أن أقضي بالظاهر والله متولي السرائر وهذا قد صار ظاهرا باليمين فيقضي به لصاحبه ولأنهما إن كانت في أيديهما فكل واحد يده على النصف فدفع عنه يمينه كسائر من ادعى عليه وإن كانت في يد ثالث فأقر لهما على نسبة اتفقا عليها قسم بينهما بغير يمين وإن تنازعا والثالث يقول هي لا تعدوهما فهي كما لو كانت بأيديهما بسبب إقراره لهما وإن قال الثالث لا أعلم هي لهما أم لغيرهما فهو موضع نظر وتوقف وعلى هذا التقدير تكون الأيمان في هذه الصور دافعة لا جالبة ولا يقضي فيها بملك بل بالدفع كمن ادعى عليه فأنكر وحلف وكثير من الفقهاء يعتقد أنها جالبة وأنها تقضي بالملك وليس كذلك وعلى هذا التقدير أيضا تندرج هذه اليمين في قوله عليه السلام البينة على من ادعى

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الوصية عتق وإبضاع النساء يريد نكاح البنات فأبطل الوصية كلها قال ابن رشد وقد اختلف في هذا الأصل وهو ما إذا اشتملت الشهادة على ما تجيزه السنة وما لا تجيزه والمشهور جواز ما أجازته السنة دون ما لم تجزه وقيل يرد الجميع ا ه الوصل الثاني في الأصل المرأتان واليمين هي حجة عندنا وقاله أبو حنيفة ومنعه الشافعي وكذا ابن حنبل ووافقنا في الشاهد واليمين لنا وجوه الأول أن الله تعالى أقام المرأتين مقام الرجل فيقضي بها مع اليمين كالرجل ولما علل عليه السلام نقصان عقلهن قال عدلت شهادة امرأتين بشاهدة رجل ولم يخص موضعا دون موضع الثاني أنه يحلف مع نكول المدعى عليه فمع المرأتين أقوى

الثالث أن المرأتين أقوى من اليمين لأنه لا يتوجه عليه يمين معهما ويتوجه مع الرجل وإذا لم تعرج على اليمين إلا عند عدمهما كانتا أقوى فيكونان كالرجل فيحلف معهما وأما الوجوه التي احتجوا بها فالأول أن الله تعالى إنما شرع شهادتين مع الرجل فإذا عدم الرجل ألغيت وجوابه أن النص دل على أنهما يقومان مقام الرجل ولم يتعرض لكونهما لا يقومان مقامه مع اليمين فهو مسكوت عنه وقد دل عليه الاعتبار المتقدم كما دل الاعتبار على اعتبار القمط في البنيان والجذوع وغيرها

والوجه الثاني أن في المال إذا خلت عن رجل لم تقبل كما لو شهد أربع نسوة فلو أن امرأتين كالرجل لتم الحكم بأربع ويقبلن في غير المال كما يقبل الرجل ويقبل في غير المال رجل وامرأتان

والوجه الثالث أن شهادة النساء ضعيفة فتقوى بالرجل واليمين ضعيفة فيضم ضعيف إلى ضعيف وجوابهما إن قد بينا أن امرأتين أقوى وإنما لم يستقل النسوة في أحكام الأبدان لأنها لا يدخلها

____________________

(4/214)

واليمين على من أنكر وقال عليه السلام شاهداك أو يمينه لأن المراد في هذه الأحاديث اليمين الدافعة وهي هذه بعينها فتندرج

الحجة الثالثة عشرة الإقرار من أقر لغيره بحق أو عين قضى عليه بإقراره كان المقر برا أو فاجرا فإن كان المقر به في الذمة كالدين أو عينا أقر بها من سلم أخذت منه وقضى في جميع ذلك بالملك للمقر له وإن كان المقر به عينا قضى على المقر بتسليمها للمقر له إن كانت في يد المقر ولا يقضي بالملك بل بإلزام التسليم لاحتمال أن يكون لثالث وإن كان المقر به بيد الغير لم يقض به وإنما يؤثر الإقرار فيما في يد المقر أو ينتقل بيده يوما من الدهر فيقضي عليه حينئذ بموجب إقراره

الحجة الرابعة عشرة شهادة الصبيان بعضهم على بعض في القتل والجراح خاصة ولقبولها عشرة شروط الأول العقل ليفهموا ما رأوا الثاني الذكورية لأن الضرورة لا تحصل في اجتماع الإناث وروي عن مالك تقبل شهادتهن اعتبارا لهن بالبالغات لوثا في القسامة

الثالث الحرية لأن العبد لا يشهد

الرابع الإسلام لأن الكافر لا يقبل في قتال ولا جراح لأن الضرورة إنما دعت لاجتماع الصبيان لأجل الكفار وقيل تقبل في الجراح لأنها شهادة ضعيفة فاقتصر فيها على أضعف الأمرين الخامس أن يكون ذلك بينهم لعدم ضرورة مخالطة الكبير لهم السادس أن يسمع ذلك منهم قبل التفرق لئلا

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الشاهد واليمين ولأن تخصيص الرجال بموضع لا يدل على قولهم لأن النساء قد خصصن بعيوب الفرج وغيرها وإن لم يدل ذلك على رجحانهن على الرجال ا ه وسلمه ابن الشاط والله أعلم

الباب السادس في بيان ما تكون فيه الحجة السادسة والسابعة والخلاف في قبولها ودليله وفيه وصلان الوصل الأول في تبصرة ابن فرحون الشاهد والنكول يجري في كل موضع يقبل فيه الشاهد واليمين والمرأتان واليمين صورة ذلك أن يشهد على المدعى عليه شاهد وامرأتان فإذا توجهت اليمين على المدعي وردها على المدعى عليه فإن نكل عن اليمين قضي عليه بنكوله وليس له أن يردها على المدعي لأن اليمين المردودة لا ترد قال فينبغي للحاكم أن يبين للمدعى عليه حكم النكول إن كانت الدعوى في مال بل وحكمه أيضا إن كانت في طلاق أو عتق فقد اختلف في القضاء بالشاهد والنكول في الطلاق والعتاق فعن مالك في ذلك روايتان وقال قبل بأوراق إذا ادعى العبد أو الأمة العتق وأقام أحدهما شاهدا حلف السيد فإن نكل فقيل يعتق عليه وقيل يسجن حتى يحلف وقيل يخلى من السجن إذا طول والطول سنة قال وإن أقامت المرأة شاهدا بالطلاق وأنكر الزوج حلف وخلى بينه وبينها وإن نكل سجن حتى يحلف أو يطول أمره والطول في ذلك سنة وقيل يسجن أبدا حتى يحلف أو يطلق وقيل يطلق عليه لتمام أربعة أشهر لمشابهته الإيلاء ا ه

الوصل الثاني في الأصل الشاهد والنكول حجة عندنا خلافا للشافعي لنا وجوه الأول أن النكول سبب مؤثر في الحكم فيحكم به مع الشاهد كاليمين من المدعي وتأثيره أن يكون المدعى عليه ينقل اليمين للمدعي الثاني أن الشاهد أقوى من يمين المدعي بدليل

____________________

(4/215)

يلقنوا الكذب السابع اتفاق أقوالهم لأن الاختلاف يخل بالثقة الثامن أن يكونوا اثنين فصاعدا لأنهم لا يكون حالهم أتم من الكبار هذا هو نقل القاضي في المعونة وزاد ابن يونس التاسع أن لا يحضر كبار فمتى حضر كبار فشهدوا سقط اعتبار شهادة الصبيان كان الكبار رجالا أو نساء لأن شهادة النساء تجوز في الخطأ وعمد الصبي كالخطأ

العاشر رأيت بعض المعتبرين من المالكية يقول لا بد من حضور الجسد المشهود بقتله وإلا فلا تسمع ونقله صاحب البيان عن جماعة من الأصحاب قالوا لا بد من شهادة العدول على رؤية البدن مقتولا تحقيقا للقتل ومنع أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وأشهب من أصحابنا وجماعة من العلماء شهادة الصبيان وقال بقبولها علي وابن الزبير وعمر بن الخطاب ومعاوية وخالفهم ابن عباس لنا قوله تعالى وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة واجتماع الصبيان للتدريب على الحرب من أعظم الاستعداد ليكونوا كبارا أهلا لذلك ويحتاجون في ذلك لحمل السلاح حيث لا يكون معهم كبير فلا يجوز هدر دمائهم فتدعو الضرورة لقبول شهادتهم على الشروط المتقدمة والغالب مع تلك الشروط الصدق وندرة الكذب فتقدم المصلحة الغالبة على المفسدة النادرة لأنه دأب صاحب الشرع كما جوز الشرع شهادة النساء منفردات في الوضع الذي لا يطلع عليه الرجال للضرورة ولأنه قول الصحابة احتجوا بوجوه الأول قوله تعالى واستشهدوا

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

أنه يرجع لليمين عند عدم الشاهد الثالث أن الشاهد يدخل في الحقوق كلها بخلاف اليمين

وأما الوجوه التي احتجوا بها فالأول أن السنة إنما وردت بالشاهد واليمين وهو تعظيم الله تعالى ولا تعظيم في النكول وجوابه أن التعظيم لا مدخل له هنا بدليل أنه لو سبح وهلل ألف مرة لا يكون حجة مع الشاهد وإنما الحجة في إقدامه على موجب العقوبة على تقدير الكذب وهذا كما هو وازع ديني أما النكول ففيه وازع طبيعي لأنه إذا قيل له إن حلفت برئت وإن نكلت غرمت فإذا نكل كان ذلك على خلاف الوزاع الطبيعي والوزاع الطبيعي أقوى ألا ترى أن الشهادة لا تقبل إلا من العدل لأن وازعها شرعي فلا يؤثر إلا في المتقين من الناس والوجه الثاني أن الحنث في اليمين يوجب الكفارة ويذر الديار بلاقع إذا أقدم عليها غموسا وليس كذلك النكول وجوابه أن الكفارة قد تكون أولى من الحق المختلف فيه والمجتلب وهو الغالب فقدم عليه اليمين الكاذبة لأن الوازع حينئذ إنما هو الوازع الشرعي وقد تقدم أنه دون الوزاع الطبيعي والوجه الثالث أن النكول لا يكون أقوى حجة من جحده أصل الحق وجحده لا يقضي به مع الشاهد وإلا كان قضاء مع الشاهد وحده وهو خلاف الإجماع فكذلك النكول وجوابه أن مجرد الجحد لا يقضي به عليه فلا يخافه والنكول يقضي به عليه بعدم تقدم اليمين فيخافه طبعه فظهر أن النكول أقوى من اليمين وأقوى من الجحد قال الأصل والمرأتان والنكول عندنا أيضا خلافا للشافعي رضي الله عنه والمدرك هو ما تقدم سؤالا وجوابا وعمدته أنه قياس على اليمين بطريق الأولى كما تقدم تقريره ا ه وسلمه أبو القاسم بن الشاط والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(4/216)

شهيدين من رجالكم وهو يمنع شهادة غير البالغ الثاني قوله تعالى وأشهدوا ذوي عدل منكم والصبي ليس بعدل الثالث قوله تعالى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا وهو نهي ولا يتناول النهي الصبي فدل على أنه ليس من الشهداء الرابع أنه لا يعتبر إقراره فلا تعتبر شهادته كالمجنون الخامس أن الإقرار أوسع من الشهادة لقبوله من البر والفاجر فإذا كان لا يقبل فلا تقبل الشهادة السادس القياس على غير الجراح السابع لو قبلت لقبلت إذا افترقوا كالكبار وليس كذلك الثامن أنها لو قبلت لقبلت في تخريق ثيابهم في الخلوات أو لجازت شهادة النساء بعضهن على بعض في الجراح والجواب عن الأول إنما نمنع الإناث لاندراج الصبيان مع الرجال في قوله تعالى وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين ولأن الأمر بالاستشهاد إنما يكون في المواضع التي يمكن إنشاء الشهادة فيها اختيارا لأن من شرط النهي الإمكان وهذا موضع ضرورة تقع فيه الشهادة بغتة فلا يتناوله الأمر فيكون مسكوتا عنه

وهو الجواب عن الآية الثانية وعليه تحمل الآية الثالثة في الشهداء الذين استشهدوا اختيارا مع أن هذه الظواهر عامة ودليلنا خاص فيقدم عليها وعن الرابع أن إقرار الصبي إن كان في المال فنحن نسويه بالشهادة فإنهما لا يقبلان في المال أو في الدماء إن كانت عمدا خطأ فيئول إلى الدية فيكون إقرارا على غيره فلا يقبل كالبالغ وهو الجواب عن

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الباب السابع في بيان ما تكون فيه الحجة الثامنة والخلاف في قبولها ودليله وفيه وصلان الوصل الأول اليمين من المدعي بعد نكول المدعى عليه عن اليمين الرافعة للدعوى فيستحق ما ادعى به تكون فيما إذا ادعى رجل على رجل حقا وليس له بينة على ذلك فينكر المدعى عليه فتتوجه عليه اليمين على نفي ما ادعى به عليه وهي اليمين الرافعة للدعوى فينكل عنها فتنقلب اليمين على الطالب وهي اليمين المنقلبة فيحلف ويستحق فإن جهل المطلوب ردها فإنه يجب على الحاكم أن يعلمه بذلك ولا يقضي حتى يردها فإن نكل الطالب فلا شيء له قال في مختصر الواضحة فإن حلف المدعي حين نكل المدعى عليه وأخذ ما ادعاه ثم إن المدعى عليه وجد بينة ببراءته من ذلك نفعه ذلك واستعاد ما أخذه من المدعي ا ه وتكون أيضا فيما إذا ادعى المطلوب العدم وقال إن المدعي عالم بذلك فله أخذ اليمين الرافعة للدعوى فإن نكل المدعي فلا مقال وحلف المطلوب أنه ليس له مال ظاهر ولا باطن وهذه اليمين تسمى اليمين المصححة والمدعي في هذه الصورة مدعى عليه انظر المتيطية أفاده ابن فرحون في التبصرة والله أعلم الوصل الثاني في الأصل اليمين والنكول حجة عندنا وعند الشافعي وقال أحمد بن حنبل يقضي بالنكول ولا ترد اليمين على الطالب وقال أبو حنيفة إن كانت الدعوى في مال كرر عليه ثلاثا فإن لم يحلف لزمه الحق ولا ترد اليمين وإن كانت في عقد فلا يحكم بالنكول بل يحبس حتى يحلف أو يعترف وفي النكاح والطلاق والنسب وغيره لا مدخل لليمين فيه فلا نكول

وقال ابن أبي ليلى يحبس في جميع ذلك حتى يحلف لنا وجوه الأول قوله تعالى ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم ولا يمين بعد يمين وهو خلاف الإجماع فتعين حمله على يمين بعد رده يمين على

____________________

(4/217)

الخامس وعن السادس أن الفرق تعظيم حرمة الدماء بدليل قبول القسامة ولا يقسم على درهم وعن السابع أن الافتراق يحتمل التعليم والتغيير والصغير إذا خلي وسجيته الأولى لا يكاد يكذب والرجال لهم وازع شرعي إذا افترقوا بخلاف الصبيان وعن الثامن التفريق لعظم حرمت الدماء ولأن اجتماعهم ليس لتخريق ثيابهم بخلاف الضرب والجراح وأما النساء فلا يجتمعن للقتال ولا هو مطلوب منهن

الحجة الخامسة عشرة القافة حجة شرعية عندنا في القضاء بثبوت الأنساب ووافقنا الشافعي وأحمد بن حنبل

وقال أبو حنيفة الحكم بالقافة باطل قال ابن القصار وإنما يجيزه مالك في ولد الأمة يطؤها رجلان في طهر واحد وتأتي بولد يشبه أن يكون منهما والمشهور عدم قبوله في ولد الزوجة وعنه قبوله وأجازه الشافعي فيهما لنا ما في الصحيحين قالت عائشة رضي الله عنها دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم تبرق أسارير وجهه فقال ألم تري إلى مجزز المدلجي نظر إلى أسامة وزيد عليهما قطيفة قد غطيا رءوسهما وبدت أقدامهما فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض وسبب ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان تبنى زيد بن حارثة وكان أبيض وابنه أسامة أسود فكان المشركون يطعنون في نسبه فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكانته منه

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه لأن اللفظ إذا ترك من وجه بقي حجة في الباقي الثاني ما روي أن الأنصار جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت إن اليهود قتلت عبد الله وطرحته في قفير أي بئر فقال عليه السلام أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم قالوا لا قال فتحلف لكم اليهود قالوا كيف يحلفون وهم كفار فجعل عليه السلام اليمين في جهة الخصم أخرجه صاحب الموطإ وغيره الثالث ما روي أن المقداد اقترض من عثمان سبعة آلاف درهم فلما كان وقت القضاء جاء بأربعة آلاف درهم فقال عثمان أقرضتك سبعة آلاف درهم فترافعا إلى عمر فقال المقداد يحلف عثمان فقال عمر لعثمان لقد أنصفك فلم يحلف عثمان فنقل عمر اليمين إلى المدعي ولم يختلف في ذلك عمر وعثمان والمقداد ولم يخالفهم غيرهم فكان إجماعا الرابع القياس على النكول في باب القود والملاعنة لاتحد بنكول الزوج الخامس لو نكل عن الجواب في الدعوة لم يحكم عليه مع أنه نكول عن اليمين والجواب فاليمين وحده أولى بعدم الحكم السادس أو البينة حجة المدعي واليمين حجة المدعى عليه في النفي ولو امتنع من إقامة البينة لم يحكم عليه بشيء فكذلك المدعى عليه إذا امتنع من اليمين لم يحكم عليه السابع أن المدعي إذا امتنع من إقامة البينة كان للمدعى عليه إقامتها فكذلك المدعى عليه إذا امتنع من اليمين فيكون للآخر فعلها الثامن أن النكول إذا كان حجة تامة كالشاهدين وجب القضاء به في الدماء أو ناقصة كالشاهدين والمرأتين أو كالشاهد ويمين وجب استغناؤه عن التكرار أو كالاعتراف يقبل في القود ولا يفتقر أي إلى تكرار بخلافه النكول

____________________

(4/218)

فلما قال مجزز ذلك سر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدل من وجهين أحدهما أنه لو كان الحدس باطلا شرعا لما سر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه عليه السلام لا يسر بالباطل

وثانيها أن إقراره عليه السلام على الشيء من جملة الأدلة على المشروعية وقد أقر مجززا على ذلك فيكون حقا مشروعا لا يقال النزاع إنما هو في إلحاق الولد وهذا كان ملحقا بأبيه في الفراش فما تعين محل النزاع وأيضا سروره عليه السلام لتكذيب المنافقين لأنهم كانوا يعتقدون صحة القيافة وتكذيب المنافقين سار بأي سبب كان لقوله عليه السلام إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر فقد يفضي الباطل للخير والمصلحة

وأما عدم إنكاره عليه السلام فلأن مجززا لم يتعين أنه أخبر بذلك لأجل القيافة فلعله أخبر به بناء على القرائن لأنه يكون رآهما قبل ذلك لأنا نقول مرادنا هاهنا ليس أنه ثبت النسب بمجزز إنما مقصودنا أن الشبه الخاص معتبر وقد دل الحديث عليه وأما سروره عليه السلام بتكذيب المنافقين فكيف يستقيم السرور مع بطلان مستند التكذيب كما لو أخبر عن كذبهم رجل كاذب وإنما يثبت كذبهم إذا كان المستند حقا فيكون الشبه حقا وهو المطلوب وبهذا التقرير يندفع قولكم إن الباطل قد يأتي بالحسن والمصلحة فإنه على هذا التقدير ما أتى بشيء

وأما قولكم أخبر به لرؤية سابقة لأجل الفراش فالناس كلهم يشاركونه في ذلك فأي

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وأما الوجوه التي احتجوا بها فالأول قوله تعالى إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا يمنع سبحانه أن يستحق بيمينه على غيره حقا فلا ترد اليمين لئلا يستحق بيمينه مال غيره وجوابه أن معنى الآية أن لا تنفذ اليمين الكاذبة ليقطع بها مال غيره ليست كذلك ومجرد الاحتمال لا يمنع وإلا لمنع المدعى عليه في اليمين الدافعة لئلا يأخذ بها مالا بل يحكم بالظاهر وهو الصدق والوجه الثاني الملاعن إذا نكل حد بمجرد النكول وجوابه أن الموجب لحد الملاعن قذفه وإنما أيمانه مسقطة فإذا فقد المانع عومل بالمقتضى والنكول عندكم مقتضى فلا جامع بينهما والوجه الثالث أن ابن الزبير ولى ابن أبي مليكة قضاء اليمن فجاء إلى ابن عباس فقال إن هذا الرجل ولاني هذا البلد وأنه لا غناء لي عنه فقال له ابن عباس اكتب لي بما يبدو لك فكتب إليه في جاريتين جرحت أحدهما الأخرى في كفها فكتب إليه ابن عباس احبسها إلى بعد العصر واقرأ عليها إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا قال ففعل ذلك واستحلفها فأبت فألزمها ذلك وجوابه أنه روي عن ابن أبي مليكة أنه قال اعترفت فألزمتها ذلك ولعله برأيه لا برأي ابن عباس فإن ابن عباس لم يأمره بالحكم عليها بذلك والتابعي لا حجة في فعله والوجه الرابع قوله صلى الله عليه وسلم البينة على من ادعى واليمين على من أنكر فجعل اليمين في حجة المدعى عليه فلم يبق يمين تجعل في جهة المدعي وجعل حجة المدعي البينة وحجة المدعى عليه اليمين ولما لم يجز نقل حجة المدعي إلى حجة المدعى عليه لم يجز أيضا نقل حجة المدعى عليه إلى جهة المدعى عليه وجوابه أنه ورد لمن توجه عليه اليمين ابتداء ونحن نقول به وأما ما نحن فيه فلم يتعرض له الحديث ألا ترى أن المنكر قد يقيم البينة إذا ادعى الدين

____________________

(4/219)

فائدة في اختصاص السرور بقوله لولا أنه حكم بشيء غير الذي كان طعن المشركين ثابتا معه ولا كان لذكر الأقدام فائدة وحديث العجلاني قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إن جاءت به على نعت كذا وكذا فأراه قد كذب عليها وإن أتت به على نعت كذا وكذا فهو لشريك فلما أتت به على النعت المكروه قال عليه السلام لولا الأيمان لكان لي ولها شأن فصرح عليه السلام بأن وجود صفات أحدهما في الآخر يدل على أنهما من نسب واحد ولا يقال إن إخباره عليه السلام كان من جهة الوحي لأن القيافة ليست في بني هاشم إنما هي في بني مدلج ولا قال أحد إنه عليه السلام كان قائفا ولأنه عليه السلام لم يحكم به لشريك وأنتم توجبون الحكم بما أشبه أيضا لم تحد المرأة فدل ذلك على عدم اعتبار الشبه لأنا نقول إن جاء الوحي بأن الولد ليس يشبهه فهو مؤسس لما يقوله وصار الحكم بالشبه أولى من الحكم في الفراش لأن الفراش يدل عليه من ظاهر الحال والشبه يدل على الحقيقة وأما كونه عليه السلام لم يعط علم القيافة فممنوع لأنه عليه السلام أعطي علم الأولين والآخرين سلمناه لكن أخبر عن ضابط القائفين أن الشبه متى كان كذا فهم يحكمون بكذا إلا أنه ادعى علم القيافة كما نقول يقول الإنسان الأطباء يداوون المحموم بكذا وإن لم يكن طبيبا ولم يحكم بالولد لشريك لأنه زان وإنما يحكم بالولد في وطء الشبهة وإنما وطئ

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

فكذلك قد توجد في حق المدعي في الرتبة الثانية والوجه الخامس قوله عليه السلام شاهداك أو يمينه ولم يقل أو يمينك وجوابه أنه لبيان من تتوجه عليه اليمين ابتداء في الرتبة الأولى كما تقدم تقريره والوجه السادس أن البينة للإثبات ويمين المدعى عليه للنفي فلما تعذر جعل البينة للنفي تعذر أيضا جعل اليمين للإثبات وجوابه أنا لم نجعل اليمين وحدها للإثبات بل اليمين مع النكول على أن البينة قد تكون للنفي كما تقدم تقريره مثل بينة القضاء فإنه نفي ا ه وسلمه ابن الشاط والله أعلم الباب الثامن في بيان ما تكون فيه الحجة التاسعة وفي صفتها وفيه وصلان الوصل الأول في تبصرة ابن فرحون لا يحكم باللعان إلا بعد ثبوت الحمل بشاهدة امرأتين وثبوت الزوجية إن كانا من أهل المصر والأمكنة من اللعان قبل ثبوت الزوجية والحمل ولا يحده بخلاف ما إذا كانا من أهل المصر فإنه يحد إذا لم يثبت ذلك بحال ولا يكون اللعان إلا بمجلس الحاكم أو في مجلس رجل من أعيان الفقهاء بأمر الحاكم وقال قيل ويجب أن يكون في أشرف أمكنة البلد عند المنبر في المدينة وعند الركن بمكة وعند المحراب في غيرهما في الجامع الأعظم والمختار أن يكون بعد صلاة العصر وتحلف الذمية في كنيستها لا في المسجد والمريض بموضعه ويكون ذلك بحضور جماعة أقلها أربعة قال وحقيقة اللعان يمين الزوج على زوجته بزنا أو نفي حملها أو ولدها ويمين الزوجة على تكذيبه وسميت أيمانهما لعانا لأن فيها ذكر اللعن ولكونها سببا في بعد كل واحد من صاحبه ا ه وفي الأصل وسلمه ابن الشاط وأيمان اللعان متفق عليها فيما علمت من حيث الجملة ا ه الوصل الثاني صفة اللعان أنه إن لاعن من دعوى الزنا

____________________

(4/220)

البائع والمشتري الأمة في طهر واحد وأما عدم الحد فلأن المرأة قد تكون من جهتها شبهة أو مكرهة أو لأن اللعان يسقط الحد لقوله تعالى ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله الآية أو لأنه عليه السلام لا يحكم بعلمه وبالجملة فحديث المدلجي يدل دلالة قوية على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استدل بالشبه على النسب ولو كان بالوحي لم يحصل فيه ترديد في ظاهر الحال بل كان يقول هي تأتي به على نعت كذا وهو لفلان فإن الله تعالى بكل شيء عليم فلا حاجة إلى الترديد الذي لا يحسن إلا في مواطن الشك وإنما يحسن هذا بالوحي إذا كان لتأسيس قاعدة القيافة وبسط صورها بالأشباه وذلك مطلوبنا فالحديث يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سر إلا بسبب حق وهو المطلوب ويؤيده أيضا قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة في الحديث تربت يداك ومن أين يكون الشبه فأخبر أن المني يوجب الشبه فيكون دليل النسب ولنا أيضا أن رجلين تداعيا ولدا فاختصما لعمر فاستدعى له القافة فألحقوه بهما فعلاهما بالدرة واستدعى حرائر من قريش فقلن خلق من ماء الأول وحاضت على الحمل فاستخشف الحمل فلما وطئها الثاني انتعش بمائه فأخذ شبها منها فقال عمر الله أكبر وألحق الولد بالأول ولأنه علم عند القافة من باب الاجتهاد فيعتمد عليه كالتقويم في المتلفات ونفقات الزوجات وخرص الثمار في

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

واعتمد على الرؤية قال أربع مرات أشهد بالله وقال محمد يزيد الذي لا إله إلا هو إني لمن الصادقين لرأيتها تزني كالمرود في المكحلة ثم يقول في الخامسة لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ثم تقول المرأة أربع مرات أشهد بالله الذي لا إله إلا هو أنه لمن الكاذبين وما رآني أزني ثم تقول في الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين وإن لاعن من دعوى لنفي الحمل واعتمد على الرؤية وحدها على أحد الأقوال زاد في الأربع وما هذا الحمل متى وتزيد المرأة وأن هذا الحمل منه ويقول في اللعان إذا اعتمد على الاستبراء وحده على أحد القولين إني لمن الصادقين لقد استبرأتها من كذا فاعتمد عليها مع ذكرهما معا في الأربع الأيمان وإن لاعن من دعوى الغصب قال أشهد بالله الذي لا إله إلا هو ما هذا الحمل مني وأني لمن الصادقين

وقال في الخامسة وأن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين وتقول المغتصبة إذا التعنت لنفي الولد أشهد بالله الذي لا إله إلا هو ما زنيت ولا أطعت وتقول في الخامسة إن غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيتعين لفظ الشهادة ولفظ اللعن والغضب بعدها وفي معين الحكام والحرة المسلمة التي لم تبلغ المحيض وقد جومعت تلاعن زوجها لأن من قذفها يحد والمشهور قول مالك وابن القاسم أن الفرقة تقع بينهما بتمام التحالف دون حكم حاكم وقال ابن حبيب لا تقع حتى يفرق الإمام بينهما

وقال ابن نافع يستحب له أن يطلقها ثلاثا عند فراغه من اللعان فإن لم يفعل أجريا على سنة المتلاعنين أنهما لا يتناكحان أبدا

وقال ابن لبابة إن لم يفعل طلقها الإمام ثلاثا ولم يمنعه من مراجعتها بعد زوج وفي كتاب ابن شعبان وفرقة المتلاعنين ثلاثا ويتزوجها بعد زوج آخر وفي الجلاب فرقة المتلاعنين فسخ بغير طلاق أفاده ابن فرحون في التبصرة والله أعلم

____________________

(4/221)

الزكوات وتحرير جهة الكعبة في الصلوات وجزاء الصيد وكل ذلك تخمين وتقريب

ولما لم يعتبر أبو حنيفة الشبه ألحق الولد بجميع المتنازعين ويرد عليه قوله تعالى إنا خلقناكم من ذكر وأنثى فالأب واحد وقوله تعالى وورثه أبواه فلم يجعل له آباء

وعارض أبو حنيفة حديث العجلاني بوجوه الأول بما في الصحاح أن رجلا حضر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وادعى أن امرأته ولدت ولدا أسود فقال له عليه السلام هل في إبلك من أورق فقال له نعم قال له ما ألوانها قال سود فقال ما السبب فقال الرجل لعل عرقا نزع فلم يعتبر الشبه

الثاني بقوله عليه السلام الولد للفراش ولم يفرق

الثالث أن خلق الولد مغيب عنا فجاز أن يخلق من رجلين وقد نص عليه بقراط في كتاب سماه الحمل على الحمل

الرابع ولأن الشبه لو كان معتبرا مع أنه قد يقع من الولد وجماعة لوجب إلحاقه بهم بسبب الشبه ولم يقولوا به

الخامس ولأن الشبه لو كان معتبرا لبطلت مشروعية اللعان واكتفي به

السادس أنه لا حكم له مع الفراش فلا يكون معتبرا عند عدمه كغيره

السابع أن القيافة لو كانت علما لأمكن اكتسابه كسائر العلوم والصنائع

الثامن أنه حزر وتخمين فوجب أن يكون باطلا كأحكام النجوم والجواب عن الأول أن تلك الصورة ليست صورة النزاع لأنه كان صاحب فراش وإنما سأله عن اختلاف اللون فعرفه عليه السلام السبب ولأنا لا نقول

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الباب التاسع في بيان ما فيه تكون القسامة وصفتها وفيه وصلان الوصل الأول قال ابن رشد القسامة موجبة مع اللوث للقتل في العمد والدية في الخطأ ولا قسامة في الأطراف ولا في الجراح ولا في العبيد ولا في الكفار قال ابن فرحون اللوث بثاء مثلثة المراد الوجوه التي يقع بها التلويث والتلطيخ في الدماء وهي كثيرة ومع كثرتها لا يتوصل بها إلى التمكن من الدماء لعظم خطرها ورفيع قدرها فوجب الإعراض عنها إلا لمن فيها ماله قوة لأجل ما أضيف به من القرائن الحاملة على صدق مدعيه ولذلك اختلف العلماء في تعيين ما يقبل من ذلك فعند مالك رضي الله تعالى عنه عنه أن اللوث هو الشاهد العدل على معاينة القتل ووجه ذلك أن يقوي جهة المدعيين ولا تأثير في نقل اليمين إلى جهة المدعيين وأخذ ابن القاسم بما قاله مالك ووافقه ابن وهب وابن عبد الحكم وذكر ابن المواز عن ابن القاسم أن شهادة المرأتين لوث يوجب القسامة ولا يوجب ذلك شهادة امرأة واحدة وروى ابن المواز وأشهب أنه يقسم مع الشاهد غير العدل ومع المرأة قال ابن المواز عن أشهب ولم يختلف قول مالك وأصحابه أن العبد والذمي ليس بلوث

ووجهه رواية أشهب وهو اختياره أنه لوث فلم يعتبر فيه العدالة كالذي يقول دمي عند فلان فلا يشترط فيه العدالة بل يقبل قوله في العمد والخطأ ولو كان فاسقا وفي تنبيه الحكام لابن المناصف وروى أشهب عن مالك أن القسامة تجب بشهادة امرأة واحدة عدل وقيل تقسم مع جماعة النساء والصبيان والقوم ليسوا بعدول فإذا وقعت القسامة بشيء من هذا على القول فيه بالجواز استحق أولياء المقتول الدم قال ووجه ذلك أن القود إنما يجب بمجرد القسامة عند مالك ولا حكم للشاهد الواحد في

____________________

(4/222)

إن القيافة هي اعتبار الشبه كيفما كان والمناسبة كيف كانت بل شبه خاص ولذلك ألحقوا أسامة بن زيد مع سواده بأبيه الشديد البياض بل حقيقتها شبه خاص ولا معارضة بين الألوان وغيرها ولذلك لم يعرج مجزز على اختلاف الألوان وهذا الرجل لم يذكر إلا مجرد اللون فليس فيه شرط القيافة حتى يدل إلغاؤه على إلغاء القيافة وعن الثاني أنه محمول على العادة والغالب وعن الثالث أنه خلاف العوائد وظواهر النصوص المتقدمة تأباه والشرع إنما يبني أحكامه على الغالب وبقراط تكلم على النادر فلا تعارض وعن الرابع أن الحكم ليس مضافا لما يشاهد من شبه الإنسان لجميع الناس وإنما يضاف لشبه خاص يعرفه أهل القيافة وعن الخامس أن القيافة إنما تكون من حيث يستوي الفراشان واللعان يكون لما يشاهد الزوج فهما بابان متباينان لا يسد أحدهما مسد الآخر وعن السادس الفرق بأن وجود الفراش وحده سالما عن المعارض يقتضي استقلاله بخلاف تعارض الفراشين وعن السابع أنه قوة في النفس وقوى النفس وخواصها لا يمكن اكتسابها كالعين التي يصاب بها فتدخل الجمل القدر والرجل القبر وغير ذلك مما دل الوجود عليه من الخواص فالقيافة كذلك حتى يتعذر اكتسابها

وعن الثامن أنه لو ثبتت أحكام النجوم كما ثبتت القيافة وأن الله تعالى ربط بها أحكاما لاعتبرت في تلك الأحوال المرتبطة بها كما اعتبرت الشمس في الفصول ونضج الثمار وتجفيف الحبوب

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

ثبوت القود وإن كان عدلا لأنه من حقوق الأبدان التي لا تستحق بالشاهد واليمين وإنما الواحد لوث ولطخ بقوى الدعوى في إباحة القسامة لا على جهة الشاهد واليمين الذي في حقوق الأموال ولذلك لا يقبل في قسامة العمد إلا رجلان فصاعدا أو لا مدخل فيها لنساء ولا حكم للواحد لأنهما أقيما في ثبوت الحق بإثباتهما مقام الشاهدين بخلاف القسامة في الخطأ لأنه مال فإذا أثبت أن شهادة الواحد في ذلك لوث لأنصف شهادة تكمل باليمين فكذلك قد يكون اللوث بغير العدل وباللفيف من النساء والصبيان لأنه لطخ لا شهادة والقسامة في هذا الباب أصل مخصص لنفسه لا يعترض عليه بغيره على ما وردت به السنة بخلاف سائر الحقوق

والأصح أن لا تجب القسامة بشيء من ذلك ولا يراق دم مسلم بغير العدول وذكر القاضي أبو محمد في المعونة أن من أصحابنا من يجعل شهادة العبيد والصبيان لوثا وبه قال ابن ربيعة ويحيى بن سعيد وهذا حكم القتل على غير وجه الغيلة أما قتل الغيلة فقال ابن المواز إن شهد عدل أنه قتله غيلة لم يقسم مع شهادته ولا يقبل في هذا إلا شاهدان نعم قال أبو محمد رأيت ليحيى بن عمر أن يقسم معه من المنتقى للباجي ا ه المراد

الوصل الثاني في التبصرة صفة القسامة أن يحلف الأولياء خمسين يمينا أن فلانا قتل ولينا فلانا أو أنه ضربه ومن ضربه مات إن كان قد عاش بعد ذلك ويقتصر على قوله بالله الذي لا إله غيره

وقال المغيرة يزيد الرحمن الرحيم ويحلفون في المدينة النبوية عند المنبر وفي غيرها بالجامع قياسا دبر الصلاة بمحضر الناس ويؤتى إلى المساجد الثلاثة من مسيرة عشرة أيام وإلى سائر الأمصار من مسيرة عشرة أميال ويحلف في العمد من له القصاص من الرجال المكلفين وفي الخطأ المكلفون من الورثة

____________________

(4/223)

والكسوفات وأوقات الصلوات وغير ذلك مما هو معتبر من أحكام النجوم وإنما ألغي منها ما هو كذب وافتراء على الله تعالى من ربط الشقاوة والسعادة والأمانة والإحياء بمثلثها وتربيعها أو غير ذلك مما لم يصح فيها ولو صح لقلنا به والقيافة صحت بما تقدم من الأحاديث والآثار

الحجة السادسة عشرة القمط وشواهد الحيطان قال بها مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وجماعة من العلماء وفيه مسألتان المسألة الأولى قال ابن أبي زيد في النوادر قال أشهب إذا تداعيا جدارا متصلا ببناء أحدهما وعليه جذوع للآخر فهو لمن اتصل ببنائه

ولصاحب الجذوع موضع جذوعه لأنه جوزه ويقضي بالجدار لمن إليه عقود الأربطة وللآخر موضع جذوعه وإن كان لأحدهما عليه عشر خشبات وللآخر خمس خشبات ولا ربط ولا غير ذلك فهو بينهما نصفان لا على عدد الخشب وبقيت خشباتهما بحالها وإذا انكسرت خشب أحدهما رد مثل ما كان ولا يجعل لكل واحد ما تحت خشبه منه ولو كان عقده لأحدهما من ثلاثة مواضع وللآخر من موضع قسم بينهما على عدد العقود وإن لم يعقد لواحد ولأحدهما عليه خشب معقودة بعقد البناء أو مثقوبة فعقد البناء يوجب ملك الحائط لأنه في العادة إنما يكون للمالك وقيل لا يوجبه وقال في المثقوبة نظر

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

رجالا ونساء على قدر ميراثهم ولا قسامة فيمن ليس له وارث إذ تحليف بيت المال غير ممكن ولا قسامة إلا بنسب أو ولاء ولا يقسم من القبيلة إلا من التقي معه في نسب ثابت ولا يقسم المولى الأسفل ولكن ترد الأيمان على المدعى عليه فيحلف خمسين يمينا فإن نكل سجن أبدا حتى يحلف أو يموت ا ه المراد منها فانظرها في الأصل وأيمان القسامة متفق عليها أيضا من حيث الجملة ا ه وسلمه ابن الشاط والله أعلم الباب العاشر في بيان ما تكون فيه الحجة الحادية عشر والخلاف في قبولها ودليله وفيه وصلان الوصل الأول في التبصرة القضاء بقول امرأتين بانفرادهما فيما لا يطلع عليه إلا النساء كالولادة والبكارة والثيوبة والحيض والحمل والسقط والاستهلال والرضاع وإرخاء الستور وعيوب الحرائر والإماء وفي كل ما تحت ثيابهن ووجه ذلك أنه لما كانت هذه الأمور مما لا يحضرها الرجال ولا يطلعون عليها أقيم فيها النساء مقام الرجال للضرورة قال وتجوز القسامة مع شهادة امرأتين على أحد الأقوال فيما تجوز معه القسامة قال وأما شهادتهن فيما يقع بينهن في المأتم والحمام من الجراح والقتل ففي ذلك خلاف والأصل الجواز للضرورة كالصبيان فيما يقع بينهم من ذلك قال ابن المناصف وكذلك إن لم يكونا عدلين لأنه موضع لا يحضره العدول ورأي اللخمي أن يقسم معهما في القتل ثم يقاد ويحلف في الجراح ثم يقتص قال وإن عدل منهن في ذلك اثنتان قيد في القتل بغير قسامة واقتص في الجراح بغير يمين فنحا بهن منحى الرجال والصحيح أن شهادة النساء بعضهن على بعض في المواضع التي لا يحضرها الرجال كما لحمام العرس والمآتم وما أشبه ذلك ولا تجوز فيما يقع بينهن من الجراح

____________________

(4/224)

لأنها طارئة على الحائط والكوى كعقد البناء توجب الملك وكوى الضوء المنفوذة لا دليل فيها قال ابن عبد الحكم إذا لم يكن لأحدهما عقد وللآخر عليه خشب ولو واحدة فهو له وإن لم يكن إلا كوى غير منفوذة أوجبت الملك وإن لم يكن الأخص القصب لأحدهما والقصب والطوب سواه قلت المدرك في هذه الفتاوى كلها شواهد العادات فمن ثبتت عنده عادة قضى بها وإن اختلفت العوائد في الأمصار والأعصار وجب اختلاف هذه الأحكام فإن القاعدة المجمع عليها أن كل حكم مبني على عادة إذا تغيرت العادة تغير كالنقود ومنافع الأعيان وغيرهما المسألة الثانية قال بعض العلماء إذا تنازعا حائطا مبيضا هل هو منعطف لدارك أو لداره فأمر الحاكم بكشف البياض لينظر إن جعلت الأجرة في الكشف عليه فمشكل لأن الحق قد يكون لخصمك والأجرة ينبغي أن تكون على من يقع له العمل ونفعه ولا يمكن أن تقع الإجارة على من يثبت له الملك لأنكما جزمتما بالملكية فما وقعت الإجارة إلا جازمة

وكذلك القائف لو امتنع إلا بأجر قال ويمكن أن يقال يلزم الحاكم كل واحد منهما باستجارة ويلزم الأجرة في الأخير لمن يثبت له ذلك الحق كما يحلف في اللعان وغيره وأحدهما كاذب

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

والقتل لأن الغالب عدم ضرورتهن إلى الاجتماع في ذلك وقيل تجوز لحاجتهن إلى ذلك قاله ابن رشد قال ولم يزل النساء يجمعهن في الأعراس والمآتم في زمنه صلى الله عليه وسلم وهلم جرا فإذا لم يقبل قول بعضهن على بعض ذهبت دماؤهن وفي الإملاء على الجلاب المقيد عن ابن زيد البرناسي قال وهذا إذا كان في العرس المباح الذي لا يختلط فيه الرجال مع النساء ولم يكن هناك منكر بين وكان دخولهن الحمام بالمئزر في هذه مسألة الخلاف

وأما إذا كن في الحمام بغير مئزر وفي الأعراس التي يمتزج فيه الرجال والنساء فلا يختلف في المذهب أن شهادة بعضهن لبعض لا تقبل وكذلك المأتم لا يحصل حضوره إذا كان فيه نوح وما أشبه ذلك مما حرمه الشارع لأن بحضورهن في هذه المواضع تسقط عدالتهن والله تعالى اشترط العدالة في الرجال والنساء بقوله تعالى ممن ترضون من الشهداء ا ه المراد فانظرها والله أعلم الوصل الثاني في الأصل وقع خلاف الأئمة لنا في قبول شهادة النساء وعدم قبولها في ثلاث مسائل المسألة الأولى خالفنا أبو حنيفة في قبول النساء منفردات في الرضاع ولنا أنه معنى لا يطلع عليه الرجال غالبا فتجوز منفردات كالولادة والاستهلال المسألة الثانية خالفنا الشافعي في قبول المرأتين فيما ينفردان فيه وقال لا بد من أربع وقال أبو حنيفة إن كانت الشهادة ما بين السرة والركبة قبلت فيه واحدة وقبل أحمد بن حنبل واحدة مطلقا فيما لا يطلع عليه الرجال وعندنا لا بد من اثنتين مطلقا ويكفيان لنا وجهان الأول أن كل جنس قبلت شهادته في شيء على الانفراد كفى منه اثنان ولا يكفي منه واحد كالرجل في سائر الحقوق الثاني أن شهادة الرجال أقوى وأكثر ولم يكف واحد فالنساء أولى

____________________

(4/225)

الحجة السابعة عشرة اليد وهي يرجح بها ويبقى المدعي به لصاحبها ولا يقضى له بملك بل يرجح التعدي فقط وترجح إحدى البينتين وغيرهما من الحجاج وهي للترجيح لا للقضاء بالملك فهذه هي الحجج التي يقضي بها الحاكم وما عداها لا يجوز القضاء به في القضاء

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وأما الوجوه التي احتجوا بها فأربعة الأول ما روى عقبة بن الحارث قال تزوجت أم يحيى بنت أبي إيهاب فأتت أم سورة فقالت أرضعتكما فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فأعرض عني ثم أتيته فقلت يا رسول الله إنها كاذبة قال كيف وقد علمت وزعمت ذلك متفق على صحته وجوابه أنه حجة لنا فإن أمره صلى الله عليه وسلم فيه بطريق الفتيا لا بطريق الحكم والإلزام لأمرين الأول أن معناه أن أخبار الواحد يفيد الظن والقاعدة أن من غلب على ظنه تحريم شيء بطريق من الطرق كان ذلك الطريق يفضي إلى الحكم أم لا فإن ذلك الشيء يحرم عليه فمن غلب على ظنه طلوع الفجر في رمضان حرم عليه الأكل أو أن الطعام نجس حرم عليه أكله ونحو ذلك الأمر الثاني أن المرأة الواحدة لو كفت في كمال الحجة لأمره بالتفريق من أول مرة كما لو شهد عدلان لأن التنفيذ عند كمال الحجة واجب على الفور لا سيما في استباحة الفروج فلا يدل ذلك على أن الواحدة كافية في الحكم بل على أن معناه ما علمت الوجه الثاني ما روي عن علي أنه قبل شهادة القابلة وحدها في الاستهلال وجوابه أنه معارض بأدلتنا المتقدمة فيحمل على الفتيا جمعا بين الأدلة الوجه الثالث ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في الرضاع شهادة امرأة واحدة تجزئ وجوابه أنه معارض كذلك بأدلتنا فيحمل على الفتيا إلخ الوجه الرابع القياس على الرواية وجوابه الفرق بينهما بأن الرواية تثبت حكما عاما في الأمصار والأعصار لا على معين فليست مظنة العداوة فلا يشترط فيها العدد فتقبل الواحدة في الرواية ولا تقبل في الشهادة اتفاقا

المسألة الثالثة قال مالك والشافعي وابن حنبل لا يقبل النساء في أحكام الأبدان وقال أبو حنيفة يقبل في أحكام الأبدان شاهد وامرأتان إلا في الجراح الموجبة للقود في النفوس والأطراف لنا وجوه الأول قوله تعالى في مسائل المداينات فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان فكان كل ما يتعلق بالمال مثله ومفهومه أنه لا يجوز في غيره فلا تجوز في أحكام الأبدان الثاني قوله تعالى في الطلاق والرجعة وأشهدوا ذوي عدل منكم الآية وهو حكم بدني فكانت الأحكام البدنية كلها كذلك إلا موضع لا يطلع عليه الرجال للضرورة في ذلك الثالث قوله عليه السلام لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل وهو حكم بدني فكانت الأحكام البدنية كلها كذلك وأما الوجوه التي احتجوا بها فثمانية الأول قوله تعالى واستشهدوا شهيدين من رجالكم الآية فأقام المرأتين والرجل مقام الرجلين في ذلك مطلقا لا عند عدم الشاهدين فقط إذ لا يصح الحمل عليه لجوازهما مع وجود الشاهدين إجماعا فتعين أنهما يقومان مقامهما فيكونان مرادين لقوله صلى الله عليه وسلم وشاهدي عدل لوجود الاسم وجوابه أن معنى الآية أنهما يقومان مقام الرجل في الحكم بدليل الرفع في لفظ رجل وامرأتين وليس معناها ما ذكرتم وإلا لقال فرجلا وامرأتين بالنصب لأنه خبر كان ويكون التقدير فإن لم يكن الشاهدان رجلين يكونا رجلا وامرأتين فلما رفع على الابتداء كان تقديره فرجل وامرأتان يقومان مقام الشاهدين بحذف الخبر الوجه الثاني قوله تعالى فرجل وامرأتان أطلق وما خص موضعا فيعم

____________________

(4/226)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

جوابه أن آخر الآية مرتبط بأولها وأولها إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ثم قال تعالى وأشهدوا إذا تبايعتم على أنا لو سلمنا العموم خصصناه بالقياس على جراح القود بجامع عدم قبولهن منفردات ولأن الحدود أعلاها الزنا وأدناها السرقة ولم يقبل في أحدهما ما يقبل في الآخر فكذلك الأبدان أعلى من الأموال فلا يقبل فيها ما يقبل في الأموال ولأن القتل وحد القطع في السرقة وحد الخمر ليس ثبتا بالنص ولا بالقياس على الزنا لعدم اشتراط أربعة فيه ولا بالقياس على الأموال لأنها لا تثبت بالنساء فتعين قياسها على الطلاق والوجه الثالث أنها أمور لا تسقط بالشبهات فتقبل فيها النساء كالأموال وجوابه الفرق بينهما بأن أحكام الأبدان أعظم رتبة لأن الطلاق ونحوه لا يقبلن فيه منفردات فلا يقبلن فيه مطلقا كالقصاص ولأنا وجدنا النكاح آكد من الأموال لاشتراط الولاية فيه ولم يدخله الأجل والخيار والهبة والوجه الرابع أن النكاح والرجعة عقد منافع فيقبل فيهما النساء كالإجارات وجوابه أن المقصود من الإجارة المال والوجه الخامس أن الخيار والآجال ليست أموالا ويقبل فيهما النساء فكذلك بقية صور النزاع وجوابه أن المقصود منهما أيضا المال بدليل أن الأجل والخيار لا يثبتان إلا في موضع فيه المال والوجه السادس أن الطلاق رافع لعقد سابق فأشبه الإقالة وجوابه أن مقصود الطلاق غير المال ومقصود الإقالة المال على أن حل عقد لا يثبت بالنساء والنكول والوجه السابع أنه أي الطلاق يتعلق به تحريم كالرضاع والوجه الثامن أن العتق إزالة ملك كالبيع وجوابه أن الرضاع يثبت بالنساء منفردات بخلاف الطلاق والعتق وأيضا مآل العتق إلى غير ملك بخلاف البيع ا ه كلام الأصل وسلمه أبو القاسم بن الشاط والله أعلم الباب الحادي عشر في بيان ما تكون فيه الحجة الثانية عشرة وكونها دافعة أو جالبة ودليل قبولها وفيه وصلان الوصل الأول في تبصرة ابن فرحون القضاء بالتحالف من الجهتين فيقضي لكل واحد منهما بيمينه وينقسم المدعى فيه بينهما أو يفسخ عن كل واحد منهما ما لزمه بموجب العقد بيمينه والحكم بالفسخ بينهما يدخل في أبواب كثيرة منهما اختلاف المتبايعين واختلافهما يرجع إلى ثمانية عشر نوعا يقع التحالف في أحد عشر نوعا النوع الأول أن يختلفا في جنس الثمن فيقول أحدهما هذه دنانير ويقول الآخر ثوب فإنهما يتحالفان ويتفاسخان إذ ليس تصديق أحدهما بأولى من الآخر ويرد المبتاع قيمة السلعة عند الفوات نعم في مفيد الحكام القول قول مدعي البيع أو الشراء بالنقد مع يمينه وعلى الآخر البينة لأن الدراهم هي الأثمان وبها يقع البيع النوع الثاني أن يختلفا في نوع الثمن فيقول أحدهما هو قمح ويقول الآخر هو شعير فإنهما يتحالفان ويتفاسخا النوع الثالث أن يختلفا في مقدار الثمن فيقول أحدهما بعشرين ويقول الآخر بعشرة ولا خلاف أنهما يتحالفان ويتفاسخان ما لم يقبض المشتري السلعة إذ لا مزية لأحدهما على الآخر وإذا ترجحت دعوى المشتري بقبض السلعة ففيها أربع روايات أحدهما أن المشتري يصدق في الثمن مع يمينه لقوة اليد الثانية أنهما يتحالفان ويتفاسخان وأن قبضهما ما لم يبن بها ويصدق حينئذ بالبينونة والروايتان لابن وهب الثالثة أنهما يتحالفان ويتفاسخان وإن قبضها وبان بها ما لم تفت بتغير سوق أو بدن فيكون القول قول المشتري وهي رواية ابن القاسم في المدونة وبها أخذ الرابعة أنهما يتحالفان ويتفاسخان وإن فاتت في يد المشتري ويرد القيمة بدل العين وهي رواية أشهب وبها أخذ

وقال المازري وبهذه الرواية كان يفتي شيخنا وأنا أفتي به أيضا قال ابن رشد

____________________

(4/227)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وإنما يرد القيمة ما لم تكن أقل أو أكثر وحيث قلنا بالتحالف فالبداءة بالبائع وقيل بالمشتري وقيل يقرع بينهما فلو تناكلا فقال ابن القاسم يفسخ كما إذا تحالفا

وقال ابن حبيب يمضي العقد بما قال البائع وإذا فرعنا على قول ابن القاسم فهل لأحدهما أن يلزم صاحبه البيع بما ذكر قولان وإذ قلنا بقول ابن حبيب فهل يفتقر البائع إلى يمين أم لا قولان وهل ينفسخ البيع بتمام التحالف أو يفتقر إلى الحكم قولان الأول قول سحنون والثاني قول ابن القاسم وابن عبد الحكم وثمرة الخلاف إن رضي أحدهما بقول الآخر فعلى قول ابن القاسم له ذلك وعلى قول سحنون ليس له ذلك وقال بعض القرويين إن تحالفا بأمر القاضي فلا بد من الحكم وإلا انفسخ بتمام التحالف النوع الرابع إذا اختلفا في تعجيل الثمن وتأجيله فقال البائع بعت بنقد وقال المشتري بل بنسيئة القول قول من ادعى العرف مع يمين فإن لم يكن لتلك السلعة عرف فقال القاسم يتحالفان ويتفاسخان وقال ابن وهب إن كانت السلعة بيد البائع فهو مصدق مع يمين وإن قبضها المبتاع صدق مع يمين وإن ادعى ما يشبه وقيل إن ادعى المبتاع أجلا قريبا يتحالفان ويتفاسخان إن كانت السلعة قائمة ويكون القول قول المشتري مع الفوات وإن ادعى أجلا بعيدا فالقول قول البائع وإن اتفقا على الأجل واختلفا في قدره فالقول قول المبتاع مع الفوات ويتحالفان ويتفاسخان إن كانت السلعة قائمة وإن اتفقا على الأجل واختلفا في انقضائه فالأصل عدم الانقضاء فيكون القول قول مدعيه مع يمين النوع الخامس إذا اختلفا في الخيار والبت فقال ابن القاسم القول قول المدعي البت مع يمين وقال أشهب القول قول مدعي الخيار وقيل يجري فيه الخلاف الذي تقدم اختلافهما في مقدار الثمن فإن ادعى كل واحد منهما أنه اشترط الخيار لنفسه دون الآخر فاختلف هل يتحالفان ويتفاسخان أو يتحالفان ويثبت البيع قولان لابن القاسم النوع السادس اختلافهما في الرهن والحميل وذلك كاختلافهما في قدر الثمن لأن الثمن يزيد مع نقدهما فينقص مع وجودهما النوع السابع إذا اختلفا في عين المبيع فلا يخلو أن يختلفا في ذلك قبل القبض أو بعده فإن اختلفا فيه قبل القبض فقال البائع بعت منك هذا الثوب وقال المبتاع بل هذا تحالفا وتفاسخا وإن اختلفا فيه بعد القبض فالقول في ذلك قول البائع مع يمين وكذلك لو قال رددته عليك بعد التحالف والتفاسخ لأن الأصل أنه من ضمان المبتاع فلا يزال في ضمانه حتى يقر له البائع بالقبض أو تقوم له البينة النوع الثامن إذا اختلفا في قدر المثمون في بيع النقد وفيه الأقوال المتقدمة في اختلافهما في قدر الثمن ذكره المازري النوع التاسع إذا اختلفا في قدر المسلم فيه فحكى ابن يونس عن ابن المواز أنهما إذا اختلفا في القدر بالقرب من عقد السلم تحالفا وتفاسخا وإن اختلفا في ذلك عند حلول الأجل فالقول قول المسلم إليه مع يمينه إن أتى بما لا يشبه وإن أتى بما لا يشبه فالقول قول المسلم إليه فيما يشبه قال محمد فإن أتيا بما لا يشبه حملا على الوسط مما يشبه من سلم الناس النوع العاشر إذا اختلفا في الجودة فقال رب السلم سمراء وقال المسلم إليه محمولة فقال ابن حبيب القول قول المسلم إليه وقال فضل بن سلمة يتحالفان ويتفاسخان النوع الحادي عشر إذا اختلفا في موضع القضاء صدق مدعي موضع العقد فإن لم يدعه واحد منهما فالقول قول المسلم إليه فإن تباعد قولهما وأتيا بما لا يشبه تحالفا وتفاسخا وذلك إذا تباعدت المواضع جدا حتى لا يشبه قول واحد منهما

____________________

(4/228)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

ومما يجري فيه التحالف والتفاسخ اختلاف المتكاريين في الدور والأرضين والدواب في مقدار الأجرة أو في جنسها أو في مدة الإجارة فالحكم في ذلك كاختلاف المتبايعين في التحالف والتفاسخ ومن ذلك اختلاف رب الحائط وعامل المساقات في غلمان الحائط والدواب فقال العامل كانوا فيه وأنكر رب الحائط فإنهما يتحالفان ويتفاسخان وكذلك إذا اختلفا في جزء المساقاة قبل العمل تحالفا وتفاسخا ومن ذلك أيضا اختلاف الدائن والمدين الذي عليه دينان أحدهما برهن والآخر بغير رهن فقضى أحدهما في أن الذي قضاه أي واحد منهما فقال رب الدين هو الذي ليس فيه رهن وقال المطلوب هو الذي فيه الرهن تحالفا وقسم ذلك بين الحقين وهذا إذا ادعيا أنهما بينا ذلك عند دفع الحق وأما لو دفعه المطلوب ولم يذكر شيئا فلم يختلف أنه يقسم إذا كانا حالين أو مؤجلين لاستوائهما وإلا فالقول قول من ادعى أنه من الحال ومن ذلك أيضا اختلاف الزوجين في نوع الصداق وعدده قبل البناء من غير موت ولا طلاق فإنهما يتحالفان ويتفاسخان ووجب صداق المثل ومن ذلك ما إذا تنازعا دارا ليست في أيدهما قسمت بينهما بعد إيمانهم ا ه كلام ابن فرحون بتصرف

وقوله ليست في أيديهما أي بأن كانت في يد ثالث قال هي لا تعدوهما وقوله قسمت بينهما بعد إيمانهما أي في الصورة المذكورة بسبب إقرار الثالث لهما سواء كانت دعوى كل منهما مجردة عن البينات أو مع البينات المستوية وكذا إذا كانت بأيديهما كانت دعوى كل مجردة أو مع البينات المستوية ففي كل صورة من هذه الصور الأربع يقضي لكل بمجرد يمينه لوجود الترجيح باليمين وأما إذا كانت في يد ثالث لم يقل ما ذكر فإن أقر لهما على نسبة اتفقا عليها قسم بينهما بغير يمين وإن قال لا أعلم هي لهما أو لغيرهما فهو موضع نظر وتوقف كما في الأصل

وقاله ابن الشاط والله أعلم الوصل الثاني في الأصل قال الشافعي رضي الله عنه هذه الحجة أقل حجة في الشريعة بسبب أنا لم نجد مرجحا عند الاستواء إلا اليمين فقلنا بالترجيح به لقوله عليه السلام أمرت أن أقضي بالظاهر والله متولي السرائر وهذا قد صار ظاهرا باليمين فيقضى به لصاحبه قال الأصل ولأنها إن كانت في أيديهما أو أقر الثالث بأنها لا تعدوهما كان كل واحد منهما يده على النصف أو له النصف بإقرار الثالث فتدفع عنه بيمينه كما تدفع يمين سائر من ادعى عليه فتندرج هذه اليمين في قوله عليه السلام البينة على من ادعى واليمين على من أنكر

وقوله عليه السلام شاهداك أو يمينه لأن المراد في هذه الأحاديث اليمين الدافعة وهي هذه بعينها وليست هي الجالبة التي تقضي بالملك كما اعتقد كثير من الفقهاء ا ه كلام الأصل وسلمه ابن الشاط وقال ابن فرحون والأصل في جريان التحالف والتفاسخ من المتبايعين في الأنواع المذكورة حديث إذا اختلف المتبايعان تحالفا وتفاسخا ا ه والله سبحانه وتعالى أعلم

الباب الثاني عشر في بيان حقيقة الإقرار وحكمه وأركانه في تبصرة ابن فرحون قال ابن رشد حقيقة الإقرار الإخبار عن أمر يتعلق به حق للغير وحكمه اللزوم وهو أبلغ من الشهادة قال أشهب قول كل أحد على نفسه أوجب من دعواه على غيره

ومن لم يجز إقراره على نفسه من صغير وشبهه لم يجز شهادته على غيره

____________________

(4/229)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وللأول أركان أربعة الصيغة والمقر والمقر له والمقر به فالركن الأول وهي الصيغة نوعان الأول لفظ يدل بلا خفاء على توجه الحق قبل المقر والنوع الثاني ما يقوم مقامه من الإشارة والكتابة والسكوت فأما الإشارة فمن الأبكم ومن المريض فإذا قيل للمريض لفلان عندك كذا فأشار برأسه أن نعم فهذا إقرار إذا فهم عنه مراده وأما الكتابة فهي مثل أن يكتب بمحضر قوم ويقول اشهدوا علي بما فيه فذلك لازم له وإن لم يقرأه عليهم أو يكتب أو على رسالة لرجل غائب بطلاق وغيره كذلك على كذا ويعترف أو تقوم البينة أنه كتبه أو أملاه فيلزمه كل ما فيه من طلاق وغيره خلا الحدود فله أن يرجع عن الحد نعم يؤخذ بغرم السرقة ولا يحد أو يكتب في الأرض لفلان علي كذا ويقول اشهدوا علي بهذا فيلزمه فإن لم يقل اشهدوا لم يلزمه في هذا ويلزمه مطلقا إذا كتب ذلك في صحيفة أو لوح أو خرقة إن شهد أنه خطه وأما السكوت فكالميت تباع تركته وتقسم وغريمه حاضر ساكت لم يقم فلا قيام له إلا أن يكون له عذر قال ابن القاسم وكمن أتى إلى قوم فقال اشهدوا أن لي كذا وكذا على هذا الرجل والرجل ساكت ولم يسأله الشهود عن شيء فلما طولب أنكر قال بل يلزمه سكوته

وأما من سئل عند موته هل لأحد عندك شيء فقال لا قيل له ولا لامرأتك فقال لا والمرأة ساكتة وهي تسمع فقال ابن القاسم إنها تحلف أن حقها عليه تريد إلى الآن وتأخذه إن قامت لها به بينة ولا يضرها سكوتها من المذهب لابن رشد وكذا من قال لرجل فلان الساكن في منزلك لم أسكنته فقال أسكنته بلا كراء والساكن يسمع ولا ينكر ولا يغير ثم ادعى أن المنزل له

قال ابن القاسم لا يقطع بسكوته دعواه إن أقام البينة أن المنزل له ويحلف لأنه يقول ظننته يداعبه فرعان الأول في أحكام ابن سهل قال مالك في الرجل يقر لقوم أن أباهم أسلفه مالا وأنه قد قضاه إياه أنه إن كان أمد ذلك قريبا والزمن غير متطاول لم يصدق إلا ببينة على القضاء وإن تطاول زمان ذلك حلف المقر وكان القول قوله ولم يحد الطول فانظره الفرع الثاني وثائق أبي إسحاق الغرناطي من أقر لرجل أنه لا حق له عليه برئ من الحقوق الواجبة من الضمانات والديون وإن أقر أنه لا حق له عنده أو قبله برئ من الضمانات والأمانات والركن الثاني وهو المقر له ثلاثة أحوال الحالة الأولى أن يقر على نفسه وهو رشيد طائع فإن أقر بمال أو بقصاص لزمه ولا ينفعه الرجوع وإن أقر بما يوجب عليه الحد كالزنا والسرقة فله الرجوع لكن يلزمه الصداق والمال فلو كان مكرها لم يلزمه ولو كان محجورا عليه فإن كان لحق نفسه كالمجنون والصغير لم يلزمه إلا أن يدعي الصغير أنه احتلم في وقت إمكانه إذ لا يعرف إلا من جهته

وإن كان لحق غير كالمفلس والعبد والمريض فأحكام إقرارهم مشهورة مبسوطة في كتب الفقه الحالة الثانية أن يقر على غيره فإن كان سببه منه كقتل الخطأ وجراح الخطأ التي فيها ثلث الدية فإقراره غير لازم أما ما فيها دون ثلثها فتلزمه في ما له وإن لم يكن سببه منه كإقراره في عبد زيد أنه لعمرو فلا يقبل إقراره الحالة الثالثة أن يقر على نفسه وغيره فيقبل في حق نفسه ويكون شاهدا لغيره فلو قال لفلان علي وعلى فلان ألف درهم فعليه النصف ويحلف

____________________

(4/230)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الطالب معه فإن نكل أو كان غير عدل فلا شيء للطالب غير النصف ولم يذكر الأصل إلا الحالة الأولى والثانية وقسم الأولى إلى ما يؤثر فيه الإقرار ويقضي فيه بالملك وما يؤثر ولا يقضي فيه بمجرد التسليم فقال من أقر لغيره بحق أو عين قضى عليه بإقراره كان المقر برا أو فاجرا فإن كان المقر به في الذمة كالدين أو عينا أقر بها من سلم أخذت منه وقضى في جميع ذلك بالملك للمقر له وإن كان المقر به عينا قضى على المقر بتسليمها للمقر له إن كانت في يد المقر ولا يقضى بالملك بل بإلزام التسليم لاحتمال أن تكون الثالث وإن كان المقر به بيد الغير لم يقض به لأنه إنما يؤثر الإقرار فيما في يد المقر وينتقل بيده يوما من الدهر فيقضى عليه حينئذ بموجب إقراره ا ه وسلمه ابن الشاط الركن الثالث وهو المقر له يشترط فيه شرطان أحدهما أن يكون أهلا للاستحقاق فلا يصح الإقرار للجماد والحيوان وثانيهما أن لا يكذب المقر وإلا فلا يصح الإقرار ولو رجع عن تكذيبه لم يفده رجوعه إلا أن يرجع المقر إلى الإقرار والركن الرابع وهو المقر به ضربان نسب ومال فالأول هو الاستلحاق ومسائله مشهورة والثاني مطلق ومقيد فالمطلق ما صدر غير مقترن بما يقيده أو يرفع حكمه أو حكم بعضه والمقيد عشرة أنواع لأنه إما أن يقيد بالمحل أو بالعلم أو بالغاية أو بالخيار أو بالشرط أو بالاستثناء أو بكونه على جهة الشكر أو الذم أو الاعتذار أو بتعقيبه بما يبطله فالمحل كقوله غصبت فلانا ثوبا في منديل فقال سحنون يؤخذ بالثوب والمنديل ويصدق في صفتهما وقال ابن عبد الحكم لا يلزمه المنديل والعلم كقوله له علي ألف درهم فيما أعلم أو فيما أظن أو فيما حسبت أو فيما رأيت فقال سحنون هو إقرار وقال ابن المواز وابن عبد الحكم إذا قال فيما أعلم أو في علمي أو فيما يحضرني فهو شك لا يلزم والغاية كقوله علي ما بين درهم إلى مائتي درهم فيلزمه مائة وتسعة وتسعون وكقوله على ما بين درهم إلى عشر فيلزمه تسعة

وقيل يلزمه عشرة أي بناء على دخول الغاية وكذلك قوله من درهم إلى ثلاثة فيلزمه ثلاثة والخيار كقوله له علي ألف درهم على أني بالخيار يومين أو ثلاثة فقيل يلزمه ويكون الخيار كالأجل وقيل الخيار باطل والشرط كقوله له علي مائة إن حلف أو إذا حلف أو متى حلف فقال المقر ما ظننت أنه يحلف لم يلزمه إقراره إجماعا والاستثناء لقوله له علي ألف إن شاء الله لزمه ولا ينفعه الاستثناء بالمشيئة وقال ابن عبد الحكم لا يلزمه لأنه أدخل ما يوجب الشك وكذا يلزمه إن قال إن قضى الله ذلك قال سحنون وقاله ابن المواز وابن عبد الحكم لا يلزمه ولو قال إلا أن يبدو لي أو إلا أن أرى غير ذلك لزمه

ولو قال له علي مائة إلا شيئا لزمه أحد وتسعون ومسائل هذا النوع مذكورة في محلها فلا نطيل بذكرها

والشكر مثل قوله اشهدوا أني قبضت من فلان مائة دينار كانت لي عليه وأحسن قضائي جزاه الله خيرا فقال الدافع إنما أسلفتها له فالذي قال أسلفتها له مصدق إلا أن يأتي الآخر ببينة أنه كان يتقاضاه في دينه قبل ذلك وقيل هو أي الآخر مصدق وإن كان إقراره بذلك في مجلس القاضي لم يصدق إلا ببينة وإن كان على وجه الحكاية لقوم صدق قال أصبغ عن ابن القاسم سمعت مالكا يقول في الإقرار بالسلف وقضائه على وجه الشكر والثناء لا يلزم المقر وهو مصدق فيما طال زمانه وإن كان فيما وقته قريب أخذ بإقراره

وقال مطرف وابن الماجشون كل من

____________________

(4/231)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

أقر بحق عند قوم في مساق حديث يحدثهم أو شكر شكر به أحدا فأثنى عليه به لما قدم من سلف أو غيره من الحقوق ثم ادعى المقر له ذلك وقال قد أسلفته كما ذكر ولم أقبض وقال الآخر قد قضيته وإنما ذكرت إحسانه إلي وأثنيت عليه به فلا يلزمه ذلك المقر به إذا كان على هذه الجهة ولا ينبغي للقوم أن يشهدوا بذلك فإن جهلوا وشهدوا بذلك على جهته وكان ساقه لم يجز للسلطان أن يأخذ به وهكذا سمعت مالكا يقول وجميع أصحابنا والذم كقوله كان لفلان علي دينار فأساء تقاضي ذلك لا جزاه الله خيرا وقد دفعته له فقال الآخر ما تقاضيت منك شيئا فإن المقر يغرم الدينار قاله ابن القاسم وليس هذا عندي كالمقر على الشكر

وقال ابن الماجشون فيمن قال لقوم أسلفني فلان مائة دينار وقضيته إياها أنه مصدق ولو قالها عند سلطان لم يصدق إلا ببينة قال ابن حبيب إن ما كان من أمر جره الحديث والإخبار عن حال الشكر والذم فلا يأخذ به أحد بخلاف الإقرار في موضع القضاء والاعتذار مثل أن يقول للسلطان في الجارية ولدت مني أو العبد مدبر لئلا يأخذهما منه فلا يلزمه ذلك كذلك لو سأله ابن عمه منزلا فقال هو لزوجتي ثم سأله فيه ثان وثالث من بني عمه وهو يقول ذلك فقامت امرأته بذلك فقال إنما قلته اعتذار قال مالك لا شيء لها

وقد روى ابن القاسم فيمن سئل أن يكري منزله فقال وهو لابنتي حتى أشاورها ثم مات فقامت الابنة فيه قال لا ينفعها ذلك إلا أن تكون حازت ذلك ولها على الصدقة والحيازة بينة قيل له ولو كانت صغيرة قال ليس لها شيء قد يتعذر بهذا يريد منعه وفي وثائق الغرناطي ومن سئل عن شيء فقال هو لفلان لم يلزمه هذا الإقرار بخلاف ما إذا قال وهبته أو بعته من فلان فإنه يلزمه والرافع مثل أن يقر بشيء ثم يعقبه بما يبطله ويرفع حكمه فإنه يبطل إلا أن يخالفه المقر له مثل أن يقول له عندي ألف من ثمن خمر أو خنزير قال ابن شاس لا يلزمه شيء إلا أن يقول المقر له بل هي ثمن بر فيلزم يمين الطالب ا ه كلام ابن فرحون بتصرف وزيادة من الأصل

الباب الثالث عشر في بيان ما تكون فيه شهادة الصبيان والخلاف في قبولها ودليله وفيه وصلان

الوصل الأول في تبصرة ابن فرحون وفي قبول شهادة الصبيان في الجراح والقتل ثلاثة أقوال الجواز لمالك والمنع لابن عبد الحكم والجواز في الجراح دون القتل قاله أشهب وعلى الجواز فإنما تجوز بأحد عشر شرطا الأول أن يكون ممن يعقل الشهادة الثاني أن يكونا حرين قال مالك لا تجوز شهادة الصبيان المماليك بعضهم على بعض لأنهم ليسوا من جنس من يشهد

الثالث أن يكونا ذكرين نعم قد روي عن مالك رضي الله تعالى عنه جواز قبول شهادة إناث الأحرار اعتبارا بالبالغات في كونها لوثا في القسامة على إحدى الروايتين الرابع أن يكون محكوما لهما بالإسلام لأن الكافر لا يقبل في قتال ولا في جراح لأن الضرورة إنما دعت لإجماع الصبيان لأجل الكفار نعم قيل تقبل في الجراح لأنها شهادة ضعيفة فاقتصر فيها على أضعف الأمرين الخامس أن يكون ذلك فيما بين الصبيان لا لكبير على صغير ولا صغير على كبير السادس أن يكون اثنين فصاعدا لأنهم لا يكون حالهم أتم من الكبار السابع أن تكون الشهادة قبل تفرقهم لئلا يلقن الكذب الثامن أن تكون الشهادة متفقة غير مختلفة التاسع أن تكون الشهادة في قتل أو جرح على الخلاف المتقدم لا في الأموال العاشر أن لا يحضر ذلك أحد من الكبار فمتى حضر كبار فشهدوا سقط اعتبار شهادة الصبيان كان الكبار رجالا أو نساء لأن شهادة النساء تجوز

____________________

(4/232)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

في الخطأ وعمد الصبي كالخطأ الحادي عشر قال القرافي رأيت بعض المعتبرين من المالكية يقول لا بد من حضور الجسد المشهود بقتله وإلا فلا تسمع الشهادة ونقل عن ابن عطاء الله مؤلف البيان والقريب عن جماعة من الأصحاب أنه لا بد من شهادة العدول على رؤية الجسد المقتول ولا يلتفت إلى رجوعه عن شهادته بل ولو بلغوا وشكوا أخذ بقولهم الأول نعم إن قالوا لم تكن على وجهها ولم تكن قضى بها لم يقض بها ولا يعتبر في الصبيان العدالة والجرح واختلف في اعتبار القرابة والعدالة قال ابن القاسم لا تجوز شهادة القريب لقريبه قال محمد وعلى مذهبه فلا تجوز شهادة القريب العدو وأجازها عبد الملك وعلى مذهبه فيجوز مع القرابة مسألتان الأولى ستة صبية في البحر غرق واحد منهم فشهد ثلاثة على اثنين واثنان على ثلاثة أنهم غرقوه قال مالك رضي الله تعالى عنه العقل عليهم كلهم لأن كل واحد يدرأ عن نفسه وليس البعض أولى من البعض فلزمت الدية عواقلهم

المسألة الثانية إذا تعارض بينتان من الصبيان في شجة هل شجها فلان أو فلان سقطتا لأن كل فريق ينفي ما يثبته الآخر وأرش الشجة على جماعة الصبيان ا ه بتصرف وزيادة من الأصل الوصل الثاني في التبصرة وفي الأصل ما حاصله أن المنع من شهادة الصبيان هو الأصل وإليه ذهب الشافعي وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل وجماعة من العلماء وابن عباس من الصحابة والجواز لعلة الاضطرار إذ لو أهملوا الأذى ذلك إلى ضرر كبير وهدر جنايات تعظم ودليله وجهان الأول قوله تعالى وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة واجتماع الصبيان للتدريب على الحرب من أعظم الاستعداد ليكونوا كبارا أهلا لذلك ويحتاجون في ذلك لحمل السلاح حيث لا يكون معهم كبير وهدر دمائهم لا يجوز فتدعو الضرورة لقبول شهادتهم على الشروط المتقدمة والغالب مع تلك الشروط الصدق وندرة الكذب فتقدم المصلحة الغالبة على المفسدة النادرة لأنه دأب صاحب الشرع كما جوز الشرع شهادة النساء منفردات في الموضع الذي لا يطلع عليه الرجال ضرورة الوجه الثاني إنه قول جماعة من الصحابة منهم عمر بن الخطاب وعلي وعبد الله بن الزبير وعروة وربيعة ومعاوية رضي الله تعالى عنهم وأما الوجوه التي احتج بها على المنع فثمانية الأول قوله تعالى واستشهدوا شهيدين من رجالكم وهو يمنع شهادة غير البالغ والثاني قوله تعالى وأشهدوا ذوي عدل منكم والصبي ليس بعدل الثالث قوله تعالى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا وهو نهي ولا يتناول النهي الصبي فدل على أنه ليس من الشهداء والجواب عن الثلاثة أن هذه الظواهر عامة ودليلنا خاص فيقدم عليها على أن الأمر بالاستشهاد في الآية الأولى والثانية إنما يكون في المواضع التي يمكن إنشاء الشهادة فيها اختيارا لأن من شرط النهي الإمكان وهذا موضع ضرورة تقع فيه الشهادة بغتة فلا يتناول الأمر فيكون مسكوتا عنه على أن نمنع عدم اندراج الصبيان مع الرجال في الآية الأولى لاندراجهم معهم في قوله تعالى وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين والوجه الرابع أنه لا يعتبر إقراره فلا تعتبر شهادته والوجه الخامس أن الإقرار أوسع من الشهادة لقبوله من البر والفاجر فإذا كان لا يقبل فلا تقبل الشهادة والجواب عنهما أن إقرار الصبي إن كان في المال فنحن نسويه بالشهادة فإنهما لا يقبلان في المال أو في الدماء إن كانت عمدا أو عمد الصبي خطأ فيئول إلى الدية فيكون إقرارا على

____________________

(4/233)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

غيره فلا يقبل كالبالغ

والوجه السادس القياس على غير الجراح وجوابه الفرق بتعظيم حرمة الدماء بدليل قبول القسامة ولا يقسم على درهم والوجه السابع أنها لو قبلت لقبلت إذا افترقوا كالكبار وليس كذلك وجوابه أن الافتراق يحتمل التعليم والتغيير والصغير إذا خلي وسجيته لا يكاد يكذب والرجال لهم وازع شرعي إذا افترقوا بخلاف الصبيان والوجه الثامن أنها لو قبلت لقبلت في تخريق ثيابهم في الخلوات أو لجازت شهادة النساء بعضهن على بعض في الجراح وجوابه الفرق بتعظيم حرمة الدماء وبأن اجتماعهم ليس لتخريق ثيابهم بخلاف الضرب والجراح وأما النساء فلا يجتمعن للقتال ولا هو مطلوب منهن ا ه كلام ابن فرحون والأصل الذي سلمه ابن الشاط والله سبحانه وتعالى أعلم الباب الرابع عشر في بيان ما تكون فيه حجة القافة والخلاف في قبولها ودليله وفيه وصلان الوصل الأول في الأصل القافة حجة شرعية عندنا في القضاء بثبوت الأنساب ووافقنا الشافعي وأحمد بن حنبل قال ابن القصار وإنما يجيزه مالك في ولد الأمة يطؤها رجلان في طهر واحد وتأتي بولد يشبه أن يكون منهما والمشهور عدم قبوله في ولد الزوجة وعنه قبوله وأجازه الشافعي فيهما ا ه

وفي التبصرة ولا تعتمد القافة إلا على أب موجود بالحياة قال بعضهم أو مات ولم يدفن قيل وتعتمد على العصبة قال ولا يحكم بقول القائف إلا في أولاد الإماء من وطء سيدين في طهر واحد دون أولاد الحرائر على المشهور وقيل يقبل في أولاد الحرائر قاله ابن وهب واختاره اللخمي قال ابن يونس وهو أقيس والفرق على المشهور بين الحرائر والإماء ما ذكره الشيخ أبو عمران قال إنما خصت القافة بالإماء لأن الأمة قد تكون بين جماعة فيطئونها في طهر واحد فقال تساووا في الملك والوطء وليس أحدهما بأقوى من الأخرى فراشا فالفراشان مستويان وكذلك الأمة إذا ابتاعها رجل وقد وطئها البائع ووطئها المبتاع في ذلك الطهر لأنهما استويا في الملك وأما الحرة فإنها لا تكون زوجا لرجلين في حالة واحدة فلا يصح فيها فراشان مستويان وأيضا فولد الحرة لا ينتفي إلا باللعان وولد الأمة ينتفي بغير اللعان والنفي بالقافة إنما هو ضرب من اجتهاد فلا ينقل ولد الحرة من يقين إلى الاجتهاد ولما جاز نفي ولد الأمة بمجرد الدعوى جاز نفيه بالقافة ا ه بلفظه والله أعلم الوصل الثاني خالفنا أبو حنيفة في قبول القافة في القضاء بثبوت الأنساب فقال الحكم بالقافة باطل قال الأصل لنا خمسة وجوه الأول ما في الصحيحين قالت عائشة رضي الله عنها دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم تبرق أسارير وجهه فقال ألم تري إلى مجزز المدلجي نظر إلى أسامة وزيد عليهما قطيفة قد غطيا رءوسهما وبدت أقدامهما فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض وسبب ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان تبنى زيد بن حارثة وكان أبيض وابنه أسامة أسود فكان المشركون يطعنون في نسبه فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكانته منه فلما قال مجزز ذلك سر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدل من وجهين أحدهما أنه لو كان الحدس باطلا شرعا لما سر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه عليه السلام لا يسر بالباطل وثانيهما أن إقراره عليه السلام على الشيء من جملة الأدلة على المشروعية وقد أقر مجززا على ذلك فيكون حقا مشروعا لا يقال النزاع إنما هو إلحاق الولد وهذا كان

____________________

(4/234)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

ملحقا بأبيه في الفراش فلم يتعين محل النزاع لأنا نقول مرادنا هاهنا أن الشبه الخاص معتبر وليس مرادنا أن النسب ثبت بمجزز ولا يقال أيضا أن سروره عليه السلام لتكذيب المنافقين لأنهم كانوا يعتقدون صحة القيافة وتكذيب المنافقين حاصل بأي سبب كان بقوله عليه السلام إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر فقد يفضي الباطل للخير والمصلحة وعدم إنكاره صلى الله عليه وسلم هذا الباطل وهو لا يقره لأن مجززا لم يتعين أنه أخبر بذلك لأجل القيافة فلعله أخبر به بناء على القرائن إذ يحتمل أن يكون رآهما قبل ذلك لأنا نقول كيف يستقيم السرور مع بطلان مستند التكذيب كما لو أخبر عن كذبهم رجل كاذب وإنما يثبت كذبهم إذا كان المستند حقا فيكون الشبه حقا وهو المطلوب فاندفع بهذا قولكم أن الباطل قد يأتي بالخير والمصلحة فإنه على هذا التقرير ما أتى بشيء وقولكم أخبر به لرؤية سابقة لأجل القرائن يقتضي أمرين الأول نفي فائدة اختصاص السرور بقوله لأن الناس كلهم يشركونه في ذلك حينئذ الثاني نفي فائدة ذكر الأقدام إذ أنه حكم بشيء غير الذي كان طعن المشركين ثابتا معه لما كان لكل من اختصاص السرور وبقوله وذكر الأقدام فائدة

والوجه الثاني قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث العجلاني إن جاءت به على نعت كذا وكذا فأراه قد كذب عليها وإن أتت به على نعت كذا وكذا فهو لشريك فلما أتت به على النعت المكروه قال عليه السلام لولا الأيمان لكان لي ولها شأن فصرح عليه السلام بأن وجود صفات أحدهما أي الوالد في الآخر أي الولد يدل على أنهما من نسب واحد ومجيء الوحي بأن الولد ليس يشبهه مؤسس لما يقوله والحكم بالشبه أولى من الحكم بكونه في الفراش لأن الفراش يدل عليه من ظاهر الحال والشبه يدل على الحقيقة وكونه عليه السلام لم يعط علم القيافة ممنوع لأنه عليه السلام أعطي علم الأولين والآخرين سلمنا لكن عن ضابط القائفين أن الشبه متى كان كذا فهم يحكمون بكذا لا أنه ادعى علم القيافة بل كما يقول يقول الإنسان الأطباء يداوون المحموم بكذا وإن لم يكن طبيبا وإنما لم يحكم بالولد لشريك لأنه زان والولد إنما يحكم به في وطء البائع والمشتري الأمة في طهر واحد لأن كلا وطء شبهة وأما عدم الحد فلأن المرأة قد تكون من جهتها شبهة أو تكون مكرهة أو لأن اللعان يسقط الحد لقوله تعالى يدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله الآية أو لأنه عليه السلام لا يحكم بعلمه فاندفع ما أوردوه من أن مما يدل على عدم اعتبار الشبهة في حديث المدلجي أو لأن أخباره عليه كان من جهة الوحي لا من جهة القيافة لأنها ليست في بني هاشم وإنما هي في بني مدلج ولم يقل أحد أنه عليه السلام كان قائلها وثانيا أنه عليه السلام لم يحكم به لشريك وأنتم توجبون الحكم بما أشبه وثالثا أن المرأة لم تحد وبالجملة فحديث المدلجي يدل دلالة قوية على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استدل بالشبه على النسب ولو كان بالوحي لم يحصل فيه ترديد في ظاهر الحال بل كان يقول هي تأتي به على نعت كذا وهو لفلان فإن الله تعالى بكل شيء عليم فلا حاجة إلى الترديد الذي لا يحسن إلا في مواطن الشك وإنما يحسن هذا بالوحي إذا كان لتأسيس قاعدة القيافة وبسط صورها بالأشباه وذلك مطلوبنا فالحديث يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سر إلا بسبب حق وهو المطلوب ويؤيده أيضا قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة في الحديث تربت يداك ومن أين يكون الشبه فأخبر أن المني يوجب الشبه فيكون دليل النسب والوجه الثالث أن رجلين تداعيا ولدا فاختصما

____________________

(4/235)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

لعمر فاستدعى له القافة فألحقوه بهما فعلاهما بالدرة واستدعى حرائر من قريش فقلن خلق من ماء الأول وحاضت على الحمل فاستحشف الحمل فلما وطئها الثاني انتعش بمائه فأخذ شبها منهما فقال عمر الله أكبر وألحق الولد بالأول والوجه الرابع أن الشبه علم عند القافة من باب الاجتهاد فيعتمد عليه كالتقويم في المتلفات ونفقات الزوجات وخرص الثمار في الزكوات وتحرير جهة الكعبة في الصلوات والمثل في جزاء الصيد من النعم وكل ذلك تخمين وتقريب والوجه الخامس أنه إذا لم يعتبر الشبه لم يكن إلا إلحاق الولد بجميع المتنازعين كما لأبي حنيفة ولم يجعل الله للولد آباء بل أبا واحدا في قوله تعالى إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وقوله تعالى وورثه أبواه

وأما الوجوه الثمانية التي عارض بها أبو حنيفة حديث العجلاني فالأول ما في الصحاح أن رجلا حضر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وادعى أن امرأته ولدت ولدا أسود فقال له عليه السلام في إبلك من أورق فقال له نعم قال له ما ألوانها قال سود فقال ما السبب فقال الرجل لعل عرقا نزع فلم يعتبر الشبه وجوابه أن تلك الصورة ليست صورة النزاع لأنه كان صاحب فراش وإنما سأله عن اختلاف اللون فعرفه عليه السلام السبب ونحو لا نقول القيافة هي اعتبار الشبه كيف كان والمناسبة كيف كانت بل نقول هي شبه خاص ولذلك ألحق مجزز أسامة بن زيد مع سواده بأبيه الشديد البياض ولم يعرج على اختلاف الألوان إذ لا معارضة بينها وبين غيرها وهذا الرجل لم يذكر مجرد اللون فليس فيه شرط القيافة حتى يدل إلغاؤه على إلغاء القافة والوجه الثاني قوله عليه السلام الولد للفراش ولم يفرق وجوابه أنه محمول على الغالب والعادة والوجه الثالث إن خلق الولد مغيب عنا فجاز أن يخلق من رجلين وقد نص عليه بقراط في كتاب سماه الحمل على الحمل وجوابه أنه خلاف العوائد وظواهر النصوص المتقدمة تأباه والشرع إنما يعني أحكامه على الغالب وبقراط تكلم على النادر فلا تعارض والوجه الرابع أن الشبه لو كان معتبرا مع أنه قد وقع من الولد وجماعة لوجب إلحاقه بهم بسبب الشبه ولم يقولوا به وجوابه أن الحكم ليس مضافا لما يشاهد من شبه الإنسان لجميع الناس وإنما يضاف لشبه خاص يعرفه أهل القيافة والوجه الخامس أن الشبه لو كان معتبرا لبطلت مشروعية اللعان واكتفى به وجوبه أن القيافة إنما تكون حيث يستوي الفراشان واللعان يكون لما يشاهده الزوج فهما بابان متباينان لا يسد أحدهما مسد الآخر والوجه السادس أنه لا حكم له مع الفراش فلا يكون معتبرا مع عدمه كغيره وجوابه الفرق بأن وجود الفراش وحده سالما عن المعارض يقتضي استقلاله بخلاف تعارض الفراشين

الوجه السابع أن القيافة لو كانت علما لأمكن اكتسابه كسائر العلوم والصنائع وجوابه أن قوة في النفس وقوى النفس خواصها لا يمكن اكتسابها كالعين التي يصاب بها فتدخل الجمل القدر والرجل القبر وغير ذلك مما دل الوجود عليه من الخواص فالقيافة كذلك فيتعذر اكتسابها والوجه الثامن أنه حزر وتخمين فوجب أن يكون باطلا كأحكام النجوم وجوابه أنه لو ثبتت أحكام النجوم كما ثبتت القيافة وأن الله تعالى ربط بها أحكاما لاعتبرت في تلك الأحوال المرتبطة بها كما اعتبرت الشمس في الفصول ونضج الثمار وتجفيف الحبوب والكسوفات

____________________

(4/236)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وأوقات الصلوات وغير ذلك مما هو معتبر من أحكام النجوم وإنما ألغي منها ما هو كذب وافتراء على الله تعالى من ربط الشقاوة والسعادة والإماتة والإحياء بتثليثها أو تربيعها أو غير ذلك مما لم يصح فيها ولو صح لقلنا به والقيافة صحت بما تقدم من الأحاديث والآثار فافترقا ا ه كلام الأصل بتهذيب وسلمه أبو القاسم بن الشاط والله أعلم الباب الخامس عشر في بيان ما تكون فيه حجة القمط وشواهد الحيطان والخلاف في قبولها ودليله وفيه وصلان الوصل الأول هذه الحجة من أنواع الأمارات والعلامات التي يحتج بها من العلماء من يرى الحكم بها فيما لا تحضره البينات كما سيأتي عن ابن العربي قال ابن العربي وعلى الناظر أن يلحظ الأمارات والعلامات إذا تعارضت فما ترجح منها قضي بجانب الترجيح وهو قوة التهمة ولا خلاف في الحكم بها وقد جاء بها في مسائل اتفقت عليها الطوائف الأربعة وبعضها قال بها المالكية خاصة وقد ذكر ابن فرحون في فصل بيان عمل فقهاء الطوائف الأربعة بالحكم بالقرائن والأمارات من تبصرته خمسين مسألة منها أن الفقهاء كلهم يقولون بجواز وطء الرجل والمرأة إذا أهديت إليه ليلة الزفاف وإن لم يشهد عنده عدلان من الرجال أن هذه فلانة بنت فلان التي عقدت عليها وإن لم يستنطق النساء أن هذه امرأته اعتمادا على القرينة الظاهرة المنزلة منزلة الشهادة ومنها أن الناس قديما وحديثا لم يزالوا يعتمدون على الصبيان والإماء المرسل معهم الهدايا وأنه مرسلة إليهم فيقبلون أقوالهم ويأكلون الطعام المرسل به ونقل القرافي أن خبر الكافر في ذلك كاف وقال ومنها قولهم في الركاز إذا كان عليه علامة المسلمين سمي كنزا وهو كاللقطة

وإن كان عليه شكل الصليب أو الصور أو اسم ملك من ملوك الروم فهو ركاز فهذا عمل بالعلامات قال ومنها جواز دفع اللقطة لواصف عفاصها ووكائها اعتمادا على مجرد القرينة قال ابن الغرس واختلف أصحابنا في الوديعة والسرقة وشبهها إذا جهل صاحبها هل تقبل في ذلك الصفة كاللقطة أم لا ومنها إذا تنازعا جدارا حكم به لصاحب الوجه ومعاقد القمط والطاقات والجذوع وذلك حكم بالأمارات ا ه المراد فانظر التبصرة

وفي الأصل قال ابن أبي زيد في النوادر قال أشهب إذا تداعيا جدارا متصلا ببناء أحدهما وعليه جذوع للآخر فهو لمن اتصل ببنيانه ولصاحب الجذوع موضع جذوعه لأنه حوزه ويقضى بالجدار لمن إليه عقود الأربطة وللآخر موضع جذوعه وإن كان لأحدهما عليه عشر خشبات وللآخر خمس خشبات ولا ربط لا غير ذلك فهو بينهما نصفان لا على عدد الخشب وبقيت خشباتهما بحالها وإذا انكسرت خشب أحدهما رد مثل ما كان ولا يجعل لكل واحد ما تحت خشبه منه أي من الجدار ولو كان عقده لأحدهما من ثلاثة مواضع وللآخر من موضع قسم بينهما على عدد العقود وإن لم يعقد لواحد ولأحدهما عليه خشب معقودة بعقد البناء متقوية فعقد البناء يوجب ملك الحائط في العادة إنما يكون للمالك وقيل لا يوجبه وقال في المتقوية نظر لأنها طارئة على الحائط والكوة كعقد البناء توجب الملك وكوى الضوء المنفوذة لا دليل فيها قال ابن عبد الحكم إذا لم يكن لأحدهما عقد وللآخر عليه خشب ولو واحدة فهو له وإن لم يكن إلا كوى غير منفوذة أوجبت الملك وإن لم يكن الأخص القصب لأحدهما والقصب والطوب سواء ا ه

قال الأصل المدرك في هذه الفتاوى كلها شواهد العادات فمن ثبتت عنده عادة قضى بها وإن اختلفت العوائد في الأمصار والأعصار وجب اختلاف هذه الأحكام فإن القاعدة

____________________

(4/237)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

المجمع عليها أن كل حكم مبني على عادة إذا تغيرت العادة تغير كالنقود ومنافع الأعيان وغيرها مسألة قال بعض العلماء إذا تنازعا حائطا مبيضا هل هو متعلق لدارك أو لداره فأمر الحاكم بكشف البياض لينظر إن جعلت الأجرة في الكشف عليه فمشكل لأن الحق قد يكون لخصمك والأجرة ينبغي أن تكون على من يقع له العمل وينفعه ولا يمكن أن تقع الإجارة على من يثبت له ملك لأنكما جزمتما بالملكية فما وقعت الإجارة إلا جازمة وكذلك القائف لو امتنع إلا بأجر قال ويمكن أن يقال يلزم الحاكم كل واحدة منهما باستجارة ويلزم الأجرة في الأخير لمن يثبت له ذلك الحق كما يحلف في اللعان وغيره وأحدهما كاذب ا ه

كلام الأصل وسلمه ابن الشاط والله أعلم الوصل الثاني في الأصل قال بالقمط وشواهد الحيطان مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وجماعة من العلماء ا ه

وفي التبصرة ودليل القضاء بما يظهر من قرائن الأحوال والأمارات من الكتاب والسنة أما الكتاب فقوله تعالى تعرفهم بسيماهم فدل على أن السيماء المراد بها حال يظهر على الشخص حتى إذا رأيناه ميتا في دار الإسلام وعليه زنار وهو غير مختون لا يدفن في مقابر المسلمين ويقدم ذلك على حكم الدار في قول أكثر العلماء وقد اختلف في المذهب إن وجد هذا المذكور مخنونا ففي كتاب ابن حبيب أنه لا يصلى عليه لأن النصارى يختتنون

وقال ابن وهب يصلى عليه وقوله تعالى وجاءوا على قميصه بدم كذب الآية وقال عبد المنعم بن الغرس روي أن إخوة يوسف عليه الصلاة والسلام لما أتوا بقميص يوسف إلى أبيهم يعقوب تأمله فلم ير فيه خرقا ولا أثر ناب فاستدل بذلك على كذبهم وقال لهم متى كان الذئب حليما يأكل يوسف ولا يخرق قميصه قال القرطبي في تفسير القرآن العظيم قال علماؤنا لما أرادوا أن يجعلوا الدم علامة صدقهم قرن الله بهذه العلامة تعارضها وهي سلامة القميص من التمزيق إذ لا يمكن افتراس الذئب ليوسف وهو لابس القميص ويسلم القميص

وأجمعوا على أن يعقوب عليه الصلاة والسلام استدل على كذبهم بصحة القميص فاستدل الفقهاء بهذه الآية على إعمال الأمارات في مسائل كثيرة من الفقه وقوله تعالى وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين فلما رأى قميصه قد من دبر إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم

قال ابن الغرس هذه الآية يحتج بها من العلماء من يرى الحكم بالأمارات والعلامات فيما لا يحضره البينات

وكون تلك الشريعة لا تلزمنا لا يسلم لأن كل ما أنزله الله علينا فإنما أنزله لفائدة فيه ومنفعة لنا قال الله تعالى أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده فآية يوسف صلوات الله وسلامه عليه مقتدى بها معمول عليها

وأما ما ورد في السنة النبوية فمواضع منها أنه صلى الله عليه وسلم حكم بموجب اللوث في القسامة وجوز للمدعين أن يحلفوا خمسين يمينا ويستحقوا دم القتيل في حديث حويصة ومحيصة والحديث فيه ذكر العداوة بينهم وأنه قتل في بلدهم وليس فيها غير اليهود أو أنه قد قام من القرائن ما دل على أن اليهود قتلوه ولكن جهلوا عين القاتل ومثل هذا لا يبعد إثباته لوثا فلذلك جرى حكم القسامة فيه ومنها ما ورد في الحديث الصحيح في قصة الأسرى من قريظة لما حكم فيهم سعد أن تقتل المقاتلة وتسبى الذرية فكان بعضهم عدم البلوغ فكان الصحابة يكشفون عن مؤتزرهم فيعلمون بذلك البالغ من غيره

____________________

(4/238)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وذلك من الحكم بالأمارات ومنها أنه صلى الله عليه وسلم أمر الملتقط أن يدفع اللقطة إلى واصفها وجعل وصفه لعفاصها ووكائها قائما مقام البينة ومنها حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه من بعده بالقافة وجعلها دليلا على ثبوت النسب

وليس فيها إلا مجرد الأمارات والعلامات ومنها أن ابنا عفراء تداعيا قتل أبي جهل يوم بدر فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم هل مسحتما سيفيكما قالا لا فقال صلى الله عليه وسلم أرياني سيفيكما فلما نظر فيهما قال لأحدهما هذا قتله وقضى له بسلبه ومنها أنه صلى الله عليه وسلم أمر الزبير بعقوبة الذي اتهمه بإخفاء كنز ابن أبي الحقيق فلما ادعى أن النفقة والحروب أذهبته قال صلى الله عليه وسلم العهد قريب والمال أكثر ومنها أنه صلى الله عليه وسلم فعل بالعرنيين ما فعل بناء على شاهد الحال ولم يطلب بينة بما فعلوا ولا وقف الأمر على إقرارهم ومنه حكم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه والصحابة معه متوفرون برجم المرأة إذا ظهر بها حمل ولا زوج لها وقال بذلك مالك وأحمد بن حنبل اعتمادا على القرينة الظاهرة ومنها ما رواه ابن ماجه وغيره عن جابر بن عبد الله قال أردت السفر إلى خيبر فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جئت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقا فإذا طلب منك آية فضع يدك على ترقوته فأقام العلامة مقام الشهادة ومنها قوله صلى الله عليه وسلم الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر في نفسها وإذنها صماتها فجعل صماتها قرينة على الرضا وتجوز الشهادة عليها بأنها رضيت

وهذا من أقوى الأدلة على الحكم بالقرائن ومنها حكم عمر بن الخطاب وابن مسعود وعثمان رضي الله تعالى عنهم ولا يعلم لهم مخالف بوجوب الحد على من وجد من فيه رائحة الخمر أو قاءها اعتمادا على القرينة الظاهرة وهو مذهب مالك رضي الله تعالى عنه ا ه والله سبحانه وتعالى أعلم

الباب السادس عشر في بيان الحجة السابعة عشرة التي هي اليد قال الأصل وليس هي للقضاء بالملك بل للترجيح فيرجح بها إما أحد الدعوتين المتساويتين مثل أن يدعي كل واحد جميع المدعى به وهو بيد أحدهما ولا بينة لواحد منهما فيبقى المدعى به لصاحب اليد منهما ولا يقضي له بملك بل يرجح التعدي فقط وأما إحدى البينتين وغيرهما من الحجاج كما إذا كان في يد أحدهما وأقام كل واحد منها بينة وتساويتا في العدالة رجح جانب الذي بيده ذلك لكونه حائزا فيحكم له به مع اليمين وهذا معنى قولهم تقدم بينة الداخل على بينة الخارج عند التكافؤ هذا هو المشهور وقال عبد الملك لا ينتفع الحائر ببينته ولا ببينة المدعي أولى لقوله صلى الله عليه وسلم البينة على المدعي فإن نكل الحائز حلف المدعي وحكم له به فإن نكل أقر على يد من هو في يده

وعلى المشهور فإن كانت بينة الخارج أرجح قدمت لأن اليد لا اعتبار لها مع الحجة الضعيفة ثم هل يحلف الخارج لأجل اقتران اليد بالبينة قولان قال القاضي عبد الوهاب وسواء كانت الدعوى في ملك مطلق غير مضاف إلى سبب أو في ملك غير مطلق وهو المضاف إلى سبب يتكرر أو لا يتكرر فالمطلق أن يقيم بينة بأن هذا الشيء له ملكا مطلقا وغير مطلق هو المضاف إلى سبب وهو أن يبين سبب الملك مثل أن يقيم بينة بأن هذا العبد ملكه ولد في ملكه وأن هذه الدابة نتجت في ملكه وأن هذا الثوب ملكه نسج في ملكه ثم هذا السبب على ضربين منه ما يمكن أن يتكرر في الملك مثل الغراس إذا قال كل واحد منهما غرسته في ملكي فهذا يمكن أن يتكرر بأن يغرس دفعتين

____________________

(4/239)

الفرق التاسع والثلاثون والمائتان بين قاعدة ما اعتبر من الغالب وبين ما ألغي من الغالب وقد يعتبر النادر معه وقد يلغيان معا اعلم أن الأصل اعتبار الغالب وتقديمه على النادر وهو شأن الشريعة كما يقدم الغالب في طهارة المياه وعقود المسلمين ويقصر في السفر ويفطر بناء على غالب الحال وهو المشقة ويمنع شهادة الأعداء والخصوم لأن الغالب منهم الحيف وهو كثير في الشريعة لا يحصى كثرة وقد يلغي الشرع الغالب رحمة بالعباد وتقديمه قسمان قسم يعتبر فيه النادر وقسم يلغيان فيه معا

وأنا أذكر من كل قسم مثلا ليتهذب بها الفقيه ويتنبه إلى وقوعها في الشريعة فإنه لا يكاد يخطر ذلك بالبال ولا سيما تقديم النادر على الغالب القسم الأول ما ألغي فيه الغالب وقدم النادر عليه وأثبت حكمه دونه رحمة بالعباد وأنا أذكر منه عشرين مثالا الأول غالب الولد أن يوضع لتسعة أشهر فإذا جاء بعد خمس سنين من امرأة طلقها زوجها دار بين أن يكون زنى وهو الغالب وبين أن يكون تأخر في بطن أمه وهو نادر بالنسبة إلى وقوع الزنا في الوجود ألغى الشارع الغالب وأثبت حكم النادر وهو تأخر الحمل رحمة بالعباد لحصول الستر عليهم وصون أعراضهم عن الهتك

الثاني إذا تزوجت فجاءت بولد لستة أشهر جاز أن يكون من وطء قبل العقد وهو

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وهكذا نسج الثوب الخز على ما يقوله أهل صنعته يمكن أن ينسج دفعتين ومنه ما لا يمكن تكراره كالودة والنتاج ونسج ثوب القطن ا ه كلام الأصل بتوضيح من تبصرة ابن فرحون وقد تقدم الكلام على هذه الحجة في الفرق السادس والثلاثين والمائتين بين اليد المعتبرة المرجحة لقول صاحبها واليد التي لا تعتبر فلا تغفل والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق التاسع و الثلاثون والمائتان بين قاعدة ما اعتبر من الغالب وبين ما ألغي من الغالب أما مع اعتبار النادر أو مع إلغائه أيضا وذلك كما في الأصل وسلمه أبو القاسم بن الشاط أن الفرق بينهما لا يتيسر على المبتدئين ولا على ضعفة الفقهاء بل لا يحصل إلا لمتسع في الفقيهات والموارد الشرعية وذلك أن الأصل اعتبار الغالب وتقديمه على النادر وهو شأن الشريعة وأمثلته لا تحصى كثرة منها تقديم طهارة المياه وعقود المسلمين لأنه الغالب ومنها أنه يقصر في السفر ويفطر بناء على غالب الحال وهو المشقة ومنها أنه يمنع شهادة الأعداء والخصوم لأن الغالب منهم الحيف ولكن جرى على خلاف هذا الأصل أجناس كثيرة استثنيت منه ستتضح لك فإذا وقع لك غالب ولا تدري هل هو من

____________________

(4/240)

الغالب أو من وطء بعده وهو النادر فإن غالب الأجنة لا توضع إلا لتسعة أشهر وإنما يوضع في الستة سقطا في الغالب ألغى الشرع حكم الغالب وأثبت حكم النادر وجعله من الوطء بعد العقد لطفا بالعباد لحصول الستر عليهم وصون أعراضهم

الثالث ندب الشرع النكاح لحصول الذرية مع أن الغالب على الأولاد الجهل بالله تعالى والإقدام على المعاصي وعلى رأي أكثر العلماء من لم يعرف الله تعالى بالبرهان فهو كافر ولم يخالف في هذا إلا أهل الظاهر كما حكاه الإمام في الشامل والإسفراييني ومقتضى هذا أن ينهى من الذرية لغلبة الفساد عليهم فألغى الشرع حكم الغالب واعتبر حكم النادر ترجيحا لقليل الإيمان على كثير الكفر والمعاصي تعظيما لحسنات الخلق على سيئاتهم رحمة بهم

الرابع طين المطر الواقع في الطرقات وممر الدواب والمشي بالأمدسة التي يجلس بها في المراحيض الغالب عليها وجود النجاسة من حيث الجملة وإن كنا لا نشاهد عينها والنادر سلامتها منها ومع ذلك ألغى الشارع حكم الغالب وأثبت حكم النادر توسعة ورحمة بالعباد فيصلي به من غير غسل

الخامس النعال الغالب عليها مصادفة النجاسات لا سيما نعل مشى بها سنة وجلس بها في مواضع قضاء الحاجة سنة ونحوها فالغالب النجاسة والنادر سلامتها من النجاسة ومع ذلك ألغى الشرع حكم الغالب وأثبت حكم النادر فجاءت السنة بالصلاة في النعال حتى قال بعضهم إن قلع النعال في الصلاة بدعة كل ذلك رحمة وتوسعة على العباد

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

قبيل ما ألغي أو من قبيل ما اعتبر فالطريق في ذلك أن تستقري موارد النصوص والفتاوى استقراء حسنا ولا يتأتى لك ذلك إلا إذا كنت حينئذ واسع الحفظ جيد الفهم فإذا تحققت بذلك إلغاؤه فذاك ظاهر وإذا لم يتحقق لك إلغاؤه فاعتقد أنه معتبر والأجناس المستثناة من هذا الأصل على قسمين القسم الأول ما ألغى الشرع فيه الغالب وقدم النادر عليه أي أثبت الشرع فيه حكم النادر دون حكم الغالب رحمة بالعباد والقسم الثاني ما ألغى الشرع فيه الغالب والنادر معا رعاية للضرورة ورحمة بالعباد ولكل واحد من القسمين أمثلة كثيرة في الشريعة تفتقر على التمثيل لكل منهما بعشرين مثالا في الوصلين الاثنين لتجزم بشيئين أحدهما أن قول القائل إذا دار الشيء بين النادر والغالب فإنه يلحق بالغالب ليس على إطلاقه قلت بل مقيد بثلاثة قيود الأول أن يطرد الغالب بمخالفة الأصل الثاني أن تكثر أسبابه الثالث أن لا يكون مع النادر ما يعتضد به وإلا قدم على الغالب عملا بالترجيح لتعينه كما يؤخذ مما نقله العطار على محلي جمع الجوامع عن قواعد الزركشي الثاني أن قول الفقهاء إذا اجتمع الأصل والغالب فهل يغلب الأصل على الغالب أو الغالب على الأصل قولان ليس على عمومه وفي العطار على محلي جمع الجوامع عن قواعد الزركشي بل لجريان القولين ثلاثة شروط الأول أن لا تطرد العادة بمخالفة الأصل وإلا قدم حكم العادة والغالب قطعا ومن ذلك الماء الهارب في الحمام لاطراد العادة بالبول فيه الثاني أن تكثر أسباب الظاهر والغالب

____________________

(4/241)

السادس الغالب على ثياب الصبيان النجاسة لا سيما مع طول لبسهم لها والنادر سلامتها وقد جاءت السنة بصلاته عليه السلام بأمامة يحملها في الصلاة إلغاء لحكم الغالب وإثباتا لحكم النادر لطفا بالعباد

السابع ثياب الكفار التي ينسجونها بأيديهم مع عدم تحرزهم من النجاسات فالغالب نجاسة أيديهم لما يباشرونه عند قضاء حاجة الإنسان ومباشرتهم الخمور والخنازير ولحوم الميتات وجميع أوانيهم نجسة بملابسة ذلك ويباشرون النسج والعمل مع بلة أيديهم وعرقها حالة العمل ويبلون تلك الأمتعة بالنشا وغيره مما يقوي لهم الخيوط ويعينهم على النسج فالغالب نجاسة هذا القماش والنادر سلامته عن النجاسة وقد سئل عنه مالك فقال ما أدركت أحدا يتحرز من الصلاة في مثل هذا فأثبت الشارع حكم النادر وألغى حكم الغالب وجوز لبسه توسعة على العباد

الثامن ما يصنعه أهل الكتاب من الأطعمة في أوانيهم وبأيديهم الغالب نجاسته لما تقدم والنادر طهارته ومع ذلك أثبت الشرع حكم النادر وألغى حكم الغالب وجوز أكله توسعة على العباد

التاسع ما يصنعه المسلمون الذين لا يصلون ولا يستنجون بالماء ولا يتحرزون من النجاسات من الأطعمة الغالب نجاستها والنادر سلامتها فألغى الشارع حكم الغالب وأثبت حكم النادر وجوز أكلها توسعة ورحمة على العباد

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

فإن ندرت لم ينظر إليه قطعا ومن ذلك ما إذا تيقن الطهارة وغلب على ظنه الحدث اتفق أصحاب الشافعي على أن له الأخذ بالوضوء ولم يجروا فيه القولين كما أجروهما فيما يغلب على الظن نجاسته هل يحكم بنجاسته وفرق الإمام الشافعي بأن الأسباب التي تظهر بالنجاسة كثيرة جدا وهي قليلة في الأحداث ولا أثر للنادر والتمسك باستصحاب اليقين أولى الثالث أن لا يكون مع أحدهما ما يعتضد به وإلا فالعمل بالترجيح متعين قال الزركشي فإذا جزمت بذلك علمت أن الضابط فيما يجري قولان فيه وما لا يجريان فيه هو أنه إذا كان الظاهر والغالب حجة يجب قبولها شرعا كالشهادة والرواية والأخبار فهو مقدم الأصل قطعا وإذا لم يكن الظاهر والغالب حجة بل كان سنده العرف أو القرائن أو غلبة الظن فهذه يتفاوت أمرها فتارة يعمل بالأصل قطعا وتارة يعمل بالظاهر والغالب قطعا وتارة يخرج الخلاف هل يقدم الأصل على الصحيح أو لا أو الظاهر والغالب على الصحيح أولا فهذه أربعة أقسام الأول ما قطعوا فيه بالظاهر كالبينة فإن الأصل براءة ذمة المشهود عليه ومع ذلك يلزمه المال المشهود به قطعا لأن الغالب صدق البينة وهي حجة وكاليد في الدعوى فإن الأصل عدم الملك والظاهر من اليد الملك وهو ثابت بالإجماع الثاني ما قطعوا فيه بالأصل وإلغاء القرائن الظاهرة كما لو تيقن الطهارة وشك في الحدث أو ظنه فإنه يبنى على تيقن الطهارة عملا بالأصل أو شك في طلوع الفجر في رمضان فإنه يباح له الأكل حتى يتيقن طلوعه أو اختلط الحرام بالحلال وكان الحرام مغمورا أو اشتبه عليه محرمه بنسوة قرية

____________________

(4/242)

العاشر ما ينسجه المسلمون المتقدم ذكرهم الغالب عليه النجاسة وقد أثبت الشرع حكم النادر وألغى حكم الغالب وجوز الصلاة فيه لطفا بالعباد الحادي عشر ما يصبغه أهل الكتاب الغالب نجاسته وهو أشد مما ينسجونه لكثرة الرطوبات الناقلة للنجاسة وألغى الشارع حكم الغالب وأثبت حكم النادر رفقا بالعباد فجوز الصلاة فيها

الثاني عشر ما يصنعه العوام من المسلمين الذين لا يصلون ولا يتحرزون من النجاسات الغالب نجاسته والنادر سلامته فجوز الشرع الصلاة فيه تغليبا لحكم النادر على الغالب توسعة ولطفا بالعباد الثالث عشر ما يلبسه الناس ويباع في الأسواق ولا يعلم لابسه كافر أو مسلم يحتاط ويتحرز مع أن الغالب على أهل البلاد العوام والفسقة وتراك الصلاة فيها ومن لا يتحرز من النجاسات فالغالب نجاسة هذا الملبوس والنادر سلامته فأثبت الشارع حكم النادر وألغى حكم الغالب لطفا بالعباد

الرابع عشر الحصر والبسط التي قد اسودت من طول ما قد لبست يمشي عليها الحفاة والصبيان ومن يصلي ومن لا يصلي الغالب مصادفتها للنجاسة والنادر سلامتها ومع ذلك قد جاءت السنة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى على حصير قد اسود من طول ما لبس بعد أن نضحه بماء والنضح لا يزيل النجاسة بل ينشرها فقدم الشرع حكم النادر على حكم الغالب

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

كبيرة فإن له نكاح من شاء منهن فإن الأصل الإباحة وأشبهت ميتة بمذكاة بلد أو إناء بول بأواني بلد فله أخذ بعضها بالاجتهاد قطعا الثالث ما فيه خلاف والأصح تقديم الظاهر كما لو شك بعد الصلاة في ترك فرض منها فلا يؤثر على المشهور لأن الظاهر جريانها على الصحة وإن كان الأصل عدم إتيانه به وكذا حكم غيرها من العبادات كالوضوء والصوم والحج وكاختلاف المتعاقدين في الصحة والفساد فالقول لمدعي الصحة على الأظهر لأن الظاهر من العقود الجارية بين المسلمين الصحة وإن كان الأصل عدمها وكما إذا قال أنت طالق أنت طالق أنت طالق ولم يقصد تأكيدا ولا استئنافا بل أطلق فالأظهر يقع ثلاث لأنه موضع الإيقاع اللفظ الأول ولهذا يقال إذا دار الأمر بين التأسيس والتوكيد فالتأسيس أولى وهذا يرجع إلى الحمل على الظاهر ووجه مقابله أن الأصل المتيقن عدم ذلك الرابع ما فيه خلاف والأصح تقديم الأصل ومن أمثلته ما لو شك في صلاة يوم من الأيام الماضية هل صلاها أم لا قال الروياني إن كان مع بعد الزمان لأن الإنسان لا يقدر على ضبط ما يقع منه في الماضي ويغيب عليه تذكره وإن كان مع قرب الزمان كمن شك في آخر الأسبوع في صلاة يوم من أوله وجبت الإعادة قال بعضهم وينبغي حمل كلام الروياني على من كانت عادته مواظبة الصلاة أما من اعتاد تركها أو بعضها فالظاهر وجوب الإعادة عليه وهذا متعين لا بد منه ومنها ثياب مدمني النجاسة وطين الشارع الذي يغلب على الظن اختلاطه

____________________

(4/243)

الخامس عشر الحفاة الغالب مصادفتهم النجاسة ولو في الطرقات ومواضع قضاء الحاجات والنادر سلامتهم ومع ذلك جوز الشرع صلاة الحافي كما جوز له الصلاة بنعله من غير غسل رجليه وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يمشي حافيا ولا يعيب ذلك في صلاته لأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بنعله ومعلوم أن الحفاء أخف من تحمل النجاسة من النعال فقدم الشارع حكم النادر على الغالب توسعة على العباد السادس عشر دعوى الصالح الولي التقي على الفاجر الشقي الغاصب الظالم درهما الغالب صدقه والنادر كذبه ومع ذلك فقدم الشرع حكم النادر على الغالب وجعل الشرع القول قول الفاجر لطفا بالعباد بإسقاط الدعاوى عنهم واندراج الصالح مع غيره سدا لباب الفساد والظلم بالدعاوى الكاذبة

السابع عشر عقد الجزية لتوقع إسلام بعضهم وهو نادر والغالب استمرارهم على الكفر وموتهم عليه بعد الاستمرار فألغى الشارع حكم الغالب وأثبت حكم النادر رحمة بالعباد في عدم تعجيل القتل وحسم مادة الإيمان عنهم

الثامن عشر الاشتغال بالعلم مأمور به مع أن الغالب على الناس الرياء وعدم الإخلاص والنادر الإخلاص ومقتضى الغالب النهي عن الاشتغال بالعلم لأنه وسيلة للرياء ووسيلة المعصية معصية فلم يعتبره الشارع وأثبت حكم النادر التاسع عشر المتداعيان أحدهما كاذب قطعا والغالب أن أحدهما يعلم بكذبه والنادر أن يكون قد وقعت لكل واحد منهما شبهة وعلى التقدير الأول يكون تحليفه سعيا في

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

بالنجاسة والمقابر التي يغلب نبشها فالأصح الطهارة ولطين الشارع أصول يبنى عليها أحدهما ما ذكر من تعرض الأصل والظاهر وهو الذي اقتصر عليه الأصحاب ثانيهما طهارة الأرض بالجفاف والريح والشمس على القديم ثالثها طهارة النجاسة بالاستحالة إذا استهلكت فيها عين النجاسة وصارت طينا وأما الذي يظن نجاسة ولا نتيقن طهارته فقال المتولي والروياني أنه على القولين وخالفهما النووي فقال المختار الجزم بطهارته ومنها ما لو اختلفا في ولد الأمة المبيعة فقال البائع وضعته قبل العقد وقال المشتري بل بعده قال الإمام في آخر النهاية كتب الحليمي إلى الشيخ أبو زيد يسأله عن ذلك فأجاب بأن قول البائع لأن الأصل بقاء ملكه وحكى الدارمي فيها وجهين ا ه ما نقله العطار في حاشيته على محلي جمع الجوامع عن قواعد الزركشي والله سبحانه وتعالى أعلم

الوصل الأول في عشرين مثالا من أمثلة ما ألغي فيه الغالب وقدم عليه النادر المثال الأول غالب الولد أن يوضع لتسعة أشهر فإذا جاء بعد خمس سنين من امرأة طلقها زوجها دار بين أن يكون زنا وهو الغالب وبين أن يكون تأخر في بطن أمه وهو نادر بالنسبة إلى وقوع الزنا في الوجود فألغى الشارع الغالب وأثبت حكم النادر وهو تأخر الحمل رحمة بالعباد لحصول الستر عليهم وصون أعراضهم عن الهتك المثال الثاني إذا تزوجت فجاءت بولد لستة أشهر جاز أن يكون من وطء قبل العقد وهو الغالب أو من وطء

____________________

(4/244)

وقوع اليمين الفاجرة المحرمة فيكون حراما غايته أنه يعارضه أخذ الحق وإلجاؤه إليه وذلك إما مباح أو واجب وإذا تعارض المحرم والواجب قدم المحرم ومع ذلك ألغى الشارع حكم الغالب وأثبت حكم النادر لطفا بالعباد على تخليص حقوقهم وكذلك القول في اللعان الغالب أن أحدهما كاذب يعلم كذبه ومع ذلك يشرع اللعان

العشرون غالب الموت في الشباب قال الغزالي في الإحياء ولذلك الشيوخ أقل يعني أنه لو كان الشبان يعيشون لصاروا شيوخا فتكثر الشيوخ فلما كان الشيوخ في الوجود أقل كان موت الإنسان شابا أكثر وحياته للشيخوخة نادرا ومع ذلك شرع صاحب الشرع التعمير في الغائبين إلى سبعين سنة إلغاء لحكم الغالب وإثباتا لحكم النادر لطفا بالعباد في إبقاء مصالحهم عليهم ونظائر هذا الباب كثيرة في الشريعة فينبغي أن تتأمل وتعلم فقد غفل عنها قوم في الطهارات فدخل عليهم الوسواس وهم يعتقدون أنهم على قاعدة شرعية وهي الحكم بالغالب فإن الغالب على الناس والأواني والكتب وغير ذلك مما يلابسونه النجاسة فيغسلون ثيابهم وأنفسهم من جميع ذلك بناء على الغالب وهو غالب كما قالوا ولكنه قدم النادر الموافق للأصل عليه وإن كان مرجوحا في النفس وظنه معدوم النسبة للظن الناشئ عن الغالب لكن لصاحب الشرع أن يضع في شرعه ما شاء ويستثني من قواعده ما شاء هو أعلم بمصالح عباده فينبغي لمن قصد إثبات حكم الغالب دون النادر أن ينظر هل ذلك الغالب مما ألغاه الشرع أم لا وحينئذ يعتمد عليه وأما مطلق الغالب كيف كان في جميع صوره فخلاف الإجماع

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

بعده وهو النادر فإن غالب الأجنة لا توضع إلا لتسعة أشهر وإنما يوضع في السنة سقطا في الغالب فألغى الشارع على حكم الغالب وأثبت حكم النادر وجعله من الوطء بعد العقد لطفا بالعباد لحصول الستر عليهم وصون أعراضهم المثال الثالث ندب الشرع للنكاح لحصول الذرية مع أن الغالب على الأولاد الجهل بالله تعالى والإقدام على المعاصي وعلى رأي أكثر العلماء أن من لم يعرف الله تعالى بالبرهان فهو كافر لم يخالف في هذا إلا أهل الظاهر كما حكاه الإمام في الشامل والإسفراييني ومقتضى هذا أن ينهى عن الذرية لغلبة الفساد عليهم فألغى الشرع حكم الغالب واعتبر حكم النادر ترجيحا لقليل الإيمان على كثير الكفر والمعاصي تعظيما لحسنات الخلق على سيئاتهم رحمة بهم المثال الرابع طين المطر الواقع في الطرقات وممر الدواب والمشي بالأمدسة التي يجلس بها في المراحيض الغالب عليها وجود النجاسة من حيث الجملة وإن كنا لا نشاهد عينها والنادر سلامتها منها ومع ذلك ألغى الشرع حكم الغالب وأثبت حكم النادر توسعة ورحمة بالعباد فيصلي به من غير غسل المثال الخامس النعال الغالب عليها مصادفة النجاسات لا سيما نعل مشى بها سنة وجلس بها في موضع قضاء الحاجة سنة ونحوها فالغالب عليها النجاسة والنادر سلامتها من النجاسة ومع ذلك ألغى الشرع حكم الغالب وأثبت حكم النادر فجاءت السنة بالصلاة في النعال حتى قال بعضهم إن قلع

____________________

(4/245)

تنبيه ليس من باب تقديم النادر على الغالب حمل اللفظ على حقيقته دون مجازه وعلى العموم دون الخصوص فإنه يمكن أن يقال إنه منه لغلبة المجاز على كلام العرب حتى قال ابن جني كلام العرب كله مجاز وغلبة الخصوصات على العمومات حتى روي عن ابن عباس أنه قال ما من عام إلا وقد خص إلا قوله تعالى والله بكل شيء عليم وإذا غلب المجاز والتخصيص فينبغي إذا ظفرنا بلفظ ابتداء أن نحمله على مجازه تغليبا للغالب على النادر ولا نحمله على حقيقته لأنه النادر ونحمل العموم ابتداء على التخصيص لأنه الغالب ولا نحمله على العموم لأنه نادر فحيث عكسنا كان ذلك تغليبا للنادر على الغالب والجواب عنه أنه ليس من هذا الباب وسببه أن شرط الفرد المتردد بين النادر والغالب فيحمل على الغالب أن يكون من جنس الغالب وإلا فلا يحمل على الغالب بيانه بالمثال أن الشقة إذا جاءت من القصار جاز أن تكون طاهرة وهو الغالب أو نجسة وهو النادر أن يصيبها بول فأر أو غيره من الحيوان فإنا نحكم بطهارتها بناء على الغالب لأن حكمنا بطهارة الثياب المقصورة لأنها خرجت من القصارة وهذا الثوب المتردد بين النادر والغالب خرج من القصارة فكان من جنس الغالب الذي قضينا بطهارته فيلحق به أما لو كنا لا نقضي بطهارة الثياب المقصورة لكونها خرجت من القصارة بل لأنها تغسل بعد ذلك وهذا الثوب المتردد بين النادر والغالب لم يغسل فإنا هنا لا نقضي بطهارته لأجل عدم الغسل بعد القصارة الذي لأجله حكمنا بطهارته فهو حينئذ ليس من جنس

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

النعال في الصلاة بدعة ذلك رحمة وتوسعة على العباد المثال السادس الغالب على ثياب الصبيان النجاسة لا سيما مع طول لبسهم لها والنادر سلامتها وقد جاءت السنة بصلاته عليه السلام بأمامة يحملها في الصلاة إلغاء لحكم الغالب وإثباتا لحكم النادر لطفا بالعباد المثال السابع ثياب الكفار التي ينسجونها بأيديهم مع عدم تحرزهم من النجاسات بل الغالب نجاسة أيديهم لما يباشرونه عند حاجة الإنسان ومباشرتهم الخمور والخنازير ولحوم الميتات وجميع أوانيهم نجسة بملابسة ذلك ويباشرون النسج والعمل مع بلة أيديهم وعرقها حالة العمل ويبلون تلك الأمتعة بالنشاء وغيره مما يقوي لهم الخيوط ويعينهم على النسج فالغالب نجاسة هذا القماش والنادر سلامته من النجاسة وقد سئل عنه مالك فقال ما أدركت أحدا يتحرز من الصلاة في مثل هذا فأثبت الشارع حكم النادر وألغى حكم الغالب وجوز لبسه توسعة على العباد المثال الثامن ما يصنعه أهل الكتاب من الأطعمة في أوانيهم وبأيديهم فالغالب نجاسته لما تقدم والنادر طهارته ومع ذلك أثبت الشرع حكم النادر وألغى حكم الغالب فجوزا كله توسعة على العباد المثال التاسع الغالب على ما يصنعه المسلمون الذين لا يصلون ولا يستنجون بالماء ولا يتحرزون من النجاسات من الأطعمة نجاستها والنادر سلامتها فألغى الشارع حكم الغالب وأثبت حكم النادر وجوز أكلها توسعة ورحمة للعباد المثال العاشر الغالب على ما ينسجه المسلمون المتقدم ذكرهم النجاسة وقد أثبت الشرع حكم النادر وألغى حكم الغائب فجوز الصلاة فيه لطفا بالعباد المثال

____________________

(4/246)

الغالب الذي قضينا بطهارته لأن ذلك مغسول بعد القصارة وهذا الثوب غير مغسول كذلك في الألفاظ فإذا لم نقض على لفظ بأنه مجاز أو مخصوص بمجرد كونه لفظا بل لأجل اقترانه بالقرينة الصادرة عن الحقيقة إلى المجاز واقتران المخصص الصارف عن العموم للتخصيص وهذا اللفظ الوارد ابتداء الذي حملناه على حقيقته دون مجازه والعموم دون الخصوص ليس معه صارف من قرينة صارفة عن الحقيقة ولا مخصص صارف عن العموم فهو حينئذ ليس من جنس ذلك الغالب فلو حملناه على المجاز أو التخصيص لحملناه على غير غالب فإنه لم يوجد لفظ من حيث هو لفظ حمل على المجاز ولا على الخصوص ألبتة فضلا عن كونه غالبا بل هذا اللفظ قاعدة مستقلة بنفسها ليس فيها غالب ونادر بل شيء واحد وهو الحقيقة مطلقا والعموم مطلقا فتأمل ذلك فهو شرط خفي في حمل الشيء على غالبه دون نادره وهو أنه من شرطه أن يكون من جنسه كما تقدم تقريره بالمثال فظهر أن حمل اللفظ على حقيقته دون مجازه ابتداء والعموم دون الخصوص ليس من باب الحمل على النادر دون الغالب ولقد أوردت هذا السؤال على جمع كثير من الفضلاء قديما وحديثا فلم يحصل عنه جواب وهو سؤال حسن وجوابه حسن جدا

القسم الثاني ما ألغى الشارع الغالب والنادر معا فيه وأنا أذكر منه إن شاء الله عشرين مثالا الأول شهادة الصبيان في الأموال إذا كثر عددهم جدا الغالب صدقهم والنادر كذبهم

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الحادي عشر الغالب نجاسته ما يصبغه أهل الكتاب بل هو أشد مما ينسجونه لكثرة الرطوبات الناقلة للنجاسة ومع ذلك ألغى الشرع حكم الغالب وأثبت حكم النادر رفقا بالعباد فجوز الصلاة فيها المثال الثاني عشر الغالب نجاسة ما يصنعه عوام المسلمين الذين لا يصلون ولا يتحرزون من النجاسات والنادر سلامته فجوز الشرع الصلاة فيه تغليبا لحكم النادر على الغالب توسعة ولطفا بالعباد المثال الثالث عشر الغالب نجاسة ما يلبسه الناس ويباع في الأسواق ولا يعلم كون لابسه كافرا أو مسلما يحتاط ويتحرز أو لا وهو الغالب على أهل البلاد فإن غالبهم عوام وفسقة وتراك صلاة ومن لا يتحرز من النجاسات والنادر سلامته فألغى الشرع حكم الغالب وأثبت حكم النادر لطفا بالعباد المثال الرابع عشر الغالب مصادفة الحصر والبسط التي قد اسودت من طول ما قد لبست يمشي عليها الحفاة والصبيان ومن يصلي ومن لا يصلي والنادر سلامتها ومع ذلك قد جاءت السنة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى على حصير قد اسود من طول ما لبس بعد أن نضحه بماء والنضح لا يزيل النجاسة بل ينشرها فقدم الشرع حكم النادر على حكم الغالب المثال الخامس عشر الغالب مصادفة الحفاة النجاسة لا سيما في الطرقات ومواضع قضاء الحاجات والنادر سلامتهم ومع ذلك جوز الشرع صلاة الحافي من غير غسل رجليه كما جوز الصلاة بالنعل فقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يمشي حافيا ولا يعيب ذلك في صلاته لأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بنعله

____________________

(4/247)

ولم يعتبر الشرع صدقهم ولا قضى بكذبهم بل أهملهم رحمة بالعباد ورحمة بالمدعى عليه وأما في الجراح والقتل فقبلهم مالك وجماعة كما تقدم بيانه

الثاني شهادة الجمع الكثير من جماعة النسوان في أحكام الأبدان الغالب صدقهن والنادر كذبهن لا سيما مع العدالة وقد ألغى صاحب الشرع صدقهن فلم يحكم به ولا حكم بكذبهن لطفا بالمدعى عليه

الثالث الجمع الكثير من الكفار والرهبان والأحبار إذا شهدوا الغالب صدقهم والنادر كذبهم فألغى صاحب الشرع صدقهم لطفا بالمدعى عليه ولم يحكم بكذبهم

الرابع شهادة الجمع الكثير من الفسقة الغالب صدقهم ولم يحكم الشرع به لطفا بالمدعى عليه ولم يحكم بكذبهم الخامس شهادة ثلاثة عدول في الزنا الغالب صدقهم ولم يحكم الشرع به سترا على المدعى عليه ولم يحكم بكذبهم بل أقام الحد عليهم من حيث إنهم قذفوه لا من حيث إنهم شهود زور السادس شهادة العدل الواحد في أحكام الأبدان الغالب صدقه والنادر كذبه ولم يحكم الشرع بصدقه لطفا بالعباد ولطفا بالمدعى عليه ولم يكذبه

السابع حلف المدعي الطالب وهو من أهل الخير والصلاح الغالب صدقه والنادر

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

ومعلوم أن الحفاء أخف من تحمل النجاسة من النعل فقدم الشارع حكم النادر على حكم الغالب توسعة على العباد المثال السادس عشر الغالب صدق الصالح الولي التقي في دعواه على الفاجر الشقي الظالم أنه غصب منه درهما والنادر كذبه ومع ذلك جعل الشرع القول قول الفاجر فقدم حكم النادر على الغالب لطفا بالعباد بإسقاط الدعاوى عنهم واندراج الصالح مع غيره سدا لباب الفساد والظلم بالدعاوى الكاذبة المثال السابع عشر الغالب استمرار الكفار على الكفر وموتهم عليه بعد الاستمرار فألغى الشارع حكمه وأثبت حكم النادر وهو توقع إسلام بعضهم فعقد الجزية لذلك التوقع النادر رحمة بالعباد في عدم تعجيل القتل وحسم مادة الإيمان عنهم المثال الثامن عشر الغالب في إشغال الناس بالعلم أن يكون وسيلة للرياء وعدم الإخلاص والنادر أن يكون وسيلة للإخلاص فلم يعتبر الشارع حكم الغالب الذي هو النهي عنه لأن وسيلة المعصية معصية وأثبت حكم النادر فرغب في الاشتغال بالعلم رحمة بالعباد المثال التاسع عشر أحد المتداعيين والمتلاعنين كاذب قطعا والغالب أن يعلم الكاذب منهما بكذبه فيكون تحليفه سعيا في وقوع اليمين الفاجرة المحرمة فيكون حراما غايته أنه يعارضه أخذ الحق وإلجاؤه إليه وذلك إما مباح أو واجب

وإذا تعارض الواجب والمحرم قدم المحرم ومع ذلك ألغى الشارع حكم الغالب وأثبت حكم النادر الذي هو وقوع شبهة لكل واحد من المتداعيين أو المتلاعنين لطفا بالعباد على تخليص حقوقهم والستر عليهم

المثال العشرون غالب الموت في الشباب قال الغزالي في الإحياء

____________________

(4/248)

كذبه ولم يقض الشارع بصدقه فيحكم له بيمينه بل لا بد من البينة ولم يحكم بكذبه لطفا بالمدعى عليه

الثامن رواية الجمع الكثير لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأحبار والرهبان المتدينين المعتقدين لتحريم الكذب في دينهم الغالب صدقهم والنادر كذبهم ولم يعتبر الشرع صدقهم لطفا بالعباد وسدا لذريعة أن يدخل في دينهم ما ليس منه

التاسع رواية الجمع الكثير من الفسقة بشرب الخمر وقتل النفس ونهب الأموال وهم رؤساء عظماء في الوجود كالملوك والأمراء ونحوهم الغالب عند اجتماعهم على الرواية الواحدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقهم فإن أتاهم وازع طبيعي يمنعهم الكذب وغيره لا تدينا ومع ذلك لا تقبل روايته صونا للعباد عن أن يدخل في دينهم ما ليس منه بل جعل الضابط العدالة ولم يحكم بكذب هؤلاء العاشر رواية الجمع الكثير من الجاهلين للحديث النبوي الغالب صدقهم والنادر كذبهم ولم يحكم الشرع بصدقهم ولا بكذبهم

الحادي عشر أخذ السراق المتهمين بالتهم وقرائن أحوالهم كما يفعله الأمراء اليوم دون الإقرار الصحيح والبينات المعتبرة الغالب مصادفته للصواب والنادر خطؤه ومع ذلك ألغاه الشرع صونا للأعراض والأطراف عن القطع الثاني عشر أخذ الحاكم بقرائن الأحوال من التظلم وكثرة الشكوى والبكاء مع كون الخصم مشهورا بالفساد والعناد الغالب مصادفته للحق والنادر خطؤه ومع ذلك منعه الشارع منه وحرمه ولا يضر الحاكم

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

ولذلك الشيوخ أقل يعني أنه لو كان الشباب يعيشون لصاروا شيوخا فتكثر الشيوخ فلما كان الشيوخ في الوجود أقل كان موت الإنسان شابا أكثر وحياته للشيخوخة نادرا ومع ذلك شرع صاحب الشرع التعمير في الغائبين إلى سبعين سنة إلغاء لحكم الغالب وإثباتا لحكم النادر لطفا بالعباد في إبقاء مصالحهم عليهم قال الأصل ونظائر هذا الباب كثيرة في الشريعة فينبغي أن تتأمل وتعلم فقد غفل قوم في الطهارات فدخل عليهم الوسواس وهم يعتقدون أنهم على قاعدة شرعية هي الحكم بالغالب نعم هو غالب كما قالوا من حيث إنهم يعتقد أن الغالب على الناس والأواني والكتب وغير ذلك مما يلابسونه النجاسة فيغسلون ثيابهم وأنفسهم من جميع ذلك بناء على القاعدة الشرعية وهي الحكم بالغالب ولم يفهموا بأن هذا وإن كان هو الغالب كما قالوا لكن الشارع ألغى حكمه وقدم عليه حكم النادر وإن كان مرجوحا في النفس وظنه معدوم بالنسبة للظن الناشئ عن الغالب إذ لصاحب الشرع أن يصنع في شرعه ما شاء ويستثني من قواعده ما يشاء هو الأعلم بمصالح عباده فينبغي لمن قصد إثبات حكم الغالب دون النادر أن لا يعتمد عليه مطلقا كيف كان بل حتى ينظر هل ذلك الغالب مما ألغاه الشرع أم لا إذ الاعتماد على مطلق الغالب كيف كان في جميع صوره خلاف الإجماع ا ه وسلمه ابن الشاط

____________________

(4/249)

ضياع حق لا بينة عليه

الثالث عشر الغالب على من وجد بين فخذي امرأة وهو متحرك حركة الواطئ وطال الزمان في ذلك أنه قد أولج والنادر عدم ذلك فإذا شهد عليه بذلك ألغى الشارع هذا الغالب سترا على عباده ولم يحكم بوطئه ولا بعدمه الرابع عشر شهادة العدل المبرز لولده الغالب صدقه والنادر كذبه وقد ألغاه الشارع وألغى كذبه ولم يحكم بواحد منهما

الخامس عشر شهادة العدل المبرز لوالده الغالب صدقه ولم يحكم الشرع بصدقه ولا بكذبه بل ألغاهما جملة

السادس عشر شهادة العدل المبرز على خصمه الغالب صدقه وقد ألغى الشارع صدقه وكذبه

السابع عشر شهادة الحاكم على فعل نفسه إذا عزل وشهادة الإنسان لنفسه مطلقا إذا وقعت من العدل المبرز الغالب صدقه وقد ألغاه الشارع في صدقه وكذبه الثامن عشر حكم القاضي لنفسه وهو عدل مبرز من أهل التقوى والورع الغالب أنه إنما حكم بالحق والنادر خلافه وقد ألغى الشرع ذلك الحكم ببطلانه وصحته معا التاسع عشر القرء الواحد في العدد الغالب معه براءة الرحم والنادر شغله ولم يحكم الشارع بواحد منهما حتى ينضاف إليه قرءان آخران

العشرون من غاب عن امرأته سنين ثم طلقها أو مات عنها الغالب براءة رحمها والنادر شغله بالولد وقد ألغاهما صاحب الشرع معا وأوجب عليها استئناف العدة بعد الوفاء أو الطلاق لأن وقوع الحكم قبل سببه غير معتد به ونظائر في الشرع كثيرة من الغالب ألغاه صاحب الشرع ولم يعتبره وتارة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

تنبيه قال الأصل وسلمه ابن الشاط حمل اللفظ على حقيقته دون مجازه وعلى العموم دون الخصوص وإن أمكن أن يقال إنه من باب تقديم النادر على الغالب نظرا لغلبة المجاز على الحقيقة في كلام العرب حتى قال ابن جني كلام العرب كله مجاز وغلبة الخصوصات على العمومات حتى روي عن ابن عباس أنه قال ما من عام إلا وقد خص إلا قوله تعالى والله بكل شيء عليم وحينئذ فينبغي إذا ظفرنا بلفظ ابتداء أن نحمله على مجازه تغليبا للغالب على النادر وأن نحمل العموم ابتداء على التخصيص لأنه الغالب فحيث عكسنا وحملنا اللفظ ابتداء على حقيقته والعموم ابتداء على العموم كان ذلك تغليبا للنادر على الغالب إلا أن التحقيق أن ذلك ليس من هذا الباب وذلك لأن شرط الفرد المتردد بين النادر والغالب فيحمل على الغالب أن يكون من جنس الغالب وإلا فلا يحمل على الغالب

وبيانه بالمثال أن الشقة إذا جاءت من القصار جاز أن تكون طاهرة وهو الغالب أو نجسة بأن يصيبها بول فأر أو غيره من الحيوان وهو النادر فإنا لو كنا نحكم بطهارتها بناء على الغالب لأنا قد حكمنا بطهارة الثياب المقصورة لأنها خرجت من القصارة لكان هذا الثوب المتردد بين النادر والغالب الذي خرج من القصارة من جنس الغالب الذي قضينا بطهارته فيحكم به

وأما لو كنا لا نقضي بطهارة الثياب المقصورة لكونها خرجت من القصارة بل نقضي بطهارتها لأنها

____________________

(4/250)

بالغ في إلغائه فاعتبر نادره دونه كما تقدم بيانه فهذه أربعون مثالا قد سردتها في ذلك من أربعين جنسا فهي أربعون جنسا قد ألغيت فإن قلت أنت تعرضت للفرق بين ما ألغي منه وما لم يلغ ولم تذكره بل ذكرت أجناسا ألغيت خاصة فما الفرق وكيف الاعتماد في ذلك قلت الفرق في ذلك المقام لا يتيسر على المبتدئين ولا على ضعفة الفقهاء وكذلك ينبغي أن يعلم أن الأصل اعتبار الغالب وهذه الأجناس التي ذكرت استثناؤها على خلاف الأصل وإذا وقع لك غالب ولا تدري هل هو من قبيل ما ألغي أو من قبيل ما اعتبر فالطريق في ذلك أن تستقري موارد النصوص والفتاوى استقراء حسنا مع أنك تكون حينئذ واسع الحفظ جيد الفهم فإذا لم يتحقق لك إلغاؤه فاعتقد أنه معتبر وهذا الفرق لا يحصل إلا لمتسع في الفقهيات والموارد الشرعية وإنما أوردت هذه الأجناس حتى تعتقد أن الغالب وقع معتبرا شرعا ونجزم أيضا بشيئين

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

تغسل بعد ذلك لم يكن هذا الثوب المتردد بين النادر والغالب الذي لم يغسل بعد ذلك من جنس الغالب الذي قضينا بطهارته فلا نقضي بطهارته لأجل عدم الغسل بعد القصارة الذي لأجله حكمنا بالطهارة وكذا يقال في الألفاظ فإذا لم نقض على لفظ بأنه مجاز أو مخصوص بمجرد كونه لفظا بل نقض عليه بذلك لأجل اقترانه بالقرينة الصادقة من الحقيقة إلى المجاز واقترانه بالمخصص الصارف عن العموم للتخصيص كان هذا اللفظ الوارد ابتداء الذي حملناه على حقيقته دون مجازه والعموم دون الخصوص ليس معه صارف من قرينة صارفة عن الحقيقة

ولا مخصص صارف عن العموم فهو حينئذ ليس من ذلك الغالب فلو حملناه على المجاز أو التخصيص لحملناه على غير غالب فإنه لم يوجد لفظ من حيث هو لفظ حمل على المجاز ولا على الخصوص ألبتة فضلا عن كونه غالبا بل هو اللفظ قاعدة مستقلة بنفسها ليس فيها غالب ونادر بل شيء واحد وهو الحقيقة مطلقا والعموم مطلقا فتأمل ذلك فهو شرط خفي في حمل الشيء على غالبه دون نادره ليظهر لك جليا أن حمل اللفظ على حقيقة دون مجاز ابتداء والعموم دون الخصوص ابتداء ليس من باب الحمل على النادر دون الغالب فهذا سؤال حسن لقد أوردته على جمع كثير من الفضلاء قديما وحديثا فلم يحصل عنه جواب وهذا جوابه حسن جدا ا ه

الوصل الثاني فيه عشرين مثالا من أمثلة ما ألغى الشارع فيه الغالب والنادر معا المثال الأول الغالب صدق شهادة الصبيان في الأموال إذا كثر عددهم جدا والنادر كذبهم فأهملهم الشرع ولم يعتبر صدقهم ولا قضى بكذبهم رحمة بالعباد ولطفا بالمدعى عليه وأما في الجراح والقتل فقبلهم مالك وجماعة للضرورة كما تقدم بيانه المثال الثاني الغالب صدق الجمع الكثير من جماعة النسوان في أحكام الأبدان والنادر كذبهم لا سيما مع العادلة فألغى صاحب الشرع صدقهن ولم يحكم به ولا حكم بكذبهن لطفا بالمدعى عليه المثال الثالث الغالب صدق الجمع الكثير من الكفار والرهبان والأحبار إذا شهدوا والنادر كذبهم فألغى صاحب الشرع صدقهم لطفا بالمدعى عليه ولم يحكم بكذبهم المثال الرابع الغالب صدق شهادة الجمع الكثير من الفسقة والنادر كذبهم فلم يحكم الشرع بصدقهم لطفا بالمدعى عليه ولم يحكم بكذبهم المثال الخامس الغالب صدق شهادة ثلاثة

____________________

(4/251)

أحدهما أن قول القائل إذا دار الشيء بين النادر والغالب فإنه يلحق بالغالب ثانيهما قول الفقهاء إذا اجتمع الأصل والغالب فهل يغلب الأصل على الغالب أو الغالب على الأصل قولان فقد ظهر لك أجناس كثيرة اتفق الناس فيها على تقديم الأقل وألغاه الغالب في القسم الأول الذي اعتبرنا رده فلا تكون تلك الدعوى على عمومها وقد أجمع الناس أيضا على تقديم الغالب على الأول في أمر البينة فإن الغالب صدقها والأصل براءة الذمة ومع ذلك تقدم البينة إجماعا فهو أيضا تخصيص لعموم تلك الدعوى فهذا هو المقصود من بيان هذا الفرق والتنبيه على هذه المواطن

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

عدول في الزنا فلم يحكم الشرع به سترا على المدعى عليه ولم يحكم بكذبهم بل أقام الحد عليهم من حيث إنهم قذفوه لا من حيث إنهم شهود زور المثال السادس الغالب صدق شهادة العدل الواحد في أحكام الأبدان والنادر كذبه فلم يحكم الشرع بصدقه لطفا بالعباد ورحمة بالمدعى عليه ولم يكذبه المثال السابع الغالب صدق حلف المدعي الطالب وهو من أهل الخير والصلاح والنادر كذبه فلم يقض الشارع بصدقه فيحكم له بيمينه بل اشترط في الحكم له البينة ولم يحكم بكذبه لطفا بالمدعى عليه المثال الثامن الغالب صدق الجمع الكثير في الرواية بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأحبار والرهبان المتدينين المعتقدين لتحريم الكذب في دينهم والنادر كذبهم فلم يعتبر الشرع صدقهم لطفا بالعباد وسدا لذريعة أن يدخل في دينه ما ليس منه المثال التاسع الغالب صدق رواية الجمع الكثير من الفسقة بشرب الخمر وقتل النفس ونهبة الأموال وهم رؤساء عظماء في الوجود إذا اجتمعوا على الرواية الواحدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا سيما إن منعوا من الكذب لوازع طبيعي لا تدينا لم يقبل الشرع روايتهم صونا للعباد عن أن يدخل في دينهم ما ليس منه بل جعل الضابط العدالة ولم يحكم بكذبهم المثال العاشر الغالب صدق الجمع الكثير من الجاهلين في روايتهم للحديث النبوي والنادر كذبهم فلم يحكم الشرع بصدقهم ولا بكذبهم لطفا بالعباد المثال الحادي عشر الغالب أن يكون أخذ السراق المتهمين بالتهم وقرائن أحوالهم كما يفعله الأمراء اليوم دون الإقرار الصحيح والبينات المعتبرة مصادفا للصواب والنادر خطؤهم ومع ذلك ألغاه الشرع صونا للأعراض والأطراف عن القطع المثال الثاني عشر الغالب أن يكون أخذ الحاكم بقرائن الأحوال من التظلم وكثرة الشكوى والبكاء مع كون الخصم مشهورا بالفساد والعناد مصادفا للحق والنادر خطؤه ومع ذلك منعه الشارع منه وحرمه إذ لا يضر الحاكم ضياع حق لا بينة عليه المثال الثالث عشر الغالب على من وجد بين فخذي امرأة وهو متحرك حركة الواطئ وطال الزمان في ذلك أنه قد أولج والنادر عدم ذلك فلم يحكم الشارع بوطئه ولا بعدمه إذا شهد عليه بذلك وألغى هذا الغالب سترا على العباد المثال الرابع عشر الغالب صدق شهادة العدل المبرز لولده والنادر كذبه فلم يحكم الشرع بصدقه ولا بكذبه بل ألغاها جملة المثال السادس عشر الغالب صدق شهادة العدل المبرز على خصمه والنادر كذبه فألغى الشارع صدقه وكذبه المثال السابع عشر الغالب صدق شهادة الحاكم على فعل نفسه إذا عزل وصدق شهادة الإنسان لنفسه مطلقا إذا وقعت من العدل المبرز والنادر كذبه فيها فألغى الشارع صدقه وكذبه المثال

____________________

(4/252)

الفرق الأربعون والمائتان بين قاعدة ما يصح الإقراع فيه وبين قاعدة ما لا يصح الإقراع فيه اعلم أنه متى تعينت المصلحة أو الحق في جهة لا يجوز الإقراع بينه وبين غيره لأن في القرعة ضياع ذلك الحق المتعين أو المصلحة المتعينة ومتى تساوت الحقوق أو المصالح فهذا هو موضع القرعة عند التنازع دفعا للضغائن والأحقاد والرضا بما جرت به الأقدار وقضى به الملك الجبار فهي مشروعة بين الخلفاء إذا استوت فيهم الأهلية للولاية والأئمة والمؤذنين إذا استووا والتقدم للصف الأول عند الازدحام وتغسيل الأموات عند تزاحم الأولياء وتساويهم في الطبقات وبين الحاضنات والزوجات في السفر والقسمة والخصوم عند الحكام وفي عتق العبيد إذا أوصى بعتقهم أو بثلثهم في المرض ثم مات ولم يحملهم الثلث عتق مبلغ الثلث منهم بالقرعة ولو لم يدع غيرهم عتق ثلثهم أيضا بالقرعة وقاله الشافعي وابن حنبل رضي الله عنهما وقال أبو حنيفة رضي الله عنه لا

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الثامن عشر الغالب أن حكم القاضي لنفسه وهو عدل مبرز من أهل التقوى والورع إنما يكون بالحق والنادر أن يكون بخلافه فألغى الشرع اعتبار صحة ذلك الحكم وبطلانه معا المثال التاسع عشر الغالب القرء الواحد في العدد براءة الرحم والنادر شغله معه فألغى الشارع اعتبار واحد منهما ولم يحكم ببراءة الرحم معه حتى ينضم إليه قرءان آخران المثال العشرون الغالب براءة رحم من غاب عنها زوجها سنين ثم طلقها أو مات عنها والنادر شغله بالولد فألغى الشرع اعتبار واحد منهما وأوجب عليها استئناف العدة بعد الوفاة أو الطلاق لأن وقوع الحكم قبل سببه غير معتد به قال ونظائر هذا الغالب الذي ألغاه صاحب الشرع ولم يعتبره إما مع المبالغة في إلغائه بعدم اعتبار نادره أيضا كما هنا وإما مع المبالغة في إلغائه باعتبار نادره دونه كما تقدم كثيرة في الشرع وهذه أربعون مثالا قد سردت في ذلك من أربعين جنسا فهي أربعون جنسا ألغيت ا ه والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق الثاني والأربعون والمائتان بين قاعدة ما يصح الإقراع فيه وبين قاعدة ما لا يصح الإقراع فيه وضابطه كما في الأصل وسلمه أبو القاسم بن الشاط أن ما تحقق فيه شرطان الأول تساوي الحقوق والمصالح والثاني قبول الرضا بالنقل فهو موضع القرعة عند الشارع دفعا للضغائن والأحقاد والرضا بما جرت به الأقدار وما فقد فيه أحد الشرطين تعذرت فيه القرعة فمتى تعينت المصلحة أو الحق في جهة لا يجوز الإقراع بينه وبين غيره لأن في القرعة ضياع ذلك الحق المتعين أو المصلحة المتعينة ومتى لم يقبل الشيء الرضا بالنقل كحرية الرقيق حالة الصحة لا يجوز الإقراع فيه كما سيتضح من المباحث والاختلافات والاتفاقات الآتية قال ابن فرحون وهي مشروعة في مواضع أحدهما بين الخلفاء إذا استوت فيهم الأهلية للولاية ثانيهما بين الأئمة للصلاة إذا استووا ثالثها بين المؤذنين في المغرب مع

____________________

(4/253)

تجوز القرعة فيما إذا أوصى بهم ويعتق من كل واحد ثلثه ويستسعى في باقي قيمته للورثة حتى يؤديها فيعتق لنا وجوه الأول ما في الموطإ أن رجلا أعتق عبيدا له عند موته فأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعتق ثلث العبيد قال مالك وبلغني أنه لم يكن لذلك الرجل مال غيرهم الثاني في الصحاح أن رجلا أعتق ستة مماليك له في مرضه لا مال له غيرهم فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم فجزاهم فأقرع بينهم فأعتق اثنين ورق أربعة الثالث إجماع التابعين رضي الله عنهم على ذلك قاله عمر بن عبد العزيز وخارجة بن زيد وأبان بن عثمان وابن سيرين وغيرهم ولم يخالفهم من عصرهم أحد الرابع وافقنا أبو حنيفة رضي الله عنه في قسمة الأرض لعدم المرجح وذلك هنا موجود فثبت قياسا عليه الخامس أن في الاستسعاء مشقة وضررا على العبيد بالإلزام وعلى الورثة بتأخير الحق وتعجيل حق الموصى له والقواعد تقتضي تقديم حق الوارث لأن له الثلثين السادس أن مقصود الوصي كمال العتق في العبد ليتفرغ للطاعات ويجوز الاكتساب والمنافع من نفسه وتجزئة العتق تمنع من ذلك وقد لا يحصل الكمال أبدا احتجوا بوجوه الأول قول النبي صلى الله عليه وسلم لا عتق إلا فيما يملك ابن آدم والمريض مالك الثلث من كل عبد فينفذ عتقه فيه ولأن الحديث المتقدم واقعة عين لا عموم فيها ولأن قوله اثنين يحتمل شائعين لا معينين ويؤكده أن العادة تحصي اختلاف قيم العبيد فيتعذر أن يكون اثنان معينان ثلث ماله

الثاني أن القرعة على خلاف القرآن

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الاستواء أيضا على ما ذكره ابن شاس رابعها في التقدم في الصف الأول عند الزحام خامسها في تغسيل الأموات عند تزاحم الأولياء وتساويهم في الطبقات سادسها في الحضانة ففي التوضيح وتدخل القرعة بين الأب والأم عند إثغار الذكر لحديث ورد في ذلك وهو اختيار ابن القصار وابن رشد وغيرهما انظره في قول ابن الحاجب وحضانة الذكر حتى يحتلم سابعها بين الزوجات عند إرادة السفر ثامنها في باب القسمة بين الشركاء في الأصول والحيوان والعروض والنقود إذا استوى فيه الوزن والقيمة وفي ذلك تفصيل واختلاف محله كتب الفقه تاسعها بين الخصوم في التقدم إلى الحاكم في الحكم عاشرها بين الخصمين فيمين تكون محاكمتها عنده حادي عشرتها إذا ازدحم اثنان على اللقيط فالسابق أولى وإلا فالقرعة ثاني عشرتها إذا اختلف المتبايعان وقلنا أنهما يتحالفان ويتفاسخان واختلفا فيمن يبدأ باليمين ففيه أقوال أحدهما أنه يقرع بينهما والمشهور تقدمة البائع وكذلك الزوجان يختلفان في قدر الصداق فيتحالفان ثالث عشرتها في المتيطية أن كتابة الوثائق والمكاتيب فرض على من يعلمها إذ لم يكن في البلد سواه وإن كانوا جماعة كانت من فروض الكفاية فإن قام بها أحدهم سقط الطلب عن الباقين وإن امتنعوا جميعهم اقترعوا فمن خرج اسمه كتب رابع عشرتها في شرع الجلاب فيمن يبدأ به من الوصايا إذا اجتمع عتق الظهار وعتق كفارة القتل وضاق الثلث فأحد الأقوال في المسألة أنه يقرع بينهما لأنه لا يصح عتق بعض الرقبة فيقرع بينهما فيصح العتق لأحدهما خامس عشرتها إذا انكسرت يمين على الأولياء

____________________

(4/254)

لأنها من الميسر وعلى خلاف القواعد لأن فيه نقل الحرية بالقرعة

الثالث أنه لو أوصى بثلث كل واحد صح فينفذ هاهنا قياسا على ذلك وعلى حال الصحة

الرابع أنه لو باع ثلث كل عبد جاز والبيع يلحقه الفسخ والعتق لا يلحقه الفسخ فهو أولى بعدم القرعة لأن فيها تحويل العتق

الخامس أنه لو كان مالكا لثلثهم فأعتقه لم يجتمع ذلك في اثنين منهم والمريض لم يملك غير الثلث فلا يجتمع لأنه لا فرق بين عدم المالك والمنع من التصرف في نفوذ العتق

السادس أن القرعة إنما تدخل في جميع الحقوق فيما يجوز التراضي عليه لأن الحرية حالة الصحة لما لم يجز التراضي على انتفاضها لم تجز القرعة فيها والأموال يجوز التراضي فيها فدخلت القرعة فيها

والجواب عن الأول أن العتق إنما وقع فيما يملك وما قال العتق في كل ما يملك فإذا نفذ العتق في عبدين وقع العتق فيما يملك

وقولهم إنها قضية عين فنقول هي وردت في تمهيد قاعدة كلية كالرجم وغيره فتعم ولقوله عليه السلام حكمي على الواحد حكمي على الجماعة وقوله أنه يحتمل أن يكون شائعا باطلا بالقرعة لأنها لا معنى لها مع الإشاعة واتفاقهم في القيمة ليس متعذرا عادة لا سيما مع الجلب ووخش الرقيق وعن الثاني أن الميسر هو القمار وتمييز الحقوق ليس قمارا وقد أقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أزواجه وغيرهم واستعملت القرعة في شرائع الأنبياء عليهم السلام لقوله تعالى فساهم فكان من المدحضين الآية و إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وليس فيها نقل الحرية لأن عتق المريض لم يتحقق لأنه إن

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

فالمشهور أنها على أكثرهم نصيبا من الأيمان وقيل أكثرهم نصيبا من الكسر وقيل يقرع بينهم عليها سادس عشرتها إذا تقاربت الأنادر وأرادوا الذرو وكان يختلط نبتهم إذا ذروا جميعا فيقال اقترعوا على الذرو فإن أبوا لم يجبر واحد منهم على قطع أندره ويقال لمن أذرى على صاحبه أتلفت نبتك لا شيء لك من الطرر سابع عشرتها إذا زفت إليه امرأتان في ليلة أقرع بينهما على القول بأن ذلك حق له يختار ثامن عشرتها يقرع الحاكم بين الخصمين إذا تنازعا فيمن هو المدعي منهما وأشكل على الحاكم معرفة المدعي تاسع عشرتها تقسيم الغنيمة خمسة أخماس فإذا اعتدلت ضرب عليها بالقرعة فإذا تعين الخمس أفرد ثم جمعت الأربعة فبيعت وقسم ثمنها أو قسمت الغنيمة بأعيانها بين أهل الجيش على ما في ذلك من الخلاف فانظر شرح الرسالة للتادلي في باب الجهاد الموفي عشرين إذا اجتمعت الجنائز من جنس واحد واستوت الأولياء في الفضل وتشاحوا في التقدم أقرع بينهم الحادي والعشرون إذا اجتمع الخصوم عند القاضي وفيهم مسافرون ومقيمون وخاف المسافرون فوات الرفقة قدموا إلا أن يكثروا كثرة يلحق المقيمين منها ضرر فيقرع بينهم ذكره المازري الثاني والعشرون في عتق العبيد إذا أوصى بعتقهم أو بثلثهم في المرض ثم مات ولم يحملهم الثلث عتق مبلغ الثلث منهم بالقرعة ا ه زاد الأصل ولو لم يدع غيرهم عتق ثلثهم أيضا بالقرعة وقاله الشافعي وابن حنبل رضي الله عنهما

____________________

(4/255)

صح عتق الجميع وإن طرأت ديون بطل وإن مات وهو يخرج من الثلث عتق من الثلث فلم يقع في علم الله تعالى من العتق إلا ما أخرجته القرعة وعن الثالث أن مقصود الهبة والوصية التمليك وهو حاصل في ملك الشائع كغيره ومقصود العتق التخليص للطاعات

والاكتساب ولا يحصل مع التبعيض ولأن الملك شائعا لا يؤخر حق الوارث كما تقدم في الوصية وهاهنا يتأخر بالاستسعاء وعن الرابع أن البيع لا ضرر فيه على الوارث كما تقدم في الوصية ولا يحصل تحويل العتق كما تقدم وعن الخامس أنه إذا ملك الثلث فقط لم يحصل تنازع العتق في ولا حرمان من تناوله لفظ العتق وعن السادس أن الوارث لو رضي بتنفيذ عتق الجميع لصح فهو يدخله الرضا فهذه المباحث وهذه الاختلافات والاتفاقات يتخلص منها الفرق بين قاعدة ما تدخله القرعة وما لا تدخله القرعة وأن ضابطه التساوي مع قبول الرضا بالنقل وما فقد فيه أحد الشرطين تعذرت فيه القرعة والله تعالى أعلم بالصواب

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وقال أبو حنيفة رضي الله عنه لا تجوز القرعة فيما إذا أوصى بهم ويعتق من كل واحد ثلثه ويستسعى في باقي قيمته للورثة حتى يؤديها فيعتق لنا ستة وجوه الأول ما في الموطإ أن رجلا أعتق عبيدا له عند موته فأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعتق ثلث العبيد قال مالك وبلغني أنه لم يكن لذلك الرجل مال غيرهم الثاني ما في الصحاح أن رجلا أعتق ستة مماليك له في مرضه لا مال له غيرهم فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم فجزأهم فأقرع بينهم اثنين ورق أربعة الثالث إجماع التابعين رضي الله عنهم على ذلك قال عمر بن عبد العزيز وخارجة بن زيد وأبان بن عثمان وابن سيرين وغيرهم ولم يخالفهم من مصرهم أحد الرابع القياس على قسمة الأرض التي وافقنا فيها أبو حنيفة رضي الله عنه إذ لا مرجح الخامس أن في الاستسعاء مشقة وضررا على العبيد بالإلزام وعلى الورثة بتأخير الحق وتعجيل حق الموصي له والقواعد تقتضي تقديم حق الوارث لأن له الثلثين السادس أن مقصود الوصي كمال العتق في العبد ليتفرغ للطلعات ويحوز الاكتساب والمنافع من نفسه وتجزئة العتق تمنع من ذلك وقد لا يحصل الكمال أبدا وأما الأوجه الستة التي احتجوا بها فالأول قول النبي صلى الله عليه وسلم لا عتق إلا فيما يملك ابن آدم والمريض مالك الثلث من كل عبد فينفذ عتقه فيه ولأن الحديث المتقدم واقعة عين لا عموم فيها ولأن قوله اثنين يحتمل شائعين لا معينين ويؤكده أن العادة تقتضي اختلاف قيم العبيد فيتعذر أن يكون اثنان معينان ثلث ماله وجوابه أن العتق إنما وقع فيما يملك وما قال العتق في كل ما يملك فإذا نفذ العتق في عبدين وقع العتق فيما يملك وقولهم إنه قضية عين فنقول هي وردت في تمهيد قاعدة كلية كالرجم وغيره فتعم ولقوله عليه السلام حكمي على الواحد حكمي على الجماعة وقوله إنه يحتمل أن يكون شائعا باطل بالقرعة لأنها لا معنى لها مع الإشاعة واتفاقهم في القيمة ليس متعذرا عادة لا سيما مع الجلب ووخش الرقيق والوجه الثاني أن القرعة على خلاف القرآن لأنها من الميسر وعلى خلاف القواعد لأن فيه الحرية بالقرعة وجوابه أن الميسر هو القمار وتمييز الحقوق ليس قمارا وقد أقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أزواجه وغيرهم

____________________

(4/256)

فارغة

هامش أنوار البروق

فارغه

هامش إدرار الشروق

واستعملت القرعة في شرائع الأنبياء عليهم السلام فساهم فكان من المدحضين الآية و إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وليس فيها نقل الحرية لأن عتق المريض لم يتحقق لأنه إن صح عتق الجميع وإن طرأت ديون بطل وإن مات وهو يخرج من الثلث عتق من الثلث فلم يقع في علم الله تعالى من العتق إلا ما أخرجته القرعة والوجه الثالث أنه لو أوصى بثلث كل واحد صح فينفذ هاهنا قياسا على ذلك وعلى حال الصحة وجوابه أن مقصود الهبة والوصية والتمليك وهو حاصل في ملك الشائع كغيره ومقصود العتق التخليص للطاعات والاكتساب ولا يحصل مع التبعيض ولأن الملك شائعا لا يؤخر حق الوارث كما تقدم في الوصية وهاهنا يتأخر بالاستسعاء والوجه الرابع أنه لو باع ثلث كل عبد جاز والبيع يلحقه الفسخ والعتق لا يلحقه الفسخ فهو أولى بعدم القرعة لأن فيها تحويل العتق كما تقدم والوجه الخامس أنه لو كان مالكا لثلثهم فأعتقه لم يجتمع ذلك في اثنين منهم والمريض لم يملك غير الثلث فلا يجمع لأنه لا فرق بين عدم الملك والمنع من التصرف في نفوذ العتق وجوابه أنه إذا ملك الثلث فقط لم يحصل تنازع في العتق ولا حرمان من تناوله لفظ العتق والوجه السادس أن القرعة إنما تدخل في جميع الحقوق فيما يجوز التراضي عليه لأن الحرية حالة الصحة لما لم يجز التراضي على انتقاضها لم يجز القرعة فيها والأموال يجوز التراضي فيها قد خلت القرعة فيها وجوابه أن الوارث لو رضي تنفيذ عتق الجميع لصح فهو يدخله الرضا ا ه كلام الأصل وسلمه أبو القاسم بن الشاط

____________________

(4/257)

الفرق الحادي والأربعون والمائتان بين قاعدة المعصية التي هي كفر وقاعدة ما ليس بكفر اعلم أن النهي يعتمد المفاسد كما أن الأوامر تعتمد المصالح فأعلى رتب المفاسد الكفر وأدناها الصغائر والكبائر متوسطة بين المرتبتين وأكثر التباس الكفر إنما هو بالكبائر فأعلى رتب الكبائر يليها أدنى رتب الكفر وأدنى رتب الكبائر يليها أعلى رتب الصغائر وأصل الكفر إنما هو انتهاك خاص لحرمة الربوبية إما بالجهل بوجود الصانع أو صفاته العلى ويكون الكفر بفعل كرمي المصحف في القاذورات أو السجود للصنم أو التردد للكنائس في أعيادهم بزي النصارى ومباشرة أحوالهم أو جحد ما علم من الدين بالضرورة فقولنا انتهاك خاص احتراز من الكبائر والصغائر فإنها انتهاك وليست كفرا وسيأتي بيان هذا الخصوص بعد هذا إن شاء الله تعالى

وجحد ما علم من الدين بالضرورة كجحد الصلاة والصوم ولا يختص ذلك

هامش أنوار البروق

قال الفرق الحادي والأربعون والمائتان بين قاعدة المعصية التي هي كفر وقاعدة ما ليس بكفر إلى قوله والكبائر متوسطة بين المرتبتين قلت إن أراد المفاسد بمقتضى الشرع فلا شك أن الكفر أعظم المفاسد وما عداه تتفاوت رتبه

قال وأكثر التباس الكفر إنما هو بالكبائر إلى قوله وأدنى رتب الكبائر يليها أعلى رتب الصغائر قلت ما قاله من أن أكثر التباس الكفر إنما هو بالكبائر ليس بصحيح وكيف يلتبس الكفر بالكبائر والكفر أمر اعتقادي والكبائر أعمال وليست باعتقاد سواء كانت أعمالا قلبية أو بدنية

قال وأصل الكفر أنه انتهاك خاص لحرمة الربوبية قلت ليس الكفر انتهاك حرمة الربوبية ولكنه

هامش إدرار الشروق

الفرق الحادي و الأربعون والمائتان بين قاعدة المعصية التي هي كفر وقاعدة ما ليس بكفر الاحتياج للفرق بينهما مبني على ما للأصل من التباس الكفر بالكبائر نظرا لما ادعاه من أن الكفر يشارك مطلق المعصية كبيرة كانت أو صغيرة في أمرين

الأمر الأول في مطلق انتهاك حرمة الربوبية

الأمر الثاني في مطلق المفسدة وذلك أن كلا من الكفر والمعصية منهي عنه والنواهي تعتمد المفاسد كما أن الأوامر تعتمد المصالح ولكن أعلى رتب المفاسد الكفر وأدناها الصغائر والمتوسط بين الرتبتين الكبائر فأعلى رتب الكبائر يليها أدنى رتب الكفر وأدنى رتب الكبائر يليها أعلى رتب الصغائر وحينئذ فأكثر التباس الكفر إنما هو بالكبائر

قال ما تهذيبه والمجال في تحرير الفرق بينهما صعب بل التعرض إلى الحد الذي يمتاز به أعلى رتب الكبائر من أدنى رتب الكفر عسير جدا وذلك أن أصل الكفر إنما هو انتهاك خاص لحرمة الربوبية إما بالجهل بوجود الصانع أو صفاته تعالى

____________________

(4/258)

بالواجبات والقربات بل لو جحد بعض الإباحات المعلومة بالضرورة كفر كما لو قال إن الله تعالى لم يبح التين ولا العنب ولا يعتقد أن جاحد ما أجمع عليه يكفر على الإطلاق بل لا بد أن يكون المجمع عليه مشتهرا في الدين حتى صار ضروريا فكم من المسائل المجمع عليها إجماعا لا يعلمه إلا خواص الفقهاء فجحد مثل هذه المسائل التي يخفى الإجماع فيها ليس كفرا بل قد جحد أصل الإجماع جماعة كبيرة من الروافض والخوارج كالنظام ولم أر أحدا قال بكفرهم من حيث إنهم جحدوا أصل الإجماع وسبب ذلك أنهم بذلوا جهدهم في أدلته فما ظفروا بها كما ظفر بها الجمهور فكان ذلك عذرا في حقهم

كما أن متجدد الإسلام إذا قدم من أرض الكفر وجحد في مبادئ أمره بعض شعائر الإسلام المعلومة لنا من الدين بالضرورة لا نكفره لعذره بعدم الاطلاع وإن كنا نكفر بذلك الجحد غيره وبهذا التقريب نجيب عن سؤال السائل كيف تكفرون جاحد المسائل المجمع عليها ولا تكفرون جاحد أصل الإجماع وكيف يكون الفرع أقوى من الأصل

والجواب بأن نقول إنا لم نكفر بالمجمع عليه من حيث هو مجمع عليه

هامش أنوار البروق

الجهل بالربوبية فلا يصدر عادة ممن يدين بالربوبية

قال أما الجهل بوجود الصانع أو صفاته العلى قلت الجهل بذلك هو الكفر خاصة عند من لا يصحح الكفر عنادا وأما عند من يصححه فالكفر إما الجهل بالله تعالى وإما جحده وانتهاك الحرمة إنما يكون مع الجهل أما مع العلم فيتعذر عادة والله تعالى أعلم

قال ويكون الكفر بفعل كرمي المصحف في القاذورات قلت رمي المصحف في القاذورات لا يخلو أن يكون مع العلم بالله تعالى أو مع الجهل به فإن كان مع الجهل فالكفر هو الجهل لا عين رميه وإن كان مع العلم بالله تعالى فلا يخلو أن يكون مع التكذيب به أو لا فإن كان مع التكذيب به فهو كفر وإلا فهو معصية غير كفر

هامش إدرار الشروق

وإما بالجرأة على الله تعالى بكرمي المصحف في القاذورات أو السجود للصنم أو التردد للكنائس في أعيادهم بزي النصارى ومباشرة أحوالهم أو جحد ما أجمع عليه وعلم من الدين بالضرورة ولو كان ذلك من بعض المباحات فجحد إباحة الله التين والعنب كفر كجحد الصلاة والصوم ومعنى علمه من الدين بالضرورة أن يشتهر في الدين حتى يصير ضروريا فجحد المسائل المجمع عليها إجماعا لا يعلمه إلا خواص الفقهاء بحيث يخفى الإجماع فيها ليس كفرا قال بل قد جحد أصل الإجماع جماعة كبيرة من الروافض والخوارج كالنظام ولم أر أحدا قال بكفرهم من حيث إنهم جحدوا أصل الإجماع

وسبب ذلك أنهم بذلوا جهدهم في أدلته فما ظفروا بها كما ظفر بها الجمهور فكان ذلك عذرا في حقهم كما أن متجدد الإسلام إذا قدم من أرض الكفر وجحد في مبادئ أمره معنى شعائر الإسلام المعلومة لنا من الدين بالضرورة لا نكفره لعذره بعدم الاطلاع وإن كنا نكفر بذلك الجحد غيره فعلم من هذا أنا لا نكفر بالمجمع عليه من حيث هو مجمع عليه حتى يقال كيف تكفرون جاحد المسائل المجمع عليها ولا تكفرون جاحد أصل الإجماع

____________________

(4/259)

بل من حيث الشهرة المحصلة للضرورة فمتى انضافت هذه الشهرة للإجماع كفر جاحد المجمع عليه وإذا لم تنضف لم نكفره وعلى هذا التقرير لم يجعل الفرع أقوى من الأصل وإنما يلزم ذلك أن لو كفرنا به من حيث هو مجمع عليه لا من حيث هو مشتهر فمن جحد إباحة الفرائض لا نكفره من حيث إنه مجمع عليه فإن انعقاد الإجماع فيه إنما يعلمه خواص الفقهاء أو الفقهاء دون غيرهم وألحق الأشعري بالكفر إرادة الكفر كبناء الكنائس ليكفر فيها أو قتل نبي مع اعتقاده صحة رسالته ليميت شريعته ومنه تأخير إسلام من أتى ليسلم على يديك فتشير عليه بتأخير الإسلام لأنه إرادة لبقاء الكفر

ولا يندرج في إرادة الكفر الدعاء بسوء الخاتمة على من تعاديه وإن كان فيه إرادة الكفر لأنه ليس مقصودا فيه انتهاك حرمة الله تعالى بل إذاية المدعو عليه وليس منه أيضا اختيار الإمام عقد الجزية على الأسارى على القتل الموجب لمحو الكفر من قلوبهم وفي عقد الجزية إرادة استمرار الكفر في قلوبهم فهو فيه إرادة الكفر لأن مقصوده توقع الإسلام منهم أو من ذراريهم إذا بقوا أحياء وفي تعجيل القتل عليهم سد باب الإيمان منهم ومن ذريتهم فالمقصود توقع

هامش أنوار البروق

قال والسجود للصنم قلت إن كان السجود للصنم مع اعتقاد كونه إلها فهو كفر وإلا فلا بل يكون معصية إن كان لغيره إكراه أو جائز عند الإكراه قال أو التردد إلى الكنائس في أعيادهم ومباشرة أحوالهم قلت هذا ليس بكفر إلا أن يعتقد معتقدهم

قال أو جحد ما علم من الدين بالضرورة قلت هذا كفر إن كان جحده بعد علمه فيكون تكذيبا وإلا فهو جهل وذلك الجهل معصية لأنه مطلوب بإزالة مثل هذا الجهل على وجه الوجوب

قال فقولنا انتهاك خاص احتراز من الكبائر والصغائر فإنها انتهاك وليست كفرا وسيأتي بيان هذا الخصوص بعد هذا إن شاء الله تعالى قلت ليست الكبائر والصغائر انتهاكا لحرمة الله تعالى وإنما هي جرأة على مخالفة تحمل عليها الأغراض والشهوات

قال وجحد ما علم من الدين بالضرورة إلى قوله وإن كنا نكفر بذلك الجحد غيره قلت ما قاله في ذلك صحيح إلا كونه اقتصر على

هامش إدرار الشروق

وكيف يكون الفرع أقوى من الأصل بل نكفر به من حيث الشهرة المحصلة للضرورة فمن جحد إباحة القراض لا نكفره وإن كان مجمعا عليه لأن انعقاد الإجماع فيه إنما يعلمه خواص الفقهاء أو الفقهاء دون غيرهم فلم يجعل الفرع أقوى من الأصل فافهم وألحق الأشعري بالكفر أي جرأة على الله تعالى إرادة الكفر كبناء الكنائس ليكفر فيها أو قتل نبي مع اعتقاده صحة رسالته ليميت شريعته ومنه تأخير إسلام من أتى ليسلم على يديك فتشير عليه بتأخير الإسلام لأنه إرادة لبقاء الكفر ولا يندرج في إرادة الكفر الدعاء بسوء الخاتمة على من تعاديه وإن كان فيه إرادة الكفر لأنه ليس مقصودا فيه انتهاك حرمة الله بل إذاية المدعو عليه

وليس منه أيضا اختيار الإمام عقد الجزية على الأسارى الموجب لاستمرار الكفر في قلوبهم على قتلهم الموجب لمحو الكفر من قلوبهم لأن مقصوده توقع الإسلام منهم أو من ذريتهم إذا بقوا أحياء وعدم سد باب الإيمان منهم ومن ذريتهم بقتلهم

____________________

(4/260)

الإيمان وحصول الكفر وقع بالعرض فهو مشروع مأمور به واجب عند تعيين مقتضيه ويثاب عليه الإمام والفاعل له بخلاف الدعاء بسوء الخاتمة فهو منهي عنه ويأثم قائله وإن لم يكفر بذلك

واستشكل بعض العلماء الفرق بين السجود للشجرة والسجود للوالد في أن الأول كفر دون الثاني وإن كان الساجد في الحالتين معتقدا ما يجب لله تعالى وما يستحيل وما يجوز عليه وإنما أراد التشريك في السجود وهو يعتقد بذلك التقرب إلى الله تعالى كما يعتقده الساجد للوالد وقد قالت عبدة الأوثان ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى مع أن القاعدة أن الفرق بين الكفر والكبيرة إنما هو بعظم المفسدة وصغرها لاشتراك الجميع في المفسدة والنهي والتحريم وما بين هاتين الصورتين من المفسدة التي نعلمها ما يقتضي الكفر في إحداهما دون الأخرى وقد أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم فسجدوا له ولم يكن قبلة على أحد القولين بل هو المقصود بالتعظيم بذلك السجود ولم يقل أحد إن الله تعالى أمر هنالك بما نهى عنه من الكفر ولا أنه أباح الكفر لأجل آدم ولا أن في السجود لآدم مفسدة تقتضي كفرا

هامش أنوار البروق

اشتراط شهرة ذلك الأمر من الدين بل لا بد من اشتهار ذلك من وصول ذلك إلى هذا الشخص وعلمه به فيكون إذ ذاك مكذبا لله تعالى ولرسوله فيكون بذلك كافرا أما إذا لم يعلم ذلك الأمر وكان من معالم الدين المشتهرة فهو عاص بترك التسبب إلى علمه ليس بكافر والله تعالى أعلم قال وبهذا التقرير نجيب على سؤال السائل إلى قوله الإجماع فيه إنما يعلمه خواص الفقهاء أو الفقهاء دون غيرهم قلت ما قاله في ذلك صحيح إلا ما نقضه من شرط علم هذا الشخص بذلك الأمر المشتهر

قال وألحق الشيخ أبو الحسن الأشعري رضي الله تعالى عنه بالكفر إرادة الكفر كبناء الكنائس ليكفر فيها قلت إن كان بناها الشخص لاعتقاده رجحان الكفر على الإسلام فهو كفر لا شك وإن كان بناها الكافر إرادة التقرب إليه والتودد له بذلك فهو معصية لا كفر

قال أو قتل نبي مع اعتقاده صحة رسالته ليميت شريعته قلت ذلك كفر ولكن لا يتأتى فرضه إلا على قول من يجوز الكفر عنادا

قال ومنه تأخير إسلام من أتى ليسلم على يديك فتشير عليه بتأخير الإسلام لأنه إرادة لبقاء الكفر قلت ذلك قد يكون كفرا إن كان

هامش إدرار الشروق

فحصول الكفر بإبقائهم أحياء وقع بالعرض فهو مشروع مأمور به بل واجب عند تعين مقتضيه ويثاب عليه الإمام الفاعل بخلاف الدعاء بسوء الخاتمة فإنه منهي عنه ويأثم قائله وإن لم يكفر بذلك

قال والانتهاك الخاص المميز للكفر عن الكبائر والصغائر إنما يتبين خصوصه ببيان أقسام الجهل بالله تعالى وبيان ما يتعلق بالجرأة على الله تعالى فأما أقسام الجهل فعشرة

أحدها ما لم نؤمر بإزالته أصلا ولم نؤاخذ ببقائه لأنه لازم لنا لا يمكن الانفكاك عنه وهو جلال الله تعالى وصفاته التي لم تدل عليها الصنعة ولم يقدر العبد على تحصيله بالنظر فعفا عنه لعجزنا عنه وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك وقول الصديق العجز عن درك الإدراك إدراك

وثانيها ما أجمع المسلمون على أنه كفر قال القاضي عياض في

____________________

(4/261)

ولو فعل من غير أمر ربه ولا يمكن أن يقال إن الأمر والنهي عنهما سببا المفاسد والمصالح فإن نهى عن السجود كان مفسدة وإن أمر به كان مصلحة لأن هذا يلزم منه الدور لأن المفسدة تكون حينئذ تابعة للنهي مع أن النهي يتبع المفسدة فيكون كل واحد منهما تابعا لصاحبه فيلزم الدور بل الحق أن المفسدة يتبعها النهي وما لا مفسدة فيه لا يكون منهيا عنه واستقراء الشرائع يدل على ذلك فإن السرقة لما كان فيها ضياع المال نهى عنها ولما كان في القتل فوات الحياة نهى عنه ولما كان في الزنا مفسدة اختلاط الأنساب نهى عنه ولما كان في الخمر ذهاب العقول نهى عنه فلا جرم لما صار الخمر خلا ذهب عنه النهي ولما كان عصيرا لا يفسد العقل لم يكن منهيا عنه فالاستقراء دل على أن المفاسد والمصالح سابقة على الأوامر والنواهي والثواب والعقاب تابع للأوامر والنواهي فما فيه مفسدة ينهى عنه فإذا فعل حصل العقاب وما فيه مصلحة أمر به فإذا فعل حصل الثواب فالثواب والعقاب في الرتبة الأولى فلو علل الأمر والنهي بالثواب والعقاب لزم تقدم الشيء على نفسه برتبتين ولذلك يقول

هامش أنوار البروق

إنما أشار بالتأخير لاعتقاده رجحان الكفر وقد لا يكون كفرا إن كان إنما أراد بالتأخير لكونه لا يريد لهذا الإسلام لحقد له عليه أو نحو ذلك مما يستلزم أن يعتقد المشير رجحان الكفر

قال ولا يندرج في إرادة الكفر الدعاء بسوء الخاتمة على من تعاديه وإن كان فيه إرادة الكفر لأنه ليس مقصودا فيه انتهاك حرمة الله تعالى بل إذاية المدعو عليه قلت هذا الذي قاله هنا موافق لما قلته في مسألة الإشارة بتأخير الإسلام من جهة أنه لم يشر بذلك عليه إلا بقصد إذايته لا لاعتقاده رجحان الكفر

قال وليس منه أيضا اختيار الإمام عقد الجزية على الأسارى على القتل الموجب لمحو الكفر من قلوبهم وفي عقد الجزية إرادة استمرار الكفر في قلوبهم فهو فيه إرادة الكفر لأن مقصوده توقع الإسلام منهم أو من ذراريهم إذا بقوا أحياء وفي تعجيل القتل عليهم سد باب الإيمان منهم ومن ذريتهم فالمقصود توقع الإيمان وحصول الكفر وقع بالعرض قلت ما حام عليه في هذا الفصل كله صحيح وهو أن استبقاء الأسارى وضرب الجزية عليهم

هامش إدرار الشروق

كتاب الشفاء انعقد الإجماع على تكفير من جحد أن الله تعالى عالم أو متكلم أو غير ذلك من صفاته الذاتية فإن جهل الصفة ولم ينفها كفره الطبري وغيره وقيل لا يكفر وإليه رجع الأشعري لأنه لم يصمم على اعتقاد ذلك ويعضده حديث القائل لئن قدر الله علي ليعذبني الحديث وحديث السوداء لما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أين الله قالت في السماء قال ولو كوشف أكثر الناس على الصفات لم يعلمها

قال الأصل فنفي الصفات والجزم بنفيها هو المجمع عليه وليس معناه نفي العلم أو الكلام أو الإرادة ونحو ذلك بل العالم والمتكلم والمريد فالمجمع على كفره هو من نفى أصل المعنى وحكمه وهذا هو مذهب جمع كثير من الفلاسفة والدهرية دون أرباب الشرائع

والثالث ما اختلف في التكفير

____________________

(4/262)

الأغبياء من الطلبة مصلحة هذا الأمر أنه يثاب عليه فيعللون بالثواب والعقاب وهو غلط وأما الجهل بالله تعالى عشرة أقسام أحدها ما لم نؤمر بإزالته أصلا ولم نؤاخذ ببقائه لأنه لازم لنا لا يمكن الانفكاك عنه وهو جلال الله تعالى وصفاته التي لم تدل عليها الصنعة ولم يقدر العبد على تحصيله بالنظر فعفا عنه لعجزنا عنه وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك وقول الصديق العجز عن درك الإدراك إدراك وقسم أجمع المسلمون على أنه كفر قال القاضي عياض في كتاب الشفاء انعقد الإجماع على تكفير من جحد أن الله تعالى عالم أو متكلم أو غير ذلك من صفاته الذاتية فإن جهل الصفة ولم ينفها كفره الطبري وغيره وقيل لا يكفر وإليه رجع الأشعري لأنه لم يصمم على اعتقاد ذلك ويعضده حديث القائل لئن قدر الله علي ليعذبني الحديث

وحديث السوداء لما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أين الله قالت في السماء قال ولو كوشف أكثر الناس على الصفات لم يعلمها قلت فنفي الصفات والجزم بنفيها هو المجمع عليه وليس معناه نفي العلم

هامش أنوار البروق

لا يتعين أنه إيثار لاستمرار الكفر وإذا لم يتعين أن يكون لذلك لم يكن كفرا

قال فهو مشروع مأمور به واجب عند تعيين مقتضيه ويثاب عليه الإمام الفاعل له بخلاف الدعاء بسوء الخاتمة فهو منهي عنه ويأثم قائله وإن لم يكفر بذلك قلت ما قاله من أنه مشروع مأمور به عند تعين مقتضيه كذلك يكون لو تعين المقتضي ومتى يتعين المقتضي عندنا ونحن لا نعلم عاقبة أمر الأسير واستشكل بعض العلماء الفرق بين السجود للشجرة والسجود للوالد في الأول كفر دون الثاني وإن كان الساجد في الحالتين معتقدا ما يجب لله تعالى

وما يستحيل وما يجوز عليه وإنما أراد التشريك في السجود وهو يعتقد بذلك التقرب إلى الله تعالى كما يعتقده الساجد للوالد وقد قالت عبدة الأوثان ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى

هامش إدرار الشروق

به وهو من أثبت الأحكام دون الصفات فقال إن الله تعالى عالم بغير علم ومتكلم بغير كلام ومريد بغير إرادة وحي بغير حياة وهكذا بقية الصفات وهذا هو حقيقة مذهب المعتزلة وللأشعري ومالك وأبي حنيفة والشافعي والباقلاني في تكفيرهم قولان

والرابع ما اختلف أهل الحق فيه هل هو جهل تجب إزالته أم هو حق لا تجب إزالته فعلى القول الأول هو معصية وما رأيت من يكفر به وذلك كالقدم والبقاء فهل يجب أن ينعقد أن الله تعالى باق ببقاء قديم ويعصي من لم يعتقد ذلك أو يجب أن لا يعتقد ذلك بل الله تعالى باق بغير بقاء وقديم بغير قدم واعتقاد خلاف ذلك جهل حرام عكس المذهب الأول والفرق بين البقاء والقدم وغيرهما من الصفات مذكور في كتب أصول الدين

والصحيح هنالك أن البقاء والقدم لا وجود لهما في الخارج بخلاف العلم والإرادة وغيرهما

____________________

(4/263)

أو الكلام أو الإرادة ونحو ذلك بل العالم والمتكلم والمريد فمن نفى أصل المعنى وحكمه هو المجمع على كفره وهذا هو مذهب جمع كثير من الفلاسفة والدهرية دون أرباب الشرائع

القسم الثالث ما اختلف في التكفير به وهو من أثبت الأحكام دون الصفات فقال إن الله تعالى عالم بغير علم ومتكلم بغير كلام ومريد بغير إرادة وحي بغير حياة وكذلك في بقية الصفات فهذا هو حقيقة مذهب المعتزلة وللأشعري ومالك وأبي حنيفة والشافعي والباقلاني في تكفيرهم قولان

القسم الرابع ما اختلف أهل الحق فيه هل هو جهل تجب إزالته أم هو حق لا تجب إزالته فعلى القول الأول هو معصية وما رأيت من يكفر به وذلك كالقدم والبقاء فهل يجب أن يعتقد أن الله تعالى باق ببقاء قديم ويعصي من لم يعتقد ذلك أو يجب أن لا يعتقد ذلك بل الله تعالى باق بغير بقاء وقديم بغير قدم واعتقاد خلاف ذلك جهل حرام عكس المذهب الأول والفرق بين البقاء والقدم وغيرهما من الصفات مذكور في كتب أصول الدين والصحيح هنالك أن البقاء والقدم لا

هامش أنوار البروق

قلت الساجد للشجرة والساجد للوالد إن سجد كل واحد منهما مع اعتقاد أن المسجود له شريك الله تعالى فهو كفر وإن سجد لا مع ذلك الاعتقاد بل تعظيما عاريا عن ذلك الاعتقاد فهو معصية لا كفر وإن سجد الساجد للشجرة مع اعتقاد أنه شريك لله تعالى وسجد الساجد للوالد لا مع ذلك الاعتقاد بل تعظيما فالأول كفر والثاني معصية غير كفر أو بالعكس إلا أن نقول أن مجرد السجود للشجرة كفر لأنها قد عبدت مدة ومجرد السجود للوالد ليس بكفر لأنه لم يعبد مدة فيفتقر ذلك إلى توقيف

قال مع أن القاعدة أن الفرق بين الكفر والكبيرة إنما هو بعظم المفسدة وصغرها لاشتراك الجميع في المفسدة والنهي والتحريم وما بين هاتين الصورتين من المفسدة التي نعلمها ما يقتضي

هامش إدرار الشروق

من صفات المعاني السبعة

والخامس جهل يتعلق بالصفات لا بالذات نحو تعلق قدرة الله تعالى بجميع الكائنات وهو مذهب أهل الحق أو لم يتعلق بأفعال الحيوانات وهو مذهب المعتزلة وكتعلق إرادة الله تعالى بتخصيص جميع الكائنات وهو مذهب أهل الحق أو لم تتعلق بأفعال الحيوانات وهو مذهب المعتزلة وللعلماء في تكفيرهم بذلك قولان والصحيح عدم تكفيرهم

والسادس جهل يتعلق بالذات لا بصفة من الصفات مع الاعتراف بوجودها كالجهل بسلب الجسمية والجهة والمكان وهو مذهب الحشوية ومذهب أهل الحق استحالة جميع ذلك على الله تعالى وفي تكفير الحشوية بذلك قولان والصحيح عدم التكفير

وأما سلب الأبوة والبنوة والحلول والاتحاد ونحو ذلك مما هو مستحيل على الله تعالى من هذا القبيل فأجمع المسلمون على تكفير من يجوز ذلك على الله تعالى بخلاف تجويز غيره من المستحيلات كالجهة ونحوها مما تقدم ذكرها والفرق بين القسمين أن القسم الأول الذي هو الجسمية ونحوها فيه عذر عادي فإن الإنسان ينشأ عمره كله وهو لا يدرك موجودا وهو جسم أو قائم بجسم إلا في جهة

____________________

(4/264)

وجود لهما في الخارج بخلاف العلم والإرادة وغيرهما من الصفات السبعة التي هي الحياة والعلم والإرادة والقدرة والكلام والسمع والبصر

القسم الخامس جهل يتعلق بالصفات لا بالذات نحو تعلق قدرة الله تعالى بجميع الكائنات وهو مذهب أهل الحق أو لم يتعلق بأفعال الحيوانات وهو مذهب المعتزلة وكتعلق إرادة الله تعالى بتخصيص جميع الكائنات وهو مذهب أهل الحق أو لم تتعلق بأفعال الحيوانات وهو مذهب المعتزلة وفي تكفيرهم بذلك للعلماء قولان والصحيح عدم تكفيرهم

القسم السادس جهل يتعلق بالذات لا بصفة من الصفات مع الاعتراف بوجودها كالجهل بسلب الجسمية والجهة والمكان وهو مذهب الحشوية ومذهب أهل الحق استحالة جميع ذلك على الله تعالى وفي تكفير الحشوية بذلك قولان والصحيح عدم التكفير وأما سلب الأبوة والبنوة والحلول والاتحاد ونحو ذلك مما هو مستحيل على الله تعالى من هذا القبيل فأجمع المسلمون على تكفير من يجوز ذلك على الله تعالى بخلاف تجويز غيره من المستحيلات كالجهة ونحوها مما تقدم ذكره

والفرق بين القسمين أن القسم

هامش أنوار البروق

الكفر في إحداهما دون الأخرى وقد أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم فسجدوا له ولم يكن قبلة على أحد القولين بل هو المقصود بالتعظيم بذلك السجود ولم يقل أحد إن الله تعالى أمر هنالك بما نهى عنه من الكفر ولا أنه أباح الكفر لأجل آدم ولا أن في السجود لآدم مفسدة تقتضي كفرا لو فعل من غير أمر ربه ولا يمكن أن يقال إن الأمر والنهي عنهما سببا المفاسد والمصالح فإن نهى عن السجود كان مفسدة وإن أمر به كان مصلحة لأن هذا يلزم منه الدور لأن المفسدة تكون حينئذ تابعة للنهي مع أن النهي يتبع المفسدة فيكون كل واحدة منهما تابعا لصاحبه فيلزم الدور بل الحق أن المفسدة يتبعها النهي وما لا مفسدة فيه لا يكون منهيا عنه واستقراء الشرائع يدل على ذلك فإن السرقة لما كان فيها ضياع المال نهى عنها ولما كان في القتل فوات الحياة نهى عنه ولما كان في الزنا

هامش إدرار الشروق

فكان هذا عذرا عند بعض العلماء ولم يضطر الإنسان في مجاري العادات إلى الأبوة والبنوة والحلول والاتحاد ونحوها فكم من موجود في العالم لم يلد ولم يولد كالأملاك والأفلاك والأرض والجبال والبحار فلما انتفت الشبهة الموجبة للضلال انتفى العذر فلذا انعقد الإجماع على التكفير في هذا القسم واختلف في التكفير في القسم الأول

والسابع الجهل بقدم الصفات لا بوجودها وتعلقها كقول الكرامية بحدوث الإرادة ونحوها وفي التكفير بذلك أيضا قولان الصحيح عدم التكفير

والثامن والتاسع الجهل بما وقع أو يقع من متعلقات الصفات وهو قسمان أحدهما كفر إجماعا وهو المراد هاهنا كجهل الفلاسفة ومن تابعهم بأن الله تعالى أراد بعثة الرسل وأرسلهم لخلقه بالرسائل الربانية وكجهلهم ببعثة الخلائق يوم القيامة وإحيائهم من قبورهم وجزائهم على أعمالهم على التفصيل الوارد في الكتاب والسنة

وثانيهما ما لا خلاف في أنه ليس بمعصية كالجهل بخلق حيوان في العالم أو إجراء نهر أو إماتة حيوان ونحو ذلك

____________________

(4/265)

الأول الذي هو الجسمية ونحوها فيه عذر عادي فإن الإنسان ينشأ عمره كله وهو لا يدرك موجودا إلا في جهة وهو جسم أو قائم بجسم فكان هذا عذرا عند بعض العلماء ولم يضطر الإنسان في مجاري العادات إلى البنوة والأبوة والحلول والاتحاد ونحوها فكم من موجود في العالم لم يلد ولم يولد كالأملاك والأفلاك والأرض والجبال والبحار فلما انتفت الشبهة الموجبة للضلال انتفى العذر فانعقد الإجماع على التكفير فهذا هو الفرق وعليه تدور الفتاوى فمن جوز على الله تعالى ما هو مستحيل عليه يتخرج على هذين القسمين

القسم السابع الجهل بقدم الصفات لا بوجودها وتعلقها كقول الكرامية بحدوث الإرادة ونحوها وفي التكفير بذلك أيضا قولان الصحيح عدم التكفير

القسم الثامن الجهل بما وقع أو يقع من متعلقات الصفات وهو قسمان أحدهما كفر إجماعا وهو المراد هاهنا كالجهل بأن الله تعالى أراد بعثة الرسل وأرسلهم لخلقه بالرسائل الربانية وكالجهل ببعثة الخلائق يوم القيامة وإحيائهم من قبورهم وجزائهم على أعمالهم على

هامش أنوار البروق

مفسدة اختلاط الأنساب نهى عنه ولما كان في الخمر ذهاب العقول نهى عنه فلا جرم لما صار الخمر خلا ذهب النهي عنه ولما كان عصيرا لا يفسد العقل لم يكن منهيا عنه فالاستقراء دل على أن المفاسد والمصالح سابقة على الأوامر والنواهي والثواب والعقاب تابع للأوامر والنواهي فما فيه مفسدة نهى عنه فإذا فعل حصل العقاب وما فيه مصلحة أمر به فإذا فعل حصل الثواب فالثواب والعقاب في الرتبة الثالثة والأمر والنهي في الرتبة الثانية والمفسدة والمصلحة في الرتبة الأولى فلو علل الأمر والنهي بالثواب والعقاب لزم تقدم الشيء على نفسه برتبتين ولذلك يقول الأغبياء من الطلبة مصلحة هذا الأمر أنه يثاب عليه فيعللون بالثواب والعقاب وهو غلط

قلت تبعية الأمر بالمأمور به الواجب مثلا لمصلحته إنما معناها والمراد بها أنه لولا القصد إلى

هامش إدرار الشروق

نعم قد يكلف الشرع بمعرفة بعض الصور من ذلك لأمر يخص تلك الصورة لا لأن الجهل به في حق الله تعالى منهي عنه

والعاشر الجهل بما وقع من متعلقات الصفات وهو تعلقها بإيجاد ما لا مصلحة فيه للخلق هل يجوز هذا على الله تعالى أم لا فأهل الحق يجوزونه وأن يفعل لعباده ما هو الأصلح لهم وأن لا يفعله كل ذلك له تعالى فكل نعمة منه فضل وكل نقمة منه عدل والخلائق دائرون بين فضله وعدله لا يسأل عما يفعل وهم يسألون

والمعتزلة لا يجوزون ذلك ويوجبون عليه تعالى الصلاح والأصلح وفي تكفيرهم بذلك قولان والصحيح عدم تكفيرهم كما تقدم وبتفصيل هذه الأقسام على ما ذكر تبين ما هو كفر منها مما ليس بكفر

وأما ما يتعلق بالجرأة على الله تعالى فهو المجال الصعب في التحرير لأن مخالفة أمر الملك العظيم في جميع المعاصي صغائرها وكبائرها جرأة عليه كيف كان فتمييز ما هو كفر منها مبيح للدم موجب للخلود في النار مما ليس

____________________

(4/266)

التفصيل الوارد في الكتاب والسنة فالجهل بهذا كفر إجماعا وهو مذهب الفلاسفة ومن تابعهم

القسم التاسع الجهل بما وقع من متعلقات الصفات وهو تعلقها بإيجاد ما لا مصلحة فيه للخلق هل يجوز هذا على الله تعالى أم لا فأهل الحق يجوزونه وأن يفعل لعباده ما هو الأصلح لهم وأن لا يفعله كل ذلك له تعالى فكل نعمة منه فضل وكل نقمة منه عدل والخلائق دائرون بين فضله وعدله لا يسأل عما يفعل وهم يسألون وفي تكفير المعتزلة بذلك قولان كما تقدم والصحيح عدم تكفيرهم

القسم العاشر ما وقع من متعلقات الصفات الربانية أو يقع مما لم يكلف به كخلق حيوان في العالم أو إجراء نهر أو إماتة حيوان ونحو ذلك فهذا القسم لا خلاف فيه أنه ليس بمعصية وهو جهل بل قد يكلف بمعرفة ذلك من قبل الشرائع لأمر يخص تلك الصورة لا لأن الجهل به في حق الله منهي عنه وهذا القسم هو أحد القسمين اللذين في القسم الثامن فهذه عشرة أقسام في الجهل المتعلق بذات الله وصفاته العلى ومتعلقات

هامش أنوار البروق

تحصيل المصلحة ما شرع وتبعية المصلحة للأمر إنما معناها والمراد بها أنه لولا شرعية الأمر الباعث على فعل المأمور به ما حصلت فالمأمور به تابع للمصلحة وجوبا والمصلحة تابعة له وجودا ولا غرو أن يكون أحد الشيئين تابعا للثاني من وجه ويكون الثاني تابعا له من وجه آخر كالشجرة والثمرة الشجرة تابعة للثمرة أي لولا المقصد إلى تحصيل الثمرة ما زرعت الشجرة والثمرة تابعة للشجرة أي لولا زرع الشجرة ما حصلت الثمرة وعلى هذين التقريرين يبطل ما ادعاه من الدور ويصح ما قاله الأغبياء من أن الثواب هي المصلحة وهي تابعة وجود الفعل الواجب وفعل الواجب تابع وجوبا لتحصيل المصلحة والموجب لتوهمه الدور الممتنع إنما هو الغفلة عن تغاير جهتي التبعية وقد انزاح الإشكال والحمد لله ذي المن والإفضال

قال وأما الجهل بالله تعالى فهو عشرة أقسام أحدهما ما لم نؤمر بإزالته أصلا ولم نؤاخذ ببقائه

هامش إدرار الشروق

كذلك هو المكان الحرج في التحرير والفتوى فمن هنا استشكل بعض العلماء الفرق بين السجود للشجرة والسجود للوالد بأن الأول كيف يكون كفرا دون الثاني والساجد في الحالين يعتقد ما يجب لله تعالى وما يستحيل وما يجوز عليه وإنما أراد التشريك في السجود وهو يعتقد بذلك التقرب إلى الله تعالى في الحالين وقد قالت عبدة الأوثان ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى

والقاعدة أن الفرق بين الكفر والكبيرة مع اشتراكهما في المفسدة والنهي والتحريم إنما هو بعظم المفسدة وصغرها ولم يظهر عظمها هنا ولا يمكن أن يقال إن الأمر والنهي عن السجود كان مفسدة وإن أمر به كان مصلحة لأن هذا يلزم منه الدور لأن المفسدة حينئذ تكون تابعة للنهي مع أن النهي يتبع المفسدة فيكون كل واحد منهما تابعا لصاحبه فيلزم الدور بل الحق أن المفسدة يتبعها النهي والنهي يتبعه العقاب وما لا مفسدة فيه لا يكون منهيا عنه ولا معاقبا عليه واستقراء الشرائع يدل على النهي عما فيه

____________________

(4/267)

الصفات وبيان الكفر فيها من غيره والمجمع عليه منها من المختلف فيه مفصلا وتبين بذلك ما هو كفر منها مما ليس بكفر هذا ما يتعلق بالجهل وأما ما يتعلق بالجراءة على الله تعالى فهو المجال الصعب في التحرير وذلك أن الصغائر والكبائر وجميع المعاصي كلها جرأة على الله تعالى لأن مخالفة أمر الملك العظيم جراءة عليه كيف كان فتمييز ما هو كفر منها مبيح للدم موجب للخلود هذا هو المكان الحرج في التحرير والفتوى والتعرض إلى الحد الذي يمتاز به أعلى رتب الكبائر من أدنى رتب الكفر عسير جدا بل الطريق المحصل لذلك أن يكثر من حفظ فتاوى المتقدمين المقتدى بهم من العلماء في ذلك وينظر ما وقع له هل هو من جنس ما أفتوا فيه بالكفر أو من جنس ما أفتوا فيه بعدم الكفر فيلحقه بعد إمعان النظر وجودة الفكر بما هو من جنسه فإن أشكل عليه الأمر أو وقعت المشابهة بين أصلين مختلفين أو لم تكن له أهلية النظر في ذلك لقصوره وجب عليه التوفيق ولا يفتي بشيء فهذا هو الضابط لهذا الباب

أما عبارة مانعة جامعة لهذا المعنى فهي من المتعذرات عند من عرف غور هذا الموضع

هامش أنوار البروق

لأنه لازم لنا لا يمكن الانفكاك عنه وهو جلال الله تعالى وصفاته التي لم تدل عليها الصنعة ولم يقدر العبد على تحصيله بالنظر فعفا عنه لعجزنا عنه وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك وقول الصديق رضي الله تعالى عنه العجز عن درك الإدراك إدراك

قلت كلامه هذا يقتضي الجزم بأن هناك صفة زائدة على ما دلت عليه الصنعة لكنا لا نعلمها فإن كان يريد أنه لا نعلمها لا جملة ولا تفصيلا فقد تناقض كلامه إذ مساقه يقتضي الجزم بثبوتها على الجملة وإن كنا لا نعلمها على التفصيل وإن كان يريد أنا لا نعلمها على التفصيل وإن علمناها على الجملة فقوله ذلك دعوى لا دليل عليها وهذا المقام مما اختلف الناس فيه فمنهم من يقتضي كلامه أنه لا صفة وراء ما علمناه

هامش إدرار الشروق

مفسدة وعدم النهي عما لا مفسدة فيه

ألا ترى أن السرقة لما كان فيها ضياع المال نهى عنها وأن القتل لما كان فيه فوات الحياة نهى عنه وأن الزنا لما كان فيه اختلاط الأنساب نهى عنه وأن الخمر لما كان فيه ذهاب العقول نهى عنه وأن العصير لما كان لا يفسد العقل لم يكن منهيا عنه وأن الخمر إذا صار خلا انتفى عنه فساد العقل فذهب عنه النهي ويدل أيضا على أن المفاسد والمصالح سابقة على الأوامر والنواهي وأن الثواب والعقاب تابع للأوامر والنواهي فما فيه مفسدة ينهى عنه فإذا فعل حصل العقاب وما فيه مصلحة أمر به فإذا فعل حصل الثواب فالثواب والعقاب في الرتبة الثالثة والأمر والنهي في الرتبة الثانية والمفسدة والمصلحة في الرتبة الأولى فلو علل الأمر والنهي بالثواب والعقاب لزم تقدم الشيء على نفسه برتبتين فقول الأغبياء من الطلبة مصلحة هذا الأمر أنه يثاب عليه غلط

وحيث علمت ذلك فالطريق المحصل للحد الذي يمتاز به أعلى رتب الكبائر من أدنى رتب الكفر هو أن يكثر من حفظ فتاوى المتقدمين المقتدى بهم من العلماء في ذلك

____________________

(4/268)

سألة

اتفق الناس فيما علمت على تكفير إبليس بقضيته مع آدم عليه السلام وليس مدرك الكفر فيها الامتناع من السجود وإلا لكان كل من أمر بالسجود فامتنع منه كافرا وليس الأمر كذلك ولا كان كفره لكونه حسد آدم على منزلته عند الله تعالى وإلا لكان كل حاسد كافرا ولا كان كفره لعصيانه وفسوقه من حيث هو عصيان وفسوق وإلا كان كل عاص وفاسق كافرا وقد أشكل ذلك على جماعة من الفقهاء وينبغي أن تعلم أن إبليس إنما كفر بنسبة الله تعالى إلى الجور والتصرف الذي ليس بمرضي ظهر ذلك من فحوى قوله أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ومراد أن إلزام العظيم الجليل بالسجود للحقير من التصرف الرديء والجور والظلم فهذا وجه كفره وقد أجمع المسلمون على أن من نسب الله تعالى لذلك فقد كفر لأنه من الجرأة العظيمة

مسألة

أطلق المالكية وجماعة معهم الكفر على الساحر وأن السحر كفر ولا شك أن هذا قريب من حيث الجملة غير أنه عند الفتيا في جزئيات الوقائع يقع فيه الغلط العظيم المؤدي إلى هلاك المفتي والسبب في ذلك أنه إذا قيل للفقيه ما هو السحر وما حقيقته

هامش أنوار البروق

ومنهم من يقتضي كلامه أن هناك صفات لا نعلمها ومنهم من يقتضي كلامه الوقف في ذلك وهو الصحيح ويترتب على ذلك أن لا تكليف بإزالة هذا الجهل ولا مؤاخذة ببقائه كما قال والله تعالى أعلم ولا دليل له في قول النبي صلى الله عليه وسلم لاحتمال أن يريد لا أستطيع المداومة والاستمرار على الثناء عليك للقواطع عن ذلك كالنوم وشبهه ولا في كلام الصديق رضي الله تعالى عنه لاحتمال أن يريد العجز عن الاطلاع على جميع معلومات الله تعالى اطلاع على الفرق بين الرب والمربوب والمالك والمملوك والخالق والمخلوق وذلك هو صريح الإيمان وصحيح الإيقان والله تعالى أعلم

قال وقسم أجمع المسلمون على أنه كفر قال القاضي عياض في كتاب الشفاء انعقد الإجماع على تكفير من جحد أن الله تعالى عالم أو متكلم أو غير ذلك من صفاته الذاتية فإن جهل الصفة ولم ينفها كفره الطبري وغيره وقيل لا يكفر وإليه رجع الأشعري لأنه لم يصمم على اعتقاد ذلك

هامش إدرار الشروق

وينظر ما وقع له من النوازل هل هو من جنس ما أفتوا فيه بالكفر أو من جنس ما أفتوا فيه بعدم الكفر فيلحقه بعد إمعان النظر وجودة الفكر بما هو من جنسه فإن أشكل عليه الأمر أو وقعت المشابهة بين أصلين مختلفين أو لم تكن له أهلية النظر في ذلك لقصوره وجب عليه التوقف ولا يفتي بشيء فهذا هو الضابط لهذا الباب

ويوضحه ثلاث مسائل

المسألة الأولى أن السجود للشجرة إنما اقتضى الكفر دون السجود للوالد لأن فيه من المفسدة التي نعلمها ما يقتضي الكفر دون السجود للوالد إذ الشجرة ليست من المقصود بالتعظيم شرعا وقد عبدت مدة بخلاف الوالد فإنه من المقصود بالتعظيم شرعا ولم يعبد مدة وقد أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم فسجدوا له ولم يكن قبلة على أحد القولين بل هو المقصود بالتعظيم بذلك السجود ولم يقل أحد إن الله تعالى أمر هنالك بما نهى عنه من الكفر ولا أنه أباح الكفر لأجل آدم ولا أن في السجود لآدم مفسدة تقتضي كفرا لو فعل من أمر غير ربه فافهم

المسألة الثانية قال الأصل اتفق الناس فيما علمت على تكفير إبليس بقضيته مع آدم عليه السلام

____________________

(4/269)

حتى يقضى بوجوده على كفر فاعليه يعسر عليه ذلك جدا فإنك إذا قلت له السحر والرقى والخواص والسيميا والهيميا وقوى النفوس شيء واحد وكلها سحر أو بعض هذه الأمور سحر وبعضها ليس بسحر فإن قال الكل سحر يلزمه أن سورة الفاتحة سحر لأنها رقية إجماعا وإن قال بل لكل واحدة من هذه خاصية يختص بها فيقال بين لنا خصوص كل واحد منها وما به تمتاز وهذا لا يكاد يعرفه أحد من المتعرضين للفتيا وأنا طول عمري ما رأيت من يفرق بين هذه الأمور فكيف يفتي أحد بعد هذا بكفر شخص معين أو بمباشرة شيء معين بناء على أن ذلك سحر وهو لا يعرف السحر ما هو ولقد وجد في بعض المدارس بعض الطلبة عنده كراسة فيها آيات للمحبة والبغضة والتهييج والنزيف وغير ذلك من الأمور التي تسميها المغاربة علم المخلاة فأفتوا بكفره وإخراجه من المدرسة بناء على أن الأمور سحر وأن السحر كفر وهذا جهل عظيم وإقدام على شريعة الله بجهل وعلى عباده بالفساد من غير علم فاحذر هذه الخطة الردية المهلكة عند الله وستقف في الفرق الذي بعد هذا على الصواب في ذلك إن شاء الله تعالى

هامش أنوار البروق

ويعضده حديث القائل لئن قدر الله علي ليعذبني الحديث

وحديث السوداء لما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أين الله فقالت في السماء قال ولو كوشف أكثر الناس على الصفات لم يعلمها قال شهاب الدين قلت فنفي الصفات والجزم بنفيها هو المجمع عليه وليس معناه نفي العلم أو الكلام أو الإرادة ونحو ذلك بل العالم والمتكلم والمريد فمن نفى أصل المعنى وحكمه هو المجمع على كفره وهذا هو مذهب كثير من الفلاسفة والدهرية دون أرباب الشرائع قلت أكثر ذلك كله نقل لا كلام فيه إلا الاستدلال بالحديث فإنه موضع لا يكفي في مثله الظواهر مع تعين التأويل في

هامش إدرار الشروق

وليس مدرك الكفر فيها الامتناع من السجود وإلا لكان كل من أمر بالسجود فامتنع منه كافرا وليس الأمر كذلك ولا كان كفره لكونه حسد آدم على منزلته عند الله تعالى وإلا لكان كل حاسد كافرا وليس كذلك ولا كان كفره لعصيانه وفسوقه من حيث هو عصيان وفسوق وإلا لكان كل عاص وفاسق كافرا وليس كذلك

وقد أشكل ذلك على جماعة من الفقهاء بل ينبغي أن تعلم أن مدرك كفره فيها إنما هو بنسبة الله تعالى إلى الجور والتصرف الذي ليس بمرضي كما ظهر ذلك من فحوى قوله أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ومراده أن إلزام العظيم الجليل بالسجود للحقير من التصرف الرديء والجور والظلم وقد أجمع المسلمون على أن من نسب الله تعالى لذلك فقد كفر لأنه من الجرأة العظيمة

المسألة الثالثة قال الأصل أطلق المالكية وجماعة معهم الكفر على الساحر وأن السحر كفر ولا

____________________

(4/270)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

الحديثين من جهة أن حديث لئن قدر الله علي ظاهره ينفي أن الله تعالى قادر واحتمال أن يكون تارة قادرا وتارة غير قادر وليس ظاهره نفي أنه قادر بقدرة وكذلك حديث السوداء ظاهره أن الله تعالى مستقر في السماء استقرار الأجسام وهذا وإن كان غير مجمع على أنه كفر فإنه باطل قطعا لقيام الدليل على ذلك وقد أقرها النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ولا يجوز أن يقر على باطل قطعا فتعين التأويل هنا لأن إقرار النبي صلى الله عليه وسلم على الباطل لا يجوز والله تعالى أعلم

قال شهاب الدين القسم الثالث ما اختلف في التكفير به وهو من أثبت الأحكام دون الصفات إلى آخره قلت ما قاله في ذلك صحيح وهو نقل لا كلام فيه وما قاله في القسم الرابع صحيح غير ما في قول باق بغير بقاء من إيهام التناقض ومراد من عبر بهذه العبارة ليس ظاهرها بل مراده أن البقاء ليس بصفة ثبوتية وما قاله في القسم الخامس صحيح قال القسم السادس جهل يتعلق بالذات لا بصفة من الصفات مع الاعتراف بوجودها كالجهل بسلب الجسمية والجهة والمكان وهو مذهب الحشوية ومذهب أهل الحق استحالة جميع ذلك على الله تعالى وفي تكفير الحشوية بذلك قولان والصحيح عدم تكفيرهم قلت كان الأولى أن يقول جهل بالصفات السلبية لا جهل يتعلق بالذات ولا يحتاج إلى قوله مع الاعتراف بوجودها فإنه في كلامه كالمتناقض مع أن الحشوية ليس مذهبهم الجهل بسلب الجسمية بل مذهبهم إثبات الجسمية وما في معناها إلا أن يطلق على كل مذهب باطل أنه جهل فذلك له وجه

هامش إدرار الشروق

شك أن هذا قريب من حيث الجملة غير أنه عند الفتيا في جزئيات الوقائع يقع فيه الغلط العظيم المؤدي إلى هلاك المفتي والسبب في ذلك أنه إذا قيل للفقيه ما هو السحر وما حقيقته حتى يقضى بوجوده على كفر فاعليه يعسر عليه ذلك جدا فإنك إذا قلت له السحر والرقى والخواص والسيميا والهيميا وقوى النفوس شيء واحد وكلها سحر أو بعض هذه الأمور سحر وبعضها ليس بسحر فإن قال الكل سحر يلزمه أن سورة الفاتحة سحر لأنها رقية إجماعا وإن قال بل لكل واحدة من هذه خاصية تختص بها فيقال بين لنا خصوص كل واحدة منها وما به تمتاز وهذا لا يكاد يعرفه أحد من المعترضين للفتيا وأنا طول عمري ما رأيت من يفرق بين هذه الأمور فكيف يفتي أحد بعد هذا بكفر شخص معين أو بمباشرة شيء معين بناء على أن ذلك سحر وهو لا يعرف السحر ما هو ولقد وجد في بعض المدارس عند بعض الطلبة كراسة فيها آيات للمحبة والبغض والتهيج والنزيف وغير ذلك من هذه الأمور التي تسميها المغاربة علم المخلات فأفتوا بكفره وإخراجه من المدرسة بناء على أن هذه الأمور سحر وأن السحر كفر وهذا جهل عظيم وإقدام على شريعة الله بجهل وعلى عباده بالفساد من غير علم فاحذر هذه الخطة الرديئة المهلكة عند الله وستقف في الفرق الذي بعد هذا على الصواب في ذلك إن شاء الله تعالى

ا ه كلام الأصل وذهب الإمام أبو القاسم بن الشاط إلى عدم صحة قوله بالتباس الكفر بالكبائر قال فإن قوله أن النهي يعتمد المفاسد إن أراد المفاسد بمقتضى الشرع فلا شك أن الكفر أعظم المفاسد وما عداه من المعاصي تتفاوت رتبته على أنه كيف يلتبس بها والكفر أمر اعتقادي والكبائر أعمال

____________________

(4/271)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

قال وأما سلب البنوة والأبوة والحلول والاتحاد ونحو ذلك مما هو مستحيل على الله تعالى فأجمع المسلمون على تكفير من يجوز ذلك على الله تعالى بخلاف تجويز غيره من المستحيلات كالجهة ونحوها مما تقدم ذكره والفرق بين القسمين أن القسم الأول الذي هو الجسمية ونحوها فيه عذر عادي فإن الإنسان ينشأ عمره كله وهو لا يدرك موجودا إلا في جهة وهو جسم أو قائم بجسم فكان عذرا عند بعض العلماء ولم يضطر الإنسان في مجاري العادات إلى البنوة والأبوة والحلول والاتحاد ونحوها فكم من موجود في العالم لم يلد ولم يولد كالأملاك والأفلاك والأرض والجبال والبحار فلما انتفت الشبهة الموجبة للضلال انتفى العذر فانعقد الإجماع على التكفير فهذا هو الفرق وعليه تدور الفتاوى فمن جوز على الله تعالى ما هو مستحيل عليه يتخرج على هذين القسمين قلت ما قاله في ذلك نقل وتوجيه وهو الصحيح

قال شهاب الدين القسم السابع الجهل بقدم الصفات لا بوجودها وتعلقها كقول الكرامية بحدوث الإرادة ونحوها وفي التكفير بذلك أيضا قولان الصحيح عدم التكفير قلت ما قاله نقل وترجيح لا كلام فيه وما قاله في القسم الثامن صحيح أيضا لكن فيه إطلاق لفظ الجهل على المذهب الباطل فإن الفلاسفة مذهبهم الجزم بأن لا بعثة للأجسام وما قاله في القسم التاسع نقل وترجيح قال القسم العاشر ما وقع من متعلقات الصفات الربانية أو يقع ما لم يكلف به كخلق حيوان

هامش إدرار الشروق

وليست باعتقاد سواء كانت أعمال قلبية أو بدنية قال وليس الكفر انتهاك حرمة الربوبية إذ لا يصدر عادة ممن يدين بالربوبية بل يتعذر عادة مع العلم بالله تعالى وإنما يكون مع الجهل به تعالى فالكفر إما الجهل بوجود الصانع أو صفاته خاصة عند من لا يصحح الكفر وإما الجهل بالله تعالى أو جحده عند من يصحح الكفر عنادا قال ولا نسلم أن مجرد رمي المصحف في القاذورات كفر بل رميه فيها إن كان مع الجهل فالكفر هو الجهل لا عين رميه وإن كان مع العلم بالله تعالى فإن كان مع التكذيب به هو كفر وإن لم يكن معه فهو معصية غير كفر

ولا أن مجرد السجود للصنم كفر بل إن كان مع اعتقاد كونه إلها فهو كفر وإلا فلا بل يكون معصية إن كان لغير إكراه وجائزا إن كان للإكراه ولا أن مجرد التردد إلى الكنائس في أعيادهم بزي النصارى ومباشرة أحوالهم كفر بل ليس هو بكفر إلا أن يعتقد معتقدهم قال وجحد المجمع عليه المعلوم من الدين بالضرورة كفر إن كان جحد بعد علمه فيكون تكذيبا وإلا فهو جهل وذلك الجهل معصية لأنه مطلوب بإزالة مثل هذا الجهل على وجه الوجوب وحينئذ فلا يكفي الاقتصار على اشتراط شهرة ذلك الأمر من الدين بل لا بد مع اشتهار ذلك من وصول ذلك إلى هذا الشخص وعلمه به فيكون إذ ذاك مكذبا لله تعالى ولرسوله فيكون بذلك كافرا أما إذا لم يعلم ذلك الأمر وكان من معالم الدين المشتهرة فهو عاص بترك التسبب إلى علمه ليس بكافر بذلك وما يفيده كلام الشهاب من نقص شرط علم الشخص بذلك الأمر المشتهر ليس بصحيح قال ولا نسلم أن الكبائر والصغائر انتهاك لحرمة الله تعالى وإنما هي جرأة على مخالفة تحمل عليها الأغراض والشهوات

قال وبناء الشخص الكنائس ليكفر فيها إن كان الاعتقاد رجحان الكفر على الإسلام فهو كفر لا شك فيه وإن كان لكافر إرادة التقرب إليه والتودد له بذلك فهو معصية لا كفر وقتل الشخص نبيا مع

____________________

(4/272)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

في العالم أو إجراء نهر أو إماتة حيوان ونحو ذلك فهذا القسم لا خلاف أنه ليس بمعصية وهو جهل قلت إن أراد الجهل بأن الله تعالى خلق شيئا من الحيوانات الموجودات المعلوم وجودها فذلك كفر لا شك فيه وإن أراد الجهل بأن الله تعالى خلق حيوانا لا يعلم وجوده فذلك ليس بكفر ولا معصية لأن ذلك الجهل ليس براجع إلى الجهل بتعلق صفات الله تعالى به بل بوجود هذا المتعلق

قال بل قد يكلف بمعرفة ذلك من قبل الشرائع لأمر يخص تلك الصورة لا لأن الجهل به في حق الله تعالى منهي عنه قلت إن أراد مثل السحر الذي يكفر به فذلك وإلا فلا أدري ما أراد

قال وهذا القسم الثاني هو أحد القسمين اللذين في القسم الثامن فهذه عشرة أقسام من الجهل المتعلق بذات الله تعالى وصفاته العلى ومتعلقات الصفات وبيان الكفر فيها من غيره والمجمع عليه منها من المختلف فيه مفصلا وتبين بذلك ما هو كفر منها مما ليس بكفر قلت فيما قاله إن أراد حصر الكفر في ذلك نظر

قال هذا ما يتعلق بالجهل وأما ما يتعلق بالجراءة على الله تعالى فهو المجال الصعب في التحرير وذلك أن الصغائر والكبائر وجميع المعاصي كلها جراءة على الله تعالى لأن مخالفة أمر الملك العظيم جراءة عليه كيف كان فتمييز ما هو كفر منها مبيح للدم موجب للخلود هذا هو المكان الحرج في التحرير والفتوى والتعرض إلى الحدود الذي يمتاز به أعلى رتب الكبائر من أدنى رتب الكفر عسير جدا بل الطريق المحصل لذلك أن يكثر من حفظ

هامش إدرار الشروق

اعتقاده صحة رسالته ليميت شريعته لا يتأتى فرض كونه كفرا إلا على قول من يجوز الكفر عنادا وإشارة الشخص على من أتى ليسلم على يديه بتأخير الإسلام لا تكون كفرا إلا إن كانت لاعتقاده رجحان الكفر أما إن كانت لكونه لا يريد لهذا الشخص الإسلام لحقد له عليه أو نحو ذلك مما لا يستلزم أن يعتقد المشير رجحان الكفر فلا تكون كفرا قال ويوافق قولنا في مسألة الإشارة بتأخير الإسلام من أنها ليست بكفر من أنه جهة لم يشر بذلك عليه إلا لقصد إثباته لا لاعتقاده رجحان الكفر قول شهاب الدين ولا يندرج في إرادة الكفر الدعاء بسوء الخاتمة على من تعاديه وإن كان فيه إرادة الكفر لأنه ليس مقصودا فيه انتهاك حرمة الله تعالى بل إذاية المدعو عليه

وقوله وليس منه أيضا اختيار الإمام عقد الجزية على الأسارى الموجب لاستمرار الكفر في قلوبهم على القتل إلى قوله وقع بالعرض فإن معناه أن استبقاء الأسارى وضرب الجزية عليهم لا يتعين أنه إيثار لاستمرار الكفر وإذا لم يتعين أن يكون لذلك لم يكن كفرا وأما ما قاله من أنه مشروع مأمور به عند تعين مقتضيه فنقول كذلك يكون لو تعين المقتضي ومتى يتعين عندنا ونحن لا نعلم ما عاقبة أمر الأسير

قال وكل واحد من الساجد للشجرة والساجد للوالد إن سجد مع اعتقاد أن المسجود له شريك لله تعالى فهو كفر وإن سجد لا مع ذلك الاعتقاد بل تعظيما عاريا عن ذلك الاعتقاد فهو معصية لا كفر وإن سجد الساجد للشجرة مع اعتقاد أنه شريك لله تعالى وسجد الساجد للوالد لا مع ذلك الاعتقاد بل تعظيما فالأول كفر والثاني معصية غير كفر أو كان الأمر بالعكس فبالعكس

وأما إذا قلنا إن مجرد السجود للشجرة كفر لأنها عبدت مدة ومجرد السجود للوالد ليس بكفر لأنه لم

____________________

(4/273)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

فتاوى المقتدى بهم من العلماء في ذلك وينظر ما وقع له هل هو من جنس ما أفتوا فيه بالكفر أو من جنس ما أفتوا فيه بعدم الكفر فيلحقه بعد إمعان النظر وجودة الفكر بما هو من جنسه فإن أشكل عليه الأمر أو وقعت المشابهة بين أصلين مختلفين أو لم يكن له أهلية النظر في ذلك لقصوره وجب عليه التوقف ولا يفتي بشيء فهذا هو الضابط لهذا الباب

أما عبارة جامعة لهذا المعنى فهي من المتعذرات عند من عرف غور هذا الموضع قلت ليس ما قاله في ذلك بصحيح فإن التكفير لا يصح إلا بقاطع سمعي وما ذكره ليس كذلك فلا معول عليه ولا مستند فيه والله تعالى أعلم

قال مسألة اتفق الناس فيما علمت على تكفير إبليس بقضيته مع آدم عليه السلام وليس مدرك الكفر فيها الامتناع من السجود وإلا لكان كل من أمر بالسجود فامتنع منه كافرا ولا بحسده لآدم لمنزلته عند الله تعالى وإلا لكان كل حاسد كافرا ولا كان كفره لعصيانه وفسوقه من حيث هو عصيان وفسوق وإلا لكان كل عاص وفاسق كافرا

قلت ما قاله من لزوم الكفر لكل ممتنع من السجود ولكل حاسد ولكل عاص ليس بصحيح لأنه لا يمتنع في العقل أن يجعل الله تعالى حسدا ما وامتناعا ما وعصيانا ما دون سائر ما هو من جنسه كفرا إذ كون أمر ما كفرا أو غير كفر أمر وضعي وضعه الشارع لذلك فلا مانع من أن يكون كفره لامتناعه أو لحسده

هامش إدرار الشروق

يعبد مدة قال ذلك يفتقر إلى توقيف قال ومعنى تبعية الأمر بالمأمور به الواجب مثلا لمصلحته والمراد بها أنه لولا القصد إلى حصول المصلحة ما شرع ومعنى تبعية المصلحة للأوامر والمراد بها أنه لولا شرعية الأمر الباعث على فعل المأمور به ما حصلت فالمأمور به تابع للمصلحة وجوبا والمصلحة تابعة له وجودا وحينئذ فلا غرو أن يكون أحد الشيئين تابعا للآخر من وجه ويكون الآخر تابعا له من وجه آخر كما أن الشجرة تابعة للثمرة وجوبا أي لولا القصد إلى تحصيل الثمرة ما زرعت الشجرة والثمرة تابعة للشجرة وجودا أي لولا زرع الشجرة ما حصلت الثمرة فصح ما قاله الأغبياء من الطلبة من أن الثواب هي المصلحة وهي تابعة وجود الفعل الواجب وفعل الواجب تابع وجوبا بالتحيل المصلحة وبطل ما ادعاه الشهاب من الدور الممتنع وإنما الموجب لتوهمه هو الغفلة عن تغاير جهتي التبعية فانزاح الإشكال والحمد لله ذي المن والأفضال قال وكلام الشهاب في القسم الأول من أقسام الجهل العشرة يقتضي الجزم بأن هناك صفة زائدة على ما دلت عليه الصنعة لكننا لا نعلمها فإن أراد أنا لا نعلمها لا جملة ولا تفصيلا فقد تناقض كلامه فإن مساق كلامه يقتضي الجزم بثبوتها على الجملة وإن كنا لا نعلمها على التفصيل وإن أراد أنا لا نعلمها على التفصيل وإن علمناها على الجملة كان قوله ذلك دعوى لا دليل عليها وقوله عليه السلام لا أحصي إلخ يحتمل أن يريد لا أستطيع المداومة والاستمرار على الثناء عليك للقواطع عن ذلك بكالنوم وشبهه قول الصديق العجز إلخ يحتمل أن يريد أن العجز عن الاطلاع على

____________________

(4/274)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

قال وقد أشكل ذلك على جماعة من الفقهاء وينبغي أن يعلم أن إبليس إنما كفر بنسبة الله تعالى إلى الجور والتصرف الذي ليس بمرضي ظهر ذلك من فحوى قوله أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ومراده أن إلزام العظيم الجليل بالسجود للحقير من التصرف الرديء والجور والظلم قلت ما قاله في ذلك محتمل وهو الظاهر مع احتمال أن يكون كفره لامتناعه أو لحسده أو لهما مع ذكره من التجوير أو التجوير خاصة فلا مانع من عقل ولا نقل من ذلك

قال فهذا

هامش إدرار الشروق

جميع معلومات الله تعالى اطلاع على الفرق بين الرب والمربوب والمالك والمملوك والخالق والمخلوق وذلك هو صريح الإيمان وصحيح الإيقان

قال وهذا المقام مما اختلف الناس فيه فمنهم من يقتضي كلامه أنه لا صفة وراء ما علمناه ومنهم من يقتضي كلامه أن هناك صفات لا نعلمها ومنهم من يقتضي كلامه الوقف في ذلك وهو الصحيح ويترتب على ذلك أنه لا تكليف بإزالة هذا الجهل ولا مؤاخذة ببقائه كما قال الشهاب قال وفي الاستدلال بالحديثين على ما نقله في القسم الثاني عن شفاء عياض نظر فإنه موضع قطع لا يكفي في مثله الظواهر مع تعين التأويل في الحديثين من جهة أن ظاهر حديث لئن قدر الله علي ليعذبني بنفي أن الله تعالى قادر ويحتمل أن يكون الله تعالى تارة قادرا أو تارة غير قادر وليس ظاهره نفي أنه قادر بقدرة وكذلك ظاهر حديث السوداء أن الله تعالى مستقر في السماء استقرار الأجسام وهذا وإن كان غير مجمع على أنه كفر إلا أنه باطل قطعا لقيام الدليل على ذلك وقد أقرها النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فتعين التأويل هنا لأن إقرار النبي صلى الله عليه وسلم على الباطل لا يجوز قال وما قاله في القسم الثالث صحيح وكذا ما قاله في القسم الرابع غير أن قوله باق بغير بقاء لم يرد من عبر به ظاهره لما فيه من التناقض بل مراده أن البقاء ليس بصفة ثبوتية وما قاله في القسم الخامس صحيح وكذا ما قاله في السادس إلا أنه كان الأولى له إبدال قوله جهل يتعلق بالذات بقوله جهل بالصفات السلبية وأن يحذف قوله مع الاعتراف بوجودها فإنه في كلامه كالمتناقض مع أن الجهل بسلب الجسمية ليس مذهب الحشوية بل مذهبهم إثبات الجسمية وما في معناها إلا أن يطلق على كل مذهب باطل أنه جهل فذلك له وجه وما قاله في القسم السابع صحيح وكذا ما قاله في الثامن

لكن إطلاق لفظ الجهل على المذهب الباطل لا على خصوص مذهب الفلاسفة وإلا فمذهبهم الجزم بأن لا بعثة للأجسام والجهل في التاسع إن أراد به الجهل بأن الله تعالى خلق شيئا من الحيوانات الموجودات المعلوم وجودها فذلك كفر لا شك فيه وإن أراد به الجهل بأن الله تعالى خلق حيوانا لا يعلم وجوده فذلك ليس بكفر ولا معصية لأن ذلك ليس براجع إلى الجهل لتعلق صفات الله تعالى به بل بوجود هذا المتعلق وبعض الصور التي قد يكلف الشرع بمعرفتها من ذلك لأمر يخصها إن أراد بها مثل السحر الذي يكفر به فذلك وإلا فلا أدري ما أراد وما قاله في العاشر نقل وترجيح وما قاله فيما يتعلق بالجرأة على الله تعالى

____________________

(4/275)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

وجه كفره وقد أجمع المسلمون على أن من نسب الله تعالى لذلك فقد كفر لأنه من الجرأة العظيمة قلت ما قاله من الإجماع صحيح وما قاله من أن ذلك من الجرأة العظيمة ليس بصحيح بل إنما كان ذلك لأنه من الجهل العظيم بجلال الله تعالى وبأنه منزه من التصرف الرديء والجور والظلم وأن ذلك ممتنع في حقه عقلا وسمعا وما قاله في المسألة صحيح إن كان ما بنى عليه كلاما صحيحا

هامش إدرار الشروق

ليس بصحيح فإن التكفير لا يصح إلا بقاطع سمعي وما ذكره ليس كذلك فلا معول عليه ولا مستند فيه فما قاله في المسألة الأولى جوابا عما استشكله بعض العلماء من الفرق بين كون السجود للشجرة كفرا والسجود للوالد ليس بكفر قد تقدم أنه يفتقر إلى توقيف وتقدم ما يدفع الإشكال فلا تغفل وما قاله في المسألة الثانية من لزوم الكفر لكل ممتنع من السجود ولكل حاسد ولكل عاص ليس بصحيح لأنه لا يمنع في العقل أن يجعل الله تعالى حسدا ما وامتناعا وعصيانا ما دون سائر ما هو من جنسه كفرا إذ كون أمر ما كفرا أو غير كفر أمر وضعي وضعه الشارع لذلك فلا مانع من أن يكون كفره لامتناعه أو لحسده وما قاله في مدرك كفر إبليس في قضيته مع آدم هو الظاهر مع احتمال أن يكون كفره لامتناعه أو لحسده أو لهما أو مع ما ذكره من التجوير أو للتجوير خاصة إذ لا مانع من عقل ولا نقل من ذلك وما قاله من الإجماع صحيح لكن لا بما علله به بقوله لأنه من الجرأة العظيمة فإنه ليس بصحيح بل إنما كان ذلك لأنه من الجهل العظيم بجلال الله تعالى وأنه منزه عن التصرف الرديء والجور والظلم وأن ذلك ممتنع في حقه عقلا وسمعا وما قاله في المسألة الثالثة صحيح إن كان ما بنى عليه كلامه صحيحا والله أعلم

ا ه كلامه ملخصا

قلت ومراده بما بنى عليه كلامه قوله فإن قال الكل سحر يلزمه أن سورة الفاتحة سحر وقد علمت مما مر عنه أن هذا اللزوم ونحوه ليس بصحيح إذ لا يمتنع عقلا جعل نوع من الرقى سحرا دون ما عداه بل سيصرح الأصل بالفرق الذي بعد هذا بذلك فافهم والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(4/276)

الفرق الثاني والأربعون والمائتان بين قاعدة ما هو سحر يكفر به وبين قاعدة ما ليس كذلك واعلم أن السحر يلتبس بالهيمياء والسيمياء والطلسمات والأوفاق والخواص المنسوبة للحقائق والخواص المنسوبة للنفوس والرقى والعزائم والاستخدامات فهذه عشر حقائق

الحقيقة الأولى السحر وقد ورد الكتاب العزيز بذمه لقوله تعالى ولا يفلح الساحر حيث أتى وفي السنة أيضا لما عد عليه السلام الكبائر قال والسحر غير أن الكتب الموضوعة في السحر وضع فيها هذا الاسم على ما هو كذلك كفر ومحرم وعلى ما ليس كذلك وكذلك السحرة يطلقون لفظ السحر على القسمين فلا بد من التعرض لبيان ذلك فنقول السحر اسم جنس لثلاثة أنواع

النوع الأول السيمياء وهو عبارة عما يركب من خواص أرضية كدهن خاص أو مائعات خاصة أو كلمات خاصة

هامش أنوار البروق

قال الفرق الثاني والأربعون والمائتان بين قاعدة ما هو سحر يكفر به وبين قاعدة ما ليس كذلك إلى منتهى قوله فهذه أنواع السحر الثلاثة قلت ذلك نقل لا كلام فيه إلا أن السحر على الجملة منه ما هو خارق للعوائد ومنه غير ذلك وجميعه من جملة أفعال الله تعالى الجائزة عقلا فلا غرو أن ينتهي إلى الإحياء والإماتة وغير ذلك اللهم إلا أن يكون هنالك مانع سمعي من وقوع بعض تلك الجائزات وقد سبقت له حكاية إجماع الأمة على أنه لا يصل إلى إحياء الموتى وإبراء الأكمه وفلق البحر وإنطاق البهائم وهذا الإجماع الذي حكاه لا يصح أن يكون مستنده إلا التوقيف ولا أعرف الآن صحة ذلك الإجماع ولا التوقيف الذي استند إليه ذلك الإجماع

هامش إدرار الشروق

@ 277 الفرق الثاني والأربعون والمائتان بين قاعدة ما هو سحر يكفر به وبين ما هو قاعدة ما ليس كذلك وهو أن أنواع السحر أربعة الأول السيمياء وهو عبارة عما يركب من خواص أرضية كدهن خاص أو مائعات خاصة أو كلمات خاصة توجب تخيلات خاصة وإدراك الحواس الخمس أو بعضها لحقائق خاصة من المأكولات والمشمومات والمبصرات والملموسات والمسموعات وقد يكون لذلك وجود حقيقي بخلق الله تعالى تلك الأعيان عند تلك المحاولات وقد لا تكون له حقيقة بل تخيل صرف وقد يستولي ذلك على الأوهام حتى يتخيل الوهم مضي السنين المتداولة في الزمن اليسير وتكرر الفصول وتخيل السن وحدوث الأولاد وانقضاء الأعمار في الوقت المتقارب من الساعة ونحوها

____________________

(4/277)

توجب تخيلات خاصة وإدراك الحواس الخمس أو بعضا لحقائق من المأكولات والمشمومات والمبصرات والملموسات والمسموعات وقد يكون لذلك وجود حقيقي يخلق الله تلك الأعيان عند تلك المحاولات وقد لا تكون له حقيقة بل تخيل صرف وقد يستولي ذلك على الأوهام حتى يتخيل الوهم مضي السنين المتطاولة في الزمن اليسير وتكرر الفصول وتخيل السن وحدوث الأولاد وانقضاء الأعمار في الوقت المتقارب من الساعة ونحوها ويسلب الفكر الصحيح بالكلية ويصير أحوال الإنسان مع تلك المحاولات كحالات النائم من غير فرق ويختص ذلك كله بمن عمل له ومن لم يعمل له لا يجد شيئا من ذلك

النوع الثاني الهيمياء وامتيازها عن السيمياء أن ما تقدم يضاف للآثار السماوية من الاتصالات الفلكية وغيرها من أحوال الأفلاك فيحدث جميع ما تقدم ذكره فخصصوا هذا النوع لهذا الاسم تمييزا بين الحقائق

النوع الثالث بعض خواص الحقائق من الحيوانات وغيرها كما تؤخذ سبع من الحجارة فيرجم بها نوع من الكلاب شأنه إذا

هامش أنوار البروق

قال ثم هذه الأنواع قد تقع بلفظ هو كفر أو اعتقاد هو كفر أو فعل هو كفر إلى آخره قلت ما قاله صحيح والله تعالى أعلم قال الحقيقة الخامسة الطلمسات وحقيقتها نقش أسماء خاصة لها تعلق بالأفلاك والكواكب على زعم أهل هذا العلم في أجسام من المعادن أو غيرها تحدث لها آثار خاصة ربطت بها في مجاري العادات فلا بد في الطلسم من هذه الثلاثة الأسماء المخصوصة وتعلقها ببعض أجزاء الفلك وجعلها في جسم من الأجسام ولا بد من ذلك من قوة نفس صالحة لهذه الأعمال فليس كل النفوس مجبولة على ذلك

قلت ذكر أوصاف الطلسمات ورسمها ولم يذكر حكمها وهي ممنوعة شرعا ثم من اعتقد لها فعلا وتأثيرا فذلك كفر وإلا فعلمها معصية غير كفر إما مطلقا وإما ما يؤدي منها إلى مضرة دون ما يؤدي إلى منفعة والله تعالى أعلم

هامش إدرار الشروق

ويسلب الفكر الصحيح بالكلية وتصير أحوال الإنسان مع تلك المحاولات كحالات النائم من غير فرق ويختص ذلك كله بمن عمل له وأما من لم يعمل له فلا يجد شيئا من ذلك

قال سيدي عبد الله العلوي في شرح رشد الغافل وهذا تخييل لا حقيقة له بخلاف ما يقع لبعض الأولياء فإن له حقيقة خرقا للعادة فقد خرج بعضهم لصلاة الجمعة وارتفع لأرض أخرى سكن بها وتزوج وحصلت له عدة أولاد في عدة بطون من امرأة واحدة ثم قدر له الرجوع إلى ذلك البلد فوجدهم ينتظرونه في تلك الجمعة بعينها وقد قرأ بعضهم عشر ختمات في شوط واحد من الطواف قراءة مرتلة والطائف يسمع ذلك والشوط الواحد قدر ما يقرأ فيه ثمن حزب من القرآن وذلك كثير جدا فإن الله تعالى قد يطول الزمان لبعض الناس دون بعض ا ه بلفظه

النوع الثاني الهيمياء وهي عبارة عما تقدم مضافا للآثار السماوية من الاتصالات الفلكية وغيرها من أحوال الأفلاك

____________________

(4/278)

رمى بحجر عضه وبعض الكلاب لا يعضه فالنوع الأول إذا رمي بهذه السبعة الأحجار فيعضها كلها لقطت بعد ذلك وطرحت في ماء فمن شرب منه ظهرت فيه آثار عجيبة خاصة نص عليها السحرة ونحو هذا النوع من الخواص المغيرة لأحوال النفوس وأما خواص الحقائق المختصة بانفعالات الأمزجة صحة أو سقما نحو الأدوية والأغذية من الجماد والنبات والحيوان المسطورة في كتب الأطباء والعشابين والطبائعيين فليس من هذا النوع بل هذا من علم الطب لا من علم السحر ويختص بالسحر ما كان سلطانه على النفوس خاصة

قال الطرطوشي في تعليقه وقع في الموازية أن من قطع أذنا ثم ألصقها أو أدخل السكاكين في بطنه فقد يكون هذا سحرا وقد لا يكون سحرا اختلف الأصوليون فقال بعضهم لا يكون السحر إلا رقى أجرى الله تعالى عادته أن يخلق عندها افتراق المتحابين وقال الأستاذ أبو إسحاق وقد يقع به التغيير والضنى وربما أتلف وأوجب

هامش أنوار البروق

قال الحقيقة السادسة الأوفاق وهي ترجع إلى مناسبات الأعداد وجعلها على شكل مخصوص إلى آخر ما قاله فيها قلت ما قاله فيها صحيح مع أنه تسامح في قوله أنها ترجع إلى مناسبات الأعداد فإنها ليست كذلك بل هي راجعة إلى المساواة بحسب جمع ما في كل سطر من بيوت مربعاتها وجميع ما في البيوت الواقعة على القطر قال الحقيقة السابعة الخواص المنسوبة إلى الحقائق إلى آخر ما قال في هذه الحقيقة قلت ما قاله فيها صحيح إلا ما قاله من تعيين الآثار التي ذكرها ونسبه إلى بعض الأحجار فذلك شيء سمعناه ولا نعلم صحته من سقمه قال الحقيقة الثامنة خواص النفوس وهو نوع خاص من الخواص المودعة في العالم فطبيعة الحيوانات طبائع مختلفة حتى لا تكاد تتفق إلى آخر ما قاله في هذه الحقيقة

هامش إدرار الشروق

فيحدث جميع ما تقدم ذكره فخصصوا هذا النوع بهذا الاسم تمييزا بين الحقائق

النوع الثالث بعض خواص الحقائق أي الذوات من الحيوانات والنباتات وغيرهما المغيرة لأحوال النفوس كأخذ سبعة أحجار فيرجم بها نوع من الكلاب الذي من شأنه أن يعض ما يرمى به من الأحجار فإذا عضها كلها لقطت وطرحت في ماء فمن شرب منه ظهرت فيه آثار عجيبة خاصة نص عليها السحرة وكجمع مشط بتثليث الميم ومشاطة بضم الميم وتخفيف الشين أي ما سقط من الشعر أو الكتان عند المشط ووعاء طلع الذكر من النخل أو نحو ذلك من العقاقير وجعلها في الأنهار والآبار أو زير الماء أو في قبور الموتى أو في باب يفتح إلى المشرق أو غير ذلك من البقاع ويعتقدون أن الآثار تحدث عند تلك الأمور بخواص نفوسهم التي طبعها الله تعالى على الربط بينهما وبين الآثار عند صدق العزم

النوع الرابع ما يحدث ضررا مما ليس بمشروع من نحو رقى الجاهلية

____________________

(4/279)

الحب والبغض والبله وفيه أدوية مثل المرائر والأكباد والأدمغة فهذا الذي يجوز عادة

وأما طلوع الزرع في الحال أو نقل الأمتعة والقتل على الفور والعمى والصمم ونحوه وعلم الغيب فممتنع وإلا لم يأمن أحد على نفسه عند العداوة وقد وقع القتل والعناد من السحرة ولم يبلغ فيها أحد هذا المبلغ وقد وصل القبط فيه إلى الغاية وقطع فرعون أيديهم وأرجلهم ولم يتمكنوا من الدفع عن أنفسهم والتغيب والهروب وحكى ابن الجويني أن أكثر علمائنا جوزوا أن يستدق جسم الساحر حتى يلج في الكوة ويجري على خيط مستدق ويطير في الهواء ويقتل غيره قال القاضي ولا يقع فيه إلا ما هو مقدور للبشر وأجمعت الأمة على أنه لا يصل إلى إحياء الموتى وإبراء الأكمه وفلق البحر وإنطاق البهائم قلت ووصوله إلى القتل وتغيير الخلق ونقل الإنسان إلى صورة البهائم هو الصحيح المنقول عنهم وقد كان القبط في أيام دلوكا ملكة مصر بعد فرعون وضعوا السحر في البرابي وصوروا فيه عساكر الدنيا فأي عسكر قصدهم وأي شيء فعلوه تخيل ذلك الجيش المصور أو رجاله من قلع

هامش أنوار البروق

قلت في كلامه ذلك تسامح في إطلاق لفظ الخواص وهو يريد مقتضى الأمزجة والطبائع ولفظ الخواص لا يطلقه أهل علم الخواص وهم الطبيعيون على ذلك مطلقا بل على أمر لا ينسبونه إلى الأمزجة والطبائع وما حكاه عن الهند لا أدري صحته من سقمه وما قاله من أن في الحديث الذي ذكره إشارة إلى تباين الأخلاق والخلق والسجايا هو الظاهر منه ويحتمل غير ذلك والله تعالى أعلم وما قاله في الحقيقة التاسعة صحيح والله تعالى أعلم وما ذكره في الحقيقة العاشرة ممكن ولم يذكر حكم العزائم في الشرع وينبغي أن يكون حكمها حكم الرقي إذا تحققت وتحقق أن لا محذور في تلك الألفاظ قال قال الحقيقة الحادية عشرة الاستخدامات إلى آخر ما قاله في هذه الحقيقة قلت لا كلام في ذلك فإنه حكاية وقد ذكر حكمها

هامش إدرار الشروق

والهند وغيرهم بل ربما كان كفرا فهذا النوع من الرقى يقال له السحر ولا يقال عليه لفظ الرقى فمتى وقعت أنواع السحر المذكورة بما هو كفر من أحد ثلاثة أمور

الأول اعتقاد كاعتقاد انفراد الكواكب أو بعضها بالربوبية فيقوم الساحر إذا أراد سحر سلطان لبرج الأسد قائلا خاضعا متقربا له ويناديه يا سيداه يا عظيماه أنت الذي إليك تدين الملوك والجبابرة والأسود أسألك أن تذلل لي قلب فلان الجبار

والثاني لفظ كالسب المتعلق بمن سبه كفر بالله تعالى والأنبياء والملائكة

والثالث فعل كإهانة ما أوجب الله تعظيمه من الكتاب العزيز وغيره كان ذلك السحر كفرا لا مرية فيه ضرورة أنه واقع باعتقاد هو كفر أو بلفظ هو كفر أو بما هو كفر بالفعل كإلقاء شيء من القرآن ولو حرفا بقدر قاله سيدي عبد الله في شرح رشد الغافل ومتى وقعت الأنواع المذكورة بشيء مباح لم يكن ذلك السحر كفرا بل إما محرم إن كان لا يروج ذلك المباح إلا بنحو الزنا واللواط

____________________

(4/280)

الأعين أو ضرب الرقاب وقع بذلك العسكر في موضعه فتحاشيهم العساكر فأقاموا ستمائة سنة والنساء هن الملوك والأمراء بمصر بعد غرق فرعون وجيوشه كذلك حكاه المؤرخون

وأما سحرة فرعون فالجواب عنهم من وجوه

الأول أنهم تابوا فمنعتهم التوبة والإسلام العودة إلى معاودة الكفر الذي تكون به تلك الآثار ورغبوا فيما عند الله ولذلك قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون الثاني لعلهم لم يكونوا مما وصلوا لذلك وإنما قصد من السحرة في ذلك الوقت من يقدر على قلب العصا حية لأجل موسى عليه السلام

الثالث أنه يجوز أن يكون فرعون قد علمه بعض السحرة حجبا وموانع يبطل بها سحر السحرة اعتناء به والحجب والمبطلات فيه مشتهرة عند أهله فاندفع السؤال فهذه أنواع السحر الثلاثة ثم هذه الأنواع قد تقع بلفظ وهو كفر أو اعتقاد هو كفر أو فعل هو كفر فالأول كالسب المتعلق بمن سبه كفر والثاني كاعتقاد انفراد الكواكب أو بعضها

هامش أنوار البروق

قال وهاهنا أربع مسائل المسألة الأولى إلى آخر ما حكاه عن الفخر قلت لا كلام معه في ذلك لأنه نقل وما قاله الفخر يتوقف على الاختبار والتجربة ولا نعلم صحة ذلك من سقمه وما قاله في المسألة الثانية صحيح

قال المسألة الثالثة قال الطرطوشي في تعليقه قال مالك وأصحابه الساحر كافر فيقتل ولا يستتاب سحر مسلما أو ذميا كالزنديق قال محمد إن أظهره قبلت توبته قال أصبغ إن أظهره ولم يتب فقتل فماله لبيت المال وإن استتر فلورثته من المسلمين ولا آمرهم بالصلاة عليه فإن فعلوا فهم أعلم

قال ومن قول العلماء القدماء لا يقتل حتى يثبت أنه من السحر الذي وصفه الله تعالى بأنه كفر قال أصبغ يكشف عن ذلك من يعرف حقيقته ولا يلي قتله إلا السلطان إلى قوله لأن ذلك سعي في الأرض بالفساد قلت ذلك كله نقل لا كلام فيه

هامش إدرار الشروق

وإما مباح إن راج بدون ذلك نعم ويكون كفرا من جهة خارجة كقصد إضراره صلى الله عليه وسلم كما في شرح سيدي عبد الله على رشد الغافل نقلا عن ابن زكري في شرح النصيحة والمباح إما فعل كما تقدم في وضع الأحجار في الماء فإنها مباحة وإما قول مع قوة نفس كقول من يسحر الحيات العظام من السحرة موسى بعصاه محمد بفرقانه يا معلم الصغار علمني كيف آخذ الحية والحوية وكانت له قوة نفس يحصل منها مع هذه الكلمات إقبال الحيات إليه وتموت بين يديه ساعة ثم تفيق ثم يعاود ذلك الكلام فيعود حالها كذلك أبدا فإن هذه الكلمات مباحة ليس فيها كفر وقوة نفسه التي جبل عليها ليست من كسبه فلا يكفر بها كما أن الإنسان لا يعصي بما جبلت عليه نفسه من الإصابة بالعين وتأثيرها في قتل الحيوانات

____________________

(4/281)

بالربوبية والثالث كإهانة ما أوجب الله تعظيمه من الكتاب العزيز وغيره فهذه الثلاثة متى وقع شيء منها في السحر فذلك السحر كفر لا مرية فيه وقد يقع السحر بشيء مباح كما تقدم في وضع الأحجار في الماء فإنها مباحة وكذلك رأيت بعض السحرة يسحر الحيات العظام فتقبل إليه وتموت بين يديه ساعة ثم تفيق ثم يعاود ذلك الكلام فيعود حالها كذلك أبدا وكان في ذلك يقول موسى بعصاه محمد بفرقانه يا معلم الصغار علمني كيف آخذ الحية والحوية وكانت له قوة نفس يحصل منها مع هذه الكلمات هذا الأثر وهذه الكلمات مباحة ليس فيها كفر وقوة نفسه التي جبل عليها ليست من كسبه فلا يكفر بها كما أن الإنسان لا يعصي بما جبلت عليه نفسه من الإصابة بالعين وتأثيرها في قتل الحيوانات وغير ذلك وإنما يأثم بتصديه واكتسابه لذاك حرم الشرع أذيته أو قتله أما لو تصدى صاحب العين لقتل أهل الحرب أو السباع المهلكة كان طائعا لله تعالى بإصابته بالعين التي طبعت عليها نفسه فكذلك هاهنا وكذلك سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسط ومشاقة وكور طلع من

هامش أنوار البروق

قال الطرطوشي ودليل المالكية قوله تعالى وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر أي بتعليمه وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ولأنه لا يتأتى إلا ممن يعتقد أنه يقدر به على تغيير الأجسام والجزم بذلك كفر أو نقول هو علامة الكفر بإخبار الشرع فلو قال الشارع من دخل موضع كذا فهو كافر اعتقدنا كفر الداخل وأن الدخول كفر وإن أخبرنا هو أنه مؤمن لم نصدقه قال فهذا معنى قول أصحابنا إن السحر كفر أي دليل الكفر لا أنه كفر في نفسه كأكل الخنزير وشرب الخمر والتردد للكنائس في أعياد النصارى فنحكم بكفر فاعله وإن لم تكن هذه الأمور كفرا لا سيما وتعلمه لا يتأتى إلا بمباشرته كمن أراد أن يتعلم الزمر أو ضرب العود والسحر لا يتم إلا بالكفر

هامش إدرار الشروق

وغير ذلك وإنما يأثم بتصديه واكتسابه لذلك بما حرم الشرع أذيته أو قتله أما لو تصدى صاحب العين لقتل أهل الحرب أو السباع المهلكة فإنه يكون طائعا لله تعالى بإصابته بالعين التي طبعت عليها نفسه فكذلك هاهنا قال الأصل وأما جمع مشط ومشاق وكور طلع من النخل وجعل الجميع في بئر لسحر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن لم يكن مع هذه الأمور الموضوعة في البئر كلمات أخرى أو شيء آخر فهي أمر مباح إلا من جهة ما يترتب عليه فإنه قد يكون كفرا في صورة كما في قصد إضراره صلى الله عليه وسلم بذلك

وقد تقتضي القواعد الشرعية وجوبه في صورة أخرى أو إن كان مع هذه الأمور الموضوعة في البئر كلمات أخرى أو شيء آخر وهو الظاهر نظر فيه هل يقتضي كفرا أو هو مباح مثلها وللسحرة فصول كثيرة في كتبهم يقطع من قبل الشرع بأنها ليست معاصي ولا كفرا كما أن لهم ما يقطع بأنه كفر فيجب حينئذ التفصيل بما حكاه الطرطوشي عن قدماء أصحابنا أنا لا نكفره حتى يثبت أنه من السحر الذي كفر الله به أو يكون سحرا مشتملا على كفر كما قاله الشافعي رضي الله عنه

____________________

(4/282)

النخل وجعل الجميع في بئر فهذه الأمور في جمعها وجعلها في البئر أمر مباح إلا من جهة ما يترتب عليه وإلا لوجب التفصيل فقد يكون كفرا واجبا في صورة أخرى اقتضت قواعد الشرع وجوبها فإن كان مع هذه الأمور الموضوعة في البئر كلمات أخرى أو شيء آخر وهو الظاهر نظر فيه هل يقتضي كفرا أو هو مباح مثلها وللسحرة فصول كثيرة في كتبهم يقطع من قبل الشرع بأنها ليست معاصي ولا كفرا كما أن لهم ما يقطع بأنه كفر فيجب حينئذ التفصيل كما قاله الشافعي رضي الله عنه أما الإطلاق بأن كل ما يسمى سحرا كفر فصعب جدا فقد تقرر بيان أربعة حقائق من العشرة المتقدمة السحر الذي هو الجنس العام وأنواعه الثلاثة السيمياء والهيمياء والخواص المتقدم ذكرها

الحقيقة الخامسة الطلمسات وحقيقتها نفس أسماء خاصة لها تعلق بالأفلاك والكواكب على زعم أهل هذا العلم في أجسام من المعادن أو غيرها تحدث لها آثار خاصة ربطت بها في مجاري العادات فلا بد في الطلسم من هذه الثلاثة الأسماء

هامش أنوار البروق

كقيامه إذا أراد سحر سلطان لبرج الأسد قائلا خاضعا متقربا له ويناديه يا سيداه يا عظيماه أنت الذي إليك تدين الملوك والجبابرة والأسود أسألك أن تذلل لي قلب فلان الجبار واحتجوا بأن تعلم صريح الكفر ليس بكفر فإن الأصولي يتعلم جميع أنواع الكفر ليتحذر منه ولا يقدح في شهادته ومأخذه فالسحر أولى أن لا يكون كفرا ولو قال إنسان إنما تعلمت كيف يكفر بالله لأجتنبه أو كيف الزنا وأنواع الفواحش لأجتنبها لم يأثم

قال شهاب الدين هذه المسألة في غاية الإشكال على أصولنا فإن السحرة يعتمدون أشياء تأبى قواعد الشرع تكفيرهم بها كفعل الحجارة المتقدم ذكرها قبل هذه المسألة وكذلك يجمعون عقاقير ويجعلونها في الأنهار والآبار أو زير الماء أو قبور الموتى أو في باب يفتح إلى المشرق أو غير ذلك من البقاع ويعتقدون أن الآثار تحدث عند تلك الأمور بخواص نفوسهم التي طبعها الله تعالى على الربط بينها وبين تلك الآثار عند صدق العزم فلا يمكننا تكفيرهم بجمع العقاقير ولا بوضعها في الآبار ولا باعتقادهم حصول تلك الآثار عند ذلك الفعل لأنهم

هامش إدرار الشروق

أما الإطلاق بأن كل ما يسمى سحرا كفر فصعب جدا وإن قال ابن عبد السلام والمذهب أن الساحر كافر وقال الطرطوشي في تعليقه قال مالك وأصحابه الساحر كافر يقتل ولا يستتاب سحر مسلما أو ذميا كالزنديق قال محمد إن أظهره قبلت توبته قال أصبغ إن أظهره ولم يتب فقتل فماله لبيت المال وإن استتر فلورثته من المسلمين ولا آمرهم بالصلاة عليه فإن فعلوا فهم أعلم قال وتعلمه وتعليمه عند مالك كفر قال ودليل المالكية قوله تعالى وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر أي بتعلمه وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ولأنه لا يتأتى إلا ممن يعتقد أنه يقدر على تغيير الأجسام

والجزم بذلك كفر أو نقول هو علامة الكفر بإخبار الشرع فلو قال الشارع من دخل موضع كذا فهو كافر اعتقدنا كفر الداخل وإن لم يكن الدخول كفرا وإن أخبرنا هو أنه مؤمن لم نصدقه قال فهذا معنى قول أصحابنا إن السحر كفر أي دليل الكفر لا أنه كفر في نفسه كأكل الخنزير

____________________

(4/283)

المخصوصة وتعلقها ببعض أجزاء الفلك وجعلها في جسم من الأجسام ولا بد مع ذلك من قوة نفس صالحة لهذه الأعمال فليس كل النفوس مجبولة على ذلك

الحقيقة السادسة الأوفاق وهي التي ترجع إلى مناسبات الأعداد وجعلها على شكل مخصوص مربع ويكون ذلك المربع مقسوما بيوتا فيوضع في كل بيت عدد حتى تكمل البيوت فإذا جمع صف كامل من أضلاع المربع فكان مجموعه عددا وليكن عشرين مثلا فلتكن الأضلاع الأربعة إذا جمعت كذلك ويكون المربع الذي هو من الركن إلى الركن كذلك فهذا وفق فإن كان العدد مائة ومن كل جهة كما تقدم مائة فهذا له آثار مخصوصة أنه خاص بالحروب ونصر من يكون في لوائه وإن كان خمسة عشر من كل جهة فهو خاص بتيسير العسير وإخراج المسجون وأيضا الجنين من الحامل وتيسير الوضع وكل ما هو من هذا المعنى وكان الغزالي يعتني به كثيرا حتى أنه ينسب إليه وضابطه ب ط د ز ه ج و ا ح فكل حرف منها له عدد إذا جمع عدد ثلاثة منها كان مثل عدد الثلاثة الأخر فالباء باثنين والطاء بتسعة والدال بأربعة صار الجميع بخمسة عشر

هامش أنوار البروق

جربوا ذلك فوجدوه لا ينخرم عليهم لأجل خواص نفوسهم فصار ذلك الاعتقاد كاعتقاد الأطباء حصول الآثار عند شرب العقاقير لخواص طبائع تلك العقاقير وخواص النفوس لا يمكن التكفير بها لأنها ليست من كسبهم ولا كفر بغير مكتسب

وأما اعتقادهم أن الكواكب تفعل ذلك بقدرة الله تعالى فهذا خطأ لأنها لا تفعل ولا ربط الله تعالى ذلك بها وإنما جاءت الآثار من خواص نفوسهم التي ربط الله تعالى بها تلك الآثار عند ذلك الاعتقاد فيكون ذلك الاعتقاد في الكواكب خطأ كما إذا اعتقد طبيب أن الله تعالى أودع في الصبر والسقمونيا عقل البطن وقطع الإسهال فإنه خطأ وأما تكفيره بذلك فلا

وإن اعتقدوا أن الكواكب تفعل ذلك والشياطين بقدرتها لا بقدرة الله تعالى فقد قال بعض علماء الشافعية هذا مذهب المعتزلة في استقلال الحيوانات بقدرتها دون قدرة الله تعالى فكما لا نكفر المعتزلة بذلك لا

هامش إدرار الشروق

وشرب الخمر والتردد إلى الكنائس في أعياد النصارى فنحكم بكفر فاعله وإن لم تكن هذه الأمور كفرا لا سيما وتعلمه لا يتأتى إلا بمباشرته كمن أراد أن يتعلم الزمر أو ضرب العود والسحر لا يتم إلا بالكفر كقيامه إذا أراد سحر سلطان لبرج الأسد قائلا خاضعا متقربا له ويناديه يا سيداه يا عظيماه أنت الذي إليك تدين الملوك والجبابرة والأسود أسألك أن تذلل لي قلب فلان الجبار ا ه

وقال الإمام أبو بكر بن العربي في كتابه الأحكام قد بينا في كتاب المشكلين أن من أقسام السحر فعل ما يفرق به بين المرء وزوجه ومنه ما يجمع بين المرء وزوجه ويسمى التولة وكلاهما كفر والكل حرام كفر قاله مالك وقال الشافعي السحر معصية إن قتل به الساحر قتل وإن أضر به أدب على قدر الضرر وهذا باطل من وجهين

أحدهما أنه لم يعلم السحر وحقيقته أنه كلام مؤلف يعظم به غير الله تعالى وتنسب إليه فيه المقادير والكائنات

والثاني أن الله سبحانه وتعالى صرح في كتابه بأنه كفر لأنه تعالى قال واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان أي من السحر وما

____________________

(4/284)

وكذلك تقول الباء باثنين والزاي بسبعة والواو بستة صار الجميع من الضلع الآخر خمسة عشر وكذلك الفطر من الركن إلى الركن تقول الباء باثنين والهاء بخمسة والحاء بثمانية الجميع خمسة عشر وهو من حساب الجمل وعلى هذا المثال وهي الأوفاق ولها كتب موضوعة لتعريف كيف توضع حتى تصير على هذه النسبة من الاستواء وهي كلما كثرت كان أعسر والضوابط الموضوعة لها حسنة لا تنخرم إذا عرفت أعني في الصورة الوضع وأما ما نسب إليها من الآثار قليلة الوقوع أو عديمته

الحقيقة السابعة الخواص المنسوبة إلى الحقائق ولا شك أن الله تعالى أودع في أجزاء هذا العالم أسرارا وخواص عظيمة وكثيرة حتى لا يكاد يعرى شيء عن خاصية فمنها ما هو معلوم على الإطلاق كإرواء الماء وإحراق النار ومنها ما هو مجهول على الإطلاق

هامش أنوار البروق

نكفر هؤلاء ومنهم من فرق بأن الكواكب مظنة العبادة فإذا انضم إلى ذلك اعتقاد القدرة هذه الأمور كفرا قول صحيح أيضا كأكل الخنزير والتردد على الكنائس وقوله ولا سيما وتعلمه لا يتأتى إلا بمباشرته إلى قوله أن تذلل لي قلب فلان الجبار يعني أن تعلمه لتحصيل ثمرته لا لغير ذلك من المقاصد وذلك صحيح من جهة اشتراط أهل السحر ذلك بل الجزم بحصول الأثر على ما ذكره الفخر وقوله واحتجوا إلى قوله لم يأثم قلت تقول المالكية بموجب ذلك ولا يلزم مقصود الحنفية فإن ما ذكره الحنفية تعلم الكفر لا لنفسه بل لتصحيح يقتضيه

قال شهاب الدين هذه المسألة في غاية الإشكال على أصولنا إلى قوله طبائع تلك العقاقير

هامش إدرار الشروق

كفر سليمان أي بقول السحر ولكن الشياطين كفروا أي به وبتعليمه وهاروت وماروت يقولان إنما نحن فتنة فلا تكفر وهذا تأكيد للبيان ا ه

وذلك لأن مسألة إطلاق أن كل ما يسمى سحرا كفر في غاية الإشكال على أصولنا فإن السحرة يعتمدون أشياء تأبى قواعد الشريعة تكفيرهم بها كفعل الحجارة المتقدم ذكرها قبل هذه المسألة وكذلك يجمعون عقاقير ويجعلونها في الأنهار أو الآبار أو زير الماء أو قبور الموتى أو في باب يفتح إلى المشرق أو غير ذلك من البقاع ويعتقدون أن الآثار تحدث عند تلك الأمور بخواص نفوسهم التي طبعها الله تعالى على الربط بينها وبين تلك الآثار عند صدق العزم كما تقدم فلا يمكننا تكفيرهم بجمع العقاقير ولا بوضعها في الآبار ولا باعتقادهم حصول تلك الآثار عن ذلك الفعل لأنهم جربوا ذلك فوجدوه لا ينخرم عليهم لأجل خواص نفوسهم فصار ذلك الاعتقاد كاعتقاد الأطباء حصول الآثار عند شرب العقاقير لخواص طبائع تلك العقاقير وخواص النفوس لا يمكن التكفير بها لأنها ليست من كسبهم ولا كفر بغير مكتسب وأما اعتقادهم أن الكواكب تفعل ذلك بقدرة الله تعالى

____________________

(4/285)

ومنه ما يعلمه الأفراد من الناس كالجحر والمكرم وما يصنع منه الكيمياء ونحو ذلك كما يقال إن بالهند شجرا إذا عمل منه دهن ودهن به إنسان لا يقطع فيه الحديد وشجرا إذا استخرج منه دهن وشرب على صورة خاصة مذكورة عندهم في العمليات استغنى عن الغذاء وامتنعت عليه الأمراض واستقام ولا يموت بشيء من ذلك وطالت حياته أبدا حتى يأتي من يقتله أما موته بهذه الأسباب العادية فلا ونحو ذلك فهذا شيء مودع في أجزاء العالم لا يدخله فعل البشر بل هو ثابت كامل مستقل بقدرة الله تعالى

الحقيقة الثامنة خواص النفوس وهو نوع خاص من الخواص المودعة في العالم فطبيعة الحيوانات طبائع مختلفة حتى لا تكاد تتفق بل نقطع أنه لا يستوي اثنان من الأناسي في مزاج واحد ويدل على ذلك أنك لا تجد أحدا يشبه أحدا من جميع الوجوه ولو عظم الشبه لا بد من فرق بينهما

ومعلوم أن صفات الصور في الوجوه وغيرها تابعة للأمزجة

هامش أنوار البروق

قلت ما قاله من أنه لا يمكن التكفير بجمع العقاقير وغير ذلك من الأفعال صحيح إذا كان ذلك الجمع وسائر تلك الأفعال غير مقصود به اجتلاب الآثار المطلوبة من ذلك وأما إذا كانت مقصودا بها ذلك فهو السحر الذي هو كفر بنفسه لتضمنه اعتقاد تأثير هذه الأمور أو دليل الكفر على مذهب المالكية والله تعالى أعلم

قال شهاب الدين وخواص النفوس لا يمكن التكفير بها لأنها ليست من كسبهم ولا كفر بغير مكتسب

وأما اعتقادهم بأن الكواكب تفعل ذلك بقدرة الله تعالى فهذا خطأ لأنها لا تفعل ذلك بها وإنما جاءت الآثار من خواص نفوسهم التي ربط الله بها تلك الآثار عند ذلك الاعتقاد قلت لا أعرف صحة ما قالوه من ربط تلك الآثار بخواص النفوس

قال فيكون ذلك الاعتقاد خطأ كما إذا اعتقد طبيب أن الله تعالى أودع في الصبر السقمونيا عقل البطن وقطع الإسهال وأما تكفيره بذلك فلا

هامش إدرار الشروق

فهذا خطأ لأنها لا تفعل ذلك ولا ربط الله تعالى ذلك بها وإنما جاءت الآثار من خواص نفوسهم التي ربط الله تعالى بها تلك الآثار عند ذلك الاعتقاد فيكون ذلك الاعتقاد في الكواكب خطأ كما إذا اعتقد طبيب أن الله تعالى أودع في الصبر والسقمونيا عقل البطن وقطع الإسهال فإنه خطأ وأما تكفيره بذلك فلا

وإن اعتقدوا أن الكواكب والشياطين تفعل ذلك بقدرتها لا بقدرة الله تعالى فقد قال بعض علماء الشافعية هذا هو مذهب المعتزلة في استقلال الحيوانات بقدرتها دون قدرة الله تعالى فكما لا تكفر المعتزلة بذلك لا نكفر هؤلاء وتفريق بعضهم بأن الكواكب مظنة العبادة فإن انضم إلى ذلك اعتقاد القدرة والتأثير كان كفرا مدفوع بأن تأثير الحيوان في القتل والضر والنفع في مجرى العادة مشاهد من السباع والآدميين وغير هذا

وأما كون المشترى أو زحل يوجب شقاوة أو سعادة فإنما هو حزر وتخمين من المنجمين لا صحة له وقد عبدت البقر والشجر والحجارة والثعابين فصارت هذا الشائبة مشتركة بين الكواكب وغيرها

____________________

(4/286)

فلما حصل التباين في الصفات على الإطلاق وجب التباين في الأمزجة على الإطلاق فنفس طبعت على الشجاعة إلى الغاية وأخرى على الجبن إلى الغاية وأخرى على الشر إلى الغاية وأخرى على الخير إلى الغاية وأخرى أي شيء عظمته هلك وهذا هو المسمى بالعين وليس كل أحد يؤذي بالعين والذين يؤذون بها تختلف أحوالهم فمنهم من يصيد بالعين الطير في الهوى ويقلع الشجر العظيم من الثرى أخبرني بذلك العدول وغيرهم وآخر لا يصل بعينه إلى ذلك بل التمريض اللطيف ونحو ذلك ومنهم من طبع على صحة الحزر فلا يخطئ الغيب عند شيء مخصوص ولا يتأتى له ذلك في غيره فلذلك تجد بعضهم لا يخطئ في علم الرمل أبدا وآخر لا يخطئ في أحكام النجوم أبدا وآخر لا يخطئ في علم الكتف أبدا وآخر لا يخطئ في علم السير أبدا لأن نفسه طبعت على ذلك ولم يطبع على غيره فمن توجهت نفسه لطلب الغيب عند ذلك الفعل الخاص أدركته بخاصيتها لا لأن النجوم فيها شيء ولا الكتف ولا الرمل ولا بقيتها بل هي خواص نفوس وبعضهم يجد صحة أعماله في ذلك وهو شاب فإذا صار كبيرا فقدها

هامش أنوار البروق

قلت ما قاله في ذلك صحيح

قال وإن اعتقدوا أن الكواكب تفعل ذلك والشياطين بقدرتها لا بقدرة الله تعالى فقد قال بعض الشافعية هذا مذهب المعتزلة في استقلال الحيوانات بقدرتها دون الله تعالى فكما لا نكفر المعتزلة بذلك لا نكفر هؤلاء قلت إن كان المراد أنها تفعل بقدرتها من غير تعلق قدرة الله تعالى بقدرتها فذلك كفر صحيح وإن كان المراد أنها تفعل بقدرتها مباشرة مع تعلق قدرة الله تعالى بقدرتها فهو مذهب المعتزلة

قال ومنهم من فرق بأن الكواكب مظنة العبادة فإن انضم إلى ذلك اعتقاد القدرة والتأثير كان كفرا قلت إن كان ذلك لاعتقاد أن الكواكب مستغنية بقدرتها عن قدرة الله تعالى فذلك كفر صريح

قال وأجيب عن هذا الفرق بأن تأثير الحيوانات في القتل والضر والنفع في مجرى العادة مشاهدة من السباع والآدميين وغيرهم قلت ليس تأثير الحيوان بمشاهد وإنما التأثير لا غير

قال

هامش إدرار الشروق

فهو موضع نظر والذي لا مرية فيه أنه كفر إن اعتقد أنها مستقلة بنفسها لا تحتاج إلى الله تعالى لأن هذا مذهب الصابئة وهو كفر صريح لا سيما إن صرح بنفي ما عداها

وبهذا البحث يظهر ضعف قول الحنفية إن اعتقد أن الشياطين تفعل له ما يشاء فهو كافر وإن اعتقد أنه تخيل وتمويه لم يكفر بل ينبغي لهم أن يفصلوا في هذا الإطلاق فإن الشياطين كانت تصنع لسليمان عليه السلام ما يأمرها به من محاريب وتماثيل وغير ذلك فإن اعتقد الساحر أن الله عز وجل سخر له الشياطين بسبب عقاقيره مع خواص نفسه ضعف القول بتكفيره

وأما قول الأصحاب إنه علامة الكفر فمشكل لأنا نتكلم في هذه المسألة باعتبار الفتيا ونحن نعلم أن حال الإنسان في تصديقه لله تعالى ورسله بعد عمل هذه العقاقير كحاله قبل ذلك والشرع لا يخبر على خلاف الواقع وإن أرادوا الخاتمة فمشكل أيضا لأنا لا نكفر في الحال بكفر واقع

____________________

(4/287)

لأن القوة نقصت عن تلك الحدة التي كانت في الشبوبية وقد ذهبت ومن خواص النفوس ما يقتل ففي الهند جماعة إذا وجهوا أنفسهم لقتل شخص مات ويشق صدره فلا يوجد فيه قلبه بل انتزعوه من صدره بالهمة والعزم وقوة النفس ويجربون بالرمان فيجمعون عليه هممهم فلا توجد فيه حبة وخواص النفوس كثيرة لا تعد ولا تحصى وإليه مع غيره الإشارة بقوله عليه السلام الناس معادن كمعادن الذهب والفضة الحديث إشارة إلى تباين الأخلاق والخلق والسجايا والقوى كما أن المعادن كذلك

الحقيقة التاسعة الرقى وهي ألفاظ خاصة يحدث عندها الشفاء من الأسقام والأدواء والأسباب المهلكة ولا يقال لفظ الرقى على ما يحدث ضررا بل ذلك يقال له السحر وهذه الألفاظ منها ما هو مشروع كالفاتحة والمعوذتين ومنها ما هو غير مشروع كرقى الجاهلية والهند وغيرهما وربما كان كفرا ولذلك نهى مالك وغيره عن الرقى بالعجمية لاحتمال أن يكون فيه محرم وقد نهى علماء مصر عن الرقية التي تكتب في

هامش أنوار البروق

وأما كون المشترى أو زحل يوجب شقاوة أو سعادة فإنما ذلك حزر وتخمين من المنجمين لا صحة له قلت ذلك صحيح

قال وقد عبدت البقر والشجر والحجارة والثعابين فصارت هذه الشائبة مشتركة بين الكواكب وغيرها فهو موضع نظر قلت هو كما قال موضع نظر

قال والذي لا مرية فيه أنه كفر إن اعتقد أنها مستقلة بنفسها لا تحتاج إلى الله تعالى فهذا مذهب الصابئة وهو كفر صريح لا سيما إن صرح بنفي ما عداها قلت ما قاله في ذلك صحيح قال وبهذا البحث يظهر ضعف ما قالته الحنفية من أن أمر الشياطين وغيرهم كفر بل ينبغي لهم أن يفصلوا في هذا الإطلاق فإن الشياطين كانت تصنع لسليمان عليه السلام ما يأمرهم به من محاريب وتماثيل وغير ذلك فإن اعتقد أن الله تعالى سخر له بسبب عقاقيره مع خواص نفسه الشياطين صعب القول بتكفيره قلت الظاهر ما قاله من لزوم التفصيل وأنه إن اعتقد أن ذلك من فعل الله تعالى فلا كفر إلا

هامش إدرار الشروق

في المآل كما أنا لا نجعل من يعبد الأصنام الآن مؤمنا في الحال بإيمان واقع في المآل بل الأحكام الشرعية تتبع أسبابها وتحققها لا توقعها وإن قطعنا بوقوعها كما أنا نقطع بغروب الشمس وغير ذلك من الأسباب ولا تترتب مسبباتها قبلها وأما قول أصحابنا في التردد إلى الكنائس وأكل الخنزير وغيره فإنما قضينا بكفره في القضاء دون الفتيا وقد يكون فيما بينه وبين الله تعالى مؤمنا وأما قول مالك إن تعلمه وتعليمه كفر ففي غاية الإشكال فقد قال الطرطوشي وهو من سادات العلماء أنه إذا وقف لبرج الأسد وحكى القضية إلى آخرها فإن هذا سحر فقد تصوره وحكم عليه بأنه سحر فهذا هو تعلمه فكيف يتصور شيئا لم يعلمه وليس الأمر كما قال أنه لا يتصور التعلم إلا بالمباشرة

____________________

(4/288)

آخر جمعة من شهر رمضان لما فيها من اللفظ الأعجمي ولأنهم يشتغلون بها عن الخطبة ويحصل بها مع ذلك مفاسد

الحقيقة العاشرة العزائم وهي كلمات يزعم أهل هذا العلم أن سليمان عليه السلام لما أعطاه الله تعالى الملك وجد الجان يعبثون ببني آدم ويسخرون بهم في الأسواق ويخطفونهم من الطرقات فسأل الله تعالى أن يولي على كل قبيل من الجان ملكا يضبطهم عن الفساد فولى الله تعالى الملائكة على قبائل الجن فمنعوهم من الفساد ومخالطة الناس وألزمهم سليمان عليه السلام سكنى القفار والخراب من الأرض دون العامر ليسلم الناس من شرهم فإذا عثا بعضهم وأفسد ذكر المعزم كلمات تعظمها تلك الملائكة ويزعمون أن لكل نوع من الملائكة أسماء أمرت بتعظيمها ومتى أقسم عليها بها أطاعت وأجابت وفعلت ما طلب منها فالمعزم يقسم بتلك الأسماء على ذلك الملك فيحضر له القبيل من الجان الذي طلبه أو الشخص منهم فيحكم فيه بما يريد ويزعمون أن هذا

هامش أنوار البروق

أن يكون نفس السحر كفرا كما هو ظاهر الآية فذلك كفر بالوضع والله تعالى أعلم

قال وأما قول الأصحاب أنه علامة الكفر فمشكل إلى قوله خلاف الواقع قلت إذا ثبت دليل شرعي على أن السحر كفر وأنه علامة الكفر فلا إشكال لأنه يكون حينئذ من شرط المؤمن أن لا يعمل سحرا وعند ذلك يصح إيمانه إما ظاهرا وباطنا إن كان السحر بنفسه كفرا وإما ظاهرا إن كان علامة الكفر بحسب الظاهر

قال فإن أرادوا الخاتمة فمشكل أيضا إلى وقوله ولا نرتب مسبباتها قبلها قلت إن أرادوا ذلك فمشكل كما قاله وذلك صحيح

قال وأما قول أصحابنا في التردد إلى الكنائس قلت قوله في ذلك صحيح

قال وأما قول مالك أن تعلمه وتعليمه كفر ففي غاية الإشكال قلت ليس الأمر كما قال فإنه قول مستند إلى ظاهر الآية وما قاله عن الطرطوشي

هامش إدرار الشروق

كضرب العود بل كتب السحر مملوءة من تعليمه ولا يحتاج إلى ذلك بل هو كتعلم أنواع الكفر الذي لا يكفر به الإنسان كما تقول إن النصارى يعتقدون في عيسى عليه السلام كذا والصابئة معتقدون في النجوم كذا ونتعلم مذاهبهم وما هم عليه على وجه حتى نرد عليهم ذلك فهو قربة لا كفر

وقد قال بعض العلماء إن كان تعلم السحر ليفرق بينه وبين المعجزات كان ذلك قربة وكذلك نقول إذا عمل السحر بأمر مباح ليفرق به بين المجتمعين على الزنا أو قطع الطريق بالبغضاء والشحناء أو ليقتل جيش الكفر ملكهم به أو ليوقع به المحبة بين الزوجين أو بين جيش الإسلام وملكهم فهذا كله قربة فتأمل هذه المباحث كلها فالموضع مشكل جدا

وأما قول الطرطوشي إذا قال صاحب الشرع من دخل الدار فهو كافر قضينا بكفره عند دخول الدار فهو فرض محال إذ لا يخبر صاحب الشرع عن إنسان بالكفر إلا إذا كفر وقولهم هو دليل الكفر ممنوع وقولهم لأن صاحب الشرع أخبر بذلك في الكتاب العزيز مسلم إذ لا محال في حمل الآية على ما هو كفر إنما المحال في أنه هل يدخل التخصيص في

____________________

(4/289)

الباب إنما دخله الخلل من جهة عدم ضبط تلك الأسماء فإنها أعجمية لا يدرى وزن كل حرف منها يشك فيه هل هو بالضم أو الفتح أو الكسر وربما أسقط النساخ بعض حروفه من غير علم فيختل العمل فإن المقيم لفظ آخر لا يعظمه ذلك الملك فلا يجيب فلا يحصل مقصود المعزم هذه حقيقة العزائم

الحقيقة الحادية عشرة الاستخدامات وهي قسمان الكواكب والجان فيزعمون أن للكواكب إدراكات روحانية فإذا قوبلت الكواكب ببخور خاص ولباس خاص على الذي يباشر البخور وربما تقدمت منه أفعال خاصة منها ما هو محرم في الشرع كاللواط ومنها ما هو كفر صريح وكذلك الألفاظ التي يخاطب بها الكواكب منها ما هو كفر صريح فيناديه بلفظ الإلهية ونحو ذلك ومنها ما هو غير محرم على قدر تلك الكلمات الموضوعة في كتبهم فإذا حصلت تلك الكلمات مع البخور مع الهيئات المشترطة كانت روحانية ذلك الكواكب مطيعة له متى أراد شيئا فعلته له على زعمهم وكذلك القول في ملوك الجان

هامش أنوار البروق

وقال إن ذلك هو تعلمه لا يريد أن لا تعلم له سواه ليس كما قال بل تعلمه على وجهين أحدهما ليعرف حقيقته خاصة إما لتجنب أو لغير ذلك وهذا ليس بكفر والوجه الثاني أن يتعلمه قاصدا بتعلمه تحصيل أثره متى احتاج إلى ذلك وهذا هو الذي اقتضى ظاهر الكتاب أنه كفر

قال وأما قوله لا يتصور التعلم إلا بالمباشرة كضرب العود فليس كذلك إلى قوله فهو قربة لا كفر قلت مراد الطرطوشي تعلمه لتجربة حصول أثره لا لغير ذلك وقوله قد قال بعض العلماء إن تعلمه ليفرق بينه وبين المعجزة صحيح وقوله فنقول إذا عمل السحر بأمر مباح فيه نظر إذ لقائل أن يقول إن عمل السحر المقصود به تحصيل أثره على أي وجه كان كفرا أو دليل الكفر بوضع الشارع وهو ظاهر الآية كما سبق وتوهم كونه إذا كان أثره أمرا مباحا التباسه في الشرع كان علمه مباحا لا دليل عليه قال فالموضع مشكل جدا قلت إذا صح أن كون أمر ما كفرا أمر وضعي شرعي وثبت

هامش إدرار الشروق

عمومها بالقواعد كما هو الشأن في العمومات وهو ما نقول أو لا يدخل كما يقولون فيلزم التكفير بغير سبب الكفر وهو خلاف القواعد ولا شاهد له في الاعتبار والاستدلال على أن تعلم السحر أو تعلمه لا يكون بالكفر بقوله تعالى ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر خبر مبني على أن قوله يعلمون الناس السحر تفسير لقوله كفروا ونحن نمنع أنه تفسير له بل هو إخبار عن حالهم بعد تقرر كفرهم بغير السحر سلمنا أنه تفسير له لكن يتعين حمله على أن ذلك السحر كان مشتملا على الكفر وكانت الشياطين تعتقد موجب تلك الألفاظ كالنصراني إذا علم المسلم دينه فإنه يعتقد موجبه وأما الأصولي إذا علم تلميذه المسلم دين النصراني ليرد عليه ويتأمل فساد قواعده فلا يكفر المعلم ولا المتعلم وهذا التقييد على وفق القواعد وأما جعل التعلم والتعليم مطلقا كفرا فهو خلاف القواعد ولنقتصر على هذا القدر من التنبيه على غور هذه المسألة هذا خلاصة كلام الأصل

وفي التبصرة قال ابن الغرس قول ابن عبد السلام روى ابن نافع

____________________

(4/290)

على زعمهم إذا عملوا لهم تلك الأعمال الخاصة لكل ملك من الملوك فهذا هو الذي يزعمون بالاستخدام وأنه خاص بروحانيات الكواكب وملوك الجان وشروط هذه الأمور مستوعبة في كتب القوم والغالب عليهم الكفر فلا جرم لا يشتغل بهذه الأمور مفلح وهاهنا قد انتهى العدد إلى أحد عشر وكان أصله عشر بسبب أن أحد بعض الخواص من أنواع السحر فاختلف العدد لذلك

وهاهنا أربع مسائل المسألة الأولى

قال الإمام فخر الدين بن الخطيب في كتابه الملخص السحر والعين لا يكونان من فاضل ولا يقعان ولا يصحان منه أبدا لأن من شرط السحر الجزم بصدور الأثر وكذلك أكثر الأعمال من شرطها الجزم والفاضل المتبحر في العلوم يرى وقوع ذلك من الممكنات التي يجوز أن توجد وأن لا توجد فلا يصح له عمل أصلا وأما العين فلا بد فيها من فرط التعظيم للمرئي والنفوس الفاضلة لا تصل في تعظيم ما تراه إلى هذه

هامش أنوار البروق

بدليل شرعي فلا إشكال

قال وقول الطرطوشي إذا قال صاحب الشرع من دخل الدار إلخ قلت ما قاله الطرطوشي صحيح وليس فرض محال بل يكون ذلك القول إنشاء شرع لا إخبارا عن كفر من لم يكفر فذلك هو المحال

قال وقولهم هو دليل الكفر ممنوع قلت منعه ممنوع وما قاله من شبهة التخصيص هو تقييد المطلق وما قاله من التكفير بغير سبب الكفر فهو خلاف القواعد نقول بموجبه ولا نعلم أحدا قاله وما قاله من أن قوله تعالى يعلمون الناس ليس بتفسير لقوله تعالى كفروا ممنوع وما قاله من أنه إخبار عن حالهم بعد تقرر كفرهم بغير السحر غير لائق بفصاحة الشارع وما قاله من أنه يتعين حمل ذلك على أنه كان ذلك السحر مشتملا على الكفر ليس كذلك لاحتمال أن يكون تعليمه وتعلمه كفرا وهو الظاهر الذي لا معدل عنه وأما قوله من أن معلم الكفر ومتعلمه ليرد عليه ليس بكافر صحيح وما قاله من أن من قال إن التعليم والتعلم مطلقا كفر فهو خلاف القواعد صحيح أيضا

قال المسألة الرابعة الفرق بين المعجزات وبين السحر وغيره مما يتوهم أنه من خوارق العادات

هامش إدرار الشروق

عن مالك في المبسوط في المرأة تقر أنها عقدت زوجها عن نفسها أو عن غيرها من النساء أنها تقتل ولا تنكل قال ولو سحر نفسه لم يقتل بذلك يؤخذ منه مع قول مالك فيمن يعقد الرجال عن النساء يعاقب ولا يقتل ا ه أن ليس كل سحر كفرا والله سبحانه وتعالى أعلم

ا ه بتصرف وأيد الإمام أبو القاسم بن الشاط إبقاء وقوله تعالى وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر على عمومها وأن قوله تعالى يعلمون الناس السحر تفسير لقوله كفروا وتسويغ الطرطوشي القول بأنه علامة على الكفر بوجوه

الوجه الأول أن قاعدة أن كون أمر ما كفرا أي أمر كان ليس من الأمور العلية بل هو من الأمور الوضعية الشرعية فإذا قال الشارع في أمر ما هو كفر فهو كذلك سواء كان ذلك القول إنشاء أم إخبارا يقتضي صحة قول الطرطوشي إن الشارع لو قال من دخل موضع كذا فهو كافر اعتقدنا كفر

____________________

(4/291)

الغاية فلذلك لا يصح السحر إلا من العجائز والتركمان أو السودان ونحو ذلك من النفوس الجاهلة

المسألة الثانية السحر له حقيقة وقد يموت المسحور أو يتغير طبعه وعادته وإن لم يباشره وقال به الشافعي وابن حنبل وقالت الحنفية إن وصل إلى بدنه كالدخان ونحوه جاز أن يؤثر وإلا فلا وقالت القدرية لا حقيقة للسحر لنا الكتاب والسنة والإجماع

أما الكتاب فقوله تعالى يعلمون الناس السحر وما لا حقيقة له لا يعلم ولا يلزم صدور الكفر عن الملائكة لأنه قرء الملكين بكسر اللام أو هما ملكان وأذن لهما في تعليم الناس السحر للفرق بين المعجزة والسحر لأن مصلحة الخلق في ذلك الوقت كانت تقتضي ذلك ثم صعدا إلى السماء وقولهما فلا تكفر أي لا تستعمله على وجه الكفر كما يقال

هامش أنوار البروق

إلخ قلت إن كان يريد أن جميع ما يحدث عن السحر فهو معتاد وليس فيه ما هو خارق فليس ذلك بصحيح وأكثر الأشعرية أو جميعهم يجوزون خرق العوائد على يد الساحر إلا أن يقول بالجواز وعدم الوقوع فلا أدري من يعلم ذلك قال الفرق الأول منهما أن السحر وما يجري مجراه يختص بمن عمل له إلخ قلت إنما يظهر ذلك لمن جربه وتكررت منه التجربة وقل من يجربه

قال الفرق الثاني من الفرقين الظاهرين إلخ قلت ما قاله في هذا الفرق صحيح وهو الفرق بين الولي والساحر وكما هو أعني الاتصاف بالصفات المحمودة دون المذمومة فرق بين الولي والساحر فهو فرق بين النبي وبينه ثم الفرق بين النبي والولي بالتحدي على مذهب من يمنع تحدي الولي بالولاية والتحدي بالنبوة على مذهب من يجيز تحدي الولي بالولاية وجميع ما قاله

هامش إدرار الشروق

الداخل وأن الدخول كفر ويكون ذلك القول إنشاء شريعة أو إخبارا عن إنشاء شرع لا إخبارا عن كفر من لم يكفر حتى يكون محال وصحة قوله أن معنى قول الأصحاب أن السحر كفر أي دليل الكفر إلى قوله وإن تكن هذه الأمور كفرا فهي كأكل الخنزير والتردد إلى الكنائس

الوجه الثاني أن استدلال المالكية بقوله تعالى وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر أي بتعليمه ظاهر واضح لتعذر حمل قوله فلا تكفر على الكفر بغير التعليم لعدم التئام

قوله فلا تكفر مع ما قبله على تقدير أن الكفر المنهي عنه غير التعلم فهو من هذه الجهة وبهذه القرينة نص في أن التعلم هو الكفر ولكن يبقى في ذلك أن الآية إخبار عن واقع قبلنا وخطاب عن غيرنا فلا يتم الاستدلال إلا على القول بأن شرع من قبلنا شرع لنا وهو المشهور المنصوص في المذهب

الوجه الثالث أن قوله تعالى يعلمون الناس السحر لا يليق بفصاحة الشارع أنه إخبار عن حالهم بعد تقرر كفرهم بغير السحر بل اللائق بها أنه تفسير لقوله كفرا ولا نسلم بغير حمله حينئذ على أنه كان ذلك السحر مشتملا على الكفر لاحتمال أن يكون تعليمه وتعلمه كفرا وهو الظاهر الذي لا معدل عنه

الوجه الرابع أن تعلم السحر على وجهين أحدهما ليعرف حقيقته خاصة

____________________

(4/292)

خذ المال ولا تفسق به أو يكون معنى قوله عز وجل يعلمون الناس السحر أي ما يصلح للأمرين وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم سحر فكان يخيل إليه أنه يأتي النساء ولا يأتيهن الحديث وقد سحرت عائشة رضي الله عنها جارية اشترتها وكان السحر وخبره معلوما للصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وكانوا مجمعين عليه قبل ظهور القدرية ولأن الله عز وجل قادر على خلق ما يشاء عقيب كلام مخصوص أو أدوية مخصوصة احتجوا بقوله تعالى يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فهو تخيل لا حقيقة له ولأنه لو كانت له حقيقة لأمكن الساحر أن يدعي به النبوة فإنه يأتي بالخوارق على اختلافها

والجواب عن الأول أنه حجة لنا لأنه تعالى أثبت السحر وإنما لم ينهض بالخيال إلى السعي ونحن لا ندعي أن كل سحر ينهض إلى كل المقاصد وعن الثاني أن إضلال الله تعالى للخلق ممكن لكن الله تعالى أجرى عادته بضبط مصالحهم فما يسر ذلك على الساحر وكم من ممكن يمنعه الله عز وجل من الدخول في العلم لأنواع من الحكم مع أنا سنبين بعد هذه المسألة إن شاء الله تعالى الفرق بين السحر والمعجزات من وجوه فلا يحصل اللبس والضلال

المسألة الثالثة قال الطرطوشي في تعليقه قال مالك وأصحابه الساحر كافر يقتل ولا يستتاب سحر مسلما أو ذميا كالزنديق قال محمد إن أظهره قبلت توبته قال أصبغ إن أظهره ولم يتب فقتل فماله لبيت المال وإن استتر فلورثته من المسلمين ولا آمرهم بالصلاة عليه فإن فعلوا فهم أعلم

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

إما لتجنب أو لغير ذلك وهذا ليس بكفر وثانيهما أن يتعلمه قاصدا بتعلمه تحصيل أثره متى احتاج إلى ذلك وهذا هو الذي اقتضى ظاهر الكتاب أنه كفر وحينئذ فقول الشهاب لا يمكن التكفير بجمع العقاقير وغير ذلك من الأفعال صحيح إذا كان ذلك الجمع وسائر تلك الأفعال غير مقصود بها اجتلاب الآثار المطلوبة من ذلك

وأما إذا كانت مقصودا بها ذلك فهو السحر الذي هو كفر بنفسه لتضمنه اعتقاد تأثير هذه الأمور أو دليل الكفر على مذهب المالكية وقول الطرطوشي لا سيما وتعلمه لا يتأتى إلا بمباشرته إلى قوله أن تذلل لي قلب فلان الجبار يعني أن تعلمه لتحصيل ثمرته لا لغير ذلك من المقاصد وذلك صحيح من جهة اشتراط أهل السحر ذلك بل الجزم بحصول الأثر على ما ذكره الفخر وقوله واحتجوا إلى قوله لم يأثم المالكية تقول بموجبه ولا يلزم مقصود الحنفية فإن ما ذكره الحنفية تعلم الكفر لا لنفسه بل لتصحيح يقتضيه وقول الشهاب إن من قال التعليم والتعلم مطلقا كفر فهو خلاف القواعد صحيح أيضا كقوله إن معلم الكفر ومتعلمه ليرد عليه ليس بكافر قال ابن الشاط وإذا صح أن كون أمر ما كفرا أمر وضعي شرعي وثبت بدليل شرعي أن السحر كفر وأنه علامة الكفر فلا إشكال لأنه يكون حينئذ من شرط المؤمن أن لا يعمل سحرا وعند ذلك يصح إيمانه إما ظاهرا وباطنا إن كان السحر بنفسه كفرا

____________________

(4/293)

قال ومن قول علمائنا القدماء لا يقتل حتى يثبت أنه من السحر الذي وصفه الله عز وجل بأنه كفر قال أصبغ يكشف عن ذلك من يعرف حقيقته ولا يلي قتله إلا السلطان فإن سحر المكاتب أو العبد سيده لم يل سيده قتله بل الإمام ولا يقتل الذمي إلا أن يضر المسلم بسحره فيكون نقضا لعهده فيقتل ولا يقبل منه الإسلام وإن سحر أهل ملته فيؤدب إلا أن يقتل أحدا فيقتل به وقال سحنون يقتل إلا أن يسلم كالساب وهو خلاف قول مالك فإن ذهب لمن يعمل له سحرا ولم يباشر أدب أدبا شديدا لأنه لم يكفر وإنما ركن للكفرة

قال وتعلمه وتعليمه عند مالك كفر وقالت الحنفية إن اعتقد أن الشياطين تفعل له ما يشاء فهو كافر وإن اعتقد أنه تخييل وتمويه لم يكفر وقالت الشافعية يصفه فإن وجدنا فيه ما هو كفر كالتقرب للكواكب ويعتقد أنها تفعل ما يلتمس منها فهو كفر وإن لم نجد فيه كفرا فإن اعتقد إباحته فهو كفر قال الطرطوشي وهذا متفق عليه لأن القرآن نطق بتحريمه قالت الشافعية إن قال سحري يقتل غالبا وقتلت به قتل وإن قال الغالب منه السلامة فعليه الدية مغلظة في ماله لأن العاقلة لا تحمل الإقرار

وقال أبو حنيفة إن قال قتلت بسحري لم يجب عليه القود لأنه لم يقتل بمثقل وإن تكرر ذلك منه قتل لأنه سعى في الأرض بالفساد قال الطرطوشي ودليل المالكية قوله تعالى وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر أي بتعلمه وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ولأنه لا يتأتى إلا ممن يعتقد أنه يقدر به على تغيير الأجسام والجزم بذلك

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وإما ظاهرا فقط إن كان علامة الكفر بحسب الظاهر فسقط قول الشهاب في توجيه الإشكال لأنا نعلم إلى قوله على خلاف الواقع

قال ولا أعرف ما قالوه من ربط الله تلك الآثار بخواص نفوسهم عند اعتقادهم أن الكواكب تفعل ذلك بقدرة الله تعالى قال وقول الشهاب وإن اعتقدوا أن الكواكب والشياطين تفعل ذلك بقدرتها لا بقدرة الله تعالى إلى قوله فكما لا نكفر المعتزلة بذلك لا نكفر هؤلاء إن كان المراد أنها تفعل بقدرتها من غير تعلق قدرة الله تعالى بقدرتها فذلك كفر صريح وإن كان المراد أنها تفعل بقدرتها مباشرة مع تعلق قدرة الله تعالى بقدرتها فهو مذهب المعتزلة قال وقوله وتفريق بعضهم إلى قوله كان كفرا إن كان ذلك لاعتقاد أن الكواكب مستغنية بقدرتها عن قدرة الله تعالى فذلك كفر صريح وليس تأثير الحيوان بمشاهد وإنما المشاهد التأثر لا غير قال وفي قوله وكذلك نقول إذا عمل السحر بأمر مباح نظر إذ لقائل أن يقول إن عمل السحر المقصود به تحصيل أثره على أي وجه كان كفرا أو دليل الكفر بوضع الشارع وهو ظاهر الآية كما سبق وتوهم كونه إذا كان أثره أمرا مباحا التلبس به في الشرع كان عمله مباحا لا دليل عليه هذا ما رده ابن الشاط من كلام الأصل وأما ما عداه فصححه قلت فتحصل أن أقوال أصحابنا في السحر ثلاثة

الأول أنه كفر مطلقا وهو الذي أيده ابن العربي في أحكامه والثاني أنه علامة الكفر مطلقا وهو الذي أيده ابن الشاط وعليهما

____________________

(4/294)

كفر أو نقول هو علامة الكفر بإخبار الشرع فلو قال الشارع من دخل موضع كذا فهو كافر اعتقدنا كفر الداخل وإن لم يكن الدخول كفرا وإن أخبرنا هو أنه مؤمن لم نصدقه قال فهذا معنى قول أصحابنا إن السحر كفر أي دليل الكفر لا أنه كفر في نفسه كأكل الخنزير وشرب الخمر والتردد إلى الكنائس في أعياد النصارى فنحكم بكفر فاعله

وإن لم تكن هذه الأمور كفرا لا سيما وتعلمه لا يتأتى إلا بمباشرته كمن أراد أن يتعلم الزمر أو ضرب العود والسحر لا يتم إلا بالكفر كقيامه إذا أراد سحر سلطان لبرج الأسد قائلا خاضعا متقربا له ويناديه يا سيداه يا عظيماه أنت الذي إليك تدين الملوك والجبابرة والأسود أسألك أن تذلل لي قلب فلان الجبار واحتجوا بأن تعلم صريح الكفر ليس بكفر فإن الأصولي يتعلم جميع أنواع الكفر ليحذر منه ولا يقدح في شهادته ومأخذه فالسحر أولى أن لا يكون كفرا ولو قال إنسان إنما تعلمت كيف يكفر بالله لأجتنبه أو كيف الزنا وأنواع الفواحش لأجتنبها لم يأثم قلت هذه المسألة في غاية الإشكال على أصولنا فإن السحرة يعتمدون أشياء تأبى قواعد الشريعة تكفيرهم بها كفعل الحجارة المتقدم ذكرها قبل هذه المسألة وكذلك يجمعون عقاقير ويجعلونها في الأنهار والآبار أو زير الماء أو في قبور الموتى أو في باب يفتح إلى المشرق أو غير ذلك من البقاع ويعتقدون أن الآثار تحدث عند تلك الأمور بخواص نفوسهم التي طبعها الله تعالى على الربط بينها وبين تلك الآثار عند صدق العزم

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

فيقتل إذا عمل ذلك بنفسه وأما من ليس بمباشر عمله ولكن ذهب إلى من يعمله له ففي الموازية يؤدب أدبا شديدا كما في التبصرة

والثالث أنه كفر إن كان بما هو كفر وغير كفر إن كان بأمر مباح وهو الذي أيده الأصل وفي تعليمه وتعلمه قولان الأول أنهما كفر إن كانا بقصد تحصيل أثره متى احتاج إلى ذلك لا لغير ذلك من المقاصد وهو ما أيده ابن الشاط الثاني أنهما كفر إن كانا بمباشرة ما هو كفر وإلا فقد يكونان قربة وهو ما أيده الأصل وأما القول بأن تعليمه وتعلمه مطلقا كفر فقد علمت اتفاق الأصل وابن الشاط على أنه خلاف القواعد وينبني الخلاف المذكور في السحر على ما حكاه في التبصرة عن ابن الغرس من قوله واختلف السلف هل يجوز أن يسأل الساحر حل السحر عن المسحور أم لا فكره الحسن البصري ذلك لأنه عمل سحر وقال لا يعمل ذلك إلا ساحر ولا يجوز إتيان الساحر لما روي عن ابن مسعود من أتى إلى كاهن أو ساحر فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وأجازه ابن المسيب لأنه رآه نوعا من العلاج فيخصص بذلك في قوله يعلمون الناس السحر ذكره البخاري وأما ما حكاه فيها من قول ابن الغرس وانظر هل يجوز السحر في الإصلاح بين نفسين كالمرأة تبغي إصلاح زوجها واستئلافه وعلى القول بأن السحر كفر فإنما يراد ما شهد الشرع له بأنه كفر ا ه

فمبني على ما أيده الأصل فافهم

مسألة قال ابن فرحون في الطرر لابن عات قال لا يجوز الجعل على حل المربوط والمسحور

____________________

(4/295)

فلا يمكننا تكفيرهم بجمع العقاقير ولا بوضعها في الآبار ولا باعتقادهم حصول تلك الآثار عند ذلك الفعل لأنهم جربوا ذلك فوجدوه لا ينخرم عليهم لأجل خواص نفوسهم فصار ذلك الاعتقاد كاعتقاد الأطباء حصول الآثار عند شرب العقاقير لخواص طبائع تلك العقاقير وخواص النفوس لا يمكن التكفير بها لأنها ليست من كسبهم ولا كفر بغير مكتسب وأما اعتقادهم أن الكواكب تفعل ذلك بقدرة الله تعالى فهذا خطأ لأنها لا تفعل ذلك ولا ربط الله تعالى ذلك بها

وإنما جاءت الآثار من خواص نفوسهم التي ربط الله تعالى بها تلك الآثار عند ذلك الاعتقاد فيكون ذلك الاعتقاد في الكواكب خطأ كما إذا اعتقد طبيب أن الله تعالى أودع في الصبر والسقمونيا عقل البطن وقطع الإسهال فإنه خطأ

وأما تكفيره بذلك فلا وإن اعتقدوا أن الكواكب تفعل ذلك والشياطين بقدرتها لا بقدرة الله تعالى فقد قال بعض العلماء الشافعية هذا هو مذهب المعتزلة في استقلال الحيوانات بقدرتها دون قدرة الله تعالى فكما لا نكفر المعتزلة بذلك لا نكفر هؤلاء ومنهم من فرق بأن الكواكب مظنة العبادة فإن انضم إلى ذلك اعتقاد القدرة والتأثير كان كفرا وأجيب عن هذا الفرق بأن تأثير الحيوان في القتل والضر والنفع في العادة مشاهد من السباع والآدميين وغيرهم وأما كون المشترى أو زحل يوجب شقاوة أو سعادة فإنما هو حزر وتخمين من المنجمين لا صحة له وقد عبدت البقر والشجر والحجارة والثعابين فصارت هي الشائبة مشتركة بين الكواكب وغيرها فهو موضع نظر والذي لا مرية فيه أنه كفر إن اعتقد أنها مستقلة بنفسها لا تحتاج إلى الله تعالى فهذا مذهب الصائبة وهو كفر صريح لا سيما إن صرح بنفي ما عداها وبهذا البحث يظهر ضعف ما قالته الحنفية من أن أمر الشياطين وغيرهم كفر بل ينبغي لهم أن يفصلوا في هذا الإطلاق فإن الشياطين كانت تصنع لسليمان عليه السلام ما يأمرهم به من محاريب وتماثيل وغير ذلك فإن اعتقد الساحر أن الله عز وجل سخر له بسبب عقاقيره مع خواص نفسه الشياطين صعب القول بتكفيره

وأما قول الأصحاب إنه علامة الكفر فمشكل لأنا نتكلم في هذه المسألة باعتبار الفتيا ونحن نعلم أن حال الإنسان في تصديقه لله تعالى ورسله بعد عمل هذه العقاقير كحاله قبل ذلك والشرع لا يخبر على خلاف الواقع فإن أرادوا الخاتمة فمشكل أيضا لأنا لا نكفر في الحال بكفر واقع في المآل كما أنا لا نجعله مؤمنا في الحال بإيمان واقع في المآل وهو

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وكذلك لا يجوز الجعل على إخراج الجان من الرجل لأنه لا تعرف حقيقته ولا يوقف عليه ولا ينبغي لأهل الورع الدخول فيه ونسب نقل ذلك إلى الاستغناء لابن عبد الغفور

ا ه بلفظه

ثم اعلم أن السحر من جهة الخلاف في أن له حقيقة وأنه يلتبس بالمعجزة ونحوها من خوارق العادات وأنه يلتبس بتسع حقائق من علوم الشرع التي جمعها سيدي عبد الله العلوي في نظمه رشد الغافل وشرحها وهي أنواعه الأربعة المذكورة والخواص المنسوبة للنفوس والطلسمات والأوفاق والعزائم والاستخدامات يفتقر إلى توضيح جهاته الثلاث المذكورة في ثلاث مقاصد

المقصد الأول القدرية على أن السحر لا حقيقة له والجمهور على أن له حقيقة واختلف فيه على هذا القول من ثلاث جهات

الجهة الأولى قال الأصل اختلف الأصوليون في السحر فقال بعضهم لا يكون إلا رقى أجرى الله تعالى عادته أن يخلق عندها افتراق المتحابين ا ه

يريد وقال بعضهم الآخر إنه كما يكون بالرقى المذكورة كذلك يكون بغيرها وينبني عليه ما حكاه عن الطرطوشي في تعليقه من أنه وقع في الموازية إن قطع أذنا ثم ألصقها أو أدخل السكاكين في بطنه فقد يكون هذا سحرا وقد لا يكون سحرا ا ه

وعلى القول الثاني كلام الأصل المتقدم وعلى القول الأول ما مر عن ابن العربي من أن حقيقته أنه كلام إلخ

____________________

(4/296)

يعبد الأصنام الآن بل الأحكام الشرعية تتبع أسبابها وتحققها لا توقعها وإن قطعنا بوقوعها كما أنا نقطع بغروب الشمس وغير ذلك ولا نرتب مسبباتها قبلها وأما قول أصحابنا في التردد إلى الكنائس وأكل الخنزير وغيره فإنما قضينا بكفره في القضاء دون الفتيا وقد يكون فيما بينه وبين الله تعالى مؤمنا

فالذي يستقيم في هذه المسألة ما حكاه الطرطوشي عن قدماء أصحابنا أنا لا نكفره حتى يثبت أنه من السحر الذي كفر الله به أو يكون سحرا مشتملا على كفر كما قاله الشافعي وأما قول مالك أن تعلمه وتعليمه كفر ففي غاية الإشكال فقد قال الطرطوشي وهو من سادات العلماء أنه إذا وقف لبرج الأسد وحكى القضية إلى آخرها فإن هذا سحر فقد تصوره وحكم عليه بأنه سحر فهذا هو تعلمه فكيف يتصور شيئا لم يعلمه

وأما قوله لا يتصور التعلم إلا بالمباشرة كضرب العود فليس كذلك بل كتب السحر مملوءة من تعليمه ولا يحتاج إلى ذلك بل هو كتعلم أنواع الكفر الذي لا يكفر به الإنسان كما نقول إن النصارى يعتقدون في عيسى عليه السلام كذا والصابئة يعتقدون في النجوم كذا ونتعلم مذاهبهم وما هم عليه على وجهه حتى نرد عليهم ذلك فهو قربة لا كفر وقد قال بعض العلماء إن كان تعلم السحر ليفرق بينه وبين المعجزات كان ذلك قربة وكذلك نقول إن عمل السحر بأمر مباح ليفرق به بين المجتمعين على الزنا أو قطع الطريق بالبغضاء والشحناء أو يفعل ذلك بجيش الكفر فيقتلون به ملكهم هذا كله قربة أو يصنعه محبة بين الزوجين أو الملك مع جيش

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

إلا أنه خصه بالرقى المكفرة فافهم

الجهة الثانية هل يؤثر في المسحور فيموت أو يتغير طبعه وعادته وإن لم يباشره وهو مذهبنا وبه قال الشافعي وابن حنبل أو يجوز أن يؤثر إن وصل إلى بدنه كالدخان ونحوه وإلا فلا وهو مذهب أبي حنيفة قولان

الجهة الثالثة هل يقع فيه ما ليس مقدورا للبشر كأن يصل إلى إحياء الموتى وإبراء الأكمه وفلق البحر وإنطاق البهائم وقلب الجماد حيوانا وعكسه كما يقع فيه ما هو مقدور للبشر أو لا يقع فيه إلا ما هو مقدور للبشر قولان الثاني لجماعة منهم القاضي قال ولا يقع فيه إلا ما هو مقدور للبشر وأجمعت الأمة على أنه لا يصل إلى إحياء الموتى وإبراء الأكمه وفلق البحر وإنطاق البهائم ومنهم الأستاذ أبو إسحاق قال وقد يقع التغيير به والضني وربما أتلف وأوجب الحب والبغض والبله وفيه أدوية مثل المرائر والأكباد والأدمغة فهذا الذي يجوز عادة وأما طلوع الزرع في الحال أو نقل الأمتعة والقتل على الفور والعمى والصمم ونحوه وعلم الغيب فممتنع وإلا لم يأمن أحد على نفسه عند العداوة وقد وقع القتل والعناد من السحرة ولم يبلغ فيها أحد هذا المبلغ وقد وصل القبط فيه إلى الغاية ولم يتمكن سحرة فرعون من الدفع عن أنفسهم والتغيب والهروب عند قطع فرعون أيديهم وأرجلهم

ومنهم العلقمي قال كما في العزيزي على الجامع الصغير والحق أن لبعض أسباب السحر تأثيرا في القلوب كالحب والبغض وفي البدن بالألم والسقم وإنما المنكر أن الجماد ينقلب حيوانا وعكسه بسحر الساحر ونحو ذلك ا ه

____________________

(4/297)

الإسلام فتأمل هذه المباحث كلها فالموضع مشكل جدا قول الطرطوشي إذا قال صاحب الشرع من دخل الدار فهو كافر قضينا بكفره عند دخول الدار فهو فرض محال ولا يخبر صاحب الشرع عن إنسان بالكفر إلا إذا كفر وقولهم هو دليل الكفر ممنوع وقولهم لأن صاحب الشرع أخبر بذلك في الكتاب العزيز

قلنا حمل الآية على ما هو كفر من السحر لا محال فيه غايته دخول التخصيص في العموم بالقواعد وهذا هو شأننا في العمومات وأما التكفير بغير سبب الكفر فهو خلاف القواعد ولا شاهد له بالاعتبار وأي دليل دلنا على أن تعلم السحر أو تعليمه لا يكون إلا بالكفر

وقوله تعالى ! 2 < ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر > 2 ! البقرة 102 فالجواب عنه قوله يعلمون الناس السحر نمنع أنه تفسير لقوله ^ كفروا بل أخبار عن حالهم بعد تقرر كفرهم بغير السحر وإنما يتم المقصود إذا كانت الجملة الثانية مفسرة للأولى سلمنا أنها مفسرة لها

لكن يتعين حمله على أن ذلك السحر كان مشتملا على الكفر وكانت الشياطين تعتقد موجب تلك الألفاظ كالنصراني إذا علم المسلم دينه فإنه يعتقد بموجبه وأما علم المسلم دين النصراني ليرد عليه ويتأمل فساد قواعده فلا يكفر المعلم ولا المتعلم وهذا التقييد على وفق القواعد وأما جعل التعليم والتعلم مطلقا كفرا فخلاف القواعد واقتصر على هذا القدر من التنييه على غور هذه المسألة

قلت نقلت هذا الفصل بجملته لافتقار الكلام عليه إلى مقدمة لم يتعين تمهيدها وهي أن كون أمر ما كفرا أي أمر كان ليس من الأمور العقلية بل هو من الأمور الوضعية الشرعية

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وحكى ابن الجويني أن أكثر علمائنا جوزوا أن يستدق جسم الساحر حتى يلج في الكوة ويجري على خيط مستدق ويطير في الهواء ويقتل غيره

والقول الأول أيده الإمام أبو القاسم بن الشاط بأن جميع ما هو مقدور للبشر وما هو غير مقدور لهم من جملة أفعال الله تعالى الجائزة عقلا فلا غرو أن ينتهي إلى الإحياء والإماتة وغير ذلك اللهم إلا أن يكون هنالك مانع سمعي من وقوع بعض تلك الجائزات

قال وإجماع الأمة على أنه لا يصل إلى إحياء الموتى وإبراء الأكمه وفلق البحر وإنطاق البهائم الذي حكاه لا يصح أن يكون مستنده إلا التوقيف ولا أعرف الآن صحة ذلك الإجماع ولا التوقيف الذي استند إليه ذلك الإجماع ا ه

وقال الأصل ووصوله إلى القتل وتغيير الخلق ونقل الإنسان إلى صورة البهائم هو الصحيح المنقول عنهم وقد كان القبط في أيام ملكة مصر بعد فرعون المسماة بدلوكا وضعوا السحر في البرايا وصوروا فيه عساكر الدنيا فأي عسكر قصدهم وأي شيء فعلوه من قلع الأعين أو ضرب الرقاب تخيل ذلك الجيش أو رجاله أنه وقع بذلك العسكر في موضعه فتحاشيهم العساكر فأقاموا ستمائة سنة والنساء هن الملوك والأمراء بمصر بعد غرق فرعون وجيوشه كما حكاه المؤرخون

وأما الجواب عن سحرة فرعون فمن وجوه

الأول أنهم تابوا فمنعتهم التوبة والإسلام العودة إلى معاودة الكفر الذي تكون به تلك الآثار ورغبوا فيما عند الله تعالى ولذلك قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون

الثاني أنه يجوز أنهم لم يكونوا ممن وصلوا لذلك وإنما قصد من

____________________

(4/298)

فإذا قال الشارع في أمر ما هو كفر فهو كذلك سواء كان ذلك القول إنشاء أم أخبارا فإذا تمهدت القاعدة فنقول ما قاله الطرطوشي من أن دليل المالكية قوله تعالى ! 2 < وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر > 2 ! البقرة 102 أي بتعلمه قول صحيح واستدلال المالكية بذلك ظاهر واضح لتعذر حمل قوله ! 2 < فلا تكفر > 2 ! على الكفر بغير التعليم لعدم التآم قوله فلا تكفر على تقدير أن الكفر المنهي عنه غير التعلم مع ما قبله فهو من هذه الجهة وبهذه القرينة نص في أن التعلم هو الكفر ولكن يبقى في ذلك أن الآية أخبار عن واقع قبلنا وخطاب عن غيرنا فلا يتم الاستدلال إلا على القول بأنه شرع لنا وهو المشهور المنصور في المذهب وما قاله الطرطوشي أيضا من أن السحر لا يتأتى إلا ممن يعتقد أنه يقدر به على تغيير الأجسام إن أراد أنه لا يظهر له أثر إلا مع ذلك الاعتقاد فهو مثل ما حكاه الشهاب عن الفخر في المسألة الأولى ولا أدري صحة ذلك

وما قاله من أن الجزم بذلك الاعتقاد كفر

قول صحيح لنسبة التأثير لغير قدرة الله تعالى وما قاله من تسويغ القول بأنه علامة على الكفر الداخل صحيح ما قاله من أنه لو قال الشارع من دخل موضع كذا فهو كافر اعتقدنا كفر الداخل وأن الدخول كفر صحيح لما تقدم من أن الكفر من الأمور الوضعية فإذا قال الشارع في أمر ما أنا كفر مخبرا أو منشئا فذلك الأمر كفر وما قاله من أن معنى قول الأصحاب أن السحر كفر أي دليل الكفر إلى قوله وإن لم تكن وخواص النفوس لا يمكن التكفير بها لأنها ليست من كسبهم ولا كفر بغير مكتسب

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

يقدر من السحرة في ذلك الوقت على قلب العصا حية لأجل موسى عليه السلام

الثالث أنه يجوز أن يكون فرعون قد علمه بعض السحرة حجبا وموانع يبطل بها سحر السحرة اعتناء به والحجب والمبطلات فيه مشتهرة عند أهله قال ودليل أن للسحر حقيقة الكتاب والسنة الإجماع أما الكتاب فقوله تعالى يعلمون الناس السحر وما لا حقيقة له لا يعلم ولا يلزم صدور الكفر عن الملائكة لأنه قرئ الملكين بكسر اللام أو هما ملكان وأذن لهما في تعليم الناس السحر للفرق بين المعجزة والسحر لأن مصلحة الخلق في ذلك الوقت كانت تقتضي ذلك ثم صعدا إلى السماء وقولهما فلا تكفر أي لا تستعمله على وجه الكفر كما يقال خذ المال ولا تفسق به أو يكون معنى قوله عز وجل يعلمون الناس السحر أي ما يصلح للأمرين

وأما السنة ففي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم سحر فكان يخيل إليه أنه يأتي النساء ولا يأتيهن الحديث وقد سحرت عائشة رضي الله عنها جارية اشترتها وفي الموطإ أن جارية لحفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم سحرتها وقد كانت دبرتها فأمرت بها فقتلت كما في التبصرة وأما الإجماع فقد كان السحر وخبره معلوما للصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وكانوا مجمعين عليه قبل ظهور القدرية ولأن الله عز وجل قادر على خلق ما يشاء عقب كلام مخصوص أو أدوية مخصوصة

وأما الوجهان اللذان احتجوا بهما

فالأول قوله تعالى يخيل إليه من

____________________

(4/299)

وأما اعتقادهم أن الكواكب تفعل ذلك بقدرة الله تعالى فهذا خطأ

لأنها لا تفعل ذلك ولا ربط الله تعالى ذلك بها وإنما جاءت الآثار من خواص نفوسهم التي ربط الله تعالى بها تلك الآثار عند ذلك الاعتقاد فيكون ذلك الاعتقاد في الكواكب خطأ

كما إذا اعتقد طبيب أن الله تعالى أودع في الصبر والسقمونيا عقل البطن وقطع الإسهال فإنه خطأ وأما تكفيره بذلك فلا وإن اعتقدوا أن الكواكب تفعل ذلك والشياطين بقدرها لا بقدرة الله تعالى فقد قال بعض علماء الشافعية هذا هو مذهب المعتزلة في استقلال الحيوانات بقدرها دون قدرة الله تعالى فإن انضم إلى ذلك اعتقاد القدرة والتأثير كان كفرا وأجيب عن هذا الفرق بأن تأثير الحيوان في القتل والضر والنفع في العادة مشاهدة من السباع والآدميين وغيرهم وأما كون المشتري أو زحل يوجب شقاوة أو سعاد فإنما هو حزر وتخمين من المنجمين لا صحة له وقد عبدت البقر والشجر والحجارة والثعابين فصارت هذه الشائبة مشتركة بين الكواكب وغير ذا فهو موضع نظر والذي لا مرية فيه أنه كفران اعتقد أنها مستقلة بنفسها لا تحتاج إلى الله تعالى فهذا مذهب الصابئة وهو كفر صريح لا سيما إن صرح بنفي ما عداها وبهذا البحث يظهر ضعف ما قالته الحنفية من أن أمر الشيطان وغيرهم كفر بل ينبغي لهم أن يفصلوا في هذا الإطلاق فإن الشياطين كانت تصنع لسليمان عليه السلام ما يأمرهم به من محاريب وتماثيل وغير ذلك فإن اعتقد الساحر أن الله عز وجل سخر له بسبب عقاقيره مع خواص نفسه الشياطين صعب القول بتكفيره

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

سحرهم أنها تسعى فهو تخيل لا حقيقة له وجوابه أنه حجة لنا لأنه تعالى أثبت السحر وإنما لم ينهض بالخيال إلى السعي ونحن لا ندعي أن كل سحر ينهض إلى كل المقاصد

والثاني أنه لو كانت له حقيقة لأمكن الساحر أن يدعي به النبوة فإنه يأتي بالخوارق على اختلافها وجوابه أن إضلال الله تعالى للخلق ممكن لكن الله تعالى أجرى عادته بضبط مصالحهم فما يسر ذلك على الساحر وكم من ممكن يمنعه الله عز وجل عن الدخول في العالم لأنواع من الحكم مع أننا سنبين بعد إن شاء الله تعالى الفرق بين السحر والمعجزات من وجوه فلا يحصل اللبس والضلال

ا ه بزيادة ما

المقصد الثاني السحر على الجملة نوعان الأول ما هو غير خارق للعوائد والثاني ما هو خارق للعوائد قاله ابن الشاط والنوع الثاني هو ما عرفه المناوي على الجامع الصغير بقوله هو مزاولة النفس الخبيثة لأقوال وأفعال يترتب عليها أمور خارقة ا ه

وأشار بقوله مزاولة النفس الخبيثة إلى ما قاله الإمام فخر الدين بن الخطيب في كتابه الملخص السحر والعين لا يكونان من فاضل ولا يقعان ولا يصحان منه أبدا لأن من شرط السحر الجزم بصدور الأثر وكذلك أكثر الأعمال من شرطها الجزم والفاضل المتبحر في العلوم يرى وقوع ذلك من الممكنات التي يجوز أن توجد وأن لا توجد فلا يصح لفاضل أصلا وأما العين فلا بد فيها من فرط التعظيم للمرئي والنفس الفاضلة لا تصل في تعظيم ما تراه إلى هذه الغاية

____________________

(4/300)

وأما قول الأصحاب أنه علامة الكفر فمشكل لأنا نتكلم في هذه المسألة باعتبار الفتيا ونحن نعلم أن حال الإنسان في تصديقه لله تعالى ورسله بعد عمل هذه العقاقير كحاله قبل ذلكن والشرع لا يخبر على خلاف الواقع

فإن أرادوا الخاتمة فمشكل أيضا لأنا لا نكفر في الحال بكفر واقع في المآل كما أنا لا نجعله مؤمنا في الحال بإيمان وقع في المآل وهو يعبد الأصنام الآن بل الأحكام الشرعية تتبع أسبابها وتحققها لا توقعها وإن قطعنا بوقوعها كما أنا نقطع بغروب الشمس وغير ذلك ولا نرتب مسبباتها قبلها

وأما قول أصحابنا في التردد إلى الكنائس وأكل الخنزير وغيره فإنما قضينا بكفره في القضاء دون الفتيا وقد يكون فيما بينه وبين الله تعالى مؤمنا فالذي يستقيم في هذه المسألة ما حكاه الطرطوشي عن قدماء أصحابنا أنا لا نكفره حتى يثبت أنه من السحر الذي كفر الله به أو يكون سحرا مشتملا على كفر كما قاله الشافعي وأما قول مالك أن تعلمه وتعليمه كفر ففي غاية الإشكال

فقد قال الطرشوشي وهو من سادات العلماء أنه إذا وقع لبرج الأسد وحكى القضية إلى آخرها فإن هذا سحر فقد تصوره وحكم عليه بأنه سحر فهذا هو تعلمه فكيف يتصور شيئا لم يعلمه وأما قوله لا يتصور التعلم إلا بالمباشرة كضرب العود فليس كذلك بل كتب السحرة مملوءة من تعليمه ولا يحتاج إلى ذلك بل هو كتعلم أنواع الكفر الذي لا يكفر به الإنسان كما نقول أن النصارى يعتقدون في عيسى عليه السلام كذا والصابئة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

فلذلك لا يصح السحر إلا من العجائز والتركمان أو السودان ونحو ذلك من النفوس الجاهلة

ا ه

لكن قال ابن الشاط وما قاله الفخر يتوقف على الاختبار والتجربة ولا نعلم صحة ذلك من سقمه قال وقول الشهاب في الفرق الواقع في نفس الأمر بين المعجزات في النبوات وبين السحر وأنواعه والطلسمات وغيرها من الحقائق ونحوها أن المعجزة ما خلق الله في العالم عند تحدي الأنبياء بلا سبب في العادة أصلا كفلق البحر وسير الجبال في الهواء فإن الله تعالى لم يجعل في العالم عقارا يفلق البحر أو يسير الجبال في الهواء ونحو ذلك

وأما السحر وأنواعه والطلسمات ونحوها فهي ما خلق الله في العالم بأسباب في العادة تترتب عليها غير أن تلك الأسباب لم تحصل لكثير من الناس بل لقليل منهم فهي كالعقاقير التي تعمل منها الكيمياء أي نقل الشيء من حالة إلى حالة أعلى منها كتصيير النحاس ذهبا أو فضة إلا أنهما دون الخلقة الأصلية نعم ما كان فيه الكبريت الأحمر يكون ذهبه وفضته جيدا كالخلقة وقد رئي الكبريت الأحمر في تركة أيرم أبي زيد القيرواني وتركة أبي عمران الفاسي واستدل بذلك على جواز عمل الكيمياء إذا كان المعمول بها لا يتبدل ولا يتغير كما في شرح رشد الغافل للعلوي والحشائش التي يعمل منها النفط الذي يحرق الحصون والصخور والدهن الذي من ادهن به لم يقطع فيه حديد وكالسمندل الحيوان الذي لا تعدو عليه النار ولا يأوي إلا فيها ونحو ذلك من الأمور الغريبة قليلة الوقوع في العالم

____________________

(4/301)

يعتقدون في النجوم كذا ونتعلم مذاهبهم ما هم عليه على وجهه حتى نرد عليهم ذلك فهو قربة لا كفر وقد قال بعض العلماء إن كان تعلم السحر ليفرق بينه وبين المعجزات كان ذلك قربة وكذلك نقول أن عمل السحر بأمر مباح ليفرق به بين المجتمعين على الزنا أو قطع الطريق بالبغضاء والشحناء أو يفعل ذلك بجيش الكفر فيقتلون به ملكهم هذا كله قربة أو يصنعه محبة بين الزوجين أو مع جيش الإسلام فتأمل هذه المباحث كلها فالموضع مشكل جدا وقول الطرطوشي إذا قال صاحب الشرع عن إنسان بالكفر إلا إذا كفر

وقولهم هو دليل الكفر ممنوع وقولهم لأن صاحب الشرع أخبر بذلك في الكتاب العزيز قلنا حمل الآية على ما هو كفر من السحر لا محال فيه غايته دخول التخصيص في العموم بالقواعد وهذا هو شأننا في العمومات

وأما التكفير بغير سبب الكفر فهو خلاف القواعد ولا شاهد له في الاعتبار وأي دليل دلنا على أن تعلم السحر أو تعليمه لا يكون إلا بالكفر

وقوله تعالى ! 2 < ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر > 2 ! البقرة 102 فالجواب عنه أن قوله ! 2 < يعلمون الناس السحر > 2 ! نمنع أنه تفسير لقوله ! 2 < كفروا > 2 ! بل أخبار عن حالهم بعد تقرر كفرهم بغير السحر وإنما يتم المقصود إذا كانت الجملة الثانية مفسرة للأولى سلمنا أنها مفسرة لها لكن يتعين حمله على أن ذلك السحر كان مشتملا على الكفر وكانت الشياطين تعتقد

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وإذا وجدت أسبابها وجدت على العادة فيها فليس فيها شيء خارق للعادة بل هي عادة جرت من الله بترتيب مسبباتها على أسبابها

ا ه

مع زيادة إن كان يريد أن جميع ما يحدث عن السحر فهو معتاد وليس فيه ما هو خارق فليس ذلك بصحيح فإن أكثر الأشعرية أو جميعهم يجوزون خرق العادة على يد الساحر إلا أن يقول بالجواز وعدم الوقوع فلا أدري من يعلم ذلك ا ه

قلت وهذا الخلاف بين الأصل وابن الشاط في أنه هل يجوز أن يكون منه خارق أو لا بل جميع ما يحدث عنه معتاد مبني على الخلاف المار في أنه هل يقع فيه ما ليس مقدورا للبشر كالمقدور لهم أو لا يقع فيه إلا ما هو مقدور لهم وعلى ما لابن الشاط فلا يصلح فارقا ما ذكر عنه أنه فرق واقع في نفس الأمر بل يتعين الفرقان الباقيان في كلامه اللذان قال أنهما باعتبار الظاهر لكن لا كما قال بل باعتبار نفس الأمر

الفرق الأول أن السحر وما يجري مجراه يختص بمن عمل له حتى أن أهل هذه الحرف إذا استدعاهم الملوك والأكابر ليبينوا لهم هذه الأمور على سبيل التفرج يطلبون منهم أن تكتب أسماء كل من يحضر ذلك المجلس فيصنعون صنعهم لمن يسمى لهم فإن حضر غيرهم لا يرى شيئا مما رآه الذين سموا أولا بخلاف المعجزة فإنها تظهر لمن عملت له ولغيره قال العلماء وإليه الإشارة بقوله تعالى ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين أي كل ناظر ينظر إليها على الإطلاق ا ه

____________________

(4/302)

المسألة الرابعة الفرق بين المعجزات في النبوات وبين السحر وغيره مما يتوهم أنه من خوارق العادات هذه مسألة عظيمة الوقع في الدين وأشكلت على جماعة من الأصوليين والتبست على كثير من الفضلاء المحصلين والفرق بينهما من ثلاثة أوجه فرق في نفس الأمر باعتبار الباطن وفرقان باعتبار الظاهر أما الفرق الواقع في نفس الأمر فهو أن السحر والطلمسات والسيمياء وهذه الأمور ليس فيها شيء خارق للعادة بل هي عادة جرت من الله بترتيب مسبباتها على أسبابها غير أن تلك الأسباب لم تحصل لكثير من الناس بل للقليل منهم كالعقاقير التي تعمل منها الكيمياء والحشائش التي يعمل منها النفط الذي يحرق الحصون والصخور والدهن الذي من ادهن به لم يقطع فيه حديد والسمندل والحيوان الذي لا تعدو عليه النار ولا يأوي إلا فيها هذه كلها ونحوها في العالم أمور غريبة قليلة الوقوع وإذا وجدت أسبابها وجدت على العادة فيها وكذلك إذا وجدت أسباب السحر الذي أجرى الله به العادة حصل وكذلك السيمياء وغيرها كلها جارية على أسباب عادية غير أن الذي يعرف تلك الأسباب قليل من الناس

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

قال ابن الشاط وإنما يظهر ذلك لمن جربه وتكررت منه التجربة وقل من يجربه ا ه

والفرق الثاني أن الظاهر من قرائن الأحوال المفيدة للعلم القطعي الضروري المحتفة بالأنبياء عليهم السلام مفقودة في حق غيرهم فتجد النبي عليه الصلاة والسلام أفضل الناس نشأة ومولدا ومزية وخلقا وخلقا وصدقا وأدبا وأمانة وزهادة وإشفاقا ورفقا وبعدا عن الدناءات والكذب والتمويه الله أعلم حيث يجعل رسالته ثم أصحابه يكونون في غاية العلم والنور والبركة والتقوى والديانة ألا ترى أن أصحاب رسول الله كانوا بحارا في العلوم على اختلاف أنواعها من الشرعيات والعقليات والحسابيات والسياسيات والعلوم الباطنة والظاهرة حتى يروى أن عليا رضي الله عنه جلس عند ابن عباس رضي الله عنهما يتكلم في الباء من بسم الله من العشاء إلى أن طلع الفجر مع أنهم لم يدرسوا ورقة ولا قرءوا كتابا ولا تفرغوا من الجهاد وقتل الأعداء وإنما كانوا على هذه الحالة ببركته صلى الله عليه وسلم حتى قال بعض الأصوليين لو لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم معجزة إلا أصحابه لكفوه في إثبات نبوته

وكذلك ما علم من فرط صدقه الذي جزم به أولياؤه وأعداؤه وكان يسمى في صغره الأمين إلى غير ذلك مما هو مبسوط في موضعه فما من نبي إلا وله من هذه القرائن الحالية والمقالية العجائب والغرائب بحيث إن من وقف عليها وعرفها من صاحبها جزم بصدقه فيما يدعيه جزما قاطعا وجزم أن هذه الدعوى حق

____________________

(4/303)

أما المعجزات فليس لها سبب في العادة أصلا فلا يجعل الله تعالى في العالم عقارا يفلق البحر أو يسير الجبال في الهوى ونحو ذلك فنحن نريد بالمعجزة ما خلق الله تعالى في العالم عند تحدي الأنبياء على هذا الوجه وهنا فرق عظيم

غير أن الجاهل بالأمرين يقول وما يدريني أن هذا لا سبب له من جهة العادة فيقال له الفرقان الأخيران يذهبان عنك هذا اللبس الفرق الأول منهما أن السحر وما يجري مجراه يختص بمن عمل له حتى أن أهل هذه الحرف إذا استدعاهم الملوك والأكابر ليبينوا لهم هذه الأمور على سبيل التفرج يطلبون منهم أن تكتب أسماء كل من يحضر ذلك المجلس فيصنعون صنعهم لمن يسمى لهم فإن حضر غيرهم لا يرى شيئا مما رآه الذين سموا أولا قال العلماء وإليه الإشارة بقوله تعالى ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين ينظر إليها على الإطلاق ففارقت بذلك السحر والسيمياء وهذا فرق عظيم يظهر للعالم والجاهل

الفرق الثاني من الفرقين الظاهر من قرائن الأحوال المفيدة للعلم القطعي الضروري المحتفة بالأنبياء عليهم السلام المفقودة في حق غيرهم فنجد النبي عليه الصلاة والسلام أفضل الناس نشأة ومولدا ومزية وخلقا وخلقا وصدقا وأدبا وأمانة وزهادة وإشفاقا ورفقا وبعدا عن الدناءات والكذب والتمويه الله أعلم حيث يجعل رسالته ثم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا بحارا في العلوم على اختلاف أنواعها من الشرعيات والعقليات والحسابيات والسياسات والعلوم الباطنة والظاهرة حتى يروى أن عليا رضي الله

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

ولذلك لما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر بنبوته قال له الصديق صدقت من غير احتياج إلى معجزة خارقة فنزل فيهما قوله تعالى والذي جاء بالصدق وصدق به أي محمد جاء بالصدق وأبو بكر صدق به

وأما الساحر فعلى العكس من ذلك كله فلا تجده في موضع إلا ممقوتا حقيرا بين الناس ولا نجد أصحابه وأتباعه وأتباع كل مبطل إلا عديمين الطلاوة لا بهجة عليهم بحيث تنفر النفوس منهم ولا فيهم من نوافل الخير والسعادة أثر ا ه

قال ابن الشاط وما قاله في هذا الفرق صحيح وهو الفرق بين الولي والساحر فكما أن الاتصاف بالصفات المحمودة دون المذمومة فرق بين النبي والساحر كذلك هو الفرق بين الولي وبينه ثم الفرق بين النبي والولي بالتحدي مبني على مذهب من يمنع تحدي الولي بالولاية وأما على مذهب من يجيز تحدي الولي بالولاية فيفرق النبي من الولي بالتحدي بالنبوة ا ه

وقال العلقمي كما في العزيزي على الجامع الصغير والفرق أن السحر يكون بمعاناة أقوال وأفعال حتى يتم للساحر ما يريد والكرامة لا تحتاج لذلك بل إنما تقع غالبا اتفاقا وأما المعجزة فتمتاز عن الكرامة بالتحدي أي دعوى الرسالة ا ه

____________________

(4/304)

عنه جلس عند ابن عباس رضي الله عنهما يتكلم في الباء من بسم الله من العشاء إلى أن طلع الفجر مع أنهم لم يدرسوا ورقة ولا قرءوا كتابا ولا تفرغوا من الجهاد وقتل الأعداء ومع ذلك فإنهم كانوا على هذه الحالة ببركته صلى الله عليه وسلم حتى قال بعض الأصوليين لو لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم معجزة إلا أصحابه لكفوه في إثبات نبوته وكذلك ما علم من فرط صدقه الذي جزم به أولياؤه وأعداؤه وكان يسمى في صغره الأمين إلى غير ذلك مما هو مبسوط في موضعه فمن وقف على هذه القرائن وعرفها من صاحبها جزم بصدقه فيما يدعيه جزما قاطعا وجزم بأن هذه الدعوى حق ولذلك لما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر بنبوته قال له الصديق صدقت من غير احتياج إلى معجزة خارقة فنزل فيهما قوله تعالى والذي جاء بالصدق وصدق به أي محمد جاء بالصدق وأبو بكر صدق به فما من نبي إلا وله من هذه القرائن الحالية والمقالية العجائب والغرائب

وأما الساحر فعلى العكس من ذلك كله لا تجده في موضع إلا ممقوتا حقيرا بين الناس وأصحابه وأتباعه وأتباع كل مبطل عديمين للطلاوة لا بهجة عليهم والنفوس تنفر منهم ولا فيهم من نوافل الخير والسعادة أثر فهذه فروق ثلاثة بين البابين وهي في غاية الظهور لا يبقى معها ولله الحمد لبس ولا شك لجاهل ولا عالم

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

والله سبحانه وتعالى أعلم

المقصد الثالث السحر لما كان اسم جنس عبارة عن اعتقاد ولا يكون إلا كفرا أو قول أو فعل ويكونان تارة كفرا وتارة غير كفر وعما هو خارق للعوائد وغير خارق كما علم مما تقدم عن الأصل وابن الشاط وكانت أنواعه الأربعة المتقدمة والحقائق الخمسة الأخر التي هي من علوم الشر وهي الخواص المنسوبة للنفوس والأوفاق والطلسمات والعزائم والاستخدامات كلها تجري مجراه فيما ذكر تحقق التباسه بهذه الحقائق التسع وافتقرت هذه الحقائق إلى أن تميز عنه إما ببيان الخصوص مطلقا وقد علم مما مر في السيمياء والهيمياء من أنواعه الأربعة وإما ببيان الخصوص من جهة كما في النوعين الباقيين من أنواعه والحقائق الخمسة الأخر المذكورة وهو يفتقر إلى سبعة وصول لبيان الحقائق السبع المذكورة

الوصل الأول الخواص المنسوبة للحقائق أي الذوات من الحيوانات وغيرها أسرار عظيمة وكثيرة أودعها الله تعالى في أجزاء العالم حتى لا يكاد يعرى شيء عن خاصيته فلا يدخلها فعل البشر بل هي ثابتة كاملة مستقلة بقدرة الله تعالى منها ما هو معلوم على الإطلاق كإرواء الماء وإحراق النار ومنها ما هو مجهول على الإطلاق ومنها ما يعلمه الأفراد من الناس وهذه إما مغيرة لأحوال النفوس وهي التي قدمنا أنها نوع من أنواع السحر وإما مختصة بانفعالات الأمزجة صحة أو سقما كالأغذية والأدوية من الجماد والنبات والحيوان المسطورة في كتب الأطباء والعشابين والطبائعيين وهذه من علم الطب لا من علم السحر قاله الأصل وسلمه ابن الشاط

الوصل الثاني الرقى ألفاظ خاصة يحدث عندها الشفاء من الأسقام والأدواء والأسباب المهلكة وهذه الألفاظ منها ما هو مشروع كالفاتحة والمعوذتين

____________________

(4/305)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وكقوله تعالى ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها تقرأ سبع مرات عند دخول محل لقضاء حاجة ما وكقوله تعالى ولما سكت عن موسى الغضب إلى يرهبون سبع مرات لتعطيف القلوب وتسكين غضب الملوك ومنها ما هو غير مشروع كرقى الجاهلية والهند وغيرهم لأنه ربما كان كفرا أو محرما ولذلك نهى مالك وغيره عن الرقى بالعجمية وغير المشروع قد يحدث ضررا فيقال له السحر ولا يقال لفظ الرقى عليه كما تقدم قال الأصل وقد نهى علماء العصر عن الرقية التي تكتب في آخر جمعة من شهر رمضان لما فيها من اللفظ الأعجمي ولأنهم يشتغلون بها عن الخطبة ويحصل بها مع ذلك مفاسد ا ه

وفي الاعتصام لأبي إسحاق الشاطبي وإن كان أصل الدعاء والأذكار غير مشروع كالتي يزعم العلماء أنها مبنية على علم الحروف وهو الذي اعتنى به البوني وغيره ممن حذا حذوه أو قاربه فهي بدعة حقيقة مركبة فإن ذلك العلم فلسفة ألطف من فلسفة معلمهم الأول وهو أرسطو طاليس فردوها إلى أوضاع الحروف وجعلوها هي الحاكمة في العالم وربما أشاروا عند العمل بمقتضى تلك الأذكار

وما قصد بها إلى تحري الأوقات والأحوال الملائمة لطبائع الكواكب ليحصل التأثير عندهم وحيا فحكموا العقول والطبائع كما ترى وتوجهوا شطرها وأعرضوا عن رب العقل والطبائع وإن ظنوا أنهم يقصدونه اعتقادا في استدلالهم بصحة ما انتحلوا على وقوع الأمر وفق ما يقصدونه فإذا توجهوا بالذكر والدعاء المفروض على الفرض المطلوب حصل سواء عليهم أنفعا كان أم ضرا وخيرا كان أم شرا ويبنون على ذلك اعتقاد بلوغ النهاية في إجابة الدعاء أو حصول نوع من كرامات الأولياء كلا ليس طريق ذلك التأثير من مرادهم ولا كرامات الأولياء من نتائج أورادهم فلا تلاقي بين الأرض والسماء ولا مناسبة بين النار والماء وحصول التأثير حسبما قصدوا هو في الأصل من قبيل الفتنة التي اقتضاها في الخلق ذلك تقدير العزيز العليم فالنظر إلى وضع الأسباب والمسببات أحكام وضعها الباري تعالى في النفوس يظهر عندها ما شاء الله من التأثيرات على نحو ما يظهر على المعيون عند الإصابة وعلى المسحور عند عمل السحر بل هو بالسحر أشبه لاستمدادها من أصل واحد وشاهده ما جاء في الحديث الصحيح الذي خرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إن الله يقول أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني وفي بعض الروايات أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء وشرح هذه المعاني لا يليق بما نحن فيه ا ه

الوصل الثالث خواص النفوس بمعنى مقتضى الأمزجة والطبائع نوع خاص من الخواص المودعة في العالم فالحيوانات لا تكاد تتفق طبائعها بل نقطع بأنه ولو عظم شبه فرد منها بفرد آخر لا بد من فرق بينهما وذلك أن التباين لما حصل في الصفات على الإطلاق وجب حصوله في الأمزجة على الإطلاق ألا ترى أن نفسا من الأناسي طبعت على الشجاعة إلى الغاية ونفسا على الجبن إلى الغاية ونفسا على الشر إلى الغاية ونفسا على الخير إلى الغاية ونفسا يهلك ما عظمته وهو المسمى بالعين وليس كل أحد يؤذي بالعين وأحوال من يؤذي بها مختلفة فمنهم من يصيد الطير في الهوى ويقلع الشجر العظيم من القرى ومنهم من لا يصل بها إلا إلى

____________________

(4/306)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

التمريض اللطيف ونحوه ونفسا على صحة الحزر بحيث لا يخطئ الغيب عند شيء مخصوص ولا يتأتى له ذلك في غيره فلذلك تجد بعضهم لا يخطئ في علم الرمل أبدا وآخر لا يخطئ في أحكام النجوم أبدا وآخر لا يخطئ في علم الكف أبدا وآخر لا يخطئ في علم السير أبدا لأن نفسه طبعت على ذلك ولم تطبع على غيره فمن توجهت نفسه لطلب الغيب عند ذلك الفعل الخاص أدركته بخاصيتها فقط لا لأن النجوم فيها شيء ولا الكتف ولا الرمل ولا بقيتها بل هي خواص نفوس فقط

ألا ترى أن بعضهم يجد صحة أعماله في ذلك وهو شاب فإذا صار كبيرا فقدها لأن القوة نقصت عن تلك الحدة التي كانت في الشبوبية وقد ذهبت

قلت ثم إن خواص النفوس على قياس ما تقدم في خواص الحقائق منها ما هو معروف على الإطلاق كخواص النفوس المذكورة ومنها ما هو مجهول على الإطلاق ومنها ما يعلمه من الناس الأفراد قال الأصل كجماعة في الهند إذا وجهوا أنفسهم لقتل شخص انتزعوا قلبه من صدره بالهمة والعزم وقوة النفس فإذا مات وشق صدره لا يوجد فيه قلبه ويجربون بالرمان فيجمعون عليه هممهم فلا توجد فيه حبة

ا ه

ومن حيث إن هذا لا يعلمه إلا الأفراد من الناس قال ابن الشاط وما حكاه عن الهند لا أدري صحته من سقمه ا ه

قال الشيخ عبد الله العلوي الشنقيطي في شرحه على نظمه رشد الغافل إن مص دماء القلب أو نزع القلب نفسه منه ما يكون عن طبع كما هو من جماعة في الهند إذا وجه أحدهم نفسه لقتل شخص انتزع قلبه من صدره بالهمة والعزم إلى آخر ما قاله الأصل وحكاه عن ابن زكري في شرح النصيحة قال والغالب حصول المص المذكور والنزع عن كسب وهذا كثير في السودان سواء ولد في أرضهم أو في أرضنا وقال قبل وبعض الناس يسمي المص المذكور والنزع بسغنيا بضم السين المهملة وضم الغين المعجمة ونون ساكنة ومثناة تحتية مفتوحة وبعضهم يسميه بالسلالة بفتح السين وتشديد اللام الأولى فألف فلام مخففة فهاء تأنيث ا ه وسيأتي في وصل الأوفاق ما قاله في شفاء من فعل به ذلك فترقب

قلت وهذا النوع ونحوه من خواص النفوس هو الذي يلتبس به السحر كما لا يخفى قال الأصل وتبعه ابن زكري في شرح النصيحة وخواص النفوس كثيرة لا تعد ولا تحصى وإلى تباين الأخلاق والخلق والسجايا والقوى كما أن المعادن كذلك الإشارة بقوله عليه الصلاة والسلام الناس معادن كمعادن الذهب والفضة ا ه قال ابن الشاط وما قاله من أن في الحديث الإشارة إلى ما ذكره هو الظاهر منه ويحتمل غير ذلك والله تعالى أعلم ا ه

الوصل الرابع الأوفاق وتسمى علم الأشكال وعلم الجداول وتسمى الأشكال والجداول بالمثلث والمربع والمخمس ونحوها أي كمسبع السلالة الآتي وهي من الباطل إذا قصد بها إضرار أو نفع من لا يستحق ذلك شرعا مع ما في ذلك من الجرأة على أسماء الله تعالى والتصرف فيها لأغراض دنيوية ولهذا يقول بعضهم بابن البوني وأشكاله

____________________

(4/307)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

أما إذا أريد بها غرض لا اعتراض للشرع عليه فلا بأس به كمثلث الغزالي أي مملوء الوسط لتيسير العسير وإخراج المسجون وإيضاع الجنين من الحامل وتيسير الوضع وكل ما هو من هذا المعنى ونسب للغزالي لأنه كان يعتني به كثيرا وإلا فقد قال بعضهم إن هذا المثلث بصورته الآتية يسمى بخاتم أبي سعيد ا ه

وكمسبع السلالة الآتي لكنهم ينهون عنها ألبتة سدا للذريعة كما في شرح سيدي عبد الله العلوي على نظمه رشد الغافل بتصرف وزيادة قال الأصل والأوفاق ترجع إلى مناسبات الأعداد وجعلها على شكل مخصوص

ا ه

قال ابن الشاط تسامح في قوله أنها ترجع إلخ فإنها ليست كذلك بل هي راجعة إلى المساواة بحسب جمع ما في كل سطر من بيوت مربعاتها وجميع ما في البيوت الواقعة على القطر

ا ه

والشكل المخصوص إما مثلث كمثلث بدوح يكتب إذا أريد جلب خير في كاغد أو رق غزال هكذا ومثلث أجهز يكتب إذا أريد دفع شر في كاغد أو رق غزال هكذا ثم يعلق في العنق وكمثلث الكلمتين المذكورتين يكتب إذا أريد كل من جلب الخير ودفع الشر ويرقم في خاناته إما حروف الكلمتين هكذا وإما أعداد كل حرف منهما بحساب الجمل الكبير هكذا

وضابطه على اصطلاحهم أنك لو جمعت الحروف المفردة في كل خانة من الخانات الثلاث من أي جهة أفقية أو عمودية أو مستطيلة يكون مجموعها واحدا وهو عدد 15 وأن تكون الأرقام المكتوبة في الأركان الأربعة من الخاتم زوجية وتسمى مزدوجات المثلث والأرقام المكتوبة في الخانات الأخرى فردية وتسمى مفردات المثلث قاله بعضهم والخاتم المرقوم في خاناته كل من حروف الكلمتين أو أعدادها هو خاتم أبي حامد الغزالي مملوء الوسط

قلت وذكر لي بعض الأفاضل أن للغزالي مثلثا أيضا خالي الوسط وبين لي كيفية وضعه وما يبدأ به من خاناته وما يليه وما يختم به برقم واحد على ما يبدأ به واثنين على ما يليه وهكذا إلى ثمانية وأن صورته هكذا وضابطه أنك لو جمعت أعداد الخانات العمودية أو المستطيلة أو الخانتين الأفقية لكان مجموع كل من الخانات والخانتين الأفقية واحدا وهو عدد 66 وإنك تكتب في وسطه الخالي حاجتك التي تريد قضاءها وتبتدئ بعدد 31 وتختم بعدد 35 فافهم

وإما مربع كمربع بدوح الذي ذكره البوني في شمس المعارف

____________________

(4/308)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الكبرى وأنه يكتب في رق طاهر ويعلق على الشخص لتيسير الفهم والحفظ والحكمة ولتعظيم القدر عند الناس وفي العالم العلوي والسفلي وعلى المسجون لإطلاقه من السجن سريعا وعلى الراية لهزم الأعداء من الكفرة والباغين وما في معنى ذلك بإذن الله تعالى وأنه إما أن يرقم بالأعداد هكذا وإما أن يوضع محل الأعداد حروف هكذا وذكر لكتابته شروطا وإما مخمس وإما مسدس وإما مسبع كمسبع السلالة الذي ذكر الشيخ عبد الله العلوي في شرحه على نظمه رشد الغافل أنه يكتب لشفاء من فعل به مص الدم أو نزع القلب المسمى بالسلالة هذه الآيات والجدول المسبع بعدها في ورقتين إحداهما تجعل على النار وتبخر له والأخرى تعلق عليه وصورة كتابة الآيات والجدول هكذا ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون كما يئس الكفار من أصحاب القبور وقد نظم بعضهم ضبطه بقوله وإن ترد لجدول السلالة فخذه بالنظم وع المقالة مجدول مسبع بعد الآيات معمر بذي الحروف بالثبات فج شث ظخز بصدر أول وابدأ بثانيها واختم بأول وانح لذاك النحو حتى تنتهي بيوته فخذ لذا النظم الشهي

قال الأصل وللأوفاق كتب موضوعة لتعريف كيف توضع حتى تصبر على هذه النسبة من الاستواء وهي كلما كثرت كان وضعها أعسر والضوابط الموضوعة لها حسنة نفيسة لا تتخرم إذا عرفت أعني في صورة الوضع وأما ما ينسب إليها من الآثار فقليلة الوقوع أو عديمته ا ه

وقال ابن الشاط ما قاله صحيح وتبعه ابن زكري في شرح النصيحة وكذا الشيخ عبد الله العلوي في شرحه على نظمه رشد الغافل إلا أنه قال بعد

____________________

(4/309)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

ولشفاء من فعل به المص للدم والنزع للقلب المسمى بالسلالة تكتب هذه الآيات والجدول بعدها إلخ وللمعاصر الفاضل الشيخ محمد حبيب الله من أبيات نظمها في مسبع السلالة قوله هذا سبع لسحر دافع وأنه في بابه لنافع يعرف عند علماء السر مسبع السل مفيد الضر وهو مجرب فقد جربته ونفعه إذ ذاك قد وجدته وكيف لا وهو كلام طيب والعلما في أخذه قد رغبوا وفيه أسماء لمولانا علا يحصل نفعها لمن ذا استعملا ونفعه اشتهر في بلادي وطننا من حاضر وبادي وهو مضاف لكلام الله في خمس آيات على تناهي تناسب الدفع لكل شر لا سيما إن كان شر السحر

وأفادني أن شيخ أشياخه سيدي محمد الخليفة ابن الشيخ سيدي المختار الكنتي في كتابه الطرائف اعترض قول الأصل أو عديمته بأنه غير صحيح بالتجربة

قال وأما قوله فقليلة الوقوع فغير بعيد لفقد شرطها في الناس وهو التقوى أما إذا تحقق الشرط فتحقق المشروط ضروري ا ه والله تعالى أعلم

الوصل الخامس الطلسمات حقيقتها نقش أسماء خاصة لها تعلق بالأفلاك والكواكب على زعم أهل الطلاسم في جسم من المعادن أو غيرها تحدث بها آثار خاصة ربطت بها في مجاري العادات ولا بد مع ذلك من قوة نفس صالحة لهذه الأعمال فليس كل النفوس مجبولة على ذلك بل بعض الناس لا تجري الخاصية المذكورة على يده فلا بد في الطلسم من هذه الأربعة الأول الأسماء المخصوصة والثاني تعلقها ببعض أجزاء الفلك

والثالث جعلها في جسم من الأجسام

والرابع قوة النفس الصالحة لهذه الأعمال قاله الأصل

وقال ابن الشاط وهي ممنوعة شرعا ثم من اعتقد لها فعلا وتأثيرا فذلك كفر وإلا فعلمها معصية غير كفر إما مطلقا وإما ما يؤدي منها إلى مضرة دون ما يؤدي إلى منفعة والله تعالى أعلم ا ه بلفظه

الوصل السادس العزائم قال الأصل حقيقتها كلمات وأسماء يزعم أهل هذا العلم أنها تعظمها الملائكة فمتى أقسم عليها بها أطاعت وأجابت وفعلت ما طلب منها فالمعزم يقسم بتلك الأسماء على ذلك الملك فيحضر القبيل من الجان الذي طلبه أو الشخص منهم فيحكم فيه بما يريد وذلك أنهم يزعمون أن سليمان عليه السلام لما أعطاه الله الملك وجد الجان يعبثون ببني آدم ويسخرون بهم في الأسواق ويخطفونهم من الطرقات فسأل الله تعالى أن يولي على كل قبيل من الجان ملكا يضبطهم عن الفساد فولى الله تعالى الملائكة على قبائل الجن فمنعوهم من الفساد ومخالطة الناس وألزمهم سليمان عليه السلام سكنى القفار والخراب من الأرض دون العامر ليسلم الناس من شرهم ويزعمون أيضا أن لكل نوع من الملائكة أسماء أمرت بتعظيمها فإذا عنى القبيل من الجان أو الشخص منهم ذكر المعزم الأسماء التي تعظمها تلك الملائكة ليحضروا له من عنى وأفسد من الجان ليحكم فيه بما يريد ويزعمون أيضا أن هذا الباب إنما دخله الخلل

____________________

(4/310)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

فارغه

هامش إدرار الشروق

من جهة عدم ضبط تلك الأسماء فإنها أعجمية لا يدرى وزن صيغها وأن كل حرف منها يشك فيه هل هو بالضم أو الفتح أو الكسر وربما أسقط النساخ بعض حروف الاسم من غير علم فيختل العمل فإن المقسم به لفظ آخر لا يعظمه ذلك الملك فلا يجيب فلا يحصل مقصود المعزم قاله الأصل وصححه ابن الشاط إلا أنه قال ولم يذكر حكم العزائم في الشرع وينبغي أن يكون حكمها حكم الرقى إذا تحققت وتحقق أن لا محذور في تلك الألفاظ ا ه فافهم

الوصل السابع الاستخدامات لروحانيات الكواكب ولملوك الجان حقيقتها كلمات خاصة موضوعة في كتب أهل هذا العلم يزعمون أنها إذا حصلت مع البخور الخاص واللباس الخاص على الذي يباشر البخور ومع الأفعال الخاصة التي استوعبوا في كتبهم اشتراطها كانت روحانية ذلك الكوكب مطيعة له وكذلك يكون كل ملك من ملوك الجان مطيعا له وذلك أنهم يزعمون أن للكواكب إدراكات روحانية فإذا قوبلت الكواكب أو ملوك الجان ببخور خاص ولباس خاص على الذي يباشر البخور وربما تقدمت منه أفعال خاصة منها ما هو محرم في الشرع كاللواط ومنها ما هو كفر صريح كالسجود للكواكب أو ملك الجن وكذلك الألفاظ التي يخاطب بها الكواكب أو ملك الجن منها ما هو كفر صريح كندائه بلفظ الآلهية ونحو ذلك ومنها ما هو غير محرم على قدر تلك الكلمات الموضوعة في كتبهم والغالب عليهم الكفر فلا جرم لا يشتغل بهذه الأمور مفلح قاله الأصل وسلمه ابن الشاط والله سبحانه وتعالى أعلم

خاتمة أسأل الله حسنها في تبصرة ابن فرحون قال الباجي قد ذكر الناس في أمر العين وجوها أصحها أن يكون الله سبحانه قد أجرى العادة عند تعجب الناظر من أمر ونطقه دون أن يبرك أن يمرض المتعجب منه أو يتلف أو يتغير لأن العائن إذا برك وهو أن يقول بارك الله فيه بطل المعنى الذي يخاف من العين ولم يكن له تأثير فإن لم يبرك أوقع الله ما أجرى به العادة عند ذلك وقد يتلافى ذلك بعد وقوعه بما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ا ه

وقال ابن العربي الباري سبحانه هو الخالق لما في السموات والأرض وليس فيها حركة ولا سكنة ولا كلمة ولا لفظة إلا سبحانه خالقها في العبد وهو مقدرها له هو تعالى رتب أفعاله ورتب أسبابها ورتب العوائد على أسباب

مثال ذلك العين فإن النفس إذا رأت صورة تستحسنها فغلب ذلك عليها واستولى ذلك على القلب فإن لم تنطق بحرف لم يخلق الله شيئا وإن نطقت بالاستحسان والتعجب من الجمال فقد أجرى الله العادة بأنه إذا خلق النطق بالاستحسان والتعجب مثلا من العائن خلق الله تعالى في بدن المعين المرض والهلكة على قدر ما يريد الله عز وجل فلذلك نهى العائن عن القول والباري تعالى وإن كان قد سبق في حكمه الوجود بذلك فقد سبق من حكمته أن العائن إذا برك سقط حكم فعله ولم يظهر له أثر والباري سبحانه يرد قضاءه بقضائه ومن حكمته أن جعل وضوء العائن يسقط أثر عينه وذلك بخاصة لا يعلمها إلا خالق الخاص والعام وكذلك ما يحدث عند قول الساحر وفعله في جسم المسحور أو ماله وضعه الله تعالى في الأرض

____________________

(4/311)

الفرق الثالث والأربعون والمائتان بين قاعدة قتال البغاة وقاعدة قتال المشركين

قال ابن بشير البغاة هم الذين يخرجون على الإمام يبغون خلعه أو منع الدخول في طاعته أو تبغي منع حق واجب بتأويل في ذلك كله وقاله الشافعي وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم وما علمت في ذلك خلافا وبه يمتازون عن المحاربين ويفترق قتالهم من قتال المشركين بأحد عشر وجها أن يقصدوا بالقتال ردعهم لا قتلهم ويكف عن مدبرهم ولا يجهز على جريحهم ولا يقتل أسراهم ولا تغنم أموالهم ولا تسبى ذراريهم ولا يستعان على قتالهم بمشرك ولا نوادعهم على مال ولا تنصب عليهم الرعادات ولا تحرق عليهم المساكين ولا يقطع شجرهم ويمتاز قتالهم عن قتال المحاربين بخمسة يقاتلون مدبرين ويجوز تعمد قتلهم ويطالبون بما استهلكوا من دم أو مال في الحرب وغيرها ويجوز حبس أسراهم لاستبراء أحوالهم وما أخذوه من الخراج والزكاة لا يسقط عمن كان عليه كالغاصب ونقل صاحب الجواهر في هذا الفرع قال إن ولى البغاة قاضيا أو أخذوا الزكاة أو أقاموا حدا نفذ ذلك كله قاله عبد الملك للضرورة مع التأويل ورده ابن القاسم كله لعدم الولاية وبقول عبد الملك قالت الشافعية

هامش أنوار البروق

في الفرق الثالث والأربعين والمائتين إلى آخر الفرق الخامس والأربعين والمائتان صحيح

هامش إدرار الشروق

بمشيئته وحكمته

ومن فصول الشريعة وفضلها وحكمتها البالغة ما وضعه الله تعالى من الرقى من إذهاب الأمراض من الأبدان بها وإبطال سحر الساحر ورد عين العائن عند الاسترقاء بها ودفع كل ضرر بإذن الله تعالى

والبارئ تعالى هو الذي خلق الشفاء عند الاسترقاء كما خلق الشفاء من الداء عند استعمال الدواء ولا حظ للدواء في ذلك ولا يصح في عقل عاقل أن يكون جماد فاعلا وكما أن الله سبحانه يصرف الأعمال الغريبة داخل البدن بالأدوية كذلك يصرفها خارج البدن بالرقى والتعويذ وقد شاهدنا ذلك والشاهد أقوى من الدليل النظري

ا ه والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق الثالث والأربعون والمائتان بين قاعدة قتال البغاة وقاعدة قتال المشركين وكذا بينهم وقتالهم وبين المحاربين وقتالهم فيفرق بينهم وبين المحاربين بوجهين

الأول البغاة قال ابن بشير هم الذين يخرجون على الإمام يبغون خلعه أو منع الدخول في طاعته ومنع حق واجب بتأويل في ذلك كله وقاله الشافعي وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم قال الأصل وما علمت في ذلك خلافا

ا ه

والمحاربون جمع محارب وهو كما في خليل وأقرب المسالك قاطع الطريق لمنع سلوك أو آخذ مال محترم ولو لم يبلغ نصابا والبضع أحرى على وجه يتعذر معه الغوث أو مذهب عقل ولو انفرد ولو ببلد كمسقي نحو سيكران

____________________

(4/312)

الفرق الرابع والأربعون والمائتان بين قاعدة ما هو شبهة تدرأ بها الحدود والكفارات وقاعدة ما ليس كذلك

قاعدة يقع بها الفرق وهي أن الشبهات ثلاثة شبهة في الوطء وشبهة في الموطوءة وشبهة في الطريق فالشبهة الأولى تعم الحدود والكفارات ومثالها اعتقاد أن هذه الأجنبية امرأته ومملوكته أو نحو ذلك ومثال شبهة الموطوءة الأمة المشتركة إذا وطئها أحد الشريكين فما فيها من نصيبه يقتضي عدم الحد وما فيها من ملك غيره يقتضي الحد فيحصل الاشتباه وهي عين الشبهة كما أن اعتقاد الأولى الذي هو جهل مركب وغير مطابق يقتضي عدم الحد من حيث إنه معتقد الإباحة وعدم المطابقة في اعتقاده يقتضي

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

لذلك ومخادع مميز لأخذ ما معه بتعذر غوث وداخل زقاق أو دار ليلا أو نهارا لأخذ مال بقتال

الوجه الثاني نقل صاحب الجواهر عن عبد الملك أن البغاة ولوا قاضيا أو أخذوا الزكاة وأقاموا حدا نفذ ذلك كله للضرورة مع التأويل وبه قالت الشافعية ورده ابن القاسم كله لعدم الولاية وليس كذلك المحاربون ويفرق بين قتالهم وقتال المحاربين بخمسة وجوه

الأول أن المحاربين يقاتلون مدبرين بخلاف البغاة

الثاني أنه يجوز تعمد قتلهم بخلاف البغاة

الثالث أنهم يطالبون بما استهلكوا من دم أو مال في الحرب وغيرها بخلاف البغاة

الرابع أنه يجوز حبس أسراهم لاستبراء أحوالهم بخلاف البغاة

الخامس أن ما أخذوه من الخراج والزكاة لا يسقط عمن كان عليه كالغاصب بخلاف البغاة

ويفرق بين قتالهم وقتال المشركين بأحد عشر وجها الأول أن يقصد بقتالهم ردعهم لا قتلهم بخلاف المشركين

الثاني أن يكف عن مدبرهم بخلاف المشركين

الثالث أن لا يجهز على جريحهم بخلاف المشركين

الرابع أن لا يقتل أسراهم بخلاف المشركين

الخامس أن لا تغنم أموالهم بخلاف المشركين

السادس أن لا تسبى ذراريهم بخلاف المشركين

السابع أن لا يستعان على قتالهم بمشرك بخلاف المشركين

الثامن أن لا ندعهم على مال بخلاف المشركين

التاسع أن لا تنصب عليهم الرعادات بخلاف المشركين

العاشر أن لا تحرق عليهم المساكن بخلاف المشركين

الحادي عشر أن لا يقطع شجرهم بخلاف المشركين قاله الأصل وسلمه ابن الشاط والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق ارابع والأربعون والمائتان بين قاعدة ما هو شبهة تدرأ بها الحدود والكفارات وقاعدة ما ليس كذلك

وهو أن ضابط الشبهة المعتبرة في إسقاط الحدود والكفارات في إفساد صوم رمضان أمران

الأمر الأول أن لا تخرج عن شبهات ثلاث

الأولى الشبهة في الواطئ كاعتقاد أن هذه الأجنبية امرأته أو مملوكته أو نحو ذلك فالاعتقاد الذي هو جهل مركب وغير مطابق يقتضي عدم الحد من حيث إنه معتقد الإباحة وعدم المطابقة في اعتقاده يقتضي الحد فحصل الاشتباه وهي عين الشبهة

الثانية الشبهة في الموطوءة كالأمة المشتركة إذا وطئها أحد الشريكين فما فيها من نصيبه يقتضي عدم الحد وما فيها من ملك غيره يقتضي الحد فحصل الاشتباه وهي عين الشبهة

الثالثة الشبهة في الطريق كاختلاف العلماء

____________________

(4/313)

الحد فحصلت الشبهة من الشبهين ومثال الثالثة اختلاف العلماء في إباحة الموطوءة كنكاح المتعة ونحوه فإن قول المحرم يقتضي الحد وقول المبيح يقتضي عدم الحد فحصلت الشبهة من الشبهتين فهذه الثلاثة هي ضابط الشبهة المعتبرة في إسقاط الحدود والكفارات في إفساد صوم رمضان غير أن لها شرطا وهو اعتقاد مقارنة السبب المبيح

قال مالك في المدونة في كتاب الصيام إذا جامع في رمضان ناسيا فظن أن ذلك يبطل صومه فتعمد الفطر ثانية أو امرأة رأت الطهر في رمضان ليلا فلم تغتسل حتى أصبحت فظنت أنه لا صوم لمن لم يغتسل قبل الفجر فأكلت أو مسافر قدم إلى أهله ليلا فظن أن من لم يدخل نهارا قبل أن يمسي أن صومه لا يجزئه وأن له أن يفطر فأفطر أو عبد بعثه سيده في رمضان يرعى غنما له على مسيرة ميلين أو ثلاثة فظن أن ذلك سفر فأفطر فليس

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

في إباحة الموطوءة كنكاح المتعة ونحوه فإن قول المحرم يقتضي الحد وقول المبيح يقتضي عدم الحد فحصل الاشتباه وهي عين الشبهة

الأمر الثاني تحقق شرطها وهو اعتقاد المقدم مقارنة السبب المبيح وإن أخطأ في حصول السبب وإلى أمثلة ذلك قال مالك في المدونة في كتاب الصيام إذا جامع في رمضان ناسيا فظن أن ذلك يبطل صومه فتعمد الفطر ثانية أو امرأة رأت الطهر في رمضان ليلا فلم تغتسل حتى أصبحت فظنت أنه لا صوم لمن لم يغتسل قبل الفجر فأكلت أو مسافر قدم إلى أهله ليلا فظن أن من لم يدخل نهارا قبل أن يمسي أن صومه لا يجزئه وأن له أن يفطر فأفطر أو عبد بعثه سيده في رمضان يرعى غنما له على مسيرة ميلين أو ثلاثة فظن أن ذلك سفر فأفطر فليس على هؤلاء إلا القضاء بلا كفارة ا ه

وقال الأصل ونظير هذه الأمثلة في الكفارات في الحدود أن يشرب خمرا يعتقد أنه في الوقت الحاضر خل أو يطأ امرأة أجنبية يعتقد أنها امرأته أو جاريته في الوقت الحاضر وضابط الشبهة التي لا تعتبر في إسقاط الحدود والكفارات في فساد صوم رمضان أيضا أمران الأمر الأول الخروج عن الشبهات الثلاث المذكورة كمن تزوج خامسة أو مبتوتة ثلاثا قبل زوج أو أخته من الرضاع أو النسب أو ذات محرم عامدا عالما بالتحريم أو انتهك حرمة رمضان بالفطر

الأمر الثاني أن لا يتحقق الشرط المذكور وإلى أمثلته قال ابن القاسم عقب ما تقدم عن مالك في المدونة في كتاب الصيام وما رأيت مالكا يجعل الكفارة في شيء من هذه الوجوه على التأويل إلا امرأة قالت اليوم أحيض وكان يوم حيضها ذلك فأفطرت أول نهارها وحاضت في آخره والذي يقول اليوم يوم جمادى فيأكل في رمضان متعمدا في أول النهار ولم يمرض في آخره مرضا لا يقدر على الصوم معه فقال عليهما القضاء والكفارة ا ه

وقال الأصل ونظير الحائض والمريض في الكفارات في الحدود أن يشرب خمرا يعتقد أنه سيصير خلا أو يطأ امرأة يعتقد أنه سيتزوجها فإن الحد لا يسقط لعدم اعتقاد مقارنة العلم لسببه

قال ووجه الفرق بين هذه المسائل وبين مسائل تحقق الشرط المتقدمة أن تلك اعتقد فيها المقدم عليها اقتران السبب المبيح فأوقعت الإباحة فيها قبل سببها فالمقدم في هاته مصيب من حيث إن كلا من المرض والحيض وصيرورة الخمر خلا والعقد على الأجنبية مبيح ومخطئ في التقدم للحكم على سببه والمقدم في تلك مخطئ في حصول السبب مصيب في اعتقاده المقارنة وأنه لم يقصد تقديم الحكم على سببه فعذر بالتأويل الفاسد في تلك ولم يعذر في هاته بالتأويل الفاسد وسر الفرق أن تقدم الحكم على سببه بطلانه مشهور غير

____________________

(4/314)

على هؤلاء إلا القضاء بلا كفارة قال ابن القاسم وما رأيت مالكا يجعل الكفارة في شيء من هذه الوجوه على التأويل إلا امرأة قالت اليوم أحيض وكان يوم حيضها ذلك فأفطرت أول نهارها وحاضت في آخره والذي يقول اليوم يوم جمادى فيأكل في رمضان متعمدا في أول النهار ثم يمرض في آخره مرضا لا يقدر على الصوم معه فقال عليهما القضاء والكفارة

ووجه الفرق بين الحائض والمريض وبين ما تقدم من المسائل أن تلك اعتقد فيها المقدم عليها اقتران السبب المبيح وفي هاتين اعتقد أنه سيقع فأوقعا الإباحة قبل سببها فهما مصيبان من حيث إن المرض والحيض مبيحان مخطئان في التقديم للحكم على سببه والأول مخطئون في حصول السبب مصيبون في اعتقاد المقارنة ولم يقصدوا تقديم الحكم على سببه فعذروا بالتأويل الفاسد ولم يعذر الآخران بالتأويل الفاسد وسر الفرق في ذلك أن تقديم الحكم على سببه بطلانه مشهور غير ملتبس في الشريعة فلا صلاة قبل الزوال ولا صوم قبل الهلال ولا عقوبة قبل الجنايات وهو كثير لا يعد ولا يحصى حتى لا يكاد يوجد خلافه ألبتة

وأما اشتباه صورة الأسباب المبيحة وتحقيق شروطها ومقاديرها فلا يعلمه إلا الفقهاء الفحول وتحقيقه عسير على أكثر الناس فكان اللبس فيه عذرا وما هو مشهور لا يكون اللبس فيه عذرا ونظير الحائض والمريض في الكفارات في الحدود أن يشرب خمرا يعتقد أنه سيصير خلا أو يطأ امرأة يعتقد أنه سيتزوجها فإن الحد لا يسقط لعدم اعتقاد مقارنة العلم لسببه بخلاف أن يعتقد أنه في الوقت الحاضر حل أو هي امرأته أو جاريته في الوقت الحاضر فهذا لا حد عليه فيتحصل لك من ذلك الفرق بين مسائل مالك التي اختلف قوله فيها ويتحصل أيضا قيد آخر ينعطف على الشبهة فيكون شرطا فيها وهو أنا نشترط اعتقاد المقارنة في درء الكفارات والحدود فهذا هو ضابط الشبهة المسقطة للحدود والكفارات وما خرج عن هذه الثلاثة فيه الحد والكفارة كمن تزوج خامسة أو مبتوتة ثلاثا قبل زوج أو أخته من الرضاع أو النسب أو ذات محرم عامدا عالما بالتحريم أو انتهك حرمة رمضان بالفطر وما خرج عن هذه الثلاثة ففيه الحد والكفارة

سؤال قلت لبعض الفضلاء الحديث الذي يستدل به الفقهاء وهو ما يروى ادرءوا الحدود بالشبهات لم يصح وإذا لم يكن صحيحا ما يكون معتمدنا في هذه الأحكام

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

ملتبس في الشريعة فلا صلاة قبل الزوال ولا صوم قبل الهلال ولا عقوبة قبل الجنايات وهو كثير لا يعد ولا يحصى حتى لا يكاد يوجد خلافه ألبتة وما هو مشهور لا يكون اللبس فيه عذرا وأما اشتباه صورة الأسباب المبيحة وتحقيق شروطها ومقاديرها فلا يعلمه إلا فحول الفقهاء وتحقيقه عسير على أكثر الناس

____________________

(4/315)

جوابه قال لي يكفينا أن نقول حيث أجمعنا على إقامة الحد كان سالما عن الشبهة وما قصر عن محل الإجماع لا يلحق به عملا بالأصل حتى يدل دليل على إقامة الحد في صور الشبهات وهو جواب حسن

الفرق الخامس والأربعون والمائتان بين قاعدة القذف إذا وقع من الأزواج للزوجات فإن اللعان يتعدد بتعددهن إذا قذف الزوج زوجاته في مجلس أو مجلسين وبين قاعدة الجماعة يقذفهم الواحد فإن الحد يتحد عندنا فإن قام به واحد سقط كل قذف قبله وقاله أبو حنيفة وقال الشافعي إن قذفهم بكلمات متفرقة فعليه لكل واحدة حد وقاله ابن حنبل أو بكلمة واحدة فقولان عند الشافعي وأحمد وبناه الحنفية على أنه حق لله فصح التداخل فيه وبناه الآخرون على أنه حق لآدمي فيتعدد ويلزمنا أن يكون عندنا قولان بناء على أن حد القذف حق لله تعالى أم لا لأن لنا في هذه القاعدة قولين حكاهما العبدي واللخمي وغيرهما لنا أن هلال بن أمية العجلاني رمى امرأته بشريك ابن سحماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم حد في ظهرك أو تلتعن ولم يقل حدان وجلد عمر الشهود على المغيرة حدا واحدا مع أن كل واحد منهم قذف

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

فكان اللبس فيه عذرا

قال وحديث ادرءوا الحدود بالشبهات الذي يستدل به الفقهاء على هذه الأحكام وإن لم يصح إلا أن معتمدنا فيها ما قاله بعض الفضلاء من أنه حيث أجمعنا على إقامة الحد كان سالما عن الشبهة وما قصر عن محل الإجماع لا يلحق به عملا بالأصل حتى يدل بدليل على إقامة الحد في صور الشبهات

ا ه

وهو حسن هذا تهذيب ما في الأصل وصححه ابن الشاط والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق الخامس والأربعون والمائتان بين قاعدة القذف إذا وقع من الزوج الواحد لزوجاته المتعددات يتعدد اللعان بتعددهن قذفهن في مجلس أو مجلسين وبين قاعدة الجماعة يقذفهم الواحد يتحد الحد فيه عندنا

فإن قام به واحد من الجماعة سقط كل قذف قبله وقاله أبو حنيفة أيضا إلا أنه بناه على أن حد القذف حق لله فصح التداخل فيه وقال الشافعي وأحمد بن حنبل إن قذفهم بكلمات متفرقة فعليه لكل واحد حد أو بكلمة واحدة فقولان عندهما وبنيا ذلك على قولهما إن حد القذف حق لآدمي فيتعدد وعندنا في أن حد القذف حق لله تعالى أم لا قولان حكاهما العبدي واللخمي وغيرهما فكان يلزمنا أن يكون عندنا قولان بالتعدد كما قال الشافعي وابن حنبل بناء على أنه حق لآدمي وبالاتحاد كما قلنا نحن وأبو حنيفة بناء على أنه حق لله تعالى إلا أن حجتنا على الاقتصار على الاتحاد وجوه

الوجه الأول أن هلال بن أمية العجلاني رمى امرأته بشريك ابن سحماء فقال له النبي صلى الله عليه وسلم حد في ظهرك أو تلتعن ولم يقل حدان

الوجه الثاني أن عمر رضي الله عنه جلد الشهود على المغيرة حدا واحدا مع أن كل واحد منهم قذف المغيرة والمزني بها

الوجه الثالث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حد قذفة عائشة رضي الله عنها ثمانين ثمانين رواه

____________________

(4/316)

المغيرة والمزني بها وقد حد رسول الله صلى الله عليه وسلم قذفة عائشة رضي الله عنها ثمانين ثمانين رواه أبو داود مع أنهم قذفوا عائشة رضي الله عنها وصفوان بن المعطل وقياسا على حد الزنا احتجوا بوجوه أحدها القياس على الزوجات الأربع فإنه يحتاج للعانات أربع

وثانيها أنه حق لآدمي فلا يدخله التداخل كالغصب وغيره

والثالث أنه لا يسقط بالرجوع فلا يتداخل كالإقرار بالمال والجواب عن الأول وهو الفرق بين القاعدتين أنه أيمان والأيمان لا تتداخل بخلاف الحدود فلو وجب لجماعة أيمان لم تتداخل وعن الثاني أنه لا يتكرر في الشخص الواحد فلو غلب فيه حق لآدمي لم يتداخل في الشخص الواحد كما لم يتداخل الإتلاف وهو الجواب عن الثالث

تنبيه تخيل بعض أصحابنا وجماعة من الفقهاء أن قوله تعالى والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة أن مقابلة جمع المحصنات بجلد ثمانين يقتضي لغة أن حد الجماعة يكون حدا واحدا ويحصل التداخل وهو المطلوب وهذا باطل بسبب قاعدة وهي أن مقابلة الجمع بالجمع في اللغة تارة توزع الأفراد على الأفراد كقوله تعالى ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فلا يصح إلا التوزيع من كل واحد رهن يؤمر به وكقولنا الدنانير للورثة وتارة لا يوزع

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

أبو داود مع أنهم قذفوا عائشة رضي الله عنها وصفوان بن المعطل

الوجه الرابع القياس على حد الزنا

الوجه الخامس أن احتجاجهم بالقياس على قذف الزوج لزوجاته الأربع يحتاج للعانات أربع مدفوع بالفرق بينهما بوجوه

الأول أن اللعان أيمان والأيمان لا تتداخل فلو وجب لجماعة أيمان لم تتداخل بخلاف الحدود

الثاني أن أحكام اللعان لما تعددت واختلفت وهي توجه الحد على المرأة وانتفاء النسب والميراث وتأبد التحريم ووقوع الفرقة أمكن ثبوت براءة هذه دون هذه بحد أو بغير ذلك من الأحكام فناسب إفراد كل واحدة بلعان لتوقع ثبوت بعض تلك الأحكام في بعض دون الباقي والمقصود بحد القذف واحد وهو التشفي وذلك يحصل بجلد واحد

والثالث أن الزوجية مطلوبة للبقاء فناسب التغليظ بالتعدد وليس بين القاذف والمقذوف ما يقتضي ذلك

الوجه السادس أن احتجاجهم بأن حد القذف حق لآدمي فلا يدخله التداخل كالغصب أو غيره وبأنه لا يسقط بالرجوع فلا يتداخل كالإقرار بالمال مدفوعان بأنه لا يتكرر في الشخص الواحد فلو غلب فيه حق الآدمي لم يتداخل في الشخص الواحد كما لم يتداخل الإتلاف

الوجه السابع أن قوله تعالى والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة لا يقتضي لغة من جهة مقابلة جمع المحصنات بجلد ثمانين أن حد الجماعة يكون حدا واحدا ويحصل التداخل وإن تخيله الطرطوشي من أصحابنا وجماعة من الفقهاء وذلك لأن القاعدة أن مقابلة الجمع بالجمع في اللغة تارة توزع الأفراد على الأفراد كقوله ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فلا يصح إلا التوزيع وأن من كل واحد رهنا يؤمر به وكقولنا الدنانير للورثة وتارة لا يوزع الجمع على الجمع بل يثبت أحد الجمعين لكل فرد من الجمع الآخر نحو الثمانون جلد القذف أو

____________________

(4/317)

الجمع بل يثبت أحد الجمعين لكل فرد من الجمع الآخر نحو الثمانين جلد القذف أو جلد القذف ثمانون وتارة يثبت الجمع للجمع ولا يحكم على الأفراد نحو الحدود للجنايات إذا قصد أن المجموع للمجموع وتارة يرد اللفظ محتملا للتوزيع وعدمه كقوله تعالى إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات يحتمل أن يكون لكل واحد من المؤمنين عدد جنات بمعنى بساتين داخل الجنة ومنازل ويحتمل أن توزع فيكون لبعضهم جنة الفردوس ولبعضهم جنة المأوى ولبعضهم أهل عليين وإذا اختلف أحوال المقابلة بين الجمع بالجمع وجب أن يعتقد أنه حقيقة في أحد هذه الأحوال الثلاث لئلا يلزم الاشتراك أو المجاز فيبطل الاستدلال به على مقابلة الجماعة المقذوفة بحد واحد كما تخيله الطرطوشي وغيره فقد تقدم الفرق بين الجماعة المقذوفة والزوجات بأنه أيمان ومن وجه آخر أن أحكام اللعان تعد في توجه الحد على المرأة وانتفاء النسب والميراث وتأبد التحريم ووقوع الفرقة

وأما حد القذف فمقصود واحد وهو التشفي وذلك يحصل بجلد واحد ثم لما اختلفت الأحكام أمكن ثبوت براءة هذه دون هذه أو بحد أو بغير ذلك من الأحكام فناسب إفراد كل واحد بلعان لتوقع ثبوت بعض تلك الأحكام في بعض دون الباقي

ومن وجه آخر أن الزوجية مطلوبة للبقاء فناسب التغليظ بالتعدد وليس بين القاذف والمقذوف ما يقتضي ذلك

هامش أنوار البروق

فارغه

هامش إدرار الشروق

جلد القذفة ثمانون وتارة يثبت الجمع للجمع ولا يحكم على الأفراد نحو الحدود للجنايات إذا قصد أن المجموع للمجموع وتارة يرد اللفظ محتملا للتوزيع وعدمه كقوله تعالى إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات فيحتمل أن يكون لكل واحد من المؤمنين عدد جنات بمعنى بساتين داخل الجنة ومنازل ويحتمل أن توزع فيكون لبعضهم جنة الفردوس ولبعض جنة المأوى ولبعضهم أعلى عليين وإذا اختلفت أحوال مقابلة الجمع بالجمع وجب أن يعتقد أنه حقيقة في أحد هذه الأحوال الثلاث لئلا يلزم الاشتراك أو المجاز فيبطل استدلال الطرطوشي وجماعة الفقهاء به على مقابلة الجماعة المقذوفة بحد واحد هذا تهذيب ما في الأصل وصححه ابن الشاط

قلت وفي نفسي شيء من قول الأصل وجب أن يعتقد أنه حقيقة إلخ وذلك أنه إن أراد حقيقة في أحد هذه الأحوال الثلاث بلا تعيين لذلك الأحد وإنما يتعين بالقرينة كان هذا عين الاشتراك فلا يصح قوله لئلا يلزم الاشتراك وأنه حقيقة في أحدها مع التعيين كان هذا هو الحقيقة والمجاز فلا يصح قوله أو المجاز نعم قد يقال أراد بالحقيقة الماهية الكلية الصادقة على الأفراد الثلاثة كالإنسان على أفراده فيصح قوله لئلا يلزم إلخ بشقيه ويكون استعماله في واحد من الثلاث حقيقة إن كان من حيث كونه فردا ومجازا إن كان من حيث خصوصه على الصحيح والله سبحانه وتعالى أعلم

____________________

(4/318)

الفرق السادس والأربعون والمائتان بين قاعدة الحدود وقاعدة التعازير من وجوه عشرة

أحدها أنها غير مقدرة واختلفوا في تحديد أكثره واتفقوا على عدم تحديد أقله فعندنا هو غير محدود بل بحسب الجناية والجاني والمجني عليه وقال أبو حنيفة لا يجاوز به أقل الحدود وهو أربعون حد العبد بل ينقص منه سوط وللشافعي في ذلك قولان لنا إجماع الصحابة فإن معن بن زائدة زور كتابا على عمر رضي الله عنه ونقش خاتما مثل خاتمه فجلد مائة فشفع فيه قوم فقال أذكروني الطعن وكنت ناسيا فجلده مائة أخرى ثم جلده بعد ذلك مائة أخرى ولم يخالفه أحد فكان ذلك إجماعا ولأن الأصل مساواة العقوبات للجنايات احتجوا بما في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تجلدوا فوق عشر في غير حدود الله تعالى والجواب أنه خلاف مذهبهم فإنهم يزيدون على عشر أو لأنه محمول على طباع السلف رضي الله عنهم كما قال الحسن إنكم لتأتون

هامش أنوار البروق

قال الفرق السادس والأربعون والمائتان بين قاعدة الحدود وقاعدة التعازير من وجوه قلت جميع ما قاله في هذا الفرق صحيح لكنه أغفل من الأجوبة عن قوله صلى الله عليه وسلم لا تجلدوا فوق عشر جلدات في غير حد من حدود الله أصحها وأقواها وهو أن لفظ الحدود في لفظ الشرع ليس مقصورا على الزنا وشبهه بل لفظ الحدود في عرف الشرع متناول لكل مأمور به ومنهي عنه فالتعليق على هذا من جملة حدود الله تعالى فإن قيل الحديث يقتضي مفهومه أنه يجلد عشر جلدات فما دونها في غير الحدود فما المراد بذلك فالجواب أن المراد به جلد غير المكلفين كالصبيان والمجانين

هامش إدرار الشروق

الفرق السادس والأربعون والمائتان بين قاعدتي الحدود والتعازير

وهو من عشرة وجوه

الوجه الأول أن الحد مقدر شرعا والتعزير غير مقدر شرعا بل قد اتفقوا على عدم تحديد أقله واختلفوا في تحديد أكثره فعندنا هو غير محدود بل بحسب الجناية والجاني والمجني عليه وفي تبصرة ابن فرحون قال المازري في بعض الفتاوى وأما تحديد العقوبة فلا سبيل إليه عند أحد من أهل المذهب وقال في المعلم ومذهب مالك رحمه الله تعالى أنه يجيز في العقوبات فوق الحد وقال فيه أيضا ومشهور المذهب أنه يزاد على الحدود وقد أمر مالك بضرب رجل وجد مع صبي قد جرده وضمه إلى صدره فضربه أربعمائة فانتفخ ومات ولم يستعظم مالك ذلك

ا ه المراد قال الأصل لنا وجهان

الأول إجماع الصحابة فإن معن بن زائدة زور كتابا على عمر رضي الله عنه ونقش خاتما مثل نقش خاتمه فجلده مائة فشفع فيه قوم فقال أذكرتموني الطعن وكنت ناسيا فجلده مائة أخرى ثم جلده بعد ذلك مائة أخرى ولم يخالفه أحد

____________________

(4/319)

أمورا هي في أعينكم أدق من الشعر إن كنا لنعدها من الموبقات فكان يكفيهم قليل التعزير ثم تتابع الناس في المعاصي حتى زوروا خاتم عمر رضي الله عنه وهو معنى قول عمر بن عبد العزيز تحدث للناس أقضية على قدر ما أحدثوا من الفجور ولم يرد رضي الله عنه نسخ حكم بل المجتهد فيه ينتقل له الاجتهاد لاختلاف الأسباب

وثانيها من الفروق أن الحدود واجبة النفوذ والإقامة على الأئمة واختلفوا في التعزير وقال مالك وأبو حنيفة إن كان لحق الله تعالى وجب كالمحدود إلا أن يغلب على ظن الإمام أن غير الضرب مصلحة من الملامة والكلام وقال الشافعي هو غير واجب على الإمام إن شاء أقامه وإن شاء تركه احتج الشافعي رضي الله عنه بما في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعزر الأنصاري الذي قال له في حق الزبير في أمر السقي أن كان ابن عمتك يعني فسامحته ولأنه غير مقدر فلا يجب كضرب الأب والمعلم والزوج

والجواب عن الأول أنه حق لرسول الله صلى الله عليه وسلم فجاز له تركه بخلاف حق الله تعالى لا يجوز له تركه كقوله تعالى كونوا قوامين بالقسط فإذا قسط فتجب إقامته وعن الثاني

هامش أنوار البروق

والبهائم والله تعالى أعلم

وأغفل أيضا التنبيه على ضعف قول إمام الحرمين أن الجناية الحقيرة تسقط عقوبتها وبيان ضعف ذلك القول بل بطلانه أن قوله العقوبة الصالحة لها لا تؤثر فيها ردعا قول متناف من جهة أنه لا معنى لكون العقوبة صالحة للجناية إلا أنها تؤثر فيها العادة الجارية ردعا فإن كانت بحيث لا تؤثر ردعا فليست بصالحة لها هذا أمر لا خفاء به ولا إشكال والله تعالى أعلم وجميع ما قاله في الفروق الثلاثة بعده صحيح أو نقل وترجيح

المسألة الثانية في قتل مسلم بذمي قولان للأئمة القول الأول لمالك والشافعي وأحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنهم لا يقتل به لما في البخاري لا يقتل مسلم بكافر القول الثاني لأبي حنيفة يقتل به لعموم قوله تعالى ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا وهذا قتل مظلوما فيكون لوليه سلطان وعموم قوله تعالى النفس بالنفس وكذا سائر العمومات والجواب أن ما ذكرنا خاص فيقدم على العمومات على ما تقرر في أصول الفقه

هامش إدرار الشروق

فكان ذلك إجماعا وفي التبصرة قال المازري وضرب عمر رضي الله عنه صبيغا أكثر من الحد أي ولم ينكر عليه أحد من الصحابة وإلا لورد

الثاني أن الأصل مساواة العقوبات للجنايات قال الأصل وقال أبو حنيفة لا يجاوز به أي بالتعزير أقل الحدود وهو أربعون حد العبد بل ينقص منه سوط وللشافعي في ذلك قولان وفي التبصرة وبقول أبي حنيفة قال الشافعي وقال أيضا لا يبلغ عشرين وفيها أيضا ولم يزد أحمد بن حنبل في العقوبات على العشرة قال الأصل واحتجوا بما في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تجلدوا فوق عشر جلدات في غير حد من حدود الله

وأجاب أصحابنا عنه بأجوبة منها قال ابن الشاط وأغفله الشهاب وهو أصحها وأقواها إن لفظ الحدود في لفظ الشرع ليس مقصورا على الزنا وشبهه بل لفظ الحدود في عرف الشرع متناول لكل مأمور به ومنهي عنه فالتعليق على هذا من جملة حدود الله تعالى والمراد بغير حدود الله في الحديث جلد غير المكلفين كالصبيان والمجانين والبهائم فافهم

ا ه

وعبارة المعلم كما في التبصرة وتأول أصحابنا الحديث على أن المراد بقوله في غير حد إلخ أي في غير حق من حقوق الله تعالى وإن لم يكن من المعاصي المقدر حدودها لأن المعاصي كلها من حدود الله تعالى ا ه ومنها أن الحديث مقصور على زمنه عليه الصلاة والسلام لأنه كان يكفي الجاني منه هذا القدر كما في المعلم قال الأصل أي هو محمول على طباع السلف رضي الله عنهم كما قال الحسن إنكم لتأتون أمورا هي في أعينكم أدق من الشعر وإن كنا لنعدها من الموبقات فكان يكفيهم قليل التعزير ثم تتابع الناس في

____________________

(4/320)

أن غير المقدر قد يجب كنفقات الزوجات والأقارب ونصيب الإنسان في بيت المال غير مقدر وهو واجب ولأن تلك الكلمات كانت تصدر لجفاء الأعراب لا لقصد السب

وثالث الفروق أن التعزير على وفق الأصل من جهة اختلافه باختلاف الجنايات وهو الأصل بدليل الزنا مائة وحد القذف ثمانون والسرقة القطع والحرابة القتل وقد خولفت القاعدة في الحدود دون التعازير فسوى الشرع بين سرقة دينار وسرقة ألف دينار وشارب قطرة من الخمر وشارب جرة في الحد مع اختلاف مفاسدها حدا وعقوبة الحر والعبد سواء مع أن حرمة الحر أعظم لجلالة مقداره بدليل رجم المحصن دون البكر لعظم مقداره مع أن العبيد إنما ساوت الأحرار في السرقة والحرابة لتعذر التجزئة بخلاف الجلد واستوى الجرح اللطيف الساري للنفس والعظيم في القصاص مع تفاوتهما وقتل الرجل العالم الصالح التقي الشجاع البطل مع الوضيع

الرابع من الفروق أن التعزير تأديب يتبع المفاسد وقد لا يصحبها العصيان في كثير من الصور كتأديب الصبيان والبهائم والمجانين استصلاحا لهم مع عدم المعصية وجاء في هذا الفرق فرع وهو أن الحنفي إذا شرب النبيذ ولم يسكر قال مالك أحده ولا أقبل شهادته لأن تقليده في هذه المسألة لأبي حنيفة لا يصح لمنافاتها للقياس الجلي على الخمر ومخالفة النصوص الصحيحة ما أسكر كثيره فقليله حرام وقال الشافعي رضي الله عنه أحده وأقبل شهادته أما حده فللمفسدة الحاصلة من التوسل لإفساد العقل وأما قبول

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

المعاصي حتى زوروا خاتم عمر رضي الله عنه وهو معنى قول عمر بن عبد العزيز تحدث للناس أقضية على قدر ما أحدثوا من الفجور ولم يرد رضي الله عنه نسخ حكم بل المجتهد فيه ينتقل له الاجتهاد لاختلاف الأسباب

ومنها أنه لا يوافق ظاهر الحديث إلا مذهب أحمد بن حنبل وأما الأحناف والشافعية فإنهم يزيدون على العشر فظاهر الحديث خلاف مذهبهم

والوجه الثاني من الفروق أن الحدود واجبة النفوذ والإقامة على الأئمة واختلفوا في التعزير فقال مالك وأبو حنيفة رحمهما الله تعالى إن كان لحق الله تعالى وجب كالحدود إلا أن يغلب على ظن الإمام أن غير الضرب من الملامة والكلام مصلحة أي وإن كان لحق آدمي لم يجب وفي تبصرة ابن فرحون فإن تجرد التعزير عن حق آدمي وانفرد به حق السلطنة كان لولي الأمر مراعاة حكم الأصلح في العفو والتعزير وله التشفيع فيه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال اشفعوا إلي ويقضي الله على لسان نبيه ما يشاء قال فلو تعافى الخصمان عن الذنب قبل الترافع إلى ولي الأمر سقط حق الآدمي وفي حق السلطنة والتقويم والأدب وجهان أظهرهما عدم السقوط فله مراعاة الأصلح من الأمرين والأصح أنه لا يسقط التعزير بإسقاط ما وجب بسببه ولو نص على العفو والإسقاط

ويسقط بإسقاطه ضمنا كما إذا عفا مستحق الحد عن الحد قبل بلوغ الإمام إذ ليس للإمام التعزير والحالة هذه لاندراجه في الحد الساقط وقيل لا يسقط إذ وجوب التعزير المقترن بالحد لمجرد حق السلطنة فلا ينبغي سقوطه

____________________

(4/321)

شهادته فإنه لم يعص بناء على صحة التقليد عنده قال والعقوبات تتبع المفاسد لا المعاصي فلا تنافي بين عقوبته وقبول شهادته ويبطل عليه قوله من جهة أن هذا إنما هو في التعازير أما الحدود المقدرة فلم توجد في الشرع إلا في معصية عملا بالاستقراء فالحق مع مالك رحمه الله تعالى الخامس من الفروق أن التعزير قد يسقط وإن قلنا بوجوبه قال إمام الحرمين إذا كان الجاني من الصبيان أو المكلفين قد جنى جناية حقيرة والعقوبة الصالحة لها لا تؤثر فيه ردعا والعظيمة التي تؤثر فيه لا تصلح لهذه الجناية سقط تأديبه مطلقا أما العظيمة فلعدم موجبها وأما الحقيرة فلعدم تأثيرها وهو بحث حسن ما ينبغي أن يخالف فيه

السادس من الفروق أن التعزير يسقط بالتوبة ما علمت في ذلك خلافا والحدود لا تسقط بالتوبة على الصحيح إلا الحرابة لقوله تعالى إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم

سؤال مفسدة الكفر أعظم المفاسد والحرابة أعظم مفسدة من الزنا وهاتان المفسدتان العظيمتان تسقطان بالتوبة والمؤثر في سقوط الأعلى أولى أن يؤثر في سقوط الأدنى وهو سؤال قوي يقوي قول من يقول بسقوط الحدود بالتوبة قياسا على هذا المجمع عليه بطريق الأولى

وجوابه من وجوه أحدها أن سقوط القتل في الكفر يرغب في الإسلام فإن قلت إنه يبعث على الردة قلت الردة قليلة فاعتبر جنس الكفر وغالبه

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

بإسقاط الحد من الأحكام السلطانية قال فلو كان الخصمان المترافعان والدا وولدا فلا حق للولد في تعزير والده نعم يختص تعزيره لحق السلطنة فلولي الأمر فعل أحد الأمرين وتعزير الولد مشترك بين حقي الوالد والسلطنة

ا ه بلفظه

وقال الشافعي رحمه الله تعالى هو غير واجب على الإمام إن شاء أقامه وإن شاء تركه أي مطلقا محتجا بوجهين

الأول ما في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعزر الأنصاري الذي قاله في حق الزبير في أمر السقي أن كان ابن عمتك يعني فسامحته وجوابه أنه حق لرسول الله صلى الله عليه وسلم فجاز له تركه بخلاف حق الله تعالى لا يجوز له تركه كقوله تعالى كونوا قوامين بالقسط فإذا قسط فتجب إقامته على أن تلك الكلمات كانت تصدر لجفاء الأعراب لا لقصد السب

والثاني أنه غير مقدر فلا يجب كضرب الأب والمعلم والزوج وجوابه أن غير المقدر قد يجب كنفقات الزوجات والأقارب ونصيب الإنسان في بيت المال غير مقدر وهو واجب

الوجه الثالث من الفروق أن الحدود وإن جرت على الأصل والقاعدة من اختلاف العقوبات باختلاف الجنايات من جهة أن الشارع جعل حد الزنا مائة وحد القذف ثمانين وحد السرقة القطع وحد الحرابة القتل إلا أنها جرت على خلاف الأصل المذكور في مسائل

منها أن الشرع سوى في الحد بين سرقة دينار وسرقة ألف دينار

ومنها أنه سوى في الحد بين شارب قطرة من الخمر وشارب جرة مع اختلاف مفاسدها حدا

ومنها أنه جعل عقوبة الحر والعبد سواء مع أن حرمة الحر أعظم لجلالة مقداره بدليل رجم المحصن دون البكر لعظم مقداره مع أن العبيد إنما ساوت الأحرار في

____________________

(4/322)

وثانيها أن الكفر يقع للشبهات فيكون فيه عذر عادي ولا يؤثر أحد أن يكفر لهواه قلنا ولا يزني أحد إلا لهواه فناسب التغليظ

وثالثها أن الكفر لا يتكرر غالبا وجنايات الحدود تكرر غالبا فلو أسقطناها بالتوبة ذهبت مع تكررها مجانا وتجرأ عليها الناس في اتباع أهويتهم أكثر وأما الحرابة فلأنا لا نسقطها إلا إذا لم نتحقق المفسدة بالقتل أو أخذ المال أما متى قتل قتل إلا أن يعفو الأولياء عن الدم وإذا أخذ المال وجب الغرم وسقط الحد لأنه حد فيه تخيير بخلاف غيره فإنه محتم والمحتم آكد من المخير فيه

السابع أن التخيير يدخل في التعازير مطلقا ولا يدخل في الحدود إلا في الحرابة إلا في ثلاثة أنواع فقط

تنبيه التخيير في الشريعة لفظ مشترك بين أشياء أحدها الإباحة المطلقة كالتخيير بين أكل الطيبات وتركها

وثانيها الواجب المطلق كتصرفات الولاة ت فمتى قلنا الإمام مخير

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

السرقة والحرابة لتعذر التجزئة بخلاف الجلد

ومنها أنه سوى بين الجرح اللطيف الساري للنفس والعظيم في القصاص مع تفاوتهما

ومنها أنه سوى بين قتل الرجل العالم الصالح التقي الشجاع البطل مع الوضيع

وأما التعزير فهو على وفق الأصل المذكور أبدا فيختلف دائما باختلاف الجنايات قال ابن فرحون في التبصرة ولا يختص بفعل معين ولا قول معين ونذكر من ذلك بعض ما وردت به السنة فما قال ببعضه أصحابنا وبعضه خارج المذهب

فمنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عزر الثلاثة الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن الكريم بالهجر فهجروا خمسين يوما لا يكلمهم أحد وقصتهم مشهورة في الصحاح

ومنها أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضرب صبيغا الذي كان يسأل عن الذاريات وغيرها ويأمر الناس بالتفقه في المشكلات من القرآن ضربا وجيعا ونفاه إلى البصرة أو الكوفة وأمر بهجره فكان لا يكلمه أحد حتى تاب وكتب عامل البلد إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخبره بتوبته فأذن للناس في كلامه

ومنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عزر بالنفي فأمر بإخراج المخنثين من المدينة ونفيهم وكذلك الصحابة من بعده صلى الله عليه وسلم

ومنها أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حلق رأس نصر بن الحجاج ونفاه من المدينة لما تشبب النساء به في الأشعار وخشى الفتنة بها

ومنها ما فعله صلى الله عليه وسلم بالعرنيين

ومنها أمره صلى الله عليه وسلم للمرأة التي لعنت ناقتها أن تخلي سبيلها

ومنها أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه استشار الصحابة في رجل ينكح كما تنكح المرأة فأشاروا بحرقه في النار فكتب أبو بكر رضي الله عنه بذلك إلى خالد بن الوليد رضي الله عنه ثم حرقهم عبد الله بن الزبير في خلافته ثم حرقهم هشام بن عبد الملك وهو رأي ابن حبيب من أصحابنا ذكره في مختصر الواضحة

ومنها أن أبا بكر رضي الله عنه حرق جماعة من أهل الردة

ومنها إباحته صلى الله عليه وسلم سلب الذي يصطاد في حرم المدينة لمن وجده

ومنها أمره صلى الله عليه وسلم بكسر دنان الخمر وشق ظروفها

ومنها أمره صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر رضي الله عنه بتحريق الثوبين المعصفرين

ومنها أمره صلى الله عليه وسلم يوم خيبر بكسر القدور التي طبخ فيها لحم الحمر

____________________

(4/323)

في صرف مال بيت المال أو في أسارى العدو أو المحاربين أو التعزير فمعناه أن ما تعين سببه ومصلحته وجب عليه فعله ويأثم بتركه فهو أبدا ينتقل من واجب إلى واجب كما ينتقل المكفر في كفارة الحنث من واجب إلى واجب غير أن له ذلك يهواه في التكفير والإمام يتحتم في حقه ما أدت المصلحة إليه لا أن هاهنا إباحة ألبتة ولا أنه يحكم في التعازير بهواه وإرادته كيف خطر له وله أن يعرض عما شاء ويقبل منها ما شاء هذا فسوق وخلاف الإجماع بل الصواب ما تقدم ذكره

وثالثها تخيير الساعي بين أخذ أربع حقاق أو خمس بنات لبون في صدقة الإبل فإن الإمام هاهنا يتخير كما يتخير المكفر في كفارة الحنث غير أن الفرق بينهما أن هذا تخيير أدت إليه الأحكام وفي الحنث تخيير متأصل فتأمل هذه التخييرات

الثامن أنه يختلف باختلاف الفاعل والمفعول معه والجناية والحدود لا تختلف باختلاف فاعلها فلا بد في التعزير من اعتبار مقدار الجناية والجاني

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الأهلية ثم استأذنوه في غسلها فأذن لهم فدل على جواز الأمرين لأن العقوبة بالكسر لم تكن واجبة

ومنها هدمه صلى الله عليه وسلم لمسجد الضرار

ومنها أمره صلى الله عليه وسلم بتحريق متاع الذي غل من الغنيمة

ومنها إضعاف الغرم على سارق ما لا قطع فيه من التمر والكسر

ومنها إضعاف الغرم على كاتم الضالة

ومنها أخذه شطر مال مانع الزكاة غرمة من غرامات الرب تبارك وتعالى

ومنها أمره صلى الله عليه وسلم لابس خاتم الذهب بطرحه فطرحه فلم يعرض له أحد

ومنها أمره صلى الله عليه وسلم بقطع نخيل اليهود إغاظة لهم

ومنها تحريق عمر رضي الله عنه للمكان الذي يباع فيه الخمر

ومنها تحريق عمر قصر سعد بن أبي وقاص لما احتجب فيه عن الرعية وصار يحكم في داره ومنها مصادرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عماله بأخذ شطر أموالهم فقسمها بينهم وبين المسلمين

ومنها أنه رضي الله عنه ضرب الذي زور على نقش خاتمه وأخذ شيئا من بيت المال مائة ثم ضربه في اليوم الثاني مائة ثم ضربه في اليوم الثالث مائة

ومنها أن عمر رضي الله تعالى عنه لما وجد مع السائل من الطعام فوق كفايته وهو يسأل أخذ ما معه وأطعمه إبل الصدقة

ومنها أنه رضي الله تعالى عنه أراق اللبن المغشوش وغير ذلك مما يكثر تعداده وهذه قضايا صحيحة معروفة قال ابن قيم الجوزية وأكثر هذه المسائل شائعة في مذهب أحمد رضي الله تعالى عنه وبعضها شائع في مذهب مالك رضي الله تعالى عنه ومن قال إن العقوبة المالية منسوخة فقد غلط على مذاهب الأئمة نقلا واستدلالا وليس بمسلم دعواه نسخها كيف وفعل الخلفاء الراشدين وأكابر الصحابة لها بعد موته صلى الله عليه وسلم مبطل لدعوى نسخها والمدعون للنسخ ليس معهم كتاب ولا سنة ولا إجماع يصحح دعواهم إلا أن يقول أحدهم مذهب أصحابنا لا يجوز فمذهب أصحابه عيار على القبول والرد ا ه

قال ابن فرحون والتعزير بالمال قال به المالكية ولهم فيه تفصيل ذكرت منه في كتاب الحسبة طرفا فمن ذلك مسائل

المسألة الأولى سئل مالك عن اللبن المغشوش أيهراق

قال لا ولكن أرى أن يتصدق به إذا كان هو الذي غشه وقال في الزعفران والمسك المغشوش مثل ذلك وسواء كان ذلك كثيرا أو قليلا وخالفه ابن القاسم في الكثير فقال يباع المسك والزعفران إلى من لا يغش به ويتصدق بالثمن أدبا للغاش

المسألة الثانية أفتى ابن القطان الأندلسي في الملاحم الرديئة النسج بأن تحرق وأفتى ابن عتاب بتقطيعها والصدقة بها خرقا

المسألة الثالثة إذا اشترى عامل القراض من يعتق على رب المال عالما بأنه قريبه فإنه إن

____________________

(4/324)

والمجني عليه

التاسع أن التعزير يختلف باختلاف الأعصار والأمصار فرب تعزير في بلاد يكون إكراما في بلد آخر كقلع الطيلسان بمصر تعزير وفي الشام إكرام وكشف الرأس عند الأندلس ليس هوانا وبالعراق ومصر هوان

العاشر أنه يتنوع لحق الله تعالى الصرف كالجناية على الصحابة أو الكتاب العزيز ونحو ذلك وإلى حق العبد الصرف كشتم زيد ونحوه والحدود لا يتنوع منها حد بل الكل حق لله تعالى إلا القذف على خلاف فيه إما أنه تارة يكون حدا حقا لله تعالى وتارة يكون حقا لآدمي فلا يوجد ألبتة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

كان موسرا عتق العبد وغرم العامل ثمنه وحصة رب المال من الربح إن كان في المال يوم الشراء ربح وولاؤه لرب المال وذلك لتعديه فيما فعل

المسألة الرابعة من وطئ أمة له من محارمه ممن لا يعتق عليه بالملك فإنه يعاقب وتباع عليه وإخراجها عن ملكه كرها من العقوبة بالمال

المسألة الخامسة الفاسق إذا آذى جاره ولم ينته تباع عليه الدار وهو عقوبة في المال والبدن

المسألة السادسة من مثل بأمته عتقت عليه وذلك عقوبة بالمال ا ه

الوجه الرابع من الفروق أن الحدود المقدرة لم توجد في الشرع إلا في معصية عملا بالاستقراء بخلاف التعزير فإنه تأديب يتبع المفاسد وقد لا يصحبها العصيان في كثير من الصور كتأديب الصبيان والبهائم والمجانين استصلاحا لهم مع عدم المعصية قال الأصل ومن هنا يبطل على الشافعي قوله في الحنفي إذا شرب النبيذ ولم يسكر أحده وأقبل شهادته أما حده فللمفسدة الحاصلة من التوسل لإفساد العقل وأما قبول شهادته فلأنه لم يعص بناء على صحة التقليد عنده قال والعقوبات تتبع المفاسد لا المعاصي فلا تنافي بين عقوبته وقبول شهادته

ا ه

لما علمت من أن هذا إنما هو في التعاذير لا في الحدود ويكون الحق فيه قول مالك أحده ولا أقبل شهادته لأن تقليده في هذه المسألة لأبي حنيفة لا يصح لمنافاتها للقياس الجلي على الخمر ومخالفة النصوص الصحيحة ما أسكر كثيره فقليله حرام فافهم

الوجه الخامس من الفروق أن الحدود لا تسقط بحال بخلاف التعزير فإنه قد يسقط وإن قلنا بوجوبه قال إمام الحرمين إذا كان الجاني من الصبيان والمكلفين قد جنى جناية حقيرة والعقوبة الصالحة لها لا تؤثر فيه ردعا والعظيمة التي تؤثر فيه لا تصلح لهذه الجناية سقط تأديبه مطلقا أما العظيمة فلعدم موجبها وأما الحقيرة فلعدم تأثيرها

ا ه

قال الأصل وهو بحث حسن ما ينبغي أن يخالف فيه

ا ه

وقال ابن الشاط وبيان ضعف قول إمام الحرمين أن الجناية الحقيرة تسقط عقوبتها بل بطلانه أن قوله العقوبة الصالحة لها لا تؤثر فيه ردعا قول متناف من جهة أنه لا معنى لكون العقوبة صالحة للجناية إلا أنها تؤثر فيها العادة الجارية ردعا فإن كانت بحيث لا تؤثر ردعا فليست بصالحة لها هذا أمر لا خفاء به ولا إشكال والله تعالى أعلم ا ه

الوجه السادس من الفروق أن التعزير يسقط بالتوبة قال الأصل ما علمت في ذلك خلافا والحدود لا تسقط بالتوبة على الصحيح إلا الحرابة والكفر فإنهما يسقط حدهما بالتوبة إجماعا لقوله تعالى إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم ولقوله تعالى قل للذين كفروا إن ينتهوا الآية لا يقال قياس نحو الزنا من باقي المفاسد الموجبة للحد على هذا المجمع

____________________

(4/325)

فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

عليه بأن يقال مفسدة الكفر أعظم المفاسد والحرابة أعظم مفسدة من الزنا فإذا أثرت التوبة في سقوط هاتين المفسدتين العظيمتين فلأن تؤثر فيما دونهما من المفاسد بطريق الأولى إذ المؤثر في سقوط الأعلى أولى أن يؤثر في سقوط الأدنى يقوي قول من يقول بسقوط الحدود بالتوبة فكيف يكون مقابل الصحيح لأنا نقول القياس المذكور لا يصح أما بالنسبة للكفر فمن وجوه

أحدها أن سقوط القتال في الكفر يرغب في الإسلام وكونه يبعث على الردة مدفوع بأن الردة قليلة فاعتبر جنس الكفر وغالبه

و ثانيها أن الكفر يقع للشبهات فيكون فيه عذر عادي ولا يؤثر أحد أن يكفر لهواه بخلاف نحو الزنا فإنه لا يزني أحد مثلا إلا لهواه فناسب التغليظ

وثالثها أن الكفر لا يتكرر غالبا وجنايات الحدود تتكرر غالبا فلو أسقطناها بالتوبة ذهبت مع تكررها مجانا وتجرأ عليها الناس في اتباع أهويتهم أكثر وأما بالنسبة للحرابة فلأنا لا نسقطها بالتوبة إلا إذا لم تتحقق المفسدة بالقتل أو أخذ المال أما متى قتل قتل إلا أن يعفو الأولياء عن الدم وإذا أخذ المال وجب الغرم وسقط الحد لأنه حد فيه تخيير بخلاف غيره فإنه محتم والمحتم آكد من المخير فيه

الوجه السابع من الفروق أن التخيير يدخل في التعاذير مطلقا ولا يدخل في الحدود إلا في الحرابة إلا في ثلاثة أنواع منها فقط وتلك الثلاثة

أحدها ما في قول أقرب المسالك وتعين قتله إن قتل

وثانيها ما في تبصرة ابن فرحون إن طال أمره وأخذ المال ولم يقتل بحد فقد قال مالك وابن القاسم في الموازية يقتل ولا يختار الإمام فيه غير القتل

ا ه وثالثها ما في التبصرة عن الباجي قال أشهب في الذي أخذ بحضرة ذلك ولم يقتل ولم يأخذ المال هذا الذي قال فيه مالك لو أخذ فيه بأيسر ذلك قال عنه ابن القاسم أحب إلي أن يجلد وينفى ويحبس حيث نفي إليه

ا ه بلفظه

والمراد بالتخيير هاهنا الواجب المطلق بمعنى الانتقال من واجب إلى واجب بشرط الاجتهاد المؤدي إلى ما يتحتم في حق الإمام مما أدت إليه المصلحة لا التخيير بمعنى الإباحة المطلقة إذ لا إباحة هاهنا ألبتة ولا التخيير بمعنى الانتقال من واجب إلى واجب بهواه وإرادته كيف خطر له وله أن يعرض عما شاء ويقبل منها ما شاء فإن هذا هاهنا فسوق وخلاف الإجماع وذلك أن التخيير في الشريعة لفظ مشترك بين شيئين

أحدهما الإباحة المطلقة كالتخيير بين أكل الطيبات وتركها

وثانيهما الواجب المطلق وتحته نوعان

الأول انتقال من واجب إلى واجب بشرط الاجتهاد ليؤدي إلى ما تعين سببه وأدت المصلحة إليه فيجب عليه فعله ويأثم بتركه كتصرفات الولاة فمتى قلنا الإمام مخير في صرف مال بيت المال أو في أسارى العدو أو المحاربين أو في التعزير كان معناه ما تقدم ذكره والنوع الثاني انتقال من واجب إلى واجب بهواه وإرادته كيف خطر له وله أن يعرض عما شاء ويقبل ما شاء من تلك الواجبات وهذا نوعان أيضا

الأول تخير متأصل بمعنى انتقال من واجب إلى واجب بهواه أصالة لا عروضا كما في تخيير المكفر في كفارة الحنث بين أنواعها الواجبة بهواه والثاني تخيير جر إليه الحكم بمعنى انتقال من واجب إلى واجب بهواه لا أصالة بل عروضا بحسب ما جر إليه الحكم كما في تخيير الساعي بين أخذ أربع حقاق أو خمس بنات لبون في صدقة الإبل فإن الإمام هاهنا يتخير كما يتخير المكفر في كفارة الحنث إلا أن هذا تخيير أدت إليه الأحكام وفي الحنث تخيير متأصل فتأمل هذه التخييرات واحتفظ عليها بهذا التفصيل

الوجه الثامن من الفروق أن التعزير يختلف باختلاف الفاعل والمفعول معه والجناية ففي تبصرة ابن فرحون قال ابن قيم الجوزية اتفق

____________________

(4/326)

الفرق السابع والأربعون والمائتان بين قاعدة الإتلاف بالصيال وبين قاعدة الإتلاف بغيره اعلم أن الصيال يختص بنوع من إسقاط اعتبار إتلافه بسبب عداه وعدوانه ويقوى الضمان في غيره على متلفه لعدم المسقط وله خصيصة أخرى وهي أن الساكت عن الدفع عن نفسه حتى يقتل لا يعد آثما ولا قاتلا لنفسه بخلاف لو منع من نفسه طعامها وشرابها حتى مات فإنه آثم قاتل لنفسه ولو لم يمنع عنها الصائل من الآدميين لم يأثم بذلك وبسط ذلك أن كل إنسان أو غيره صال فدفع عن معصوم من نفس أو بضع أو مال دفعا لا يقصد قتله بل الدفع خاصة وإن أدى إلى القتل إلا أن يعلم أنه لا يندفع إلا بالقتل فيقصد قتله ابتداء لتعينه طريقا إلى الدفع فمن خشي شيئا من ذلك فدفعه عن نفسه فهو هدر لا يضمن حتى الصبي والمجنون وكذلك البهيمة لأنه ناب عن صاحبها في

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

العلماء على أن التعزير مشروع في كل معصية ليس فيها حد بحسب الجناية في العظم والصغر وبحسب الجاني في الشر وعدمه

ا ه

أي وبحسب المجني عليه في الشرف وعدمه وفيها أيضا بعد أن التعاذير تختلف بحسب اختلاف الذنوب وما يعلم من حال المعاقب من جلده وصبره على يسيرها أو ضعفه عن ذلك وانزجاره إذا عوقب بأقلها

ا ه

والحدود لا تختلف باختلاف فاعلها

الوجه التاسع من الفروق أن الحدود لا تختلف باختلاف الأعصار والأمصار فرب تعزير في عصر يكون إكراما في عصر آخر ورب تعزير في بلاد يكون إكراما في بلد آخر كقلع الطيلسان بمصر تعزير وفي الشام إكرام وككشف الرأس عند الأندلس ليس هوانا وبالعراق ومصر هوان

الوجه العاشر من الفروق أن التعزير يتنوع إلى حق الله تعالى الصرف كالجناية على الصحابة أو الكتاب العزيز ونحو ذلك وإلى حق العبد الصرف كشتم زيد ونحوه والحدود لا يتنوع منها حد بل الكل حق الله تعالى إلا القذف على خلاف فيه قد تقدم أما أنه تارة يكون حقا لله تعالى وتارة يكون حقا لآدمي فلا يوجد ألبتة هذا تهذيب ما في الأصل وصححه ابن الشاط مع زيادة والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق التاسع والأربعون والمائتان بين قاعدة الإتلاف بالصيال وبين قاعدة الإتلاف بغيره

من نحو ترك الغذاء والشراب حتى يموت من حيث عدم الضمان في الصائل والضمان في غيره ومن حيث ترتب الإثم على ترك الطعام والشراب حتى يموت وعدم ترتب الإثم على ترك الدفع للصائل من الآدميين عن نفسه وهو من وجوه أربعة اثنان باعتبار الضمان وعدمه واثنان باعتبار ترتب الإثم وعدم ترتبه

الوجه الأول من الفروق أن الضمان في غير الصائل لعدم المسقط وعدم الضمان في الصائل لاختصاصه بنوع من إسقاط اعتبار إتلافه بسبب عداه وعدوانه

الوجه الثاني من الفروق وهو أقربها أن الضمان في غير الصائل لعدم تعارض مفسدتين عليا ودنيا فيه وعدم الضمان في الصائل لأنه

____________________

(4/327)

دفعها وهو سر الفرق بين القاعدتين فإن المتلف ابتداء لم ينب عن غيره في القيام بذلك الإتلاف قال القاضي أبو بكر أعظم المدفوع عنه النفس وأمره بيده إن شاء أسلم نفسه أو دفع عنها ويختلف الحال ففي زمن الفتنة الصبر أولى تقليلا لها أو هو يقصد وحده من غير فتنة عامة فالأمر في ذلك سواء وإن عض الصائل يدك فنزعتها من فيه فقلعت أسنانه ضمنت دية الأسنان لأنها من فعلك وقيل لا تضمن لأنه ألجأك لذلك وإن نظر إلى حرم من كوة لم يجز لك أن تقصد عينه أو غيرها لأنه لا تدفع المعصية بالمعصية وفيه القود إن فعلت ويجب تقدم الإنذار في كل موضع فيه دفع ومستند ترك الدفع عن النفس ما في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل ولقصة ابني آدم إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر ثم قال إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك ولم يدفعه عن نفسه لما أراد قتله وعلى ذلك اعتمد عثمان رضي الله عنه على

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

تعارضت فيه مفسدة أن يفعل أو يمكن من القتل التمكين من المفسدة أخف مفسدة من مباشرة المفسدة نفسها والقاعدة سقوط اعتبار المفسدة الدنيا بدفع المفسدة العليا إذا تعارضتا

الوجه الثالث من الفروق أن ترك الغذاء والشراب سبب تام في الموت من غير إضافة شيء آخر إليه وترك دفع الصائل سبب في الموت ناقص لا يتم إلا بإضافة فعل الصائل إليه فلذا ترتب الإثم على الأول دون الثاني فافهم

فإن قلت ما وجه حرمة ترك الغذاء وعدم حرمة ترك الدواء قلت الوجه أن الدواء غير منضبط النفع فإنه قد يفيد وقد لا يفيد ونفع الغذاء ضروري

الوجه الرابع من الفروق أن المانع من نفسه طعامها وشرابها حتى مات يعد قاتلا لنفسه فلذا ترتب عليه الإثم والساكت عن دفع الصائل من الآدميين عن نفسه لا يعد قاتلا لنفسه فلذا لم يترتب عليه الإثم وسر ذلك أن الدافع لصائل إنسانا كان أو غيره عن معصوم من نفس أو بضع أو مال لا يقصد قتله بل الدفع خاصة وإن أدى إلى القتل إلا أن يعلم أنه لا يندفع إلا بالقتل فيقصد قتله ابتداء لتعينه طريقا إلى الدفع فمن خشي شيئا من ذلك فدفعه عن نفسه بالقتل فهو هدر عندنا لا يضمن حتى الصبي والمجنون وكذلك البهيمة لأنه ناب عن صاحبها في دفعها نعم لو قدر المصول عليه على الهروب من غير مضرة تلحقه تعين ولم يجز له الدفع بالجرح ولذا لا يجوز الدفع بالجرح ابتداء لمن يخش شيئا من ذلك لأنه لم ينب عن غيره في القيام بذلك الإتلاف فإن لم يقدر على الهروب من غير ضرر يلحقه فله الدفع بما قدر عليه قال القاضي أبو بكر أعظم المدفوع النفس وأمره بيده إن شاء أسلم نفسه أو دفع عنها ويختلف الحال ففي زمن الفتنة الصبر أولى تقليلا لها وهو يقصد وحده من غير فتنة عامة فالأمر في ذلك سواء وإن عض الصائل يدك فنزعتها من فيه فقلعت أسنانه ضمنت دية الأسنان لأنها من فعلك وقيل لا تضمن لأنه ألجأك لذلك وإن نظر إلى حرم من كوة لم يجز لك أن تقصد عينه أو غيرها لأنه لا تدفع المعصية بالمعصية وفيه

____________________

(4/328)

أحد الأقوال ولأنه تعارضت مفسدة أن يقتل أو يمكن من القتل والتمكين من المفسدة أخف مفسدة من مباشرة المفسدة نفسها فإذا تعارضتا سقط اعتبار المفسدة الدنيا بدفع المفسدة العليا فهذا أقرب الفروق بين القاعدتين

والفرق بين ترك دفع الصائل وبين ترك الغذاء والشراب حتى يموت أن ترك الغذاء هو السبب العام في الموت لم يضف إليه غيره ولا بد أن يضاف فعل الصائل للتمكين والفرق بين ترك الغذاء أنه يحرم وبين ترك الدواء فلا يحرم أن الدواء غير منضبط النفع فقد يفيد وقد لا يفيد والغذاء ضروري النفع ووافقنا الشافعي أنه لا يضمن الفحل الصائل والمجنون والصغير وقال أبو حنيفة يباح له الدفع ويضمن واتفقوا إذا كان آدميا بالغا عاقلا أنه لا يضمن

لنا وجوه الأول أن الأصل عدم الضمان

الثاني القياس على الآدمي

الثالث القياس على الدابة المعروفة بالأذى أنها تقتل ولا تضمن إجماعا ولا يلزمنا إذا غصبه فصال عليه لأنه ضمن هنالك بالغصب لا بالدفع وإلا إذا اضطر له لجوع فأكله فإنه يضمن لأن الجوع القاتل في نفس الجامع لا في نفس الصائل والقتل بالصيال من جهة الصائل احتجوا بوجوه

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

القود إن فعلت ويجب تقدم الإنذار في كل موضع فيه دفع

ومستند ترك الدفع عن النفس وجهان الأول ما في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل

والثاني قصة ابني آدم إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر ثم قال إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك ولم يدفعه عن نفسه لما أراد قتله وعلى ذلك اعتمد عثمان رضي الله عنه على أحد الأقوال ووافقنا الشافعي رضي الله تعالى عنه في أنه لا يضمن الفحل الصائل والمجنون والصغير وقال أبو حنيفة يباح له الدفع ويضمن واتفقوا على أنه لا يضمن إذا كان آدميا بالغا عاقلا

لنا وجوه الأول الأصل عدم الضمان الثاني القياس على الآدمي الثالث القياس على الدابة المعروفة بالأذى أنها تقتل ولا تضمن إجماعا ولا يلزمنا إذا غصبه فصال عليه لأنه ضمن هنالك بالغصب لا بالدفع وإلا إذا اضطر له لجوع فأكله فإنه يضمن لأن الجوع القاتل في نفس الجائع لا في نفس الصائل والقتل بالصيال من جهة الصائل وأما ما احتج به الأحناف من الوجوه الثلاثة

فالأول أن مدرك عدم الضمان إنما يكون هو إذن المالك لا جواز الفعل لأنه لو أذن له في قتل عبده لم يضمن ولو أكله لمجاعة ضمنه وجوابه أن الضمان يتوقف على عدم جواز الفعل بدليل أن العبد إذا صال على محرم لم يضمنه أو صال على العبد سيده فقتله العبد والأب على ابنه فقتله ابنه لا يضمنون لجواز الفعل

والثاني أن الآدمي له قصد واختيار فلذلك لم يضمن والبهيمة لا اختيار لها لأنه لو حفر بئرا فطرح إنسان فيها لم يضمنه ولو طرحت بهيمة نفسها فيها ضمنت وجناية العبد تتعلق برقبته وجناية البهيمة لا تتعلق برقبتها وجوابه أن البهيمة لها اختيار اعتبره الشرع لأن الكلب لو استرسل بنفسه لم يؤكل صيده والبعير الشارد يصير حكمه حكم الصيد على أصلهم وإن فتح قفصا فيه طائر فقعد الطائر ساعة ثم طار لا يضمن لأنه طار باختياره

وأما قولهم في الآدمي لو طرح نفسه في البئر لم يضمن بخلاف البهيمة فيلزمهم أنه لو نصب شبكة فوقعت فيها بهيمة لم يضمنها لأنها لم تختر ذلك وأنه لم يختره

____________________

(4/329)

الأول أن مدرك عدم الضمان إنما هو إذن المالك لا جواز الفعل لأنه لو أذن له في قتل عبده لم يضمن ولو أكله لمجاعة ضمنه

الثاني أن الآدمي له قصد واختيار فلذلك لم يضمن والبهيمة لا اختيار لها لأنه لو حفر بئرا فطرح إنسان نفسه فيها لم يضمنه ولو طرحت بهيمة نفسها فيها ضمنت وجناية العبد تتعلق برقبته وجناية البهيمة لا تتعلق برقبتها

الثالث قوله عليه السلام جرح العجماء جبار فلو لم يضمن لم يكن جبارا كالآدمي والجواب عن الأول أن الضمان يتوقف على عدم جواز الفعل بدليل أن الصيد إذا صال على محرم لم يضمنه أو صال على العبد سيده فقتله العبد أو الأب على ابنه فقتله ابنه لا يضمنون لجواز الفعل وعن الثاني أن البهيمة لها اختيار اعتبره الشرع لأن الكلب لو استرسل بنفسه لم يؤكل صيده والبعير الشارد يصير حكمه حكم الصيد على أصلهم وإن فتح قفصا فيه طائر فقعد الطائر ساعة ثم طار لا يضمن لأنه طار باختياره وأما قولهم في الآدمي لو طرح نفسه في البئر لم يضمن بخلاف البهيمة فيلزمهم أنه لو نصب شبكة فوقعت فيها بهيمة لم يضمنها لأنها لم تختر ذلك وأنه لم يختره

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وأما تعلق الجناية برقبة العبد فتبطل بالعبد الصغير فإنه تتعلق الجناية برقبته مع مساواته للدابة في الضمان

والثالث قوله عليه الصلاة والسلام جرح العجماء جبار فلو لم يضمن لم يكن جبارا كالآدمي وجوابه أن الهدر يقتضي عدم الضمان

مسألة اختلف العلماء في القضاء فيما أفسدته المواشي والدواب على أربعة أقوال

القول الأول لمالك والشافعي رضي الله تعالى عنهما أن الضمان على أرباب البهائم فيما أفسدته إن أرسلت بالليل للرعي كما لو كان صاحبها معها وهو يقدر على منعها فلم يمنعها ولا ضمان عليهم فيما أفسدته إن أرسلت لذلك بالنهار كما لو انفلتت فأتلفت قال في التبصرة والقول بنفي الضمان فيما أفسدته نهارا مقيد بقيدين الأول أن يكون معها راع لا يضيع ولا يفرط الثاني أن لا يكون ذلك إلا في المواضع التي لا يغيب أهلها عنها فإن انتفى قيد منها فربها ضامن لما أفسدت وإذا سقط الضمان عن أرباب المواشي فيما رعته نهارا فضمان ذلك على الراعي إن فرط فإن شذ منها شيء بغير تفريط فلا ضمان

ا ه ملخصا

القول الثاني لأبي حنيفة رضي الله عنه أن كل دابة مرسلة فصاحبها لا يضمن ما أفسدته قال الطحاوي وتحقيق مذهبه أنه لا يضمن إذا أرسلها محفوظة فأما إذا لم يرسلها محفوظة فيضمن وعمدة مالك والشافعي وجوه

الأول قوله تعالى وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم الآية والنفش رعي الليل والهمل رعي النهار ووجه الدليل أن داود عليه السلام قضى بتسليم الغنم لأرباب الزرع قبالة زرعهم وقضى سليمان عليه السلام بدفعها لهم ينتفعون بدرها ونسلها وخراجها حتى يخلف الزرع وينبت زرع الآخر قال حفيد ابن رشد في بدايته وهذا الاحتجاج على مذهب من يرى أنا مخاطبون بشرع من قبلنا

ا ه

الثاني أنه فرط فيضمن كما لو كان حاضرا

الثالث المرسل عن ابن شهاب أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط قوم فأفسدت فيه فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الحوائط بالنهار حفظها وأن ما أفسدته المواشي بالليل ضامن على أهلها أي مضمون وجهه أنه بالنهار يمكن التحفظ دون الليل

الرابع أنكم قد اعتبرتم ذلك في قولكم إن رمت الدابة حصاة كبيرة

____________________

(4/330)

وأما تعليق الجناية برقبة العبد فتبطل بالعبد الصغير فإنه تتعلق الجناية برقبته مع مساواته للدابة في الضمان وعن الثالث أن الهدر يقتضي عدم الضمان مطلقا

مسألة إن أرسلت الماشية بالنهار للرعي أو انفلتت فأتلفت فلا ضمان وإن كان صاحبها معها وهو يقدر على منعها فلم يمنعها ضمن ووافقنا الشافعي وأبو حنيفة رضي الله عنهما وإن انفلتت بالليل وأرسلها مع قدرته على منعها ضمن وقاله الشافعي رضي الله عنه في الزرع وفي غير الزرع اختلاف عندهم وقالوا يضمن أرباب القطط المعتادة للفساد ليلا أفسدت أو نهارا وإن خرج الكلب من داره فجرح ضمن أو الداخل بإذن فوجهان أو بغير إذن لم يضمن وإن أرسل الطير فالتقطت حب الغير لم يضمن ليلا أو نهارا وقال أبو حنيفة رحمه الله لا ضمان في الزرع ليلا كان أو نهارا

لنا وجوه الأول قوله تعالى وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم الآية وجه الدليل أن داود عليه السلام قضى بتسليم الغنم لأرباب الزرع قبالة زرعه وقضى سليمان عليه السلام بدفعها لهم ينتفعون بدرها ونسلها وخراجها حتى يخلف الزرع وينبت زرع الآخر والنفش رعي

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

أصابت إنسانا ضمن الراكب بخلاف الصغيرة فإنه لا يمكنه التحفظ منها والتحفظ من الكبير بالتنكيب عنه وقلتم يضمن ما نفحت بيدها لأنه يمكنه ردها بلجامها ولا يضمن ما أفسدت برجلها وذنبها

وعمدة أبي حنيفة وجوه

الأول قوله عليه السلام جرح العجماء جبار وجوابه أن الجرح عندنا جبار إنما النزاع في غير الجرح واتفقنا على تضمين السائق والراكب والقائد

الثاني القياس على النهار وما ذكرتموه من الفرق بالحراسة بالنهار باطل لأنه لا فرق بين من حفظ ماله فأتلفه إنسان أو أهمله فأتلفه أنه يضمن في الوجهين وجوابه أن القياس على النهار لا يصح لأنا لا نسلم بطلان الفرق المتقدم بالحراسة بالنهار لأن إتلاف المال هاهنا كمن ترك غلامه يصول فيقتل فإنه لا يضمن لأنه بسبب المالك وأما ما ذكرتموه فليس كذلك

الثالث القياس على جناية الإنسان على نفسه وماله وجناية ماله عليه وجنايته على مال أهل الحرب أو أهل الحرب عليه وعكسه جناية صاحب البهيمة وجوابه أنه قياس مخالف للآية لأنه بالليل مفرط وبالنهار ليس بمفرط على أن تلك النقوض لا يمكن فيها التضمين لأن أحدا منهم ليس من أهل الضمان وهاهنا أمكن التضمين

القول الثالث لليث أن كل دابة مرسلة فصاحبها ضامن وعمدته أنه تعد من المرسل والأصول على أن على المتعدي الضمان وجوابه أن محل كونه تعديا من المرسل إذا لم يتسبب المالك في الإتلاف وإلا فالتعدي من المالك لا من المرسل كما يؤخذ مما تقدم فافهم

القول الرابع وهو مروي عن عمر رضي الله عنه وجوب الضمان في غير المنفلت ولا ضمان في المنفلت لأنه لا يملك قال في البداية فسبب الخلاف في هذا الباب معارضة الأصل للسمع ومعارضة السماع بعضه لبعض وذلك أن الأصل يعارض قوله عليه السلام جرح العجماء جبار ويعارض أيضا التفرقة التي في حديث البراء

____________________

(4/331)

الليل والهمل رعي النهار بلا راع

الثاني أنه فرط فيضمن كما لو كان حاضرا

الثالث أنه بالنهار يمكنه التحفظ دون الليل وقد اعتبرتم ذلك في قولكم إن رمت الدابة حصاة كبيرة أصابت إنسانا ضمن الراكب بخلاف الصغيرة لا يمكنه التحفظ منها والتحفظ من الكبيرة بالتنكب عنه وقلتم يضمن ما نفحت بيدها لأنه يمكنه ردها بلجامها ولا يضمن ما أفسدت برجلها وذنبها

احتجوا بوجوه الأول قوله عليه السلام جرح العجماء جبار الثاني القياس على النهار وما ذكرتموه من الفرق بالحراسة بالنهار باطل لأنه لا فرق بين من حفظ ماله فأتلفه إنسان أو أهمله فأتلفه أنه يضمن في الوجهين

الثالث القياس على جناية الإنسان على نفسه وماله وجناية ماله عليه وجنايته على مال أهل الحرب أو أهل الحرب عليه وعكسه جناية صاحب البهيمة

والجواب عن الأول أن الجرح عندنا جبار إنما النزاع في غير الجرح واتفقنا على تضمين السائق والراكب والقائد وعن الثاني أن الفرق المتقدم وما ذكرتموه أن إتلاف المال بسبب المالك هاهنا فهو كمن ترك غلامه يصول فيقتل فإنه لا

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وكذلك التفرقة التي في حديث البراء تعارض أيضا قوله عليه السلام جرح إلخ

ا ه

فافهم

تنبيهان الأول أن قوله تعالى ففهمناها سليمان وإن اقتضى ظاهره أن حكم سليمان عليه السلام كان أقرب للصواب من حكم داود وهو خلاف ما تقتضيه أصول شريعتنا من أن حكم سليمان عليه السلام إيجاب لقيمة مؤجلة ولا يلزم ذلك صاحب الحرث لأن الأصل في القيم الحلول إذا وجبت في الإتلافات ولأنه إحالة على أعيان لا يجوز بيعها وما لا يباع لا يعارض به في القيم فلذا لو وقع حكمه عليه السلام في شرعنا من بعض القضاة ما أمضيناه بخلاف ما لو وقع حكم داود عليه السلام في شرعنا فإننا نمضيه لأن قيمة الزرع يجوز أن يؤخذ فيها غنم لأن صاحبها مفلس مثلا أو غير ذلك وحينئذ فيلزم أحد الأمرين إما أن تكون شريعتنا أتم في المصالح وأكمل الشرائع أو يكون داود عليه السلام فهم دون سليمان عليه السلام وهو خلاف ظاهر الآية إلا أنا إذا قلنا أن اختلاف المصالح في الأزمنة كما اقتضى اعتباره حسن النسخ كذلك يقتضيه هاهنا فيندفع الإشكال وذلك أن المصلحة التي أشار إليها سليمان عليه السلام يجوز أن تكون أتم باعتبار ذلك الزمان بأن تكون مصلحة زمانهم كانت تقتضي أن لا يخرج عين مال الإنسان من يده إما لقلة الأعيان وإما لعدم ضرر الحاجة أو لعدم الزكاة للفقراء بأن تقدم للنار التي تأكل القربان أو لغير ذلك وتكون المصلحة الأخرى باعتبار زماننا أتم فيتغير الحكم بتغير المصلحة

التنبيه الثاني المراد بالشهادة في قوله تعالى وكنا لحكمهم شاهدين العلم لا بمعنى المكافأة كقوله تعالى قد يعلم ما أنتم عليه قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا ونحوه لأن السياق ليس سياق تهديد أو ترغيب حتى يكون المراد ذلك بل بمعناه وفائدة ذكره لا التمدح به لأنه تعالى لا يتمدح بالعلم الجزئي بل الفائدة التمدح بأحكام التصرف في ملكه وضبطه وذلك أن هذه

____________________

(4/332)

يضمن وعن الثالث أنه قياس مخالف للآية لأنه بالليل مفرط بالنهار ليس بمفرط والجواب عن تلك النقوض أن أحدا منهم ليس من أهل الضمان وهاهنا أمكن التضمين

سؤال قوله تعالى ففهمناها سليمان يقتضي أن حكمه كان أقرب للصواب مع أن حكم داود عليه السلام لو وقع في شرعنا أمضيناه لأن قيمة الزرع يجوز أن يؤخذ فيها غنم لأن صاحبها مفلس مثلا أو غير ذلك وأما حكم سليمان عليه السلام لو وقع في شرعنا من بعض القضاة ما أمضيناه لأنه إيجاب لقيمة مؤجلة ولا يلزم ذلك صاحب الحرث لأن الأصل في القيم الحلول إذا وجبت في الإتلافات ولأنه إحالة على أعيان لا يجوز بيعا وما لا يباع لا يعارض به في القيم فيلزم أحد الأمرين إما أن تكون شريعتنا أتم في المصالح وأكمل الشرائع أو يكون داود عليه السلام فهم دون سليمان عليه السلام وظاهر الآية خلافه وهو موضع مشكل يحتاج للكشف والنظر حتى يفهم المعنى فيه

ووجه الجواب أن المصلحة التي أشار إليها سليمان عليه السلام يجوز أن تكون أتم باعتبار ذلك الزمان بأن تكون مصلحة زمانهم كانت تقتضي أن لا يخرج عين مال الإنسان من يده إما لقلة الأعيان وإما لعدم ضرر الحاجة أو لعظم الزكاة للفقراء بأن تقدم للنار التي تأكل القربان أو لغير ذلك وتكون المصلحة الأخرى باعتبار زماننا أتم فيتغير الحكم كما أن النسخ حسن باعتبار اختلاف المصالح في الأزمنة فقاعدة النسخ تشهد لهذا الجواب

سؤال في قوله تعالى وكنا لحكمهم شاهدين المراد بالشهادة هاهنا العلم فما فائدة ذكره والتمدح به هاهنا بعيد فإن الله تعالى لا يمتدح بالعلم الجزئي وليس السياق سياق تهديد أو ترغيب حتى يكون المراد المكافأة كقوله تعالى قد يعلم ما أنتم عليه قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا ونحوه جوابه أن هذه القصص إنما وردت لتقرير أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى في صدر السورة حكاية عن الكفار هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون فبسط الله سبحانه القول في هذه القصص ليبين الله تعالى أنه ليس بدعاء من

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

القصص إنما وردت لتقرير أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى في صدر السورة حكاية عن الكفار هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون فبسط الله سبحانه القول في هذه القصص ليبين الله تعالى به ليس بدعاء من الرسل وأنه يفضل من شاء من البشر وغيره ولا يخرج شيء عن حكمه ولا يفعل ذلك غفلة بل عن علم وكذلك فهم سليمان دون داود عليهما السلام لم يكن غفلة بل نحن عالمون فهو إشارة إلى ضبط التصرف وإحكامه فكما أن الملك العظيم إذا قال عرضت عن زيد وأنا أعلم بحضوره لم يكن مقصوده التمدح بأعلم بل بإحكام التصرف في ملكه

____________________

(4/333)

الرسل وأنه يفضل من شاء من البشر وغيره ولا يخرج شيء عن حكمه ولا يفعل ذلك غفلة بل عن علم ولذلك فهم سليمان دون داود عليهما السلام لم يكن عن غفلة بل نحن عالمون فهو إشارة إلى ضبط التصرف وإحكامه إلى غير ذلك كما يقول الملك العظيم أعرضت عن زيد وأنا عالم بحضوره وليس مقصوده التمدح بالعلم بل بإحكام التصرف في ملكه فكذلك هاهنا

الفرق الثامن والأربعون والمائتان بين قاعدة ما خرج عن المساواة والمماثلة في القصاص وبين قاعدة ما بقي على المساواة

اعلم أن القصاص أصله من القص الذي هو المساواة لأن من قص شيئا من شيء بقي بينهما سواء من الجانبين فهو شرط إلا أن يؤدي إلى تعطيل القصاص قطعا أو غالبا وله مثل أحدها التساوي في أجزاء الأعضاء وسمك اللحم في الجاني لو اشترط لما حصل إلا نادرا بخلاف الجراحات في الجسد وثانيهما التساوي في منافع الأعضاء وثالثها العقول ورابعها الحواس وخامسها قتل الجماعة بالواحد وقطع الأيدي باليد لو اشترطت الواحدة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

كذلك ههنا هذا تهذيب ما في الأصل وصححه ابن الشاط مع زيادة من البداية والتبصرة والله أعلم

الفرق الثامن والأربعون والمائتان بين قاعدة ما خرج عن المساواة والمماثلة في القصاص وبين قاعدة ما بقي على المساواة وهو أن ما خرج القصاص عن المساواة والمماثلة فيه هو ما يؤدي اشتراط المساواة فيه إلى تعطيل القصاص قطعا أو غالبا وله مثل أحدها أجزاء الأعضاء وسمك اللحم في الجاني إذ لو اشترط التساوي فيها لما حصل القصاص إلا نادرا وثانيها منافع الأعضاء وثالثها العقول ورابعها قلت إذ لو اشترط التساوي في هذه الثلاثة لما حصل القصاص أصلا أو لما حصل إلا نادرا وخامسها قتل الجماعة بالواحد وقطع الأيدي باليد الواحدة إذ لو اشترطت الواحدة لتساوي الأعداء ببعضهم وسقط القصاص وسادسها الحياة اليسيرة كالشيخ الكبير مع الشاب ومنفوذ المقاتل على الخلاف وسابعها تفاوت الصنائع والمهارة فيها

قلت إذ لو اشترط التساوي في هذين لما حصل القصاص أصلا أو لما حصل إلا نادرا وما بقي القصاص فيه على المساواة والمماثلة هو ما لا يؤدي اشتراط المساواة فيه إلى ذلك كالجراحات في الجسد فيجري على الأصل في القصاص فإن أصله من القص الذي هو المساواة لأن من قص شيئا من شيء بقي بينهما سواء من الجانبين فمن ثم قال السيد الجرجاني في تعريفاته القصاص هو أن يفعل بالفاعل مثل ما فعل ا ه

وهاهنا ثلاث مسائل

المسألة الأولى في قتل الجماعة بالواحد أربعة أقوال للعلماء القول الأول لمالك والشافعي وأبي حنيفة رضي الله عنهم قتلهم به إذا قتلوه عمدا أو تعاونوا على قتله بالحرابة وغيرها حتى يقتل الناظور

وعمدتهم أمور الأول إجماع الصحابة على قتل عمر سبعة من أهل صنعاء برجل واحد وقال لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به وقتل علي ثلاثة

____________________

(4/334)

لتساوي الأعداد ببعضهم وسقط القصاص السادس الحياة اليسيرة كالشيخ الكبير مع الشاب ومنفوذ المقاتل على الخلاف السابع تفاوت الصنائع والمهارة فيها

وهاهنا ثلاث مسائل

المسألة الأولى قتل الجماعة بالواحد إذا قتلوه عمدا وتعاونوا على قتله بالحرابة أو غيرها حتى يقتل عندنا الناظور ووافقنا الشافعي وأبو حنيفة ومشهور أحمد بن حنبل في قتل الجماعة بالواحد من حيث الجملة وعن أحمد وجماعة من التابعين والصحابة أن عليهم الدية وعن الزهري وجماعة أنه يقتل منهم واحد وعلى الباقي حصصهم من الدية لأن كل واحد مكافئ له فلا يستوي إبدال في مبدل منه واحد كما لا تجب ديات ولقوله تعالى الحر بالحر ولقوله تعالى النفس بالنفس ولأن تفاوت الأوصاف يمنع كالحر والعبد فالعدد أولى بالمنع لنا إجماع الصحابة على قتل عمر سبعة من أهل صنعاء برجل واحد وقال لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به وقتل علي ثلاثة وهو كثير ولم يعرف لهم مخالف في ذلك الوقت ولأنها عقوبة كحد القذف وتفارق

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وهو كثير ولم يعرف مخالف في ذلك الوقت الثاني أنها عقوبة تجب للواحد على الجماعة كما تجب له على الواحد كحد القذف وتفارق الدية فإنها تتبعض دون القصاص والثالث أن الشركة لو أسقطت القصاص كان ذلك ذريعة للقتل القول الثاني وهو مشهور أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه قتلهم به من حيث الجملة ففي الإقناع وتقتل الجماعة بالواحد إذا كان فعل كل واحد منهم صالحا للقتل به وإلا فلا ما لم يتواطئوا على ذلك أي الفعل ليقتلوه به فعليهم القصاص لئلا يتخذ ذريعة إلى درء القصاص ولأنه لو لم يشرع في الجماعة بالواحد لبطلت حكمة مشروعيته التي في قوله تعالى ولكم في القصاص حياة بزيادة من كشاف قناعه

القول الثالث لأحمد وجماعة من الصحابة والتابعين أن عليهم الدية القول الرابع للزهري وجماعة يقتل واحد منهم وعلى الباقي حصصهم من الدية لأن كل واحد مكافئ له فلا يستوي إبدال في مبدل منه واحد كما لا تجب ديات ولقوله تعالى الحر بالحر ولقوله تعالى النفس بالنفس ولأن تفاوت الأوصاف يمنع كالحر والعبد فالعدد أولى بالمنع

المسألة الثانية في قتل مسلم بذمي قولان للأئمة القول الأول لمالك والشافعي وأحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنهم لا يقتل به لما في البخاري لا يقتل مسلم بكافر القول الثاني لأبي حنيفة يقتل به لعموم قوله تعالى ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا وهذا قتل مظلوما فيكون لوليه سلطان وعموم قوله تعالى النفس بالنفس وكذا سائر العمومات والجواب أن ما ذكرنا خاص فيقدم على العمومات على ما تقرر في أصول الفقه

المسألة الثالثة في قتل ممسك المقتول للقاتل مع القاتل أو لا بل القاتل وحده قولان للأئمة الأربعة الأول لمالك رحمه الله تعالى للعمومات المتقدمة ولقول عمر المتقدم وللقياس على الممسك للصيد المحرم فإن عليه الجزاء وعلى المكره قلت وبهذا قال أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى ففي الإقناع وكشاف قناعه وإن أكره مكلف مكلفا على قتل معين فقتله فالقصاص عليهما لأن المكره تسبب إلى قتله بما يفضي إليه غالبا

____________________

(4/335)

الدية فإنها تتبعض دون القصاص لأن الشركة لو أسقطت القصاص كان ذلك ذريعة للقتل

المسألة الثانية وافقنا الشافعي وأحمد بن حنبل في أنه لا يقتل مسلم بذمي وقال أبو حنيفة يقتل المسلم بالذمي لنا ما في البخاري لا يقتل مسلم بكافر احتجوا بوجوه الأول قوله تعالى ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا وهذا قتل مظلوما فيكون لوليه سلطان الثاني قوله تعالى النفس بالنفس وسائر العمومات والجواب عن الأول وما بعده أن ما ذكرنا خاص فيقدم على العمومات على ما تقرر في أصول الفقه

المسألة الثالثة خالفنا الشافعي وأبو حنيفة في قتل الممسك وقالا يقتل القاتل وحده

لنا العمومات المتقدمة وقول عمر المتقدم وقياسا على الممسك للصيد المحرم فإن عليه الجزاء وعلى المكره

الفرق التاسع والأربعون والمائتان بين قاعدة العين وقاعدة كل اثنين من الجسد فيهما دية واحدة كالأذنين ونحوهما

أنه إذا ذهب سمع أحد أذنيه بضربة رجل ثم أذهب سمع الأخرى فعليه نصف الدية وفي عين الأعور الدية كاملة ووافقنا أحمد بن حنبل وقال الشافعي وأبو حنيفة نصف الدية

لنا وجوه الأول أن عمر وعثمان وعليا وابن عمر قضوا بذلك من غير مخالف فكان ذلك إجماعا

الثاني أن العين الذاهبة يرجع ضوءها للباقية لأن مجراها في النور الذي

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وفيهما أيضا وإن أكره سعد زيدا على أن يكره عمرا على قتل بكر فقتله قتل الثلاثة جزم به في الرعاية الكبرى ومعناه في المنتهى المباشر لمباشرته القتل ظلما والآخران لتسببهما إلى القتل لما يفضي إليه غالبا

ا ه المراد فافهم

والثاني للشافعي وأبي حنيفة رحمهما الله تعالى هذا تهذيب ما في الأصل وصححه ابن الشاط مع زيادة والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق التاسع والأربعون والمائتان بين قاعدة العينين وقاعدة كل اثنين من الجسد كالأذنين ونحوهما من حيث إن في عين الأعور الدية كاملة عندنا وعند أحمد بن حنبل وإن أخذ في الأولى نصف الدية وأما إذا أذهب رجل بضربة سمع الأذن الأخرى ممن لم يسمع بأحد أذنيه مثلا فإنه لا يجب عليه إلا نصف الدية وقال الشافعي وأبو حنيفة لا فرق بين عين الأعور ونحو أذن من لم يسمع بأحد أذنيه في أنه لا يجب في كل منهما إلا نصف الدية

لنا أن عمر وعثمان وعليا وابن عمر قضوا بذلك من غير مخالف فكان ذلك إجماعا ووجه الفرق أن العين الذاهبة يرجع ضوءها للباقية لأن مجراهما في النور الذي يحصل به الإبصار واحد كما شهد به علم التسريج

____________________

(4/336)

يحصل به الإبصار واحد كما شهد به علم التشريح ولذلك أن الصحيح إذا غمض إحدى عينيه اتسع ثقب الأخرى بسبب ما اندفع لها من الأخرى وقوي إبصارها ولا يوجد ذلك في إحدى الأذنين إذا سدت الأخرى أو إحدى اليدين إذا ذهبت الأخرى أو قطعت وكذلك جميع أعضاء الجسد إلا العين لما تقدم من اتحاد المجرى فكانت العين الباقية في معنى العينين فوجب فيها دية كاملة

احتجوا بوجوه الأول قوله عليه السلام في العين خمسون من الإبل الثاني قوله عليه السلام في العينين الدية وهو يقتضي أنه لا تجب عليه دية إلا إذا قلع عينين وهذا لم يقلع عينين

الثالث أن ما ضمن بنصف الدية ومعه نظيره ضمن بنصفها منفردا كالأذن واليد

الرابع أنه لو صح القول بانتقال النور الباصر لم يجب على الأول نصف الدية لأنه لم يذهب نصف المنفعة والجواب عن الأول والثاني أنه محمول على العين غير العوراء لأنهما عمومان مطلقان في الأحوال فيقيدان بما ذكرناه من الأدلة وعن الثالث الفرق بانتقال قوة العين الأولى بخلاف الأذن واليد ولو انتقل التزمناه وعن الرابع لا يلزم

هامش أنوار البروق

فارغه

هامش إدرار الشروق

ولذلك فإن الصحيح إذا غمض إحدى عينيه اتسع ثقب الأخرى بسبب ما اندفع لها من الأخرى وقوي إبصارها ولا يوجد ذلك في إحدى الأذنين إذا سدت الأخرى أو إحدى اليدين إذا ذهبت الأخرى أو قطعت وكذلك جميع أعضاء الجسد إلا العين لما تقدر من اتحاد المجرى فكانت العين الباقية في معنى العينين فوجب فيها دية كاملة وأما احتجاجهم بقوله عليه السلام في العين خمسون من الإبل وبقوله عليه السلام في العينين الدية فجوابه حمل الحديثين على العين غير العوراء لأنهما عمومان مطلقان في الأحوال فيقيدان بما ذكرناه من الأدلة وأما احتجاجهم بأن ما ضمن بنصف الدية ومعه نظيره ضمن بنصفها منفردا كالأذن واليد فجوابه الفرق المتقدم بانتقال قوة العين الأولى بخلاف الأذن واليد ولو انتقلت القوة فيهما أيضا التزمناه وأما احتجاجهم بأنه لو صح القول بانتقال النور الباصر لم يجب على الأول نصف الدية لأنه لم يذهب نصف المنفعة فجوابه أنه لا يلزم اطراح الأول إذ لو جنى عليها فاحولتا أو عمشتا أو نقص ضوءهما فإنه يجب عليه العقل لما نقص ولا تنقص الدية عمن جنى ثانيا على قول عندنا وهذا السؤال قوي علينا وكان يلزمنا أن نقلع بعين الأعور عينين اثنين من الجاني

تفريع قال ابن أبي زيد في النوادر فيها أي في عين الأعور ألف وإن أخذ في الأولى ديتها قاله مالك وأصحابه وقال أشهب يسأل عن السمع فإن كان ينتقل فكالعينين وإلا فكاليد وإن أصيب من كل نصف بصرها ثم أصيب باقيهما في ضربة فنصف الدية لأنه ينظر بهما نصف نظرهما فإن أصيب باقي إحداهما فربع الدية فإن أصيب بعد ذلك بقية الأخرى فنصف الدية لأنه أقيم مقام نصف جميع بصره فإن أخذ صحيح نصف دية إحداهما ثم أصيب بنصف الصحيحة فثلث الدية لأنه أذهب من جميع بقية بصره ثلثه وإن أصيب ببقية المصابة فقط فربع الدية فإن ذهب باقيها

____________________

(4/337)

إطراح الأول إذ لو جنى عليهما فاحولتا أو عمشتا أو نقص ضوءها فإنه يجب عليه العقل لما نقص ولا تنقص الدية عمن جنى ثانيا على قول عندنا وهذا السوال قوي علينا وكان يلزمنا أن نقلع بعينيه عينين اثنين من الجاني

تفريع قال ابن أبي زيد في النوادر فيها ألف وإن أخذ في الأولى ديتها قاله مالك وأصحابه وقال أشهب يسأل عن السمع فإن كان ينتقل فكالعينين وإلا فكاليد وإن أصيب من كل عين نصف بصرها ثم أصيب باقيهما في ضربة فنصف الدية لأنه ينظر بهما نصف نظرهما فإن أصيب باقي إحداهما فربع الدية فإن أصيب بعد ذلك بقية الأخرى فنصف الدية لأنه أقيم مقام نصف جميع بصره فإن أخذ صحيح نصف دية أحدهما ثم أصيب بنصف الصحيحة فثلث الدية لأنه أذهب من جميع بقية بصره ثلثه وإن أصيب ببقية المصابة فقط فربع الدية فإن ذهب باقيها والصحيحة بضربة فالدية كاملة أو الصحيحة وحدها فثلثا الدية لأنها ثلثا بصره فإن أصيب بقية المصابة فنصف الدية بخلاف لو أصيبت والصحيحة باقية قاله أشهب وقال ابن القاسم ليس فيما يصاب من الصحيحة إذا بقي من الأولى شيء إلا من حساب نصف الدية

الفرق الخمسون والمائتان بين قاعدة أسباب التوارث وأجزاء أسبابها العامة والخاصة اعلم أن هذا الفرق غريب عجيب نادر بسبب أن كتب الفرائض على العموم فيما رأيت لم يختلف منهم اثنان في أن أسباب التوارث ثلاثة نسب وولاء ونكاح وهو في غاية

هامش أنوار البروق

قال الفرق الخمسون والمائتان بين قاعدة أسباب التوارث وأجزاء أسبابها العامة والخاصة اعلم أن هذا الفرق غريب عجيب نادر بسبب أن كتب الفرائض على العموم فيما رأيت لم يختلف منهم اثنان في أن أسباب التوارث ثلاثة نسب وولاء ونكاح وهو في غاية الإشكال لأن المراد بالثلاثة

هامش إدرار الشروق

والصحيحة بضربة فالدية كاملة أو الصحيحة وحدها فثلثا الدية لأنها ثلثا بصره فإن أصيب بقية المصابة فنصف الدية بخلاف لو أصيبت والصحيحة باقية قاله أشهب وقال ابن القاسم ليس فيما يصاب من الصحيحة إذا بقي من الأولى شيء إلا من حساب نصف الدية ا ه

الفرق الخمسون والمائتان بين قاعدة أسباب التوارث وأجزاء أسبابها العامة والخاصة وهو أن أسباب التوارث التامة هي عبارة عن ماهية كل من القرابة والولاء والنكاح بشرط شيء أعني خصوص كون القرابة بنوة مثلا وخصوص كون الولاء علويا وخصوص كون النكاح زوجة أو زوجا وأجزاؤها العامة هي عبارة عن ماهية كل من الثلاثة المذكورة بشرط لا شيء أعني مطلق القرابة من حيث

____________________

(4/338)

الإشكال لأن المراد بالثلاثة إما الأسباب التامة وإما أجزاء الأسباب والكل غير مستقيم وبيانه أنهم يجعلون أحد الأسباب القرابة والأم لم ترث الثلث في حالة والسدس في أخرى بمطلق القرابة وإلا لكان ذلك ثابتا للابن أو البنت لوجود مطلق القرابة فيهما بل بخصوص كونها أما مع مطلق القرابة وكذلك البنت ترث النصف ليس بمطلق القرابة وإلا لثبت ذلك للجد أو الأخت للأم بل لخصوص كونها بنتا مع مطلق القرابة فحينئذ لكل واحد من الورثة سبب تام يخصه مركب من جزأين من خصوص كونها بنتا أو غيره وعموم القرابة وكذلك للزوج النصف ليس لمطلق النكاح وإلا لكان للزوجة النصف لوجود مطلق النكاح فيها بل لخصوص كونه زوجا مع عموم النكاح كما تقدم فسببه مركب وكذلك الزوجة إذا ظهر هذا فإن أرادوا حصر الأسباب التامة في ثلاثة فهي أكثر من عشرة بالإجماع لما تقدم أو الناقصة التي هي أجزاء أسباب فالخصوصات كما رأيت

هامش أنوار البروق

إما الأسباب التامة أو أجزاء الأسباب والكل غير مستقيم وبيانه أنهم يجعلون أحد الأسباب القرابة والأم لم ترث الثلث في حالة والسدس في أخرى بمطلق القرابة وإلا لكان ذلك ثابتا للابن أو البنت لوجود مطلق القرابة فيهما قلت هذا الفرق ليس بغريب ولا عجيب كما زعم وما توهمه من الإشكال في كلام الفرضيين ليس كما توهم وبيان ذلك أنهم بين أمرين أحدهما تعبيرهم عن تلك الأسباب بلفظ التنكير وثانيهما التعبير عنها بلفظ التعريف فمن عبر منهم بلفظ التنكير لم يرد كل نسب ولا كل نكاح ولا كل ولاء بل أراد نسبا خاصا وولاء خاصا ونكاحا خاصا ولا نكر في التعبير بلفظ النكرة عن

هامش إدرار الشروق

هي مطلق القرابة ومطلق الولاء من حيث هو مطلق الولاء ومطلق النكاح من حيث هو مطلق النكاح وأجزاؤها الخاصة هي عبارة عن ماهية كل من الثلاثة المذكورة لا بشرط شيء أي من إطلاق أو خصوص وهي المشتركات أعني قرابة ما وولاء ما ونكاحا ما وهذه أخص من الأجزاء العامة وأعم من التامة وهي مراد الفرضيين بقولهم إن أسباب التوارث ثلاثة نسب وولاء ونكاح قال ابن الشاط وما توهمه الشهاب من الإشكال في كلامهم هذا ليس كما توهم وبيان ذلك أنهم بين أمرين أحدهما تعبيرهم عن الأسباب بلفظ التنكير وثانيهما التعبير عنها بلفظ التعريف فمن عبر منهم بلفظ التنكير لم يرد كل نسب ولا كل ولاء ولا كل نكاح بل أراد نسبا خاصا وولاء خاصا ونكاحا خاصا ولا نكر في التعبير بلفظ النكرة عن مخصوص فإن اللفظ عليه صادق وله صالح ومن عبر منهم بلفظ التعريف لم يرد أيضا كل نسب ولا كل ولاء ولا كل نكاح بل أراد ما أراده الأول وأحال الأول في تقييد ذلك المطلق على تعيين أصناف الوارثين والوارثات وأحال الثاني في بيان المعهود بالألف واللام على ما أحال عليه الأول وذلك أن أسباب التوارث التامة إجمالا سبعة عشر وتفصيلا ثمانية وعشرون لأن ذكور من ثبت له الميراث عشرة ويتفرعون إلى ثمانية عشر وإناث من ثبت له الميراث سبع ويتفرعن أيضا إلى عشرة نعم ذهب الحنفية إلى توريث ذوي الأرحام وأجزاء الأسباب العامة كلية لا تحقق لها إلا في الذهن قطعا فلا أقسام لها بخصوصها

____________________

(4/339)

كثيرة فلا يستقيم الحصر مطلقا لا في التام ولا في الناقص فتنبه لهذا المعنى فهو حسن لم أر أحدا تعرض له ولا لخصه وحينئذ أقول إن أسباب القرابة وإن كثرت فنحن لا نريدها ولا نريد التامة التي هي الخصوصات بل الناقصة التي هي المشتركات وهي مطلق القرابة ومطلق النكاح ومطلق الولاء والدليل على حصر غير التامة في هذه الثلاث أن الأمر العام بين جميع الأسباب التامة إما أن يمكن إبطاله أو لا فإن أمكن فهو النكاح لأنه يبطل بالطلاق وإن لم يمكن إبطاله فإما أن يقتضي التوارث من الجانبين غالبا أو لا فإن اقتضى التوارث من الجانبين غالبا فهو القرابة وإن لم يقتضه إلا من أحد الجانبين فهو الولاء لأنه يرث المولى الأعلى الأسفل ولا يرث الأسفل الأعلى وقولنا غالبا احتراز من العمة ونحوها فإنه يرثها ابن أخيها ولا ترثه

هامش أنوار البروق

مخصوص فإن اللفظ عليه صادق وله صالح ومن عبر منهم بلفظ التعريف لم يرد أيضا كل نسب ولا كل نكاح ولا كل ولاء بل أراد ما أراده الأول وأحال الأول في تقييد ذلك المطلق على تعيين أصناف الوارثين والوارثات وأحال الثاني في بيان المعهود بالألف واللام على ما أحاله عليه الأول والله أعلم قال بل بخصوص كونها أما مع مطلق القرابة وكذلك البنت ترث النصف ليس بمطلق القرابة وإلا لثبت ذلك للجد أو للأخت للأم بل لخصوص كونها بنتا مع مطلق القرابة فحينئذ لكل واحد من الورثة سبب تام يخصه مركب من جزأين من خصوص كونها بنتا أو غيره وعموم القرابة وكذلك للزوج النصف ليس لمطلق النكاح وإلا لكان للزوجة النصف لوجود مطلق النكاح فيها بل لخصوص كونه زوجا مع عموم النكاح كما تقدم فسببه مركب وكذلك الزوجة

هامش إدرار الشروق

فإنما أقسامها ما تحتها من الأسباب التامة وأجزاؤها الخاصة وأقسامهما فافهم قال الأصل والدليل على حصر الأسباب غير التامة في هذه الثلاث أن الأمر العام بين جميع الأسباب إما أن يمكن إبطاله أو لا فإن أمكن إبطاله فهو النكاح لأنه يبطل بالطلاق وإن لم يمكن إبطاله فإما أن يقتضي التوارث من الجانبين غالبا أو لا فإن اقتضى التوارث من الجانبين غالبا فهو القرابة والاحتراز ب غالبا من العمة ونحوها فإنه يرثها ابن أخيها ولا ترثه وإن لم يقتضه إلا من أحد الجانبين فهو الولاء لأنه يرث المولى الأعلى الأسفل ولا يرث الأسفل الأعلى

ا ه

قال ابن الشاط وما ذكره وإن كان مفيدا للحصر ليس بسديد فإن ما ذكره في النكاح من كونه يمكن إبطاله أجنبي عن كون النكاح سبب الميراث لأنه إنما يكون سببا النكاح الذي لم يلحقه إبطال أما اللاحق به الإبطال فلا يصح أن يكون سببا وما ثبتت سببيته لم ترفع لاستحالة رفع الواقع وما ذكره في القرابة أمر ثان عن كون سبب الإرث ليس مطلق القرابة لأن السببية ثابتة عنه مع عدم اطراده وما ذكر في الولاء وكذلك أمر ثان عن كون سببيته ليست مطلقة والأولى أن يقال إنهم ما حصروها في ثلاثة إلا لكونها أمورا مختلفة ثم لم يوجد سبب الميراث سواها ثم إنها ليست أسبابا على الإطلاق بل مقيدة بتعيين من يرث

ا ه

بل قال ابن عاصم

____________________

(4/340)

فارغة

هامش أنوار البروق

قلت إذا كان سبب الإرث الخاص الوصف الخاص فلا معنى لذكر الوصف العام معه فقوله مع مطلق القرابة لا حاجة إليه فمن المعلوم أن الوصف العام صادق على الخاص لكنه ليس العام سببا من حيث عمومه بل من حيث اشتمل على الخاص والخاص سبب فإذا قال قائل ما سبب وراثة البنت النصف قيل كونها بنتا وهو جواب مستقيم صادق وإن قيل كونها قريبة لم يكن جوابا مستقيما ولا صحيحا وإذا قيل ما سبب وراثة البنت فقيل كونها بنتا كان جوابا مستقيما وصحيحا أيضا وإن قيل كونها قريبة لم يصح أيضا لأن القرابة ليست مختصة بالبنت فالصحيح أن سبب ميراث البنت النصف كونها بنتا على الخصوص وكذلك سبب ميراث كل صنف من أصناف الوارثين والوارثات أسباب ميراثهم خاصة لا عامة وما قاله من أن السبب مركب لا معنى له عند النظر إلى خصوص الميراث كالنصف وشبهه ولا عند النظر إلى عموم الميراث أيضا لأنه جعل العموم مطلق القرابة وليس مطلق القرابة سببا لمطلق الميراث عندنا نعم هو سبب عند الحنفية قال إذا ظهر هذا فإن أرادوا حصر الأسباب التامة في ثلاثة فهي أكثر من عشرة بالإجماع لما تقدم أو الناقصة التي هي أجزاء الأسباب فالخصوصات كما رأيت كثيرة فلا يستقيم الحصر مطلقا لا في التام ولا في الناقص قلت قوله هي أكثر من عشرة إن أراد بذلك ما يخص كل صنف من الوارثين والوارثات على ما جرت به عادة أكثر الفرضيين في عدهم أصناف الوارثين عشرة وأصناف الوارثات سبعة فذلك صحيح وإن أراد بذلك ما يخص كل صنف على ما هو الأولى في ذلك فليس قوله ذلك بصحيح فإنها أكثر من عشرين لا أكثر من عشرة وقوله بالإجماع ليس بصحيح وأي إجماع في ذلك مع توريث الحنفية ذوي الأرحام وقوله أو الناقصة التي هي أجزاء الأسباب فالخصوصات كما رأيت كثيرة إن أراد بالخصوصات مطلق القرابة التي كل خصوص منها أعم من الخصوص الذي تحته من الخصوصات التي عدها الفرضيون فذلك صحيح وإلا فلا أدري ما أراد قال فتنبه لهذا المعنى فهو حسن لم أر أحدا تعرض له ولا لخصه وحينئذ أقول إن أسباب القرابة وإن كثرت فنحن لا نريدها ولا نريد التامة التي هي الخصوصات بل الناقصة التي هي المشتركات وهي مطلق القرابة ومطلق النكاح ومطلق الولاء قلت هذا الكلام الذي ذكره هنا مناقض في ظاهره لقوله إن أسباب القرابة وإن كثرت فنحن لا نريدها لكنه إنما أراد لا نريد مطلق القرابة من حيث هي القرابة لا خصوص كون القرابة بنوة مثلا ولكن نريد ما هو أخص من الأول وأعم من الثاني وهو قرابة ماء ونكاح ماء وولاء ماء ثم بين ذلك بما قرره ضابطا بعد هذا قال والدليل على حصر غير التامة في هذه الثلاثة أن الأمر العام بين جميع

هامش إدرار الشروق

جميعها أركانه ثلاثه مال ومقدار وذو الوراثه قال التسولي أي لا يصح الإرث بالعصمة أو الولاء أو النسب إلا باجتماع هذه الأركان الثلاثة أي معرفة مال متروك عن الميت ومقدار ما يرثه كل وارث ومن يرث ممن لا يرث ومهما اختل واحد منها لم يصح

ا ه

____________________

(4/341)

الفرق الحادي والخمسون والمائتان بين قاعدة أسباب التوارث وقاعدة شروطه وموانعه لم أر أحدا من الفرضيين يذكر إلا أسباب التوارث وموانعه ولا يذكر أحد منهم شروطه قط وله شروط قطعا كسائر أبواب الفقه فإن كانوا قد تركوها لأنها معلومة فأسباب

هامش أنوار البروق

الأسباب التامة إما أن يمكن إبطاله أو لا فإن أمكن فهو النكاح لأنه يبطل بالطلاق وإن لم يمكن إبطاله فإما أن يقتضي التوارث من الجانبين غالبا وهو القرابة أو لا يقتضي إلا من أحد الجانبين وهو الولاء لأنه يرث المولى الأعلى الأسفل ولا يرث الأسفل الأعلى وقولنا غالبا احتراز من العمة ونحوها فإنه يرثها ابن أخيها ولا ترثه قلت ما ذكره من سبب الحصر للأسباب الثلاثة في ثلاثة وإن كان مفيدا للحصر ليس بسديد فإن ما ذكره في النكاح وهو كونه يمكن إبطاله أجنبي عن كون النكاح سبب الميراث فإنه لا يصح أن يكون النكاح اللاحق به الإبطال سببا وإنما يكون سببا النكاح الذي لم يلحقه إبطال فإذا ثبتت سببيته لم ترتفع لاستحالة رفع الواقع وما ذكره في القرابة أمر ثان عن كون سبب الإرث ليس مطلق القرابة لأن السببية ثابتة عنه مع عدم اطراده وما ذكره في الولاء كذلك أمر ثان عن كون سببيته ليست مطلقة والأولى أن يقال إنهم ما حصروها في ثلاثة إلا لكونها أمورا مختلفة ثم لم يوجد سبب الميراث سواها ثم إنها ليست أسبابا على الإطلاق بل مقيدة بتعيين من يرث بها قال الفرق الحادي والخمسون والمائتان بين قاعدة أسباب التوارث وقاعدة شروطه وموانعه قلت ما قاله في صدر هذا الفرق صحيح ثم قال وها أنا أذكرها على هذا الضابط فأقول شروط التوارث ثلاثة كالأسباب تقدم موت الموروث على الوارث واستقرار حياة الوارث بعده كالجنين

هامش إدرار الشروق

قال التاودي على العاصمية وبقي عليه أسباب الملك والإسلام خليل ولسيد المعتق بعضه جميع إرثه وفي الزرقاني أن تسميته إرثا مجاز وإنما هو بالملك والظاهر أن الثاني لا يرد بحال لأنه هو الذي عبر عنه الناظم بقوله وبيت مال المسلمين يستقل البيت

ا ه

والله سبحانه وتعالى أعلم

الفرق الحادي والخمسون والمائتان بين قاعدة أسباب التوارث وقاعدة شروطه وموانعه وهو أن أسباب التوارث هي الثلاثة المتقدمة أعني القرابة والولاء والنكاح بالمعنى المتقدم بيانه لما تقدم أول الكتاب في الفروق أن ضابط السبب ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه ولو شكا العدم وهذه الحقيقة قد وجدت في هذه الثلاثة الأسباب وأما موانعه

____________________

(4/342)

التوارث معلومة أيضا فالصواب استيعاب الثلاثة كسائر أبواب الفقه وإن قالوا لا شروط للتوارث بل أسباب وموانع فقط فضوابط الأسباب والشروط والموانع تمنع من ذلك وقد قال الفضلاء إذا اختلفتم في الحقائق فحكموا الحدود وقد تقدم أول الكتاب في الفروق أن السبب يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم والشرط يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم والمانع ما يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم فبهذه الحدود والضوابط يظهر أن للتوارث شروطا وها أنا أذكرها على هذا الضابط فأقول شروط التوارث ثلاثة كالأسباب تقدم موت الموروث على الوارث واستقرار حياة الوارث بعده كالجنين والعلم بالقرب والدرجة التي اجتمعا فيها احترازا من موت رجل من مضر أو قريش لا يعلم له قريب فإن ميراثه لبيت المال مع أن كل قرشي

هامش أنوار البروق

قلت لا حاجة إلى ذكر الموروث وجعله شرطا وحياة الوارث بعده شرطا آخر ولا يصح أن يكون موت الموروث بنفسه قبل موت الوارث شرطا لامتناع توريث من يتعذر العلم فيهما بالتقدم والتأخر ولصحة التوريث بالتعمير في المفقود بل الصحيح أن شرط الإرث واحد وهو العلم أو الحكم بحياة الوارث بعد موت الموروث وبنسبته ورتبته منه قال والعلم بالقرب وبالدرجة التي اجتمعا فيها احترازا من موت رجل من مضر أو من قريش لا يعلم له قريب فإن ميراثه لبيت المال مع أن كل قرشي ابن عمه ولا ميراث لبيت المال مع ابن عم لكنه فات شرطه الذي هو العلم بدرجته منه فما من قرشي إلا لعل غيره أقرب منه قلت ما قاله في ذلك صحيح غير أنه نقصه الحكم بالقرب والدرجة إذا لم يكن ذلك معلوما ولكنه ثبت نسبه عند الحاكم قال فهذه شروط لا يؤثر وجودها إلا في نهوض الأسباب لترتب مسبباتها عليها يلزم من عدمها العدم ولا يلزم من وجودها من حيث هو وجود ولا عدم بل الوجود إن وقع فهو لوجود الأسباب

هامش إدرار الشروق

فغالب الناس على أنها ثلاثة الكفر والقتل والرق وهو الصحيح لما تقدم أيضا من أن ضابط المانع ما يلزم من وجوده أي يقينا العدم ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم كما لا يلزم من الشك في وجوده العدم بل يترتب الثبوت بناء على السبب وهذه الحقيقة قد وجدت في هذه الثلاثة الموانع وأما ما زاده بعضهم على الثلاثة الموانع المذكورة من الشك في أهل السفينة والردم واللعان وجعل الموانع خمسة فلا يصح لأن الشك المذكور إنما منع من الميراث لأنه من فقدان الشرط وهو العلم أو الحكم بتقدم موت المورث وكذلك اللعان ليس بمانع بل هو سبب في فقدان السبب وهو النسب وقد قال الفضلاء إذا اختلفتم في الحقائق فحكموا الحدود

وقد حكمنا حد المانع المتقدم فلم نجده منطبقا على هذين كما علمت وأما شروطه فذكر الأصل أنها ثلاثة أيضا تقدم موت المورث على الوارث واستقرار حياة الوارث بعده كالجنين والعلم بالقرب والدرجة قال وهذه الثلاثة وإن لم يذكرها أحد من

____________________

(4/343)

ابن عمه ولا ميراث لبيت المال مع ابن عم لكنه فات شرطه الذي هو العلم بدرجته منه فما من قرشي إلا لعل غيره أقرب منه فهذه شروط لا يؤثر وجودها إلا في نهوض الأسباب لترتب مسبباتها عليها يلزم من عدمها العدم ولا يلزم من وجودها من حيث هو وجود ولا عدم بل الوجود إن وقع فهو لوجود الأسباب لا لها وإن وقع العدم عند وجودها فلعدم السبب أو لوجود المانع فهذه حقيقة الشرط قد وجدت في هذه الثلاثة فتكون شروطا وقد تقدم أيضا أول الكتاب أن الشرط إذا شك فيه يلزم من ذلك العدم وكذلك السبب ولا يلزم من الشك في المانع العدم بل يترتب الثبوت بناء على السبب وهذا أيضا يوضح لك شرطية هذه الثلاثة مع أنهم لم يذكروها في الأسباب التي ذكروها ولا في الموانع بل أهملت وذكرها متعين وقد تقدم ذكر الأسباب

هامش أنوار البروق

لا لها وإن وقع العدم عند وجودها فلعدم السبب أو لوجود المانع فهذه حقيقة الشرط قد وجدت في هذه الثلاثة فتكون شروطا قلت قد ثبت أنه شرط واحد وهو العلم بحياة الوارث بعد موت المورث وبقرابته ورتبته منه أو الحكم بذلك قال وقد تقدم أيضا أول الكتاب أن الشرط إذا شك فيه يلزم من ذلك العدم وكذلك السبب ولا يلزم من الشك في المانع العدم بل يترتب الثبوت بناء على السبب وهذا أيضا يوضح لك شرطية هذه الثلاثة مع أنهم لم يذكروها في الأسباب التي ذكروها ولا في الموانع بل أهملت وذكرها متعين قلت قد تبين أنها ليست ثلاثة بل شرط واحد فقط قال وقد تقدم ذكر الأسباب وأما الموانع فأقصى ما ذكر فيها أنها خمسة وغالب الناس على أنها ثلاثة الكفر والقتل والرق وزاد بعضهم الشك احترازا من أهل السفينة أو الردم فإنه لا ميراث بينهم واللعان فإنه يمنع من إرث الأب والإرث منه فقد ظهر الفرق بين القواعد الثلاثة وهو المقصود قلت لا يصح القول بأن الموانع خمسة بل هي ثلاثة فقط فإن الشك في أهل السفينة والردم إنما منع من الميراث لأنه من فقدان الشرط وهو العلم أو الحكم بتقدم موت الموروث وكذلك اللعان ليس بمانع بل هو سبب في فقدان السبب وهو النسب وليت شعري لم لم يحكم هنا الحدود كما ذكره قبل عن الفضلاء وجميع ما ذكره في الفرقين بعد هذا صحيح وكذلك ما قال في الفرق بعدهما وهو

هامش إدرار الشروق

الفرضيين في الأسباب التي ذكروها ولا في الموانع التي ذكروها بل أهملوها بالكلية ولم يذكر أحد منهم شروط التوارث قط مع أن له شروطا قطعا كسائر أبواب الفقه فإن كانوا قد تركوها لأنها معلومة ورد عليهم أن أسباب التوارث كذلك فالصواب استيعاب الثلاثة كسائر أبواب الفقه وإن قالوا لا شروط للتوارث بل أسباب وموانع فقط ورد عليهم أن هذه الثلاثة إنما يصدق عليها ضابط الشرط الذي تقدم أول الكتاب في الفروق من أنه ما يلزم من عدمه ولو شكا العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم فبتحكيم الحدود كما تقدم عن الفضلاء يظهر أن هذه الثلاثة شروط للتوارث لا أسباب ولا موانع وذلك لأن العلم بالقرب والدرجة أي التي اجتمعا فيها مثلا احتراز من موت رجل من مضر أو قريش لا يعلم

____________________

(4/344)

وأما الموانع فأقصى ما ذكر فيها أنها خمسة وغالب الناس على أنها ثلاثة الكفر والقتل والرق وزاد بعضهم الشك احترازا من أهل السفينة أو الردم فإنه لا ميراث بينهم واللعان فإنه يمنع من إرث الأب والإرث منه فقد ظهر الفرق بين القواعد الثلاثة وهو المقصود الفرق الثاني والخمسون والمائتان بين قاعدة ما يحرم من البدع وينهى عنه وبين قاعدة ما لا ينهى عنه منها اعلم أن الأصحاب فيما رأيت متفقون على إنكار البدع نص على ذلك ابن أبي زيد وغيره والحق التفصيل وأنها خمسة أقسام قسم واجب وهو ما تتناوله قواعد الوجوب وأدلته من الشرع كتدوين القرآن والشرائع إذا خيف عليها الضياع فإن التبليغ لمن بعدنا من

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

له قريب فإن ميراثه لبيت المال مع أن كل قرشي ابن عمه ولا ميراث لبيت المال مع ابن عم لكنه لما فقد شرط إرثه الذي هو العلم بدرجته منه إذ ما من قرشي إلا لعل غيره أقرب منه جعل الميراث لبيت المال دونه فعلم أن هذه الشروط لا يؤثر وجودها إلا في نهوض الأسباب لترتب مسبباتها عليها يلزم من عدمها العدم

ولا يلزم من وجودها من حيث هو وجود ولا عدم بل الوجود إن وقع فهو لوجود الأسباب لا لها وإن وقع العدم عند وجودها فلعدم السبب أو لوجود المانع فهذه حقيقة الشرط قد وجدت في هذه الثلاثة فتكون شروطا

ا ه

بتهذيب وتعقبه ابن الشاط أولا بأن الصحيح أن شرط الإرث واحد وهو العلم أو الحكم بحياة الوارث بعد موت الموروث وبنسبته ورتبته منه لوجهين الأول أنه لا حاجة إلى ذكر تقدم موت الموروث وجعله شرطا وحياة الوارث بعده شرطا آخر الثاني أنه لا يصح أن يكون موت الموروث بنفسه قبل موت الوارث شرطا لأمرين أحدهما امتناع توريث من يتعذر العلم فيهما بالتقدم والتأخر وثانيهما صحة التوريث بالتعمير في المفقود وثانيا بأن جعله العلم بالقرب والدرجة التي اجتمعا فيها احتراز من موت رجل إلخ صحيح غير أنه نقضه الحكم بالقرب والدرجة إذا لم يكن ذلك معلوما ولكنه ثبت نسبه عند الحاكم

ا ه

والله سبحانه وتعالى أعلم الفرق الثاني والخمسون والمائتان بين قاعدة ما يحرم من البدع وينهى عنه وبين قاعدة ما لا ينهى عنه منها وهو مبني على أحد الطريقتين في البدع اللتين في قول الأصل الأصحاب فيما رأيت متفقون على إنكار البدع نص على ذلك ابن أبي زيد وغيره والحق التفصيل وأنها خمسة أقسام الأول واجب وهو ما تناولته قواعد الوجوب وأدلته من الشرع كتدوين القرآن والشرائع إذا خيف عليها الضياع فإن التبليغ لمن بعدنا من القرون واجب إجماعا

وإهماله حرام إجماعا الثاني محرم وهو ما تناولتها قواعد التحريم وأدلته من الشرع كالمكوس والمحدثات من المظالم المنافية لقواعد الشريعة كتقديم الجهال على العلماء وتولية المناصب الشرعية من لا يصلح لها بطريق التوارث نظرا لكون المنصب كان لأبيه وهو في نفسه ليس بأهل

____________________

(4/345)

القرون واجب إجماعا وإهمال ذلك حرام إجماعا فمثل هذا النوع لا ينبغي أن يختلف في وجوبه القسم الثاني محرم وهو بدعة تناولتها قواعد التحريم وأدلته من الشريعة كالمكوس والمحدثات من المظالم المنافية لقواعد الشريعة كتقديم الجهال على العلماء وتولية المناصب الشرعية من لا يصلح لها بطريق التوارث وجعل المستند لذلك كون المنصب كان لأبيه وهو في نفسه ليس بأهل القسم الثالث من البدع مندوب إليه وهو ما تناولته قواعد الندب وأدلته من الشريعة كصلاة التراويح وإقامة صور الأئمة والقضاة وولاة الأمور على خلاف ما كان عليه أمر الصحابة بسبب أن المصالح والمقاصد الشرعية لا تحصل إلا بعظمة الولاة في نفوس الناس وكان الناس في زمن الصحابة معظم تعظيمهم إنما هو بالدين وسابق الهجرة ثم اختل النظام وذهب ذلك القرن وحدث قرن آخر لا يعظمون إلا بالصور فيتعين تفخيم الصور حتى تحصل المصالح وقد كان عمر يأكل خبز الشعير والملح ويفرض لعامله نصف شاة كل يوم لعلمه بأن الحالة التي هو عليها لو عملها غيره لهان في نفوس الناس

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الثالث مندوب وهو ما تناولته قواعد الندب وأدلته من الشرع كصلاة التراويح أي الذي عمل بها عمر رضي الله عنه فجمع الناس في المسجد على قارئ واحد في رمضان وقال حين دخل المسجد وهم يصلون نعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل فإنه إنما سماها بدعة باعتبار ما وإلا فقيام الإمام بالناس في المسجد في رمضان سنة عمل بها صاحب السنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما تركها خوفا من الافتراض فلما انقضى زمن الوحي زالت العلة فعاد العمل بها إلى نصابه إلا أن ذلك لم يتأت لأبي بكر رضي الله عنه زمان خلافته لمعارضة ما هو أولى بالنظر فيه وكذلك صدر خلافة عمر رضي الله عنه حتى تأنى النظر فوقع منه لكنه صار في ظاهر الأمر كأنه أمر لم يجر به عمل من تقدمه دائما فسماه بذلك الاسم لأنه أمر على خلاف ما ثبت من السنة كما في الاعتصام لأبي إسحاق الشاطبي قلت وقد جرى على ما عمل عمر رضي الله تعالى عنه من صلاة التراويح بإمام واحد في المسجد عمل الأعصار إلى عصرنا في جميع الأمصار ما عدا مكة والمدينة فإنهما قد ابتدع فيهما شرفهما الله تعالى تعدد الجماعات في صلاة التراويح أسأل الله تعالى أن يوفق أهلها للعمل فيها بالسنة كسائر الأمصار قال الأصل وكإقامة صور الأئمة والقضاة وولاة الأمور على خلاف ما كان عليه أمر الصحابة بسبب أن المصالح والمقاصد الشرعية لا تحصل إلا بعظمة الولاة في نفوس الناس وكان الناس في زمن الصحابة معظم تعظيمهم إنما هو بالدين وسابق الهجرة ثم اختل النظام وذهب ذلك القرن وحدث قرن آخر لا يعظمون إلا بالصور فتعين تفخيم الصور حتى تحصل المصالح وقد كان عمر يأكل خبز الشعير والملح ويفرض لعامله نصف شاة كل يوم لعلمه بأن الحالة التي هو عليها لو عملها غيره لهان في نفوس الناس ولم يحترموه

____________________

(4/346)

ولم يحترموه وتجاسروا عليه بالمخالفة فاحتاج إلى أن يضع غيره في صورة أخرى لحفظ النظام ولذلك لما قدم الشام ووجد معاوية بن أبي سفيان قد اتخذ الحجاب وأرخى الحجاب واتخذ المراكب النفيسة والثياب الهائلة العلية وسلك ما يسلكه الملوك فسأله عن ذلك فقال إنا بأرض نحن فيها محتاجون لهذا فقال له لا آمرك ولا أنهاك ومعناه أنت أعلم بحالك هل أنت محتاج إلى هذا فيكون حسنا أو غير محتاج إليه فدل ذلك من عمر وغيره على أن أحوال الأئمة وولاة الأمور تختلف باختلاف الأعصار والأمصار والقرون والأحوال فلذلك يحتاجون إلى تجديد زخارف وسياسات لم تكن قديما وربما وجبت في بعض الأحوال القسم الرابع بدع مكروهة وهي ما تناولته أدلة الكراهة من الشريعة وقواعدها كتخصيص الأيام الفاضلة أو غيرها بنوع من العبادات ومن ذلك في الصحيح ما خرجه مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن تخصيص يوم الجمعة بصيام أو ليلته بقيام ومن هذا الباب الزيادة في المندوبات المحدودات كما ورد في التسبيح عقيب الصلوات ثلاثة وثلاثين فيفعل مائة وورد صاع في زكاة الفطر فيجعل عشرة آصع بسبب أن الزيادة فيها إظهار الاستظهار على الشارع وقلة أدب معه بل شأن العظماء إذا حددوا شيئا وقف عنده

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وتجاسروا عليه بالمخالفة فاحتاج إلى أن يضع غيره في صورة أخرى لحفظ النظام ولذلك لما قدم الشام ووجد معاوية قد اتخذ الحجاب وأرخى الحجاب واتخذ المراكب النفيسة والثياب الهائلة العلية وسلك ما يسلكه الملوك فسأله عن ذلك فقال إنا بأرض نحن فيها محتاجون لهذا فقال له لا آمرك ولا أنهاك ومعناه أنت أعلم بحالك هل أنت محتاج إلى هذا فيكون حسنا أو غير محتاج إليه فدل ذلك من عمر وغيره على أن أحوال الأئمة وولاة الأمور تختلف باختلاف الأعصار والأمصار والقرون والأحوال فلذلك يحتاجون إلى تجديد زخارف وسياسات لم تكن قديما وربما وجبت في بعض الأحوال الرابع مكروه وهو ما تناولته قواعد الكراهة وأدلتها من الشرع كتخصيص الأيام الفاضلة وغيرها بنوع من العبادات لنهيه صلى الله عليه وسلم عن تخصيص يوم الجمعة بصيام أو ليلته بقيام كما في صحيح مسلم وغيره وكالزيادة في المندوبات المحدودات بأن يجعل التسبيح عقيب الصلوات مائة والوارد فيه ثلاثة وثلاثون والصاع الواحد الوارد في زكاة الفطر عشرة آصع بسبب أن الزيادة فيها إظهار الاستظهار على الشارع وهو قلة أدب معه لأن شأن العظماء إذا حددوا شيئا وقف عنده وعد الخروج عنه قلة أدب وأما الزيادة في الواجب أو عليه فهو حرام لا مكروه لأنه يؤدي إلى أن يعتقد أن الواجب هو الأصل والمزيد عليه وذلك تغيير للشرائع وهو حرام إجماعا ولذلك نهى مالك عن إيصال ست من شوال لئلا يعتقد أنها من رمضان وخرج أبو داود في سننه أن رجلا دخل إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الفرض وقام ليصلي ركعتين فقال عمر بن الخطاب اجلس حتى تفصل بين فرضك ونفلك فبهذا هلك من كان قبلنا فقال له

____________________

(4/347)

والخروج عنه قلة أدب والزيادة في الواجب أو عليه أشد في المنع لأنه يؤدي إلى أن يعتقد أن الواجب هو الأصل والمزيد عليه ولذلك نهى مالك عن إيصال ست من شوال لئلا يعتقد أنها من رمضان وخرج أبو داود في سننه أن رجلا دخل إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه فصلى الفرض وقام ليصلي ركعتين فقال له عمر بن الخطاب اجلس حتى تفصل بين فرضك ونفلك فبهذا هلك من كان قبلنا فقال له عليه السلام أصاب الله بك يا ابن الخطاب يريد عمر أن من قبلنا وصلوا النوافل بالفرائض فاعتقدوا الجميع واجبا وذلك تغيير للشرائع وهو حرام إجماعا القسم الخامس البدع المباحة وهي ما تناولته أدلة الإباحة وقواعدها من الشريعة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

عليه السلام أصاب الله بك يا ابن الخطاب يريد عمر أن من قبلنا وصلوا النوافل بالفرائض فاعتقدوا الجميع واجبا فهلكوا بتغييرهم للشرائع الخامس مباح وهو ما تناولته قواعد المباح وأدلته من الشرع كاتخاذ المناخل للدقيق لأنه أول شيء أحدثه الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الآثار وتليين العيش وإصلاحه من المباحات فوسائله كذلك وبالجملة فالبدعة إنما تنقسم لهذه الأقسام إذا نظر إليها باعتبار ما يتقاضاها ويتناولها من القواعد والأدلة فألحقت بما تناولها من قواعد وأدلة الوجوب أو التحريم أو الندب أو الكراهة أو الإباحة وأما إن قطع النظر عن ذلك ونظر إلى كونها بدعة من حيث الجملة لم تكن إلا مكروهة أي إما تنزيها وإما تحريما فإن الخير كله في الاتباع والشر كله في الابتداع ولبعض السلف الصالح ويسمى أبا العباس الأبياني من أهل الأندلس ثلاث لو كتبن في ظفر لوسعهن وفيهن خير الدنيا والآخرة اتبع ولا تبتدع اتضع ولا ترتفع من تورع لا يتسع

ا ه

كلام الأصل بتهذيب وزيادة فقوله والحق التفصيل إلخ هي الطريقة التي بنى عليها الفرق بين القاعدتين المذكورتين وصححه ابن الشاط وإليها ذهب من المالكية غير واحد كالإمام محمد الزرقاني فقال في شرحه على الموطإ وتنقسم البدعة إلى الأحكام الخمسة وحديث كل بدعة ضلالة عام مخصوص قال والبدعة لغة ما أحدث على غير مثال سبق وتطلق شرعا على مقابل السنة وهي ما لم تكن في عهده صلى الله عليه وسلم ا ه وغير واحد من الشافعية منهم الإمام النووي والعز بن عبد السلام شيخ الأصل ففي العزيزي على الجامع الصغير عن العلقمي قال النووي البدعة بكسر الباء في الشرع هي إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي منقسمة إلى حسنة وقبيحة وقال ابن عبد السلام في آخر القواعد البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرمة ومندوبة ومكروهة ومباحة قال والطريق في ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة أو في قواعد التحريم فهي محرمة أو الندب فمندوبة أو المكروه فمكروهة أو المباح فمباحة وللواجبة أمثلة منها الاشتغال بعلم النحو الذي يفهم كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ومنها حفظ غريب الكتاب والسنة من اللغة ومنها تدريس أصول الفقه ومنها الكلام في الجرح والتعديل وتمييز الصحيح من السقيم ومنها الرد على مذاهب نحو القدرية والجبرية والمرجئة والمجسمة إذ لا يتأتى حفظ الشريعة إلا بما ذكرناه وقد دلت قواعد الشريعة على أن

____________________

(4/348)

كاتخاذ المناخل للدقيق ففي الآثار أول شيء أحدثه الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخاذ المناخل للدقيق لأن تليين العيش وإصلاحه من المباحات فوسائله مباحة فالبدعة إذا عرضت تعرض على قواعد الشريعة وأدلتها فأي شيء تناولها من الأدلة والقواعد ألحقت به من إيجاب أو تحريم أو غيرهما وإن نظر إليها من حيث الجملة بالنظر إلى كونها بدعة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

حفظ الشريعة فرض كفاية فيما زاد على المتعين وللمحرمة أمثلة منها مذاهب القدرية والجبرية والمرجئة والمجسمة وللمندوبة أمثلة منها التراويح والكلام في دقائق التصوف وفي الجدل

ومنها جمع المحافل في الاستدلال على المسائل إن يقصد بذلك وجه الله والمكروهة أمثلة منها زخرفة المساجد وتزويق المصاحف وللمباحة أمثلة منها المصافحة عقب الصبح والعصر ومنها التوسع في اللذيذ من المأكل والمشرب والملابس والمساكن ولبس الطيالسة وتوسيع الأكمام وقد نختلف في بعض ذلك فيجعله بعض العلماء من البدع المكروهة ويجعله آخرون من السنن المفعولة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فما بعده وذلك كالاستعاذة والبسملة في الصلاة

ا ه

بتصرف فمشهور مذهب مالك كراهتهما في الفريضة دون النافلة إذا اعتقد أن الصلاة لا تصح بتركهما ولم يقصد الخروج من خلاف الإمام الشافعي ومذهب الإمام الشافعي سنيتهما في الصلاة مطلقا ومثلهما في كونه بدعة مكروهة أو سنة سجود الشكر ذهب الشافعي إلى أنه سنة مفعولة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب مالك إلى كراهته وأنه ليس بمشروع ففي العتبية وسئل مالك عن الرجل يأتيه الأمر يحبه فيسجد لله عز وجل شكرا فقال لا يفعل هذا مما مضى من أمر الناس قيل له إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه فيما يذكرون سجد يوم اليمامة شكرا لله أفسمعت ذلك قال ما سمعت ذلك وأنا أرى أن قد كذبوا على أبي بكر وهذا من الضلال أن يسمع المرء الشيء فيقول هذا لم تسمعه مني قد فتح الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين بعده أفسمعت أن أحدا منهم فعل مثل هذا إذ ما قد كان في الناس وجرى على أيديهم سمع عنهم فيه شيء فعليك بذلك فإنه لو كان لذكر لأنه من أمر الناس الذي قد كان فيهم فهل سمعت أن أحدا منهم سجد فهذا إجماع

وإذا جاءك أمر لا تعرفه فدعه

ا ه

قال ابن رشد الوجه في ذلك أنه لم يرد مما شرع في الدين يعني سجود الشكر فرضا ولا نفلا إذ لم يأمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ولا فعله ولا أجمع المسلمون على اختيار فعله والشرائع لا تثبت إلا من أحد هذه الأمور قال واستدلاله على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك ولا المسلمون بعده بأن في ذلك لو كان النقل صحيحا إذ لا يصح أن تتوفر الدواعي على ترك نقل شريعة من شرائع الدين وقد أمروا بالتبليغ قال وهذا أصل من الأصول وعليه يأتي إسقاط الزكاة من الخضر والبقول مع وجود الزكاة فيها لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما سقت السماء والعيون والبعل العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر لأنا نزلنا ترك نقل أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الزكاة منها كالسنة القائمة في أن لا زكاة فيها فكذلك نزل ترك نقل السجود عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشكر كالسنة القائمة في أن لا سجود فيها ثم حكي خلاف الشافعي والكلام عليه والمقصود من المسألة توجيه مالك من حيث إنها بدعة لا توجيه أنها بدعة على

____________________

(4/349)

مع قطع النظر عما يتقاضاها كرهت فإن الخير كله في الاتباع والشر كله في الابتداع ولبعض السلف الصالح يسمى أبا العباس الأبياني من أهل الأندلس ثلاث لو كتبن في ظفر لوسعهن وفيهن خير الدنيا والآخرة اتبع ولا تبتدع اتضع ولا ترتفع من تورع لا يتسع

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الإطلاق أفاده الشاطبي في الاعتصام وحاصل هذه الطريقة هو ما أشار إليه العلامة الحفني في حاشيته على الجامع الصغير من أن البدعة بمعنى ما لم يكن في عهده صلى الله عليه وسلم نوعان حقيقية ومشتبهات فالحقيقية هي المقابلة للسنة فالسنة ما فعل في الصدر الأول وشهد له أصل من أصول الشرع والبدعة الحقيقية ما أحدث بعد الصدر الأول ولم يشهد له أصل من أصول الشرع قال زاد الشارح في الكبير وغلبت على ما خالف أصول أهل السنة في العقائد

وهي البدعة المحرمة سواء كفر بها كإنكار علمه تعالى بالجزئيات أو لا كالمجسمة والجهمية على الراجح إن لم تقل الأولى كالأجسام وهي المراد بالبدعة متى أطلقت وإن كانت في الأصل تطلق على المحرمة وغيرها فهي المراد بالحديث الذي خرجه ابن ماجه وابن أبي عاصم في السنة والديلمي عن ابن عباس أبى الله أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته لإيراده في حيز التحذير منها والذم لها والتوبيخ عليها فنفي قبول العمل بمعنى إبطاله ورده إن كانت البدعة مكفرة له وبمعنى نفي الثواب إن كانت لا تكفره مثل ما ورد أن الشخص إذا لبس ثوبا بدراهم منها درهم حرام وصلى فيه لم تقبل صلاته أي لم يثب عليها والمشتبهات تعرض على أصول الشرع فإن وافقت الواجب كانت واجبة أو المندوب كانت مندوبة أو المكروه كانت مكروهة أو المباح كانت مباحة وبالجملة فتقسيم البدعة مع السنة على نحو تقسيم النحويين حرف الجر الأصلي مع الزائد إلى ثلاثة أقسام أصلي وهو ما دل على معنى خاص واحتاج لمتعلق يتعلق به وزائد وهو ما لا يدل على معنى خاص ولا يحتاج لمتعلق وشبيه بهما وهو ما دل على معنى خاص ولم يحتج لمتعلق فكما انقسم حرف الجر إلى هذه الثلاثة كذلك البدعة مع السنة تنقسم على هذه الطريقة إلى ثلاثة سنة وهي ما فعل في الصدر الأول وشهد له أصل من أصول الشرع وبدعة وهو ما لم يفعل في الصدر الأول ولم يشهد له الأصل

ومشتبهات وهو ما لم يفعل في الصدر الأول وشهد له الأصل وتوضيح الفرق بين القاعدتين المذكورتين على هذه الطريقة أن ما يحرم وينهى عنه من البدع هو المراد بالبدعة القبيحة في كلام النووي الصادقة على المحرمة وعلى المكروهة وأن ما لا ينهى عنه منها هو المراد بالبدعة الحسنة الصادقة على الواجبة والمندوبة والمباحة وقول الأصل والأصحاب فيما رأيت متفقون على إنكار البدع إلخ هو طريقة نفي التفصيل في البدع وأنها لا تكون واجبة ولا مندوبة ولا مباحة بل إنما تكون قبيحة منهيا عنها فالكلام عليها من جهتين الجهة الأولى أن أمثلة البدع الواجبة والمندوبة والمباحة التي ذكرها القرافي وشيخه ابن عبد السلام لا تخرج عن كونها مما له أصل في الدين ومن المصالح المرسلة وعن كونها من العاديات وما كان مما له أصل في الدين ومن المصالح المرسلة لا يعد من البدع لأن خاصة البدعة أنها خارجة عما رسمه الشارع إذ هي طريقة في الدين ابتدعت على غير مثال تقدمها تضاهي الشريعة يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد فانفصلت بهذا القيد عن كل ما ظهر لبادئ الرأي أنه مخترع مما هو متعلق بالدين كعلم النحو والتصريف ومفردات اللغة وأصول الفقه وسائر العلوم الخادمة للشريعة فإنها

وإن لم توجد في

____________________

(4/350)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

الزمان الأول فأصولها موجودة في الشرع إذ الأمر بإعراب القرآن منقول وعلوم اللسان هادية للصواب في الكتاب والسنة فحقيقتها إذا أنها فقه التعبد بالألفاظ الشرعية الدالة على معانيها كيف تؤخذ وتؤدى وأصول الفقه إنما معناها استقراء كليات الأدلة حتى تكون عند المجتهد نصب عين وعند الطالب سهلة الملتمس وكذلك أصول الدين وهو علم الكلام إنما حاصله تقرير لأدلة القرآن والسنة أو ما ينشأ عنها في التوحيد وما يتعلق به كما كان الفقه تقرير الأدلة في الفروع العبادية وتصنيفها على ذلك الوجه وإن كان مخترعا إلا أن له أصلا في الشرع ففي الحديث ما يدل عليه ولو سلم أنه ليس في ذلك دليل على الخصوص فالشرع بجملته يدل على اعتباره وهو مستمد من قاعدة المصالح المرسلة

وقد تقدم بسطها فعلى القول بإثباتها أصلا شرعيا لا إشكال في أن كل علم خادم للشريعة داخل تحت أدلتها التي ليست بمأخوذة من جزء واحد فليست ببدعة ألبتة وعلى القول بنفيها لا بد أن تكون تلك العلوم مبتدعات وإذا دخلت في علم البدع كانت قبيحة لأن كل بدعة ضلالة من غير إشكال كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى ويلزم من ذلك أن يكون كتب المصحف وجمع القرآن قبيحا وهو باطل بالإجماع فليس إذا ببدعة ويلزم أن يكون له دليل شرعي وليس إلا هذا النوع من الاستدلال وهو المأخوذ من جملة الشريعة وإذا ثبت جزء في المصالح المرسلة ثبت مطلق المصالح المرسلة فعلى هذا لا ينبغي أن يسمى علم النحو أو غيره من علوم اللسان أو علم الأصول أو ما أشبه ذلك من العلوم الخادمة للشريعة بدعة أصلا ومن سماه بدعة فإما على المجاز كما سمى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قيام الناس في ليالي رمضان بدعة وإما جهلا بمواقع السنة والبدعة فلا يكون قول من قال ذلك معتدا به ولا معتمدا عليه وأما ما كان من العاديات كإقامة صور الأئمة وولاة الأمور والقضاة واتخاذ المناخل وغسل اليدين بالأشنان ولبس الطيالس وتوسيع الأكمام وأشباه ذلك من الأمور العادية التي لم تكن في الزمن الفاضل والسلف الصالح فالتمثيل بها لمندوبات البدع ومباحاتها وكذا بالمكوس والمحدثات من المظالم

وتقديم الجهال على العلماء في الولايات العلمية وتولية المناصب الشريفة من ليس لها بأهل بطريق الوراثة لمحرمات البدع مبني على إحدى الطريقتين في العاديات وهي التي مال إليها القرافي وشيخه ابن عبد السلام وذهب إليها بعض السلف كمحمد بن أسلم من أن المخترعات منها تلحق بالبدع وتصير كالعبادات المخترعة الجارية في الأمة لوجوه ثلاثة الوجه الأول أنها أمور جرت في الناس وكثر العمل بها وشاعت وذاعت والوجه الثاني أنه لا فرق بينها وبين العبادات إذ الأمور المشروعة تارة تكون عبادية وتارة تكون عادية فكلاهما مشروع من قبل الشارع فكما تقع المخالفة بالابتداع في أحدهما تقع في الآخر الوجه الثالث أن الشرع جاء بالوعد بأشياء تكون في آخر الزمان هي خارجة عن سنته فتدخل فيما تقدم تمثيله لأنها من جنس واحد ففي الصحيح عن عبد الله رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم سترون بعدي أثرة وأمورا تنكرونها قال فما تأمرنا يا

____________________

(4/351)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

رسول الله قال أدوا إليهم حقهم وسلوا حقكم وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من كره من أمره شيئا فليصبر عليه فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات مات ميتة جاهلية وفي الصحيح أيضا إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظروا الساعة وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يتقارب الزمان ويقبض العلم ويلقى ويظهر الجهل وتظهر الفتن ويكثر الهرج قال يا رسول الله أيما هو قال القتل القتل وعن أبي موسى رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم إن بين يدي لأياما ينزل فيها الجهل ويرتفع فيها العلم ويكثر فيها الهرج والهرج القتل وعن حذيفة رضي الله عنه قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم علموا من القرآن ثم علموا من السنة وحدثنا عن رفعها ثم قال ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل الوكت ثم ينام النومة فتقبض فيبقى أثرها مثل أثر المجل كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبرا وليس فيه شيء ويصبح الناس يتبايعون

ولا يكاد أحد يؤدي الأمانة فيقال إن في بني فلان رجلا أمينا ويقال للرجل ما أعقله وما أظرفه وما أجلده وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان الحديث وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان يكون بينهما مقتلة عظيمة دعواهما واحدة وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم زعم أنه رسول وحتى يقبض العلم ثم قال وحتى يتطاول الناس في البنيان إلى آخر الحديث وعن عبد الله رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تخرج في آخر الزمان أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم يقولون من قول خير البرية يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه عليه السلام قال بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا فيبيع دينه بعرض الدنيا وفسر ذلك الحسن قال يصبح محرما لدم أخيه وعرضه وماله ويمسي مستحلا له كأنه تأوله على الحديث الآخر لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض والله أعلم

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل ويفشو الزنا ويشرب الخمر ويكثر النساء ويقل الرجال حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد

ومن غريب حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء قيل وما هي يا رسول الله قال إذا صار المغنم دولا والأمانة مغنما والزكاة مغرما وأطاع الرجل زوجه وعق أمه وبر صديقه وجفا أباه وارتفعت الأصوات في المساجد وكان زعيم القوم أرذلهم وأكرم الرجل مخافة شره وشربت الخمور ولبس الحرير واتخذت القيان والمعازف ولعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء وزلزلة وخسفا أو مسخا وقذفا

وفي الباب عن أبي هريرة رضي الله عنه قريب هذا وفيه ساد القبيلة فاسقهم وكان زعيم القوم أرذلهم وفيه وظهرت القيان والمعازف وفي آخره فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء وزلزلة وخسفا وآيات تتابع كنظام بال قطع سلكه فتتابع

فهذه الأحاديث وأمثالها مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم أنه يكون في هذه الأمة بعده إنما هو في الحقيقة تبديل الأعمال التي كانوا أحق بالعمل بها فلما عوضوا منها غيرها وفشا فيها كأنه من المعمول

____________________

(4/352)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

به تشريعا كان من جملة الحوادث الطارئة على نحو ما بين في العبادات

والطريقة الثانية وعليها الأكثرون أن العاديات إن كانت كالبيع والنكاح والشراء والطلاق والإجارات والجنايات مما لا بد فيها من التعبدات لكونها مقيدة بأمور شرعية لا خيرة للمكلف فيها كانت اقتضاء أو تخييرا فإن التخيير في التعبدات إلزام كما أن الاقتضاء إلزام حسبما تقر وبرهانه في كتاب الموافقات صح دخول الابتداع فيها كالعبادات

وإلا فلا وهذه هي النكتة التي يدور عليها حكم الباب ويتبين ذلك بالأمثلة فما أتى به القرافي مثالا للبدعة المحرمة من وضع المكوس في معاملات الناس لا يخلو إما أن يكون على قصد حجر التصرفات وقتا ما أو في حالة ما لنيل حطام الدنيا على هيئة غصب الغاصب وسرقة السارق وقطع القاطع للطريق وما أشبه ذلك أو يكون على قصد وضعه على الناس كالدين الموضوع والأمر المحتوم عليهم دائما أو في أوقات محدودة على كيفيات مضروبة بحيث تضاهي المشروع الدائم الذي يحمل عليه العامة ويؤخذون به وتوجه على الممتنع منه العقوبة كما في أخذ زكاة المواشي والحرث وما أشبه ذلك فمن الفرض الثاني يصير تشريعا زائدا وبدعة بلا شك ويصير للمكوس على هذا الفرض نظران نظر من جهة كونها محرمة على الفاعل أن يفعلها كسائر أنواع الظلم ونظر من جهة كونها اختراعا لتشريع يؤخذ به الناس إلى الموت كما يؤخذون بسائر التكاليف فاجتمع فيها نهيان نهي عن المعصية ونهي عن البدعة ومن الفرض الأول إنما يوجد بها النهي من جهة كونها تشريعا موضوعا على الناس أمر وجوب أو ندب إذ ليس فيها جهة أخرى يكون بها معصية بل نفس التشريع هو نفس الممنوع وكذلك تقديم الجهال على العلماء وتولية المناصب الشريفة من لا يصلح لها بطريق التوريث فإن جعل الجاهل في موضع العالم حتى يصير مفتيا في الدين ومعمولا بقوله في الأموال والدماء والأبضاع وغيرها محرم في الدين فقط

وأما كون ذلك يتخذ ديدنا حتى يصير الابن مستحقا لرتبة الأب

وإن لم يبلغ رتبة الأب في ذلك المنصب بطريق الوراثة أو غير ذلك بحيث يشيع هذا العمل ويطرد ويرده الناس كالشرع الذي لا يخالف بأن يعبروا عنه كما يعبر عن القاعدة الشرعية الكلية من مات عن شيء فنصيبه لولده ففيه جهتان جهة كونه بدعة بلا إشكال وجهة كونه قولا بالرأي غير الجاري على العلم هو الذي بينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا وإنما ضلوا وأضلوا لأنهم أفتوا بالرأي إذ ليس عندهم علم وهو بدعة أو سبب البدعة وما أتى به القرافي مثلا للبدعة المندوبة من إقامة صور الأئمة والقضاة وولاة الأمر على خلاف ما كان عليه السلف فإن البدعة لا تتصور فيه إلا بما فيه بعد جدا من تكلف فرض أن يعتقد في ذلك العمل أنه مما يطلب به الأئمة على الخصوص تشريعا خارجا عن قبيل المصالح المرسلة بحيث يعد من الدين الذي يدين به هؤلاء المطلوبون به أو يكون ذلك مما يعد خاصا بالأئمة دون غيرهم كما يزعم بعضهم أن خاتم الذهب جائز لذوي السلطان أو يقول إن الحرير جائز لهم لبسه دون غيرهم

وهذا أقرب من الأول في تصور البدعة في حق هذا القسم ويشبهه على قرب زخرفة المساجد إذ كثير من الناس يعتقد أنها من قبيل ترفيع بيوت الله

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

وكذلك تعليق الثريات الخطيرة الأثمان حتى يعد الإنفاق في ذلك إنفاقا في سبيل الله وكذلك إذا اعتقد في زخارف الملوك

وإقامة صورهم أنها من جملة ترفيع الإسلام وإظهار معالمه وشعائره أو قصد ذلك في فعله أو لا أنه ترفيع للإسلام لما لم يأذن الله به

وما حكاه القرافي عن معاوية ليس من قبيل هذه الزخارف بل من قبيل المعتاد في اللباس والاحتياط في الحجاب مخافة من انخراق خرق يتسع فلا يرقع هذا إن صح ما قال وإلا فلا يعول على نقل المؤرخين ومن لا يعتبر من المؤلفين وأحرى في أن ينبني عليه حكم وما أتى به القرافي مثالا للبدعة المباحة من اتخاذ المناخل للدقيق فالمعتاد فيه أن لا يلحقه أحد بالدين ولا بتدبير الدنيا بحيث لا ينفك عنه كالتشريع فلا نطول به وعلى ذلك الترتيب ينظر فيما قاله ابن عبد السلام من غير فرق فتبين مجال البدعة في العاديات من مجال غيرها وقد يقصد بالسلوك المبالغة في التعبد لله تعالى في تعريف البدعة المتقدم ظاهر المعنى على طريقة الأكثرين في العاديات وأما على طريقة القرافي وشيخه وبعض السلف فيها فمعناه أن الشريعة إنما جاءت لمصالح العباد في عاجلتهم وآجلتهم لتأتيهم في الدارين على أكمل وجوهها فهو الذي يقصده المبتدع ببدعته لأن البدعة إما أن تتعلق بالعادات أو العبادات فإن تعلقت بالعبادات فإنما أراد بها أن يأتي تعبده على أبلغ ما يكون في زعمه ليفوز بأتم المراتب في الآخرة في ظنه وإن تعلقت بالعادات فكذلك لأنه إنما وضعها لتأتي أمور دنياه على تمام المصلحة فيها فمن يجعل المناخل في قسم البدع فظاهر أن التمتع عنده بلذة الدقيق المنخول أتم منه بغير المنخول

وكذلك البناءات المشيدة التمتع بها أبلغ منه بالحشوش والخرب ومثله المصادرات في الأموال بالنسبة إلى أولي الأمر

وقد أباحت الشريعة التوسع في التصرفات فيعد المبتدع هذا من ذلك الجهة الثانية أن البدع على أنها إنما تكون قبيحة منهيا عنها هل لها حكم واحد أم متعدد طريقتان ذهب بعضهم إلى الأولى وأنها لا تكون إلا كبائر وأيدها بأن الصغيرة فضلا عن الكراهة وإن ظهرت في المعاصي غير البدع لا تظهر في البدع وذلك لأن البدع ثبت لها أمران أحدهما أنها مضادة للشارع ومراغمة له حيث نصب المبتدع نفسه نصب المستدرك على الشريعة لا نصب المكتفي بما حد له والثاني أن كل بدعة وإن قلت تشريع زائد أو ناقص أو تغيير للأصل الصحيح وكل ذلك قد يكون على الانفراد وقد يكون ملحقا بما هو مشروع فيكون قادحا في المشروع ولو فعل أحد مثل هذا في نفس الشريعة عدا الكفر إذ الزيادة والنقصان فيها أو التغيير قل أو كثر كفر فلا فرق بين ما قل منه وما كثر فمن فعل مثل ذلك بتأويل فاسد أو برأي غالط رآه وألحقه بالمشروع فإذا لم نكفره لم يكن في حكمه فرق بين ما قل منه وما كثر لأن الجميع لا تحملها الشريعة لا بقليل ولا بكثير لا سيما

وعموم الأدلة في ذم البدع من غير استثناء وكلام السلف يدل على عموم الذم فيها فالأقرب أن يقال كل بدعة كبيرة عظيمة بالإضافة إلى مجاوزة حدود الله بالتشريع إلا أنها

وإن عظمت لما ذكرناه تتفاوت رتبها إذا نسب بعضها إلى بعض فيكون منها صغار وكبار أما باعتبار أن بعضها أشد عقابا من بعض فالأشد عقابا أكبر مما دونه

وأما باعتبار فوت المطلوب في المفسدة فكما انقسمت الطاعة باتباع السنة إلى الفاضل والأفضل لانقسام مصالحها إلى الكامل والأكمل

____________________

(4/354)

صفحة فارغة

هامش أنوار البروق

هامش إدرار الشروق

انقسمت البدع لانقسام مفاسدها إلى الرذل والأرذل إلى الصغر والكبر من باب النسب والإضافات فقد يكون الشيء كبيرا في نفسه لكنه صغير بالنسبة لما هو أكبر منه فلا ينظر إلى خفة الأمر في البدعة بالنسبة إلى صورتها وإن دقت بل ينظر إلى مصادمتها للشريعة ورميها لها بالنقص والاستدراك وأنها لم تكمل بعد حتى يوضع فيها بخلاف سائر المعاصي فإنها لا تعود على الشريعة بتنقيص ولا غض من جانبها بل صاحب المعصية يتنصل منها مقرا لله بمخالفته لحكمها فحاصل المعصية أنها مخالفة في فعل المكلف لما يعتقد صحته من الشريعة وحاصل البدعة مخالفة في اعتقاد كمال الشريعة ولذلك قال مالك بن أنس من أحدث في هذه الأمة شيئا لم يكن عليه سلفها فقد زعم أن رسول الله خان الرسالة لأن الله يقول اليوم أكملت لكم دينكم إلى آخر الحكاية ومثلها جوابه لمن أراد أن يحرم من المدينة

وقال أي فتنة فيها إنما هي أميال أزيدها فقال وأي فتنة أعظم من أن تظن أنك فعلت فعلا قصر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخر الحكاية فإذا لا يصح أن يكون في البدع ما هو صغيرة بل صار اعتقاد الصغائر فيها يكاد يكون من المتشابهات كما صار اعتقاد نفي الكراهية التنزيه عنها من الواضحات وإلى الطريقة الثانية أعني تعدد حكم البدع مال الإمام أبو إسحاق الشاطبي فقال في كتابه الاعتصام إن البدع

وإن ورد النهي عنها على وجه واحد ونسبته إلى الضلالة واحدة في قوله صلى الله عليه وسلم إياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وهو عام في كل بدعة إلا أنه لا يصح أن يقال إنها على حكم واحد هو التحريم فقط أو الكراهة فقط لوجوه الوجه الأول أنها داخلة تحت جنس المنهيات وهي لا تعد والكراهة والتحريم فالبدع كذلك والوجه الثاني أن البدع إذا تؤمل معقولها وجدت متفاوتة فمنها ما هو كفر صراح كبدعة الجاهلية التي نبه عليها القرآن بنحو قوله تعالى وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا الآية وقوله تعالى وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء وقوله تعالى ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام وكذلك بدعة المنافقين حيث اتخذوا الدين ذريعة لحفظ النفس والمال وما أشبه ذلك مما لا يشك أنه كفر صراح

ومنها ما هو من المعاصي التي ليست بكفر أو يختلف هل هي كفر أم لا كبدعة الخوارج والقدرية والمرجئة ومن أشبههم من الفرق الضالة ومنها ما هو معصية ويتفق على أنها ليست بكفر كبدعة التبتل والصيام قائما في الشمس والخصاء بقصد قطع شهوة النكاح والجماع ومنها ما هو مكروه كما يقول مالك في إتباع رمضان بست من شوال وقراءة القرآن بالإدارة والاجتماع للدعاء عشية عرفة وذكر السلاطين في خطبة الجمعة على ما قاله ابن عبد السلام والشافعي وما أشبه ذلك والوجه الثالث أن المعاصي منها صغائر ومنها كبائر ويعرف ذلك بكونها واقعة في الضروريات أو الحاجيات أو التكميليات فإن ما كانت في الضروريات أعظم الكبائر وما كانت في التحسينات فأدنى رتبة بلا إشكال وما وقعت في الحاجيات فمتوسطة بين الرتبتين ثم إن كل رتبة من هذه الرتب لها مكمل ولا يمكن أن يكون في رتبة المكمل فإن المكمل مع المكمل في نسبة الوسيلة مع المقصد ولا تبلغ الوسيلة رتبة المقصد وأيضا الضروريات إذا تؤملت وجدت على مراتب في التأكيد وعدمه 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دليلك إلى المواقع الإسلامية المنتقاة بأكثر من ( 42 ) لغة !!

دليلك إلى المواقع الإسلامية المنتقاة بأكثر من ( 42 ) لغة !! اللغة الرابط اللغة الأذرية http://www.islamhouse.com/s/9357 ...