العشرات في غريب اللغة
مسألة الكلام والجملة الكلام عبارة عن الجملة المفيدة فائدة تامة كقولك زيد منطلق وإن تأتني أكرمك وقم وصه وما كان نحو ذلك فأما اللفظة المفردة نحو زيد وحده ونحو ذلك فلا يسمى كلاما بل كلمة هذا قول الجمهور وذهب شرذمة من النحويين إلى ان
الكلام يطلق على المفيد وغير المفيد اطلاقا حقيقيا والدليل على القول الأول انه لفظ يعبر باطلاقه عن الجملة المفيدة فكان حقيقة فيها كالشرط وجوابه والدليل على انه يعبر به عنها لا إشكال فيه إذ هو متفق عليه وإنما الخلاف في تخصيصه بذلك دون غيره وبيان اختصاصه بها من ستة أوجه احدها انه يطلق بازائها فيقال هذه الجملة كلام والاصل في الاطلاق الحقيقة والثاني ان الكلام تؤكد به الجملة كقولك تكلمت كلاما وكلمته كلاما والمصدر المؤكد نائب عن اعادة الجملة الا ترى ان قولك قمت قياما وتكلمت كلاما تقديره قمت قمت لان الاصل في التوكيد اعادة الجملة بعينها ولكنهم آثروا الا يعيدوا الجملة بعينها فجاؤوا بمفرد في معناها والنائب عن الشيء يؤدي عن معناه
والثالث ان قولك كلمته عبارة عن انك افهمته معنى بلفظ والمعنى المستفاد بالافهام تام في نفسه فكانت العبارة عنه موضوعة له لا مبينة عنه والكلام هو معنى كلمته والرابع ان مصدر تكلمت التكلم وهو مشدد العين في الفعل والمصدر والتشديد للتكثير وادنى التكثير الجملة المفيدة أما كلمت فمشدد أيضا وهو دليل الكثرة ومصدره التكليم والتاء والياء فيه عوض عن التشديد والخامس ان الاحكام المتعلقة بالكلام لا تتحق إلا بالجملة المفيدة فمن ذلك قوله تعالى وان احد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ومعلوم ان الاستجارة لا تحصل الا بعد سماع الكلام التام المعنى والكلمة الواحدة لا يحصل بها ذلك وكذلك قوله تعالى يريدون ان يبدلوا كلام الله والتبديل صرف ما يدل اللفظ عليه إلى غير معناه ولا يحصل ذلك بتبديل الكلمة الواحدة لأن الكلمة الواحدة إذا بدلت بغيرها كان ذلك نقل لغة إلى لغة أخرى وقال تعالى وقد كان فريق منهم
يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعدما عقلوه وانما عقلوا المعنى التام ثم حرفوه عن جهته ومثله قوله تعالى يحرفون الكلم عن مواضعه ومن ذلك تعليق اليمين بسماع الكلام فانه لو قال والله لا سمعت كلامك فنطق بلفظة واحدة ليس فيها معنى تام لم يحنث والسادس ان العرب قد تتجوز بالقول عن العجماوات كقول الشاعر امتلأ الحوض وقال قطني سلا رويدا قد ملأت بطني وهو كثير في استعمالهم ولا ينسب الكلام إلى مثل ذلك فلا يقال تكلم الحوض ولا الحائط ولا سبب لذلك الا ان الكلام حقيقة في الفائدة التامة والقول لا يشترط فيه ذلك
وإذا ثبت ما ذكرناه بأن انه حقيقة في الدلالة على الجملة التامة المعنى فان قيل يتوجه عليه اسئلة احدها ان اطلاق اللفظ على الشيء لا يلزم منه الحقيقة فان المجاز يطلق على الشيء كما يقال للعالم بحر وللشجاع اسد وقال الله تعالى جدارا يريد ان ينقض و وسل القرية وكل ذلك مجاز وقد اطلق على هذا المعنى فلا يلزم من الاطلاق على ما ذكرتم الحقيقة السؤال الثاني ان الاطلاق يكون حقيقة مشتركة او جنسا تحته مفردات فالمشترك كلفظ العين والجنس مثل الحيوان فان الحيوان حقيقة في الجنس والواحد منه حقيقة ايضا فلم لا يكون الكلام والكلمة من هاتين الحقيقتين والسؤال الثالث ان الكلام مشتق من الكلم وهو الجرح والجامع بينهما التأثير والكلمة كذلك لان الحروف
الاصول موجودة فيها وهي مؤثرة ايضا إذا كانت تدل على معنى وهي جزء الجملة التامة الفائدة والجزء يشارك الكل في حقيقة وضعه الا ترى ان الحق يثبت بشاهدين مثلا وكل واحد منهما شاهد حقيقة واثبات الحق بهما لا ينفي كون كل واحد منهما شاهدا كذلك ها هنا ألا ترى أن قولك قام زيد يشتمل على جزأين كل واحد منهما يسمى كلمة لدلالته على معنى وتوقف الفائدة التامة على حكم يترتب على المجموع ولا ينفي ذلك اشتراك الجزأين في الحقيقة وعلى هذا ترتب التحريف والتبديل إذ كان كله حكما يستفاد بالجملة ولا ينفي حقيقة الوضع ثم ما ذكرتموه معارض بقوله تعالى كبرت كلمة تخرج من أفواههم وبقوله كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا و تمت كلمة ربك صدقا وعدلا ومعلوم انه أراد بالكلمة الجملة المفيدة واذا وقعت الكلمة على المفرد جاز ان يقع الكلام على المفرد
والجواب اما الاطلاق فدليل الحقيقة إذ كان المجاز على خلاف الاصل وانما يصار اليه بقرينة صارفة عن الأصل والاصل عدم القرائن ثم ان البحث عن الكلام الدال على الجملة المفيدة لا يوجد له قرينة بل يسارع إلى هذا المعنى من غير توقف على وجود قرينة وهذا مثل لفظ العموم إذا اطلق حمل على العموم من غير ان يحتاج الى قرينة تصرف إليه بل ان وجد تخصيص احتاج إلى قرينة وأما السؤال الثاني فلا يصح على الوجهين المذكورين اما الاشتراك ففيه جوابان احدهما انه على خلاف الاصل اذا كان يخل بالتفاهم الا ترى انه اذا اطلق لفظ العين لم يفهم منها ما يصح بناء الحكم عليه والكلام انما وضع للتفاهم وانما عرض الاشتراك من اختلاف اللغات والثاني ان الاشتراك هنا لا يتحقق لان الكلام والكلمة من حقيقة واحدة ولكن الكلام مجموع شيئين فصاعدا والكلمة اللفظة المفردة ولا اشتراك بينهما وانما الكلام مستفاد بالاوصاف والاجتماع وليس كذلك المشترك بل كل
واحدة من الفاظه كالأخرى في كونها مفردة وأما الجنس فغير موجود هنا لان الجنس يفرق بينه وبين واحده بتاء التأنيث نحو تمرة وتمر وهذا غير موجود في الكلام والكلمة بل جنس الكلمة كلم وليس واحد الكلام كلامة فبان انه ليس بجنس واما السؤال الثالث فخارج عما نحن فيه وبيانه ان اشتقاق الكلمة من الكلم وهو التأثير والكلام تأثير مخصوص لا مطلق التأثير والخالص غير المطلق يدل عليه ان الكلم الذي هو الجرح مؤثر في النفس معنى تاما وهو الألم مثلا والكلام اشبه بذلك لانه يؤثر تأثيرا تاما واما الكلمة المفردة فتأثيرها قاصر لا يتم منه معنى الا بانضمام تأثير الآخر اليه فهما مشتركان في اصل التأثير لا في مقداره وأما المعارضة بقوله تعالى كبرت كلمة فلا يتوجه لان اكثر ما فيه انه عبر بالجزء عن الكل وهذا مجاز ظاهر اذا كان الواحد ليس بجمع ولا جنس بل قد يعبر به عن الجمع والجنس
مجازا ووجه المجاز ان الجملة تتألف بعض اجزائها إلى بعض كما تتألف حروف الكلمة المفردة بعضها إلى بعض فلما اشتركا في ذلك جاز المجاز وليس كذلك التعبير بالكلام عن الكلمة لان ذلك نقيض معناها ودليل المجاز في الكلمة ظاهر وهو قوله تخرج من افواههم ان يقولون الا كذبا والكذب لا يتحقق في الكلمة المفردة وانما يتصور فيما هو خبر والخبر لا يكون مفردا في المعنى واحتج الآخرون بان الاشتقاق موجود في الكلمة والكلام بمعنى واحد وهو التأثير فكان اللفظ شاملا لهما يدل عليه انك تقول اما تكلمت كلمة واما تكلمت بكلمة فيؤكد باللفظة المفردة الفعل كما يؤكد بالكلام فيلزم من ذلك اطلاق العبارتين على شيء واحد والجواب عن هذا ما تقدم في جواب السؤال الثالث والله اعلم بالصواب
مسألة حد الاسم اختلف عبارات النحويين في حد الاسم وسيبويه لم يصرح له بحد فقال بعضهم الاسم ما استحق الاعراب في اول وضعه وقال آخرون ما استحق التنوين في اول وضعه وقال آخرون حد الاسم ما سما بمسماه فأوضحه وكشف معناه وقال آخرون الاسم كل لفظ دل على معنى مفرد في نفسه ولم يدل
على زمان ذلك المعنى وقال ابن السراج هو كل لفظ دل على معنى في نفسه غير مقترن بزمان محصل وزاد بعضهم في هذا دلالة الوضع وقبل الخوض في الصحيح من هذه العبارات نبين حد الحد الصحيح والعبارات الصحيحة فيه مختلفة الالفاظ متفقة المعاني فمنها اللفظ الدال على كمال ماهية الشيء وهذا حد صحيح لأن الحد هو الكاشف عن حقيقة المحدود ويراد بالماهية ما يقال في جواب ما هو واحترزوا بقولهم كمال الماهية من ان بعض ما يدل على الحقيقة قد يحصل من طريق الملازمة لا من طريق المطابقة مثاله ان تقول حد الانسان هو الناطق فلفظ الحد يكشف عن حقيقة النطق ولا يدل على جنس المحدود وان كان لا ناطق الا الإنسان ولكن ذلك معلوم من جهة الملازمة لا
من جهة دلالة اللفظ ومثاله من النحو المصدر يدل على زمان مجهول وليس كذلك فان لفظ المصدر لا يدل على زمان البتة وانما الزمان من ملازماته فلا يدخل في حده ولو دخل ذلك في الحد لوجب أن يقال الرجل والفرس يدلان على الزمان والمكان اذ لا يتصور انفكاكهما عنهما ولكن لما لم يكن اللفظ دالا عليهما لم يدخلا في حده وقال قوم حد الحد هو عبارة عن جملة ما فرقه التفصيل وقال آخرون حد الحد ما اطرد وانعكس وهذا صحيح لان الحد كاشف عن حقيقة الشيء فاطراده يثبت حقيقته اينما وجدت وانعكاسه ينفيها حيثما فقدت وهذا هو التحقيق بخلاف العلامة فان العلامة تطرد ولا تنعكس الا ترى أن كل اسم دخل عليه حرف الجر والتنوين وما اشبههما أين وجد حكم بكون اللفظ اسما ولا ينتفي كونه اسما بامتناع حرف الجر ولا بامتناع التنوين وإذ قدما حقيقة الحد فنشرع في تحقيق ما ذكر من الحدود وافساد الفاسد منها
أما قولهم الاسم كل لفظ دل على معنى مفرد في نفسه فحد صحيح اذ الحد ما جمع الجنس والفصل واستوعب جنس المحدود وهو كذلك ها هنا الا ترى ان الفعل يدل على معنيين حدث وزمان و امس وما اشبهه يدل على الزمان وحده فكان الاول فعلا والثاني اسما والحرف لا يدل على معنى في نفسه فقد تحقق فيما ذكرناه الجنس والفصل والاستيعاب وأما قول ابن السراج فصحيح ايضا فان الاسم يدل على معنى في نفسه ففيه احتراز من الحرف وقوله غير مقترن بزمان محصل يخرج منه الفعل فانه يدل على الزمان المقترن به واما المصادر فلا دلالة لها على الزمان لا المجهول ولا المعين على ما ذكرنا ومن قال منهم يدل على الزمان المجهول فقد احترز عنه بقوله محصل فان المصدر لا يدل على زمان معين واما من زاد فيه دلالة الوضع فانه قصد بذلك دفع النقض بقولهم اتيتك مقدم الحاج وخفوق النجم واتت الناقة
على منتجها فان هذه مصادر وقد دلت على زمان محصل فعند ذلك تخرج عن الحد واذا قال دلالة الوضع لم ينتقض الحد بها لانها دالة على الزمان لا من طريق الوضع وذلك ان مقدم الحاج يتفق في ازمنة معلومة بين الناس لا انها معلومة من لفظ المقدم والدليل على ذلك انك لو قلت اتيتك وقت مقدم الحاج صح الكلام وظهر فيه ما كان مقدرا قبله والتحقيق فيه ان الحدود تكشف عن حقيقة الشيء الموضوع اولا فإذا جاء منها شيء على خلاف ذلك لعارض لم ينتقض الحد به ويأتي نظائر ذلك فيما يمر بك من المسائل فأما من قال هو ما استحق الاعراب في اول وضعه او ما استحق التنوين فكلام ساقط جدا وذلك ان استحقاق الشيء لحكم ينبغي ان يسبق العلم بحقيقته حتى يرتب عليه الحكم الا ترى انه لو قال في لفظة ضرب هذا اسم لانه يستحق
الاعراب في أول وضعه لاحتجت ان تبين أنه ليس باسم ولا يعترض في ذلك بالاعراب وعدمه ولو قال قائل انا اعربه او احكم باستحقاقه الاعراب لقيل له ما الدليل على ذلك فقال لانه اسم فيقال له ما الدليل على انه اسم فان قال بعد ذلك لانه يستحق الاعراب ادى الى الدور لانه لا يثبت كونه اسما الا باستحقاق الاعراب ولا يستحق الاعراب الا بكونه اسما وهكذا سبيل التنوين وغيره واما قول الآخر ما سما بمسماه فحد مدخول ايضا وذلك انه اراد ما سمى مسماه ولهذا قال فأوضحه فجعل في الحد لفظ المحدود وإذا كنا لا نعلم معنى الاسم فكيف يجعل فيما يوضحه لفظا مشتقا منه وذلك ان الاشتقاق يستدعي فهم المشتق منه او لا ثم يؤخذ منه لفظ آخر يدل على معنى زائد
قال عبد القاهر في شرح جمله حد الاسم ما جاز الاخبار عنه قال والدليل على ذلك من وجهين أحدهما انه مطرد ومنعكس وهذا امارة صحة الحد والثاني ان الفعل لا يصح الاخبار عنه والحرف لاحظ له في الاخبار فعين ان يكون الاسم هو المخبر عنه اذ لا يجوز ان تخلو الكلمة من اسناد الخبر إليها واذا كان الفعل والحرف والاسم لا يسند إليه خبر ارتفع الأخبار عن جملة الكلام والدليل على انه ليس بحد وانما هو علامة وقد اختار ذلك عبد القاهر في شرح الايضاح ان هذا اللفظ يطرد ولا ينعكس والدليل عليه قولك اذ واذا وايان واين وغير ذلك وانها
اسماء ولا يصح الاخبار عنها فعند ذلك يبطل كونه حدا والوجه الثاني ان قولك ما جاز الاخبار عنه لا ينبئ عن حقيقة وضعه وانما هو من احكامه ولذلك لو ادعى مدع ان لفظة ضرب يصح الاخبار عنها بأن يقول ضرب اشتد كما تقول الضرب مشتد لم يصح معارضته بالمنع المجرد حتى يبين وجه الامتناع والحد لا يحتاج إلى دليل يقام عليه لانه لفظ موضوع على المعنى ودلالة الالفاظ على المعاني لا تثبت بالمناسبة والقياس فإن قيل إذا وإذا ونحوهما يصح الاخبار عنها من حيث انها أوقات وأمكنة وكلاهما يصح الاخبار عنه وانما عرض لها انها لا تقع إلا ظروفا فمن حيث هي ظروف لا يخبر عنها ومن حيث هي اوقات وأمكنة يصح الإخبار عنها ألا ترى انك لو قلت طاب وقتنا واتسع مكاننا كان خبرا صحيحا والجواب ان كونها ظروفا اوصاف انضمت إلى كونها وقتا
ومكانا لم تستعمل الا بهذه الصفة فهي كالخصوص من العموم والخصوص لا يحد بحد العموم الا ترى ان الانسان حيوان مخصوص ولا يحد بحد الحيوان العام لأن ذلك يسقط الفصل الذي يميز به من بقية انواع الحيوان والحد ما جمع الجنس والفصل والوقت الذي يدل عليه إذا هو الجنس وكونه ظرفا بمنزلة الفصل كالنطق في الإنسان وبهذا يحصل جواب قوله يطرد وينعكس لأنا قد بينا انه لا ينعكس والله أعلم بالصواب
مسألة ادلة اسمية كيف كيف اسم بلا خلاف وانما ذكرناها هاهنا لخفاء الدليل على كونها اسما والدليل على كونها اسما من خمسة أشياء احدها انها داخلة تحت حد الاسم وذاك انها تدل على معنى في نفسها ولا تدل على زمان ذلك المعنى والثاني انها تجاب بالاسم والجواب على وفق السؤال وذلك قولهم كيف زيد فيقال صحيح أو مريض او غني او فقير وذلك انها سؤال عن الحال فجوابها ما يكون حالا
والثالث انك تبدل منها الاسم فتقول كيف زيد اصحيح ام مريض والبدل هاهنا مع همزة الاستفهام نائب عن قولك اصحيح زيد أم مريض والبدل يساوي المبدل منه في جنسه والرابع ان من العرب من يدخل عليها حرف الجر قالوا على كيف تبيع الاحمرين وقال بعضهم انظر إلى كيف يصنع وهذا شاذ في الاستعمال ولكنه يدل على الاسمية والخامس ان دليل السبر والتقسيم اوجب كونها اسما وذلك ان يقال لا تخلو كيف من ان تكون اسما أو فعلا أو حرفا فكونها حرفا باطل لأنها تفيد مع الاسم الواحد فائدة تامة كقولك كيف زيد والحرف لا ينعقد به وبالاسم جملة مفيدة فأما يا في النداء ففيها كلام يذكر في موضعه
وكونها فعلا باطل أيضا لوجهين احدهما أنها لا تدل على حدث وزمان ولا على الزمان وحده والثاني ان الفعل يليها بلا فصل كقولك كيف صنعت ولا يكون ذلك في الافعال الا ان يكون في الفعل الاول ضمير كقولك اقبل يسرع أي أقبل زيد أو رجل وإذا بطل القسمان ثبت كونها اسما لأن الاسماء هي الأصول وإذا بطلت الفروع حكم بالأصل والله اعلم بالصواب
مسألة اشتقاق لفظ اسم الاسم مشتق من السمو عندنا وقال الكوفيون من الوسم فالمحذوف عندنا لامه وعندهم فاؤه لنا فيه ثلاثة مسالك المعتمد منها ان المحذوف يعود في
التصريف إلى موضع اللام فكان المحذوف هو اللام كالمحذوف من ابن والدليل على عوده إلى موضع اللام انك تقول سميت واسميت وفي التصغير سمي وفي الجمع أسماء وأسام وفي فعيل منه سمي أي اسمك مثل اسمه ولو كان المحذوف من اوله لعاد في التصريف إلى أوله وكان يقال اوسمت ووسمت ووسيم ووسيم واوسام وهذا التصريف قاطع على أن المحذوف هو اللام فان قيل هذا اثبات اللغة بالقياس وهي لا تثبت به والثاني ان عود المحذوف إلى الأخير لا يلزم منه ان يكون المحذوف من الأخير بل يجوز ان يكون مقلوبا وقد جاء القلب كثيرا عنهم كما قالوا لهي ابوك فأخروا العين إلى موضع اللام وقالوا الجاه واصله الوجه وقالوا اينق واصله انوق
وقالوا قسى واصله قووس وقالوا في الفوق فقا والاصل فوق وإذا كثر في كلامهم جاز ان يحمل ما نحن فيه عليه والجواب أما الأول فغير صحيح فانا لا نثبت اللغة بالقياس بل يستدل بالظاهر على الخفي خصوصا في الاشتقاق فان ثبوت الاصل والزائد والمحذوف لا طريق له على التحقيق الا الاشتقاق ويدل عليه لفظ ابن فانهم قالوا بني وأبناء وتبنيت والبنوة علم ان الحذوف لامه وأما دعوى القلب فلا سبيل إليه فان القلب مخالف للأصل فلا يصار إليه ما وجدت عنه مندوحة ولا ضرورة هنا تدعو إلى دعوى القلب ويدل على ذلك ان القلب لا يطرد هذا الاطراد الا ترى أن جميع ما ذكر من المقلوبات يجوز اخراجه على الأصل
المسلك الثاني انا اجمعنا على ان المحذوف قد عوض عنه في اوله فوجب ان يكون المحذوف في آخره كما ذكرنا في ابن وانما قلنا ذلك لوجهين احدهما انا عرفنا من طريقة العرب انهم إذا حذفوا من الأول عوضوا اخيرا مثل عدة وزنة وإذا حذفوا من آخره عوضوا من أوله مثل ابن وهنا قد عوضوا في اوله فكان المحذوف من آخره
والثاني ان العوض مخالف للبدل فبدل الشيء يكون في موضعه والعوض يكون في غير موضع المعوض منه فلو كانت الهمزة عوضا من الواو في اوله لكانت بدلا من الواو ولا يجوز ذلك إذ لو كانت كذلك لكانت همزة مقطوعة ولما كانت الف وصل حكم بأنها عوض فإن قيل التعويض في موضع لا يوثق بان المعوض عنه في غيره لان الغرض منه تكميل الكلمة وأين كملت حصل غرض التعويض ألا ترى أن همزة الوصل في اضرب وبابه عوض من حركة أول الكلمة وقد وقعت في موضع الحركة فالجواب ان التعويض على ما ذكرنا يغلب على الظن ان موضعه
مخالف لموضع المعوض منه لما ذكرنا من الوجهين قولهم الغرض تكميل الكلمة ليس كذلك وانما الغرض العدول عن اصل إلى ما هو اخف منه والخفة تحصل بمخالفة الموضع فأما تعويضه في موضع محذوف فلا تحصل منه خفة لان الحرف قد يثقل بموضعه فإذا ازيل عنه حصل التخفيف المسلك الثالث ان اشتقاق الاسم من السمو مطابق للمعنى فكان المحذوف الواو كسائر المواضع وبيانه ان الاسم احد اقسام الكلم وهو اعلى من صاحبيه إذ كان يخبر به وعنه وليس كذلك صاحباه فقد سما عليهما ولان الاسم ينوه بالمسمى ويرفعه للاذهان بعد خفائه وهو معنى السمو فإن قيل هذا معارض باشتقاقه من الوسم فان المعنى صحيح كما ان المعنى فيما ذكرتموه صحيح فبماذا يثبت الترجيح
قيل الترجيح معنا لوجهين احدهما ان تسمية هذا اللفظ اسما اصطلاح من ارباب هذه الصناعة وقد ثبت من صناعتهم علو هذا اللفظ على الآخرين ومثل هذا لا يوجد في اشتقاقه من الوسم والثاني انه يتخرج بما ذكرنا من المسالك المتقدمة أما حجتهم فقد قالوا الاسم علامة المسمى والعلامة تؤذن بانه من الوسم وهي العلامة فيجب أن يكون مشتقا منها والجواب عنه ما تقدم من الأوجه الثلاثة على ان اتفاق الاصلين في المعنى وهو العلامة لا يوجب ان يكون احدهما مشتقا من الآخر ألا ترى ان دمثا ودمثرا سواء في المعنى وليس أحدهما مشتقا من الآخر وكذلك سبط وسبطر وابعد من ذلك الأسد والليث بمعنى واحد ولا يجمعهما الاشتقاق
مسألة حد الفعل اختلفت عبارات النحويين في حد الفعل فقال ابن السراج وغيره حده كل لفظ دل على معنى في نفسه مقترن بزمان محصل وهذا هو حد الاسم الا انهم أضافوا إليه لفظ غير ليدخل فيه المصدر وإذا حذفت غير لم يدخل فيه المصدر لأن الفعل يدل على زمان محصل ولان المصدر لا يدل على تعيين الزمان وان شئت اضفت إلى ذلك دلالة الوضع كما قيدت حد
الاسم بذلك وانما زادوا هذه الزيادة لئلا ينتقض ب ليس وكان الناقصة وقال أبو علي الفعل ما اسند إلى غيره ولم يسند غيره إليه وهذا يقرب من قولهم في حد الاسم ما جاز الاخبار عنه لأن الاسناد والاخبار متقاربان في هذا المعنى وهذا الحد رسمي إذ هو علامة وليس بحقيقي لأنه غير كاشف عن مدلول الفعل لفظا وانما هو تمييز له بحكم من احكامه والذي قال سيبويه في الباب الأول وأما الأفعال فأمثلة أخذت من لفظ احداث الاسماء وبنيت لما مضى ولما يكون ولم يقع ولما هو كائن لم ينقطع وقد أتى في هذا بالغاية لانه جمع فيه قوله أمثلة والامثلة بالأفعال احق منها بالأسماء والحروف وبين انها مشتقة من المصادر وقوله من لفظ احداث الأسماء ربما أخذ عليه انه اضاف الاحداث إلى الأسماء
والأحداث للمسميات لا للأسماء وهذا الأخذ غير وارد عليه لوجهين أحدهما ان المراد بأحداث الاسماء ما كان فيها عبارة عن الحدث وهو المصدر لانه من بين الاسماء عبارة عن الحدث وهو من باب اضافة النوع إلى الجنس والثاني انه أراد بالاسماء المسميات كما قال تعالى ما تعبدون من دونه الا اسماء سميتموها انتم وآباءكم والاسماء ليست معبودة وانما المعبود مسمياتها وقوله بنيت لما مضى الفصل اشارة إلى دلالتها على أقسام الزمان الماضي والحاضر والمستقبل فإن قيل يرد على الحدود كلها ليس و كان الناقصة واخواتها فانها افعال ولا تدل على الحدث وتنعكس بأسماء الفعل نحو صه ومه ونزال فانها اسماء وقد دلت على الزمان والجواب أما ليس فقد ذهب قوم إلى انها حرف وذلك ظاهر فيها لانها تنفي ما في الحال مثل ما النافية ولا تدل على حدث ولا
زمان ولا تدخل عليها قد ولا يكون منها مستقبل وقال الاكثرون هي فعل لفظي بدليل اتصال علامات الافعال بها كتاء التأنيث نحو ليست وضمائر المرفوع نحو ليسا وليسوا ولسن ولست ولست وانما اقتصر بها على بناء واحد لانها تنفي ما في الحال لا غير فهي كفعل التعجب وحبذ وأما كان الناقصة فأصلها التمام كقولك قد كان الأمر أي حدث ولكنهم جعلوا دلالتها على الحدث وبقيت دلالتها على الزمان وهذا امر عارض لا تنقض به الحدود العامة وأما صه وأخواتها فواقعة موقع الجمل ف صه نائب عن اسكت و مه عن اكفف و نزال عن انزل وغير ممتنع ان يوضع الاسم أو الحرف موضع غيره الا ترى انك إذا
قلت ما قام زيد كان ذلك جملة وإذا قال المجيب بلى كان حرفا نائبا عن اعادة الجملة فكأنه قال قد قام زيد والله أعلم
مسألة الاختلاف في اصل الاشتقاق الفعل مشتق من المصدر وقال الكوفيون المصدر مشتق من الفعل ولما كان الخلاف واقعا في اشتقاق احدهما من الآخر لزم من ذلك بيان شيئين احدهما حد الاشتقاق والثاني ان المشتق فرع على المشتق منه
أما حد الاشتقاق فأقرب عبارة فيه ما ذكره الرماني وهو قوله الاشتقاق اقتطاع فرع من اصل يدور في تصاريفه على الأصل فقد تضمن هذا الحد معنى الاشتقاق ولزم منه التعرض للفرع والأصل وأما الفرع والأصل فهما في هذه الصناعة غيرهما في صناعة الاقيسة الفقهية والاصل ها هنا يراد به الحروف الموضوعة على المعنى وضعا اوليا والفرع لفظ يوجد فيه تلك الحروف مع نوع تغيير ينضم إليه معنى زائد على الأصل والمثال في ذلك الضرب مثلا فانه اسم موضوع على الحركة المعلومة المسماة ضربا ولا يدل لفظ الضرب على أكثر من ذلك فأما ضرب يضرب وضارب ومضروب ففيها حروف الأصل وهي الضاد والراء والباء وزيادات لفظية لزم من مجموعها الدلالة على معنى الضرب ومعنى آخر
وإذا تقرر هذا المعنى جئنا إلى مسألة الخلاف وقد نص سيبويه على اشتقاق الفعل من المصدر وهو قوله في الباب الأول أما الافعال فأمثلة أخذت من لفظ احداث الأسماء وبنيت لما مضى ولما هو كائن لم ينقطع ولما سيكون وأخذت بمعنى اشتقت واحداث الأسماء ما كان منها عبارة عن الحدث وهو المصدر والدليل على أن الفعل مشتق من المصدر طرق منها وجود حد الاشتقاق في الفعل وذلك ان الفعل يدل على حدث وزمان مخصوص فكان مشتقا وفرعا على المصدر كلفظ ضارب ومضروب وتحقيق هذه الطريقة ان الاشتقاق يراد لتكثير المعاني وهذا المعنى لا يتحقق إلا في الفرع الذي هو الفعل وذلك ان المصدر له معنى واحد وهو دلالته على الحدث فقط ولا يدل على الزمان بلفظه والفعل يدل على الحدث والزمان المخصوص فهو
بمنزلة اللفظ المركب فانه يدل على أكثر مما يدل عليه المفرد ولا تركيب الا بعد الافراد كما انه لا دلالة على الحدث والزمان المخصوص الا بعد الدلالة على الحدث وحده وقد مثل ذلك بالنقرة من الفضة فانها كالمادة المجردة عن الصورة فالفضة من حيث هي فضة لا صورة لها فإذا صيغ منها خاتم أو مرآة أو قارورة كانت تلك الصورة مادة مخصوصة فهي فرع عن المادة المجردة كذلك الفعل هو دليل الحدث وغيره والمصدر دليل الحدث وحده فبهذا يتحقق كون الفعل فرعا لهذا الاصل طريقة أخرى هي ان تقول الفعل يشتمل لفظه على حروف زائدة على حروف المصدر تدل تلك الزيادة على معان زائدة على معنى المصدر فكان مشتقا من المصدر كاسم الفاعل والمفعول والمكان والزمان كضارب ومضروب
وبيانه انك تقول في الفعل ضرب فتحرك الراء فيختلف معنى المصدر ثم تقول سيضرب فتدل هذه الصيغة على معنى آخر ثم تقول اضرب وتضرب ونضرب فتأتي بهذه الزوائد على حروف الاصل وهي الضاد والراء والباء مع وجودها في تلك الامثلة ومعلوم ان ما لا زيادة فيه أصل لما فيه الزيادة طريقة اخرى وهي ان المصدر لو كان مشتقا من الفعل لادى ذلك إلى نقص المعاني الأول وذلك يخل بالأصول بيانه ان لفظ الفعل يشتمل على حروف زائدة ومعان زائدة وهي دلالته على الزمان المخصوص وعلى الفاعل الواحد والجماعة والمؤنث والحاضر والغائب والمصدر يذهب ذلك كله إلا الدلالة على الحدث وهذا نقض للأوضاع الأول الاشتقاق ينبغي أن يفيد تشييد الاصول وتوسعة المعاني وهذا عكس اشتقاق المصدر من الفعل واحتج الآخرون من ثلاثة أوجه
أحدها ان المصدر مفعل وبابه أن يكون صادرا عن غيره فأما أن يصدر عنه غيره فكذا والثاني أن المصدر يعتل باعتلال الفعل والاعتلال حكم تسبقه علته فإذا كان الاعتلال في الفعل أولا وجب أن يكون أصلا ومثال ذلك قولك صام صياما وقام قياما فالواو في قام أصل اعتلت في الفعل فاعتلت في القيام وأنت لا تقول اعتل قام لاعتلال القيام والوجه الثالث أن الفعل يعمل في المصدر كقولك ضربته ضربا ف ضربا منصوب بضرب والعامل مؤثر فيه والقوة تجعل القوي اصلا لغيره والجواب أما الوجه الأول فليس بشيء وذلك أن المصدر مشتق من صدرت عن الشيء إذا وليته صدرك وجعلته وراءك ومن ذلك قولهم المورد والمصدر يشار به إلى الماء الذي ترد عليه الإبل ثم تصدر عنه ولا معنى لهذا إلا أن الإبل تتولى عن الماء
وتصرف عنه صدورها فيقال قد صدرت عن الماء وقد شاع في الكلام قول القائل فلان موفق فيما يورد ويصدر وفي موارده ومصادره وكل ذلك بالمعنى الذي ذكرناه وبهذا يتحقق كون الفعل مشتقا من المصدر لأنه بمنزلة المكان الذي يصدر عنه أما الوجه الثاني فغير دال على دعواهم وذلك ان الاعتلال شيء يوجبه التصريف وثقل الحروف وباب ذلك الافعال لان صيغها تختلف لاختلاف معانيها ف قام مثلا اصله قوم فأبدلت الواو ألفا لتحركها فإذا ذكرت المصدر من ذلك كانت العلة الموجبة للتغيير قائمة في المصدر وهو الثقل وجواب آخر وهو ان المصدر الأصلي هو قوم كقولك صور ثم اشتققت منه فعلا واعللته لما ذكرنا فعدلت عن قوم إلى قياما لتناسب بين اللفظين للمعنيين المشتركين في الاصل يدل على ذلك ان المصدر قد يأتي صحيحا غير معتل والفعل يجب فيه الاعتلال مثل الصوم والقوم والبيع فإذا
اشتققت منها افعالا اعللتها فقلت صام وقام وباع فقد رأيت كيف جاء الاعلال في الفعل دون المصدر فاختلف الثقة بما علل به وأما الوجه الثالث فهو في غاية السقوط وبيانه من أوجه ثلاثة أحدها ان العامل والمعمول من قبيل الالفاظ والاشتقاق من قبيل المعاني ولا يدل احدهما على الآخر اشتقاقا والثاني ان المصدر قد يعمل عمل الفعل كقولك يعجبني ضرب زيد عمرا فلا يدل ذلك على أنه اصل والثالث ان الحروف تعمل في الاسماء والافعال ولا يدل ذلك على انها مشتقة أصلا فضلا عن أن تكون مشتقة من الاسماء والافعال والله اعلم
وكأنهم قد عطروك بما يتزود الهلكي من العطر وكأنهم قد قلبوك على ظهر السرير وظلمة القبر يا ليت شعري كيف أنت على ظهر السرير وأنت لا تدري أو ليت شعري كيف أنت إذا غسلت بالكافور والدر أو ليت شعري كيف أنت إذا وضع الحساب صبيحة الحشر ما حجتي فيما اتيت وما قولي لربي بل وما عذري إن اكن قد فقدت رشدي او اقبلت ما استدبرت من امري يا سوأتا مما اكتسبت ويا أسفي على ما فات من عمري وقال أيضا أيا من ليس لي منه مجير بعفوك من عذابك استجير أنا العبد المقر بكل ذنب وانت السيد المولى الغفور فإن عذبتني فبسوء فعلي وان تغفر فأنت به جدير أفر إليك منك وأين إلا إليك يفر منك المستجير وله أيضا دب في الفناء سفلا وعلوا وأراني اموت عضوا فعضوا ذهبت شرتي بجدة نفسي وتذكرت طاعة الله نضوا ليس من ساعة مضت في إلا نقصتني بمرها بي جزوا لهف نفسي على ليال وأيام سلكتهن لعبا ولهوا قد أسأنا كل الأساءة يارب فصفحا عني إلهي وعفوا
مسألة الاختلاف في الإسم المضاف إلى ياء المتكلم ليس في الكلام كلمة لا معربة ولا مبنية وذهب قوم إلى ذلك فقالوا في المضاف إلى ياء المتكلم نحو غلامي وداري هو لا معرب ولا مبني وحجة الأولين أن القسمة تقضي بانحصار هذا المعنى في القسمين المذكورين المعرب والمبني لان المعرب هو الذي يختلف آخره باختلاف العامل فيه لفظا أو تقديرا والمبني ما لزم آخره حركة أو سكونا وهذان ضدان لا واسطة بينهما لان الاختلاف وعدم الاختلاف يقتسمان قسيمي النفي والاثبات وليس
بينهما ما ليس بمثبت ولا منفي يدل عليه ان الاضداد قد تكثر مثل البياض والحمرة والسواد ولكن لكل واحد منها حقيقة في نفسه والنفي والاثبات ليس بينهما واسطة هي ضد ينبئ عن حقيقة كالحركة والسكون واحتج الآخرون بأن المضاف إلى ياء المتكلم ليس بمعرب إذ لو كان معربا لظهرت فيه حركة الإعراب لانه يقبل الحركة وليس بمبني إذ لا علة للبناء هنا فلزم أن ينتفي الوصفان هنا ويجب ان يعرف باسم يخصه وتلقيبه بالخصي موافق لمعناه لان الخصي معدوم فائدة الذكورية ولم يثبت له صفة الانوثية فهو في المعنى كالمضاف إلى ياء المتكلم فانه كان قبل الإضافة معربا فلما عرضت له الإضافة زال عنه الاعراب ولم يثبت له صفة البناء كما ان السليم الذكر والخصيين عرض له إزالتها ولم يصر
بذلك انثى والجواب عما ذكروه من وجهين احدهما انا نقول هو معرب تارة لكن ظهور الحركة فيه مستثقل كما يستثقل على الياء في المنقوص وكما يمتنع على الألف ولم يمنع ذلك من كونه معربا وتارة تقول هو مبني وعلة بنائه أن حركته صارت تابعة للياء فتعذر أن تكون دالة على الإعراب ولذلك أشبه الحرف لانه أصل قبل الإضافة وصار بعد الإضافة تابعا للمضمر الذي هو فرع كما أنك تحرك الساكن لالتقاء الساكنين حركة بناء ولذلك إذا وجدت في المعرب كانت بناء كقولنا لم يسد ولم يصر هذا الفعل معربا وضمه وفتحه وكسره بناء والوجه الثاني أن تسميته خصيا خطأ لان الخصي ذكر على التحقيق وإنما زال عنه بعض أعضائه وحقيقة الذكورية وحكمها
باقيان ولا يجوز أن يقال ليس بذكر ولا انثى والله أعلم
مسألة هل الاعراب أصل في المضارع المعرب بحق الأصل هو الاسم والفعل المضارع محمول عليه وقال بعض الكوفيين المضارع أصل في الإعراب أيضا وحجة الأولين أن الإعراب أتي به لمعنى لا يصح إلا في الاسم فاختص بالاسم كالتصغير وغيره من خواص الاسم والدليل على ذلك أن الأصل عدم الإعراب لأن الأصل دلالة الكلمة على المعنى اللازم لها والزيادة على ذلك خارجة عن هذه الدلالة وإنما يؤتى بها لتدل على معنى عارض يكون تارة والمعنى الذي يدل عليه الإعراب كون الاسم فاعلا أو مفعولا أو مضافا إليه لأنه يفرق بين هذه المعاني وهذه المعاني تصح في الأسماء ولا تصح في الأفعال فعلم أنها ليست أصلا بل هي
فرع محمول على الاسماء في ذلك واحتج الآخرون بأن الإعراب في الفعل يفرق بين المعاني فكان أصلا كاعراب الأسماء وبيانه قولك اريد أن ازورك فيمنعني البواب إذا رفعت كان له معنى وإذا نصبت كان له معنى وكذلك قولك لا يسعني شيء ويعجز عنك إذا نصبت كان له معنى وإذا رفعت كان له معنى آخر وكذلك باب الجواب بالفاء والواء نحو لا تأكل السمك وتشرب اللبن وهو في ذلك كالاسم إذا رفعت كان له معنى وإذا نصبت أو جررت كان له معنى آخر والجواب أما إعراب الفعل فلا يتوقف عليه فهم المعنى بل المعنى يدرك بالقرائن المحققة به والإشكال يحصل فيه بالحركة التي لا يقتضيها المعنى لا بعدم الحركة ألا ترى أن قوله أريد أن أزورك فيمنعني البواب لو سكنت العين لفهم المعنى وإنما
يشكل إذا نصبتها وإنما جاء الإشكال من جهة العطف لا بالنظر إلى نفس الفعل إذ لا فرق بين قولك يضرب زيد في الضم والفتح والكسر والسكون فانه في كل حال يدل على الحدث والزمان وكذلك إذا قلت لم يضرب ولن تضرب فان الفعل منفي ضممت أو فتحت أو سكنت وكذلك لا يسعني شيء ويعجز عنك إذا فتحت أردت الجواب وإذا ضممت عطفت ولو أهملته لفهمت المعنى وكذلك لا تأكل السمك وتشرب اللبن والحاصل من ذلك كله أمر عرض بالعطف وحرف العطف يقع على معان فلا بد من تخليص بعضها من بعض فبالحركة يفرق بين معاني حرف العطف ولا يفرق بين معنى الفعل ومعنى له آخر والله أعلم
باب الاعراب
مسألة علة الإعراب الإعراب دخل الكلام ليفرق بين المعاني من الفاعلية والمفعولية والإضافة ونحو ذلك وقال قطرب واسمه محمد بن المستنير لم يدخل لعلة وانما دخل تخفيفا على اللسان وحجة الأولين أن الكلام لو لم يعرب لا لتبست المعاني ألا ترى أنك إذا قلت ضرب زيد عمرو وكلم أبوك أخوك لم يعلم الفاعل من المفعول وكذلك قولهم ما أحسن
زيد ولو أهملته عن حركة مخصوصة لم يعلم معناه لأن الصيغة تحتمل التعجب والاستفهام والنفي والفارق بينها هو الحركات فان قيل الفرق يحصل بلزوم الرتبة وهو تقدم الفاعل على المفعول ثم هو باطل فان كثيرا من المواضع لا يلتبس ومع هذا لزم الإعراب كقولك قام زيد ولم يقم عمرو وركب زيد الحمار فان مثل هذا لا يلتبس وكذلك كسر موسى العصا والجواب أما لزوم الرتبة فلا يصح لثلاثة أوجه أحدها أن في ذلك تضييقا على المتكلم وإخلالا بمقصود النظم والسجع مع مسيس الحاجة إليه والإعراب لا يلزم فيه ذلك فان أمر الحركة لا يختلف بالتقديم والتأخير والثاني أن التقديم والتأخير قد لا يصح في كثير من المواضع ألا ترى أنك لا تقول ضرب غلامه زيدا إذ يلزم
الإضمار قبل الذكر لفظا وتقديرا فتدعو الحاجة إلى تقديم وكذلك قولك ما أحسن زيدا ف ما في الاصل فاعل ولا يصح تقديم الفعل عليه فأما ما لا يلتبس فانه بالنسبة إلى ما يلتبس قليل جدا فحمل على الأصل المعلل ليطرد الباب كما طردوا الباب في أعد ونعد وتعد حملا على يعد وله نظائر كثيرة ولأن الذي لا يلتبس في موضع قد يلتبس بعينه في موضع آخر فإذا جعلت الحركة فارقة اطردت في الملتبس وغيره وهذا لا يمنع أن يحصل الفرق بالإعراب وتعين الظرف لا سبيل إليه بل اذا وجد عن العرب طريق معلل وجب إثباته وإن صح أن يحصل المعنى بغيره ومثل ذلك قد وقع في الاسماء المختلفة الالفاظ والمعاني وان كل واحد منها وضع على معنى يخصه ليفهم المعنى على التعيين ولا يقال هلا وضعوا اسما واحدا على معان متعددة ويقف الفرق على قرينة أخرى كما وقع في الأسماء المشتركة بل قيل إن الاشتراك على خلاف الأصل
ومثل ذلك قد وقع في الشريعة وأن الأخ من الأبوين يسقط الأخ من الأب وهذا أحد المعاني التي يحملها هذا الفصل وذلك أن القياس لا يمنع أن يشترك الجميع في الميراث من غير تخصيص لاشتراكهما في الانتساب إلى الأب والانتساب إلى الأم في هذا المعنى ساقط ويجوز أن يكون للأخ من الابوين الثلثان وللأخ من الأب الثلث عملا بالقرابتين إسقاط الأخ من الأب بالأخ من الأبوين لرجحان النسب إلى الأب والأم وهذا الذي تقرر في الشرع وهو عمل بأحد المعنيين كذلك ها هنا واحتج الآخرون من وجهين أحدهما أن الفعل المضارع معرب لا يحصل باعرابه فرق فكذلك الأسماء والثاني أن الفاعلية والمفعولية تدرك بالمعنى ألا ترى أن الاسماء المقصورة لا يظهر فيها إعراب ومعانيها مدركة وإنما أعربت العرب الكلام لما يلزم المتكلم من ثقل السكون لأن الحرف يقطع عن حركاته فيشق على اللسان قالوا ويدل على صحة ما ذكرناه أن حركات الإعراب
تتفق مع اختلاف المعنى وتختلف مع اتفاق المعنى ألا ترى أن قولك هل زيد نائم مثل قولك زيد نائم في اللفظ مع اختلاف المعنى وقولك زيد قائم مثل قولك إن زيدا قائم في المعنى إذ كلاهما إثبات والإعراب مختلف والجواب أما إعراب الفعل المضارع ففيه جوابان أحدهما أن إعرابه يفرق بين المعاني أيضا كما ذكرنا في المسألة قبلها والثاني أن إعراب الفعل استحسان لشبهه بالاسماء على ما ذكرناه هنالك وأما اختلاف الإعراب واتفاق المعنى وعكس ذلك فلا يلزم لان هذه الأشياء فروع عارضة حملت على الاصول المعللة لضرب من الشبه وذلك لا يمنع من ثبوت الإعراب لمعنى قولهم إنهم أعربوا لما يلزم من ثقل السكون لا يصح لوجهين أحدهما أن السكون أخف من الحركة هذا مما لا ريب فيه ولذلك كان المبني والمجزوم ساكنين
والوجه الثاني لو كان ذلك من أجل الثقل لفوض زمام الخيرة إلى المتكلم وكان يسكن إذا شاء ويحرك إذا شاء فلما اتفقوا على أن تسكين المتحرك وتحريك الساكن بأي حركة شاء المتكلم لحن دل على فساد ما ذهبوا إليه والله أعلم
مسألة الاختلاف في علة جعل الإعراب في آخر الكلمة اختلفوا في جعل الإعراب في آخر فقال بعضهم إنما كان لأن الاعراب دال على معنى عارض في الكلمة فيجب أن تستوفى الصيغة الموضوعة لمعناها اللازم ثم يؤتى بعد ذلك بالعارض كتاء التأنيث وياء النسب وقال آخرون إنما جعل أخيرا لان الإعراب يثبت في الوصل دون الوقف فكان في موضع يتأتى الوقف عليه وهو الأخير وقال قطرب إنما جعل أخيرا لتعذر جعله وسطا إذ لو كان
وسطا لاختلطت الابنية وربما أفضى إلى الجمع بين ساكنين أو الابتداء بالساكن وكل ذلك خطأ لا يوجد مثله فيما إذا جعل أخيرا قال قطرب والمذهب الأول فاسد لأن كثيرا من المعاني العارضة تدخل في أول الكلمة ووسطها قبل استيفاء الصيغة نحو الجمع والتصغير وهو معنى عارض والجواب ان العلل المذكورة كلها صحيحة وأمتنها عند النظر الصحيح هو الأول وأما ما نقض به من التصغير والجمع فلا يصح لوجهين أحدهما أن التصغير والجمع معنيان يحدثان في نفس المسمى وهما التكثير والتحقير فلذلك كانت علاماتهما في نفس الكلمة لأن التكثير معناه ضم اسم إلى اسم وهو مساو له في الدلالة على المعنى فكان الدال على الكثرة داخلا في الصيغة كما أن إضافة أحدهما إلى الآخر داخل في المعنى وليس كذلك المعنى الذي يدل عليه الإعراب فان كونه فاعلا لا
يحدث في المسمى معنى في ذاته بل هو معنى عارض أوجبه عامل عارض والوجه الثاني أن التصغير والجمع من قبيل المعاني التي يقصد إثباتها في نفس السامع فيجب أن يبدأ بها أو تقرن بالصيغة لتثبت في نفس السامع معناها قبل تمام المعنى الأصلي بدونها وهذا كما جعل الاستفهام والنفي في أول الكلام ليستقر معناه في النفس ولو أخر لثبت في النفس معنى ثم أزيل وليس كذلك الإعراب لان الصيغة المجردة عن الإعراب لا تنفي كون الاسم فاعلا أو مفعولا حتى إذا جاء الإعراب بعد ذلك أزال المعنى الأول وكذلك الالف واللام جعلت أولا ليثبت التخصيص في المسمى ولا يؤتى بها أخيرا لئلا يحدث التخصيص بعد الشياع
واحتج الآخرون الذين قالوا بأن الإعراب لا ينبغي أن يكون موضعه أخيرا بأنه دال على معنى في الكلمة فوجب أن يكون في أصلها كالتصغير والجمع والتعريف والنفي والاستفهام وغير ذلك وإنما عدل إلى الاخير لما ذكرناه من اختلاط الأبنية والجواب عن هذا قد سبق والله أعلم
مسألة الاختلاف في حقيقة الصرف الصرف هو التنوين وحده وقال آخرون هو التنوين والجر حجة الأولين من ثلاثة أوجه أحدها أنه معنى ينبئ عنه الاشتقاق فلم يدخل فيه ما لا يدل عليه الاشتقاق كسائر أمثاله وبيانه أن الصرف في اللغة هو الصوت الضعيف كقولهم صرب ناب البعير وصرفت البكرة ومنه صريف القلم والنون الساكنة في آخر الكلمة صوت ضعيف فيه غنة كغنة الاشياء التي ذكرنا
وأما الجر فليس صوته مشبها لما ذكرنا لانه حركة فلم يكون صرفا كسائر الحركات ألا ترى أن الضمة والفتحة في آخر الكلمة حركة ولا تسمى صرفا والوجه الثاني وهو أن الشاعر إذا اضطر إلى صرف ما لا ينصرف جر في موضع الجر ولو كان الجر من الصرف لما أتي به من غير ضرورة إليه وذلك أن التنوين دعت الضرورة إليه لإقامة الوزن والوزن يقوم به سواء كسر ما قبله أو فتح فلما كسر حين نون علم أنه ليس من الصرف لأن المانع من الصرف قائم وموضع المخالفة لهذا المانع الحاجة إلى إقامة الوزن فيجب أن يختص به الوجه الثالث أن ما فيه الألف واللام لو أضيف لكسر في موضع الجر مع وجود المانع من الصرف وذلك يدل على أن الجر سقط تبعا لسقوط التنوين بسبب مشابهة الاسم الفعل والتنوين سقط لعلة أخرى فينبغي أن يظهر الكسر الذي هو تبع لزوال ما كان سقوطه تابعا له واحتج الآخرون من وجهين
أحدهما أن الصرف من التصرف وهو التقلب في الجهات وبالجر يزداد تقلب الاسم في الإعراب فكان من الصرف والثاني انه اشتهر في عرف النحويين ان غير المنصرف ما لا يدخله الجر مع التنوين وهذا حد فيجب أن يكون الحد داخلا في المحدود والجواب عن الأول من وجهين أحدهما أن اشتقاق الصرف مما ذكرناه لا مما ذكروا وهو أقرب إلى الاشتقاق والثاني أن تقلب الكلمة في الإعراب لو كان من الصرف لوجب أن يكون الرفع والنصب صرفا وكذلك تقلب الفعل بالاشتقاق لا يسمى صرفا وإنما يسمى تصرفا وتصريفا وأما ما اشتهر في عرف النحويين فليس بتحديد للصرف بل هو حكم ما لا ينصرف فأما ما هو حقيقة الصرف فغير ذلك ثم هو باطل بالمضاف وما فيه الألف واللام فان تقلبه أكثر ولا يسمى منصرفا والله أعلم
حذف
مسألة الاختلاف في حقيقة الاعراب ذهب أكثر النحويين إلى ان الإعراب معنى يدل اللفظ عليه وقال آخرون هو لفظ دال على الفاعل والمفعول مثلا وهذا هو المختار عندي احتج الاولون من أوجه أحدها أن الإعراب اختلاف آخر الكلمة لاختلاف العامل فيها والاختلاف معنى لا لفظ كمخالفة الاحمر الابيض
والثاني أن الإعراب يدل عليه مرة الحركة وتارة الحرف كحروف المد في الاسماء الستة والتثنية والجمع وما هذه سبيله لا يكون معنى واحدا بل هو دليل على المعنى والدليل قد يتعدد والمدلول عليه واحد والثالث ان الحركات تضاف إلى الإعراب فيقال حركات الإعراب وهي ضمة إعراب وإضافة الشيء إلى نفسه ممتنعة وكذلك الحركات توجد في المثنى وليست إعرابا واحتج الآخرون بأن الاصل في الإعراب الحركة ونها ناشئة عن العامل كقولك قام زيد فالضمة حادثة عن الفعل والفعل عامل والعمل نتيجة العامل والعمل هو الحركة فأما كون الاسم فاعلا أو مفعولا فهو معنى مجرد عن علامة لفظية يجوز أن تدرك بغير لفظ كما يدرك الفرق بين المبنيات بالمعنى مع الحكم بالبناء كقولك ضرب هذا هذا وكذلك في المعرب نحو كلم موسى عيسى فعلم أن الإعراب هو الحركة المخصوصة
هذا هو حجة هؤلاء والذي أحرره هنا أن أقول إن الإعراب فارق بين المعاني العارضة كالفاعلية والمفعولية والتعجب والنفي والاستفهام نحو ما أحسن زيدا وما أحسن زيد وما أحسن زيد نفس الحركات هنا هو الفارق بين المعاني وإذا ثبت أن الإعراب فارق بين المعاني فالفرق الحاصل عن الفارق يعرف تارة بالعقل كمعرفة أن الاثنين اكثر من الواحد وأقل من الثلاثة هذا معلوم بالعقل من غير لفظ يدل عليه وتارة يعرف بالحس من السمع والبصر واللمس والذوق والشم فأنت تفرق بين زيد وعمرو في التسمية بما تسمعه من اللفظين وتفرق بين الأحمر والأبيض بحاسة البصر وبين الحار والبارد والناعم والخشن باللمس وبين الحلو والمر بالذوق وبين الريح الطيبة والخبيثة بالشم والإعراب من قبيل ما يعرف بحاسة السمع ألا ترى أنك إذا قلت لإنسان افرق بين الفاعل والمفعول والمضاف إليه في نحو قولك ضرب زيد غلام عمرو فانه إذا ضم أولا وفتح ثانيا وكسر ثالثا حصل لك الفرق بألفاظه لا من طريق المعنى فانك أنت قد تدرك هذا المعنى بغير لفظ فدل أن الإعراب هو لفظ الحركة
وأما ما أعرب بالحرف فهو حاصل من اللفظ أيضا لأن الحرف لفظ كما أن الحركة لفظ وأما كون الحركة بناء في المبني فلا يمنع أن تكون إعرابا في المعرب ويكون الفرق بينهما أن حركة الإعراب ناشئة عن عامل فهي حركة مخصوصة وحركة المبني ليست مخصوصة بعامل وأما إضافة الحركة إلى الإعراب فلا تدل على أنهما غيران بل هو من قبيل إضافة النوع إلى الجنس وهذا كما تقول رفع الإعراب ونصبه وجره فتضيف الرفع إلى الإعراب وهو نوع منه يدل على ذلك أن الرفع إعراب بلا خلاف وكذلك النصب والجر ومعلوم أن حقيقة الرفع هو الضمة الناشئة عن العامل فيلزم أن يكون الإعراب لفظا والله أعلم
مسألة أيهما أسبق حركات البناء أم حركات الإعراب اختلفوا في حركات الإعراب هل سابقة على حركات البناء أو بالعكس أو هما متطابقان من غير ترتيب فذهب قوم إلى الأول وهو الأقوى والدليل عليه من وجهين أحدهما أن الإعراب تابع لفائدة الكلام والكلام موضوع للتفاهم فيجب أن يكون مقارنا للكلام كمقارنة المفرد لمعناه وبيان ذلك أن المفرد في نحو قولك فرس وغلام وجبل متى ذكر واحد من هذه الألفاظ كان معناه مصاحبا له فإذا انتهى اللفظ فهم معناه عند انتهائه وكذلك الكلام المقصود منه ما تحصله من الفائدة عند التخاطب والتخاطب لا يكون إلا
بالمركب فالمفردات تصور المعاني والمركبات تفيد التصديق وهو المقصود الكلي من وضع الكلام فإذا كان مقارنا للكلام فهم معنى المركب عند انتهاء ألفاظه كقولك أعطى زيد عمرا درهما فانك لا تدرك معنى هذه الجملة إلا أن تعلم الفاعل والمفعول حتى يستقر عندك معنى ما قصد بالجملة فأما حركات البناء فلا تفيد معنى في المركب وإنما هي شيء أوجبه شبه الحرف الذي لم يوضع لتفيد حركته معنى الوجه الثاني أن واضع اللغة حكيم ومن حكمته أن يضع الكلام للتفاهم ولا يتم التفاهم إلا بالإعراب فوجب أن يكون مقارنا للكلام لتحصل فائدة الوضع وأما البناء فلا يعرف المعنى فيه من اللفظ وإنما يعرف بجهة أخرى ألا ترى انك إذا قلت ضرب موسى عيسى لم يفهم من اللفظ الفاعل من المفعول وإنما ميزوا بينهما بأن ألزموا الفاعل التقديم وهذا امر خارج عن اللفظ والإعراب إما هذا اللفظ أو مدلول اللفظ ولو قال كسر موسى العصا فهم الفاعل من المفعول من المعنى إذ قد ثبت ان المراد بموسى الكاسر وبالعصا المكسور وهذا أيضا خارج عن أدلة الألفاظ إلا أنه مع
خروجه عن دليل اللفظ يقدر الإعراب عليه تقديرا والتقدير إعطاء المعدوم حكم الموجود وإنما كان كذلك لقيام الدليل على أن هذه الاسماء غير مبنية فيلزم ان تكون معربة واحتج من قال حركات البناء أصل بأن حركة البناء لازمة وحركة الإعراب منتقلة واللازم اصل للمنتقل وسابق عليه واحتج من قال لا يسبق بعضها بعضا أن واضع اللغة حكيم فيعلم من الابتداء ما يحرك للاعراب وما يحرك لغيره فيجب ان يتساوق ولا يتسابق والجواب عن شبهة المذهب الثاني ان الفرع والأصل لا يؤخذ من اللزوم والانتقال بل يؤخذ من جهة إفادة المعاني ثبت ان الاسماء هي التي يقع فيها اللبس وانها مجال الفاعلية والمفعولية فكان الإعراب مقارنا لها لئلا يقع اللبس ثم يحتاج إلى إزالته بعد وقوعه والبناء اجنبي عن ذلك والجواب عن شبهة المذهب الثالث انا لا نريد السبق
بالزمان بل السبق بالرتبة ولا شك ان الاعراب سابق بالرتبة وأما البناء فيجوز أن يكون متأخرا عن الإعراب وان يكون مقارنا له بالوضع والله أعلم
مسألة علة زيادة التنوين في الاسم العلة في زيادة تنوين الصرف على الاسم أنه أريد بذلك بيان خفة الاسم وثقل الفعل وقال الفراء المراد به الفرق بين المنصرف وغير المنصرف وقال آخرون المراد به الفرق بين
الاسم والفعل وقال قوم المراد به الفرق بين المفرد والمضاف والدلالة على المذهب الاول أن في الكلمات ما هو خفيف وما هو ثقيل والخفة والثقل يعرفان من طريق المعنى لا من طريق اللفظ فالخفيف ما قلت مدلولاته ولوازمه والثقيل ما كثر ذلك فيه فخفة الاسم أنه يدل على مسمى واحد ولا يلزمه غيره في تحقيق معناه كلفظة رجل فان معناها ومسماها الذكر من بني آدم والفرس هو الحيوان الصهال ولا يقترن بذلك زمان ولا غيره ومعنى ثقل الفعل أن مدلولاته ولوازمه كثيرة فمدلولاته الحدث والزمن ولوازمه الفاعل والمفعول والتصرف وغير ذلك فإذا تقرر هذا فالفرق بينهما غير معلوم من لفظهما فوجب أن يكون على ذلك دليل من جهة اللفظ والتنوين صالح لذلك لانه زيادة على اللفظ والزيادة ثقل في المزيد عليه والاسم يحتمل الثقل
لأنه في نفسه خفيف والفعل في نفسه ثقيل فلا يحتمل التثقيل وهذا معنى ظاهر فكان الحكمة في الزيادة وقول الفراء إن حمل على معنى صحيح فمراده ما ذكرنا ولكن العبارة ركيكة وإن حمل على ظاهر اللفظ كان تعليل الشيء بنفسه لأنه يصير إلى قولك التنوين يفرق بين ما ينون وبين ما لا ينون وذا تعليل الشيء بنفسه وأما من قال فرق بين الاسم والفعل فلا يصح لأوجه أحدها ان الفرق بينهما من طريق المعنى وذلك أن الاسم يدل على معنى واحد والفعل على معنيين وقد ذكرنا ذلك في حديهما والثاني أن العلامات اللفظية بينهما كثيرة مثل قد والسين وسوف والتصرف مثل كونه ماضيا ومستقبلا وأمرا والاسم يعرف بالألف واللام وغيرهما والثالث أن الاسم الذي لا ينصرف لا تنوين فيه وهو مباين للفعل وأما من قال يفرق بين المفرد والمضاف فقوله باطل أيضا
من جهة أن المفرد مطلق يصح السكوت عليه والمضاف مخصوص محتاج إلى ما بعده وأن الاسم الذي لا ينصرف قد يضاف وإضافته غير لازمة فيكون مفردا مع أنه لا ينون فلو كان المفرد لا يفصل بينه وبين المضاف إلا بالتنوين لزم ألا يكون المفرد إلا منصرفا
مسألة الاختلاف في بناء فعل الأمر أمعرب هو أم مبني فعل الأمر مبني نحو قم واضرب وقال الكوفيون هو معرب بالجزم لنا أنه لفظ لا يفرق باعرابه بين معنى ومعنى فلم يكن معربا كالحرف والدليل على هذه الجملة أن الإعراب معنى زائد على الكلمة فلا ينبغي أن يثبت إلا إذا دل على معنى وفعل الأمر لا
يحتمل معاني يفرق الإعراب بينها فلم يحتج إلى الإعراب وقد ذكرنا في إعراب الفعل هل هو استحسان أم اصل فيما تقدم والإعراب إما أن يثبت أصلا أو استحسانا وكلاهما معدوم أما الأصل فلأنه لا يحتمل معاني يفرق الإعراب بينها وأما الاستحسان فهو أن فعل الأمر لا يشابه الاسم حتى يحمل عليه في الإعراب بخلاف المضارع فانه يشبه الاسم لوجود حرف المضارعة وليس في لفظ الأمر هنا حرف مضارعة يشبه به الاسم فعند ذلك يجب أن يكون مبنيا واحتج الكوفيون بأنه فعل أمر فكان معربا بالجزم كما لو كان فيه حرف المضارعة كقولك لتضرب يا زيد وليضرب عمرو ولا إشكال في أن كل واحد منهما أمر فإذا كان أحد الامرين معربا كان الآخر كذلك قالوا فان قيل هناك حرف المضارعة وهو
المقتضي للشبه قيل فعل الأمر إن لم يكن فيه حرف المضارعة لفظا فهو مقدر مراد وحذف لفظا للعلم به فالتقدير في قولك قم لتقم ويدل على ذلك أن حذف لام الأمر قد جاء صريحا كقول الشاعر محمد تفد نفسك كل نفس إذا ما خفت من أمر تبالا أي لتفد وقال الآخر على مثل أصحاب البعوضة فاخمشي لك الويل حر الوجه أو يبك من بكى أي ليبك والجواب ان هذا الفعل لم يوجد فيه علة الإعراب لأن علة إعرابه إما أصل أو شبه وكلاهما لم يوجد على ما تقدم وكونه امرا لم يوجب إعرابه بل الموجب إعراب الفعل
الشبه بالاسم والشبه بالاسم كان بحرف المضارعة والفعل بنفسه هناك ليس بأمر بل الأمر حاصل باللام وفي قم و بع هو أمر بنفسه والحاصل أنا منعنا علة الأصل وهو أن قولك ليضرب زيد لم يعرب لكون الفعل أمرا وفي خذ و كل الفعل أمر فلا جامع إذا بينهما قولهم إن حرف المضارعة محذوف كلام في غاية السقوط وذلك أن الحذف لا يوجب تغيير الصيغة بل يحذف ما يحذف ويبقى ما يبقى على حاله كقولك ارم فان الأصل الياء ولما حذفت بقي ما كان على ما كان عليه وليس كذلك ها هنا فانك إذا قلت يضرب زيد وحذفت الياء لم تقل ضرب زيد بل تأتي بصيغة أخرى وهي اضرب
ولأن الجزم هناك باللام وإذا حذف الجازم لا يبقى عمله كما إذا حذف الجار لم يبق الجر وكذلك ها هنا لو حذفت اللام لم يبق عملها هذا لو كان الحذف للام وحدها فكيف إذا حذفت اللام وحرف المضارعة وتغيرت الصيغة وأما الشعر فهو على الخبر لا على الأمر إلا انه حذف الياء من آخر الفعل ضرورة والأصل تفدي و تبكي وجواب آخر وهو أنه حذف اللام وبقي حرف المضارعة ولم تتغير صيغة الفعل بخلاف مسألتنا والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب
هذا آخر املاء الشيخ
أبي البقاء وصلى الله على سيدنا وآله وصحبه وسلم توقيع الكاتب واسمه يوسف بن يوسف
بن محمد بن خضر بن يعقوب بن خضر الشافعي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق