الجمعة، 12 مايو 2023

تفسير س الصافات {1و2.}

.

تفسير س الصافات

ج1.

سورة الصافات مكتوبة كاملة بالتشكيل | كتابة وقراءة

بسم الله الرحمن الرحيم .

وَٱلصَّٰٓفَّٰتِ صَفّٗا (1) فَٱلزَّٰجِرَٰتِ زَجۡرٗا (2) فَٱلتَّٰلِيَٰتِ ذِكۡرًا (3) إِنَّ إِلَٰهَكُمۡ لَوَٰحِدٞ (4) رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا وَرَبُّ ٱلۡمَشَٰرِقِ (5) إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِزِينَةٍ ٱلۡكَوَاكِبِ (6) وَحِفۡظٗا مِّن كُلِّ شَيۡطَٰنٖ مَّارِدٖ (7) لَّا يَسَّمَّعُونَ إِلَى ٱلۡمَلَإِ ٱلۡأَعۡلَىٰ وَيُقۡذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٖ (8) دُحُورٗاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٞ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنۡ خَطِفَ ٱلۡخَطۡفَةَ فَأَتۡبَعَهُۥ شِهَابٞ ثَاقِبٞ (10) فَٱسۡتَفۡتِهِمۡ أَهُمۡ أَشَدُّ خَلۡقًا أَم مَّنۡ خَلَقۡنَآۚ إِنَّا خَلَقۡنَٰهُم مِّن طِينٖ لَّازِبِۭ (11) بَلۡ عَجِبۡتَ وَيَسۡخَرُونَ (12) وَإِذَا ذُكِّرُواْ لَا يَذۡكُرُونَ (13) وَإِذَا رَأَوۡاْ ءَايَةٗ يَسۡتَسۡخِرُونَ (14) وَقَالُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٌ (15) أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابٗا وَعِظَٰمًا أَءِنَّا لَمَبۡعُوثُونَ (16) أَوَ ءَابَآؤُنَا ٱلۡأَوَّلُونَ (17) قُلۡ نَعَمۡ وَأَنتُمۡ دَٰخِرُونَ (18) فَإِنَّمَا هِيَ زَجۡرَةٞ وَٰحِدَةٞ فَإِذَا هُمۡ يَنظُرُونَ (19) وَقَالُواْ يَٰوَيۡلَنَا هَٰذَا يَوۡمُ ٱلدِّينِ (20) هَٰذَا يَوۡمُ ٱلۡفَصۡلِ ٱلَّذِي كُنتُم بِهِۦ تُكَذِّبُونَ (21) ۞ٱحۡشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزۡوَٰجَهُمۡ وَمَا كَانُواْ يَعۡبُدُونَ (22) مِن دُونِ ٱللَّهِ فَٱهۡدُوهُمۡ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمۡۖ إِنَّهُم مَّسۡـُٔولُونَ (24) مَا لَكُمۡ لَا تَنَاصَرُونَ (25) بَلۡ هُمُ ٱلۡيَوۡمَ مُسۡتَسۡلِمُونَ (26) وَأَقۡبَلَ بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ يَتَسَآءَلُونَ (27) قَالُوٓاْ إِنَّكُمۡ كُنتُمۡ تَأۡتُونَنَا عَنِ ٱلۡيَمِينِ (28) قَالُواْ بَل لَّمۡ تَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ (29) وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيۡكُم مِّن سُلۡطَٰنِۭۖ بَلۡ كُنتُمۡ قَوۡمٗا طَٰغِينَ (30) فَحَقَّ عَلَيۡنَا قَوۡلُ رَبِّنَآۖ إِنَّا لَذَآئِقُونَ (31) فَأَغۡوَيۡنَٰكُمۡ إِنَّا كُنَّا غَٰوِينَ (32) فَإِنَّهُمۡ يَوۡمَئِذٖ فِي ٱلۡعَذَابِ مُشۡتَرِكُونَ (33) إِنَّا كَذَٰلِكَ نَفۡعَلُ بِٱلۡمُجۡرِمِينَ (34) إِنَّهُمۡ كَانُوٓاْ إِذَا قِيلَ لَهُمۡ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ يَسۡتَكۡبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوٓاْ ءَالِهَتِنَا لِشَاعِرٖ مَّجۡنُونِۭ (36) بَلۡ جَآءَ بِٱلۡحَقِّ وَصَدَّقَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ (37) إِنَّكُمۡ لَذَآئِقُواْ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡأَلِيمِ (38) وَمَا تُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ (39) إِلَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلۡمُخۡلَصِينَ (40) أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ رِزۡقٞ مَّعۡلُومٞ (41) فَوَٰكِهُ وَهُم مُّكۡرَمُونَ (42) فِي جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ (43) عَلَىٰ سُرُرٖ مُّتَقَٰبِلِينَ (44) يُطَافُ عَلَيۡهِم بِكَأۡسٖ مِّن مَّعِينِۭ (45) بَيۡضَآءَ لَذَّةٖ لِّلشَّٰرِبِينَ (46) لَا فِيهَا غَوۡلٞ وَلَا هُمۡ عَنۡهَا يُنزَفُونَ (47) وَعِندَهُمۡ قَٰصِرَٰتُ ٱلطَّرۡفِ عِينٞ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيۡضٞ مَّكۡنُونٞ (49) فَأَقۡبَلَ بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ يَتَسَآءَلُونَ (50) قَالَ قَآئِلٞ مِّنۡهُمۡ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٞ (51) يَقُولُ أَءِنَّكَ لَمِنَ ٱلۡمُصَدِّقِينَ (52) أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابٗا وَعِظَٰمًا أَءِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلۡ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ (54) فَٱطَّلَعَ فَرَءَاهُ فِي سَوَآءِ ٱلۡجَحِيمِ (55) قَالَ تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرۡدِينِ (56) وَلَوۡلَا نِعۡمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ ٱلۡمُحۡضَرِينَ (57) أَفَمَا نَحۡنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوۡتَتَنَا ٱلۡأُولَىٰ وَمَا نَحۡنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ (60) لِمِثۡلِ هَٰذَا فَلۡيَعۡمَلِ ٱلۡعَٰمِلُونَ (61) أَذَٰلِكَ خَيۡرٞ نُّزُلًا أَمۡ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلۡنَٰهَا فِتۡنَةٗ لِّلظَّٰلِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٞ تَخۡرُجُ فِيٓ أَصۡلِ ٱلۡجَحِيمِ (64) طَلۡعُهَا كَأَنَّهُۥ رُءُوسُ ٱلشَّيَٰطِينِ (65) فَإِنَّهُمۡ لَأٓكِلُونَ مِنۡهَا فَمَالِـُٔونَ مِنۡهَا ٱلۡبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمۡ عَلَيۡهَا لَشَوۡبٗا مِّنۡ حَمِيمٖ (67) ثُمَّ إِنَّ مَرۡجِعَهُمۡ لَإِلَى ٱلۡجَحِيمِ (68) إِنَّهُمۡ أَلۡفَوۡاْ ءَابَآءَهُمۡ ضَآلِّينَ (69) فَهُمۡ عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِمۡ يُهۡرَعُونَ (70) وَلَقَدۡ ضَلَّ قَبۡلَهُمۡ أَكۡثَرُ ٱلۡأَوَّلِينَ (71) وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا فِيهِم مُّنذِرِينَ (72) فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُنذَرِينَ (73) إِلَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلۡمُخۡلَصِينَ (74) وَلَقَدۡ نَادَىٰنَا نُوحٞ فَلَنِعۡمَ ٱلۡمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيۡنَٰهُ وَأَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلۡكَرۡبِ ٱلۡعَظِيمِ (76) وَجَعَلۡنَا ذُرِّيَّتَهُۥ هُمُ ٱلۡبَاقِينَ (77) وَتَرَكۡنَا عَلَيۡهِ فِي ٱلۡأٓخِرِينَ (78) سَلَٰمٌ عَلَىٰ نُوحٖ فِي ٱلۡعَٰلَمِينَ (79) إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ (80) إِنَّهُۥ مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُؤۡمِنِينَ (81) ثُمَّ أَغۡرَقۡنَا ٱلۡأٓخَرِينَ (82) ۞وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِۦ لَإِبۡرَٰهِيمَ (83) إِذۡ جَآءَ رَبَّهُۥ بِقَلۡبٖ سَلِيمٍ (84) إِذۡ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوۡمِهِۦ مَاذَا تَعۡبُدُونَ (85) أَئِفۡكًا ءَالِهَةٗ دُونَ ٱللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ (87) فَنَظَرَ نَظۡرَةٗ فِي ٱلنُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٞ (89) فَتَوَلَّوۡاْ عَنۡهُ مُدۡبِرِينَ (90) فَرَاغَ إِلَىٰٓ ءَالِهَتِهِمۡ فَقَالَ أَلَا تَأۡكُلُونَ (91) مَا لَكُمۡ لَا تَنطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيۡهِمۡ ضَرۡبَۢا بِٱلۡيَمِينِ (93) فَأَقۡبَلُوٓاْ إِلَيۡهِ يَزِفُّونَ (94) قَالَ أَتَعۡبُدُونَ مَا تَنۡحِتُونَ (95) وَٱللَّهُ خَلَقَكُمۡ وَمَا تَعۡمَلُونَ (96) قَالُواْ ٱبۡنُواْ لَهُۥ بُنۡيَٰنٗا فَأَلۡقُوهُ فِي ٱلۡجَحِيمِ (97) فَأَرَادُواْ بِهِۦ كَيۡدٗا فَجَعَلۡنَٰهُمُ ٱلۡأَسۡفَلِينَ (98) وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهۡدِينِ (99) رَبِّ هَبۡ لِي مِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ (100) فَبَشَّرۡنَٰهُ بِغُلَٰمٍ حَلِيمٖ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعۡيَ قَالَ يَٰبُنَيَّ إِنِّيٓ أَرَىٰ فِي ٱلۡمَنَامِ أَنِّيٓ أَذۡبَحُكَ فَٱنظُرۡ مَاذَا تَرَىٰۚ قَالَ يَٰٓأَبَتِ ٱفۡعَلۡ مَا تُؤۡمَرُۖ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰبِرِينَ (102) فَلَمَّآ أَسۡلَمَا وَتَلَّهُۥ لِلۡجَبِينِ (103) وَنَٰدَيۡنَٰهُ أَن يَٰٓإِبۡرَٰهِيمُ (104) قَدۡ صَدَّقۡتَ ٱلرُّءۡيَآۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ (105) إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡبَلَٰٓؤُاْ ٱلۡمُبِينُ (106) وَفَدَيۡنَٰهُ بِذِبۡحٍ عَظِيمٖ (107) وَتَرَكۡنَا عَلَيۡهِ فِي ٱلۡأٓخِرِينَ (108) سَلَٰمٌ عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ (109) كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ (110) إِنَّهُۥ مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُؤۡمِنِينَ (111) وَبَشَّرۡنَٰهُ بِإِسۡحَٰقَ نَبِيّٗا مِّنَ ٱلصَّٰلِحِينَ (112) وَبَٰرَكۡنَا عَلَيۡهِ وَعَلَىٰٓ إِسۡحَٰقَۚ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحۡسِنٞ وَظَالِمٞ لِّنَفۡسِهِۦ مُبِينٞ (113) وَلَقَدۡ مَنَنَّا عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَٰرُونَ (114) وَنَجَّيۡنَٰهُمَا وَقَوۡمَهُمَا مِنَ ٱلۡكَرۡبِ ٱلۡعَظِيمِ (115) وَنَصَرۡنَٰهُمۡ فَكَانُواْ هُمُ ٱلۡغَٰلِبِينَ (116) وَءَاتَيۡنَٰهُمَا ٱلۡكِتَٰبَ ٱلۡمُسۡتَبِينَ (117) وَهَدَيۡنَٰهُمَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ (118) وَتَرَكۡنَا عَلَيۡهِمَا فِي ٱلۡأٓخِرِينَ (119) سَلَٰمٌ عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَٰرُونَ (120) إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ (121) إِنَّهُمَا مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُؤۡمِنِينَ (122) وَإِنَّ إِلۡيَاسَ لَمِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ (123) إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ أَلَا تَتَّقُونَ (124) أَتَدۡعُونَ بَعۡلٗا وَتَذَرُونَ أَحۡسَنَ ٱلۡخَٰلِقِينَ (125) ٱللَّهَ رَبَّكُمۡ وَرَبَّ ءَابَآئِكُمُ ٱلۡأَوَّلِينَ (126) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمۡ لَمُحۡضَرُونَ (127) إِلَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلۡمُخۡلَصِينَ (128) وَتَرَكۡنَا عَلَيۡهِ فِي ٱلۡأٓخِرِينَ (129) سَلَٰمٌ عَلَىٰٓ إِلۡ يَاسِينَ (130) إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ (131) إِنَّهُۥ مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُؤۡمِنِينَ (132) وَإِنَّ لُوطٗا لَّمِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ (133) إِذۡ نَجَّيۡنَٰهُ وَأَهۡلَهُۥٓ أَجۡمَعِينَ (134) إِلَّا عَجُوزٗا فِي ٱلۡغَٰبِرِينَ (135) ثُمَّ دَمَّرۡنَا ٱلۡأٓخَرِينَ (136) وَإِنَّكُمۡ لَتَمُرُّونَ عَلَيۡهِم مُّصۡبِحِينَ (137) وَبِٱلَّيۡلِۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ (138) وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ (139) إِذۡ أَبَقَ إِلَى ٱلۡفُلۡكِ ٱلۡمَشۡحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ ٱلۡمُدۡحَضِينَ (141) فَٱلۡتَقَمَهُ ٱلۡحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٞ (142) فَلَوۡلَآ أَنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطۡنِهِۦٓ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ (144) ۞فَنَبَذۡنَٰهُ بِٱلۡعَرَآءِ وَهُوَ سَقِيمٞ (145) وَأَنۢبَتۡنَا عَلَيۡهِ شَجَرَةٗ مِّن يَقۡطِينٖ (146) وَأَرۡسَلۡنَٰهُ إِلَىٰ مِاْئَةِ أَلۡفٍ أَوۡ يَزِيدُونَ (147) فَـَٔامَنُواْ فَمَتَّعۡنَٰهُمۡ إِلَىٰ حِينٖ (148) فَٱسۡتَفۡتِهِمۡ أَلِرَبِّكَ ٱلۡبَنَاتُ وَلَهُمُ ٱلۡبَنُونَ (149) أَمۡ خَلَقۡنَا ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ إِنَٰثٗا وَهُمۡ شَٰهِدُونَ (150) أَلَآ إِنَّهُم مِّنۡ إِفۡكِهِمۡ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ ٱللَّهُ وَإِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ (152) أَصۡطَفَى ٱلۡبَنَاتِ عَلَى ٱلۡبَنِينَ (153) مَا لَكُمۡ كَيۡفَ تَحۡكُمُونَ (154) أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (155) أَمۡ لَكُمۡ سُلۡطَٰنٞ مُّبِينٞ (156) فَأۡتُواْ بِكِتَٰبِكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ (157) وَجَعَلُواْ بَيۡنَهُۥ وَبَيۡنَ ٱلۡجِنَّةِ نَسَبٗاۚ وَلَقَدۡ عَلِمَتِ ٱلۡجِنَّةُ إِنَّهُمۡ لَمُحۡضَرُونَ (158) سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159) إِلَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلۡمُخۡلَصِينَ (160) فَإِنَّكُمۡ وَمَا تَعۡبُدُونَ (161) مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ بِفَٰتِنِينَ (162) إِلَّا مَنۡ هُوَ صَالِ ٱلۡجَحِيمِ (163) وَمَا مِنَّآ إِلَّا لَهُۥ مَقَامٞ مَّعۡلُومٞ (164) وَإِنَّا لَنَحۡنُ ٱلصَّآفُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحۡنُ ٱلۡمُسَبِّحُونَ (166) وَإِن كَانُواْ لَيَقُولُونَ (167) لَوۡ أَنَّ عِندَنَا ذِكۡرٗا مِّنَ ٱلۡأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلۡمُخۡلَصِينَ (169) فَكَفَرُواْ بِهِۦۖ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ (170) وَلَقَدۡ سَبَقَتۡ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلۡمُرۡسَلِينَ (171) إِنَّهُمۡ لَهُمُ ٱلۡمَنصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلۡغَٰلِبُونَ (173) فَتَوَلَّ عَنۡهُمۡ حَتَّىٰ حِينٖ (174) وَأَبۡصِرۡهُمۡ فَسَوۡفَ يُبۡصِرُونَ (175) أَفَبِعَذَابِنَا يَسۡتَعۡجِلُونَ (176) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمۡ فَسَآءَ صَبَاحُ ٱلۡمُنذَرِينَ (177) وَتَوَلَّ عَنۡهُمۡ حَتَّىٰ حِينٖ (178) وَأَبۡصِرۡ فَسَوۡفَ يُبۡصِرُونَ (179) سُبۡحَٰنَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلۡعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَٰمٌ عَلَى ٱلۡمُرۡسَلِينَ (181) وَٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ (182)==

عرض السورة وبداية التفسير

وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5) إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10) فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ (11) بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12) وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (13) وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14) وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (15) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (18) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (19) وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)

==============

الصافات - تفسير ابن كثير

وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5)

تفسير سورة الصافات

[وهي] (1) مكية.

قال النسائي: أخبرنا إسماعيل بن مسعود، حدثنا خالد -يعني ابن الحارث-عن ابن أبي ذئب قال: أخبرني بن عبد الرحمن، عن سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا (2) بالتخفيف، ويؤمنا بالصافات. تفرد به النسائي (3) .

بسم الله الرحمن الرحيم

{ وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5) }

قال سفيان الثوري، عن الأعمش، عن أبي الضُّحَى، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه أنه قال: { وَالصَّافَّاتِ صَفًّا } وهي: الملائكة، { فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا } وهي: الملائكة، { فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا } هي: الملائكة.

وكذا قال ابن عباس، ومسروق، وسعيد بن جُبَيْر، وعِكْرِمة، ومجاهد، والسُّدِّيّ، وقتادة، والربيع بن أنس.

قال قتادة: الملائكة صفوف في السماء.

وقال (4) مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شَيْبَة، حدثنا محمد بن فُضَيْل، عن أبي مالك الأشجعي، عن رِبْعِيّ، عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فُضِّلنا على الناس بثلاث: جُعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدًا (5) وجُعلت لنا تُربتها (6) طهورًا إذا لم نجد الماء" (7) .

وقد روى مسلم أيضًا، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه من حديث الأعمش، عن المُسَيَّب بن رافع، عن تميم بن طَرَفة، عن جابر بن سَمُرَة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألا تَصُفّون كما تصف الملائكة عند ربهم؟" قلنا: وكيف تصف الملائكة عند ربهم؟ قال صلى الله عليه وسلم: "يُتِمون الصفوف المتقدمة ويَتَراصون في الصف" (8) .

وقال السدي وغيره: معنى قوله { فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا } أنها تزجر السحاب .

وقال الربيع بن أنس: { فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا } : ما زجر الله عنه في القرآن. وكذا رَوَى مالك، عن زيد بن أسلم.

__________

(1) زيادة من ت، س.

(2) في ت: "يأمر".

(3) سنن النسائي (2/95).

(4) في ت: "وروى".

(5) في س: "مسجدا وطهورا".

(6) في ت، س: "تربتها لنا".

(7) صحسح مسلم برقم (522).

(8) صحيح مسلم برقم (430) وسنن أبي داود برقم (661) وسنن النسائي (2/92) وسنن ابن ماجه برقم (922).

(7/5)

إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10)

{ فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا } قال السدي: الملائكة يجيئون بالكتاب، والقرآن من عند الله إلى الناس. وهذه الآية كقوله تعالى: { فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا عُذْرًا أَوْ نُذْرًا } [المرسلات:5، 6].

وقوله: { إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ } هذا هو المقسم عليه، أنه تعالى لا إله إلا هو { رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا } أي: من المخلوقات، { وَرَبُّ الْمَشَارِقِ } أي: هو المالك المتصرف في الخلق بتسخيره بما فيه من كواكب (1) ثوابت، وسيارات تبدو من المشرق، وتغرب من المغرب. واكتفى بذكر المشارق عن المغارب لدلالتها عليه. وقد صرح بذلك في قوله: { فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ } [المعارج:40]. وقال في الآية الأخرى: { رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ } [الرحمن:17] يعني في الشتاء والصيف، للشمس والقمر .

{ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإ الأعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10) }

يخبر تعالى أنه زين السماء الدنيا للناظرين إليها من أهل الأرض { بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ } ، قرئ بالإضافة وبالبدل، وكلاهما بمعنى واحد، فالكواكب السيارة والثوابت يثقب ضوءها جرم السماء الشفاف، فتضيء (2) لأهل الأرض، كما قال تعالى { وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ } [الملك:5]، وقال: { وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ . إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ } [الحجر:16-18].

وقوله ها هنا: { وَحِفْظًا } تقديره: وحفظناها حفظًا، { مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ } يعني: المتمرد العاتي إذا أراد أن يسترق السمع، أتاه شهاب ثاقب فأحرقه، ولهذا قال: { لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإ الأعْلَى } أي: لئلا يصلوا (3) إلى الملأ الأعلى، وهي السماوات ومن فيها من الملائكة، إذا تكلموا بما يوحيه الله مما يقوله من شرعه وقدره، كما تقدم بيان ذلك في الأحاديث التي أوردناها عند قوله تعالى: { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ } [سبأ:23] ولهذا قال { وَيُقْذَفُون } أي: يرمون { مِنْ كُلِّ جَانِبٍ } أي: من كل جهة يقصدون السماء منها، { دُحُورًا } أي :رجما يدحرون به ويزجرون، ويمنعون من الوصول إلى ذلك، { وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ } أي :في الدار الآخرة لهم عذاب دائم موجع مستمر، كما قال: { وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ } [الملك:5].

وقوله: { إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ } أي: إلا من اختطف من الشياطين الخطفة، وهي الكلمة يسمعها

__________

(1) في ت: "الكواكب".

(2) في ت، س: "فيضئ".

(3) في ت، س: "يصلون".

(7/6)

فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ (11) بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12) وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (13) وَإِذَا رَأَوْا آَيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14) وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (15) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (18) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (19)

من السماء فيلقيها إلى الذي تحته، ويلقيها الآخر إلى الذي تحته، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها بقدر الله قبل أن يأتيه الشهاب فيحرقه، فيذهب بها الآخر إلى الكاهن، كما تقدم في الحديث، ولهذا قال: { إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ } أي: مستنير.

قال (1) ابن جرير: حدثنا أبو كُرَيْب، حدثنا وَكِيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس قال: كان للشياطين مقاعد في السماء فكانوا (2) يستمعون الوحي. قال: وكانت النجوم لا تجري، وكانت الشياطين لا تُرْمى قال: فإذا سمعوا (3) الوحي نزلوا إلى الأرض، فزادوا في الكلمة تسعًا. قال: فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، جعل الشيطان إذا قعد مقعده جاء شهاب فلم يُخْطئه حتى يُحرقَه. قال: فشكوا ذلك إلى إبليس، فقال: ما هو إلا من أمْر حدث. قال: فَبَثّ جنوده، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي بين جبلي نخلة -قال وكيع: يعني بطن نخلة-قال: فرجعوا إلى إبليس فأخبروه، فقال: هذا الذي حدث. (4)

وستأتي الأحاديث الواردة مع الآثار في هذا المعنى عند قوله تعالى إخبارا عن الجن أنهم قالوا: { وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا . وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا . وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا } [الجن:8-10].

{ فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ (11) بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12) وَإِذَا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ (13) وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14) وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ (15) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآبَاؤُنَا الأوَّلُونَ (17) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (18) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (19) }

يقول تعالى: فَسَل هؤلاء المنكرين للبعث: أيما أشد خلقًا هم أم (5) السماوات والأرض، وما بينهما من الملائكة والشياطين والمخلوقات العظيمة؟ -وقرأ ابن مسعود: "أم من عددنا"-فإنهم يُقرّون أن هذه المخلوقات أشد خلقًا منهم، وإذا كان الأمر كذلك فلم ينكرون البعث؟ وهم يشاهدون ما هو أعظم مما أنكروا (6) . كما قال تعالى: { لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ } [غافر:57] ثم بين أنهم خُلقوا من شيء ضعيف، فقال { إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ }

قال مجاهد، وسعيد بن جبير، والضحاك: هو الجيّد الذي يلتزق بعضه ببعض. وقال

__________

(1) في ت: "وروى".

(2) في ت، س: "قال: فكانوا".

(3) في أ: "استمعوا".

(4) تفسير الطبري (23/25).

(5) في س: "أو".

(6) في ت، أ: "أنكروه".

(7/7)

وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)

ابن عباس، وعكرمة: هو اللزج. وقال قتادة: هو الذي يلزق باليد.

وقوله: { بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ } أي: بل عجبت -يا محمد-من تكذيب هؤلاء المنكرين للبعث، وأنت موقن مصدق بما أخبر الله به من الأمر العجيب، وهو إعادة الأجسام بعد فنائها. وهم بخلاف أمرك، من شدة تكذيبهم يسخرون مما تقول لهم من ذلك .

قال قتادة: عجب محمد صلى الله عليه وسلم، وسَخِر ضُلال بني آدم. { وَإِذَا رَأَوْا آيَةً } أي: دلالة واضحة على ذلك { يَسْتَسْخِرُونَ } قال مجاهد وقتادة: يستهزئون .

{ وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ } أي :إن هذا الذي جئت به إلا سحر مبين، { أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ، أَوَآبَاؤُنَا الأوَّلُونَ } يستبعدون ذلك ويكذبون به، { قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ } أي: قل لهم يا محمد: نعم تبعثون يوم القيامة بعد ما تصيرون ترابا وعظاما، { وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ } أي: حقيرون تحت القدرة العظيمة، كما قال تعالى { وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ } [النمل:87]، وقال: { إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } [غافر:60].

ثم قال: { فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ } أي: إِنما هو أمر واحد من الله عز وجل، يدعوهم دعوة واحدة أن يخرجوا من الأرض، فإذا هم [قيام] (1) بين يديه، ينظرون إلى أهوال يوم القيامة.

{ وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24) }

__________

(1) زيادة من ت، س،أ.

============

الصافات - تفسير القرطبي

تفسير سورة الصافات

مكية في قول الجميع

بسم الله الرحمن الرحيم

الآية: 1 {وَالصَّافَّاتِ صَفّاً، فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً، فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً، إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ، رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ }

قوله تعالى: {وَالصَّافَّاتِ صَفّاً، فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً، فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً } هذه قراءة أكثر القراء. وقرأ حمزة بالإدغام فيهن. وهذه القراءة التي نفر منها أحمد بن حنبل لما سمعها. النحاس: وهي بعيدة في العربية من ثلاث جهات: إحداهن: أن التاء ليست من مخرج الصاد، ولا من مخرج الزاي، ولا من مخرج الذال، ولا من أخواتهن، وإنما أختاها الطاء والدال، وأخت الزاي الصاد والسين، وأخت الذال الظاء والثاء. والجهة الثانية: أن التاء في كلمة وما بعدها في كلمة أخرى. والجهة الثالثة: أنك إذا أدغمت جمعت بين ساكنين من كلمتين، وإنما يجوز الجمع بين ساكنين في مثل هذا إذا كانا في كلمة واحدة؛ نحو دابة وشابة. ومجاز قراءة حمزة أن التاء قريبة المخرج من هذه الحروف. {والصافات} قسم؛ الواو بدل من الباء. والمعنى برب الصافات و {الزاجرات} عطف عليه. {إن إلهكم لواحد} جواب القسم. وأجاز الكسائي فتح إن في القسم. والمراد بـ {الصافات} وما بعدها إلى قوله: {فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً} الملائكة في قول ابن عباس وابن مسعود وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة. تصف في السماء كصفوف الخلق في الدنيا للصلاة. وقيل: تصف أجنحتها في الهواء واقفة فيه حتى يأمرها الله بما يريد. وهذا كما تقوم العبيد بين أيدي ملوكهم صفوفا. وقال الحسن: {صَفّاً } لصفوفهم عند ربهم في صلاتهم. وقيل: هي الطير؛ دليله قوله

(15/61)

تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ } [الملك: 19]. والصف ترتيب الجمع على خط كالصف في الصلاة. {وَالصَّافَّاتِ } جمع الجمع؛ يقال: جماعة صافة ثم يجمع صافات. وقيل: الصافات جماعة الناس المؤمنين إذا قاموا صفا في الصلاة أو في الجهاد؛ ذكره القشيري. {فَالزَّاجِرَاتِ } الملائكة في قول ابن عباس وابن مسعود ومسروق وغيرهم على ما ذكرناه إما لأنها تزجر السحاب وتسوقه في قول السدي. وإما لأنها تزجر عن المعاصي بالمواعظ والنصائح. وقال قتادة: هي زواجر القرآن. {فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً } الملائكة تقرأ كتاب الله تعالى؛ قال ابن مسعود وابن عباس والحسن ومجاهد وابن جبير والسدي. وقيل: المراد جبريل وحده فذكر بلفظ الجمع؛ لأنه كبير الملائكة فلا يخلو من جنود وأتباع. وقال قتادة: المراد كل من تلا ذكر الله تعالى وكتبه. وقيل: هي آيات القرآن وصفها بالتلاوة كما قال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ } [النمل: 76]. ويجوز أن يقال لآيات القرآن تاليات؛ لأن بعض الحروف يتبع بعضا؛ ذكره القشيري. وذكر الماوردي: أن المراد بالتاليات الأنبياء يتلون الذكر على أممهم. فإن قيل: ما حكم الفاء إذا جاءت عاطفة في الصفات؟ قيل له: إما أن تدل على ترتب معانيها في الوجود؛ كقوله:

يا لهف زيابة للحارث الصـ ... ـابح فالغانم فالآيب

كأنه قال: الذي صبح فغنم فآب. وإما على ترتبها في التفاوت من بعض الوجوه كقولك: خذ الأفضل فالأكمل، واعمل الأحسن فالأجمل. وإما على ترتب موصوفاتها في ذلك كقوله:رحم الله المحلقين فالمقصرين. فعلى هذه القوانين الثلاثة ينساق أمر الفاء العاطفة في الصفات؛ قاله الزمخشري. {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ } جواب القسم. قال مقاتل: وذلك أن الكفار بمكة قالوا أجعل الآلهة إلها واحدا، وكيف يسع هذا الخلق فرد إله! فأقسم الله بهؤلاء تشريفا.

(15/62)

ونزلت الآية. قال ابن الأنباري: وهو وقف حسن، ثم تبتدئ {رب السماوات والأرض} على معنى هو رب السموات. النحاس: ويجوز أن يكون {رب السموات والأرض} خبرا بعد خبر، ويجوز أن يكون بدلا من {واحد} .

قلت: وعلى هذين الوجهين لا يوقف على {لَوَاحِدٌ} . وحكى الأخفش: {رب السموات - ورب المشارق} بالنصب على النعت لاسم إن. بين سبحانه معنى وحدانيته وألوهيته وكمال قدرته بأنه {رب السموات والأرض} أي خالقهما ومالكهما {وما بينهما ورب المشارق} أي مالك مطالع الشمس. ابن عباس: للشمس كل يوم مشرق ومغرب؛ وذلك أن الله تعالى خلق للشمس ثلاثمائة وخمسة وستين كوة في مطلعها، ومثلها في مغربها على عدد أيام السنة الشمسية، تطلع في كل يوم في كوة منها، وتغيب في كوة، لا تطلع في تلك الكوة إلا في ذلك اليوم من العام المقبل. ولا تطلع إلا وهي كارهة فتقول: رب لا تطلعني على عبادك فإني أراهم يعصونك. ذكره أبو عمر في كتاب التمهيد، وابن الأنباري في كتاب الرد عن عكرمة؛ قال: قلت لابن عباس أرأيت ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في أمية بن أبي الصلت: "آمن شعره وكفر قلبه" قال: هو حق فما أنكرتم من ذلك؟ قلت: أنكرنا قوله:

والشمس تطلع كل آخر ليلة ... حمراء يصبح لونها يتورد

ليست بطالعة لهم في رسلها ... إلا معذبة وإلا تجلد

ما بال الشمس تجلد؟ فقال: والذي نفسي بيده ما طلعت شمس قط حتى ينخسها سبعون ألف ملك، فيقولون لها اطلعي اطلعي، فتقول لا أطلع على قوم يعبدونني من دون الله، فيأتيها ملك فيستقل لضياء بني آدم، فيأتيها شيطان يريد أن يصدها عن الطلوع فتطلع بين قرنيه فيحرقه الله تعالى تحتها، فذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما طلعت إلا بين قرني شيطان ولا غربت إلا بين قرني شيطان وما غربت قط إلا خرت لله ساجدة فيأتيها شيطان يريد أن يصدها عن السجود فتغرب بين قرنيه فيحرقه الله تعالى تحتها" لفظ ابن الأنباري. وذكر

(15/63)

عن عكرمة عن ابن عباس قال: صدّق رسول الله صلى الله عليه وسلم أمية بن أبي الصلت في هذا الشعر:

زحل وثور تحت رجل يمينه ... والنسر للأخرى وليث مرصد

والشمس تطلع كل آخر ليلة ... حمراء يصبح لونها يتورد

ليست بطالعة لهم في رسلها ... إلا معذبة وإلا تجلد

قال عكرمة: فقلت لابن عباس: يا مولاي أتجلد الشمس؟ فقال: إنما اضطره الروي إلى الجلد لكنها تخاف العقاب. ودل بذكر المطالع على المغارب؛ فلهذا لم يذكر المغارب، وهو كقوله: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ } [النحل: 81]. وخص المشارق بالذكر؛ لأن الشروق قبل الغروب. وقال في سورة [الرحمن] {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ } [الرحمن: 17] أراد بالمشرقين أقصى مطلع تطلع منه الشمس في الأيام الطوال، وأقصر يوم في الأيام القصار على ما تقدم في "يس" والله أعلم.

الآية: 6 {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب، وحفظا من كل شيطان مارد، لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب، دحورا ولهم عذاب واصب، إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب}

قوله تعالى: {إنا إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ } قال قتادة: خلقت النجوم ثلاثا؛ رجوما للشياطين، ونورا يهتدى بها، وزينة لسماء الدنيا. وقرأ مسروق والأعمش والنخعي وعاصم وحمزة: {بِزِينَةٍ} مخفوض منون {الْكَوَاكِبِ } خفض على البدل من {زينة} لأنها هي. وقرأ أبو بكر كذلك إلا أنه نصب {الكواكب} بالمصدر الذي هو زينة. والمعنى بأن زينا الكواكب فيها. ويجوز أن يكون منصوبا بإضمار أعنى؛ كأنه قال: وإنا زيناها {بزينة} أعني {الكواكب} . وقيل: هي بدل من زينة على الموضع

(15/64)

ويجوز {بزينة الكواكب} بمعنى أن زينتها الكواكب. أو بمعنى هي الكواكب. الباقون {بزينة الكواكب} على الإضافة. والمعنى زينا السماء الدنيا بتزيين الكواكب؛ أي بحسن الكواكب. ويجوز أن يكون كقراءة من نون إلا أنه حذف التنوين استخفافا. {وحفظا} مصدر أي حفظناها حفظا. {من كل شيطان مارد} لما أخبر أن الملائكة تنزل بالوحي من السماء،بين أنه حرس السماء عن استراق السمع بعد أن زينها بالكواكب. والمارد: العاتي من الجن والإنس، والعرب تسميه شيطانا.

قوله تعالى: {لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى} قال أبو حاتم: أي لئلا يسمعوا ثم حذف "أن" فرفع الفعل. الملأ الأعلى: أهل السماء الدنيا فما فوقها، وسمي الكل منهم أعلى بالإضافة إلى ملأ الأرض. الضمير في {يسمعون} للشياطين. وقرأ جمهور الناس {يسمعون} بسكون السين وتخفيف الميم. وقرأ حمزة وعاصم في رواية حفص {لا يسمعون} بتشديد السين والميم من التسميع. فينتفي على القراءة الأولى سماعهم وإن كانوا يستمعون، وهو المعنى الصحيح، ويعضده قوله تعالى: {إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ } [الشعراء: 212]. وينتفي على القراءة الأخيرة أن يقع منهم استماع أو سماع. قال مجاهد: كانوا يتسمعون ولكن لا يسمعون. وروي عن ابن عباس {لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى } قال: هم لا يسمعون ولا يتسمعون. وأصل {يسمعون} يتسمعون فأدغمت التاء في السين لقربها منها. واختارها أبو عبيد؛ لأن العرب لا تكاد تقول: سمعت إليه وتقول تسمعت إليه. {ويقذفون من كل جانب} أي يرمون من كل جانب؛ أي بالشهب. {دحورا} مصدر لأن معنى {يقذفون} يدحرون. دحرته دحرا ودحورا أي طردته. وقرأ السلمي ويعقوب الحضرمي {دحورا} بفتح الدال يكون مصدرا على فعول. وأما الفراء فإنه قدره على أنه اسم الفاعل. أي ويقذفون بما يدحرهم أي بدحور ثم حذف الباء؛ والكوفيون يستعملون هذا كثيرا كما أنشدوا:

تمرون الديار ولم تعرجوا

(15/65)

واختلف هل كان هذا القذف قبل المبعث، أو بعده لأجل المبعث؛ على قولين. وجاءت الأحاديث بذلك على ما يأتي من ذكرها في سورة [الجن] عن ابن عباس. وقد يمكن الجمع بينهما أن يقال: إن الذين قالوا لم تكن الشياطين ترمى بالنجوم قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ثم رميت؛ أي لم تكن ترمى رميا يقطعها عن السمع، ولكنها كانت ترمى وقتا ولا ترمى وقتا، وترمى من جانب ولا ترمى من جانب. ولعل الإشارة بقوله تعالى: {وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ} إلى هذا المعنى، وهو أنهم كانوا لا يقذفون إلا من بعض الجوانب فصاروا يرمون واصبا. وإنما كانوا من قبل كالمتجسسة من الإنس، يبلغ الواحد منهم حاجته ولا يبلغها غيره، ويَسلَم واحد ولا يَسلَم غيره، بل يقبض عليه ويعاقب وينكل. فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم زيد في حفظ السماء، وأعدت لهم شهب لم تكن من قبل؛ ليدحروا عن جميع جوانب السماء، ولا يقروا في مقعد من المقاعد التي كانت لهم منها؛ فصاروا لا يقدرون على سماع شيء مما يجري فيها، إلا أن يختطف أحد منهم بخفة حركته خطفة، فيتبعه شهاب ثاقب قبل أن ينزل إلى الأرض فيلقيها إلى إخوانه فيحرقه؛ فبطلت من ذلك الكهانة وحصلت الرسالة والنبوة. فإن قيل: إن هذا القذف إن كان لأجل النبوة فلم دام بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟ فالجواب: أنه دام بدوام النبوة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر ببطلان الكهانة فقال: "ليس منا من تكهن" فلو لم تحرس بعد موته لعادت الجن إلى تسمعها؛ وعادت الكهانة. ولا يجوز ذلك بعد أن بطل، ولأن قطع الحراسة عن السماء إذا وقع لأجل النبوة فعادت الكهانة دخلت الشبهة على ضعفاء المسلمين، ولم يؤمن أن يظنوا أن الكهانة إنما عادت لتناهي النبوة، فصح أن الحكمة تقضي دوام الحراسة في حياة النبي عليه السلام، وبعد أن توفاه الله إلى كرامته صلى الله عليه وعلى آله .{وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ } أي دائم، عن مجاهد وقتادة. وقال ابن عباس: شديد. الكلبي والسدي وأبو صالح: موجع؛ أي الذي يصل وجعه إلى القلب؛ مأخوذ من الوصب وهو المرض.

قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ } استثناء من قوله: {وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ } وقيل: الاستثناء يرجع إلى غير

(15/66)

الوحي؛ لقوله تعالى: {إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ } [الشعراء: 212] فيسترق الواحد منهم شيئا مما يتفاوض فيه الملائكة، مما سيكون في العالم قبل أن يعلمه أهل الأرض؛ وهذا لخفة أجسام الشياطين فيرجمون بالشهب حينئذ. وروي في هذا الباب أحادث صحاح، مضمنها: أن الشياطين كانت تصعد إلى السماء، فتقعد للسمع واحدا فوق واحد، فيتقدم الأجسر نحو السماء ثم الذي يليه ثم الذي يليه، فيقضي الله تعالى الأمر من أمر الأرض، فيتحدث به أهل السماء فيسمعه منهم الشيطان الأدنى، فيلقيه إلى الذي تحته فربما أحرقه شهاب، وقد ألقى الكلام، وربما لم يحرقه على ما بيناه. فتنزل تلك الكلمة إلى الكهان، فيكذبون معها مائة كذبة، وتصدق تلك الكلمة فيصدق الجاهلون الجميع كما بيناه في "الأنعام". فلما جاء الله بالإسلام حرست السماء بشدة، فلا يفلت شيطان سمع بَتّةً. والكواكب الراجمة هي التي يراها الناس تنقض. قال النقاش ومكي: وليست بالكواكب الجارية في السماء؛ لأن تلك لا ترى حركتها، وهذه الراجمة ترى حركتها؛ لأنها قريبة منا. وقد مضى في هذا الباب في سورة [الحجر] من البيان ما فيه كفاية. وذكرنا في "سبأ" حديث أبي هريرة. وفيه: "والشياطين بعضهم فوق بعض" وقال فيه الترمذي حديث حسن صحيح. وفيه عن ابن عباس: "ويختطف الشياطين السمع فيرمون فيقذفونه إلى أوليائهم فما جاؤوا به على وجهه فهو حق ولكنهم يحرفونه ويزيدون" . قال هذا حديث حسن صحيح. والخطف: أخذ الشيء بسرعة؛ يقال: خَطَفَ وخَطِف وخَطّف وخِطّف وخِطّف. والأصل في المشددات اختطف فأدغم التاء في الطاء لأنها أختها، وفتحت الخاء؛ لأن حركة التاء ألقيت عليها. ومن كسرها فلالتقاء الساكنين. ومن كسر الطاء أتبع الكسر الكسر.

قوله تعالى: {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ } أي مضيء؛ قاله الضحاك والحسن وغيرهما. وقيل: المراد كواكب النار تتبعهم حتى تسقطهم في البحر. وقال ابن عباس في الشهب: تحرقهم من غير موت. وليست الشهب التي يرجم الناس بها

(15/67)

من الكواكب الثوابت. يدل على ذلك رؤية حركاتها، والثابتة تجري ولا ترى حركاتها لبعدها. وقد مضى هذا. وجمع شهاب شهب، والقياس في القليل أشهبة وإن لم يُسمع من العرب و {ثاقب} معناه مضيء؛ قاله الحسن ومجاهد وأبو مجلز. ومته قوله:

وزندك أثقب أزنادها

أي أضوأ. وحكى الأخفش في الجمع: شُهُبٌ ثُقُبٌ وثواقب وثقاب. وحكى الكسائي: ثقبت النار تثقب ثقابةً وثقوبا إذا اتقدت، وأثقبتها أنا. وقال زيد بن أسلم في الثاقب: إنه المستوقد؛ من قولهم: أثقب زندك أي استوقد نارك؛ قال الأخفش. وأنشد قول الشاعر:

بينما المرء شهاب ثاقب ... ضرب الدهر سناه فخمد

الآية: 11 {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ، بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ، وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ، وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ، أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ، أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ }

قوله تعالى: {فَاسْتَفْتِهِمْ } أي سلهم يعني أهل مكة؛ مأخوذ من استفتاء المفتي. {أهم أشد خلقا أم من خلقنا} قال مجاهد: أي من خلقنا من السموات والأرض والجبال والبحار. وقيل: يدخل فيه الملائكة ومن سلف من الأمم الماضية. يدل على ذلك أنه أخبر عنهم {بمن} قال سعيد بن جبير: الملائكة. وقال غيره: {من} الأمم الماضية وقد هلكوا وهم أشد خلقا منهم. نزلت في أبي الأشد بن كلدة، وسمى بأبى الأشد لشدة بطشه وقوته. وسيأتي في "البلد" ذكره. ونظير هذه: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ } غافر: 57] وقوله: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ } [النازعات: 27]. {إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ } أي لاصق؛ قال ابن عباس. ومنه قول علي رضي الله عنه:

تعلم فإن الله زادك بسطة ... وأخلاق خير كلها لك لازب

(15/68)

وقال قتادة وابن زيد: معنى {لازب} لازق. الماوردي: والفرق بين اللاصق واللازق أن اللاصق: هو الذي قد لصق بعضه ببعض، واللازق: هو الذي يلتزق بما أصابه. وقال عكرمة: {لازب} لزج. سعيد بن جبير: أي جيد حر يلصق باليد. مجاهد: {لازب} لازم. والعرب تقول: طين لازب ولازم، تبدل الباء من الميم. ومثله قولهم: لا تب ولازم. على إبدال الباء بالميم. واللازب الثابت؛ تقول: صار الشيء ضربة لازب، وهو أفصح من لازم. قال النابغة:

ولا تحسبون الخير لا شر بعده ... ولا تحسبون الشر ضربة لازب

وحكى الفراء عن العرب: طين لاتب بمعنى لازم. واللاتب الثابت؛ تقول منه: لتب يلتب لتبا ولتوبا، مثل لزب يزب بالضم لزوبا؛ وأنشد أبو الجراح في اللاتب:

فإن يك هذا من نبيذ شربته ... فإني من شرب النبيذ لتائب

صداع وتوصيم العظام وفترة ... وغم مع الإشراق في الجوف لاتب

واللاتب أيضا: اللاصق مثل اللازب، عن الأصمعي حكاه الجوهري. وقال السدي والكلبي في اللازب: إنه الخالص. مجاهد والضحاك: إنه المنتن.

قوله تعالى: {بَلْ عَجِبْتَ } قراءة أهل المدينة وأبي عمرو وعاصم بفتح التاء خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم؛ أي بل عجبت مما نزل عليك من القرآن وهم يسخرون به. وهي قراءة شريح وأنكر قراءة الضم وقال: إن الله لا يعجب من شيء، وإنما يعجب من لا يعلم. وقيل: المعنى بل عجبت من إنكارهم للبعث. وقرأ الكوفيون إلا عاصما بضم التاء. واختارها أبو عبيد والفراء، وهي مروية عن علي وابن مسعود؛ رواه شعبة عن الأعمش عن أبي وائل عن عبدالله بن مسعود أنه قرأ: {بل عجبت} بضم التاء. ويروى عن ابن عباس. قال الفراء في قوله سبحانه: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ } قرأها الناس بنصب

(15/69)

التاء ورفعها، والرفع أحب إلي؛ لأنها عن علي وعبدالله وابن عباس. وقال أبو زكريا القراء: العجب إن أسند إلى الله عز وجل فليس معناه من الله كمعناه من العباد؛ وكذلك قوله: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ } [البقرة: 15] ليس ذلك من الله كمعناه من العباد. وفي هذا بيان الكسر لقول شريح حيث أنكر القراءة بها. روى جرير والأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال: قرأها عبدالله يعني ابن مسعود {بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ } قال شريح: إن الله لا يعجب من شيء إنما يعجب من لا يعلم. قال الأعمش فذكرته لإبراهيم فقال: إن شريحا كان يعجبه رأيه، إن عبدالله كان أعلم من شريح وكان يقرؤها عبدالله {بل عجبتُ} . قال الهروي: وقال بعض الأئمة: معنى قوله: {بَلْ عَجِبْتُ } بل جازيتهم على عجبهم؛ لأن الله تعالى أخبر عنهم في غير موضع بالتعجب من الحق؛ فقال: {وعجبوا أن جاءهم منذر منهم} [ص: 4] وقال: {إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } ، {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ } [يونس:2] فقال تعالى: {بَلْ عَجِبْتُ } بل جازيتهم على التعجب.

قلت: وهذا تمام معنى قول الفراء واختاره البيهقي. وقال علي بن سليمان: معنى القراءتين واحد، التقدير: قيل يا محمد بل عجبت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مخاطب بالقرآن. النحاس: وهذا قول حسن وإضمار القول كثير. البيهقي: والأول أصح. المهدوي: ويجوز أن يكون إخبار الله عن نفسه بالعجب محمولا على أنه أظهر من أمره وسخطه على من كفر به ما يقوم مقام العجب من المخلوقين؛ كما يحمل إخباره تعالى عن نفسه بالضحك لمن يرضى عنه - على ما جاء في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم - على أنه أظهر له من رضاه عنه ما يقوم له مقام الضحك من المخلوقين مجازا واتساعا. قال الهروي: ويقال معنى: "عجب ربكم" أي رضي وأثاب؛ فسماه عجبا وليس بعجب في الحقيقة؛ كما فال تعالى: {وَيَمْكُرُ اللَّهُ } [الأنفال: 30] معناه ويجازيهم الله على مكرهم، ومثله في الحديث: "عجب ربكم من إلّكُم وقنوطكم" . وقد يكون العجب بمعنى وقوع ذلك العمل عند الله عظيما. فيكون معنى قوله: {بل عجبت} أي بل عظم فعلهم عندي. قال البيهقي: ويشبه أن يكون هذا معنى حديث عقبة بن عامر قال:

(15/70)

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "عجب ربك من شاب ليست له صبوة" وكذلك ما خرجه البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل" قال البيهقي: وقد يكون هذا الحديث وما ورد من أمثاله أنه يعجب ملائكته من كرمه ورأفته بعباده، حين حملهم على الإيمان به بالقتال والأسر في السلاسل، حتى إذا آمنوا أدخلهم الجنة. وقيل: معنى {بَلْ عَجِبْتُ } بل أنكرت. حكاه النقاش. وقال الحسين بن الفضل: التعجب من الله إنكار الشيء وتعظيمه، وهو لغة العرب. وقد جاء في الخبر: "عجب ربكم من إلّكُم وقنوطكم".

قوله تعالى: {وَيَسْخَرُونَ } قيل: الواو واو الحال؛ أي عجبت منهم في حال سخريتهم. وقيل: تم الكلام عند فوله: {بَلْ عَجِبْتُ } ثم استأنف فقال: {وَيَسْخَرُونَ } أي مما جئت به إذا تلوته عليهم. وقيل: يسخرون منك إذا دعوتهم. {وَإِذَا ذُكِّرُوا } أي وعظوا بالقرآن في قول قتادة: {لا يَذْكُرُونَ } لا ينتفعون به. وقال سعيد بن جبير: أي إذا ذكر لهم ما حل بالمكذبين من قبلهم أعرضوا عنه ولم يتدبروا .{وَإِذَا رَأَوْا آيَةً } أي معجزة {يَسْتَسْخِرُونَ } أي يسخرون في قوله قتادة. ويقولون إنها سحر. واستسخر وسخر بمعنىً مثل استقر وقر، واستعجب، وعجب. وقيل: {يَسْتَسْخِرُونَ } أي يستدعون السخري من غيرهم. وقال مجاهد: يستهزئون. وقيل: أي يظنون أن تلك الآية سخرية. {وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ } أي إذا عجزوا عن مقابلة المعجزات بشيء قالوا هذا سحر وتخييل وخداع. {أئذا متنا} أي انبعث إذا متنا؟. فهو استفهام إنكار منهم وسخرية. {أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ } أي أو تبعث آباؤنا دخلت ألف الاستفهام على حرف العطف. قرأ نافع: {أو آباؤنا} بسكون الواو. وقد مضى هذا في سورة "الأعراف". في قوله تعالى: {أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى } [الأعراف: 98].

(15/71)

الآية: 18 {قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ، فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ، وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ، هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ }

قوله تعالى: {قُلْ نَعَمْ } أي نعم تبعثون. {وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ } أي صاغرون أذلاء؛ لأنهم إذا رأوا وقوع ما أنكروه فلا محالة يذلون. وقيل: أي ستقوم القيامة وإن كرهتم، فهذا أمر واقع على رغمكم وإن أنكرتموه اليوم بزعمكم. {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ } أي صيحة واحدة، قاله الحسن وهي النفخة الثانية. وسميت الصيحة زجرة؛ لأن مقصودها الزجر أي يزجر بها كزجر الإبل والخيل عند السوق. {فإذا هم} قيام

قوله تعالى: {ينظرون} أي ينظر بعضهم إلى بعض. وقيل: المعنى ينتظرون ما يفعل بهم. وقيل: هي مثل قوله: {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا } [الأنبياء: 97]. وقيل: أي ينظرون إلى البعث الذي أنكروه.

قوله تعالى: {وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ } نادوا على أنفسهم بالويل؛ لأنهم يومئذ يعلمون ما حل بهم. وهو منصوب على أنه مصدر عند البصريين. وزعم الفراء أن تقديره: ياوي لنا، ووي بمعنى حزن. النحاس: ولو كان كما قال لكان منفصلا وهو في المصحف متصل، ولا نعلم أحدا يكتبه إلا متصلا. و {يوم الدين} يوم الحساب. وقيل: يوم الجزاء. {هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون} قيل: هو من قول بعضهم لبعض؛ أي هذا اليوم الذي كذبنا به. وقيل: هو قول الله تعالى لهم. وقيل: من قول الملائكة؛ أي هذا يوم الحكم بين الناس فيبين المحق من المبطل. فـ { فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ } [الشورى: 7].

=================

الصافات - تفسير الطبري

وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3)

تفسير سورة الصافات بسم الله الرحمن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : { وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3) }

قال أبو جعفر: أقسم الله تعالى ذكره بالصافات، والزاجرات، والتاليات ذكرا; فأما الصافات: فإنها الملائكة الصافات لربها في السماء وهي جمع صافَّة، فالصافات: جَمْعُ جَمْعٍ، وبذلك جاء تأويل أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني سلْم بن جنادة، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلم، قال: كان مسروق يقول في الصَّافَّات: هي الملائكة.

حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، قال: أخبرنا النضر بن شميل، قال: أخبرنا شُعْبة، عن سليمان، قال: سمعت أبا الضحى، عن مسروق، عن عبد الله، بمثله.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة(وَالصَّافَّاتِ صَفًّا) قال: قسم أقسم الله بخلق، ثم خلق، ثم خلق، والصافات: الملائكة صُفوفا في السماء.

حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله(وَالصَّافَّاتِ) قال: هم الملائكة.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله

(21/557)

(وَالصَّافَّاتِ صَفًّا) قال: هذا قسم أقسم الله به.

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله(فالزاجرات زجرا) فقال بعضهم: هي الملائكة تزجُر السحاب تسوقه.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله(فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا) قال: الملائكة.

حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله:(فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا) قال: هم الملائكة.

وقال آخرون: بل ذلك آي القرآن التي زجر الله بها عما زَجر بها عنه في القرآن.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله(فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا) قال: ما زَجَر الله عنه في القرآن.

والذي هو أولى بتأويل الآية عندنا ما قال مجاهد، ومن قال هم الملائكة، لأن الله تعالى ذكره، ابتدأ القسم بنوع من الملائكة، وهم الصافون بإجماع من أهل التأويل، فلأن يكون الذي بعده قسما بسائر أصنافهم أشبه.

وقوله(فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا) يقول: فالقارئات كتابا.

واختلف أهل التأويل في المعني بذلك، فقال بعضهم: هم الملائكة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد(فالتاليات ذكرا) قال: الملائكة.

(21/8)

إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5) إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10)

حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي(فالتاليات ذكرا) قال: هم الملائكة.

وقال آخرون: هو ما يُتلى في القرآن من أخبار الأمم قبلنا.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة(فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا) قال: ما يُتلى عليكم في القرآن من أخبار الناس والأمم قبلكم.

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5) إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإ الأعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10) }

يعني تعالى ذكره بقوله:(إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ ) والصافات صفا إن معبودكم الذي يستوجب عليكم أيها الناس العبادة، وإخلاص الطاعة منكم له لواحد لا ثاني له ولا شريك. يقول: فأخلصوا العبادة وإياه فأفردوا بالطاعة، ولا تجعلوا له في عبادتكم إياه شريكا.

وقوله( رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا) يقول: هو واحد خالق السموات السبع وما بينهما من الخلق، ومالك ذلك كله، والقيِّم على جميع ذلك، يقول: فالعبادة لا تصلح إلا لمن هذه صفته، فلا تعبدوا غيره، ولا تشركوا معه في عبادتكم إياه من لا يضر ولا ينفع، ولا يخلق شيئا ولا يُفْنيه.

واختلف أهل العربية في وجه رفع رب السموات، فقال بعض نحويي البصرة، رُفع على معنى: إن إلهكم لرب. وقال غيره: هو رَد على " إن إلهكم

(21/9)

لواحد "; ثم فَسَّر الواحد، فقال: رب السموات، وهو رد على واحد. وهذا القول عندي أشبه بالصواب في ذلك، لأن الخبر هو قوله(لَوَاحِدٌ) ، وقوله(رَبُّ السَّمَوَاتِ) ترجمة عنه، وبيان مردود على إعرابه.

وقوله(وَرَبُّ الْمَشَارِقِ) يقول: ومدبر مشارق الشمس في الشتاء والصيف ومغاربها، والقيِّم على ذلك ومصلحه، وترك ذكر المغارب لدلالة الكلام عليه، واستغني بذكر المشارق من ذكرها، إذ كان معلوما أن معها المغارب.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة(إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ ) وقع القسم على هذا إن إلهكم لواحد( رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ ) قال: مشارق الشمس في الشتاء والصيف.

حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قوله(رَبُّ الْمَشَارِقِ) قال: المشارق ستون وثلاث مئة مَشْرِق، والمغارب مثلها، عدد أيام السنة

وقوله( إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ) اختلفت القراء في قراءة قوله(بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ) فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة وبعض قراء الكوفة بزينة الكواكب بإضافة الزينة إلى الكواكب، وخفض الكواكب(إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا) التي تليكم أيها الناس وهي الدنيا إليكم بتزيينها الكواكب: أي بأن زينتها الكواكب. وقرأ ذلك جماعة من قراء الكوفة(بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ) بتنوين زينة، وخفض الكواكب ردا لها على الزينة، بمعنى: إنا زينا السماء الدنيا بزينة هي الكواكب، كأنه قال: زيناها بالكواكب. ورُوِي عن بعض قراء الكوفة أنه كان ينون الزِّينة وينصب الكواكبَ، بمعنى: إنا زينا السماء الدنيا بتزييننا الكواكبَ. ولو كانت القراءة في الكواكب جاءت رفعا إذ نونت الزينة، لم

(21/10)

يكن لحنا، وكان صوابا في العربية، وكان معناه: إنا زينا السماء الدنيا بتزيينها الكواكب: أي بأن زينتها الكواكب وذلك أن الزينة مصدر، فجائز توجيهها إلى أيِّ هذه الوجوه التي وُصِفت في العربية.

وأما القراءة فأعجبها إلي بإضافة الزينة إلى الكواكب وخفض الكواكب لصحة معنى ذلك في التأول والعربية، وأنها قراءة أكثر قراء الأمصار وإن كان التنوين في الزينة وخفض الكواكب عندي صحيحا أيضا. فأما النصب في الكواكب والرفع، فلا أستجيز القراءة بهما، لإجماع الحجة من القراء على خلافهما، وإن كان لهما في الإعراب والمعنى وجه صحيح.

وقد اختلف أهل العربية في تأويل ذلك إذا أضيفت الزينة إلى الكواكب، فكان بعض نحويي البصرة يقول: إذا قرئ ذلك كذلك فليس يعني بعضَها، ولكن زينتها حسنها، وكان غيره يقول: معنى ذلك: إذا قرئ كذلك: إنا زينا السماء الدنيا بأن زينتها الكواكب.

وقد بيَّنا الصواب في ذلك عندنا.

وقوله(وَحِفْظا) يقول تعالى ذكره:(وحفظا) للسماء الدنيا زيناها بزينة الكواكب.

وقد اختلف أهل العربية في وجه نصب قوله(وحِفْظا) فقال بعض نحويي البصرة: قال وحفظا، لأنه بدل من اللفظ بالفعل، كأنه قال: وحفظناها حفظا. وقال بعض نحويي الكوفة: إنما هو من صلة التزيين أنا زينا السماء الدنيا حفظا لها، فأدخل الواو على التكرير: أي وزيناها حفظا لها، فجعله من التزيين، وقد بيّنا القول فيه عندنا. وتأويل الكلام: وحفظا لها من كل شيطان عات خبيث زيناها.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله(وَحِفْظا) يقول: جعلتها حفظا من كل، شيطان مارد.

وقوله(لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإ الأعْلَى ) اختلفت القراء في قراءة قوله

(21/11)

( لا يَسَّمَّعُونَ ) فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة، وبعض الكوفيين:( لا يَسْمَعُونَ ) بتخفيف السين من يسمعون، بمعنى أنهم يتسمَّعون ولا يسمعون. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين بعد لا يسمعون بمعنى: لا يتسمعون، ثم أدغموا التاء في السين فشددوها.

وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأه بالتخفيف، لأن الأخبار الواردة عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وعن أصحابه، أن الشياطين قد تتسمع الوحي، ولكنها ترمى بالشهب لئلا تسمع.

* ذكر رواية بعض ذلك:

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس، قال: كانت للشياطين مقاعد في السماء، قال: فكانوا يسمعون الوحي، قال: وكانت النجوم لا تجري، وكانت الشياطين لا ترمى، قال: فإذا سمعوا الوحي نزلوا إلى الأرض، فزادوا في الكلمة تسعا; قال: فلما بُعِثَ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم جعل الشيطانُ إذا قعد مقعده جاء شهاب، فلم يُخْطِهِ حتى يحرقه، قال: فشكوا ذلك إلى إبليس، فقال: ما هو إلا لأمر حدث ; قال: فبعث جنوده، فإذا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قائم يصلي بين جبلي نخلة; قال أبو كُرَيب: قال وكيع: يعني بطن نخلة، قال: فرجعوا إلى إبليس فأخبروه، قال: فقال هذا الذي حدث.

حدثنا ابن وكيع وأحمد بن يحيى الصوفي قالا ثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس، قال: كانت الجن يصعدون إلى السماء الدنيا يستمعون الوحي، فإذا سمعوا الكلمة زادوا فيها تسعا، فأما الكلمة فتكون حقا، وأما ما زادوا فيكون باطلا فلما بُعث النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم مُنِعوا مقاعدَهم، فذكروا ذلك لإبليس، ولم تكن النجوم يُرْمى بها قبل ذلك، فقال لهم إبليس: ما هذا إلا لأمر حدث في الأرض، فبعث جنوده، فوجدوا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قائما يصلي، فأتوه فأخبروه، فقال:

(21/12)

هذا الحدث الذي حدث.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الله بن رجاء، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس، قال: كانت الجن لهم مقاعد، ثم ذكر نحوه.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا يونس بن بكير، قال: ثنا محمد بن إسحاق، قال: ثني الزهري، عن عليّ بن الحسين، عن أبي إسحاق، عن ابن عباس، قال: حدثني رهط من الأنصار، قالوا:"بينا نحن جلوس ذات ليلة مع رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، إذ رأى كوكبا رُمي به، فقال:"ما تقولون في هذا الكوكب الذي يرمي به؟" فقلنا: يولد مولود، أو يهلك هالك، ويموت ملك ويملك ملك، فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم :"لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ اللهَ كان إذا قَضَى أمْرًا فِي السَّمَاءِ سَبَّحَ لِذَلِكَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، فَيُسَبِّحُ لِتَسْبِيحِهِمْ مَنْ يَلِيهِمْ مِنْ تَحْتِهِمْ مِنَ الْمَلائِكَةِ، فَمَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَنْتَهِيَ التَّسْبِيحُ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ أهْلُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا لِمَنْ يَلِيهِمْ مِنَ الْمَلائِكَةِ مِمَّ سَبَّحْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا نَدْرِي: سَمِعْنَا مَنْ فَوْقَنَا مِنَ الْمَلائِكَةِ سَبَّحُوا فَسَبَّحْنَا اللهَ لِتَسْبِيحِهِمْ وَلَكِنَّا سَنَسْأَلُ، فَيَسْأَلُونَ مَنْ فَوْقَهُمْ، فَمَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ حتى يَنْتَهِيَ إلَى حَمَلَةِ الْعَرْشِ، فَيَقُولُوَن: قَضَى اللهُ كَذَا وَكَذَا، فَيُخْبِرُونَ بِهِ مَنْ يَلِيهِمْ حتى يَنْتَهُوا إلى السَّمَاءِ الدُّنْيا، فَتَسْتَرِقُ الجِنُّ مَا يَقُولُونَ، فَيَنزلُونَ إلى أوْلِيائِهِمْ مِنَ الإنْسِ فَيُلْقُونَهُ على ألْسِنَتِهِمْ بِتَوَهُّمٍ مِنْهُمْ، فَيُخْبِرُونَهُمْ بِهِ، فَيَكُونُ بَعْضُهُ حَقًّا وبَعْضُهُ كَذِبًا، فَلَمْ تَزَلِ الجِنّ كذلكَ حتى رُمُوا بِهذهِ الشُّهُبِ"

وحدثنا ابن وكيع وابن المثنى، قالا ثنا عبد الأعلى، عن معمر، عن الزهري، عن عليّ بن حسين، عن ابن عباس، قال بينما النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في نفر من الأنصار، إذ رمي بنجم فاستنار، فقال النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم :ما كُنتم تقولون لِمثلِ هذا في الجاهليةِ إذا رأيتموهُ؟ قالوا: كنا نقول: يموت عظيم أو يولد عظيم، قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم :فإنهُ لا يرمى

(21/13)

به لموتِ أحد ولا لحياتهِ، ولكنَّ ربنا تباركَ اسمهُ إذا قضَى أمرًا سبحَ حملةُ العرشِ، ثمَّ سبحَ أهلُ السماءِ الذينَ يلونهمْ، ثمَّ الذينَ يلونهمْ حتى يبلغَ التسبيحُ أهلَ هذه السماءِ ثمَّ يسألُ أهلُ السماءِ السابعة حملة العرش: ماذا قال ربنا؟ فيخبرونهم، ثم يستخبر أهلُ كل سماء، حتى يبلع الخبر أهل السماءِ الدنيا، وتخطُف الشياطين السمع، فيرمونَ، فيقذفونهُ إلى أوليائهمْ، فما جاءُوا به على وجههِ فهوَ حق، ولكنهمْ يزيدونَ".

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: أخبرنا معمر، قال: ثنا ابن شهاب، عن عليّ بن حسين، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم جالسا في نفر من أصحابه، قال: فرمي بنجم، ثم ذكر نحوه، إلا أنه زاد فيه: قلت للزهري: أكان يُرْمى بها في الجاهلية؟ قال: نعم، ولكنها غلظت حين بُعث النبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.

حدثني عليّ بن داود، قال: ثنا عاصم بن عليّ، قال: ثنا أبي عليّ بن عاصم، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس، قال:" كان للجن مقاعد في السماء يسمعون الوحي، وكان الوحي إذا أُوحِي سمعت الملائكة كهيئة الحديدة يُرْمى بها على الصَّفْوان، فإذا سمعت الملائكة صلصلة الوحي خر لجباههم مَنْ في السماء من الملائكة، فإذا نزل عليهم أصحاب الوحي( قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) قال: فيتنادون، قال: ربكم الحق وهو العلي الكبير; قال: فإذا أنزل إلى السماء الدنيا، قالوا: يكون في الأرض كذا وكذا موتا، وكذا وكذا حياة. وكذا وكذا جدوبة، وكذا وكذا خِصْبا، وما يريد أن يصنع، وما يريد أن يبتدئ تبارك وتعالى، فنزلت الجن. فأوحوا إلى أوليائهم من الإنس، مما يكون في الأرض ،فبيناهم كذلك، إذ بعث الله النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، فزجرت الشياطين عن السماء ورَمَوْهم بكواكب، فجعل لا يصعد أحد منهم إلا احترق، وفزع أهل الأرض لِمَا رأوا في الكواكب، ولم يكن قبل ذلك، وقالوا: هلك مَنْ في السماء، وكان أهل

(21/14)

الطائف أول من فزع، فينطلق الرجل إلى إبله، فينحر كل يوم بعيرا لآلهتهم، وينطلق صاحب الغنم، فيذبح كل يوم شاة، وينطلق صاحب البقر. فيذبح كل يوم بقرة، فقال لهم رجل: ويلكم لا تهلكوا أموالكم، فإن معالمكم من الكواكب التي تهتدون بها لم يسقط منها شيء، فأقلعوا وقد أسرعوا في أموالهم. وقال إبليس: حدث في الأرض حدث، فأتي من كل أرض بتربة، فجعل لا يؤتى بتربة أرض إلا شمها، فلما أتي بتربة تهامة قال: ها هنا حدث الحدث، وصرف الله إليه نفرا من الجن وهو يقرأ القرآن، فقالوا:( إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ) حتى ختم الآية...، فولَّوا إلى قومهم منذرين.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن لهيعة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن عروة، عن عائشة أنها قالت: سمعت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول:"إنَّ الملائكةَ تنزلُ في العنانِ- وهوَ السحابُ- فتذكرُ ما قضيَ في السماءِ، فتسترقُ الشياطينُ السمعَ، فتسمعهُ فتوحيهِ إلى الكهانِ، فيكذبونَ معها مئةَ كذبةٍ من عند أنفسهمْ .

فهذه الأخبار تُنبئ عن أن الشياطين تسمع، ولكنها تُرْمى بالشهب لئلا تسمع.

فإن ظن ظان أنه لما كان في الكلام"إلى"، كان التسمع أولى بالكلام من السمع، فإن الأمر في ذلك بخلاف ما ظن، وذلك أن العرب تقول: سمعت فلانا يقول كذا، وسمعت إلى فلان يقول كذا، وسمعت من فلان.

وتأويل الكلام: إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب. وحفظا من كل شيطان مارد أن لا يسمع إلى الملإ الأعلى، فحذفت"إن" اكتفاء بدلالة الكلام عليها، كما قيل:(كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به) بمعنى: أن لا يؤمنوا به; ولو كان مكان"لا" أن، لكان فصيحا، كما قيل:( يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ) بمعنى: أن لا تضلوا، وكما قال:( وَأَلْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ ) بمعنى: أن لا تميد بكم. والعرب قد تجزم مع"لا" في مثل هذا الموضع من الكلام، فتقول: ربطت الفرس لا يَنْفَلِتْ، كما قال بعض بني

(21/15)

عقيل:

وحتى رأينا أحسن الود بيننا مُساكنةً لا يقرِف الشرَّ قارفُ (1)

ويُروى: لا يقرف رفعا، والرفع لغة أهل الحجاز فيما قيل: وقال قتادة في ذلك ما:

حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة( لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإ الأعْلَى ) قال: منعوها. ويعني بقوله(إلَى المَلإ) : إلى جماعة الملائكة التي هم أعلى ممن هم دونهم.

وقوله( وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ دُحُورًا ويرمون من كل جانب من جوانب السماء دُحُورا

والدحور: مصدر من قولك: دَحَرْته أدْحَرُه دَحْرا ودُحورا، والدَّحْر: الدفع والإبعاد، يقال منه: ادْحَرْ عنك الشيطان: أي ادفعه عنك وأبعده.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة( وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ دُحُورًا ) قذفا بالشهب.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن

__________

(1) البيت من شواهد الفرّاء في معاني القرآن (مصورة الجامعة ص 271 ) قال في تفسير قوله تعالى:" لا يسمعون" قرأها عبد الله بالتشديد، على معنى"لا يتسمعون" وكذلك قرأها ابن عباس، وقال: يسمعون ولا يتسمعون قال الفرّاء: ومعنى"لا" كقوله" كذلك سلكناه في قلوب المجرمين . لا يؤمنون به"، لو كان في موضع"لا""أن" صلح ذلك، كما قال:" يبين الله لكم أن تضلوا" . وكما قال:"وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم" . ويصلح في"لا" على هذا المعنى الجزم. العرب تقول: ربطت الفرس لا ينفلت، وأوثقت عبدي لا يفرر. وأنشد بعض بني عقيل:" وحتى رأينا ... البيت" وبعضهم يقول: لا يقرف الشر (برفع الفعل) قال: والرفع لغة أهل الحجاز، وبذلك جاء القرآن. اهـ.

(21/16)

مجاهد، قوله( وَيَقْذِفُونَ ) يرمون( مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ) قال: من كل مكان. وقوله(دُحُورًا) قال: مطرودين.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله( وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ دُحُورًا ) قال: الشياطين يدحرون بها عن الاستماع، وقرأ وقال:( إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب ثاقب ) .

وقوله( وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ ) يقول تعالى ذكره: ولهذه الشياطين المسترِقة السمع عذاب من الله واصب.

واختلف أهل التأويل في معنى الواصب، فقال بعضهم: معناه: الموجع.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن أبي زائدة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح(ولهم عذاب واصب) قال: موجع.

وحدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط ، عن السديّ، في قوله( عَذَابٌ وَاصِبٌ ) قال: الموجع.

وقال آخرون: بل معناه: الدائم.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد عن قتادة( وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ ) : أي دائم.

حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله( عَذَابٌ وَاصِبٌ ) قال: دائم.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس( وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ ) يقول: لهم عذاب دائم.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن أبي زائدة، عمن ذكره، عن عكرمة

(21/17)

( وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ ) قال: دائم.

حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله( وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ ) قال: الواصب: الدائب.

وأولى التأويلين في ذلك بالصواب تأويل من قال: معناه: دائم خالص، وذلك أن الله قال( وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا ) فمعلوم أنه لم يصفه بالإيلام والإيجاع، وإنما وصفه بالثبات والخلوص; ومنه قول أبي الأسود الدؤلي:

لا أشتري الحمد القليل بقاؤه... يؤما بذم الدهر أجمع واصبا (1)

أي دائما.

وقوله(إلا من خطف الخطفة) يقول: إلا من استرق السمع منهم(فأتبعه شهاب ثاقب) يعني: مضيء متوقد.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله( فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ) من نار وثقوبه: ضوءه.

حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قوله( شِهَابٌ ثَاقِبٌ ) قال: شهاب مضيء يحرقه حين يُرْمى به.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله( فَأتْبَعَهُ شِهَابٌ ) قال: كان ابن عباس يقول: لا يقتلون بالشهاب، ولا يموتون، ولكنها تحرقهم من غير قتل، وتُخَبِّل

__________

(1) البيت من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن ( مصورة الجامعة الورقة ص 208 - 1 ) قال في تفسير قوله تعالى"عذاب واصب": دائم قال أبو الأسود الدؤلي:"لا أشتري الحمد ..." البيت. اهـ. وفي معاني القرآن للفراء ( مصورة الجامعة 271 ): وقوله"عذاب واصب""وله الدين واصبا": دائم خالص. اهـ.

(21/18)

فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ (11) بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12)

وتُخْدِج من غير قتل.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله( فَأتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ) قال: والثاقب: المستوقد، قال: والرجل يقول: أَثقِب نارك، ويقول استثقِب نارك استوقد نارك.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد الله، قال: سُئل الضحاك هل للشياطين أجنحة؟ فقال: كيف يطيرون إلى السماء إلا ولهم أجنحة.

القول في تأويل قوله تعالى : { فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ (11) بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12) }

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : فاستفت يا محمد هؤلاء المشركين الذي يُنكرون البعث بعد الممات والنشور بعد البلاء: يقول: فسَلْهم: أهم أشد خلقا؟ يقول: أخلقُهم أشد أم خلق من عددنا خلقه من الملائكة والشياطين والسموات والأرض؟

وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله بن مسعود:"أهُمْ أشَدُّ خَلْقا أمْ مَنْ عَدَدْنَا"؟.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد( أهُمْ أشَدُّ خَلْقا أمْ مَنْ خَلَقْنَا )؟ قال: السموات والأرض والجبال.

(21/19)

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح ،قال: ثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك أنه قرأ "أهُمْ أَشَدُّ خَلْقا أمْ مَنْ عَدَدْنَا"؟ وفي قراءة عبد الله بن مسعود"عَدَدْنَا" يقول:( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ المَشَارِقِ ) يقول: أهم أشد خلقا، أم السموات والأرض؟ يقول: السموات والأرض أشد خلقا منهم.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة(فَاسْتَفْتِهِمْ أهُمْ أَشَدُّ خَلْقا أمْ مَنْ عَدَدْنَا" من خلق السموات والأرض، قال اللهُ:( لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ) ... الآية.

حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي( فَاسْتَفْتِهِمْ أهُمْ أشَدُّ خَلْقَا ) قال: يعني المشركين، سلهم أهم أشد خلقا( أمْ مَنْ خَلَقْنَا )

وقوله( إنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ ) يقول: إنا خلقناهم من طين لاصق. وإنما وصفه جل ثناؤه باللُّزوب، لأنه تراب مخلوط بماء، وكذلك خَلْق ابن آدم من تراب وماء ونار وهواء; والتراب إذا خُلط بماء صار طينا لازبا، والعرب تُبدل أحيانًا هذه الباء ميما، فتقول: طين لازم; ومنه قول النجاشي الحارثي:

بنى اللؤم بيتا فاستقرت عماده... عليكم بني النجار ضربة لازم (1)

ومن اللازب قول نابغة بني ذُبيان:

ولا يحسبون الخير لا شرَّ بعدهُ... ولا يحسبون الشر ضربة لازب (2)

__________

(1) البيت من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن ( مصورة الجامعة الورقة ص 208 - 1 ) قال في قوله تعالى"من طين لازب" مجازه مجاز لازم . قال النجاشي:" بنى اللؤم ... البيت" .اهـ.

(2) وهذا البيت من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن ( مصورة الجامعة ص 208 - 1 ) . وهو كالشاهد الذي قبله على أن معنى اللازب اللازم . قال نابغة بني ذبيان:"لا يحسبون الخير .... البيت": اهـ.

(21/20)

وربما أبدلوا الزاي التي في اللازب تاء، فيقولون: طين لاتب، وذُكر أن ذلك في قَيس ، زعم الفرّاء أن أبا الجراح أنشده:

صداعٌ وتوصيمُ العظامِ وفترة... وغثي مع الإشراق في الجوف لاتب (1)

بمعنى: لازم، والفعل من لازب: لَزِبَ يَلْزُب، لزْبا ولُزوبا (2) وكذلك من لاتب: لَتَبَ يَلْتُب لُتُوبا.

وبنحو الذي قلنا في معنى(لازِبٍ) قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عبيد الله بن يوسف الجُبَيري، قال: ثنا محمد بن كثير، قال: ثنا مسلم، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله( مِنْ طِينٍ لازِبٍ ) قال: هو الطين الحر الجيد اللزج.

حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن، قالا ثنا سفيان، عن الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد، عن ابن عباس، قال: اللازب: الجيد.

__________

(1) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن ( مصورة الجامعة ص 271 ) قال اللازب اللاصق . قال: وقيس تقول:"طين لاتب" أنشدني بعضهم: صداع وتوصيم ............... ... .............................. البيت

. قال والعرب تقول: ليس هذا بضربة لازب، ولازم؛ يبدلون الباء ميما، لتقارب المخرج.اه. (وفي اللسان:"لتب" اللاتب: الثابت؛ تقول منه لتب يلتب) . (بوزن يقتل) لتبا ولتوبا، وأنشد أبو الجراح: فإن يك هذا من نبيذ شربته ... فإني من شرب النبيذ لتائب

صداع وتوصيم ............... ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وفي اللسان عن الفرّاء في قوله تعالى" من طين لازب": قال: اللازب واللاتب واحد. قال: وقيس تقول: طين لاتب. واللاتب: اللازق، مثل اللازب. وهذا الشيء ضربة لاتب كضربة لازم .اهـ.

(2) في الأصل: ويلزب وهو تحريف عما أثبتناه؛ لتصريحهم بأن الفعل من باب نفد، وأن المصدر لزبا ولزوبا . ( انظر اللسان والمصباح: لزب ) وضبط في التاج ككرم.

(21/21)

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، قال: ثنا بشر بن عمارة، عن أبي رَوْق، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: اللازب: اللَّزج الطيب.

حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله( مِنْ طِينٍ لازِبٍ ) يقول: ملتصق.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله( إنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ ) قال: من التراب والماء فيصير طينا يَلْزَق.

حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، في قوله( إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ ) قال: اللازب: اللَّزِج.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك( إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ ) واللازب: الطين الجيد.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال الله( إنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ ) واللازب: الذي يَلْزَق باليد.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله( مِنْ طِينٍ لازِبٍ ) قال: لازم.

حدثنا عمرو بن عبد الحميد الآمُلي، قال: ثنا مروان بن معاوية، قال: ثنا جُوَيبر، عن الضحاك، في قوله( مِنْ طِينٍ لازِبٍ ) قال: هو اللازق.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله( إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ ) قال: اللازب: الذي يلتصق كأنه غِراء، ذلك اللازب.

قوله( بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ ) اختلفت القرّاء فى قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الكوفة:( بلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ) بضم التاء من عجبت، بمعنى: بل عظم

(21/22)

وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (13) وَإِذَا رَأَوْا آَيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14)

عندي وكبر اتخاذهم لي شريكا، وتكذيبهم تنزيلي وهم يسخرون. وقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة وبعض قراء الكوفة(بَلْ عَجِبْتَ) بفتح التاء بمعنى: بل عجبت أنت يا محمد ويسخرون من هذا القرآن.

والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان في قراء الأمصار، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.

فإن قال قائل: وكيف يكون مصيبا القارئ بهما مع اختلاف معنييهما؟ قيل: إنهما وإن اختلف معنياهما فكل واحد من معنييه صحيح، قد عجب محمد مما أعطاه الله من الفضل، وسخر منه أهل الشرك بالله، وقد عجب ربنا من عظيم ما قاله المشركون في الله، وسَخِر المشركون بما قالوه.

فإن قال: أكان التنزيل بإحداهما أو بكلتيهما؟ قيل: التنزيل بكلتيهما. فإن قال: وكيف يكون تنزيل حرف مرتين ؟ قيل: إنه لم ينزل مرتين، إنما أنزل مرة، ولكنه أمر صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن يقرأ بالقراءتين كلتيهما، ولهذا مَوضع سنستقصي إن شاء الله فيه البيان عنه بما فيه الكفاية.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة( بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ ) قال: عجب محمد عليه الصلاة والسلام من هذا القرآن حين أُعطيه، وسخر منه أهل الضلالة.

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذَا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ (13) وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14) }

يقول تعالى ذكره: وإذا ذُكِّر هؤلاء المشركون حُجَجَ الله عليهم ليعتبروا ويتفكروا، فينيبوا إلى طاعة الله( لا يَذْكرُون ) : يقول: لا ينتفعون بالتذكير فيتذكروا.

(21/23)

وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (15) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (18) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (19)

بنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة( وَإِذَا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ ) : أي لا ينتفعون ولا يُبْصرون.

وقوله( وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ ) يقول: وإذا رأوا حُجَّة من حجج الله عليهم، ودلالة على نبوة نبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يستسخرون: يقول: يسخرون ويستهزءون.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة( وَإذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ ) : يسخرون منها ويستهزئون.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله( وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ ) قال: يستهزِئون، يَسْتَخْسرون.

القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ (15) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآبَاؤُنَا الأوَّلُونَ (17) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (18) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (19) }

يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء المشركون من قُرَيش بالله لمحمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : ما هذا الذي جئتنا به إلا سحرٌ مبين.

يقول: يبين لمن تأمله ورآه أنه سحر(أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون) يقولون، منكرين بعث

(21/24)

الله إياهم بعد بلائهم: أئنا لمبعوثون أحياء من قبورنا بعد مماتنا، ومصيرنا ترابا وعظاما، قد ذهب عنها اللحوم

(أوآباؤنا الأولون) الذين مضوا من قبلنا، فبادوا وهلكوا.

يقول الله لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: قل لهؤلاء: نعم أنتم مبعوثون بعد مصيركم ترابا وعظاما أحياء كما كنتم قبل مماتكم، وأنتم داخرون.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة(أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون) تكذيبا بالبعث(قل نعم وأنتم داخرون)

وقوله(وأنتم داخرون) يقول تعالى ذكره: وأنتم صاغرون أشد الصَّغَر; من قولهم: صاغر داخر.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة(وأنتم داخرون) : أي صاغرون.

حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله( وأنْتُمْ دَاخِرُونَ ) قال: صاغرون.

وقوله( فإنَّما هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ ) يقول تعالى ذكره: فإنما هي صيحة واحدة، وذلك هو النفخ في الصور( فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ ) يقول: فإذا هم شاخصة أبصارهم ينظرون إلى ما كانوا يوعدونه من قيام الساعة ويعاينونه.

كما حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله(زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ) قال: هي النفخة

(21/25)

وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21) }

يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء المشركون المكذبون إذا زجرت زجرة واحدة، ونُفخ في الصور نفخة واحدة:( يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ ) يقولون: هذا يوم الجزاء والمحاسبة.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة( هَذَا يَوْمُ الدِّينِ ) قال: يدين الله فيه العباد بأعمالهم.

حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله( هَذَا يَوْمُ الدِّينِ ) قال: يوم الحساب.

وقوله( هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ) يقول تعالى ذكره: هذا يوم فصل الله بين خلقه بالعدل من قضائه الذي كنتم به تكذبون في الدنيا فتنكرونه.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة( هَذَا يَوْمُ الفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ) يعني: يوم القيامة.

حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله( هَذَا يَوْمُ الفَصْلِ ) قال: يوم يُقضى بين أهل الجنة وأهل النار .

القول في تأويل قوله تعالى : { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ

(21/26)

احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23)

وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) }

وفي هذا الكلام متروك استغني بدلالة ما ذكر عما ترك، وهو: فيقال: احشروا الذين ظلموا، ومعنى ذلك اجمعوا الذين كفروا بالله في الدنيا وعصوه وأزواجهم وأشياعهم على ما كانوا عليه من الكفر بالله وما كانوا يعبدون من دون الله من الآلهة.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن سماك بن حرب، عن النعمان بن بشير، عن عمر بن الخطاب( احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ ) قال: ضرباءهم.

حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس( احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجهُمْ ) يقول: نظراءهم.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله( احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ ) يعني: أتباعهم، ومن أشبههم من الظلمة.

حدثنا محمد بن المثني، قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن داود، قال: سألت أبا العالية، عن قول الله:( احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ) قال: الذين ظلموا وأشياعهم.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثني عبد الأعلى، قال: ثنا داود، عن أبي العالية، أنه قال في هذه الآية،( احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ ) قال: وأشياعهم.

(21/27)

حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا داود، عن أبي العالية مثله.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله( احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأزْوَاجهُمْ ) : أي وأشياعهم الكفار مع الكفار.

حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله:( احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأزْوَاجهُمْ ) قال: وأشباههم.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله( احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأزْوَاجهُمْ ) قال: أزواجهم في الأعمال، وقرأ( وكُنْتُمْ أزْوَاجا ثَلاثَةً فَأصحَابُ المَيْمَنَةِ ما أصحَابُ المَيْمَنَةِ. وَأَصْحَابُ المَشأَمَةِ ما أصحَابُ المَشْأمةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) فالسابقون زوج وأصحاب الميمنة زوج، وأصحاب الشمال زوج، قال: كل من كان من هذا حشره الله معه. وقرأ:( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) قال: زوجت على الأعمال، لكل واحد من هؤلاء زوج، زوج الله بعض هؤلاء بعضا، زوج أصحاب اليمين أصحاب اليمين، وأصحاب المشأمة أصحاب المشأمة، والسابقين السابقين، قال: فهذا قوله( احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ ) قال: أزواج الأعمال التي زوجهن الله.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله( وَأَزْوَاجَهُمْ ) قال: أمثالهم.

وقوله( وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إلى صِراطِ الجَحِيمِ ) يقول تعالى ذكره: احشروا هؤلاء المشركين وآلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله، فوجهوهم إلى طريق الجحيم.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

(21/28)

وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة( وما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ) الأصنام.

حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله( فَاهْدُوهُمْ إلى صِرَاطِ الْجَحِيمِ ) يقول: وجِّهوهم، وقيل: إن الجحيم الباب الرابع من أبواب النار.

القول في تأويل قوله تعالى : { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24) }

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دليلك إلى المواقع الإسلامية المنتقاة بأكثر من ( 42 ) لغة !!

دليلك إلى المواقع الإسلامية المنتقاة بأكثر من ( 42 ) لغة !! اللغة الرابط اللغة الأذرية http://www.islamhouse.com/s/9357 ...